سبیل النجاه فی اصول الدین

اشارة

سرشناسه:طیب اصفهانی،سید عبدالحسین، 1214 - 1314ق.

عنوان و نام پديدآور:سبیل النجاه فی اصول الدین/ السیدعبدالحسین طیب الاصفهانی؛ حققه السیدمهدی الرجائی؛ علق علیه السیدقاسم علی احمدی.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما ، 1441ق.= 1399.

مشخصات ظاهری:2ج.(550ص.)

شابک:700000 ریال:978-600-442207-9

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه.

موضوع:شیعه -- اصول دین

موضوع:Shi'ah -- *Pillars of Islam

موضوع:کلام شیعه امامیه

موضوع:*Imamite Shiites theology

موضوع:شیعه -- عقاید

موضوع:Shia'h -- Doctrines

شناسه افزوده:رجایی، سیدمهدی، 1336 -

شناسه افزوده:علی احمدی، سید قاسم، 1345 -

رده بندی کنگره:BP211/5

رده بندی دیویی:297/4172

شماره کتابشناسی ملی:6152185

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص:1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات... 5

المقدمة. 13

ترجمة المؤلّف.... 19

اسمه و نسبه: 19

الإطراء عليه: 21

أدوار تحصيله: 22

مشايخه في تحصيل العلوم: 23

مشايخه في الرواية: 24

تآليفه القيّمة: 25

ولادته و وفاته: 27

الصفحة الاُولى من الكتاب بخطّ مولّفه. 28

سبيل النجاة. 29

الجزء الأوّل.. 29

المقصد الأوّل.. 36

المطلب الأوّل.. 36

في فضل الإيمان و الفرق بينه و بين الإسلام و مراتبه. 36

المطلب الثاني.. 38

ص: 5

في وجوب المعرفة. 38

المطلب الثالث... 39

في إثبات الصانع و توحيده و صفاته. 39

الأمر الأوّل: في إثبات وجوده. 39

الأمر الثاني: في توحيده. 46

الأمر الثالث: في صفاته. 49

الصفات الجماليّة. 58

الأمر الأوّل: تزييف قاعدة الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد.. 59

الأمر الثاني: في قدم العالم و حدوثه. 60

الأمر الثالث: هل الإرادة من صفات الذات أو من صفات الفعل.. 61

الأمر الرابع: القدماء الثمانية. 65

الأمر الخامس: في أفعال العباد. 65

المسلك الأوّل.. 65

المسلك الثاني.. 66

المسلك الثالث.... 66

الأمر السادس: في التوفيق و التأييد.. 67

الأمر السابع: في البداء. 68

الأمر الثامن: في التوحيد الأفعالي.. 69

الأمر التاسع: في التوحيد العبادتي.. 70

الأمر العاشر: في لزوم التكليف.... 72

المطلب الرابع.. 74

في النبوّة. 74

المبحث الأول: في إثبات النبوّة العامّة. 74

المبحث الثاني: في نسخ الشرائع.. 74

المبحث الثالث: في اشتراط العصمة و الأكملية و المعجزة. 75

المبحث الرابع: في موانع النبوّة. 82

ص: 6

المبحث الخامس: في و جوب النظر. 83

المبحث السادس: في التواتر. 83

المبحث السابع: في نبوّة موسى (علیه السلام) . 84

و كتابه التي عليه اليهود. 84

المبحث الثامن: في نبوّة عيسى (علیه السلام) . 86

و كتابه التي عليها النصارى و ادّعوا تواترها 86

المبحث التاسع: في نبوّة نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) . 88

الجزء الثاني.. 95

النبوّة الخاصّة في بحث المعاجز القرآنية. 95

الأمر الثاني: في المعراج الجسماني.. 112

الأمر الثالث: في الخاتميّة. 118

الأمر الرابع: في أفضليته (صلی الله علیه و آله و سلم) و أكمليته. 120

و أشرفيته و أقدميته على جميع ما سوي اللّه تعالى.. 120

الجزء الثالث... 129

الكلام في الإمامة. 129

المقام الأوّل: في معنى الإمامة. 130

المقام الثاني: في بيان احتياج الاُمّة إلى الإمام. 134

المقام الثالث: في لزوم نصب الإمام (علیه السلام) على اللّه تبارك و تعالی... 143

و تعيينه و ليس للاُمّة جعله و نصبه. 143

المقام الرابع: في لزوم جعل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الخليفة. 146

المقام الخامس: في الشرائط المعتبرة في الإمام. 150

الأوّل: العصمة بالمعنيين.. 150

الثاني: الأكملية و الأفضلية. 171

الشرط الثالث: في لزوم كون الإمام (علیه السلام) صاحب المعجزة. 181

المقام السادس: في بيان الموانع.. 184

التي تدلّ على عدم قابلية واجدها للإمامة. 184

ص: 7

المقام السابع: مسألة الإمامة من المسائل الاُصولية الاعتقادية. 186

المقام الثامن: في شؤون الإمامة و فضائل الإمام. 190

المقصد الثاني.. 195

في صغرى المسألة. 195

المقام الأوّل: في إبطال خلافة أبي بكر و أخويه. 195

و بني اُمية و بني العبّاس و غيرهم من خلفاء الجور. 195

المجلّد الثّاني.. 209

ما ورد في خلافة أبي بكر. 218

ما ورد في خلافة عمر بن الخطّاب... 237

ما ورد في خلافة عثمان.. 249

المقام الثاني: في إثبات خلافة أميرالمؤمنين علي (علیه السلام) . 258

المطلب الثاني: في دلالة الآية السابعة على المطلوب... 268

المطلب الثالث: في دلالة الآية الثامنة على المرام. 269

المقام الثالث: في شؤونهم و فضائلهم.. 291

المقام الرابع: في معاجزهم.. 292

المقام الخامس: في غيبة ولي العصر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) . 293

إشكال و دفع: 310

المطلب الثاني: في الأخبار الواردة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و عن آبائه الطيبين.. 317

في إمامته و غيبته و اسمه الشريف و اسم اُمّه زائداً على ما تقدّم في إثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر 317

المطلب الثالث: في علائم ظهوره (عجل الله تعالی فرجه الشریف) . 339

المطلب الرابع: في نوّابه الخاصّة و العامّة في غيبته الصغرى و الكبرى... 343

المطلب الخامس: في كيفية ظهوره (عجل الله تعالی فرجه الشریف) . 350

خاتمة: في الرجعة. 355

المطلب الأوّل: في إثبات كونها من ضروريات مذهب الشيعة الاثني عشرية. 355

ص: 8

المطلب الثاني: في ثبوت الرجعة في الاُمم السالفة كما تنادي بها الآيات الكثيرة. 365

المطلب الثالث: في دفع شبهات منكري الرجعة. 366

المطلب الرابع: في من يرجع.. 367

لفت نظر: 368

الكلام في المعاد. 371

الأمر الأوّل.. 372

الأمر الثاني.. 377

الأمر الثالث: دفع شبهة الآكل و المأكول.. 379

الأمر الرابع: دفع شبهة إعادة المعدوم. 383

الأوّل: في عدم ابتناء المعاد على ذلك..... 383

المقام الثاني: في أصل المسألة. 386

الأمر الخامس: في إبطال التناسخ... 389

الأمر السادس: في إثبات المعاد بنحو الاجمال.. 392

المقام الأوّل: في حقيقة الموت و أسبابه و أنحائه. 409

أسباب الموت... 410

كيفية الموت... 411

المقام الثاني: في ذكر ملك الموت و أعوانه و كيفية قبضه الأرواح.. 413

حضور إبليس عند المحتضر. 420

حضور الأعمال و الأموال و الأولاد عند المحتضر. 422

المقام الثالث: في الهول المطّلع.. 422

تعلّق الروح بعد مفارقة البدن إلى القالب المثالي.. 425

ما يرد على الإنسان في عالم البرزخ.. 426

حال ضعفاء العقول و المجانين و القاصرين في البرزخ.. 426

السؤال في القبر. 427

ما يجب الاعتقاد به. 427

ص: 9

الاُمور الثابتة بضرورة الدين.. 428

المقام الرابع: في أشراط الساعة و علامات القيامة. 429

المقام الخامس: في أسامي يوم القيامة المذكورة في القرآن المجيد.. 433

المقام السادس: في ذكر مقدار يوم القيامة و مواقفه. 444

المقام السابع: في كيفية خروج الخلائق من القبور و ورودهم في المحشر و أوضاعه 446

المقام الثامن: في تطاير الكتب و نشر الصحف.... 450

المقام التاسع: في محاسبة يوم القيامة. 453

المطلب الأوّل: فيمن يحاسب.... 453

المطلب الثاني.. 454

المطلب الثالث.... 455

المطلب الرابع.. 455

المطلب الخامس.... 456

المقام العاشر: في الميزان.. 457

المطلب الأوّل.. 457

المطلب الثاني.. 458

المطلب الثالث.... 459

المطلب الرابع.. 460

المطلب الخامس.... 461

المطلب السادس.... 461

المطلب السابع: في الإحباط و التكفير. 462

المقام الحادي عشر: فيما يسأل عنه يوم القيامة. 464

المقام الثاني عشر: في الصراط... 467

المقام الثالث عشر: في أصحاب الأعراف و الأطفال و المستضعفين و المجانين و أولاد الزنا و المرجّين لأمر اللّه 470

المقام الرابع عشر: في الجنّة و النار. 474

ص: 10

المبحث الأوّل: في كونهما مخلوقان الآن.. 474

المبحث الثاني: في أوصاف الجنّة و نعمائها و لذائذها و أهلها 479

المبحث الثالث: في أوصاف جهنّم و عقوباتها أعاذنا اللّه منها برحمته. 490

المبحث الرابع: في الخلود و التسرمد.. 500

خاتمة: 510

فيما يوجب الخوف و الرجاء. 510

إشكال و دفع.. 529

المقام الأوّل: في إثبات الشفاعة. 535

المقام الثاني: في معنى الشفاعة و حقيقتها و مراتبها 538

المقام الثالث.... 539

المقام الرابع: في شرائط الشافع و المشفّع له. 539

فهرس المصادر و المراجع.. 542

ص: 11

ص: 12

المقدمة

لسماحة آیة الله السید محمود بحرالعلوم المیردامادي دام ظلّه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلی الله علی محمّد و آله الطّاهرين، سيّما بقيّة الله في الأرضين، و لعنة الله علی أعدائهم أجمعين.

لا تخفى ضرورة الاهتمام بالعقائد الحقّة على العلماء و أصحاب الرؤية الثاقبة، لا سيّما في هذا العصر حيث تتعرّض العقيدة الإسلامية إلى هجمة شرسة من قبل الأعداء، و يسعى الاستعمار - من خلال تأسيسه للمذاهب المختلقة و بثّ الشبهات - إلى إضعاف الدّين الحنيف و شريعة خاتم المرسلين (صلی الله علیه و آله و سلم) . و كما نرى فإن منشأ هذه الشبهات في بعض الأحيان عبارة عن مغالطات لا تقوم على مقدمات صحيحة، أو أنها تقوم على صغريات و كبريات غير منطقية، و يتم التسويق لها باسم المعقول تارة و باسم الكشف و الكرامات و العرفان تارة أخرى.

الأمر الآخر هو أن الوقاية خير من العلاج، و يجب اللجوء إليها قبل أن يداهمنا الوباء؛ و من هنا يجب على الحوزات العلمية أن تعمل على تسليح وبناء طلاب العلوم الدينية من خلال التدريس الاستدلالي للعقائد الحقّة، قبل أن

ص: 13

تتسلل الأحزاب الشيطانية و التيارات المنحرفة إلى دائرة العقائد الإسلامية. في حين لا نرى من الحوزات العلمية في الغالب غير الاهتمام بالفقه و الفروع الشرعية، و لا يتمّ تدريس العقائد و لا شرح مباني القرآن الكريم و العترة الأطهار (علیهم السلام) في العقائد كما ينبغي.

و كانت نتيجة هذا الإهمال، أن فقد تدريس الكلام و العقيدة مكانته الرفيعة، الأمر الذي قلل من فرص نجاح طلاب العلوم الدينية في الدفاع عن العقائد الحقّة.

ألم يأمر القرآن الكريم بفقه أصول العقائد و الدفاع عن المعتقدات الحقّة؟ إذن ما هو الموضوع الذي عناه الله سبحانه و تعالى بقوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}؟ بالالتفات إلى هذه الآية الكريمة يتضح أن الكلام فيها يشمل جميع أبعاد الدين و مسائله، و {الدّين} يشمل جميع الأصول و الفروع، و علينا أن نعلم أن الأصل مقدّم على الفرع، و أن معرفة المكلِّف تأتي قبل معرفة التكليف.

لا يخفى على المحققين أن الإنذار يتجه بالدرجة الأولى إلى الغافلين عن المبدأ و المعاد، أو الذين يعانون ضعفاً في الاعتقاد بالنبوّة و الإمامة و التوجّه إلى واسطة الفيض الإلهي و نعني به إمام العصر و الزّمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، و نتيجة لذلك فإن التفقه الذي يريده القرآن الكريم أولاً: هو التفقّه في أصول العقائد، و ثانياً: هو الذي يشمل العلم بالأحکام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيليّة.

و قد كان حفظ الثغور من قبل علماء و فقهاء الشيعة و كبار المذهب فيالسابق ينصبّ أولاً على أصول الدين و قواعده و جذوره.

و لهذا كان فقدان هؤلاء العظام يترك ثلمة لا يمكن جبرانها، و خسارة لا

ص: 14

يمكن التعويض عنها، و تورث في قلوب المؤمنين حرقة لا تنطفئ.

لا شك في أن الموقف هنا بحاجة إلى صائن للدين، مخالف للهوى، و إلى فقيه عظيم مخلص، لا يعمل إلا لله، يعتلي المنبر و أن يخطب و يكتب في الحوزة «سبيل النجاة» و أن يبيّن «الكلم الطيّب» للجامعيين.

إن مؤلّف هذا الكتاب بالإضافة إلى تدريس خارج الفقه و الأصول في الحوزة العلمية، كان له حلقة درس بين الناس و طبقة الأطباء و المهندسين، حيث يلقي عليهم دروساً في العقائد و التفسير، و يدافع مخلصاً عن حياض الدّين الحنيف و عقائده.

كنت ألتقيه في الحوزة العلمية، و أستفيد - في الوقت نفسه - من حلاوة كلماته التي كان يلقيها على المنابر.

لقد كان مجتهداً مخلصاً يحمل هموم عقائد الناس، و يفكر في تربية و هداية الأشخاص - و لا سيّما منهم شريحة طلاب الجامعات - إلى الصراط المستقيم و مفاهيم القرآن و معارف العترة الأطهار (علیهم السلام) .

كان صاحب تفسير «أطيب البيان»، الذائب في حبّ الإمام صاحب العصر و الزّمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) العالم العامل آية الله الراحل الحاج السيد عبد الحسين الطيّب (قدس سره) من خرّيجي الحوزة العلمية في النجف الأشرف، و من مفاخر الحوزة العلمية فيإصفهان، و كان قبل ذلك قد انتهل من معين كبار الأساتذة، و قد بذل مجهوداً كبيراً في طلب العلم، و كان لكلامه العذب في المجالس الدينيّة التي تنعقد في مدينته تأثير بليغ و بيان آسر، يستمدّ عذوبته و حلاوته من خلال الاستعانة بالروايات المأثورة عن المعصومين (علیهم السلام) ، و هو يعمل على تفسير القرآن الكريم، و

ص: 15

في الختام يقرأ المأتم في بيان مصائب أجداده الميامين.

لقد كان فارس الأدب و الأخلاق، و كان عالماً غيوراً يقظاً، و قد اختص بعلاقة قلبية مع سيدنا و مولانا الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، و مشمولاً لخاصة دعوات مولاه، و قد شمّر عن ساعديه ليكتب في التفسير برعاية خاصّة من إمام زمانه.

إني و منذ أن تشرّفت بالذهاب إلى النجف الأشرف (حوالي عام 1430 للهجرة)، كنت بالإضافة إلى بحث و تدريس الفقه و الأصول، أمضي جلّ وقتي في تدريس العقائد الحقّة، و كانت الثمرة الأولى التي أفرزتها تلك الأبحاث عبارة عن كتاب «آفاق الولاية في فقه الإمامة»، حيث تولى بعض الفضلاء مهمة تقريره و نشره.

و في تلك الأعوام اطلعت على مختلف الكتب في حقل العقائد، و من بينها كتاب «الكلم الطيّب» لمؤلّفه آية الله الطيّب (قدس سره) باللغة الفارسيّة، و قد سبق لي أن قرأته فوجدته بعد التدقيق مفيداً جداً للطلاب، فقمت بتشجيع بعض الفضلاء على تعريبه؛ فشملتنا ألطاف الله في حينها، حيث بشّرَنا نجله فضيلة الدكتورالسيد محمد تقي الطيّب (دام بقاؤه) بأن كتاب «سبيل النّجاة» باللغة العربية يفي بدور «الكلم الطيّب»؛ فاتضح عندها أن «سبيل النجاة» قد كتبه المرحوم آية الله الطيّب (قدس سره) باللغة العربية في نفس موضوع «الكلم الطيّب»، و لكنّه كان لا يزال حتى ذلك الحين محفوظاً عند نجله المحترم، دون أن يأخذ طريقه إلى الطبع.

و قد شمل توفيق هذه الخدمة الجليلة، و نعني بها طباعة و نشر هذا الكتاب، قسم الهيئة العلميّة و التحقيقيّة في مركز وليّ العصر العالمي؛ حيث تمّ إعداده للطبع بعد تحقيقه من قبل الأستاذ المحقّق سماحة الحاج السيد

ص: 16

مهدي الرجائي (دام بقاؤه). كما لا ننسى مساهمة الأستاذ المحقّق سماحة الحاج الشيخ علي أكبر مهدي بور (دام بقاؤه)، و الفاضل الأريب فضيلة السيد فيّاض حسين الحسيني (دام بقاؤه) في تحقيق هذا الكتاب. و قد كتب الأستاذ المحقّق سماحة الحاج السيد قاسم علي أحمدي (دام بقاؤه) بعض التعليقات على هذا الكتاب،(رمزه: عا) حيث تفتح هذه الخدمة باب البحث العلمي في الحوزة العلمية.

فأتقدم بالشكر الجزيل لكل هؤلاء الّذين تقدّمت أسماؤهم، كما أشكر كل من كانت له مساهمة في هذا المشروع، و أخصّ منهم بالذكر كلّا من نجل المؤلّف (دام بقاؤه)، و الفاضل الأريب فضيلة الحاج السيد محمد مهدي التجويدي (دام بقاؤه)، و الفاضل الأريب فضيلة الحاج السيد محمد جعفر الروضاتي (دام بقاؤه)، إذ كان لكل واحد منهم إسهام في تذليل الطريق أمام نشر هذا الأثر العلمي و الديني.و السلام عليهم و رحمة الله و بركاته

النجف الأشرف - السید محمود بحرالعلوم المیردامادي

رجب الأصب 1441 للهجرة

ص: 17

ص: 18

ترجمة المؤلّف

اسمه و نسبه:

ذكر المؤلّف _ (قدس سره) _ تفصيل سلسلة نسبه الشريف الى الإمام المعصوم (علیه السلام) في خاتمة تفسيره الشريف أطيب البيان في تفسير القرآن، قال ما هذا لفظه:

السيد عبدالحسين المعروف و المدعوّ بالطيّب ابن السيد الجليل و العالم النبيل المير محمّدتقي ابن السيد الجليل المير أبي القاسم ابن السيد الأجلّ المير علينقي ابن المير محمّدباقر، و هو من أجلاّء علماء عصره، و كانت داره ملجأً للفقراء و ذوي الحاجات، و هو إمام المسجد الجديد العبّاسي المعروف بمسجد شاه، و كان مدرّساً في مدرسة الميرزا مهدي في بيدآباد، بل بناء المدرسة كان لأجله و بأمره، كما يستفاد من عبارة «الوقف نامه» بل يستفاد منه أنّه كان صاحب الكرامات، و مستجاب الدعوة، و كان علماء عصره كلّهم منقادين له، و من الطاف اللّه سبحانه في حقّه: إنّه كان له أبناء سبعة كلّهم فريد عصره و وحيد دهره، و كان هو صاحب العطايا الكثيرة.

ابن المير إسماعيل كان عالماً مشتغلاً بالوعظ و التدريس، و إماماً في المسجد السلطاني العبّاسي، و له تصانيف كثيرة.

ابن المير أبي صالح، كان عالماً و إماماً في المسجد المتقدّم ذكره، فيإرشاد

ص: 19

المسلمين: نقل عن الحاج محمّدإبراهيم الكلباسي (قدس سره) أنّه قال: تشرّفت في صغر سنّي مع والدي بخدمة المير محمّدباقر اللنباني، و كان يقول: إنّ المير أباصالح كان سيداً جليلاً، و قد كتب الكلباسي (قدس سره) في حاشية شجره نامه ما يدلّ على علوّ شأن السيد المذكور.

ابن المير عبدالرزّاق هو صاحب الكرامات و المقامات العالية، خرج من سبزوار الى اصفهان، و توطّن فيها قبل تسلّط الأفغان على إيران بسنة، و كان من علماء عصر الصفوية.

ابن السيد محمّد، كان من علماء سبزوار، معروفاً بالزهد و الورع، و قبره الآن في سبزوار.

ابن المير أبي المعالي، كان نقيباً في العراق، و عند اختلاف الصفوية مع الدولة العثمانية وقع انقلاب شديد في العراق، ففوّض السيد المومى اليه النقابة إلى بني أعمامه، و خرج من العراق إلى سبزوار و توطّن فيها.

هو ابن السيد محمّد، كان في ابتداء زمانه في سبزوار، و كانت إيران في ذلك الزمان منقلباً لظهور الدولة الصفوية، فخرج السيد الى بغداد و توطّن فيها، و توجّه إليه وجوه الشيعة في العراق، و كان و الي العراق في ذلك الزمان «بازيك بيك» فلمّا توجّه الشاه إسماعيل الصفوي إلى بغداد و حاصرها خاف الوالي من السيد محمّد، فحبسه في مطمورة السجن، فلمّا تسلّط الشاه إسماعيل على بغداد و فتحها أخرج السيد من الحبس و أرسله بإجلال مع الخدم و الحشمإلى النجف الأشرف، و فوّض إليه سدنة الروضة كما كانت لآبائه من قبل، نقل ذلك عن المجالس.

ص: 20

و هو ابن السيد عبدالرضا، بن أبي الفتح السيد محمّد بن السيد مهدي بن السيد تاج الدين علي بن السيد شمس الدين بن ناصرالدين أحمد بن السيد شمس الدين محمّد بن السيد شمس الدين علي، بن السيد عميدالدين عبدالمطّلب بن السيد أبي نصر إبراهيم جلال الدين بن عميد الملّة و الدين عبدالمطّلب بن السيد شمس الدين علي بن السيد تاج الدين حسن بن شمس الدين علي بن السيد عميدالدين أبي جعفر بن أبي نزار عدنان بن عبيداللّه الرابع بن أبي علي المختار بن أبي مسلم الأحول بن أبي الفتح محمّد بن أبي القاسم محمّد الأشتر بن عبيداللّه الثالث بن علي بن عبيداللّه الثاني بن أبي الحسن علي الزوج الصالح بن أبي علي عبيداللّه الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين (علیه السلام) .(1)

الإطراء عليه:

كان عالماً محقّقاً جامعاً فاضلاً فقيهاً اُصولياً مجتهداً كاملاً مفسّراً متكلّماً زاهداً عابداً خدوماً ساعياً في قضاء حوائج الناس، و كان له محافل قيّمة في بيان المعارف الدينية، تربّى و تخرّج منها كثير من العلماء و الفضلاء و الأخيار، و كان يقيم صلاة الجماعة في أوقاتها الثلاثة، مواظباً عليها، رأيته كثيراً باصفهان متصلّباً في دينه، و كان يدرّس الدروس العالية في مدرسة الصدر بأصفهان، وكان معروفاً بالمواظبة على إتيان المستحبّات و الأوراد الواردة في الأشهر الثلاثة و غيرها، و مواظباً على الأدعية و الزيارات، و كان مواظباً أيضاً على قرائة القرآن دائماً، و قراءة زيارة العاشوراء مع آدابه، و مواظباً أيضاً على الصلوات

ص: 21


1- _ أطيب البيان، ج23، ص499_ 510 مختصراً.

المستحبّة و صلاة الليل في طول عمره الشريف، و الحاصل كان موفّقاً علماً و عملاً، فجزاه اللّه خير جزاء المحسنين.

أدوار تحصيله:

قال المؤلّف في خاتمة تفسيره أطيب البيان في ترجمته: إنّي أنا العبد الفقير الذليل المستكين السيد عبدالحسين الطيّب غفر اللّه له، قد درست قسماً من المقدّمات في مدرسة الميرزا مهدي، و أكملتها خلال ثلاث سنين عند المرحوم الحاج الآخوند زفره اي.

ثمّ تتلمذت في مدرسة الصدر مدّة عشر سنوات في دراسة السطوح و الخارج عند أساتيد العظام، و انشغلت كذلك في إقامة الجماعة مدّة عشرين سنة، أمضيت قسماً من تلك المدّة في مدرسة الجدّة الكبرى و الصغرى، و مدرسة شاه زاده ها، و مدرسة چهارباغ.

ثمّ تشرّفت في مدرسة الصدر في النجف الأشرف عند الأساتيد العظام المذكورين لحضور البحث الخارج.

و بعد الفراغ من التحصيل الدراسي الحوزوي رجعت إلى اصفهان للاشتغال بالتدريس في مدرسة الصدر و إقامة الجماعة.ثمّ بني لي مسجد، و هو المسمّى بمسجد الطيّب لإقامة الجماعة و بيان المواعظ و الأحكام، و لي هناك مجالس معيّنة في ليالي الاُسبوع، و محاضرات في بيان الأخبار و تفيسر الآيات و مكارم الأخلاق و الأحكام.

و لمّا خرب المسجد و صار في الطريق المسمّى بشارع مسجد السيد بني لي مسجد آخر سمّي بمسجد الأتقى في باب القصر، ثمّ بني لي المسجد الأعظم في

ص: 22

خيابان المير «المسجد الكازروني» و بقيت إلى الآن مقيماً في المسجدين لإقامة الجماعة و بيان المسائل المهمّة المبتلى بها... إلى آخر كلامه(1).

مشايخه في تحصيل العلوم:

ذكر المؤلّف مشايخه الذين استفاد منهم العلوم و المعارف الدينية، و هم:

1 _ المرحوم الملاّ عبدالجواد.

2 _ الحاج الآخوند زفره اي، قرأ عليه من أوّل السطح إلى المعالم.

3 _ السيد آقا جان، درس عليه المطوّل.

4 _ السيد أحمد الخوانساري، درس عليه المعالم.

5 _ الشيخ علي اليزدي، درس عليه شرح اللمعة.

6 _ الشيخ أسداللّه القمشه اي، درس عليه الحكمة و الحساب و الجبر و المقابلة و الهيئة و النجوم.7 _ الشيخ حسن اليزدي، درس عليه المنطق.

8 _ السيد مهدي الدرچه اي، درس عليه القوانين و الكفاية.

9 _ الملاّ عبدالكريم الگزي، درس عليه المتاجر للشيخ.

10 _ المير محمّدصادق المدرّس، درس عليه الفرائد و خارج الاُصول.

11 _ الشيخ محمّدعلي الدزفولي، درس عليه الكفاية.

ص: 23


1- _ أطيب البيان، ج23، ص513_ 514.

12 _ السيد أبوالقاسم الدهكردي، درس عليه خارج الفقه.

13 _ المير محمّدتقي المدرّس، درس عليه خارج الاُصول.

14 _ السيد محمّدباقر الدرچه اي، درس عليه خارج الفقه في أحد عشر سنة.

15 _ الشيخ عبدالكريم الحائري، درس عليه في قم خارج الفقه.

16 _ الشيخ جواد البلاغي.

17 _ السيد أبوتراب الخوانساري، درس عليه الرجال و الدراية.

18 _ الشيخ آقا ضياءالدين العراقي، درس عليه منجّزات المريض.

19 _ الشيخ محمّدحسين الاصفهاني، درس عليه خارج الاُصول.

20 _ السيد أبوالحسن الاصفهاني، درس عليه خارج الفقه.

21 _ الميرزا محمّدحسين النائيني، درس عليه خارج الفقه و الاُصول.

22 _ السيد حسين المعروف ب_«بلند» و هو أخ جدّنا السيد محمّدباقرالرجائي، درس عليه خارج الاُصول.

23 _ السيد إسماعيل الريزي، درس عليه خارج الفقه.

مشايخه في الرواية:

و أمّا مشايخه في الرواية و الدراية، فهم:

1 _ الميرزا محمّدحسين النائيني.

2 _ السيد أبوالحسن الاصفهاني.

ص: 24

3 _ الشيخ ضياءالدين العراقي.

4 _ الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي.

5 _ الحاج آقا حسين القمّي.

6 _ الميرزا آقا الاصطهباناتي.

7 _ الشيخ محمّدكاظم الشيرازي.

8 _ الشيخ محمود الرازي الطهراني.

9 _ الشيخ محمّدحسين الفشاركي.

10 _ السيد محمّدباقر الدرچه اي.(1)

تآليفه القيّمة:

و له (قدس سره) تآليف قيّمة في التفسير و الفقه و الاُصول و المعارف و العقائد، و هي.

1 _ أطيب البيان في تفسير القرآن، باللغة الفارسية طبع أوّلاً في 14 مجلّد، ثمّ طبع أخيراً مع تحقيق كامل في 23 مجلّد.

2 _ الكلم الطيّب في العقائد، مطبوع.

3 _ العمل الصالح في العقائد و الأخلاق و المعاصي الكبار.

4 _ سبيل النجاة في العقائد، و هو هذا الكتاب بين يديك، حقّقت و قابلت الكتاب على نسخة الأصل بخطّ مؤلّفه.

ص: 25


1- _ أطيب البيان، ج23، ص211_ 512.

5 _ تقريرات أبحاث السيد محمّدباقر الدرچه اي في الفقه و الاُصول.

6 _ تقريرات أبحاث السيد المير محمّد الصادقي في الاُصول.

7 _ تقريرات أبحاث الميرزا محمّدحسين النائيني.

8 _ تقريرات أبحاث الآقا ضياءالدين العراقي.

9 _ تقريرات أبحاث السيد أبي الحسن الاصفهاني في الفقه.

10 _ تقريرات أبحاث الشيخ محمّدحسين الاصفهاني في الاُصول.

11 _ تقريرات أبحاث السيد حسين المعروف ب_«بلند».

12 _ تقريرات السيد إسماعيل الريزي.

13 _ تقريرات السيد أبي تراب الخوانساري.14 _ تقريرات الشيخ عبدالكريم الحائري.

15 _ تقريرات المير محمّدتقي المدرّس.

16 _ حاشية على لباس المشكوك للمحقّق النائيني.

17 _ حاشية على لباس المشكوك للمحقّق العراقي.

18 _ حاشية على الاستصحاب للمحقّق النائيني.

19 _ رسالة في صلاة الجمعة في عصر الغيبة.

20 _ رسالة في شرائط صلاة الجمعة إقامة الإمام و المأذون منه.

ص: 26

ولادته و وفاته:

ولد في سنة 1312 ه_ ق باصفهان، و توفّي والده في الثاني عشر من عمره الشريف، و تكفّله اُمّه، و اشتغل من صباه بتحصيل العلوم و المعارف، و درس عند أكابر علماء اصفهان آنذاك، و كان أكثر تحصيله في السطوح عند العالم الحاج الشيخ أبي القاسم الزفره اي، و درس الحكمة و المعقول عند العالم الشيخ أسد اللّه القمشه اي. ثمّ حضر في الفقه بمدّة أحد عشر سنة عند العالم الفقيه الاُصولي المجتهد السيد محمّدباقر الدرچه اي، كما أشار إليه في كتابه هذا.

ثمّ هاجر في طلب العلم إلى قم، و حضر مدّة سنة كاملة عند العالم الفقيهالحاج الشيخ عبدالكريم الحائري، ثمّ سافر في طلب العلم إلى العتبات المقدّسة، و استفاد من أعلامها، إلى أن بلغ مرتبة الاجتهاد و الاستنباط، و أجازه جمع من الأعلام و الفقهاء العظام.

و توفّي بعد مضي قرن كامل من عمره الشريف في تاسع محرّم الحرام سنة (1412) ه_ ق، و دفن في المسجد الكازروني الذي كان يقيم الصلاة جماعة فيه.

و في الختام اُقدّم ثنائي العاطر لفضيلة العلاّمة السيد محمود بحرالعلوم الميردامادي حفظه اللّه و رعاه لعنايته لنشر هذا الأثر القيّم و الخالد، و إخراجه من الزوايا إلى عالم النور، فجزاه اللّه خير جزاء المحسنين، و الحمد للّه ربّ العالمين.

السيد مهدي الرجائي

خامس شعبان المعظّم سنة (1440) ه- ق

ص: 27

الصفحة الاُولى من الكتاب بخطّ مولّفه

ص: 28

سبيل النجاة

«في أصول الدّین»

للمتکلّم المفسّر الفقیه العلاّمة

آیة الله الحاج السيد عبدالحسين الطيّب الاصفهاني (قدس سره)

1312 _ 1412 ه- ق

المجلّد الأوّل

اشارة

ص: 29

ص: 30

الجزء الاول: في الایمان و التقوی

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله أجمعين، و اللعنة على أعدائهم أعداء الدين.

و بعد: يقول العبد الآثم الجاني عبدالحسين بن محمّدتقي المدعوّ ب_«الطيّب» حشرهما اللّه مع أجدادهما الطيبين: هذه و جيزة في سبل النجاة.

و لا يخفى أنّ النجاة من المهالك في الدارين، و تحصيل سعادة النشأتين، منوط بأمرين:

أحدهما: العلم بطرق الوصول إليها.

و الثاني: المشي في الطريق المعلوم، حتّى يصل إلى ما هو المقصود المعبّر عنه بالعمل.

فالنجاة مختصّة بالعالم العامل. و أمّا الجاهل التارك، أو الجاهل العامل، أوالعالم التارك، فلا نجاة له أصلاً، كما يكون الأمر كذلك في الطرق الحسّية، و هذا واضح بالبرهان العقلي من دون حاجة إلى إثباته بالكتاب و السنّة.

ص: 31

و العلم بالطرق يحتاج إلى وجود هادٍ و معلّمٍ خبير بالطرق من جانب اللّه، و من هنا قلنا بأنّ إرسال الرسل و إنزال الكتب واجب على اللّه تعالى، و نحن نحتاج إليه، و بدونه يلزم العبث في الخلقة.

فخير الهادين نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) ؛ لأنّه أعلم بطرق الخير و السعادة و النجاة من جميع الأنبياء و الملائكة و الخلق أجمعين.

و أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في زمان حياته جعل لاُمّته إلى يوم القيامة سببين و وسيلتين إلى هداية اُمّته، و هما كتاب اللّه و عترته، فقال (صلی الله علیه و آله و سلم) بالسند المتواتر بين الفريقين: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا.(1)

و قد رواه العامّة في كتبهم بأسناد متعدّدة تزيد على سبعين.

ففي مسند حنبل بأربعة طرق(2)، و سبطه بواحد، و صحيح مسلم بأربعة(3)،

و الثعلبي بطريقين، و ابن المغازلي الشافعي بخمسة(4)، و أبوالحسن الأندلسي

ص: 32


1- _ حديث صحيح متواتر، رواه الفريقان في معاجمهم الحديثية، قد صدر هذا الحديث منه (صلی الله علیه و آله و سلم) في مواضع، منها يوم عرفة على ناقته القصوى، و في مسجد خيف، و في خطبة يوم الغدير في حجّة الوداع، و يوم قبض في خطبته على المنبر، و غيرها.
2- _ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، ج2، ص585، ح 990؛ مسند أحمد بن حنبل، ج17، ص170 و ص309 و ج18، ص114 و ج32، ص64.
3- _ صحيح مسلم، ج7، ص122 و 123.
4- _ المناقب لابن المغازلي، ص140 و ص214 و 215.

في جامعه(1)

عن صحيحي الترمذي(2)

و أبي داود، و أيضاً ابن المغازلي بأسنادجديدة اُخرى، و السمعاني في فضائل الصحابة بواحد، و صدر الأئمّة أخطب الخوارزمي موفّق بن أحمد بثلاثة(3).

و الحمويني محمّد بن إبراهيم بثمانية(4)،

و المسعودي بثلاثة، و الحميدي(5)

و صاحب المشكاة(6)

و الزهري، و ابن الحجر في صواعقه(7)

بأسناد متكثّرة، إلى غير ذلك في كتبهم(8).

ثمّ إنّ هذين الثقلين تطابقا على أنّ النجاة منوط بأمرين: الإيمان، و التقوى.

ص: 33


1- _ إحقاق الحقّ و إزهاق الباطل، ج9، ص324 عنه.
2- _ صحيح الترمذي، ج13، ص199_ 200.
3- _ مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص156 و ص239.
4- _ فرائد السمطين للحمويني، ج1، ص317 و ج2، ص142_ 147.
5- _ إحقاق الحقّ و إزهاق الباطل، ج9، ص323 عنه.
6- _ مشكاة المصابيح، ج3، ص258.
7- _ الصواعق المحرقة، ص262.
8- _ راجع: إحقاق الحقّ و إزهاق الباطل، ج9، ص309_375.

و الإيمان عبارة عن الإعتقاد(1)

بالعقائد الحقّة الثابتة بالأدلّة العقلية(2) من المعرفة باللّه و صفاته و أفعاله، و بمراتب توحيده، و بعدله، و بنبوّة أنبيائه، و نبوّة نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) و خاتميته، و التصديق بجميع ما جاء به من عند ربّه، و إمامة الأئمّة الإثني عشر، و شؤونهم و فضائلهم، و غيبة قائمهم و ظهوره فيما بعد، و

ص: 34


1- _ و يعتبر فيه اُمور أربعة، الأوّل: اليقين و العلم، فلا يكفى الظنّ و الشكّ، فلو دخل في شيء من العقائد شبهة، أو تزلزل، أو اضطراب لكان صدق الإيمان عليه مشكل. الثاني: الإقرار باللسان، فاليقين بلا إقرار لا يكفي في الإيمان. الثالث: عقد القلب وإطلاق الاعتقاد عليه من هذه الجهة، و هو المعبّر عنه بالفارسية بدل بستن. الرابع: التسليم و الانقياد والرضا «منه» غفر له.
2- _ الأدلّة التي استدلّ بها في باب العقائد المفيدة للعلم على أصناف ثمانيّة: الأوّل: الأدلّة العقلية المحضة، المعبّر عنها بالعقل المستقلّ، كإثبات الصانع و توحيده، و بعض صفاته، و سلب النقائص عنه، و النبوّة العامّة و نحوه كالعدل. الثاني: العقلية الغير المحضة المعبّر عنه بغير المستقلّ، و هي ما يحتاج في إثباته بالعقل من انضمام أمر خارجي إليه، كالنبوّة الخاصّة حيث يحتاج في حكم العقل بها من إثبات دعوى النبوّة و واجديته للشرائط، و فقدان موانع النبوّة، و الإتيان بالمعجزة، فالعقل يحكم بأنّه نبي، و كذا إثبات الإمامة بالأكملية أو بالمعجزة. الثالث: نصّ الكتاب. الرابع: نصّ الخبر المتواتر في جميع الطبقات. الخامس:غير المتواتر المحفوف بالقرائن القطعية. السادس: ضرورة الدين. السابع: ضرورة المذهب. الثامن: إجماع علماء الشيعة، فالعدلية منحصرة بذلك و غيرها لا يفيد علماً، و لا يكتفى به في باب العقائد «منه» غفر له.

رجعة الأئمّة، و بالموت و ما بعده من خصوصيات المعاد.

و مجموع تلك العقائد تبلغ خمسين، و يجمعها الأخلاق الإسلامي، و مرجعهاإلى خمسة بل ثلاثة، و هي: التوحيد، و النبوّة، و الإقرار(1) بما جاء به النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و التقوى عبارة عن فعل الطاعة و ترك المعصية، و هما على قسمين: الطاعات، و المعاصي الظاهرية الجوارحية، و الطاعات و المعاصي القلبية الباطنية التي عبارة عن التخلّق بمحامد الأخلاق، و التنزّه عن رذائلها.

فمقاصد هذه الكتاب ثلاثة: الأوّل في الإيمان، و الثاني في تقوى الظاهر، و الثالث في تقوى الباطن، و إرجاع كلّ إلى الآخر ممكن.

مثلاً يمكن إدخال التقوى بالمعنين؛ لكون الإيمان مبثوث على الجوارح، كما ورد على ذلك أخبار.(2)

و يمكن إدخال كلّ في طاعة الجوارح و معصيتها؛ لأنّ الإيمان و محامد

ص: 35


1- _ قوله «و الإقرار» أقول: ما نسب إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في هذا الدين على ثلاثة أصناف: الأوّل: ما هو قطعي الصدور منه (صلی الله علیه و آله و سلم) بأحد من الأدلّة المتقدّمة العلمية، و هذا يجب الإقرار به تفصيلاً، و لا يجوز إنكاره؛ لأنّ إنكاره يرجع إلى إنكار الرسالة و يوجب الكفر أو الارتداد، و يجري عليه أحكام الكفر و الارتداد. الثاني: ما هو قطعي الخلاف، بحيث يعلم بعدم صدوره، كالبدع التي أوردها المبدعون في الدين، و هذا يجب إنكاره و الاعتقاد بخلافه. الثالث: ما لم يعلم صدوره و لا عدمه، فإن لم يقم دليل ظنّي عليه من الأخبار و غيرها، فيجب السكوت عنه؛ لما قد ورد من أنّه اُسكتوا عمّا سكت اللّه عنه، وإن قام دليل غير علمي على أحد طرفيه، فيجب الإقرار و الاعتقاد به اجمالاً، و على ما هو عليه، و لا تعتقد بشيء لم يصل عنهم، و لا تنكر شيئاً معتبراً «منه» غفر له.
2- _ بحار الأنوار، ج66، ص23، ح6؛ الكافي، ج2، ص33، ح1.

الأخلاق أعظم الطاعات لأعظم الجوارح، و هو القلب، و كذلك الكفر و رذائل الأخلاق أشدّ المعاصي.

و يمكن إدخال كلّ في طاعة الباطن؛ لأنّ الإيمان و التقوى من أعظم محامد الأخلاق، و الكفر و الفسوق من أشدّ الرذائل، و حينئذٍ نقول: أمّا

المقصد الأوّل

اشارة

ففيه مطالب:

المطلب الأوّل: في فضل الإيمان و الفرق بينه و بين الإسلام و مراتبه

أمّا فضله، فكفى فيه كون النجاة في الآخرة منوطة به، و هو شرط في صحّة جميع الأعمال، حتّى أنّ من عبد اللّه طول الدهر بدون الإيمان ما كان له على اللّه ثواب، و أنّ من مات مؤمناً لنجا، و لو جاء يوم القيامة بذنوب أهل الدنيا.

و أمّا الفرق بينه و بين الإسلام(1)،

فبالعموم المطلق، و الإسلام إنّما يفيد في

ص: 36


1- _ قد ذكر في الفرق بينهما وجوه أربعه، الأوّل: أنّ الإسلام مجرّد الإقرار باللسان دون القلب، و الإيمان هو مع الاعتقاد القلبي، و استدلّ على ذلك بقوله تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ»، «الحجرات: 14» الآية. الثاني: أنّ الإسلام هو الاعتقاد الغير الراسخ، و الإيمان هو الراسخ منه، و استدلّ لذلك بالآية المتقدّمة، بدعوى أنّ المراد من قوله: «وَ لَمَّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ» عدم رسوخه، لا عدم دخوله أصلاً؛ لأنّه كفرٌ و نفاق، لا إسلام. الثالث: أنّ الإسلام هو مجرّد الاعتقاد من دون عمل، و الإيمان هو الاعتقاد مع العمل، و استدلّ على ذلك بأخبار كثيرة مذكورة في باب الإيمان و الكفر، من أنّ الإيمان عمل كلّه. الرابع: أنّ الإسلام عبارة عن الإقرار بالتوحيد و النبوّة و سائر ضروريات الدين، التي إنكاره يورث الكفر و الارتداد، و الإيمان هو ذلك مع الاعتقاد بالعدل و الولاية و سائر ضروريات المذهب التي إنكاره يورث الضلالة . ثمّ إنّ هنا خلاف آخر، و هو أنّ الإيمان هل هو مجرّد الإقرار باللسان، أو الاعتقاد بالجنان، أو هما معاً، أو هما مع العمل بالأركان، أو الإقرار و العمل و الاعتقاد مع العمل، أو العمل المجرّد؟ فيه احتمالات، بل أقوال، و الحقّ أنّه مجرّد الاعتقاد و الإقرار كاشف عنه، و العمل مكمّل له، و بذلك تقدر على الجمع بين الأخبار المختلفة، و التفصيل موكول إلى محلّه، و لا يسع هذا المختصر أبسط من ذلك «منه» غفر له.

الدنيا في إجراء أحكامه عليه.

و أمّا الآخرة، فحكم المسلم غير المؤمن حكم الكافر، بل أشدّ منه.

و أمّا مراتبه و درجاته، فكثيرة بل غير متناهية، فأين درجة إيمان أميرالمؤمنين (علیه السلام) مع إيمان أضعف الشيعة.

و تعدّد درجات الإيمان: تارة من حيث الاعتقاد قوّةً و ضعفاً، كلاًّ و بعضاً.

و اُخرى من حيث الأعمال صحّةً و فساداً، كثرةً و قلّةً، خالصةً و مشوبةً.

و ثالثةً: من حيث الأخلاق كثرةً و قلّةً، شدّةً و خفّةً، و كلّ ذلك غير محصور.فكلّ من قوي اعتقاده، و حسن أخلاقه، و خلص أعماله، كان إيمانه أقوى، و كلّما ضعف ذلك، ضعف إيمانه.

و بهذا تقدر على الجمع بين الأخبار في تعيين مراتبها، حيث عيّن في بعضها سبعة، و في بعضها عشرة، و في بعضها تسع و أربعين جزءً، و جعل لكلّ جزءٍ أعشاراً، و في بعضها اُطلق الدرجات و المراتب كالسُلَّم و المرقاة، و

ص: 37

في بعضها جعل قسمين: مستقرّ، و مستودع.

فينبغي للإنسان أن لا يكتفي بما عنده، بل كان في مقام الزيادة و التكميل في تمام عمره، بل جعل فوق الإيمان في بعض الأخبار التقوى؛ لأنّه إيمان مع العمل، و فوق التقوى اليقين.

و جعل لليقين أيضاً في بعض الأخبار مراتب: علم اليقين، و عين اليقين، و حقّ اليقين، فمن شدّة يقينه يرى نفسه في الجنّة و النار، و كونه حاضراً عند اللّه، و أنّ ما يصدر في العالم فمن اللّه، و أنّ الأسباب و الوسائط كلّها مقهورة تحت قدرته، حتّى في مثل أفعال العباد الصادرة عنهم باختيارهم.(1)

المطلب الثاني: في وجوب المعرفة

و قد استدلّ بذلك تارةً بقاعدة دفع الضرر المحتمل، بل المظنون، بل المقطوع،كمن احتمل السمّ في شربه أو أكله، أو السبع في طريقه، أو العقرب في لباسه.

و اُخرى بقاعدة شكر المنعم، و قبح كفرانه، نظير من ضلّ في الطريق و لم يكن له مأكل و مشرب، و مرض مرضاً شديداً أشرف على الهلاك آيساً من جميع الأسباب، فجاء رجل أنعم عليه و أحسن إليه، و آواه و داواه حتّى برأ، و

ص: 38


1- _ أقول: فللعباد الإختيار في الفعل و الترك و أنه لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين، فالقول بأنّ العباد مجبورون في أفعالهم يستلزم الظلم و القول بأن لا مدخل لله تعالى مطلقاً في أفعال العباد كفرٌ، بل لله تعالی مدخل بالهدایات و التوفيقات و ترکها _ المعبّر في عرف الشرع بالإضلال _ و لا بصير العبد بتلک التوفيقات مجبوراً بالفعل و لا بترکها في الترک کما أفادة العلامة المجلسي (رحمة الله) في إعتقاداته و علی هذا فإن کان مراد المؤلّف ما ذکرناه فهو المطلوب و الّا ففیه اشکال. (عا)

أعطى إليه من المال أكثر ما يتصوّر، و أرسله إلى وطنه.

فهل يحكم العقل بأنّ الواجب على هذا الرجل شكر نعم منعمه، أو كفرانه بالمساعدة مع أعدائه، و الخروج إلى حربه و مقاتلته؟ و شكر كلّ منعم ما يليق بمقامه، و هو موقوف على المعرفة به و بمقامه.

المطلب الثالث: في إثبات الصانع و توحيده و صفاته
اشارة

و فيه اُمور:

الأمر الأوّل: في إثبات وجوده

و قد ذهب جماعة إلى كونه من البديهيات الأوّلية غير المحتاجة إلى الاستدال.

قال اللّه تعالى: {أَفِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ}.(1)

و قال أبو عبداللّه (علیه السلام) في دعاء العرفة المنسوب اليه: كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّىيَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَ مَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الْآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً.(2)

أقول: يؤيد ذلك بل يدلّ عليه أنّ جميع المهيات الممكنة ظهورها

ص: 39


1- _ سورة إبراهيم: 10.
2- _ إقبال الأعمال، ج1، ص349؛ بحار الأنوار، ج64، ص142 و ج 95، ص226.

بوجودها، و أنّه تعالى حقيقة الوجود، و بحت الوجود، و صرف الوجود،(1)

و

ص: 40


1- _ أقول: القول بأنّ الذات الإلهيّة المقدّسة مساوية للوجود و انه لا يصدر منها إلا الوجود و أنّه صرف الوجود و أنّ بسيط الحقيقة کلّ الأشياء و ... واضح البطلان؛ فإنّ لفظة «الله» اسم علم للذات الإلهية المقدّسة المباینة لغيرها من الموجودات. و أما کلمة «الوجود» فهي لغةً و عرفاً تعنی التحقّق و الثبوت و عليه فلا ربط بين لفظة الجلالة و بين کلمة «الوجود» فهما من المعاني المتخالفةمثل زيد و الشجاعة. ببيان آخر: فد يراد من کلمة «الوجود» المعنی الحرفی الرابط و الذي يرادفه في الفارسية (است) و قد يراد به المعنی المصدري المتضمّن للنسبة إلی الفاعل و الذي يرادفعه في الفارسية (بودن) و قد يراد به اسم المصدر الفاقد في نفس مفهومه للنسبة إلی الفاعل و الذي يرادفه في الفارسية (هستی)، و هذه الاصطلاحات الثلاثة مستعملة في العرف و اللغة. و قد يراد بکلمة «الوجود» نفس الحقيقة العينيّة و الذي يحکی عنها بهذا المفهوم العام. و يعبّر عنها في کلماتهم «بالحقيقة البسيطة النوريّة التي حيثيّة ذاتها حيثية الإباء عن العدم و منشئيّة الآثار» و يعبّر عنها أيضاً في لسان القوم «بحقيقة الوجود» و هي التي اختلف في أصالتها و عدمها. فهذا المعني لکلمة «الوجود» مجرّد اصطلاح مبنيّ علی الإدّعاء و فاسد بالأدلّة العقليّة و النقليّة و لا ربط له بکلمة «الوجود» عرفاً و لغةً و عقلاً. و علی هذا، فالقول بأنّ الله تعالی هو الوجود _ مضافاً إلی ما ذُکر _ إخبار عن حقيقة ذاته تعالی و تعیین کنهه سبحانه بحقيقة الوجود التي هي حقيقة جميع الأشياء عندهم _ بالرّشح و الفيضان أو التطوّر و التجلّي _ و هو ممنوعٌ عقلاً و شرعاً. لا یخفی أنّه فرق بين القول بأنّه تعالی «موجود ثابت محقّق» کما في الأخبار، و بين القول بأنّه سبحانه «وجود»؛ لأنّ الأوّل إخبار عن کونه تعالی شيئاً حقيقياً لا موهوماً و لا باطلاً، بخلاف الثاني فإنّه إخبار عن معرفة کنهه و حقیقة ذاته سبحانه و إن لم یفهم حقيقةَ الوجود و اعترف بعجزه عن درک حقيقة الوجود و قال: «بأنّ کنهه لا يدرک»، إلّا أن يراد من القول «بأنّه تعالی وجود» أنّه ثابت و متحقّق و موجود. (عا)

الوجود نور، و المهية ظلمة،(1) و إنّما يظهر بالنور الظلمة، فهو تعالى ظاهر بذاته مظهر لغيره، كما هو معنى النور {اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}(2).

و قال أميرالمؤمنين: يا نورُ يا قدّوس.(3)

و ذهب جماعة اُخرى إلى كونه نظرياً، و استدلّ عليه: تارةً بتقسيم الموجود إلى الواجب و الممكن، و كلّ ممكن لابدّ و أن ينتهي إلى الواجب، و إلاّ لزم الدور أو التسلسل، و كلاهما محال باطل.

و اُخرى بالتقسيم إلى القديم و الحادث، و أنّ كلّ حادث يحتاج في وجوده إلى محدث حتّى ينتهي إلى القديم، و إلاّ لدار أو تسلسل.

ص: 41


1- _ أقول: أنّ هذا الکلام مبتنٍ علی أصالة الوجود و إعتبارية الماهية مع أنّ ما إستدلّوا بها لأصالة الوجود کلّها مبتنية علی مقدمات غير مسلّمة او مصادرة علی المطلوب. و المراد من الوجود عند القائلين بأصالة الوجود ليس المعنی الکلّي الإنتزاعي و المحمول علی الأشياء و هو الذی یعدّ من المعقولات الفلسفية الثانيّة، بل المقصود من الوجود هو نفس الحقيقة العينية و هو المعنی الذي جاء به ملا صدرا. فالقول بأصالة الوجود معناه: أنّه لا تحصّل للأشياء حقيقةً و إنما الثابت في الخارج وجود محض، فما نراه و نسمّيه شجراً و حجراً و انساناً و أرضاً و سماءً ... کلّه وهم و خيال علی هذا المبنی، لأنّ الذي متحصّل في الخارج إنّما هو الوجود فقط و الوجود شیئ واحد لا تمایز و لا تفاوت فيه. و امّا القائلون بأصالة الماهيّة فمرادهم من الماهيّة هو: ما به الشيئ هو هو، لا القالب الذهني و لا الحد العقلي المنتزع من الأشياء و إلّا فالماهية بمعنی القالب الذهني و الحد العقلي لا شکّ في إعتباريتها حتی عند القائلين بأصالة الماهية. (عا)
2- _ سورة النور: 35.
3- _ إقبال الأعمال، ج2، ص707؛ مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج 2، ص844.

و ثالثة بدلالة الآثار على المؤثّر، كما نطقت به الكتاب و السنّة.(1)

أمّا الكتاب، فكثير:

منها قوله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ تَصرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(2)

و منها قوله تعالى في سورة الأنعام: {إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤفَكُونَ}، {فالِقُ الإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}، {وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآْياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، {وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآْياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}، {وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَ غَيْرَ مُتَشَابِهٍ

ص: 42


1- _ تنبيه: أنّ طريق معرفته تعالی بإدراک العقل هو الإستدلال علیه بآیاته و آثاره و أفعاله تعالی. و البرهان الممکن إقامته علی إثبات الواجب تعالی هو البرهان الإنّي الذي ینتقل فيه من المصنوع الی الصانع «و المعلول إلی العلّة» لإنّا نستدلّ من المصنوع الذي هو المعلول علی الصانع الذي هو العلّة بملاحظة الصنع و الإبداع و التکوین و لایمکن إقامة البرهان اللّمّي الذي ینتقل فيه من العلّة إلی المعلول، اذ لا علّة له تعالی. و لا یخفی أن البرهانین المذکورین في المتن يرجعان الی هذا البرهان.(عا)
2- _ سورة البقرة: 164.

انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.(1)

و منها قوله تعالى في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللّهُ ذلكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، {إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَ الأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون}.(2)

و منها قوله تعالى في سورة الرعد: {وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {وَ فِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الاُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.(3)

و منها قوله تعالى في سورة النحل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ}، {وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، {وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اِتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ}، {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً

ص: 43


1- _ سورة الأنعام: 95_ 99.
2- _ سورة يونس: 5_ 6.
3- _ سورة الرعد: 3_ 4.

لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.(1)و منها قوله تعالي في سورة النحل أيضاً: {أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُونَ}.(2)

و منها قوله تعالى في سورة الروم: {وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}، {وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ وَ ألْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْعالِمِينَ}، {وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ اِبْتِغاؤكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، {وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، {وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُون}.(3) إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا السنّة، فهي أيضاً كثيرة:

منها: ما عن التوحيد عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) حيث سئل: بِمَا عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: بِفَسخِ العَزْمِ، وَ نَقْضِ الهِمَمِ، لَمَّا أَن هَمَمتُ حَالَ بَينِي وَ بَينَ هَمِّي، وَ عَزَمتُ فَخَالَفَ القَضَاءُ عَزمِي، فَعَلِمتُ أَنَّ المُدَبِّرَ غَيرِي.(4)

ص: 44


1- _ سورة النحل: 66_ 69.
2- _ سورة النحل: 79.
3- _ سورة الروم: 20_ 25.
4- _ بحار الأنوار، ج 3، ص42، ح17؛ التوحيد للشيخ الصدوق، ص288، ح 6.

و منها: ما عن الصادق (علیه السلام) حيث سئل عن اللّه، فقال للسائل: يَا عَبدَ اللَّهِ! هَل رَكِبتَ سَفِينَةً قَطُّ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ (علیه السلام) : فَهَل كُسِرَت بِكَ حَيثُ لا سَفِينَةَ تُنجِيكَ وَ لا سِبَاحَةَ تُغنِيكَ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ (علیه السلام) : فَهَل تَعَلَّقَ قَلبُكَ هُنَالِكَ أَنَّ شَيئاً مِنَالأَشيَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَن يُخَلِّصَكَ مِن وَرطَتِكَ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : فَذَلِكَ الشَّيءُ هُوَ اللَّهُ القَادِرُ عَلَى الإِنجَاءِ حَيثُ لا مُنجِيَ، وَ عَلَى الإِغَاثَةِ حَيثُ لا مُغِيث.(1)

و منها: ما عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، حيث قيل له: مَا الدَّلِيلُ عَلَى حَدَثِ(2)

العَالِمِ؟ قَالَ: أَنتَ لَم تَكُن ثُمَّ كُنتَ، وَ قَد عَلِمتَ أَنَّكَ لَم تُكَوِّن نَفسَكَ و لا كَوَّنَكَ مَن هُوَ مِثلُك.(3)

إلى غير ذلك من الأخبار.

و لقد أحسن الأعرابي، حيث قال: البعرة تدلّ على البعير، و أثر الأقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج لا تدلاّن على الصانع اللطيف الخبير؟(4)

و سئل عارف بم عرفت ربّك؟ فقال: بواردات ترد على القلوب، و تعجز

ص: 45


1- _ بحار الأنوار، ج 3، ص41، ح16؛ التفسير الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) ، ص 22، ح6؛ معاني الأخبار، ص4، ح2.
2- _ في الأصل: حدوث، و فی نسخة من کتاب التوحید: «حدث».
3- _ التوحيد للشيخ الصدوق، ص293؛ كشف الغمّة، ج2، ص286.
4- _ بحار الأنوار، ج66، ص134.

النفس عن تكذيبها.(1)

أقول: معرفة الصانع جبلي حتّى في الحيوانات، كما يشاهد ذلك عند اضطراره.

الأمر الثاني: في توحيده

عن كتاب التوحيد: بإسناده عن شريح بن هانى ء، عن أبيه، قالَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَامَ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَوَاحِدٌ؟ قَالَ فَحَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالُوا: يَا أَعْرَابِيُّ! أَ مَا تَرَى مَا فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَقَسُّمِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : دَعُوهُ فَإِنَّ الَّذِي يُرِيدُهُ الْأَعْرَابِيُّ هُوَ الَّذِي نُرِيدُهُ مِنَ الْقَوْمِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ! إِنَّ الْقَوْلَ فِي أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، فَوَجْهَانِ مِنْهَا لَا يَجُوزَانِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ وَجْهَانِ يَثْبُتَانِ فِيهِ.

فَأَمَّا اللَّذَانِ لَا يَجُوزَانِ عَلَيْهِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ وَاحِدٌ يَقْصِدُ بِهِ بَابَ الْأَعْدَادِ، فَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا لَا ثَانِيَ لَهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْأَعْدَادِ، أَ مَا تَرَى أَنَّهُ كَفَرَ مَنْ قَالَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، وَ قَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ يُرِيدُ بِهِ النَّوْعَ مِنَ الْجِنْسِ، فَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ وَ جَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ وَ تَعَالَى.

وَ أَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ يَثْبُتَانِ فِيهِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ فِي الْأَشْيَاءِ شِبْهٌ كَذَلِكَ رَبُّنَا، وَ قَوْلُ الْقَائِلِ إِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَحَدِيُّ الْمَعْنَى، يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ فِي وُجُودٍ وَ لَا عَقْلٍ وَ لَا وَهْمٍ كَذَلِكَ رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ. (2)

ص: 46


1- _ المحجّة البيضاء فى تهذيب الإحياء للفيض الكاشاني، ج1، ص209.
2- _ بحار الأنوار، ج 3، ص206، ح1؛ التوحيد للشيخ الصدوق، ص83، ح3؛ الخصال ج1، ص 2، ح1.

أقول: توضيح الكلام في المقام: أنّه تعالى صرف الوجود، و بحت الوجود،(1)

و لا ماهية له، أي: لا حدّ له؛ لأنّ الماهية عبارة عن حدّ الوجود، و لا يعقل التعدّد في صرف الوجود؛ لأنّ التعدّد إنّما هو في الماهيات، حيث يكون لكلّ منهما حدّ من الوجود لم يكن في الآخر، فيلزم التركّب من الوجود و الماهية، فيلبس لباس الإمكان، و يحتاج في وجوده إلى موجد، و إلى بقاء وجوده، و إلى نفس وجوده.

و بهذا البيان ظهر أنّه تعالى ليس له الوحدة العددية؛ لأنّ الواحد بالعدد ممّا تقبل التعدّد فيه، و قد ظهر أنّه من المستحيل.

ص: 47


1- _ أقول: قد قلنا فيما تقدّم أنّ اطلاق «الوجود» عليه تعالی و القول بأنّ ذاته سبحانه مساوية للوجود فاسد من الأساس کما أنّ القول بأنّ الماهيّة عبارة عن حدّ الوجود هو مبنيّ علی القول بأصالة الوجود و إعتباريّة الماهية و المستفاد من الکتاب و السنّة و العقل هو أنّه تعالی لا تدرک ذاته و لا صفاته و مباین لمخلوقاته و منزّه عن الإدراک و التصوّر و التوهّم مع أنّ له تحقّق و ثبوت في الخارج، و ليست مباینته تعالی للأشياء من جهت الأمر الإعتباري «أی الماهية» ببیان أنّ الممکن زوج ترکيبي له ماهية و وجود و هو تعالی منزّه عن الماهية، و أما فی حقيقة الوجود فهو متّحد مع سائر الأشياء. و بعبارة أخری: کان الله تعالی متعالياً عن ملاک المصنوعية و المخلوقية _ و هو قابلية الوجود و العدم و الزيادة و النقيصة و کونه ذا جزء و عدّ و مقدار و زمان و مکان _ و ليس هو تعالی حقيقة الوجود التي تشترک فيها الممکنات أو مصداقاً لمفهوم يطلق علی الأمور المشترکة في حقيقة الوجود. فما ذکره الماتن (رحمة الله) : «أنه تعالی صرف الوجود ... و لا يعقل التعدّد في صرف الوجود ...» مبني علی أساس غير صحيح و هو القول بأصالة الوجود و ثبوت الحقيقة البسيطة النورية التي حيثية ذاتها حیثية الإباء عن العدم، و قد تقدّم بطلانه. فبعد قيام الأدلّة القطعية الدّالة علی تنزّهه سبحانه عن کلّ ما یتّصف به المخلوقات من قبيل الزمان و المکان و الشبه و المثل و غيرها من الأوصاف التي تجري علی المخلوفات و قيام الأدلّة علی أنّه تعالی يکون ذاتاً متفرداً متوحّداً منزّهاً عن کلّ ما سواه، لا وجه لما ذکره الماتن (رحمة الله) : «من أنّه لو لم يکن الله تعالی صرف الوجود يلزم ترکّبه تعالی من الوجود و الماهية و تلبّسه بلباس الإمکان».(عا)

و منه ظهر أنّ قول النصارى أنّه تعالى ثالث ثلاثة(1)

كفر، لا من جهة الشرك فقط، بل من جهة فرض قابلية التعدّد، و إثبات الماهية له تعالى.(2)

و أيضاً ظهر أنّه تعالى ليس واحداً بالنوع، كالكوكب النهاري؛ لأنّ النوع ممّا يقبل الصدق على الكثيرين، فيمكن فرض المثل و الشبيه له، مضافاً إلى أنّ الفرد من النوع مركّب من الحقيقة النوعية مع الخصوصيات الفردية، فهذان الوجهان اللذان لا يجوز عليه تعالى.

و أمّا الواحد بمعنى أنّه لا شبيه له و لا نظير، فهو كذلك؛ لأنّ صرف الوجود لا

ص: 48


1- _ إشارة إلى قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} المائدة: 73.
2- _ أقول: إنّ الذي ظهر من کلامه هو: «أنّ تعدّد صرف الوجود مستحيل؛ لأنّه ...» و قد قلنا إنّ المبنی باطل و خلاف المعارف الأوليّة الدينيّة. نعم لا شکّ أنّ الواجب تعالی ليس مورداً للوحدة العدديّة حتّی نحتاج في نفي التعدّد إلی الدّليل؛ لأنّ الوحدة العدديّة لا يتطرّق إلا فيما أمکن له الثاني، و ما هو مورد للتعدّد ممّا هو داخل في جامع. الله تعالی واحد بمعنی أنّه لا تتطرّق فيه التعدّد و الکثرة و أنّه أحديّ المعنی أي لا ينقسم لا عقلاً و لا وهماً و لا خارجاً، و لا يشارکه مع المخلوقات في شيئ و ليس له شبه في الأشياء، بل کلّ ما يمکن في الخلق يمتنع من صانعه و لا يجري عليه ما هو أجراه علی خلقه. کما عن مولانا الصادق (علیه السلام) :«لَا يَلِيقُ بِالَّذِي هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ مُتَعَالِياً عَنْ كُلِّ شَيْ ءٍ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى»، و عن أمير المؤمنين (علیه السلام) :«مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَ مَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ»، و عنه (علیه السلام) : «مَنْ وَصَفَ اللَّهَ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ». و الحاصل، أنّ وحدته تعالی ليست من سنخ سائر الموجودات، فوحدتها عدديّة قابلة للتکرّر و التکثّر بخلاف وحدته تعالی؛ فإنها ليست من باب الأعداد فهو لا يتثنّی و لا يمکن أن يکون له ثانٍ فلا شبيه له و لا نظير، فأي تسانخ بينه سبحانه و بين سائر الموجودات بعد عدم إمکان الشبيه و المثيل له. (عا)

شبيه له و لا نظير،(1)

بل كلّ موجود سواه مركّب من الوجود و الماهية، فليس شبيهاً له.

و أمّا بمعنى أحدي الذات؛ فلأنّ كلّ موجود سواه: إمّا مركّب في الخارج كالأجسام من الأجزاء، أو في العقل كالنوع المركّب من الجنس و الفصل، أو في الوهم كالتركيب بين الوجود و الماهية، و أنّه تعالى لا جزء له و لا جنس و لا فصل و لا ماهية له، فاحفظ ذلك، فإنّك تحتاج إليه فيما بعد.

الأمر الثالث: في صفاته
اشارة

و هي على أقسام: الكمالية، و الجلالية، و الجمالية.لا يخفى أنّ ذاته المقدّسة كما عرفت صرف الوجود، و بحت الوجود، و لا ماهية له، و لا حدّ لوجوده، فوجوده تامّ فوق التمام، بحيث لا نهاية لوجوده، بل هو تعالى واجد لجميع مراتب الوجود،(2) فكلّ صفة يكون فقدها موجباً لفاقديته

ص: 49


1- _ أقول: لا شکّ في أنّه تعالی لا شبيه له و لا نظير، و لکنّ الاخبار عن کنه ذاته تعالی بأنّه سبحانه «وجودٌ أو حقيقةُ الوجود أو صرف الوجود أو کلّ الوجود» اخبار عن حقيقة ذاته و إن لم يفهم و لم يدرک حقيقة الوجود، و هو ممنوع عقلاً و شرعاً. کما أنّه تشبيه بالمخلوق و تنظير له _ لو قلنا بأصالة الوجود و وحدته _ و هو في الحقيقة إثبات للمثل و الشبه له تعالی و هو المنفي بقوله شبحانه:«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ» و غير ذلک من الأدلّة النقليّة و العقليّة. (عا)
2- _ أقول: هذا الکلام کلّه يبتني علی مباني فاسدة نذکر بعضها علی سبيل التنبيه و التذکّر: منها: أنّ الأصل الأصيل و المتحقّق في الخارج هو الوجود لا الأشياء الخارجيّة، و هو مردودٌ بأنّ مفهوم الوجود من المفاهيم العامّة الإنتزاعيّة التي ينتزع فيها معنی عام من أمور متباينة من جهة واحدة و هو طرد العدم کمفاهيم الثبوت و الکون و الماهية و ... و لا يجب أن تکون المفاهيم العامّة من الأمور المتأصّلة بل تکون من المفاهيم العامّة المنتزعة و المعقولات الثانية التي یکون العروض فيها في الذهن و الإتّصاف في الخارج. منها کون الوجود ذي مراتب أعلی مراتبها هو الواجب و المرتبة الضعيفة هو المخلوق و القول بذلک يستلزم توالي فاسده کثيره: الف) إشتراک الخالق و المخلوق في حقيقة الذات و السنخيّة بينهما.ب) يلزم کون الحقيقة الواحدة واجبة الوجود في مرتبة عالية و ممکنة الوجود في مرتبة ضعيفة، فالحقيقة الواحدة (أي الوجود الذي عندهم بسيط لا جزء و لا جنس و لا فصل له فیرجع ما به الإمتياز فيه إلی ما به الإشتراک) واجبةٌ و ممکنةٌ و هو إجتماع النقيضين. ج) يلزم واجديّته تعالی لجميع مراتب الوجود و إحاطته سبحانه لذاته و لوجوده، لکلّ شیئ و هذا يستلزم الشمول و الحواية و وحدة الوجود ... و غيرها من المفاسد التي لا مجال لبيانها هنا و سيأتي بعضها في التعاليق الآتية. و لاحظ لوضوح ما ذکرناه،کتابنا «تنزیه المعبود في الردّ علی وحدة الوجود».(عا)

بعض مراتب الوجود، و محدوديته بحدّ عدمي المساوق للماهية؛ لأنّ الماهية عبارة عن حدّ عدمي، فهذه الصفة صفة كمال؛ لأنّ فقده يوجب النقص في بعض مراتب الوجود، فيلزم الاحتياج و التركيب، و هو مناف لوجوب الوجود، و يلزم كونه ممكن الوجود.

كالعلم فإنّ العلم أمر وجودي، و مرتبة من مراتب الوجود،(1)

و الجهل أمر عدمي؛ لأنّه عبارة عن فقدان العلم ممّن شأنه وجدانه، فلو كان ذاته تعالى جاهلاً، لزم فقدان مرتبة من مراتب الوجود، فيصير محدوداً من حدّين: حدّ وجودي، و حدّ عدمي، و هو الجهل.

و كالقدرة و الحياة و السمع و البصر و الإرادة و الإدراك، و مرجع الأربعة الأخيرة إلى العلم، و كذلك العظمة و الكبرياء و العزّة و القدم و الأبدية و السرمدية و العلوّ و القوّة، و كذلك الحكمة التي مرجعها أيضاً إلى العلم، إلى غير ذلك من صفات الذات؛ لأنّ ضدّ جميعها أمر عدمي، و توجب فقدان مرتبة من مراتب الوجود من العجز و الموت، و عدم العلم بالمسموعات و المبصرات و المدركات و المصالح

ص: 50


1- _ أقول: بما ذکرناه _ في ما تقدّم و نذکره في التعاليق الآتية _ يظهر الإشکال في المقام و نظائره. (عا)

و الحقارة و الصغر و الذلّة و الحدوث و الفناء و الدنوّ و الضعف و نحوها، و يكون جميعها حدود عدمية، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و من هذا البيان ظهر لك اُمور:

الأوّل: أنّه لا نهاية لشيء من تلك الصفات؛ لأنّ الالتزام بنهاية شيء منها يوجب المحذور المذكور، و مساوق مع إنكارها رأساً في ذلك.(1)

الثاني: أنّ هذه الصفات عين ذاته تعالى، و كذلك كلّ واحد منها عين الآخر؛ لما عرفت من أنّ ذاته المقدّسة أعلى مراتب الوجود ببساطتها، فلا يشذّ منه مرتبة من مراتبها من الوجودات المتكثّرة.

و لو أردت المثال لذلك و للّه المثل الأعلى، تأمّل في النور، فإنّ أعلا مراتب

ص: 51


1- _ أقول: لا يخفی أنّ القول بإحاطته تعالی ذاتاً لخلقه و إتّصافه سبحانه بلا نهاية، فاسد من أساسها؛ لأنّ القول بالإحاطة الذاتية لخلقه يستلزم الحواية و الشمول. و توصيفه سبحانه بغير المتناهي بمعنی أنّه محيط بوجوده علی ما سواه خلاف البراهين العقلية و النقلية کما مرّ. مضافاً إلی أنّ التناهي و عدمه _ بهذا المعنی _ بالنسبة إلی ذاته سبحانه من ملکات المقدار و المخلوق و لا یتّصف بهما ذاته القدّوس الأزلي. و بعبارة أخری: أنّ عدم تناهي الذات _ بحيث تحيط و تشمل بوجودها جميع ما سوی الله _ و التناهي من شؤون ذي الأجزاء و ما کان ذا مقدار و عدد و لا ينسب إلی ما هو مباين و متعال عنه و منزّه عن الزمان و المکان و عن قابليّة الإستعداد الوجودي. و إمکان المزاحمة بين الموجود و المخلوق ذي أجزاء و مقدار و عدد و القابل للزيادة و النقيصة ... و بين الموجود المتعالي عن ذلک کله و المبائن عن خلقه، ممنوع؛ إذ ليست النسبة بينه سبحانه و بين خلقه، نسبة القرب و البعد و الدخول و الخروج و النهاية و اللانهاية و ... لأنّها من ملکات المقادير و المخلوقات، و آية المصنوعية و المخلوقية و الإحتياج و لا تتّصف بها ذاته المتعاليةعن ذلک کما هو واضح. (عا)

النور نور واحد بسيط، و حاوٍ لجميع ما دونه من المراتب، و عين تلك المراتب،(1)

و ما في بعض الكلمات من التمثيل لذلك برطوبة الماء، و دسومة السمن، و حرارة النار، ففي غاية الفساد؛ لأن هذه من العوارض اللازمة لا عين معروضاتها.

الثالث: أنّ الاختلاف بين تلك الصفات مع الذات و بعضها مع الآخر، إنّما هو في المفهوم، كاختلاف مراتب الوجود كلاًّ مع الآخر، و من هنا لا يصحّ أنّيقال: إنّه تعالى علم و قدرة و حياة و سمع و بصر و هكذا؛ لأنّ كلّ منها مرتبة من

ص: 52


1- _ أقول: إنّ معنی واجدية ذاته سبحانه لمراتب الوجود ثم التمثيل لذلک بالنور و حواية ذلک لجميع مراتب ما دونه بل عين تلک المراتب، هو وحدة الوجود و عينيّة ذاته القدّوس _ العياذ بالله _ لمراتب ما دونه. هذا فساده أظهر من أن یخفی؛ إذ کيف يمکن أن نعتقد أنّه سبحانه مع تنزّهه عن الجزء و الکلّ و المادّة و المقدار و الشبه و المثل و الترکيب ... واجد لذلک کلّه بل عين ذلک. و تأويلاتهم الباردة في المقام _ من إرجاع أدلّة التنزيه و الأخبار المذکورة إلی جهة الماهية لا الوجود _ بعد قولهم بأصالة الوجود و إعتبارية الماهية و عدميتها _ واضح البطلان لا يشک فيه ذو مسکة و انصاف. فالإعتقاد بوحدة حقيقة الوجود _ و لو کانت ذات تشکّک و مراتب متفاوته _ يستلزم عدم تصوّر مرتبة إلّا و هي قابلة للزيادة و الکمال فلا تقف إلی حدّ و مرتبة غير قابلة للاشتداد إلّا و يتصوّر أشدّ و أتمّ منها؛ لأنّ ذلک خلاف ذاتها فلا يمکن _ و الحال هذه _ إثبات الباري تعالی کما لا يخفی. مضافاً إلی أنّ ذلک لا يتصوّر إلّا فیما کانت نسبة الأشیاء إلی الخالق تعالی نسبة العينيّة و السنخيّة لا الخالقية و المخلوقية؛ لأنّ تصوّر التفاضل و الإشتداد و عدمهما بين الشیئین، فرع السنخية و المشابهة لا البينونة. فالإعتقاد بکون المخلوق مرتبة من ذات الخالق، ينافي القول بوجود ما سوی الله و مخلوقيّته؛ فإنّ ما سوی الله فعل له تعالی اوجده و ابدعه بمشيته و إرادته لا من شيئ أي لا من رشح و إشراق من نفسه و لا من تطوّر و تشؤن في نفسه ... و علی هذا فليس ما سوی صادراً عن ذاته تعالی حتّی يکون جزئه أو کلّه أو مرتبة من مراتب وجوده أو ... بل الله تعالی أحدث و اخترع الخلق بالإرادة و المشيّة لا بالذات. (عا)

مراتب الوجود، و هو تعالى أعلى المراتب.(1)

و كذا لا يصحّ أن يقال: العلم قدرة، و القدرة حياة و هكذا؛ لأنّ كلّ واحد منها مرتبة مخالفة لمرتبة اُخرى، بل يقال: إنّه تعالى عالم قادر حيٌّ سميعٌ بصيرٌ و هكذا، و كذلك يقال: العالم قادر، و القادر حيٌّ، و الحيُّ سميع و هكذا؛ لأنّ وجوده تعالى أعلى المراتب، و حاوٍ لجميع المراتب.(2)

الرابع: قد ظهر لك ممّا قدّمنا الخبرين المرويين:

أحدهما عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) : أَوَّلُ الدِّينِ مَعرِفَتُهُ، وَ كَمَالُ مَعرِفَتِهِ التَّصدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصدِيقِ بِهِ تَوحِيدُهُ، وَ كَمَالُ تَوحِيدِهِ الإِخلَاصُ لَهُ، وَ كَمَالُ الإِخلَاصِ لَهُ نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ؛ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيرُ الْمَوصُوفِ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَوصُوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ، فَمَن وَصَفَ اللَّهَ سُبحَانَهُ فَقَد قَرَنَهُ، وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَد ثَنَّاهُ، وَ مَن ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَ مَن جَزَّأَهُ فَقَد جَهِلَه.(3)

و ثانيهما: عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) : أَوَّلُ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعرِفَتُهُ، وَ أَصلُ

ص: 53


1- _ أقول: بعد إبطال القول بالمراتب للوجود و بطلان القول بأنّه تعالی أعلی مراتب الوجود، يظهر بطلان ما یتولّد منه و يتفرّع عليه. و لا يلزمنا البحث مفصلاً عن حول صفاته تعالی (کالعلم و القدرة و الحياة ...) بعد وضوح أنّ مذهب اهل البيت (علیهم السلام) في صفاته تعالی أنّ صفات الذات عين الذات، فمن راجع الأخبار یعلم أنّه سبحانه، علم و حیاة و قدرة... و ليست هذه الصفات إلّا الذات المجرد عن کلّ قيد و تقيّد. (عا)
2- _ أقول: بالرجوع إلی ما ذکرناه آنفاً يظهر ما في هذه العبارة، مضافاً إلی محاذير أخری لا مجال لذکرها هنا. (عا)
3- _ بحار الأنوار، ج 4، ص247، ح5 و ج 54، ص176، ح136 و ج 74، ص300، ح7؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص39، الخطبة الاُولى.

مَعرِفَةِ اللَّهِ تَوحِيدُهُ، وَ نِظَامُ تَوحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى نَفيُ الصِّفَاتِ عَنهُ؛ لِشَهَادَةِالعُقُولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَ مَوصُوفٍ مَخلُوقٌ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَوصُوفٍ أَنَّ لَهُ خَالِقاً لَيسَ بِصِفَةٍ وَ لا مَوصُوفٍ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ وَ مَوصُوفٍ بِالاقتِرَانِ، وَ شَهَادَةِ الاقتِرَانِ بِالحُدُوثِ، وَ شَهَادَةِ الحُدُوثِ بِالامتِنَاعِ مِنَ الأَزَلِ المُمتَنِعِ مِنَ الحُدُوث.(1)

أقول: توضيح الكلام: أنّ الصفة بمعناها اللغوي أمر عارض للموصوف و غير الموصوف، مثلاً إذا قيل: زيدٌ عالمٌ، أي: ذات ثبت له العلم، و كذا قادر ذات ثبت لها القدرة و هكذا، فتلك الصفات من عوارض الذات و هي غير الذات ، فهما مقرونان معاً، فيوجب الاثنينية و التركيب من العارض و المعروض، و كلّ مركّب في تركيبه يحتاج إلى مركِّب بالكسر، و إلى أجزائه، و كلّ جزء إلى الآخر، فيلزم الحدوث، و هو محال في حقّه تعالى؛ لأنّه تعالى لو كان حادثاً يحتاج إلى محدث و موجد، و المفروض أنّه ليس له محدث و موجود، فيمتنع وجوده، و قد عرفت أنّ صفاته تعالى عين وجوده، فليست بصفات، فكمال المعرفة يقتضي نفي الصفات عنه.

بل نقول: لو لم يرد في الشرع إطلاق تلك الصفات عليه، لم يجز لنا إطلاق شيء منها عليه تعالى لذلك الأمر، و من هنا قلنا: إنّ أسمائه تعالى توقيفية، فما لم يرد به من الشرع كالعلّة و نحوها لا يجوز، و ما ورد فلابدّ من معناه بما ذكرنا، فتدبّر جيّداً.

هذا كلّه في الصفات الكمالية الثبوتية الذاتية.

ص: 54


1- _ بحار الأنوار، ج 4، ص228، ح3؛ التوحيد (للصدوق)، ص34، ح2؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص150، ح51.

و أمّا الصفات الجلالية، أي: صفات النقص المعبّر عنها بالسلبية، أي: سلبالنقائص، و هي كلّ صفة تكون موجبة لمحدودية الذات، و لفاقديتها بعض مراتب الوجود،(1)

فهي منفية عن ذاته المقدّسة لعين ما مرّ، كالتركّب و التجسّم و التجوهر و التعرّض، و إمكان الرؤية و التمكّن و التمحّل، و أضداد الصفات الكمالية، كالجهل و العجز و الاحتياج

و التغيّر و التبدّل و الفناء؛ لأنّ جميع ذلك من صفات الماهية المحدودة، مثلاً التركيب سواء كان خارجياً كالأجسام أصالة و الأعراض تبعاً، أو ذهنياً كالجنس و الفصل، أو وهمياً كالوجود و الماهية، كلّ جزء يكون غير الآخر، و كلّ منهما يكون غير المركّب منهما.

و الكلّ غير وجود التركيبين بينهما، فالتركيب من لوازم الماهية، و كلّ واحد من الأجزاء له وجود غير وجود الآخر، فهو فاقد لوجود الآخر، و للمركّب وجود غير وجود كلّ جزء جزء مستقلاًّ، سواء كان التركيب إنضمامياً أو اتحادياً.

و يكون المركّب من جزئين، مثلا وجوده محدوداً غير المركّب من أجزاء ثلاثة و هو غير الأربعة، و هكذا إلى غير النهاية، فهكذا المركّب فاقد لمراتب كثيرة من الوجود، و موجب لمحدودية ذاته بهذا الأجزاء، و لا يعقل التركيب في الوجود، و قد عرفت أنّه تعالى صرف الوجود، و بحت الوجود،(2)

و لا ماهية له و لا حدّ، فلا تركيب.

و منه ظهر عدم كونه تعالى جسماً؛ لأنّ الجسم عبارة عن التركّب من المادّة و الصورة، و مادّة كلّ جسم مركّب من الأجزاء غير المتناهية، و كلّ من المادّة و

ص: 55


1- _ أقول: قد تقدّم ما في هذه العبارة من الإشکال حيث إنّه فرض أنّ الله تعالی «وجود» و الوجود له مراتب بالشدّة و الضعف و النهاية و اللانهاية. (عا)
2- _ أقول: قد تقدّم آنفاً ما فيه. (عا)

الصورة محتاجة إلى الآخر، شعر:

هيولا در بقا محتاج صورت

تشخّص كرده صورت را گرفتار

و كذا ظهر عدم كونه تعالى جوهراً، و لو كالعقل المجرّد عن المادّة ذاتاً و فعلاً؛(1) لأنّه أيضاً مركّب عن الوجود و الماهية.

ص: 56


1- _ أقول: لا يخفی أنّ المراد من العقل عند الفلاسفة ليس هو العقل الذي نعتقد أنّه من شرائط العامّة للتکليف في کلّ شخص، بل المراد منه هو العقول العشرة ... و هو ما يسمی في الشرع _ عندهم _ بالملائکة و قد ذکر جمع و منهم صاحب الشوارق بأنّ المراد من العقل العاشر (أي العقل الفعّال) هو جبرائيل، و هو مجرد ذاتاً و فعلاً عندهم. و المصنف و إن کان قائلاً بتجرد العقل و لکن إعترف في بحث المعاد بجسمانية الملائکة تبعاً للأخبار و الآثار، لعله لا یخضع للإصطلاح التي عندهم. علی کلّ حال، أنّ الإعتقاد بوجود الموجود البسيط و عالم المجردات من الأوهام و لا دليل عليه، و يدلّ علی ما ذکرناه طوائف من الأخبار المتواترة: منها: أنّ الائمّة (علیهم السلام) إکتفوا في مقام بيان وصفه تعالی و حصر عنوان الخالق و المعبود بنفي الجسميّة و الصورة و الشبه ... و هذا لا يتمّ إلّا بإنکار المجرّدات و إلّا يلزم دخول المجردات في هذه الأوصاف و عدم حصر الخالق و المعبود فيه تعالی. و منها: ما تدلّ علی التغيّر و التبدّل و الفناء و الزوال و ... لغيره تعالی و هو ينافي الإعتقاد بوجود المخلوق المجرّد عن الزمان و المکان و المقدار و ... منها: ما دلّ أنّ ما سوی الله تعالی متجزّي و منقسم بالقلّة و الکثرة. فهذه الأخبار و غيرها تدلّ علی إختصاص تلک الصفات بالله تعالی. و لو قيل بوجود مجرّد سوی الله لکانت مشترکة مع الله سبحانه فيها. منها: الأدلّة القطعية الدّالّة علی حدوث ما سوی الله تعالی تدلّ علی ذلک؛ لأنّ کلّ من قال بوجود العقل المجرّد ذاتاً و فعلاً، قال بقدمه المستلزم لقدم العالم و القائل بالقديم سوی الله و إن کان إمامياً کافر بإجماع المسلمين.(فلاحظ رسالتنا: وجود العالم بعد العدم عند الإمامیّة) و قد ثبت في محله أنّ النفس و العقل مادية، أجسام لطيفة.(فلاحظ: شرح رسالة إعتقادات علّامه مجلسي (رحمة الله علیه) ، ص304 _ 319) و کذا الملائکة التي تسمّی عند الفلاسفة بالعقول، فإنّها اجسام لطیفة نورانية اولی أجنحة مثنی و ثلاث و رباع و اکثر قادرون علی التشکل بالاشکال المختلفة و إنّه سبحانه يورد عليهم بقدرته ما يشاء من الاشکال و الصور علی حسب الحکم و المصالح و لهم حرکات صعوداً و هبوطاً و کانوا یراهم الأنبياء و الأوصياء (علیهم السلام) و القول بتجردهم و تأويلهم بالعقول و النفوس الفلکية فاسدباطل و طرح للأخبار المتواترة بلاحجة. (عا)

و لوجوده حدّان: وجودي، و عدمي، و فاقد لمراتب كثيرة من الوجود؛ لأنّ نسبة المحدود إلى غير المحدود كنسبة المتناهي إلى غير المتناهي،(1) و لذا ظهر عدم كونه عرضاً؛ لأنّه أيضاً مركّب، و له في هويته حدٌّ محدود، بل هو أدون من الجوهر بمراتب، فإذا ليس تعالى حالاًّ في شيء، و لا محلاًّ لشيء، و لا يمكن رؤيته؛ لأنّها من لوازم الجوهرية و العرضية و الجسمية، فلا يوصف بأين و لا يكيّف بكيف، و لا يتغيّر، و لا يتبدّل، و لا يفنى، و لا يحتاج؛ لأنّ الاحتياج أيضاً من جهة فقدان بعض مراتب الوجود و يوجب المحدودية، فيلزم التركيب.

و لعمري أنّ نفي الاحتياج الذي مرجعه إلى الغنى الذاتي كاف لنفي جميع تلك الصفات، و قد توهّم القوم أنّ الغنى مساوق لنفي الاحتياج، و جعلوا الاحتياج أمراً وجودياً، فنفوه عنه تعالى، و عدّوا ذلك في الصفات السلبية.

و هو توهّم فاسد، بل الغنى أمر وجودي، و هو واجديته لجميع مراتب الوجود،(2)

و الاحتياج عبارة عن فقدان بعض المراتب، و الغنى دليل على جميعالصفات الكمالية و نفى السلبية، كما عرفت.

كما أنّهم عدّوا الاختيار أيضاً من الصفات، و هو أيضاً فاسد؛ لأنّ مفهوم القدرة مساوق مع الاختيار و الفاعل بالطبع، أو الجبر، أو القصر، أو القهر، غير قادر على فعله.

ص: 57


1- _ أقول: تقدّم ما فيه فيما سبق. (عا)
2- _ أقول: قد مرّ ما فيه. (عا)
الصفات الجماليّة
اشارة

و أمّا الصفات الجمالية التي عبارة عن صفات الفعل، فمجمل الكلام فيها: أنّ الأفعال على ضربين:

قسم يكون كاشفاً عن صفة كمال في الذات، فهذا ممّا يمكن صدوره، بل يجب صدوره إذا كان تركه كاشفاً عن نقص في الذات، كالخلق و الرزق، و الإماتة و الإحياء، و العزّة و الذلّة، و الغنى و الفقر، و الصحّة و المرض، و البلاء و النعمة، و الثواب و العقاب، و العفو و الغفران، و المنع و الإعطاء، و الرحمة و الغضب و الانتقام، و الهداية و الاضلال، و غيرها من أفعاله تعالى إذا كانت موافقةً للحكمة و المصلحة؛ لأنّ تركها كاشف عن عدم العلم بالمصالح، أو عدم القدرة على الإيجاد، أو عدم مراعاة المصلحة و المفسدة، فيجب صدورها منه.

و قسم يكون كاشفاً عن صفة نقص في الذات، كالفعل القبيح المخالف للحكمة و المصلحة، أو اللغو الخالي عن المصلحة، أو الظلم على العباد الذي مرجعه إلى فعل القبيح، فهذا ممّا يستحيل صدوره منه تعالى.

و هذا هو معنى العدل الذي عليه العدلية من كون أفعاله تعالى تابعة للمصالحو المفاسد النفس الأمرية، فما كانت فيه مصلحة يجب صدوره منه تعالى، و ما كانت فيه مفسدة يستحيل صدوره منه تعالى، و ما لم يكن فيه شيء من المصالح و المفاسد، فهو أيضاً لغو، و اللغو قبيح، فيستحيل صدوره منه تعالى، و ما كانت فيه المصلحة و المفسدة معاً، فلابدّ من الكسر و الانكسار، فيترجّح ما هو الأقوى، و مع عدم الترجّح يصير من اللغو المستحيل.

فإن قلت: إنّ تلك المصالح و المفاسد إن كانت موجودةً في نفس الأمر،

ص: 58

فهي أيضاً من الممكنات يجب في إيجادها إلى المصلحة، و هكذا إلى غير النهاية، و بالأخرة لابدّ أن تلتزم إلى القول بصدورها لا عن مصلحة، و إن لم تكن موجودة، فما معنى للتبعية.

قلت: المراد من المصالح و المفاسد ما يترتّب على الفعل بعد وجوده، أي: العلّة الغائية، فهي مقدّمة على الفعل في الغرض و الإرادة و التصوّر، مؤخّرة عنه في الوجود، فمعنى التبعية أنّه تعالى يعلم أنّ هذا الفعل يترتّب عليه فائدة و مصلحة فيوجدها، أو لا يترتّب عليه بل يترتّب عليه المفسدة فلا يوجدها.

و هذا هو معنى الحكمة، فاللّه تعالى حكيم، أي: عالم بجميع ما يترتّب على الأفعال من المصالح و المفاسد، و عادل أي: يفعل مطابقاً لهذا العلم، فالحكمة من صفات الذات، و مرجعها إلى نوع خاصّ من العلم، و العدل من صفات الفعل.

هذا ملخّص الكلام في باب الصفات.و بقي فى المقام اُمور، لا بأس في الإشارة إليها:

الأمر الأوّل: تزييف قاعدة الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد

إنّه ذهب جماعة من الحكماء، أنّ الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد، و أنّ الواحد لا يصدر إلاّ عن الواحد، و هما قاعدتان مسلّمتان عندهم.

و استدلّوا على ذلك: بأنّه لا بدّ من مناسبة و ربط بين العلّة و المعلول، و إلاّ لزم أن يؤثّر كلّ شيء في كلّ شيء، و عليه فذاته المقدّسة تكون في غاية البساطة و الوحدة، و لا ربط بين البسيط و المركّب، و بين الواحد و المتعدّد.

ص: 59

فإن قلت: إنّ الصادر الأوّل أيضاً مركّب من الوجود و الماهية.

قلت: إنّ هذا التركيب إنّما نشأ من حدّ وجوده، و إنّما هو تركيب و همي، ثمّ صدر من هذا المركّب الكثرات بالترتيب المذكور في كلماتهم على اختلاف المسلكين: مسلك أفلاطون، و أرسطو، و أتباعهما.

أقول: إطلاق العلّة التامّة على اللّه تعالى غلط صرف؛(1)

لأنّه يلزم سلب القدرة و الاختيار، بل قد عرفت آنفاً تبعية أفعاله تعالى للمصالح و المفاسد، فترتّب المصلحة على الفعل جزء لعلّة الصدور، و من الواضح أنّ مصلحة كلّ شيء يغاير مصلحة الآخر، فهذا منشأ التعدّد، فالدليل و هو لزوم الربط و المناسبة بين العلّة و المعلول لا يثبت المدّعى.

نعم على مذاقهم من أنّه تعالى علّة تامّة، و هو العلّة الغائية، لكان لما ذكروهوجه، لكن عرفت فساده، و إنّما هو على مذاق الجبرية المنكرة للعدل.

الأمر الثاني: في قدم العالم و حدوثه

إنّه قد ذهب جماعة من الحكماء بأنّ العالم قديم زماناً، و إن كان حادثاً ذاتاً

ص: 60


1- _ أقول: لا يخفی أنّ إطلاق العلّة و المعلول _ بالمعنی المصطلح عند الفلاسفة _ علی الله تعالی و خلقه فاسد بالبراهين العقلية و النقلية کما بين في محلّه و اعترف بذلک الماتن (رحمة الله) . و الذي يجب أن يعلم هنا: أنّ الإلتزام بقاعدة «الواحد» موجب لإنکار کثير من ضروريات المذهب و مسلماته کإنکار قدرته تعالی و إختياره و إنکار الخلق و الإيجاد لا من شيئ و حدوث العالم و البينونة بينه تعالی و بين خلقه و ...،(فلاحظ شرحنا علی تجريد الإعتقاد) و نعم ما قال العلامة المجلسي (رحمة الله) في هذا المقام: و لعمري! من قال بأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد و ... كيف يؤمن بما أتت به الشرائع و نطقت به الآيات و تواترت به الروايات من اختيار الواجب و أنه يَفْعَلُ ما يَشاءُ و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ ...(بحار الأنوار، ج8، ص328). (عا)

أي: تبعاً، و استدلّوا لذلك باستحالة تأخّر المعلول عن العلّة زماناً، و الانفكاك بينهما، و إلاّ لزم خروج العلّة التامّة عن كونها علّة.

ثمّ ذكروا في بيان ربط الحادث بالقديم وجوه لا نطيل بذكرها.

أقول: قد ظهر لك أنّه تعالى لا يطلق عليه العلّة، و أنّه تعالى قادر، و معنى القدرة إن شاء فعل و إن لم يشأ لم يفعل، فلابدّ من مسبوقية فعله بالعدم، و هو مساوق للمحدود الزماني؛ لأنّ معناه وجوده بعد أن لم يكن، و التخصيص بزمان دون زمان إنّما هو جهة اختلاف المصالح و المفاسد.

الأمر الثالث: هل الإرادة من صفات الذات أو من صفات الفعل

قد وقع الاختلاف بين الحكماء و المتكلّمين في أنّ الإرادة هل هي من صفات الذات أو من صفات الفعل؟ بعد تسليم الطرفين بأنّ الإرادة لا ينفكّ عن المراد، فمن جعله من صفات الذات ذهب إلى قدم العالم، و من جعله من صفات الفعل ذهب إلى حدوث العالم.

و ذهب بعض إلى كون النزاع لفظياً، بدعوى أنّ الإرادة بمعنى العلم بالصلاح من صفات الذات، و بمعنى المشيئة من صفات الفعل، كما ورد فيالأخبار: خلقت الأشياء بالمشيئة، و خلقت المشيئة بنفسها.

أقول: لا يخفى أنّ مبادى ء الفعل فينا عبارة عن تصوّره و تصوّر الغاية، و التصديق بكونه أصلح، و العزم و الجزم و الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات، و ليس تلك المبادى ء في حقّ اللّه تعالى؛ لأنّ التصوّر و التصديق و العزم و الجزم و الشوق و تحرّك العضلات كلّها من صفات الممكن.

ص: 61

و لا يخفى أيضاً أنّ للفعل إطلاقان:

أحدهما: الأمر الحدثي الربطي بين الفاعل و المفعول المعبّر عنه بالإيجاد، و هو المعنى المصدري.

ثانيهما: ما صدر و ما حدث المعبّر عنه بالموجود، و هو المعنى الإسم المصدري.

و حينئذ نقول: إنّ مبادى ء الفعل في حقّه تعالى أنّه يعلم بالعلم الذاتي الأزلي أنّ كلّ فعل في أيّ زمان بأيّ خصوصية يكون الصلاح في إيجاده، بحيث يكون إيجاده في زمانه بخصوصياته حسناً، فيوجده في وقته المقرّر، فيصير موجوداً. فهنا اُمور ثلاثة: العلم بالصلاح(1) و هو المراد من الإرادة و

ص: 62


1- _ «العلم بالصلاح» إلى آخره. فإن قلت: على هذا يلزم أن يكون الإرادة مرادفة للحكمة؛ لأنّها أيضاً عبارة عن العلم بالمصالح و المفاسد. قلت: بينهما بون بعيد؛ لأنّ الإرادة هي العلم بالصلاح في الفعل بالمعنى المصدري، أي: الإيجاد في مقابل الكراهة التي هي العلم بالفساد. و الحكمة عبارة عن العلم بالمصلحة في الفعل بمعنى الإسم المصدري، أي: الموجَد بالفتح، هذا بحسب المفهوم. أمّا المصداق، فجميع الصفات الذاتية عين الذات، و الكلّ واحدٌ مصداقاً. فإن قلت: قد ورد في الآيات و الأخبار التعبير عن الإرادة، و لا يمكن حمله على العلم بالصلاح مثل قوله تعالى: «إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»، «يس: 82» أنّه قبل قوله «كن» لم يكن مريداً، و كذلك يطلق المشيئة على ما لا يمكن حمله على الإيجاد مثل قوله تعالى: «وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعينَ»، «النحل: 9» حيث إنّ المعنى بهذا يصير هكذا لو أوجد هدايتكم لأوجد عقوبتكم، و هذا في غاية الركاكة. قلت: أوّلاً لا نضايق عن إطلاق الإرادة على ذلك، و المشيئة على العلم و أحياناً بضرب من القيد به. و ثانياً: معنى الآية الاُولى و اللّه يعلم أنّ علم الصلاح في كلمة «كن» المعبّر عن الإيجاد و الوجود. و الآية الثانية لو أوجد هدايتكم لتحقّق هدايته لكم. فإن قلت: إذا كانت الإرادة بمعنى العلم بالصلاح، فما معنى القضاء و القدر؟ و هل هما بمعنى واحد أو مختلفين؟ قلت: الكلام في القضاء و القدر طويل الذيل من جهتين: الاُولى: من حيث شبهة الجبرية، و أنّهما لا ينافي الاختيار. و الثانية: من حيث كونهما من صفات الذات أو صفات الفعل، و قد نهينا عن التكلّم فيهما في الأخبار الكثيرة. مثل ما عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) حيث سئل عن القدر، فقال: بحر عميق فلا تلجه؛ ثمّ سئل ثانياً، فقال: طريق مظلم فلا تسلكه؛ ثمّ سئل ثالثاً، فقال: سرّ اللّه فلا تتكلّفه «بحار الأنوار، ج5، ص97، ح22». و في خبر آخر طويل، قال (علیه السلام) : بحر زاخر موّاج خالص للّه (عزوجل) ، عمقه ما بين السماء و الأرض، عرضه ما بين المشرق و المغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيّات و الحيتان، الخبر «بحار الأنوار، ج5، ص97، ح23». أقول: لعلّ سرّ النهي كثرة الشبهات الواردة في مسألة الجبر و التفويض و الأمر بين الأمرين، و القضاء و القدر، التي هي من مزال أقدام كثير من الناس إلاّ من عصمه اللّه تعالى. و قد نقل عن المفيد (قدس سره) أنّ تلك الأخبار ضعيفة السند، تورث حرمة التكلّم فيهما. و كيف كان فمجمل الكلام فيهما: أنّ القضاء في اللغة يطلق على معانٍ: الأوّل، الخلق؛ كقوله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ»، «فصّلت :12». الثاني: الأمر، كقوله تعالى: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ»، «الإسراء:23». الثالث: الإعلام، كقوله تعالى: «وَ قَضَيْنا إِلى بَني إِسْرائيلَ»، «الإسراء: 4». الرابع: الحكم، كقوله تعالى: «وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»، «الزمر: 69». الخامس: الحتم من الفعل، كقوله تعالى: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ»، «طه: 72». السادس: الإتمام، كقوله تعالى: «فَلَمَّا قَضى مُوسَى الأَجَلَ»، «القصص:29». و يمكن إرجاع الآخر إلى الأوّل و الخامس، بأن يكون القضاء بجميع معانيه مع صفات الفعل و هو الإيجاد تكويناً أو تشريعاً أو إنشاؤه للحكم. و أمّا القدر، فالظاهر هو العلم بإيقاع كلّ فعل في موقعه، و وضع كلّ في موضعه، و إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، و صدور كلّ شيء من أهله، و وقوعه في محلّه، فهو يرجع إلى الذات و من أقسام العلم. ثمّ إنّ الكاشف عن مقدّرات اللوح بقسميه: المحفوظ، و المحو و الإثبات، و للكلام فيهما محلٌّ آخر، فتدبّر «الحاج السيد عبدالحسين الطيّب».

ص: 63

الإيجاد،(1) و هو المراد من المشيئة، و الموجَد بالفتح و هو المراد من الشيء، و لا نجد أمراً رابعاً نسمّيه باسم الإرادة أو المشيئة، مضافاً إلى أنّ ذاته المقدّسة ليست محلاًّ للحوادث، فلا يعرضه شيء.(2)

فقد ظهر بهذا البيان اُمور:

الأول: أنّ الإرادة من صفات الذات، و مرجعها إلى نوع خاصّ من العلم،(3)

كالسمع و البصر و الإدراك و نحوها.

ص: 64


1- _ أقول: المستفاد من القرآن و العترة أنّ الإرادة من الله تعالی هي فعل الله و إحداثه و إيجاده و ليست الإرادة بمعني الإبتهاج و لا بمعنی المراد و لا بمعنی الإختيار و لا بمعنی العلم. و الأخبار في ذلک کثيرة جداً، منها: ما في صحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إِنَّ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَهُ بَلْ لَمْ يَزَلْ عَالِماً قَادِراً ثُمَّ أَرَادَ».(التوحيد (للصدوق)، ص146، ح15) و منها: ما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «الْمَشِيَّةُ مُحْدَثَةٌ».(همان، ص147، ح18) و ...(فلاحظ تنزيه المعبود، ص173 _ 179.(عا)
2- _ أقول: الإرادة و المشية من صفات الفعل و الحادث مثل الخلق و الرزق و الکلام و لا يلزم من صفات الفعل و کونها حادثه، عروض شيئ عليه تعالی و وقوع ذاته سبحانه محلاً للحوادث کما هو واضح. نعم حدوث صفات الذات عليه تعالی يلزم ما ذکره (رحمة الله) .(عا)
3- _ أقول: کون أرادة الله تعالی من صفات الذات يستلزم المفاسد الکثيرة.(ذکرناها في شرح رسالة إعتقادات علّامه مجلسي، ص175 _ 185، و شرح تجريد الإعتقاد) و نعم ما أفاد القاضي سعيد القمي حيث قال: «أنّ حدوث الارادة و المشيّة من مقرّرات طريقة أهل البيت (علیهم السلام) ، بل من ضروريات مذهبهم»، (شرحه علی التوحيد، ج2، ص507) و قد سبقه في ذلک الشيخ الکليني و الصدوق و المفيد و الطوسي و الحلبي و ... (رحمهم الله) .(عا)

الثاني: أنّ المشيئة من صفات الفعل؛ لأنّ الإيجاد كان مسبوقاً بالعدم، غاية الأمر جميع الموجودات يوجد بإيجاده تعالى، و الإيجاد يوجد بنفسه لا بإيجاد آخر، و إلاّ لتسلسل، و هو المراد ظاهراً من الأخبار «خلقت الأشياء أي: الموجودات بالمشيئة أي: الإيجاد، و خلقت المشيئة بنفسها».

الثالث: أنّ عدم انفكاك المراد عن الإرادة إن كان بمعنى عدم تخلّف كلّمراد عن زمانه الذي كان الصلاح في إيجاده في ذلك الزمان، فهو حقّ لا محيص عنه. و إن كان بمعنى عدم انفكاكه عن العلم، فهو غلط واضح، فالقول بكون الإرادة من صفات الذات لا يستلزم الالتزام بالقدم في العالم.

الأمر الرابع: القدماء الثمانية

إنّ الأشاعرة لمّا قالوا في الصفات بزيادتها علي الذات، و قالوا بقدم الصفات، فألزموهم بالقدماء الثمانية: الذات، و الصفات السبعة: العلم، و القدرة، و الحياة، و الإرادة، و الإدراك، و السمع، و البصر.

أقول: صفات الذات ليست منحصرةً بما ذكر كما عرفت، فلا مناص إلاّ عن القول بالعينية كما عرفت؛ لاستحالة تعدّد القدماء، و استحالة حدوث الصفات، فتدبّر.

الأمر الخامس: في أفعال العباد
اشارة

إنّ للمسلمين في أفعال العباد بل كلّ مكلّف بل كلّ ذي روح ثلاث مسالك:

المسلك الأوّل

كون العباد مجبورون، فالفعل الصادر من العبد كالإشراق الصادر من

ص: 65

الشمس، و الإحراق الصادر من النار، و نحوها، فالعباد أسباب و آلات معدّة للإيجاد، و موجدها هو اللّه تعالى، لا رادّ لقضائه، و لا معقّب لحكمه.

و هذا مع وضوح فساده بالوجدان؛ لما نرى من الفرق بين حركة يدالمرتعش و يد صحيح المزاج، مستلزم محاذير كثيرة، من لغوية إرسال الرسل، و إنزال الكتب، و جعل التكليف، و قبح تعذيب الكافر و الفاسق و نحوها، و هذا يوجب الكفر.

المسلك الثاني

التفويض بمعنى كون تلك الأفعال مفوّضة إلى العباد، إن شاؤوا فعلوا، و إن لم يشاؤوا لم يفعلوا، و ليس للّه تعالى فيها خيرة، نظير ما ذكره اليهود في العالم من أنّه تعالى خلق العالم في ستّة أيّام من الأحد إلى الجمعة، و تعطّل يوم السبت.

و هذا أيضاً فاسد؛ لما نرى بالوجدان أنّ العبد كثيراً ما يريد شيئاً و تهيّأ جميع أسبابه و مع ذلك تخلّف عن مراده، و هذا معنى قول أميرالمؤمنين (علیه السلام) : عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَ حَلِّ الْعُقُودِ وَ نَقْضِ الْهِمَم.(1)

مع أنّه توهين في سلطانه، و تشريك في أفعاله، و تعطيل في قدره و قضائه، و تحديد في صنائعه و فعاله، و هذا معنى قولهم: «لا جبر و لا تفويض»(2).

المسلك الثالث

الاختيار بمعنى أنّه تعالى خلق الخلق، و أعطاهم العلم و القدرة و القوّة، و هيّأ

ص: 66


1- _ بحار الأنوار، ج 5، ص197، ح10؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص511، حکمة 250.
2- _ الكافي، ج 1، ص160، ح13.

لهم جميع أسباب الفعل، و بذل لهم الاختيار، بحيث لو اختاروا فعلاً تمكّنوا من إيجاده، و هم مع علمهم و قدرتهم و قوّتهم و اختيارهم تحت قدرته تعالى و اختياره، نظير العلل الطولية، غاية الأمر الفرق بين العلل أنّها كلّها علل قهرية حتّىعلّة العلل كما تقدّم، و المقام علل إختيارية، فالاختيار تحت الاختيار، فالفعل صادر من العبد باختياره، لكن ما لم يشأ اللّه لم يقدر على ذلك.

و الحاصل أنّ أفعال اللّه تعالى على ضربين: قسم صادر عنه من دون سبب كالإبدائيات، و قسم يكون بأسباب كثيرة، كخلقة النبات الموقوفة على وجود الأرض، و الإشراق من الشمس، و تموّج الهواء، و وصول الماء التي هي عبارة عن العناصر، و هكذا.

فمن الممكن جعل أحد الأسباب في إيجاد بعض الأفعال إختيار العبد، بأن خلق في العبد الاختيار، و علّق الفعل على اختياره، مثلاً لخلقة الإنسان أسباب و معدّات كثيرة، أحدها جماع الرجل و المرأة باختيارهما، و كذا لإيجاد الحبّة أسباب، منها زرع الزارع اختياراً و هكذا، فيصح إستناد الفعل إلى اللّه؛ لأنّ جميع أسبابه تحت قدرته و مشيئته حتّى اختيار العبد و استناده إلى العبد، لصدوره عنه باختياره الذي هو أحد الأسباب التي أوجد اللّه تعالى،(1)

و هذا معنى «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه»(2).

الأمر السادس: في التوفيق و التأييد

إنّه مضافاً إلى جعل الاختيار للعباد أنّ للّه تعالى في حقّ بعض العباد ألطافاً

ص: 67


1- _ أقول: قد تقدّم بعض الکلام فيما سبق.(عا)
2- _ الكافي، ج2، ص521، بَابُ مَنْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه.

خاصّةً، و عنايات مخصوصة تسمّى بالتوفيق و التأييد، و هو عبارة عن تهيّأ أسباب الإطاعة مثوبةً لطاعاتهم، و في حقّ آخر عقوبات مخصوصة تسمّىبالإضلال و الخذلان عقوبةً لبعض معاصيهم، و كلا الطرفين لا ينافي العدل، و لا يوجب الإلجاء، و لا سلب الاختيار.

الأمر السابع: في البداء

إنّ البداء في أفعاله تعالى من مسلّميات مذهب الشيعة، و قد ورد به أخبار كثيرة(1)،

خلافاً للعامّة العمياء.

و الوجه فيه: أنّ أفعاله تعالى قد تقدّم أنّه موافق للحكم و المصالح بمقتضى عدله، و من الواضح أنّها تختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و الحالات، سيّما الحالات البشرية.(2)

مثلاً العبودية تقتضي نوعاً، و العصيان نوعاً آخر، و هكذا السخاوة و البخل و التواضع و الكبر و نحوها، و ليس معناه ما تخيّله العامّة من كشف بعض المصالح و العلم بها بعد الجهل بها، كما في البدائيات في أفعالنا، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً، و هذا أيضاً هو السرّ في النسخ في الأحكام؛ لاختلاف المصالح بالنسبة إلى الأشخاص و الأزمان، فالنسخ بداء في التشريعيات، و

ص: 68


1- _ راجع: الكافي، ج1، ص146، بَابُ الْبَدَاء.
2- _ أقول: إنّ الإعتراف بالبداء يحثّ علی العبادات و يرغّب في الصدقات و يوجب التدارک لما فات و الاصلاح لما آت و ... و عليه مدار إستجابة الدعاء و الرغبة و الرهبة الموجبتين للطلب و تحمّل المشقّة و وقوف العبد بين الخوف و الرجاء و طلب السعيد الثبوت علی سعادته و الشقيّ المحو عن الشقاء.(عا)

البداء نسخ في التكوينيات.

الأمر الثامن: في التوحيد الأفعالي

إنّه كما يجب الاعتقاد بالتوحيد الذاتي و الصفاتي كما تقدّم بيانهما، كذلكيجب الاعتقاد بالتوحيد الأفعالي، أي: جميع أفعال الربوبية صادرة عن ذاته المقدّسة،(1)

و لا شريك له و لا وزير له.

و السرّ في ذلك: ما تقدّم من أنّ الفعل إن كان ذي مصلحة بحيث يصير حسناً يجب صدوره منه تعالى، و إن كان قبيحاً يستحيل.

و حينئذ نقول: إن قلنا بعدم صدور بعض الأفعال منه تعالى بأنّها حسنة، لزم القول بترك فعل الحسن منه، و هو مناف للعدل.

وإن قلنا بأنّها غير حسنة مع قدرته تعالى على المنع منه، لزم القبح فلا يليق بجنابه، و مع عدم قدرته لزم العجز، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

فما ذهب إليه الوثنية من القول بأنّ خالق الخيرات هو اليزدان، و خالق الشرور هو الأهرمن، فاسد، و لإثبات فساده مسلكان:

أحدهما: للأفلاطون من الالتزام بأنّ الشرور أعدام، و أنّ جميع ما في العالم خيرات محضة.

و ثانيهما: للأرسطو من الالتزام بأنّ شرور كلّ فعل أقلّ من خيراته، فصدوره

ص: 69


1- _ أقول: و ما قد يسمع من کلام بعضهم في معنی التوحید الأفعالي من «أنّه لا فعل إلّا فعله تعالی کما لا وجود إلّا وجوده»، عاطل و باطل بالأدلّة العقلية و النقلية القطعية. (عا)

حسن، و ليس الشرّ مساوياً أو أكثر، أو شرّاً محضاً، بل إمّا خير محض، أو خير أكثر.

ثمّ للتوحيد الأفعالي مراتب قشر القشر، كإقرار المنافق، أو قشر كإقرار العامّة، و ليست كإقرار الخواصّ، و لبّ اللبّ و هو المعبّر عنه بالفناء.(1)

الأمر التاسع: في التوحيد العبادتي

من أقسام التوحيد: التوحيد العبادتي، و هو مفاد الكلمة الطيبة، و انّ المشركين من عبدة الأوثان، و عبدة الشمس و القمر و النجوم، و عبدة العجل و نحوها إنّما أنكروا هذا القسم من التوحيد.

و الدليل عليه بعد إثبات التوحيد الذاتي و الصفاتي و الأفعالي، من أنّ واجب الوجود منحصر في الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية،(2)

المنزّه عن جميع النقائص الذي اسمه الشريف اللّه، و أنّ جميع ما في الوجود صادر عنه ليس إلاّ،(3)

و أنّ غيره كائناً من كان فقير محتاج ممكن الذي في ذاته أن يكون ليس، فلا يستحقّ غيره للعبادة، و أنّ العبادة مختصّة به، مضافاً إلى قيام ضرورة الإسلام و نصوص الكتاب و السنّة على ذلك، فهذا التوحيد ثابت

ص: 70


1- _ أقول: و لا یخفی أنّ الفناء في الله يمکن أن يفسّر بوجوه: الأوّل: أنّ العبد یفنی هواه في هوی الله تعالی و إرادته في إرادة الله و لا يريد إلّا ما أراد الله سبحانه و هذا معنی صحیح و يسمّی بالفناء الإراديّ. الثاني: بمعنی توجّه الإنسان إلی الله تعالی و الغفلة عن جميع ما سواه حتّی عن نفسه و هذا أيضاً صحیح و يسمّی بالفناء الحکميّ. الثالث: بمعنی الوصول في ذاته سبحانه و فناء العبد في ذاته (عزوجل) و هذا معنی فاسد بالأدلّة القطعيّة العقليّة و النقلية و هذا هو مراد القائل بوحدة الوجود من العرفاء و الفلاسفة. (عا)
2- _ أقول: اللائقة بذاته القدّوس. (عا)
3- _ أقول: بالإرادة و المشيّة الحادثة. (عا)

بالأدلّة الأربعة القطعية.

ثمّ إنّ هنا إشكال في مفاد الكلمة الطيبة، و هو أنّ «لا» نفي الجنس يقتضي الإسم و الخبر، و الخبر هنا محذوف، فلابدّ إمّا يقدّر موجود أو ممكن، فإن قدّر موجود، أي: لا إله موجود إلاّ اللّه، فهو لا يقتضي إستحالة وجوده، بل ينفي فعلية وجوده. و إن قدّر ممكن، فهو و إن اقتضى استحالة وجود الإله له غيره تعالى، إلاّ أنّه لا يثبت وجود اللّه، بل مجرّد إمكانه.

و الجواب: منع إحتياج «لا» نفي الجنس الخبر مطلقا، بل إذا كان لنفيالحقيقة كما في المقام، فلا يقتضي خبراً، أي: لا حقيقة الاُلوهية إلاّ اللّه، كما في قوله: «لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ»(1)

أي: حقيقة الفتوّة منحصرة بعلي، و حقيقة السيف مختصّة بذي الفقار، و كقولك «لا سخاء إلاّ في العرب» أي: حقيقة السخاء، إلى غير ذلك من الأمثلة.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال بدلالة هذه الكلمة على التوحيد العبادتي بالمطابقة، و على سائر أقسام التوحيد بالإلتزام.

بل يمكن دعوى استفادة جميع خصوصيات الإيمان من هذه الكلمة؛ لأنّ المعتقد بكونه تعالى مستجمعاً لجميع الصفات الكمالية يحكم بلزوم بعث الرسل و إنزال الكتب، و بلزوم كون المبعوث جامعاً لصفات الرسالة، و آتياً بالمعجزة، و إنّ إعطاء المعجزة بيد الكاذب قبيحاً، و يحكم بلزوم جعل الحافظ لدينه و القيّم لكتابه في كلّ عصر.

و لابدّ أن يكون الحافظ و القيّم مستجمعاً لصفات الإمامة و الخلافة، و

ص: 71


1- _ الكافي، ج8، ص110، ح 90.

يحكم بلزوم البعث و النشر و الحساب و الجزاء و الثواب و العقاب و الجنّة و النار؛ لأنّ خلاف شيء منها يورث القبح المنافي للحكمة و العدل، الموجب لعدم كون ذاته مستجمعاً لجميع الكمالات، المستلزم للنقص و الاحتياج، المنافي لوجوب الوجود، و لعلّ إلى هذا أشار الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) في قوله: «بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا» في حديث سلسلة الذهب(1)، فتدبّر.

الأمر العاشر: في لزوم التكليف

من شؤون العدالة لزوم التكليف.

و توضيح الكلام: أنّ الحسن و القبح في الأفعال من الاُصول المسلّمة عند المسلمين، بل قاطبة الناس، خلافاً للأشاعرة، و يدلّ عليه حسن الإحسان و قبح الظلم، و لو تأمّلت في ذلك، فراجع المثال الذي ذكرته في وجوب المعرفة بقاعدة شكر المنعم.

و عليه نقول: إنّ الحسن و القبح تابع للمصالح و المفاسد في الأفعال، و انّ البشر لا يدرك جميع ما فيه صلاحه أو فساده، و ما أدركه العقل أيضاً لا يترتّب عليه إلاّ ذمّ العقلاء، و الناس يستسهلون الذمّ في قضاء الوتر.

فالظالم لا يرتدع بذمّ العقلاء عن ظلمه، فيجب على اللّه تعالى جعل التكليف، و إرشاد العبيد إلى ما فيه صلاحهم و فسادهم، و خلق الثواب و العقاب، و الترغيب إلى الثواب، و الإنذار عن العذاب، و إرسال الرسل، و إنزال الكتب.

ص: 72


1- _ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج2، ص135، ح 4.

و يجب على العبيد إطاعة أوامره، و الانتهاء عن نواهيه، و ترك معصيته و مخالفته، بالوجوب العقلي من جهة درك حسن الأوّل و قبح الثاني، بمعنى أنّه لو خالف و وقع في مفسدة لكان عن حجّة: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.(1)نعم قد يكون في بعض الموارد جهاتاً يمنع من التكليف لا يحيط بها إلاّ علاّم الغيوب، فلا يمكن الحكم كلّية في جميع الموارد حتّى ينتقض بمن لم يبلغ إليه الدعوة أصلاً، و بالجاهل القاصر و أهل الأمر بك و نحوها، و من هنا قلنا بعدم تمامية قاعدة اللطف و نحوها.

ص: 73


1- _ سورة الأنفال: 42.
المطلب الرابع: في النبوّة
اشارة

و قد بسطنا الكلام فيها في بعض رسائلنا، و من أرادها راجعها، و قد قسّمنا المطالب فيها بجزئين، و قد ذكرنا الجزء الثاني في هذه الوجيزة، و الجزء الأوّل في رسالة اُخرى، و لا بأس بالإشارة إلى مطالبها ملخّصاً.

فنقول: في هذا المقام مباحث:

المبحث الأول: في إثبات النبوّة العامّة

بمعنى لزوم بعث الرسل، و إنزال الكتب على اللّه، و احتياج البشر إلى ذلك، و يدلّ عليه: أنّ دواعي الشهوة و الغضب في البشر موجود، و لا يرتدع إلاّ برادع إلهي، و أنّ البشر في مدنيته يحتاج إلى القوانين لحفظ الحقوق، و عقول البشر لا يصل إليها، مضافاً إلى ما تقدّم في لزوم التكليف.

المبحث الثاني: في نسخ الشرائع

إنّ النسخ في الشرائع ممّا لابدّ منه، و عليه اتّفاق المسلمين، و الآيات و الأخبار و الضرورة، بل برهان العقل، كما تقدّم بيانه في الأمر السابع في مسألة البداء قائم عليه، و كتب العهدين مشحونة به، و إن خالف في ذلك اليهود و النصارى عناداً للإسلام، و قد نقلنا موارد العهدين على ذلك، و قد أبسط

ص: 74

الاُستاذ البلاغي (قدس سره) في الهدى الكلام في ذلك(1).

المبحث الثالث: في اشتراط العصمة و الأكملية و المعجزة

يشترط في النبي المبعوث اُمور كثيرة، المهمّ منها ثلاثة: العصمة بالمعنيين من المعاصي و من الخطأ و السهو و النسيان و الشكّ، و الأكملية في جميع الصفات عن جميع الاُمّة، و الاتيان بالمعجزة.

أمّا العصمة، فالدليل عليه مضافاً إلى لزوم نقض الغرض لو لم يكن معصوماً، و مضافاً إلى أنّ إرسال المعصوم ممكن على اللّه تعالى، و فيه صلاح الاُمّة قطعاً، فكان حسناً، فيجب على اللّه بمقتضى عدله قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ}.(2)

ثمّ الآيات الموهمة في القرآن، مثل قوله: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى}.(3)

و قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ}.(4)

و قوله: {وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً}.(5)

ص: 75


1- _ الهدى إلى دين المصطفى، ص275_ 340.
2- _ سورة البقرة: 124.
3- _ سورة طه: 121.
4- _ سورة الأعراف: 189.
5- _ سورة نوح: 24.

و قوله: {وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً}.(1)

و قوله: {وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.(2)

و قوله: {قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ}.(3)

و قوله: {وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ}.(4)

و قوله: {فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْنهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً}.(5)

و قوله: {قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ}.(6)

و قوله: {وَ لَمّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ}.(7)

ص: 76


1- _ سورة نوح: 26.
2- _ سورة الأنعام: 75.
3- _ سورة الأنبياء: 62.
4- _ سورة القصص:15.
5- _ سورة الكهف: 65.
6- _ سورة الشعراء: 43.
7- _ سورة الأعراف: 150.

و قوله: {وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ}.(1)

و قوله: {وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ}.(2)

و قوله: {وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ}.(3)و قوله: {وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}.(4)

و قوله: {وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}.(5)

و قوله: {وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.(6)

و قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً}.(7)

و قوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ

ص: 77


1- _ سورة ص:21.
2- _ سورة ص:30.
3- _ سورة ص:34.
4- _ سورة الأنبياء: 87.
5- _ سورة الضحى: 7.
6- _ سورة الحجّ: 52.
7- _ سورة الإسراء: 73.

فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}.(1)

و قوله: {وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}.(2)

و قوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اِتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}.(3)و قوله: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ}.(4)

و قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اِتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً}.(5)

و قوله: {وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ}.(6)

و قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ

ص: 78


1- _ سورة الإسراء: 39.
2- _ سورة الزمر: 65.
3- _ سورة الأحزاب: 1.
4- _ سورة المائدة: 67.
5- _ سورة الأحزاب: 37.
6- _ سورة الشرح: 2.

يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً}.(1)

و قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَ اِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤمِنِينَ وَ الْمُؤمِناتِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ}.(2)

و قوله: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.(3)

و قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ}.(4)و قوله: {وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ}.(5)

و قوله: {وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.(6)

و قوله: {وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ}(7)

ص: 79


1- _ سورة الفتح: 2.
2- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 19.
3- _ سورة الكهف: 110.
4- _ سورة يونس: 94.
5- _ سورة يونس: 95.
6- _ سورة يونس: 105.
7- _ سورة يونس: 106.

فقط أبسطنا الكلام فيها مفصّلاً مأخوذاً من تنزيه الأنبياء(1) و الهدى(2)،

فراجع.

و أمّا الأكملية، فالمراد منه كون النبي متّصفاً بجمع الخصال الحميدة، منزّهاً عن جميع الرذائل، و كان ذلك على نحو الدوام و الثبات، فلا يزول صبره بالمصائب، و لا شكره بالنوائب، و لا رضاه بالنكبات، و لا يقينه بالشبهات، و أن يكون كلّ ذلك موهوبياً لا كسبياً.

و الدليل عليه: قبح الترجيح من غير مرجّح، أو المرجوح على الراجح، و لزوم نقض الغرض لولاه، و أنّ بعث هذا النبي الموصوف الكذائي ممكن عليه تعالى، و فيه صلاح الاُمّة قطعاً، و ليس فيه مفسدة أصلاً، فيجب على اللّه لحسنه.

تنبيه: ما ورد في ابتلاء أيّوب من الجذام و القيح و الدود و نحوها لا يطابق اُصول مذهبنا(3)،

و هو غير ثابت، بل هو من موضوعات بعض مفسّري العامّة، و قد بيّن ذلك علم الهدى في تنزيه الأنبياء.(4)

و قد ورد الخبر عن الخصال، عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّ أَيُّوبَ (علیه السلام) مَعَ جَمِيعِ مَاابتُلِيَ بِهِ لَم يُنَتَّن لَهُ رَائِحَةٌ، وَ لا قَبُحَت لَهُ صُورَةٌ، وَ لا خَرَجَت مِنهُ مِدَّةٌ مِن دَمٍ، وَ لا قَيْحٍ، وَ لا استَقذَرَهُ أَحَدٌ رَآهُ، وَ لا استَوحَشَ مِنهُ أَحَدٌ شَاهَدَهُ، وَ لا يُدوَّدُ شَيءٌ مِن جَسَدِهِ. (الخبر)(5)

ص: 80


1- _ للسيد الشريف المرتضى علم الهدى.
2- _ للعلاّمة المحقّق الشيخ جواد البلاغي.
3- _ البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص663، ح9116.
4- _ تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى، ص59 _ 64.
5- _ الخصال، ج2، ص399، ح108.

فما ورد في بعض الأخبار موافقاً للعامّة يحمل على التقية.

و من شؤون الأكملية لزوم كون النبي عالماً بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة في عقائدهم، و دفع شبهاتهم، و عالماً بألسنتهم و مشكلات علومهم، و إصلاح معادهم و معاشهم و اجتماعياتهم، فالمبعوث على كافّة الجنّ و الإنس لابدّ و أن يكون عالماً بلغة الجنّ، و عدم الاستيحاش عنهم، و لذا من كان خليفته أيضاً كذلك.

و من شؤون الأكملية عدم نواقص الخلقية، و لا الحسبية، و لا النسبية، و لا يرتكب الأفعال الخسيسة، كالحياكة و الحجامة و الزبالة و نحوها، و الغرض من ذلك عدم صعوبة الانقياد له علي الاُمّة لا الأكملية في ذلك عن جميع الاُمّة؛ لعدم مدخلية ذلك في كمال النفس.

و أمّا المعجزة، فلزومها من جهة أنّ العصمة و الأكملية التي قد عرفت شرطيتها لا يكشف كشفاً قطعياً إلاّ للأوحدي بعد المعاشرة التامّة في مدّة من الزمان؛ لأنّها من الصفات الباطنية، فلابدّ من قيام دليل قطعي على كون مدّعي النبوّة كذلك، و هو إمّا إخبار معصوم بالنصّ الصريح القطعي على نبوّته، أو بإتيانه المعجزة؛ لأنّه يمتنع على اللّه تعالى في حكمته و عدله إعطاء المعجزةبيد الكاذب في هذه المزلقة العظيمة.

و الدليل على كون المعجزة دليلاً على صدق الدعوى لزوم نقض الغرض و إفحام الأنبياء و غيرها، و المراد من المعجزة ما يكون خارجاً عن طوق البشر، و عن حدود قدرتهم، و عن قوانين التعليم و التعلّم، و خارقاً للعادة، فالصنائع الغريبة العصرية و السحر لا يشتبه بالمعجزة؛ لأنّها تحت قدرة البشر، و تحت قوانين العلمية و طبقاً للعادة.

ص: 81

ثمّ يعتبر فيها أن يكون كافيةً قاطعةً للعذر، و كلّ من يرجع إليها يحصل له القطع بصدق الدعوى، سوى المتعصّب المعاند، و إنّ من لم يقدر على التميز بينها و بين غيرها يجب أن يرجع إلى أهل الصناعة، فقوم موسى (علیه السلام) إلى السحرة، و قوم عيسى (علیه السلام) إلى الأطبّاء، و قوم محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى الفصحاء و البلغاء، و لا يلزم مشاهدة جميع الاُمّة حتّى الأجيال المتأخّرة، بل اللازم القطع بصدوره منه و لو بالنصّ المتواتر، و لا يلزم قدرة النبي عليها كلّ حين، و لا تكراره و تعدّده، بل اللازم حصول القطع و تمامية الحجّة.

المبحث الرابع: في موانع النبوّة

و هي كثيرة، منها: فقدان الشرائط المتقدّمة من العصمة و الأكملية و الإتيان بالمعجزة.

و منها: التناقض في دعاويه و كلماته، كتناقضات الباب.

و منها: نصّ النبي السابق الثابت نبوّته على كذب مدّعيها، كتنصيصنبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) على كذب مدّعي النبوّة بعده إلى يوم القيامة.

و منها: تصديقه النبي السابق الناصّ على كذب المدّعي.

و منها: إرتكابه بعض القبائح العقلية، أو المحرّمات الشرعية.

و منها: دعواه ما هو خلاف العقل، كالشرك و نحوه.

و منها: تناقض أحكامه بحيث لا يرجع إلى النسخ.

و منها: تناقض احتجاجاته.

ص: 82

المبحث الخامس: في و جوب النظر

لا يخفى أنّه قد جاء في هذا العالم رجال ادّعوا النبوّة، و هم كلاًّ أو بعضاً محتمل الصدق أو مظنون الصدق، أو موهوم الصدق، ففي مخالفتهم و عدم تصديقهم مظنّة للضرر، أو محتمل الضرر، أو موهوم الضرر، و دفع الضرر المظنون و المحتمل و الموهوم واجب عقلاً، بمعنى أنّه لو خالف و وقع في العذاب الأبد لصحّ ذلك، و لا يقبح العقل العقاب عليه.

نعم بعد الفحص و النظر إن علم الصدق فصدّقه، و إن علم الكذب فكذّبه، و إن لم يعلم شيئاً منهما، فإن كان مقصّراً يصحّ عقابه على تقدير الصدق، و إن كان قاصراً يقبح ذلك، فقاعدة دفع الضرر إنّما هو قبل الفحص، و قاعدة قبح العقاب بعد الفحص، فلا تعارض بينهما، كما في باب الأحكام قبل الفحص وبعده بمقدار اللازم.

المبحث السادس: في التواتر

إنّ طريق إثبات النبوّات في زماننا هذا منحصر بالتواتر في جميع الطبقات من زمان مدّعي النبوّة إلى زماننا، بمعنى نقل جماعة في كلّ طبقة بحيث يستحيل اجتماعهم على الكذب، و يحصل القطع من قولهم إلاّ للمبتلى بداء العصبية.

نعم في نبوّة نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) لمّا كان القرآن و كذا أحكام شريعته و كذا إخباره ممّا سيأتي معجزة باقية إلى يوم القيامة، قد يتوهّم عدم الاحتياج إلى التواتر، لكنّه أيضاً فاسد؛ لأنّا نحتاج إلى التواتر في إثبات كون القرآن صادراً منه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و كذا الإبقاء منه، و كذا الإخبارات المستقبلة ممّا أخبر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) به.

ثمّ المعتبر قيام التواتر على كونه مدّعي النبوّة، و كونه واجداً لجميع الشرائط

ص: 83

من العصمة و الأكملية و إعطاء المعجزة، و كونه فاقداً لجميع الموانع المتقدّمة، و لا سبيل لنا إلى إثبات شيء من ذلك بالنسبة إلى الديانات التي قبل موسى (علیه السلام) ، فهو من القسم الثالث الذي لا يقبح العقاب على مخالفته، بل من القسم الثاني الذي نقطع ببطلانه من جهة نسخ شريعتهم بالشرائع اللاحقة الثابتة بالأدلّة القطعية، فنحن نتكلّم في نبوّة موسى و عيسى (علیهما السلام) و نبي الإسلام محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) كلٌّ في بحث مستقلّ.

المبحث السابع: في نبوّة موسى (علیه السلام)
و كتابه التي عليه اليهود

و ادّعوا تواتر كتابه، و دعواه الرسالة، و كونه واجداً لجميع الشرائط المؤيّدة بالمعجزات الباهرات، و فاقداً لجميع الموانع، و أيّدوا ذلك بموافقة النصارى و المسلمين.

أقول: أمّا التأييد باطل؛ لانقطاع نبوّته عنهم بالتنصّر و الإسلام.

و أمّا تواتر ما ادّعوا، فهو فاسد؛ لانقطاع مستندهم مرّاتاً ثلاثةً:

أحدها: من بعد موسى لم يمض سنة إلاّ أشركوا و عبدوا الأثنام، و اشتدّ ذلك فيهم إلى زمان ظهور يوشيا، بحيث جعلوا الأصنام في بيت المقدس و نجّسوه و أخربوه، و بقوا مدّةً مديدةً بلا إله حقّ و لا معلّم و لا شريعة (و في النسخة العبرانية)(1)

و بلا توراة، حتّى مضى من ملك يوشيا إثني عشر سنة يطلب الحقّ و الشريعة و التوراة و لم يجدها، فادّعى حلقيا أنّه وجدها في بيت

ص: 84


1- _ كذا في الأصل بين الهلالين.

الربّ، و أخبر شافان كاتب الملك، و قرأ شافان ليوشيا حتّى مزغ يوشيا من شدّة الفرح ثيابه.(1)

فعلى هذا ينتهي تمام سندهم إلى رجل واحد حلقيا، مع كون آثار الكذب منه ساطعة؛ لأنّ المشركين مع كثرة عنادهم و كفرهم حتّى أخربوا بيت الربّ و نجّسوه و نهبوا جميع ما فيه، لم يبقوا التوراة سالمة في بيت الربّ.

ثانيها: من بعد ملك يوشيا صاروا أيضاً إلى الشرك و عبادة الأوثان إلىسبي بابل، و بقوا في السبي مائة سنة حتّى رجعوا من السبي، و طلبوا الشريعة و التوراة تمنّوا من عزرا المعلّم أن يأتي لهم بالشريعة، فأتى عزرا بكتاب التوراة و قرأ عليهم، و هم اُلوف بين باكٍ و صارخ في يومين، حتّى وجدوا فيها عمل المظال(2)،

فتمام سندهم ينتهي إلى واحد و هو عزرا.

ثالثها: بعد سبي بابل إلى زمان المسيح أفسدوا عهد موسى (علیه السلام) ، و احتقر طاسم إله، و حادّوا عن الطريق، و قالوا: عبادة إله باطلة و لا فائدة فيها.(3)

هذا مضافاً إلى أنّ الكتاب المذكور لاشتماله على ما يخالف العقول في أحوال الأنبياء (علیهم السلام) من قصّة آدم سفر التكوين باب 3، و قصّة نوح سفر المذكور باب 9، و قصّة أبناء نوح سفر المذكور باب 11، و قصّة لوط باب 19، و قصّة يعقوب باب 32 منه، و قصّة موسى سفر الخروج باب 4 و باب 5، و سفر العدد باب 11، و باب 20، و باب 27، و سفر التثنية باب 32 و مزمور 106 آية 33، و

ص: 85


1- _ راجع: تاريخ الملوك، ج2، باب22 و 23؛ تارخ الأيّام، باب24.
2- _ راجع: كتاب أرميا، و الباب الثامن من كتاب نحميا.
3- _ راجع: كتاب الملاخي.

قصّة هارون سفر الخروج باب 7 و باب 32، و قصّة داود صموئيل الثاني، و قصّة سليمان ملوك الأوّل باب 11، لا يقبل التصديق، و هذه الكفريات من أقوى الأدلّة على بطلان الكتاب.(1)

و مضافاً إلى اشتمال التوراة على التناقضات و الأحكام المخالفة للعقول التي يأتي ذكرها في بيان معاجز القرآن.

المبحث الثامن: في نبوّة عيسى (علیه السلام)
و كتابه التي عليها النصارى و ادّعوا تواترها

أقول: أمّا سند أناجيلهم الأربعة ينتهي كلّ واحد إلى واحد، و هم: متى، و مرقس، و يوحنّا، و لوقا، فلم يكن متواتراً عن المسيح، بل اختلاف الأناجيل التي يكذّب كلّ الآخر، و تناقضاتها من أقوى الأدلّة على كذبها.

هذا مضافاً إلى أنّه قد ورد في أناجيلهم من ذمّ الحواريين الذين كان سنداً لأناجيل منتهياً إليهم، و كفرهم و عدم إيمانهم ما يغنينا عن البحث في ذلك، فانظر إنجيل يوحنّا باب 2 آية 22، و باب 16 آية 52 و 32، و باب 12 آية 6 و 16، و باب 13 آية 29.

و إنجيل مرقس باب 4 آية 4، و باب 16 آية 52 و 14.

وإنجيل متى باب 20 آية 24، و باب 16 آية 8، و باب 2 آية 20، و باب 2 آية 31 و 36، و باب 6 آية 22، و باب 26 آية 69، و باب 16 آية 21، و باب 17 آية 23، و باب 20 آية 19.

ص: 86


1- _ راجع: الهدى إلى دين المصطفى، ج1، ص113_ 142.

و إنجيل لوقا باب 22 آية 22، و باب 24 آية 11.

و عليه نقول: كيف يمكن الاعتماد بقول هؤلاء؟

و أمّا تناقضات الأناجيل، فكثيرة:

منها: في نسب المسيح من وجوه بين متى و لوقا.و منها: في إعطاء المعجزة بيد الكاذب مع كون أساسها على ذلك.

و منها: بقاء المسيح ثلاثة أيّام في الأرض.

و منها: في كون يوحنّا هو الإيلياء.

و منها: في قبول شهادة المسيح على نفسه.

و منها: في إطلاق الصالح عليه.

و منها: دعوى كون من ليس معه هو عليه.

و منها: حسن صوم التلاميذ.

و منها: إعطاء المعجزة إليه و عدمه.

إلى غير ذلك من المناقضات، مضافاً إلى اشتمالها على احتجاجات باطلة، كالاحتجاج لقبول شهادة نفسه، و الاحتجاج لتعدّد الآلهة، و للمنع من الطلاق، و منع الزواج في القيامة، و على التثليث، و للقيام من الموت.

و إلى النسبة إلى المسيح و حاشاه ما لا يليق به:

منها: قصّة العرس و صنع الخمر.

و منها: شرب الخمر بل شريب الخمر، أي كثير الشرب.

ص: 87

و منها: جلوس يوحنّا في حجرة و تغنّجه.

و منها: كذبه في عدم الصعود إلى العيد مع أنّه صعد.و منها: قصّة المرأة الزانية.

إلى غير ذلك من الموارد، و قد أشبعنا الكلام فيها توضيحاً و محلاًّ المأخوذ أغلبها من الهدى(1) و آلاء الرحمن(2)، و تطبيق أكثرها مع العهدين الموجود عندي.

المبحث التاسع: في نبوّة نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم)

لا ينبغي الإشكال في ظهوره (صلی الله علیه و آله و سلم) في السنة المعلومة، و ادّعى الرسالة، و بلّغ دعوته إلى أكثر بلاد العالم، و آمن به طوعاً أو كرهاً في زمانه أكثر من مئات الاُلوف، و لم ينقرضوا المسلمين من زمانه إلى زماننا هذا.

فلا سبيل لأحد إنكار التواتر في جميع الطبقات، مع أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في زمان استولى الشرك على العالم كجدّه إبراهيم (علیه السلام) ؛ لأنّ العرب كانوا عبدة الأصنام، و العجم عبدة النار، و الهند عبدة الشمس و القمر و الكواكب و البقر و نحوها، و النصارى القائلين بالتثليث، و اليهود المتقلّبين في الشرك كما عرفت، فهو بنفسه الشريف ظهر و قام و استقام إلى أن مات، و هذا بنفسه دليل مستقلّ على صدق الدعوى لمن استبصر.

و الاستدلال على نبوّته وجوده كثيرة:

ص: 88


1- _ راجع: الهدى إلى دين المصطفى، ج1، ص143_ 148.
2- _ أيضاً للعلاّمة المحقّق الشيخ محمّدجواد البلاغي (قدس سره) .

منها: بشارات السلف من الأنبياء، و قد جمعها في سيف الاُمّة(1) إلى نيّف و ستّين من الاُصول العبراني، و إن حرّف بعضها المترجمون، و نحن قد ذكرنا منها إثني عشر مورداً فراجع، و قد ذكرنا له (صلی الله علیه و آله و سلم) ثلاثين إسماً مأخوذاً من العهدين.و منها: المعجزات الخاصّة الصادرة منه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، كانشقاق القمر، و تسبيح الحصاة، و مخاطبة البهائم، و تظليل الغمام، و غيرها ممّا لا يخفى كثرةً، و قد نقلنا منها ستّاً و ستّين معجزةً.

و منها: إخباره (صلی الله علیه و آله و سلم) بالمغيبات و الاُمور المستقبلة، كإخباره عن العترة الطاهرة واحداً بعد واحد، و ما جرى على كلّ منهم من القتل و السبي من بني اُميّة و بني العبّاس، و عن أهل نهروان، و عن وقعة صفّين و قتل عمّار، و أنّه تقتله الفئة الباغية، و آخر شرابه من الدنيا ضياح من لبن، و عن وقعة الجمل، و خروج عائشة على علي (علیه السلام) ، و نياح كلاب الحوئب عليها، و عن دوام ملك النصارى، و عن خلفائه الإثني عشر، و طول غيبة قائمهم.

و عن قتل علي (علیه السلام) بضربة على اُمّ رأسه في شهر رمضان حين الصلاة فتخضب لحيته، و عمّا جرى عليه و على فاطمة (علیها السلام) بعده، و قتل الحسن (علیه السلام) بالسمّ، و قتل الحسين (علیه السلام) في كربلاء بعد شهادة أصحابه غريباً وحيداً، و عن دفن الرضا (علیه السلام) في الطوس، و لجابر بملاقاته الباقر (علیه السلام) ، و عن موت أبي ذرّ وحيداً فريداً، إلى غير ذلك، و قد عدّدناه إلى خمسة و ثلاثين مورداً.

و منها: إخباره عن الأنبياء السلف، مع أنّه لم يتعلّم عند أحد.

و منها: قوانين شريعته و أحكام ديانته التي هي في غاية المتانة و الحكمة،

ص: 89


1- _ سيف الاُمّة و برهان الملّة، للشيخ أحمد النراقي، ص99_ 169.

بحيث خضع لها الملّيون بل جميع أهل العالم، مع أنّه قد بيّن فيها جميع ما يحتاج إليه الاُمّة في نظامهم و سياستهم و معاشراتهم و معاملاتهم و مواريثهم و أحكامهم، و أمر دينهم و دنياهم، بحيث لا يحيط بها إلى الآن عالم و لا يجمعهافاضل، فضلاً عن الإحاطة بحكمها و مصالحها.

و منها: أخلاقيات الشريعة و معارفها و عقائدها، و كيفية السلوك مع الأعداء في المجاهدات و غيرها، مع أنّه لم يصدر إلاّ من اُمّي لا يتعلّم الكتب و لا يقرأ و لا يكتب.

و منها: إخباره (صلی الله علیه و آله و سلم) عن الملاحم.

و منها: مواعظه و الكلمات الصادرة منه (صلی الله علیه و آله و سلم) في الحكم، و قد جمعها العلماء في كتب الروضة، كروضة البحار و الوافي و غيرها.

و لنعلم ما قال بعض العلماء: إنّ من شاهد أحوال نبيّنا محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أصغى إلى سماع أخباره الدالّة على أخلاقه و أفعاله و أحواله و آدابه و عاداته و سجاياه، و سياسته لأصناف الخلق، و هدايته إلى ضبطهم و التألّف بينهم، و قوده إيّاهم إلى طاعته، مع ما يحكى من عجائب أجوبته في مضايق الأسئلة، و بدايع تدبيراته في مصالح الخلق، و محاسن إشاراته في تفصيل مسائل الشرع الذي يعجز الفقهاء و الفضلاء عن إدراك دقائقها في طول أعمارهم، لم يبق له ريب.

و لا شكّ في أنّ ذلك لم يكن مكتسباً بجبلة يقوم بها القوّة البشرية، بل لا يتصوّر ذلك إلاّ بالاستمداد من تأييد سماوي و قوّة إلهية، و أنّ ذلك كلّه لا يتصوّر لكذّاب و لا لملتبس، بل كانت شمائله و أحواله شواهد قاطعة بصدقه.

حتّى أنّ العربي القحّ كان يراه، فيقول: و اللّه ما هذا وجه كذّاب، فكان يشهد

ص: 90

له بالصدق بمجرّد شمائله، فكيف بمن يشاهد أخلاقه، و يمارسه في جميع مصادره و موارده، و قد آتاه اللّه جميع ذلك، و هو لم يتمارس العلم، و لم يطالع الكتب، و لم يسافر قطّ في طلب العلم، و لم يزل بين أظهر الجهّال يتيماً ضعيفاً مستضعفاً.

فمن أين حصل له ما حصل من محاسن الأخلاق و الآداب، و معرفة مصالح الفقه مثلاً فقط دون غيره من العلوم، فضلاً عن معرفته باللّه و ملائكته و كتبه و رسله، و غير ذلك من خواصّ النبوّة لولا صريح الوحي، و أين لبشر الاستقلال كذلك، فلو لم يكن له إلاّ هذه الاُمور الظاهرة لكان فيه كفاية. انتهى كلامه رفع شأنه.

ثمّ أقول: أفضل المعجزات و أشرفها و أعلاها و أبقاها و أتمّها القرآن المجيد، و ذلك لأنّ العرب الذين ابتدأت بهم الدعوة كانوا عن سائر العلوم و المعارف و الصنائع عارية، فلا يمتازون حدود ما هو تحت القدرة البشرية عن غيرها، و ما هو خارق للعادة عن غيره، فكلّما صدر عن مدّعي النبوّة من هذا القبيل يحسبون أنّه من مهارة أهل البلاد الأجنبية، أو من السحر، فلم يتمّ عليهم الحجّة، بل لمّا كانت الدعوة ثقيلة عليهم في وثنيتهم لأنكروا ذلك و جحدوه و رموه بالسحر.

و أمّا في فنّ الأدب العربي و علم البلاغة، فقد برعوا و تقدّموا غاية البراعة و التقدّم، حتّى قرّروا لذلك المراسم، و عقدوا المحافل للمفاخرة بالرقى و غيرها، و قضية السبعة المعلّقة معروفة، فامتازوا غاية التميز ممّا هو داخل تحت القدرة البشرية، و وفقاً للعادة عن غيره، و أنّه من عناية اللّه الخاصّة، فجاء مدّعي النبوّة بالقرآن بين أظهرهم، و طلب منهم الإتيان بمثله، أو بعشر سور مفتريات، أو بسورة واحدة حتّى مثل التوحيد و الكوثر، و أمهلهم حتّى يدّعوا كلّ مناستطاعوا.

ص: 91

مع أنّ سورة يونس نزلت بمكّة، فانظر سورة الإسراء: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ} الآية(1)،

و سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} الآية(2)،

و سورة يونس: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} الآية(3)،

و سورة البقرة: {وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ}.(4)

و لم يقدروا على ذلك، حتّى رضوا بالقتل و السبي، و الاستشفاع بأبي طالب، و ذلّ المغلوبية، و ذلّ العجز، مع أنّ تلك الدعوة شتّت جامعتهم الوثنية، و هدّدت رئاستهم الوحشية، و فرّقت بين الآباء و الأبناء، و الإخوان و الأقرباء و الأصدقاء، و الأزواج و الزوجات، مع كون أعداء الاسلام من مهرة هذا الفنّ من صدر الاسلام إلى زماننا هذا من اليهود و النصارى و المشركين ما لا يحصى كثرةً، الذين ليس لهم همّ إلاّ اضمحلال هذا الدين، فلو كانوا قادرين على إتيان سورة لكان أسهل الاُمور عليهم، و لو أتوا بها لانعقدوا له المحافل و المراسم، و لصار كالنار على المنار، و الشمس في رابعة النهار.

فهذا القرآن معجزة على العرب لعجزهم عن الإتيان بمثله، و خروجه عن تحت قدرتهم، و عن تحت العادة، و معجزة على غيرهم من العجم و غيره بتصديق مهرة الفنّ، و عجز أهل الصناعة، كما في قضية العصى، و تصديق السحرة.

ثمّ إنّ هذا القرآن ممتاز عن سائر المعجزات من جهات:

ص: 92


1- _ سورة الإسراء: 9.
2- _ سورة هود: 16.
3- _ سورة يونس: 39.
4- _ سورة البقرة: 21.

الاُولى: تكفّله لإثبات جميع المقدّمات التي تنتظم منها الحجّة على الرسالة.

منها: دعوى النبوّة و الرسالة.(1)

و منها: الشهادة بنبوّته و رسالته.(2)

و منها: التكفّل لكمالات المدّعي.(3)

الثانيه: تكفّله لفقدان الموانع للنبوّة، حيث ليس فيها ما يخالف العقول من معارفها و أخلاقياتها و اجتماعياتها و سياسياتها و غيرها، قال تعالى في سورة الإسراء: {إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.(4)

الثالثة: تكفّله للتحدّي في الآيات المتقدّمة، كما أشرنا إليه مفصّلاً.

ثمّ لا يخفى أنّ إعجاز القرآن ليس منحصراً بما ذكر من حسن الاُسلوب و الفصاحة و البلاغة، بل هو معجز من وجوه اُخر أيضاً:

الأوّل: من حيث التاريخ، من حيث اشتمال القرآن على بعض قضايا الأنبياء الذي يشتمل عليها التوراة الرائجة أيضاً، فعند مقايسة ما في القرآن مع الكفريات الّتي في التوراة نقطع بأنّه وحي إلهي؛ لأنّه لو كان ما فيه مأخوذاً عن التوراة لكان مشتملاً على كفرياته.

و لو كان مأخوذاً من أفواه الرجال لكان كفرياته أكثر بمراتب، مثل قضية آدم و

ص: 93


1- _ سورة الأعراف: 157.
2- _ سورة النجم: 3_ 5، و سورة الفتح: 29، و سورة الأحزاب: 40.
3- _ سورة القلم: 2 و3 و 4 و 7، و سورة الأعراف: 156، و سورة الأحزاب: 44.
4- _ سورة الإسراء: 9.

أكل الشجرة و إبليس في سورتي الأعراف و طه، و في التوراة في الثالث من التكوين، و مثل قضية إبراهيم و أرض سوريا في أواخر البقرة، و في التوراة في الخامس عشر من التكوين، و مثل قضية هلاك قوم لوط و مجيء الملائكة بالبشرى في سورتي الهود و الذاريات، و في التوراة في الثامن عشر و التاسع عشر من التكوين، و مثل خطاب موسى من الشجرة في سورة طه و النمل و القصص، و فيها في الثالث من الخروج، و مثل قضية هارون و السامري للعجل في سورتي طه و الأعراف، و فيها في الثاني و الثلاثين من الخروج.

مضافاً إلى اشتمال العهدين على مزخرفات اُخر، كقصّة داود و اوريا، و مخادعة يعقوب و مصارعته و سليمان و المرتفعات و عيسى و العرس و غيرها.

الثاني: من حيث الاحتجاجات على المعارف لإثبات الإله له و وحدته، و إثبات الصفات، و إثبات النبوّة، و كمالات النبي، و إثبات المعاد و خصوصياته، حيث لا تجد في شيء منها خللاً في الاستدلال، أو بعض مقدّماته.(1)

ص: 94


1- _ أقول: قايس ذلك مع ما في الإنجيل من الاستدلال على تعدّد الآلهة بما في التوراة إله إبراهيم و إله الحقّ وإله يعقوب، و على إثبات دعواه بما في التوراة بثبوت الدعوى بشاهدين أنا و أبي شاهدان، و على منع الطلاق بصيرورة الزوجين جسداً واحداً، إلى غير ذلك. بل لا تجد كتاباً من الفلاسفة و العلماء إلاّ و فيه خلل كثيرة في استدلالاته. هذا ما أردنا إيراده في الجزء الأوّل، و بسطنا الكلام فيه في رسالة مستقلّة، و أشرنا إلى مطالبها ملخّصاً في تلك الأوراق، و يلحق بذلك الجزء الثاني الذي كتبناه في هذه الوجيزة في احدى عشر صفحه قبل تلك الصفحة إلى خمس صفحات بعده الذي أوّله قولنا: بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد للّه ربّ العالمين، إلى قولنا: «إن هو إلاّ وحيٌ يوحى علّمه شديد القوى» «منه».

الجزء الثاني: النبوّة الخاصّة في بحث المعاجز القرآنية

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الأطيبين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

أمّا بعد: فيقول العبد الجاني ابن محمّد تقي الحسيني عبدالحسين: إنّ هذا هو الجزء الثاني من النبوّة في النبوّة الخاصّة في بحث المعاجز القرآنية، سواء الفصاحة و البلاغة، و حسن الاُسلوب، من سائر وجوه الإعجاز الذي تقدّم في الجزء الأوّل: الوجه الأوّل، و الثاني منها.

و هذا هو الوجه الثالث منه، و هو السلامة من الاختلاف و التناقض الذي لا يخلو منه كتاب، و لو كان من أعاظم الحكماء و المتبحّرين، قال تعالى: {وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.(1)توضيح الكلام في المقام: إنّ القرآن الكريم مشتمل على فنون علمية من

ص: 95


1- _ سورة النساء: 82.

العلم الإلهي، و الفنّ الأخلاقي، و تشريع الأحكام، و السياسة المدني، و الفنّ الحربي، و تنظيم المعاش، و إصلاح المعاد، و الترغيب و البشارة، و التهديد و النكال، و الحجج و الأمثال من أبواب الفلسفة و السياسة و الاصلاحات و المواعظ و العبر، كلّ ذلك على أحسن اُسلوب، و أقوم منهج، مع تكرّر كثير من قصصه و مطالبه.

و مع ذلك لا تجد فيه شيئاً من الاختلاف و التناقض و الاضطراب، و فساد المضمون، و سقوط الحجّة، و سخافة البيان، و ينادي فيه بأعلا صوته: {إِنَّ هذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.(1)

مع أنّه لم يصدر إلاّ من الاُمّي في العصر المظلم الكذائي.

فقايس ذلك مع ما تجد في كتب الفلاسفة و الحكماء و أكابر العلماء، بل قايس مع الكتب المشتملة على قوانين كلّ مملكة، مع أنّها كتبت تحت نظر عقلاء المملكة و اتّفاق آرائهم، فكم فيها من الاختلاف و التناقض، بل من المستحيل صدور كتاب من الإنسان الذي هو محلّ السهو و النسيان سالماً من التناقض و الاختلاف ، فيقطع كلّ عاقل أنّه ليس: {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى}، {عَلَّمَهُ شَديدُ الْقُوى}.(2)

و قايس ذلك مع ما تقدّم في الأناجيل الأربعة عند البحث عن نبوّة المسيح من التناقضات الكثيرة، مع صغر الأناجيل، و عدم اشتماله على مطالب علمية، من الاختلاف في نسب المسيح من وجوه ثلاثة، و من إعطاء المعجزة على يدالكاذب، و اختلاف في كون المسيح ابن داود النبي.

ص: 96


1- _ سورة الإسراء: 9.
2- _ سورة النجم: 4_ 5.

و الاختلاف في كون المسيح منكراً إعطاؤه المعجزة إلاّ القيام من الموت، و دعوى المعجزات الكثيرة.

و الاختلاف في الايلياء المزمع أنّه يوحنّا النبي، و إنكار كون يوحنّا هو الإيلياء.

و الاختلاف في إخباره ببقائه تحت الأرض ثلاثة أيّام و ثلاث ليال، و لم يكن كذلك.

و الاختلاف في قبول شهادة نفسه و عدمها، و في إنكار الصالحية و ادّعائها.

و الاختلاف في أنّ من ليس معي فعليّ، و أنّ من ليس عليّ فهو معنا.

و في إنكار حسن صوم التلامذة، و أنّه من أركان الإيمان، إلى غير ذلك من المناقضات، فراجع.

الرابع من وجوه الإعجاز: إعجازه من وجهة الأحكام و التشريع العادل.

و لعمري أنّ القرآن و الإسلام جاء بشريعة تحيّر جميع العقلاء من الفلاسفة القديمة و الجديدة في مصالحها و فوائدها التي فيها نظام المعاش و المعاد، من الحقوق المدنية و الاجتماعية و السياسية و الحروبية، و مراعاة حقوق العائلة و الأرحام و الأزواج، و تدبير المنزل و العبادات و المعاملات و المعاشرات و المواريث و الحدود و الديات، و باب القضاء و الشهادات و غيرها، التي لا يكون شيئاً منها بلا حكمة و لا على خلاف مصلحة لأفراد البشر فرداً و اجتماعاً.

و قايس هذا القرآن مع القوانين الصادرة عن أكابر عقلاء الممالك حيث لايمضي من مدّة جعل كلّ قانون إلاّ قليل، فيدركون فسادها و ينقضونها، ففي كلّ سنة بل شهر يتغيّر تلك القوانين تغييراً فاحشاً، و يجعل مادّةً واحدةً تنقضها.

ص: 97

و بعد هذه المقايسة تعرف المجعول من اللّه، و تمتازه عن المجعول من البشر.

و لا أقول قايس القرآن مع التوراة الصادرة عن رجل و ثني قاسي القلب، و لا مع الإنجيل الصادر عن المتغوّل في الشهوة العاري عن الغضب و الغيرة، و لا بأس بالإشارة إلى بعض ما فيهما:

منها: في قضية الحرب و الجهاد، حيث ذكر في التوراة ستّة قبائل من القبائل الّتي لايستبقون منها نسمة، و لا ينقطع معهم عهداً، و لا يشفق عليهم، بل يقتلون أطفالهم و بهائمهم. و أمّا سائر القبائل، فيقتل رجالهم و كلّ نسائهم و أطفالهم و بهائمهم غنيمة.

أقول: أوّلاً ما وجه الفرق بين القبائل؟ و ثانياً ما وجه هذه القساوة؟ و ما تقصير الأطفال و البهائم؟ و ثالثاً فما وجه أمر موسى (علیه السلام) في سبي أمر بأن يقتل جميع الذكور و النساء سوى الأبكار، و هنّ إثنان و ثلاثون ألفاً، فكم قتل من الأطفال، و ما الفارق بين البكر و الثيّب.

و منها: في باب النكاح، فجعل من المحرّم نكاحها إمرأة الأخ، إلاّ أنّه صرّح بأنّ امرأة إذا مات زوجها و لم يكن له ولد يجب تزويجها على أخ الزوج، و يجعل الولد الأوّل الذي ولد منها باسم أخ الميت؛ لأن لايمحو إسمه، و لو أبى الأخ من تزويجها، فأتت المرأة بها قدّام السرائيل، و تخلع نعله، و تبصق في وجهه، و يسمّى بيته بيت مخلوع النعل.أقول: لابدّ من دعة التخصيص، فما وجه هذا العمل الشنيع المنافي للحياء و العفّة الموجب للهتك و الظلم.

و منها: ما ذكره من المحرقات في السبت، و في كلّ يوم، و في أوّل كلّ شهر،

ص: 98

و في عيدهم من خامس عشر من نيسان إلى الحادي عشر منه و سائر أعيادهم، بأن يوضع المحرقة تمام الليل أو تمام النهار على النار توقد حتّى الإلية و الشحم حتّى تصير رماداً، و يسكب عليه الخمر.

أقول: ما الفائدة في هذا العمل الكثيف؟ و ما وجه تسكيب الخمر؟

و منها: ما ذكره في أنّ من تزوّج بنتاً، و ادّعى أنّه لم يجدها بكراً، فيؤخذ أباها و اُمّها، فإن لم يأت بثوب ملطّخ بدم، فيرجم رجال المدينة المرأة حتّى تموت، و إن أتى بها فيؤدّب الشيوخ الزوج، و يؤخذ منه مائة من الفضّة لأبي الزوجة، و ليس له طلاقها أبداً.

أقول: اُنظر إلى أطراف هذا الحكم، فأوّلاً: مجرّد عدم إتيان الأب بالثوب الكذائي من أين يثبت كون المرأة زانية؟ أليس يمكن أن تكون بكراً قد أخفى الزوج الثوب المذكور، أو ذهبت بكارتها بغير طريق الزنا؛ لأنّ البكارة غشاء رقيق في وسطها ثقب يخرج منه الحيض، فيمكن ذهابها بالطفرة و الضغطة، أو بخروج الحيض بحرقة شديدة، أو بغير ذلك، فما وجه هذا الرجم؟

و ثانياً: مجرّد إتيان الأب بالثوب الكذائي كيف يدلّ على كونها باكرةً؟فلعلّه دم غير البكارة، أو دم بكارة من غير هذه المرأة، أو من هذه المرأة في غير هذا الموقع، فلعلّه جعل ذلك خدعة لأخذ الفضّة، أو لعدم تمكّن الزوج من طلاق بنته، أو لغير ذلك.

و منها: ما ذكره في الميراث، حيث لم يجعل للأبوين شيء من الميراث، و لم يجعل للبنات مع وجود الإبن ميراثاً، و لم يذكر لميراث المرأة شيئاً، فما وجه ذلك مع كون الأبوين أحقّ به حتّى من الأولاد، و أنّ البنات أضعف من الأبناء، و

ص: 99

أنّ حكم ميراث المرأة أيضاً لإسناس غنّة، إلى غير ذلك من أحكام الزكاة و أحكام العبيد، و غيرهما ممّا يطول ذكرها، هذا ما في التوراة.

و أمّا ما في العهد الجديد:

فمنها: أنّه ذكر في الإنجيل أنّه لم يجى ء لينقض الناموس و يحثّ على العمل به، مع أنّه خالفه في الطلاق، و إباحة ما حرّمته التوراة، و طهارة ما نجّسته، و نسخ الختان، و سائر القيود، و ادّعوا أنّ المسيح فداهم من لعنة الناموس.

و منها: ما ذكره المسيح من أنّه لا تدعوا لكم أباً في الأرض؛ لأنّ أباكم واحد في السماوات، مع أنّ النصارى يدّعون جميع رؤسائهم باسم الأب حتّى سمّى نفس الرؤساء نفسهم بالأب.

و منها: نهي المسيح عن الانتصار و الانتصاف و الدفاع، و عدم مقاومة الشرع، حتّى قال: من لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر، و من أخذثوبك فاترك له الرداء أيضاً.

أقول: أليس هذا إلاّ الذلّة و الخفّة، و تشجيع الظالم المعاند، و فيه ذهاب النفوس و الأعراض و الأموال.

و منها: الأمر بإطاعة العبيد لمواليهم و لو كانوا مشركين، و إكرامهم غاية الإكرام، و ليس فيه شيء من أمر الموالي إلى الرفق بالعبيد و الإحسان إليهم و إعتاقهم، مع أنّه أنسب بالذكر، هذا مع أنّ المولى المشرك قد يأمر بالشرك، أو ما هو على خلاف الشريعة.

و منها: الحثّ الأكيد على إطاعة السلاطين و إكرامهم، و إعطاء الجزية إليهم و الجباية لهم، مع أنّ سلاطين عصر المسيح كالقياصرة و الأكاسرة كلّهم

ص: 100

مشركين على خلاف الملّة النصرانية، إلى غير ذلك ممّا فيه.

الخامس من وجوه الإعجاز: من حيث الأخلاق، فتدبّر في آياته النازلة في ذلك الباب في عصر ليس لهم إلاّ رذائل الأخلاق، من الكبر و العجب و الحسد و الظلم و متابعة الهوى و غيرها.

قال تعالى في سورة النحل: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الإِحْسانِ وَ إيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.(1)

و قال في سورة الفرقان: {وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً}، {وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً}، {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً}، {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً}، {وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}، {وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً}، {يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً}، {إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً}، {وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللّهِ مَتاباً}، {وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً}، {وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً}(2)

و قال تعالى في سورة المعارج في مدح المصلّين: {الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ}، {وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}، {لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ}،

ص: 101


1- _ سورة النحل: 90.
2- _ سورة الفرقان: 63_ 73.

{وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}، {وَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}، {إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}، {وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ}، {إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، {فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ}، {وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ}، {وَ الَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ}، {وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ}، {أُولئِكَ فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ}.(1)

و قال تعالى في سورة الحجرات: {إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اَللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْقَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمانِ وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ}، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ}.(2)

و قال تعالى في سورة المؤمنون: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ}، {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ}(3) الآيات.

إلى غير ذلك من الآيات الأخلاقية التي لا تخلو سورة منها.

و العجب من التوراة حيث أمر بالعدل لقربهم، و نهى عن الحقد على أبناء

ص: 102


1- _ سورة المعارج: 23_ 35.
2- _ سورة الحجرات: 10_ 12.
3- _ سورة المؤمنون: 1_ 2.

شعبهم، و عن شهادة الزور، و السعاية على قريبهم، و عن الغدر على صاحبهم، فيبقى السؤال عن وجه هذا التخصيص، و كان دأب اليهود كذلك.

و قد عرفت من الإنجيل من الاظطلام حتّى نهى عن مطالبة من أخذ مالك، و لك العبرة بما في علم الأخلاق من الأخبار الصادرة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في كلّ باب باب تعرف حقيقة الحال.

السادس من وجوه الإعجاز: إعجازه من حيث علم الغيب، حيث أخبر في القرآن عمّا سيأتي بما يقتضي التكهّن و الفراسة خلافه، ففي زمان طغيان الشرك في سورة الحجر المكّية أمر نبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم) بقوله: {فَاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، {إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}، {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}(1)، فانظر كفاية اللّه تعالى نبيّه و ماذا علم المستهزؤون.

و كذا في سورة الصفّ المكّية أيضاً: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(2)، فانظر كيف أظهره.

و في سورة الروم: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، {الم}، {غُلِبَتِ الرُّومُ}، {فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}، {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤمِنُونَ}(3)، فانظر كيف غلبت الروم على الفرس قبل عشر سنين و دخلت مملكته.

و في سورة تبّت أخبر بأنّ أبا لهب و امرأته يموتان على الشرك، فلم يسلما

ص: 103


1- _ سورة الحجر: 94_ 96.
2- _ سورة الصفّ: 9.
3- _ سورة الروم: 1_ 4.

حتّى الظاهري منه، مع أنّهما أقرب بالإسلام من سائر قريش، و أخبر في الكوثر عن أبترية شأنئ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، إلى غير ذلك من الموارد.

وقايس ذلك مع ما في إنجيل متى، حيث فيه خبراً واحداً غيبياً أنّه يبقى مدفوناً في قلب الأرض ثلاثة أيّام و ثلاث ليال، ثمّ واقف سائر الأناجيل أنّه دفن في آخر يوم الجمعة، و خرج في صبيحة يوم الأحد، فلم يبق إلاّ يوماً كمّلاً و ليلتين و جزئي من يومين.

و أنت بعد الإحاطة بما ذكرنا لك من معاجز القرآن لن تجد بدّاً إلاّ أن تقول: {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى}، {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى}.(1)هذا كلّه في معجزة القرآن، ثمّ إنّه بقي في مسألة النبوّة اُمور لابدّ من الإشارة إليها، فنقول:

الأمر الاول

الأول: أنّ القرآن الكريم قد نزل من اللّه العزيز الرحيم على رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) من لدن بعثته إلى حين رحلته نجوماً آية أو آيات أو سورة، و كلّما نزل شيء منها هفّت إليه قلوب المسلمين إلى حفظه و ضبطه و كتابته بأحسن الرغبة و الشوق، و أكمل الإقبال، و أشدّ الارتياح، و أثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر؛ لأنّه كان الإسلام و سمة المسلم لكي يتبصّر بحججه و معارفه و شرائعه، و أخلاقه الفاضلة، و تاريخه المجيد، و علمه بها، فكان هو حجّة لدعوتهم، و معجزة لمذهبهم، و لسان عبادة اللّه، و ترويحاً لنفوسهم، و درراً للكمال، فاتّخذوا تلاوته، و استمرّوا على ذلك إلى زمان رحلة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و هم مآت اُلوف بل آلاف اُلوف.

ص: 104


1- _ سورة النجم: 4_ 5.

نعم لم يجتمع في زمانه (صلی الله علیه و آله و سلم) كلّه في مصحف واحد؛ لعدم انقطاع الوحي بعد، و إن كان كلّه مجموعاً في قلوب المسلمين و كتاباتهم، و قد قرأوا جماعة كلّه على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و بعد رحلته (صلی الله علیه و آله و سلم) و انقطاع الوحي جمعوه بمحضر المسلمين في مصحف واحد، و من هذا الزمان إلى زماننا هذا كانت المصاحف في كلّ عصر آلاف اُلوف، و كذلك الحفّاظ في كلّ عصر، و كان الحفّاظ رقيبةً على المصاحف، و المصاحف رقيبةً على الحفّاظ، و الحفاظ و المصاحف المتقدّمة رقيبةً على المتأخّرة، و لم يتّفق لأمر تاريخي هذا النحو من التواتر.

نعم لمّا كان حين اجتماعه في مصحف واحد متفرّقاً لم يراعوا فيه ترتيبالنزول، و لا شأن النزول، و لم يميّزوا بين ناسخه و منسوخه، و تفسيره و تأويله، و كان أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه بعد وفاة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يرتد برداء إلاّ للصلاة حتّى جمعه بترتيب النزول، و تقدّم المنسوخ بالناسخ، مع تفسيرها آية و تأويلها و شأن نزولها، فلمّا جاء به إلى الصلاة رأوا فيه افتضاح جماعة، و نفاق جماعة، و فسق جماعة، فلم يقبلوا منه، و حجبوا علم ذلك عن المسلمين، و إن بيّن الأئمّة (علیهم السلام) لشيعتهم أكثر ذلك، و كانت البقية في عهدة ولي الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) عند ظهوره، فلم ينقص من القرآن شيء، و لم يزد عليه، و لم يبدّل منه حرف.

قال اللّه تعالى في سورة الحجر: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ}(1)، و في سورة القيامة: {إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ}.(2)

فلا تصغ إلى الأخبار الواردة في تحريفه؛ لأنّها مضافاً إلى شذوذها و ضعف

ص: 105


1- _ سورة الحجر: 9.
2- _ سورة القيامة: 17.

سندها، و معارضتها بعضها مع بعض و مع أخبار اُخر، و إعراض المحقّقين عنها، و مخالفتها مع الضرورة، و صريح الكتاب، جلّها لولا كلّها قابلة للتأويل.

و لا بأس بنقل كلمات بعض الأكابر ليطمئنّ بها النفوس.

فعن الصدوق في كتاب الاعتقاد: إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه على نبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم) هو ما بين الدفّتين، و ليس بأكثر من ذلك، و من نسب إلينا أنّا نقول: إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.(1)و عن المفيد في كتاب المقالات: إنّه قد قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه _ أي: القرآن _ لم ينقص من كلمة و لا من آية و لا من سورة، و لكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أميرالمؤمنين (علیه السلام) من تأويله و تفسير معانيه على حقيقة تنزيله.(2)

و عن السيد المرتضى (قدس سره) بعد القول بعدم النقيصة، و أنّ من خالف في ذلك من الإمامية و الحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك، مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها.(3)

و عن الطوسي (قدس سره) في تفسير التبيان: و أما الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به ايضاً،لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، و النقصان منه، فالظاهر

ص: 106


1- _ اعتقادات الإماميه (للصدوق)، ص84 ، باب33. قال الشيخ (قدس سره) : اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) هو ما بين الدفّتين، و هو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، و مبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة. و عندنا أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و لإيلاف و أ لم تر كيف سورة واحدة. و من نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.
2- _ أوائل المقالات، ص55.
3- _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص25؛ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص25.

أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، و هو الأليق بالصحيح من مذهبنا، و هو الذي نصره المرتضى.(1)

ثمّ ادّعى (قدس سره) أنّ الروايات المخالفة لذلك من الخاصّة و العامّة، لا توجب علماً و لا عملاً، و الأولى الإعراض عنها(2).

إنتهى.

و تبعه على ذلك الطبرسي في مجمع البيان.(3)

و عن كاشف الغطاء في كتاب القرآن: لا ريب أنّه _ أي: القرآن _ محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن، و إجماع العلماء في كلّ زمان، و لا عبرة بالنادر.و عن قاضي نور اللّه في مصائب النواصب: ما نسب إلى الشيعة الإمامية من وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإمامية، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم.(4)

و عن البهائي (قدس سره) : الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادةً كان أو نقصاناً، و يدلّ عليه قوله تعالى: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ}(5).(6)

ص: 107


1- _ التبيان في تفسير القرآن، ج1، ص3.
2- _ همان.
3- _ مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص15.
4- _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص26.
5- _ سورة الحجر: 9.
6- _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص26.

و عن المحقّق الكركي (قدس سره) أنّه صنّف في نفي النقيصة رسالة مستقلّة.

و عن المقدّس البغدادي في شرح الوافية: و المعروف بين أصحابنا حتّى حكي عليه الإجماع عدم النقيصة أيضاً.(1)

و من أساتيدنا المصرّحين بذلك بل المصرّين عليه سيد أساتيدنا السيد محمّدباقر الدرچه اي، و شيخ مشايخنا الميرزا النائيني (قدس سرهما) ، و اُستادنا البلاغي (قدس سره) في آلاء الرحمن.

و قد تعرّض في آلاء الرحمن ردّاً على فصل الخطاب وجوهاً و أخباراً كثيرة دالّة على كون جميع الأخبار الموهمة للتنقيص إنّما هو في باب التفسير و التأويل، فراجع.(2)

ثمّ إنّ لأجل هذه التواتر القطعي من زمان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى زماننا هذا منحيث كثرة المصاحف و القرّاء في كلّ طبقة لم يتغيّر صورة القرآن و رسم خطّه، و هذا يكشف كشفاً قطعياً أنّه كان في زمان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أيضاً كذلك، فلا يصغى إلى الاختلافات الواقعة بين القرّاء السبع أو العشر أو غيرهم؛ لأنّ هؤلاء السبع كلّ واحد منهم آحاد، و روايته عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أيضاً آحاد، فلا يوصف روايتهم بالصحّة سيّما في مذهب الشيعة.

هذا مضافاً إلى أنّ اختلاف رواة القرّاء عنهم، و كذا اختلاف قراءة بعضهم مع بعض يوهن اعتبارها، فلا يرفع اليد عن المتواترات بين عامّة المسلمين، و هو صورتها الوجه خطّه بهذه الروايات الآحاد آية المعارضة غير المعتبرة، و من

ص: 108


1- _ همان.
2- _ همان.

هنا لم يراع أحداً سواء يصحفه لأجل تلك القرآن عمّا هو المعروف.

فعن بعض العامّة في بعض مصاحفه إقتدوا في رسم الخطّ بمصحف عثمان في بعض أغلاطه، كزيادة الألف بين الشيء في قوله تعالى: {وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً}(1) كتبوا لشيأى، و كذا في لجنة و نحوهما، و هذا تعصّب منهم.

وما قيل للتشبّث لقرائات السبع جار، و أنّه نزل القرآن على سبعة أحرف.

ففيه مضافاً إلى اختلاف(2) نفس تلك الروايات، و إلى ضعف أسانيدها، و إلى الاختلاف في معنى سبعة أحرف، تبلغ أربعين قولاً أو دونه، أنّها معارضة بما روي(3) من طرقنا أنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و الاختلاف جاء منقبل

ص: 109


1- _ سورة الكهف: 23.
2- _ قوله «اختلاف» الخ: ففي بعضها أربعة أحرف و في بعضها عشرة أحرف، و أمّا ضعف أسانيدها، فلأنّ كلّها مروية من العامّة بأسانيد ضعيفة حتّى على مذهبهم، و في بعض الروايات فسّر السبعة بقول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) زاجراً و آمراً و حلالاً و حراماً و محكماً و متشابهاً و أمثالاً، و في بعضها فسّر سبعة أحرف آمر و زاجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل، و في بعضها بشير و نذير و ناسخ و منسوخ و عظة و مثل و محكم و متشابه و حلال و حرام، و في بعضها قيّد جواز سبعة أحرف بقوله ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة، و في بعض أخبارها صرّحوا بخلاف ذلك، فعن ابن أنباري مسنداً عن عبدالرحمن السلمي، قال: كانت قراءة أبي بكر و عمر و عثمان و زيد بن ثابت و المهاجرين و الأنصار واحدة. و عن ابن أبي داود مسنداً عن أنس، قال: صلّيت خلف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و أبي بكر و عمر و عثمان و علي كلّهم كانوا يقرؤون مالك يوم الدين، و إنّ أوّل من قرأ «ملك» هو مروان بن الحكم، إلى غير ذلك من الاختلافات «منه» غفر له.
3- _ قوله «بما روى» الخ : كما في الكافي مسنداً عن الباقر (علیه السلام) و أرسله الصدوق في اعتقاداته عن الصادق (علیه السلام) ، و في الكافي في الصحيح عن الفضيل، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: كَذَبُوا أَعْدَاءُ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُ نَزَلَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ الْوَاحِدِ. الكافي، ج2، ص630، ح13، و روى السياري أيضاً عن الباقر و الصادق (علیهما السلام) كذلك، فتدبّر «منه» غفر له.

الروايات، فلا اعتبار فيما ذكره القرّاء بما ينتهي إلى روايتهم.

نعم لو كان لهم اجتهاد في كيفية القراءة لما كانوا من أهل الخبرة يجب الرجوع إليهم، كسائر أهل الخبرة بالشرائط المقرّرة في الرجوع إلى أهل الخبرة.

و أمّا تفسيره، فلا يخفى أنّ ما كان من القرآن نصّاً أو ظاهراً، فهو حجّة يجب اتّباعه حسب ما بيّناه في باب حجّية الظواهر، و أنّها من المحكمات هنّ اُمّ الكتاب، لكن بعد الفحص عن المخصّص و المقيّد، و القرائن الصارفة و الناسخ و المنسوخ في الأخبار المعتبره بحيث حصل بهذا الفحص العلم الإجمالي على إرادة خلاف الظاهر في بعض ظواهرها المانع عن حجّيتها، و هذا يختصّ بالقادر على الفحص و هو المجتهد.

و أمّا غير النصوص و الظواهر التي هي من المتشابهات المحتاجة في فهم المراد منها إلى التفسير و التأويل، فلا اعتداد فيها إلى قول المفسّرين أصلاً، مثل عكرمة، و مجاهد، و عطاء، و الحسن البصري، و الضحّاك بن مزاحم، و قتادة، و مقاتل بن سليمان، و مقاتل بن حيّان، و غيرهم؛ لأنّهم مضافاً إلى ضعفهم في أنفسهم، كما في رجال العامّة.

أمّا عكرمة، فقد كثر فيه الطعن بأنّه كذّاب غير ثقة، و أنّه رأى رأي الخوارج.

و أمّا مجاهد، فعن أعمش أنّه أخذه من أهل الكتاب، و من منكراته قولهفي:

ص: 110

{عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً}(1) أنّه يجلسه معه على العرش.

و أمّا عطاء و الحسن، فعن أحمد أنّه ليس في المراسيل أضعف من مراسيلهما كانا يأخذان عن كلّ أحد، و قيل: إنّ الحسن يدلّس.

و أمّا الضحّاك، فعن يحيى بن سعد: إنّه ضعيف عندنا، و إنّه يروي عن ابن عبّاس و ما رآه قطّ.

و أمّا قتادة، فقد ذكروا أنّه مدلّس.

و أمّا مقاتل بن سليمان، فعن وكيع أنّه كان كذّاباً، و عن يحيى أنّ حديثه ليس بشيء، و عن ابن حيّان أنّه كان يأخذ من اليهود و النصارى من علم القرآن ما يوافق كتبهم.

و أمّا مقاتل بن حيّان، فعن وكيع أنّه ينسب إلى الكذب، و عن ابن معين أنّه ضعيف، و عن أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيّان و لا بابن سليمان(2)،

هذا على مذهبهم.

و أمّا اُصول الإماميّة ، فلا اعتبار بشيء من أقوال العامّة روايةً و درايةً، و مضافاً إلى اشتمال تفاسيرهم على كفريات كثيرة، مثل خبر تلك خرافتهم العلى منها الشفاعة ترتجى عند نزول آية: {أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى}، {وَ مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}(3)، فاغتمّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لما قال، فنزلت آية: {وَ ما أَرْسَلْنا مِنْقَبْلِكَ مِنْ

ص: 111


1- _ سورة الإسراء: 79.
2- _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص46.
3- _ سورة النجم: 19_ 20.

رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}(1)، و فسّروه بكون المراد إلقاء الشيطان في قلب النبي ما يوجب إضلاله.

و هذا الكلام منهم يورث ارتفاع الوثوق عن كلّ نبي في كلّ كلامه، مع أنّ تلك الآية من سورة الحجّ مدنية نازلة بعد سورة النجم أكثر من عشرة أعوام، مع أنّ المراد من إلقاء الشيطان إلقاء ما يصدّ النبي عن إنجاح وظيفته بمخالفة المعاندين و المشركين، إلى غير ذلك من كلماتهم.

و قد ورد في الأخبار المعتبرة أنّ: مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ،(2) فلا مناص إلاّ في الرجوع في التفسير إلى أهل البيت بشرط صحّة الاستناد عليهم؛ لحديث الثقلين المتواتر سنده بين الفريقين، و قد ذكر في العبقات لأسانيد هذا الخبر، و في آلاء الرحمن ذكر بعض مزيّته.(3)

الأمر الثاني: في المعراج الجسماني

و هو من ضروريات دين الإسلام بين جميع المسلمين، و من نصوص الكتاب في قوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.(4)

و في سورة النجم: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى}، {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى}،

ص: 112


1- _ سورة الحجّ: 52.
2- _ عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ج 4، ص:104، ح154.
3- _ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص44.
4- _ سورة الإسراء: 1.

{فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى}، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، {أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى}، {وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْری}، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}، {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى}، {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى}، {ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى}، {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}.(1)

و الأخبار الواردة فيه تبلغ حدّ التواتر بل فوقها، فالمنكر للمعراج كافر نجس مرتدّ؛ لإنكاره الضروري، و تكذيبه القرآن، و ردّه الخبر المتواتر مضموناً.

ثمّ إنّ المنكرين للمعراج تمسّكوا تارةً بأنّ الجسم الثقيل مائل إلى مركزه، فكيف يمكن صعوده إلى السماء؟

و اُخرى بأنّ بين الأرض و السماء مسافة بعيدة لا يمكن السير إليه بلا مدّة سنة بل سنين كثيرة، فكيف في ليلة واحدة؟

و ثالثة بأنّه يوجب الخرق و الالتيام في السماء، و هو محال.

و رابعة بأنّ الهواء المجاور للسماء، أو الكرات الفوقية في غاية اللطافة، فلا يمكن للبشر التنفّس في تلك الهواء، بل لابدّ في التنفّس من الهواء المجاور للأرض.

و خامسة بأنّه ما الفائدة في ذلك؟ فإذاً أوّلوا الآيات و الأخبار على كون ذلك في المنام، أو عروج روحه دون جسمه الشريف.

و الجواب: أمّا عن ميل الجسم الثقيل إلى المركز، فبأنّ ذلك إنّما هو بمقتضى طبع الجسم ما لم يحرّكه على خلاف طبعه قوّةً خارجيةً، كما ترى فيالطيارة بل في الطيور، فإذا كان في مقدرة البشر تحريك ألف منّ من الحديد

ص: 113


1- _ سورة النجم: 8_ 18.

و غيره بقوّة منّ من الزيت، فكيف لا يكون في مقدرة خالق السماء و الأرض سير إنسان واحد في عالم الجوّ.

و أمّا عن بعد المسافة، ففيه أنّه إنّما يطول مع بطى ء السير. و أمّا مع سرعة السير، فيمكن بأقلّ من ليلة بمراتب، و العجب من هؤلاء حيث التزموا بحركة كرة الأرض حول الشمس في يوم و ليلة، أو حركة الأفلاك حول الأرض كذلك، أليس محرّك الأرض و الأفلاك، و أسرى عبده ليلاً واحداً.

و أمّا عن الخرق و الالتيام، فهذا أمر شعر لم يقم برهان على امتناعه، فأيّ مانع أن يكون الأفلاك ألطف من الهواء و قابلة للقبض و البسط كنفس الهواء؟ بل الماء أيضاً كذلك قابل للجزر و المدّ، سيّما على الاُصول الجديدة القائلين بالجوّ غير المتناهي الذي فيه جميع الكرات، فالقول بكون الجوّ غير المتناهي ممنوعاً لقيام الدليل على تناهي الأجسام في الحكمة الطبيعية.

و أمّا عن لطافة الهواء، ففيه أوّلاً أنّه تعالى قادر على الحفظ.

و ثانياً: يمكن السير مع الهواء المجاور للأرض.

و ثالثاً: أنّه تعالى رفع إدريس مكاناً، و كان محفوظاً تحت قدرته إلى الآن، و كذلك عيسى (علیه السلام) في قوله تعالى: {إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ}.(1)و توهّم بعض المفسّرين أنّ عيسى (علیه السلام) مات، المستفاد من قوله تعالى:

ص: 114


1- _ سورة آل عمران: 55.

{مُتَوَفِّيكَ}، فاسد، بأنّ معنى التوفّي الأخذ بالقوّة لا للإماتة، فانظر آلاء الرحمن.(1)

و أمّا عن الفائدة، فبأنّ فیه فوائده كثيرة:

منها: قوله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى}(2)، و قوله تعالى: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}.(3)

و منها: تشرّف الأنبياء و الملائكة بزيارته، بل السماوات و الجنّة بقدومه.

ص: 115


1- _ هذا مضافاً أنّ فلك الأطلس بمذاقه يسير في ليلة واحدة نصف الدور، و جميع الأفلاك و من الأرض إلى فوق العرش نصف القطر، و نسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الثلاث و السبع؛ فإذا كان العرش بتلك العظمة ممكناً فيه هذه الحركة، فأيّ مانع لجسم إنسان. وإلى أنّ طلوع الشمس من ابتداء القرص إلى تمامه تكون في مدّة ستّة ثانيات، مع أنّه أعظم من الأرض أكثر من مائة و ستّين ضعفاً. وإلى أنّ جبرئيل (علیه السلام) نزل في لحظة واحدة بجسمه من العرش إلى مكّة في لحظة واحدة، و كذلك يصعد إلى العرش، فإذا كان ذلك في حقّ جبرئيل (علیه السلام) ممكناً فلم لم يمكن في حقّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) . وإلى أنّ إبليس يوسوس في قلوب الناس في شرق الأرض و غربها بأقلّ من لحظة، فلم لم يمكن للبشر من أكابر الأنبياء. وإلى أنّ الريح تسيّر عرش سليمان و بساطه في مدّة قليلة إلى المواضع البعيدة، فكيف يستحيل للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) . وإلى أنّ عرش بلقيس جاء من أقصى اليمن إلى أقصى الشام قبل أن يرتدّ سليمان طرفه. وإلى أنّ الشعاع يخرج من العين إلى كوكب الزحل في لحظة واحدة، فكيف بالنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و سيره، فإذا صار الحركة بتلك السرعة ممكنة و قد دلّ القرآن عليه و المتواتر من الخبر، فلا وجه لردّه إلى مجرّد الاستبعاد الموجود في جميع المعجزات كصيرورة العصى ثعباناً و الميت حيّاً و غيرها، فإنكار المعراج إنكار لجميع المعجزات بل للقرآن، فهو كفر و ارتداد فتدبّر «الطيّب».
2- _ سورة طه: 23.
3- _ سورة النجم: 18.

و منها: إظهار علوّ شأنه و مقامه على جميع العالمين.

و منها: ما رآى عند السير ممّا أخبر به قريش بعده ليكون له حجّةً و معجزةً.

و منها: المخاطبة و المقابلة بلا واسطة ملك. إلى غير ذلك من الفوائد.

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في المعراج على طوائف أربعة:

إحداها: ما اشتمل على مجرّد تحقّق المعراج، و أنّه عرج (صلی الله علیه و آله و سلم) ليلة إلى السماء، و هذه الطائفة لا سبيل إلى إنكارها؛ لما عرفت أنّها من المتواترات، و الموافقة لنصّ الكتاب و ضرورة الإسلام.الثانية: ما اشتملت على خصوصيات المعراج و ما رآه و ما تكلّم و ما فعل و ما أوحى إليه ممّا لا يأباه العقل، و هذه الخصوصيات و إن لم تكن قطعياً أولى من الاعتقاد به، إلا أنّه لا يمكن إنكاره بعد قيام الخبر، سيّما إذا كان معتبراً، و قد جمعها في تفسير البرهان في موضعين: في تفسير سورة الإسرى، و سورة النجم، و أبسط منه في البحار في المجلّد السادس، فراجع.

الثالثة: ما ينافيه العقل و لكن قابلة للتأويل، و هذا ممّا يجب ردّ علمه إلى أهل البيت؛ لأنّهم أدرى بما في البيت، لا يمكن فيه الردّ و القبول.

الرابعة: ما ينافيه العقل و لم يكن قابلة للتأويل، كالأخبار الموضوعة الدالّة على التجسّم و الغلوّ و نحوهما، و هذه يجب ردّه و تكذيبه، هذا ما خطر عاجلاً بالبال في هذا المكان.

و لقد عثرت بعد ما ذكرت على كلام منقول عن شرح الرسالة القطيفية للشيخ أحمد الأحسائي، فقوله في الثالث من الرحلة أنّه قال: لمّا عرج رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) تحلّل جسمه الشريف قبل الوصول إلى فلك القمر، و ألقى كلّ عنصر

ص: 116

من عناصره الأربعة في كرته، عنصر التراب في كرة الأرض، و الماء في كرته، و الهواء في كرته، و النار في كرته.(1)

أقول: منشأ هذه الخرافات بعد تسليم ما عليه الحكماء من الأفلاك التسعة، و الكرات الأربعة الصادرة من العقول العشرة بالترتيب المذكور في كلماتهم، وتسليم استحالة الخرق و الالتيام، توهّم أنّ شيئاً من العناصر لا يمكن دخوله في عنصر آخر، و هذه كلّها خرافات في خرافات.

أمّا كون الأفلاك تسعة، فإنّما هو من جهة أنّهم رأوا سياراةً سبعةً مختلفة الحركة، ففرضوا لكلّ فلكاً و ثوابتاً متّفقة الحركة، ففرضوا لها فلكاً كلّ ذلك على التوالي، و رأوا حركة اُخري لجميعها على خلاف التوالي لها فلكاً محيطاً بالكلّ سمّوها بفلك الأطلس و غير الكوكب و فلك الأفلاك و محدّد الجهات، و قالوا بعد التخمين فوقها، و كلّ ذلك فرض و تخمين، و إلاّ فقد وجدوا بعدهم كواكب اُخرى سيارات، فلابدّ لهم من ازدياد الأفلاك.

فهذه كلّها فرض و تخمين كالدوائر، مع أنّ الأصل الذي أسّسوه عليه، و هو عدم صدور الواحد إلاّ عن الواحد، و أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد، كلاهما مخدوشان بما قدّمناه في بحث الصفات.

و أمّا مسألة الخرق و الالتيام، فقد تقدّم فساده.

و أمّا استحالة دخول عنصر في عنصر، فقد أبطله المركّبات من العناصر، بل وجود النار تحت الأرض ممّا لا يقبل الانكار، فإنّ كلامه مخالف لضرورة الدين و إجماع المسلمين و نصّ الكتاب و الخبر المتواتر.

ص: 117


1- _ الرحلة، ص158.

الأمر الثالث: في الخاتميّة

قال تعالى في سورة الأحزاب: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْرَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ(1)،

وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}.(2)

و قال في سورة فصّلت: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.(3)

و قال تعالى في سورة الحجر: {إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ}.(4)

ص: 118


1- _ في القراءة المعروفة التي عليه سواد القرآن «الخاتمَ» بالفتح و هو أبلغ في الدلالة على المطلوب من الخاتم؛ لأنّ الخاتم بالفتح ليس مجرّد الزينة، كما في ملحقات المجمع، بل المراد ما يختم به الشى ء و يورث حفظه و اعتباره، كختم المكاتب بالخاتم الدالّة على صحّة انتسابه إلى الكاتب، و إلى أنّه ما بعد الختم إلى قبر ليس منه كالإمضاء في عصرنا كختم الباب و صندوق و غيرها لأجل عدم التصرّف، بل ختم الأصابع بالخاتم أيضاً كذلك . فمعنى كونه (صلی الله علیه و آله و سلم) خاتم النبيين، أي: يختم به النبوّة و هذه الدقّة، و يوجب وجوده الشريف اعتباراً كسائر الأنبياء بحيث لولاه و لولا كتابه ما كان لنا دليلاً على نبوّة نبي، و كما الآية و المعاجز، و من أجل ذلك ختم تفقّه الشريف بخاتم النبوّة، و كذلك أمر خاتم الأوصياء حيث نظير وجود شؤونات سائر الأئمّة و مقاماتهم التي خفيت على الآن، كتفسير خاتم الأوصياء «الطيّب» غفر له.
2- _ سورة الأحزاب: 40.
3- _ سورة فصّلت: 42.
4- _ سورة الحجر: 9. قوله «لحافظون»: و من الآيات الدالّة على بقاء الدين إلى يوم القيامة المستفادة من كلام الرضا (علیه السلام) المروية في الكافي و إكمال الدين و غيرهما. قوله تعالى في سورة الروم آية 56: {وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَبِ اللّه ِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. و أيضاً من الآيات الدالة على بقاء هذا الدين، قوله تعالى في سورة الأنعام آية 115: {وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، فإنّ المراد من الكلمة، القرآن فقد تمّ «منه».

و قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في النصّ المتواتر بين الفريقين في حديث المنزلة لعلي (علیه السلام) : أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاّ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.(1)

و قد ذكر في غاية المرام لهذا الحديث من طرق العامّة مائة حديث، و من طرق الخاصّة سبعون حديثاً.(2)

و قال (صلی الله علیه و آله و سلم) في النصّ المتواتر بين الفريقين في حديث الثقلين: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً.

و في غاية المرام في سنده من طرق العامّة تسعة و ثلاثون، و من طرق الخاصّة إثنان و ثمانون، و في العبقات جلدين في سند هذا الحديث.(3)

هذا مضافاً إلى الأخبار المتواترة في غيبة القائم، و طول غيبته، و اتّصال زمانه برجعة الأئمّة (علیهم السلام) ، و اتّصال زمانهم بالقيامة، و إلى ما ورد من أنّ حلالمحمّد حلال إلى يوم القيامة، و حرام محمّد حرام إلى يوم القيامة، و إلى الأخبار المتواترة في لسان الأئمّة (علیهم السلام) من توصيف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بصفة خاتم النبيين في الأدعية و الزيارات و التعقيبات.

و غيرها من الأخبار التي يعسر الإحاطة إلى جميعها إلّا على الأوحدي، و يورث جمعها كتاباً ضخيماً.

ص: 119


1- _ بحار الأنوار، ج 21، ص142، ح5 و ج 36، ص331، ح190.
2- _ غاية المرام و حجة الخصام، ج 2، ص23، باب20.
3- _ غاية المرام و حجة الخصام، ج 2، ص321، باب29.

و بالجملة الأخبار المستفادة منها هذا المطلب تزيد على ألف حدیث، و مثله في المتواترات قليل جدّاً في كثرة الأخبار، فالمنكر لذلك كافر خارج من الإسلام، مكذّب للقرآن و الأخبار المتواتره و ضرورة الدين.

و لعمري أنّ هذا كاف في إبطال مدّعي النبوّة بعده من دون احتياج إلى بيان سائر موانع النبوّة التي تقدّم في البحث الرابع و هي ثمانية، و كلّها موجودة في مثل الباب و القادياني و البهاء و الأزل و غيرهم خذلهم اللّه، فلا نطيل الكلام في إبطال دعاويهم، فتدبّر جيداً.

الأمر الرابع: في أفضليته (صلی الله علیه و آله و سلم) و أكمليته

و أشرفيته و أقدميته على جميع ما سوي اللّه تعالى

من الملائكة و الأنبياء و سائر الخلائق أجمعين، من المجرّدات و المادّيات، و هذا من ضروريات الدين، و منكره خارج عن زمرة المسلمين، و داخل في جملة الكافرين، و نصوص الكتاب دالّة عليه، كقوله تعالى: {وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِوَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ}(1) و قد تقدّم.

و قوله تعالى: {وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ}.(2)

ص: 120


1- _ سورة الأحزاب: 40.
2- _ سورة آل عمران: 81.

و قوله تعالى: {وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ}(1)، حيث قدّم اللّه نفسه الشريفة على نوح و إبراهيم و موسى و عيسى (علیهم السلام) مع أنّه متأخّر عنهم زماناً، و أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بيته في العالم النورانية من العالين في قوله تعالى لإبليس: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}(2)، الذين لم يكونوا مأمورين بالسجود لآدم، و أنّ نوره (صلی الله علیه و آله و سلم) أوّل مخلوق.

و في البحار عن الخصال و معاني الأخبار، بسنده عن جعفر بن محمّد الصّادق، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه،(3) عن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) ، أنّه قال:

إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ الْعَرْشَ وَ الْكُرْسِيَّ وَ اللَّوْحَ وَ الْقَلَمَ وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ، إلى أن قال:

وَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَ أَرْبَعٍ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَ خَلَقَ عَزَّ وَ جَلَّ مَعَهُ اثْنَيْ عَشَرَ حِجَاباً: حِجَابَ الْقُدْرَةِ، وَ حِجَابَ الْعَظَمَةِ، وَ حِجَابَ الْمِنَّةِ، وَ حِجَابَ الرَّحْمَةِ، وَ حِجَابَ السَّعَادَةِ، وَ حِجَابَ الْكَرَامَةِ، وَ حِجَابَ الْمَنْزِلَةِ، وَ حِجَابَ الْهِدَايَةِ، وَ حِجَابَ النُّبُوَّةِ، وَ حِجَابَ الرِّفْعَةِ، وَ حِجَابَالْهَيْبَةِ، وَ حِجَابَ الشَّفَاعَةِ، ثُمَّ حَبَسَ نُورَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) فِي حِجَابِ الْقُدْرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَ هُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.

ثمّ عدّ الحجب، و أسقط من كلّ واحد ألف سنة، إلى أن قال:

وَ فِي حِجَابِ الشَّفَاعَةِ أَلْفَ سَنَةٍ.

ص: 121


1- _ سورة الأحزاب: 7.
2- _ سورة ص:75.
3- _ فی الخصال، «عن أبيه» غیر موجود.

و ذكر (علیه السلام) لكلّ حجاب تسبيحاً، ففي حِجَابِ الْعَظَمَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَ هُوَ يَقُول: سُبْحَانَ عَالِمِ السِّرِّ.

وَ الْمِنَّة: سُبْحَانَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ لا يَلْهُو.

وَ الرَّحْمَةِ: سُبْحَانَ الرَّفِيعِ الأَعْلَى.

وَ السَّعَادَةِ: سُبْحَانَ مَنْ هُوَ دَائِمٌ لا يَسْهُو.

وَ الْكَرَامَةِ: سُبْحَانَ مَنْ هُوَ غَنِيٌّ لا يَفْتَقِر.

وَ الْمَنْزِلَةِ: سُبْحَانَ الْعَلِيمِ الْكَرِيم.

وَ الْهِدَايَةِ: سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ الْعَظِيم.

وَ النُّبُوَّةِ: سُبْحَانَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون.

وَ الرِّفْعَةِ: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَ الْمَلَكُوت.

وَ الْهَيْبَةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَ بِحَمْدِه.

وَ الشَّفَاعَةِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَ بِحَمْدِه، ثُمَّ أَظْهَرَ اسْمَهُ عَلَى اللَّوْحِ، فَكَانَ عَلَى اللَّوْحِ مُنَوَّراً أَرْبَعَةَ آلافِ سَنَةٍ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ عَلَى الْعَرْشِ فَكَانَ عَلَى سَاقِالْعَرْشِ مُثْبَتاً سَبْعَةَ آلافِ سَنَةٍ، إِلَى أَنْ وَضَعَهُ اللَّهُ (عزوجل) فِي صُلْبِ آدَمَ، ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْ صُلْبِ آدَمَ إِلَى صُلْبِ نُوحٍ (علیه السلام) ، ثُمَّ مِنْ صُلْبٍ إِلَى صُلْبٍ، حَتَّى أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ صُلْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَكْرَمَهُ بِسِتِّ كَرَامَاتٍ: أَلْبَسَهُ قَمِيصَ الرِّضَا، وَ رَدَّاهُ بِرِدَاءِ الْهَيْبَةِ، وَ تَوَّجَهُ بِتَاجِ الْهِدَايَةِ، وَ أَلْبَسَهُ سَرَاوِيلَ الْمَعْرِفَةِ، وَ جَعَلَ تِكَّتَهُ تِكَّةَ الْمَحَبَّةِ يَشُدُّ بِهَا سَرَاوِيلَهُ، وَ جَعَلَ نَعْلَهُ نَعْلَ الْخَوْفِ، وَ نَاوَلَهُ عَصَا الْمَنْزِلَة.

ص: 122

الخبر.(1)

و فيه: عن الكنز، بسنده عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْشِئَ الصَّنْعَةَ فَتَقَ نُورِي، فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ.

ثمّ ذكر فيه أنّه خلق من نور علي (علیه السلام) الملائكة، و من نور فاطمة (علیها السلام) السماوات و الأرض، و من نور الحسن (علیه السلام) الشمس و القمر، و من نور الحسين (علیه السلام) الجنّة و الحور. الخبر.(2)

أقول: الأخبار في ذلك لكثيرة جدّاً.

و عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) : آدَمُ وَ مَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَة.(3)

و قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : كُنْتُ نَبِيّاً وَ آدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَ الطِّينِ.(4)

و أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى، فهو أفضل من آدم و إدريس،حيث قال: {وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا}(5)، و أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) نبي الرحمة في قوله تعالى: {وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ}(6)، فأفضل من نوح، حيث إنّه دعا على قومه،

ص: 123


1- _ بحار الأنوار، ج 15، ص4، ح4؛ الخصال، ج 2، ص، 82، ح55؛ معاني الأخبار، ص306.
2- _ بحار الأنوار، ج 37، ص83، ح51؛ تفسير كنز الدقائق، ج3، ص465 و ج12، ص387.
3- _ بحار الأنوار، ج16، ص402، ح1 و ج39، ص213؛ الخرائج و الجرائح، ج2، ص876، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، ج 4، ص121، ح198؛ مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) (لابن شهرآشوب)، ج 1، ص214.
4- _ همان.
5- _ سورة مريم: 57.
6- _ سورة الأنبياء: 107.

فهو نبي النقمة، و نصر اللّه تعالى هوداً على قومه العاد بالريح، و نصر نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) في الأحزاب: {بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها}(1)، و هم ثلاثة آلاف ملائكة، و قال الخليل (علیه السلام) : {وَ اجْنُبْني وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ}(2)، و قال اللّه للحبيب (صلی الله علیه و آله و سلم) : {إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ}(3) الآية.

و قال الخليل حين أرادوا إلقاؤه في النار: {حَسْبِيَ اللَّهُ}.(4)

و قيل للحبيب: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ}.(5)

و الخليل معاتب: {وَ قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}(6)، و الحبيب مطلوب: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}(7)، و الخليل كسّر الأصنام خفيةً، و الحبيب كسّرها جهراً و أذلّ عبدتها.

و الخليل: {وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ}(8)، و الحبيب فدى أبوه مائة ناقة.

ص: 124


1- _ سورة التوبة: 40.
2- _ سورة إبراهيم: 35.
3- _ سورة الأحزاب: 33.
4- _ سورة الزمر: 38.
5- _ سورة الأنفال: 64.
6- _ سورة الصافّات: 99.
7- _ سورة الأسرى: 1.
8- _ سورة الصافّات: 107.

و قيل للخليل: {يا نارُ كُوني بَرْداً وَ سَلاماً}،(1) و سخّر جهنّم للحبيب.و قال الخليل: {وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي}(2)، و قال الحبيب: اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، فاستجاب له.

و قال تعالى في حقّ الخليل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى}.(3)

و قال في حقّ الحبيب: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.(4)

و الخليل ابتلي بذبح ولده، و الحبيب ابتلي بقتل ذرّيته، فهو (صلی الله علیه و آله و سلم) أفضل من الخليل.

و كان ليعقوب إثني عشر ولداً، و لنبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) إثني عشر وصيّاً، و صبر يعقوب على فراق يوسف، و صبر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) على مصائب ذرّيته، فهو أفضل.

و كان لموسى (علیه السلام) إثنتا عشرة عيناً، و كان لنبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) إثني عشر خليفة، و في يوم الحديبية خرجت له إثنتا عشرة عيناً، حتّى كفت ثمانية آلاف رجل.

خلّف موسى (علیه السلام) هارون في قومه، و خلّف النبي علياً (علیه السلام) في قومه في قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» و كان لموسى (علیه السلام) إنفلاق البحر في الأرض بالعصا، و كان لنبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) إنشقاق القمر في السماء بأصابعه.

ص: 125


1- _ سورة الأنبياء: 69.
2- _ سورة إبراهيم: 40.
3- _ البقرة: 125.
4- _ سورة الأحزاب: 21.

و كلّم اللّه تعالى موسى (علیه السلام) في الطور، و ناجي اللّه النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عند سدرة المنتهى، و ليس من ناداه كمن ناجاه؛ لأنّ النداء من البعيد، و المناجات من القريب،فهو أفضل من موسى (علیه السلام) . و كان لداود (علیه السلام) سلسلة الحكومة ليميّز بين الحقّ و الباطل، و كان للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) القرآن {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ}.(1)

و كان لداود (علیه السلام) النغمة، و للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الحلاوة و الفصاحة و البلاغة.

و كان لداود (علیه السلام) لين الحديد: {وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَديدَ}(2)، و قد لان قلب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالرحمة: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}.(3)

و سخّر لداود (علیه السلام) الجبال: {وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً}(4)، و سخّر للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الحصاة في كفّه، و له البراق.

و شدّد اللّه ملك داود (علیه السلام) ، و شدّد اللّه دين محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فهو أفضل من داود.

{وَ _ سخّر _ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ}(5)، و طلب ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، و سخّر له الشيطان و الجنّ.

و أمّا النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فسخّر له البراق، خطوته مدّ البصر، و قال اللّه تعالى له:

ص: 126


1- _ سورة الأنعام: 38.
2- _ سورة سبأ: 10.
3- _ سورة آل عمران: 159.
4- _ سورة ص:19.
5- _ سورة السبأ: 12.

{قُلْ اُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}(1)، فهو مبعوث على كافّة الإنس و الجنّ، و عرض له مفاتيح خزائن الدنيا فردّها، فكم بين من يسأل و بين من لا يقبل. و علّم سليمان منطق الطير، و علّم النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) علم ما كان و ما يكون إلىانقضاء خلقه.

و كان يحيى أعبد أهل زمانه و أزهدهم، و كان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أعبد الخلائق و أزهدهم، حتّى قال تعالى: {طه}، {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى}.(2)

و كان عيسى (علیه السلام) قد أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيا الموتى بإذن اللّه، و نبّأهم بما کانوا يأكلون و ما یدّخرون، و قد أحيا اللّه لنبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم) فأبرأ الأمراض القلبية الروحية، و علّمه بما كان و ما يكون، فهو (صلی الله علیه و آله و سلم) أفضل من الكلّ و سيدهم، و كانوا جميعاً تحت لوائه، و دينه أفضل الأديان؛ لأكمليّته و أدوميّته و أقوميّته، و كتابه أفضل الكتب، و أوصياؤه أفضل الأوصياء، و اُمّته أفضل الاُمم.

و بالجملة ما أعطى اللّه أحداً من خلقه من أنبيائه و رسله و ملائكته ما لم يعط نبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ،و قد أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه في الدنيا و الآخرة.

و لنعم ما قال: آنچه خوبان همه دارند تو تنها داری

و لقد نسخ بشريعته جميع الشرائع، و كان له في القيامة لواء الحمد و المقام المحمود و الشفاعة و غيرها، و قد عجز الأنبياء فضلاً عمّن دونهم من إدراك شأن من شؤونه، و هو أوّل ما صدر، و غاية ما صدر، و لولاه لما كان شيء صدر.

و لنختم بذلك بحث النبوّة، و ختامه مسك، و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً

ص: 127


1- _ سورة الجنّ: 1.
2- _ سورة طه: 1_ 2.

و باطناً، و صلّى اللّه على سيد أنبيائه، و أشرف أصفيائه، و أفضل سفرائه محمّد، و على آله الطيبين الطاهرين المعصومين المظلومين، عليهم أفضل الصلاة و السلام، و على أعدائهم اللعنة أبد الآبدين.

و كان الفراغ ليلة الجمعة لستّ خلون من جمادي الثانية سنة ألف و ثلاثمائة و ثمانية و خمسين من الهجرة، سنة قمرية عربية، بيد أعظم الناس جرماً، و أقلّهم قدراً، العبد الآثم ابن محمّد تقي المسمّى بعبدالحسين المدعوّ ب_«الطيّب» غفر اللّه ذنوبه، و ختم له بالخير و السعادة.

ص: 128

الجزء الثالث

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطيبين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

الكلام في الإمامة

اشارة

و هو مشتمل على مقصدين:

المقصد الأوّل: في كبرى المسألة
اشارة

الأوّل: في كبرى المسألة، و هي في معنى الإمامة، و بيان الاحتياج إلى الإمام، و لزوم نصب الإمام على اللّه تعالى، و لزوم جعل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الخليفة، و الشرائط المعتبرة في الإمام من العصمة و الأكملية و المعجزة، و بيان الموانع عن قابلية الإمامة، و كونها من المسائل الاُصولية التي هي عدل التوحيد و النبوّة، و أنّ المقصّر فيها كالمقصّر فيهما مخلّد في العذاب، و لا يشمّ رائحة الثواب، وفي شؤون الإمامة، و فضائل الإمام، و غير ذلك.

و الثاني: في صغرى المسألة، و هي أنّ الإمام بعد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ليس

ص: 129

أبابكر و لا عمر و لا عثمان، و لا أحداً من بني اُميّة و بني العبّاس، و لا غيرهم من الناس، بل هو منحصر في علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، بالأدلّة العقلية و النقلية من الكتاب و السنّة، ثمّ بعده الحسن بن علي، ثمّ بعده أخيه الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي الباقر، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسى الرضا، ثمّ محمّد بن علي الجواد، ثمّ علي بن محمّد الهادي، ثمّ الحسن بن علي العسكري، ثمّ الحجّة ابن الحسن، صلوات اللّه عليهم أجمعين، كلّ ذلك بالأدلّة العقلية و النقلية.

و في شؤونهم، و فضائلهم، و معاجزهم، و غيبة خاتمهم، و طول غيبته، و شرعيته، و نوّابه الخاصّة و العامّة، و تكليف الناس في زمان الغيبة، و في علائم ظهوره من الخاصّة و العامّة، الحتمية و غير الحتمية، و في كيفية ظهوره، و ما يصدر منه في أيّام ظهوره، و في رجعة الأئمّة (علیهم السلام) ، و بقاء دولتهم إلى قيام القيامة، و غير ذلك.

أمّا الكلام في المقصد الأوّل، فيقع في مقامات:

المقام الأوّل: في معنى الإمامة

الأمام بالفتح بمعنى القدّام، و بالكسر بمعنى المقدّم، و الإمامة بمعنى التقدّم، و هو من الاُمور النسبية، فالإمام يقتضي مأموماً، و ما به يتقدّم و ما فيه يتقدّم،مثلاً الإمام في الظلم من كان مقدّماً على الظالمين في الظلم بكثرة ظلمه، و متابعة سائر الظلمة، و اقتدائهم به في الظلم، و كذا في الكفر و

ص: 130

الضلالة، قال تعالى: {وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}(1)، و قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}(2)، فكلّ متبوع إمام، و كلّ تابع مأموم، و منه الإمامة في الجماعة.

فعلى هذا الإمامة في الدين معناها الاقتداء بشخص في جميع الاُمور الدينية اُصولاً و فروعاً، علماً و عملاً، أخلاقاً و أفعالاً، في جميع ما يحتاج أهل الدين به في أمر دنياهم و آخرتهم من حيث الديانة.

و هذه غير معنى الولاية و الحجّية و الخلافة؛ لأنّ الولاية معناها جعل شخص ولياً على شخص ممّن له شأنية الجعل، كجعل السلطان والياً على أهل بلد، و هكذا غير السلطان ممّن له هذا الشأن، فيجب متابعته على الرعية.

فالإمامة من آثار الولاية و توابعها، فإن كان الجاعل هو اللّه تعالى يقال: الولاية الإلهية، و هي قسمان: الولاية المطلقة، و المقيّدة، و هما أيضاً قسمان: الكلّية، و الجزئية.

فالولاية المطلقة الكلّية الإلهية هي جعله تبارك و تعالى شخصاً ولياً و والياً على جميع الناس، بل على كافّة الجنّ و الإنس، بل على جميع ما سوى اللّه، بحيث يجب على جميعهم متابعته و إطاعته في جميع الاُمور الدينية، و لهالاختيار عليهم.

ص: 131


1- _ سورة القصص:41.
2- _ سورة الإسراء: 71.

و هذا معنى قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(1)، و قوله تعالى: {وَ ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(2) الآية، و قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ».(3)

ثمّ دون تلك الولاية الولاية التي يجعلها الأئمّة على بعض الشيعة، و كذا ولاية المجتهد الجامع للشرائط على بعض، كالغيّاب و الصغار و المجانين، ثمّ عدول المؤمنين، و ولاية الأب و الجدّ و القيّم من قبلهما، و المجعول من قبل حاكم الشرع.

و أمّا الحجّة، فمعناها ما يحتجّ به، أو من يحتجّ به، فالحجّة بين الخالق و المخلوق هو الذي جعله اللّه تعالى حجّة على خلقه، بمعنى أنّ الخلق لو أطاعوه و امتثلوا أوامره و انتهوا عن نواهيه يكون لهم قاطعاً للعذر، فلا يؤاخذهم اللّه، و لو خالفوه فليس لهم عذر في المخالفة، و هذا معنى قوله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) : وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ.(4)

و أمّا الخلافة، فمعناها ما هو المعبّر عنه بالفارسية ب_«جانشين» أي: من يقوم مقام الشخص في الاُمور الراجعة إليه، قال تعالى: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ

ص: 132


1- _ سورة الأحزاب: 6.
2- _ سورة الأحزاب: 36.
3- _ الكافي، ج1، ص420، ح42.
4- _ بحار الأنوار، ج 2، ص90، ح13 و ج 53، ص181، ح10؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص291؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص484، ح4.

خَليفَةً}(1)، و قال تعالى: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}(2)، و كلّ قائم مقام شخص بجعله خليفة له، فخليفة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) هو المجعول من قبله.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ ما ذكره في كفاية الموحّدين في معنى الإمامة من قوله: الإمامة هي الرئاسة العامّة الإلهية خلافة عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في اُمور الدين و الدنيا، بحيث يجب اتّباعه على كافّة الاُمّة. و ما نقل عن الروزبهان: هي خلافة الرسول في إقامة الدين و حفظ حوزة الملّة، بحيث يجب اتّباعه على كافّة الاُمّة. ليس من معنى الإمامة، بل هو معنى الخلافة، فتدبّر.

ثمّ لا يخفى أنّ الإمامة و الولاية و الحجّية و الخلافة كلّها من الاُمور المجعولة من اللّه تبارك و تعالى و رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال تعالى: {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً}(3) و قال: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا}(4) الآية، و قال تعالى: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً}(5)، و قول الحجّة (علیه السلام) : «فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ».(6)

و من المعلوم أنّ اللّه تعالى بمقتضى عدله و حكمته يراعي ما فيه الصلاح على الخلق، فلا يجعل من لا علم له بالاُمور الدينية، أو كان ظالماً أو فاسقاً أو

ص: 133


1- _ سورة البقرة: 30.
2- _ سورة ص:26.
3- _ سورة البقرة: 124.
4- _ سورة المائدة: 55.
5- _ سورة ص:26.
6- _ بحار الأنوار، ج 2، ص90، ح13 و ج 53، ص181، ح10؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص291؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص484، ح4.

كافراً أو منافقاً، أو ناقصاً في الأخلاق، أو غير ذلك من المعائب، إماماً و ولياً و حجّةً و خليفةً، بحيث يجب على جميعهم متابعته و إطاعته؛ لما فيه مننقض الغرض، و الإغراء بالجهل، و غيرهما من المفاسد.

فظهر _ بحمد اللّه _ من نفس بيان المعنى بطلان خلافة غير المعصوم العالم بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة في أمر دينهم و دنياهم، الكامل في جميع الصفات الحميدة، و الأخلاق الفاضلة، العالم بجميع اللغات و الألسنة حتّى طوائف الجنّ، بل الحيوانات، بل النباتات و الجمادات، و غيرها من المخلوقات، فاحفظ ذلك، فإنّه ينفعك فيما بعد.

المقام الثاني: في بيان احتياج الاُمّة إلى الإمام

و نقدّم لك تيمّناً حديثاً شريفاً في هذا الباب المنقول عن الكافي.

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ الطَّيَّارُ وَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ هُوَ شَابٌّ.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : يَا هِشَامُ! أَ لَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَ كَيْفَ سَأَلْتَهُ؟

فَقَالَ هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! إِنِّي أُجِلُّكَ وَ أَسْتَحْيِيكَ، وَ لَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَافْعَلُوا.

قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَ جُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ

ص: 134

الْبَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَ عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِراً بِهَا مِنْ صُوفٍ وَ شَمْلَةٌ مُرْتَدِياً بِهَا، وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ، فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلَى رُكْبَتَيَّ.

ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ! إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأْذَنُ لِي فِي مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! أَيُّ شَيْ ءٍ هَذَا مِنَ السُّؤَالِ؟ وَ شَيْ ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا مَسْأَلَتِي، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! سَلْ وَ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ. قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، قَالَ لِي: سَلْ، قُلْتُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرَى بِهَا الْأَلْوَانَ وَ الْأَشْخَاصَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ.

قُلْتُ: أَ لَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَذُوقُ بِهِ الطَّعْمَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ.

قُلْتُ: أَ لَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَ الْحَوَاسِّ.

قُلْتُ: أَ وَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ: لَا، قُلْتُ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ وَ هِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَسْتَيْقِنُ الْيَقِينَ وَ يُبْطِلُ الشَّكَّ.

قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ وَ إِلَّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ! فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتَّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ، وَ يَتَيَقَّنُ بِهِ مَا شُكَّ فِيهِ، وَ يَتْرُكُ هَذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَ شَكِّهِمْ وَ

ص: 135

اخْتِلَافِهِمْ، لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَ حَيْرَتَهُمْ، وَ يُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ حَيْرَتَكَ وَ شَكَّكَ.

قَالَ: فَسَكَتَ، وَ لَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ؟! فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: أَ مِنْ جُلَسَائِهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً هُوَ، ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَ أَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَ زَالَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَ مَا نَطَقَ حَتَّى قُمْتُ.

قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، وَ قَالَ: يَا هِشَامُ! مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: شَيْ ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَ أَلَّفْتُهُ، فَقَالَ: هَذَا، وَ اللَّهِ! مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى.(1)

أقول: يمكن أن يستدلّ لذلك(2) بوجوه من الأدلّة:

الدليل الأوّل

إنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الاسلام جاء بما لا يمكن لأحد الإحاطة به من العقائد و الأخلاق و الفروع، و قد بسطنا الكلام فيها في تفسيرنا(3)

عند قوله تعالى: {وَ الَّذينَ يُؤمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ}.(4)

و حاصله: إنّ العقائد الحقّة بعضها من العقليات المستقلّة، لكن كلّ عقل لا يصل إلى وجوه أدلّتها إلاّ ببيان من أحاط عقله بها، ألا ترى الحكماء كيف ضلّوا و أضلّوا فيها.

ص: 136


1- _ الكافي، ج 1، ص169، ح3.
2- _ أقول: أي لإحتياج الناس بل جميع ما سوی الله إلی الإمام (علیه السلام) .(عا)
3- _ و هو تفسير أطيب البيان في تفسير القرآن، باللغة الفارسية، مطبوع.
4- _ سورة البقرة: 4.

و بعضها من العقليات غير المستقلّة، المحتاجة إلى انضمام الأمر الخارج إليها، و الاحتياج فيها أشدّ.

و بعضها ممّا لا يصل إليه العقول أصلاً، و يحتاج إلى بيان الشرع.

و أمّا الأخلاق و إن كان جلّها لولا كلّها ممّا يدرك العقل حسنها أو قبحها، لكن بعد بيان من الشرع فيها، فانظر إلى علم الأخلاق كم ورد في كلّ منها البيانات الشافية الكافية من الأخبار، و من هنا قال سيد الرسل (صلی الله علیه و آله و سلم) : إنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ.(1)

و أمّا الفروع، فانظر إلى الكتب الفقهية من الفرائض و السنن و الأحكام، و ما يصلح به نظام المعاش و المعاد من السياسات و الحدود و الديات، من كتاب الطهارة إلى الديات، و هي ستّة و ستّين كتاباً، و قد حدّدناها هناك، و كلّ كتاب منه مشتمل على أبواب كثيرة، و كلّ باب على مسائل متعدّدة، و كلّ مسألة على فروع كثيرة، مع أنّ كثيراً من الفروع غير معنونة في الكتب الفقهية حتّى مثل الجواهر و نحوه.

و من الواضح أنّ جميع الاُمّة سيما في الصدر الأوّل مع كونهم جديد الاسلام لم يحيطوا بعشر من أعشارها بل إلى الآن كذلك، و انّ دين الاسلام باقٍ إلى يوم القيامة، و لا يمكن لأحد الإحاطة بجميعها بالموازين العلمية الكسبية، فلابدّ في كلّ عصر من وجود عالم بجميعها من قبل اللّه تعالى بالعلم اللدنّي، و لولاه لاندرس الدين و بقي الناس في الجهالة.

ألا ترى أنّ العامّة العمياء لمّا لم تصل أياديهم إلى أئمّة الدين و لم يأخذوا

ص: 137


1- _ بحار الأنوار، ج 16، ص210 و ج 67، ص372 و ج 68، ص373 و ص382؛ مكارم الأخلاق، ص8.

من منابع العصمة كيف اضطرّوا إلى القياسات و الاستحسانات، وَ إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَا يُصَابُ بِالْمَقَايِيسِ،(1) فانظر خبر أبان، فلابدّ من وجود من لو سئل منه قبل بلوغه أربعة آلاف مسألة في مجلس واحد لما تحيّر فى واحد منها، كما اتّفق للإمام الجواد (علیه السلام) في مجلس المأمون عليه اللعنة.(2)

الدليل الثاني

إنّه لا ينبغي الاشكال في أنّ للاسلام في كلّ عصر أعداءً كثيرةً، و لهم شبهات و إيرادات و إشكالات و مغالطات و مجادلات و خرافات، كما اتّفق ذلك كثيراً في عصر الأئمّة (علیهم السلام) ، بل في زمن الغيبة، سيّما في الصدر الأوّل، و لولا من يقدر على دفع تلك الشبهات من أرباب المذاهب الباطلة و العقائد الفاسدة، لما بقي للدين أثر و لا وزن و لا اعتبار، و عليك بالتأمّل فيما ورد من مجيء أحبار اليهود و النصارى و سائر المذاهب عند خلفاء الجور، و لم يقدروا على دفع شبهة منها، و لولا أئمّتنا صلوات اللّه عليهم ما يقدر أحد على الجواب عنها.

فانظر حكاية مجلس الرضا (علیه السلام) من حضور جميع رؤساء المذاهب، و الحكايات الواردة في السّنوات الاولی لأميرالمؤمنين (علیه السلام) مع الخلفاء.

الدليل الثالث

إنّ الإنسان مساوق للسهو و النسيان، و الخطأ و الزلل، و الشكّ و الاشتباه،

ص: 138


1- _ المحاسن، ج1، ص211، ح79.
2- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 2، ص443؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص281؛ بحار الأنوار، ج 50، ص74، ح3.

عن تقصير أو قصور، و هذا ممّا لا يخلو منه أحد إلاّ من عصمه اللّه، كما ينادي بذلك خبر هشام المتقدّم، فلابدّ من وجود معصوم كان هو المرجع للجميع، و لولاه لبقوا في التيه و الضلالة أبداً.

الدليل الرابع

إنّ من الاُمّة طائفة الجنّ بالضرورة من الدين و نصّ الكتاب و جمع من الأخبار، و من أنّ لهم مثل ما للإنسان من الاحتياجات إلى مبيّن للأحكام و دافع للشبهات و رافع للسهو و النسيان، و من الواضح أنّه لا يقدر أحد على ذلك إلاّ الإمام المعصوم القادر على ذلك.

الدليل الخامس

إنّ دين الاسلام دين لجميع أهل العالم من شرق الأرض إلى غربها، و من الواضح أنّهم طوائف مختلفة، و ألسنتهم متشتّتة، فلابدّ لهم من وجود عالم بجميع تلك اللغات، و عارف بجميع تلك الطوائف، و قادر على رفع احتياجاتهم المختلفة، و هو الإمام.

الدليل السادس

إنّه لا ريب في وقوع التشاجرات و المرافعات و التعدّيات في الأموال و الأعراض و النفوس في كلّ طائفة، فيحتاجون إلى رئيس يحكم بينهم بالعدل، و ينتصف للمظلوم عن الظالم، و يجري الحدود و الأحكام، و يقتصّ لما يوجب القصاص، بل نظام الدين و الدنيا منوط بوجود رئيس، و لولاه لاختلّالنظام، فهل يمكن بقاء مملكة بلا سلطان، و مدينة بلا والٍ، و قرية بلا مختار، مع هذه الاختلاف و الاختلافات، فكيف يمكن بقاء المسلمين بلا رئيس، و

ص: 139

بقاء الدين بلا إمام، و بقاء الاسلام بلا قيّم.

الدليل السابع

إنّ جبلّة الإنسان و طبيعته يقتضي العصيان و الطغيان، و الخروج عن وظائف العبودية للرحمن، بل الكفر و الضلالة، بل في العالم شياطين الإنسية و الجنّية يضلّون الناس، و يساعدهم الدنيا و النفس الأمّارة بالسوء، فلابدّ من وجود آمر بالمعروف، و ناهي عن المنكر، و مزيل لشبهات أهل الكفر و الضلال، و نادي للاُمّة إلى سواء الصراط، كما قال تعالى: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ}(1)، للعباد {وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}(2)، و هو الإمام.

الدليل الثامن

إنّه قد يكون لبعض الكفّار و غيرهم شبهات في حقّانية الاسلام، و لا يقنعون بما سمعوا من معاجز النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و لا يصدّقون معجزية القرآن، و ينكرون تواتر المعاجز، فلابدّ في إثبات الاسلام و حقّانيته من الإتيان بالمعجزة التي يشاهدها بعينه، و لا يقدر على ذلك أحد غير الإمام، لما اتّفق ذلك كثيراً في زمان كلّ إمام سيما في الصدر الأوّل، و انظر مدينة المعاجز في معاجز الأئمّة (علیهم السلام) .

الدليل التاسعإنّه لابدّ للناس من وجود معصوم كان أعبد الناس و أزهدهم و أتقاهم، و كان متّصفاً بجميع الصفات الحسنة، منزّهاً عن جميع الأخلاق القبيحة، متحمّلاً لجميع المصائب، صابراً في جميع البليات، معرضاً عن الدنيا، مقبلاً إلى

ص: 140


1- _ سورة الرعد: 7.
2- _ قوله: «و لكلّ قوم هاد»، جملة مستأنفة مستقلّة، أي: يحتاج كلّ قوم إلى هاد «منه».

العقبى، لا يصدر منه ما يخالف رضا مولاه طرفة عين، و لا يخاف في اللّه لومة لائم، حتّى يصير حجّةً للناس في متابعته، و حجّةً للّه تعالى في أعماله و أفعاله و أخلاقه، ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة.

الدليل العاشر

إنّ السماء و الأرض و جميع المخلوقات من المجرّدات و المادّيات، و العلويات و السفليات، و الجواهر و الأعراض، و الملائكة و الناس و غيرها، لا بقاء لها بلا وجود خليفة و إمام مرّ الدهور، لو خلت الأرض عن الحجّة لساخت بأهلها، و لماجت بأهلها، و في الجامعة: «وَ بِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ بِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ».(1)

و السرّ في ذلك: أنّ اللّه تبارك و تعالى بمقتضى صريح القرآن خلق ما في العالم للإنسان، كما بيّناه في تفسيرنا في قوله تعالى: {وَ إِذا قيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ}(2)، عند بيان الاحتياج إلى الرسل في هذه الوجيزة من الآيات السبعة، مثل قوله تعالى: {وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ}(3) الآية، و غيرها من الآيات.و من الواضح أنّ الناس بأجمعهم لا يخلو عن قصور أو تقصير في العبودية بدرجاتهم المختلفة، بل من عصيان أو طغيان بمراتبهم المتشتّتة، فلابدّ من وجود كامل من جميع الجهات حتّى يكون الخلقة في كلّ زمان و بقاء جميع

ص: 141


1- _ بحار الأنوار، ج 99، ص131؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص615.
2- _ سورة البقرة: 13.
3- _ سورة الجاثية: 13.

المخلوقات لأجله، و هذا هو معنى كونهم العلّة الغائية في أصل الخلقة، فلو لم يكن هذه العلّة لبطلت الخلقة و تباني الحكمة.

الدليل الحادي عشر

إنّ للناس بل لجميع المخلوقات حالات مع ربّهم، و يحتاجون إلى وصول العناية دائماً منه تعالى إليهم، و إلى الطلب و السؤال بلسان الحال أو القال في حوائج الدنيا و الدين، و هذا يحتاج إلى واسطة مهمّة بينهم و بين ربّهم، و هم (علیهم السلام) وسائط بين اللّه و الخلق، و لولاهم ما للتراب و ربّ الأرباب، كما ترى ذلك في الملوك مع الرعية، بل كلّ رئيس مع قومه لا مناص إلاّ من الواسطة.

الدليل الثاني عشر

إنّ المخلوقات بجميع طبقاتهم مظاهر لأسماء الصفات، لكن كلّها ناقصة، فمنهم من يكون مظهراً لبعض الصفات دون البعض.

ثمّ إنّ المظهر لصفة يكون مظهريته لمرتبة من تلك الصفة دون اُخرى، و ليس في جميع المخلوقات من يكون مظهراً لجميع الصفات بجميع مراتبها الممكنة سوى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) ، فهم المظاهر التامّات، بهم عبد اللّه،و بهم عرف اللّه، لولاهم ما عبد اللّه، و لولاهم ما عرف اللّه، فبقاؤهم مظهر بقائه، و حياتهم مظهر حياته، و إحاطتهم مظهر إحاطته، و علمهم مظهر علمه، و قدرتهم مظهر قدرته، و لطفهم و جودهم و إحسانهم و قهرهم، و غير ذلك من شؤونهم مظهر لطفه و جوده و إحسانه و قهره، و غيرها من صفاته و أسمائه.

و بهذه الأدلّة الاثني عشر نختم الكلام في احتياج الناس بل جميع ما سوى اللّه إلى الأئمّة الاثني عشر عليهم صلوات اللّه.

ص: 142

المقام الثالث: في لزوم نصب الإمام (علیه السلام) على اللّه تبارك و تعالی
و تعيينه و ليس للاُمّة جعله و نصبه

و توضيح الكلام فيه يحتاج إلى تنقيح اُمور:

الأوّل: إثبات الحسن و القبح العقليين، و هو أمر وجداني غير قابل للإنكار، حيث يحكم كلّ من كان له أدنى شعور به بأنّ الإحسان حسن ذاتاً، و الظلم قبيح كذلك.

و يتّضح لك ذلك بالمراجعة إلى المثال الذي ذكرناه في باب وجوب المعرفة بقاعدة شكر المنعم، و هو أنّا نفرض أنّ من ضلّ عن الطريق، و ابتلي بالأمراض الشديدة، و ليس له دواء و غذاء، و آيس من جميع الأسباب، و اُشرف على الهلاك، فجاء رجل و تكفّل دواءه و غذاءه و أكله و شربه و طبيبه حتّى برأ، و خلّعه و ألبسه و أعطاه من المال فوق ما يحتاج، و أرسله إلى وطنه صحيحاً سالماً غانماً، يحكم كلّ عاقل بحسن ذلك، و لو لم يكن من أهل شريعة من الشرائع.

ثمّ إنّ الرجل المذكور لو بذل ما أخذه من منعمه لأعدائه و تهيئة الأسباب لحربه، فجاء مع الأعداء و أخذ المنعم و عذّبه بأنواع العذاب و قتله، و نهب أمواله، و هتك أستاره، و سبي نساءه، يحكم كلّ عاقل بقبح ذلك، فلا يمكن إنكار الحسن و القبح العقليين.

الأمر الثاني: أنّ الحقّ أنّ الحسن و القبح بالوجوه و الاعتبار، فربما يكون فعل واحد ذا جهاتٍ بلحاظ بعض الجهات في كمال الحسن، و بلحاظ آخر في كمال القبح، مثلاً ضرب اليتيم لأجل التأديب حسن، و لأجل الإيذاء قبيح، والانحناء عند المولى لأجل التعظيم حسن، و لأجل السخرية قبيح، و القيام

ص: 143

عند جلوس آخر لأجل التواضع حسن، و لأجل الإعراض قبيح.

فملاك الحسن و القبح المصالح و المفاسد، فربّ شيء يكون ذا مصلحة في ذاته، فيكون حسناً ذاتاً، كالإحسان في المحلّ اللائق، أو ذا مفسدة في ذاته، فيكون قبيحاً ذاتاً كالظلم، و ربّ شيء يكون فيه مصلحة من جهة و مفسدة من اُخرى، كضرب اليتيم حيث فيه مصلحة التأديب، أو مفسدة الإيذاء مثلاً.

الأمر الثالث: أنّ اتّصاف الفعل بالحسن أو القبح منوط بالعلم بوجود المصلحة أو المفسدة، لا مجرّد كونه ذا مصلحة أو مفسدة واقعاً، مثلاً ضرب اليتيم إنّما يكون حسناً إذا علم أنّه يترتّب عليه التأديب و كان بهذا الداعي، و أمّا تأدّبه واقعاً به مع عدم علم الضارب لا يوجب اتّصاف ضربه بالحسن.

الأمر الرابع: أنّ اللّه تبارك و تعالى حكيم في ذاته، أي: عالم بجميع المصالح و المفاسد محيط بها، عادل في فعله، أي: يكون جميع أفعاله حسناً، و لا يصدر منه قبيح أصلاً، فيكون تابعاً للمصالح و المفاسد، فالفعل إذا كان ذا مصلحة و لم يكن فيه مفسدة أصلاً يجب صدوره منه تعالى قطعاً؛ لأنّ في تركه تفويت لتلك المصلحة، و هو قبيح عقلاً. و إن كان ذا مفسدة و لم يكن فيه مصلحة أصلاً، يستحيل صدوره منه عقلاً لإيجابه تلك المفسدة. و إن لم يكن فيه مصلحة و لا مفسدة، فهو أيضاً يستحيل صدوره منه؛ لكونه لغواً، و اللغو قبيح عقلاً.

و إن كان ذا مصلحة و مفسدة معاً، فلابدّ من الكسر و الانكسار، فإن تساويافهو من اللغو القبيح، و إن ترجّحت المصلحة يجب إتيانه للزوم تفويت المصلحة بتركه. و إن ترجّحت المفسدة، فيكون صدوره قبيح لإيجابه

ص: 144

المفسدة، هذا معنى كونه تعالى عادلاً، و قد حقّقناه في بحث العدل، فراجع.

الأمر الخامس: قد تقدّم آنفاً في بحث احتياج الاُمّة إلى الإمام و الخليفة من الوجوه الاثني عشر أنّ وجود الإمام (علیه السلام) في كلّ عصر كم فيه من المصالح المهمّة، و أنّ في عدمه كم فيه مفسدة من ذهاب الدين و تسلّط الأعداء، و غيرها من المفاسد، و المفروض أنّه تعالى عالم بجميع تلك المصالح، فيجب عليه نصبه، و إلاّ يلزم نقض الغرض من إرسال الرسل، و إنزال الكتب، و جعل الأحكام، فهذا معنى وجوب نصب الإمام على اللّه تعالى، كما يجب عليه جعل التكليف و إرسال الرسل و إنزال الكتب، و جعل الأحكام، و جعل الحشر و النشر، و الثواب و العقاب، و الجنّة و النار، إلى غير ذلك ممّا تقدّم بيانه في مبحث العدل.

و لعمري أنّ ما ذكرناه حاوٍ لجميع الأدلّة التي ذكروه في هذا الباب، فلا نطيل بإطالته و بيان النقض و الابرام.

الأمر السادس: أنّه لا يمكن للاُمّة الإحاطة بجميع ما يعتبر في الإمام و الخليفة من الاُمور الباطنية، من كونه عالماً بجميع الأحكام، قادراً على دفع جميع الشبهات، معصوماً من جميع الخطيئات و السهويات و النسيانات و المعاصي، متّصفاً بجميع الصفات الحميدة، منزّهاً عن جميع الأخلاق الرذيلة، عالماً بجميع الألسنة و اللغات، متمكّناً للمعاشرة مع طوائف الجنّ و الإنس، و دفع شبهاتهم، وبيان أحكامهم، مظهراً لجميع صفات اللّه تعالى، حجّةً على جميع البرية، أكمل من كلّ الرعية في الصبر و الزهد و التقوى و غيرها من الصفات، فأنّى للاُمّة جعل الخليفة و نصب الإمام، هيهات هيهات لما توعدون.

و سيأتي إن شاء اللّه تعالى زيادة توضيح لذلك في المقصد الثاني عند بيان

ص: 145

بطلان خلافة خلفاء الجور، و إبطال ما تمسّكوا به من الاجماع و الشورى و القهر و الغلبة و نحوها، فانتظر.

المقام الرابع: في لزوم جعل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الخليفة

و انّ ذلك من أعظم شؤون الرسالة، و انّه (صلی الله علیه و آله و سلم) لولم يفعل لما بلّغ رسالته.

لا يخفى أنّ الاسلام أتمّ الأديان، بحيث لم يشذّ منه شيء من الأحكام الجزئية حتّى أرش الخدش، قال تعالى: {وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاَّ في كِتابٍ مُبينٍ}(1)، و قال (صلی الله علیه و آله و سلم) في خطبة الوداع: مَا مِنْ شَيْ ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَ مَا مِنْ شَيْ ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا وَ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ.(2)

و انّ القرآن ينادي بأعلى صوته في قوله تعالى: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ}(3)، إنّ هذه الشريعة هي أقوم من جميع الأديان، بل لا يتصوّر أقوم منها.

و قد تقدّم في بحث النبوّة في باب شرائط النبي أنّه لابدّ و أن يكون معصوماً من جميع المعاصي حتّى الصغائر بل و قصد المعصية، و عن السهو و الخطأ والشكّ و النسيان سيّما في الأحكام، و لابدّ أن يكون أكمل من جميع الاُمّة، متّصفاً بجميع الصفات الحميدة، منزّهاً عن جميع النقائص، و انّ من الصفات الحميدة علمه بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة في عقائدهم و أخلاقياتهم

ص: 146


1- _ سورة الأنعام: 59.
2- _ بحار الأنوار، ج 67، ص96، ح3؛ الكافي، ج 2، ص74، ح2؛ وسائل الشيعة، ج 17، ص45، ح21939.
3- _ سورة الإسراء: 9.

و إصلاح معادهم و معاشهم و اجتماعياتهم و غيرها.

و حينئذ نقول: إنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إذا فرض عدم تعيينه الخليفة بعده، فلابدّ أن يكون لأجل أحد اُمور كلّها باطلة:

أحدها: أنّه يرى عدم احتياج اُمّته أو كتابه أو بقاء شريعته أو دينه إلى الخليفة، و قد عرفت بما لا مزيد عليه من الوجوه الاثني عشر على ثبوت الاحتياج، بل لولا الإمام لما يبقى للدين و الشريعة و الكتاب عين و أثر؛ لعدم تمكّن غيره من دفع شبهات المعاندين، و بيان أحكام الدين، و غيرهما ممّا ظهر بيانه.

بل التحقيق أنّ أمر الولاية هي روح الديانة، و بدونها كانت الديانة جسداً بلا روح، فكما أنّ البدن إذا فارق منه الروح يفسد و يخرب و يصير تراباً و رميماً، فكذلك الديانة إذا لم يكن فيها الولاية تفسد و تخرب و تضمحلّ و تفنى.

بيان ذلك: إنّهم قسّموا الدين بالاُصول و الأخلاق و الفروع، و شبّهوه بالشجرة، و قالوا: إنّ العقائد بمنزلة اُصول الشجرة، و من هنا سمّي باُصول الدين، و الأخلاق بمنزلة قامة الشجرة، و الأحكام بمنزلة فروع الشجرة، و لذا سمّيت بالفروع، و ثمرة الشجرة المثوبات الدنيوية و الاُخروية.و عندي في هذا التمثيل نظر؛ لأنّه يلزم أن يكون الفروع أعلى شرفاً من الأخلاق، و هي من العقائد كما في الشجرة، بل الأمر بالعكس.

فالتمثيل المطابق للواقع: أنّ القلب حقيقة بمنزلة المرآة لأن ينعكس فيه المعارف الإلهية التي هي الغرض من أصل الخلقة، و المرآة تحتاج في جودة ما يرى فيها إلى صفائها و تصقيلها، و رفع الحجب و الموانع عنها، فالأعمال

ص: 147

بمنزلة رفع الحجب و الموانع، و من هنا ورد أنّ المعاصي تورث سواد القلب و كدورتها، و الطاعات تورث نورانيته و ضيائه، و الأخلاق بمنزلة التصقيل و الجلاء، و المعارف الإلهية بمنزلة الصور المرئية.

فالغرض الأصلي من المرآة رؤية الصور فيها، و الغرض الأصلي في الديانة تحصيل المعارف الحقّة، و الأصل في ذلك معرفة اللّه تعالى و صفاته، و من المعلوم أنّ الممكن لا يمكن أمر المعرفة باللّه إلاّ بمعرفة مظاهره و أسماء صفاته.

و قد تقدّم أنّ الإمام (علیه السلام) هو المظهر التامّ الأتمّ الذي هو فوق التمام في جميع صفات اللّه و أسمائه الحسنى و كلماته التامّات، كما ورد في الخبر: «نَحْنُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى»،(1) «و نحن الكلمات التامّة»،(2) فلولا الإمام لم يحصل المعرفة، فلا يتحقّق روح الديانة.

ثانيها: أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أوكل تعيين الخليفة إلى اُمّته بعد رحلته، و هذا أيضاً في غاية الوضوح في الفساد؛ لما تقدّم في الأمر السابق أنّ تعيين الخليفة بشرائطه المعتبرة فيه خارج عن مقدرة البشر، و لا يمكن له الإحاطة بالاُمور الباطنيةالمعتبرة فيه، فلا نعيد.

ثالثها: دعوى أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لمّا لم يصدر إليه من اللّه تعالى وحي في ذلك، و لم يعيّن اللّه تعالى الخليفة لم يجعل و لم ينصب و لم يعيّن الخليفة.

و هذا أيضاً فساده غني عن البيان، فإنّه مضافاً إلى ما سيأتي في المقصد

ص: 148


1- _ بحار الأنوار، ج25، ص5، ح7 و ج27، ص38.
2- _ فی الإمامة و التبصرة، ص35 و كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص202: نَحْنُ كَلِمَةُ التَّقْوَى؛ فی بحار الأنوار، ج25، ص22: نَحْنُ كَلِمَةُ اللَّهِ.

الثاني من الأدلّة الدالّة على جعله تعالى و الآيات الواردة في ذلك، و تكرّر الوحي من اللّه إليه في ذلك، ما تقدّم آنفاً من لزوم النصب على اللّه تعالى، و أنّه لولاه لزم: إمّا أن لا يكون هو اللّه تعالى حكيماً، أو لم يكن عادلاً، و قد عرفت بيانه بالمقدّمات المتقدّمة.

رابعها: دعوى نقصان دينه، و عدم تماميته، و عدم أقومية كتابه، و هذا ممّا لا يليق بأن يسطر.

خامسها: دعوى أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) العياذ باللّه خالف أمر اللّه و عصى في تعيين الخليفة، أو نسي و سهى، أو لم يكن عالماً بكون النصب ممّا يحتاج إليه اُمّته، و هذا كلّه ينافي النبوّة، كما تقدّم بيانه.

فإذا بطلت تلك الاُمور، و فرضنا أنّ اللّه تعالى قد عيّن الخليفة و الإمام و أوحى إلى نبيّه، و أنّ للاُمّة كمال الاحتياج إليه، و أنّ دين الاسلام في غاية التمامية و الكمال.

و أنّه يهدي للتي هي أقوم، و أنّ الاُمّة لا يمكن لهم التعيين من عند أنفسهم، و أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) معصوم من المخالفة و العصيان و السهو و النسيان، و أنّه يعلمما فيه صلاح اُمّته، فلا مناص إلاّ عن القول بوجوب النصب على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أنّه لولم يفعل لما بلّغ رسالته، كما ينادي بذلك القرآن في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ}(1)، الآية الواردة في يوم الغدير في أمر الولاية، كما يأتي شرحه و بيانه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 149


1- _ سورة المائدة: 67.
المقام الخامس: في الشرائط المعتبرة في الإمام
اشارة

و هي كثيرة، و المهمّ منها اُمور:

الشرط الأوّل: العصمة بالمعنيين

أحدهما: العصمة عن الشرك و الكفر و المعاصي كلّها كبارها و صغارها، بل و عن نيّة المعصية في تمادي عمره من أوّله إلى آخره.

و ثانيهما: عن السهو و الخطأ و الشكّ و الشبهة و نحوها، و الدليل عليه من العقل و النقل وجوه:

الأوّل: أنّ الغرض من جعل الخليفة تكميل البشر و هدايتهم إلى الصواب، و إرشادهم إلى ما يحتاجون إليه من معرفة اللّه و طاعته، و التحرّز عن معاصيه، و حملهم على ما فيه صلاح دينهم و دنياهم، و زجرهم عمّا فيه ضرر في الدين و الدنيا، سواء كانت المصلحة و الضرر نوعياً أو شخصياً، و تنبيههم عن رقدة الغفلة، و إنقاذهم من سورة الهوى و الضلالة، و بعثهم على قوانين العدل و التمدّن و الاجتماع و الآداب، لينالوا سعادة الدارين، و حفظ دينه و شريعته وأحكامه و كتابه.

فلو صدر منه ذنب أو قبيح، أو مخالفة الشريعة، أو سهى في شيء، أو أخطأ أو شكّ أو اشتبه، لزم نقض الغرض؛ إذ الاُمّة إذا كان رئيس دينهم و راعيهم إلى الصواب مرتكباً للقبائح و الذنوب، لتنفّروا منه نفرةً شديدةً، أو احتملوا فيه الخطأ و الاشتباه، لارتفع منهم الوثوق و الاطمئنان و اليقين في أقواله و أفعاله، بل يصير داعيهم و مؤيّدهم على ارتكاب الذنوب، و التهاون بالشريعة، و هذا معنى

ص: 150

قولهم: «إذا فَسَدَ العالِم فَسَدَ العالَم»(1)،

و نقض الغرض محال على اللّه تعالى، فيجب أن يكون معصوماً.

الثاني: أنّ العقل يقطع بأنّ الإمام و الخليفة إذا كان معصوماً فيه صلاح الاُمّة قطعاً لما تقدّم، و لا مفسدة فيه أصلاً، و اللّه تعالى قادر على جعله معصوماً، فيجب بمقتضى عدله و حكمته لما تقدّم أنّ كلّ ما يمكن و فيه المصلحة و لا مفسدة فيه يجب على اللّه تعالى.

الثالث: قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ}(2)، بالبيان المتقدّم في مسألة النبوّة.

و بالجملة الإمامة أخت النبوّة، و كلّ دليل يدلّ على لزوم عصمة النبي يدلّ على لزوم عصمة الإمام.ثمّ إنّ المخالفين لمّا رأوا من خلفائهم و أئمّتهم المعاصي الكبار، من الخلفاء الثلاثة و بني اُميّة و بني العبّاس، بل الشرك و الكفر و الظلم و قتل النفس و غيرها، على ما سيأتي إن شاء اللّه في المقصد الثاني عند ذكر مطاعنهم، و رأوا أنّ الأدلّة التي ذكرناه لإثبات لزوم العصمة في الخليفة و الإمام غير قابلة للمناقشة و الإشكال، صاروا بصدد الجواب نقضاً بأفعال بعض أئمّة الدّين، حيث ظنّوا كونها معصية، و تخيّلوا أنّ ذلك كافٍ في الجواب، مع أنّ النقض لا يورث إلاّ زيادة إشكال، فلابدّ لنا من التعرّض لما ذكروه ملخّصاً، و

ص: 151


1- _ نحوه في: غرر الحكم و درر الكلم، ص391، ح28؛ عيون الحكم و المواعظ (لليثي)، ص276، ح5024 و فيها: «زَلَّةُ الْعَالِمِ تُفْسِدُ الْعَوَالِمَ».
2- _ سورة البقرة: 124.

الجواب عنها بعون اللّه تبارك و تعالى.

فنقول: حاصل ما ذكروه في النقض اُمور:

الأوّل: أنّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) مع كمال قدرته و شجاعته في الحروب، حتّى قال (علیه السلام) : «لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ»،(1) كيف تقاعد عن حرب الخلفاء و الغاصبين لحقّه، بل أظهر موافقتهم و حضر مجالسهم، و صلّی خلفهم، و دخل في مشاوراتهم و غيرها؟

الثاني: أنّه (علیه السلام) مع علمه بعد قتل عمر أنّ عثمان يصير خليفةً و يتحقّق الرأي له كيف أقدم على الدخول في الشورى؟

الثالث: ما الوجه في حربه مع عائشة و طلحة و الزبير في حرب الجمل و مع معاوية في صفّين و مع الخوارج في نهروان مع تقاعده عن حرب السابقين؟الرابع: كيف رضي بالتحكيم مع أنّه يعلم سيغدر عليه و أنّ معاوية غير قابل للخلافة؟

الخامس: في ليلة قتله مع علمه بأنّه يقتل كيف ذهب إلى المسجد وحيداً و لم يمنع المرادي عن فعله مع كمال قدرته؟

السادس: ما وجه صلح الحسن مع معاوية مع كثرة أنصاره و أعوانه حتّى قيل في حقّه: إنّه مذلّ المؤمنين(2)، و علمه بعدم استحقاق معاوية للخلافة.

ص: 152


1- _ الأمالي( للصدوق)، ص514، ح10؛ بحار الأنوار، ج 21، ص26، ح25 و ج 33، ص475، ح686 و ج 41، ص68؛ مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) (لابن شهرآشوب)، ج 2، ص84؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص418، کتاب45.
2- _ بحار الأنوار، ج 44، ص24، ح7؛ الهداية الكبرى، ص192.

السابع: كيف أقدم (علیه السلام) على شرب السمّ مع علمه (علیه السلام) به، و هل هو إلاّ الإقدام على التهلكة؟

الثامن: ما وجه إقدام أبي عبداللّه (علیه السلام) على حرب يزيد و خروجه إلى الكوفة مع علمه بغدر أهل الكوفة، و اطّلاعه على قتل مسلم بن عقيل، و قول ابن عبّاس و ابن الحنفية و ابن عمر و غيرهم بعدم الخروج، ثمّ كيف حارب بنفر قليل مع جمع كثير و لم يصالح مع يزيد كما صالح أخوه الحسن (علیه السلام) ، و هل هو إلاّ الوقوع في المهلكة؟

التاسع: أنّ الرضا (علیه السلام) كيف قبل ولاية العهد؟ و هل هو إلاّ الاقرار و الاعتراف بخلافة المأمون؟ مع علمه بأنّه يقتل بالسمّ قبل المأمون، و كيف شرب السمّ مع علمه به؟ و إخباره قبلاً بهرثمة و أبي الصلت، و هكذا سائر الأئمّة (علیهم السلام) لأنّهم مقتولون بالسمّ.

العاشر: ما وجه غيبة القائم (علیه السلام) عن الأولياء و الأعداء في هذا الزمان الطويل؟و ما الفائدة في وجوده كذلك حتّى صار منشأً لإنكار وجوده و ولادته، و خوفه عن الأعداء كان في آبائه الطيبين أيضاً، فما وجه غيبته دونهم؟

و الجواب: أمّا عن الأوّل، فإنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) لمّا رأى بعد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّ القوم بإغواء المخالفين غصبوا حقّه، و خالفوا أمر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في ذلك، و أنّه لو جاهدهم و حاربهم لرجعوا عن الدين؛ لأنّ إظهار الديانة من المنافقين إنّما هو طمعاً في الرئاسة في زمان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ما وليهم على شيء، فبعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لو حاربهم و آيسوا ممّا طمعوا فيه لأظهروا تركهم الباطنية و أنكروا الاسلام رأساً، و أنّ أعداء الدين من المشركين و اليهود و النصارى كانوا منتظرين لوقوع الخلاف بين المسلمين حتّى يحملوا على

ص: 153

المسلمين، فالواجب عليه حفظ الاسلام مهما أمكن، فلا مناص له إلاّ عن الكفّ عن حربهم و جهادهم.

و أمّا دعوى إظهار موافقتهم، فهو كذب و افتراء، بل لم يظهر ذلك إلاّ بعد أن أحرقوا باب داره، و دخلوا داره و أخذوه، و كسروا ضلع فاطمة (علیها السلام) ، و أسقطوا جنينها، و فعلوا ما فعلوا، بل هدّدوه بالقتل، حتّى أنّه عند تعقيبه على البيعة، قال ثلاثاً: فإن لم أفعل، قال عمر: لأضربنّ عنقك.(1)

و أمّا حضور مجالسهم و جماعاتهم، فلمّا رأى جهلهم بالأحكام، و عجزهم عن دفع الشبهات الواردة من اليهود و النصارى و سائر الكفّار، و هذا يورثوهناً عظيماً على الاسلام، وجب عليه ذلك لبيان أحكام الشريعة، و دفع الشبهات المذكورة و القضايا المروية في العامّة و الخاصّة في ذلك الباب أكثر من أن يحصى، حتّى قيل إنّ عمر قال سبعين موقعاً: لولا علي لهلك عمر(2)،

مع أنّه (علیه السلام) لم يحضر مجالسهم الخصوصيّة، بل إنّما كان حضوره معهم في مسجد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و أمّا الدخول في مشاوراتهم، فهذا أيضاً خطأ؛ لأنّه (علیه السلام) لم يشاورهم في شيء، بل هم يشاورونه أي يسألون منه ما جهلوا في الحروب و غيرها.

و أمّا عن الثاني، فلأنّ الدخول في الشورى منه (علیه السلام) لأجل إثبات حقّه، و بيان الأدلّة على خلافته من الآيات و الأخبار و الأحاديث النبوية، و إبطال

ص: 154


1- _ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص593، و فيه: «فقال (علیه السلام) : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: إِذاً وَ اللَّهِ نَضْرِبُ عُنُقَكَ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»، الاختصاص للشيخ المفيد، ص187.
2- _ إحقاق الحقّ، ج3، ص102؛ بحار الأنوار، ج 10، ص231، ح1 و ج 30، ص111، ح11؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص374، ح777؛ تفسير العياشي، ج 1، ص75، ح155؛ الكافي، ج 7، ص424، ح6.

خلافة الأوّلين، و إتماماً للحجّة عليهم، و لئلاّ يقول الناس إنّه لو دخل في الشورى لأخذ حقّه و لم يتجاوزوا أهل الشورى عنه، كما يظهر كلّ ذلك لمن راجع قضية الشورى و المكالمات الصادرة منه (علیه السلام) معهم.

و أمّا عن الثالث، فلأنّ قتاله مع الناكثين و القاسطين و المارقين لإحقاق حقّه، و عدم ترتّب ما يترتّب على القتال مع السابقين من خروج المنافقين عن ظاهر الاسلام، و تسلّط أعداء الدّين على المسلمين، و ذهاب الاسلام من رأس، بل أثبت بهذه المقاتلة كفر عائشة و نفاق طلحة و زبير، و ظلم معاوية و بني اُميّة و كفرهم و كذا الخوارج، بل أظهر (علیه السلام) في هذه المقاتلة بطلان المتقدّمين، و توصّل (علیه السلام) لدفع الأعداء و إحقاق الحقّ و إبطال الباطل، مع وجود الأنصار والأعوان له و تمكّن من ذلك، فيجب عليه.

و أمّا عن الرابع، فرضايته (علیه السلام) بالتحكيم إنّما هي لأجل طلب أصحابه و عسكره إلاّ القليل منهم، حتّى أنّهم قالوا: لولم ترض بالتحكيم لنقاتلك، و ظنّوا أنّ مكيدة أصحاب معاوية كانت على الحقيقة، و أنّ الحكم بينهم يقع طبقاً للقرآن، و يظهر الحقّ و يبطل الباطل، و كلّما قال (علیه السلام) هي مكيدة و حيلة لم يقبلوا منه.

و لا بأس بنقل بعض ما ورد في قضية التحكيم ليظهر لك الأمر.

ففي البحار عن الخرائج و إرشاد المفيد، قال: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : عِنْدَ مَا رَفَعَ أَهْلُ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ، وَ شَكَّ فَرِيقٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ لَجَئُوا إِلَى الْمُسَالَمَةِ وَ دَعَوْهُ إِلَيْهَا: وَيْلَكُمْ إِنَّ هَذِهِ خَدِيعَةٌ، وَ مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ الْقُرْآنَ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ قُرْآنٍ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ امْضُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ فِي قِتَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا تَفَرَّقَتْ بِكُمُ

ص: 155

السُّبُلُ، وَ نَدَمْتُمْ حَيْثُ لَا تَنْفَعُكُمُ النَّدَامَةُ.(1)

و فيه عن المناقب: في جملة كلام له قال: فَقَصَدَ إِلَيْهِ _ أي: إلى أميرالمؤمنين (علیه السلام) _ عِشْرُونَ أَلْفَ رَجُلٍ يَقُولُونَ: يَا عَلِيُّ! أَجِبْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ إِذَا دُعِيتَ وَ إِلَّا دَفَعْنَاكَ بِرُمَّتِكَ _ أي: بجملتك _ إِلَى الْقَوْمِ، أَوْ نَفْعَلُ بِكَ مَا فَعَلْنَا بِعُثْمَانَ.

فَقَالَ (علیه السلام) : فَاحْفَظُوا عَنِّي مَقَالَتِي، فَإِنِّي آمُرُكُمْ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ تَعْصُونِي فَافْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، قَالُوا: فَابْعَثْ إِلَى الْأَشْتَرِ لِيَأْتِيَنَّكَ، فَبَعَثَ يَزِيدَ بْنَ هَانِي السَّبِيعِيَّيَدْعُوهُ، فَقَالَ الْأَشْتَرُ: إِنِّي قَدْ رَجَوْتُ أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَا تُعَجِّلْنِي وَ شَدَّدَ فِي الْقِتَالِ، فَقَالُوا: حَرَّضْتَهُ فِي الْحَرْبِ، فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِعَزِيمَتِكَ لِيَأْتِيَكَ، وَ إِلَّا وَ اللَّهِ اعْتَزَلْنَاكَ.

قَالَ: يَا يَزِيدُ! عُدْ إِلَيْهِ، وَ قُلْ لَهُ: أَقْبِلْ إِلَيْنَا، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ وَقَعَتْ، فَأَقْبَلَ الْأَشْتَرُ يَقُولُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَهْلَ الذُّلِّ وَ الْوَهْنِ! أَ حِينَ عَلَوْتُمُ الْقَوْمَ وَ عَلِمُوا أَنَّكُمْ لَهُمْ قَاهِرُونَ رَفَعُوا لَكُمُ الْمَصَاحِفَ خَدِيعَةً وَ مَكْراً، فَقَالُوا: قَاتَلْنَاهُمْ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَمْهِلُونِي سَاعَةً وَ أَحْسَسْتُ بِالْفَتْحِ وَ أَيْقَنْتُ بِالظَّفَرِ، قَالُوا: لَا، قَالَ: أَمْهِلُونِي عَدْوَةَ فَرَسِي، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا نُطِيعُكَ وَ لَا لِصَاحِبِكَ وَ نَحْنُ نَرَى الْمَصَاحِفَ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ نُدْعَى إِلَيْهَا، فَقَالَ: خُدِعْتُمْ وَ اللَّهِ! فَانْخَدَعْتُمْ وَ دُعِيتُمْ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ، فَأَجَبْتُمْ.

إلى أن قال: فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ: فَإِنَّا قَدِ اخْتَرْنَا عَمْراً، فَقَالَ الْأَشْعَثُ وَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَ مِسْعَرُ بْنُ فَدَكِيٍّ وَ زَيْدٌ الطَّائِيُّ: نَحْنُ اخْتَرْنَا أَبَا مُوسَى.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : فَإِنَّكُمْ قَدْ عَصَيْتُمُونِي فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا تَعْصُونِي

ص: 156


1- _ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص316؛ بحار الأنوار، ج 33، ص311، ح561؛ الخرائج و الجرائح، ج 1، ص200، ح40.

الْآنَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدْ كَانَ يُحَذِّرُنَا مِمَّا قَدْ وَقَعْنَا فِيهِ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ قَدْ فَارَقَنِي وَ قَدْ خَذَلَ النَّاسَ، ثُمَّ هَرَبَ مِنِّي حَتَّى أَمَّنْتُهُ بَعْدَ شَهْرٍ، وَ لَكِنْ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ أُوَلِّيهِ ذَلِكَ، قَالُوا: وَ اللَّهِ! مَا نُبَالِي أَنْتَ كُنْتَ أَمِ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَالْأَشْتَرُ، قَالَ الْأَشْعَثُ: وَ هَلْ سَعَّرَ الْحَرْبَ غَيْرُ الْأَشْتَرِ، وَ هَلْ نَحْنُ إِلَّا فِي حُكْمِ الْأَشْتَرِ.

قَالَ الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَلِيّاً (علیه السلام) يَوْمَ صِفِّينَ يُصَفِّقُ بِيَدَيْهِ وَ يَقُولُ: يَا عَجَباً أُعْصَى وَ يُطَاعُ مُعَاوِيَةُ، وَ قَالَ: قَدْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَبَا مُوسَى؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ صَنِيعِهِم. (الحكاية)(1)

أقول: في هذا المقال كفاية في إثبات المقصود.

و أمّا الخامس، فلا يخفى أنّ الكلام في ذهاب أميرالمؤمنين (علیه السلام) في ليلة قتله إلى المسجد و شرب سائر الأئمّة (علیهم السلام) السمّ حين وقوع القضاء الإلهي، و كذا شهادة أبي عبداللّه (علیه السلام) يوم الطفّ كلّها من وادٍ واحد.

و قد أجاب الإمامية عن الإشكال المذكور بوجوه:

أحدها: ما أفاده السيد (قدس سره) و جماعة من منع كونهم (علیهم السلام) عالمين بالسمّ أو القتل، و لم يقم دليل قطعي على تعلّق علمهم بجميع الاُمور.

و عندي في هذا الجواب نظر؛ لأنّه مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على علمهم بما كان و ما يكون إلى انقضاء الخلق، و مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الواردة في أنّ لكلّ إمام صحيفة سماوية فيها جميع ما يقع عليهم و ما يصدر منهم، قد ورد أخبارٌ كثيرة من كلّ واحد منهم فيما وقع عليهم، فكم أخبر أميرالمؤمنين (علیه السلام)

ص: 157


1- _ بحار الأنوار، ج 33، ص312؛ مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) (لابن شهرآشوب)، ج 3، ص182.

بشهادته، بل بشهادة بعض خواصّه، كالميثم و الرشيد الهجري و كيفية شهادتهما و غيرهما.

و كذا إخبار الحسن (علیه السلام) ، و كم أخبر أبي عبداللّه (علیه السلام) بشهادته و شهادة أصحابه من خبر اُمّ سلمة و محمّد بن الحنفية و ليلة عاشوراء و غيرها، و كذا أخبر موسى بن جعفر (علیهما السلام) المسيّب، و كذا أخبر الرّضا (علیه السلام) هرثمة وأباالصلت و حين خروجه من المدينة، إلى غير ذلك من الأخبار، فكيف يمكن دعوى عدم علمهم (علیهم السلام) بذلك؟

ثانيها: ما أفاده جماعة بأنّهم (علیهم السلام) و إن علموا ذلك، لكن حين وقوع القضاء و قبيله يعزب عنهم علمه حتّى يقع القضاء.

و هذا أيضاً غير مرضيّ؛ لأنّه مضافاً إلى عدم قيام دليل عليه ينافي العصمة؛ لأنّ معنى العصمة: العصمة عن الخطأ و السهو و النسيان أيضاً، كما تقدّم بيانه.

ثالثها: أنّهم (علیهم السلام) لا يقاسون بالناس.

و هذا الجواب و إن كان حقيقاً بالقبول، إلاّ أنّه غير مرضيّ عند الخصم، و لا يقنع بذلك، و له في أئمّة الجور دعوى ذلك، و إن كان فيه ما فيه.

و التحقيق في الجواب أن يقال: أمّا على العلم الظاهري الذي كلّ أحد مأمور على المشي على طبقه، فهم (علیهم السلام) كسائر الناس، مثلاً لو شهد جماعة أو أخبر ثقة بأنّ المرادي يريد ذلك، أو في هذا الماء أو الرطب أو العنب أو الرمّان سمّ أو غير ذلك، لوجب عليهم الاحتراز كما يجب على غيرهم.

و أمّا على العلم الباطني المختصّ بهم (علیهم السلام) من اللّه أو النبي أو من الصحيفة السماوية أو غيرها ممّا للإمام (علیه السلام) ، فهم (علیهم السلام) كما يعلمون أنّ المرادي يريد القتل

ص: 158

أو في الماء سمّ أو الرطب و العنب و الرمّان مثلاً، كذلك يعلمون بأنّ القضاء الحتمي تعلّق بالشرب و الإقدام و وقوع القتل، و أنّه يجب عليهم ذلك،و أنّهم لا يشاؤون إلاّ ما يشاء اللّه، و أنّ قلوبهم أوعية مشيئة اللّه.

فهذا نظير ما أسرّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أو الإمام (علیه السلام) بعض أصحابهم أنّك تفعل كذا و كذا، و تؤخذ كذا، و تضرب كذا، و تصير مقتولاً كذا، و لا بدّ من ذلك، فهل يتوهّم متوهّم أنّ هذا منه إلقاء في التهلكة أو معصية أو خلاف عقل.

و ما قيل من أنّ العلم طريق عقلي و منجعل ذاتاً من أيّ سبب کان، فإذا تحقّق يجب العمل على طبقه.

فمدفوع بأنّه و إن كان كذلك، لكن قد عرفت أنّه يعلم بأمر من اللّه تعالى بالإقدام على ذلك، فهل ترى أنّه لو صدر أمر شخصي من اللّه أو النبي أو الإمام إلى شخص في إلقاء نفسه في النار، فألقى نفسه فيها، فهل ذلك إلاّ امتثال و إطاعة و انقياد، كما في الأمر بالجهاد، و الأمر بذبح إسماعيل (علیه السلام) و غير ذلك، أو إلقاء في التهلكة، فاندفع الإشكال بحمد اللّه تعالى بحذافيره.

و أمّا عن السادس، فلأنّ الحسن (علیه السلام) بعد شهادة أميرالمؤمنين (علیه السلام) خرج لقتال معاوية، و جمع عسكراً بالنخيلة، فأرسل رجلاً من كندة في أربعة آلاف إلى الأنبار ليحبس عسكر معاوية حتّى يأتيه الحسن (علیه السلام) مع عسكره، فعلم معاوية بذلك، و أرسل إلى الكندي خمسمائة ألف درهم و وعده ولاية بعض كور الشام، فصار اللعين الكندي إلى معاوية، فبلغ ذلك الحسن (علیه السلام) ، فأرسل رجلاً من مراد في أربعة آلاف، و فعل معاوية بالمرادي عين ما فعل بالكندي.

فبلغ ذلك الحسن (علیه السلام) فأرسل (علیه السلام) ابن عمّه عبيداللّه بن عبّاس في اثني عشر

ص: 159

ألف من بقية ثقات أميرالمؤمنین (علیه السلام) من فرسان العرب و قوّام المصر الرجل منهم يزيل الكتيبة، فخرج ابن عبّاس حتّى نزل بإزاء معاوية، فأرسل معاوية إليه و وعده ألف ألف درهم بأن يعجله بالنصف، فصار هو أيضاً إلى معاوية.

ثمّ كتب جماعة من أصحاب الحسن (علیه السلام) إلى معاوية بل أكثر أهل الكوفة بأنّا معك، و لو شئت أخذنا الحسن (علیه السلام) و بعثناه إليك، فأرسل معاوية جميع تلك المكاتيب إلى الحسن (علیه السلام) ، فصعد (علیه السلام) المنبر عند نزوله بالساباط دون القنطرة، و قال (علیه السلام) في جملة كلامه: إِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَ لَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي.

فنظر الناس بعضهم إلى بعض، و قالوا: ما يريد؟ نظنّ أنّه يريد الصلح، كفر و اللّه الرجل، ثمّ شدّوا على فسطاطه، فانتهبوا حتّى أخذوا مصلاّه من تحته، فنزع مطرفه من عاتقه، و أرادوا أخذه و تسليمه إلى معاوية، فمنعهم جماعة من خواصّه من ربيعة و همدان.

فخرج (علیه السلام) إلى المدائن في بعض خواصّ أهل بيته، و عند مظلم ساباط المدائن قام إليه رجل من بني أسد، ثمّ من بني نصر بن قعين جراح بن سنان و بيده مِغول، فأخذ بلجام فرسه و قال اللعين: يا حسن أشركت كما أشرك أبوك، فطعنه بالمغول، فشقّ فخذه و سقط (علیه السلام) إلى الأرض، فحمل (علیه السلام) على سرير إلى المدائن، و أقام عند سعيد بن مسعود الثقفي عمّ المختار يعالج نفسه.

ثمّ رجع (علیه السلام) إلى الكوفة، فأرسل معاوية جماعة غيلةً إلى الكوفة ليقتلوا الحسن (علیه السلام) غيلةً، حتّى رماه أحدهم بالسهم في صلاته، فصعد (علیه السلام) المنبر و قال في جملة كلامه: يا عجباً من قوم لا حياء لهم و لا دين، و لو سلّمت له الأمر فأيم اللّه لا ترون فرحاً أبداً مع بني اُمية، و اللّه ليس منكم سوء العذاب، و لو

ص: 160

وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر؛ لأنّه محرّم على بني اُمية.

و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع و الطاعة له في السرّ، و استحثّوه على المسير نحوهم، و ضمنوا له تسليم الحسن (علیه السلام) إليه عند دنوّه من عسكره، أو الفتك به، و بلغ الحسن (علیه السلام) ذلك.(1)

الخبر.

متن کامل خبر:

إِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَ لَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي غَفَرَ اللَّهُ لِي وَ لَكُمْ وَ أَرْشَدَنِي وَ إِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَ الرِّضَا.

قَالَ: فَنَظَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَ قَالُوا: مَا تَرَوْنَهُ يُرِيدُ بِمَا قَالَ؟ قَالُوا: نَظُنُّهُ وَ اللَّهِ يُرِيدُ أَنْ يُصَالِحَ مُعَاوِيَةَ وَ يُسَلِّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، فَقَالُوا: كَفَرَ وَ اللَّهِ الرَّجُلُ، ثُمَّ شَدُّوا عَلَى فُسْطَاطِهِ، فَانْتَهَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوا مُصَلَّاهُ مِنْ تَحْتِهِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُعَالٍ الْأَزْدِيُّ، فَنَزَعَ مِطْرَفَهُ عَنْ عَاتِقِهِ فَبَقِيَ جَالِساً مُتَقَلِّداً السَّيْفَ بِغَيْرِ رِدَاءٍ.

ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَ أَحْدَقَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَ شِيعَتِهِ، وَ مَنَعُوا مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ، فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ رَبِيعَةَ وَ هَمْدَانَ، فَدُعُوا لَهُ، فَأَطَافُوا بِهِ وَ دَفَعُوا النَّاسَ عَنْهُ وَ سَارَ وَ مَعَهُ شَوْبٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا مَرَّ فِي مُظْلَمِ سَابَاطَ بَدَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ الْجَرَّاحُ بْنُ سِنَانٍ، فَأَخَذَ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ وَ بِيَدِهِ مِغْوَلٌ، وَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! أَشْرَكْتَ يَا حَسَنُ! كَمَا أَشْرَكَ أَبُوكَ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَشَقَّهُ، حَتَّىبَلَغَ الْعَظْمَ، فَاعْتَنَقَهُ الْحَسَنُ (علیه السلام) وَ خَرَّا جَمِيعاً إِلَى الْأَرْضِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ

ص: 161


1- _ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص11؛ بحار الأنوار، ج 44، ص47، ح5؛ الخرائج و الجرائح، ج 2، ص574 _ 576؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16، ص41.

رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ الْحَسَنِ (علیه السلام) يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ الطَّائِيُّ، فَانْتَزَعَ الْمِغْوَلَ مِنْ يَدِهِ وَ خَضْخَضَ بِهِ جَوْفَهُ وَ أَكَبَّ عَلَيْهِ آخَرُ يُقَالُ لَهُ ظَبْيَانُ بْنُ عُمَارَةَ، فَقَطَعَ أَنْفَهُ فَهَلَكَ مِنْ ذَلِكَ وَ أُخِذَ آخَرُ كَانَ مَعَهُ فَقُتِلَ.

وَ حُمِلَ الْحَسَنُ (علیه السلام) عَلَى سَرِيرٍ إِلَى الْمَدَائِنِ، فَأُنْزِلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَ كَانَ عَامِلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) بِهَا، فَأَقَرَّهُ الْحَسَنُ (علیه السلام) عَلَى ذَلِكَ وَ اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ يُعَالِجُ جُرْحَهُ.

وَ كَتَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي السِّرِّ وَ اسْتَحَثُّوهُ عَلَى السَّيْرِ نَحْوَهُمْ وَ ضَمِنُوا لَهُ تَسْلِيمَ الْحَسَنِ (علیه السلام) إِلَيْهِ عِنْدَ دُنُوِّهِمْ مِنْ عَسْكَرِهِ أَوِ الْفَتْكَ بِهِ وَ بَلَغَ الْحَسَنَ ذَلِكَ.(الخبر)

أقول: هذا مجمل الحكاية، و إذا تأمّلت فهل له أنصار و من ينصره، فإذاً لا مناص له حفظاً لدمه الشريف و دماء شيعته، و حفظاً للاسلام و المسلمين إلاّ بالصلح، سيما مع الشرائط التي شرطه على معاوية من أن يعمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله و سيرة الخلفاء الصالحين، و أن لا يعهد إلى أحد من بعده، و أنّ الناس كلّهم آمنون في شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم، و أنّ أصحاب علي (علیه السلام) و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم، و أن لا يبغي للحسن و الحسين (علیهما السلام) و أهل بيت الرسول غائلة سرّاً و لا جهراً، و لا يخيف منهم أحداً في اُفق من الآفاق، و أن يترك سبّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و العدول عن القنوت عليه في الصلاة و على شيعته، إلى غير ذلك من الشروط.فهل ترى من نفسك أنّ هذا النحو من الصلح منقصة في الحسن (علیه السلام) ، أو تصديق بلياقة معاوية، هذا مع قطع النظر من الصحيفة السماوية التي كان كلّ منهم مأمورون على المشي على طبقه.

ص: 162

و أمّا عن السابع، فقد تقدّم بيانه في الخامس، و الوجوه المذكورة فيه، فلا نعيد.

و أمّا عن الثامن، فمجمل الكلام فيه يقع في مقامين: أحدهما من حيث الجهات الظاهرية، و الاُخرى من حيث الجهات الباطنية.

أمّا الأوّل، فحاصله أنّ أهل الكوفة و رؤساء القبائل بعد صلح الحسن (علیه السلام) و تسلّط معاوية عليهم، و ظهور ظلمه و كفره و فسقه و مخالفة مواثيقه و عهوده و شروطه مع الحسن (علیه السلام) كاتبا إلى الحسين (علیه السلام) بالعهود و المواثيق و الأيمان المغلظة مرّة بعد مرّة، و كرّة بعد كرّة، فأجابهم (علیه السلام) بعدم الجواز ما دام أخيه الحسن (علیه السلام) فيهم، و بعد شهادة الحسن (علیه السلام) أصرّوا على ذلك، و هو (علیه السلام) يمنّيهم و يوعدهم حتّى بلغ الكتاب ما شاء اللّه، و ذلك لظهور سلطة معاوية بحيث لا يمكن بحسب الظاهر إجابتهم، حتّى هلك معاوية.

ثمّ كاتبوه جماعة جماعة، و قبيلة قبيلة، حتّى بلغت الكتابة و الرسل اثني عشر ألف أو أكثر، فأرسل (علیه السلام) إليهم ابن عمّه مسلم، فأخذ له منهم البيعة فبايعوه، و كانت آثار الغلبة و الظفر لائحة لكثرة الأنصار و الشيعة، و غدر أهل الكوفة مع أبيه أميرالمؤمنين (علیه السلام) و أخيه الحسن (علیه السلام) إنّما هو قبل اطّلاعهم على ظلم معاوية و إيذائه إيّاهم نفساً و عرضاً و مالاً، و أمّا بعد ذلك و سيما ظهور فسق يزيد و لعبه و شربه و سائر معاصيه، فلا يظنّ بهم ذلك الغدر، فيجب عليهإحياء الدين، و إماتة الباطل، و نصرة الحقّ، فخرج (علیه السلام) لذلك.

مع أنّه (علیه السلام) قد وصل إليه الخبر أنّ يزيد لعنه اللّه قد أرسل جماعةً إلى مكّة لقتله غيلةً عند المطاف في حال الإحرام، و لم يكن له ملجأ حتّى ثقر الهوام، حتّى قال لأخيه محمّد: لو دخلت ثقراً من الهوام لأخرجوني و ليقتلوني.

ص: 163

فإذاً لا مناص له إلاّ الخروج إلى العراق، و يجب عليه ذلك من حيث التكاليف الظاهرة، و بعد اطّلاعه على غدر أهل الكوفة و قتل مسلم همّ (علیه السلام) أن يرجع، فقال بنو عقيل: لا نرجع حتّى نأخذ الثأر، أو يصيب بنا ما أصاب، و مع ذلك لا يتوهّم أحد هذه القضية العظمى؛ لكثرة الأنصار و الشيعة في الأطراف حتّى في الكوفة ينتظرون قدومه فينصرونه، كما كان الأمر كذلك لولا أرسل ابن زياد العسكر إلى الطرف و الأطراف لئلاّ يخرج أحد إلى نصرته، و قد حبس أربعة آلاف من الشيعة بعد قتل مسلم، فخرج (علیه السلام) طالباً لدم مسلم حتّى لحقه الحرّ.

فأراد (علیه السلام) الرجوع فمنعه، و أراد الحرّ تسليمه إلى ابن زياد فلم يجبه، فرضي (علیه السلام) المسير إلى الشام إلى يزيد، لعلمه (علیه السلام) بأنّه ليس مثل معاوية، و أنّ غاية الأمر يصالح معه كصلح معاوية مع أخيه، فسلك سبيل الشام حتّى لحقه عسكر ابن سعد، فأحاطوا به و منعوه عن المسير، و كان في مكالماته مع ابن سعد ذلك بأن يذهب إلى الشام، فأبى ابن زياد ذلك و قال ما قال اللعين، فردّ (علیه السلام) أن يقبل البيعة مع ابن زياد، مضافاً إلى الذلّة و المهانة يؤول إلى القتل، فاختار (علیه السلام) القتل مع العزّ على القتل مع الذلّة و المهانة، كما فعل ابن زياد ذلكمع مسلم حيث آمنوه ثمّ قتلوه.

هذا بحسب التكاليف الظاهرة، و لعمري أنّه (علیه السلام) لولم يجب أهل الكوفة، و لم يخرج إلى العراق، أو بايع ابن زياد، لكان الناس إلى يوم القيامة يذمّونه و يعيبونه و يقولون: كيف لم يقاتلهم مع هذه الامارات و المكاتبات و كثرة الأنصار و الأعوان فى الأطراف هذا.

و أمّا الثاني، فغير خفي أنّ سياسة معاوية عليه اللعنة من أوّل أمره إلى أن بلغ مقصوده، لم يكن إلاّ مظلومية عثمان، و أنّه ولي دمه، و أنّ علياً (علیه السلام) و أصحابه

ص: 164

قتلوه و هم ظالمون، فأراد الحسين (علیه السلام) أن يبطل تلك السياسة و يظهر على أهل العالم سيما المسلمين، سيما أهل الشام، ظلم بني اُمية، و مظلومية أهل البيت (علیهم السلام) ، بل إثبات مظلومية أبيه و أخيه، و ظلم الأوّل و الثاني و الثالث بتلك الشهادة، سيما مع انضمام أسارة أهل البيت.

و لعمري أنّه لولا شهادة الحسين (علیه السلام) و إسارة أهل بيته، لم يتزلزل أركان دولة بني اُمية، و لم يظهر للناس كفرهم و ظلمهم و فسقهم، و لم يشيّد أركان الدين، فأظهر (علیه السلام) بذلك الحقّ و أبطل الباطل على العالمين.

و أمّا توهّم الوقوع في التهلكة، فقد عرفت ما فيه.

و أمّا عن التاسع، فللإمام أن يتوصّل إلى حقّه و لو بعد حين، و أنّ الرضا (علیه السلام) قد نصر الدين و أظهر الحقّ بقبول تلك الولاية في احتجاجاته و مباحثاته و رسالاته مع أرباب الأديان و علماء أهل الزمان، لا سيّما المأمون نفسه.و قد ظهر منه (علیه السلام) في تلك المدّة من المعجزات الباهرات و الكمالات الظاهرات على الناس ما لم يظهر من إمام قبله و بعده، مع أنّه (علیه السلام) لم يقبلها بالاختيار بل جبراً و كرهاً من المأمون عليه اللعنة، مع أنّ الواجب على الإمام التقية كما كان آباؤه الطيّبون كذلك، مع إخباره (علیه السلام) في قبول الولاية أنّ الجفر و الجامعة يدلاّن على خلاف ذلك.

و أمّا قضية السمّ و إخباره هرثمة و أباالصلت، فقد تقدّم في الوجه الخامس.

و بالجملة صار (علیه السلام) بقبول الولاية مجدّد رأس المائة الثانية، و أكثر شؤون الأئمّة و مناقبهم و فضائلهم قد ظهر منه (علیه السلام) ، حتّى أنّ الأئمّة (علیهم السلام) بعده صاروا يدعون باسمه و يسمّون ب_ ابن الرضا، مع أنّ آبائه الطيبين يدعون بابن

ص: 165

الرسول، و قد أبطل خلافة الخلفاء الثلاث، و أثبت خلافة جدّه بالبيانات الشافية الكافية، و هذا القبول ليس فيه دلالة على حقّية المأمون أصلاً، فلا إشكال أصلاً.

و أمّا عن العاشر، فتوضيح الكلام فيه أنّه قد ثبت بالأدلّة القاطعة و النصوص المتواترة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة الطاهرة و البراهين الحسّية ممّن رأى القائم أنّ القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وجد و تولّد و غاب عن الأنظار، و سيظهر و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً و جوراً.

فنفي وجوده و إنكار ولادته و منع بقائه مكابرة في مقابل البديهة، ليس منشأه إلاّ العناد و العصبية و البغض و العداوة و الكفر و النفاق، كإنكار إمامة آبائه الطاهرين (علیهم السلام) ، و ليست الغيبة سبباً للإنكار أصلاً، فالمتّبع للحقّ إذا قامالدليل له على بقائه و وجوده يقرّ و يعترف و يذعن به، حاضراً كان أم غائباً، و المعاند للحقّ ينكره حاضراً كان أم غائباً.

ألا ترى أنّ الملاحدة قد أنكروا وجود الباري تعالى، مع أنّ الأدلّة العقلية و البراهين القطعية أدخلته في البديهيات و الضروريات، فهل لقائل أن يقول منشأ إنكار الملاحدة وجود الباري تعالى أنّ ذاته المقدّسة غير مدركة بالحواسّ الظاهرة.

و أمّا فوائد وجوده في غيبته و بقائه أكثر من أن تحصى، و نحن نشير إلى بعضها:

منها: أنّ العوالم الامكانية من العلويات و السفليات و المجرّدات و المادّيات و الملائكة و الثقلين و سائر الموجودات كانت بقاؤها ببقائه و وجودها بوجوده، فإنّه بمنزلة القطب من الرحى، لو خلت الأرض عن الحجّة لساخت بأهلها، و لماجت بأهلها، و قد تقدّم فى بيان الاحتياج إلى الإمام الاستدلال لذلك،

ص: 166

فراجع.

و منها: أنّه (علیه السلام) واسطة لجميع الفيوضات الإلهية و النعم الربّانية، و لولاه ما للتراب و ربّ الأرباب.

و منها: أنّ جلّ الموجودات من الملائكة و طوائف الجنّ و الخواصّ من أهل بيته و أنصاره و خدمه و حشمه يتشرّفون بخدمته، و يستضيؤون من نور وجوده، و إنّما غاب عن أنظارنا القاصرة.

و منها: أنّه (علیه السلام) كان حافظاً للدين، و دافعاً للأعداء و الملحدين، و مانعاً عن تسلّطهم على المسلمين في غيبته، ألا ترى من ابتداء الغيبة إلى زماننا أنّ أعداءالدين مع كثرتهم و شوكتهم و قوّتهم كلّما أرادوا أن يطفؤوا نور الاسلام و آثار القرآن منعهم مانع غيبي، و دافع قهري عن مقاصدهم، و كان المسلمون و لاسيما الشيعة محفوظين من شرور الكفّار و المعاندين.

و منها: أنّه (عجل الله تعالی فرجه الشریف) غوث المستغيثين، و ملجأ الهاربين، و عون المستجيرين، و مجيب المضطرّين في البرّ و البحر، و الحكايات الواردة في هذا الباب المسطورة في كتب الأصحاب أكثر من أن تحصى.

و منها: أنّه (علیه السلام) يعبد اللّه في أرضه، و يدعو لشيعته، و يتضرّع لربّه، فببركاته يرزق العباد، و يحيي البلاد، و ينزّل الغيث، و يكشف الضرّ، و ينفّس الهمّ، و لولا عباداته و دعواته لاقتضت المعاصي الصادرة عن العباد نزول العذاب و منع البركات.

و منها: أنّه (علیه السلام) في مقام الحاجة و اللزوم يظهر نفسه الشريفة لبعض أوليائه و خواصّ شيعته، بل لبعض أعدائه، سواء عرفوه بشخصه أم لم يعرفوه، و الحكايات

ص: 167

الواردة في ذلك فوق حدّ التواتر، بل أكثر تلك الحكايات مشتملة على المعاجز الكثيرة، و القضايا الغريبة المورثة للقطع بصدقها، فراجع الكتب المعدّة لذلك، و سيأتي إن شاء تعالى بعض القصص في ذلك في المقصد الثاني.

و منها: أنّ الشيعة عارفون بأنّه (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ينظر إليهم، و يطّلع على حالاتهم، و يدخل في مجالسهم ربما يستحيون منه، فيورث منع نفوسهم عن ارتكاب القبائح و المنكرات.و منها: أنّ أعمال الشيعة و صحائفهم يعرض عليه في كلّ اُسبوع مرّةً أو مرّتين، فكلّما يمكن الاصلاح فيه يصلحه، و يستغفر لهم، و يطلب العفو عنهم.

و منها: أنّ كلّ ما قدر على العباد و جرى القضاء لهم يعرض عليه في ليلة القدر في كلّ سنة، فكلّما يقبل البداء و التغيير بالدعاء و التضرّع يدعو لهم، و يطالب التغيير و البداء.

إلى غير ذلك من الفوائد المهمّة و المنافع العامّة و الخاصّة، فمثل وجوده في غيبته مثل الشمس في رابعة النهار في يوم الغيم لا يرى شخصه و يترتّب عليه جميع الفوائد المتوقّعة منه.

و أمّا سرّ غيبته و وجهها: خوف نفسه من الأعداء و الجبابرة و الطغات في كلّ عصر و زمان، و ليس حاله كحال آبائه الطاهرين و أجداده المعصومين (علیهم السلام) ؛ لأنّهم (علیهم السلام) مع أنّهم عملوا التقية كما ورد عنهم (علیهم السلام) : «التَّقِيَّة دِينِي وَ دِينُ آبَائِي»(1)،

و كانوا ملتزمين بيتهم، قد أخرجهم فراعنة عصرهم، و حبسوهم و قتلوهم و سمّوهم، فكيف به (علیه السلام) مع وصول الأخبار المتواترة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و

ص: 168


1- _ بحار الأنوار، ج 2، ص74، ح41 و ج 63، ص495؛ المحاسن، ج1، ص255، باب 31، ح286.

آبائه الطيبين (علیهم السلام) إليهم أنّه يقتل الجبابرة و الفراعنة و الفسقة و الظلمة، و يظهر الحقّ و ينصر أهله، و يزهق الباطل و يهلك أهله.

و دعوى أنّ ذلك يوجب غيبته عن أعدائه و مخالفيه دون أوليائه و موافقيهلعدم الخوف عنهم.

مدفوعة بأنّه مضافاً إلى أنّ ظهوره لأوليائه يورث إشاعة خبره، و مضافاً إلى أنّه في مدّة الغيبة الصغرى قد ظهر لبعض الأولياء، و تمكّنوا من التشرّف عنده، و تبليغ الحاجات لديه بتوسّط نوّابه الخاصّة، بل قد ظهر في الغيبة العامّة أيضاً لجماعة كثيرة من أوليائه و تشرّفوا بخدمته، إنّ ذلك يورث وضوح التميز بين الولي و العدوّ، فيظهر البواطن، و يكشف السرائر، مع أنّ الدنيا دار الستر، و اللّه تعالى ستّار العيوب.

فهذا نظير أن يقال: إنّ اللّه تعالى لِمَ لم يكتب في جبين الكافر و الفاسق و الظالم أنّه كافر ظالم فاسق، و في جبين المؤمن الصالح أنّه مؤمن صالح، فينسدّ باب المعاشرات و المراودات و الخلط و الاختلاط، فكما أنّ يوم القيامة يوم تبلى السرائر، و يمتاز المؤمن عن الكافر غاية التميز، فكذلك عند ظهور الحجّة (علیه السلام) يمتاز الولي عن العدوّ غاية التميز.

و أمّا طول غيبته، فهو أمر إلهي كسائر أفعال اللّه تعالى منوط ببلوغ زمانه و تحقّق المصلحة في ظهوره؛ لأنّ ظهوره و فرجه ليس باختياره، بل هو (علیه السلام) منتظر لأمر اللّه، و اللّه تعالى محيط عالم بالمصالح و المفاسد، فإذا تحقّق المصلحة لا يؤخّر ساعةً و لا يقدّم.

بل يظهر من الأخبار و أدعية الفرج أنّه من الاُمور القابلة للتغيير و البداء في

ص: 169

تعجيله و تأخيره لا في أصله بسبب المصالح و المفاسد، فلا يعلمه إلاّ اللّه.و من الممكن أن يكون دعاء الفرج و طلب تعجيل الظهور و عبادات الشيعة و انتظارهم الفرج من المصالح المورثة للتعجيل، و معاصي العباد تورث التأخير، بل لعلّ ملأ الأرض ظلماً و جوراً الذي لابدّ من تحقّقه قبل الظهور بنصّ الأخبار المتواترة لم يتحقّق بعد، بل كثير من علائم الظهور لاسيما الحتميات منها لم يتحقّق بعد، و إن كان أكثرها متحقّقة.

و من هنا ظهر لك وجه عدم تعيين الأئمّة (علیهم السلام) وقته، بل نهوا عنه و قالوا: «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ»(1)، مضافاً إلى أنّه لو عيّن وقت الظهور كانت الشيعة يعلمون أنّهم لا يدركون زمانه لماتوا غمّاً و همّاً، و لما يدركون ثواب الانتظار.

فقد ظهر لك _ بحمد اللّه و منّه _ الجواب عن الاُمور العشرة التي انتقضوا أعداء الدين بعصمة الأئمّة الطاهرين (علیهم السلام) .

مع أنّه يمكن لنا الجواب عن الكلّ بوجه آخر كلّي، و هو أنّ أفعالهم (علیهم السلام) نظير أفعال اللّه تعالى، حيث إنّه ثبت بالأدلّة العقلية أنّ اللّه تعالى عدل في أفعاله لا يصدر منه قبيح و لا لغو، بل جميع أفعاله تابع للمصالح، و ليس لنا البحث عن حكمة كلّ فعل فعل، و أنّ مصلحته ماذا، بل لا يمكن الإحاطة بجميع مصالح أفعاله، فلو صدر من اللّه تعالى فعل لم نعرف حكمته و مصلحته، أو توهّم متوهّم كونه ذا مفسدة، لا يمكن دعوى كون هذا الفعل بلا مصلحة، أو ذا مفسدةٍ، بل يجب الإذعان الاجمالي بأنّه ذو مصلحةٍ لا نعرفها و لا ندركها.

فكذلك بعد قيام البراهين القطعية من الآيات و الأخبار و نصّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 170


1- _ الكافي، ج 1، ص368، بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيت.

و الإمام (علیه السلام) السابق على إمامة اللاحق و عصمته و طهارته، كآية التطهير و نحوه، فلو صدر منهم فعل لم نعرف وجهه، فلا يمكن إنكار عصمتهم، بل يجب الإذعان الاجمالي بأنّ له وجه وجيه لا نعرفه و لا ندركه، و إنّما يكون علمه عندهم (علیهم السلام) .

هذا ما خطر بالبال عاجلاً في اشتراط العصمة في الخليفة، و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً.

الشرط الثاني: الأكملية و الأفضلية

من الشرائط المعتبرة في الإمام الأكملية و الأفضلية على جميع الرعية في جميع الكمالات البشرية، و الصفات الانسانية، و هذا الشرط يتضمّن اُموراً:

الأوّل: كون الإمام متّصفاً بجميع الصفات الحسنة، و الأخلاق الحميدة، و العبادات البدنية، مثل العلم، و المعرفة، و الإيمان، و اليقين، و الخوف و الرجاء، و الغيرة و الوقار، و حسن الظنّ بالخالق و المخلوق، و الحلم و العفو و الكظم، و حسن البشر، و النصيحة و المحبّة و الارشاد و الهداية، و التواضع و الانقياد، و الانصاف و الترحّم و العفّة، و الزهد، و القناعة، و السخاوة، و الورع، و التقوى، و الأمانة، و العدل و الاحسان، و إعانة المسلمين، و الصلة و البرّ و الصدق و الخلوص و الإطاعة، و الحياء و التسليم، و الرضا و الصبر، و التوكّل و الشكر و العدالة، و غيرها من الملكات الفاضلة.

الثاني: كون تلك الملكات كلّها في أعلی مراتبها؛ لوضوح أنّ كلاًّ منها له مراتب غير متناهية، و كلّ مرتبة دون المرتبة العليا ناقصة بالنسبة إلى فوقها، فتكون كالفاقد لها، و المراد من أعلی المراتب التي يمكن أن يكون الانسان

ص: 171

واجداً لها.(1)

الثالث: أن يكون كلّ ذلك موهوبياً لا كسبياً من واهب العطايا.

الرابع: أن يكون علمه بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة من الجنّ و الإنس، فيكون عالماً بجميع اللغات و الألسن، قادراً على دفع جميع الشبهات، متمكّناً عن المعاشرة مع جميع الطبقات من الجنّ و الإنس.

الخامس: أن لا يزول صبره بالمصائب، و لا شكره بالنوائب، و لا رضاه بالنكبات، و لا يقينه بالشبهات، و لا توكّله بفقدان الأسباب، و لا إحسانه بالإساءة، و لا صداقته بالعداوة، و هكذا.

السادس: أن لا يكون في الصفات الخلقية و الحسبية و النسبية من تشوّه الخلقة و قبح المنظر، و نقصان الخلقة، و دناءة الآباء، و عهر الاُمّهات، ما يوجب تنفّر الناس عنه، و صعوبة الانقياد له.

السابع: أن لا يرتكب الأفعال الخسيسة الدنية في نظر أهل الزمان، مثل الحياكة و الحجامة و الزبالة و القصابة، و الأكل في الطريق، و المجالسة مع الأراذل و الأوباش، و منافيات المروءة التي تورث عدم الوقع به في نظر الناس، و سقوطه عن أعينهم.

الثامن: أن يكون جميع تلك الملكات غير مختصّة بزمان دون زمان، بل يكون متّصفاً بجميع تلك الصفات في تمام دهره و زمانه.

ص: 172


1- _ أقول: من راجع الأخبار و تأمّل فيها يجد الأخبار الکثيرة تدلّ علی أنّ المحلّ قابل و الله تعالی يقدر علی الإفاضة و الإعطاء بما يشاء علی علمهم و درجاتهم و ... فلاحظ روایات إزدياد علومهم (علیهم السلام) في ليالي القدر و الجمعة و یوماً فيوماً و آناً فآناً. (عا)

التاسع: أن يكون في كلّ من تلك الصفات و الملكات أفضل و أكمل من جميع أفراد الاُمّة و الرعية في زمانه لئلاّ يوجب ترجيح المرجوح على الراجح.

نعم في الصفات الخلقية و الحسبية و النسبية لا يلزم كونه أفضل من الجميع؛ لأنّ تلك الصفات لا يورث كمالاً للنفس، و لا مدخلية لها في شرافة النفس، بل الغرض منها عدم صعوبة الانقياد، و عدم تنفّر الطباع عنه، بل ربما يكون الأكملية موجبة لصعوبة المجالسة و المعاشرة و الانقياد لبعض طبقات الناس.

العاشر: أن يكون مظهراً تامّاً في جميع الصفات الربوبية، بحيث لا يكون أتمّ منه في شيء من المخلوقات، و كذا في جميع الأفعال الربوبية ممّا يكون أن يكون لها مظهر.

تنبيه: المراد من كون تلك الملكات موهوبياً لا كسبياً، كونه بإفاضة اللّه تعالى، سواء كان بلا واسطة، أو بواسطة ملك أو نبي أو وصيّ، فكون علم الإمام مأخوذاً من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أو من إمام قبله لا يصيّره كسبياً؛ لأنّ أخذ الإمام من النبي أو من إمام سابق ليس كأخذ الناس بعضهم من بعض؛ لأنّه يأخذ منه في طرفة العين ألف باب من العلم ينفتح من كلّ باب ألف باب، كما تشاهد في أحوال أئمّتنا صلوات اللّه عليهم عند احتضارهم إيداع ودائع الإمامة إلى الإمام بعده؛ لأنّ كلّ ذلك من اللّه و ليس في مقدرة البشر.

إذا عرفت ذلك، فنقول: الدليل على اعتبار جميع ما ذكر في الإمام وجوه:

الأوّل: أنّ اللّه تعالى قادر على جعل الإمام كذلك، و فيه مصلحة الاُمّة قطعاً، و لا مفسدة فيه أصلاً، فيجب بمقتضى حكمته و عدله.الثاني: أنّ الترجيح من غير مرجّح قبيح، بل محال في الجملة، و كذا

ص: 173

ترجيح المرجوح على الراجح قبيح، و هو محال على اللّه تعالى، و لولم يكن الإمام كذلك لزم: إمّا الترجيح من غير مرجّح، أو المرجوح على الراجح.

الثالث: أنّه لولم يكن كذلك لزم نقض الغرض المحال على الحكيم تعالى، كما تقدّم بيانه في بحث النبوّة.

تنبيه: لا يخفى علیک إذا تأمّلت ما ذكرنا في هذا الباب، و تأمّلت حالات أئمّتنا صلوات اللّه عليهم أجمعين، و قايست حالاتهم مع حالات أهل زمانهم سيما مخالفيهم، تجد كلّ واحد واحد من تلك الملكات، بل كلّ مرتبة من مراتبها دليلاً عقلياً على إمامتهم، و ما تمسّك العلاّمة (قدس سره) (1)

من ألف دليل عقلي على خلافة أميرالمؤمنين (علیه السلام) راجعة إلى ذلك، فتدبّر.

ثمّ إنّه ينبغي أن نختم هذا الكلام بذكر حديث شريف عثرت عليه في صفات الإمام (علیه السلام) قد نقله في البحار في المجلّد السابع في باب صفات الإمام (علیه السلام) .

قال (قدس سره) : البرسي في مشارق الأنوار، عن طارق بن شهاب، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) أنّه قال: يَا طَارِقُ! الْإِمَامُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ وَجْهُ اللَّهِ وَ نُورُ اللَّهِ وَ حِجَابُ اللَّهِ وَ آيَةُ اللَّهِ يَخْتَارُهُ اللَّهُ وَ يَجْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَ يُوجِبُ لَهُ بِذَلِكَ الطَّاعَةَ وَ الْوَلَايَةَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَهُوَ وَلِيُّهُ فِي سَمَاوَاتِهِ وَ أَرْضِهِ، أَخَذَ لَهُ بِذَلِكَ الْعَهْدَ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ، فَمَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، فَهُوَ يَفْعَلُ مَايَشَاءُ، وَ إِذَا شَاءَ اللَّهُ شَاءَ، وَ يُكْتَبُ عَلَى عَضُدِهِ: «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا»(2)،

ص: 174


1- _ في كتابه الألفين في الإمامة.
2- _ سورة الأنعام: 115.

فَهُوَ الصِّدْقُ وَ الْعَدْلُ، وَ يُنْصَبُ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ يَرَى فِيهِ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، وَ يُلْبَسُ الْهَيْبَةَ وَ عِلْمَ الضَّمِيرِ، وَ يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ، وَ يَرَى مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ مِنْ عَالَمِ الْمُلْكِ وَ الْمَلَكُوتِ، وَ يُعْطَى مَنْطِقَ الطَّيْرِ عِنْدَ وَلَايَتِهِ، فَهَذَا الَّذِي يَخْتَارُهُ اللَّهُ لِوَحْيِهِ، وَ يَرْتَضِيهِ لِغَيْبِهِ، وَ يُؤَيِّدُهُ بِكَلِمَتِهِ، وَ يُلَقِّنُهُ حِكْمَتَهُ، وَ يَجْعَلُ قَلْبَهُ مَكَانَ مَشِيَّتِهِ، وَ يُنَادِي لَهُ بِالسَّلْطَنَةِ، وَ يُذْعِنُ لَهُ بِالْإِمْرَةِ، وَ يَحْكُمُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مِيرَاثُ الْأَنْبِيَاءِ، وَ مَنْزِلَةُ الْأَصْفِيَاءِ، وَ خِلَافَةُ اللَّهِ، وَ خِلَافَةُ رُسُلِ اللَّهِ، فَهِيَ عِصْمَةٌ وَ وَلَايَةٌ وَ سَلْطَنَةٌ وَ هِدَايَةٌ، وَ إِنَّهُ تَمَامُ الدِّينِ، وَ رُجُحُ الْمَوَازِينَ.(1)

الْإِمَامُ دَلِيلٌ لِلْقَاصِدِينَ، وَ مَنَارٌ لِلْمُهْتَدِينَ، وَ سَبِيلُ السَّالِكِينَ، وَ شَمْسٌ مُشْرِقَةٌ فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ، وَلَايَتُهُ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ، وَ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةٌ فِي الْحَيَاةِ، وَ عُدَّةٌ(2) بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَ شَفَاعَةُ الْمُذْنِبِينَ، وَ نَجَاةُ الْمُحِبِّينَ، وَ فَوْزُ التَّابِعِينَ، لِأَنَّهَا رَأْسُ الْإِسْلَامِ، وَ كَمَالُ الْإِيمَانِ، وَ مَعْرِفَةُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ، وَ تَبْيِينُ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ، فَهِيَ مَرْتَبَةٌ لَا يَنَالُهَا إِلَّا مَنِ اخْتَارَهُ اللَّهُ، وَ قَدَّمَهُ وَ وَلَّاهُ وَ حَكَّمَهُ، فَالْوَلَايَةُ هِيَ حِفْظُ الثُّغُورِ، وَ تَدْبِيرُ الْأُمُورِ، وَ تَعْدِيدُ الْأَيَّامِ وَ الشُّهُورِ.

الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَ الدَّالُّ عَلَى الْهُدَى.الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، الْمُطَّلِعُ عَلَى الْغُيُوبِ.

الْإِمَامُ هُوَ الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ عَلَى الْعِبَادِ بِالْأَنْوَارِ، فَلَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ، وَ

ص: 175


1- _ أي: موازين القيامة رجّحت بالولاية «منه».
2- _ أي: ما أعددته لحوادث الدهر من مال و سلام. لسان العرب، ج3، ص284.

إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ»(1)، وَ الْمُؤْمِنُونَ عَلِيٌّ وَ عِتْرَتُهُ (علیهم السلام) ، فَالْعِزَّةُ لِلنَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ لِلْعِتْرَةِ، وَ النَّبِيُّ وَ الْعِتْرَةُ لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْعِزَّةِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، فَهُمْ رَأْسُ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ، وَ قُطْبُ الْوُجُودِ، وَ سَمَاءُ الْجُودِ، وَ شَرَفُ الْمَوْجُودِ، وَ ضَوْءُ شَمْسِ الشَّرَفِ، وَ نُورُ قَمَرِهِ، وَ أَصْلُ الْعِزِّ وَ الْمَجْدِ، وَ مَبْدَؤُهُ وَ مَعْنَاهُ وَ مَبْنَاهُ.

فَالْإِمَامُ هُوَ السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ، وَ السَّبِيلُ وَ الْمِنْهَاجُ، وَ الْمَاءُ الثَّجَّاجُ، وَ الْبَحْرُ الْعَجَّاجُ، وَ الْبَدْرُ الْمُشْرِقُ، وَ الْغَدِيرُ الْمُغْدِقُ(2)، وَ الْمَنْهَجُ الْوَاضِحُ الْمَسَالِكِ، وَ الدَّلِيلُ إِذَا عَمَّتِ الْمَهَالِكُ، وَ السَّحَابُ الْهَاطِلُ(3)،

وَ الْغَيْثُ الْهَامِلُ(4)،

وَ الْبَدْرُ الْكَامِلُ، وَ الدَّلِيلُ الْفَاضِلُ، وَ السَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَ النِّعْمَةُ الْجَلِيلَةُ، وَ الْبَحْرُ الَّذِي لَا يُنْزَفُ، وَ الشَّرَفُ الَّذِي لَا يُوصَفُ، وَ الْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَ الرَّوْضَةُ الْمَطِيرَةُ، وَ الزَّهْرُ الْأَرِيجُ(5)،

وَ الْبَدْرُ الْبَهِيجُ، وَ النَّيِّرُ اللَّائِحُ، وَ الطِّيبُ الْفَائِحُ(6)،

وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَ الْمَتْجَرُ الرَّابِحُ، وَ الْمَنْهَجُ الْوَاضِحُ، وَ الطِّيبُ الرَّفِيقُ، وَ الْأَبُ الشَّفِيقُ، مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّوَاهِي، وَ الْحَاكِمُ وَ الْآمِرُ وَ النَّاهِي.

مُهَيْمِنُ اللَّهِ عَلَى الْخَلَائِقِ، وَ أَمِينُهُ عَلَى الْحَقَائِقِ، حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَ

ص: 176


1- _ سورة المنافقون: 8.
2- _ كثر قطره «منه».
3- _ المطر المتفرّق عظيم القطر «منه».
4- _ دائم المطر «منه».
5- _ هيجان ريحه «منه».
6- _ انتشار رائحته «منه».

مَحَجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ وَ بِلَادِهِ، مُطَهَّرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، مُبَرَّأٌ مِنَ الْعُيُوبِ، مُطَّلِعٌ عَلَى الْغُيُوبِ، ظَاهِرُهُ أَمْرٌ لَا يُمْلَكُ، وَ بَاطِنُهُ غَيْبٌ لَا يُدْرَكُ، وَاحِدُ دَهْرِهِ، وَ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي نَهْيِهِ وَ أَمْرِهِ، لَا يُوجَدُ لَهُ مَثِيلٌ، وَ لَا يَقُومُ لَهُ بَدِيلٌ.

فَمَنْ ذَا يَنَالُ مَعْرِفَتَنَا، أَوْ يَعْرِفُ دَرَجَتَنَا، أَوْ يَشْهَدُ كَرَامَتَنَا، أَوْ يُدْرِكُ مَنْزِلَتَنَا، حَارَتِ الْأَلْبَابُ وَ الْعُقُولُ، وَ تَاهَتِ الْأَفْهَامُ فِيمَا أَقُولُ، تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَ تَقَاصَرَتِ الْعُلَمَاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَ خَرِسَتِ الْبُلَغَاءُ، وَ لَكِنَتِ(1) الْخُطَبَاءُ، وَ عَجَزَتِ الْفُصَحَاءُ، وَ تَوَاضَعَتِ الْأَرْضُ وَ السَّمَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنِ الْأَوْلِيَاءِ، وَ هَلْ يُعْرَفُ أَوْ يُوصَفُ أَوْ يُعْلَمُ أَوْ يُفْهَمُ أَوْ يُدْرَكُ أَوْ يُمْلَكُ مَنْ هُوَ شُعَاعُ جَلَالِ الْكِبْرِيَاءِ وَ شَرَفُ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ، جَلَّ مَقَامُ آلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) عَنْ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ، وَ نَعْتِ النَّاعِتِينَ، وَ أَنْ يُقَاسَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، كَيْفَ؟

وَ هُمُ الْكَلِمَةُ الْعَلْيَاءُ، وَ التَّسْمِيَةُ الْبَيْضَاءُ، وَ الْوَحْدَانِيَّةُ الْكُبْرَى، الَّتِي أَعْرَضَ عَنْهَا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى، وَ حِجَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْأَعْلَى، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟! وَ أَيْنَ الْعُقُولُ مِنْ هَذَا؟! وَ مَنْ ذَا عَرَفَ أَوْ وَصَفَ مَنْ وَصَفْتُ؟ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) كَذَبُوا وَ زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ، اتَّخَذُوا الْعِجْلَ رَبّاً، وَ الشَّيَاطِينَ حِزْباً، كُلُّ ذَلِكَ بِغْضَةً لِبَيْتِ الصَّفْوَةِ، وَ دَارِ الْعِصْمَةِ، وَ حَسَداً لِمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَ الْحِكْمَةِ، «وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ»(2)،

فَتَبّاً لَهُمْ وَ سُحْقاً، كَيْفَ اخْتَارُوا إِمَاماً جَاهِلًا عَابِداً لِلْأَصْنَامِ، جَبَاناً يَوْمَ الزِّحَامِ؟

وَ الْإِمَامُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِماً لَا يَجْهَلُ، وَ شُجَاعاً لَا يَنْكُلُ، لَا يَعْلُو عَلَيْهِ

ص: 177


1- _ أي: خرست «منه».
2- _ سورة العنکبوت: 38.

حَسَبٌ، وَ لَا يُدَانِيهِ نَسَبٌ، فَهُوَ فِي الذِّرْوَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَ الشَّرَفِ مِنْ هَاشِمٍ، وَ الْبَقِيَّةِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَ النَّهْجِ مِنَ النَّبْعِ الْكَرِيمِ، وَ النَّفْسِ مِنَ الرَّسُولِ، وَ الرِّضَى مِنَ اللَّهِ، وَ الْقَوْلِ عَنِ اللَّهِ، فَهُوَ شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَ الْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، قَائِمٌ بِالرِّئَاسَةِ، مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ إِلَى يَوْمِ السَّاعَةِ، أَوْدَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ سِرَّهُ، وَ أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُوَفَّقٌ لَيْسَ بِجَبَانٍ وَ لَا جَاهِلٍ، فَتَرَكُوهُ يَا طَارِقُ! «وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ»(1)،

«وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ»(2).

وَ الْإِمَامُ يَا طَارِقُ! بَشَرٌ مَلَكِيٌّ، وَ جَسَدٌ سَمَاوِيٌّ، وَ أَمْرٌ إِلَهِيٌّ، وَ رُوحٌ قُدْسِيٌّ، وَ مَقَامٌ عَلِيٌّ، وَ نُورٌ جَلِيٌّ، وَ سِرٌّ خَفِيٌّ، فَهُوَ مَلَكُ الذَّاتِ، إِلَهِيُّ الصِّفَاتِ، زَائِدُ الْحَسَنَاتِ، عَالِمٌ بِالْمُغَيَّبَاتِ، خَصّاً مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَ نَصّاً مِنَ الصَّادِقِ الْأَمِينِ.

وَ هَذَا كُلُّهُ لِآلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ مُشَارِكٌ، لِأَنَّهُمْ مَعْدِنُ التَّنْزِيلِ، وَ مَعْنَى التَّأْوِيلِ، وَ خَاصَّةُ الرَّبِّ الْجَلِيلِ، وَ مَهْبِطُ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ، صَفْوَةُ اللَّهِ وَ سِرُّهُ وَ كَلِمَتُهُ، شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَعْدِنُ الصَّفْوَةِ، عَيْنُ الْمَقَالَةِ، وَ مُنْتَهَى الدَّلَالَةِ، وَ مُحْكَمُ الرِّسَالَةِ، وَ نُورُ الْجَلَالَةِ، جَنْبُ اللَّهِ وَ وَدِيعَتُهُ، وَ مَوْضِعُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَ مِفْتَاحُ حِكْمَتِهِ، وَ مَصَابِيحُ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَ يَنَابِيعُ نِعْمَتِهِ.

السَّبِيلُ إِلَى اللَّهِ، وَ السَّلْسَبِيلُ وَ الْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ، وَ الْمِنْهَاجُ الْقَوِيمُ، وَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَ الْوَجْهُ الْكَرِيمُ، وَ النُّورُ الْقَدِيمُ، أَهْلُ التَّشْرِيفِ وَ التَّقْوِيمِ وَ التَّقْدِيمِ وَ التَّعْظِيمِ وَ التَّفْضِيلِ، خُلَفَاءُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَ أَبْنَاءُ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ، وَ

ص: 178


1- _ سورة محمد (صلی الله علیه و آله) : 14.
2- _ سورة القصص:50.

أُمَنَاءُ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1)، السَّنَامُ الْأَعْظَمُ، وَ الطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ.

مَنْ عَرَفَهُمْ وَ أَخَذَ عَنْهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي»(2)، خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ، وَ وَلَّاهُمْ أَمْرَ مَمْلَكَتِهِ، فَهُمْ سِرُّ اللَّهِ الْمَخْزُونُ، وَ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُقَرَّبُونَ، وَ أَمْرُهُ بَيْنَ الْكَافِ وَ النُّونِ، إِلَى اللَّهِ يَدْعُونَ، وَ عَنْهُ يَقُولُونَ، وَ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

عِلْمُ الْأَنْبِيَاءِ فِي عِلْمِهِمْ، وَ سِرُّ الْأَوْصِيَاءِ فِي سِرِّهِمْ، وَ عِزُّ الْأَوْلِيَاءِ فِي عِزِّهِمْ، كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ، وَ الذَّرَّةِ فِي الْقَفْرِ، وَ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ عِنْدَ الْإِمَامِ كَيَدِهِ مِنْ رَاحَتِهِ، يَعْرِفُ ظَاهِرَهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَ يَعْلَمُ بَرَّهَا مِنْ فَاجِرِهَا، وَ رَطْبَهَا وَ يَابِسَهَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَلَّمَ نَبِيَّهُ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ، وَ وَرِثَ ذَلِكَ السِّرَّ الْمَصُونَ الْأَوْصِيَاءُ الْمُنْتَجَبُونَ، وَ مَنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَهُوَ شَقِيٌّ مَلْعُونٌ، يَلْعَنُهُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُ اللَّاعِنُونَ.

وَ كَيْفَ يَفْرِضُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ طَاعَةَ مَنْ يُحْجَبُ عَنْهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ؟ وَ إِنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) تَنْصَرِفُ إِلَى سَبْعِينَ وَجْهاً، وَ كُلُّ مَا فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ، وَ الْكَلَامِ الْقَدِيم،ِ مِنْ آيَةٍ تُذْكَرُ فِيهَا الْعَيْنُ وَ الْوَجْهُ وَ الْيَدُ وَ الْجَنْبُ، فَالْمُرَادُ مِنْهَا الْوَلِيُ، لِأَنَّهُ جَنْبُ اللَّهِ، وَ وَجْهُ اللَّهِ، يَعْنِي حَقَّ اللَّهِ، وَ عِلْمَ اللَّهِ، وَ عَيْنَ اللَّهِ، وَ يَدَ اللَّهِ، فَهُمُ الْجَنْبُ الْعَلِيُّ، وَ الْوَجْهُ الرَّضِيُّ، وَ الْمَنْهَلُ الرَّوِيُّ، وَ الصِّرَاطُ السَّوِيُّ، وَ الْوَسِيلَةُ إِلَى اللَّهِ، وَ الْوُصْلَةُ إِلَى عَفْوِهِ وَ رِضَاهُ، سِرُّ الْوَاحِدِ وَ الْأَحَدِ، فَلَا يُقَاسُ بِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ أَحَدٌ.

ص: 179


1- _ سورة آل عمران: 34.
2- _ سورة إبراهيم: 36.

فَهُمْ خَاصَّةُ اللَّهِ وَ خَالِصَتُهُ، وَ سِرُّ الدَّيَّانِ وَ كَلِمَتُهُ، وَ بَابُ الْإِيمَانِ وَ كَعْبَتُهُ، وَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ مَحَجَّتُهُ، وَ أَعْلَامُ الْهُدَى وَ رَايَتُهُ، وَ فَضْلُ اللَّهِ وَ رَحْمَتُهُ، وَ عَيْنُ الْيَقِينِ وَ حَقِيقَتُهُ، وَ صِرَاطُ الْحَقِّ وَ عِصْمَتُهُ، وَ مَبْدَأُ الْوُجُودِ وَ غَايَتُهُ، وَ قُدْرَةُ الرَّبِّ وَ مَشِيَّتُهُ، وَ أُمُّ الْكِتَابِ وَ خَاتِمَتُهُ، وَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَ دَلَالَتُهُ، وَ خَزَنَةُ الْوَحْيِ وَ حَفَظَتُهُ، وَ آيَةُ الذِّكْرِ وَ تَرَاجِمَتُهُ، وَ مَعْدِنُ التَّنْزِيلِ وَ نِهَايَتُهُ.

فَهُمُ الْكَوَاكِبُ الْعُلْوِيَّةُ، وَ الْأَنْوَارُ الْعَلَوِيَّةُ، الْمُشْرِقَةُ مِنْ شَمْسِ، الْعِصْمَةِ الْفَاطِمِيَّةِ فِي سَمَاءِ الْعَظَمَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَ الْأَغْصَانُ النَّبَوِيَّةُ النَّابِتَةُ فِي دَوْحَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ، وَ الْأَسْرَارُ الْإِلَهِيَّةُ الْمُودَعَةُ فِي الْهَيَاكِلِ الْبَشَرِيَّةِ، وَ الذُّرِّيَّةُ الزَّكِيَّةُ وَ الْعِتْرَةُ الْهَاشِمِيَّةُ الْهَادِيَةُ الْمَهْدِيَّةُ، «أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(1).

فَهُمُ الْأَئِمَّةُ الطَّاهِرُونَ، وَ الْعِتْرَةُ الْمَعْصُومُونَ، وَ الذُّرِّيَّةُ الْأَكْرَمُونَ، وَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَ الْكُبَرَاءُ الصِّدِّيقُونَ، وَ الْأَوْصِيَاءُ الْمُنْتَجَبُونَ، وَ الْأَسْبَاطُ الْمَرْضِيُّونَ، وَ الْهُدَاةُ الْمَهْدِيُّونَ، وَ الْغُرُّ الْمَيَامِينُ مِنْ آلِ طه وَ يَاسِينَ، وَ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ.

اسْمُهُمْ مَكْتُوبٌ عَلَى الْأَحْجَارِ، وَ عَلَى أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ، وَ عَلَى أَجْنِحَةِ الْأَطْيَارِ، وَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ عَلَى الْعَرْشِ وَ الْأَفْلَاكِ، وَ عَلَى أَجْنِحَةِ الْأَمْلَاكِ، وَ عَلَى حُجُبِ الْجَلَالِ وَ سُرَادِقَاتِ الْعِزِّ وَ الْجَمَالِ، وَ بِاسْمِهِمْ تُسَبِّحُ الْأَطْيَارُ، وَ تَسْتَغْفِرُ لِشِيعَتِهِمُ الْحِيتَانُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَحَداً إِلَّا وَ أَخَذَ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَ الْوَلَايَةِ لِلْذُّرِّيَّةِ الزَّكِيَّةِ، وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَ إِنَّ الْعَرْشَ لَمْ يَسْتَقِرَّ حَتَّى كُتِبَ عَلَيْهِ بِالنُّورِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، عَلِيٌّ

ص: 180


1- _ سورة البینة: 7.

وَلِيُّ اللَّهِ.(1)

أقول: و قد ذكرنا في هذه الوجيزة الرواية المروية عن الكافي عن عبدالعزيز، عن الرضا (علیه السلام) من جملة صفات الإمام (علیه السلام) ، فراجع ينفعك في المقام.(2)

الشرط الثالث: في لزوم كون الإمام (علیه السلام) صاحب المعجزة

أقول: قد تقدّم في الأمر السادس من المقام الثالث، و في مسألة اعتبار العصمة في الإمام، و في الشرط المتقدّم آنفاً من لزوم الأكملية، أنّ للإمام شؤوناً و فضائل و علوماً و صفاتٍ لا يمكن الإحاطة بها إلاّ للعالم بالسرّ و الخفيات؛ لأنّ جلّها لولا كلّها من الاُمور الباطنية التي تكون أغلبها على خلاف العادة البشرية؛ لأنّ الطاقة البشرية لا تبلغ إلى هذا الحدّ من العلم و العصمة و الفضائل الخلقية، و الكمالات النفسية، و الشؤون المعنوية، كلّ إلى الدرجة العليا، و المرتبة الرفيعة، و من المعلوم أنّ هذه موهبة إلهية لا ينالها إلاّ من خصّه اللّه بعناياته الخاصّة.

و من الواضح أنّ الناس يحبّونها و ينالون تلك الدرجة فيدعونها، فاللازم حصول العلم القطعي الذي لا يعتريه ريب و لا شكّ في كونه صادقاً في دعواه، و لا يحصل العلم المذكور لأغلب الناس إلاّ باُمور:

أحدها: النبي أو الإمام الثابت إمامته بكونه إماماً نصّاً قطعياً بالخبر المتواتربين الفريقين، كالنصّ على أميرالمؤمنين (علیه السلام) في يوم الغدير و غيره، أو إخبار معصوم ثابت عصمته المانع عن الكذب و الخطأ، أو الاتيان بالمعجزة الخارقة

ص: 181


1- _ بحار الأنوار، ج25، ص169، ح 39؛ مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ص177.
2- _ الكافي، ج 1، ص198، ح 1.

عن العادة، و الخارجة عن الطاقة البشرية و حدود قدرتها، و عن موازين التعليم و التعلّم و الصنعة، و قد اعتبرنا في بحث النبوّة العامّة اُموراً اثني عشر في المعجزة:

الأوّل: كونها حجّةً كافيةً قاطعةً للمعاذير، مقتضيةً للتصديق و الإيمان بالمدّعى.

الثاني: كونها بحيث يمكن العلم بها حين الدعوة، بأن سبقت الدعوة أو قارنتها.

الثالث: لا يلزم تصديق كافّة الاُمّة حتّى المبتلی بداء العصبية أو التقليد.

الرابع: إن ثبت إمامته بالنصّ القطعي أو إخبار معصوم، لا يلزم في دعواه إقامة المعجزة؛ لأنّ الغرض منها حصول القطع بصدق الدعوى و قد حصل.

الخامس: من ثبت بالقطع عصمته و اتّصافه بما يعتبر في الإمامة لا يحتاج إلى إقامة المعجزة؛ لأنّ نفس عصمته مانعة عن الكذب.

السادس: لا يكفي في المعجزة الإخبار عن الاُمور المستقبلة؛ لعدم حصول العلم بها حين الدعوى، نعم لمن أدرك زمان المستقبل و رأى ما أخبر به يكون في حقّه المعجزة.

السابع: لا يلزم في المعجزة مشاهدة جميع الاُمّة حتّى الأجيال المتأخّرة، بل يعتبر حصول العلم بصدورها منه بالتواتر القطعي.الثامن: من لا يميّز بين المعجزة و السحر و الصناعة يجب عليه الرجوع إلى أهل الصناعة و السحر ممّن يعتمد عليه و يركن إليه، فإن لم يحصل له التميز من دون عصبية و تقليد و مخادعة فهو معذور.

ص: 182

التاسع: لا يلزم أن يكون المعجزة على نحو خاصّ، بل اللازم حصول العلم بصدق الدعوى، و لهذا اختلفت المعجزات.

العاشر: و لا يلزم اعتضاد المعجزة بإخبار النبي أو الإمام أو المعصوم؛ لأنّ كلّ واحد منها حجّة كافية مستقلّة.

الحادي عشر: لا يلزم تكرار المعجزة عند كلّ طلب و اقتراح ؛ لأنّها تصير حينئذ ملعبة للناس.

الثاني عشر: لا يلزم كون المدّعي قادراً عليها كلّ حين؛ لأنّها فعل اللّه و تحت مشيئته، و اجرائه بيده منوط بمشيئة اللّه تعالى.

و قد تقدّم هناك أيضاً في الفرق بين المعجزة و بين السحر و تلك الصناعات العصرية أنّ السحر بأقسامه و تلك الصناعات بأنواعها كلّها ليست خارقة للعادة، و لا خارجة عن طوق البشر، و لا عن قوانين التعليم و التعلّم، و ليست على خلاف الطبيعة، بل يقدر كلّ أحد تعلّمه و صنعته على وفق الطبيعة، و أين هذا مع المعجزة التي لو اجتمعت الإنس و الجنّ على أن يأتوا بمثلها لا يأتون بمثلها و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

تنبيه: سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المقصد الثاني عند بيان المعاجز الصادرةعن أئمّتنا الاثني عشر عليهم صلوات اللّه الملك الأكبر أنّ المعاجز الصادرة عنهم (علیهم السلام) خارجة عن حدّ يمكن إحصائها.

و ما جمعها في مدينة المعاجز عنهم تبلغ ألفين و ستّة و ستّين معجزة، و هي مع اشتمال أكثرها على معاجز كثيرة كانت ما لم يجمعها بالنسبة إلى ما جمعها أكثر بمراتب، سيما ما صدر من قبورهم و تربتهم، و من التوسّل بهم، بل

ص: 183

بأبنائهم و أصحابهم في كلّ عصر و زمان، بحيث كلّ واحد من الشيعة بل و غيرهم رأى في مدّة حياته منهم معاجز كثيرة.

و تلك المعجزات و إن لم يبلغ كلّ واحد منها حدّ العلم القطعي، إلاّ أنّ من مجموعها يحصل العلم الاجمالي بصدور كثير منها، و هذا كافٍ لمن استبصر و استهدى، و اللّه الهادي إلى الصواب.

دفع توهّم:

قد يقال: إنّ ما صدر من الإمام لا يطلق عليه المعجزة، بل هي كرامة أكرمه اللّه تعالى به، و المعجزة مختصّة بالأنبياء.

فإنّه يجاب أوّلاً: أنّ هذا النزاع لفظي، فإنّ الغرض كون ذلك دليلاً على إمامته، سواء اُطلق عليه المعجزة أم لا.

و ثانياً: أنّ المعجزة عبارة عن صدور خارق العادة في مقام التحدّي مقرونةً بالدعوى، سواء كان المدّعي مدّعياً للنبوّة أو الإمامة، و الكرامة هي صدور خارق العادة غير مقترنة بالدعوى، و لم يكن في مقام التحدّي، كما صدر منبعض علمائنا رضوان اللّه عليهم.

المقام السادس: في بيان الموانع
التي تدلّ على عدم قابلية واجدها للإمامة

و هي كثيرة جدّاً:

أحدها: فقد بعض الشرائط المتقدّمة في الإمامة، من ارتكاب ما ينافي

ص: 184

العصمة من الشرك أو الكفر، أو المعاصي الكبيرة أو الصغيرة، و لو في بعض أزمنة عمره، أو صدور سهو منه أو نسيان أو شكّ أو اشتباه أو خطأ، أو غير ذلك، أو ما ينافي الأكملية، كاتّصافه ببعض الأخلاق الرذيلة من الظلم و الكبر و العجب و البخل و الحسد و الرياء و الحقد و الجبن و الغضب و الغلظة و الفضاضة و الحرص و الطمع، و حبّ الدّنيا و غيرها، و أعظم الكلّ الجهل بما يحتاج إليه الاُمّة من الجنّ و الإنس.

و كفقدانه بعض محامد الصفات، من اليقين و التوكّل و الصبر و الرّضا، و العدل بين الرعية، و الشكر و الخوف و الرجاء و الشجاعة و السخاوة، و الزهد و التقوى و الورع، و الاخلاص و الستر و حسن الخلق و غيرها، و أعظم الكلّ العلم.

أو كان في الاُمّة من هو أكمل منه في بعض تلك الصفات، و كعجزه عن إقامة المعجزة عند فقد النصّ القطعي.ثانيها: فساد نسبه من الزنا و عهر الاُمّهات، كأغلب خلفاء الجور.

ثالثها: نصّ النبي أو الإمام الثابت إمامته أو المعصوم الثابت عصمته على كذب المدّعي.

رابعها: اعتراف المدّعي بنبوّة نبي أو إمامة إمام كان مكذّباً للمدّعي، فإنّه إمّا كاذب في اعترافه فيسقط عن القابلية، و إمّا صادق فيثبت كذب دعواه.

خامسها: وجود علامة فيه كان النبي أو الامام أو المعصوم مخبراً بأنّ ذا العلامة كاذب.

سادسها: ارتكابه بعض القبائح العقلية بل العرفية من منافيات المروءة.

سابعها: دعوى ما يخالف العقل، أو الشرع من نصوص الكتاب أو الخبر المتواتر.

ص: 185

ثامنها: البدعة في الدين بازدياد ما يعلم من الدين خلافه، أو إنكار ما يعلم من الدين ثبوته.

تاسعها: التناقض في احتجاجاته، أو الخلل فيها بحيث يكشف عن جهله بالموازين العقلية.

عاشرها: كونه مرتكباً لبعض الأفعال الخسيسة، كالكناسة و الحياكة و الحجامة و نحوها ممّا يوجب سقوطه عن أعين الناس.

حادي عشرها: ارتكابه ما يخالف الحكمة و المصلحة من الحكم و المصالح العامّة أو الشخصية.ثاني عشرها: كان فيه بعض النقائص الخلقية من البرص و الجذام و الصمم و العمى و البكم، و غيرها من النقائص.

تنبيه: من راجع أحوال الخلفاء من الخلفاء الثلاثة و بني اُمية و بني العبّاس، و بعدهم من السلاطين المدّعين للخلافة، يعرف كونهم واجدين لأكثر تلك الموانع لولا كلّها، بل لا يجد في جميع الاُمّة من زمن النّبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى زماننا من هو فاقد لجميع تلك الموانع سوى أئمّتنا الاثني عشر صلوات اللّه عليهم أجمعين، و هذا كاف واف لإثبات إمامة هؤلاء و إبطال هؤلاء، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى في المقصد الثاني، مع قطع النظر عن سائر الأدلّة، فانتظر.

المقام السابع: مسألة الإمامة من المسائل الاُصولية الاعتقادية

إنّ مسألة الإمامة بعينها كمسألة النبوّة من المسائل الاُصولية الاعتقادية لا يعذر فيها أحد من الجهّال فيها، أو الخطأ أو الزلل فيها، و هو مقصّر معاقب بل خارج عن زمرة المؤمنين، و داخل في حزب الكفّار و المعاندين، و إن جرى

ص: 186

عليه في الدنيا بعض أحكام المسلمين من الطهارة و التناكح و حلّ الذبيحة و التوارث و نحوها، و أمّا في القيامة، فمخلّد في العذاب لا يشمّ رائحة الجنّة.

و يمكن أن يستدلّ لذلك بوجوه من العقل و النقل:

الأوّل: قد تقدّم في أوّل بحث الإمامة أنّ الإمامة في الدين أنّ الإمام الذي يجب الاقتداء به في جميع الاُمور الدينية اُصولاً و فروعاً علماً و عملاً أخلاقاً و أفعالاً، في جميع ما يحتاج إليه الاُمّة في أمر دينهم و دنياهم و آخرتهم منحيث الديانة، و من الواضح أنّ ذلك في عدل النبوّة لا يعذر فيه الجاهل أصلاً، و لا يقبل المسامحة، و الخطأ فيه يوجب زوال الدين رأساً و انقلابه.

الثاني: أنّ الإمامة خلافة اللّه العظمى و خلافة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و معنى الخليفة هو القائم مقام الرسول، فما يجب على عامّة الاُمّة إطاعة الرسول في جميع أقواله و أفعاله، فكذا يجب إطاعة الإمام، فلا مناص إلاّ عن معرفته، و أنّ المقصّر في حقّ الإمام كالمقصّر في حقّ الرسول غير معذور.

الثالث: أنّ للإمام ولاية كلّية مطلقة على كافّة الاُمّة من الجنّ و الإنس، و هو أولى بهم من أنفسهم، فيجب الاعتقاد به و معرفته.

الرابع: أنّ الإمام هو الحجّة بين اللّه و بين الناس، بمعنى أنّهم لو خالفوه في شيء من أوامره و نواهيه يحتجّ بهم اللّه يوم القيامة، و ليس لهم عذر في ذلك، و لو أطاعوه لا يؤاخذهم اللّه بشيء، فلا مناص إلاّ عن معرفته.

الخامس: قد تقدّم في المقام الثاني في بيان وجه احتياج الاُمّة إلى الإمام أنّه لابدّ في كلّ عصر من وجود شخص عالم بجميع الاُمور الدينية من العقائد و الأخلاق و الفروع كلّها، و قادر على دفع شبهات المعاندين و مغالطاتهم و

ص: 187

احتجاجاتهم و مجادلاتهم من أحبار اليهود و علماء النصارى و سائر الفرق، و إلاّ لاندرس الدين، و من المعلوم معرفة هذا الشخص من أوجب الواجبات و أهمّ الفرائض، و هو عِدل معرفة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .

السادس: أنّ الاُمّة باختلاف طبقاتهم و ألسنتهم بل و طبايعهم و أنواعهم منالجنّ و الإنس لابدّ لهم من وجود من يعرف ألسنتهم، و يؤانس بهم، و يبيّن وظائفهم و أحكامهم و تكاليفهم، و هو الإمام، فيلزم عليهم أوّلاً معرفته.

السابع: أنّ الناس بأجمعهم يطرأ عليهم الشكّ و السهو و النسيان و الخطأ و الاشتباه في كثير من الاُمور الدينية كما نشاهد بالوجدان، فالواجب معرفة من يزول به الشكّ و يرفع به السهو و النسيان، و يدفع به الخطأ و الاشتباه و هو الإمام، فيجب معرفته.

الثامن: أنّ الناس يحتاجون إلى من ينتصف للمظلوم، و يحكم بين الناس في تشاجراتهم و ترافعاتهم، و يجري الحدود، و يقتصّ ممّن يجب عليه القصاص، و لولاه لاختلّ النظام، فالواجب الأهمّ معرفته.

التاسع: قوله تعالى: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ}(1)، {وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(2)، حيث دلّ على أنّ الولاية الكلّية الإلهية ثابتة بجعله تعالى لاُولي الأمر، فيجب معرفتهم أوّلاً حتّى يدخل تحت ولايتهم، و كيف يعذر من لا يعرف ولي أمره.

ص: 188


1- _ سورة المائدة: 55.
2- _ سورة النساء: 59.

العاشر: قوله تعالى: {أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(1)، فيجب معرفته أوّلاً، ثمّ إطاعته.

الحادي عشر: قوله تعالى: {وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ}(2)، حيث يجب الكون مع الصادقين، فيجب معرفتهم أوّلاً.

الثاني عشر: قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) المتّفق بين الفريقين: «مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْإِمَامَ زَمانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»،(3) و من الواضح أنّ ميتة جاهلية أشدّ من ميتة سائر طبقات الكفر؛ لأنّ أهل الجاهلية لا يعتقدون بشيء من العقائد الحقّة و المعارف الإلهية، رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين.

و قد صرّح البيضاوي و جمع من شرّاح كلامه في كتاب المنهاج على نقل القاضي نور اللّه (قدس سره) ، أنّ مسألة الإمامة من أعظم مسائل اُصول الدين الذي مخالفتها يوجب الكفر و البدعة.

و قال الأستروشي في فصوله بتكفير من لا يقول بإمامة أبي بكر، بل حكم جماعة من العامّة بقتل من ظنّ أنّ أبابكر ليس بإمام، أو قال إنّي أعتقد أنّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) خليفة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بلا واسطة لظنّ أدّاني إليه، أو تقليد لبعض المجتهدين.

و العجب كلّ العجب من العامّة العمياء كيف جعلوا مسألة الإمام من الفروع و معذورية الجاهل و المخطى ء، و هل يضادّ فعلهم مع قولهم؟

ص: 189


1- _ سورة النساء: 59.
2- _ سورة التوبة: 119.
3- _ إحقاق الحق، ج13، ص85؛ بحار الأنوار، ج 32، ص321 و ج 51، ص160، ح7.

و بالجملة الإمامة سادّة مسدّ النبوّة إلاّ في تلقّي الوحي، فيجري فيها ما يجري فيها بعينه، و اللّه الهادي إلى الصواب.

المقام الثامن: في شؤون الإمامة و فضائل الإمام

لا يخفى أنّا في هذه الوجيزة نقلنا حديثاً عن الكافي في فضائل الإمام و شؤونه عن الرضا (علیه السلام) في مرو، و الحديث طويل، و نحن نقتصر على ذكر بعضفقرات الحديث ممّا لا مجال لإنكاره لأحد.

فنقول مستعيناً باللّه و متمسّكاً بحبل أوليائه: إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَ أَعْظَمُ شَأْناً، وَ أَعْلَى مَكَاناً، وَ أَمْنَعُ جَانِباً، وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ.

إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللَّهُ (عزوجل) بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ (علیه السلام) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَ الْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً وَ فَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا وَ أَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ، فَقَالَ: {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً}، فَقَالَ الْخَلِيلُ (علیه السلام) سُرُوراً بِهَا: {وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي}، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}،(1) فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَ صَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَ الطَّهَارَةِ، فَقَالَ: {وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ}، {وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ}(2)، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ، قَرْناً فَقَرْناً،

ص: 190


1- _ سورة البقرة: 124.
2- _ سورة الأنبياء: 72 _ 73.

حَتَّى وَرَّثَهَا اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَالَ جَلَّ وَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(1)، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً فَقَلَّدَهَا (صلی الله علیه و آله و سلم) عَلِيّاً (علیه السلام) بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ}(2)، فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ (علیه السلام) خَاصَّةًإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ.

إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ.

إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللَّهِ وَ خِلَافَةُ الرَّسُولِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ مَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) وَ مِيرَاثُ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ (علیهما السلام) .

إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ.

إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَ فَرْعُهُ السَّامِي، بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْ ءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ.

الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ، وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ، وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.

الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ، وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ.

ص: 191


1- _ سورة آل عمران: 68.
2- _ سورة الروم: 56.

الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَ السِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَ النُّورُ السَّاطِعُ، وَ النَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى، وَ أَجْوَازِ الْبُلْدَانِ، وَ الْقِفَارِ وَ لُجَجِ الْبِحَارِ.

الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَ الدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَ الْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى.

الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ، وَ الدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ.الْإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَ الْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَ السَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَ الْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَ الْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ وَ الْغَدِيرُ وَ الرَّوْضَةُ.

الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ، وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.

الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ.

الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَ الْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَ غَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَ بَوَارُ الْكَافِرِينَ.

الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ، مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَ لَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَ تَاهَتِ الْحُلُومُ، وَ حَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَ خَسَأَتِ الْعُيُونُ، وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَ تَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَ حَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَ جَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَ عَجَزَتِ

ص: 192

الْأُدَبَاءُ، وَ عَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ، عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَ أَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ، وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَ يُغْنِي غِنَاهُ لَا كَيْفَ؟ وَ أَنَّى وَ هُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ، وَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَ أَيْنَالْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟

أَ تَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ كَذَبَتْهُمْ وَ اللَّهِ أَنْفُسُهُمْ وَ مَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقًى صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ رَامُوا إِقَامَةَ.

الی ان قال:

وَ الْإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَ رَاعٍ لَا يَنْكُلُ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَ الطَّهَارَةِ وَ النُّسُكِ وَ الزَّهَادَةِ وَ الْعِلْمِ وَ الْعِبَادَةِ.

الی ان قال:

نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ اللَّهِ، حَافِظٌ لِدِينِ اللَّهِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ (علیهم السلام) يُوَفِّقُهُمُ اللَّهُ، وَ يُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَ حِكَمِهِ، مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ، فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ الزَّمَانِ.

الی ان قال:

وَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأُمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ وَ أَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَ أَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ وَ لَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ

ص: 193

الصَّوَابِ فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَايَا وَ الزَّلَلِ وَ الْعِثَارِ.(1) (الحدیث)أقول: هذا كلّه في المقصد الأوّل في الإمامة في كبرى المسألة، و اللّه المؤيّد و المسدّد و الهادي إلى الصواب.

ص: 194


1- _ الأمالي( للصدوق)، ص674، المجلس97، ح1؛ بحار الأنوار، ج 25، ص120، ح4؛ الكافي، ج1، ص198، ح 1.
المقصد الثاني: في صغرى المسألة
اشارة

فيقع في مقامات أيضاً:

المقام الأوّل: في إبطال خلافة أبي بكر و أخويه
و بني اُمية و بني العبّاس و غيرهم من خلفاء الجور

و ينبغي تقديم مقدّمة، و هي أنّ مسألة الخلافة كما عرفت في المقام السابع من المسائل الاُصولية الاعتقادية، و لابدّ في إثباتها من الأدلّة القطعية التي لا يشوبها شكّ و لا شبهة، سواء كانت عقلية أو نقلية، کنصّ الكتاب القطعي الدلالة أو الخبر المتواتر كذلك، فأخبار الآحاد سواء كانت معتبرة أو ضعيفة لا يسمن و لا يغني من جوع، سيما إذا كانت غير مسلّمة عند أحد الفريقين، و كانت روايتها مختصّة بفريق واحد.

و قد تقدّم في أوّل الكتاب أنّ الأدلّة القطعية في باب اُصول الدين منحصرة بالثمانية، الأوّل: العقلي المستقلّ.

الثاني: العقلي غير المستقلّ المحتاج في تماميته بأمر خارج قطعي،

ص: 195

كإثبات النبوّة الخاصّة بإثبات كونه مدّعياً للنبوّة، آتياً بالمعجزة، جامعاً للشرائط، فاقداً للموانع، فإذا ثبت هذه الاُمور في الخارج يحكم العقل بكونه نبياً، و كإثبات الإمامة بالأكملية و المعجزة و نحوها.

الثالث: نصّ الكتاب.

الرابع: نصّ الخبر المتواتر في جميع الطبقات.

الخامس: الخبر المحفوف بالقرائن القطعية.

السادس: ضرورة الدين.

السابع: الاجماع القطعي بين جميع المسلمين.

الثامن: ضرورة المذهب بعد ثبوت أصل المذهب بسائر الأدلّة.

نعم ربما نذكر بعض أخبار الآحاد المروية من طرق المخالفين حجّة عليهم و إلزاماً لا إثباتاً للمطلب.

إذا عرفت ذلك، فنقول: قد استدلّوا على خلافة أبي بكر الذي هو أساس مذهب المخالفين بوجوه:

الأوّل: و هو عمدة أدلّتهم و أساس مذهبهم الاجماع، بتقريب أنّ الصحابة بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أجمعوا على خلافة أبي بكر، و إجماعهم حجّة.

أقول: الكلام في ذلك يقع في مقامين:

أحدهما: في صغرى المسألة، و هي تحقّق إجماع الصحابة كلّهم على خلافة أبي بكر.و ثانيهما: كبراها، و هي على فرض التحقّق في إثبات حجّية الاجماع و مدركها.

ص: 196

أمّا الكلام في المقام الأوّل، فنقول: ننكر تحقّق إجماع الصحابة على خلافته أشدّ الانكار؛ لأنّ جماعة من أكابر الصحابة و عظمائهم خالفوا في ذلك أشدّ المخالفة، و هم جمّ كثير:

منهم: سعد بن عبادة، و جماعة من أتباعه، و قصّة إبنه مع عمر في السقيفة مفصّلة، و هو لم يبايع أبابكر في مدّة خلافته، بل في خلافة عمر أيضاً، فخيّره عمر بين البيعة أو الخروج من المدينة، فخرج إلى الشام حتّى قتلوه بالسهمين عند قرب الشام في بعض البساتين حيلةً، نقل ذلك ابن عبدالبرّ، و ابن حجر، و أبومخنف، و ابن أبي الحديد، و صاحب روضة الصفا، كلّهم من أكابر العامّة.

و منهم: أبوسفيان، كان عند وفاة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) خارجاً عن المدينة، فلمّا دخل المدينة و رأى قصّة أبي بكر، عزم على جمع العسكر و المقاتلة معهم بحيث خافوا منه، حتّى ذهب أبوبكر و عمر إليه و وعداه بالمال و الولاية لابنه معاوية بعض النواحي، فسكت، نقله قاضي روزبهان و ابن أبي الحديد، و يظهر من هذه الحكاية أنّ أصحاب أبي سفيان كانوا كثيرون بحيث خاف أبوبكر منهم.

و منهم: أبوقحافة، كان عند وفاة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في الطائف، فلمّا سمع خلافة ابنه أبي بكر تعجّب، و قال: ليس ذلك إلاّ لعداوة قريش مع علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، فكتب إليه أبوبكر بأنّ الناس تراضوا بي، و لو قدمت علينا لكان أحسن بك، فسأل أبوقحافة عن الرسول أنّه ما السبب في اختيارهم أبابكر على علي بن أبي طالب؟ فأجاب لصغر سنّ علي و كبر سنّ أبي بكر، فقال: فأنا أكبرمنه، و كان الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) قد أمرنا ببيعة علي، فكتب إلى أبي بكر بما حاصله:

إنّي وجدت كتابك هذا كتاب أحمق مناقض بعضها مع بعض، فتارة تدّعي أنّك خليفة اللّه، و اُخرى خليفة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و ثالثة بأنّ الناس

ص: 197

تراضوا بي، ثمّ أمره بالخروج عمّا هو فيه و ردّه إلى أهله،(1) نقل ذلك ابن حجر(2) الذي هو من أكابر المتعصّبين.

و منهم: حباب بن منذر، حيث إنّه في يوم السقيفة ينادي بأعلى صوته: يا معاشر الأنصار لا تسمعوا كلام هذين الجاهلين، يعني أبابكر و عمر، نقله الطبري الشافعي، و ابن أبي الحديد، و أبومخنف.(3)

و منهم: عبّاس عمّ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و احتجّ على أبي بكر بأنّ منشأ دعواك إن كان قرابة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) فنحن أقرب منك، و إن كان اتّفاق المسلمين فنحن من المسلمين و لا نرضى بك. نقل ذلك ابن أبي الحديد و غيره بأسناد عديدة عن براء بن عازب.

و منهم: عبداللّه بن عبّاس، و هو من علماء قريش، و محاجاته مع عمر مسطورة في كثير من الكتب و جرأته عليه، حتّى اعترف عمر بأنّه ما خاصم أحداً إلاّ و غلب عليه. نقله ابن أبي الحديد عن عبداللّه بن عمر.

و منهم: زبير، و مخالفته و مخاصمته مع أبي بكر و عمر أبين من الشمس، حتّى شهر سيفه للمقاتلة، فجمعوا عليه و أخذوا سيفه و كسّروه. نقله أكثر علماءالعامّة.

ص: 198


1- _ الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج1، ص88.
2- _ الصواعق المحرقة، ص13، و فيه: و أخرج الحاكم أنّ أبا قحافة لمّا سمع بولاية ابنه قال: هل رضي بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا واضع لما رفعت، و لا رافع لما وضعت. إحقاق الحق، ج2، ص380.
3- _ بحار الأنوار، ج28، ص244؛ شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد، ج6، ص8 _ 9.

و منهم: فضل بن عبّاس، و قد نقل عنه قال عن أبيه أبياتاً مشتملة على حسد قريش على بني هاشم سيما على أميرالمؤمنين علي (علیه السلام) ، و ها هو ذا:

مَا

كُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا الْأَمْرَ مُنْحَرِفاً

عَنْ هَاشِمٍ ثُمَّ مِنْهُمْ عَنْ أَبِي حَسَنٍ

أَ

لَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِكُمْ

وَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْآثَارِ وَ السُّنَنِ

أَقْرَبَ النَّاسِ عَهْداً بِالنَّبِيِّ وَ مَنْ

جِبْرِيلُ عَوْنٌ لَهُ فِي الْغُسْلِ وَ الْكَفَنِ

مَنْ فِيهِ مَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ كُلِّهِمُ

وَلَيْسَ فِي النَّاسِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُسْنِ

مَنْ ذَا الَّذِي رَدَّكُمْ عَنْهُ فَنَعْرِفَهُ

هَا

إِنَّ بَيْعَتَكُمْ مِنْ أَوَّلِ الْفِتَن

أو من أعظم الغبن، أو من أغبن الغبن. نقله ابن أبي الحديد عن ابن بكّار.(1)

و منهم: قيس بن سعد، و هو من أكابر الأنصار، و كان سيّاف رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و من جملة كلامه في محاجّته مع أبي بكر: يا أبابكر اتّق اللّه و لا تكن أوّل من ظلم آل محمّد، و اردد هذا الأمر إلى من هو أحقّ به منك. و قدذكر جملة من فضائل أميرالمؤمنين (علیه السلام) كردّ الشمس و غيره، نقله صاحب كتاب سير الصحابة من مؤرّخي العامّة.

و قد نقل في البحار حديثاً طويلاً في قصّة خروج خالد مع جماعة من العسكر، فمرّ بأميرالمؤمنين (علیه السلام) في بعض البساتين، فأراد قتل علي بالعمود، فأخذ علي (علیه السلام) العمود منه و طوّقه على عنقه، فرجع إلى المدينة، و طلب أبوبكر و عمر قيس بن سعد و أمر برفع الطوق عن عنق خالد، فامتنع قيس، فتخيّلا أنّ

ص: 199


1- _ احقاق الحقّ، ج7، ص528؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 1، ص32؛ بحار الأنوار، ج28، ص293؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج6، ص21؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص576.

امتناعه مساعدة لأميرالمؤمنين، فغضب قيس و شرع في بيان قصّة غدير خمّ، و فضائل علي (علیه السلام) ، و أنّه مولى كلّ مؤمن و مؤمنة، فطلبا الحدّادين، فقالوا: في رفع ذلك هلاك خالد، فألجأوا إلى باب علي (علیه السلام) و التمسوا منه، و أقسموه باللّه و برسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) أن يرفع الطوق، فرفعه (علیه السلام) بأخذ الطوق قطعة قطعة، إلى آخر القصّة، و لمّا لم يكن الحكاية في كتب العامّة تركنا نقله مفصّلاً، فراجع البحار.(1)

و منهم: اُسامة بن زيد، كان أميراً على عسكر الاسلام، و جعل رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) تحت رايته أربعة آلاف، منهم أبوبكر و عمر و عثمان و أتباعهم، فتخلّفوا عن جيش اُسامة، ثمّ بعد رحلة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) و دعوى الخلافة كتب أبوبكر إلى اُسامة و أمره بالبيعة و المسير نحو الموتة، فكتب اُسامة في جوابه: إنّ أمر الخلافة بنصّ الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) راجعة إلى أميرالمؤمنين علي (علیه السلام) ، و أنت الآن يجب عليك أن تدخل تحت رايتي و تحت أوامري، و أنا الأمير عليك. والحديث طويل نقله ابن أبي الحديد بروايات عديدة، و البلاذري، و سير الصحابة، و عبدالجبّار قاضي القضاة في مغنيه، و غيرهم من أكابر العامّة.(2)

و منهم: اثناعشر من كبار أصحاب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الذين احتجّوا على أبي بكر في المسجد، و هم: خالد بن سعيد بن العاص من بني اُمية، و سلمان، و أبوذرّ، و المقداد، و عمّار، و بريدة من المهاجرين، و أبوالهيثم بن التيّهان، و سهل و عثمان ابنا حنيف، و خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين، و اُبيّ بن كعب، و أبو أيّوب.

ص: 200


1- _ بحار الأنوار، ج29، ص161 _ 174.
2- _ راجع: بحار الأنوار، ج29، ص96.

و مخالفة هؤلاء و محجّاتهم مع أبي بكر في أمر الخلافة مسطورة في كتب الخاصّة و العامّة، بل من المتظافرات.

و قد نقل ذلك أحمد بن محمّد الخليلي النحوي عن أبي الحسن بن علي بن نحّاس الكوفي بعد اعترافه بأنّه عدل و ثقة في الرواية، و محمّد بن جرير الطبري، عن المعتمدين و الموثّقين من رواتهم، و الجوهري عند بيان ألفاظ الحديث، و ابن أبي الحديد عن براء بن عازب و غيرهم، و محاجّتهم مع أبي بكر و شرح القصّة طويلة نحن نلخّصها.

و هو أنّهم شاوروا في دفع أبي بكر و عمر، و عزموا على إنزاله عن المنبر، ثمّ قالوا: نشاور في ذلك أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، فلمّا شاوروه منعهم (علیه السلام) عن ذلك لأجل عدم مقاومتهم مع القوم، لكن أمرهم أن يذهبوا إليه و عرّفوه ما سمعوا من رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في أميرالمؤمنين، فَسَارَ الْقَوْمُ حَتَّى أَحْدَقُوا بِمِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، وَ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا صَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ.إلى أن قال: فَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَ قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، يَا أَبَا بَكْرٍ! فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ وَ نَحْنُ مُحْتَوِشُوهُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ حِينَ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ، وَ قَدْ قَتَلَ عَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ عِدَّةً مِنْ صَنَادِيدِ رِجَالِهِمْ، وَ أُولِي الْبَأْسِ وَ النَّجْدَةِ مِنْهُمْ: يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ! إِنِّي مُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا، وَ مُودِعُكُمْ أَمْراً فَاحْفَظُوهُ، أَلَا إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) أَمِيرُكُمْ بَعْدِي، وَ خَلِيفَتِي فِيكُمْ بِذَلِكَ أَوْصَانِي رَبِّي. إلى آخر كلامه.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اسْكُتْ، يَا خَالِدُ! فَلَسْتَ مِنْ أَهْلِ الْمَشُورَةِ، وَ لَا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِرَأْيِهِ، فَقَالَ خَالِدٌ: اسْكُتْ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَإِنَّكَ تَنْطِقُ عَنْ لِسَانِ غَيْرِكَ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّكَ مِنْ أَلْأَمِهَا حَسَباً، وَ أَدْنَاهَا مَنْصَباً، وَ

ص: 201

أَخَسِّهَا قَدْراً، وَ أَخْمَلِهَا ذِكْراً، وَ أَقَلِّهِمْ غَنَاءً عَنِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِنَّكَ لَجَبَانٌ فِي الْحُرُوبِ، بَخِيلٌ بِالْمَالِ، لَئِيمُ الْعُنْصُرِ، مَا لَكَ فِي قُرَيْشٍ مِنْ فَخَرٍ، وَ لَا فِي الْحُرُوبِ مِنْ ذِكْرٍ، وَ إِنَّكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْطانِ: {إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَريءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمينَ}، {فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمينَ»}.(1)

ثُمَّ قَامَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَ قَالَ: «كرديد و نكرديد و ندانيد چه كرديد»، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِلَى مَنْ تُسْنِدُ أَمْرَكَ إِذَا نَزَلَ بِكَ مَا لَا تَعْرِفُهُ؟ وَ إِلَى مَنْ تَفْزَعُ إِذَا سُئِلْتَ عَمَّا لَا تَعْلَمُهُ؟ وَ مَا عُذْرُكَ فِي تَقَدُّمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، وَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، وَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَ مَنْ قَدَّمَهُ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي حَيَاتِهِ،وَ أَوْصَاكُمْ بِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ، فَنَبَذْتُمْ قَوْلَهُ، وَ تَنَاسَيْتُمْ وَصِيَّتَهُ، إلى آخر كلامه.

ثُمَّ قَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! أَصَبْتُمْ قَبَاحَةً، وَ تَرَكْتُمْ قَرَابَةً، إلى أن قال: لَقَدْ عَلِمْتُمْ وَ عَلِمَ خِيَارُكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: الْأَمْرُ بَعْدِي لِعَلِيٍّ، ثُمَّ لِابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ لِلطَّاهِرِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، فَاطَّرَحْتُمْ قَوْلَ نَبِيِّكُمْ، وَ تَنَاسَيْتُمْ مَا عَهِدَ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَأَطَعْتُمُ الدُّنْيَا الْفَانِيَةَ، وَ بِعْتُمُ الْآخِرَةَ الْبَاقِيَةَ. إلى آخر كلامه.

ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَ قَالَ: ارْجِعْ، يَا أَبَا بَكْرٍ! عَنْ ظُلْمِكَ، وَ تُبْ إِلَى رَبِّكَ، وَ الْزَمْ بَيْتَكَ، وَ ابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَ سَلِّمِ الْأَمْرَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي عُنُقِكَ مِنْ بَيْعَتِهِ، وَ أَلْزَمَكَ مِنَ النُّفُوذِ تَحْتَ رَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَ هُوَ مَوْلَاهُ. إلى أن قال: قَدْ عَلِمْتَ وَ تَيَقَّنْتَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ

ص: 202


1- _ سورة الحشر: 16_ 17.

بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ. إلى آخر كلامه.

ثُمَّ قَامَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، مَا ذَا لَقِيَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، يَا أَبَا بَكْرٍ! أَ نَسِيتَ أَمْ تَنَاسَيْتَ أَمْ خَدَعَتْكَ نَفْسُكَ سَوَّلَتْ لَكَ الْأَبَاطِيلَ، أَ وَ لَمْ تَذْكُرْ مَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) مِنْ تَسْمِيَةِ عَلِيٍّ (علیه السلام) بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَ قَوْلَهُ فِي عِدَّةِ أَوْقَاتٍ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَ قَاتِلُ الْقَاسِطِينَ، فَاتَّقِ اللَّهَ وَ تَدَارَكْ نَفْسَكَ. إلى أن قال: فَقَدْ مَحَضْتُكَ النُّصْحَ، وَ دَلَلْتُكَ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ، فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ.

ثُمَّ قَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ! إِنْ كُنْتُمْعَلِمْتُمْ وَ إِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَوْلَى بِهِ وَ أَحَقُّ بِإِرْثِهِ، وَ أَقْوَمُ بِأُمُورِ الدِّينِ، وَ آمَنُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَ أَحْفَظُ لِمِلَّتِهِ، وَ أَنْصَحُ لِأُمَّتِهِ، فَمُرُوا صَاحِبَكُم فَلْيَرُدَّ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ.

إلى أن قال: وَ عَلِيٌّ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلِيُّكُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ، وَ فَرْقٌ ظَاهِرٌ قَدْ عَرَفْتُمُوهُ فِي حَالٍ بَعْدَ حَالٍ عِنْدَ سَدِّ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَبْوَابَكُمُ الَّتِي كَانَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَدَّهَا كُلَّهَا غَيْرَ بَابِهِ، وَ إِيثَارِهِ إِيَّاهُ بِكَرِيمَتِهِ فَاطِمَةَ دُونَ سَائِرِ مَنْ خَطَبَهَا إِلَيْهِ مِنْكُمْ، وَ قَوْلِهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا.

إلى أن قال: فَمَا بَالُكُمْ تَحِيدُونَ عَنْهُ، وَ تُغِيرُونَ عَلَى حَقِّهِ، وَ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا، أَعْطُوهُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَ لَا تَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ، وَ لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.

ثُمَّ قَامَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَا تَجْحَدْ حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لِغَيْرِكَ، وَ لَا

ص: 203

تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي وَصِيِّهِ وَ صَفِيِّهِ، وَ صَدَفَ عَنْ أَمْرِهِ، ارْدُدِ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ تَسْلَمْ.

إلى أن قال: فَعَنْ قَلِيلٍ تُفَارِقُ مَا أَنْتَ فِيهِ، وَ تَصِيرُ إِلَى رَبِّكَ، فَيَسْأَلُكَ عَمَّا جَنَيْتَ وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

ثُمَّ قَامَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) قَبِلَ شَهَادَتِي وَحْدِي وَ لَمْ يُرِدْ مَعِي غَيْرِي؟ قَالُوا: بَلَى! قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُرَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ: أَهْلُ بَيْتِي يَفْرُقُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَ قَدْ قُلْتُ مَا عَلِمْتُ، وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

ثُمَّ قَامَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، فَقَالَ: وَ أَنَا أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّنَا (صلی الله علیه و آله و سلم) أَنَّهُ أَقَامَ عَلِيّاً (علیه السلام) ، يَعْنِي فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: مَا أَقَامَهُ إِلَّا لِلْخِلَافَةِ، وَ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَقَامَهُ إِلَّا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ مَوْلَى مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) مَوْلَاهُ، وَ أَكْثَرُوا الْخَوْضَ فِي ذَلِكَ، فَبَعَثْنَا رِجَالًا مِنَّا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قُولُوا لَهُمْ: عَلِيٌّ (علیه السلام) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدِي، وَ أَنْصَحُ النَّاسِ لِأُمَّتِي، وَ قَدْ شَهِدْتُ بِمَا حَضَرَنِي، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً.

ثُمَّ قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، يَعْنِي الرَّوْضَةَ، وَ هُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) وَ هُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! هَذَا عَلِيٌّ إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ وَفَاتِي، وَ قَاضِي دَينِي، وَ مُنْجِزُ وَعْدِي، وَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي عَلَى حَوْضِي، فَطُوبَى لِمَنْ تَبِعَهُ وَ نَصَرَهُ، وَ الْوَيْلُ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ وَ خَذَلَهُ.

ص: 204

وَ قَامَ مَعَهُ أَخُوهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ: أَهْلُ بَيْتِي نُجُومُ الْأَرْضِ، فَلَا تَتَقَدَّمُوهُمْ وَ قَدِّمُوهُمْ، فَهُمُ الْوُلَاةُ بَعْدِي،فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟ فَقَالَ (صلی الله علیه و آله و سلم) : عَلَيٌّ وَ الطَّاهِرُونَ مِنْ وُلْدِهِ، وَ قَدْ بَيَّنَ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فَلَا تَكُنْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، وَ لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.ثُمَّ قَامَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ، وَ رُدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَقَدْ سَمِعْتُمْ مِثْلَ مَا سَمِعَ إِخْوَانُنَا فِي مَقَامٍ بَعْدَ مَقَامٍ لِنَبِيِّنَا (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ مَجْلِسٍ بَعْدَ مَجْلِسٍ يَقُولُ: أَهْلُ بَيْتِي أَئِمَّتُكُمْ بَعْدِي، وَ يُومِئُ إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) وَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْبَرَرَةِ، وَ قَاتِلُ الْكَفَرَةِ، مَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ، مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، إلى آخر كلامه، فأفحم أبوبكر و لم يحر جواباً. الخبر.(1)

و منهم: زيد بن وهب، و عمرو بن سعيد، و عبداللّه بن مسعود، فقالوا بما هو قريب من مقالة من ذكر محاجّة لأبي بكر.

و منهم: مالك بن نويرة مع قومه، و حارث بن سراقة، و بني زبيد، و أهالي حضرموت، و هم جماعة كثيرون خالفوا أبابكر و لم يبايعوه، فسمّوهم بأهل الردّة، و بعثوا إليهم خالد بن الوليد مع أربعة آلاف، و قتلوهم و أعروا نساءهم وزنوا بهنّ، كما سيأتي شرحه عند ذكر المطاعن.

و منهم: أميرالمؤمنين (علیه السلام) حيث مخالفته مع أبي بكر و محاجّته و امتناعه عن البيعة حتّى جرّوه إلى المسجد و أرادوا قتله، و ألجأوه إلى البيعة، من المتواترات بين الخاصّة و العامّة، و قد نقل الحكاية جماعة من العامّة، نحو ابن

ص: 205


1- _ بحار الأنوار، ج28، ص189_ 203، عن الاحتجاج للطبرسي.

أبي الحديد، و ابن أثير، و البخاري في صحيحه، و مسلم في صحيحه، و الجوهري، و ابن قتيبة في تاريخه، و إبراهيم بن سعيد الثقفي، و البلاذري، و ابن جرير الطبري، و غيرهم، حتّى اعترفوا جماعة منهم بتهديدهم إحراق بيت فاطمة (علیها السلام) ، بل و إرادتهم إحراقه كالجوهري و الطبري و الواقدي، و كتابالغرر عن زيد بن أسلم، و عن ابن عبدربّه الاعتراف بمجيء النار عند الباب للاحتراق، و كذا البلاذري.(1)

أقول: و من المعلوم أنّ الجماعة الذين نقلناهم من الممتنعين عن بيعة أبي بكر كان لأكثرهم طائفة و أتباع و أنصار، فلو انضمّوا إليهم لصاروا كثيرين، مع أنّ الذين بايعوه إنّما بايعوه كرهاً و جبراً مخافة القتل؛ لأنّ عمر مع أصحابه يخرجونهم من بيوتهم، و يلزمونهم و يجبرونهم بالبيعة، فأين هذا من الاجماع الذي هو أساس مذهبهم و عمدة أدلّتهم.

فإن قلت: إنّ ما ذكر من المخالفين إنّما نقل مخالفتهم بالآحاد، و هو لا يفيد إلاّ ظنّاً، و قد تقدّم منك أنّ الدليل المفيد في هذا الباب لابدّ و أن يكون قطعياً.

قلت أوّلاً: إنّ المراجع يحصل له القطع بوجود المخالف الممتنع عن البيعة المضرّ بدعوى الاجماع.

و ثانياً: أنّ مدّعي الاجماع لابدّ له من إثبات الاجماع القطعي، و مجرّد احتمال وجود المخالف كافٍ في منع تحقّق الاجماع.

فإن قلت: مخالفة هؤلاء إنّما هو في أوّل الأمر، و أمّا بعد زمان و لو ستّة أشهر قد بايعوا جميعاً حتّى علي (علیه السلام) ، فتحقّق الاجماع.

ص: 206


1- _ راجع: إثبات الهداة، ج3، ص380 و 413.

قلت أوّلاً: نمنع تحقّق البيعة من جماعة منهم أصلاً.

و ثانياً: أنّ البيعة بالاكراه و الاجبار و التهديد بالقتل لا فائدة فيه في تحقّقالاجماع.

فإن قلت: قد ورد في أحاديث الشيعة عن أئمّتهم أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) إلاّ ثلاثة أو أربعة، و هذا كاشف عن إجماع الناس على بيعة أبي بكر.

قلت: المراد من ارتداد الناس قعودهم عن نصرة أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و تركهم إعانته في أخذ حقّه، و الجهاد معه في أعدائه، لا اتّفاقهم و إجماعهم على بيعة أبي بكر، مع أنّ الخبر ليس من القطعيات، كما هو واضح.

هذا كلّه في صغرى المسألة، و هي دعوى تحقّق الاجماع، فقد عرفت ما فيه.

و أمّا الكلام في كبرى المسألة، و هي حجّية الاجماع المذكور على فرض تحقّقه، فسيأتي إن شاء اللّه تعالى في المجلّد الثاني من هذا الكتاب، و الحمد للّه أوّلاً و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و الصلاة و السلام على نبينا و آله الأطيبين، و اللعن على أعدائهم من الأوّلين و الآخرين.

قد تمّ بيد مؤلّفه الجاني ابن محمّدتقي عبدالحسين المدعوّ ب_«الطيب» في السابع من شهر صفر من سنة ألف و ثلاثمائة و ستّين من الهجرة النبوية سنة قمرية على هاجرها ألف ألف سلام و تحية.

ص: 207

ص: 208

المجلّد الثّاني

اشارة

سبيل النجاة

«في أصول الدّین»

للمتکلّم المفسّر الفقیه العلاّمة

آیة الله الحاج السيد عبدالحسين الطيّب الاصفهاني (قدس سره)

1312 _ 1412 ه- ق

ص: 209

ص: 210

بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيد أنبيائه و أشرف سفرائه، محمّد خاتم النبيين، و على آله الأطيبين، و اللعن على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فهذا هو المجلّد الثاني من كتابنا في اُصول الدّين المسمّى ب_«سبيل النجاة» و لمّا كان المجلّد الأوّل في التوحيد، و العدل، و النبوّة، و كثير من مباحث الإمامة، و هي تمام المقصد الأوّل في كبرى المسألة من معنى الإمامة، و بيان الاحتياج إلى الإمام، و لزوم نصبه على اللّه، و لزوم جعل الخليفة على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و الشرائط المعتبرة في الإمام من العصمة، و الأكملية، و المعجزة، و بيان الموانع عن قابلية الإمامة، و كونها من المسائل الاُصولية، و بيان شؤون الإمامة، و فضائل الإمام، في طيّ مقامات ثمانية.

و المقام الأوّل من المقصد الثاني، و هو أنّ الإمام بعد الرسول ليس أبابكر و عمر و عثمان و سائر بني اُمية و بني العبّاس، و غيرهم من خلفاء الجور، و بلغ الكلام في هذا المقام إلى الدليل الأوّل المذكور في كلماتهم على خلافة أبي بكر، و هو الاجماع.

ص: 211

و قلنا: إنّ الكلام فيه يقع في مقامين: الأوّل في صغرى المسألة، و قد تمّ الكلام فيه. و الثاني في كبراها، و ها أنا الآن أشرع فيه بعون اللّه تعالى و تأييده.

فنقول: قد استدلّ على حجّية الإجماع بوجوه:الأوّل: أنّ الخلق الكثير إذا بلغوا حدّ التواتر إذا اتّفقوا على أمر يستحيل اجتماعهم على الخطأ عقلاً.

الثاني: اتّفاق المسلمين من العامّة و الخاصّة بجميع طبقاتهم على حجّية الاجماع.

الثالث: قوله تعالى: {وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ الْمُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصيراً}(1)، دلّ على عدم جواز مخالفة سبيل المؤمنين الذي هو عبارة عن أقوالهم و فتاويهم.

الرابع: قوله تعالى: {وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً}(2)، حيث إنّ الوسطية يلزمها عدم الانحراف، فإجماعهم حجّة.

الخامس: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ}(3)، دلّ بالمفهوم على عدم وجوب الردّ عند عدم المنازعة، و هو صورة الاجماع.

ص: 212


1- _ سورة النساء: 115.
2- _ سورة البقرة: 143.
3- _ سورة النساء: 59.

السادس: قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : «لم يكن اللّه ليجمع اُمّتي على الخطأ».

السابع: قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا تجتمع اُمّتي على الخطأ».

الثامن: قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «يد اللّه مع الجماعة».

التاسع: قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «كونوا مع الجماعة».(1)هذه غاية ما قيل أو يمكن أن يقال لهم في تقريب حجّية الاجماع.

و الجواب: أمّا عن الأوّل، ففيه أوّلاً: أنّ هذا الكلام لو كان حقّاً، لزم صحّة المذاهب الباطلة كلّها من اليهود و النصارى، و عبدة الأوثان، و الهنود و المجوس و غيرهم؛ لأنّ عدّة هؤلاء أكثر بمراتب من عدّة المجتمعين على خلافة أبي بكر.

و الظاهر أنّ القائل اشتبه عليه الأمر بين الخبر المتواتر الذي اجتمع جماعة على نقله في كلّ طبقة نعلم عادةً بعدم تواطئهم على الكذب، و بين المقام ممّا اجتمعوا على أمر؛ لعدم استحالة الخطأ و الاشتباه على جميع أفراد البشر عدا المعصوم.

ألا ترى الحكماء و المتكلّمين و سائر أرباب العلوم ربما اجتمعوا على رأي في أعصار عديدة بحيث يعدّ عندهم من المسلّميات، ثمّ يستكشف خطأهم فيه.

و ثانياً: أنّ عدّة المجتمعين في خلافة الرجل ليست بهذه المثابة قطعاً، بعد ما عرفت من المخالفين، بل اجتماعهم ليس بالطوع و الرغبة، بل بالجبر و

ص: 213


1- _ العدّة للشيخ الطوسي، ج2، ص625.

العنف و الكره، كما في كلّ عصر بالنسبة إلى كلّ سلطان من تبعية رعيتهم و إطاعتهم لهم.

و أمّا عن الثاني، ففيه أوّلاً: أنّ هذا دور صريح و مصادرة؛ لأنّ التمسّك بحجّية الاجماع فرع على ثبوت حجّية الاجماع، كما لا يخفى.

و ثانياً: نمنع الاجماع على حجّية الاجماع؛ لأنّ الشيعة جميعهم لا يقولونبحجّية الاجماع في نفسه، بل من جهة كاشفيته عن رأي المعصوم تضمّناً، أو بقاعدة اللطف، أو بالحدس القطعي، و مع ذلك ينكرون صغراه في كثير من الموارد لولا كلّها.

و أمّا العامّة، فخلاف بينهم، و ممّن أنكر حجّيته منهم النظّام و جعفر بن حرب، بل جماعة منهم ادّعوا استحالة تحقّق الاجماع، و جماعة اُخرى منعوا حصول العلم به كالفخر الرازي، فأين الاجماع؟

و أمّا عن الثالث، ففيه أوّلاً: أنّ قيد «مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى»(1)،

في الجملة الاُولى مأخوذ في الجملة الثانية، كمشاركة المعطوف مع المعطوف إليه، سيما مع اتّحاد الفاعل في الجملتين، نحو قولك جاء زيد راكباً و ضرب عمرواً، أي: ضربه راكباً، كما أفاده العلاّمة.

و ثانياً: أنّ المراد من سبيل المؤمنين دين الاسلام، أي: من خالف دين الاسلام و يشاقق الرسول و دخل في الكفر فهو كذا، كما ترى في شأن نزول الآية الواردة في حقّ ابن البيرق خرج من مكّة و سرق و اُلحق بالمشركين، و أين هذا من اتّخاذ بعض المؤمنين رأياً من عند أنفسهم، و بمقتضى مشتهياتهم.

ص: 214


1- _ سورة النساء: 115.

و ثالثاً: إن كان المراد جميع المؤمنين، فأنّى لك بإثباته؟ و إن كان بعضهم، فنفرض فيما اختلفوا على رأيين، فأيّهما نتّبع؟

و أمّا عن الرابع، فالمراد من اُمّة وسطاً تمام أفراد الاُمّة فباطل قطعاً، بل لا يمكن لأنّه يوجب الكذب الصريح؛ لأنّ الوسطية المطلقة الخارجة عن حدّالإفراط و التفريط في جميع الأعمال و الأخلاق و الصفات و الحالات لا يوجد إلاّ في حقّ المعصوم عن جميع المعاصي، و عن الخطأ و الاشتباه و الشكّ و السهو و النسيان، و هو المناسب، مع كونهم شهداء على الناس، مضافاً إلى أنّ المراد لو كان جميع الاُمّة لزم اتّحاد الشاهد و المشهود إليه، بل يتّحد معنى الاُمّة و الناس، فلا معنى حينئذ لكون النبي شاهداً على الاُمّة دون الناس.

و كيف يمكن دعوى كون جميع الاُمّة وسطاً؟ مع ما صدر منهم من الكفر و الظلم و سائر المعاصي، سيما الظلم على أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، من غصب حقّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و الحرب معه في الجمل و الصفّين، و ظلم ابنة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في أمر فدك و غيره، و ما صدر من بني اُمية و بني العبّاس بالنسبة إلى ذراري النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و هكذا و هكذا إلى زماننا هذا من الشرب و الزنا و السرقة و أكل الربا، و سائر المعاصي الكبار، بل قتل النفس و نحوها.

و من هنا ورد في أخبار الطرفين أنّ المراد من الاُمّة أئمّة الدين، كما روي بطرق العامّة عن حاكم أبي القاسم في شواهد التنزيل، بسنده عن سليم بن قيس، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، قال: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِيَّانَا عَنَى بِقَوْلِهِ: «لِتَكُونُوا

ص: 215

شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ»(1)، الخبر.(2)

و عن الكليني، في الكافي، و العياشي، عن الباقر (علیه السلام) ، قَالَ: نَحْنُ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ، وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ.(3)و عن العياشي، عن الصادق (علیه السلام) ، ما مضمونه يقرب هذا المعنى: أتزعم أنّ اللّه يقصد بتلك الآية جميع أهل القبلة؟ أتظنّ أنّ من لا يقبل شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب يوم القيامة في محضر جميع الاُمم شهادته؟ ليس كذلك، بل المراد منها من هو دعوة إبراهيم، و هم أئمّة الدين.(4)

أقول: لم يحضرني ألفاظ الرواية.(5)

و أمّا عن الخامس، ففيه أّلاً: نمنع حجّية مفهوم الشرط لعدم الدلالة على العلّية المنحصرة، و معه لا مفهوم، و تفصيله في الاُصول.

و ثانياً: على فرض حجّية مفهوم الشرط نمنع المفهوم في المقام؛ لأنّ الشرط في

ص: 216


1- _ سورة البقرة: 143.
2- _ بحار الأنوار، ج 22، ص441؛ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج 1، ص119، ح 129.
3- _ بحار الأنوار، ج 22، ص441؛ تفسير العياشي، ج1، ص62، ح 110؛ الكافي، ج1، ص191، ح 4.
4- _ تفسير العياشي، ج1، ص63، ح 114.
5- _ ألفاظ الرواية بعينها هي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبداللّه (علیه السلام) قال: قال اللّه «وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيداً» فإن ظننت أنّ اللّه عني بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى أنّ من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب اللّه شهادته يوم القيامة و يقبلها منه بحضرة جميع الاُمم الماضية؟ كلاّ لم يعن اللّه مثل هذا من خلقه، يعني الاُمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير اُمّة اُخرجت للناس، و هم الاُمّة الوسطى، و هم خير اُمّة اُخرجت للناس. تفسير العياشي، ج1، ص63، ح114.

المقام مسوق لبيان الموضوع، مثل إن رزقت ولداً فاختنه، و إن ركب الأمير فخذ ركابه.

و ثالثاً: أنّ حجّية الاجماع هي مورد الكلام و النزاع، فبمقتضى المنطوق يجب الردّ إلى اللّه و الرسول.

و رابعاً: أنّ لازم الاستدلال وجوب قبول ما اتّفق عليه اثنان أو ثلاثة من دون تنازع و عدم المطالبة بالدليل، و هو قطعي الفساد، فالمحتمل كون المراد من التنازع الاختلاف في الأموال و الحقوق، حيث إنّه مع عدم الخلاف و النزاع لا يحتاج إلى الترافع و التحاكم و الرجوع.

و أمّا عن السادس و السابع و الثامن و التاسع، ففيه أوّلا: نمنع حجّية تلك الأخبارسيما في مثل المقام؛ لأنّها من مختصّات العامّة المتفرّدة في نقلها، و المظنون لولا المقطوع أنّها من موضوعات المنافقين و بني اُمية لإثبات خلافة أبي بكر.

و ثانياً: نمنع الدلالة على المطلوب؛ لأنّ الخبرين الأوّلين لمّا ثبت بالأدلّة القاطعة أنّ الأرض لا تخلو من الحجّة، و لكلّ عصر إمام يجب معرفته، فلو اجتمع جميع الاُمّة بحيث لم يخالف فرد واحد منهم و فيهم الإمام و الحجّة المعصوم من الخطأ، فلا يجتمعوا على الخطأ، و أين هذا من حجّية الاجماع الواقع على خلافة أبي بكر؟

و الأخيرين لا دلالة لهما إلاّ على مدح الجماعة في مثل الأكل و المسافرة و الذهاب و سائر المعاشرات، و مذمّة الانفراد، و الجماعة غير الاجماع، حيث إنّ الجماعة تصدق على قليل من الأفراد، و من الممكن تحقّق جماعات متشتّتة مختلفة، فعليه لو كان المراد الكون معهم في الاُمور الدينية و الأحكام الشرعية لزم اجتماع الضدّين و المتناقضين.

ص: 217

ما ورد في خلافة أبي بكر

الثاني من الأدلّة التي استدلّ بها على خلافة أبي بكر: الكتاب، و هو آيات:

منها: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولي بَأْسٍ شَديدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطيعُوا يُؤتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَليماً}.(1)و منها قوله تعالى: {وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}، {الَّذي يُؤتي مالَهُ يَتَزَكَّى}، {وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى}، {إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى}.(2)

و منها قوله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها}(3) الآية.

و منها قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً}(4).

ص: 218


1- _ سورة الفتح: 16.
2- _ سورة الليل: 17_ 20.
3- _ سورة التوبة: 40.
4- _ سورة النور: 55.

تقريب الاستدلال:

أمّا الأوّل، فحاصل مفادها أنّ جماعة تخلّفوا عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في بعض الحروب في جهاد الكفّار، و الآية الشريفة قد أخبر المخلّفين بأنّه سيأتي في المستقبل موقع تدعون إلى الجهاد مع اُولي القوّة و البأس الشديد، فإن أطعتم و جاهدتم معهم يؤتكم اللّه أجراً حسناً، و إن تخلّفتم كما تخلّفتم من قبل يعذّبكم عذاباً قريباً.

و على هذا يدّعي المستدلّ أنّ المراد الجهاد مع أهل الردّة في عصر أبي بكر من أصحاب مسيلمة و أصحاب مالك بن نويرة و بني حنيف، و أهاليحضرموت، و حارث بن سراقة، و بني زبيد، و الداعي إلى هذه المجاهدة هو أبوبكر، فيجب إطاعته، فإذا كان واجب الإطاعة، فيكون خليفةً.

و الجواب: أنّا نمنع أشدّ المنع أنّ مورد قوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}،(1) حرب أبي بكر مع هؤلاء؛ لعدم شاهد داخلي و لا خارجي على ذلك أصلاً إلاّ قول الزهري فى تفسير الآية، و هو مع معارضته لعكرمة و سعيد بن جبير، حيث فسّرا بحرب هوازن و حنين، و معارضته لقتادة حيث فسّر بحرب هوازن و ثقيف، و لمن فسّر بحرب صفّين، و لا دليل على اعتبار قول المفسّرين أصلاً، كما بيّناه في التفسير(2)، و هو من التفسير بالرأي، مضافاً إلى أنّ أكثر هؤلاء ليسوا من أهل الردّة، بل هم المسلمون، و القتال معهم حرام، و التخلّف واجب، كما سيأتي شرحه عند ذكر المطاعن.

ص: 219


1- _ سورة الفتح: 16.
2- _ هو كتابه القيّم تفسير أطيب البيان في تفسير القرآن، فارسي مطبوع.

و أمّا الثانية، فبدعوى أنّ المراد من الأتقى في الآية أبوبكر؛ لأنّه هو الذي أدّى زكاة ماله كرّةً بعد كرّة، و مرّةً غبّ مرّة، و هو الذي ليس في عنقه لأحد نعمة و منّة حتّى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فيستحقّ بتلك النعمة جزاءً، نعم نعمة الهداية إلى الإمام كان من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إلاّ أنّه لا يستحقّ الجزاء؛ لقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}(1) حتّى أنّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) لا يمكن أن يراد لحقّ التربية من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عليه، مضافاً إلى حقّ الاسلام، و قد روى الزهري أنّ الآية نزلت في أبي بكر.

و الجواب أوّلاً: أنّ كلمة «أتقى» أفعل التفضيل، و لم يذكر في الآية أتقىممّن، فلعلّ المراد كما ذكره جماعة من مفسّري العامّة، كالواحدي عن ابن عبّاس، و عكرمة، هو أبو الدحداح.

و حاصل قصّته: أنّه كان لرجل نخلة متدلّية في دار جاره، و كان الجار فقيراً و له أطفال صغار، كلّما أرادوا أخذ تمرة من تلك النخلة يمنعهم صاحبها و يأخذ من أيديهم بل من فيهم، فشكى الفقير إلى رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فطلب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) صاحب النخلة، و أراد معاملته مع نخلة في الجنّة فأبى، و سمع ذلك أبوالدحداح، فذهب إلى منزل صاحب النخلة و اشترى منه النخلة بأربعين نخلة، ثمّ ملّكها رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أعطاها النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الجار الفقير، فنزلت الآية، فهو أتقى من صاحب النخلة، و أعطى ماله خالصاً لوجه اللّه من دون توقّع جزاء من أحد، فما الدليل على كونه أبابكر ؟

و ثانياً: أنّ المراد من أتقى إن كان الأتقى المطلق في جميع الصفات و

ص: 220


1- _ سورة الشورى: 23.

الأفعال في تمام عمره، فهو يختصّ بمن لا يشرك باللّه طرفة عين، و لا يشمل من عبد الأوثان أربعين سنة قطعاً.

و قد روي عن المناقب عن الباقر (علیه السلام) أنّ المراد هو أميرالمؤمنين (علیه السلام) ،(1)

لإيثاره قوت نفسه و عياله يتيماً و مسكيناً و أسيراً، و إعطائه الخاتم في ركوعه، و إيثاره الدينار مقداداً، و إن كان الأتقى في الجملة، فهو يشمل أكثر المسلمين و لا معيّن لأبي بكر و لا فضيلة.

و ثالثاً: إثبات الخلافة بتلك الآية تحتاج إلى مقدّمات كثيرة و إثباته في حقّأبي بكر دونه خرط القتاد من كون المراد أتقى المطلق، و هو ملازم مع الأكملية و الأفضلية في جميع الصفات، و هو ملازم مع العصمة، و ترجيح المرجوح على الراجح أو من غير مرجّح قبيح أو محال، فيجب بحكم العقل تقديم الراجح.

و أمّا الثالثة، فقد يدّعى أنّ في الآية جهات من الفضيلة لأبي بكر:

الأوّل: كونه ثاني الرسول، فهو بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أشرف من كلّ أحد لكونه في الرتبة الثانية.

الثاني: كونه صاحب رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أي شرف يعدل تلك الفضيلة؟

الثالث: كونه مشمولاً لتسلية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في قوله «لا تحزن».

الرابع: كون اللّه معه في قوله «إنّ اللّه معنا».

الخامس: التأليف بينهما في قوله «إذ هما في الغار» و من كانت له تلك

ص: 221


1- _ تأويل الآيات الباهرة، ج2، ص808، ح 7، البرهان فی تفسیر القرآن، ج10، ص308، ح 4.

الفضائل يستحقّ الخلافة و الإمامة.

و الجواب: أمّا أوّلاً، فإنّه ليس في الآية شيء يشمّ منه رائحة الفضيلة أصلاً، بل فيه مثالب له كما نبيّن.

أمّا كونه ثاني الرسول، فمعلوم أنّه ثانيه في الخروج إلى الغار لا ثانيه في النبوّة أو الرتبة أو الفضيلة، هذا مضافاً إلى أنّ الآية جعل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ثاني لأبي بكر، فيلزم على ما ذكر كون رتبة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) دون رتبته.

و أمّا كونه صاحب الرسول لأنّ المصاحبة و الاستصحاب لا يقتضي الفضيلةللمصاحب بالفتح و المستصحب كذلك، فإنّه ربما يكون الانسان مستصحب النجاسة و الحدث، فلا يوجب فضيلة النجاسة و الحدث، و ربما يكون المؤمن و الكافر مصاحباً، كقوله تعالى: {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ}،(1) بل قد يكون صاحب الحمار كما في الشعر:

إنّ الحمارَ معَ الحمار مطية

فإذا خلوتَ به فبئس الصاحبُ

و أمّا تسلية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فنمنع كون «لا تحزن» للتسلية، بل ظاهره النهي، و هو ظاهر في التحريم، فيستكشف أنّ حزن أبي بكر في هذا المقام محرّم كاشف عن ضعف إيمانه، أو عدم إيمانه، فليس حزنه صواباً و مرضياً للّه، و إلاّ لا ينهى عنه.

و أمّا معيّة اللّه، فهذه الكلمة لمكان التأكيد بالجملة الاسمية، و «انّ» مشدّدة تدلّ على عدم اعتقاد أبي بكر بأنّ اللّه معهما، و إلاّ فلا يحتاج إلى البيان فضلاً عن التأكيد.

ص: 222


1- _ سورة الكهف: 37.

و أمّا التأليف في مكان، فلا فضيلة؛ إذ ربما يجمع النبي مع الكفّار و المنافقين في مكان واحد، هذا مضافاً إلى أنّ قوله: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ}(1)، يدلّ على عدم قابلية أبي بكر لإنزال السكينة، فلم يكن مؤمناً؛ لأنّ المؤمن قابل لذلك، كما قال تعالى في تلك السورة: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤمِنينَ}(2)، و كذا من قوله تعالى: {وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ}، يعلم أنّ أبابكر لم يكن مؤيّداً من عند اللّه.و أمّا ثانياً، فعلى فرض ثبوت منقبة له، أيّ دلالة فيها على مسألة الخلافة؟

و أمّا الرابعة، فالاستدلال بها ممّا يضحك به الثكلى، حيث يدّعي أنّ هذا الوعد من اللّه إنّما تحقّق للمسلمين في عصر الخلفاء؛ لظهور الاسلام و بسطه في الآفاق، و زوال سلطنة العجم و الروم بيد الاسلام، فيدلّ على خلافة هؤلاء.

و الجواب أولاً: أنّ الأمر لو كان كما ذكر، فيلزم أن يكون في هذا العصر جميع المؤمنين خليفة لا خصوص الثلاثة؛ لتعلّق الوعد لجميعهم، فعلى هذا لابدّ من حمل الاستخلاف على استخلاف المؤمنين بلاد الكفّار و تصرّفهم، و انتقال ملك الكفّار إليهم و إرثهم عنهم، كما وعد بذلك المؤمنين من بني إسرائيل بلاد الكفّار، كالمصر و الشام و نحوهما، فأين هذا من خلافة اللّه و الرسول؟

و ثانياً: لم يتحقّق مصداق الآية في عصر الخلفاء حيث يملكون الأرض كلّها، و لم يكن لهم الخوف أصلاً، و كانوا آمنين مطمئنّين، بل لم يتحقّق إلى الآن، و إنّما يكون مصداقه منحصراً بظهور دولة المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الذي يملأ

ص: 223


1- _ سورة التوبة: 40.
2- _ سورة التوبة: 26.

الأرض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً، و قد ورد بذلك من طرقنا أخبار.

و ثالثاً: أنّ هذا الوعد مختصّ بالمعصومين (علیهم السلام) دون سائر المسلمين؛ لأنّ الصالحات في الآية جمع محلّى باللام، و من كان عاملاً بجميع الصالحات من الواجبات و المستحبّات و الصفات و الحالات ليس إلاّ المعصوم، و من المسلّم أنّ مثل أبي بكر و أضرابه ليسوا مصداقاً لذلك أصلاً.الثالث من الأدلّة المستدلّ بها على خلافة أبي بكر: الأخبار المروية من طرقهم عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، مثل: «انّ اللّه يتجلّى للناس عامّةً و لأبي بكر خاصّةً».(1)

و قوله: «ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ صبّه في صدر أبي بكر».(2)

و قوله: «أنا و أبي بكر كفرسي رهان».(3)

و قوله: «أبوبكر و عمر سيدا كهول الجنّة».(4)

و قوله: «أنا مدينة العلم و أبوبكر أساسها، و عمر حيطانها، و عثمان سقفها».(5)

و قوله: «لا تبقينّ خوخة(6) في المسجد إلاّ خوخة أبي بكر».(7)

ص: 224


1- _ فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج2، ص89؛ الغدیر، ج7، ص87 و 88.
2- _ الغدیر، ج7، ص182.
3- _ الغدیر، ج5، ص317 و ج7، ص88؛ کشف الخفاء(العجلوني)، ج2، ص419.
4- _ مجمع الزوائد (الهيثمي)، ج9، ص53.
5- _ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص132.
6- _ الخوخة: الكوّة التي يدخل منها الضوء «منه».
7- _ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص101؛ الغدیر، ج3، ص197.

و قول عبداللّه بن عمر: «انّ أفضل الاُمّة بعد النبي أبوبكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ لا تفاضل بينهم».(1)

و قول عائشة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : «اُطلبي أباك حتّى أكتب له كتاباً حتّى لا يتمنّى في الخلافة الناس، و اللّه و رسوله لا يريدان إلاّ أبابكر».

و مثل قوله: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْأَرْوَاحَ، اخْتَارَ رُوحَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ».(2)

و مثل أمره (صلی الله علیه و آله و سلم) أبابكر بالصلاة بالمسلمين في مرض موته.

و الجواب: أنّ تلك الأخبار من المفتريات المجعولة من أعداءأميرالمؤمنين (علیه السلام) ، كعائشة، و أبي هريرة، و عبداللّه بن عمر، و أنس بن مالك، و أضرابهم.

مضافاً إلى أنّ آثار الجعل فيها لائحة؛ لأنّ الأوّل منها يلازم التجسّم.

و الثاني الشركة في الوحي و النبوّة.

و الثالث تساوي النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في الفضيلة، و هو خلاف الضرورة.

و الرابع لا كهولة في الجنّة حتّى يكونا سيدهم، و من الواضح أنّه وضع في مقابل سيّدا شباب أهل الجنّة.

و الخامس مضافاً إلى أنّ المدينة لا يناسبها السقف، و مضافاً إلى أنّ الحيطان و السقف مانعان من الدخول، فهما مانعان عن وصول الناس بعلم

ص: 225


1- _ الغدیر، ج10، ص5.
2- _ بحار الأنوار، ج 30، ص414؛ ذيل تاريخ بغداد(ابن النجار البغدادي)، ج1، ص128.

النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و مضافاً إلى أنّ أساس المدينة نفس المدينة، فلا يناسب مع «أنا مدينة العلم»، أنّه مجعول في قبال «و علي بابها».

و السادس كونه موضوعاً في قبال «سَدَّ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَهُ»(1)،

مضافاً إلى كونه معارضاً مع أخبارهم من أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يرضى حتّى بمقدار قلامة ظفر.

و السابع ليس خبراً، بل مذهب عبداللّه بن عمر، و من المعلوم أنّه مع عداوته لعلي (علیه السلام) يدّعي أنّ كلّ الناس أفضل منه (علیه السلام) ، و هذا كتعريف اُمّ الزوجة للزوجة.

و الثامن أنّه من موضوعات عائشة، كأكثر أخبارها عداوةًلأميرالمؤمنين (علیه السلام) في قبال طلب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) القرطاس و الدواة، و قول عمر «إنّه ليهجر».(2)

و التاسع يقتضي تقدّم أبي بكر على جميع الأنبياء حتّى على خاتم الأنبياء، و هو خلاف ضرورة مذهبهم.

و أما العاشر، فلا يخفى أنّ أخبارهم في صلاة أبي بكر مضطربة متعارضة متهافتة، و رواتها عائشة، و عبداللّه بن عمر، و عبداللّه بن زمعة، و أنس بن مالك، و أبوموسى الأشعري، و مكحول، و كلّ هؤلاء من معاندي أميرالمؤمنين (علیه السلام) و مبغضيه.

أمّا عائشة، فحرب الجمل.

ص: 226


1- _ بحار الأنوار، ج 39، ص31.
2- _ الصراط المستقيم( علي بن يونس العاملي)، ج3، ص100.

و أمّا عبداللّه بن عمر، فعداوته و ترك بيعته مع أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، مع أنّه ممّن بايع مع رِجل الحجّاج لعبدالملك، و أبى حجّاج أن يمدّ يده لبيعته.

و أمّا عبداللّه بن زمعة، فهو من الناصبين، و كان شديد البغض و العداوة لأميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و أمّا أنس بن مالك، فكان ممّن كتم شهادة غدير خمّ حين طلب منه أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، فدعا علي (علیه السلام) عليه، فابتلي بالبرص حتّى أقرّ هو على نفسه في الملأ العامّ أنّ ابتلائي بالبرص لدعاء علي (علیه السلام) عليّ حين كتماني شهادة غدير خمّ.و أمّا أبوموسى، فقصّته و عداوته في قضية الحكمين معروفة.

و أمّا مكحول، فهو من أعلى أعداء أميرالمؤمنين (علیه السلام) لا يرضى أن يسمّيه بالألقاب المروية عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) للقب «أميرالمؤمنين، و سيد الوصيين، و يعسوب الدين» و غيره، بل لا يسمّيه باسمه، و كلّما يذكره يسمّيه بأبي زينب، فأيّ اعتماد بنقل هؤلاء، سيما عائشة، و سيما في هذا المقام.

مع أنّ أصل المطلب أنّ عائشة أرسل إلى أبي بكر بالصلاة لكن مستوراً عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فلمّا أفاق النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و اُخبر بذلك خرج إلى المسجد متّكئاً بأميرالمؤمنين و فضل بن عبّاس، و صلّى بالناس جالساً، إلى آخر الخبر المسطور في كتبنا.

الرابع من الأدلّة: الفضائل المذكورة في بعض كتب العامّة لأبي بكر المقتضية لقابليته للخلافة، مثل أنّه كان قبل البعثة من أكابر قريش، و كان ذا مال كثير، و كان يحبّ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و يعينه بماله، و كان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) يجلس

ص: 227

في دكّانه، و لم يبلغ مال قريش مبلغ مال أبي بكر، فلمّا بعث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ذكر لأبي بكر فصدّقه، حتّى قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : ما دعوت أحداً إلى الاسلام إلاّ و أظهر تردّداً ما خلا أبي بكر، فأخذ أبوبكر يدعو الناس إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أتى بعيون أشراف قبائل قريش ممّن كان يصادقونه في مكّة، مثل عثمان بن عفّان من عيون من بني اُمية، و سعد بن أبي وقّاص، و طلحة بن عبيداللّه، و الزبير بنعوام، فبايعوا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) على الاسلام.(1)

و لا يقدم النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) على أمر إلاّ بمشاورته، و كان عاقلاً مدبّراً مقبول القول، يبذل ماله في إعانة المسلمين، حتّى قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : أمين الناس عليّ في صحبته و ماله أبوبكر، و لو كنت متّخذاً خليلاً من اُمّتي لاتّخذت أبابكر، و ما لأحد عندنا يد إلاّ قد كافيناه ما خلا أبي بكر يكافيه اللّه يوم القيامة.

و كان يذبّ عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و المسلمين شرّ قريش، حتّى اشترى المعذّبين من المسلمين، مثل بلال و فدى غيره من الصحابة، ثمّ هاجر مع النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و كان ثاني اثنين إذ هما في الغار، ثمّ أقام يحفظ الدين و الجهاد لا يفارق النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في سفره و حضره و حروبه و غزواته، و النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) يقدّمه على أصحابه و يفضّله عليهم.

حتّى أنّ البخاري روى عن محمّد بن الحنفية قلت لأبي: أيّ الناس خير بعد النبي؟ قال: أبوبكر، قلت: ثمّ من؟ قال: عمر، فخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثمّ أنت، قال: ما أنا إلاّ رجل من المسلمين.(2)

ص: 228


1- _ دلائل الصدق لنهج الحق، ج 6، ص486.
2- _ دلائل الصدق لنهج الحق، ج 6، ص488؛ صحيح البخاري، ج 5، ص71، ح 168.

و قال عبداللّه بن عمر: كنّا في زمن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ نترك أصحاب النبي لا تفاضل بينهم.(1)

و قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) له: أنت صاحبي في الغار، و صاحبي في الحوض، و أنت أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي، و أنا أوّل من ينشقّ عنه الأرض، ثمّ أبوبكر، ثمّعمر.(2)

و قال لعائشة في مرض موته: اُدعي لي أبابكر أباك، و أخاك، حتّى أكتب كتاباً، فإنّي أخاف أن يتمنّي متمنٍّ، و يقول قائل: أنا أولى، و يأبى اللّه و المؤمنون إلاّ أبابكر.(3)

نقل هذه الأباطيل كلّها فضل روزبهان، و قد أجاب عن كلّ منها واحداً بعد واحد القاضي نوراللّه في إحقاق الحقّ.(4)

و نحن نلخّصه فنقول: كونه قبل البعثة من الأشراف، فمدفوع بقول أبي سفيان لعلي (علیه السلام) : أرضيتم، يا بني عبدمناف! أن يلي عليكم تيمي رذل؟

و قول أبي قحافة في شأنه: اللّهمّ لا رافع لما وضعت، و لا واضع لما رفعت.

و عن فاطمة (علیها السلام) في بعض كلماته: إِنَّهُ مِنْ أَعْجَازِ قُرَيْشٍ وَ أَذْنَابِهَا.

قال القاضي: و أنا أقول: إنّه من ذوي الأذناب. و كان في الجاهلية معلّم

ص: 229


1- _ دلائل الصدق لنهج الحق، ج 6، ص489؛ صحيح البخاري، ج 5، ص82، ح 193.
2- _ همان.
3- _ دلائل الصدق لنهج الحق، ج 6، ص490؛ صحیح مسلم، ج7، ص110.
4- _ إحقاق الحقّ (الطبع الحجري)، ص211.

الصبيان، و في الاسلام خيّاطاً. (1)

و أمّا كونه ذا مال كثير، فكذب محض؛ لأنّه كان معلّم الصبيان، و كان أبوه كسبه صيد القماري و الدباسي، و كانت بنته أسماء يحمل النوى من أرض زبير قرب المنى على رأسها بمقدار فرسخ، فمن كان هذا حاله و حال أبيه و بنته يعلم كونهم في غاية الفقر و المسكنة.و أمّا إعانته النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بماله، فهو افتراء؛ لأنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قبل تزويج خديجة كان هو بنفسه ذا مال، حتّى أعان عمّه أباطالب في كفالة ولده علي (علیه السلام) مع كون أبي طالب سيد قريش، و بعد تزويجه بخديجة كانت خديجة ملكة الحجاز، و كانت حيّة إلى ما قبل الهجرة بسنة بل دونها، فلا يحتاج إلى إعانة مثل أبي بكر الفقير المعلول، و بعد الهجرة كان أبو بكر في دور الأنصار و محتاجاً إلى إعانتهم.

و أمّا تصديق النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) حين إظهار الدعوة، فلا ننكر إلاّ أنّه ليس عن خلوص و حقيقة، بل طمعاً في الجاه و المنصب، لما اُخبروا من الكهنة و الرهبان أنّه يظهر الدعوة و يملك الأرض، كما في بعض الأخبار المروية عن الصاحب.

و أمّا مشاورة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إيّاه في الاُمور، فليس للاستعانة برأيه بل لتأليف قلبه، كما قال تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلينَ}(2)، حيث يستفاد منه أنّ لين الجانب

ص: 230


1- _ إحقاق الحقّ، ص213؛ بحار الأنوار، ج 30، ص518.
2- _ سورة آل عمران: 159.

لتأليف قلوبهم، و لو كان فظّاً يستكشف عدم رسوخ الإيمان فيهم، و العفو عنهم دليل على مخالفتهم النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و الاستغفار لهم على معصية اللّه، و من المعلوم أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يحتاج إلى رأي أحد، و مشورةٍ بعد كونه نبياً، و العزم لا يدلّ على متابعة رأيهم.

و أمّا كونه عاقلاً مدبّراً مقبول القول، فلم نتحقّق مورداً يصدر منه رأيعقلائي و كلام و تدبير و قبول قول، فالكلّ دعوى بلا دليل.

و أمّا حديث: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلًا»، فهو من المفتريات، مع أنّ «لو» للامتناع، و أين هذا مع إخائه علياً (علیه السلام) باتّفاق الفريقين.

و أمّا حديث اليد و عدم الكفاية، فقد عرفت أنّه لا يد لأحد على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) سيما مثل أبي بكر.

نعم يمكن أن يقال: كان لأبي بكر يد على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد رحلة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في ظلم ابنته و غصب حقّها و كسر ضلعها و سقوط جنينها، و غيرها ممّا صدر منه و بأمره، و هذا يصير معنى قوله المنسوب إليه: «و ما لأحد عندنا يد قد كافيناه ما خلا أبي بكر يكافيه اللّه يوم القيامة».(1)

و أمّا ذبّ شرّ قريش عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و المسلمين، فهو إن كان حقّاً يدلّ على نفاقه، و أنّه عند قريش كان منهم و عند النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و المسلمين كان منهم؛ لأنّه لو علم قريش بكونه مسلماً لآذوه كما يؤذون المسلمين، مع أنّه جبان لا يقدر على الذبّ أصلاً.

و أما اشتراء المعذّبين، فهو أيضاً خلط؛ لأنّه اشترى بلالاً قبل إسلامه و

ص: 231


1- _ إحقاق الحقّ (الطبع الحجري)، ص211؛ سنن الترمذي، ج5، ص270، ح 3741.

إسلام بلال، و إنّما عذّب بلال بعد كونه لأبي بكر و أسلم.

و أمّا قضية الفداء، فلا حقيقة لها أصلاً.

و أمّا حديث الهجرة و المصاحبة في الغار، فقد عرفت ما فيه.و أمّا كونه في الحروب، فهو حقّ إلاّ أنّه متستّر أو فرّار، و قد نقل الرازي فراره و انهزامه في الخيبر، و كذا أخوه.

و أمّا تقديمه النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و تفضيله على أصحابه، فالضرورة قاضية بخلافه.

و أمّا خبر محمّد بن الحنفية عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، فهو من مفتريات البخاري، مع معارضته مع خطب أميرالمؤمنين (علیه السلام) في النهج و غيره، و التقية أيضاً قاضية بمثل ذلك بل فوق ذلك.

كما ورد في خبر عن الصادق (علیه السلام) حين سئل عن أبي بكر و عمر هما إمامان عادلان قاسطان كانا على الحقّ و مضيا عليه عليهما رحمة اللّه، فلمّا ذهب الرجل و سأله بعض الشيعة عن هذا التفضيل، فسّر (علیه السلام) له بما حاصله أنّهما إمامان لقوله تعالى: {أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}(1)، عادلان لعدلهما عن الحقّ، قاسطان لقوله تعالى: {وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}(2)، كانا على الحقّ، الحقّ هو أميرالمؤمنين (علیه السلام) و هما كانا على عداوته و مضيا عليه، أي على تلك العداوة، عليهما، أي: على ضررهما رحمة اللّه و هو الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) .(3)

ص: 232


1- _ سورة القصص:41.
2- _ سورة الجنّ: 15.
3- _ الصراط المستقيم، ج3، ص73.

و كلام عبداللّه بن عمر قد تقدّم ما فيه، و أنّه متّهم في أبيه و صاحبه مع عداوته لأميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و أمّا كونه صاحب الحوض، فهو مع كونه من المفتريات، قد ورد فيالأخبار الكثيرة من طرق العامّة و الخاصّة أنّ عليّاً (علیه السلام) صاحب الحوض و لواء الحمد بيده، و أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ من كان بيده جواز من علي بن أبي طالب. رواه الخوارزمي و ابن حجر المتعصّب في صواعقه، و محمّد بن خضر في مخاطبات النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لعلي (علیه السلام) و أنّك على الحوض خليفتي، و ابن المغازلي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : علي يوم القيامة على الحوض لا يدخل الجنّة إلاّ من جاء بجواز من علي بن أبي طالب.(1)

و قد قال الشافعي:

ربّ هب لي من المعيشة سؤلي

و اعف عنّي بحقّ آل رسول

و اسقني شربةً بكفّ عليٍ

سيد الأولياء، زوج بتول(2)

و أمّا حديث عائشة و قضية الكتابة، فقد تقدّم ما فيه.

و قد يتمسّك بعض لفضيلته و فضيلة صاحبه بأنّهما ضجيعي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و هذا من مطاعنهما؛ لأنّ دفنهما إنّما هو بإذن عائشة، فإن كان بيت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ميراثاً، و كانت عائشة ترث من العرصة، كما هو مذهب العامّة، فإنّما ترث تسع الثمن، و ترث فاطمة (علیها السلام) و بعدها بنوها سبعة أثمان، و العجب

ص: 233


1- _ بحار الأنوار، ج 27، ص142، ح152؛ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، ج 1، ص200؛ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، ص299.
2- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص212.

أنّ الحسن (علیه السلام) لا يدفن في الروضة و هما يدفنان. و إن لم يكن ميراثاً، فليس لعائشة تلك التصرّف.

هذا كلّه غاية ما قيل في الاستدلال على خلافة أبي بكر، و قد عرفت أنّ كلّها كبيت نسجته العنكبوت.

هذا مضافاً إلى أنّا نقول: إنّه غير قابل للخلافة من وجوه: أحدها فقد الشرائط. و الثاني وجود المانع، و الثالث كونه ذا مطاعن.

أمّا الأوّل، فلأنّ من الشرائط العصمة عن الكفر و الفسق و المعاصي كبارها و صغارها حتّى نيّة المعصية، و عن السهو و الشكّ و الخطأ و غيرها في تمام عمره، و هذا لم يكن فيه قطعاً و لم يدّعيه مدّع، و من الشرائط الأكملية عن كلّ الرعية في جميع الصفات من العلم و المعرفة و الإيمان و التقوى و الزهد و الورع و اليقين و الخوف و الرجا و غيرها ممّا ذكرناه في المقصد الأوّل.

و منها العلم بجميع ما يحتاج به الاُمّة و بجميع اللغات حتّى لسان الجنّ، و التمكّن من دفع المعضلات.

و منها كون تلك الملكات في أعلى المراتب، و كونها موهوبياً لا كسبياً، و أين أبوبكر مع هذه، و أين هذه الصفات مع أبي بكر، بل بينهما بون بعيد أبعد من السماء و الأرض.

و من الشرائط الإتيان بالمعجزة، أو النصّ القطعي و نحوهما ممّا يثبت المطلوب، و ليس فليس.

و أمّا الثاني، فلأنّ كثيراً من الموانع موجود فيه، منها فقدان الشرائط. و منها نصّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و سائر المعصومين (علیهم السلام) بنحو التواتر على كذبه كما سيأتي.و

ص: 234

منها ارتكابه بعض القبائح العقلية و الشرعية و العرفية، كما نذكرها في المطاعن، و منها بدعته في الدين بالزيادة و الانكار، إلى غير ذلك من الموانع.

و أمّا الثالث، فلا يخفى أنّ مطاعنه كثيرة، و نحن نقتصر على قليل:

منها: تسمية نفسه خليفة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، مع أنّ الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يخلّفه قطعاً.

و منها: تخلّفه عن جيش اُسامة، مع أنّه ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: لعن اللّه المتخلّف عنه.

و منها: قوله: «إِنَّ لِي شَيْطَاناً يَعْتَرِينِي! فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي، وَ إِنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي».(1)

و منها: قول عمر: كَانَتْ بَيعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا عَن المُسلِمین، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ.(2)

و منها: قوله: أقيلوني أقيلوني، فلست بخيركم و علي فيكم.(3)

و منها: قوله عند موته: ليتني كنت سألت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) هل للأنصار في

ص: 235


1- _ بحار الأنوار، ج 30، ص495؛ نهج الحق و كشف الصدق، ص264.
2- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 1، ص256؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج2، ص26؛ صحيح البخاري، ج8، ص26؛ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص38؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج7، ص615.
3- _ بحار الأنوار، ج 10، ص28؛ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص216؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 2، ص402.

هذا الأمر حقّ؟ و هذا شكّ منه.(1)و منها: قوله في مرضه: ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه، و ليتني في ظلّة بني ساعدة كنت ضربت يدي على يد أحد الرجلين، فكان هو الأمير و كنت الوزير.(2)

و منها: إنفاذه النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لأداء سورة البراءة ثمّ ردّه.

و منها: عدم تولّيه في أمر أصلاً و ولي غيره عليه.

و منها: منع فاطمة (علیها السلام) إرثها، و تفرّده برواية: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، مع أنّه المدّعي؛ لأنّ الصدقة تحلّ له، فشهادة المدّعي غير مسموع.

و منها: عدم إجراء الحدّ على خالد بن الوليد في قصاصه و حدّه الزنا.

و منها: جهله بالأحكام، حتّى ادّعى أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يموت، فقيل له: أين قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(3)، فاعترف بأنّه لم يسمع تلك الآية قطّ.

و أعظم الكلّ إفتائه و إرادته إحراق بيت فاطمة (علیها السلام) ، مع أنّ فيها فاطمة و علي و الحسن و الحسين (علیهم السلام) و بني هاشم. نقلها الطبري في تاريخه، قال: قال عمر: و اللّه! لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ للبيعة.(4)

ص: 236


1- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص221؛ بحار الأنوار، ج 30، ص138؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 17، ص167.
2- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص221؛ نهج الحق و كشف الصدق، ص265.
3- _ سورة الزمر: 30.
4- _ تاريخ الطبري، ج2، ص721 ح 140.

و قال الواقدي: قال عمر: أخرجوا ليحرقنّها عليكم.(1)

و ابن خزابة في غرره عن زيد بن أسلم، قال: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة، فقال لفاطمة: اُخرجي من في البيت و إلاّ أحرقته و منفيه، فقالت: تحرق على ولدي؟ قال: اي، و اللّه! أو ليخرجنّ و ليبايعنّ.(2)

و عن ابن عبدربّه من أعيان العامّة قال أبوبكر لعمر: إِنْ أَبَيَا أي: العبّاس و علي _ فَقَاتِلْهُمَا، فَأَقْبَلَ بِقَبَسٍ مِنْ نَارٍ عَلَى أَنْ يُضْرِمَ عَلَيْهِمَا النَّارَ، فَلَقِيَتْهُ فَاطِمَةُ (علیها السلام) ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أَ جِئْتَ لِتُحْرِقَ دَارَنَا؟ قَالَ نَعَمْ. و كذا صاحب المحاسن و أنفاس الجواهر.(3)

إلى غير ذلك من المطاعن، و فيما ذكرناه غنىً و كفاية. هذا كلّه في خلافة أبي بكر.

ما ورد في خلافة عمر بن الخطّاب

و أمّا خلافة عمر، فاستدلّ له أيضاً بوجوه:

الأوّل: الاستخلاف من أبي بكر، فعن ابن أبي الحديد قال: إنّه _ أي: أبابكر _ كان يجود بنفسه، فأمر عثمان أن يكتب عهداً، و قال: اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به عبداللّه بن عثمان «أبي قحافة» إلى المسلمين: أمّا بعد، ثمّ اُغمي عليه، فكتب عثمان: قد استخلفت عليكم عمر بن الخطّاب،

ص: 237


1- _ إحقاق الحق(الطبع الحجري)، ص228، المسترشد لمحمد بن جرير الطبري، ص378.
2- _ إحقاق الحق 2: 373، بحارالأنوار 28: 339.
3- _ بحارالأنوار، ج28، 339، عقد الفريد لابن عبد ربّه، ج3، ص63.

و أفاق أبوبكر، فقال: اقرء، فقرأه، فكبّر أبوبكر، فقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي؟ قال: نعم، جزاك اللّه خيراً من الاسلام و أهله، ثمّ أتمّ العهد و أمره أن يقرأ على الناس.(1)

و عن شارح المقاصد في آخر ما عهد كتب انّي استخلفت عمر بنالخطّاب، فإن عدل فذلك ظنّي به و رأيي فيه، و إن بدّل و جار فلكلّ امرء ما اكتسب.(2)

و عن ابن أبي الحديد: دخل طلحة و قال: اتّق اللّه و لا تسلّط عمر على الناس، فقال: قد استخلفت خير الاُمّة فبم تخوّفني.(3) هذا.

أقول: الجواب أوّلاً: أنّ من أنكر حديث غدير خمّ مع تواتره في جميع الطبقات كيف يقبل مجرّد قول عثمان و خطّه أنّ أبابكر خلّف عمراً، فلنا الانكار أشدّ الانكار، بل عثمان في هذا النقل و الكتابة متّهم؛ لأنّه من إخوان عمر و محبّيه و خواصّه و أصحاب سرّه، و الشاهد على ذلك أنّه لمّا اُغمي على أبي بكر كتب عثمان قد استخلفت عليكم ابن الخطّاب، فلم يثبت استخلافه.

ص: 238


1- _ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1،ص165.
2- _ شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني، ج5، ص287.
3- _ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج1، ص164_ 165. وَ دَخَلَ طَلْحَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ! اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ عُمَرَ، وَ قَدْ رَأَيْتَ مَا يَلْقَى النَّاسُ مِنْهُ وَ أَنْتَ مَعَهُ، فَكَيْفَ إِذَا خَلَا بِهِمْ؟! وَ أَنْتَ غَداً لَاقٍ رَبَّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي، ثُمَّ قَالَ: أَ بِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي؟! إِذَا لَقِيتُ رَبِّي فَسَاءَلَنِي، قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. فَقَالَ طَلْحَةُ: أَ عُمَرُ خَيْرُ النَّاسِ؟!

و ثانياً: أنّه قد اشتهر بين الفريقين، و ورد أخبار كثيرة من الطرفين أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في مرض موته قال: ايتوني بدواة و قرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً، فقال عمر: الرجل يهجر. فإذا كان احتمال الهذيان و الهجر في حقّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الذي قال اللّه تعالى في شأنه: {وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى}، {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى}(1)، ثابتاً، فلم لا يكون في حقّ أبي بكر، فنحن نقول: إنّ أبابكر كان في الغشوة و عند القبض، فكلماته هذيان و هجر، فلا اعتداد به أصلاً، فلم يثبت به خلافة عمر.

و ثالثاً: أنّ الاستخلاف إن كان حسناً ممدوحاً أو واجباً لازماً، فلِمَ لم يستخلف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بزعمكم، و ترك الاُمّة حيارى، و إن لم يجب و لايحسن، فما وجه استخلاف أبي بكر.

و رابعاً: نقول مخاطباً لعمر و اُمّته مقالة نفسه: حسبنا كتاب اللّه، و لا نحتاج إلى الخليفة.

و خامساً: لم يثبت خلافة أبي بكر حتّى يستخلف غيره.

الثاني من الوجوه المستدلّ بها على خلافة عمر: الأخبار الموضوعة في فضله.

منها: ما روي في صحاحهم عن ابن عمر، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّ اللّه وضع الحقّ على لسان عمر و قلبه.(2)

و منها: ما روي فيها عن عتبة بن عامر، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: لو كان بعدي

ص: 239


1- _ سورة النجم: 3_ 4.
2- _ مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص53 و ج5، ص145.

نبي لكان عمر بن الخطّاب.(1)

و منها: ما عن سعد بن أبي وقّاص عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال: يابن الخطّاب! و الذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً قطّ إلاّ سلك فجّاً غير فجّك.(2)

و منها: ما روي عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: بينا أنا قائم رأيت الناس يعرضون عليّ و عليهم قميص منها ما يبلغ الثدي، و منها دون ذلك، و عرض عليّ عمر بن الخطّاب و عليه قميص يجرّه، قالوا: فما أولته يا رسول اللّه؟ قال: الدين.(3)

و الجواب عن تلك الأخبار أنّ كلّها موضوعات مفتريات، و لوضعها وافترائها شواهد كثيرة.

أمّا الخبر الأوّل: «انّ اللّه وضع الحقّ على لسان عمر و قلبه»(4)،

ففيه أنّ هفوات عمر و حكمه بغير ما أنزل اللّه كثيرة، و قد كان أميرالمؤمنين (علیه السلام) في مواطن كثيرة ينبّهه على خطائه، حتّى قال في سبعين موطناً: لولا علي لهلك عمر.

و بعض هفواته قضيته مع عمّار في مسألة التيمّم، و منها في مهور النساء، و محاجّة المرأة مع عمر بقوله تعالى: {وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً}(5)، فألجأ عمر أن يقال:

ص: 240


1- _ المستدرك للحاكم النيسابوري، ج3، ص85.
2- _ صحيح البخاري، ج4، ص199.
3- _ صحيح البخاري، ج4، ص201.
4- _ مجمع الزوائد (الهيثمي)، ج9، ص66.
5- _ سورة النساء: 20.

كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ فِي الْبُيُوتِ.(1) و هذا كلام حقّ جرى على لسانه، مع أنّ راوي الحديث ابن عمر، فهو من استشهاد ابن آوي بذنبه.

و أمّا الخبر الثاني، ففيه أنّه من مسلّميات الطرفين أنّ عمر لم يكن معصوماً لا قبل إسلامه و لا بعده، و لا قبل خلافته و لا بعدها، و لم يكن مستجمعاً لجميع الصفات الكمالية، و لا منزّهاً عن النقائص، و لم يكن أكمل من جميع الاُمّة في جميع تلك الملكات حتّى من أبي بكر بزعمكم، و لم يكن عالماً بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة، سيما مع سعة اُمّة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) من الجنّ و الإنس من الشرق و الغرب، و لم يكن نسبه طاهراً مطهّراً كما يأتي، فكيف يكون قابلاً للنبوّة، حتّى يقول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لو كان نبي بعدي لكان عمر.(2)

إلاّ أن يقال: إنّ النبوّة ليس فيها شرط كمال، و ليس النقص فيها مانعاً، و على هذا فليست النبوّة كمالاً حتّى يكون عمر قابلاً لها، بل كلّ كافر فاسق ظالممشرك قابل لها.

و أمّا الثالث، ففيه أوّلاً: أنّ سعد بن أبي وقّاص لمّا كان من أعداء أميرالمؤمنين (علیه السلام) حتّى أنّه تخلّف عن بيعته بعد قتل عثمان، و كان من خواصّ عمر و أصحاب سرّه، فلا اعتداد بنقله، و لا حجّية في كلامه.

و ثانياً: ما المراد من سلوكه فجّاً غير فجّ الشيطان، إن كان المراد قبل إسلامه لزم كون جميع تقلّباته في الشرك فجّاً حقّاً إلهياً، و إن كان بعد إسلامه في زمان

ص: 241


1- _ بحار الأنوار، ج 30، ص655؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 2، ص516؛ مجمع الزوائد (الهيثمي)، ج4، ص284؛ نهج الحق و كشف الصدق، ص278.
2- _ دلائل الصدق لنهج الحق، ج 2، ص382 و ج4، ص36 و ج6، ص100.

النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لزم كون فراره من الزحف و سائر ما يأتي في مطاعنه فجّ حقّ، و إن كان بعد زمان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الذي هو مقصود المستدلّ، لزم كونه جميع ما صدر منه من غصبه فدك و بدعه في الأحكام و الشريعة، و مظالمه التي يأتي بيانه، و بالجملة يكون الخبر لمكان كلمة «قطّ» شاملاً لجميع ما صدر منه من أوّل عمره إلى حين صدور هذا الخبر، و هو مخالف لضرورة الاسلام.

و أمّا بعده الذي هو مقصود القائل، فلا يشمله الرواية أصلاً، مع أنّه خلاف الضرورة.

و ثالثاً: لا يبعد أن يكون المراد أنّ الشيطان لعلمه بأنّ عمر أضلّ و أشقى منه يخاف إضلاله، فلو سلك في عمر في طريق يسلك الشيطان فجّاً آخر لئلاّ يغويه عمر و لا يلاقيه، كما ورد في بعض الأخبار المشهورة أنّ إبليس أتى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ليتوب على يده، فقال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : زر قبر آدم (علیه السلام) حتّى يتوب اللّه عليك، فلمّا رجع ليزور القبر رأى في الطريق عمر، فسأله عن حاله، فقال له: كيت و كيت،فقال عمر: إنّك ما سجدت لآدم في حياته بأمر من اللّه تعالى و الآن تريد أن تسجد لقبره بعد صيرورته رماداً و رفاتاً، و من هنا قال بعض الشعراء:

إن كان إبليس أغوى الناس كلّهم

فأنت يا عمر قد أغويت إبليسا(1)

و رابعاً: أنّ الشيطان لم يفرّ من آدم في الجنّة، و لم يهرب منه و لا من أسباط يعقوب و لا من الأنبياء، حتّى قال موسى (علیه السلام) في قتل القبطي: {هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ}.(2)

ص: 242


1- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص223؛ حديقة الشيعة، ص310.
2- _ سورة القصص:15.

و خامساً: قال اللّه تعالى: {إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ}(1)، و لا شبهة أنّ عمر كان من المنهزمين، فهذا مكذّب للقرآن.

و أمّا الرابع، ففيه أنّ جرّ الثياب الذي كان في الجاهلية كان في الشريعة مذموماً؛ لكونه من التكبّر و التبختر، و كونه مورثاً للتلوّث بالكثافات و القاذورات، فمفاد هذا الخبر أنّ عمر يجعل دينه تحت أرجله، و يلوّث دينه بالذنوب و المعاصي العظام الصادرة منه، فالرواية دليل لنا لا علينا.

الثالث من الوجوه: الفضائل المذكورة في كتبهم، مثل أنّ نسبه يتّصل برسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في كعب بن عدي،(2) و كان قبل البعثة من أكابر قريش و صناديدها، و رئاسة شبان قريش انتهت إليه و إلى أبي جهل و أبي الحكم بن هشام، و قد دعا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) اللّهمّ أعزّ الاسلام بأبي الحكم أو بعمر بن الخطّاب،(3) فوقع الدعاء له، و قال المسلمون: ما زلنا في عزّ منذ أسلم عمر،(4) وكان وزير رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) طول حياته لا يصدر عن رأيه، و كان راسخاً في العلم من أشدّاء على الكفار.

و قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لقد كان فيما قبلكم من الاُمم محدّثون، فإن يك في اُمّتي أحد فإنّه عمر.(5)

ص: 243


1- _ سورة آل عمران: 155.
2- _ المعجم الكبير للطبراني، ج1، ص65.
3- _ مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص95.
4- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص229؛ صحيح البخاري، ج4، ص242.
5- _ إحقاق الحقّ(الطبع الحجري)، ص230؛ صحيح البخاري، ج4، ص149.

و كان يوافق أبابكر في تهيئة الجيوش و إقامة مراسم الدين و الجهاد، فلمّا انتهت إليه الرئاسة أقام بأعبائها عشر سنين، حتّى فتح جميع أقطار البلاد، و أخذ الملك من قيصر و كسرى، و لم يمرّ عليه يوم إلاّ عن فتح جديد و غنيمة جديدة، و أنّه لبس الخشن و أكل الخشن. هذا غاية ما ذكروه في فضائله.

و الجواب: أمّا عن اتّصال نسبه في كعب، فيا ليت لم يفتخروا بنسبه، و لا مناص لنا إلاّ عن الاشارة بها إجمالاً.

فنقول: إنّ اُمّه كانت خنتمة، و قد اختلفوا فيها، فقيل: هي بنت هشام بن المغيرة، و قيل: بنت عمّه، و قيل: إنّ هشام رآها مرمية في الطريق فأخذها و ربّاها، فوقع عليها نظر الخطّاب، فخطبها من هشام. هذا.

و التحقيق أنّ جدّته صحّاك الحبشية، كانت من الزناة المشهورة، فوقع عليها نوفل، فولدت خطّاباً، ثمّ لمّا أدرك الخطّاب، فوقع الخطّاب على اُمّه، فولدت خنتمة، فخافت الصحّاك من نوفل، فرمتها فى الطريق، فأخذها هشام و ربّاها، فلمّا أدركت نظر إليها خطّاب، فخطبها من هشام، فولدت عمر، فكانت خنتمة اُمّ عمر لمكان ولادتها، و اُختها لكونها بنت أبيه الخطّاب، و عمّتهالكونها اُخت الخطّاب من حيث الاُمّ لكونها من صحّاك اُمّهما، و كان الخطّاب أباه لتوليده منه، و جدّه من اُمّ لكونه والد اُمّه خنتمة، و خاله لكون الخطّاب أخ خنتمة من حيث الاُمّ و هي الصحّاك، فيصحّ في حقّه أن يقال:

من كان جدّه خاله و والده

و اُمّه اُخته و عمّته

أجدر أن يبغض الولي و أن

ينكر يوم الغدير بيعته(1)

ص: 244


1- _ بحارالأنوار، ج31، ص100.

و أمّا كونه من أكابر قريش، فننكره أشدّ الانكار، بل له سفارة قريش، و ذكر مدائحهم المعبّر عنه بالفارسية «ثناگو» و بالهندية «بات فروش».

و أمّا دعاء الرسول و قول المسلمين، فيكفي في كذبهما أنّ عمر كان إسلامه في أوائل البعثة قيل: بعد أربعين رجلاً و إحدى عشر نسوة، و قيل: بعد تسع و ثلاثين رجلاً و ثلاثة عشر نسوة، و قيل: أربعين رجلاً و عشر نسوة، و قيل: خمس و أربعين رجلاً واحدى عشر نسوة، و كيف كان فبعد إسلامه إلى زمان هجرة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) هاجر جماعة من المسلمين إلى الحبشة، و هاجر جماعة إلى المدينة، و عذّب جماعة في مكّة كعمّار و أبويه، كلّ من سطوة قريش وإيذائهم، حتّى ذهب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و المسلمون إلى شعب أبي طالب في مدّة مديدة، فهذان الكلامان افتراء محض على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و المسلمين.

و أمّا كونه وزيراً للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و لا يصدر عن رأيه، فقد تقدّم في أبي بكر الجواب عنه طابق النعل بالنعل، حيث ليس مشاورة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إيّاهم للاستعانة برأيهم، بل لتأليف قلوبهم، كما قال تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}، إلى قوله: {وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(1) الآية.

و أمّا كونه راسخاً في العلم، فيشهد له جهله بحكم التيمّم الصريح في القرآن في قضية عمّار،(2) و قول نفسه: «كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ

ص: 245


1- _ سورة آل عمران: 159.
2- _ صحيح البخاري، ج1، ص90.

فِي الْبُيُوتِ».(1)

و أمّا كونه من أشدّاء على الكفّار، فيشهد بكذبه انهزامه في الحروب، سيما في خيبر و اُحد و غيرهما.

و أمّا كلام النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : «كان فيما قبلكم من الاُمم» الخبر، فعلى تسليم صدقه، فهو المحدث بالتخفيف بمعنى المبدع، و بدع عمر كثيرة جدّاً من صلاة التراويح، و منع طواف النساء و المتعة، و غيرها ممّا يأتي بعضها.

و أمّا موافقة أبي بكر، فإنّما هو في غصب الخلافة، و ظلم البتول، و أخذ فدك، و أمثال ذلك، و إلاّ ففي سائر الاُمور قد يخالفه، كما في قتل مانعي الزكاة.و أمّا فتح البلاد، فإنّما كان بيد المسلمين، و لم يقع من عمر حرب أصلاً على غير سيرة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين (علیه السلام) من حضورهما في الحروب، و ليس هذا إلاّ من جبنه.

و أمّا التدبير في كيفية الفتوح، فهو من أميرالمؤمنين (علیه السلام) لا منه، مع أنّه ليس لأجل الاسلام و إعلاء كلمته، بل للتوسّع في السلطنة، كما وقع نظائره من الملوك و الجبابرة في كلّ عصر.

و أمّا لبس الخشن، فهو من سياسته و تزويره لا لزهده و ديانته، و لذا يعطي الولاية للفسّاق و الفجّار مثل المغيرة و نحوه، و لم يجعل في تمادي خلافته منصباً لعلي (علیه السلام) و شيعته و سائر بني هاشم، مع أنّهم أولى و أحقّ من كلّ أحد.

ص: 246


1- _ بحار الأنوار، ج 30، ص655؛ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص217؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 2، ص516؛ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ص63؛ نهج الحق و كشف الصدق، ص278.

هذا كلّه في الجواب عن الوجوه المذكورة في كلماتهم.

و لنا الاستدلال على عدم قابليته للخلافة من وجوه كثيرة، تقدّم في أبي بكر من فقده شرائط الخلافة، و واجديته جميع الموانع لها، و كونه ذا مطاعن كثيرة التي نذكر طرفاً منها:

أحدها: أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لمّا طلب في حال مرضه دواةً و كتفاً ليكتب فيه كتاباً لا يختلفون بعده، و أراد أن ينصّ حال موته على ابن عمّه علي (علیه السلام) ، فمنعهم عمر و قال: إنّ نبيكم ليهجر، فوقعت الغوغاء، فقال بعضهم: أحضروا ما طلب، و منع آخرون، فقال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : أبعدوا. نقل في صحاحهم.(1)

و منها: إيجابه بيعة أبي بكر على جميع المسلمين، و قصده بيت علي (علیه السلام) وإحراق البيت و من فيها، مع أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يوجب على أهل الكتاب البيعة له ليس إلاّ، بل يقبل الجزية، و لا قصد إحراق بيت من البيوت، فهل كان عمر أعرف بمصالح المسلمين من المسلمين حيث أوجب عليهم ذلك حتّى أميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و منها: قلّة معرفته حتّى أنكر موت النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فقال: و اللّه! ما مات حتّى يقطع أيدي رجال و أرجلهم، فقال له أبوبكر: أما سمعت قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(2)، و قوله: {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}(3).

و منها: أمره برجم حاملة، فقال له علي (علیه السلام) : إن كان لك عليها سبيل فليس

ص: 247


1- _ صحيح البخاري، ج7، ص9؛ مسند أحمدف ج1، ص325؛ صحيح مسلم، ج5، ص76.
2- _ سورة الزمر: 30.
3- _ سورة آل عمران: 144.

لك على ما في بطنها سبيل، فقال: لولا علي لهلك عمر.

و منها: أمره برجم مجنونة، فقال له علي (علیه السلام) : القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق، فقال: لولا علي لهلك عمر.

و منها: منعه عن المغالات في المهر، فقال: من جعل مهر ابنته غالياً جعلته في بيت المال، فقال امرأة: خالفت قول اللّه: {وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً}(1) الآية، فقال: كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدرات في الحجال.(2)

و منها: أنّه تسوّر على قوم، فوجدهم على منكر، فقالوا له: أخطأت من جهات قوله تعالى: {وَ لا تَجَسَّسُوا}(3)، و قد تجسّست، و قال: {وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْتَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها}(4)، و قد دخلت، و قال: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}(5)، و قد دخلت بغير إذن، و قال: {وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها}(6)، و لم تسلّم، فلحقه الخجل.

و منها: أنّه يعطي من بيت المال عائشة و حفصة عشرة آلاف درهم، و حرم على أهل البيت خمسهم، و منع فدك من بنت الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و منها: تعطيل الحدّ على المغيرة حين شهد الثلاثة بزناه، فلمّا شهد الرابع

ص: 248


1- _ سورة النساء: 20.
2- _ بحار الأنوار، ج 48، ص97.
3- _ سورة الحجرات: 12.
4- _ سورة البقرة: 189.
5- _ سورة النور: 27.
6- _ همان.

لقّنه الامتناع عن الشهادة، و قال: أرى وجه رجل لا يفضح اللّه به رجلاً من المسلمين، و رجم الثلاثة.

و منها: قوله: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه و أنا اُحرّمهما و اُعاقب عليهما».(1)

و منها: إرجاع الأمر إلى الشورى، و سيأتي شرحها.

و منها: البدع الصادرة منه، مثل صلاة التراويح، و وضع الخراج على السواد، و التكتّف في الصلاة، و إسقاط حيّ علي خير العمل من الأذان و الإقامة.

و غير ذلك من المطاعن المذكورة في كتب الفريقين، فتدبّر جيداً.

ما ورد في خلافة عثمان

و أمّا خلافة عثمان، فغاية ما يمكن لهم التمسّك لها أمران:أحدهما: قضية الشورى، حيث كان إرجاع الأمر إلى الشورى بنصّ صريح من عمر بن الخطّاب، و قد تعيّن بها عثمان، و قد أمر اللّه نبيه بالشورى، حيث قال: {وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلينَ}(2)، و قد مدح اللّه المؤمنين بقوله: {وَ الَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}.(3)

ص: 249


1- _ تارخ مدينة دمشق، ج64، ص71؛ الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، ص9؛ مسند أحمد، ج3، ص325.
2- _ سورة آل عمران: 159.
3- _ سورة الشورى: 38.

و الثاني: المناقب و الفضائل المذكورة لعثمان:

منها: أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: لكلّ نبي رفيق، و رفيقي في الجنّة عثمان. رواه في الصحاح عن طلحة بن عبيداللّه.

و منها: قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في حقّه حين بذل ألف دينار لتجهيز الجيش: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم مرّتين، و كذا بذله ثلاثمائة بعير بأجلاسها و أقتابها، فقال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : ما عمل بعد هذه. رواها عبدالرحمن بن جناب، و عبدالرحمن بن سمرة.

و منها: قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) المروي عن أنس أنّ عثمان في حاجة اللّه و رسوله حين كان رسول رسول اللّه بمكّة فبايعه الناس.

و منها: أنّه كان ذا النورين زوج زينب و اُمّ كلثوم بنتا رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و هذه من المختصّات.

و منها: أنّه أنفق أمواله في سبيل اللّه، و هاجر الهجرتين، و صلّى القبلتين،هاجر إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة.

أقول: أمّا الجواب عن الشورى، فلاشتماله على مفاسد كثيرة، و المطاعن المتوجّهة إلى عمر و عثمان يكون فساده أبين من الشمس:

منها: أنّ أمر الخلافة كأمر النبوّة و سائر المناصب الإلهية، بل و سائر الأحكام الشرعية الوضعية و التكليفية ليست بيد الناس حتّى يشاوروا، بل أمرها بيد اللّه.

و منها: أنّه ما الوجه في حصر الشورى في الستّة.

و منها: أنّه ما الوجه فى الحكم بقتل المخالف؛ لأنّ مخالفته إن كان

ص: 250

باجتهاده، فهو معذور عند العامّة، كما يعذّرون معاوية و عائشة و الزبير و طلحة بل و مثل يزيد في خروجهم على أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و قتلهم ريحانة رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و لا يعذّرون علياً (علیه السلام) في تخلّفه عن بيعة عثمان، كما لا يعذّرونه في امتناعه عن بيعة أبي بكر، و إن كانت لأجل حبّ الجاه و الطمع في حطام الدنيا، فكيف يليق بالخلافة.

و منها: نفس اعتراف عمر بأنّ غير علي (علیه السلام) غير لائق سيما مثل عثمان، حيث قال فيه: و أمّا أنت يا عثمان و اللّه لدوية خير منك، و لئن و لّيتها لتحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس، بعد ذكر عيوب الباقين، و اعترف في علي (علیه السلام) بقوله: أمّا أنت يا علي! فو اللّه لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجّحهم، فقام علي مولياً يخرج، فقال عمر: و اللّه! إنّي لأعلم مكان الرجل لو ولّيتموه أمركم حملكم على المحجّة البيضاء، فقالوا: فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليسإلى ذلك سبيل، و قال: أكره أن أتحمّلها حيّاً و ميتاً.(1)

أقول: إن كان تحمّلها أمر حسن مرغوب محبوب للّه تعالى، فما وجه الكراهة؟ و إن كان قبيحاً محرّماً مبغوضاً للّه، فلم تحمّلها حياً بل و ميتاً؟ لأنّ نفس هذا الارجاع مع هذه القيود من عدم الامهال فوق الثلاث، و من ترجيح من اختار عبدالرحمن الذي كان معلوماً أنّه يختار عثمان لكونه ابن عمّه و صهره، تحمّل و كيف تحمّل، بل لا يريد بذلك إلاّ قتل أميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و منها: أنّ هذا الارجاع قد أحدث في قلوب الجماعة بل و غيرهم، كمعاوية و أشباهه طمع الخلافة، فجميع المفاسد الواقعة في الاُمّة منتهية إلى ذلك

ص: 251


1- _ بحار الأنوار، ج 31، ص63؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 12، ص259.

الارجاع، كما اعترف بذلك ابن أبي الحديد، إلى غير ذلك من المفاسد.

و أمّا الجواب عن المناقب المذكورة له، ففيه أوّلاً: أنّ شيئاً منها لا دلالة لها على الخلافة و غير ملازم لها.

و ثانياً: أنّ جميع تلك الأخبار موضوعة كذب محض و افتراء على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّ وضع تلك الأخبار في زمان معاوية، كما وضع أخبار في ذمّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و يشهد لذلك أنّ الراوي لها أعداء أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، مثل طلحة و أنس و عبدالرحمن.

و أمّا كونه ذا النورين، فلا يخفى أنّ البنتين اللتين زوّجهما رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) إيّاه زينب و رقية لم يثبت كونهما بنتي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و لا بنتي خديجة، بلهما بنتا هالة اُخت خديجة، مات زوجها و هو رجل من المخزوم، و كانت هالة فقيرة، و كانت خديجة من الأغنياء، فكفلت اُختها مع بنتيها، ثمّ ماتت هالة في مسافرة، فبقيت البنتان تحت تربية خديجة، فلمّا ماتت خديجة ربّاهما رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و زوّجهما عثمان، فأمرهما كأمر زيد يقال له: ابن رسول اللّه لمكان التربية، و قد نزلت الآيات فيه.

و ثالثاً: أنّ عثمان قد كان ذا مطاعن كثيرة، كافية بعضها لإثبات كفره، فكيف بالجميع، و معها فكيف يليق بالخلافة:

الأوّل: تولّى الفسقة و الفجرة من شياطينه و أقاربه على رقاب الناس، مثل وليد بن عقبة الذي نزل فيه: {إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ}(1)، و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ

ص: 252


1- _ سورة الحجرات: 6.

كانَ مُؤمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(1)، حتّى أنّه شرب الخمر، و قام في صلاته سكران، و تكلّم في صلاته مع القوم، فقال لهم: أزيدكم في الصلاة؟ قالوا: لا قد قضينا صلاتنا.(2)

و مثل سعيد بن العاص على الكوفة، حتّى ظهرت منه منكرات، فمنعوها من دخولها.

و مثل عبداللّه بن سعيد بن أبي سرح على مصر الذي أمر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بقتله يوم الفتح، و أفعاله صار سبباً لقتل عثمان.

الثاني: ردّ الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى المدينة، مع أنّأبابكر و عمر ما أقدما على ردّه، بل لمّا تكلّم عثمان في خلافة عمر، قال له عمر: يخرجه رسول اللّه و تأمرني أن أدخله، حتّى أنّه حين ردّه جاء أميرالمؤمنين علي (علیه السلام) و طلحة و زبير و سعد و عبدالرحمن و عمّار، فقالوا له: إنّك أدخلت الحكم و من معه و قد كان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أخرجهم، و إنّا نذكّرك اللّه و الاسلام و معادك، فلم يعتن بهم.

الثالث: إيثار أهل بيته بأموال بيت المال، حتّى أعطى أزواج بناته الأربع أربعمائة ألف دينار، و أعطى مروان مائة ألف دينار، و ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها إيّاه، و أعطى سعيد بن العاص مائة ألف حتّى أنكر الناس عليه.

الرابع: ضرب عبداللّه بن مسعود على دفن أبي ذرّ أربعين سوطاً، و ضربه

ص: 253


1- _ سورة السجدة: 18.
2- _ نهج الحق و كشف الصدق، ص290.

حتّى كسر أضلاعه حتّى عهد عبداللّه إلى عمّار أن لا يصلّي عثمان عليه، مع أنّه لا يضرب أحد أحداً على دفن يهودي.

الخامس: ضرب عمّار حتّى حدث به الفتق و اُغمي، حتّى فات منه صلاة الظهر و العصر و المغرب في غشوته، حتّى شهد جماعة بكفر عثمان لأجل ذلك.

السادس: نفي أبي ذرّ إلى ربذة و ضربه، بل إخراجه إلى الشام أوّلاً، فكتب معاوية أنّه أفسد الشام لهدايتهم على مفاسد معاوية، فأخرجه إلى المدينة بأمر عثمان على بعير بغير رکاب، فسقط لحم رجليه، فأخرجه إلى ربذة غريباً وحيداً، و أمر مروان أن يمنع الناس من مشايعته، و الحكاية طويلة.السابع: تعطيل الحدّ على عبيداللّه بن عمر بن الخطّاب حيث قتل هرمزان مسلماً حتّى طلبه أميرالمؤمنين (علیه السلام) فلم يجبه.

الثامن: أنّ الصحابة تبرّأوا منه حتّى تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام، و منعوا من الصلاة عليه، حتّى حمل جنازته بين المغرب و العشاء، و لم يشهدها إلاّ مروان و ثلاثة من مواليه.

التاسع: استهزاؤه بشرائع الدين، و أمره برجم امرأة دخلت على زوجها فولدت لستّة أشهر، و عدم اعتنائه باستدلال أميرالمؤمنين (علیه السلام) من الآيات، فقتل امرأة مسلمةً عمداً من غير ذنب.

العاشر: جرأته على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) حيث إنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) تزوّج اُمّ سلمة بعد وفاة زوجها أبوسلمة، و حفصة بعد وفاة زوجها عبداللّه بن حذاقة، قال عثمان و طلحة: أينكح محمّد نسائنا إذا متنا، فنحن ننكح نسائه إذا مات، قال عثمان: أنا اُريد اُمّ سلمة، و قال طلحة: أنا اُريد عائشة، فنزلت الآية: {وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ

ص: 254

تُؤذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً}(1).(2)

الحادي عشر: نزول آيات في ذمّه:

منها: قوله تعالى: {وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ}، إلى قوله: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(3)، عن السدي في تفسيره حين دعاه أميرالمؤمنين (علیه السلام) إلى حكمرسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) بينهما.

و منها: قوله تعالى: {وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ}(4)، ذكر السدي هذه الحكاية.

و منها: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}(5)، نزلت في عثمان و طلحة عند إصابة الاُحد، حيث أرادا الخروج إلى الشام، و ألحق عثمان إلى صديقه اليهودي، و طلحة إلى صديقه النصراني، فأراد عثمان التهوّد، و طلحة التنصّر، عن تفسير السدي، إلى غير ذلك من المطاعن.

و أمّا خلافة سائر بني اُمية و بني العبّاس، فغاية ما يستدلّ لهم أولياؤهم من دعوى إثبات الخلافة بالقهر و الغلبة، إنّ العزّة و الجاه و الرئاسة و الغناء و الدولة و

ص: 255


1- _ سورة الأحزاب: 53.
2- _ عين العبرة في غبن العترة، (السيد أحمد آل طاووس)، ص29.
3- _ سورة النور: 48 _ 50.
4- _ سورة النور: 47.
5- _ سورة المائدة: 51.

السلطنة من الاُمور التي لا توجد إلاّ بإرادة اللّه و مشيئتة، و من المعلوم أنّ اللّه لا يريد إلاّ الحقّ و ما هو صلاح الناس، كما قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ}(1) الآية.

أقول: هذا الدليل مأخوذ من كلام يزيد في مجلسه، و قد أجاب عنه رأس الشريف.

و حاصل الجواب: أنّ السلطنة و الرئاسة و الدولة على قسمين: قسم بجعلإلهي و نصب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كما في أئمّتنا (علیهم السلام) ، و قبلهم في الأنبياء (علیهم السلام) . و قسم بالغصب و الظلم و الهتك و الإيذاء كما في هؤلاء، و قبلكم في الفراعنة و النماردة.

و قد ورد في القرآن آيات كثيرة في حقّهم، مثل قوله تعالى: {وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(2)، و قوله تعالى: {وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ}(3)، و قوله تعالى: {إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ}.(4)

و قوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}(5)، و قوله تعالى: {ثُمَّ

ص: 256


1- _ سورة آل عمران: 26.
2- _ سورة الشعراء: 227.
3- _ سورة آل عمران: 178.
4- _ سورة آل عمران: 178.
5- _ سورة الأعراف: 182و القلم: 44.

كانَ عاقِبَةَ الَّذينَ أَساؤ السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بآياتِ اللَّهِ}(1) الآية، و قوله تعالى: {وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ}(2)، إلى غير ذلك من الآيات.

و العجب كلّ العجب كيف يرضون لهؤلاء الخلافة مع إقدامهم على قتل الذرّية الطاهرة، و سبي حريمهم، و حبس جماعة منهم في السجون و ظلم المطامير، و كثرة ظهور المنكرات منهم.

فقد ظهر بحمد اللّه و منّه تمام الكلام في المقام الأوّل من المقصد الثاني، من أنّ الإمام بعد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ليس أبابكر و عمر و عثمان و شياطين بني اُمية و بني العبّاس و أشباههم بما لا مزيد عليه، و للّه المنّة.

ص: 257


1- _ سورة الروم: 10.
2- سورة التوبة: 85 .

المقام الثاني: في إثبات خلافة أميرالمؤمنين علي (علیه السلام)

اشارة

و هو عمدة المقصد أنّ الخلافة و الإمامة و الوصاية بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لعلي أميرالمؤمنين (علیه السلام) بالأدلّة العقلية و النقلية، كتاباً و سنّةً متواترةً، ثمّ بعده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ أبناء الحسين (علیهم السلام) ، صالح بعد صالح، و صادق بعد صادق، الشموس الطالعة، و الأقمار المنيرة، و الأنجم الزاهرة، و أعلام الدين، و قواعد العلم.

أمّا الاستدلال بالأدلّة العقلية، فحاصل جميعها التي تزيد على ألف، مركّب من مقدّمتين صغرى و كبرى.

أمّا الصغرى، فإنّ أميرالمؤمنين و أولاده المعصومين (علیهم السلام) كانوا واجدين لجميع شرائط الإمامة من العصمة، و الأكملية عن جميع الاُمّة في جميع الصفات الحميدة، متّصفاً بها أعلى مراتبها، و كانوا عالمين بجميع ما يحتاج إليه الاُمّة بل فوق ذلك بمراتب، و كانوا أزهد الناس و أعبدهم و أشجعهم و أسخاهم و أصبرهم و أشدّهم، و أعلاهم إيماماً و توكّلاً، و غير ذلك ممّا تقدّم في المقصد الأوّل من شؤونهم.

و كانوا منزّهين عن جميع الصفات الرذيلة، و العيوب الخلقية، و النقائص الخلقية، و كذا من حيث النسب و الحسب، و كان كلّ واحد منهم صاحب المعجزات الكثيرة التي سطر في مدينة المعاجز و غيرها.

و هذه المقدّمة لا يمكن لأحد من المسلمين إنكار شيء من فضائلهم و لوكابر بعض النصّاب و أعدائهم في بعضها اعترفوا في الآخر، و لا يمكن إنكار جميعها، فهذه المقدّمة ممّا لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه.

ص: 258

و أمّا الكبرى، فحكم العقل الكلّي بأنّ المتّصف بتلك الصفات بل بعضها بل كلّ واحد منها يجب أن يكون إماماً و خليفةً إذا اقترن به الدعوى؛ للزوم ترجيح الراجح، و استحالة الفاقد الغير على اللّه تعالى، فكلّ واحد من تلك الفضائل صغراً مستقلاًّ لتلك الكبرى الكلّي، و به يمكن تكثير الأدلّة إلى أن يبلغ ألف بل ألف ألف، و يمكن إرجاع الكلّ إلى دليل واحد، بحيث لا يمكن المناقشة فيه من أحد؛ لعدم إمكانه إنكار المجموع. هذا في الدليل العقلي.

أمّا الكتاب، فآيات:

الأوّل: قوله تعالى: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ}.(1)

الثاني: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}.(2)

الثالث: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ}.(3)

الرابع: {قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ}.(4)

الخامس: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.(5)السادس: آية المباهلة {فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ

ص: 259


1- _ سورة المائدة: 55.
2- _ سورة الرعد: 7.
3- _ سورة التوبة: 119.
4- _ سورة البقرة: 124.
5- _ سورة النساء: 59.

وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ}(1) الآية.

السابع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ}(2) الآية.

الثامن: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.(3)

إلى غير ذلك من الآيات الواردة في شأن أميرالمؤمنين (علیه السلام) و عترته المعصومين (علیهم السلام) .

و لا يخفى أنّ الاستدلال بتلك الآيات إنّما هو بضميمة الأخبار الواردة من الطرفين في شأن نزولها و تفسيرها، و بيان المراد منها.

أمّا الآية الاُولى، فقد اتّفق علماء الشيعة على نزولها في أميرالمؤمنين (علیه السلام) عند إعطائه الخاتم في ركوعه لسائل، أو غير الخاتم، و الأخبار من طرقهم تبلغ حدّ التواتر.(4)

و أمّا العامّة، فقد اتّفقت مفسّروهم كالثعلبي، و الزمخشري، و البيهقي، و النضيري، و السيوطي، و صاحب المشكاة، و مؤلّف المصابيح، بل صريح التفتازاني و القوشجي، باتّفاق المفسّرين على مانقل عنهم.

و أمّا أخبارهم، فقد ذكر الفخر الرازي، و ابن المغازلي الشافعي، و الأخطب الخوارزمي صدر أئمّتهم، و أبوالفتوح في تفسيره، و إبراهيم بن حكم بن ظهير،و

ص: 260


1- _ سورة آل عمران: 61.
2- _ سورة المائدة: 3.
3- _ سورة المائدة: 67.
4- _ إحقاق الحقّ، ج2، ص399 _ 415؛ بحارالأنوار، ج35، ص184 _ 206.

عطاء في تفسيره، و أبوبكر الرازي في أحكام القرآن، و المغربي، و الطبري، و الحميدي، و الكلبي، و الواحدي أبوالحسن علي بن أحمد في تفسيره المسمّى بأسباب النزول، و الحمويني، و أحمد بن حنبل، و حافظ أبونعيم، و أبورافع، و الحاكم أبوالقاسم الحسكاني، و غيرهم، قد نقلوا بأسناد عديدة حتّى أنّ النسائي في صحيحه قد نقل أخباراً في ذلك الباب، فلا ينظر إلى إنكار مثل ابن الحجر المتعصّب و الروزبهان تواتره، و حينئذ فورود الآية في شأن أميرالؤمنين (علیه السلام) من القطعيات المتواترات بين الفريقين.

و أمّا الدلالة، فبعد حصر الولاية الكلّية المطلقة باللّه و رسوله و أميرالمؤمنين فيه كمال الدلالة، و الموضوع أنّ الولي على جميع الاُمّة بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إذا كان علياً (علیه السلام) ، فله الولاية الكلّية عليهم جميعاً، فهو الإمام المفترض الطاعة، فإذا ثبت إمامته حتّى على الغاصبين يثبت إمامة ذرّيته بالنصّ، كما يأتي في محلّه.

و أمّا الآية الثانية، فقد ورد أخبارٌ كثيرة من طرق العامّة و اعترف أعاظمهم، كالفخر الرازي، و الحافظ أبونعيم، و الحاكم أبوالقاسم، و الحمويني في فرائد السمطين، و المالكي في الفصول المهمّة، نقلوا أخباراً كثيرة بطرق عديدة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه وضع يده على صدر علي (علیه السلام) بعد نزول الآية، فقال: أنت الهادي، يا علي! يهتدي بك المهتدون، و قال: أنا المنذر و علي الهادي.(1)

و أمّا الخاصّة، فأخبارهم في ذلك يبلغ حدّ التواتر.تقريب الدلالة: إنّ قوله تعالى: {وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}، جملة مستقلّة، أي: جعل اللّه لكلّ قوم هادياً، و ليس كما توهّم بعض المتعصّبين من كونه عطفاً

ص: 261


1- _ إحقاق الحق، ج3، ص88 _ 104؛ بحارالأنوار، ج35، ص395_ 406.

على المنذر، أي: أنت لكلّ قوم هاد، و ذلك لأنّه لو كان المراد ذلك لزم أن يكون العبارة كذلك إنّما أنت منذر و هاد.

و لا يناسب كلمة «لكلّ قوم» في المعطوف دون المعطوف عليه، بل كان العكس أولى، كأن يقول: إنّما أنت منذر لكلّ قوم و هاد، أو يقول: إنّما أنت منذر و هاد لكلّ قوم، فمفاد الآية بل صريحها سيما بضميمة الأخبار المتقدّمة انّك منذر و كان لكلّ قوم هادياً.

فالآية دالّة على وجوب كون الهادي في كلّ عصر، و بضميمة تلك الأخبار يتعيّن كون أميرالمؤمنين (علیه السلام) هادياً في عصره لجميع الاُمّة، فيجب إطاعته و الدخول تحت أوامره و متابعته لقوله تعالى: {أَ فَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى}(1)، و إذا ثبت كونه هادياً، فيثبت الهداة بعده في عترته و ذرّيته، كما يأتي.

و أمّا الآية الثالثة، فقد نقل جماعة من العامّة، كالأخطب الخوارزمي، و الحمويني، و أبونعيم، و أبويوسف، و الخركوشي في شرف المصطفى، و الثعلبي في كشفه، و ابن قعنب، و الكلبي، و السيوطي في الدرّ المنثور، و الثقفي، و غيرهم، أخباراً كثيرة في كون المراد من الصادقين، علي بن أبي طالب (علیه السلام) .

و في بعضها محمّد و علي، و في بعضها محمّد و آل محمّد، و في بعضهامحمّد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين، و كذا الأخبار من طرقنا عن الباقر و سائر الأئمّة (علیهم السلام) كثيرة جدّاً.(2)

ص: 262


1- _ سورة يونس: 35.
2- _ إحقاق الحقّ، ج3، ص296 _ 304؛ بحارالأنوار، ج35، ص408 _ 417.

وجه الاستدلال: إنّ الكون مع الصادقين ليس المراد المعية الجسمية، بل المراد المعية في أقوالهم و أفعالهم من متابعتهم و إطاعتهم، و المراد من الصادقين ليس الصادق في الجملة؛ لدلالة الاقتضاء أنّه قبيح متابعته فيما يكذب، فالمراد الصادق المطلق التالي تلو العصمة بل عينها، و لم يكن غير هؤلاء متّصفاً بذلك بل منحصر بهم، فيجب متابعتهم.

و أمّا الرابعة، فيدلّ على اعتبار العصمة في الإمامة، و أنّ الظالم سواء كان باللّه أو بالنفس أو الغير غير لائق، و أنّ أميرالمؤمنين و الأئمّة من ذرّيته (علیهم السلام) قد ثبت بالأدلّة القطعية كتاباً و سنّةً عصمتهم، كآية التطهير و المباهلة و غيرهما، فهم دعوة إبراهيم (علیه السلام) ، كما ورد بذلك أخبارٌ من طرقنا و طرقهم عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنا دعوة أبي إبراهيم ثمّ لعلي، فاتّخذني نبياً، و اتّخذ علياً وصياً.(1)

و أمّا الخامسة، فالمراد من اُولي الأمر أميرالمؤمنين و أولاده المعصومين (علیهم السلام) ، كما ورد بذلك أخبارٌ كثيرة، فعن المجاهد نزول الآية عند استخلاف أميرالمؤمنين (علیه السلام) في المدينة.(2)

و عن الفلكي في تفسيره نزوله في علي (علیه السلام) عند شكاية أبي بردة عنه.(3)

ص: 263


1- _ إحقاق الحقّ، ج3، ص80؛ بحارالأنوار، ج25، ص200 و ص207 و ج 38، ص144، ح108؛ نهج الحق و كشف الصدق، ص180.
2- _ بحار الأنوار، ج23، ص297، ح40؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج3، ص15، ح 100؛ ينابيع المودّة، ج1، ص341، ح 1.
3- _ بحارالأنوار، ج23، ص298، ح 42؛ غاية المرام، ج4، ص320؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج3، ص15.

و الحمويني قال: نزوله في علي.

و عن أبي الفتوح عن جابر، حيث سئل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عن اُولي الأمر، فقال: هم خلفائي و أئمّة المسلمين، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثمّ بعده الحسن حتّى عدّ إلى آخرهم.(1)

و عن حدائق اليقين عن جابر مثله.

و عن عيسى بن يوسف الهمداني، عن سليم بن قيس، أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال لعلي (علیه السلام) في المراد من الآية أنت أوّلهم.(2)

وجه الدلالة: تارةً من حيث دلالة نفس اُولي الأمر، حيث إنّ صاحب الأمر على جميع الاُمّة ليس إلاّ الإمام و الخليفة.

و اُخرى من حيث وجوب إطاعتهم مقترناً بإطاعة اللّه و رسوله إطاعةً مطلقةً كلّيةً في جميع أوامره و نواهيه، فهو مفترض الطاعة، فيكون إماماً.

و ثالثة من حيث دلالة الآية على عصمة اُولي الأمر للاقتران المذكور، و المعصوم منحصر بهؤلاء.

و أمّا السادسة، فقد أجمعت المسلمين على أنّ أصحاب المباهلة منحصر بخمسة أصحاب الكساء، و أميرالمؤمنين (علیه السلام) ليس من أبنائنا و لا من نسائنا، فلابدّ أن يكون من أنفسنا، و من كان نفس النبي، فالمراد في جميع الشؤون الثابتة له من العلم و الأخلاق و العبادة و الولاية و الإمامة، بل الأفضلية على

ص: 264


1- _ بحار الأنوار، ج36، ص249، ح 67؛ روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن لأبي الفتوح الرازى، ج5، ص412، كمال الدين، ج1، ص253، ح3.
2- _ شواهد التنزيل، ج1، ص189، ح 203.

جميع الأنبياء و الملائكة عدا النبوّة الخارجة عن الاطلاق بضرورة من الدين.

و أمّا الآيتان الأخيرتان الواردتان في يوم الغدير، فالكلام فيه يقع في مطالب:

المطلب الأوّل: في شأن نزول الآيتين

الأوّل: في شأن نزول الآيتين، قد اتّفقت كلمة الشيعة و الأخبار الواردة عن أئمّتهم (علیهم السلام) في كونهما نازلتين في أميرالمؤمنين (علیه السلام) يوم الغدير: إحداهما قبل النصب، و الاُخرى بعده.

و أمّا العامّة، فممّن صرّح بذلك الثعلبي إمام مفسّريهم قد نقل بأسانيد ثلاثة عن ابن عبّاس، و عن الإمام جعفر بن محمّد، و أبي جعفر محمّد الباقر (علیهما السلام) ، أنّه لمّا نزلت آية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}(1)، أخذ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بيد علي (علیه السلام) و قال: من كنت مولاه. الخبر.(2)

و الحمويني في فرائد السمطين: عن أبي هريرة، نزول الآية في علي.(3)

و صاحب المناقب الفاخرة عن أبي إسحاق أنّه لمّا نزلت الآية أخذ النبي بيد علي، و قال: من كنت مولاه. الخبر. و قال: هي آخر الفرائض، ثمّ نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ}(4) الآية.(5)

و الحافظ أبونعيم في كتاب نزول القرآن، عن أبي رافع، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه

ص: 265


1- _ سورة المائدة: 67.
2- _ الكشف و البيان للثعلبي، ج4، ص92؛ مجمع البيان، ج3، ص344، حكاه عن الثعلبي.
3- _ فرائد السمطين، ج1، ص77، ح44.
4- _ سورة المائدة: 3.
5- _ بحار الأنوار، ج37، ص138، ح 29.

يجب على الناس المحاربة مع من حارب علياً بيده و لسانه و قلبه، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} الآية.(1)

و أيضاً نقل الحافظ عن عطية، قال: نزلت: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، في ولاية علي، ثمّ نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} الآية.(2)

و المالكي في الفصول المهمّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، في أمر علي ثمّ بعد تبليغ الولاية نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}.(3)

و صدر الأئمّة أخطب الخوارزمي عن أبي هريرة أنّ آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، نزلت في غدير خمّ يوم الخميس حين رفع النبي علياً في مشهد الناس، و قال: اللّه أكبر على كمال الدين، و تمام النعمة، و رضا الربّ برسالتي، و الولاية لعلي.(4)

و أيضاً روى هذه الرواية بعينها عن الحمويني عن أبي سعيد.(5)

و الحاكم أبوالقاسم في شواهد التنزيل عن أبي صالح و ابن عبّاس أنّ الآية نزلت في علي، فأخذ النبي بيده و قال: من كنت مولاه.(6)

و أبوبكر الجرجاني، عن أبي سعيد الخدري، أنّه لمّا نزلت: {الْيَوْمَ

ص: 266


1- _ إحقاق الحقّ، ج7، ص335.
2- _ إحقاق الحقّ، ج6، ص356؛ بحارالأنوار، ج37، ص178، ح 65.
3- _ الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصبّاغ المالكي، ج1، ص245.
4- _ إحقاق الحق، ج6، ص355؛ المناقب للخوارزمي، ص135.
5- _ فرائد السمطين، ج1، ص72 _ 73.
6- _ شواهد التنزيل، ج1، ص251، ح245.

أَكْمَلْتُ}، قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، و ولاية علي بن أبي طالب بعدي.(1)

و قد روى هذه الرواية بعينها أبو عبداللّه الشيرازي، عن أبي سعيد الخدري.(2)

و كذا روى أبو أحمد مهدي بن نزار، و أبوأحمد البصري، بسندهما عن أبي هارون و أبي سعيد.

و المسعود بن ناصر في كتاب الدراية أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال في جحفة: من كنت مولاه الخبر(3)، فلمّا ارتحلوا نزلت: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ} الآية.

و ابن عبدالبرّ في كتاب الاستيعاب عن بريدة و أبي هريرة و جابر و براء بن عازب و زيد بن أرقم: أنّ آية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، نزلت في شأن علي.(4)

و صاحب كتاب المشكاة عن صحيح الترمذي، عن زيد بن أرقم: نزول تلك الآية في شأن علي.(5)

و السيوطي في الدرّ المنثور، و ابن مردويه، و ابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة نقل نزول الآية في الثامن عشر من ذي الحجّة في غدير خمّ عند قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من كنت مولاه.(6)

ص: 267


1- _ شواهد التنزيل، ج1، ص201، ح211.
2- _ إحقاق الحقّ، ج14، ص290.
3- _ بحارالأنوار، ج37، ص130.
4- _ الاستيعاب لابن عبد البرّ، ج3، ص1099.
5- _ مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، ج3، ص1720، ح6091.
6- _ الدرّ المنثور، ج2، ص259.

إلى غير ذلك، فهذا المطلب ممّا لا إشكال فيه.

المطلب الثاني: في دلالة الآية السابعة على المطلوب

فنقول: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ}، يدلّ على أنّ قبل هذا اليوم لم يكنالدين كاملاً، مع اشتماله على جميع العقائد و الأحكام و الأخلاق، فالدين الذي لم تكن فيه الولاية يكون ناقصاً.

و كذا لا شبهة في أنّ أعلى النعم و أفضلها نعمة الدين الذي هو المقصود الأصلي، و الغرض الإلهي المورث للسعادة في الدارين، و الفوز في النشأتين، و تلك النعمة لم تكن تامّةً قبل هذا اليوم، فبالولاية تتمّ تلك النعمة التي به يتمّ جميع النعم.

و كذا لا فائدة و لا ثمرة في الدين الذي لم يكن مرضياً للّه تعالى، فهل هو إلاّ كدين اليهود و النصارى، و غيرهما من الأديان التي لها مبدء أصلي حقيقي، إلاّ أنّها غيّرها أهلها بالأهواء الباطلة و التخيّلات الوهمية من حيث الزيادة و النقصان، و قد ذمّ اللّه تعالى من قال: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ}(1).

فالاسلام المرضي للّه تعالى هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من عند اللّه، و الولاية أعظم ما جاء به (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و في هذه الآية الشريفة دلالات واضحة على كثير من عقائد الشيعة، مثل كون الولاية من اُصول الدين، و عدم معذورية الجاهل و المخطى ء فيها، و كون الإمامة شرطاً لجميع الأعمال، و موجباً للسعادة و النجاة، و غيرها من الاُمور المربوطة بالولاية.

ص: 268


1- _ سورة النساء: 150.

المطلب الثالث: في دلالة الآية الثامنة على المرام

و هي أيضاً في كمال الوضوح و الظهور للتهديدات المذكورة في الآية، من كون ترك التبليغ يوجب ترك التبليغ في أصل الرسالة، و أنّ أمر الولايةمخالف لأهواء الاُمّة الموجب لخوف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من إقدامهم على القتل و الإيذاء، حتّى وعده اللّه العصمة منهم، فهو كأمر التوحيد الذي يخالف أهواء المشركين و عاداتهم الوثنية.

و معلوم أنّ ما اُنزل ليس مجرّد المحبّة، أو الفضيلة من فضائل علي (علیه السلام) ، بل من الاُمور المهمّة التي عليها مدار تبليغ الرسالة، بل الاُمور المدّعات في لسان المخالفين ليست ممّا يورث الخوف حتّى يوجب الوعد بالعصمة، كما لا يخفى. هذا.

و نحن نقتصر في المقام على تلك الآيات الثمانية التي لا يمكن الخدشة فيها، و إلاّ فالآيات الواردة في حقّ الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) أو في أعدائهم كثيرة جدّاً، لأجل الأخبار المروية عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أو الأئمّة في شأن نزولها من طرق العامّة و الخاصّة التي فيها دلالة بالمطابقة أو الالتزام، أو إشعار بإمامتهم منطوقاً أو مفهوماً، مثل قوله تعالى: {فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}(1)، حيث إنّهم أهل الذكر و هم المسؤولون.

و قوله تعالى: {وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً}(2)، حيث إنّهم حبل اللّه.

ص: 269


1- _ سورة النحل: 43 و الأنبياء: 7.
2- _ سورة آل عمران: 103.

و قوله تعالى: {فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى}(1)،حيث إنّهم العروة الوثقى.

و قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ}(2)، حيث إنّهم الصراط المستقيم.

و قوله تعالى: {وَ اسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا}(3)، حيث إنّ ولايتهمممّا بعث اللّه عليها النبيين.

و قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ}(4)، حيث إنّ النعيم ولايتهم.

و قوله تعالى: {وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ}(5)، حيث إنّ ولايتهم المسؤول عنها يوم القيامة.

و قوله تعالى: {عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ}(6)، لأجل ترك الولاية.

و قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(7)، نزلت فيهم.

و قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}(8)، نزلت فيهم.

ص: 270


1- _ سورة البقرة: 256.
2- _ سورة الفاتحة: 6.
3- _ سورة الزخرف: 45.
4- _ سورة التكاثر: 8.
5- _ سورة الصافّات: 24.
6- _ سورة المؤمنون: 74.
7- _ سورة النساء: 54.
8- _ سورة الإسراء: 71.

و قوله تعالى: {إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}(1)، هم أهل البيت.

و قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(2)، هم القربى.

و قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}(3)، حيث إنّهم داخلون في الصلوات.

و قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}(4)، حيث إنّهم نور على نور، و نور بعد نور.و قوله تعالى: {في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}(5)، هم الرجال.

و قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهيمَ وَ آلَ عِمْرانَ}(6)، هم آل إبراهيم.

و قوله تعالى: {وَ أَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ}(7)، هم الأقربون.

ص: 271


1- _ سورة الأحزاب: 33.
2- _ سورة الشورى: 23.
3- سورة الأحزاب: 56 .
4- سورة النور: 35 .
5- سورة النور: 36 .
6- سورة آل عمران: 33 .
7- سورة الشعراء: 214 .

و قوله تعالى: {وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}(1)، هم ذو القربى.

و قوله تعالى: {ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى}(2)، هم ذو القربى.

و قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(3)، حيث إنّهم خير البرية، و أعداؤهم شرّ البرية.

و قوله تعالى: {لا يَسْتَوي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ}(4)، حيث إنّهم و شيعتهم أصحاب الجنّة، و أعداؤهم أصحاب النار.

و قوله تعالى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}، {وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}(5)، حيث إنّ الحسنة ولايتهم، و السيّئة عداوتهم و إنكارهم.

و قوله تعالى: {وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(6)، في أمرالإمامة.

ص: 272


1- سورة الإسراء: 26 .
2- سورة الحشر: 7 .
3- سورة البيّنة: 7 .
4- _ سورة الحشر: 20.
5- _ سورة النمل: 89 _ 90.
6- _ سورة القصص:68.

و قوله تعالى: {وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى}(1)، بولايتهم.

و قوله تعالى: {يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ}(2)، هم جنب اللّه.

و قوله تعالى: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}، {عَنِ النَّبَإِ الْعَظيمِ}(3)، هم النبأ العظيم.

و قوله تعالى: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ}(4)، حيث إنّ علياً (علیه السلام) شرى نفسه.

و قوله تعالى: {الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً}(5)، ورد فيهم.

و قوله تعالى: {إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ}(6)، إنّه أهل النجوى.

و قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ}(7)، ورد فيهم و شيعتهم و أعدائهم.

و قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمينَ}(8)، علي (علیه السلام) هو المؤذّن.

ص: 273


1- _ سورة طه: 82.
2- _ سورة الزمر: 56.
3- _ سورة النبأ: 1 و 2.
4- _ سورة البقرة: 207.
5- _ سورة البقرة: 274.
6- _ سورة المجادلة: 12.
7- _ سورة فاطر: 32.
8- _ سورة الأعراف: 44.

و قوله تعالى: {وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ}(1)، هم أصحاب الأعراف.

و قوله تعالى: {أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ}(2)، إنّ ولايتهم نعمة اللّه.

و قوله تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}(3)، حيث إنّ علم الكتاب عندهم.

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}(4)، الشاهد علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ وَ جاهَدَ في سَبيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ}(5)، المؤمن المجاهد علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَريءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَ رَسُولُهُ}(6)، المؤذّن أميرالمؤمنین (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْريلُ وَ صالِحُ الْمُؤمِنينَ}(7)،

ص: 274


1- _ سورة الأعراف: 46.
2- _ سورة إبراهيم: 28.
3- _ سورة الرعد: 43.
4- _ سورة هود: 17.
5- _ سورة التوبة: 19.
6- _ سورة التوبة: 3.
7- _ سورة التحريم: 4.

علي (علیه السلام) صالح المؤمنین.

و قوله تعالى: {وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ}(1)، الاُذن الواعية علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً}(2)، همالموفون بالنذر.

و قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}(3)، علي (علیه السلام) هو الودّ.

و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ}(4)، علي (علیه السلام) هو المحبّ للّه و اللّه يحبّه.

و قوله تعالى: {وَ هُوَ الَّذي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً}(5)، الصهر هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}(6)، هم المستخلفون.

ص: 275


1- _ سورة الحاقّة: 12.
2- _ سورة الإنسان: 7.
3- _ سورة مريم: 96.
4- _ سورة المائدة: 54.
5- _ سورة الفرقان: 54.
6- _ سورة النور: 55.

و قوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقينَ كَالْفُجَّارِ}(1)، ورد فيهم و في أعدائهم.

و قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ}(2)، في أعدائهم.

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ كانَ مُؤمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(3)، فيعلي (علیه السلام) و أعدائه.

و قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ}(4)، أمر الولاية.

و قوله تعالى: {وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ}(5)، عن الولاية.

و قوله تعالى: {وَ الْعَصْرِ}، {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفي خُسْرٍ}(6)، أعداء علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ}(7)، هو علي (علیه السلام) .

ص: 276


1- _ سورة ص:28.
2- _ سورة الجاثية: 21.
3- _ سورة السجدة: 18.
4- _ سورة الزخرف: 43.
5- _ سورة الزخرف: 44.
6- _ سورة العصر: 1 و 2.
7- _ سورة التوبة: 100.

و قوله تعالى: {وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}، {أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}(1)، ورد فيهم.

و قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}(2)، هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {أَلْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنيدٍ}(3)، الملقي هو النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و علي (علیه السلام) .

إلى غير ذلك من الآيات التي ذكرها في غاية المرام، كلّ من طرق العامّة و الخاصّة، بأسانيد عديدة تبلغ تلك الآيات أكثر من مائة، و الأخبار الواردة فيها أكثر من ألف، فمن أراد راجعها.

مثل قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ}(4)، أي: أسامي الخمسة.و قوله تعالى: {وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعينَ}(5)، أي: معهم (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ}(6)، هي الولاية.

و قوله تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ}(7)، راجع إلى يوم الغدير.

ص: 277


1- _ سورة الواقعة: 10 و 11.
2- _ سورة الحجرات: 13.
3- _ سورة ق: 24.
4- _ سورة البقرة: 37.
5- _ سورة البقرة: 43.
6- _ سورة الأحزاب: 72.
7- _ سورة المعارج: 1.

و قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ}(1)، هم المضطرّون.

و قوله تعالى: {أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ}(2)، امتحان الناس بعد رحلة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و قوله تعالى: {وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكاً}(3)، الذكر أميرالمومنين (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى}(4)، هم أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}(5)، كما ارتدّوا بعد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) .

و قوله تعالى: {وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(6)، فتنة لصوص الخلافة.و قوله تعالى: {الَّذينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذينَ

ص: 278


1- _ سورة النمل: 62.
2- _ سورة العنكبوت: 2.
3- _ سورة طه: 124.
4- _ سورة طه: 135.
5- _ سورة آل عمران: 144.
6- _ سورة الأنفال: 25.

أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظيمٌ}(1)، هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا}(2)، على الأئمّة (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى {وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى}(3)، في نصب أميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هاؤمُ اقْرَؤا كِتابِيَهْ}(4)، أهل الولاية.

و قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقينَ في جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ}(5)، هم و أصحابهم.

و قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفًّا}(6)، نزلت في علي (علیه السلام) و أتباعه.

و قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذينَ سَبَقُونا بِالْإيمانِ}(7)، السابق علي (علیه السلام) .

ص: 279


1- _ سورة آل عمران: 172.
2- _ سورة آل عمران: 200.
3- _ سورة النجم: 2 و3.
4- _ سورة الحاقّة: 19.
5- _ سورة القمر: 54.
6- _ سورة الصفّ: 4.
7- _ سورة الحشر: 10.

و قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ}(1)، علي و فاطمة (علیهما السلام) .

و قوله تعالى: {وَ الَّذي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ}(2)، هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ}(3)، في علي (علیه السلام) و أعدائه.

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}(4)، هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً}(5)، هو علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذينَ لا يَعْلَمُونَ}(6)، بين علي (علیه السلام) و أعدائه.

و قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظيماً}(7)، شيعة علي (علیه السلام) .

ص: 280


1- _ سورة الرحمن: 19.
2- _ سورة الزمر: 33.
3- _ سورة الزمر: 29.
4- _ سورة الزمر: 22.
5- _ سورة الزمر: 9.
6- _ همان.
7- _ سورة الفتح: 29

و قوله تعالى: {وَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ}(1)، هم الأئمّة (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {وَ أَنْزَلْنَا الْحَديدَ فيهِ بَأْسٌ شَديدٌ}(2) ، سيف علي (علیه السلام) .و قوله تعالى: {وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤمِنينَ الْقِتالَ}(3)، بعلي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ فَالَّذينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ}(4)، في علي (علیه السلام) و أعدائه من بني اُمية و غيرهم.

و قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقينَ في ظِلالٍ وَ عُيُونٍ}(5)، هم علي و أولاده (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}(6)، أي: المنافقون من قريش و الذين آمنوا علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}(7)، هم الناكثون لبيعة علي (علیه السلام) بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .

ص: 281


1- _ سورة الحديد: 19.
2- _ سورة الحديد: 25.
3- _ سورة الأحزاب: 25.
4- _ سورة الحجّ: 19.
5- _ سورة المرسلات: 41.
6- _ سورة المطفّفين: 29.
7- _ سورة البقرة: 15.

و قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ}(1)، الآية سيدهم و أوّلهم علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}(2)، إنّ علياً (علیه السلام) شبيه عيسى (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ}(3)، النبي و علي و أهل بيته (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ}(4)، همالأئمّة (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ}(5)، الآية الدعوة لولاية علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ}(6)، النصر أميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى}(7)،

ص: 282


1- _ سورة الفتح: 10.
2- _ سورة الزخرف: 57.
3- _ سورة النساء: 69.
4- _ سورة الأعراف: 181.
5- _ سورة الأنفال: 24.
6- _ سورة الأنفال: 62.
7- _ سورة الرعد: 19.

فيهم و أعدائهم.

و قوله تعالى: {وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتينَ}(1)، هم خاصّته.

و قوله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(2)، هم و شيعتهم.

و قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا _ إلى قوله _ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}(3)، علي (علیه السلام) و أصحابه مع معاوية و أصحابه.

و قوله تعالى: {جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ}(4)، فيهم.

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقيهِ}(5)، أميرالمؤمنين (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}(6)، الآيةعلي (علیه السلام) و أتباعه.

و قوله تعالى: {رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ}(7)، هم الأئمّة (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {فقد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى}(8)، الولاية.

ص: 283


1- _ سورة الحجّ: 34.
2- _ سورة الرعد: 28.
3- _ سورة البقرة: 253.
4- _ سورة الإسراء: 81.
5- _ سورة القصص:61.
6- _ سورة الأحزاب: 23.
7- _ سورة النساء: 83.
8- _ سورة البقرة: 256.

و قوله تعالى: {وَ أَنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً}(1)، هو طريق علي (علیه السلام) و ذرّيته.

و قوله تعالى: {أَ فَمَنْ يَمْشي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ}(2)، علي (علیه السلام) و ذرّيته يمشي سوياً و أعداؤهم مكبّاً.

و قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سيئَتْ وُجُوهُ الَّذينَ كَفَرُوا}(3)، في ادّعاء لقب إمارة أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، فإنّه من مختصّات علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ}(4)، هو بغض علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذينَ آمَنُوا مَعَهُ}(5)، هم أهل البيت (علیهم السلام) .

و قوله تعالى: {وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ}(6)، في أمر علي (علیه السلام) .

و قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذي أَنْزَلْنا}(7)، هو الولاية.

و قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}(8)، في ولاية علي (علیه السلام) .

ص: 284


1- _ سورة الأنعام: 153.
2- _ سورة الملك: 22.
3- _ سورة الملك: 27
4- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 30.
5- _ سورة التحريم: 8.
6- _ سورة النساء: 115.
7- _ سورة التغابن: 8.
8- _ سورة البقرة: 208.

و قوله تعالى: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ}(1)، نزلت في نجوى المنافقين لنقض الولاية.

و ما ذكرناه فوق حدّ الكفاية.

و الاشكال في أسانيد بعضها، مندفع بأنّها من حيث المجموع فوق حدّ التواتر، و كذا الاشكال في دلالة بعضها؛ لأنّها بانضمام بعضها ببعض تصير قطعيّة الدلالة، فهذا ممّا لا إشكال فيه.

و أمّا الاستدلال بالأخبار المتواترة، فهي على طوائف، نذكر معدوداً منها من كتب العامّة إلزاماً عليهم، و هي كثيرة جدّاً:

الأوّل: أخطب الخوارزمي موفّق بن أحمد المكّي في كتاب الفضائل، بإسناده عن أبي سليمان(2)

راعي إبل رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ لِيَ الْجَلِيلُ جَلَّ جَلَالُهُ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}، قُلْتُ: {وَ الْمُؤْمِنُونَ}(3)، قَالَ: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ! فِي أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَيْرَهَا، قَالَ: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ! قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَشَقَقْتُ لَكَ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَلَا أُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي، فَأَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ اطَّلَعْتُ الثَّانِيَةَ، فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيّاً، فَشَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا الْأَعْلَى وَ هُوَ عَلِيٌّ.

يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ خَلَقْتُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ الْأَئِمَّةَ

ص: 285


1- _ سورة المجادلة: 7.
2- _ الصحیح: ابي سلمی.
3- _ سورة البقرة: 285.

مِنْ وُلْدِهِ مِنْ نُورِي، وَ عَرَضْتُ وَلَايَتَكُمْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَ أَهْلِ الْأَرَضِينَ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ جَحَدَهَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الْكَافِرِينَ.

يَا مُحَمَّدُ! لَوْ أَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيدِي عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ أو يَصِيرَ كَالشَّنِّ الْبَالِي، ثُمَّ أَتَانِي جَاحِداً لِوَلَايَتِكُمْ مَا غَفَرْتُ لَهُ، حَتَّى يُقِرَّ بِوَلَايَتِكُمْ.

يَا مُحَمَّدُ! أَ تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ! فَقَالَ لِي: الْتَفِتْ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ الْمَهْدِيِّ (علیهم السلام) فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نُورٍ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَ هُوَ فِي وَسَطِهِمْ، يَعْنِي الْمَهْدِيَّ يُضِي ءُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.

فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ! هَؤُلَاءِ الْحُجَجُ وَ هُوَ الثَّائِرُ مِنْ عِتْرَتِكَ، وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي! إِنَّهُ الْحُجَّةُ الْوَاجِبَةُ لِأَوْلِيَائِي، وَ الْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي.(1)

الثاني: أخطب الخوارزمي هذا بإسناده عن سعيد بن بشير، عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : أَنَا وَارِدُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ! السَّاقِي، وَ الْحَسَنُ الذَّائِدُ، وَ الْحُسَيْنُ الْآمِرُ، وَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَارِضُ(2)، وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّاشِرُ، وَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّائِقُ، وَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ مُحْصِي الْمُحِبِّينَ وَ الْمُبْغِضِينَ وَ قَامِعُ الْمُنَافِقِينَ، وَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى مُزَيِّنُ الْمُؤْمِنِينَ، وَ

ص: 286


1- _ بحار الأنوار، ج 36، ص216، ح18 و ص262، ح82؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 1، ص173، ح270؛ مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين و الأئمة، ص38؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص11؛ مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص146، ح23.
2- _ في المقتل و البحار: الفارط.

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مُنْزِلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ خَطِيبُ شِيعَتِهِ وَ مُزَوِّجُهُمُ الْحُورَ الْعِينَ، وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ سِرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يَسْتَضِيئُونَ بِهِ، وَ الْمَهْدِيُّ شَفِيعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَيْثُ لَا يَأْذَنُ اللَّهُ إِلَّا لِمَنْ يَشاءُ وَ يَرْضى.(1)

الثالث: ما عن عبداللّه بن أبي أوفى، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَنَّهُ قَالَ (صلی الله علیه و آله و سلم) : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ (علیه السلام) ، كَشَفَ لَهُ عَنْ بَصَرِهِ، فَنَظَرَ إِلَى جَنْبِ الْعَرْشِ فَرَأَى نُوراً، فَقَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! مَا هَذَا النُّورُ؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَذَا مُحَمَّدٌ صَفِيِّي، فَقَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! أَرَى إِلَى جَانِبِهِ نُوراً آخَرَ؟ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَذَا عَلِيٌّ نَاصِرُ دَيْنِي، فَقَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! أَرَى إِلَى جَانِبِهِمَا نُوراً ثَالِثاً؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَذِهِ فَاطِمَةُ تَلِي أَبَاهَا وَ بَعْلَهَا، فَطَمْتُ مُحِبِّيهَا مِنَ النَّارِ.

قَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! أَرَى نُورَيْنِ يَلِيَانِ الثَّلَاثَةَ الْأَنْوَارَ؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَذَانِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ يَلِيَانِ أَبَاهُمَا وَ جَدَّهُمَا وَ أُمَّهُمَا.

فَقَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! أَرَى تِسْعَةَ أَنْوَارٍ أَحْدَقُوا بِالْخَمْسَةِ الْأَنْوَارِ؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِمْ، فَقَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! فَبِمَنْ يُعْرَفُونَ؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَ مُحَمَّدٌ وَلَدُ عَلِيٍّ، وَ جَعْفَرٌ وَلَدُ مُحَمَّدٍ، وَ مُوسَى وَلَدُ جَعْفَرٍ، وَ عَلِيٌّ وَلَدُ مُوسَى، وَ مُحَمَّدٌ وَلَدُ عَلِيٍّ، وَ عَلِيٌّ وَلَدُ مُحَمَّدٍ، وَ الْحَسَنُ وَلَدُ عَلِيٍّ، وَ مُحَمَّدٌ وَلَدُ الْحَسَنِ، الْقَائِمُ الْمَهْدِي (علیهم السلام) .

قَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! وَ أَرَى عِدَّةَ أَنْوَارٍ حَوْلَهُمْ لَا يُحْصِي عِدَّتَهُمْ إِلَّا أَنْتَ؟ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! هَؤُلَاءِ شِيعَتُهُمْ وَ مُحِبُّوهُمْ، قَالَ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي! وَ بِمَا يُعْرَفُونَ

ص: 287


1- _ بحار الأنوار، ج 26، ص316، ح80 و ج 36، ص270؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 1، ص174، ح271؛ مائة منقبة لابن شاذان ص23؛ مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص145، ح21.

شِيعَتُهُمْ وَ مُحِبِّيهِمْ؟ قَالَ: بِصَلَاةِ الْإِحْدَى وَ الْخَمْسِينَ، وَ الْجَهْرِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَ سَجْدَةِ الشُّكْرِ، وَ التَّخَتُّمِ بِالْيَمِينِ.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ شِيعَتِهِمْ وَ مُحِبِّيهِمْ، قَالَ: قَدْ جَعَلْتُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ}، {إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(1).

قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ(2)، لَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ وَ سَجَدَ، فَقُبِضَ فِي سَجْدَتِه. (3)

الرابع: مقتضب الأثر لأحمد بن محمّد بن عياش، بإسناده عن جابر، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُحَدِّثُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیهم السلام) بِمَكَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ خَلَّفْتَ فِي الْأَرْضِ عَلَى أُمَّتِكَ؟ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، قُلْتُ: يَا رَبِّ! أَخِي. و ساق الحديث قريباً إلى الحديث الأوّل المتقدّم.

إلى أن قال: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عُمَرَ! وَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ أَخْبَرَكَ أَحَدٌ غَيْرَ أَبِيكَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ أَمَّا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَلَا، وَ لَكِنِّي كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ؛ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا عَلَى عَدَدِ

ص: 288


1- _ سورة الصافات: 83 _ 84.
2- _ في بعض المصادر: «إنّ إبراهيم» و هو أبوحنيفة الشيعي.
3- _ بحار الأنوار، ج 36، ص:213، ح15؛ الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) (لابن شاذان القمي)، ص:186، ح161؛ الفضائل (لابن شاذان القمي)، ص158؛ مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر، ج 3، ص363، ح929.

نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) .

فَقَالَ كَعْبٌ: هَذَا الْمُقَفِّي أَوَّلُهُمْ وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ، وَ سَمَّاهُ كَعْبٌ بِأَسْمَائِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ تقوبيث، قيذوا، دبيرا، مفسورا، مسموعا، دوموه، مشيو، هذار، يثمو، بطور، نوقس؛ قيذمو.(1) الحديث طويل، اكتفينا به على هذا المقدار.

إلى غير ذلك من الأخبار، هذا من طرق العامّة.

و أمّا من طرق الخاصّة، فكثيرة جدّاً، و نحن نقتصر على ذكر الفهرست لتلك الأخبار، فنقول: هي على طوائف:

الاُولى: النصوص الواردة الصريحة في أسمائهم واحداً بعد واحد، قد جمعها الاُستاد (قدس سره) في نصائح الهداة المنصفة لإبطال المذهب البابية، و هي تزيد على المائة.(2)

الثانية: الأخبار الواردة في كون الأئمّة اثني عشر عدد نقباء بني إسرائيل كلّهم من قريش، تبلغ حدّ التواتر.(3)

الثالثة: الأخبار الواردة في أنّ الأرض لا تخلو عن الحجّة: إمّا ظاهر مشهور، أو غائب مستور.(4)

الرابعة: الخبر المتواتر بين الفريقين من حديث المنزلة في قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «أنت

ص: 289


1- _ بحار الأنوار، ج 36، ص222، ح21؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص26.
2- _ كتاب نصائح الهدى للعلاّمة البلاغي المطبوع في موسوعته، ج6، ص381.
3- _ إحقاق الحقّ، ج13، ص1 _ 48؛ بحارالأنوار، ج36، ص226 _ 390.
4- _ الاحتجاج، ج2، ص317؛ بحار الأنوار، ج23، ص5، ح10.

منّي بمنزلة هارون من موسى»، و قد صنّف في العبقات مجلّدين في طبقاتسند هذا الحديث بحيث تصير فوق التواتر و في دلالتها.(1)

الخامسة: أحاديث الطير المشوي ، و هي أيضاً تبلغ التواتر.(2)

السادسة: أخبار السفينة في قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح»، و هي أيضاً تبلغ التواتر.(3)

السابعة: الأخبار الواردة في الغدير.(4)

الثامنة: الأخبار الواردة فى ذيل الآيات الشريفة المتقدّمة، و هي تبلغ ألفاً.

التاسعة: الأخبار الواردة في شؤونهم و فضائلهم و مناقبهم، و هي أكثر من اُلوف.

العاشرة: الأخبار الواردة في معاجزهم، و هي على ما في مدينة المعاجز معنون بعنوان ستّ و ستّين و ألفين حديثاً، لكن عند التحقيق تبلغ عشرة آلاف حديثاً، و لعمري أنّ تلك الطوائف لو جمعها جامع تزيد على مائة ألف حديث في كلّ دلالة كافية، و لا يمكن الإحاطة بها و ضبطها و تدوينها طول العمر، و

ص: 290


1- _ إحقاق الحق، ج 4 إلى ج5، ص235؛ بحار الأنوار، ج37، ص254 _ 285؛ عبقات الأنوار، ج 11 إلى ج12، ص369.
2- _ إحقاق الحق، ج5، ص318 _ 368؛ بحار الأنوار، ج38، ص348 _ 360؛ عبقات الأنوار، ج13، ص2 _ 196.
3- _ إحقاق الحق، ج9، ص269 _ 294؛ بحار الأنوار، ج23، ص105 _ 156؛ عبقات الأنوار، ج23، ص913 _ 1083.
4- _ إحقاق الحق، ج6، ص225 _ 368؛ بحار الأنوار، ج37، ص108 _ 253؛ عبقات الأنوار، ج1 إلى ج5، في بيان سند الحديث، و ج6 إلى ج10، في بيان دلالة الحديث.

من أراد الاطّلاع ببعضها، فليطلبها من الكتب المعدّة لها، كالبحار، و الوافي، و غاية المرام، و مدينة المعاجز، و العبقات، و غيرها من كتب العامّة و الخاصّة.

كتاب فضل تو را آب بحر كافی نيست

كه تر كنم سر انگشت و صفحه بشمارم{قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً}(1)، لو صارت الأشجار أقلاماً، و البحار مداداً، و الملائكة كتّاباً، و الخلائق حسّاباً، ما أحصوا فضائلهم.

المقام الثالث: في شؤونهم و فضائلهم

و يكفيك في ذلك كتاب واحد، و هو غاية المرام، الذي جمع فيه الأخبار الواردة في هذا الباب من طرق العامّة و الخاصّة، المشتملة على تسع و خمسين و أربعمائة أبواب، كلّ باب مشتمل على أخبار كثيرة، تبلغ أربعة آلاف و ثلاثمائة و واحداً و ثمانين حديثاً على ما عددّناها، مع أنّه قد ثبت بالبراهين العقلية و النقلية من الكتاب و السنّة عدم إمكان إحصاء فضائلهم و مناقبهم.

أمّا العقل، فلأنّهم (علیهم السلام) المظاهر التامّات لجميع الأسماء الحسنى، فهم مظهر «يا حيّ يا قيّوم، يا سميع يا بصير، يا عليم يا قدير، يا حكيم يا عدل، يا محيط يا خبير» إلى غير ذلك من الأسماء بنحو الأتمّ الأكمل، فكما لا يمكن الإحاطة بتلك الأسماء لا يمكن الإحاطة بتلك المظاهر.

ص: 291


1- _ سورة الكهف: 109.

و أمّا الكتاب، فقوله تعالى: {وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ في إِمامٍ مُبينٍ}(1)، و هم الإمام المبين.

و قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً}(2)، و هم الكلمات التامّات.و أمّا السنّة، فلقول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لَوْ أَنَّ الْغِيَاضَ أَقْلَامٌ، وَ الْبَحْرَ مِدَادٌ، وَ الْجِنَّ حُسَّابٌ، وَ الْإِنْسَ كُتَّابٌ، مَا أَحْصَوْا فَضَائِلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب.(3)

أقول: فكيف يمكن الغور في ذلك؟ و من أراد ذلك فليرجع إلى محالّها.

المقام الرابع: في معاجزهم

و قد تقدّم آنفاً أنّها أكثر من أن تحصى، بل المعجزات الباهرة و خوارق العادات الظاهرة الصادرة من قبورهم، و ممّن توسّل بهم في الشدائد و المهالك و المرضى و الحوائج، في كلّ سنة بل شهر، بل في كلّ يوم و في كلّ مكان و من كلّ شخص، كيف يمكن لغير علاّم الغيوب الإحاطة بها، بل الخوارق العادات الصادرة من أبناء الأئمّة (علیهم السلام) و السادة الأجلّة و العلماء العظام من قبورهم و التوسّل بهم، كلّها يرجع إلى معاجزهم، و دليل على إمامتهم.

و هذا أيضاً لا يمكن الإحاطة بها، و كلّ إنسان في طول دهره سيما

ص: 292


1- _ سورة يس: 12.
2- _ سورة الكهف: 109.
3- _ بحار الأنوار، ج38، ص197 و ج 40، ص49 و ص70، ح105؛ کشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 1، ص112؛ كنز الفوائد، ج1، ص280.

المجاورين لقبورهم قد شاهد من ذلك جمّاً غفيراً و عدداً كثيراً.

المقام الخامس: في غيبة ولي العصر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

اشارة

و فيها مطالب،

المطلب الاول

اشارة

أحدها: في من نال بزيارته، و تشرّف بلقائه في حياة أبيه، و في الغيبة الصغرى، و في الغيبة الكبرى، و هم يزيدون على المائة، بل المآت، بل الألف بل الاُلوف، و نحن نذكر شطراً منهم، بحيث يورث التواتر القطعيالذي لا يبقى مجالاً لإنكار وجوده على المعاند و المخالف رغماً منه:

فمنهم: حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد (علیه السلام) و نسيم و مارية، قلن: لَمَّا خَرَجَ صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام) مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قَائِماً لِسَبَّابَتَيْهِ، ثُمَّ عَطَسَ، وَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَ صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، إلى أن قال: زَعَمَتِ الظُّلَّمُ أَنَ حُجَّةَ اللَّهِ دَاحِضَةٌ، لَوْ أُذِنَ لَنَا بِالْكَلَامِ لَزَالَ الشَّكُّ.(1)

و منهم: أبونصر الخادم، على ما في كشف الغمّة، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام) وَ هُوَ فِي الْمَهْدِ، فَقَالَ لِي: عَلَيَّ بِالصَّنْدَلِ الْأَحْمَرِ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: أَ تَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنْتَ سَيِّدِي وَ ابْنُ سَيِّدِي، فَقَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ، فَقُلْتُ: فَسِّرْ لِي، فَقَالَ: أَنَا خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ، وَ بِي يَرْفَعُ اللَّهُ الْبَلَاءَ عَنْ

ص: 293


1- _ بحار الأنوار، ج73، ج53، ح 5؛ الخرائج و الجرائح، ج 1، ص457، ح2؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص 245؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص498؛ الهداية الكبرى، ص357.

أَهْلِي وَ شِيعَتِي.(1)

و منهم: يعقوب بن منقوش على ما عن الصدوق، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ، وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَى دُكَّانٍ فِي الدَّارِ، وَ عَنْ يَمِينِهِ بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسَبَّلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي! مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ (علیه السلام) : ارْفَعِ السِّتْرَ، فَرَفَعْتُهُ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ لَهُ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاضِحُ الْجَبِينِ، أَبْيَضُ الْوَجْهِ دُرِّيُّ الْمُقْلَتَيْنِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ(2)، مَعْطُوفُ الرُّكْبَتَيْنِ، فِي خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ، وَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، فَجَلَسَ عَلَى فَخِذِ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، ثُمَّ قَالَ لِي: هَذَا صَاحِبُكُمْ، ثُمَّ وَثَبَ، فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ! ادْخُلْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، فَدَخَلَالْبَيْتَ وَ أَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا يَعْقُوبُ! انْظُرْ مَنْ فِي الْبَيْتِ، فَدَخَلْتُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً.(3)

و منهم: عثمان بن سعيد العمري، و محمّد بن معاوية بن حكيم، و ابن أيّوب بن نوح، و علي بن بلال، و أحمد بن هلال، قَالُوا: جَمِيعاً اجْتَمَعْنَا إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) نَسْأَلُهُ عَنِ الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَقَامَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْعَمْرِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَمْرٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، يَا عُثْمَانُ! فَقَامَ مُغْضَباً لِيَخْرُجَ، فَقَالَ: لَا يَخْرُجَنَّ أَحَدٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنَّا أَحَدٌ إِلَى أَنْ كَانَ بَعْدَ

ص: 294


1- _ بحار الأنوار، ج 52، ص30، ح25؛ الخرائج و الجرائح، ج 1، ص458، ح3؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص499؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص441، ح12؛ مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر، ج 8، ص139، ح2747؛ الهداية الكبرى، ص358.
2- _ أي: أنّهما يميلان إلى الغلظ و القصر. النهاية لابن الأثير، ج2، ص444.
3- _ بحار الأنوار، ج52، ص25، ح17؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص407، ح2 و ص437، ح5.

سَاعَةٍ، فَصَاحَ (علیه السلام) بِعُثْمَانَ، فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا جِئْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! قَالَ: جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّي عَنِ الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي، قَالُوا: نَعَمْ، فَإِذَا غُلَامٌ كَأَنَّهُ قِطَعُ قَمَرٍ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، فَقَالَ: هَذَا إِمَامُكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، أَطِيعُوهُ وَ لَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي، فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ.

أَلَا! وَ إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا، حَتَّى يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا يَقُولُهُ، وَ انْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ، وَ اقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ وَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ.(1)

و منهم: سائر الوكلاء، و هم محمّد بن عثمان، و حسين بن روح، و علي بن محمّد السمري.

و منهم: إسماعيل بن علي النوبختي، قال على ما عن الطوسي: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) فِي الْمَرْضَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَ أَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَلِخَادِمِهِ عَقِيدٍ، وَ كَانَ الْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبِيّاً، قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، وَ هُوَ رَبَّى الْحَسَنَ (علیه السلام) ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَقِيدُ! أَغْلِ لِي مَاءً بِمصْطكي، فَأَغْلَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ الْجَارِيَةُ أُمُّ الْخَلَفِ، فَلَمَّا صَارَ الْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَ هَمَّ بِشُرْبِهِ، فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حَتَّى ضَرَبَ الْقَدَحَ ثَنَايَا الْحَسَنِ (علیه السلام) ، فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَ قَالَ لِعَقِيدٍ: ادْخُلِ الْبَيْتَ، فَإِنَّكَ تَرَى صَبِيّاً سَاجِداً فَأْتِنِي بِهِ.

قَالَ أَبُو سَهْلٍ: قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٌ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سَيِّدِي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، إِذْ جَاءَتْ أُمُّهُ صَقِيلُ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ (علیه السلام) .

ص: 295


1- _ بحار الأنوار، ج51، ص346؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص357.

قَالَ أَبُو سَهْلٍ: فَلَمَّا مَثُلَ الصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَ إِذَا هُوَ دُرِّيُّ اللَّوْنِ، وَ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ (علیه السلام) بَكَى، وَ قَالَ: يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ! اسْقِنِي الْمَاءَ، فَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي، وَ أَخَذَ الصَّبِيُّ الْقَدَحَ الْمَغْلِيَّ بِالْمصْطكي بِيَدِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ سَقَاهُ، فَلَمَّا شَرِبَهُ قَالَ: هَيِّئُونِي لِلصَّلَاةِ فَطُرِحَ فِي حَجْرِهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ الصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَ قَدَمَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) : أَبْشِرْ، يَا بُنَيَّ! فَأَنْتَ صَاحِبُ الزَّمَانِ، وَ أَنْتَ الْمَهْدِيُّ، وَ أَنْتَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى أَرْضِهِ، وَ أَنْتُ وَلَدِي وَ وَصِيِّي، وَ أَنَا وَلَدْتُكَ، وَ أَنْتَ م ح م د بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیهم السلام) ، وَلَدَكَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، وَ أَنْتَ خَاتِمُ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ،(1)

وَ بَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، وَ سَمَّاكَ وَ كَنَّاكَبِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبِي عَنْ آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَ مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیهم السلام) مِنْ وَقْتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.(2)

و منهم: أحمد بن إسحاق القمّي رضي اللّه عنه، على ما عن البحار، قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ، وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَهُ، فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً: يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ! إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُخْلِ الْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ، وَ لَا تَخْلُو إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بِهِ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَ بِهِ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَ بِهِ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ.

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! فَمَنِ الْإِمَامُ وَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (علیه السلام) ،

ص: 296


1- _ فی کتاب الغيبة(للطوسي): أَنْتَ خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ.
2- _ بحار الأنوار، ج52، ص16؛ كتاب الغيبة(للطوسی)، ص272؛ منتخب الأنوار المضيئة في ذكر القائم الحجة (علیه السلام) ، ص142.

فَدَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَ عَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ! لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ كَنِيُّهُ، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً.

يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ! مَثَلُهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضِرِ (علیه السلام) ، وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَ اللَّهِ! لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ التَّهْلُكَةِ، إِلَّا مَنْ يُثْبِتُهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَ وَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلَايَ! هَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي؟ فَنَطَقَ الْغُلَامُ (علیه السلام) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ، فَقَالَ: أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَ الْمُنْتَقِمُ مِنْأَعْدَائِهِ، فَلَا تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجْتُ مَسْرُوراً فَرِحاً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! لَقَدْ عَظُمَ سُرُورِي بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، فَمَا السُّنَّةُ الْجَارِيَةُ فِيهِ مِنَ الْخَضِرِ وَ ذِي الْقَرْنَيْنِ؟

فَقَالَ: طُولُ الْغَيْبَةِ، يَا أَحْمَدُ! فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! وَ إِنَّ غَيْبَتَهُ لَتَطُولُ؟ قَالَ: إِي، وَ رَبِّي! حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِهِ، فَلَا يَبْقَى إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ عَهْدَهُ بِوَلَايَتِنَا، وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍمِنْهُ.

يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ! هَذَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ، وَ غَيْبٌ مِنْ غَيْبِ

ص: 297

اللَّهِ، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ، وَ اكْتُمْهُ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ تَكُنْ غَداً فِي عِلِّيِّينَ.(1)

و منهم: سعد بن عبداللّه القمّي، على ما عن الاحتجاج و تبصرة الولي،(2) و حكايته طويلة، من مناظرته مع بعض المتعصّبين، و ذهابه إلى أحمد بن إسحاق مع طومار فيها مسائل مشكلة، و تشرّفه مع أحمد في سامرّاء إلى لقاء أبي محمّد (علیه السلام) و صاحب الأمر، و أخذ الجوابات الوافية الكافية لمّا اُشكل إليه من المسائل، و قصّة جراب الذي كان على عاتق أحمد، و بيان صاحب الأمر له الحلال منه و الحرام، و بيان صاحبيها، و حكاية القميص الذي أرسلت إليه العجوز، و حكاية وفاة أحمد في بعض الطريق، و مجيء كافور الخادم و تغسيله و تكفينه، قد نقلها في الزام الناصب، فراجع.(3)و منهم: عبداللّه الستوري على ما في إلزام الناصب، قال: صرت إلى بستان بني هاشم، فرأيت غلماناً يلعبون في غدير ماء و فتىً جالس على مصلّى واضعاً كمّه على فيه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: م ح م د بن الحسن بن علي، و كان في صورة أبيه.(4)

و منهم: كامل بن إبراهيم، حيث وجّهه قوم من المفوّضة إلى مولانا أبي

ص: 298


1- _ بحار الأنوار، ج52، ص23، ح16؛ الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص759؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص526؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص384، ح1.
2- _ الاحتجاج، ج2، ص461؛ تبصرة الولي للعلاّمة البحراني، ص771، ح37.
3- _ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، ج 1، ص312؛ بحار الأنوار، ج52، ص78 _ 88؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص454، ح21.
4- _ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، ج 1، ص320؛ بحار الأنوار، 52، ص40، ح29؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص441، ح13.

محمّد (علیه السلام) يسأله عن مقالة المفوّضة في أنّ اللّه تبارك و تعالى فوّض إلى الأئمّة (علیهم السلام) أمر خلقه، و يسأله عن الحديث المروي عنه أن لا يدخل الجنّة إلاّ من عرّفه معرفة الإمام و قال بمقالته.

قال كامل: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، جَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُرْخًى، فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ طَرَفَهُ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ، مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا.

فَقَالَ لِي: يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ! فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَ أُلْهِمْتُ أَنْ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي! فَقَالَ: جِئْتَ إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ حُجَّتِهِ وَ بَابِهِ، تَسْأَلُهُ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتَكَ وَ قَالَ بِمَقَالَتِكَ؟

فَقُلْتُ: إِي، وَ اللَّهِ! قَالَ: إِذَنْ وَ اللَّهِ! يَقِلُّ دَاخِلُهَا، وَ اللَّهِ! إِنَّهُ لَيَدْخُلُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ الْحَقِّيَّةُ. قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ مِنْ حُبِّهِمْ لِعَلِيٍّ يَحْلِفُونَ بِحَقِّهِ وَ لَا يَدْرُونَ مَا حَقُّهُ وَ فَضْلُهُ. ثُمَّ سَكَتَ (علیه السلام) عَنِّي سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: وَ جِئْتَ تَسْأَلُهُ عَنْمَقَالَةِ الْمُفَوِّضَةِ كَذَبُوا، بَلْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِمَشِيَّةِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ شِئْنَا وَ اللَّهُ يَقُولُ: «وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ»(1)،

ثُمَّ رَجَعَ السِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ (علیه السلام) مُتَبَسِّماً، فَقَالَ: يَا كَامِلُ! مَا جُلُوسُكَ وَ قَدْ أَنْبَأَكَ بِحَاجَتِكَ الْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِي، فَقُمْتُ وَ خَرَجْتُ وَ لَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.(2)

و منهم: أبوالعبّاس أحمد بن جعفر الحميري القمّي مع وفد من قم على ما

ص: 299


1- _ سورة الإنسان: 30 و سورة التكوير: 29.
2- _ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، ج 1، ص309؛ بحار الأنوار، ج52، ص50، ح35؛ دلائل الإمامة للطبري، ص506؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص246؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص499؛ الهداية الكبرى، ص359.

عن البحار، قدموا سامرّاء بعد وفاة العسكري (علیه السلام) ، فسألوا عن وارثه، فقيل: جعفر، فدخلوا عليه، فطلبوا منه إخبارهم بالمقدار المال الذي معهم و مالكيه، و الخاتم الذي ختم عليه، و الألبسة التي كانت معهم، فقال جعفر: هذا علم الغيب، إلى أن شكى عند الخليفة، و طلب منهم الخليفة الأموال، فقالوا: نحن الوكلاء، و كان أبومحمّد (علیه السلام) يفعل كذا و كذا من العلامات.

فلمّا ذهبوا و خرجوا من بلدة السامرّاء جاءهم غلام حسن الوجه، فناداهم بأسمائهم و أسماء آبائهم أجيبوا مولاكم، فقالوا: أنت؟ قال: معاذ اللّه، أنا خادم، فجاؤوا بهم إلى دار العسكري (علیه السلام) ، فإذا بالقائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر، عليه ثياب خضر، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فأخبرهم بجملة المال و حمل فلان و فلان كذا و كذا ديناراً، حتّى وصف الجميع، ثمّ وصف ثيابهم و رحالهم و دوابّهم، فخرّوا سجّداً للّه شكراً لما عرّفهم، فسألوا عنه ما أرادوا و أجابهم و أمرهم أن لا يحملوا إلى سرّ من رأى شيئاً، بل إلى بغداد عند الوكلاء.(1)

و عن الصدوق قال: وَ قَدْ كَانَ جَعْفَرٌ حَمَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ لَمَّاتُوُفِّيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! تَجْعَلُ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَ مَنْزِلَتَهُ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ، اعْلَمْ أَنَّ مَنْزِلَةَ أَخِيكَ لَمْ تَكُنْ بِنَا، إِنَّمَا كَانَتْ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، نَحْنُ كُنَّا نَجْتَهِدُ فِي حَطِّ مَنْزِلَتِهِ وَ الْوَضْعِ مِنْهُ، وَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَأْبَى إِلَّا أَنْ يَزِيدَهُ كُلَّ يَوْمٍ رِفْعَةً بِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الصِّيَانَةِ، وَ حُسْنِ السَّمْتِ وَ الْعِلْمِ وَ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَخِيكَ بِمَنْزِلَتِهِ، فَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَيْنَا، وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ

ص: 300


1- _ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص476، ح26.

بِمَنْزِلَتِهِ، وَ لَمْ يَكُنْ فِيكَ مَا فِي أَخِيكَ لَمْ نُغْنِ عَنْكَ فِي ذَلِكَ شَيْئاً.(1)

و منهم: أبوعلي محمّد بن أحمد المحمودي، قال: حَجَجْتُ نَيِّفاً وَ عِشْرِينَ سَنَةً، كُنْتُ فِي جَمِيعِهَا أَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَ أَقِفُ عَلَى الْحَطِيمِ، وَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَ أُدِيمُ الدُّعَاءَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَ أَقِفُ بِالْمَوْقِفِ، وَ أَجْعَلُ جُلَّ دُعَائِي أَنْ يُرِيَنِي مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَانِ (علیه السلام) ، فَإِنَّنِي فِي بَعْضِ السِّنِينَ قَدْ وَقَفْتُ بِمَكَّةَ عَلَى أَنْ أَبْتَاعَ حَاجَةً، وَ مَعِي غُلَامٌ فِي يَدِهِ مِشْرَبَةُ حَلِيجٍ مُلَمَّعَةٍ، فَدَفَعْتُ إِلَى الْغُلَامِ الثَّمَنَ، وَ أَخَذْتُ الْمِشْرَبَةَ مِنْ يَدِهِ، وَ تَشَاغَلَ الْغُلَامُ بِمُمَاكَسَةِ الْبَيْعِ، وَ أَنَا وَاقِفٌ أَتَرَقَّبُ، إِذْ جَذَبَ رِدَائِي جَاذِبٌ، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا أُذْعِرْتُ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، هَيْبَةً لَهُ، فَقَالَ لِي: تَبِيعُ الْمِشْرَبَةَ؟ فَلَمْ أَسْتَطِعْ رَدَّ الْجَوَابِ، وَ غَابَ عَنْ عَيْنِي، فَلَمْ يَلْحَقْهُ بَصَرِي، فَظَنَنْتُهُ مَوْلَايَ.

فَإِنَّنِي يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ أُصَلِّي بِبَابِ الصَّفَا بِمَكَّةَ، فَسَجَدْتُ وَ جَعَلْتُ مِرْفَقِي فِي صَدْرِي، فَحَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ بِرِجْلِهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَقَالَ لِي: افْتَحْ مَنْكِبَكَ عَنْ صَدْرِكَ. فَفَتَحْتُ عَيْنِي، فَإِذَا الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْمِشْرَبَةِ، وَ لَحِقَنِي مِنْهَيْبَتِهِ مَا حَارَ بَصَرِي، فَغَابَ عَنْ عَيْنِي.

وَ أَقَمْتُ عَلَى رَجَائِي وَ يَقِينِي، وَ مَضَتْ مُدَّةٌ وَ أَنَا أَحُجُّ، وَ أُدِيمُ الدُّعَاءَ فِي الْمَوْقِفِ.

فَإِنَّنِي فِي آخِرِ سَنَةٍ جَالِسٌ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَ مَعِي يَمَانُ بْنُ الْفَتْحِ بْنِ دِينَارٍ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ، وَ عَلَّانٌ الْكُلَيْنِيُّ، وَ نَحْنُ نَتَحَدَّثُ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي الطَّوَافِ، فَأَشَرْتُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَ قُمْتُ أَسْعَى لِأَتَّبِعَهُ، فَطَافَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى

ص: 301


1- _ بحار الأنوار، 52، ص50؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص479.

الْحِجْرِ رَأَى سَائِلًا وَاقِفاً عَلَى الْحِجْرِ، وَ يَسْتَحْلِفُ وَ يَسْأَلُ النَّاسَ بِاللَّهِ (عزوجل) أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا بِالرَّجُلِ قَدْ طَلَعَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى السَّائِلِ انْكَبَّ إِلَى الْأَرْضِ وَ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً، وَ دَفَعَهُ إِلَى السَّائِلِ، وَ جَازَ، فَعَدَلْتُ إِلَى السَّائِلِ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا وَهَبَ لَهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْلِمَنِي، فَوَهَبْتُ لَهُ دِينَاراً، وَ قُلْتُ: أَرِنِي مَا فِي يَدِكَ. فَفَتَحَ يَدَهُ، فَقَدَرَّتْ أَنَّ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَاراً، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي الْيَقِينُ أَنَّهُ مَوْلَايَ (علیه السلام) ، وَ رَجَعْتُ إِلَى مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَ عَيْنِي مَمْدُودَةٌ إِلَى الطَّوَافِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ عَدَلَ إِلَيْنَا، فَلَحِقَنَا لَهُ رَهْبَةٌ شَدِيدَةٌ، وَ حَارَتْ أَبْصَارُنَا جَمِيعاً، قُمْنَا إِلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقُلْنَا لَهُ: مِمَّنْ الرَّجُلُ؟

فَقَالَ: مِنَ الْعَرَبِ. فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. فَقُلْنَا: مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَ تَدْرُونَ مَا كَانَ يَقُولُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (علیه السلام) عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ؟ قُلْنَا: لَا.

قَالَ: كَانَ يَقُولُ: «يَا كَرِيمُ مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، يَا كَرِيمُ فَقِيرُكَ زَائِرُكَ،حَقِيرُكَ بِبَابِكَ يَا كَرِيمُ»، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنَّا، وَ وَقَفْنَا نَمُوجُ وَ نَتَذَكَّرُ، وَ نَتَفَكَّرُ، وَ لَمْ نَتَحَقَّقْ.

وَ لَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ رَأَيْنَاهُ فِي الطَّوَافِ، فَامْتَدَّتْ عُيُونُنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ خَرَجَ إِلَيْنَا، وَ جَلَسَ عِنْدَنَا، فَأَنِسَ وَ تَحَدَّثَ، ثُمَّ قَالَ: أَ تَدْرُونَ مَا كَانَ يَقُولُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (علیه السلام) فِي دُعَائِهِ عَقِبَ الصَّلَاةِ: قُلْنَا: تُعَلِّمُنَا.

قَالَ: كَانَ (علیه السلام) يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، وَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ، وَ تُفَرِّقُ الْمُجْتَمِعَ، وَ بِاسْمِكَ الَّذِي تَفْرُقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ بِاسْمِكَ الَّذِي تَعْلَمُ بِهِ كَيْلَ الْبِحَارِ، وَ عَدَدَ الرِّمَالِ، وَ وَزْنَ الْجِبَالِ، أَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَ كَذَا».

ص: 302

وَ أَقْبَلَ عَلَيَّ حَتَّى إِذَا صِرْنَا بِعَرَفَاتٍ، وَ أَدَمْتُ الدُّعَاءَ، فَلَمَّا أَفَضْنَا مِنْهَا إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، وَ بِتْنَا فِيهَا، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَالَ لِي: هَلْ بَلَغْتَ حَاجَتَكَ؟ فَقُلْتُ: وَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: الرَّجُلُ صَاحِبُكَ. فَتَيَقَّنْتُ عِنْدَهَا.(1)

و منهم: أبو محمّد الحسن بن وجناء النصيبي، و قد حجّ أربع و خمسين حجّة، قال: كُنْتُ سَاجِداً تَحْتَ الْمِيزَابِ فِي رَابِعِ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ حِجَّةً، بَعْدَ الْعَتَمَةِ، وَ أَنَا أَتَضَرَّعُ فِي الدُّعَاءِ إِذْ حَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ، فَقَالَ: قُمْ، يَا حَسَنَ بْنَ وَجْنَاءَ! قَالَ: فَقُمْتُ، فَإِذَا جَارِيَةٌ صَفْرَاءُ نَحِيفَةُ الْبَدَنِ، أَقُولُ إِنَّهَا مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهَا، فَمَشَتْ بَيْنَ يَدَيَّ وَ أَنَا لَا أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْ ءٍ، حَتَّى أَتَتْ بِي إِلَى دَارِ خَدِيجَةَ (علیها السلام) وَ فِيهَا بَيْتٌ بَابُهُ فِي وَسَطِ الْحَائِطِ، وَ لَهُ دَرَجُ سَاجٍ يُرْتَقَى، فَصَعِدَتِ الْجَارِيَةُ وَ جَاءَنِي النِّدَاءُ:اصْعَدْ، يَا حَسَنُ! فَصَعِدْتُ، فَوَقَفْتُ بِالْبَابِ.

فَقَالَ لِي صَاحِبُ الزَّمَانِ (علیه السلام) : يَا حَسَنُ! أَ تَرَاكَ خَفِيتَ عَلَيَّ، وَ اللَّهِ! مَا مِنْ وَقْتٍ فِي حَجِّكَ إِلَّا وَ أَنَا مَعَكَ فِيهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَعُدُّ عَلَيَّ أَوْقَاتِي، فَوَقَعْتُ مَغْشِيّاً عَلَى وَجْهِي، فَحَسِسْتُ بِيَدٍ قَدْ وَقَعَتْ عَلَيَّ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: يَا حَسَنُ! الْزَمْ دَارَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) وَ لَا يُهِمَّنَّكَ طَعَامُكَ وَ لَا شَرَابُكَ وَ لَا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَكَ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيَّ دَفْتَراً فِيهِ دُعَاءُ الْفَرَجِ وَ صَلَاةٌ عَلَيْهِ.

فَقَالَ: بِهَذَا فَادْعُ وَ هَكَذَا صَلِّ عَلَيَّ وَ لَا تُعْطِهِ إِلَّا مُحِقِّي أَوْلِيَائِي، فَإِنَّ اللَّهَ؟ج؟ مُوَفِّقُكَ، فَقُلْتُ: يَا مَوْلَايَ! لَا أَرَاكَ بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: يَا حَسَنُ! إِذَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَانْصَرَفْتُ مِنْ حِجَّتِي، وَ لَزِمْتُ دَارَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، فَأَنَا أَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا أَعُودُ إِلَيْهَا، إِلَّا لِثَلَاثِ خِصَالٍ، لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ لِوَقْتِ الْإِفْطَارِ، وَ أَدْخُلُ

ص: 303


1- _ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، ج 1، ص326؛ تبصرة الولي، ص140، ح45؛ دلائل الإمامة، ص537، ح521؛ مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر، ج 8، ص112، ح 66.

بَيْتِي وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فَأُصِيبُ رُبَاعِيّاً مَمْلُوءاً مَاءً، وَ رَغِيفاً عَلَى رَأْسِهِ وَ عَلَيْهِ مَا تَشْتَهِي نَفْسِي بِالنَّهَارِ، فَآكُلُ ذَلِكَ فَهُوَ كِفَايَةٌ لِي وَ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ فِي وَقْتِ الشِّتَاءِ، وَ كِسْوَةُ الصَّيْفِ فِي وَقْتِ الصَّيْفِ.(1)

و منهم: علي بن مهزيار الأهوازي، و هو من أكابر العلماء و الرواة، و حكايته طويلة، حاصلها أنّه تشرّف بزيارته ليلة في الطواف، قال: فحككته، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: مِنْ أَيِ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْأَهْوَازِ، فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ بِهَا الْخَصِيبَ؟ فَقُلْتُ: رَحِمَهُ اللَّهُ دُعِيَ فَأَجَابَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، فَمَا كَانَ أَطْوَلَ لَيْلَتَهُ وَ أَكْثَرَ تَبَتُّلَهُ وَ أَغْزَرَ دَمْعَتَهُ. أَ فَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهزِيَارِ،فَقُلْتُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللَّهُ! أَبَا الْحَسَنِ، مَا فَعَلْتَ بِالْعَلَامَةِ الَّتِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ؟ فَقُلْتُ: مَعِي، قَالَ: أَخْرِجْهَا، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِي، فَاسْتَخْرَجْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ رَآهَا لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَ بَكَى مُنْتَحِباً، حَتَّى بَلَّ أَطْمَارَهُ، ثُمَّ قَالَ أُذِنَ لَكَ الْآنَ يَا ابْنَ مَهزِيَارَ صِرْ إِلَى رَحْلِكَ وَ كُنْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْرِكَ، حَتَّى إِذَا لَبِسَ اللَّيْلُ جِلْبَابَهُ وَ غَمَرَ النَّاسَ ظَلَامُهُ سِرْ إِلَى شِعْبِ بَنِي عَامِرٍ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَانِي هُنَاكَ، فَسِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَلَمَّا أَنْ أَحْسَسْتُ بِالْوَقْتِ أَصْلَحْتُ رَحْلِي وَ قَدَّمْتُ رَاحِلَتِي وَ عَكَمْتُهُ شَدِيداً وَ حَمَلْتُ وَ صِرْتُ فِي مَتْنِهِ وَ أَقْبَلْتُ مُجِدّاً فِي السَّيْرِ، حَتَّى وَرَدْتُ الشِّعْبَ.

إلى أن قال: فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِسٌ قَدِ اتَّشَحَ بِبُرْدِهِ، وَ اتَّزَرَ بِأُخْرَى، وَ قَدْ كَسَرَ بُرْدَتَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَ هُوَ كَأُقْحُوَانَةِ أُرْجُوَانٍ، قَدْ تَكَاثَفَ عَلَيْهَا النَّدَى، وَ أَصَابَهَا أَلَمُ الْهَوَى، وَ إِذَا هُوَ كَغُصْنِ بَانٍ، أَوْ قَضِيبِ رَيْحَانٍ، سَمْحٌ سَخِيٌّ تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الشَّامِخِ، وَ لَا بِالْقَصِيرِ اللَّازِقِ، بَلْ مَرْبُوعُ الْقَامَةِ، مُدَوَّرُ الْهَامَةِ، صَلْتُ

ص: 304


1- _ بحار الأنوار، ج52، ص31، ح27؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص443، ح17.

الْجَبِينِ، أَزَجُّ الْحَاجِبَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، عَلَى خَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٌ، كَأَنَّهُ فُتَاتُ مِسْكٍ عَلَى رَضْرَاضَةِ عَنْبَرٍ، فَلَمَّا أَنْ رَأَيْتُهُ بَدْأَتُهُ بِالسَّلَامِ، فَرَدَّ عَلَيَّ أَحْسَنَ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَ شَافَهَنِي وَ سَأَلَنِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقُلْتُ: سَيِّدِي! قَدْ أُلْبِسُوا جِلْبَابَ الذِّلَّةِ وَ هُمْ بَيْنَ الْقَوْمِ أَذِلَّاءُ. إلى آخر الحديث.

و هو طويل قد لخّصناه و اكتفينا بما هو المقصود منه، و تمام الحديث فيالبحار مع شرح لغاته في باب ذكر من رآه.(1)

و منهم: إبراهيم بن إدريس، قَالَ: رَأَيْتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) حِينَ أَيْفَعَ، وَ قَبَّلْتُ يَدَيْهِ وَ رَأْسَهُ.(2) و المراد من أيفع، أي: بلغ سنّاً شارف الاحتلام و لم يحتلم، و قيل: بلغ العشرين.

و منهم: أبو علي بن مطهّر، قَالَ: رَأَيْتُهُ وَ وَصَفَ قَدَّهُ.(3)

و منهم: أبو سورة محمّد بن الحسن بن عبداللّه التميمي، قَالَ: فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى الْحَيْرِ إِذَا شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ يُصَلِّي، ثُمَّ إِنَّهُ وَدَّعَ وَ وَدَّعْتُ وَ خَرَجْنَا، فَجِئْنَا إِلَى الْمَشْرَعَةِ، فَقَالَ لِي: يَا أبَا سَوْرَةَ! أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: الْكُوفَةَ، فَقَالَ لِي: مَعَ مَنْ؟ قُلْتُ: مَعَ النَّاسِ، قَالَ لِي: لَا تُرِيدُ نَحْنُ جَمِيعاً نَمْضِي، قُلْتُ: وَ مَنْ مَعَنَا؟ فَقَالَ: لَيْسَ نُرِيدُ مَعَنَا أَحَداً، قَالَ: فَمَشَيْنَا لَيْلَتَنَا، فَإِذَا نَحْنُ عَلَى مَقَابِرِ مَسْجِدِ السَّهْلَةِ، فَقَالَ لِي: هُوَ ذَا مَنْزِلُكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَامْضِ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَمُرُّ إِلَى ابْنِ الزُّرَارِيِّ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، فَتَقُولُ لَهُ يُعْطِيكَ الْمَالَ الَّذِي عِنْدَهُ.

ص: 305


1- _ بحار الأنوار، ج52، ص9، ح6؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص263.
2- _ بحار الأنوار، ج52، ص14، ح10؛ الكافي، ج 1، ص331، ح 8؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص268.
3- _ بحار الأنوار، ج52، ص14، ح11؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص269.

فَقُلْتُ لَهُ: لَا يَدْفَعُهُ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي: قُلْ لَهُ بِعَلَامَةِ أَنَّهُ كَذَا وَ كَذَا دِينَاراً، وَ كَذَا وَ كَذَا دِرْهَماً، وَ هُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا، وَ عَلَيْهِ كَذَا وَ كَذَا.

الی ان قال: فَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ هَذَا شَيْ ءٌ، وَ قَالَ: لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَ دَفَعَ إِلَيَّ الْمَالَ.(1)

و منهم: الزهري، قَالَ طَلَبْتُ هَذَا الْأَمْرَ طَلَباً شَاقّاً،(2) حَتَّى ذَهَبَ لِي فِيهِ مَالٌصَالِحٌ، فَوَقَعْتُ إِلَى الْعَمْرِيِّ وَ خَدَمْتُهُ وَ لَزِمْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَاحِبِ الزَّمَانِ، فَقَالَ لِي: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ وُصُولٌ، فَخَضَعْتُ، فَقَالَ لِي: بَكِّرْ بِالْغَدَاةِ، فَوَافَيْتُ وَ اسْتَقْبَلَنِي وَ مَعَهُ شَابٌّ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وَ أَطْيَبِهِمْ رَائِحَةً، بِهَيْئَةِ التُّجَّارِ، وَ فِي كُمِّهِ شَيْ ءٌ كَهَيْئَةِ التُّجَّارِ، فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ دَنَوْتُ مِنَ الْعَمْرِيِّ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ وَ سَأَلْتُهُ، فَأَجَابَنِي عَنْ كُلِّ مَا أَرَدْتُ.(3) الخبر.

و منهم: من روى أبو هارون عنه، قال: سمعت رجلاً من أصحابنا يقول: رَأَيْتُ صَاحِبَ الزَّمَانِ (علیه السلام) وَ وَجْهُهُ يُضِي ءُ كَأَنَّهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَ رَأَيْتُ عَلَى سُرَّتِهِ شَعْراً يَجْرِي كَالْخَطِّ، وَ كَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَوَجَدْتُهُ مَخْتُوناً، فَسَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَكَذَا وُلِدَ، وَ هَكَذَا وُلِدْنَا، وَ لَكِنَّا سَنُمِرُّ الْمُوسَى لِإِصَابَةِ السُّنَّةِ.(4)

ص: 306


1- _ بحار الأنوار، ج52، ص14، ح12؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص269.
2- _ شافياً _ خ ل.
3- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 2، ص479؛ بحار الأنوار، ج52، ج15، ح13؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص271.
4- _ بحار الأنوار، ج52، ص25، ح18؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص434، ح1، كتاب الغيبة(للطوسي)، ص250.

و بالجملة من تشرّف بلقائه (علیه السلام) في الغيبة الصغرى المسطور في البحار و الكفاية و غيرهما أكثر ممّن يمكن ضبطه في مثل هذه المختصرات، من أراده يرجع إلى المطوّلات، و نحن نشير إلى ذكر أسامي بعض هؤلاء، كما نقل في الكفاية عن إكمال الدين بسنده، عن محمّد بن أبي عبداللّه الكوفي في ضبط أسامي هؤلاء.

قال: مِنَ الْوُكَلَاءِ بِبَغْدَادَ: الْعَمْرِيُّ، وَ ابْنُهُ، وَ حَاجِزٌ، وَ الْبِلَالِيُّ ،وَ الْعَطَّارُ.

وَ مِنْ غَيْرِ الْوُكَلَاءِ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ: أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي حَابِسٍ، وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُنَيْدِيُّ، وَ هَارُونُ الْقَزَّازُ، وَ النِّيلِيُّ، وَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُدُبَيْسٍ، وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ، وَ مَسْرُورٌ الطَّبَّاخُ، وَ أَحْمَدُ وَ مُحَمَّدٌ ابْنَا الْحَسَنِ، وَ إِسْحَاقُ الْكَاتِبُ مِنْ بَنِي نِيبَخْتَ، وَ صَاحِبُ الْفِرَاءِ، وَ صَاحِبُ الصُّرَّةِ الْمَخْتُومَةِ.

وَ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ: الْقَاسِمُ بْنُ مُوسَى، وَ ابْنُهُ، وَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ هَارُونَ، وَ صَاحِبُ الْحَصَاةِ، وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُلَيْنِيُّ وَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّفَّاءُ.

وَ مِنْ هَمَذَانَ: مُحَمَّدُ بْنُ كِشْمَرْدَ، وَ جَعْفَرُ بْنُ حَمْدَانَ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ. وَ مِنَ الدِّينَوَرِ: حَسَنُ بْنُ هَارُونَ، وَ أَحْمَدُ بْنُ أُخَيَّةَ، وَ أَبُو الْحَسَنِ.

وَ مِنْ قُمَّ: الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَ أَبُوهُ، وَ الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ.

وَ مِنْ أَهْلِ آذَرْبِيجَانَ: الْقَاسِمُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَ مِنْ نَيْسَابُورَ: مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، کان من الوکلاء.(1)

ص: 307


1- _ فی کمال الدين: و من غیر الوکلاء.

وَ مِنْ أَصْفَهَانَ: ابْنُ بَاذْشَالَةَ. وَ مِنَ الصَّيْمَرَةِ: زَيْدَانُ. وَ مِنْ قَزْوِينَ: مِرْدَاسٌ، وَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ. وَ مِنْ شَهْرَزُورَ: ابْنُ الْخَالِ.

وَ مِنْ مَرْوَ: صَاحِبُ الْأَلْفِ دِينَارٍ، وَ صَاحِبُ الْمَالِ، وَ الرُّقْعَةِ الْبَيْضَاءِ، وَ أَبُو ثَابِتٍ.

وَ مِنْ نَيْسَابُورَ: مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ صَالِحٍ. وَ مِنَ الْيَمَنِ: الْفَضْلُ بْنُ يَزِيدَ، وَ الْحَسَنُ ابْنُهُ، وَ الْجَعْفَرِيُّ، وَ ابْنُ الْأَعْجَمِيِّ، وَ الشِّمْشَاطِيُّ.

و مِنْ مِصْرَ: صَاحِبُ الْمَوْلُودَيْنِ، وَ صَاحِبُ الْمَالِ بِمَكَّةَ، وَ أَبُو رَجَاءٍ. وَ مِنْ نَصِيبِينَ: أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْوَجْنَاءِ، وَ مِنَ الْأَهْوَازِ: الْحُصَيْنِيُّ.(1)و أمّا من لم يضبط اسم بلده، فهم أيضاً كثيرون، مثل حسين بن عبداللّه بن أحمد حاكم قم، و المحمودي، و أبو جعفر، و أبو الهيثم، و محمّد بن القاسم، مع ثلاثين نفر من الزهّاد في موسم الحجّ عند المستجار في سنة (293) حيث تشرّفوا بخدمته، فعلّمهم دعاء الإلحاح، و هو قوله (علیه السلام) : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَ بِهِ تَقُومُ الْأَرْضُ وَ بِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ بِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ، وَ بِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَ بِهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، وَ زِنَةَ الْجِبَالِ، وَ كَيْلَ الْبِحَارِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً وَ مَخْرَجاً، ثمّ رأوه في اليوم الثاني، فعلّمهم دعاء أميرالمؤمنين (علیه السلام) في دبر الفريضة، من قوله (علیه السلام) : «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ رُفِعَتِ الْأَصْوَاتُ»، الدعاء، و دعاؤه (علیه السلام) في سجدة الشكر، و هو قوله (علیه السلام) : «يَا مَنْ لَا يَزِيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطَاءِ إِلَّا سَعَةً وَ عَطَاءً»، الدعاء، ثمّ رأوه في اليوم الثالث، فعلّمهم دعاء علي ابن الحسين (علیهما السلام)

ص: 308


1- _ أعلام الورى، ص454؛ بحار الأنوار، ج52، ص30، ح26؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص442، ح16.

في سجوده عند حجر الأسود و تحت الميزاب: «عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ»، الدعاء.(1)

و منهم: أبوالطيب أحمد بن محمّد بن بطّة في مشهد العسكريين (علیهما السلام) .(2)

و منهم عبداللّه السوري في بستان بني عامر.(3)

و منهم أبو عبداللّه بن صالح عند حجر الأسود.(4)

و منهم: علي بن محمّد بن عبد الرحمن التستري في مسجد الصعصعة ، وكذا ابن أبي رواد الروّاسي في المسجد المذكور(5) إلى غير ذلك.

ثمّ لا يخفى أنّ جلّ هؤلاء عند تشرّفهم قد شاهدوا منه المعاجز التي يحصل منها القطع بكونه هو كما يظهر من كلماتهم.

و أمّا من تشرّف بزيارته (علیه السلام) في الغيبة الكبرى إلى زماننا هذا، فهم يزيدون على الاُلوف، و أكثرهم من العلماء و الصلحاء و الزهّاد و العبّاد، و في كثير من الموارد شاهدوا معاجز كثيرة، و بعضهم عرفوه عند تشرّفهم، و كثير منهم بعد تشرّفهم، و يكفيك في ذلك كتاب النجم الثاقب في من رأى الإمام الغائب، و سائر الكتب المؤلّفة في هذه الأعصار الأخيرة، بحيث يزيد بمراتب على حدّ التواتر الذي يستحيل عقلاً تواطئهم على الكذب، بل بعض الموارد يحصل

ص: 309


1- _ بحار الأنوار، ج52، ص6، ح5 و ج91، ص187؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص259.
2- _ الأمالى للشيخ الطوسى، ص287؛ بحار الأنوار، ج52، ص23، ح15.
3- _ بحار الأنوار، ج52، ص40، ح29؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص441، ح13.
4- _ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص353؛ بحار الأنوار، ج 52، ص60، ح46؛ الكافي، ج1، ص331، ح7.
5- _ بحار الأنوار، ج52، ص66 و ج97، ص446، ح23؛ المزار للشهيد، ص264؛ المزار الكبير، ص143.

القطع شخصاً بالصدق، كما نشير إن شاء اللّه تعالى إليها.

إشكال و دفع:

أمّا الإشكال، فهو أنّه قد ورد في التوقيع الشريف على يد علي بن محمّد السمري النائب الرابع من النوّاب الأربعة، و فيه: مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَ الصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ.(1) و قريب من هذا المضمون أخبار اُخر، و هذا ينافي مع هذه القضايا الكثيرة الواردة في تلك الكتب.

أمّا الدفع، فقد اُجيب عن هذا الاشكال بوجوه:

أحدها: أنّ من تشرّف بزيارته بحيث يعرفه عند تشرّفه فهو ممنوع، و تلكالأخبار يحمل على ذلك دون من عرفه بعد التشرّف.

و فيه أنّ هذا الحمل مع منافاته لظاهر الاطلاق يردّه أنّ في كثير من الموارد التي لا يمكن إنكارها قد عرفوه حين التشرّف، بل في كثير منها قد عرّف نفسه الشريفة إيّاهم.

ثانيها: أنّ المراد التشرّف بنحو النيابة الخاصّة، كما يناسب هذا التوقيع الشريف الدالّ على انقطاع النيابة الخاصّة.

و فيه أيضاً أنّ ظاهر التوقيع الاطلاق.

ثالثها: و هو الصواب، أن يقال: إنّ من ادّعى أنّه شاهده باختياره و إرادته، فهو كذّاب مفترٍ، كما هو ظاهر لفظ المشاهدة الظاهرة في الفعل الاختياري. و أمّا من

ص: 310


1- بحار الأنوار، ج51، ص360، ح7؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص395؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص516، ح44.

أراه الإمام (علیه السلام) نفسه الشريفة، فلا دليل على خلافه، و جلّ تلك القضايا لولا كلّها من هذا القبيل، فلا تنافي و لا إشكال.

ثمّ إنّا نشير إلى بعض تلك القضايا المعروفة بنحو الاجمال، و من أراد التفصيل يرجع إلى محلّه:

منها: ما عن خرائج القطب الراوندي، المروية عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، من أجلاّء العلماء المتقدّمين، حيث أرسل ابن هشام للنيابة إلى الحجّ، و أعطاه كتاباً مختوماً سأل فيه عن مدّة عمره، و أمره أن يعطيالكتاب إلى من ينصب الحجر الأسود في سنة (339) أوائل الغيبة الكبرى.(1)

و منها: ما عن الخرائج أيضاً أنّ أبي محمّد الدعلجي كان من الصلحاء، و له ابنان أحدهما من الفسّاق، فآجر نفسه للحجّ نيابةً عن الحجّة، و أعطى مقداراً من مال الإجارة إلى ابنه الفاسق، فتشرّف عند الموقف بزيارته (علیه السلام) ، فخوّفه بعمى بصره لإعطائه المال إلى الفاسق الشارب، فعمي إحدى عينيه بعد أربعين يوماً من مراجعته.(2)

و منها: ما عن محمّد بن جرير بن رستم الطبري، الذي هو من وجوه علماء الشيعة، عن أبي جعفر بن هارون، عن أبي الحسن بن أبي بغل، و هو كان كاتب في سلطنة أبي منصور العبّاسي الملقّب بالمرشد باللّه في القرن السادس في أواخر الدولة العبّاسية، فغضب عليه السلطان، فاستجار بمشهد مولانا موسى بن جعفر (علیهما السلام) ، و بات ليلة شديدة المطر في الحرم الشريف، فرأى رجلاً في

ص: 311


1- _ بحار الأنوار، ج 52، ص58، ح41 و ج 96، ص226، ح26؛ الخرائج و الجرائح، ج 1، ص475، ح18.
2- _ بحار الأنوار، ج52، ص59، ح42؛ الخرائج و الجرائح، ج 1، ص480، ح21.

النصف الثاني من الليل بعد كون أبواب الحرم مغلقة مشتغلاً بزيارة الإمامين الهمامين مسلّماً على آدم إلى الإمام الحادي عشر، لم يذكر اسمه الشريف.

ثمّ توجّه إلى ابن أبي بغل و علّمه دعاء الفرج، و هو أن يقول: «يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَ سَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ، وَ لَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، وَ يَا غَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا ».ثمّ تقول: «يَا رَبَّاهْ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، «يَا سَيِّدَاهْ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، «يَا مَوْلَيَاهْ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، «يَا غَايَتَاهْ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، «يَا مُنْتَهَى غَايَةِ رَغْبَتَاهْ» عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثمّ تقول: «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ، إِلَّا مَا كَشَفْتَ كَرْبِي، وَ نَفَّسْتَ هَمِّي، وَ فَرَّجْتَ غَمِّي، وَ أَصْلَحْتَ حَالِي»، وَ تَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ وَ تَسْأَلُ حَاجَتَكَ.

ثُمَّ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَرْضِ وَ تَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي سُجُودِكَ: «يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ وَ انْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ»، وَ تَضَعُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَرْضِ وَ تَقُولُ مِائَةَ مَرَّةٍ: «أَدْرِكْنِي» وَ تُكَرِّرُهَا كَثِيراً وَ تَقُولُ: «الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ»، حَتَّى يَنْقَطِعَ النَّفَسُ وَ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَإِنَّ اللَّهَ بِكَرَمِهِ يَقْضِي حَاجَتَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثمّ غاب عنه.

فلمّا فعل ما أمره به، طلب أبو منصور إيّاه في الغد و أكرمه و عظّمه، و قال له: هل شكوت إلى صاحب الزمان عنّي؟ فقال: لا، بل دعوت اللّه، فقال: أمرني في المنام أن أكرمك و أحسن إليك بكلّ خير جميل، فذكرت له القصّة، فتعجّب

ص: 312

و قال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّهُمُ الْحَقُّ.(1)

و منها: ما عن كشف الغمّة قضية إسماعيل بن الحسن الهرقلي، و هي مشهورة في العراق في القرن السابع في عهد المستنصر العبّاسي، أنّه وقع في وركه الجراحة الشديدة، فشكى إلى السيد ابن طاووس (قدس سره) ، فجمع السيد أطبّاءالحلّة، فقالوا في معالجته خطر عظيم لخوف قطع العرق الأكحل المورث للهلاك، فجاء السيد معه إلى بغداد و جمع أطبّاء بغداد، فقالوا بمثل ما قالوا.

فآيس من المعالجة، فتشرّف إلى زيارة العسكريّين (علیهما السلام) ، و توسّل إلى الصاحب في السرداب المقدّس، فتشرّف يوم الخميس عند الخروج من الدجلة إلى الزيارة، فرأى في الطريق أربع ركبان على أحدهم لباس الفرجية، فأخذ هو (علیه السلام) موضع الجراحة و عصره بيده الشريف، فزال عنه بحيث لا يرى له أثر، فقال أحد من الركبان له: هذا إمامك صاحب الزمان، ثمّ غابوا عنه.

فشاع أمره في السامرّة و بغداد و الحلّة و سائر بلاد العراق، و اجتمع عليه جميع الأطبّاء الذين رأوه قبلاً و تعجّبوا منه، إلى أن طلبه السلطان المستنصر و أعطاه ألف دينار، فلم يقبل منه شيئاً، و قال: إنّ مولاي أمرني أن لا أقبل منك شيئاً.(2)

و منها: ما عن كشف الغمّة(3) أيضاً عن السيد عطوة و كان زيدياً، و ابتلي بمرض الفتق، و كان أبناؤه إماميّين مثل السيد الباقي، و كانوا يأمرونه غالباً

ص: 313


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص304 و ج 88، ص349، ح11 و ج 92، ص200، ح33؛ دلائل الإمامة للطبري ، ص551؛ فرج المهموم للسيد ابن طاووس، ص245. نقل المصنّف (قدس سره) مضمون الحکایة ملخّصا.
2- _ بحار الأنوار، ج52، ص61، ح51؛ كشف الغمّة، ج2، ص493.
3- _ بحار الأنوار، ج52، ص65؛ كشف الغمّة، ج2، ص497.

بالرجوع عن مذهب الزيدية، فيجيبهم بأنّي لا أرجع إلاّ أن يشفيني إمامكم عن مرضي، فرأى ليلة رجلاً في بيت، فسأله من أنت؟ فقال: أنا إمام أبنائك جئتك لأشفيك، فأخذ موضع الفتق فعصره، فزال المرض بيده الشريف.

و منها: ما عن المجلسي (قدس سره) ، عن السيد علي بن عبدالحميد في كتابه سلطان المفرّج، عن جماعة من الأكابر، منهم المحقّق شمس الدين محمّد بن قارونأنّ رجلاً مسمّى بأبي الراجح الحمامي، كان كثيراً ما يسبّ الخلفاء.

فبلغ ذلك إلى والي الحلّة المسمّى بمرجان الصغير، فأمر بإحضاره، وَ أَمَرَ بِضَرْبِهِ فَضُرِبَ ضَرْباً شَدِيداً مُهْلِكاً عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، حَتَّى إِنَّهُ ضُرِبَ عَلَى وَجْهِهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، وَ أَخْرَجَ لِسَانَهُ، فَجَعَلَ فِيهِ مِسَلَّةً مِنَ الْحَدِيدِ(1) وَ خَرَقَ أَنْفَهُ وَ وَضَعَ فِيهِ شَرَكَةً مِنَ الشَّعْرِ، وَ شَدَّ فِيهَا حَبْلًا وَ سَلَّمَهُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدُورُوا بِهِ أَزِقَّةَ الْحِلَّةِ وَ الضَّرْبُ يَأْخُذُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ وَ عَايَنَ الْهَلَاكَ، فَأُخْبِرَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ.

فَقَالَ الْحَاضِرُونَ: إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، وَ هُوَ مَيِّتٌ لِمَا بِهِ، فَاتْرُكْهُ وَ هُوَ يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَ لَا تَتَقَلَّدْ بِدَمِهِ وَ بَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى أَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِ، وَ قَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَ لِسَانُهُ فَنَقَلَهُ أَهْلُهُ فِي الْمَوْتِ وَ لَمْ يَشُكَّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ لَيْلَتِهِ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيْهِ النَّاسُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي عَلَى أَتَمِّ حَالِهِ وَ قَدْ عَادَتْ ثَنَايَاهُ الَّتِي سَقَطَتْ كَمَا كَانَتْ، وَ انْدَمَلَتْ جِرَاحَاتُهُ وَ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَ الشَّجَّةُ قَدْ زَالَتْ مِنْ وَجْهِهِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حَالِهِ وَ سَاءَلُوهُ عَنْ أَمْرِهِ؟

ص: 314


1- _ أي: المسلة: الابرة العظيمة التي تخاط بها العدول و نحوها يقال لها بالفارسية «جوالدوز».

فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا عَايَنْتُ الْمَوْتَ وَ لَمْ يَبْقَ لِي لِسَانٌ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ، فَكُنْتُ أَسْأَلُهُ بِقَلْبِي وَ اسْتَغَثْتُ إِلَى سَيِّدِي وَ مَوْلَايَ صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام) ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَإِذَا بِالدَّارِ قَدِ امْتَلَأَتْ نُوراً، وَ إِذَا بِمَوْلَايَ صَاحِبِ الزَّمَانِ قَدْ أَمَرَّ يَدَهُ الشَّرِيفَةَ عَلَى وَجْهِي وَ قَالَ لِي: اخْرُجْ وَ كُدَّ عَلَى عِيَالِكَ، فَقَدْ عَافَاكَ اللَّهُ تَعَالَى،فَأَصْبَحْتُ كَمَا تَرَوْنَ.

وَ حَكَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ قَارُونَ الْمَذْكُورُ قَالَ وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا أَبُو رَاجِحٍ كَانَ ضَعِيفاً جِدّاً ضَعِيفَ التَّرْكِيبِ، أَصْفَرَ اللَّوْنِ، شَيْنَ الْوَجْهِ، مُقَرَّضَ اللِّحْيَةِ، وَ كُنْتُ دَائِماً أَدْخُلُ الْحَمَّامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَ كُنْتُ دَائِماً أَرَاهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَ هَذَا الشَّكْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ كُنْتُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ وَ قَدِ اشْتَدَّتْ قُوَّتُهُ وَ انْتَصَبَتْ قَامَتُهُ وَ طَالَتْ لِحْيَتُهُ وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَ عَادَ كَأَنَّهُ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَ لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ.

الی ان قال: فَدَاخَلَ الْحَاكِمَ فِي ذَلِكَ رُعْبٌ عَظِيمٌ، وَ كَانَ يَجْلِسُ فِي مَقَامِ الْإِمَامِ (علیه السلام) فِي الْحِلَّةِ، وَ يُعْطِي ظَهْرَهُ الْقِبْلَةَ الشَّرِيفَةَ، فَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِسُ وَ يَسْتَقْبِلُهَا، وَ عَادَ يَتَلَطَّفُ بِأَهْلِ الْحِلَّةِ، وَ يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَ يُحْسِنُ إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَلْبَثْ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى مَاتَ.(1)

و منها: ما عن النوري (قدس سره) في النجم الثاقب من حكاية تشرّف الحاج علي البغدادي بلقائه (علیه السلام) ، و التشرّف في خدمته بزيارة الكاظمين (علیهما السلام) ليلة الجمعة، و السؤالات التي سأل عنه (علیه السلام) ، و الآيات و المعجزات التي صدر منه (علیه السلام) ، و

ص: 315


1- _ إثبات الهداه للشيخ حرّ العاملي، ج5، ص333، ح152؛ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، ج 2، ص9؛ بحار الأنوار، ج52، ص70، ح55.

الحكاية مفصّلة و معروفة في الكتب الفارسية، مثل آداب الشريعة و غيرها.(1)

و لا يخفى أنّ فيما ذكرناه غنىً و كفايةً لإثبات التواتر، و من أراد أبسط من ذلك، فليرجع إلى الكتب التي صنّفها المتأخّرون في الغيبة حتّى من عاصرناه، مثل إلزام الناصب و غيرها، و نحن نقتصر بهذا المقدار في هذا المختصر، اللّهمّارزقنا زيارته، و التشرّف بلقائه، و الحشر معه في الدنيا و الآخرة، و اجعلنا من خدّامه و أنصاره و أصحابه و المستشهدين بين يديه، و المنتظرين لفرجه و ظهوره، بحقّه و بحقّ آبائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ص: 316


1- _ نجم الثاقب، ج2، ص573، حكاية 31.

المطلب الثاني:

في الأخبار الواردة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و عن آبائه الطيبين في إمامته و غيبته و اسمه الشريف و اسم اُمّه زائداً على ما تقدّم في إثبات إمامة الأئمّة الاثني عشر

و قد أشرنا سابقاً أنّ الاُستاد الأعظم(1) قد جمع في نصايح الهدى(2) أزيد من مائة حديث بإسناد معتبرة عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) واحداً بعد واحد، و نحن نقتصر على النقل منه (قدس سره) ملخّصاً، و تفصيلها فيه من أراد فليرجع إليه، أو إلى ترجمته المطبوعة جديداً:

1_ ما عن الكليني في اُصول الكافي، و النعماني في كتاب الغيبة، و الصدوق في العيون و إكمال الدين، و المفيد في الاختصاص، و الطوسي في كتاب الغيبة، و الطبرسي في الاحتجاج، و الحمويني في فرائد السمطين، بأسانيد متعدّد حديث لوح جابر، و فيه بعد ذكر الحسن العسكري (علیه السلام) ، ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ (م ح م د) رَحْمَةً لِلْعَالَمِين.(3) الحديث.

أقول: إنّ أحاديث لوح جابر كثيرة جدّاً.

ص: 317


1- _ هو العلاّمة الشيخ محمّدجواد البلاغي (قدس سره) .
2- _ نصائح الهدى، مطبوع في موسوعة العلاّمة البلاغي في المجلّد السادس.
3- _ الاحتجاج، ج1، ص166، ح33؛ الاختصاص، ص212؛ بحار الأنوار، ج 36، ص195، ح3؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص42، ح2؛ فرائد السمطين، ج2، ص138، ح432_ 435؛ الكافي، ج1، ص527 _ 528، ح3؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص146، ح108؛ كتاب الغيبة للنعماني، ص62، ح 5؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص310، ح1.

2- ما عن الصدوق فى العيون و إكمال الدين، عن الصادق (علیه السلام) : أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (علیه السلام) جَمَعَ وُلْدَهُ وَ فِيهِمْ عَمُّهُمْ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَيْهِمْ كِتَاباً بِخَطِّ عَلِيٍّ (علیه السلام) وَ إِمْلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) مَكْتُوبٌ فِيهِ هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِالْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وَ ذَكَرَ حَدِيثَ اللَّوْحِ.(1) الخبر

3_ ما عن الصدوق أيضاً في الكتابين، عن الصادق (علیه السلام) قال: وجدنا صحيفة بإملاء رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و ذكر فيها ما ذكر في اللوح بتمامه.(2)

4_ ما عن الصدوق في إكمال الدين، و الخزّاز في كفاية الأثر، عن جابر، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد ذكر الحسن (علیه السلام) ، قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : ثمّ سميّي و كنيّي حجّة اللّه في أرضه، و بقيّته في عباده ابن الحسن بن علي.(3) الحديث.

5_ عن الصدوق في العيون و إكمال الدين، و الطبرسي فى الاحتجاج، و الحمويني في فرائد السمطين في قول الباقر (علیه السلام) لجابر من معاينة صحيفة الزهراء (علیها السلام) ، و فيها ذكر أسماء الأئمّة (علیهم السلام) و آبائهم و اُمّهاتهم، إلى قوله: أبوالقاسم

ص: 318


1- _ بحار الأنوار، ج 36، ص201؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج 1، ص45، ح4؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص312، ح3.
2- _ بحار الأنوار، ج 36، ص200؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج 1، ص45، ح3، كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص312.
3- _ بحار الأنوار، ج 36، ص250، ح67؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص54؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص253، ح3.

محمّد بن الحسن هو حجّة اللّه على خلقه القائم، اُمّه اسمها نرجس.(1)

6_ عن أمالي الطوسي في مقابلة نسخة جابر مع النسخة التي عند الباقر (علیه السلام) ، و فيها بعد ذكر العسكري (علیه السلام) : و الخلف م ح م د، و هو المهدي من آل محمّد، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.(2)

أقول: الخلف الولد الصلبي يقوم مقام أبيه.

7_ عن كفاية الأثر للخزّاز: عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد الأئمّة إلىالعسكري (علیهم السلام) ، و وصفه بأنّه أبو حجّة اللّه، قال: وَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الْحَسَنِ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.(3) الخبر.

8_ عن كفاية الأثر، و فرائد السمطين، و عن فضل بن شاذان في كتاب الغيبة، عن ابن عبّاس في حديث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مع اليهودي في تعداد الأئمّة بعد ذكر الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : فَإِذَا مَضَى الْحَسَنُ فَبَعْدَهُ ابْنُهُ الْحُجَّةُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهم السلام) ، فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً .(4)

9_ عن كفاية الأثر، بسنده عن ابن عبّاس، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد

ص: 319


1- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 2، ص374؛ بحار الأنوار، ج 36، ص194، ح2؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص41، ح1؛ فرائد السمطين، ج2، ص140 _ 141، ح432 _ 435؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص307، ح1.
2- _ الأمالي للشيخ الطوسي، ص292، ح566.
3- _ بحار الأنوار، ج 36، ص313؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص84.
4- _ بحار الأنوار، ج 36، ص284، ح106؛ فرائد السمطين، ج2، ص133 _ 134، ح431؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص14.

الأئمّة (علیهم السلام) قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : و إذا انقضى الحسن، فابنه الحجّة(1).

10_ عن كفاية الأثر، بأسانيد ثلاثة، عن أصبغ بن نباتة، و شريح بن هاني، و عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، في حديث طويل في أمر الوصاية و الإمامة من آدم (علیه السلام) إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال: وَ الْحَسَنُ يَدْفَعُ إِلَى ابْنِهِ الْقَائِمِ، ثُمَّ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَ يَكُونُ لَهُ غَيْبَتَانِ، أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فَقَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ: الْحَذَرَ إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ مِنْ وُلْدِي.(2)

أقول: لعلّ المراد من الحذر الحذر من دعوة الباب المورثة لإبطال القرآن و الشريعة المحمّدية، كما تنادي به زرّين تاج القزوينية المسمّاة بقرّة العين، من قولها: إنّ الشريعة المحمّدية قد بطلت بظهور الباب.11_ عن كفاية الأثر مسنداً عن محمّد بن الحنفية، عن علي (علیه السلام) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : و من ذرّيتك الأئمّة المطهّرون، و ستكون بعدي فتنة صمّاء صيلم، و ذلك عند فقدان شيعتك الخامس من ولد السابع.(3)

أقول: أيّ فتنة أعظم من فتنة الباب و البهاء و أتباعهما.

12_ عن مناقب ابن المغازلي، و غيبة الفضل بن شاذان مسنداً عن جابر، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد الأئمّة لجندل اليهودي، قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : و بعده _ يعني:

ص: 320


1- _ بحار الأنوار، ج 36، ص286، ح107؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص18.
2- _ بحار الأنوار، ج 36، ص335، ح195؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص150.
3- _ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص157 _ 158.

العسكري _ ابنه م ح م د يدعى بالمهدي و القائم الحجّة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض عدلاً.(1) الحديث.

13_ عن كفاية الأثر في حديث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لجندل(2)

في تعداد الأئمّة بعد ذكر الحسن (علیه السلام) ، قال: ثُمَّ يَغِيبُ عَنْهُمْ إِمَامُهُمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ الْحَسَنُ يَغِيبُ عَنْهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَ لَكِنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ.(3)

14_ عن كفاية الأثر بسنده عن الحسن السبط (علیه السلام) في خطبة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد الأئمّة (علیهم السلام) ، قال: وَ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صُلْبِ الْحَسَنِ، الْحُجَّةَ الْقَائِمَ إِمَامَ شِيعَتِهِ، وَ مُنْقِذَ أَوْلِيَائِهِ، يَغِيبُ حَتَّى لَا يُرَى.(4)

15 _ عن كفاية الأثر، بسنده عن الحسن السبط (علیه السلام) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد الأئمّة (علیهم السلام) ، و فيه بعد ذكر الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : وَ الْحُجَّةُبْنُ الْحَسَنِ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.(5)

16_ عن كفاية الأثر: بسنده عن الحسين (علیه السلام) ، عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال لجبرئيل: مَن قائمنا أهل البيت؟ فقال: هو التاسع من ولد الحسين، ثمّ ذكر الأئمّة حتّى بلغ العسكري (علیه السلام) ، فقال: وَ يُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ كَلِمَةَ الْحَقِّ، وَ لِسَانَ

ص: 321


1- _ ينابيع المودّة، ج3، ص283 _ 285، ح2، عن المناقب.
2- _ فی کفاية الأثر: جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَة.
3- _ بحار الأنوار، ج 36، ص305، ح144؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص59.
4- _ بحار الأنوار، ج 36، ص339، ح201؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص165.
5- _ بحار الأنوار، ج 36، ص345، ح211؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص177.

الصِّدْقِ، وَ مُظْهِرَ الْحَقِّ، حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى بَرِيَّتِهِ، لَهُ غَيْبَةٌ طَوِيلَةٌ.(1) الخبر.

17_ عن كفاية الأثر: عن الصادق (علیه السلام) ، عن آبائه (علیهم السلام) ، عن الحسين (علیه السلام) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فيما رآه ليلة اُسري به إلى السماء أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) رأى أنوار الأئمّة، و ذكر واحداً واحداً، إلى أن قال: وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَائِمِ فِي وَسَطِهِمْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.(2)

18_ عن موفّق بن أحمد الخوارزمي بسنده، و عن فرائد السمطين: عن أبي سليمان(3) راعي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) مثله، و فيه: و محمّد بن الحسن المهدي كأنّه كوكب درّي بينهم.(4)

19_ عن غيبة الطوسي: عن الصادق (علیه السلام) ، عن آبائه (علیهم السلام) ، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) في وصية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بتسليم عهد الإمامة واحداً بعد واحد إلى أن بلغ العسكري (علیه السلام) قال: فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (علیهم السلام) .(5)

20_ عن كافي الكليني، و غيبة النعماني، و إكمال الدين، و غيبة الطوسي، و اختصاص المفيد، و كفاية الأثر: بأسانيد كثيرة، عن أصبغ بن نباتة، عنأميرالمؤمنين (علیه السلام) ، قال: فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ

ص: 322


1- _ بحار الأنوار، ج 36، ص349، ح218؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص189.
2- _ بحار الأنوار، ج 36، ص245، ح45؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص153.
3- _ كذا في الأصل، و الصحيح: أبي سلمى.
4- _ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج 1، ص173، ح270؛ فرائد السمطين، ج2، ص319 _ 320، ح571؛ مقتل الحسين للخوارزمي، ص95.
5- _ بحار الأنوار، ج 36، ص261، ح81؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص151.

وُلْدِي، هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً.(1) الخبر.

قال اُستاذنا البلاغي (قدس سره) : المراد أنّ المهدي من ولد أميرالمؤمنين (علیه السلام) يكون في ظهر الحادي عشر من الأئمّة (علیهم السلام) .(2)

أقول: على هذا يكون مفاد العبارة: فكّرت في مولود يكون في ظهر الحادي عشر من الأئمّة الذي هو من ولدي.

و قال مترجم الكتاب: رأيت في نسخة الكافي هكذا: فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي الخ.(3)

أقول: المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) هو العاشر من ولد أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، الاّ أن يأوّل بما أفاده الاُستاد أيضاً، كما لا يخفى.

21_ عن المفيد في كتاب الجوابات: حديث الكميل عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) ممّا روته العامّة و الخاصّة، قوله (علیه السلام) : و لكنّي اُفكّر في التاسع من ولد الحسين (علیه السلام) ، إلى قوله: له غيبة يرتاب فيها المبطلون.(4) الخبر.

22_ عن إكمال الدين، عن الرضا، عن آبائه (علیهم السلام) : قول أميرالمؤمنين

ص: 323


1- _ الاختصاص، ص209؛ بحار الأنوار، ج 51، ص118، ح18؛ الكافي، ج 1، ص338، ح7؛ کتاب الغيبة(للطوسي)، ص336؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص:220؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص289،ح1.
2- _ فی کتاب نصائح الهدى، (... من مولد امیر المؤمنین من ظهر الحادی عشر من ولدی).نصائح الهدی من موسوعة العلامة البلاغی، ج6، ص413.
3- _ مصنفات الشیخ المفید، ج7، ص 12؛ معجم أحاديث الإمام المهدی (علیه السلام) ، ج4، ص86.
4- _ الرسالة الثانية في الغيبة من موسوعة العلامة البلاغی، ج6، ص12.

للحسين (علیهما السلام) : التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ(1).

الحديث.

23_ عن مقتضب الأثر لابن عيّاش: عن جماعة من أصحاب أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، حيث قيل له (علیه السلام) : وَ مَنِ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ الْفَقِيدُ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیهم السلام) هَذَا، وَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) .(2)

24- عن إكمال الدين للصدوق، و احتجاج الطبرسي، و فرائد السمطين: عن الحسن السبط المجتبى (علیه السلام) في تعيين القائم، قال: التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِيَ الْحُسَيْنِ ابْنِ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ.(3) الحديث.

25_ عن كفاية الأثر: مسنداً عن الحسين (علیه السلام) في تعداد الأئمّة، قال: و بعده _ يعني: الحسن (علیه السلام) _ الْخَلَفُ الْمَهْدِيُّ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي.(4) الخبر.

26_ عن إكمال الدين الصدوق، عن الحسين (علیه السلام) قوله: قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ.(5)

ص: 324


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص110، ح2؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص521؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج1، ص304، ح16.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص110، ح4؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص31.
3- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 2، ص290؛ بحار الأنوار، ج 44، ص19، ح3 و ج 51، ص132، ح1؛ فرائد السمطين، ج2، ص124، ح424؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص522؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص226؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص316، ح2.
4- _ بحار الأنوار، ج 36، ص385، ح5؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص234.
5- _ بحار الأنوار، ج 51، ص133، ح3؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص317، ح2.

27_ و عنه أيضاً قوله (علیه السلام) : فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَ سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَ هُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ.(1)

28_ و عن الصدوق في إكمال الدين، و ابن عيّاش في المقتضب، و الخزّاز في الكفاية، بأسانيد مختلفة، عن الحسين (علیه السلام) ، قال: مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ (علیه السلام) وَ آخِرُهُمُ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي وَ هُوَ الْإِمَامُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ.(2)الخبر.

29_ عن غيبة فضل بن شاذان: بسنده عن الباقر (علیه السلام) ، قال: خطب الحسين (علیه السلام) أصحابه ليلة شهادته، و ذكر لهم القائم المنتقم، فقيل له: يا بن رسول اللّه و من القائم؟ فقال: هو السابع من أولاد ولدي محمّد بن علي، و هو الحجّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابني.(3)

30_ عن الصدوق في إكمال الدين، و الطبرسي في الاحتجاج: مسنداً عن زين العابدين (علیه السلام) في تسمية جعفر بن محمّد بالصادق؛ لأنّ الخامس من ولده _ أي: الصادق _ يسمّى بجعفر، يدّعي الإمامة، فَإِنَّ لِلْخَامِسِ مِنْ وُلْدِهِ وَلَداً اسْمُهُ جَعْفَرٌ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَ كَذِباً عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ الْمُفْتَرِي عَلَى اللَّهِ (عزوجل) .

ص: 325


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص133، ح2؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص317، ح1.
2- _ بحار الأنوار، ج 36، ص385، ح6 و ج 51، ص133، ح4؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج 1، ص68، ح36؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص232؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص317، ح3؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص23.
3- _ موسوعة العلامة البلاغي، ص417؛ نصائح الهدى، ص37، عنه.

الی ان قال: ذَلِكَ الَّذِي يَرُومُ كَشْفَ سَتْرِ اللَّهِ عِنْدَ غَيْبَةِ وَلِيِّ اللَّهِ.(1) الخبر.

31_ عن غيبة فضل بن شاذان: بسنده عن أبي حمزة عن الكابلي، قال: دخلت على مولاي علي بن الحسين (علیهما السلام) و في يده صحيفة، كان ينظر إليها و يبكي بكاءً شديداً، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ قال: هذه نسخة اللوح الذي أهداه اللّه تعالى إلى رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فيه اسم اللّه تعالى و رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أمير المؤمنين علي (علیه السلام) .

الی ان قال: و ابنه الحجة القائم بأمر اللّه، المنتقم من أعداء اللّه، الذي يغيبغيبةً طويلةً.(2) الخبر.

32_ و عن غيبة الطوسي: مسنداً عن الباقر (علیه السلام) في تعداد الأئمّة إلى الحسن (علیه السلام) ، قال: وَ إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْهَادِي الْمَهْدِيِّ.(3) الخبر.

33 _ عن اُصول الكافي و غيبة النعماني و غيبة الطوسي: بأسانيد متعدّدة عن الباقر (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ}،(4) في تعيين سنة غيبة المهدي، قال (علیه السلام) : فِي سَنَة سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي

ص: 326


1- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 2، ص318؛ بحار الأنوار، ج 36، ص386، ح1 و ج 50، ص228، ح2؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص319، ح2.
2- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 2، ص234، ح811؛ نصائح الهدى، ص419، ح39، عنه.
3- _ بحار الأنوار، ج 24، ص240، ح2؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص 149.
4- _ سورة التكوير: 15.

ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.(1)

34_ عن كفاية الخزّاز: عن الكميت عن الباقر (علیه السلام) ، قال: إِنَّ قَائِمَنَا هُوَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، و قال في حقّ الحسن العسكري: هُوَ أَبُو الْقَائِمِ.(2) الخبر.

35_ عن كفاية الخزّاز: أسند عن الباقر (علیه السلام) قال:إِنَّ قَائِمَنَا هُوَ السَّابِعُ مِنْ وُلْدِي.(3)

36_ عن إكمال الدين: بسنده عن الصادق (علیه السلام) قيل له: فَمَنِ الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِكَ؟ قَالَ (علیه السلام) : الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ.(4)

37_ عن إكمال الدين: بسنده عن الصادق (علیه السلام) قال: الْإِمَامُ مِنْ بَعْدِي ابْنِي مُوسَى، وَ الْخَلَفُ الْمَأْمُولُ، الْمُنْتَظَرُ م ح م د بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى.(5)38_ عن إكمال الدين: بسنده عن الصادق (علیه السلام) في تعداد الأئمّة بعد ذكر

ص: 327


1- _ الكافي، ج1، ص341، ح23؛ الغيبة للنعماني، ص150، ح7. «كَالشِّهَابِ الْوَقَّادِ» فی: بحار الأنوار، ج 51، ص51، ح26؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص159 ح116؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص325، ح1.
2- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 2، ص181، ح582؛ بحار الأنوار، ج 36، ص391، ح2؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص250.
3- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 2، ص182، ح583؛ بحار الأنوار، ج 36، ص359، ح 228؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص252.
4- _ بحار الأنوار، ج 51، ص32، ح4 و ص143، ح4 و ص145، ح11؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص523؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص333، ح1 و ص338، ح12 و ص411، ح5.
5- _ بحار الأنوار، ج 48، ص15، ح5 و ج51، ص143، ح7؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص334، ح4.

العسكري (علیه السلام) ، قال: ثُمَّ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ.(1)

39_ عن إكمال الدين: بسنده عن الصادق (علیه السلام) في تعيين القائم، قال: هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنِي مُوسَى،(2) و أیضاً: إِنَّ الْغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي.(3)

40_ عن كفاية الأثر: عن الصادق (علیه السلام) مسنداً، قال: إِنَّ قَائِمَنَا يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الْحَسَنِ، وَ الْحَسَنُ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ، وَ عَلِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ مُحَمَّدٍ، وَ مُحَمَّدٌ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ، وَ عَلِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ ابْنِي هَذَا، وَ أَشَارَ إِلَى مُوسَى (علیه السلام) .(4)

41_ عن كفاية الأثر: مسنداً عن الصادق (علیه السلام) في تعداد الأئمّة، إلى أن قال: وَ الْحُجَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ (علیه السلام) .(5)

42_ عن مقتضب الأثر لابن عيّاش: مسنداً عن الصادق (علیه السلام) في تعداد الأئمّة إلى ابنه الكاظم (علیه السلام) ، ثمّ قال: وَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِهِ يَغِيبُ شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ.(6)

43_ عن أربعين الحافظ أبونعيم: مسنداً عن الصادق (علیه السلام) قال: الْخَلَفُ

ص: 328


1- _ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص337، ح9.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص146، ح15؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص345، ح31.
3- _ بحار الأنوار، ج 51، ص145، ح13؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص33 و ج2، ص342، ح23.
4- _ بحار الأنوار، ج 36، ص408، ح17؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص265.
5- _ بحار الأنوار، ج 4، ص55، ح32 و ج36، ص336، ح199 و ص407، ح16؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص263.
6- _ بحار الأنوار، ج 51، ص149، ح25؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص41.

الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِي وَ هُوَ الْمَهْدِيُّ، اسْمُهُ مُ حَ مَّ دٌ، وَ كُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ، يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُقَالُ لِأُمِّهِ: صَقِيلٌ.(1)

44_ عن غيبة الفضل بن شاذان: مسنداً عن الصادق (علیه السلام) في تعداد الأئمّة إلى العسن العسكري (علیه السلام) ، ثمّ قال: و بعده ولده المهدي (علیه السلام) .(2)

45_(3) عن كافي الكليني، و إكمال الدين، و غيبة الطوسي، و كفاية الأثر: بأسانيدهم عن موسى (علیه السلام) قال: إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لَا يُزِيلَنَّكُمْ أَحَدٌ عَنْهَا،(4) يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ.(5)

46 _ عن الصدوق، و الخزّاز في الكفاية: عَنْ يُونُس بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیهما السلام) ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أَنْتَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، وَ لَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَ يَمْلَأُهَا

ص: 329


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص24، ح37؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص475؛ نصائح الهدى، ص426، ح57، عنه.
2- _ نصائح الهدى، ص427، ح ،58 عنه.
3- _ المناسب تقديم الحديث التاسع و الأربعين، و هو حديث الحميري لروايته عن الصادق (علیه السلام) قبل الأحاديث المروية عن الكاظم و الرضا (علیهما السلام) لترتيب الأبواب و الفصول «منه».
4- _ فی الکافی: لَا يُزِيلُكُمْ عَنْهَا أَحَدٌ.
5- _ بحار الأنوار، ج 52، ص113، ح26؛ الكافي، ج1، ص336، ح2؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص337؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص268؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص359 _ 360، ح1. فی المصادر: مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ.

عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِي، لَهُ غَيْبَةٌ يَطُولُ أَمَدُهَا.(1) الحديث.

47_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: بسنديهما عن الكاظم (علیه السلام) ، حيث سئل عنه عمّن يغيب من الأئمّة (علیهم السلام) ، قال: وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا، الی ان قال: وَيُبِيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَ يُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ.(2) الحديث.

48_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر، و فرائد السمطين: مسنداً عن الرضا (علیه السلام) قيل له: وَ مَنِ الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي، ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، الی ان قال: وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ.(3)

49_ عن إكمال الدين: مسنداً عن السيد الحميري، حيث سئل الصادق (علیه السلام) عمّن تقع الغيبة، فقال (علیه السلام) : إِنَّ الْغَيْبَةَ سَتَقَعُ بِالسَّادِسِ مِنْ وُلْدِي، وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، أَوَّلُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) ، وَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ بَقِي.(4) الحديث.

50_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر، و فرائد السمطين: في تشرّف دعبل

ص: 330


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص151، ح6؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص269؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص361، ح5.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص150، ح2؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص270؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص368، ح6.
3- _ بحار الأنوار، ج 51، ص321، ح29؛ فرائد السمطين، ج2، ص337، ح 590؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص275؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص372، ح5.
4- _ بحار الأنوار، ج 42، ص79، ح8 و ج 47، ص317، ح8؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص33 و ج 2، ص342، ح23.

الخزاعي و إنشاده القصيدة، إلى أن بلغ قوله: «خُرُوجُ إِمَامٍ لَا مَحَالَةَ خَارِجٌ» الشعر، و ما قاله الرضا (علیه السلام) و فيما قال، قال: الْإِمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدٌ ابْنِي، وَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ابْنُهُ عَلِيٌّ، وَ بَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَ بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ، الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ.(1)

51_ عن إكمال الدين: مسنداً عن ريّان بن الصلت، عن الرضا (علیه السلام) ، حيث سأل عن صاحب الأمر، فقال فيما، قال: ذَاكَ الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي، يُغَيِّبُهُ اللَّهُ فِي سِتْرِهِ مَا شَاءَ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ.(2) الحديث.52 _ عن أربعين الحافظ أبو نعيم، و مواليد الأئمّة لابن الخشّاب البغدادي: مسنداً عن الرضا (علیه السلام) ، قال: الْخَلَفُ الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ، الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ، وَ هُوَ صَاحِبُ الزَّمَانِ وَ هُوَ الْمَهْدِيُّ.(3)

53_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: مسنداً عن عبدالعظيم الحسني، عن الجواد (علیه السلام) من قوله (علیه السلام) : يَا أَبَا الْقَاسِمِ! إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ

ص: 331


1- _ بحار الأنوار، ج 49، ص237، ح6 و ج 51، ص154، ح4؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج 2، ص266، ح37؛ فرائد السمطين، ج2، ص337 _ 338، ح591؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص277؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص372، ح6.
2- _ بحار الأنوار، ج 52، ص322، ح30؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص376، ح7.
3- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 5، ص227، ح48؛ بحار الأنوار، ج 51، ص43، ح32؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص475؛ مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمة (علیهم السلام) ، ص149؛ معجم أحاديث الإمام المهدی (علیه السلام) ، ج5، ص441، ح1.

يُنْتَظَرَ فِي غَيْبَتِهِ، وَ يُطَاعَ فِي ظُهُورِهِ، وَ هُوَ الثَّالِثُ مِنْ وُلْدِي.(1)

54_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: عن الجواد (علیه السلام) في حديث طويل، و فيه قوله: إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدِي ابْنِي عَلِيٌّ، أَمْرُهُ أَمْرِي وَ قَوْلُهُ قَوْلِي وَ طَاعَتُهُ طَاعَتِي، وَ الْإِمَامُ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ، أَمْرُهُ أَمْرُ أَبِيهِ وَ قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِيهِ وَ طَاعَتُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ، ثُمَّ سَكَتَ، فقال الراوي: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! فَمَنِ الْإِمَامُ بَعْدَ الْحَسَنِ؟ فَبَكَى (علیه السلام) بُكَاءً شَدِيداً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْ بَعْدِ الْحَسَنِ ابْنَهُ الْقَائِمَ بِالْحَقِّ الْمُنْتَظَرَ.(2) الحديث.

55_ عن فضل بن شاذان: مسنداً عن عبدالعظيم في عرض دينه على الإمام الهادي (علیه السلام) و إقراره بالأئمّة واحداً بعد واحد، إلى أن قال: ثُمَّ أَنْتَ يَا مَوْلَايَ، فَقَالَ (علیه السلام) : وَ مِنْ بَعْدِي الْحَسَنُ ابْنِي، فَكَيْفَ لِلنَّاسِ لِلْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ، يَا مَوْلَايَ!؟ قَالَ (علیه السلام) : لَا يُرَى شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ.(3) الحديث.

56_ عن اُصول الكافي، و إكمال الدين، و كفاية الأثر: مسنداً عن أبيهاشم، قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (علیه السلام) يقول: الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ابْنِيَ

ص: 332


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص156، ح1؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص281؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص377، ح1.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص30، ح4 و ص158، ح5؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص283؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص378، ح3.
3- _ بحار الأنوار، ج 3، ص268، ح3 و ج 36، ص412، ح2؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص525؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص287؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص380، ح1.

الْحَسَنُ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟(1) الحديث.

57_ و في سند آخر عنه (علیه السلام) في مكاتبته للشيعة: الْأَمْرُ لِي مَا دُمْتُ حَيّاً، فَإِذَا نَزَلَتْ بِي مَقَادِيرُ اللَّهِ (عزوجل) آتَاكُمُ اللَّهُ الْخَلَفَ مِنِّي، وَ أَنَّى لَكُمْ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفِ.(2)

58_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: مسنداً عن الهادي (علیه السلام) في تفسير الأيّام، قوله (علیه السلام) : وَ الْخَمِيسُ ابْنِي الْحَسَنُ، وَ الْجُمُعَةُ ابْنُ ابْنِي، وَ إِلَيْهِ تَجْتَمِعُ عِصَابَةُ الْحَقِّ.(3) الحديث.

59- و في سند آخر عنه (علیه السلام) : إنَّ الْإِمَامُ بَعْدِي الْحَسَنُ ابْنِي، وَ بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْقَائِمُ.(4) الخبر.

60- عن إكمال الدين، و غيبة الطوسي: مسنداً في حديث شراء نرجس، قول الهادي (علیه السلام) لها: فَأَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَ غَرْباً، ثمّ بيّن لها أنّه من

ص: 333


1- الكافي: ج1، ص332، ح1؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص289؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص381، ح5.
2- _ إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص247؛ بحار الأنوار، ج 51، ص160، ح5؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص382، ح8 .
3- _ بحار الأنوار، ج 24، ص239، ح1 و ج 36، ص414، ح3 و ج 50، ص195، ح7؛ الخصال، ج 2، ص396، ح102؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص291؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص383، ح9.
4- _ بحار الأنوار، ج 50، ص239، ح3؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص292؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص383، ح10.

الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) .(1)61_ قوله (علیه السلام) في حقّ نرجس: فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) وَ أُمُّ الْقَائِمِ.(2)

62_ عن إكمال الدين: عن أحمد بن إسحاق، عن الحسن العسكري (علیه السلام) ، حين سأله عن الإمام و الخليفة بعده، فنهض (علیه السلام) مسرعاً و دخل البيت و خرج و على عاتقه غلام ابن ثلاث سنين، و قال (علیه السلام) : لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللَّهِ (عزوجل) وَ عَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ كَنِيُّهُ، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً.(3) الخبر بطوله.

63_ عن شواهد النبوّة لملاّ عبدالرحمن الجامي عين هذا الحديث، إلى قوله ظلماً و جوراً.(4)

64- عن فضل بن شاذان، و إكمال الدين: بسنده عن أحمد بن إسحاق، عن الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِيَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِي.(5) الخبر.

ص: 334


1- _ بحار الأنوار، ج 51، ص10، ح12؛ دلائل الإمامة، ص495؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص214؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص423، ح1.
2- _ همان.
3- _ إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 2، ص248؛ بحار الأنوار، ج 52، ص24، ح16؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص526؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص384 _ 385، ح38.
4- _ شواهد النبوّة(للجامي)، ص409.
5- _ بحار الأنوار، ج 51، ص161، ح9؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص295؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص409، ح38.

65_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: عن العسكري (علیه السلام) ، قال: أَمَا إِنَّ الْمُقِرَّ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) الْمُنْكِرَ لِوَلَدِي، كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) .(1) الخبر.

66_ عن إكمال الدين: بسنده عن العسكري (علیه السلام) ، قال: ابْنِي م ح م د هُوَ الْإِمَامُ وَ الْحُجَّةُ بَعْدِي، مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.(2) الخبر.67_ عن إكمال الدين، و كفاية الأثر: مسنداً عن العسكري (علیه السلام) أنّه قال لجاريته: سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً وَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَ هُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي.(3)

68_ عن فضل بن شاذان، عن محمّد بن عبدالجبّار، قال: قلت لمولاي الحسن ابن علي العسكري: يا ابن رسول اللّه! جعلني اللّه فداك! أحب أن أعلم من الإمام و حجة اللّه على عباده من بعدك؟ فقال (علیه السلام) : إن الإمام و حجة اللّه من بعدي ابني سميّ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و كنيّه، الذي هو خاتم حجج اللّه، و آخر خلفائه، قال: ممن هو يا ابن رسول اللّه؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم.(4) الخبر.

69_ عن فضل بن شاذان، عن محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن

ص: 335


1- _ إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 2، ص252؛ بحار الأنوار، ج 51، ص160، ح6؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص295؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص409 ح 8.
2- _ الإمامة و التبصرة من الحيرة، ص2؛ إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 2، ص253؛ بحار الأنوار، ج 51، ص160، ح7؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2، ص528؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص296؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص409، ح9.
3- _ بحار الأنوار، ج 51، ص2، ح2 و ص161، ح13؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص294؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص408، ح4.
4- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 5، ص196، ح679.

عبيداللّه ابن عبّاس بن أميرالمؤمنين، قال: سمعت الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) يقول: : قد ولد وليّ اللّه و حجته على عباده، و خليفتي من بعدي مختونا، ليلة النصف من شعبان، سنة خمس و خمسين و مائتين عند طلوع الفجر.(1)

70 _ عن كتاب سليم بن قيس، عن علي (علیه السلام) عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في ذكر اُولي الأمر واحداً بعد واحد إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال: ثمّ ابنه الحجّة القائم خاتم أوصيائي و خلفائي، و المنتقم من أعدائي.(2) الحديث.

71_ و فيه أيضاً عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) قال: إِنَّ أَوْصِيَائِي أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِي أَئِمَّةٌ هُدَاةٌ مَهْدِيُّونَ كُلُّهُمْ مُحَدَّثُونَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَ مَنْ هُمْ؟قَالَ: ابْنِي هَذَا الْحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا الْحُسَيْنُ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا وَ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَ هُوَ رَضِيعٌ، ثُمَّ ثَمَانِيَةٌ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ.(3)

72_ عن غيبة فضل بن شاذان في حديث سؤال سلمان عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عن المنتقم، فقال: التاسع من أولاد ولدي الحسين(4). الحديث.

73_ عنه أيضاً عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مسنداً في إخبار اللّه لإبراهيم بأسماء الأئمّة و مشاهدته لأنوارهم إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال جلّ اسمه: و الحجّة بن الحسن الذي يظهر بعد غيبته عن شيعته و أوليائه.(5)

ص: 336


1- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 5، ص197، ح682.
2- _ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 1، ص174.
3- _ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 1، ص177، ح16 و ج2، 824 _825، ح37.
4- _ کفاية المهتدي في معرفة المهدی (علیه السلام) ، ص463؛ نصائح الهدى، ص443، ح101، عنه.
5- _ نصائح الهدى، ص444، ح102، عنه.

74_ و عنه (علیه السلام) أيضاً في حديث المعراج و إخبار اللّه تعالى بأسماء الأئمّة إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال تعالى: و بعده الحجّة بن الحسن.(1)

75_ و عنه أيضاً عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مسنداً في كون الأئمّة أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ذكرهم واحداً بعد واحد إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال: و بعده الحجّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة و الوصاية، و يغيب مدّة طويلة.(2) الحديث.

76_ و عنه أيضاً مسنداً عن سلمان الفارسي في خطبة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و فيها أنّ التاسع من الأئمّة (علیهم السلام) من ولد الحسين (علیه السلام) مهديّهم، ثمّ ذكر الأئمّة واحداً بعد واحد إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، و قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : وَ بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ، الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ، الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ.(3)77_ و عن الحسن بن علي بن فضّال مسنداً عن عمّار بن ياسر، عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: إن اللّه عهد إليّ أن يعطيني اثنی عشر خليفة، و عدّهم واحداً بعد واحد إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، و قال: و هو الّذي يغيب غيبة طويلة، و

ص: 337


1- _ نصائح الهدى ص 444 ح 103، عنه .
2- _ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، ج 2، ص234، ح812؛ کفاية المهتدي في معرفة المهدی (علیه السلام) ، ص481؛ منتخب الاثر فی الامام الثانی عشر (علیه السلام) ، ج1، ص251، ح307؛ نصائح الهدى، ص444، ح104.
3- _ بحار الأنوار، ج 51، ص154، ح4؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص277؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص372، ح6؛ نصائح الهدى، ص444، ح105.

يظهر.(1) الحديث.

78_ و عن عبداللّه بن جبلة مسنداً عن ابن عبّاس، قال: قلت لرسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) : كم الأئمّة من بعدك؟ قال: اثنا عشر، أوّلهم علي (علیه السلام) ، ثمّ عدّ إلى الحسن العسكري (علیه السلام) ، قال: فإذا انقضت أيّام الحسن فابنه الحجّة.(2)

79– و عن الحسن بن علي بن فضّال مسنداً عن سلمان الفارسي (رضی الله عنه) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال: اُبشّركم بالمهدي، إلى أن قال: و هو التاسع من أولاد ولدي الحسين.(3)

80_ و عن أيضاح الدفائن لابن شاذان عن الصادق (علیه السلام) ، عن آبائه، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تعداد الأئمّة بعد ذكر الحسن بن علي (علیهما السلام) ، قال (صلی الله علیه و آله و سلم) : ثُمَّ ابْنُهُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، مَهْدِيُّ أُمَّتِي.(4) الحديث.

81_ عن الذهبي عن أربعين الحافظ بن أبي الفوارس، عن الرضا (علیه السلام) ، عن آبائه (علیهم السلام) ، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في فضل ولاية کل واحد من الأئمّة و ذکرهم واحداً بعد واحد حتّی ذکر الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال: وَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ (عزوجل) وَ قَدْ كَمُلَ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَلْيَتَوَلَّ ابْنَهُ الْمُنْتَظَرَ مُحَمَّداً صَاحِبَالزَّمَانِ

ص: 338


1- _ معجم أحاديث الإمام المهدی (علیه السلام) ، ج6، ص47؛ منتخب الاثر فی الامام الثانی عشر (علیه السلام) ، ج1، ص249، ح305 و ج2، ص429، ح810؛ نصائح الهدى، ص445، ح106.
2- _ نصائح الهدى، ص445، ح107، عنه.
3- _ نصائح الهدى، ص445، ح108، عنه.
4- _ بحار الأنوار، ج 27، ص119، ح99 و ج 36، ص252، ح68؛ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، ص145؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 1، ص258، ح3؛ نصائح الهدى، ص445، ح109.

الْمَهْدِىَّ (علیه السلام) .(1) الحديث.

هذا ما تيسّر لي جمعه من الأخبار المنصوصة بالنصّ الصريح من كلّ واحد من الأئمّة (علیهم السلام) في إمامته و غيبته و اسمه و كنيته و أبيه و اُمّه، و أنّه يخرج و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً و جوراً، مضافاً إلى ما تقدّم من الأخبار في إمامة الأئمّة (علیهم السلام) ، و مع ذلك فهل يبقى لمسلم شكّ أو ريب فيه، و بذا نختم الكلام و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله آل اللّه.

المطلب الثالث: في علائم ظهوره (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

و هي على أقسام: منها علائم حتمية شخصية لشخصه الشريف.

و منها: علائم نوعية لعموم الناس، و هي أيضاً أقسام: منها حتمية، و منها غير حتمية، و هي: إمّا واقعة إلى زماننا هذا، و إمّا غير واقعة بعد، و قد صنّف الأصحاب في هذا الباب من الكتاب ما يخرج عن حدّ الحساب، و ذكرها بتمامه يقتضي وضع كتاب مستقلّ مبسوط، و نحن نقتصر على ذكر كلام من المفيد في إرشاده على نقل البحار المستفاد من الأخبار، و ذكر حديث عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) على نقل صاحب كفاية الموحّدين.

أمّا كلام المفيد، قال: قَدْ جَاءَتِ الْآثَار (2)بِذِكْرِ

عَلَامَاتٍ لِزَمَانِ قِيَامِ الْقَائِمِ الْمَهْدِيِّ (علیه السلام) ، وَ حَوَادِثَ تَكُونُ أَمَامَ قِيَامِهِ، وَ آيَاتٍ وَ دَلَالاتٍ:فَمِنْهَا: خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَ قَتْلُ الْحَسَنِيِّ، وَ اخْتِلَافُ بَنِي الْعَبَّاسِ فِي

ص: 339


1- _ بحار الأنوار، ج 27، ص108، ح80 و ج36، ص296، ح12؛ الفضائل (لابن شاذان القمي)، ص167؛ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، المقدمة، ص11؛ نصائح الهدى ص 445، ح 110، عنه.
2- _ فی الارشاد: الْأَخْبَارُ.

الْمُلْكِ الدُّنْيَاوِيِّ، وَ كُسُوفُ الشَّمْسِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَ خُسُوفُ الْقَمَرِ فِي آخِرِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَاتِ، وَ خَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ، وَ خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَ رُكُودُ الشَّمْسِ مِنْ عِنْدِ الزَّوَالِ إِلَى وَسَطِ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَ طُلُوعُهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، وَ قَتْلُ نَفْسٍ زَكِيَّةٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَ ذَبْحُ رَجُلٍ هَاشِمِيٍّ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ، وَ هَدْمُ سُورِ الْكُوفَةِ.

وَ إِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ، وَ خُرُوجُ الْيَمَانِيِّ، وَ ظُهُورُ الْمَغْرِبِيِّ بِمِصْرَ، وَ تَمَلُّكُهُ لِلشَّامَاتِ، وَ نُزُولُ التُّرْكِ الْجَزِيرَةَ، وَ نُزُولُ الرُّومِ الرَّمْلَةَ، وَ طُلُوعُ نَجْمٍ بِالْمَشْرِقِ، يُضِي ءُ كَمَا يُضِي ءُ الْقَمَرُ، ثُمَّ يَنْعَطِفُ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، وَ حُمْرَةٌ تَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ، وَ تَنْتَشِرُ فِي آفَاقِهَا، وَ نَار تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ طُولًا، وَ تَبْقَى فِي الْجَوِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

وَ خَلْعُ الْعَرَبِ أَعِنَّتَهَا وَ تَمَلُّكُهَا الْبِلَادَ، وَ خُرُوجُهَا عَنْ سُلْطَانِ الْعَجَمِ، وَ قَتْلُ أَهْلِ مِصْرَ أَمِيرَهُمْ، وَ خَرَابُ الشَّامِ وَ اخْتِلَافُ ثَلَاثَةِ رَايَاتٍ فِيهِ وَ دُخُولُ رَايَاتِ قَيْسٍ وَ الْعَرَبِ إِلَى مِصْرَ وَ رَايَاتِ كِنْدَةَ إِلَى خُرَاسَانَ وَ وُرُودُ خَيْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ حَتَّى تُرْبَطَ بِفِنَاءِ الْحِيرَةِ وَ إِقْبَالُ رَايَاتٍ سُودٍ مِنَ الْمَشْرِقِ نَحْوَهَا وَ بَثْقٌ(1) فِي الْفُرَاتِ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَاءُ أَزِقَّةَ الْكُوفَةِ.

وَ خُرُوجُ سِتِّينَ كَذَّاباً كُلُّهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ، وَ خُرُوجُ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي الْإِمَامَةَ لِنَفْسِهِ، وَ إِحْرَاقُ رَجُلٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ مِنْ شِيعَةِ بَنِي الْعَبَّاسِبَيْنَ جَلُولَاءَ وَ خَانِقِينَ، وَ عَقْدُ الْجِسْرِ مِمَّا يَلِي الْكَرْخَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، وَ ارْتِفَاعُ رِيحٍ سَوْدَاءَ بِهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَ زَلْزَلَةٌ حَتَّى يَنْخَسِفَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَ خَوْفٌ يَشْمَلُ أَهْلَ

ص: 340


1- _ انبثق الماء: انفجر.

الْعِرَاقِ، وَ مَوْتٌ ذَرِيعٌ فِيهِ، وَ نَقْصٌ مِنَ الْأَنْفُسِ وَ الْأَمْوَالِ وَ الثَّمَرَاتِ، وَ جَرَادٌ يَظْهَرُ فِي أَوَانِهِ وَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الزَّرْعِ وَ الْغَلَّاتِ، وَ قِلَّةُ رَيْعٍ لِمَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ، وَ اخْتِلَافُ صِنْفَيْنِ مِنَ الْعَجَمِ، وَ سَفْكُ دِمَاءٍ كَثِيرَةٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

وَ خُرُوجُ الْعَبِيدِ عَنْ طَاعَةِ سَادَاتِهِمْ، وَ قَتْلُهُمْ مَوَالِيَهُمْ، وَ مَسْخٌ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، حَتَّى يَصِيرُوا قِرَدَةً وَ خَنَازِيرَ، وَ غَلَبَةُ الْعَبِيدِ عَلَى بِلَادِ السَّادَاتِ، وَ نِدَاءٌ مِنَ السَّمَاءِ، حَتَّى يَسْمَعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّ أَهْلِ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ وَ وَجْهٌ وَ صَدْرٌ يَظْهَرَانِ مِنَ السَّمَاءِ لِلنَّاسِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ وَ أَمْوَاتٌ يُنْشَرُونَ مِنَ الْقُبُورِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا فَيَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَ يَتَزَاوَرُونَ.

ثُمَّ يُخْتَمُ ذَلِكَ بِأَرْبَعٍ وَ عِشْرِينَ مَطْرَةً، تَتَّصِلُ فَتُحْيَا بِهَا الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها، وَ تُعْرَفُ بَرَكَاتُهَا، وَ تَزُولُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ عَاهَةٍ عَنْ مُعْتَقِدِي الْحَقِّ مِنْ شِيعَةِ الْمَهْدِيِّ (علیه السلام) ، فَيَعْرِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ ظُهُورَهُ بِمَكَّةَ، فَيَتَوَجَّهُونَ نَحْوَهُ لِنُصْرَتِهِ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ.

وَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ مَحْتُومَةٌ، وَ مِنْهَا مُشْتَرَطَةٌ، وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ، وَ إِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا عَلَى حَسَبِ مَا ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ، وَ تَضَمَّنَهَا الْأَثَرُ الْمَنْقُولُ، وَ بِاللَّهِ نَسْتَعِينُ وَ إِيَّاهُ نَسْأَلُ التَّوْفِيقَ.(1) انتهى كلامه رحمه اللّه.و أمّا ذكر الحديث، فقال (علیه السلام) : إِذَا أَمَاتَ النَّاسُ الصَّلَاةَ، وَ أَضَاعُوا الْأَمَانَةَ، وَ اسْتَحَلُّوا الْكَذِبَ، وَ أَكَلُوا الرِّبَا، وَ أَخَذُوا الرِّشَا، وَ شَيَّدُوا الْبُنْيَانَ، وَ بَاعُوا(2) الدِّينَ بِالدُّنْيَا، وَ اسْتَعْمَلُوا السُّفَهَاءَ، وَ شَاوَرُوا النِّسَاءَ، وَ قَطَعُوا الْأَرْحَامَ، وَ اتَّبَعُوا الْأَهْوَاءَ،

ص: 341


1- _ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج 2، ص368 _ 370؛ بحار الأنوار، ج 52، ص220، ح82.
2- _ في نسخة: بايعوا.

وَ اسْتَخَفُّوا بِالدِّمَاءِ، وَ كَانَ الْحِلْمُ ضَعْفاً، وَ الظُّلْمُ فَخْراً، وَ كَانَتِ الْأُمَرَاءُ فَجَرَةً، وَ الْوُزَرَاء ظَلَمَةً، وَ الْعُرَفَاءُ خَوَنَةً، وَ الْقُرَّاءُ فَسَقَةً.

وَ ظَهَرَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ وَ اسْتُعْلِنَ الْفُجُورُ وَ قَوْلُ الْبُهْتَانِ وَ الْإِثْمُ وَ الطُّغْيَانُ وَ حُلِّيَتِ الْمَصَاحِفُ وَ زُخْرِفَتِ الْمَسَاجِدُ وَ طُوِّلَتِ الْمَنَارَاتُ وَ أُكْرِمَتِ الْأَشْرَارُ وَ ازْدَحَمَتِ الصُّفُوفُ وَ اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَ نُقِضَتِ الْعُهُودُ وَ اقْتَرَبَ الْمَوْعُودُ وَ شَارَكَ النِّسَاءُ أَزْوَاجَهُنَّ فِي التِّجَارَةِ حِرْصاً عَلَى الدُّنْيَا.

وَ عَلَتْ أَصْوَاتُ الْفُسَّاقِ وَ اسْتُمِعَ مِنْهُمْ، وَ كَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَ اتُّقِيَ الْفَاجِرُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَ صُدِّقَ الْكَاذِبُ، وَ اؤْتُمِنَ الْخَائِنُ، وَ اتُّخِذَتِ الْقِيَانُ وَ الْمَعَازِفُ، وَ لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَ رَكِبَ ذَوَاتُ الْفُرُوجِ السُّرُوجَ، وَ تَشَبَّهَ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ وَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ، وَ شَهِدَ الشَّاهِدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، وَ شَهِدَ الْآخَرُ قَضَاءً لِذِمَامٍ بِغَيْرِ حَقٍّ عَرَفَهُ.

وَ تُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَ آثَرُوا عَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَ لَبِسُوا جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ،(1) وَ قُلُوبُهُمْ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيَفِ، وَ أَمَرُّ مِنَ الصَّبِرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ الْوَحَا الْوَحَا ثُمَّ الْعَجَلَ الْعَجَلَ، خَيْرُ الْمَسَاكِنِ يَوْمَئِذٍ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَىالنَّاسِ زَمَانٌ يَتَمَنَّى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ مِنْ سُكَّانِهِ.(2)

ص: 342


1- _ في النسخة: الذباب.
2- _ بحارالأنوار، ج52، ص193، ح26؛ الخرائج و الجرائح، ج 3، ص1133، ح53؛ كمال الدين و تمام النعمة،،ج 2، ص525، ح1.

المطلب الرابع: في نوّابه الخاصّة و العامّة في غيبته الصغرى و الكبرى

و قبل الشروع فيه ينبغي تقديم مقدّمة، و هي أنّه قد تقدّم في أوائل مسألة الإمامة لزوم وجود الإمام، و احتياج الدين و المسلمين بوجوده الشريف بالأدلّة الكثيرة تبلغ اثني عشر دليلاً، و بعض تلك الأدلّة تقتضيكونه (علیه السلام) ظاهراً بحيث يمكن للاُمّة الرجوع إليه في حلّ مشكلاتهم، و رفع اختلافاتهم في مرافعاتهم و سياساتهم، و كذا في الولاية على الصغار و المجانين و الغيّاب و الممتنعين و نحوها، و عند غيبة الإمام يجب أن يكون له نائباً في كلّ عصر في تلك الاُمور لعين تلك الأدلّة.

و كما يجب أن يكون تعيين الإمام من اللّه تعالى و من الرسول، و ليس باختيار الاُمّة كذلك يجب أن يكون تعيين النائب من الإمام، بل لزوم وجود نائب الإمام ليس مختصّاً بزمان الغيبة، بل في أزمنة الأئمّة (علیهم السلام) أيضاً كثيراً ما لا يتمكّن جميع الاُمّة من التشرّف بخدمتهم: إمّا لمنع الأعداء، أو للخوف منهم، أو لعدم الوصلة، أو لغير ذلك، و من هنا ورد في أخبار كثيرة من سؤال الرواة عنهم (علیهم السلام) ممّن نراجع و ممّن نسأل و نحوه.فعلى هذا نقول: نوّاب الأئمّة (علیهم السلام) : إمّا خاصّة، أو عامّة.

و المراد بالخاصّ تعيين شخص خاصّ، سواء عيّنه في جميع الاُمور، أو في بعضها، كالقضاوة و الولاية و نحوهما.

و المراد من العامّ تعيين عنوان كلّ من ينطبق عليه هذا العنوان فهو النائب.

و النوّاب الخاصّة في الغيبة الصغرى أربعة: أوّلهم عثمان بن سعيد المعروف بالعَمري، ثمّ بعده ابنه محمّد بن عثمان بن سعيد، ثمّ بعده الحسين

ص: 343

بن روح، ثمّ بعده علي بن محمّد السمري. و إثبات نيابتهم بأحد من الوجوه الثلاثة على سبيل منع الخلوّ:

أحدها: النصّ الصريح من الإمام (علیه السلام) ، أو من السابق على اللاحق.

الثاني: إعطاؤه المعجزة على يديه من ناحية الإمام (علیه السلام) .

الثالث: تسلّم الشيعة في عصره من غير خلاف على القبول منه لجلالة قدره و نبالة شأنه، و معرفتهم به.

إذا عرفت هذا، فنقول: أمّا عثمان بن سعيد العمري المعروف بالسمّان، فهو من ثقات أصحاب الهادي و العسكري (علیهما السلام) و وكلاء الإمامين، و ورد منهما أخبار كثيرةً في شأنه، بل نصّ العسكري (علیه السلام) بأنّه وكيل المهدي (علیه السلام) و سفيره و نائبه.

في البحار: عن الشيخ (قدس سره) في حديث طويل، و فيه قول أبي الحسن الهادي (علیه السلام) في حقّه: هَذَا أَبُو عَمْرٍو الثِّقَةُ الْأَمِينُ، مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَ مَاأَدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ. و قول أبي محمّد العسكري (علیه السلام) في حقّه: هَذَا أَبُو عَمْرٍو الثِّقَةُ الْأَمِينُ، ثِقَةُ الْمَاضِي وَ ثِقَتِي فِي الْحَيَاةِ وَ الْمَمَاتِ، فَمَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنِّي يَقُولُهُ، وَ مَا أَدَّى إِلَيْكُمْ فَعَنِّي يُؤَدِّيهِ.(1)

و في البحار أيضاً: عنه عن أبي محمّد (علیه السلام) في حديث طويل تقدّم نقله عند بيان من رأى القائم (علیه السلام) و هم أربعون رجلاً، قوله (علیه السلام) في آخر الحديث: أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِكُمْ هَذَا، حَتَّى يَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ مَا

ص: 344


1- _ بحار الأنوار، ج51، ص344.

يَقُولُهُ، وَ انْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ، وَ اقْبَلُوا قَوْلَهُ، فَهُوَ خَلِيفَةُ إِمَامِكُمْ وَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ.(1)

و هذا الحديث نصّ في نيابته، هذا مضافاً إلى أنّ الشيعة مجمعة على عدالته و ثقته و أمانته.

و أمّا ابنه محمّد بن عثمان، فإثبات نيابته بنصّ من العسكري (علیه السلام) ، و نصّ من أبيه بأمر القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) .

أمّا نصّ العسكري، فقوله (علیه السلام) و بين يديه جماعة من أوليائه و شيعته: وَ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الْعَمْرِيَّ وَكِيلِي، وَ أَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّداً وَكِيلُ ابْنِي مَهْدِيِّكُمْ.(2)

و قوله (علیه السلام) لأحمد بن إسحاق: الْعَمْرِيُّ وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، وَ مَا قَالا لَكَ فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا، فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ.(3)أمّا نصّ القائم (علیه السلام) التوقيع المروي في أكثر كتب الشيعة، مثل الصدوق و الطبرسي و غيرهما، كما في البحار في تعزية محمّد بأبيه عثمان، و في آخر التوقيع قوله (علیه السلام) : وَ كَانَ مِنْ كَمَالِ سَعَادَتِهِ(4) أَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَداً مِثْلَكَ يَخْلُفُهُ مِنْ

ص: 345


1- _ بحار الأنوار، ج51، ص347.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص345.
3- _ بحار الأنوار، ج 51، ص348؛ الكافي، ج 1، ص330، ح1.
4- _ أي: العمري.

بَعْدِهِ، وَ يَقُومُ مَقَامَهُ بِأَمْرِهِ، وَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ.(1) الحديث.

و الحديث المروي عن عبداللّه بن جعفر الحميري، قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُو عَمْرٍو (رضی الله عنه) أَتَتْنَا الْكُتُبُ بِالْخَطِّ الَّذِي كُنَّا نُكَاتِبُ بِهِ بِإِقَامَةِ أَبِي جَعْفَرٍ (رضی الله عنه) مَقَامَهُ.(2)

و التوقيع الذي خرج إلى محمّد بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي بعد وفاة العمري قوله (علیه السلام) : وَ الِابْنُ وَقَاهُ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ ثِقَتَنَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ (رضی الله عنه) وَ أَرْضَاهُ، وَ نَضَّرَ وَجْهَهُ يَجْرِي عِنْدَنَا مَجْرَاهُ، وَ يَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَ عَنْ أَمْرِنَا يَأْمُرُ الِابْنُ وَ بِهِ يَعْمَلُ تَوَلَّاهُ اللَّهُ، فَانْتَهِ إِلَى قَوْلِهِ.(3)

هذا مضافاً إلى أنّ الشيعة مجمعة على عدالته و ثقته و أمانته، و قد نقلت الشيعة عنه دلائل كثيرة، و معجزات الإمام ظهرت على يده، و اُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة.

و أمّا أبوالقاسم حسين بن روح (رضی الله عنه) ، فلما في البحار عن جعفر بن أحمد بن متيل، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ الْوَفَاةُ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ رَأْسِهِ أُسَائِلُهُ وَ أُحَدِّثُهُ، وَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثُمَّقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُوصِيَ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَ أَخَذْتُ بِيَدِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَ أَجْلَسْتُهُ فِي مَكَانِي، وَ تَحَوَّلْتُ إِلَى عِنْدِ

ص: 346


1- _ بحار الأنوار، ج51، ص349؛ کتاب الغيبة(للطوسي)، ص361؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص510، ح 41.
2- _ بحار الأنوار، ج51، ص349، ح2؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص362.
3- _ همان.

رِجْلَيْهِ.(1) و روى فيه هذا الحديث عن «ك» و «غط».

و عن أبي علي محمّد بن همّام (رضی الله عنه) ، قال: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، جَمَعَنَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَ كُنَّا وُجُوهَ الشِّيعَةِ وَ شُيُوخَهَا، فَقَالَ لَنَا: إِنْ حَدَثَ عَلَيَّ حَدَثُ الْمَوْتِ، فَالْأَمْرُ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ النَّوْبَخْتِيِّ، فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ فِي مَوْضِعِي بَعْدِي، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، وَ عَوِّلُوا فِي أُمُورِكُمْ عَلَيْهِ.(2)

و عن جماعة أنّه لمّا اشتدّت حال أبي جعفر اجتمع جماعة من وجوه الشيعة، فَقَالُوا لَهُ: إِنْ حَدَثَ أَمْرٌ فَمَنْ يَكُونُ مَكَانَكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ رَوْحِ بْنِ أَبِي بَحْرٍ النَّوْبَخْتِيُّ، الْقَائِمُ مَقَامِيُّ، وَ السَّفِيرُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَمْرِ، وَ الْوَكِيلُ لَهُ، وَ الثِّقَةُ الْأَمِينُ.(3) الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما أبوالحسن علي بن محمّد السمري، ففي أخبار كثيرة مروية عن الكليني و الصدوق و غيرهما من وجوه الشيعة أنّ حسين بن روح أوصى إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري، و كان من معاجزه إخباره بموت علي بن بابويه القمّي يوم وفاته و ساعة و فاته.

و عن الاحتجاج بعد نقل النوّاب الأربعة، قال: وَ لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ إِلَّابِنَصٍّ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الزَّمَانِ (علیه السلام) ، وَ نَصْبِ صَاحِبِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَيْهِ،

ص: 347


1- _ بحار الأنوار، ج51، ص354، ح5؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص370؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص503، ح33.
2- _ بحار الأنوار، ج51، ص355، ح6؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص371.
3- _ همان.

فَلَمْ تَقْبَلِ الشِّيعَةُ قَوْلَهُمْ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِ آيَةٍ مُعْجِزَةٍ تَظْهَرُ عَلَى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَمْرِ (علیه السلام) تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِمْ، وَ صِحَّةِ نِيَابَتِهِمْ.(1)

ثمّ بهؤلاء الأربعة انقطعت النيابة الخاصّة، و تمّت الغيبة الصغرى، و وقعت الغيبة الكبرى، للتوقيع الشريف الذي خرج على يد علي بن محمّد السمري قبل وفاته بستّة أيّام:

بسم الله الرحمن الرحيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ! أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ، وَ لَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ (عزوجل) ، وَ ذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ، وَ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَ امْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً، وَ سَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَ الصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.(2)

و لقوله (رضی الله عنه) حين وفاته حيث سئل عنه من وصيك من بعدك؟ فَقَالَ: لِلَّهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ وَ قَضَى، فَهَذَا آخِرُ كَلَامٍ سُمِعَ مِنْهُ (رضی الله عنه) .(3)

فإذاً نحتاج إلى النائب العامّ، و هو المجتهد العادل؛ لما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عمر بن حنظلة، عن الصادق (علیه السلام) المتلقّى بالقبول عند الأصحاب

ص: 348


1- _ الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج2، ص478؛ بحار الأنوار، ج51، ص362، ح9. فی الاحتجاج: صدق مقالتهم و صحة بابيتهم.
2- _ بحار الأنوار، ج 51، ص361، ح7؛ کتاب الغيبة (للطوسي)، ص395؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج2، ص516، ح44.
3- _ همان، في کمال الدين: وَ مَضَى (رضی الله عنه) فَهَذَا آخِرُ كَلَامٍ سُمِعَ مِنْه.

حتّى سمّيت الرواية بالمقبولة، و فيها: يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا وَ نَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أَحْكَامَنَا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً، فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّهِ اسْتُخِفَّ وَ عَلَيْنَا رُدَّ وَ الرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ وَ هُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ (عزوجل) .(1)

و التوقيع المروى في الاحتجاج عن الصاحب (علیه السلام) في أجوبة مسائل إسحاق بن يعقوب: وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ.(2)

و الخبر المروي عن العسكري (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: {وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ}(3) الآية، الذي قال شيخنا الأنصاري (قدس سره) : اللائح منه آثار الصدق، و فيه:مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ.(4)

و النبوي المعروف: اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَ مَنْ خُلَفَاؤُكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ حَدِيثِي وَ سُنَّتِي.(5)

ص: 349


1- _ بحار الأنوار، ج2، ص221 و ج101، ص262، ح1؛ التهذيب الأحکام، ج6، ص302، ح845؛ الكافي، ج1، ص67، ح10.
2- _ الإحتجاج (للطبرسي)، ج 2، ص470؛ بحار الأنوار، ج 2، ص90، ح13 و ج 53، ص181، ح10؛ كتاب الغيبة(للطوسي)، ص291؛ كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص484، ح4.
3- _ سورة البقرة: 78.
4- _ الإحتجاج (للطبرسي)، ج 2، ص458؛ بحار الأنوار، ج2، ص88؛ التفسير الإمام العسكري (علیه السلام) ، ص300.
5- _ بحار الأنور، ج2، ص147، ح7 و ج86، ص221؛ من لا يحضره الفقيه، ج4، ص420، ح5919.

و قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) : عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل.(1) إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمّ إنّ الكلام في حدود ولايتهم، و فيما يجب الرجوع إليهم، و فيما يجب التقليد عنهم، موكول إلى محلّه لا يقتضيه المقام، و اللّه العالم.

المطلب الخامس: في كيفية ظهوره (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

و الوقائع الواقعة في زمان الظهور، و سيرته مع أهل زمانه و أصحابه و أنصاره، جعلنا اللّه منهم إن شاء اللّه تعالى بحقّه و بحقّ آبائه الطيبين، و جدّته الزهراء صلوات اللّه عليهم، و الأخبار الواردة في ذاك الباب لكثيرة جدّاً لا يقتضي المقام البسط في نقلها.

و نحن نقتصر على بيان ما يستفاد من مضامين بعضها، و من أراد البسط، فليرجع إلى الكتب المبسوطة، كالبحار و كفاية الموحّدين و النجم الثاقب و غيرها.

فنقول: في بعض الأخبار أنّ ظهوره (علیه السلام) في مكّة يوم الخميس، و في بعضها يوم الجمعة، و في بعضها يوم السبت يوم عاشوراء.

و يمكن الجمع بينها، بل لا يبعد أن يكون ظهوره (علیه السلام) أوّلاً يوم الخميس عند وروده بمكّة بحيث لم يطّلع عليه أحد، ثمّ يغيب و يظهر يوم الجمعة في مسجد الحرام، و يضرب عنق الخطيب على المنبر، ثمّ يغيب و يظهر يوم السبت يوم عاشوراء مع أصحابه، و هم ثلاثمائة و ثلاث عشر رجلاً، عدد أصحاب البدر، و عليه لباس رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و عمّامته و نعليه و عصائه.

و كان ظهوره في سنة الوتر، و ينزل عليه ليلة ظهوره جبرئيل و ميكائيل و

ص: 350


1- _ بحار الأنوار، ج2، ص22، ح67 و ج24، ص307؛ عوالي اللئالي، ج4، ص77، ح67.

صفوف الملائكة، و هو (علیه السلام) ينادي أصحابه، فيتشرّفون بخدمته في طرفة عين، و يسند (علیه السلام) على ظهر الكعبة، و يمدّ يده، فأوّل من يبايعه جبرئيل، و بعده الملائكة و نجباء الجنّ و نقباء الإنس في أوّل طلوع الشمس، فإذا ارتفع الشمسينادي مناد في جرم الشمس بنداء يسمعه جميع أهل السماء و الأرض كلّ بلسانه: إنّ المهدي من آل محمّد قد ظهر، فأطيعوه و لا تخالفوه، و يذكر نسبه إلى أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، فيخرج المؤمنون من جميع البلدان إليه لينصروه.

ثمّ ينادي مناد الشيطان في عصر ذلك اليوم: إنّ السفياني قد ظهر، فيورث إضلال المرتابين و المنافقين و الكافرين، و يكذّبه المؤمنون.

ثمّ يسند (علیه السلام) ظهره إلى الكعبة، و يقول: ألَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ وَ شَيْثٍ فَهَا أَنَا ذَا آدَمُ وَ شَيْثٌ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى نُوحٍ وَ وَلَدِهِ سَامٍ فَهَا أَنَا ذَا نُوحٌ وَ سَامٌ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ فَهَا أَنَا ذَا إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُوسَى وَ يُوشَعَ فَهَا أَنَا ذَا مُوسَى وَ يُوشَعُ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عِيسَى وَ شَمْعُونَ فَهَا أَنَا ذَا عِيسَى وَ شَمْعُونُ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَهَا أَنَا ذَا مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ (علیهما السلام) فَهَا أَنَا ذَا الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ، أَلَا وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (علیهم السلام) فَهَا أَنَا ذَا الْأَئِمَّةُ (علیهم السلام) .(1)

ثمّ يقرأ صحف الأنبياء و التوراة و الزبور و الانجيل و الفرقان الذي نزل على محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثمّ يقول: أيّها الناس اسمعوا قولي، و أجيبوا دعوتي، فإنّي اُنبّؤكم بما تعلمون و بما لا تعلمون.

ص: 351


1- _ بحار الأنوار، ج 53، ص9.

ثمّ يأتي رجل من عسكر السفياني و يبشّره بخسف عسكره بأرض بيداء، ويتوب على يديه، و يدخل في أصحابه، فيدعو أهل مكّة بالحكمة و الموعظة الحسنة، فيجيبوه و يطيعوه، فيجعل لهم والياً من أهل بيته، و يخرج إلى المدينة، فلمّا خرج اجتمع أهل مكّة و يقتلون الوالي، فإذا سمع (علیه السلام) ذلك يرجع إلى مكّة، فيتوبون على يديه و يبكون و يظهرون الندامة، فيعظهم و يجعل لهم والياً آخر من أهل مكّة، و يخرج و يعاملون أهل مكّة مع واليهم كالمعاملة السابقة، فيبلغه الخبر، فيأمر أصحابه من الجنّ و الإنس، فيقاتلون أهل مكّة، فلا يبقى منهم إلاّ القليل ممّن آمن.

فيذهب (علیه السلام) إلى المدينة مع أصحابه من الملائكة و الجنّ و الإنس، و يدخل المسجد و بعد ثلاثة أيّام يأمر بإخراج الشيخين من قبرهما، و يصلبان على النخلة اليابسة، فتصير رطباً، ثمّ يأمر بالتبرّي عنهما، فيقول أولياؤهما: إنّا لا نتبرّأ منهما مع ما نرى من كون أجسادهما رطباً طرياً و صيرورة الشجرة بهما رطباً، بل نتبرّأ منك و ممّن أخرجهما من قبرهما و أصلبهما على الشجرة، فيأمر المهدي (علیه السلام) بريح سوداء فتهب على مواليهما، فتجعلهم أعجاز نخل خاوية.

ثمّ ينزلهما من النخلة، و يحييهما و يقصّ عليهم كلّ ظلم صدر منهما، أو كانا سببين له، من إحراق باب دار فاطمة (علیها السلام) ، و إسقاط جنينها، و ضربها و لطمها، و الظلم الوارد بسببهما على الأئمّة (علیهم السلام) من سمّ الحسن (علیه السلام) ، و قتل الحسين (علیه السلام) و أصحابه، بل كلّ دم سفك، أو فاحشة و ظلم و جور و إثم منذ

ص: 352

عهد آدم (علیه السلام) إلى قيام المهدي (علیه السلام) ،(1) ثمّ يصلبهما على الشجرة، فيأمر ناراًبحرقهما، ثمّ يأمر ريحاً بنسفهما في اليمّ نسفاً.

ثمّ يسير المهدي (علیه السلام) إلى الكوفة، و ينزل ما بين كوفة و النجف، و عنده أصحابه في ذلك اليوم ستّة و أربعون ألفاً من الملائكة، و ستة آلاف من الجنّ و النقباء ثلاثمائة و ثلاث عشر نفساً. ثمّ إنّ السيد الحسني الذي يخرج مع جماعة من الشيعة من طالقان و غيره، و يفتح على يديه البلاد، لمّا يسمع خبر المهدي (علیه السلام) يتشرّف في الكوفة بحضرته، و يطالب منه المعجزات، و يبايع هو و أصحابه جميعاً معه (علیه السلام) إلاّ أربعة آلاف من أصحابه هم كالخوارج، فيأمر بقتلهم.

و يقاتل مع أصحاب المهدي (علیه السلام) عسكر السفياني، فيقتلونهم جميعاً حتّى لا يبقى منهم أحد، و يتوجّه المؤمنون من أطراف البلاد إليه لنصرته، و تصير الكوفة مقرّ سلطنته، و النجف محلّ خلوته، و مسجد السهلة محلّ بيت المال و الغنائم، و مسجد الكوفة محلّ حكومته، و تتّصل عمران الكوفة بالكربلاء، و يصير سعة عمران الكوفة أربع و خمسين ميلاً.(2)

ثمّ يأمر أصحابه بفتح البلاد، و يخرجون و يفتح بأيديهم البلاد، و يقتل بأيديهم الكفرة و الفجرة و الظلمة و السفياني و جميع عسكره، و لا يقبل من

ص: 353


1- _ إن قلت: هذا بالنسبة إلى ما تأخّر من زمانهما صحيح؛ لأنّه لولا ظلمهما و فعالهما لما وقع ما وقع، و أمّا بالنسبة إلى الزمان المتقدّم عليهما، فأيّ ربط بهما؟ و كيف صارا سبباً له؟ قلت: كما أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) كانوا في عالم النورانية سبباً لعبادة الملائكة و الأنبياء و كلّ مؤمن سبق أو لحق، كذلك هؤلاء الظلمة كانوا في عالم الظلمانية سبباً لمعصية الشيطان و الجنّ و الانس أجمعين، و الكلام هو الكلام «منه».
2- _ بحساب اليوم أزيد من مائة كيلومتر، و بحساب الفرسخ ثمانية عشر فرسخاً «منه» .

أحد إلاّ الإيمان، و أكثر من آمن من الكفرة النصارى لنزول عيسى (علیه السلام) ، و يصلّي خلف المهدي (علیه السلام) ، و يصير وزيراً له، و يخرج جماعة من المؤمنين من قبورهم لنصرته، كما يأتي في باب الرجعة إن شاء اللّه تعالى.

و يخرج الأرض بركاتها و كنوزها، و تنزل من السماء أمطارها، و يملأالأرض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً و جوراً، يصير أهل الأرض ملّة واحدة صلحاء أتقياء، مأموناً في دينهم و دنياهم، اللّهمّ ارزقنا بحقّه و حقّ آبائه (علیهم السلام) لقائه و اجعلنا من أنصاره و المستشهدين بين يديه.

و يقتل أتباع بني اُمية كلّهم طلباً لثأر جدّه الحسين (علیه السلام) ، و يكون شعار أنصاره «يالثارات الحسين» إلى غير ذلك من الوقائع التي تقع في زمانه و دولته، و يتّصل زمانه بزمان الرجعة، و مقدار زمانه عند اللّه.

و بهذا نختم الكلام في الإمامة، و الحمد للّه أوّلاً و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و الصلاة على جدّه محمّد و جدّته الزهراء و آبائه ما دامت السماء و الأرض.

و كان الفراغ منه في الليلة الرابعة عشر من جمادي الاُولى سنة (1372) أيّام وفاة جدّته، و أنا العبد الآثم السيد عبدالحسين طيّب.

ص: 354

بسم اللّه الرحمن الرحيم

و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله (علیهم السلام)

خاتمة: في الرجعة

اشارة

و مجمل الكلام فيها يقع في مطالب:

المطلب الأوّل: في إثبات كونها من ضروريات مذهب الشيعة الاثني عشرية

و نقتصر في ذلك على بيان أمرين: أحدهما نقل الكتب المشتملة على ذكر أخبار الرجعة، و ثانيهما نقل الأخبار الدالّة عليها.

أمّا الكتب، فهي كثيرة جدّاً: الصحيفة السجّادية، الكافي للكليني، التهذيب للطوسي، من لا يحضره الفقيه للصدوق، عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، معاني الأخبار، الخصال للصدوق، إكمال الدين، الاعتقادات للصدوق، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، علل الشرائع، الأمالي، التوحيد للصدوق، المصباح للطوسي، المصباح الصغير، الأمالي لابن الطوسي، المصباح للكفعمي، الخلاصة للعلاّمة، رجال العلاّمة،(1)

النجاشي، رجال ابن داود، فهرست شيخ الطوسي، الرجال الكبير، رجال الكشّي، إختيار الكشّي، تفسير القمّي، محاسن

ص: 355


1- _ الخلاصة و الرجال للعلاّمة كتاب واحد.

البرقي، كامل الزيارة، كفاية الأثر لابن الخزّاز القمّي، المحكم و المتشابه للسيد المرتضى، قصص الأنبياء للراوندي، الارشاد للمفيد.

كشف الغمّة للاربلي، الخرائج و الجرائح للراوندي، مجمع البيان، بصائر الدرجات للصفّار، قرب الاسناد للحميري، المشارق للبرسي، الاحتجاج للشيخ الطبرسي، الصراط المستقيم لابن يونس العاملي، جامع الأخبار، اللهوف لابن طاووس، مهج الدعوات، كشف المحجّة.

إرشاد القلوب للديلمي، إعلام الورى، نهج البلاغة، كتاب سليم بن قيس، كتاب القائم للفضل بن شاذان، الدلائل للحميري، تفسير العيّاشي، عيون المفيد، محاسن المفيد، دلائل النبوّة، بصائر الدرجات، تفسير النعماني، الواحدة لمحمّد بن جمهور، تنزيل السياري، فصول المفيد، مختصر البصائر، كنز الفوائد، مزار الشهيد، مزار المفيد، مزار ابن طاووس.

رسالة سعد بن عبداللّه، التأويل لمحمّد بن عبّاس، الغيبة للنعماني، زوائد الفوائد، البحار للمجلسي، كفاية الموحّدين، مرآة العقول، الاعتقادت للمجلسي، تحفة الزائر، هداية الزائر، زاد المعاد، مفاتيح الجنان، تنبيه الاُمّة، نفس الرحمن، النجم الثاقب، تفسير البرهان.

إلى غير ذلك من الكتب المؤلّفة بالفارسية و العربية في الاعتقادات و الأدعية و الزيارات، و الأخبارالتي يطول نقلها، و يخرج عن وضع الرسالة، و فيما ذكرناه كفاية لمن استبصر، و اللّه الهادي.

و أمّا الأخبار، فمنها: الزيارة الجامعة، و فيها مواقع من الدلالة:أحدها: قوله (علیه السلام) : مُؤْمِنٌ بِإِيَابِكُمْ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ، مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ، مُرْتَقِبٌ

ص: 356

لِدَوْلَتِكُمْ.

ثانيها: قوله (علیه السلام) : حَتَّى يُحْيِيَ اللَّهُ دِينَهُ بِكُمْ، وَ يَرُدَّكُمْ فِي أَيَّامِهِ، وَ يُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَ يُمَكِّنَكُمْ فِي أَرْضِهِ.

ثالثها: قوله: وَ يُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ، وَ يَكرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ، وَ يُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِكُمْ.

رابعها: قوله: وَ يُمَكَّنُ فِي أَيَّامِكُمْ.(1)

و منها: في زيارات السرداب المطهّر، و فيها: أَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا.(2)

و منها: في زيارة العيدين: وَ أَنَا بِكُمْ مُؤْمِنٌ، وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ.(3)

و منها: في الوارث: أَنِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ، وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ.(4)

و منها: في الزيارات الرجبية: حَتَّى الْعَوْدِ إِلَى حَضْرَتِكُمْ وَ الْفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ.(5)

و منها: في الزيارة الثالثة من شعبان: الْمَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ يَوْمَ الْكَرَّةِ.(6)

ص: 357


1- _ بحار الأنوار، ج99، ص131؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص614_ 615.
2- _ الاحتجاج للشيخ الطبرسي، ج2، ص494؛ بحار الأنوار، ج91، ص38 و ج99، ص94؛ المزار الكبير (لابن المشهدي)، ص570.
3- _ بحار الأنوار، ج 98، ص353.
4- _ إقبال الأعمال، ج1، ص333؛ بحار الأنوار، ج98، ص200.
5- _ إقبال الأعمال، ج2، ص632؛ بحار الأنوار، ج53، ص94، ح106 و ج99، ص196؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص822.
6- _ إقبال الأعمال، ج2، ص689؛ بحار الأنوار، ج53، ص94، ح107 و ج98، ص347؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص826.

و منها: في وداع الأئمّة (علیهم السلام) : وَ مَكَّنَنِي مِنْ دَوْلَتِكُمْ، وَ أَحْيَانِي فِي رَجْعَتِكُمْ.(1)و منها: في زيارة الأربعين: وَ بِإِيَابِكُمْ مُوقِنٌ.(2)

و منها: في زيارة العهد: فَإِنْ تَوَفَّيْتَنِي اللَّهُمَّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَاجْعَلْنِي يَا رَبِّ فِيمَنْ يَكرُّ فِي رَجْعَتِهِ، وَ يُمَلَّكُ فِي دَوْلَتِهِ.(3)

و منها: في زيارته الاُخرى: أَنْ يَجْعَلَ لِي كَرَّةً فِي ظُهُورِكَ، وَ رَجْعَةً فِي أَيَّامِكَ.(4)

و منها: في دعاء العهد: اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ الْمَوْتُ، الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي، مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شَاهِراً سَيْفِي.(5)

و منها: زيارة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : إِنِّي مِنَ الْقَائِلِينَ بِفَضْلِكُمْ، مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ لَا أُنْكِرُ لِلَّهِ قُدْرَة.(6)

و منها: في زيارة العبّاس (علیه السلام) : وَ بِإِيَابِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.(7)

ص: 358


1- _ بحار الأنوار، ج53، ص92، ح99 و ج99، ص133؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص617.
2- _ بحار الأنوار، ج53، ص92، ح100؛ تهذيب الأحكام، ج6، ص114، ح201.
3- _ بحار الأنوار، ج53، ص95، ح108 و ج99، ص88؛ مصباح الزائر، ص424.
4- _ بحار الأنوار، ج53، ص95، ح109 و ج99، ص100؛ البلد الأمين و الدرع الحصين، ص286؛ المزار (للشيهد الأوّل)، ص206؛ المزار الكبير ، ص588.
5- _ بحار الأنوار، ج 83، ص61، ح69 و ص285، ح47؛ المزار الكبير، ص664؛ المصباح للكفعمي، ص551.
6- _ بحار الأنوار، ج53، ص97، ح112؛ جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس، ص232.
7- _ بحار الأنوار، ج98، ص277، ح1؛ كامل الزيارات، ص257.

و منها: في دعاء الحريق: وَ ارْزُقْنِي نَصْرَهُمْ وَ أَشْهِدْنِي أَيَّامَهُمْ.(1)

و منها: في صلاة شهر الصيام و يوم الجمعة: اللَّهُمَّ مَكِّنْ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عَدَدِهِمْ وَ مَدَدِهِمْ وَ أَنْصَارِهِمْ.(2)

و منها: في زيارة العاشور: أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ.(3)و فيها أيضاً: وَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِي مَعَ إِمَامٍ مَهْدِيٍّ ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ.(4)

و منها: في دعاء يوم دحو الأرض: وَ ابْعَثْنَا فِي كَرَّتِهِ، حَتَّى نَكُونَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْوَانِه.(5)

و منها: في زيارة الأئمّة (علیهم السلام) يوم الجمعة: مُقِرٌّ بِرَجْعَتِكُمْ.(6)

و منها: في دعاء التربة: وَ الْمَلَائِكَةِ الْعُكُوفِ عَلَى قَبْرِ وَلِيِّكَ، يَنْتَظِرُونَ نَصْرَهُ.(7)

و منها: في دعاء صلاة العيد: وَ أَظْهِرْ بِهِمُ الْعَدْلَ، وَ زَيِّنْ بِطُولِ بَقَائِهِمُ الْأَرْضَ.(8)

ص: 359


1- _ بحار الأنوار، ج83، ص170؛ المصباح للكفعمي، ص78؛ مصباح المتهجّد، ج1، ص227.
2- _ إقبال الأعمال، ج1، ص98؛ بحار الأنوار، ج95، ص110؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص622.
3- _ بحار الأنوار، ج98، ص292 و ص294؛ كامل الزيارات، ص177؛ مصباح المتهجّد، ص774.
4- _ بحار الأنوار، ج98، ص295؛ المصباح للكفعمي، ص484؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص775.
5- _ إقبال الأعمال، ج1، ص313؛ بحار الأنوار، ج53، ص99، ح118؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص670.
6- _ بحار الأنوار، ج86، ص330، ح3؛ جمال الأسبوع للسيد بن طاووس، ص232؛ مصباح المتهجّد، ج1، ص289.
7- _ بحار الأنوار، ج98، ص128، ح37؛ الكافي، ج4، ص589، ح7؛ كامل الزيارات، ص282، ح8.
8- _ البلد الأمين، ص240؛ المزار الكبير، ص635؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص653.

و منها: في دعاء الصحيفة يوم العيد و الجمعة: وَ عَجِّلِ الْفَرَجَ وَ الرَّوْحَ وَ النُّصْرَةَ وَ التَّمْكِينَ وَ التَّأْيِيدَ لَهُمْ.(1)

و منها: في زيارة ابن قولويه في قضية إسماعيل بن حزقيل، و ظلم قومه إيّاه، و طلبه من اللّه بقوله: وَ إِنَّكَ وَعَدْتَ الْحُسَيْنَ (علیه السلام) أَنْ تَكُرَّهُ إِلَى الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَقِمَ بِنَفْسِهِ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، فَحَاجَتِي إِلَيْكَ يَا رَبِّ أَنْ تَكُرَّنِي إِلَى الدُّنْيَا، حَتَّى أَنْتَقِمَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِي، كَمَا تَكُرُّ الْحُسَيْنَ (علیه السلام) .(2)

و منها: في الكافي في الملائكة الحافّين حول قبر الحسين (علیه السلام) و خطاب اللّه إيّاهم، و فيه: فَإِذَا خَرَجَ يَكُونُونَ أَنْصَارَهُ.(3)

و منها: في زيارة يوم و لادة الحسين (علیه السلام) : وَ الْفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ.(4)و منها: ما عن عيون أخبار الرضا (علیه السلام) في جواب سؤال المأمون عن الرجعة، فقال (علیه السلام) : إِنَّهَا لَحَقٌّ قَدْ كَانَتْ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ

ص: 360


1- _ بحار الأنوار، ج86، ص219؛ الصحيفة السجّادية، ص238، دعاء 48، و كان من دعائه (علیه السلام) يوم الأضحى و يوم الجمعة.
2- _ بحار الأنوار، ج13، ص391، ح6 و ج44، ص238، ح28 و ج53، ص105، ح132؛ كامل الزيارات، ص65، مختصر البصائر، ص431.
3- _ بحار الأنوار، ج45، ص225، ح18 و ج53، ص106، ح133؛ الكافي، ج1، ص284، كامل الزيارات، ص88؛ مختصر البصائر، ص432، ح510.
4- _ إقبال الأعمال، ج2، ص689؛ بحار الأنوار، ج53، ص95، ح107 و ج98، ص347، ح1؛ المصباح للكفعمي، ص543؛ مصباح المتهجّد، ج2، ص826.

الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ.(1)

و منها: ما في المجمع بعد قوله: و الرجعة بالفتح هي المرّة في الرجوع بعد الموت بعد ظهور المهدي (علیه السلام) ، و هي من ضروريات مذهب الإمامية، و عليها من الشواهد القرآنية و أحاديث أهل البيت (علیهم السلام) ما هو أشهر من أن يذكر، قال: حتّى ورد عنهم (علیهم السلام) : من لم يؤمن برجعتنا و لم يقرّ بمتعتنا فليس منّا.(2)

و منها: ما في السفينة عن «خص»(3) عن الصادق (علیه السلام) قال: أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ وَ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیهما السلام) ، وَ إِنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِعَامَّةٍ بَلْ هِيَ خَاصَّةٌ، لَا يَرْجِعُ إِلَّا مَنْ مَحَضَ الْإِيمَانَ مَحْضاً، أَوْ مَحَضَ الشِّرْكَ مَحْضاً.(4)

و منها: في السفينة عن «خص» عن الباقر (علیه السلام) : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ عَلِيّاً (علیه السلام) سَيَرْجِعَانِ.(5)

و منها: في السفينة أيضاً، عن «خص» عن الصادق (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ (عزوجل) : {وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}(6)، فَقَالَ (علیه السلام) : لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ إِلَّا

ص: 361


1- _ بحار الأنوار، ج53، ص59، ح45؛ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج2، ص201، ح1.
2- _ مجمع البحرين، ج4، ص334.
3- _ لا يخفى أنّ كلّما نقله في البحار عن «خص» هو باصطلاح المجلسي و رمزه المراد منه منتخب البصائر للشيخ الفاضل حسن بن سليمان تلميذ الشهيد «منه».
4- _ بحار الأنوار، ج53، ص39، ح1؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص507، ح6259؛ سفينة البحار، ج3، ص315، مختصر البصائر، ص107، ح77.
5- _ بحار الأنوار، ج53، ص39، ح2؛ سفينة البحار، ج3، ص315، مختصر البصائر، ص107، ح78.
6- _ سورة النمل: 83.

سَيَرْجِعُ حَتَّى يَمُوتَ، وَ لَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَاتَ إِلَّا سَيَرْجِعُ حَتَّى يُقْتَلَ.(1)

و منها: في السفينة، عن الصادق (علیه السلام) في حديث المعرج، قال اللّه تعالى: يَا مُحَمَّدُ! عَلِيٌّ آخِرُ مَنْ أَقْبِضُ رُوحَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَ هُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُكَلِّمُهُمْ.(2)

و منها: ما في البحار عن «خص» عن أبي بصير، قال: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : يُنْكِرُ أَهْلُ الْعِرَاقِ الرَّجْعَةَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَ مَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ: {وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً}(3).(4)

و منها: في البحار أيضاً: عن الصادق (علیه السلام) قال: كَأَنِّي بِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ وَ مُيَسِّرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَخْبِطَانِ، النَّاسَ بِأَسْيَافِهِمَا بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ.(5)

و منها: فيه أيضاً عن «خص» عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر (علیه السلام) في قوله تعالى: {وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ}،(6) قال (علیه السلام) : لَيْسَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا وَ لَهُ

ص: 362


1- _ بحار الأنوار، ج53، ص40، ح5؛ سفينة البحار، ج3، ص315؛ مختصر البصائر، ص110، ح82.
2- _ بحار الأنوار، ج 53، ص68، ح65؛ سفينة البحار، ج3، ص315؛ مختصر البصائر، ص138، ح106 و ص201، ح185.
3- _ سورة النمل: 83.
4- _ بحار الأنوار، ج53، ص40، ح6؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص231، ح8056؛ مختصر البصائر، ص110، ح83.
5- _ بحار الأنوار، ج53، ص40، ح7؛ مختصر البصائر، ص110، ح84.
6- _ سورة آل عمران: 158.

قَتْلَةٌ وَ مَيْتَةٌ، إِنَّهُ مَنْ قُتِلَ يُنْشَرُ حَتَّى يَمُوتَ، وَ مَنْ مَاتَ يُنْشَرُ حَتَّى يُقْتَلَ.(1)

و منها: فيه أيضاً عن «خص» عن الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى: {وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ}(2) الآية، قال في حديث: فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيّاً وَ لَا رَسُولًا إِلَّا رَدَّ جَمِيعَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا، حَتَّى يُقَاتِلُوا (3) بَيْنَ يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) .(4)

و منها: فيه عن «خص» عن الصادق (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ}، {إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}،(5) حديث مبسوط دالّة على كون المراد في كرّة أميرالمؤمنين (علیه السلام) و أصحابه، و مقاتلته مع إبليس و أصحابه، و قتل إبليس بيد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) .(6)

إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في البحار التي يطول ذكرها.

حتّى قال المجلسي (قدس سره) فيه بعد نقل الأخبار الكثيرة في البحار: اعلم يا أخي إني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدت و أوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، و اشتهرت بينهم كالشمس في رابعة

ص: 363


1- _ بحار الأنوار، ج53، ص40، ح8؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص705، ح1960؛ تفسير العيّاشي، ج1، ص202، ح162.
2- _ سورة آل عمران: 81.
3- _ فی مختصر البصائر: حَتَّى يُقَاتِلُونَ بَيْنَ يَدَي.
4- _ بحار الأنوار، ج53، ص41، ح9، البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص646، ح1767.
5- _ سورة الحجر: 37 - 38 و سورة ص:80 – 81.
6- _ بحار الأنوار، ج53، ص42، ح12؛ البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص365، ح5864 ؛ مختصر البصائر، ص115، ح91.

النهار، حتى نظموها في أشعارهم، و احتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم، و شنع المخالفون عليهم في ذلك، و أثبتوه في كتبهم و أسفارهم.

منهم الرازي و النيسابوري و غيرهما، و لو لا مخافة التطويل من غير طائل لأوردت كثيرا من كلماتهم في ذلك.

و كيف يشكّ مؤمن بحقّية الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيّف و أربعون من الثقات العظام، و العلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم.

ثمّ عدّ أساميهم، منهم المشايخ الثلاثة، و المفيد، و المرتضى، و النجاشي، والكشّي، و العيّاشي، و القمّي، و ابن قولويه، و الكراجكي، و الصفّار، و الفضل بن شاذان، و النعماني، و ابن شهرآشوب، و الراوندي، و الطبرسي، و العلاّمة، و الشيخ الشهيد، و غير ذلك، رضوان اللّه عيهم أجمعين.

ثمّ قال: و إذا لم يكن مثل هذا متواتراً، ففي أيّ شي ء يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف.(1) انتهى المقصود من كلامه رفع مقامه.

أقول: لولا خوف الإطالة لنقلت كلام جماعة من العلماء في هذا الرديف، لكن الظاهر أنّ في هذا المقدار القليل كفاية لمن استبصر، و اللّه الهادي.

ص: 364


1- _ بحار الأنوار، ج53، ص122 _ 123.

المطلب الثاني: في ثبوت الرجعة في الاُمم السالفة كما تنادي بها الآيات الكثيرة

منها: قوله تعالى في سورة البقرة: {أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ}(1) الآية.

و منها قوله تعالى في سورة البقرة: {أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ}.(2)و منها قوله تعالى: {وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}، {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.(3)

و منها قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ رَجُلاً لِميقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ}.(4)

و منها قوله تعالى حكاية عن عيسى (علیه السلام) : {أَنِّي أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ}.(5)

ص: 365


1- _ سورة البقرة: 243.
2- _ سورة البقرة: 259.
3- _ سورة البقرة: 55 _ 56.
4- _ سورة الأعراف: 155.
5- _ سورة آل عمران: 49.

بل المستفاد من الأخبار الواردة في باب معاجز الأئمّة (علیهم السلام) المذكورة في مدينة المعاجز و غيرها وقوع الرجعة في هذه الاُمّة أيضاً بإعجاز النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنین (علیه السلام) و سائر الأئمّة (علیهم السلام) في إحيائهم أمواتاً، كإحياء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ابني جابر، و إحيائه يوم الفطر ابن سلطان الخراسان الذي قتله اليهود، و إحياء أميرالمؤمنين (علیه السلام) في واقعة النهروان أحد القياسرة، و إحياء زين العابدين (علیه السلام) امرأة البلخي، و غير ذلك، بل مقتضى بعض الحكايات في باب التوسّلات بالأئمّة (علیهم السلام) في تمادي الأزمنة رجوع بعض بعد موتهم إلى الدنيا، و ذكر هذه القضايا لرفع الاستبعاد للمنكرين للرجعة.

المطلب الثالث: في دفع شبهات منكري الرجعة

منها دعوى عدم إمكانها، و منها دعوى عدم الفائدة فيها، و منها دعوى التأويل في أخبارها بظهور المهدي (علیه السلام) ، و كلّها فاسدة عاطلة.أمّا عدم إمكانها، فأيّ دليل أقوى من الوقوع لإثبات الامكان، كما عرفت من الآيات الواردة في الاُمم السابقة، مع أنّ جميع شبهاتهم مذكورة في مسألة المعاد الجسماني مع أجوبتها، فراجع و انتظر.

و أمّا عدم الفائدة فيها، فأيّ فائدة أقوى للمؤمنين في تشرّفهم بحضور الأئمّة (علیهم السلام) في سلطنتهم الظاهرة و نصرتهم، و طلب ثأرهم من أعدائهم و قاتلي أئمّتهم و ظالميهم و الانتقام و السخط و العذاب على الظالمين و المعاندين و الكافرين.

إن قلت: فهل الذين يرجعون إلى الدنيا مكلّفون، فقد انقطع تكليفهم بالموت أم غير مكلّفون ، فلا ثمرة في وجودهم؟

ص: 366

قلت: لا مانع من كونهم مكلّفين؛ لكونهم بالغين عاقلين واجدين لشرائط التكليف، و عود التكليف بعد الانقطاع أيّ محذور فيه، و لا مانع من عدم التكليف كالقيامة، بل المؤمنون منهم متنعّمون و المعاندون معذّبون دون نعم الآخرة و عذابها.

و أمّا دعوى التأويل بظهور المهدي (علیه السلام) ، فمدفوعة أوّلاً: بنصوص الأخبار الصريحة في الرجعة بعد الموت، سيما في رجوع النبي و الولي و الأئمّة و أنبياء السلف و أصحاب الأئمّة و المقتولين في يوم الطفّ و غيرها.

و ثانياً: ما الوجه في رفع اليد عن الظواهر بعد ثبوت الامكان و ثبوت الفائدة، و كون اللّه تعالى قادراً عليه، فليس هذا إلاّ العناد و العصبية و إظهار المخالفة للعلماء الأعلام من زمن الأئمّة و من بعدهم.

المطلب الرابع: في من يرجع

اشارة

المستفاد من الأخبار المتقدّمة و غيرها ممّا لم نذكرها أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) كلّهم يرجعون، و ظاهر بعضها أنّ أوّل من يرجع منهم الحسين (علیه السلام) مع أصحابه، ثمّ أميرالمؤمنين (علیه السلام) و النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم سائر الأئمّة (علیهم السلام) ، بل يظهر من بعضها أنّ لهم رجعتين انفرادي و اجتماعي، بل لأميرالمؤمنين (علیه السلام) كرّات، و في كرّته الأخيرة يقاتل مع إبليس و أصحابه، و هي الوقت المعلوم، بل أمير المؤمنين (علیه السلام) هو الدابّة المذكورة في الآية، سيما في أخبار كثيرة.

و كذا الأنبياء و الرسل، و جمع من السابقين، و جمع من أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) ، و من محض الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، كما فى بعض الأخبار، و جمع من المعاندين من قتلة الحسين (علیه السلام) و سائر الأئمّة (علیهم السلام) و ظالمي آل محمّد (علیهم السلام) و ظالمي شيعتهم، و جمع من المؤمنين في عصر الغيبة

ص: 367

المنتظرين لظهور إمامهم، و غير ذلك.

لكن بعض تلك الأخبار لمّا لم يكن مقطوع الصدور لا يجب الاعتقاد بها، و لا يجوز إنكارها، و لابدّ من إحالة علمها إلى اللّه و الراسخین في العلم، كما أنّ مدّة زمان الرجعة و الوقائع الواقعة فيها الأخبار الواردة الكثيرة، لكنّها ليست قطعية، و الأولى إيكال علمه إلى أهل بيت الرسالة؛ لأنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، و اللّه الهادي إلى الصواب.و الحمد للّه أوّلاً و آخراً، و الصلاة على النبي و آله أبداً، و اللعن على أعدائهم أجمعين، اللّهمّ اجعلني ممّن يرجع في دولتهم في أنصارهم بحقّهم (علیهم السلام) .

لفت نظر:

قال اللّه تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(1)، لا يخفى أنّي كتبت رسالة في عقائد مذهب الإمامية من المبدء إلى المنتهى، و قد خرجت من السواد إلى البياض أكثرها، كالتوحيد و العدل و النبوّة و الإمامة، و الآن نشرع في المعاد، و سمّيتها ب_«سبيل النجاة» تفأّلاً لصيرورتها مورداً للقبول و القرب، و مورثاً للنجاة و السعادة، و هذه قسمة المعاد منها.

و لمّا كانت اشتغالاتي كثيرة جدّاً، فليعذرني إخواني مع قصور باعي من خطاياي و ما صدر فيها غفلةً أو سهواً أو خطأً، و لو كان لأحد منهم اعتراض أو انتقاد، فليبعثوا ما في نظرهم إليّ مكتوباً، و يجعلوني رهين منّتهم، و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً.

ص: 368


1- _ سورة الفاطر: 10.

و لا يخفى أنّ تلك المجموعة في ثلاث مجلّدات:

أحدها: في التوحيد و العدل و النبوّة إلى بيان جهات معجزة القرآن.

و ثانيها: في بقية مطالب النبوّة، و مسألة الإمامة العامّة و بعض قليل من الإمامة الخاصّة.و ثالثها: هذا المجلّد المشتملة على مباحث الإمامة إلى هنا، و مسألة المعاد من هنا إلى آخر الكتاب، و قد تمّ بحمد اللّه تمام ما اُريد.

ثمّ إنّه سنح بخاطري أن أكتب رسالةً اُخرى في اُصول الدين طبقاً لذلك بالفارسية، و جعلتها بمنزلة الترجمة لذلك، و سميّتها ب_«الكلم الطيب»(1) و بلغ بحمد اللّه من أوّل التوحيد إلى آخر النبوّة، و أرجو من اللّه أن يوفّقني لكتابة مسألة الإمامة و المعاد، حتّى يكون نفعها عامّاً لأهل اللسان.

و أرجو من اللّه تعالى أن ينفعني و جميع المؤمنين بهما، و يجعلهما وسيلة لهداية الكفّار و المخالفين، و أن يجعلهما ذخراً لي في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون، و أن يغفر لي و لوالدي و لجميع المؤمنين و المؤمنات من سلف منهم و من غبر إلى يوم القيامة، و يحشرني و إيّاهم مع الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ، و أسأل من كلّ من ينفعه هذان أن يدعو لي و يستغفر لي في حياتي و مماتي، و أن لا ينساني من الدعاء و طلب المغفرة في مظانّ الإجابة، و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله (علیهم السلام) ، و اللعن على أعدائهم إلى يوم القيام، و كان ذلك في جمادي الاُولى من سنة (1373) بيد المؤلّف السيد عبدالحسين الطيّب.

ص: 369


1- _ قد طبع الكتاب بحمد اللّه تعالى كاملاً، و هو كتاب نفيس جدّاً في العقائد.

ص: 370

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة على محمّد و آله الطاهرين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

الكلام في المعاد

اشارة

لا يخفى أنّ عدّ المعاد من اُصول الدين مع أنّه أحد ممّا جاء به النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الذي يجب التصديق بجميعه من الفروع و غيره، و هو من لوازم التصديق بنبوّته و رسالته و ليس أصلاً برأسه، إنّما هو لأجل أن بقاء الدين كلاًّ اُصولاً و فروعاً مبني على التصديق به، و أنّه لولاه لاختلّ نظام المعاش و المعاد، و أنّ الناس لا يتناهون عن شيء من المنكرات و القبائح من الظلم و السرقة و القتل و نهب الأموال و هتك الأعراض، و غيرها من المفاسد.

ثمّ إنّ إثبات المعاد من الاُمور التي قامت الأدلّة الأربعة من العقل و الاجماع و نصّ الكتاب و السنّة المتواترة عليه، بل هو من ضروريات جميع الأديان، بل كلّ من أقرّ بإثبات الصانع و اعتقد بوجود الحقّ اعترف بالمعاد، و المنكر له منحصر بالطبيعي و الدهري الذي يقول بأنّه لا يهلكنا إلاّ الدهر.

و توضيح الكلام فيه يقع في مقدّمة مشتملة على إثبات اُمور ستّة، و

ص: 371

مقامات أربعه عشر، و خاتمة مشتملة على أمرين.

أمّا الكلام في المقدّمة، فيتوقّف على إثبات اُمور ليندفع بها الشبهات الواردة عليه، فنقول مستعيناً باللّه و متمسّكاً بحبل أوليائه:

الأمر الأوّل

إنّ الانسان مركّب من سرّ و علن، و ظهر و بطن، و روح و بدن.

أمّا البدن، فهو المتولّد من العناصر و الموادّ الجسمانية، كسائر الحيوانات و النباتات و الجمادات، و كيفية خلقته قد يكون تكوينياً كأبينا آدم (علیه السلام) ، كما نشاهد في كثير من الحيوانات المكوّنة، و قد يكون توليدياً بالتبدّلات و التغيّرات من الجمادية و النامية و الحيوانية كأكثر الحيوانات.

و لا يخفى أنّ الروح الحيوانية الموجبة للحسّ و الحركة و الادراكات الجزئية أيضاً من تلك العناصر و الموادّ، و عبارة عن البخار المتولّد من حرارة القلب و الدم، كما في سائر الحيوانات، كالبخار الحادث من النفط و البنزين للمكينة، و كذا الروح النباتية المورثة للنموّ و النشوء و الارتقاء، كما في جميع النباتات.

و هذه الروح الحيوانية باقية ببقاء البخار، و في كلّ آن تعدم و توجد كنور السراج، و تكون دائماً في الحركة، و قد تضعف بضعف البخار، و تقوى بقوّة البخار، و إذا انعدم البخار انعدمت الروح «هر نفسي كه فرو مى رود ممدّ حيات است، و چون بر مى گردد مفرّح ذات».و الطبيعي و الدهري لا يعتقدان في الإنسان إلاّ ذلك، و ينكر الجزء الأخير له، و لا يرى إلاّ ذلك، و لأجله ينكر المعاد و يقول: إذا عدم البخار يموت الإنسان، و يفسد البدن، و يصير تراباً و رميماً، و لا يبقى له عين و لا أثر، و لو

ص: 372

فرض صيرورة هذا التراب أيضاً بالتبدّلات و التغيّرات و التوالدات إنساناً، يكون إنساناً آخر و روحاً و بخاراً آخر، و هذا سبب لإنكارهما المعاد رأساً.

و أمّا الروح الإنساني المعبّر عنها بالجوهر الملكوتية و اللطيفة الربّانية، فهو جوهر مجرّد عن المادّة و المادّيات، خلقه اللّه بقدرته من عالم الأمر من المجرّدات العلوية، لا مادّة له و لا صورة، و ليس له أبعاد ثلاثة، و لا يقبل القسمة و لا التجزية، و ليس له مكان، و لا يكون حالاًّ في شيء و لا محلاًّ لشيء، و لا يدخل في شيء، و لا يخرج من شيء.(1)

و قد تحيّرت العقول في كيفية تعلّقه بالبدن، فقيل: كالراكب على المركوب. و قيل: كالماء في الورد. و قيل: كالسكّان في السفينة. و قيل: كالملك على المملكة. و قيل: كالموالي على العبيد. و الكلّ فاسد منافٍ لتجرّده، و يورث القول بكونه من الموادّ و العناصر و الأجسام اللطيفة كالروح الحيواني.

و الحقّ أنّ تعلّقه بالبدن تعلّق تدبّري و ارتباطي إحاطي، كإحاطة اللّه تعالى بمصنوعاته بالإحاطة القيّومية «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»،(2) و قد يسمّى

ص: 373


1- _ أقول: قد تقدّم في بحث التوحيد أنّ القول بعالم المجردّات و بوجود مجرّد سوی الله تعالی أمر موهوم لا دليل عليه بل الدليل علی خلافه. و قد قلنا هناک «أنّ الروح جسم لطيف قد ألبس قالباً کثيفاً» و تدّل عليه الروايات المتواترة. و الأدلة علی تجرّدها مدخولة کما حقّق فی محلّة. و البحث عن جسميّة الروح و دفع التوهّمات التي ذکرها المصنف (رحمة الله) _ فيما سيأتي _ لإثبات تجرّد النفس، يقتضي مجالاً آخر. (عا)
2- _ بحارالأنوار، ج2، ص32، ح22 و ج58، ص99؛ مصباح الشريعة، ص13. أقول: لو لم نناقش في سنده فنقول: هذا الحديث يدلّ علی الآيات الأنفسي کآیات أخری تدلّ عليها و لا يرتبط بما استدلّ له. (عا)

هذا الروح بالنفس و العقل و القلب و نحوها.

و الكلام فيه يقع في المقامين: أحدهما في إثبات وجوده، و الآخر في لزوم بقائه و استحالة زواله بعد خراب البدن.

أمّا الأوّل، فلوجوه:

أحدها: أنّا نشاهد بالوجدان أنّ العقل ربما يقوى مع ضعف البدن، و يضعف مع قوّته، ألا ترى أنّ الأنبياء و الأولياء و العلماء و الفلاسفة(1)

كيف يكون عقولهم

ص: 374


1- _ أقول: هذه الأدلّة لإثبات تجرّد النفس أوهن من بيت العنکبوت و الجواب عنها يقتضي مجالاً آخر. «تبصرة»: قال الماتن (رحمة الله) : «ألا ترى أنّ ... الفلاسفة كيف يكون عقولهم في المراتب العالية»، أقول: کلّما شاهدنا من أعاظم الفلاسفة و أکابرهم في کتبهم و آثارهم هو تخالف آرائهم و کلماتهم للأنبياء و الأوصياء (علیهم السلام) الذين هم أرباب العقول الکاملة و أصحاب البصائرة النافذة و کلماتهم هو الموافق للعقول النيّرة و الأفهام المستقيمة. و هذا أظهر شاهد علی سخافة العقل و الرأي، مثلاً لاحظ کلمات ملاصدرا في التوحيد فإنّه يقول: «فکما وفّقني الله بفضله و رحمته علی الإطلاع علی الهلاک السرمدي و البطلان الأزلي للماهیّات الإمکانیّة و الأعیان الجوازیّة، فکذلک هداني ربّی بالبرهان النیّر العرشی الی صراط المستقیم من کون الموجود و الوجود منحصراً فی حقیقة واحدة شخصیّة لا شریک له في الموجوديّة الحقيقيّة و لا ثاني له فی العین و لیس في دار الوجود غیره دیّار. و کلّما یتراءی فی عالم الوجود أنّه غیر الواجب المعبود فإنّما هو من ظهورات ذاته و تجلّیات صفاته التي هی في الحقيقة عین ذاته»(الاسفار، ج2، ص292) و قال: «إنّ واجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة و كلّ بسيط الحقيقة كذلك فهو كلّ الأشياء، فواجب الوجود كلّ الأشياء لا يخرج عنه شيئ من الأشياء».(الاسفار، ج2، ص368) و لاحظ کلماته في المعاد فتارة ينکر جسمانيّة المعاد و يووّل بالبدن المثالي. (الاسفار، ج9، ص31) و يقول: «بأنّ الجنة الجسمانيّة عبارة عن الصور الإدراکیّة القائمة بالنفس الخيالية».(الاسفار، ج9، ص342، فصل27) و تارة ينکر خلود أهل النار علی وجه التعذيب و يقول: «إنّهم يتلذّ بما هم فيه من نار و ...» و مخالفة هذه الکلمات للبراهين العقلية القطعيّة و محکمات الکتاب و متواترات العترة واضح لائح لمن له أدنی معرفة و تحصيل و إطلاع علی أوضاع الشريعة. (عا)

في المراتب العالية، مع كون أبدانهم الشريفة نحيفة ضعيفة، و بالعكس كثير من الناس يكون أبدانهم في غاية القوّة و عقولهم في غاية الضعف، فلو كان الروح مادّيّاً غير مجرّد لزم أن يقوي بقوّة البدن و يضعف بضعفه.(1)

ثانيها: أنّا نشاهد أنّ العقل ربما یلتذّ باللذائذ الروحية من العلوم و المعارف و الكمالات الخلقية من الصفات الحسنة، مع كون البدن متألّم بالآلام الجسمية و الأمراض البدنية، حتّى يقول: أين الملوك و أبناء الملوك. و بالعكس قد يكون الروح متألّمة بالآلام الروحية من الجهل و البلادة و عدم فهم المعاني، مع كون البدن ملتذّة باللذائذ الجسمية من المأكل و المشرب و الصحّة و نحوها، و هذا من أقوى الأدلّة على تجرّده؛ إذ لو كان جسماً مادّياً يكون التذاذاته و تألّماتهمنحصراً باللذائذ و الآلام الجسمية.

ثالثها: أنّ المادّة غير قابلة إلاّ لصورة واحدة في زمان واحد، و كلّما يفيض عليها صورة ينزع منها الصورة السابقة، و الروح يقبل صور العلوم الكثيرة في آن واحد، و كلّما يفيض عليه صورة لا ينزع منه السابقة بل يشتدّ.

رابعها: أنّ الروح يدرك العلوم الكلّية و القواعد العقلية من الضروريات الأوّلية و النظريات المنتهية إليها، و الجسم و المادّة غير قابل إلاّ لإدراكات جزئية عند مشاهدة الحواسّ الظاهرة، كاشتهاء الغذاء عند الجوع، و الميل إلى الماء عند العطش و نحوهما.

ص: 375


1- _ أقول: الجواب عن هذه الأدلّة تقتضي مجالاً آخر و عندي هذه الشبهات اوهن من بيت العنکبوت. (عا)

خامسها: أنّ الروح قد يحكم بخطأ الحواسّ الظاهرة، كتخطئة البصر في رؤية الشيء شيئين، أو أكبر من أصله أو أصغر، و تخطئة الذوق في الطعوم، بأن يتخيّل كون الحلوّ مرّاً و بالعكس عند فساد المعدة، و تخطئة الشامّ عند الزكام، و تخطئة السمع عند سماع الأصوات المرجوعة في الجبال و نحوه، و هذا دليل قوي على تجرّدها، إلى غير ذلك من الوجوه.

و هذا مع قطع النظر عن الآيات و الأخبار الدالّة على المطلوب، و مع قطع النظر عن قاعدة إمكان الأشرف المثبتة للعقول المجرّدة.(1)

و أمّا المقام الثاني، فلا يخفى أنّ فناء كلّ شيء بزوال صورته، و تفرّق أجزائه، و تبدّل موادّه، و المجرّد إذا لم يكن له صورة و لا أجزاء و لا مادّة، فكيف يتصوّر له الفناء و الزوال.(2)هذا مضافاً إلى لسان الشرع الدالّ على بقاء الأرواح في عالم البرزخ إلى يوم القيامة حتّى يتعلّق بالأبدان ثانياً، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى بيانه.

و لا ينافيه ما في بعض الآيات و الأخبار من قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}(3) و كلّ شيء فان(4)، و إنّ أهل السماوات يموتون و أهل الأرض لا

ص: 376


1- _ أقول: إبطال قاعدة إمکان الأشرف و العقول المجرّدة يقتضي مجالاً آخر و قد أجبنا عنها بوجوه کثيرة في شرحنا علی تجريد الإعتقاد. (عا)
2- _ أقول: کما يمکن إيجاد المجرّدات _ علی فرض وجودها _ يمکن أيضاً إعدامها. إلا أن يقال: إنّ المجرّد لا يمکن إيجاده کما لا يمکن إعدامه؛ لأنّه قديم و من قواعدهم المسلّمة «ما ثبت قدمه امتنع عدمه». و لکنّه ينافي التوحيد و يساوق الشرک؛ لأنّ التأثير في القديم محال. (عا)
3- _ سورة القصص:88.
4- _ إشارة إلى قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ}، سورة الرحمن: 26.

يبقون، و غير ذلك؛ لأنّ هلاك الشيء و فنائه و موته و عدم بقائه بصورته المصورة لا بانعدامه كلّية، و إلاّ فليس شيئاً من الموادّ أيضاً منعدماً بالكلّية.

الأمر الثاني

إنّه ذهب جماعة من الحكماء أنّ النفس في بدو خلقته جسمانية الحدوث و لكن روحانية البقاء، كما قال الحكيم السبزواري:

النفس في الحدوث جسمانية

و في البقاء تكون روحانية

لكن لسان الآيات و الأخبار خلقة الأرواح قبل الأجساد، كما في بعض الأخبار بمئاتي عام، و الأخبار الواردة في خلقة أرواح الأنبياء و الأئمّة و المؤمنين سيّما روح نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) قبل خلقة الأشياء كلّها، و الآيات الواردة في أخذ الميثاق من الأنبياء بل من جميع أبناء آدم، بل من جميع الأشياء على التوحيد و النبوّة و الولاية.(1)

لكن الروح في بدو خلقته كان فاقداً لجميع الكمالات الاكتسابية، كمادّة الموادّ في عالم الأجسام المعبّر بالهيولى الأوّلية، و إنّما أودع اللّه تعالى فيهجميع الكمالات بالقوّة الاستعدادية، فهو قابل لاكتساب جميع الكمالات و الفضائل كالهيولى القابلة لجميع الصور.

و السرّ في تكوّن البدن و الحكمة في خلق هذه النشأة ليس إلاّ استكمال النفس بتوسّط البدن الفضائل من المعارف و العبادات و الأخلاق و الملكات {وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(2)، بل لولا ذلك لكان تلك الخلقة

ص: 377


1- _ راجع: سورة الأعراف: 169 و سورة الأحزاب: 7 و غيرهما.
2- _ سورة الذاريات: 56.

لغواً لا يصدر عن الحكيم تعالى. نعم قد ثبت من الأخبار أنّ نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) و أئمّتنا (علیهم السلام) بل الأنبياء خلقوا أرواحهم مكمّلة، و إنّما جاؤوا في هذه النشأة لهداية البشر «خَلَقَكُمُ اللَّهُ أَنْوَاراً، فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ، حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ».(1)

و مدّة هذا الاستكمال هذه النشأة من بدو التميز إلى زمان الموت، لا قبله كأرحام الاُمّهات و أصلاب الآباء، و لا بعده كعالم البرزخ و القيامة «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ»،(2) «الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ»،(3) «الْيَوْم عَمَلٌ وَ لَا حِسَابَ وَ إِنَّ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلَ».(4)

تذكرة: فاعلمي يا أيّتها النفس أنّ المدّة في الاستكمال قصيرة، و تحصيل الكمالات صعبة عسيرة، و العوائق و الموانع كثيرة، فلا تهنئي و لا تغفلي، فإنّ لك غداً حسرة طويلة.ثمّ إنّه ثبت في الحكمة في بحث اتّحاد العقل و العاقل و المعقول(5)

أنّ تلك

ص: 378


1- _ بحار الأنوار، ج 99، ص130؛ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص613.
2- _ جامع الأخبار للشعيري، ص105.
3- _ عوالي اللئالي، ج1، ص267، ح66.
4- _ بحار الأنوار، ج 32، ص355، ح337 و ج34، ص172، ح978؛ الكافي، ج8، ص58، ح21.
5- _ أقول: ما ذکره من الموعظة في بيان قصر العمر و صعوبة تحصيل الکمالات و وجود الموانع الکثيرة و الحسرة الطويلة في يوم الحسرة أمر وجيه فجدير لأهل التقوی الإهتمام الشديد التام بهذا الأمر ضرورة و عدم إهمالها بذلک. و لکنّه (رحمة الله) استشهد بما ثبت في بحث الفلسفة «من اتحاد العقل و العاقل و المعقول» مع أنّ فساد هذه القاعدة و ما اشتملت عليه من منافاتها لشريعة القويمة غنيّ عن البيان. و هذا من غرائب ما ذهب إليه و لا يکاد ينقضي تعجّبي من المصنّف کيف ذهب يميناً و شمالاً ... في بيان المعارف الإلهيّة و تشريح القواعد الدينيّة مع أنّ المراجعة بالأخبار و الآثار يغنيه عن التمسّک بهذه الوجوه الواهية و السلوک لأمثال هذه المسالک المظلمة. (عا)

الصور العلمية، و الملكات النفسية، و الأخلاق الفاضلة، و العبادات الإلهية، كلّها ليست من العوارض العارضة للعقل، كالصور الارتسامية، بل يورث سعة الروح و قوّته و عظمته، فهي تتّحد معه اتّحاداً حقيقياً لا تركيبياً انضمامياً.

فيصير حينئذ قابلاً للحشر من الكمّلين من الأنبياء و المرسلين، و الدخول في حزب الملائكة المقرّبين، و للمثوبات الإلهية في يوم الدين، و السعادة الأبدية، و التفضّلات الاُخروية، و التنعّم بالنعم الربّانية من ربّ العالمين، وفّقنا اللّه لمرضاته بمحمّد و آله الطيّبين الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و من هذا البيان ظهر لك لزوم بعث الرسل، و إنزال الكتب، و جعل التكاليف للهداية التشريعية، و خلقة جميع ما يحتاج إليه البشر في نظام دنياه و أمر آخرته للهداية التكوينية.

الأمر الثالث: دفع شبهة الآكل و المأكول

إنّه قد اشتهر في لسان جماعة من الملاحدة و الحكماء و المتكلّمين شبهة في المعاد سمّوها بشبهة الآكل و المأكول، و جعلوها من أعظم الشبهات الواردة على المعاد، و قرّروها بتقريرات متعدّدة، و قد تصدّى لدفعها جماعة من الحكماء و المتكلّمين بطرق عديدة، و قد أورد كلّ على الآخر بالنقض و الابرام، بل اعترف جماعة بورود الشبهة، و صار ذلك سبباً لإنكارهم المعادالجسماني العنصري.

و لعمري أنّ هذه شبهة واهية، و دفعها بالبيانات الآتية واضح، و نحن نقرّر

ص: 379

أوّلاً تلك الشبهة بالتقريرات المذكورة، ثمّ نتصدّى لدفعها بعون اللّه تعالى.

فنقول: قد يقرّر الشبهة بأن فرض أنّ إنساناً صار مأكولاً لإنسان آخر، فصار بدنه أجزاء لبدن الآكل، ففي يوم القيامة هل يعيد هذا البدن للآكل دون المأكول، أو العكس، أو يصير هذا البدن بدناً لاثنين، أو لا يعيدان أصلاً؟

الأوّل و الثاني محالان؛ للزوم الترجيح من غير مرجّح، و لزوم كون الآخر غير معاد. و الثالث أيضاً محال؛ لاستحالة كون الواحد اثنين، فثبت الرابع، فالمعاد الجسماني محال.

و قد يقرّر بأنّا نفرض مؤمناً صالحاً متّقياً بل نبياً أو ولياً صار مأكولاً لكافر فاسق منافق، فهذا البدن في يوم القيامة متنعّم بالمثوبات داخل في الجنّة في حزب أولياء اللّه، أو معذّب في النار مع أعداء اللّه، أو هما معاً، أو لا يعذّب و لا يتنعّم، الثلاثة الاُولى محال بالتقريب المذكور، فتعيّن الآخر.

و قد يقرّر بتقرير ثالث أمتن، و هو أنّ الإنسان إذا مات و صار تراباً و رميماً، و نفرض صيرورة مدفنه محلاًّ للزرع و الغرس، فصار هذا الزرع و الغرس مرتعاً للحيوانات، و صارت تلك الحيوانات و هذه الحبوب و الفواكه مأكولاً للبشر، و هكذا في كلّ دور و كور، فقد يكون مادّة واحدة في مرّ الدهور من أبدان ألف إنسان.و قد يقرّر بتقريب آخر، و هو أنّا نفرض أنّ هذا المأكول إنساناً كان أو حبّاً أو فاكهةً صار نطفة للآكل، فصار مبدءً لنشو ثالث و هكذا، فيصير الإشكال أصعب؛ لأنّ النطفة من الأجزاء الأصلية للإنسان، هذا كلّه في تقرير الشبهة.

و الجواب عنها يتوقّف على بيان اُمور:

الأوّل: لا يخفى أنّ مبدء نشو الآدمي من العناصر المادّية، ليس بمعنى تبدّل

ص: 380

نفس التراب الجمادي نباتاً، و نفس النبات حيواناً، و نفس الحيوان إنساناً، بل يستخرج الموادّ النباتية التي أودعها اللّه في التراب و نفس التراب باقية بحالها، و كذا يستخرج الموادّ الحيوانية التي أودعها اللّه في الحبوبات و الفواكه و يدفع فضولاتها، و كذا يستخرج الموادّ النطفية التي كانت في أعضاء الإنسان بالتبدّلات المقرّرة في محالّها.

فالعناصر الأوّلية تكون فيها جميع تلك المراتب بالقوّة الطبيعية، و تخرج إلى المراتب الفعلية بالأسباب المقرّرة بقدرة اللّه الكاملة، فإذا مات الإنسان و صار تراباً لم يصر هذا التراب بعينه بدناً لإنسان آخر حتّى يتوّجه الشبهة، بل يستخرج منه بقدرة اللّه تعالى تلك الموادّ المودعة فيها بنحو الاستعداد و القوّة، فلا مانع من صيرورة هذا التراب بدناً في يوم النشور لهذا الإنسان، و الموادّ المستخرجة منه بدناً لذلك، فاندفع الاشكال.

الثاني: أنّ للإنسان أجزاء أصلية في بواطن أبدانهم محفوظة من بدو خلقته إلى حين رحلته لا يتبدّل و لا يتغيّر، و بتلك الأجزاء يشار في سنّ الكهولة أنّه هو المتولّد حين الولادة بعينه، و أجزاء فضلية يتبدّل و يتغيّر و يحلّل، و لأجلها يحتاجإلى الغذاء و الطعام و الشراب بدل ما يتحلّل، و باعتبارها ربما يسمن و يضعف و ينكس، فإذا صار إنساناً مأكولاً لآخر يصير بدنه من الأجزاء الفضلية للآكل، فإذا اندفع منه أو مات يؤخذ منه و يجعل بدناً للمأكول في يوم المعاد، و ما يعود في القيامة تلك الأجزاء الأصلية و هو المناط، و لا مدخلية للفضلية في ذلك.

الثالث: أنّه قد ورد في كثير من الأخبار المتفرّقة أنّ يوم النشور يحشر الخلائق بصور مختلفة، مثلاً الضعيف النحيف العليل المريض الشيخ الهرم إذا كان من أهل الجنّة يحشر يوم القيامة جرد مرد قوي صحيح المزاج، و هكذا

ص: 381

من كان قبيح المنظر يحشر صبيح المنظر، {نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْديهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا}(1)، و كذا قصير القامة أو طويلها يحشر مستوي الخلقة، و بالعكس أصحاب النار يحشرون مسودّة الوجوه عظيم الجثّة متدلّية ألسنتهم قبيح المنظر، بل يحشر جماعة منهم بصورة الكلاب و الخنازير و النمل و السباع و البهائم و نحوها.

و من الواضح أنّ بدنه الذي كان له حين موته قد يقتضي الازدياد عليه يوم الحشر، و قد يقتضي تنقيصه منه، فيستفاد من ذلك أنّه لا يعتبر كون الحشر بجميع جزئيات البدن حين الموت، فإذاً لا مانع من أخذ أجزاء البدن المأكول من بدن الآكل، و يحشر الآكل ببقية أجزائه، و لا يمكن أن يكون جميع أجزاء الآكل منطبقاً مع جميع أجزاء المأكول بحيث لا يزيد و لا ينقص، فاندفع الاشكال بتمام تقريراته.بل من هذا البيان ظهر لك دفع إشكال آخر، و هو أنّ الإنسان إذا كان في بعض سنين عمره مؤمناً صالحاً متّقياً، و في بعض آخر كافراً فاسقاً عاصياً، فهل يحشر مع بدنه زمان صلاحه أو زمان فساده؟ و هل يتنعّم بهذا البدن أم يعذّب؟

و توضيح الدفع: أنّ مناط السعاد و الشقاوة حين الموت، و هذه الأجزاء الفضلية لا مدخلية لها في الثواب و العقاب، و المناط هي الأجزاء الأصلية المحفوظة في جميع الحالات، و من المعلوم أنّ البدن بما هو بدن مع قطع النظر عن تعلّق الروح به لا يؤلم بالعذاب، و لا يلتذّ باللذائذ، كالقطعة المبانة من الحيّ، فالآلام و اللذائذ إنّما هو للروح، غاية الأمر الآلام و اللذائذ الجسمية يحتاج

ص: 382


1- _ سورة التحريم: 8.

الروح في تألّمه و التذاذه إلى البدن دون الروحية منها حيث لا حظّ للبدن فيها.

الأمر الرابع: دفع شبهة إعادة المعدوم

اشارة

إنّه قد يتبنّى مسألة المعاد في لسان جماعة بجواز إعادة المعدوم، فلو قلنا بمحاليتها يورث إنكار المعاد.

و الحقّ أنّ تلك المسألة غير مربوطة بمسألة المعاد أصلاً، كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى، و الكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في عدم ابتناء المعاد على ذلك

لأنّا ننكر انعدام الأشياء كلّية؛ لأنّ الروح لمكان تجرّده باقٍ، و البدن من حيث الموادّ الجسمية أيضاً باقٍ، و تلك التغيّرات لتبدّل الصور يؤخذ منهاصورة و يعطى إليها صورة اُخرى، مثلاً يؤخذ من الإنسان صورة الإنسانية، و يفيض عليه صورة ترابية، ثمّ يعود كلّ.

و الآيات الكثيرة و الأخبار المتظافرة تدلّ على ذلك، مثل قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ}، {بَلى قادِرينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ}(1)، و قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ}(2)، و قوله تعالى: {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ}(3)، و قوله تعالى: {وَ اللَّهُ الَّذي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثيرُ سَحاباً

ص: 383


1- _ سورة القيامة: 3 _ 4.
2- _ سورة العاديات: 9.
3- _ سورة يس: 78.

فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ}(1)، و قوله تعالى: {ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}(2)، و قوله تعالى: {وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ}(3)، و قوله تعالى: {كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(4)، و قوله تعالى حكايةً عن إبراهيم (علیه السلام) : {رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى}(5) الآية، و قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ}(6) الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

و قد ورد في الأخبار الكثيرة: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ (عزوجل) أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ، أَمْطَرَ السَّمَاءَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَاجْتَمَعَتِ الْأَوْصَالُ وَ نَبَتَتِ اللُّحُومُ.(7)

و يؤيّد ذلك أيضاً ما يستفاد من الآيات الاُخر الواردة في سائر المخلوقات، مثل قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}(8)، و قوله تعالى:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}، {وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ}(9)، و

ص: 384


1- _ سورة فاطر: 9.
2- _ سورة الروم: 25.
3- _ سورة الروم: 19.
4- _ سورة الأعراف: 57.
5- _ سورة البقرة: 260.
6- _ سورة البقرة: 259.
7- _ بحار الأنوار، ج7، ص33، ح1، و ج108، ص95.
8- _ سورة الأنبياء: 104.
9- _ سورة التكوير: 1 _ 3.

قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ}، {وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ}(1)، و قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ}، {وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}(2)، إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار.

و العجب من جماعة صاروا إلى القول بأنّ الموجودات تنعدم بالكلّية، ثمّ تعيد لظواهر بعض الآيات، مثل قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}(3)، و قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ}(4)، و قوله تعالى: {وَ هُوَ الَّذي يَبْدَؤا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ}(5)، و قوله تعالى: {كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعيدُهُ}(6)، و قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَ الآْخِرُ}(7)، إذ الآخرية يقتضي فناء كلّ شيء، و أمثال ذلك.

و الجواب: أنّ الهلاكة و الفناء يصدق بمجرّد الموت و زوال الحياة، و الإعادة صادقة على إعادة الصورة الإنسانية بعد صيرورتها تراباً، و الآخرية لا دلالة لها على الانعدام بالكلّية؛ لأنّ يوم النشور يكون الخلود و البقاء إلى الأبد من ضروريات الدين، فالآخرية ليست آخريته في الوجود، بل التوحّد في الصفات بأن لا يتغيّر و لا يختلف عليه الأحوال.

و لو سلّم ظهور تلك الآيات في ذلك لكانت الآيات و الأخبار المتقدّمة

ص: 385


1- _ سورة المعارج: 8 _ 9.
2- _ سورة القارعة: 4 _ 5.
3- _ سورة القصص:88.
4- _ سورة الرحمن: 26.
5- _ سورة الروم: 27.
6- _ سورة الأنبياء: 104.
7- _ سورة الحديد: 3.

كافية في صرفها عن ظاهرها، فلا مجال لتوقّف بعض في ذلك، كالمجلسي و صاحب كفاية الموحّدين، و نسب إلى بعض آخر، فالمسألة واضحة.

المقام الثاني: في أصل المسألة

و هي ذات قولين، فذهب جماعة من الحكماء و المحقّقين كصدر المتألّهين و الحكيم السبزواري و الفخر الرازي و غيرهم بالامتناع، قال الحكيم:

إعادة المعدوم ممّا امتنعا

و بعضهم فيها الضرورة ادّعى

و استدلّوا على الامتناع بوجوه:

أحدها: أنّ المعدوم يمتنع الإشارة إليه، و ما يمتنع الإشارة إليه لا يصلح الحكم عليه بصحّة العود.

ثانيها: أنّه لو اُعيد لزم تخلّل العدم بين الشيء و نفسه.

ثالثها: لزوم التسلسل في الزمان.

رابعها: و هو أمتن الوجوه، إنّ إعادة شيء يقتضي إعادة جميع علله الطولية و معدّاته، فيلزم إعادة جميع الأدوار الفلكية و الأوضاع الكوكبية، و كلّما سبقت في النظام الكلّي بلوازمها و توابعها.

و ذهب جماعة اُخرى إلى إمكانه، و استدلّوا عليه: تارةً بأنّ الموجود قبل وجوده ممكن بالذات، يكون وجوده و عدمه سيّان، و الذاتي لا يختلف و لا يتخلّف، فبعد انعدامه أيضاً لا يخرج عن حدّه، فإيجاده ثانياً و عدمه سيّان، و هذا معنى الإمكان.

ص: 386

و اُخرى بأنّ الأصل فيما لم يقم دليل على وجوبه و امتناعه هو الإمكان، ثمّ صار الطرفين في مقام النقض و الابرام.

و تحقيق الكلام فيه ملخّصاً يتوقّف على بيان مقدّمة، و هي أنّ الموجودات الإمكانية على قسمين: جواهر، و أعراض.

و المراد من الجوهر أنّه إذا وجد وجد لا في الموضوع، و العرض ما إذا وجد وجد في الموضوع، و هو عبارة عن الأعراض التسعة، و هي: كمّ و كيف و وضع و أين و متى و فعل و انفعال و إضافة وجدة. و الجواهر خمسة: عقل، و نفس، و هيولى، و صورة، و جسم.

و المراد من العقل: جوهر مجرّد عن المادّة ذاتاً و فعلاً، أي: لا يحتاج إليها في ذاته و في فعله.

و النفس: جوهر مجرّد عن المادّة في الذات دون الفعل.

و الهيولى: عبارة عن مادّة الأجسام العنصرية السارية في جميع الأجسام، و هي بمنزلة الجنس، كالحيوانية في الإنسان، و إنّما الفرق بينهما في الاعتبار، حيث يلاحظ الهيولى بشرط لا و الجنس لا بشرط، و بهذه الملاحظة الجنس قابل للحمل و الاتّحاد، فيقال: حيوان ناطق، و الهيولى غير قابلة له، فلا يقال: الهيولى صورة.

و الصورة: عبارة عمّا به يمتاز الأجسام بعضها عن بعض، فهي بمنزلة الفصولللأجناس، و الفرق بينهما كالفرق بينهما، و كما لا يمكن تحقّق الجنس في الخارج من دون فصل مميّز، لا يمكن تحقّق الهيولى في الخارج بلا صورة و

ص: 387

بالعكس، كما لا تحقّق للفصول بلا أجناس لا تحقّق للصور(1) بلا هيولى.

هيولى در بقا محتاج صورت

تشخّص كرد صورت را گرفتار

لأنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد.

و الجسم: عبارة عن جوهر مادّي متشخّص ممتاز عن سائر الأجسام، فهو جوهر مركّب من جوهرين: الهيولى، و الصورة، فالجسم كالنوع المركّب من الجنس و الفصل، فالهيولى عبارة عمّا به الاشتراك بين جميع الأجسام، و الصورة عبارة عمّا به الامتياز، و الجسم مركّب عمّا به الاشتراك و عمّا به الامتياز، غاية الأمر في كلّ جسم حصّة من الهيولى المشتركة غير الحصّة التي في جسم آخر، و امتيازهما إنّما هو بالصور الشخصية.

ثمّ لا يخفى أنّ في تبدّلات الأجسام بعضها ببعض حتّى بمثلها كتبدّل الحنطة بالحنطة، كانت تلك الحصّة من الهيولى محفوظة فيهما، فيقال: هذا هو، و هذا منه، و الاختلاف إنّما هو بالصور المشخّصة.

إذا عرفت ذلك نقول: إن كان المراد من المعدوم المعدوم بمادّته و صورتهبحيث لا يبقى له عين و لا أثر، فالحقّ مع القائلين بالامتناع، لعين ماذكروه من الأدلّة.

و إن كان المراد منه المعدوم بصورته دون مادّته، فالحقّ مع القائلين بالإمكان؛

ص: 388


1- _ المراد الصورة الجسمية، و إلاّ فسيأتي وجود الصور بلا مادّة، كالقالب المثالي، و الصور البرزخية، و المثل الأفلاطونية على القول بها «منه». أقول: ما ذکره (رحمة الله) في هذه التعلية غير تامّ: فإنّ الروح بعد الموت تتعلّق بالبدن اللطيف المثالي الشبيه بالبدن الدنيوي، لا الصورة بلا مادّة کما هو مسلک الفلاسفة.(عا)

لأنّ تبدّلات الصور بمكان من الإمكان، بل واقع كثيراً في الاستحالات و التبدّلات.

توضيح الكلام فيه: إنّه قد حقّق في محلّه إثبات الحركة الجوهرية، و هي أنّ موضوع تلك الحركة هو صورة ما التي بمنزلة الكلّي الطبيعي الموجودة بوجود أوّل صورة للهيولى، و هو بمنزلة حركة التوسّطية، و تبدّلات الصور الشخصية بمنزلة الأفراد، و هي بمنزلة الحركة القطعية، و تلك الصورة مع الصور الشخصية موجودان بوجود واحد، و هي ثابتة ما دام بقاء الصور، و إن كانت الصور تتبدّل آناً فآناً، و هذه الصورة الكلّية متّحدة مع الهيولى الجسمية الباقية في تبدّلات الأجسام.

و حينئذ فإن عدمت الصور بالكلّية، و عدمت تلك الصورة، و عدمت الهيولى، فإعادته شيء آخر؛ لأنّ شيئية الشيء بالصورة.

و أمّا إن بقيت هذه الصورة الكلّية، فهي حافظة للوحدة، و يقال: هي هي، و هذا ممّا لا إشكال فيه، و لا شبهة تعتريه،(1)

و الكلام أبسط من ذلك لا يقتضيه هذه الوجيزة، فيطلب من محالّها في كتب الحكمة، فتدبّر.

الأمر الخامس: في إبطال التناسخو القائلين به على مذاهب أربعة: نسخ، و مسخ، و فسخ، و رسخ.

و القائل به يسمّى بالنسوخية و المسوخية و الفسوخية و الرسوخية، و جامع الكلّ أنّ النفس الإنساني بعد مفارقته عن هذا البدن تتعلّق بجسم آخر في هذه النشأة، فإن تعلّق بإنسان آخر يسمّى بالتناسخ، فإن كان سعيداً تتعلّق ببدن

ص: 389


1- _ أقول: إثبات المعاد الجسماني بالأدلّة القطعيّة الشرعيّة من الکتاب و السنّة و لا يحتاج إلی هذه المنسوجات التي لا طائل تحته. (عا)

عالم عابد مؤمن من نبي أو ولي بمراتب سعادته. و إن كان شقياً، تتعلّق ببدن جاهل فاسق كافر، و جنّته و ناره عبارة عن ذلك.

و القائل بالمسخ يقول: تتعلّق النفس بعد مفارقة البدن إلى بدن حيوان، فإن كانت سعيدةً تتعلّق بالحيوانات الشريفة، و إن كانت شقيّة فبالحيوانات الخبيثة، كما قد يتّفق المسخ في الاُمم السالفة.

و القائل بالفسخ يقول: تتعلّق بالنباتات الشريفة أو الخسيفة.

و القائل بالرسخ يقول: تتعلّق بالجمادات، كالذهب و الفضّة، و الجواهر الثمينة، أو التراب و الحجر و المدر و نحوها من الجمادات، و الكلّ باطل.

و هنا قولاً خامساً على عكس الأقوال الأربعة، و هو أنّ النفس تتعلّق أوّلاً بالجمادات، ثمّ تتعلّق بالنباتات، ثمّ بالحيوانات، ثمّ بالأفراد البشرية، فالإنسان كان قبل ذلك حماراً أو كلباً، و قبله شجراً أو زرعاً، و قبله حجراً أو مدراً.

و الدليل على بطلان جميع ما ذكر _ مضافاً إلى إجماع الملل و ضرورة المذاهب _ أنّ الإنسان مثلاً إذا تكوّن فرد منه، فإمّا أن يقتضي تعلّق نفس مختصّة به أم لا، بل لابدّ من تعلّق نفس إنسان آخر أو الحمار و نحوهما به.فعلى الأوّل يقتضي توارد النفسين على بدن واحد، فيكون زيد ذا نفسين: أحدهما نفس عمرو، و الآخر النفس المختصّة به، و هذا بالبداهة و الوجدان باطل.

و على الثاني يلزم عدم التكثّر في العالم؛ لأنّ الفرد الأوّل إذا وجد له نفس واحدة، و الفرد الثاني على الفرض لا نفس له، بل تتعلّق به النفس الفرد الأوّل و هكذا، فلا يتحقّق الكثرات لا في الإنسان و لا في الحيوانات و لا النباتات و لا الجمادات، و هذا أيضاً بديهي البطلان.

ص: 390

فإن قلت: نفرض في بدو الخلقة أفراداً كثيرةً ذا نفوس كثيرة، فإذا ماتوا تعلّقت نفوسهم بأفراد اُخر.

قلت: مع أنّ هذا خلاف مذهب التناسخية؛ لأنّ تكوّن الإنسان على طبق الطبيعة بل أكثر الحيوانات كذلك لا بنحو التكوّن كبعض الحيوانات، يلزم أن يكون عدد الأفراد في جميع الأزمنة متساوية، و هذا أيضاً واضح الفساد.

فإن قلت: ما تقولون في الآي القرآنية و الأخبار الواردة في مسخ بعض الكفّار و المعاندين؟ كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خاسِئينَ}(1)، و قوله تعالى: {وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازيرَ}(2)، و الأخبار الواردة في مسخ بني اُمية، و أمثال ذلك.

قلت: هذا المسخ غير المسخ المتنازع فيه، بل هذا تبديل هذا البدن مع هذه النفس بصورة القردة و الخنازير عذاباً، كما في أصحاب السبت، أو إعجازاً كما صدر من بعض الأئمّة (علیهم السلام) بالنسبة إلى بعض المعاندين، و قد ماتوا بعدمسخهم بثلاثة أيّام و لم يتوالدوا، و التعبير عن القردة و الخنازير و نحوهما بالمسوخ لأجل تشبّههم بهما، لا أنّهم مسوخ حقيقةً، و هذا بمكان من الإمكان، و لا يتوجّه عليه ما ذكرنا من الجواب.

بل لا نضايق كون كثير من أفراد الإنسان يحشرون يوم القيامة بصور الحيوانات، كما ورد في الأخبار، بل في هذه النشأة بحسب بواطنهم و ملكاتهم حيوانات مؤذية ضارّة و لو بظواهرهم في لباس البشرية، و من يكون له بصيرة باطنية يراهم كذلك.

ص: 391


1- _ سورة الأعراف: 166.
2- _ سورة المائدة: 60.

و كيف كان تبديل الصورة مع حفظ المادّة بالبيان المتقدّم غير تعلّق نفس من بدن إلى بدن آخر، فتدبّر جيداً.

الأمر السادس: في إثبات المعاد بنحو الاجمال

اشارة

و الدليل عليه وجوه من العقلية و النقلية:

الأوّل: أنّه قد حقّق في باب التوحيد أنّ اللّه تبارك و تعالى حكيم عالم بجميع المصالح و المفاسد و الحكم، و في باب العدل أنّه تعالى عادل لا يصدر عنه قبيح و لا لغو و لا ظلم، فإذاً يكون في خلقة هذا العالم من العلويات و السفليات من الجمادات و النباتات و الحيوانات حكمة و مصلحة، و تلك الحكمة لا يمكن أن تكون راجعةً إليه لغنائه ذاتاً، فلابدّ أن تكون راجعةً إلى خلقه.

أمّا ما سوى الإنسان، فيكون لمصلحة الإنسان، كما ينادي به الآيات و الأخبار، و يساعد عليه العقل و الوجدان، كقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِيالْأَرْضِ جَميعاً}(1)، و قوله تعالى: {هُوَ الَّذي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ}(2)، و قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ}(3)، و قوله تعالى: {سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ}(4)، و قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً}(5)، و قوله تعالى: {وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي

ص: 392


1- _ سورة البقرة: 29.
2- _ سورة النحل: 10.
3- _ سورة النحل: 12.
4- _ سورة لقمان: 20.
5- _ سورة غافر: 64.

السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَميعاً}(1) إلى غير ذلك.

و أمّا الإنسان، فالفوائد الراجعة إليه: إمّا دنيوية من المآكل و المشارب و المناكح، و غيرها من اللذائذ، و هذا لا يليق بجنابه؛ لأنّها داثرة زائلة فانية، و أنّها مشوبة بالآلام و الأسقام و البليات، و في تحصيلها مرارات و زحمات.

وإمّا اُخروية من الحياة الباقية، و الفوائد الثابتة، و النعم الدائمة، فلولا ذلك لصار الخلقة بالكلّية لغواً.

الثاني: أنّه لولا المعاد لكان بعث الرسل و إنزال الكتب و جعل الأحكام و التكاليف لغواً؛ لأنّه لا يورث فرقاً بين المؤمن و الكافر و المطيع و العاصي، بل يورث كون المؤمن المطيع أسوأ حالاً من الكافر العاصي، و هذا من أقبح القبائح، فلابدّ من دار الجزاء و الحساب.

الثالث: أنّا نجد من أنفسنا أنّ الدنيا دار التنازع و التزاحم و الاختلاف، كلّ يظلم الآخر بالقتل و هتك العرض و ذهاب المال، فيجب على الحكيم الانتقام للمظلوم عن الظالم، و هذا غير واقع كثيراً في هذه النشأة، فلابدّ أن يكون في نشأة اُخرى.الرابع: لولا المعاد لزم كون إعطاء العقل إلى الإنسان لغواً؛ لأنّه مانع عن الالتذاذ باللذائذ، و مورث للتألّم بالآلام لمكان حزنه و تأسّفه و فكره في العواقب دون سائر الحيوانات؛ لأنّها لمكان غفلتهم يلتذّون بها أشدّ الالتذاذ، و بعد لا تدرك ورود البليات عليها و تفنى.

الخامس: ضرورة الأديان قائمة على المعاد، كما تقدّم.

ص: 393


1- _ سورة الجاثية: 13.

السادس: نصوص الكتاب، و هي كثيرة جدّاً:

منها: قوله تعالى: {وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا}.(1)

و منها قوله تعالى: {وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}.(2)

و منها قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}.(3)

و منها قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}.(4)

و منها قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلينَ وَ الآْخِرينَ}، {لَمَجْمُوعُونَ إِلى ميقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.(5)

و منها قوله تعالى: {وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.(6)

و منها قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ}.(7)

ص: 394


1- _ سورة النحل: 38.
2- _ سورة يونس: 53.
3- _ سورة التغابن: 7.
4- _ سورة الحجر: 25.
5- _ سورة الواقعة: 50.
6- _ سورة الحجّ: 7.
7- _ سورة المؤمنون: 16.

و منها قوله تعالى في حكاية إبراهيم (علیه السلام) : {رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى}(1) الآية.

و منها قوله تعالى في حكاية عزير: {أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ}(2) الآية.

إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا الأخبار، ففوق حدّ التواتر في الخطب و الأدعية و غيرهما، هذا مضافاً إلى ضرورة دين الاسلام بل جميع الأديان على ثبوت المعاد، كما أشرنا إليها، فهذا ممّا لا كلام فيه.

إنّما الكلام في أنّ المُعاد _ بالضمّ _ في يوم المَعاد _ بالفتح _ ما هو؟ و قد وقع الخلاف بين المسلين على أقوال:

الأوّل: ما اختاره صدر المتألّهين و أتباعه من الحكماء المتأخّرين إلى أنّه الروح في القالب المثالي، و الصوره البرزخية، العارية عن المادّة الهيولائية، و قد حمل ظواهر الآيات و الأخبار بل نصوصها على ذلك، و قد أسّس مذهبه على اُصول يأتي ذكرها.

الثاني: ما اختاره الشيخ أحمد الأحسائي رئيس المذهب الشيخية مع أتباعه في أنّه الروح مع البدن الهورقليائية الذي اصطلح عليه.

الثالث: ما اختاره جمهور العلماء و المحقّقين من الحکماء و المتكلّمين في أنّه الروح مع البدن العنصري الهيولائي الدنيوي.

الرابع: ما ذهب إليه بعض الحكماء و العرفاء من أنّه الروحاني الصرف من

ص: 395


1- _ سورة البقرة: 260.
2- _ سورة البقرة: 259.

دون مادّة و صورة.

الخامس: ما ذهب إليه بعض الأخباريين من أنّه الجسماني الصرف.

و لابدّ في تحقيق ما هو الحقّ الحقيق من تقديم اُمور من باب المقدّمة:

أحدها: أنّ الموادّ العنصرية المعبّر عنها بالهيولى لا تحقّق لها إلاّ بالصورة، كما أنّ الصورة تحتاج إلى الهيولى، فمثل الهيولى و الصورة مثل الجنس و الفصل، بل هما عينهما، و إنّما الفرق في الاعتبار؛ لأنّ الجنس و الفصل مأخوذان لا بشرط، و الهيولى و الصورة بشرط لا، فالجسم المركّب من الهيولى و الصورة كالإنسان المركّب من الحيوانية و الناطقية، و قد تقدّم.

ثانيها: أنّ التغيّرات الواقعة في عالم الكون و الفساد و التبدّلات و الاستحالات إنّما هي بتبدّلات الصور، و إلاّ فالهيولى الأوّلية باقية أبداً لا يتغيّر و لا يتبدّل، فتبدّل الجسم المطلق النامي و هو بالحيوان و هو بالإنسان من جهة اختلاف الصور.

ثالثها: أنّ التشخّصات بالصور الشخصية لا بالهيولى و لا بالصورة النوعية المتحرّكة بالحركة الجوهرية التي بمنزلة الحركة التوسّطية، و الصور الشخصية بمنزلة الحركة القطعية، و كالنقطة السيّالة الراسمة للخطّ، و كالآن بالنسبة إلى قطعة من الزمان.

رابعها: أنّ الصورة كما هي قابلة للتغيير، بمعنى أنّها قابلة للزوال و إفاضة صورة اُخرى متّصلة بحيث لا يوجب زوال الهيولى، كذلك قابلة للبقاء إلى ماشاء اللّه، كما في الصور المثالية، و كما في المثل الأفلاطونية على مذهبه.

و أمّا الهيولى، فهي توجد بأوّل صورة و باقية غير متغيّرة إلاّ بفناء جميع

ص: 396

الصور، فهي سيّالة مع حركة الصورة النوعية عند تبدّلات الصور الشخصية، و ثابتة مع ثبات الصور الشخصية.

فالقول بالحركة الجوهرية لا يستلزم الحركة دائمة، بل عند اختلاف الصور و تبدّلاتها لا مع بقاء الصورة، كما أنّ الحركة الكيفية في الألوان و الطعوم و الروائح إنّما هي عن تغيّراتها، و كذا الأينية و الوضعية دون ثباتها و سكناتها.

خامسها: أنّ اللّه تبارك و تعالى قادر على إيجاد الهيولى و الصورة، و على إعدامهما، و على إبقائهما معاً، و على إيجاد الصورة من دون مادّة، و على إبقاء المادّة و تبدّل الصورة؛ لأنّ الكلّ بمكان من الإمكان، و القدرة تتعلّق بكلّ ممكن. نعم المادّة من دون صورة إيجاداً و بقاءً غير ممكن؛ لأنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد، فليس قابلاً لتعلّق القدرة.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ الحقّ أنّ المُعاد _ بالضمّ _ في يوم المَعاد هو تلك الموادّ العنصرية الترابية في صورة يعلمها اللّه تعالى، سواء كانت الصورة الصورة الإنسانية، كما في أهل الإيمان، أو الصور الحيوانية، كما في بعض الكفّار و الفسّاق، بحيث يقال: هذا هو.

و بالجملة المادّة العنصرية الجسمية الدنيوية هي بعينها يعاد في المعاد، و هذا بمكان من الإمكان، و قد أخبر به الصادق المصدّق، و لا مانع من الالتزام به.فإن قلت: هذه المادّة العنصرية الدنيوية لمّا كانت متبدّلة آناً فآناً لمكان التحليل و احتاجت إلى بدل ما يتحلّل، فكيف تعاد مع الفساد؟

قلت: قد تقدّم في دفع شبهة الآكل و المأكول أنّ المناط في يوم المعاد الأجزاء الأصلية المحفوظة الباقية، و لامدخلية للأجزاء الفضلية وجوداً و عدماً

ص: 397

في ذلك، و التحليل إنّما هو للفضلية لا الأصلية.

هذا مضافاً إلى منع التحليل في القيامة، فأيّ مانع من الالتزام بأنّ البدن المعاد في القيامة بأجزائه الأصلية و الفضلية باقية دائماً لكون الدار داراً باقيةً، و أطعمة الجنّة ليست لبدل ما يتحلّل، بل لأجل الالتذاذ، و لذا لا يكون فيها دفع الحمّ؛ لأنّ الآلام و الأسقام ليست في الجنّة.

فان قلت: غاية ما ذكر إمكان ذلك، لكن لا دليل على إثباته إلاّ ظواهر بعض الآيات و الأخبار الملقاة إلى العرف العوام القابلة للتأويل بالصور العارية عن الموادّ الخالية عن القوّة و الاستعداد.

و السرّ في التعبير بهذه الظواهر قصور فهم العوام عن إدراك الحقائق، و من المعلوم أنّ أمر المعاد من الاُمور الاعتقادية التي تحتاج إلى الأدلّة القطعية اليقينية لا يمكن إثباتها ببعض الظواهر الظنّية.

قلت: نمنع أوّلاً كون ذلك من الظواهر، بل النصوص غير القابلة للتأويل، فأيّ نصّ أقوى من قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (علیه السلام) : {رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِالْمَوْتى}(1) الآية.

و قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها}(2) الآية.

و قوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَميمٌ}.(3)

ص: 398


1- _ سورة البقرة: 260.
2- _ سورة البقرة: 259.
3- _ سورة يس: 78.

و قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ}، {بَلى قادِرينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ}.(1)

و قوله تعالى: {وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}(2)، هل في القبور إلاّ تلك البدن العنصري.

و قوله تعالى: {إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ}.(3)

و قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}.(4)

و قوله تعالى: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.(5)

و قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ}.(6)

و قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً}.(7)

و قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}.(8)

ص: 399


1- _ سورة القيامة: 3 _ 4.
2- _ سورة الحجّ: 7.
3- _ سورة العاديات: 9.
4- _ سورة يس: 51.
5- _ سورة يس: 52.
6- _ سورة القمر: 7.
7- _ سورة المعارح: 43.
8- _ سورة الانفطار: 4.

و قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}، {وَ أَلْقَتْ ما فيها وَ تَخَلَّتْ}.(1)

و قوله تعالى: {وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}.(2)

إلى غير ذلك من الآيات، حيث إنّ الخروج من القبور و البعث منها و من الأجداث و إلقاء الأرض و ثقل الأرض هل هذا إلاّ البدن العنصري، و هل القالب المثالي و البدن الهورقليائي ثقل الأرض و في القبور و الأجداث؟

و كذا نصوص الأخبار، مثل قول أميرالمؤمنين (علیه السلام) في نهج البلاغة: وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ.(3)

و قوله (علیه السلام) في مكاتبته لمحمّد بن أبي بكر: أَنَّ أَنْفُسَكُمُ الضَّعِيفَةَ، وَ أَجْسَادَكُمُ النَّاعِمَةَ الرَّقِيقَةَ.(4)

و قوله (علیه السلام) : أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ، وَ أَوْكَارِ الطُّيُورِ، وَ أَوْجِرَةِ السِّبَاعِ.(5)

و الأخبار الواردة في كيفية البعث من أمطار السماء أربعين صباحاً، و انشقاق الأرض، و جمع العظام، و العروق و اللحوم و الشعور و التيام الأجساد بلا أرواح حتّى ينفخ في الصور، فتدخل إلى الجسد التي فارقته في الدنيا.

و كذا الأخبار الواردة في الأدعية و المناجاة، و غيرها من الأخبار المتفرّقة.

ص: 400


1- _ سورة الانشقاق: 3 _ 4.
2- _ سورة الزلزلة: 2.
3- _ بحارالأنوار، ج8، ص306، ح68؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص267، خطبة 183.
4- _ الأمالي (للطوسي)، ص28، ح31؛ بحار الأنوار، ج6، ص219، ح13 و ج74، ص388، ح11.
5- _ بحار الأنوار، ج7، ص112، ح46؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص108، خطبة83.

و ثانياً: سلّمنا كونها من الظواهر، لكن كلّ واحد في نفسه ظاهراً، فإذا تعدّدت الظواهر و تراكمت تفيد القطع، سيّما إذا كانت بمضامين مختلفة، و بعبارات متعدّدة.

و ثالثاً: سلّمنا بقائها على الظهور الصرف، فنمنع عدم حجّيتها في المقام؛ لأنّ العقائد المأخوذة عن لسان الشرع المتلّقاة من الألفاظ مع العلم بأنّ الشارع لم يؤسّس طريقاً خارجاً عن المتعارف في إفهام مراداته، بل يتكلّم على طبق المتعارف من إلقاء الظواهر.

و ملاك حجّية الظواهر بناء العقلاء في الموالي و العبيد، بحيث مطالبة المولى أزيد من ظاهر كلامه قبيح عقلاً، و كذا اعتذار العبد بعدم العلم بالمراد.

و بالجملة الظاهر حجّة كافية للكلّ على الآخر ما لم يكن قرينة عقلية أو لفظية حالية، أومقامية عامّة، أو خاصّة على المراد.

و رابعاً: تأويل تلك الآيات و الأخبار بما ذكر هل هو إلاّ تفسير بالرأي المورث لتبوّء مقعده من النار.

هذا كلّه مضافاً إلى الآيات الكثيرة و الأخبار المتواترة في بيان أطعمة الجنّة و أنهارها و قصورها و فرشها و الازدواج بالحور، و كذا زقّوم النار و غسّاقها و حميمها و مقامعها، و الحيوانات المؤذية من حيّاتها و عقاربها، و كيفية بناء الجنّة من الزبرجد و المرواريد و الياقوت و الذهب و الفضّة، و كيفية النار المحرقة. إلى غير ذلك من الخصوصيات.

و العجب كلّ العجب ممّن انتحل إلى الاسلام و اعتقد بالكتاب و السنّةكيف يصير إلى التأويل في جميع تلك الآيات و الأخبار بمجرّد تخيّل ظنّي أو

ص: 401

وهمي، و هل هذا إلاّ اعوجاج السليقة، هذا كلّه في بيان المختار في المقام.

و أمّا الأقوال الاُخر: أمّا ما ذهب إليه صدر المتألّهين، فأسّس بنيانه على اُصول لابدّ من الإشارة إليها و إلى ما فيها، و هي اُصول خمسة:

الأوّل: أنّه قد تقرّر في الحكمة و برهن عليه أنّ شيئية الشيء بصورته لا بمادّته؛ لأنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد، و التشخّص إنّما هو بالصورة لا بالمادّة، و بالجملة المادّة بمنزلة الجنس، و الصورة بمنزلة الفصل، بل هما عينهما، و إنّما الفرق بالاعتبار؛ لأنّ الجنس و الفصل مأخوذان لا بشرط، و لذا يحمل أحدهما على الآخر، فيقال: الحيوان ناطق، و المادّة و الصورة مأخوذتان بشرط لا، و من هنا لا يحمل، فلا يقال المادّة صورة.

قال في العرشية على ما حكي عنه: إنّ تقوّم كلّ شيء بصورته لا بمادّته، و هي عين ماهيته و تمام حقيقته، فهو هو بصورته لا بمادّته.

و عنه في أسفاره: كلّ مركّب بصورته هو هو لا بمادّته.

إلى أن قال: حتّى لو فرضت صورة المركّب قائمة بلا مادّة، لكان الشيء بتمام حقيقته موجودة.

الأصل الثاني: أنّ تشخّص الشيء عبارة عن نحو وجوده الخاصّ، مجرّداً كان أو مادّياً، و أمّا العوارض المشخّصة، فهي من أمارات وجوده و لوازمه لا من مقوّماته.الأصل الثالث: هو الذي من أفكاره المختصّة به الذي لم يسبقه السابق عليه، و تبعه المتأخّرون، من القول بالحركة الجوهرية، و أنّ الحركات عند الجمهور منحصر بالأربع: الكمّية، و الكيفية، و الأينية، و الوضعية، و عنده يزيد الجوهرية، و قد برهن عليه في الحكمة بما لا مزيد عليه.

ص: 402

الأصل الرابع: أنّ القوّة الخيالية جوهر مجرّد عن هذا البدن العنصري الحسّي، فهي عند تلاشي هذا البدن باقية غير داثرة، لكن لها التشكّل و التمثّل بلا مادّة، و هي متوسّطة بين المفارقات العقلية و الطبيعيات المادّية.

الأصل الخامس: أنّ المقادير و الأشكال و الصور كما يمكن أن يصدر من الفاعل بمشاركة المادّة في العالم الطبيعي، كذلك يصدر منه بلا مادّة، فالنفس تقدر بالقوّة الخيالية إيجاد الصور في الأشكال و المقادير من دون مادّة في عالم الآخرة. هذا.

أقول: حاصل مرامه من تأسيس هذه الاُصول الخمسة أنّ المادّة لا مدخلية لها في تحقّق الشيء و تشخّصه، بل ما به التحقّق و التشخّص هو الصورة فقط، بناءً على الأصلين الأوّلين، و أنّ المادّة لا بقاء لها في آنٍ من الآنات، بناءً على الحركة الجوهرية، فهي داثرة زائلة، و ما له البقاء هي الصورة، و أنّ القوّة الخيالية هي جوهرة مجرّدة عن أمارة.

فإذا مات الإنسان، فمادّته قد فنت و انعدمت، و إعادتها محال، بل تبقى النفس، و هي توجد بالقوّة الخيالية المجرّدة في عالم الآخرة الصور و الأشكال و المقادير من دون مادّة من الحور و القصور و الأطعمة و الألبسة و سائراللذائذ، كما في نفوس السعداء و الحيّات و العقارب و النار و الحميم و الزقّوم و سائر الآلام، كما في نفوس الأشقياء، فعالم الآخرة كلّها مثال و صور بلا مادّة، و هي أقوى و أشدّ من الصور الطبيعية المادّية، و قد حمل جميع الآيات و الأخبار الواردة في المعاد على ذلك.

هذا ملخّص مرامه، و لايسع هذه الوجيزة لبسط الكلام في كلّ من اُصوله نقضاً و إبراماً.

ص: 403

و لكن نقول في جوابه ملخّصاً أوّلاً: أنّ هذا الكلام يوجب إنكار المعاد الجسماني رأساً، و تكذيب القرآن و النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) ؛ لأنّ الآيات الواردة في المعاد و الأخبار المأثورة غير قابلة للحمل المذكور.

فكيف يمكن حمل قوله تعالى: {وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}(1)، و قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً}(2)، و قوله تعالى: {إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ}(3)، و قوله تعالى: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}(4)، و قوله تعالى: {فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}(5)، و قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}(6)، و قوله تعالى: {وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}(7)، و قوله تعالى: {وَ أَلْقَتْ ما فيها وَ تَخَلَّتْ}.(8)

إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار كما تقدّم ذكرها؛ لأنّ النفوس و القوّة الخيالية و الصور و الأشكال الصادرة منها ليست في القبور و الأجداث و المراقد، و لم تكن ثقل الأرض، بل فيها ليس إلاّ تلك الموادّ العنصرية الطبيعية،و كذلك الأخبار المتقدّمة، و لا نحتاج إلى الإعادة.

و ثانياً: قد ثبت في محلّه أنّ الحركة في نفسها من العوارض العارضة

ص: 404


1- _ سورة الحجّ: 7.
2- _ سورة المعارج: 43.
3- _ سورة العاديات: 9.
4- _ سورة يس: 52.
5- _ سورة يس: 51.
6- _ سورة الانفطار: 4.
7- _ سورة الزلزلة: 2.
8- _ سورة الانشقاق: 4.

للمتحرّك، و لذا يحتاج إلى محرّك، و ما فيه الحركة و ما منه الحركة و ما إليه الحركة، و كلّما بالعرض يزول فيصير ساكناً.

فأيّ مانع أن نقول: إنّ الحركة الجوهرية في هذه النشأة. و أمّا النشأة الآخرة، فالجواهر كلّها ساكنة باقية غير داثرة من موادّها و صورها و مجرّداتها، و ليست إبقائها خارجة عن قدرة الحكيم، و الموادّ الترابية في القبور غير منعدمة حتّى يستحيل إعادتها.

و ثالثها: أنّ غاية ما ذكر إثبات كون الصور بلا مادّة في عالم الآخرة، لكن لا تنفي الصور المقترنة بالموادّ بعد إخبار الصادق المصدّق، فلا مجال لإنكاره.

و رابعاً: أنّ تلك الاُصول الخمسة إن لم يكن كلّها باطلة لم يكن كلّها صحيحة سيّما الأخيرين؛ لمنع كون القوّة الخيالية جوهرة مجرّدة، و منع كون النفس قادرة على إيجاد الصور و الأشكال في عالم العين، و لم يقم دليل على ذلك، و التفصيل في الحكمة.

و خامساً: أنّه قد حقّق في محلّه كما تقدّم في باب الصفات أنّ الخالق لجميع الأشياء من المجرّدات و المادّيات من الجواهر و الأعراض هو الباري تعالى بلا واسطة، و أنّ الأصل المذكور في كلمات الحكماء من أنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد إنّما هو في العلل و المعلولات الموجبة، أمّا في الفاعل بالاختيارالصادر منه الفعل عن حكمة و مصلحة فلا؛ لأنّ من تمامية العلّة ترتّب المصلحة، و من الواضح اختلاف المصالح، و الكلام فيه أبسط من ذلك ما تقدّم في محلّه،(1) فإذاً لا مجال لهذا القول، و لا وجه له أصلاً، و اللّه الهادي.

ص: 405


1- _ في بحث القدرة في باب الصفات «منه».

و أمّا ما اختاره الشيخية من القول بالبدن الهورقليائي، فحاصل مرامه أنّ للإنسان في هذا العالم في هذا البدن المادّي و العنصري بدن آخر مثالي خالٍ عن الموادّ العنصرية المسمّى بالبدن الهورقليائي، و هو لا يموت و لا يعدم، و يبقى في القبر بنحو الاستدارة، و هو شبيه لهذا البدن العنصري، و يوم القيامة يتعلّق الروح بهذا البدن الهورقليائي و يخرج من القبر، و يقال: هو هو.

بل يمكن أن يترك هذا البدن العنصري في هذه النشأة أيضاً، كما وقع للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ليلة المعراج، حيث إنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) لمّا عرج من الأرض ألقى المادّة الترابية، و من كرة الماء المادّة المائية، و من الهواء الهوائية، و من النار النارية، و عرج إلى السماء بالبدن الهورقليائي.

و الطينة المأخوذة في الأخبار من هذا البدن الهورقليائي، و أنّ جابرسا و جابلقا شهران عظيمان من عالم الهورقليائي المأخوذة منهما الطينة الأصلية، و أنّ هذا البدن العنصري بمنزلة اللباس و الأوساخ، فبعد الموت يلحق كلّ عنصر إلى كرته، فترابه إلى الأرض، و ماؤه إلى الماء و هكذا، و لا يحتاج البدن الأصلي الهورقليائي إلى هذا اللباس، و هذه الأوساخ بعد إلقائها، و ينادي بجميع ما ذكر كلامه في شرح العرشية، و لا يهمّنا نقله من أرادها راجعها.ثمّ إنّه تمسّك لمرامه ببعض الآيات و الأخبار التي لا دلالة له فيها أصلاً، بل يكون على خلاف مطلوبها أدلّ.

أمّا الآيات، فقوله تعالى: {وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ}(1)، بدعوى أنّ

ص: 406


1- _ سورة الروم: 20.

التراب هو التراب الذي أخذه الملائكة من عالم آخر، و هو عالم الهورقليائي.

و قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ}(1)، بحمل الخزائن على عالم الهورقليائي.

و قوله تعالى: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(2)، بدعوى أنّ البدء من عالم الهورقليائي، فالعود أيضاً إليه، و أنت خبير بأنّ هذه الدعاوي تخرّص بالغيب و تفسير بالرأي، و لا شاهد لها أصلاً.

و أمّا الأخبار، فمنها: الأخبار المروية في أنّ للّه تعالى مدينتين فوق العرش، أحدهما طرف المشرق، و الآخر طرف المغرب، لا يعلمون خلقة الشمس و القمر و النجوم المسمّيات بجابرقا و جابرسا، و لكلّ مدينة سبعون ألف باب، بين الباب إلى الباب فرسخ، و على كلّ باب خمسون ألف شاكي السلاح ينتظرون قيام القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) .(3)

و لا يخفى أنّ تلك الأخبار مختلفة المضامين، بحيث لا يمكن الجمع بينها، مثل الرواية المروية عن الحسن (علیه السلام) ، و الرواية المروية عن بصائر الدرجات عنالصادق (علیه السلام) ، و المروية عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، مع أنّها ضعيفة السند لا يمكن التمسّك بها في باب العقائد؛ لأنّها تحتاج إلى دليل قطعي من جميع الجهات، و مع ذلك كلّه لا ينطبق مع شيء من مقالته بل يضادّه و يباينها، و لعمري أنّ هذه الكلمات ليست إلاّ لإضلال الناس، و إعراض العوام عن

ص: 407


1- _ سورة الحجر: 21.
2- _ سورة الأعراف: 29.
3- _ بحار الأنوار، ج27، ص43، ح3 و ج54، ص333؛ بصائر الدرجات، ج1، ص492، ح4.

العلماء الحقّة، عصمنا اللّه بمحمّد و آله (علیهم السلام) .

و منها: الأخبار الواردة في الطينة، كخبر عمّار الساباطي.

و لايخفى أنّ هذه الرواية مع ضعف سندها من المتشابهات التي لا يمكن الاستناد إليها إلاّ من كان في قلبه زيغ، فقد فسّر بعض الطينة بالنفس الناطقة، و بعض بالتراب الذي يدخل في النطفة، و بعض بالعنصر الغالب، و بعض بطينة السعادة و الشقاوة، إلى غير ذلك، و لم يقل أحد بالبدن الهورقليائي، و لا دلالة في شيء منها عليه.

و منها: الخبر الذي روي عنه و ليس في شيء من الكتب، و لم يستند هو أيضاً بكتاب، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) في خلقة النفس النباتية و الحيوانية و الناطقة اللاهوتية، و هو مع إرساله لا دلالة له على مدّعاه، فلا نطيل في نقلها للظنّ بأنّه من مفترياته.

و أمّا القول المنسوب إلى بعض الفلاسفة الأقدمين من إنكار المعاد الجسماني، فهو مبني على أصلهم الفاسد من أنّ البدن بعد خرابه لا يعيد؛ لاستحالة إعادة المعدوم، و قد تقدّم الكلام فيه، و أنّه خلاف ضرورة الاسلام و نصوص القرآن و متواترات الأخبار، بل و ضرورة جميع الأديان، و قد تقدّمالبراهين القاطعة من العقلية و النقلية، فراجع.

و أمّا القول الخامس المنسوب إلى جماعة من المتكلّمين و كثير من الأخباريين من إنكار المعاد الروحاني، فهو مبني على إنكارهم الروح المجرّد، و أنّ المجرّد مختصّ بذات اللّه تعالى، و تخيّلهم أنّ القول بالتجرّد في الممكنات

ص: 408

يوجب الشرك، و قد تقدّم في أوّل هذا الكتاب البراهين المثبتة لتجرّد الروح.(1)

إذا عرفت هذه الاُمور الستّة، فيقع الكلام في مقامات و خاتمة:

المقام الأوّل: في حقيقة الموت و أسبابه و أنحائه
اشارة

قد اختلفوا في أنّ الموت أمر وجودي مضادّ مع الحياة، فهما ضدّان، أو أمر عدمي عبارة عن عدم الحياة، فهما نقيضان، و النسبة بينهما الإيجاب و السلب، أو عبارة عن عدم الملكة، أي: عدم الحياة عمّن من شأنه الحياة، كالعمى و البصر.

و الذي يخطر بالبال و إن لم أجد من صرّح به التفصيل؛ لأنّ الحياة الحيواني هي من بخار الدم و حرارته، إذا انعدم يتحقّق الموت كما في الحيوانات، فالموت عدم تلك الحياة، و النسبة عدم و الملكة؛ لأنّ ما لا يقبل الحياة لا يصدق الموت في حقّه، و كذلك بالنسبة إلى الحياة النباتي إذا فني قوة الانباتمنه يقال: مات الشجر.

و أمّا الحياة الإنساني، فعبارة عن النفس الناطقة القدسية الإلهية الملكوتية، فهي غير منعدمة، و غير فانية، بل ينتقل من هذه النشأة إلى نشأة اُخرى، فالموت عبارة عن ذاك الانتقال، فهو أمر وجودي مضادّ مع الحياة و مقابل له، و هذا هو الذي يجب الاعتقاد به في قوله: «أَشْهَدُ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ»، و لعلّ المراد

ص: 409


1- _ أقول: الأدلّة التي أقيمت علی تجرّد الروح کلّها مدخولة و محجوجة بالأدلّة القطعيّة التي تدلّ علی خلافها. و الإلتزام بالمعاد الجسماني و الروحاني لا يتوقّف علی تجرّد الروح بل ثابت بالأدلّة الشرعيّة القطعيّة. (عا)

في قوله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ}(1) ذلك.

و من هنا يطلق على ملك الموت أنّه قابض الأرواح، و القبض أمر وجودي، و بذلك يطلق عليه التوفّي في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها}(2)، لأنّ التوفّي عبارة عن الأخذ بالقوّة، و كذا قوله: {تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ}(3)، و بهذا تقدر على الجمع بين الأقوال و الأدلّة، و لا نطيل بذكرها.

نعم ما ذكره صدر المتألّهين من أنّ الموت بمقتضى الحركة الجوهرية تكميل النفس، فهو إنما يمكن القول به في نفوس السعداء، و لا ينافي ما ذكرناه، و أمّا الأشقياء فلا، كما لا يخفى.

أسباب الموت

و أمّا أسباب الموت، فهي مختلفة، و له أسباب ظاهرية، و أسباب باطنية.

أمّا الظاهرية، فهي وقوع خلل في مكينة البدن: إمّا بالطبع، و إمّا بالتصادم، كالمكينة المصنوعة، فإن كان بالطبع يسمّى بالموت الطبيعي، و إن كان بالتصادميسمّي بالموت الاخترامي، و قد يورث هذه الخلل حدوث مرض، و قد لا يوجب كالموت البغتتي، و قد يمكن رفع تلك الخلل و إزالتها، و قد لايقبل ذلك، و قد يورث تلك الخلل فساد عضو، و قد يورث فساد البدن كلّه فيموت.

و أمّا الباطنية، فهو بلوغ الأجل و انقضاء المدّة و تمامية الكتاب.

ص: 410


1- _ سورة الملك: 2.
2- _ سورة الزمر: 42.
3- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 27.

و الأجل أيضاً قسمان: حتمي، و معلّق.

أمّا الحتمي، فهو الذي في اللوح المحفوظ طبقاً للحكمة: {وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ}.(1)

و أمّا المعلّق أي المشروط باُمور ظاهرية أو باطنية، أمّا الظاهرية كالقتل و السمّ و الهدم و الغرق و الحرق و السقوط و نحوها، بحيث لولا هذه الاُمور لما وقع الموت.

و الباطنية كقطع الرحم، و الظلم، و سائر المعاصي التي تورث قصر العمر.

و كلّ من تلك الاُمور قابلة للتغيّر و التمديد و دفع البليات بالدعاء و الصدقة و التوسّلات و الإحسانات و سائر العبادات، و هو في لوح المحو و الاثبات، {يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ}.(2)

و لا يتوهّم أنّ ذلك يورث التغيّر في علم الباري؛ لأنّ ذلك من البداء الذي في الحقيقة تغيير في المصالح و الحكم، و هو تعالى عالم بجميع ذلك، فهو في الحقيقة إظهار بعد الخفاء، كالنسخ في التشريعيات.

كيفية الموت

و أمّا كيفية الموت، فقد ورد في الآيات و الأخبار الفرق بين المؤمن و الكافر و المنافق و الفاسق، بل يختلف باختلاف مراتب الإيمان و الإطاعة و الكفر و المعصية، أعاذنا اللّه من سكرات الموت و ما بعده، اللّهمّ اجعله لنا أوّل راحتنا

ص: 411


1- _ سورة الأعراف: 34.
2- _ سورة الرعد: 39.

بمحمّد و آله صلّ على محمّد و آله.

قال اللّه تعالى: {الَّذينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ}، {لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الآْخِرَةِ}(1) ،و قد ورد في أخبار كثيرة تفسير «في الآخرة» بعند الموت.

و قال تعالى: {إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.(2)

ثمّ إنّ المستفاد من مجموع الأخبار كون الموت على الناس على أقسام أربعة:

المؤمن المتّقي كأطيب ريح يشمّه، فينعش لطيبه، فينقطع التعب و الألم كلّه عنه، و يرى رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين (علیه السلام) يبشّرانه بنعيم الأبد، و الملائكة تبشّره بالجنّة، و يرى مكانه في الجنّة، و يرى ملك الموت بأحسن صورة، بل يرى جميع الأنوار المقدّسة.

و الكافر الفاجر كلسع الأفاعي، و لذع العقارب، و أشدّ من النشر بالمناشير، و القرض بالمقاريض، و تدوير قطب الأرحية في الأحداق.و أمّا المؤمن الفاسق، فإن لم تدركه المغفرة و الشفاعة تشدّ عليه سكرات الموت عقوبةً لمعاصيه باختلاف مراتب المعصية ليخفّف عذابه في القيامة أو يتدارك.

و أمّا الكافر المحسن، فيسهّل عليه الموت جزاءً لحسناته لأن لا يبقى له أجر في الآخرة، قال تعالى: {وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ في غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ

ص: 412


1- _ سورة يونس: 63 _ 64.
2- _ سورة فصّلت: 30.

باسِطُوا أَيْديهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}(1)، أعاذنا اللّه و إيّاكم من سكراته بمحمّد و آله (علیهم السلام) .

المقام الثاني: في ذكر ملك الموت و أعوانه و كيفية قبضه الأرواح
اشارة

و غير ذلك من الاُمور المتعلّقة بالموت. و هنا اُمور:

الأوّل: أنّه قد اختلفت الكلمات في حقيقة الملائكة، فذهب جماعة من الحكماء أنّهم عقول مجرّدة عن المادّة و الصورة من العقول الطولية و العرضية و الكلّية و الجزئية، الصادرة عن الواجب تعالى بالترتيب المذكور في كلماتهم.

و ذهب جماعة منهم بأنّهم أرباب الأنواع و المثل الأفلاطونية، لهم صور عارية عن الموادّ، خالية عن القوّة و الاستعداد، المدبّرة لعالم الخلق.

و ذهب جماعة بأنّهم عبارة عن القوى، كالقوّة القاضية و النامية و نحوها.(2)

أقول: نحن لا نتاحاشا عن وجود العقول المجرّدة و المثل الأفلاطونية، لكنلا لما ذكروه من أصلهم الذي أسّسوا عليه من أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد، و قد ذكرنا في بحث القدرة أنّ هذه القاعدة و إن كانت تامّةً مبرهنةً إلاّ

ص: 413


1- _ سورة الأنعام: 93.
2- _ أقول: هذه الأقوال التي ذکرها أشبه بأضغاث الأحلام و إنکار لما ثبت في الدين ضرورة من النصوص المتواترة القطعية في الملائکة و کيفيّة شئونها و ... فلاحظ بحار الأنوار حیث جمع العلامة المجلسي (رحمة الله) الأخبار الواردة فيها في مجلّد، فمن راجعها لا يبقی له شکّ في جسمانيّتها و عدم تجرّدها کما إعترف به المصنّف في المتن و إن رجع عنه في التعليقة في هذا الموضع حیث قال: «الآيات و الأخبار يمكن انطباقها على الصورة بلا مادّة، فليست صريحة في الجسمية»، و لکنّه مخالف لصراحة الأخبار الکثيرة التي من راجع إليها لا يبقی له ريب فيما ذکرناه.(عا)

أنّها في العلّة التامّة الموجبة، لا في حقّ الفاعل الحكيم القادر المختار الصادر عنه الفعل عن حكمة و مصلحة.

و من شرائط الفعل وجود المصلحة و المصالح، و الحكم مختلفة، بل ربما لا تكون المصلحة فيه في وقت دون وقت، أو حال دون حال، و هذا الاختلاف كافٍ في صدور الكثرات عن الواحد من جميع الجهات، بل من جهة البراهين الذي ذكرناه في أوّل الكتاب في المعاد لإثبات وجود المجرّد، و من جهة قاعدة إمكان الأشرف و الأخسّ، لكن انطباق هذه المجرّدات على الملائكة غير صحيح.

بل مقتضى(1) الظواهر القرآنية أنّ الملائكة أجسام، كقوله تعالى: {أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ}(2)، و قوله تعالى: {يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا}(3)، و قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ}(4) إلى غير ذلك من الآيات.

بل الأخبار متواترة ناصّة في كيفية عباداتهم و نزولهم و صعودهم و نحوها، غاية الأمر ليسوا من تلك العناصر المركّبة، بل أجسام لطيفة ألطف من الهواء و من الجنّ، و ليس خارجاً عن قدرة الخالق إيجادهم، فهم أجساد نورية متشكّلة بأشكال مختلفة، و لهم مراتب متعدّدة من الأمرة و المأمورة، و الرئيسة و المراوسة، كلّ مأمور بأمر، فملك الموت من أحد الملائكة الكرام المقرّبين، وله أعوان من ملائكة الرحمة و الغضب.

ص: 414


1- _ أقول: الآيات و الأخبار يمكن انطباقها على الصورة بلا مادّة، فليست صريحة في الجسمية «منه» غفر له.
2- _ سورة فاطر: 1.
3- _ سورة النبأ: 38.
4- _ سورة القدر: 4.

الأمر الثاني: قد يترائیٰ التنافي بين قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها}(1)، يشمل الجمع محلّى باللام جميع النفوس، و قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ}(2)، و قوله تعالى: {تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ}(3)، و قوله تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا}.(4)

أقول: التحقيق الحقيق أنّ الإماتة كالإحياء، و هما مثل الخلقة و الرزق من الصفات الفعلية الخاصّة باللّه تعالى، و قد تقدّم أنّ التوفّي غير الإماتة، بل هو الأخذ بالقوّة، و من الواضح أنّ أخذ الرسول أخذ المرسل حقيقةً، و أخذ المأمور أخذ الآمر، و الواسطة أخذ ذوي الواسطة.

و لا نضايق عن أنّ اللّه تبارك و تعالى يأخذ بعض النفوس الكاملة بلا واسطة ملك الموت، و ملك الموت يأخذ بعضها بلا واسطة الأعوان، و الأعوان يأخذون بعضها، و إن كان أخذهم أخذ ملك الموت، و أخذه أخذ اللّه، كما أنّه تعالى يقدر على الخلق و الرزق بدون الأسباب و مع الأسباب.

الأمر الثالث: أنّ هنا إشكالات يجب دفعها:

أحدها: أنّ ملك الموت كما قلت جسم و شخص معيّن، فكيف يأخذ في آنٍ واحد النفوس المتعدّدة الكثيرة في أقطاع الأرض؟

ثانيها: أنّ الروح قد تقدّم أنّه جوهر مجرّد لا محلّ له، فكيف يأخذه و يصير

ص: 415


1- _ سورة الزمر: 42.
2- _ سورة السجدة: 11.
3- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 27.
4- _ سورة الأنعام: 61.

مأخوذاً؟

ثالثها: كيف يكون هذا القبض على بعض سهلاً و راحةً، و على بعض صعباً و عذاباً؟

و الجواب: أمّا عن الأوّل، فإنّه لا مانع من أن يكون لملك الموت قدرة و إحاطة على جميع النفوس، كإحاطة النفس على جميع أعضاء البدن، بحيث يقدر على قبضها جميعاً في آنٍ واحد، و إعطاء هذه القدرة من اللّه تعالى إليه بمكان من الإمكان، و حضوره لدى المحتضر بمعنى رؤيته إيّاه، كما يرى رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين (علیه السلام) و سائر الأئمّة (علیهم السلام) ، و مكانه في الجنّة أو النار، و ملائكة الرحمة و العذاب، و سائر ما يرى عن المعاينة.

و أمّا عن الثاني، فلأنّ أخذ الروح بمعنى قطع علاقة الروح عن البدن المتحيّر فيه جميع العقلاء في كيفية العلاقة، و قد ذكرنا شطراً من الكلام في ذلك في تفسيرنا (1) فراجع.

و بالجملة إعطاء العلاقة بمعنى إعطاء القدرة للنفس على التصرّف في البدن، و مقهورية البدن تحت مشيتها و إرادتها، و قطع العلاقة سلب تلك القدرة عنها، و خروج البدن عن تصرّفها، و لا مناص عن تعلّق الروح بعد قطع علاقته عن البدن إلى القالب المثالي كما يأتي بيانه، فيكون متنعّماً و معذّباً إلى يوم يبعثون.

و أمّا عن الثالث، فإنّ الإنسان عند الاحتضار ربما يصعب عليه قطع علاقتهعن هذه الدنيا الفانية من جهة معاينة العذاب و ما اُعدّ له في جهنّم، و من

ص: 416


1- _ و هو تفسير أطيب البيان في تفسير القرآن، و هو تفسير كامل باللغة الفارسية.

جهة توغّله في العلائق الدنيوية من المال و المنصب و الأهل و الأولاد، و من جهة بروز أخلاقه الفاسدة و الملكات الخبيثة و الأعمال السيّئة، و من جهة الحسرة و الندامة و التأسّف على ما فات منه و غير ذلك، فيشتدّ عليه سكرات الموت، بل من أوّل المعاينة يورد عليه العذاب و يأتيه الملائكة يخبرونه بغضب العزيز الجبّار و نحوها.

و ربما يسهل عليه قطع تلك العلاقة على عكس ذلك من جهة معاينة ما اُعدّ له من الثواب الجزيل، و يرى مكانه في الجنّة، و يبشّره الملائكة بالرضوان، و ظهور ملكاته الفاضلة، و أخلاقه الحميدة، و أعماله الحسنة، و تشرّفه بخدمة الأولياء من الأنبياء و الأئمّة و صلحاء المؤمنين، و يصير الدنيا عنده بتمام ما فيها كالمزبلة و يحبّ لقاء اللّه تعالى، رزقنا اللّه و إيّاكم بجاه محمّد و آله (علیهم السلام) .

الأمر الرابع: أنّه قد ورد في الأخبار الكثيرة أنّ المحتضر يرى رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين و سائر أئمّة الدين (علیهم السلام) ، و الأخبار في خصوص أميرالمؤمنين (علیه السلام) كثيرة جدّاً، المذكورة في البحار(1) و معالم الزلفى و غيرهما، بل فيها أنّ المؤمن يراه حيث يحبّ، و الكافر حيث يكره.

و قد استشكل في أنّ الخلق الكثير إذا ماتوا في ساعة واحدة كيف يمكن رؤية جميعهم شخصاً واحداً؟ و كيف يحضر عندهم؟

و قد اُجيب تارةً بأنّ حضورهم (علیهم السلام) عند المحتضر بالأجساد المثالية، واُخرى بارتسام صورهم في الحسّ المشترك.

أقول: تحقيق الكلام في المقام أنّهم (علیهم السلام) بوجودهم السعي محيطون

ص: 417


1- _ بحار الأنوار، ج6، ص173.

بجميع العوالم الإمكانية في كلّ حين و زمان، و قد استفدنا ذلك من الآيات القرآنية و الأخبار المتفرّقة فى الموارد المختلفة المتواترة المضمون، قال تعالى: {قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤمِنُونَ}(1)، و قال تعالى: {وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهيداً}.(2)

و تقول في صلواتك كلّ يوم و ليلة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ»، بنحو التخاطب، و الزيارات المأثورة من الجوامع و غيرها من الزيارات البعيدة و القريبة بنحو التخاطب الذي من شرطه الحضور، و الأوامر الواردة في التوجّه إليهم (علیهم السلام) ، و التوسّل بهم في مهامّ الاُمور.

و هذا لا يختصّ بزمان حياتهم، بل يعمّ زمان رحلتهم، بل قبل و ردوهم في هذا العالم كانوا مكملين، كما ورد في الجامعة: «خَلَقَكُمُ اللَّهُ أَنْوَاراً، فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ، حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ.»(3) الزيارة، إلى غير ذلك من الأخبار و الآثار.

فإذاً معنى حضورهم عند المحتضر ليس مجيئهم عنده، بل رفع الحجاب عن عينيه، و إلاّ فهم حاضرون في كلّ مكان في جميع الدهور و الأزمان، كما يرى الملائكة و غيرهم عند احتضاره.و ممّا يشهد على ذلك لسان الأخبار في التعبير بالرؤية و المعرفة و الوجدان، كما في حديث الحارث الهمداني من قول أميرالمؤنين (علیه السلام) : و اُبشّرك يا حارث

ص: 418


1- _ سورة التوبة: 105.
2- _ سورة النساء: 41.
3- _ فقرات من زيارة الجامعة الكبيرة.

ليعرفني و الذي خلق الجنّة و برأ النسمة وليي و عدوّي في مواطن شتّى عند الممات، و عند الصراط، و عند الحوض، و عند المقاسمة، يعني مقاسمة النار، و القصيدة الحميري:

يَا حَارِ هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ

يَرَنِي

مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ مُنَافِقٍ

قُبُلا (1)

و عن صحيفة الرضا (علیه السلام) : عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) : مَنْ أَحَبَّنِي وَجَدَنِي عِنْدَ مَمَاتِهِ بِحَيْثُ يُحِبُّ، وَ مَنْ أَبْغَضَنِي وَجَدَنِي عِنْدَ مَمَاتِهِ بِحَيْثُ يَكْرَهُ.(2)

و في حديث الأعور: «حَتَّى يَرَانِي»(3)، و في حديثه الآخر: «لَتَرَانِي فِي ثَلَاثِ مَوَاطِنَ»(4) إلى غير ذلك من الأخبار.

و بهذا البيان تقدر على دفع الاشكال في الموارد الاُخر، كحضور علي (علیه السلام) في أربعين مكان في ليلة واحدة، لو فرض كون الخبر صحيحاً.

و كذا الخبر المروي عن كون الحسين (علیه السلام) على العرش عند جدّه و أبيه و اُمّه و أخيه (علیهم السلام) ، و ينظر إلى زوّاره و مجالس عزائه و يدعو اللّه لهم، و يسأل جدّه و أبيه و أخيه و اُمّه (علیهم السلام) أن يدعو لهم.(5) فإنّ المراد على الظاهر منالعرش عرش

ص: 419


1- _ بحار الأنوار، ج6، ص180.
2- _ بحار الأنوار، ج6، ص188، ح25؛ صحيفه الإمام الرضا (علیه السلام) ، ص86، ح202.
3- _ بحار الأنوار، ج6، ص192، ح40.
4- _ بحار الأنوار، ج6، ص195، ح46.
5- _ بحار الأنوار، ج44، ص281، ح13.

الإحاطة، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ}.(1)

و لا يخفى أنّ هذه المرتبة في الممكنات من خصائص هؤلاء دون سائر الأنبياء و الأولياء و الملائكة، و إن كان بينهم(2) مراتب من الاختلاف في التوسعة و الضيق، و لذا تقول بنحو الغيبة في زياراتهم: السَّلَامُ عَلَى آدَمَ صَفْوَةِ اللَّهِ، إلى قولك: و عَلَى عِيسَى رُوحِ اللَّهِ، إلى أن تقول في زيارة نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بيته (علیهم السلام) : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بنحو التخاطب. نعم عند قبورهم تسلّم عليهم بنحو التخاطب، فافهم و اغتنم.

حضور إبليس عند المحتضر

الأمر الخامس: في حضور إبليس عند المحتضر، و هذه المسألة من العويصات.

و توضيح الكلام فيه: أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، كما ورد في الخبر،(3) و هو إسم جنس يقع على طائفة من الجنّ و كبيرهم إبليس، و هو المتبوع و هم تابعوه، و يطلق عليهم الشياطين و الأبالسة و فسقة الجنّ.

و الكلام في ذلك طويل الذيل، قد ذكرنا شطراً صالحاً منه في تفسيرنا عند قوله تعالى: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}(4) الآية من جهات:

الاُولى: في وجود الجنّ و اختلاف بعض الحكماء فيه و دفع شبهاتهم.

ص: 420


1- _ سورة الأعراف: 54 و غيرها.
2- _ أي: سائر الأنبياء و الأولياء «منه».
3- _ بحار الأنوار، ج6، ص18، ح2.
4- _ سورة البقرة: 14.

و الثانية: في حقيقتهم.

و الثالثة: في كونهم مكلّفين مثابين أم معاقبين.

و الرابعة: في بعث نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) عليهم، و تشرّفهم عنده و عند الأئمّة.

إلى غير ذلك من أرادها راجعها.

و الذي يهمّنا في المقام أنّ مقتضى الآيات الشريفة و الأخبار الكثيرة أنّ الشياطين كان تسلّطهم على ابن آدم ليس إلاّ إلقاء الوسوسة و الشبهات في قلب ابن آدم، نظير الملك حيث يلهم ابن آدم، و الفرق بين الوسوسة و الإلهام من جهات ثلاث ذكرناها هناك، و ليس لهم تسلّط آخر، كما ينادي بذلك قوله تعالى حكاية عنه: {وَ ما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي}،(1) و منشأ إغواء الشيطان الصفات الخبيثة، و الأعمال السيّئة.

و لعلّ حضوره عند المحتضر أنّ المحتضر لمّا كان قواه في غاية الضعف، فيمثّل الشيطان عنده بمثال يحبّه و يميل إليه و يطمئنّ به، فيلقى إليه بعض الشبهات في بعض العقائد التى يكون المحتضر فيها ضعيف العقيدة، فيزيل ذلك الاعتقاد، أو يصير متزلزلاً فيه، و لعلّ حضوره عنده نظير حضوره في حال الصحّة من إلقاء الشبهة في القلب و الوسوسة فيه، كما هو ليس ببعيد.

و لا مناص إلاّ من تقوية الإيمان بالبراهين القطعية، و الأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة، و سدّ أبواب الشيطان من الرذائل و المعاصي، و التعوّذ باللّه تعالى منه، و إيداع الإيمان عنده تعالى أمانةً، و التوسّل إلى المعصومين لدفعه عنه.

ص: 421


1- _ سورة إبراهيم: 22.

و ينبغي لمن حول المحتضر أن يذكّره بالعقائد، و إلقاء الشهادتين، و الإقرار بالأئمّة (علیهم السلام) ، و تلقينه كلمات الفرج، و التوبة من الذنوب، و حسن الظنّ باللّه، و قراءة القرآن، و دعاء العديلة، و الذكر عنده، حتّى يعصمه اللّه تعالى منه، عصمنا اللّه و إيّاكم عن شروره بحقّ محمّد و آله (علیهم السلام) .

حضور الأعمال و الأموال و الأولاد عند المحتضر

الأمر السادس: فيما ورد من حضور الأعمال و الأموال و الأولاد عند المحتضر، كما روي عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) أنّه مثّل له ماله و ولده و عمله، فيقول للمال: مالي عندك؟ فيقول: خذ منّي كفنك، و يقول لولده: مالي عندكم؟ فيقولون: نردّك إلى حفرتك، و لعمله: فمالي عندك؟ يقول: أنا قرينك.(1) الخبر.

أقول: لعلّ الظاهر أن تمثّل هذه الثلاثة تذكرة و تخيلة في الحسّ المشترك، فيراها في نظره كحالة النوم و الغشوة، بل حالة الموت أشدّ بمراتب من النوم و السكر و الغشوة، فيتكلّم معها و يجاب عنها، و اللّه العالم.

المقام الثالث: في الهول المطّلع
اشارة

و ما ورد على الميت بعد الموت في حمله على السرير و تغسيله و سلبه وتكفينه، و الصلاة عليه، و إدخاله في قبره، و دخول الملائكة عليه، كفنان القبور و رومان، النكير و المنكر، و ثواب القبر و عذابه، إلى غير ذلك، و الأخبار الواردة في ذلك فوق حدّ التواتر من حيث المجموع، و قد نقلها أئمّة الحديث في كتبهم، كالمجلسي (قدس سره) في بحاره، و البحراني في معالم الزلفى و غيرهما، و في كفاية الموحّدين نقل شطراً صالحاً منها في مقامات و فصول، و نحن

ص: 422


1- _ بحار الأنوار، ج6، ص225، ح26؛ تفسير القمي، ج 1، ص370؛ الكافي، ج3، ص231، ح1.

نتكلّم في بعض الاُمور المتعلّقة بذلك إن شاء اللّه تعالى:

الأمر الأوّل: أنّ الروح الإنساني الذي تقدّم أنّه المجرّد و لا فناء له و لا ينعدم بالموت، إذا مات الإنسان ينقطع عنه العلاقة الكائنة بينه و بين البدن بقطع تصرّفه و تدبيره؛ لا أنّه ينقطع علاقته بالكلّية بحيث لا يدرك و لا يفهم ما ورد على البدن من الآلام و اللذائذ و المثوبات و العقوبات.

غاية الأمر لا بهذه الحواسّ الظاهرة التي من شؤون الحياة الحيوانية، فيتكلّم مع أهله و أولاده و حامليه و غاسليه، و مع الملائكة و النكيرين و غيرهم، لا بحركة هذا اللسان المادّي العنصري، و يبصر جميع ما يرد عليه لا بهذا العين، و يسمع لا بهذا السمع، و يحسّ لا بهذا البدن و هكذا؛ لزوال تلك الحياة عنه.

بل يمكن أن يقال: إنّه يبصر و يسمع و يدرك أقوى و أشدّ ممّا في هذه النشأة؛ لعدم احتياجه إلى الأدلّة و الواسطة، فلا وجه لإنكار شيء من تلك الأخبار، و لا محال له، و لا يحتاج إلى تأويل و صرف عن ظواهرها، و ليس في شيء من تلك الأخبار على كثرتها و اختلاف مضامينها دلالة على تكلّمه بهذا اللسان، و إبصاره بهذا البصر، و استماعه بهذا السمع، و إن تخيّله جماعة منالمتكلّمين؛ لعدم تفرقتهم بين الروح الحيواني و النفس الملکوتية القدسية الإلهية، و يندفع بذلك جميع الشبهات الواردة من بعض الملحدين في تلك الأخبار، فتدبّر.

الأمر الثاني: أنّ الأخبار الواردة في أنّ الروح يرجع إلى البدن في القبر للسؤال و الجواب، الظاهر كون المراد منها رجوع هذا الروح الملكوتي لا الروح الحيواني، و ليس فيها دلالة على رجوع الحيواني إليه، فلا مانع من حضور إنسان عند جسد الميت في قبره، و هو في مقام السؤال و الجواب مع الملكين، و ورود الملائكة عليه، و دخول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) عند رأسه و تعذيبه أو

ص: 423

تنعيمه، و لا يشاهد هذا الإنسان شيئاً من ذلك، و لا يتحرّك جسده أصلاً، و لا يده و رجله و لسانه.

و ما ترى في بعض الأخبار من جلوسه و كتبه بقلم يده و مداد فمه و صفحة كفنه جميع ما صدر منه في هذه النشأة، و إلقائه في عنقه إلى يوم القيامة، و كذا ما ورد في فشار القبر،(1) إلى غير ذلك، فهو وارد على باطن هذا البدن لا ظاهره،(2) و يتألّم أو يتنعّم الروح منه أشدّ تألّم و تنعّم.

و العجب من صاحب الكفاية في دعواه تواتر الأخبار في كون هذا البدن العنصري مورداً للسؤال و العذاب، بل دعوى ضرورة الدين.أقول: إن كان المراد هذا البدن بباطنه(3) مع تعلّق الروح الإنساني به، فنعم الوفاق و هو حقّ. و إن كان هذا البدن بظاهره مع الحسّ و الحركة الحيوانية، فلا دليل عليه فضلاً عن التواتر و الضرورة.

ص: 424


1- _ كلمة فارسية بمعنى العصر و التضايق في القبر.
2- _ أقول: تأويل الأخبار الدالّة علی دخول الروح في البدن العنصري الدنيوي و وجود ضعطة القبر علی هذا البدن مع عدم إمتناعه، لشبهة موهوم، بعيد عن دأب المتّقين و العلماء المتمسّکين بالقرآن و العترة. فبالرجوع إلی مجاميع الحديثيّة يظهر دلالة الأخبار علی خلاف ما ذهب إليه المصنّف (رحمة الله) .(عا)
3- _ توضيح الكلام فيه: أنّ تعلّق الروح الإنساني بالبدن له معنيان: الأوّل: التصرّف التدبيري، و هو مقطوع عنه؛ لتوقّفه على الحياة الحيوانية الزائلة بالموت. الثاني: التعلّق الإدراكي، بمعنى تألّمه بآلامه، و التذاذه بنعمائه، فهو باقٍ على ما كان يدرك ما يرد عليه، و يسأل و يجاب و يرى و يسمع «منه» غفر له.
تعلّق الروح بعد مفارقة البدن إلى القالب المثالي

الأمر الثالث: أنّ الروح قد تعلّق بعد مفارقة هذا البدن إلى القالب المثالي الذي هو شبيه هذا البدن، لكن الصورة فقط بلا مادّة عنصرية،(1)

و الإنسان مادام في هذه النشأة لا يرى بهذا العين هذه الصورة.

نعم قد يرى نفسه الملكوتية بدون تلك الآلة كما يرى في المنام في الرؤيا الصادقة، أو بتصرّف من نبي أو إمام أعجازاً، أو ببعض الرياضات الحقّة مثلاً؛ لأنّه من عالم آخر غير مناسب مع عالم الطبيعة.

و أمّا إذا تعلّق بهذا القالب المثالي يرى من كان مثله، فيرى أرواح المؤمنين و الكفّار، و يحشر معهم و يؤنس بهم، و يرى ما في هذا العالم الطبيعي، فيرى أولاده و عياله و أمواله و دوره و أصدقائه و يتكلّم معهم، لكنّهم لا يسمعون، فهم محشورون مع المؤمنين إن كانوا منهم في وادي السلام، و مع غيرهم إن كانوا غيرهم في برهوت.

و يدخل قبره و يرى جسده و يتألّم و يحزن ممّا يرد على بدنه أو أهله وأولاده و من يحبّه من المكاره، و يفرح ممّا يرد عليهم من المحاسن، و يرى زائري قبره.

نعم مراتب نشأة البرزخ مختلفة توسعةً و ضيقاً بمقدار سعة مقامه و إيمانه و أخلاقه و أعماله و صفاته الحسنة أو الخبيثة، فليس كلّ ميّت يرى جميع ما يرى الآخر.

ص: 425


1- _ أقول: قد تقدّم سابقاً بطلان هذا الإدّعاء أي الصورة بلا مادّة فلاحظ.(عا)
ما يرد على الإنسان في عالم البرزخ

الأمر الرابع: أنّ ما يرد على الإنسان في عالم البرزخ من المثوبات أو العقوبات ما يناسب ذاك العالم من الصور بلا مادّة، فلا مانع من كون قبره روضة من رياض الجنّة، و يوسّع بمقدار مدّ بصره، و يدخل عليه كلّ يوم سبعون ألف ملك مع كلّ تحفة و هدية، و لكنّا إذا نرى قبره لا نرى إلاّ تلك الحفرة، و يكون قبره مفروشاً بالفرش البرزخية، و منوّراً بالسرج المضيئة، و يدخل معه عمله و خلقه يؤنسه إلى يوم القيامة، فكان عند ربّه مرزوقاً، و يلتذّ بهذه الاُمور.

أو كان قبره حفرةً من حفر النيران، و يصير قبره مملوّاً من النار، و يسلّط عليه التنين و العقارب و الأفاعي، و يضيّق عليه و يدخل عليه كلّ يوم ملائكة العذاب معهم سفود و سوط من النار، و يؤلم و يعذّب بسببهم، و لكنّا لا نرى قبره إلاّ كقبر المؤمن مثلاً.تنبيه: إنّ ما ذكر مختصّ بعالم البرزخ. و أمّا القيامة، فلمّا كان البعث مع هذا البدن العنصري، فالمثوبات و العقوبات جسمية مناسبة مع البدن الجسماني؛ لصريح الآيات و نصّ الأخبار كما تقدّم.

حال ضعفاء العقول و المجانين و القاصرين في البرزخ

الأمر الخامس: أنّه لم يثبت من الأخبار أنّ كلّ ميت يكون إمّا متنعّماً أو معذّباً، بل يمكن أن يكون بعض ضعفاء العقول و المجانين و القاصرين و من يحذو حذوهم مهملين متروكين إلى يوم الدين، كما في بعض الأخبار إشارة إليه، و صريح كلام بعض الأساطين يدلّ عليه.

الأمر السادس: أنّه لم يثبت أنّ كلّ من صار معذّباً في البرزخ يكون كذلك

ص: 426

إلى يوم القيامة، بل ربما يعذّب مقداراً من الزمان، ثمّ يدركه الشفاعة و المغفرة و الرحمة، فيصير متنعّماً.

الأمر السابع: أنّ ما ذكرنا من القالب المثالي و مثوبات عالم البرزخ و عقوباته مباين كمال التباين مع ما ذكره صدر المتألّهين من أنّها عالم الخيال، و النفس لها خلاّقية، فتتخيّل تلك المثوبات فتلتذّ بها، أو العقوبات فتتألّم منها؛ لأنّا نقول: عالم المثال و البرزخ بجميع ما فيه موجود مخلوق من اللّه له حقيقة و واقعية برزخ بين العالمين.

السؤال في القبر

الأمر الثامن: أنّ الأخبار الواردة في سؤال القبر، ففي بعضها إشارة إلى أنّمورد السؤال هو الإيمان، فيسألان عن ربّك، و عن دينك، و عن نبيك، و عن كتابك، و عن إمامك، و عن قبلتك، بل عن بعض الفرائض، كما ينادي به الأخبار الواردة في تلقين الموتى.

و قد اختلفت كلمات العلماء في أنّ السؤال يقع عن كلّ أحد، أو لا يسأل عن بعض، كما ورد أنّ من يلقّنه لا يسألان عنه، و قد ذكر بعض أنّ الضعفاء و القاصرين أيضاً لا يسألان عنهم.

و أمّا وقت السؤال، فهل هو ليلة الموت، أو ليلة الدفن، أو حين الدفن و لو كان يوماً، العلم عند اللّه.

ما يجب الاعتقاد به

الأمر التاسع: أنّ ما ورد في تفاصيل هذه الاُمور على أقسام ثلاثة:

ص: 427

قسم منها ما يكون قطعي الصدور، واضحة الدلالة، فيجب الاعتقاد به، و لا يجوز ردّه و إنكاره.

و قسم منها ما يقوم دليل قطعي من النقل أو العقل على خلافه، يجب ردّه أو تأويله، و لا يجوز الاعتقاد به.

و قسم لا يكون كذلك و لا كذلك، بل محتمل الصدق و الكذب من حيث السند أو الدلالة أو هما معاً، و لم يقم دليل على خلافه، فهذا يجب الاعتقاد الاجمالي به.

و أمّا التفصيل، فموكول علمه إلى اللّه تعالى و رسوله و اُولي الأمر، و لايجوزردّه و لا قبوله، و لم يثبت حجّية الأخبار الآحاد في هذه الاُمور مثل حجّيتها في الفقه.

الاُمور الثابتة بضرورة الدين

الأمرالعاشر: أنّ الاُمور الثابتة بضرورة الدين أو المذهب على قسمين:

قسم يكون له دخل في الإيمان و الاسلام، فلا يعذر الجاهل به، بل يجب تحصيل الاعتقاد به، و لو لم يحصل يصير: إمّا كافراً، أو ضالاًّ على اختلاف فيه.

و قسم لا يكون كذلك، بل لو اطّلع عليه يجب تصديقه، و لا يجوز ردّه و إنكاره.

أمّا ما لم يطّلع لو لم ينكر يكون معذوراً، غاية الأمر يكون ناقص الإيمان، هذا ما أدّى إليه نظري، و التفصيل أزيد من ذلك، و نقل الأخيار الواردة فيها يطلب من المطوّلات، و اللّه الهادي إلى الحقّ و الصواب، و العاصم عن الخطأ و الزلل، اللّهمّ اهدنا و احفظنا و اعصمنا بحقّ محمّد و آله (علیهم السلام) .

ص: 428

المقام الرابع: في أشراط الساعة و علامات القيامة

المستفادة من بعض الآيات القرآنية، و الأخبار المأثورة عن الأئمّة (علیهم السلام) ، و هي كثيرة:

منها: خروج دابّة الأرض، من قوله تعالى: {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنالَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ}.(1)

أقول: لا دلالة في الآية على كونه من أشراط الساعة، و قد فسّر في الأخبار الكثيرة بأميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و أنّه يخرج في آخر الزمان و معه عصا موسى (علیه السلام) ، و خاتم سليمان (علیه السلام) ، و ينقش بين عيني المؤمن و الكافر أنّه مؤمن حقّاً أو كافر حقّاً.

و منها: ظهور الدخان، من قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبينٍ}، {يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَليمٌ}.(2)

أقول: هذا أيضاً لا يدلّ بنفسه على كونه من أشراط الساعة، و لعلّ المراد في يوم القيامة من أنحاء العذاب. و يمكن أن يكون في هذه النشأة.

و منها: نفخ الصور، من قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ}،(3) و قوله تعالى: {وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخْرى فَإِذا

ص: 429


1- _ سورة النمل: 82.
2- _ سورة الدخان: 10 _ 11.
3- _ سورة النمل: 87.

هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ}.(1)

ثمّ إنّ الكلام في كون نفخ الفزع و نفخ الصعق نفخة واحدة أو نفختين، فمع نفخ القيام يصير ثلاثة، و في كيفية الصور، و كيفية النفخ، و أنّ النافخ هو إسرافيل، و كيفية خروج الأرواح و تعلّقها ثانياً بالأبدان، فقد اُشير إليها في بعض الأخبار و كلمات المفسّرين، لكن لمّا لم تكن دلالتها و سندها قطعية،فالسكوت عنها أولى، و إيكال علمها إليهم صلوات اللّه عليهم، و الاعتقاد الإجمالي بها.

و منها: الصيحة من قوله تعالى: {ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ}، {فَلا يَسْتَطيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}.(2)

أقول: لعلّ الصيحة و النفخة الاُولى واحدة، بقرينة قوله تعالى: بعد تلك الآية {وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}.(3)

و منها: الزلزلة من قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظيمٌ}(4)، و قوله تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها}، {وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}(5)، و لعلّ المراد من الأثقال خروج الأبدان المودعة فيها.

ص: 430


1- _ سورة الزمر: 68.
2- _ سورة يس: 49 _ 50.
3- _ سورة يس: 51.
4- _ سورة الحجّ: 1.
5- _ سورة الزلزلة: 1_ 2.

و منها: الرجفة من قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}، {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}.(1)

و منها: انفطار السماء، و انتثار الكواكب، و انكدار الشمس، و انخساف القمر، و تسيير الجبال، و صيرورتها كالعهن المنفوش، و تبدّل الأرض غير الأرض، و طيّ السماء كالسجلّ، و تفجير البحار، و غير ذلك من الآيات الإلهية المستفادة من الآيات القرآنية.

أقول: ينبغي في المقام الاشارة إلى اُمور:

الأوّل: أنّه قد ذكر جماعة من أشراط الساعة خروج يأجوج و مأجوج، تمسّكاً ببعض الأخبار غير المعتمدة، و قد صار ذلك سبباً لطعن بعض المعاندينمن المسيحيين و الكرّوبيين و أشباههم على القرآن الكريم.

و لا يخفى أنّه لا دلالة في القرآن على أنّ المراد من ذيالقرنين من هو؟ و اليأجوج و المأجوج من هم؟ و السدّ الذي بني لدفع فسادهم في أيّ موضع من الأرض؟ و المراد من مغرب الشمس و مطلعها أيّ موضع من الأرض؟ لأنّهما نسبي، و المراد من عين حمئة ما هي؟ فهذه من الآيات المتشابهة التي يجب السكوت عنها و غير مربوطة بأشراط الساعة.

و إن كان و لابدّ لدفع الشبهة نقول فيه ما استفدنا من اُستاذنا البلاغي (قدس سره) في الهدى، و ما نقل عن الشهرستاني في انتشارات الأنجمن التبليغاتي الإسلامية في آيات ذي القرنين، و ما نقل فيه عن السعيدي عن تفسير المولوي محمّدعلي الهندي.

و حاصل المرام: أنّه من الممكن أن يكون المراد من ذي القرنين غير اسكندر

ص: 431


1- _ سورة النازعات: 6 _ 7.

اليوناني؛ لأنّ سيره لم يكن إلاّ من يونان إلى الروم و ايران و العراق و الشام و المصر و الهند و الأفغان، و مات في العراق، و مدّة ملكه عشر سنين تقريباً، و مدّة عمره ثلاث و ثلاثين سنة، و إطلاق ذي القرنين عليه بلا أصل، و لم يصل إلى مغرب الشمس في المعمورة و لا مطلعها.

بل المراد منه السلطان اليمني من آل أذواء الذي كان قبل الرومي بقرون عديدة، و قد روي عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) أنّ اسمه صعب بن عبداللّه، و قيل: اسمه شمربرعش، و هو من ملوك تبّع، مثل ذو يزن و ذو همدان و ذو غمدان، و إنّماسمّي بذي القرنين للبياضين النابتين من شعره في مقدّم رأسه الشبيهتين بالقرنين.

و المراد من يأجوج و مأجوج الطوائف الوحشية من الروسية في حدود القفقاز و هم من التاتار، و قد طلب منه أهل چين _ أي: الصين _ أن يجعل لهم سدّاً لمنعهم من حملاتهم و غاراتهم و فسادهم، فبنى لهم سور الصين، أو كان السور مبنية سابقاً و إنّما هو سدّ ثغورها و عمّر خرابها، كما هو غير بعيد.

و المراد من عين حمئة البحر الأسود في الاُقيانوس الكبير، و إطلاق العين على البحر و الماء الكثير ليس ببعيد؛ لأنّها من الألفاظ المشتركة، و هو منتهى المعمورة قبل كشف الأمريكا.

و المراد من مطلع الشمس منتهى المعمورة من الروسية.

و لا يخفى أنّ الآية لا تدلّ على غروب الشمس في ذاك البحر حقيقةً، بل تدلّ على أنّه وجدها كذلك، أي تخيّل كما نتخيّل عند ركوب البحر من أنّ الشمس تخرج من الماء و تدخل فيه، و التعبير عن التخيّل بالوجدان، كما يقال في الفارسي «يافت» ليس ببعيد.

ص: 432

هذا ملخّص الكلام في ذلك، و التفصيل أزيد من ذلك يطلب من محالّه.

الأمر الثاني: أنّ المراد من طيّ السماء و انشقاقه و انفطاره ليس ما يخالف الهيئة الجديدة من إنكار السماء رأساً؛ لأنّ إطلاق السماء على جهة العلوّ من الكرات العلوية و طيّه و انشقاقه و انفطاره فناء تلك الكرات و زوالها و اضمحلالها، و إن كان من الممكن أن يكون السماء جسماً لطيفاً ألطف منالهواء؛ لما ثبت في محلّه من تناهي العالم الطبيعة و امتناع الخلأ، غاية الأمر من غير تلك العناصر بل عنصر بسيط، فلا وجه للإشكال على تلك الآيات.

الأمر الثالث: قد ذكر جماعة من أشراط الساعة رجعة الأئمّة (علیهم السلام) ، و أصل الرجعة من الاُمور القطعية التى قد ادّعى المجلسي (قدس سره) كون الأخبار الواردة فيها أكثر من مائتين، بل ادّعى جماعة كونها من الضروريات، و لكن كونها من أشراط الساعة غير ثابت، و تفصيل الكلام فيها في مسألة الإمامة، و اللّه العالم.

المقام الخامس: في أسامي يوم القيامة المذكورة في القرآن المجيد

تصريحاً أو تلويحاً أو توصيفاً، و هي كثيرة:

1_ يوم القيامة؛ لقوله تعالى: {يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ}(1)، لقيام الناس لربّ العالمين.

2_ يوم الساعة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لآَتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها}،(2) لأنّ الساعة عبارة عن مقدار محدود من الزمان و لو كان خمسين ألف سنة.

ص: 433


1- _ سورة القيامة: 6.
2- _ سورة غافر: 59.

تنبيه: لا يقال: إنّ الزمان عبارة عن الحركة، و المفروض أنّ في القيامة لا حركة للكرات العلوية و السفلية.

لأنّا نقول: إنّ الزمان في هذا المقام مجرّد فرض، أي: لو فرض الحركة الطبيعية لكرة الأرض و غيرها كما في هذا العالم تكون هذا المقدار.

و كذا لا يقال: إنّ في القيامة لا يوم و لا ليل، فإطلاق اليوم عليه غير مستقيم.لأنّا نقول: اليوم أيضاً فرضي، أي: قطعة من الزمان.

3_ يوم البعث؛ لقوله تعالى: {فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ}،(1) لبعث الناس من قبورهم.

4_ يوم الحشر؛ لقوله تعالى: {وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَميعاً}،(2) لحشر الناس بعضهم مع بعض.

5- يوم الجمع؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ}،(3) لاجتماع الناس في عرصة واحدة.

6_ يوم الحساب؛ لقوله تعالى: {بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ}(4)، لمحاسبة الناس.

7_ يوم التلاق؛ لقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}(5)، لملاقاة الناس بعضهم بعضاً.

ص: 434


1- _ سورة الروم: 56.
2- _ سورة الأنعام: 22.
3- _ سورة التغابن: 9.
4- _ سورة ص:26.
5- _ سورة غافر: 15.

8_ يوم التناد؛ لقوله تعالى: {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ}(1)، لنداء الناس بعضهم بعضاً.

9_ يوم الآزفة؛ لقوله تعالى: {وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآْزِفَةِ}(2)، و الأزف بمعنى القرب و الدنوّ لقرب الناس للحساب.

10_ يوم التغابن؛ لقوله تعالى: {ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ}(3)، لغبن الناس و حسرتهم في أعمالهم.

11_ يوم الفصل؛ لقوله تعالى: {هذا يَوْمُ الْفَصْلِ}(4)، أي: فصل القضاء والحكم، أو بمعنى التفرقة بين المطيع و العاصي.

12_ يوم الطامّة الكبرى؛ لقوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى}(5)، و هي الداهية العظيمة.

13_ يوم الموعود؛ لقوله تعالى: {وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ}(6)، لأنّه ممّا وعد به اللّه تعالى.

14_ يوم المشهود؛ لقوله تعالى: {وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}(7)، الشهود بمعنى

ص: 435


1- _ سورة غافر: 32.
2- _ سورة غافر: 18.
3- _ سورة التغابن: 9.
4- _ سورة الصافّات: 21.
5- _ سورة النازعات: 34.
6- _ سورة البروج: 2.
7- _ سورة هود: 103.

الحضور، أي: حضور الخلائق، أو مشاهدتهم ما وعدهم ربّهم، أو شهادة بعضهم في حقّ بعض، أو شهادة الجوارح على الأفعال الصادرة منها.

15- يوم الدين؛ لقوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}(1)، أي: الجزاء.

16_ يوم القارعة؛ لقوله تعالى: {الْقارِعَةُ}، {مَا الْقارِعَةُ}(2)، لأنّه يقرع القلوب.

17_ يوم الواقعة؛ لقوله تعالى: {إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ}(3)، لأنّه مما يقع قطعاً.

18_ يوم الحاقّة؛ لقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ}، {مَا الْحَاقَّةُ}(4)، لكون وقوعه حقّاً.

19_ يوم الحسرة؛ لقوله تعالى: {كَذلِكَ يُريهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ}.(5)20_ يوم النداء؛ لقوله تعالى: {وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ}.(6)

21_ يوم الأفكة؛ لقوله تعالى: {وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤفَكُونَ}(7)، لإنكارهم القيامة.

22_ يوم الجزاء؛ لقوله تعالى: {فَذلِكَ نَجْزيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي

ص: 436


1- _ سورة الفاتحة: 4.
2- _ سورة القارعة: 1 _ 2.
3- _ سورة الواقعة: 1.
4- _ سورة الحاقّة: 1 _ 2.
5- _ سورة البقرة: 167.
6- _ سورة يونس: 54، و سورة سبأ: 33.
7- _ سورة الروم: 55.

الظَّالِمينَ}.(1)

23_ يوم النفخة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ}.(2)

24_ يوم الرجف؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ}.(3)

25_ يوم الرادفة؛ لقوله تعالى: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}.(4)

26_ يوم النشر؛ لقوله تعالى: {كَذلِكَ النُّشُورُ}.(5)

27_ يوم العرض الأكبر؛ لقوله تعالى: {وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرينَ عَرْضاً}.(6)

28_ يوم الخزي.

29_ يوم السوء؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرينَ}.(7)

30_ {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَريراً}(8)، القمطرير شدّة العبوس.

ص: 437


1- _ سورة الأنبياء: 29.
2- _ سورة الزمر: 68.
3- _ سورة النازعات: 6.
4- _ سورة النازعات: 7.
5- _ سورة فاطر: 9.
6- _ سورة الكهف: 100.
7- _ سورة النحل: 27.
8- _ سورة الإنسان: 10.

31_ يوم المهل؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ}.(1)

32_ يوم العهن؛ لقوله تعالى: {وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ}.(2)

33_ يوم تقلّب القلوب و الأبصار؛ لقوله تعالى: {يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ}.(3)

34_ يوم تبدّل الأرض؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}.(4)

35_ يوم الطيّ؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.(5)

36_ يوم الصفّ؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا}.(6)

37_ يوم التكوير؛ لقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.(7)

38_ يوم الانكدار؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}.(8)

39_ يوم برق البصر؛ لقوله تعالى: {فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ}.(9)

ص: 438


1- _ سورة المعارج: 8.
2- _ سورة المعارج: 9.
3- _ سورة النور: 37.
4- _ سورة إبراهيم: 48.
5- _ سورة الأنبياء: 104.
6- _ سورة النبأ: 38.
7- _ سورة التكوير: 1.
8- _ سورة التكوير: 2.
9- _ سورة القيامة: 7.

40_ يوم الانخساف؛ لقوله تعالى: {وَ خَسَفَ الْقَمَرُ}.(1)

41_ يوم الجمع بين الشمس و القمر؛ لقوله تعالى: {وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ}.(2)42_ يوم الانفطار.

43_ يوم الانتثار.

44_ يوم الانفجار؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ}، {وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ}، {وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ}.(3)

45_ يوم العنت؛ لقوله تعالى: {وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}.(4)

46_ يوم التخشّع؛ لقوله تعالى: {وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً}.(5)

47_ يوم كشف الساق؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ}.(6)

48_ يوم الأخذ؛ لقوله تعالى: {فَيُؤخَذُ بِالنَّواصي وَ الْأَقْدامِ}.(7)

ص: 439


1- _ سورة القيامة: 8.
2- _ سورة القيامة: 9.
3- _ سورة الانفطار: 1 _ 3.
4- _ سورة طه: 111.
5- _ سورة طه: 108.
6- _ سورة القلم: 42.
7- _ سورة الرحمن: 41.

49_ يوم تشخّص الأبصار؛ لقوله تعالى: {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فيهِ الْأَبْصارُ}.(1)

50_ يوم التبيّض.

51_ يوم التسوّد؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ}.(2)

52_ يوم العضّ؛ لقوله تعالى: {وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ}.(3)

53_ يوم العسير؛ لقوله تعالى: {وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرينَ عَسيراً}.(4)54_ يوم ختم الأفواه.

55_ يوم تكلّم الأيدي.

56_ يوم شهادة الأرجل؛ لقوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.(5)

ثمّ إنّه قد ذكر في الأخبار أسامي اُخرى الدالّة على عظمة ذلك اليوم.

فعن أميرالمؤمنين (علیه السلام) في بعض خطبه ما يستفاد منه: إنّه يوم تشيب فيه الصغير، و يسكر فيه الكبير، و يسقط فيه الجنين، و تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، إلى قوله (علیه السلام) : لَيُرْهِبُ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ لَا ذَنْبَ لَهُمْ، وَ تَرْعُدُ مِنْهُ السَّبْعُ

ص: 440


1- _ سورة إبراهيم: 42.
2- _ سورة آل عمران: 106.
3- _ سورة الفرقان: 27.
4- _ سورة الفرقان: 26.
5- _ سورة يس: 65.

الشِّدَادُ، إلى قوله (علیه السلام) : وَ تَكُونُ الْجِبَالُ سَرَاباً مَهِيلًا.(1) الخبر.

و كذا قوله (علیه السلام) في بعض خطبة اُخرى: يَوْمَ الْعَرْضِ وَ السُّؤَالِ وَ الْحِبَاءِ وَ النَّكَالِ، يَوْمَ تُقَلَّبُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْأَنَامِ، وَ تُحْصَى فِيهِ جَمِيعُ الْآثَامِ، يَوْمَ تَذُوبُ مِنَ النُّفُوسِ أَحْدَاقُ عُيُونِهَا، وَ تَضَعُ الْحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَ تَفَرَّقُ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ وَ حَبيبُهَا، وَ يَحَارُ فِي تِلْكَ الْأَهْوَالِ عَقْلُ لَبِيبِهَا، إلى قوله (علیه السلام) : يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الْحَذَرُ إِذْ عَايَنُوا الْهَوْلَ الشَّدِيدَ فَاسْتَكَانُوا، وَ عُرِفَ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَاسْتَبَانُوا، إلى قوله (علیه السلام) : وَ جِي ءَ بِهِمْ عُرَاةَ الْأَبْدَانِ، إلى آخر الخطبة.(2)

و إنّما لم ننقل بعض فقراتها؛ لأنّ مفادها مذكورة سابقاً من الآيات الشريفة، أعاذنا اللّه من شرور القيامة.و لا يخفى أنّ المستفاد من جميع تلك الآيات أنّ يوم القيامة تقع في جميع هذه الأحوال الطبيعية الجسمانية انقلاب عظيم، من الجمع بين الشمس و القمر و كسوف الشمس، و انخساف القمر، و انكدار النجوم، و تناثرها، و انشقاق الأرض، و تفجير البحار، و صيرورة الجبال كالعهن، و تغيير أوضاع الأرض و غيرها.

و قد استفدنا جديداً سرّ هذا الانقلاب من بعض الكشفيات الجديدة في الهيئة الجديدة، من أنّ كرة الشمس و كرة الأرض، و جميع الكرات التي تدور حول الشمس لها حركة اُخرى مستقيمة إلى مركز معيّن، و كوكب يسمّى بالعربية النسر الواقع، و عند الاُوربائيين «وكا» و يعبرّ عنه «آپ كس» و هذه

ص: 441


1- _ بحار الأنوار، ج7، ص103، ح16 و ج74، ص389.
2- _ الأمالي (للطوسي)، ص653، ح1353؛ بحار الأنوار، ج7، ص99، ح2.

الحركة سريعة مهمّة في كلّ ثانية عشرين كيلومتر، و كان البعد بينه و بين هذه الكرات إلى ما شاء اللّه.

و الذي أظنّ أنّه لمّا وصلت تلك الكرات إلى هذا الكوكب تقع تلك الانقلابات دفعةً، و تقع القيامة، و يقف الكلّ عن الحركة التي كانت له، و بذلك ينحلّ كثير من المشكلات، مثل قوله تعالى: {وَ الشَّمْسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لَها}(1)، حيث إنّ الحركة الدورية لا مستقرّ لها و لو على الهيئة القديمة، بل يبطل كلام الهيومن و الطبيعيين من كون تلك الحركات دائمية.

و يستفاد من ذلك عظمة القرآن و الاسلام، و ممّن نقل عنه هذه الدعوى عن الكتاب الكبير في الهيئة الفرانسوي المطبوعة في مكتبة لاروس في الصفحةالتاسع و الثلاثين.

و حاصل ترجمته التي ترجمها في مجموعة الانتشارات التبليغات الإسلامية في نور دانش، و هذه عين عبارته: يك حركت مهمّى است كه زمين را به تكان مى آورد، و آن حركتى است كه كره ماه به همراه تمام ستاره هاى منظومه شمسى و آفتاب دارد، اين حركت همان است كه اين منظومه را در ميان فضاى لا يتناهى بسوى ستاره «وكا» می كشاند، اين حركت سرعتى فوق العاده دارد كه در ثانيه به بيست كيلومتر مى رسد، چنانچه گفته شد آفتاب با سرعت تمام به طرف يك نقطه از آسمان، كه بدانجا «آپ كس» داده تند حركت مى كند. انتهى.

و أيضاً يمكن أن يقال: إنّ الجنّة و النار موجودان بضرورة الدين و نصوص

ص: 442


1- _ سورة يس: 38.

الآيات و الأخبار، كما يأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى، يكون طبقاً للقواعد الطبيعية أنّ الجنّة كما ورد في بعض الأخبار أنّها في السماء السابعة موجودة فعلاً في بعض تلك الكرات، و عند وصول تلك الكرات كلّ إلى ذلك المستقرّ تقرب إلى كرة الأرض، و يمكن الدخول فيها، و النار تكون في باطن الأرض كما استكشف فعلاً على ما في تفسير الطنطاوي(1)، و إذا انشقّت الأرض يبرز الجحيم، و يؤيّده قوله تعالى: {وَ بُرِّزَتِ الْجَحيمُ لِلْغاوينَ}.(2)

و أيضاً وصول تلك الكرات إلى ذلك الكوكب دفعي؛ لكون الاتّصالات و الانفصالات آنية تعرف أنّ أمر الساعة كلمح البصر، إلى غير ذلك منالاُمور.

ثمّ إنّ الفلك في لسان الآيات هي مداراة تلك الكرات، و قد قال تعالى: {وَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(3)، أي: كلّ كوكب، و لم يقل كلّ فلك يسير، كما هو مقتضى الهيئة القديمة.

و السماء عبارة عن جهة العلوّ، كما قال تعالى: {وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}(4)، و قوله تعالى: {وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ}(5)، و هذه الكرات كلّها في جهة العلوّ بالنسبة إلى سطح كرة الأرض، و اللّه أعلم بحقائق الاُمور.

ص: 443


1- _ الجواهر في تفسیر القرآن الکريم،للطنطاوي، ج23، ص206.
2- _ سورة الشعراء: 91.
3- _ سورة يس: 40.
4- _ سورة الفرقان: 48.
5- _ سورة الذاريات: 22.
المقام السادس: في ذكر مقدار يوم القيامة و مواقفه

و قد قال اللّه تعالى: {في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.(1)

و في الحديث المروي عن أمالي الطوسي، عن الصادق (علیه السلام) : فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مِثْلُ أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.(2)

و في خطب أميرالمؤمنين (علیه السلام) : إِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً، وَ مَنَازِلَ مَهُولَةً، لَا بُدَّ مِنَ الْمَمَرِّ بِهَا وَ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا، فَإِمَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ نَجَوْتُمْ، وَ إِمَّا بِهَلَكَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا انْجِبَارٌ.(3)

و عن الصدوق في الفقيه عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ أَلْفَ عَقَبَةٍ أَهْوَنُهَا وَ أَيْسَرُهَا الْمَوْتُ.(4)أقول: أمّا طول مقدار القيامة، فليس لأجل طول المحاسبة؛ لأنّ اللّه تعالى أسرع الحاسبين، لا يشغله شأن عن شأن، بل لأجل العقوبة و أنحائها و أقسامها، و لذا ليس على كلّ أحد، بل ربما يدخل المؤمن الجنّة بغير حساب حين خروجه من القبر، و لو فرض وقوفه في القيامة لأجل ظهور شؤوناته و مقاماته على أهل المحشر، أو لأجل مشاهدته أحوال القيامة الواردة على أعداء الدين و فرحه و سروره و تشكّره نعم اللّه عليه، و نجاته و خلاصه منها، و ربما يدخل الكافر

ص: 444


1- _ سورة المعارج: 4.
2- _ الأمالي (للطوسي)، ص36، المجلس7، ح7؛ بحار الأنوار، ج7، ص126، ح3.
3- _ بحار الأنوار، ج7، ص129.
4- _ من لا يحضره الفقيه، ج1، ص134، ح359.

النار بمجرّد خروجه من قبره، أو كان وقوفه لتعذيبه، و قد تقدّم كون هذا المقدار فرضاً.

و أمّا مواقفه و عقباته، فعن اعتقادات الصدوق (قدس سره) : اعتقادنا في ذلك أنّ هذه العقبات اسم كل عقبة منها على حدة اسم فرض، أو أمر، أو نهي.

و اسم عقبة منها: المرصاد، و ذلك قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ}.(1)

وَ يَقُولُ تَعَالَى: «وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا يَجُوزُنِي ظُلْمُ ظَالِمٍ»(2)، و اسم عقبة منها: الرحم، و اسم عقبة منها: الامانة، و اسم عقبة منها: الصلاة، و باسم كل فرض أو أمر أو نهي عقبة.(3)

و هذه العقبات كلّها على الصراط، و الإنسان يحبس عند كلّ عقبة و يسأل عمّا قصّر في هذا الفرض أو الأمر أو النهي، فإن سلم من جميعها بعمل صالح أورحمة تدركه إنتهى إلى دار البقاء، و إن زلّت قدمه في واحد منها يهوي في جهنّم.(4) انتهى كلامه ملخّصاً.

و قد اُورد عليه: تارةً بأنّ كلّها على الصراط ممنوع مخالف لظواهر الأخبار، و اُخرى بما أفاده المفيد بأنّ تلك العقبات كناية عن نفس الأعمال، فيسأل الإنسان عن كلّ عمل صدر منه، و ليس المراد جبال يقطع، كما هو ظاهر

ص: 445


1- _ سورة الفجر: 14.
2- _ الكافي، ج2، ص443، ح1.
3- _ اعتقادات الإماميه (للصدوق)، ص 71 _72.
4- _ بحار الأنوار، ج7، ص129.

الصدوق (قدس سره) ؛ لأنّه لا معنى له، و لا تقتضي الحكمة، و لم يرد خبر صحيح دالّ على خلق جبال يقطع الإنسان راكباً أو ماشياً.

و قد أجاب المجلسي (قدس سره) و صاحب الكفاية و غيرهما: بأنّ تأويل ظواهر الأخبار بمحض الاستبعاد بعيد عن الرشاد.(1)

أقول: ليس في كلام الصدوق (قدس سره) صراحة و لا ظهور في كون تلك العقبات جبال يقطع، بل لا يأبى عن حمله على ما أفاده المفيد، و المفيد (قدس سره) أيضاً ليس في مقام الردّ و الاعتراض على الصدوق (قدس سره) ، بل في مقام شرح مراده و كلامه.

و أمّا ما اعترض عليه المجلسي (قدس سره) ، فهو غير وارد عليه؛ لأنّه يدّعي عدم قيام دليل معتبر و نصّ صحيح على ذلك، و الأخبار قابلة لذلك الحمل؛ لأنّه ينكر ظهور الأخبار حتّى يكون بعيداً عن الرشاد.

و الذي ينبغي أن يقال في هذا المقام و ما يشبهه، كالميزان و الصراط وغيرهما ممّا يأتي: وجوب الاعتقاد بوجودها بنحو الإجمال. و أمّا خصوصيتها و كيفياتها، فهي موكولة إلى الدليل القطعي، و هو مفقود، و اللّه العالم.

المقام السابع: في كيفية خروج الخلائق من القبور و ورودهم في المحشر و أوضاعه

لا يخفى أنّ الإنسان في عالم الدنيا متّصف بصفات مختلفة، و عقائد متفاوتة، و أعمال متباينة، و هذه الصفات و العقائد و الأعمال لكلّ منها تأثيرات في باطن الإنسان، و القيامة يوم تبلى السرائر، فيتأثّر في ظاهر البدن و الصورة،

ص: 446


1- _ بحار الأنوار، ج7، ص130.

كما يتأثّر في باطنه و روحه، فلذا يكون ورودهم مختلفة.

أمّا الكفّار و المنافقين و المخالفين و أهل البدع و الضلالة، فيتفاوت مراتبهم يكونون في كمال السوءة و الشدّة.

و أمّا الأنبياء و الأولياء و صلحاء المؤمنين في كمال المسرّة و البهجة يتفاوت مراتبهم، و انّ هذين الفريقين في منتهى التباين.

و أمّا فسقة المؤمنين، فإن أدركهم الرحمة أو الشفاعة قبل الورود في القيامة يصيرون من حزب الثاني، و إلاّ فمن الحزب الأوّل، إلى أن ينجو الأجل إيمانهم برحمة اللّه و شفاعة الشافعين.

و لا بأس بالإشارة الإجمالية إلى مضمون بعض الأخبار الواردة في ذلك على كثرتها و اختلافها.أمّا المؤمنون، فيخرجون من قبورهم مبيضّة وجوههم يسعى نورهم بين أيديهم، عليهم ثياب من نور جرد مرد، كانت وجوههم كالبدر في ليلة تمامه، و بعض مع أكفانهم، و بعض مع ثيابهم، كالشهداء يركبون على نجائب من نور، أو نوق من الجنّة على رؤوسهم تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت، تستقبلهم الملائكة، يدخلون في يمين المحشر تحت ظلّ عرش الرحمن حول الكوثر، عند منبر الوسيلة، تحت لواء الحمد، مع النبيين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن اُولئك رفيقاً، يبشّرهم الملائكة بالرحمة و الرضوان، و ربّ غير غضبان، يكتب في وجوههم هذا مؤمن حقّاً.

إلى غير ذلك من الشؤون و المقامات، رزقنا اللّه و جميع المؤمنين بحقّ محمّد و آله الطاهرين، صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ص: 447

و أمّا الكفرة و الفجّار، فيخرجون عرياناً ذليلاً مسودّةً وجوههم، مغلولةً أيديهم على أعناقهم، منكوسةً على وجوههم، و بعضهم عليهم ثياب من نار على أعناقهم سلاسل من النار، يضربون بسياط من النار، و بعض بصورة الكلب و الخنزير و القردة و النمل و غيرها، و يسلّط عليهم الأفاعي و الحيّات و العقارب في يسار المحشر، في مكان ضيّق، لا يقدرون على التنفّس، و على أطرافهم زبانية من النار، و ملائكة السبع الشداد، يسقون من الحميم و الغسّاق، يأخذهم العرق إلى ساق أرجلهم أو أكثر أو أقلّ، إلى غير ذلك من الشدائد و النكبات.

فعن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : يُحْشَرُ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أُمَّتِي: الی قوله: وَ أَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَةِ الْقِرَدَةِ، فَالْقَتَّابُ مِنَ النَّاسِ، وَ أَمَّا الَّذِينَ عَلَى صُورَةِ الْخَنَازِيرِ، فَأَهْلُالسُّحْتِ، وَ أَمَّا الْمُنَكَّسُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَآكِلَةُ الرِّبَا، وَ أَمَّا الْعُمْيُ فَالَّذِينَ يَجُورُونَ فِي الْحُكْمِ، وَ أَمَّا الصُّمُّ وَ الْبُكْمُ، فَالْمُعْجَبُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَ أَمَّا الَّذِينَ قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ، فَهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْجِيرَانَ، وَ أَمَّا الْمُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ، فَالسُّعَاةُ بِالنَّاسِ لِسُلْطَانٍ، وَ أَمَّا الَّذِينَ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ الْجِيَفِ، فَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ وَ اللَّذَّاتِ وَ مَنَعُوا حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَ أَمَّا الَّذِينَ يُلْبَسُونَ الْجِبَابَ، أَهْلُ الْكِبْرِ وَ الْفُجُورِ وَ الْبُخَلَاء.(1)

و عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) : من تعلّم القرآن ثمّ نسيه متعمّداً لقي اللّه يوم القيامة مجذوماً مغلولاً، و من تعلّم القرآن فلم يعمل به و آثر عليه حبّ الدنيا و زينتها، استوجب سخط اللّه (عزوجل) ، و كان في الدرجة مع اليهود و النصارى، ينبذون كتاب اللّه وراء ظهورهم، و من تعلّم القرآن يروه رياءً و سمعةً ليماري به السفهاء و يباهي به العلماء و يطلب به الدنيا، رضّ اللّه (عزوجل) عظامه يوم القيامة، و من ملأ عينيه امرأة

ص: 448


1- _ جامع الأخبار(للشعيري)، ص176.

حراماً حشاهما اللّه (عزوجل) بممارين من نار، و حشاهما ناراً، و من قرأ القرآن يريد به السمعة و التماس الناس لقي اللّه (عزوجل) و وجهه مظلم.

و من شهد شهادة بزور على مسلم أو ذمّي، أو من كان من الناس علق بلسانه يوم القيامة، و هو مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

و من قرأ القرآن و لم يعمل حشره اللّه يوم القيامة أعمى، و من مشى في نميمة بين اثنين سلّط اللّه عليه في قبره ناراً يحرقه إلى يوم القيامة، فإذا خرج منقبره سلّط اللّه عليه تنيناً أسود ينهش لحمه حتّى يدخل النار، و من لطم خدّ مسلم لطمة بدّد اللّه عظامه يوم القيامة، ثمّ سلّط اللّه عليه النار، و حشر مغلولاً حتّى يدخل النار.

و من بغي على فقير و تطاول عليه و استحقره، استحقره اللّه يوم القيامة مثل الذرّة في صورة الرجل حتّى يدخل النار، و من تعلّق سوطاً بين يدي سلطان الجائر جعله (عزوجل) حيّة طولها ستّون ألف ذراع فتسلّط عليه، و من رمي محصناً أو محصنةً أحبط اللّه عمله و جلّده يوم القيامة سبعون ألف ملك من بين يديه و من خلفه، و من شرب الخمر في الدنيا سقاه اللّه (عزوجل) من الأساور و من سمّ العقارب شربةً يتساقط لحم وجهه في الإناء.

و من فجر بامرأة و لها بعل تفجّر من فرجهما من صديد يتأذّى أهل النار من نتن ريحهما، و من زنا بامرأة فتح اللّه عليه في قبره ثلاثمائة ألف باب من النار يخرج منها حيّات و عقارب و شهب من النار.

إلى أن قال: فيعرف به يوم القيامة حتّى يؤمر به إلى النار، و من نكح رجلاً أو غلاماً حشره يوم القيامة أنتن من الجيفة، و لا يقبل منه صرف و لا عدل، و

ص: 449

أحبط اللّه عمله، و يدعه في تابوت مشدود بمسامير من حديد، و من خان جاره شبراً من الأرض، طوّقه اللّه يوم القيامة إلى سبع أرضين ناراً.(1) الخطبة.

أقول: و في هذا بلاغ لمن تبصّر، أعاذنا اللّه من جميع ذلك بمحمّد وآله (علیهم السلام) ، و الأخبار في عقوبات المعاصي كثيرة جدّاً يطلب من مظانّها.

المقام الثامن: في تطاير الكتب و نشر الصحف

قال تعالى: {وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً}، {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيباً}.(2)

و قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعيدٌ}، {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيدٌ}(3)، و قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}.(4)

و قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ}، {فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً}، {وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً}.(5)

و قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هاؤمُ اقْرَؤا كِتابِيَهْ}.(6)

ص: 450


1- _ بحار الأنوار، ج73، ص361؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص282، نقل المصنف رحمه الله هذه الخطبة اختصاراً.
2- _ سورة الإسراء: 13 _ 14.
3- _ سورة ق: 17 _ 18.
4- _ سورة التكوير: 10.
5- _ سورة الانشقاق: 7 _ 9.
6- _ سورة الحاقّة: 19.

و قال تعالى: {إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ}.(1)

و قال تعالى: {وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ}.(2)

و قال تعالى: {وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ}، {فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً}.(3)

و قال تعالى: {إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفي سِجِّينٍ}.(4)

و قال تعالى: {يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَ لا كَبيرَةً إِلاَّ أَحْصاها}.(5)هذا مضافاً إلى الأخبار الكثيرة الواردة في تفسير تلك الآيات و في مقامات اُخر، و قيام ضرورة الدين عليه، فكون هذا من أحد المواقف العظيمة في القيامة ممّا لا شكّ فيه، و لا شبهة تعتريه، و يكون من العقائد الذي يجب الإقرار به، بأن نشهد بأنّ تطاير الكتب حقّ، و إنّما الكلام في اُمور:

الأوّل: أنّ المكتوب في هذا الكتاب هل هو خصوص الطاعات و المعاصي أم جمع ما صدر من الإنسان من قول أو فعل من المباحات و المكروهات؟

الثاني: أنّ كتاب الحسنات هل يغاير مع كتاب السيّئات أم هما في كتاب واحد؟

الثالث: هل كتاب آخر فيه النعم التي أعطى اللّه إليه أم منحصر بالحسنات

ص: 451


1- _ سورة المطفّفين: 18.
2- _ سورة الحاقّة: 25.
3- _ سورة الانشقاق: 10.
4- _ سورة المطفّفين: 7.
5- _ سورة الكهف: 49.

و السيّئات؟

أقول: مقتضى قوله تعالى: {ما يَلْفِظُ}(1) الآية، العموم حتّى ورد في الخبر حتّى النفخ بالنار،(2) إلاّ أن يحمل على الأقوال المحرّمة أو الممدوحة.

و مقتضى قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ} إلى قوله تعالى: {رَقيبٌ عَتيدٌ}(3)، تعدّد السيّئات و الحسنات، و مقتضى قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ}(4)، أنّ النعم أيضاً مورد السؤال، كما في الأخبار يسألون عن العمر و المال و الفراغ و الشباب و الصحّة و نحوها، بل عن أعظم النعم نعمة الولاية.

ثمّ إنّ مقتضى بعض الأخبار أنّه قد يكتب حسنات بعض في كتاب آخر و سيّئات بعض في كتاب آخر لأجل غيبته إيّاه أو ظلمه، أو نحو ذلك، و قديكتب بعض الحسنات غير الصادرة منه في كتابه لأجل تسبيبه أو تمنّيه أو حبّه أهله، و كذا السيّئات.

و قد يمحو سيّئاته و يبدّل بالحسنات، كما قال تعالى: {فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ}(5)، و الواجب الاعتقاد الإجمالي كما ذكرنا غير مرّة، اللّهمّ أعط كتابي بيميني، و حاسبني حساباً يسيراً، بحقّ محمّد و آله، صلّ على محمّد و آله.

المقام التاسع: في محاسبة يوم القيامة
اشارة

ص: 452


1- _ سورة ق: 18.
2- _ بحار الأنوار، ج70، ص44.
3- _ سورة ق: 17 _ 18.
4- _ سورة التكاثر: 8.
5- _ سورة الفرقان: 70.

و هو أهمّ المواقف و أصل الغرض، و الكلام فيه يقع في مطالب:

المطلب الأوّل

فيمن يحاسب المستفاد من مجموع الأخبار أنّ الناس في يوم القيامة على أصناف أربعة:

صنف يدخلون الجنّة بغير حساب، و صنف يدخلون النار من دون حساب، و صنف يحاسبون حساباً يسيراً، و صنف يحاسبون حساباً شديداً عسيراً.

أمّا الصنف الأوّل، فهم المؤمنون الذين لا ذنب لهم عند لقاء الحساب، بأن لم يصدر منهم ذنب في هذه النشأة، كالمعصومين و من يحذو حذوهم، أو صدر منهم الصغائر دون الكبائر الموعود، في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}(1)، أو صدر منهم الكبائر لكن وفّقوا بالتوبة قبل موتهم، أو تدارك ذنوبهم بالبليات الدنيوية، أو سكرات الموت، أو في عالمالبرزخ، أو نالهم الشفاعة و الرحمة و المغفرة قبل المحاسبة، و بالجملة لم يكن له ذنب عند الحساب، فلا يحتاج إلى الحساب.

و أمّا الصنف الثاني، فهم الكفّار و المخالفون، و أهل البدع و الضلال و منكرو الضروري، و بالجملة غير المؤمن؛ لأنّه لا عمل له حتّى يستحقّ المثوبة؛ لاشتراط كلّية العبادات العملية و الأخلاقية بالإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له حتّى يستحقّ بذلك الثواب.

و أمّا الصنف الثالث، فهم المؤمنون الذين خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيّئاً، و لهم درجات مختلفة من جهة قلّة الذنوب و كثرتها، و من جهة قلّة الأعمال

ص: 453


1- _ سورة النساء: 31.

الصالحة و كثرتها، أو قبولها أو ردّها، و من جهة التخلّق بالأخلاق الحميدة أو الرذيلة، و ربما يصدر منهم فعل يوجب رضا اللّه، فالرجاء الكلّي أن يدركهم المغفرة و الصفح عن الذنوب و شفاعة الشافعين، فيحاسبون حساباً يسيراً، و ينقلبون إلى أهلهم مسروراً.

و أمّا الصنف الرابع، فهم المؤمنون المنهمكون في الذنوب، المقصّرون في الفرائض، المرتكبون للقبائح، الظالمون في حقوق الناس، فيشتدّ عليهم الحساب، أعاذنا اللّه منه، كأصحاب الخمور و الفروج و التغنّي و الانهماك و التكالب على الحطام الدنيوية، و الظلمة، و أعوانهم المعرضين عن العلماء، و التاركين للتقليد كأكثر أهل زماننا.

و لولا النهي عن القنوط و اليأس عن روح اللّه، لكان حقّاً لهم الخلود في العذاب، إلاّ أنّهم ربما يصدر عنهم فعل يوجب رضا اللّه، أو خدمة في دين، أوتوسّل إلى أهل بيت العصمة، أو إحسان في حقّ مؤمن بل كافر بل حيوان يوجب النجاة و العفو و المغفرة و الشفاعة.

و بالجملة لو كان إيمانهم باقياً لكان النجاة لهم مرجوّاً، و أمّا لو كانت تلك الذنوب موجباً لزوال الإيمان، فيدخلون في الصنف الثاني، اللّهمّ أمتني على الإيمان و الولاية مغفوراً.

المطلب الثاني

إنّ جعل المحاسبة نوع تفضّل، و إلاّ لو فرض أنّ الإنسان لو كان مؤمناً مطيعاً في تمام عمره، و لم يصدر منه إلاّ ذنب واحد، لاستحقّ بذلك العقاب، و لا يحتاج إلى الحساب؛ لأنّ كلّ ما صدر منه من الطاعة، فإنّما هو طبق لوظيفته.

ص: 454

و أمّا الذنب الواحد، فهو خروج عن تحت العبودية، كما لو فرض في العبيد و الموالي الظاهرية أنّ العبد لو أطاع مولاه في جميع أوامره لا يستحقّ بذلك شيئاً؛ لأنّه قد أدّى حقوق العبودية، و أمّا لو خالفه في أحد من أوامره لاستحقّ العقوبة منه.

هذا مضافاً إلى أنّ كلّ من أطاع اللّه كان مقصّراً؛ لأنّه لم يؤدّ حقّ الإطاعة و العبادة، حتّى قال سيد الرسل (صلی الله علیه و آله و سلم) : مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.(1)

و مضافاً إلى أنّ جميع الطاعات لا يقابل قليلاً من نعم اللّه، و لا يؤدّي بها شكر نعمة من نعمائه التي لا تحصى، إلاّ أنّه تعالى تفضّله و كرمه تقابل المعاصي معالطاعة، مع أنّ كلّ طاعة يكتب له عشراً، و المعصية لا يكتب إلاّ واحدة.

المطلب الثالث

إنّ أصل الحساب إنّما هو لمعرفة العباد أنّهم لا يستحقّون شيئاً من الثواب في عباداتهم، بل معرفة أنّ شيئاً من عباداتهم ليس كما ينبغي؛ لفقد شرائط القبول فيها، بل و شرائط الصحّة أيضاً، أو لمعرفة غيره من الناس مرتبته و مقامه، و إلاّ فإنّ اللّه عالم بجميع أفعاله، خبير ببواطنه و ظواهره، ليس لأحد المعارضة و المناقشة في حكمه، و لا يحتاج إلى شهود و حساب و ميزان.

المطلب الرابع

إنّ المستفاد من الأخبار الكثيرة أنّ اللّه تعالى يولّي حساب الخلائق إلى أئمّتنا (علیهم السلام) ، كما في الزيارة الجامعة: «وَ إِيَابُ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَ حِسَابُهُمْ

ص: 455


1- _ بحار الأنوار، ج8، ص215 و ص217.

عَلَيْكُمْ»، و في خطبة أميرالمؤمنين (علیه السلام) : «و أنا المحاسب للخلق»(1)، و قد ورد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ}، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ}(2)، أنّ حساب الشيعة على رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين (علیه السلام) و سائر الأئمّة (علیهم السلام) .(3)

و كذا في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}(4)، أنّ شيعة زمان كلّ إمام يحشر معه، و هو يحاسبهم. إلى غير ذلك من الأخبار.

أقول: لعلّ ذلك نوع من الشفاعة منهم (علیهم السلام) في حقّ شيعتهم؛ لئلاّ يطّلعالناس على قبائح أعمالهم، و نوع تفضّل من اللّه تبارك و تعالى في حقّ الأئمّة (علیهم السلام) ؛ لإظهار شؤونهم على أهل المحشر، كما عند الميزان، و عند الصراط، و عند مقاسمة أهل الجنّة و النار، بل جميع مواقف القيامة، رزقنا اللّه شفاعتهم، و حشرنا معهم بحقّهم صلوات اللّه عليهم.

المطلب الخامس

إنّ المحاسبة في يوم القيامة من ضروريات الدين، قد دلّ عليها نصوص الكتاب و تواتر الأخبار، قال تعالى: {وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبينَ}(5)، و قال تعالى: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعينَ}، {عَمَّا كانُوا

ص: 456


1- _ مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ص260.
2- _ سورة الغاشية: 25 _ 26.
3- _ بحار الأنوار، ج7، ص202 و ص203 و ص251 و ص264 و ص274 و غيرها.
4- _ سورة الإسراء: 71.
5- _ سورة الأنبياء: 47.

يَعْمَلُونَ}(1) إلى غير ذلك من الآيات.

و عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا.(2)

و عن الصادق (علیه السلام) : أَلَا فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، فَإِنَّ فِي الْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مُقَامُ أَلْفِ سَنَةٍ.(3)

إلى غير ذلك، فالمنكر لها خارج عن المسلمين.

المقام العاشر: في الميزان
اشارة

و الكلام فيه أيضاً يقع في مطالب:

المطلب الأوّل

إنّ نصب الموازين في القيامة أيضاً من الضروريات، قال تعالى: {وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، {وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ فَأُولئِكَ الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ}(4)، و قال تعالى: {وَ نَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ}(5)، و قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ،

ص: 457


1- _ سورة الحجر: 92 _ 93.
2- _ بحار الأنوار، ج7، ص126، ح3 و ج67، ص73، ح26.
3- _ بحار الأنوار، ج 67، ص64، ح4.
4- _ سورة الأعراف: 8 _ 9.
5- _ سورة الأنبياء: 47.

{فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ}، {وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازينُهُ}، {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ}.(1)

إلى غير ذلك من الآيات، و الأخبار في ذلك متواترة معناً.

المطلب الثاني

إنّ المراد من الموازين ما هي؟ و قد اختلفت فيه كلمات المفسّرين و أقوال المتكلّمين، و لسان بعض الأخبار على معانٍ كثيرة:

فقيل: عدل؛ لقوله تعالى: {الْمَوازينَ الْقِسْطَ}.(2)

و في الخبر المروي عن الاحتجاج، عن الصادق (علیه السلام) حيث سئل عنه في معنى الميزان، قال (علیه السلام) : العَدل.(3)

و قيل: كالموازين المتعارفة لها لسان و كفّتان.

و قيل: المجازات، كما عن تفسير القمّي.(4)و قيل: الحساب، كما عن الاحتجاج عن الصادق (علیه السلام) : فَهُوَ قِلَّةُ الْحِسَابِ وَ كَثْرَتُهُ.(5)

و قيل: ظهور قدر المؤمن و إهانة غيره، كما يقال لمن لا قدر له: لا قيمة له و

ص: 458


1- _ سورة القارعة: 6 _ 9.
2- _ سورة الأنبياء: 47.
3- _ الاحتجاج للطبرسي، ج1، ص244.
4- _ تفسير القمّي، ج2، ص71.
5- _ الاحتجاج للطبرسي، ج1، ص244.

لا وزن.

و قيل: هم الأنبياء و الأئمّة (علیهم السلام) ، كما عن الكافي و غيره عن الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى: {وَ نَضَعُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ}(1)، قال (علیه السلام) : هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ.(2) و في حديث: نحن الموازين.

و قيل: موازنة النفوس و الأشخاص، عن تفسير العامّة.

أقول: الذي يجب علينا الاعتقاد هو ثبوت الموازين، و أمّا كيفيتها و خصوصيتها، فلا يجب التفتيش و الفحص، بل نعتقدها إجمالاً.

و الذي ينبغي أن يقال: إنّ ميزان كلّ شيء بحسبه، فميزان القضايا علم المنطق، و لذا يعبّر عنه بعلم الميزان، و ميزان الحقّ و الباطل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، و ميزان البناء الشاقول.

و بالجملة لكلّ شيء ميزان، فيمكن إطلاق الميزان على القرآن و الاسلام و الإمام و العدل و غير ذلك، فميزان الأعمال في يوم القيامة ما يناسبها بحيث يمتاز بها الأعمال الحسنة عن السيّئة، و الأخلاق الحميدة عن الرذيلة، و العقائد الحقّةعن الباطلة، و أهل الجنّة عن النار، و أهل السعادة عن الشقاوة، و هكذا.

المطلب الثالث

قد يشكل بأنّ العمل فعل صادر عن فاعله، و هو من الأعراض غير القابلة للبقاء، بل يتصرّم آناً فآناً، كالحركة و الزمان، و غيرهما من الاُمور التدريجية،

ص: 459


1- _ سورة الأنبياء: 47.
2- _ بحار الأنوار، ج 7، ص249، ح6.

فكيف يكون في القيامة؟ و كيف يوازن؟ و كيف يؤتى به؟

و قد اُجيب: تارةً بأنّ الأعمال الحسنة يتصوّر في القيامة بصور حسنة كالإنسان الجميل، و القبيحة بصور قبيحة كالكلب العقور، فيوازن تلك الصور.

و اُخرى بأنّ الصحف المكتوبة فيها الأعمال الحسنة توازن مع ما فيها السيّئات.

و ثالثة بأنّ الأعمال الحسنة تصير جواهر بيضاء مشرقة، و السيّئة سوداء مظلمة، فتوزن تلك.

أقول: قد تقدّم أنّ ميزان كلّ شيء بحسبه، فلا مجال لهذا الإشكال حتّى يحتاج إلى الجواب.

هذا، مضافاً إلى أنّ الإشكال مبني على القول الثاني من الأقوال المتقدّمة في معنى الميزان دون غيره.

المطلب الرابع

إنّ ظاهر الآية الشريفة في قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازينُهُ}(1)، أنّ كلّ إنسان له موازين متعدّدة، و هذا مورد عليه لما تقدّم من أنّه يمكن أن يكون للعقائد ميزان، و للأخلاق ميزان، و للأعمال ميزان.

بل يمكن أن يكون لكلّ نوع أو صنف أو فرد ميزان على حدة، مثلاً للصلاة ميزان، و للصوم ميزان، بل لصلاة الظهر مثلاً ميزان، و للعصر ميزان، بل لكلّ صلاة ميزان، و لا بعد فيه، فلا وجه لما ذكره بعض من أنّ تعدّد الموازين

ص: 460


1- _ سورة الأعراف: 8.

بحسب أفراد المكلّفين؛ لأنّ الآية صرّح بأنّ من ثقلت موازينه من إضافة الموازين إلى شخص واحد، و جعل «ثقلت» صلة من أيّ كلّ فرد فرد.

المطلب الخامس

إنّ ظواهر الآيات تدلّ على أنّ ما يوزن في القيامة خصوص الحسنات دون السيّئات؛ لأنّ ثقل الموازين عبارة عن ثقل الحسنات، و كذا خفّتها عن خفّتها، فليس فيها إشارة إلى السيئات. نعم في بعض الأخبار(1) «فإن ثقلت كفّة حسناته على سيّئاته، أو خفّت عنها».(2)

المطلب السادس

إنّ الناس في هذا الموقف على حسب الأخبار على أصناف:

منهم: من لا ينصب لهم الموازين، بل يدخل النار بلا ميزان، و هم غير أهل الإيمان؛ لأنّه ليس لهم عمل صالح حتّى يوازن، لما تقدّم في المقام المتقدّم؛لبطلان جميع أعمالهم من جهة فقد الإيمان.

و عن الكافي، عن علي بن الحسين (علیهما السلام) : اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا يُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ، وَ لَا يُنْشَرُ لَهُمُ الدَّوَاوِينُ، وَ إِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً، وَ إِنَّمَا نَصْبُ الْمَوَازِينِ وَ نَشْرُ الدَّوَاوِينِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.(3)

و عن الاحتجاج في حديث عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) : أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ قَادَةُ

ص: 461


1- _ منقول بالمعنى «منه».
2- _ بحار الأنوار، ج68، ص227.
3- _ الكافي، ج 8، ص75، ح29.

الضَّلَالَةِ، فَأُولَئِكَ لَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْناً.(1)

و منهم: من لا ينصب لهم الموازين و يدخلون الجنّة، و هم المؤمنون الصالحون المغفورون ذنوبهم المحبّون لأهل البيت (علیهم السلام) .

كما روي عن الصدوق بإسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : فَإِنَّ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِي عِشْرِينَ خَصْلَةً، عَشْرٌ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَ عَشْرٌ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا الَّتِي فِي الدُّنْيَا: فَالزُّهْدُ، وَ الْحِرْصُ عَلَى الْعَمَلِ، وَ الْوَرَعُ فِي الدِّينِ، وَ الرَّغْبَةُ فِي الْعِبَادَةِ، وَ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَ النَّشَاطُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَ الْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَ الْحِفْظُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْيِهِ (عزوجل) ، وَ التَّاسِعَةُ بُغْضُ الدُّنْيَا، وَ الْعَاشِرَةُ السَّخَاءُ.

وَ أَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ: فَلَا يُنْشَرُ لَهُ دِيوَانٌ، وَ لَا يُنْصَبُ لَهُ مِيزَانٌ، وَ يُعْطَى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، وَ يُكْتَبُ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَ يَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَ يُكْسَى مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَ يَشْفَعُ فِي مِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ يَنْظُرُ اللَّهُ (عزوجل) إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ، وَ يُتَوَّجُ مِنْ تِيجَانِ الْجَنَّةِ، وَ الْعَاشِرَةُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَطُوبَى لِمُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي.(2)و منهم: من ثقلت موازينه، فاُولئك هم المفلحون.

و منهم: من خفّت موازنه، فاُولئك هم المعذّبون، إلاّ أن ينالهم رحمةً من اللّه، أو شفاعة أهل الشفاعة.

المطلب السابع: في الإحباط و التكفير

و القدر المسلّم من الإحباط الكفر و الضلالة، فإنّهما يحبطان جميع

ص: 462


1- _ الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي)، ج 1، ص244.
2- _ بحار الأنوار، ج 27، ص163، ح14؛ الخصال، ص515، ح1.

الحسنات، قال تعالى: {وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً}.(1)

و قال تعالى: {فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ»(2).

و قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ»(3) إلى غير ذلك من الآيات.

فإن قلت: مقتضى قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}، {وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(4)، و قوله: «الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخير، و إن شرّاً فشرّ»(5)، إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار، بطلان الإحباط؛ لأنّه لو فرض أنّ الكافر أو غير المؤمن صدر منه بعض الأعمال الحسنة، فيجب على العادل الحكيم جزاؤه بالإحسان إليه، فما معنى الإحباط؟ سيّما إذا فرض صدور تلك الأعمال عنه في زمان إيمانه و صحّة عقائده، فإنّه على فرض كون الإيمان شرطاً للصحّة وقعت تلك الأعمال صحيحة، و لا معنى للبطلان بعد الوقوع، فلا معنى للإحباط.قلت: المستفاد من الأخبار القطعية، بل الآيات أيضاً أنّ الموافاة أيضاً شرط في الصحّة، بمعنى بقاء الإيمان إلى آخر العمر، فجميع العبادات الصادرة عن الإنسان وقعت مراعى، فإن مات على الإيمان كانت صحيحة و إلاّ فلا، و إشكال الشرط المتأخّر قد حقّق الكلام فيه في مسألة الفضولي و الإجازة في باب البيع،

ص: 463


1- _ سورة الفرقان: 23.
2- _ سورة البقرة: 217.
3- _ سورة الزمر: 65.
4- _ سورة الزلزلة: 7 _ 8.
5- _ تفسير القمّي، ج1، ص224.

و الآيات الدالّة على الإحباط دليل على هذا الشرط، فلا تنافي بين الآيات.

و أمّا سائر المعاصي، فلم يقم دليل قطعي على حبط الأعمال الصالحة بها.(1)

نعم يمكن أن يكون ترك بعض المعاصي شرطاً في قبول العبادات، كما ورد في الأخبار أنّ ترك الزكاة و فعل الإباق و النشوز و العقوق و الكبر و البخل و غيرها مانعة من قبول الصلاة، بل قوله تعالى: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقينَ}(2)، عامّ لجميع العبادات، و هذا غير الحبط، بل موجب لقلّة الثواب، كما حقّقناه في محلّه، لا أنّه موجب لردّ العبادة مطلقا بعد فرض و قوعها صحيحة، و كان العبد ممتثلاً مطيعاً.

و أمّا التكفير، فلا مانع منه، بأن يكون بعض العبادات أو البليات مكفّرة لبعض المعاصي، كما أنّ التوبة مكفّرة لها، كلّ ذلك تفضّلاً من اللّه تعالى، و الآيات و الأخبار الواردة في عقوبة المعاصي من قبيل الوعيد، و لا مانع من التخلّف، عكس الوعد الذي لا يجوز تخلّفه، هذا ما خطر بالبال في هذا المجال، و التفصيل في علم الكلام.

المقام الحادي عشر: فيما يسأل عنه يوم القيامة

و الأخبار الواردة في ذلك كثيرة جدّاً، و مجمل الكلام فيه أنّ الاُمور التي

ص: 464


1- _ أقول: قد ورد بعض الأخبار في أنّ إتيان بعض المعاصي يوجب حبط بعض الطاعات کقوله (علیه السلام) : «إِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» و ... کما أنّ إتيان بعض الطاعات يوجب تکفير بعض السيّئات، فلاحظ الأخبار في ذلک حتّی تظهر لک ما ذکرناه و قد إعترفه المصنّف في التکفير دون الإحباط فتأمّل.(عا)
2- _ سورة المائدة: 27.

تسأل عنها عبارة عن عدّة اُمور:

أحدها: يسأل عن الرسل في تبليغ رسالاتهم، قال تعالى: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلينَ}(1)، و قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ»(2)، و قد ورد بعض الأخبار في ذلك.

ثانيها: السؤال عن النعم الإلهية، كما مرّ أنّ من الدواوين ديوان فيه النعم، و قد قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ}(3)، و لا ينافيه ما ورد في بعض الأخبار من تفسير النعيم بنعمة ولاية أميرالمؤمنين (علیه السلام) ؛ لما ذكرناه غير مرّة أنّ الأخبار الواردة في تفسير الآيات لبيان المصاديق،(4)

فلا مانع من الأخذ بإطلاقها، و من المعلوم أنّ الولاية أعظم مصاديق النعمة.

ثالثها: عن الصلاة، كما ورد أنّ أوّل ما يسأل عنه أو ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة، إن قبلت قبل ما سواها، و إن ردّت ردّ ما سواها.(5)

و عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ إِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ جَلَّ

ص: 465


1- _ سورة الأعراف: 6.
2- _ سورة المائدة: 109.
3- _ سورة التكاثر: 8.
4- _ أقول: کلامه لا يصحّ علی إطلاقه بل قد يکون لبيان المصاديق و قد يکون تفسيراً له و لا يشمل غيره.(عا)
5- _ الكافي، ج3، ص268، ح4.

جَلَالُهُ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ.(1)

رابعها: عن القرآن في تلاوته، و العمل به، و التمسّك به؛ لأنّه كتاب قانون إلهي.

خامسها: عن المحارم الكبار، أي: المحرّمات الكبيرة.

سادسها: عن السمع و البصر و الفؤاد فيما صدر عنها، قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.(2)

سابعها: عن العمر فيما أفناه، و عن المال ممّا اكتسب و فيما أنفق، و عن جسده فيما أبلاه.

ثامنها: عن حقوق اللّه تعالى من واجباته و فرائضه.

تاسعها: عن بعض المعاصي بالخصوص، كالزنا، و اللواط، و شرب الخمر، و أكل الربا، و النظر إلى الأجنبية، و عن اتّباع الهوى، و حبّ الدنيا، و شهادة الزور، و الغيبة، و النميمة، و الكذب، و الفحش، و قتل النفس.

عاشرها: عن حقوق الناس سيّما حقّ الوالدين و الأهل و الأولاد و الأرحام و الجار، و سائر الناس سيّما عن حقّ العلماء و المتعلّمين و السادات و الفقراء، و المظلومين في نفوسهم، أو أعراضهم، أو أموالهم.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله، و ارض عنّا و أدّ ديوننا، و لا تجعلنا تحت ظلامة أحد من خلقك، و اعف عنّا و اغفر لنا و ارحمنا، أنت مولانا، فانصرناعلى القوم الكافرين، بمحمّد و آله أجمعين، صلّ على محمّد و آله الطاهرين.

ص: 466


1- _ بحار الأنوار، ج27، ص167، ح2.
2- _ سورة الإسراء: 36.
المقام الثاني عشر: في الصراط

و هو في الدنيا عبارة عن طريق السعادة و الفوز و النجاة.

و قد اُطلق في الأخبار على معاني كثيرة، كلّها يرجع إلى المعنى الواحد: طريق معرفة اللّه، و الإسلام، و الدين، و الولاية، و كتاب اللّه تعالى، و النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) .

و المرور عنه عبارة عن تحصيل المعرفة، و الاعتقاد بالإسلام، و العمل بالوظائف الدينية، و قبول الولاية، و العمل بالكتاب، و إطاعة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و أميرالمؤمنين (علیه السلام) و الأئمّة (علیهم السلام) في جميع أوامرهم و نواهيم.

و قد يطلق الصراط في كلمات علماء الأخلاق بالحدّ المتوسّط بين الإفراط و التفريط علماً و أخلاقاً و عملاً و معاشرةً، بل في جميع حركاته و سكناته و أفعاله و أقواله و أخلاقه و عقائده، و هذا أيضاً يرجع إلى المعاني المتقدّمة.

و من الواضح أنّه بجميع معانيه أدقّ من الشعر، و أحدّ من السيف.

و يمكن أن يقال: إنّ غير المعصومين (علیهم السلام) خارج عن الصراط المستقيم، إلاّ أنّ المراتب مختلفة، و هذا الصراط في الدنيا مرآة للصراط في الآخرة، فمن عبر عنه يعبر عنه، و من ضلّ فيه يضلّ فيه.

و أمّا في الآخرة، فهو جسر ممدود على جهنّم لابدّ من المرور عنه، فمن عبر عنه نجى و يدخل الجنّة، و من لم يعبر عنه هوى في جهنّم و هلك، و الأخبارفي ذلك متواترة معنىً غير قابلة للتأويل، و التصرّف الذي تصدّى بعض أرباب الحكمة من حملها على توسّط الأخلاق الذي عبارة عن الأخلاق الحميدة المتوسّطة بين الرذيلتين من طرفي الإفراط و التفريط، و لا فائدة في نقل

ص: 467

كلماتهم بعد ما حقّقناه في الأمر السادس في حقيقة المعاد في يوم المعاد، و نقلنا هناك بعض كلماتهم و أجبنا عنه، فراجع.

و الصراط في القيامة بهذا المعنى من ضروريات الدين، و عليه عامّة المسلمين، و قد فسّر به في الأخبار الصادرة عن الأئمّة الطاهرين (علیهم السلام) و كثير من الآيات الكتاب المبين، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا}، {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمينَ فيها جِثِيًّا}(1)، و قوله تعالى: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}(2) إلى غير ذلك.

ثمّ لا يخفى أنّ هذا الصراط بمقتضى الطبيعة على ما احتملناه في آخر المقام الخامس من كون جهنّم في باطن الأرض، يبرز و يظهر عند انشقاق الأرض، و كون الجنّة في بعض الكرات العلوية، و عند تقارب كرة الأرض بتلك الكرة، لابدّ لأهل القيامة المرور من تلك الكرة الأرضية إلى هذه الكرة التي فيها الجنّة، و المفروض أنّ الأرض قد انشقّت و برّزت الجحيم، فلا مناص إلاّ من جسر على ذلك الانشقاق حتّى يعبر عنها إليها، فلا ينافي الصراط مع القواعد الطبيعية، فتدبّر.

ثمّ إنّ الأخبار(3) الواردة في كونه أدقّ من الشعر، و أحدّ من السيف، فإنّما هوعلى الكفّار و من يحذو حذوهم، و أمّا على أهل السعادة فهو وسيع، كما ورد في بعض الأخبار.

ص: 468


1- _ سورة الفجر: 14.
2- _ سورة البلد: 11.
3- _ بحار الأنوار، ج8، ص64؛ الكافي، ج8، ص312.

ثمّ إنّه قد ورد في الأخبار(1) أنّ على الصراط قناطر و عقبات يسأل فيها عن بعض الفرائض:

الاُولى: عن الولاية، و الإيمان، و العقائد الحقّة.

و الثانية: عن الصلاة.

و الثالثة: عن الزكاة و الخمس.

و الرابعة: عن الصوم.

و الخامسة: عن الحجّ.

و السادسة: عن الطهارة، و المراد منها: إمّا الطهارات الثلاث، و إمّا طهارة الباطن عن الرذائل، و إمّا طهارة البدن عن النجاسات، أو القلب عن نجاسة المعاصي، أو عن غير اللّه، و لعلّ المراد جميع مراتب الطهارة.

و السابعة: عن مظالم الناس، و في بعض الأخبار: يسأل عن الرحم و الأمانة و الصلاة و العدل.

إن قلت: قد تقدّم أنّ موقف السؤال قبل الصراط، فلا معنى لتلك السؤال.

قلت أوّلاً: لا مانع عن كون بعض الفرائض مسؤولاً عنه في مواقف.و ثانياً: يمكن أن يقال: من لم يأت بالجواب الصحيح في موقف السؤال يمنعونه من العبور في تلك العقبات إلاّ أن تناله الرحمة أو الشفاعة.

ثمّ إنّ الناس مختلفون في كيفية العبور عن الصراط باختلاف مراتبهم في

ص: 469


1- _ بحار الأنوار، ج8، ص65، ح2.

صراط الدنيا بمعانيه المتقدّمة، فمنهم من يمرّ كالبرق الخاطف، و منهم كالريح العاصف، و منهم كعدو الفرس، و منهم راكباً، و منهم راجلاً، و منهم ماشياً، و منهم بالأيدي و الأرجل، و منهم كالمقعد، و منهم على بطنه، و منهم معلّقاً على شعرة في جهنّم.

اللّهمّ ثبّت أقدامنا على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام، بحقّ محمّد و آله الكرام الفخام، صلّ عليهم إلى يوم القيام.

المقام الثالث عشر: في أصحاب الأعراف و الأطفال و المستضعفين و المجانين و أولاد الزنا و المرجّين لأمر اللّه

في سورة الأعراف، قال تعالى: {وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسيماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ}، {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ}، {وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ}، {أَهؤلاءِ الَّذينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُاللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}.(1)

أقول: هذه الآية الشريفة من المشكلات، لا يمكن تفسيرها بالرأي، و لا اعتماد على قول المفسّرين أصلاً، و إنّما المرجع الأخبار الواردة من أهل بيت العصمة في ذاك المقام، و المستفاد من مجموعها أنّ أصحاب الأعراف قسمين:

ص: 470


1- _ سورة الأعراف: 46 _ 49.

قسم و هم الأنبياء و أوصياء الأنبياء، كما في بعض الأخبار، و نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) كما في بعض، و صدر الآية راجع إلى هذا القسم؛ لأنّ الأعراف سور بين الجنّة و النار، و هو مكان عال مشرف على أهل الجنّة و النار، و هؤلاء يعرفون أهل الجنّة بسيماهم، و كذا أهل النار بسيماهم.

و قسم آخر و هم المؤمنون المذنبون الذين لم يدخلوا الجنّة لكثرة ذنوبهم، و لم يدخلوا النار لأجل إيمانهم. و من قوله تعالى: {وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ}(1)، راجع إلى هذا القسم، حيث إنّهم لم يدخلوا الجنّة، و لكن يرجون و يطمعون دخولها، و سلّموا على أهل الجنّة، و ادّعوا ربّهم أن لا يجعلهم من أهل النار مع القوم الظالمين.

و الذي يخطر بالبال أنّ قيام الأنبياء و الأوصياء و الأئمّة (علیهم السلام) في هذا المكان العالي المشرف على أهل الجنّة و النار لشفاعة هؤلاء المؤمنين المذنبين، فيعرف علوّ رتبتهم عند اللّه أهل الجنّة و النار، فيزيد حسرة أهل النار أنّ هؤلاء المذنبين مع كثرة ذنوبهم نالوا بشفاعة هؤلاء الجنّة لإيمانهم، و لو كان أهل النار من المؤمنين لنالوا بشفاعة هؤلاء الشفعاء و لو بلغ ذنوبهم ما بلغ، و لزاد بذلكفرح أهل الجنّة لإلحاق هؤلاء المؤمنين بهم فيها.

و هؤلاء الذين نالوا بالشفاعة هم الذين أقسم أهل النار أنّهم لا ينالوا الرحمة، فإذا قبل الشفاعة في حقّهم يخاطبون بقوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}(2)، و اللّه العالم بكلامه، هذا في أصحاب الأعراف.

ص: 471


1- _ سورة الأعراف: 44.
2- _ سورة الأعراف: 49.

و أمّا الأطفال، فإن كانوا أطفال المؤمنين، يدخلون الجنّة لا لأجل استحقاقهم؛ لعدم ثبوت قلم التكليف عليهم و عدم إيمانهم، بل كرامةً لآبائهم و اُمّهاتهم، و تسليةً لهم في مصابهم، بل ربما يصيرون وسيلةً لنجاة آبائهم و اُمّهاتهم، كما ينادي بذلك الأخبار، و لا مانع من ذلك تفضّلاً من اللّه تعالى عليهم.

و أمّا أطفال الكفّار، فلا يدخلون الجنّة لعدم استحقاهم، و عدم كرامة لآبائهم و اُمّهاتهم، و لا يدخلون النار لعدم التكليف عليهم، و اللّه تعالى عادل لا يعذّب أحداً إلاّ إذا كان مستحقّاً للعذاب، فلعلّ اللّه يجعلهم في مكان غير الجنّة و النار يتنعّمون ببعض النعم.

و أمّا الأخبار الدالّة على أنّهم يؤمر بهم في دخول النار، فإن أطاعوا يصير النار لهم برداً و سلاماً فيدخلون الجنّة، و إن خالفوا فيدخلون النار، لا يناسب مع القواعد العدلية بظاهرها،(1) و ليست من الأخبار القطعية، فالأولى السكوت و إحالة علمه إلى اللّه و رسوله و الأئمّة (علیهم السلام) .

و أمّا المستضعفون و هم القاصرون بحيث لم يتمّ لهم الحجّة: إمّا لضعفعقولهم، و إمّا لعدم بلوغ الدعوة إليهم، و إمّا لإغفال آبائهم و أهل ملّتهم إيّاهم، و إمّا لصمم أو بكم أو عمی أو غير ذلك، و كذا المجانين و من يرد إلى أرذل العمر، فإن كانوا قابلين لدخول الجنّة و لو لكرامة لغيرهم، فلا مانع من التفضّل في حقّهم.

و إن لم يكونوا قابلاً لذلك التفضّل، فلا يدخلون الجنّة لعدم القابلية، و لا

ص: 472


1- _ أقول: إذا أعطاهم الله تعالی في يوم القيامة ما کان للمکلّفين في الدنيا من الشرائط و أتمّ حجّته عليهم ثم إختبرهم هناک فهو لا ینافي قواعد الإمامية.(عا)

النار لعدم التقصير، و الكلام فيهم و الأخبار الواردة في حقّهم ما تقدّم في أطفال الكفّار طابق النعل بالنعل.

نعم فيهم كلام آخر صغروي، و هو تعيين مصداق المستضعف، و قد ورد في ذلك أيضاً أخبار لا يهمّنا التعرّض لذلك؛ لأنّ اللّه يعلم القاصر و المقصّر، فيفعل مع كلّ ما يليق به.

و أمّا أولاد الزنا، فقد ورد في بعض الأخبار أنّه يدخل النار و لا يدخل الجنّة، لكن مقتضى القواعد العدلية أنّ نفس كونه ولد الزنا ليس تقصيراً منه بل من أبويه: {وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}(1)، فإن آمن و عمل صالحاً فله الجنّة، و إن كفر و عصى فله النار، إلاّ أن يحمل تلك الأخبار بأنّ ولد الزنا لم يوفّق بالإيمان، و من المعلوم على هذا الحمل أنّ المراد القضية الغالبية لا الدائمية، و القول بعدم إمكان الإيمان في حقّه خلاف الوجدان و البرهان.

و أمّا المرجون لأمر اللّه، كما قال تعالى: {وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ اللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ}(2)، و هم على الظاهر من لم يكن مسلماً و لا مؤمناً و لا كافراً و لا مشركاً و لا جاحداً و لا معانداً، فأمرهم إلى اللّه يمكن تعذيبهم لتمامية الحجّة عليهم؛ لأنّ المفروض أنّهم ليسوا بمستضعف، و من لم يؤمن فهو كافر يستحق العذاب.

و يمكن عفوهم؛ لعدم جحودهم و عنادهم مع المسلمين، و قد ورد في

ص: 473


1- _ سورة الأنعام: 164.
2- _ سورة التوبة: 106.

بعض الأخبار أنّهم قوم مشركون قاتلوا المسلمين مثل حمزة و جعفر، ثمّ اُخرجوا من الشرك و آمنوا، لكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم.(1)

أقول: قد مرّ غير مرّة أنّ الأخبار الواردة في تفسير الآيات غالباً لبيان المصاديق لا تفيد الإنحصار، فهؤلاء أيضاً في آخر عمرهم ليسوا بمشرك و لا مؤمن.

ثمّ إنّ قوله تعالى: {وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، لعلّ المراد عدم تعذيبهم لا دخولهم الجنّة؛ لأنّه مشروط بالإيمان.

المقام الرابع عشر: في الجنّة و النار
اشارة

و الكلام فيه في مباحث:

المبحث الأوّل: في كونهما مخلوقان الآن

و تعيين موضعهما، و كونهما مع ما فيهما من المحسوسات الجسمية لا الاُمور الخيالية، أو المثالية، أو العقلية الروحية.

أمّا كونهما مخلوقين، فمضافاً إلى ضرورة الدين، و إجماع المسلمين، قولهتعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}، {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى}(2)، و قوله تعالى: {أَعَدَّ

ص: 474


1- _ بحار الأنوار، ج20، ص114، ح44؛ الكافي، ج 2، ص407، ح1. عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ»، قَالَ: قَوْمٌ كَانُوا مُشْرِكِينَ، فَقَتَلُوا مِثْلَ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ وَ أَشْبَاهَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَوَحَّدُوا اللَّهَ وَ تَرَكُوا الشِّرْكَ، وَ لَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ بِقُلُوبِهِمْ، فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَجِبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، وَ لَمْ يَكُونُوا عَلَى جُحُودِهِمْ، فَيَكْفُرُوا فَتَجِبَ لَهُمُ النَّارُ، فَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.
2- _ سورة النجم: 14 - 15.

اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}(1)، و قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلَّذينَ آمَنُوا}(2)، و قوله تعالى في حقّ أهل النار: {أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ}(3)، الظاهر كلّها بلفظ الماضي الدالّة على كونهما مخلوقين، و الأخبار في ذلك متواترة بالتواتر الإجمالي، و هي على طوائف:

منها: ما ورد من رؤية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ليلة المعراج الجنّة و النار، و دخوله الجنّة و أكله من فواكهها، و رؤيته قصر الأخضر للحسن (علیه السلام) ، و الأحمر للحسين (علیه السلام) ، و طبقات العذاب في جهنّم، و بناء الملائكة في الجنّة، و ربما يمسكون ينتظرون النفقة، و نفقتهم التسبيحات الأربعة، و هي كثيرة جدّاً.

و منها: ما ورد من كون طينة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) بل و شيعتهم مأخوذة من الجنّة.

و منها: نزول الحورات في ولادتهم (علیهم السلام) ، سيما لعيا في ولادة الحسين (علیه السلام) .

و منها: إهداء كافور الجنّة للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و قسمه بأقسام ثلاثة لنفسه و لعلي و لفاطمة (علیهم السلام) .

و منها: نزول الموائد و الفواكه في موارد عديدة لهم (علیهم السلام) ، بل للأنبياء (علیهم السلام) أيضاً.و منها: كون الجنّة مخلوقة من نور الحسين (علیه السلام) .

و منها: ما ورد في شهر رمضان من كون أبواب الجنّة مفتّحة و أبواب النيران مغلقة.

ص: 475


1- _ سورة التوبة: 89.
2- _ سورة الحديد: 21.
3- _ سورة آل عمران: 131.

و منها: ثياب الجنّة أتى بها رضوان خازن الجنّة للحسنين (علیهما السلام) .

و منها: ما ورد في أنّ حجر الأسود من الجنّة.

و منها: ما ورد في بكاء أهل الجنّة و النار في شهادة الحسين (علیه السلام) .

إلى غير ذلك، مضافاً إلى تصريح بعض الأخبار بأنّه ليس منّا من أنكر خلقة الجنّة و النار.

و أمّا موضعهما، فلم نجد في الآيات و الأخبار شيء يدلّ على ذلك، إلاّ قوله تعالى: {وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}، {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى}(1)، و إلاّ النبوي المروي عن أنس بن مالك «فوق السماوات السبع تحت العرش»(2) و العلوي المروي عن أبي هريرة و سلمان عنه (علیه السلام) في جواب الجاثليق «الجنّة تحت العرش في الآخرة، و النار تحت الأرض السابعة السفلى»(3).(4)

ص: 476


1- _ سورة النجم: 13 _ 15.
2- _ بحار الأنوار، ج8، ص83 و ص84.
3- _ البرهان في تفسير القرآن، ج4، ص728 و ج5، ص297.
4- _ أقول: يمکن أن يستدلّ بقوله تعالی: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»، «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا»،(بقرة، 37،38) فأخبر الله تعالی عن أنّه أهبطهم بعد تلقي الکلمات و التوبة و هو يدلّ علی أنّ آدم (علیه السلام) هبط من فوق الأرض إليها. و قد ورد عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال: « ... اهْبِطَا مِنْ سَمَاوَاتِي إِلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يُجَاوِرُنِي فِي جَنَّتِي عَاصٍ وَ لَا فِي سَمَاوَاتِي ...» (تفسير العياشي، ج 2، ص11) و ورد أيضاً أنّ آدم (علیه السلام) هبط علی جبل صفا ... اللهمّ إلا أن یقال: إنّ هذه الأدلّة و ما ذکره المصنّف (رحمة الله) في خلق الجنّة و النّار بعضها ورد في جنّة الدنیا و البحث في موضع جنّة الخُلد. قال العلامة المجلسي (رحمة الله علیه) في مرآة العقول: و اختلف في أن جنة آدم (علیه السلام) هل كانت في الأرض أم في السماء؟ و على تقدير كونها في السماء هل هي الجنّة التي هي دار الثواب و جنّة الخُلد؟ أم غيرها، فذهب أكثر المفسّرين و أكثر المعتزلة إلى أنّها جنّة الخُلد، و قال أبو هاشم: هي جنّة من جنان السماء غير جنّة الخُلد، و قال: أبو مسلم الأصبهاني و أبو القاسم البلخي، و طائفة هي بستان من بساتين الدنيا في الأرض كما يدلّ عليه هذا الخبر، و استدل أكثرهم بالوجه المذكور في الخبر و أورد عليه بأنّ عدم الخروج إنّما يكون بعد دخولهم بجزاء العمل لا مطلقاً و الخبر يدلّ على أنّه لا يخرج من يدخله مطلقاً، و يشكل بدخول الملائكة و دخول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ليلة المعراج. إلّا أن يأول بالدخول على وجه الإسكان و النزول، لا على وجه المرور و العبور، و الحق أنّ الجمع بين الآيات في ذلك مشكل، إذ ظاهر أكثر الآيات و الأخبار كونها في السماء و كونها جنّة الخُلد و هذا الخبر و بعض الأخبار النادرة صريحة في كونها في الأرض، و للتوقّف فيه مجال، و ظاهر الشيخ في التبيان و الطبرسي في مجمع البيان اختيار أنّها دار الخُلد و الله يعلم.(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 14، ص230).(عا)

أقول: أمّا الآية الشريفة، فلا دلالة لها؛ لأنّ الكلام في موضع سدرة المنتهىكالكلام في موضع الجنّة.

و أما الخبران، فمضافاً إلى ضعف سنديهما كونهما أخبار آحاد لا يفيد في المقام شيئاً.

و الذي أظنّ طبقاً للهيئة الجديدة أنّ كرة الأرض قطعة منفصلة من الشمس، و كانت عند انفصالها عنها محترقة في غاية الحرارة، لكن لمّا بعدت عنها و مضت مدّة بردت سطح ظاهرها و الهواء المجاور لها، و أحاطت الأبخرة التي حولها ثلاثة أرباعها، و تبدّلت الأبخرة ماءً، و بقي ربعها باردةً، و انجمدت بعض قطعاتها، فصارت جبالاً، لكن بقي تحت الأرض على الحرارة التي كانت لها، كما نشاهد في أعماق الأرض في كلّ ثلاثين متراً يزيد فيها درجة من الحرارة، فإذا بلغ عمقها ستّين ألف متراً تبلغ درجة الحرارة ألفين، و عند

ص: 477

ذلك لا يبقى فيها جسم إلاّ ذاب و احترق، فيمكن أن تكون النار تحت الأرض، كما دلّ عليه العلوي المتقدّم.

و أمّا الجنّة، فقد تقدّم سابقاً أنّه يمكن أن تكون في بعض الكرات العلوية، و لا بعد في كونها في كوكب الوكا المسمّى بالنسر الواقع، و المعبّر عنه في لسان الخارجة «آپ كس» فعند اقتراب تلك الكرات بالحركة المستقيمة التي تقدّمت إليها تنشقّ الأرض و تنحدّ الجبال، و برّزت الجحيم من أعماقها.

و لا يخفى أنّ الهيئة الجديدة و إن اعتقدت كون الفضاء غير متناهية، و الهيئة القديمة أيضاً اعتقدت أنّ سطح محدب الفلك الأطلس المعبّر بالعرش لا يمكن معرفة بعده، و لا يعلم إلاّ خالقه.و نحن بعد ذكر البراهين القاطعة على تناهي الأبعاد نقول: إنّه متناهٍ، لكن لا يمكن معرفة مقدار تناهيه، فإذاً لا مانع من الالتزام بكون «وكا» تحت العرش فوق الكرة العلوية، فتنطبق مع الخبرين النبوي و العلوي، و تكون سدرة المنتهى التي هي مكان جبرئيل أيضاً في تلك الكرة، كما في الآية الشريفة.(1)

ص: 478


1- _ و يمكن أن يستدلّ لبعض ما ذكرنا بقوله تعالى في سورة العنكبوت: «يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ» و بقوله تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ». بأن نقول: إنّ جهنّم هذه الكرة الأرضية، و العذاب من الفوق حرارة الشمس بعد قرب الأرض إلى كرة الشمس كما ذكرنا، و العذاب من تحت الحرارة التي في تخوم الأرض، فتصيب الأرض بتمامها محترقة، و هي محيطة بالكافرين؛ لعدم تمكّنهم الخروج من تلك الكرة إلى كرة اُخرى، بخلاف أهل الجنّة حيث يخرجون بتوسّط الصراط إلى كرة اُخرى، و لعلّه لذا قال اللّه تعالى: «لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَ لَا زَمْهَرِيرًا». و ممّا يؤيّد ما ذكرنا أو يدلّ عليه، قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا»، «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا»، حيث يكون تمام أفراد البشر في هذه الكرة يخرجون من الأجداث، فأهل التقوى يخرجون منها و ينجون، و أهل العذاب يبقون فيها، بل من تأمّل في الآيات و الأخبار المتفرّقة يظهر له شواهد و مؤيّدات كثيرة لما ذكرنا، فتأمّل «منه» غفر له.

و أمّا كون ما فيهما من المحسوسات الحسّية الجسمية لا الخيالية المثالية، أو الروحية العقلية، فقد تقدّم الكلام فيه المستفاد من نصوص الآيات الشريفة الكثيرة، و الأخبار المتواترة القطعية، و الضرورة الإسلامية، و قد تقدّم الجواب عن شبهات الصدرية و الشيخية، فلا نحتاج إلى أعادتها و تكرار البحث فيها، فراجع.

المبحث الثاني: في أوصاف الجنّة و نعمائها و لذائذها و أهلها

و الكلام فيه يقع في ضمن اُمور:

الأوّل: لا يخفى أنّه لا يمكن في مقدرة البشر توصيف هذه، و كيف يقدر من لا خبرة له في هذه النشأة الفانية الداثرة، إلاّ ظواهر بعض ما شاهده بالحواسّ الظاهرة أو الباطنة، و لا يطّلع على العوالم التي خلق اللّه تعالى من العوالم العلوية و السفلية و الملائكة و الجنّ، و ما في السماوات و ما في الأرض، و ما في البحار و ما في الجبال، و ما في تخوم الأرض، و لا يطّلع على عالم العقول و النفوس و الأرواح و الأنوار و السرادقات و غيرها، و ما حقيقة اللوح و القلم وغيرهما.

فكيف يمكن أن يدرك عالم الآخرة، و ما أعدّ اللّه لعباده في دار ضيافته، مع أنّ الجنّة و ما فيها محلّ بروز رحمة اللّه و جوده و كرامته و إحسانه، و فهم هذه فوق حدّ العقول المحدودة.

و لا يمكن لنا أن نقول فيها إلاّ ما بيّن اللّه لنا في كتابه و بلسان نبيه (صلی الله علیه و آله و سلم) و

ص: 479

خلفائه (علیهم السلام) ، هذا مع قوله تعالى في كتابه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}(1)، حيث نفى علم كلّ أحد؛ لأنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم، سيّما مع التعبير ب_«ما اُخفي» فكيف يمكن كشف ما أخفى اللّه تعالى؟ و قال تعالى: {وَ فيها ما تَشْتَهيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ}(2)، و عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في أخبار كثيرة: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَ لَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَ لَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ».(3)

الثاني: أنّ الآخرة دار الحيوان، قال تعالى: {وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الآْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}(4)، فكلّ ما في الجنّة و النار بل نفس الجنّة و النار حيّ له حسّ و حركة مأمور بأمر، فربما يكون شيئاً واحداً يلتذّ به كلّ فرد بمقدار درجاته مرتبة فوق مرتبة اُخرى لمن دون درجته، أو دون مرتبة اُخرى لمن فوق درجته، و كذا التألّم من النار كلّ بمراتبه و دركاته.

الثالث: أنّ النعم التي في الجنّة كما كانت باقيةً دائمةً ثابتةً لا فناء لها و لازوال، مثلاً الطعام الذي يؤكل لا ينعدم بل هو موجود و لو أكل ألف مرّة، و كذا غيره من النعم.

الرابع: أنّ أهل الجنّة لا يكون لهم جوع و عطش و ألم، و لا يتحلّل من أبدانهم شيء، و لا يدفع عنهم فضول حتّى يحتاجوا إلى دفع الجوع و العطش و الألم و بدل ما يتحلّل، بل الأكل و الشرب و النكاح و غيرها كلّ التذاذ و هي دائمية؛

ص: 480


1- _ سورة السجدة: 17.
2- _ سورة الزخرف: 71.
3- _ بحار الأنوار، ج81، ص125؛ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص295.
4- _ سورة العنكبوت: 64.

لأنّه كما لا جوع لا شبع، حتّى لا يميل بعده إلى الأكل، بل لو أكل دائماً يلتذّ دائماً، كما قال تعالى: {أُكُلُها دائِمٌ}.(1)

الخامس: أنّ دار الآخرة ليست كهذه النشأة دار التزاحم و التمانع و التخالف لا بين أهل الجنّة بعضهم مع بعض، و لا بين نعمها بعضها مع بعض، فالمؤمن في حال كونه آكلاً للأطعمة و الفواكه شارباً للأنهار جامعاً مع الحور مثلاً، ففي حالة واحدة أي دائماً ملتذّاً بجميع أنواع اللذائذ، بل يمكن أن يكون في شيء واحد جميع أنحاء اللذّة، كما أنّ أهل النار يتألّمون دائماً بجميع أنحاء الآلام و البليات، بل يكون في عذاب واحد جميع أنحاء العذاب.

السادس: أنّ في الجنّة لذائذ روحية فوق مراتب اللذائذ الجسمية، و هي كثيرة:

منها: و هي أعظمها كون الإنسان في جوار ربّ العالمين، و في مقام القرب إلى اللّه، و مشاهدة أنوار جلال اللّه، و شمول رحمته و فضله و عنايته و كرمه و جوده، و أيّ لذّة فوق ذلك، كما ورد أنّه إذا اشتغل أهل الجنّة بالجنّة اشتغلأهل اللّه باللّه.

و منها: الحشر مع الأنبياء و الأولياء و الصلحاء، و سيّما مع النبي الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) .

و منها: كون الجنّة دار خلود، و هذه كافية في التذاذ الروح.

و منها: كونه مورد رضا اللّه، فهو راض مرضي، كما قال تعالى: {يا أَيَّتُهَا

ص: 481


1- _ سورة الرعد: 35.

النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}، {ارْجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً}(1)، و قال تعالى: {وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}.(2)

و منها: دخول الملائكة عليهم بالتحيّات و الكرامات و التسليمات.

و منها: السلطنة التي تكون لهم، و هي على قسمين: قسم يكون لجميع المؤمنين؛ لأنّه يكون لكلّ منهم خدّام و حجب و غلمان و ملائكة و حور عدد ما شاء اللّه، و كلّ تحت أوامره و مشتغل بخدمته، و له سلطنة عليهم.

و قسم يكون لبعضهم على بعض، و هو أنّ من دخل الجنّة بشفاعته له سلطنة عليهم، فإذاً لتلك السلطنة مراتب كثيرة، فدرجة أعلاها لنبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) و أوصيائه (علیهم السلام) ، فهم سلاطين على جميع الأنبياء و الملائكة و الناس أجمعين؛ لاحتياج الكلّ بشفاعتهم و دخولهم الجنّة بوساطتهم، ثمّ الأدون فالأدون.

و منها: إلتذاذهم بالمعارف الإلهية، و العقائد الحقّة الإيمانية، و العلوم الدينية، و الملكات النفسانية، و الأخلاق الحميدة الإنسانية، و تشبّههم و تخلّقهمبالملائكة القدسية، و قبول أعمالهم الحسنة، و عفو اللّه و مغفرته عنهم، و دخولهم في حزب الأولياء و المقرّبين، و تخلّصهم عن النكبات الدنيوية، و العقوبات الاُخروية، و نجاتهم عن أيدي الكفرة و الفجرة و الجبابرة، و رؤية أعدائهم و ظالميهم و معانديهم في جهنّم معذّبين مخلّدين، و رؤية أحبّائهم و أوليائهم و آبائهم و اُمّهاتهم و أبنائهم و ذراريهم و أقربائهم و أصدقائهم

ص: 482


1- _ سورة الفجر: 27 _ 28.
2- _ سورة التوبة: 72.

و إخوانهم من المؤمنين بنعم اللّه متنعّمين.

و منها: زيادة ألطاف اللّه عليهم زيادةً بعد زيادة، كما قال تعالى: {وَ لَدَيْنا مَزيدٌ}.(1)

إلى غير ذلك ممّا لا يخطر بالبال، و لا يمكن أن يدرك أو يوصف، مع أنّ جميع اللذائذ الجسمية أيضاً لذائذ روحية؛ لأنّ الروح يلتذّ منها بتوسّط الجسم، رزقنا اللّه و إيّاكم دار كرامته بحقّ كرام خلقه محمّد و آله (علیهم السلام) .

السابع: و أمّا اللذائذ الجسمية، فهي ممّا لا تعدّ و لا تحصى، و نذكر منها بعض ما اُشير إليها في الكتاب العزيز، و الأخبار المروية عن أهل بيت العصمة (علیهم السلام) .

فنقول مقدّمة: لا يخفى أنّ في تلك الآيات و الأخبار ذكر أوصاف الجنّة بما نراه في الدنيا من الذهب و الفضّة، و الدرّ و الياقوت، و الزعفران و العنبر، و الرمّان و العنب، و الخمر و اللبن، و العسل و الماء، و الحرير و الاستبرق و السندس، إلىغير ذلك، و هذه ليس إلاّ لعدم إدراكنا فوق ذلك، و لا يمكن التعبير بغير ذلك.

فهذه مثل قولك في تعريف العلم: إنّ العلم أحلى من العسل، و أنور من الشمس، و أطيب من المسك؛ لأنّا لا ندرك الدرجة الأعلى من الحلاوة إلاّ في العسل، و النور إلاّ في الشمس، و الطيب إلاّ في المسك، و إلاّ فأين حلاوة العلم و نورانيته و طيبه مع ما ذكر، فكيف يمكن مقايسة ما في الجنّة مع ما في الدنيا؟

آنچه می گويم بقدر فهم توست

مردم اندر حسرت فهم درست

ص: 483


1- _ سورة ق: 35.

و كما ترى في المحاورات سيما في ألسنة الشعراء في تشبيه وجه المحبوبة بالبدر ليلة تمامه، و شعره بالمسك الأذفر و نحوها، و كذا تشبيه الشجاع بالأسد حتّى قيل لأميرالمؤمنين (علیه السلام) : أسد اللّه و أسد رسوله. إلى غير ذلك. و هذه ليست مجازات، أو ارتكاب خلاف الظاهر منها، بل ذلك متداول في جميع الألسنة و اللغات.

إذا عرفت ذلك، فنقول: قال اللّه تعالى في وصف أطعمتها: {يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَكْوابٍ وَ فيها ما تَشْتَهيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ}(1)، و قال تعالى: {لَكُمْ فيها فاكِهَةٌ كَثيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ}(2)، و قال تعالى: {أُكُلُها دائِمٌ}(3)، و قال تعالى: {وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا}.(4)و في وصف أشربتها قال تعالى: {وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً}(5)، و قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}.(6)

و في عيونها قال تعالى: {عَيْناً فيها تُسَمَّى سَلْسَبيلاً}(7)، و قال تعالى: {إِنَّ

ص: 484


1- _ سورة الزخرف: 71.
2- _ سورة الزخرف: 73.
3- _ سورة الرعد: 35.
4- _ سورة مريم: 62.
5- _ سورة الإنسان: 21.
6- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 15.
7- _ سورة الإنسان: 18.

الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً}(1)، و قال تعالى: {وَ يُسْقَوْنَ فيهْا كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبيلاً}(2)، و قال تعالى: {مِنْ رَحيقٍ مَخْتُومٍ}(3)، و قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}(4)، و قال تعالى: {وَ كَأْسٍ مِنْ مَعينٍ}(5)، و قال تعالى: {وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنيمٍ}، {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}.(6)

و في ألبستها قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ}(7)، و قال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }.(8)

و في منازلهم قال تعالى: {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}(9) و قال تعالى: {وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً}(10) و قال تعالى: {مُتَّكِئينَ فيها عَلَى

ص: 485


1- _ سورة الإنسان: 5.
2- _ سورة الإنسان: 17.
3- _ سورة المطفّفين: 25.
4- _ سورة الكوثر: 1.
5- _ سورة الواقعة: 18.
6- _ سورة المطفّفين: 27 _ 28.
7- _ سورة الكهف: 31.
8- _ سورة الحجّ: 23.
9- _ سورة الزمر: 20.
10- _ سورة التوبة: 72.

الْأَرائِكِ}(1)، و قال تعالى: {مُتَّكِئينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}.(2)

و في زوجاته قال تعالى: {فيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ}(3)، و قال تعالى: {فيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ}(4)، و قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ}(5)، و قال تعالى: {وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عينٍ}(6)، و قال تعالى: {وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عينٌ}، {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}.(7)

و في غلمانها قال تعالى: {وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ}.(8)

و في فرشها قال تعالى: {عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ}(9)، و قال تعالى: {عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤنَ}(10)، و قال تعالى: {فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}(11)، و قال تعالى:

ص: 486


1- _ سورة الكهف: 31.
2- _ سورة الرحمن: 54.
3- _ سورة الرحمن: 56.
4- _ سورة الرحمن: 70.
5- _ سورة الرحمن: 72.
6- _ سورة الدخان: 54 و سورة الطور: 20.
7- _ سورة الصافّات: 48 _ 49.
8- _ سورة الطور: 24.
9- _ سورة الصافّات: 44.
10- _ سورة يس: 56.
11- _ سورة الرحمن: 54.

{عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}(1)، و قال تعالى: {سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ}.(2)

و بالجملة قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.(3)

و أمّا الأخبار، فغير محصورة في ذلك الباب، و نكتفي بذكر قليل منها:

فمنها: ما عن أمالي الصدوق (قدس سره) ، بسنده عن البلال، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : إِنَّ سُورَ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَ لَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتٍ، وَ مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَ شُرَفُهَا الْيَاقُوتُ الْأَحْمَرُ وَ الْأَخْضَرُ وَ الْأَصْفَرُ.(4)و منها: ما عن الصافي، عن الأمالي، عن ابن عبّاس: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}، قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا هُوَ الْكَوْثَرُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ!؟ قَالَ: نَهَرٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهِ.

قَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : إِنَّ هَذَا لَنَهَرٌ شَرِيفٌ، فَانْعَتْهُ لَنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: نَعَمْ، يَا عَلِيُّ! الْكَوْثَرُ نَهَرٌ يَجْرِي تَحْتَ عَرْشِ اللَّهِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، حَصَاهُ الزَّبَرْجَدُ وَ الْيَاقُوتُ وَ الْمَرْجَانُ، حَشِيشُهُ الزَّعْفَرَانُ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، قَوَاعِدُهُ تَحْتَ عَرْشِ اللَّهِ (عزوجل) ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَدَهُ عَلَى جَنْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) وَ قَالَ: يَا عَلِيُّ! إِنَّ هَذَا النَّهَرَ لِي وَ

ص: 487


1- _ سورة الواقعة: 15.
2- _ سورة الغاشية: 13.
3- _ سورة السجدة: 17.
4- _ الأمالي( للصدوق)، ص213؛ بحار الأنوار، ج8، ص116، ح1 و ج81، ص125؛ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص295.

لَكَ وَ لِمُحِبِّيكَ مِنْ بَعْدِي.(1)

و منها: ما في الكفاية قال: و في الرواية، إنّ طوبى شجرة في الجنّة أصلها في بيت أميرالمؤمنين (علیه السلام) ، و في كلّ منزل من منازلها له غصن من أغصانها، و في ذلك الغصن جميع أنوار الثمار، فإذا خطر بخاطر المؤمن رمّانة من الرمّان مثلاً تدلّى ذلك الغصن إلى قربه، و تكلّم الرمّان و قالت: كل واحدة منه، كلني يا ولي اللّه، فتأتي إليه واحدة منهنّ، فإذا أكلها ارتفع القشر إلى مكانها فصارت رمّانة، فثمارها لا تنقص أبداً.

و قد شبّه الصادق (علیه السلام) بالسراج في الدنيا، فإنّه لو أخذ منه ألف سراج لم ينقص من ناره و ضوئه شيء.

و روي أنّ أهل الجنة يقسّم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا و أكلهم وجماعهم، فإذا أكل ما شاء سقي شراباً طهوراً، فيذهب ما أكل، و يصير عرقاً كالمسك يرشح من بدنه، فتطهر بطنه و تعود شهوته.(2) انتهى كلامه (قدس سره) .

و منها: ما عن البحار، عن الكنز، عن محمّد بن عبّاس مسنداً عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً}، فَقَالا: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَالَ: قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ فِي الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَاراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتاً مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشاً، مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرَأَةٌ

ص: 488


1- _ الأمالي للشيخ المفيد، ص294، المجلس35، ح5؛الأمالي (للطوسي)، ص69، ح102؛ بحار الأنوار، ج8، ص18، ح2 و ج39، ص299، ح106.
2- _ بحار الأنوار، ج8، ص113.

مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفاً وَ وَصِيفَةً، وَ قَالَ: فَيُعْطِي اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْقُوَّةِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.(1)

أقول: الخبر المروي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في فضائل كلّ يوم من شهر رمضان و صيامه و دعائه قريب من هذا الحديث، فراجع.

و منها: ما عن البحار، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لَمَّا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ رَأَيْتُ فِيهَا شَجَرَةَ طُوبَى، أَصْلُهَا فِي دَارِ عَلِيٍّ (علیه السلام) وَ مَا فِي الْجَنَّةِ قَصْرٌ وَ لَا مَنْزِلٌ إِلَّا وَ فِيهَا فُتْرٌ مِنْهَا، وَ أَعْلَاهَا أَسْفَاطُ حُلَلٍ مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ، يَكُونُ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَلْفُ أَلْفِ سَفَطٍ، فِي كُلِّ سَفَطٍ مِائَةُ أَلْفِ حُلَّةٍ مَا فِيهَا حُلَّةٌ يُشْبِهُ الْأُخْرَى عَلَى أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ،وَ هُوَ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.(2)

و منها: ما عن البحار، عن كتاب العدّة، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لَوْ أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أُلْقِيَ إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، لَمْ يَحْتَمِلْهُ أَبْصَارُهُمْ، وَ لَمَاتُوا مِنْ شَهْوَةِ النَّظَرِ إِلَيْه.(3)

قال في الكفاية: و قد ورد عنهم (علیهم السلام) : كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ، وَ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ.(4)

و منها: ما عن الكافي، عن الصادق (علیه السلام) ، عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في قوله تعالى:

ص: 489


1- _ بحار الأنوار، ج8، ص149، ح84؛ تأويل الآيات الظاهرة، ص665؛ تفسير كنز الدقائق، ج 13، ص236.
2- _ بحار الأنوار، ج8، ص137، ح49.
3- _ بحار الأنوار، ج8، ص191، ح168؛ عدة الداعي و نجاح الساعي، ص109.
4- _ بحار الأنوار، ج8، ص191ف ح168.

{وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}(1)، قال: فِيهَا فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَ الدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ حَشْوُهَا الْمِسْكُ وَ الْكَافُورُ وَ الْعَنْبَرُ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ (عزوجل) : {وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}، الی ان قَالَ: وَ أُلْبِسَ سَبْعِينَ حُلَّةَ حَرِيرٍ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ ضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ مَنْسُوجَةً بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ.(2)

و منها: ما عن البحار، عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا يَتَلَذَّذُونَ بِشَيْ ءٍ فِي الْجَنَّةِ أَشْهَى عِنْدَهُمْ مِنَ النِّكَاحِ.(3)

و منها: ما عن الاحتجاج، عن الصادق (علیه السلام) ، حيث سأله زنديق قَالَ: فَكَيْفَ تَكُونُ الْحَوْرَاءُ فِي جَمِيعِ مَا أَتَاهَا زَوْجُهَا عَذْرَاءَ؟ قَالَ (علیه السلام) : لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الطَّيِّبِ لَا يَعْتَرِيهَا عَاهَةٌ وَ لَا يُخَالِطُ جِسْمَهَا آفَةٌ وَ لَا يَجْرِي فِي ثَقْبِهَا شَيْ ءٌ وَ لَا يُدَنِّسُهَا حَيْضٌ فَالرَّحِمُ مُلْتَزِقَةٌ مِلْدَمٌ إِذْ لَيْسَ فِيهَا لِسِوَى الْإِحْلِيلِ مَجْرًى، قَالَ: فَهِيَ تَلْبَسُسَبْعِينَ حُلَّةً وَ يَرَى زَوْجُهَا مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا وَ بَدَنِهَا؟ قَالَ (علیه السلام) : نَعَمْ كَمَا يَرَى أَحَدُكُمُ الدَّرَاهِمَ إِذَا أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ صَافٍ قَدْرُهُ قَدْرُ رُمْحٍ.(4)

إلى غير ذلك من الأخبار، و من أراد فراجع إلى المطوّلات.

المبحث الثالث: في أوصاف جهنّم و عقوباتها أعاذنا اللّه منها برحمته

و الكلام فيها من حيث كونها مخلوقة الآن، و من حيث مكانها، و من حيث كونها محسوسة جسمانية قد تقدّم، و من حيث إنّها و ما فيها من طعامها و شرابها

ص: 490


1- _ سورة الواقعة: 34.
2- _ بحار الأنوار، ج 8، ص158، ح98؛ الكافي، ج8، ص97، ح69. عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) .
3- _ بحار الأنوار، ج8، ص139، ح53؛ الكافي، ج5، ص321، ح10.
4- _ الاحتجاج، ج2، ص351؛ بحار الأنوار، ج8، ص136، ح48 عنه .

و حيّاتها و عقاربها و ألبستها و نارها و سلاسلها و أعمدتها و كلابها، و غيرها ممّا ذكر اللّه تعالى في كتابه، أو ورد في لسان الأخبار، خارجٌ فهم حقيقتها عن مقدرة البشر، و إنّما القدر الممكن منها تشبيهاً و التعبير عنها بما في عالم الدنيا نظير ما تقدّم في نعماء الجنّة، و نحن نذكر في المقام بعض الآيات الواردة فيها، و نشير إلى قليل من أخبارها، و نحيل التفصيل فيها إلى المطوّلات.

قال تعالى: {لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}(1).

و في أطعمتها قال تعالى: {وَ طَعاماً ذا غُصَّةٍ}(2)، و قد فسّر ذا غصّة بذي شوك يأخذ الحلق، فلا يدخل فيها و لا يخرج.

و قال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَريعٍ}(3)، قيل: هو نوع من الشوك إذا يبس، و هو أخبث طعام.و قال تعالى: {لآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ}، {فَمالِؤنَ مِنْهَا الْبُطُونَ}(4)، و قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ}، {طَعامُ الْأَثيمِ}، {كَالْمُهْلِ يَغْلي فِي الْبُطُونِ}، {كَغَلْيِ الْحَميمِ}(5)، و قال تعالى: {وَ لا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلينٍ}، {لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ

ص: 491


1- _ سورة الحجر: 44.
2- _ سورة المزمّل: 13.
3- _ سورة الغاشية: 6.
4- _ سورة الواقعة: 52 _ 53.
5- _ سورة الدخان: 43 _ 46.

الْخاطِؤنَ}(1)، و فسّر الغسلين بمدفوعات أهل النار بعد أكل الزقّوم.

و في أشربتها قال تعالى: {لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَميمٍ}(2)، و فسّر بالماء الشديد الحرارة.

و قال تعالى: {وَ سُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ}.(3)

و قال تعالى: {وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَديدٍ}، {يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسيغُهُ}(4)، و فسّر الصديد بالقيح و الدم الخارجین من فروج الزواني، و قد روي عن الصادق (علیه السلام) .(5)

و قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً}.(6)

و قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فيها بَرْداً وَ لا شَراباً}، {إِلاَّ حَميماً وَ غَسَّاقاً}(7)، الحميم: الماء الشديد الحرارة، و الغسّاق: شديد البرودة، كما عن ابن عبّاس.

ص: 492


1- _ سورة الحاقّة: 36 _ 37.
2- _ سورة الأنعام: 70.
3- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 15.
4- _ سورة إبراهيم: 16 _ 17.
5- _ تفسير القمّي، ج1، ص368.
6- _ سورة الكهف: 29.
7- _ سورة النبأ: 24 _ 25.

و قال تعالى: {تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}(1)، و قد فسّر بعين لها أنين و ضجّة تشتعل منها نار جهنّم.

و في ألبستها قال تعالى: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ}.(2)

و قال تعالى: {سَرابيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}.(3)

و في سلاسلها و أغلالها قال تعالى: {إِذِ الْأَغْلالُ في أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}، {فِي الْحَميمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}.(4)

و قال تعالى: {وَ تَرَى الْمُجْرِمينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنينَ فِي الْأَصْفادِ}.(5)

و قال تعالى: {وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ في أَعْناقِ الَّذينَ كَفَرُوا}.(6)

و قال تعالى: {فَيُؤخَذُ بِالنَّواصي وَ الْأَقْدامِ}.(7)

و قال تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}، {ثُمَّ الْجَحيمَ صَلُّوهُ}، {ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ}.(8)

ص: 493


1- _ سورة الغاشية: 5.
2- _ سورة الحجّ: 19.
3- _ سورة إبراهيم: 50.
4- _ سورة غافر: 71 _ 72.
5- _ سورة إبراهيم: 49.
6- _ سورة سبأ: 33.
7- _ سورة الرحمن: 41.
8- _ سورة الحاقّة: 31 _ 33.

و في مقامعها و أعمدتها قال تعالى: {وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَديدٍ}، {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعيدُوا فيها}.(1)

و في أقرانها قال تعالى: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرينٌ}،الی قوله: {قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ}.(2)

و في كيفية صور أهل النار قال تعالى: {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}.(3)

و قال تعالى: {كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً}.(4)

و قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسيماهُمْ}.(5)

و قال تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فيها كالِحُونَ}.(6)

و في الملائكة الموكّلين عليها قال تعالى: {عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤمَرُونَ}.(7)

و قال تعالى: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ}.(8)

ص: 494


1- _ سورة الحجّ: 21 _ 22.
2- _ سورة الزخرف: 36 _ 38.
3- _ سورة الزمر: 60.
4- _ سورة يونس: 27.
5- _ سورة الرحمن: 41.
6- _ سورة المؤمنون: 104.
7- _ سورة التحريم: 6.
8- _ سورة المدّثر: 30.

و في صعوبة عذابها قال تعالى: {وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَليظٌ}.(1)

و قال تعالى: {وَ أَنَّ عَذابي هُوَ الْعَذابُ الْأَليمُ}.(2)

و قال تعالى: {فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّديدِ}.(3)

و في سعتها قال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ}.(4)

و في دركاتها قال تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.(5)و في آلامها الروحية قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.(6)

و قال تعالى: {أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}.(7)

و قال تعالى: {الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا}.(8)

و قال تعالى: {وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.(9)

ص: 495


1- _ سورة إبراهيم: 17.
2- _ سورة الحجر: 50.
3- _ سورة ق: 26.
4- _ سورة ق: 30.
5- _ سورة النساء: 145.
6- _ سورة المطفّفين: 15.
7- _ سورة آل عمران: 77.
8- _ سورة الجاثية: 34.
9- _ سورة السجدة: 14.

و قال تعالى: {كَذلِكَ يُريهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ}.(1)

و قال تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ}.(2)

و قال تعالى: {وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً}.(3)

و قال تعالى: {وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ}.(4)

و قال تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزيزُ الْكَريمُ}.(5)

و قال تعالى: {وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرينَ}.(6)

و قال تعالى: {قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ}، {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ}، {قالَ اخْسَؤا فيها وَ لا تُكَلِّمُونِ}.(7)و قال تعالى: {وَ قالَ الَّذينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ}، إلى قوله {وَ ما دُعاءُ

ص: 496


1- _ سورة البقرة: 167.
2- _ سورة الزمر: 56.
3- _ سورة الفرقان: 27.
4- _ سورة الزخرف: 77.
5- _ سورة الدخان: 49.
6- _ سورة الأعراف: 50.
7- _ سورة البقرة: 106 _ 108.

الْكافِرينَ إِلاَّ في ضَلالٍ}.(1)

و قال تعالى: {وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ _ إلى قوله _ فَلا تَلُومُوني وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}.(2)

و قال تعالى: {وَ بَرَزُوا لِلَّه جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا _ إلى قوله _ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحيصٍ}.(3)

و قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ}.(4)

و قال تعالى: {الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقينَ}.(5)

و قال تعالى: {هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ}، إلى قوله: {عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ}.(6)

و قال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}، {عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ}.(7)

ص: 497


1- _ سورة غافر: 49 _ 50.
2- _ سورة إبراهيم: 22.
3- _ سورة إبراهيم: 21.
4- _ سورة القلم: 30.
5- _ سورة الزخرف: 67.
6- _ سورة ص:59 و 61.
7- _ سورة المطفّفين: 34 _ 35.

و قال تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}.(1)و قال تعالى: {فَم لِلظَّالِمينَ مِنْ نَصيرٍ}.(2)

و قال تعالى: {ما لِلظَّالِمينَ مِنْ حَميمٍ وَ لا شَفيعٍ}.(3)

إلى غير ذلك من الآيات.

و أما الأخبار، فكثيرة جدّاً، و نحن نشير إلى قليل منها، و فيه كفاية لمن استبصر:

فعن أميرالمؤمنين (علیه السلام) لأحنف بن قيس، قال (علیه السلام) : لَتُتْرَكَنَّ فِي سَرَابِيلِ الْقَطِرَانِ وَ لَتَطُوفَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ، وَ لَتُسْقَيَنَّ شَرَاباً حَارَّ الْغَلَيَانِ فِي إِنْضَاجِهِ، فَكَمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّارِ مِنْ صُلْبٍ مَحْطُومٍ، وَ وَجْهٍ مَهْشُومٍ، وَ مُشَوَّهٍ مَضْرُوبٍ عَلَى الْخُرْطُومِ، قَدْ أَكَلَتِ الْجَامِعَةُ كَفَّهُ، وَ الْتَحَمَ الطَّوْقُ بِعُنُقِهِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ يَا أَحْنَفُ يَنْحَدِرُونَ فِي أَوْدِيَتِهَا، وَ يَصْعَدُونَ جِبَالَهَا، وَ قَدْ أُلْبِسُوا الْمُقَطَّعَاتِ مِنَ الْقَطِرَانِ، وَ أُقْرِنُوا مَعَ فُجَّارِهَا وَ شَيَاطِينِهَا، فَإِذَا اسْتَغَاثُوا بِأَسْوَإِ أَخْذٍ مِنْ حَرِيقٍ شَدَّتْ عَلَيْهِمْ عَقَارِبُهَا وَ حَيَّاتُهَا، وَ لَوْ رَأَيْتَ مُنَادِياً يُنَادِي وَ هُوَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَ نَعِيمِهَا! وَ يَا أَهْلَ حُلِيِّهَا وَ حُلَلِهَا! خَلِّدُوا فَلَا مَوْتَ، فَعِنْدَهَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُمْ، وَ تُغْلَقُ الْأَبْوَابُ، وَ تَنْقَطِعُ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، فَكَمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ شَيْخٍ يُنَادِي: وَا شَيْبَتَاهْ! وَ كَمْ مِنْ شَابٍّ يُنَادِي: وَا شَبَابَاهْ! وَ كَمْ مِنِ امْرَأَةٍ تُنَادِي: وَا فَضِيحَتَاهْ! هُتِكَتْ عَنْهُمُ السُّتُورُ، فَكَمْ

ص: 498


1- _ سورة البقرة: 15.
2- _ سورة فاطر: 37.
3- _ سورة غافر: 18.

يَوْمَئِذٍ مِنْ مَغْمُوسٍ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا مَحْبُوسٌ.(1)

و عنه (علیه السلام) : وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ، فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ، وَ غَلَّ الْأَيْدِيَ إِلَى الْأَعْنَاقِ، وَ قَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ، وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ وَ مُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ فِي عَذَابٍقَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ(2) وَ لَجَبٌ(3) وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ وَ قَصِيفٌ هَائِلٌ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا، وَ لَا يُفَادَى أَسِيرُهَا، وَ لَا تُفْصَمُ كُبُولُهَا، لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى، وَ لَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى.(4)

و عنه (علیه السلام) : نَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا سَاطِعٍ لَهَبُهَا مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا بَعِيدٍ خُمُودُهَا ذَاكٍ وُقُودُهَا مَخُوفٍ وَعِيدُهَا عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا حَامِيَةٍ قُدُورُهَا فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا.(5)

و عن الصدوق، عن الباقر (علیه السلام) لعمرو بن ثابت، قال (علیه السلام) : مَا ظَنُّكَ يَا عَمْرُو بِقَوْمٍ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، عِطَاشٍ فِيهَا جِيَاعٍ، كَلِيلَةٍ أَبْصَارُهُمْ، صُمٍّ بُكْمٍ عُمْيٍ، مُسْوَدَّةٍ وُجُوهُهُمْ، خَاسِئِينَ فِيهَا نَادِمِينَ، مَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ فَلَا يُرْحَمُونَ، وَ مِنَ الْعَذَابِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ وَ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ وَ مِنَ الْحَمِيمِ يَشْرَبُونَ وَ مِنَ الزَّقُّومِ يَأْكُلُونَ وَ بِكَلَائِبِ النَّارِ يُحْطَمُونَ وَ بِالْمَقَامِعِ يُضْرَبُونَ وَ الْمَلَائِكَةُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ لَا يَرْحَمُونَ وَ هُمْ فِي

ص: 499


1- _ بحار الأنوار، ج7، ص220 _ 221، ح133 و ج65، ص172، ح31؛صفات الشيعة(للصدوق)، ص43.
2- _ الكلب بالتحريك: الشدّة.
3- _ أي: الصوت.
4- _ بحار الأنوار، ج7، ص114، ح49؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص162، خطبة109.
5- _ بحار الأنوار، ج7، ص207، ح96؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص162، خطبة190.

النَّارِ يُسْحَبُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ، وَ مَعَ الشَّيَاطِينِ يُقَرَّنُونَ، وَ فِي الْأَنْكَالِ وَ الْأَغْلَالِ يُصَفَّدُونَ إِنْ دَعَوْا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُمْ، وَ إِنْ سَأَلُوا حَاجَةً لَمْ تُقْضَ لَهُمْ، هَذِهِ حَالُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ.(1)

إلى غير ذلك من الأخبار، و في ذلك كفاية لمن اتّعظ، أعاذنا اللّه و جميع المؤمنين منها بفضله و كرمه و رحمته بحقّ نبيه و خلفائه صلّى اللّه عليهم.

المبحث الرابع: في الخلود و التسرمد

قد ثبت بنصّ القرآن المجيد و تواتر الأخبار الناصّة و ضرورة من الدين أنّ أهل الجنّة بمعنى كلّ من دخل فيها مخلّد فيها، متنعّم بنعيمها أبداً سرمداً، لا فناء لها و لا زوال.

و أمّا أهل النار، فعلى قسمين، فإن كانوا من أهل التوحيد بالمعنى الذي سيأتي إن شاء اللّه تعالى بيانه، فيمكث فيها ما شاء اللّه على اختلاف أمدهم و طول مكثهم.

و أمّا الكفّار و المشركين و المنافقين و من يحذو حذوهم، فهم فيها خالدون معذّبون أبداً سرمداً، لا يقضى عليهم و لا يخفّف عنهم.

و قد خالف في ذلك جماعة من الحكماء و العرفاء الصوفية و الشيخية لشبهات وردت عليهم على اختلاف أقوالهم و شبهاتهم، و نحن لابدّ من أن نذكر أقوالهم و شبهاتهم، ثمّ نجيب عنها بعون اللّه تعالى، متمسّكاً بحبل أوليائه صلوات اللّه عليهم متوكّلاً عليه، فإنّه ولي ذلك.

ص: 500


1- _ الأمالي( للصدوق)، ص557، ح14؛ بحار لأنوار، ج8، ص281، ح3.

فنقول: الشبهة الاُولى: ما ذكره بعض العرفاء و المتصوّفة: إنّ الممكن من حيث إنّه ممكن يكون في الحركة الجوهرية في طريق الكمال و السير إلى اللّه تعالى، و العلّة الغائية في إيجاد الممكنات عين العلّة الفاعلية، و هو اللّه كما بدأكم تعودون، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.

و قد قال المولوي: «از جمادى مردم و نامى شدم» إلى قوله:بعد از آن هم از ملك پران شدم

آنچه اندر وهم نايد آن شدم

پس عدم گردم عدم چون ارغنون

گويدم كانّا إليه راجعون

فعلى هذا يطوي الجنّة و النار و ما فيهما بعد تكامل السير و الحركة.

أقول: هذا الكلام مبني على أصلهم الفاسد، و هو القول بوحدة الوجود و كثرة الموجود، بمعنى كثرة التعلّقات و الماهيات، و ليس في دار التحقّق إلاّ الوجود الواحد، فالماهيات إنّما هي لها ربط و إضافة بالعرض، و كلّما بالعرض يزول، و قد قال المولوي أيضاً:

چون كه بى رنگى اسير رنگ شد

موسئى با موسئى در جنگ شد

چون دو رنگى از ميان برداشتى

موسى و فرعون كردند آشتى

و هذا الأصل فاسد جدّاً؛ لما حقّق في محلّه أنّ الأصل هو الوجود، و الماهية أمر اعتباري، و الوجود مقول بالتشكيك، له مراتب غير متناهية من حيث الكمال و النقص، و الشدّة و الضعف، و أفراد متفاوتة أعلا مراتبه وجود الحقّ غير المتناهي شدّةً و عدّةً و مدّةً، و أدنى مراتبه وجود مادّة الموادّ الهيولى

ص: 501

الإمكانية، و بينهما مراتب متفاوتة،(1)

فأين التراب و ربّ الأرباب، و أين الممكن مع الواجب و الفقير و الغني و الناقص و الكامل.

الشبهة الثانية: ما ذكره بعض الحكماء الطبيعي، من أنّ الحياة الحيوانية المنبعثة من البخار الغليظة إنّما هي باقية مادام بقاء الرطوبة في البدن، فإذا ورد الإنسان في النار سيما في نار جهنّم، جفّ و يبس البدن، فيزول الحياة، و من هنا ننكر خلود أهل النار في النار.

و الجواب: أنّ القادر المتعال يقدر على إبقاء الحياة و البدن، كما نرى في بعض الأجسام، كالكرات الجوّية، و الأجسام الفلكية، سيّما على القول الطبيعي القائل بدوامها، و قد أخبر في كتابه بقوله تعالى: {وَ يَأْتيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ}(2)، و قوله تعالى: {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}.(3)

الشبهة الثالثة: لغوية الخلود و التسرمد في العذاب؛ لأنّ الأفعال الصادرة عن اللّه لابدّ أن يكون لحكمة و غرض و فائدة، و أيّ فائدة في خلود العذاب؛ لأنّ الفائدة إن كانت راجعةً إلى اللّه، فهو غني بالذات، و إن كانت راجعةً إلى العبد، فالمفروض أنّه ليس له إلاّ الضرر، فيوجب اللغوية، بل قد يدّعى أنّه قبيح عقلاً؛

ص: 502


1- _ أقول: قد تقدّم منّا في بحث التوحيد أنّ هذا القول أيضاً فاسد و کاسد و مآله إلی وحدة الوجود التي إعترف المصنّف بفسادها و يلزم منه السنخيّة و المشابهة بينه تعالی و بين خلقه بل العينيّة و غير ذلک من التوالي الفاسدة التي في القول بوحدة الوجود فلاحظ کتابنا «تنزيه المعبود في الردّ علی وحدة الوجود».(عا)
2- _ سورة إبراهيم: 17.
3- _ سورة النساء: 56.

لأنّ الإضرار إلى الغير من دون مصلحة و فائدة ظلم قبيح.

و الجواب أمّا أوّلاً: أنّه لو تمّ يوجب إنكار العذاب رأساً لا الخلود فقط.

و ثانياً: أنّ عدم معرفة الحكمة و المصلحة لا يدلّ على عدم الحكمة و المصلحة، كما نرى بالوجدان أنّا لا نعرف مصالح كثير من أفعال اللّه مع أنّها تكون عن مصلحة قطعاً.

و ثالثاً: أنّه تعالى عدل في فعله، و معنى العدل إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فإذا فرض أنّ الكافر مثلاً يستحقّ العذاب الأبدي، كما سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى، فإعطاء حقّه عدل حسن لا قبح فيه و لا لغوية يعتريه.

الشبهة الرابعة: أنّ الكفّار و الفجّار إنّما عصوا الجبّار في مدّة أعمارهم، فيقتضي تعذيبهم طبقاً لتلك المدّة؛ لقوله تعالى: {وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}(1)، فيكون التعذيب زائداً عن هذا المقدار ظلم عليهم، تعالى اللّه عنه علوّاً كبيراً.

و الجواب: أنّ عمدة العذاب في القيامة يكون لأجل الملكات و الصفات الرذيلة و الأخلاق السيّئة، بل العقوبة على الأفعال و المعاصي لكشف تلك الأفعال عن تلك الملكات، سيّما ملكة الكفر و الشرك و الطغيان، و تلك الملكات إنّما تتغيّر في هذه النشأة، أمّا الآخرة فهي معهم دائماً، و تقتضي تعذيبهم دائماً، و قد أشار إليه في كتابه العزيز: {وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ}.(2)

ص: 503


1- _ سورة الشورى: 40.
2- _ سورة الأنعام: 28.

و لعلّ هذا هو المراد في الأخبار، مثل ما عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُالنَّارِ فِي النَّارِ، لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ أَبَداً، ثمّ تمسّك بقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ}(1)، قال (علیه السلام) : أَيْ عَلَى نِيَّتِهِ.(2)

و مثل قوله (علیه السلام) : إِنَّ اللَّهَ يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(3)

و قولهم (علیهم السلام) : نيّة الكافر شرّ من عمله(4).

أقول: البحث في نيّة السوء هل تكتب أو لا تكتب، و هل تكون ذنباً مغفوراً عنه أم لا، أو التفصيل بين أقسام النيّات، كما حقّقناه في محلّه، موكول الى محلّه، فلابدّ من حمل تلك الأخبار على ما ذكرنا.

الشبهة الخامسة: ما نسب إلى بعض الحكماء، كالشيخ إبن عربي في الفتوحات، و القيصري في شرح الفصوص، و صدر المتألّهين في الأسفار و العرشية، من أنّا لا ننكر الخلود في العذاب، و إنّما ننكر تسرمد العذاب.

بل نقول: إنّ أهل النار في النار بعد مكثهم فيها مدّة تحصل لهم طبيعة مناسبة مع النار بحيث يلتذّون بها، فلو اُخرجوا منها يكون تعذيباً لهم، نظير الملائكة الموكّلين في النار و الحيّات و العقارب التي فيها حيث إنّهم لا يتأذّون و لا يتألّمون منها، كالجعل يتضرّر بريح الورد و يلتذّ بالنتن، و كالحروري

ص: 504


1- _ سورة الإسراء: 84.
2- _ بحار الأنوار، ج 67، ص209، ح30؛ المحاسن، ج 2، ص331، ح94.
3- _ بحار الأنوار، ج 67، ص209، ح29؛ المحاسن، ج 1، ص262، ح325.
4- _ بحار الأنوار، ج 67، ص189، ح2؛ الكافي، ج2، ص84، ح2.

يتأذّى بريح المسك.

و الجواب: مضافاً إلى أنّ ذلك مجرّد تخمين و حدس لا يساعد عليه البرهان.أوّلاً: أنّ عذاب الجحيم ليس نوعاً واحداً، بل يتجدّد و يضاعف لهم العذاب، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(1)، و هم دائماً ينقلبون إلى الحالة الأوّلية ليذوقوا العذاب، قال تعالى: {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}.(2)

و ثانياً: نمنع كون كلّ عذاب يصير ملائماً للطبع، كما نرى بالوجدان في كثير من البليات الدنيوية، مثلاً من ابتلي بوجع الرأس و العين و غيرهما يكون دائماً متأذّياً و لا يصير الوجع مثلاً كالطبيعة، و كالفقر و أمثاله من البليات.

الشبهة السادسة: ما ذكره هؤلاء أيضاً من أنّ الأشياء كلّها لاسيّما الإنسان تكون بذاتها مشتاقاً إلى لقائه و محبّاً له، و الكراهة و العداوة طارءة بالعرض، و كلّ ما بالعرض يزول، فإذا عذّب مدّة برأ من المرض، و يعود إلى ما بالذات، فإذا أحبّوا لقاءه تعالى و اشتاقوا أحبّ اللّه لقاءهم، فيزول عنهم العذاب.

و الجواب: أنّه قد حقّق في محلّه أنّ الملكات النفسانية من مراتب النفس، سيّما على القول باتّحاد العاقل و العقل و المعقول لا العوارض، سيّما على قول هؤلاء من الحركة الجوهرية، غاية الأمر في عالم الآخرة نمنع الحركة الجوهرية؛ لأنّها دار باقية، فكلّ باقٍ على ملكاته التي اكتسبها في هذه النشأة لا يتغيّر و لا يتبدّل و لا يزول، فعدوّ اللّه و الكاره لقائه يكون دائماً عدوّه و كاره لقاؤه، فيكون معذّباً دائماً.

ص: 505


1- _ سورة الأعراف: 38.
2- _ سورة النساء: 56.

الشبهة السابعة: أنّ الرحمة العامّة التي وسعت كلّ شيء لابدّ و أن تشمل الكفّار و أهل النار، و قد ورد في الأخبار أنّ رحمته سبقت غضبه، فلابدّ أنينتهي العذاب و يتبدّل الغضب بالرحمة.

أقول: لا شبهة و لا إشكال في أنّ العنايات الإلهية و التفضّلات الربّانية و الرحمة الواسعة و إن كانت لا قصور فيها، لكنّها إنّما تشمل من له القابلية، فإذا لم يكن الكافر قابلاً للشمول، فالقصور من طرفه لا من طرف الفاعل.

و بالجملة كما هو أرحم الراحمين في موضع العفو و الرحمة، هو أشدّ المعاقبين في موضع النكال و النقمة. و كما يكون أرحميته غير متناهية، يكون أشدّية عقوبته أيضاً غير متناهية.

الشبهة الثامنة: أنّه قد ورد في قوله تعالى: {لابِثينَ فيها أَحْقاباً}(1)، و قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فيها زَفيرٌ وَ شَهيقٌ}، {خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ}(2)، و مقتضى الآيتين محدودية العذاب، و بهما يقيّد الاطلاقات الواردة في القرآن و الأخبار الدالّة على الخلود، كما هو مقتضى الاطلاق و التقييد، فليس دليلاً على الخلود.

و الجواب أوّلاً: أنّه قد حقّق في محلّه أنّ تقييد المطلق إنّما هو فيما إذا كانا متنافيين، و أمّا المتوافقان كالمثبتين فلا، مثلاً إذا قال المولى: أكرم زيداً، ثمّ قال: أكرم العالم، لا يوجب تقييد العالم بخصوص زيد، و المقام من هذا القبيل.

و ثانياً: يمكن أن يكون الإتيان كناية عن الدوام لا المحدودية، كما هو

ص: 506


1- _ سورة النبأ: 23.
2- _ سورة هود: 106 _ 107.

المتعارف في الألسنة.و ثالثاً: يمكن أن يكون هذا لبعض أهل النار، كما تقدّم سابقاً، لا الكفّار و المنافقين مثلاً، و إن كان هذا الجواب ينافي مع قوله تعالى: في حقّ أهل الجنّة أيضاً: {خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ}.(1)

فالأولى أن يقال: بعد الاتّفاق بخلود أهل الجنّة، فلا مناص إلاّ عن القول بكونها كناية عن الدوام، و السياق و احد.

و رابعاً: أنّ كثيراً من الآيات و الأخبار ناصّة في الخلود، بحيث لا يقبل التقييد، فلابدّ أن يحمل الآيتين على ما لا ينافيها، أو الالتزام بإجمالهما، مثل قوله تعالى: {خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ}(2)، و قوله تعالى: {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}(3)، و قوله تعالى: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها}(4) إلى غير ذلك.

و أمّا الأخبار، فمنها: ما تقدّم من كلام أميرالمؤمنين (علیه السلام) من قوله (علیه السلام) : فعندها ينقطع رجاءهم، و ينغلق الأبواب، و ينقطع بهم الأسباب.

و قوله (علیه السلام) : لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَ لَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى.(5)

ص: 507


1- _ سورة هود: 107.
2- _ سورة آل عمران: 88.
3- _ سورة النساء: 56.
4- _ سورة فاطر: 36.
5- _ بحار الأنوار، ج7، ص114، ح49؛ نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص162، خطبة109.

و قول الباقر (علیه السلام) : لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا(1).(2)

و منها: ما في دعاء الكميل: وَ هُوَ بَلَاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَ يَدُومُ مَقَامُهُ، وَ لَا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَضَبِكَ وَ انْتِقَامِكَ وَ سَخَطِكَ.(3)فانظر إلى العلّة كيف تدلّ على المطلوب.

و أصرح من الكلّ كلام علي (علیه السلام) : قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهَا، فَلَا يُفْتَحُ عَنْهُمْ أَبَداً، وَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ أَبَداً، وَ لَا يَنْقَضِي مِنْهُمْ الْغَمُّ أَبَداً(4)

الْعَذَابُ أَبَداً شَدِيدٌ، وَ الْعِقَابُ أَبَداً جَدِيدٌ، لَا الدَّارُ زَائِلَةٌ فَتَفْنَى، وَ لَا آجَالُ الْقَوْمِ تُقْضَى.(5)

إلى غير ذلك من الأخبار. مضافاً إلى قيام ضرورة الدين و إجماع المسلمين و اتّفاق العلماء العاملين، فمع هذا كيف يبقى شبهة، و لولم تكن ما ذكر مفيداً للقطع و دفع الشبهات المذكورة، فأيّ دليل يقتضي القطع سيّما مع ما تقدّم من برهان العقل على كون هؤلاء مع تلك الملكات دائماً، فيقتضي دوام العذاب كما لا يخفى.

نعم يظهر من بعض الأخبار أنّ جماعة من أهل النار الذين لا يستحقّون عذاب الأبد يخرجون من النار و تنالهم الرحمة الواسعة، و شفاعة نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) فيدخلون الجنّة و يتنعّمون فيها، و هذا ممّا لا كلام فيه.

ص: 508


1- _ سورة فاطر، 36.
2- _ الأمالي( للصدوق)، ص557، المجلس82، ح14؛ بحار الأنوار، ج8، ص281، ح3.
3- _ مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج 2، ص847.
4- _ في بحار الأنوار: وَ لَا يَنْقَضِي مِنْهُمْ عُمُرٌ أَبَداً.
5- _ بحار الأنوار، ج8، ص292، ح34؛ تفسير القمّي، ج2، ص289.

و لم يقم دليل قطعي على خلود جميع أهل النار، إنّما الكلام فى تعيين الموضوع، ففي بعض الأخبار و كلمات بعض الأصحاب أنّهم العصاة من أهل الإيمان إذا كانت معاصيهم كثيرة، بحيث لم تدركهم الرحمة و الشفاعة قبل دخول النار، إلاّ أنّه ينافي مع ما سيأتي في الخاتمة إن شاء اللّه تعالى أنّ من مات مؤمناً نجي ببركة أهل بيت العصمة و لو بلغ ما بلغ من المعصية، و عمدة الخوف عن المعاصي صيرورتها موجباً لزوال الإيمان، و عقوبات عالم البرزخ و عقبات القيامة.و في بعض الأخبار أنّهم العصاة من أهل التوحيد، و هذه بإطلاقها يشمل أهل الخلاف، إلاّ أنّه حينئذ لابدّ من حملها على من لم يبغض الأئمّة (علیهم السلام) و لم يعاندهم، و لم يكونوا مقصّرين في ترك تحصيل الإيمان؛ لأنّ عقوبة هؤلاء أشدّ من الكفّار و المشركين بنصّ الأخبار.

و يمكن أن يقال بل لا يبعد أن يكون ذلك لكلّ مستضعف من النساء و بعض الرجال البعيدة الذين لا يستطيعون حيلةً، سواء كانوا من الكفّار أو المخالفين، بل الشيعة القاصرين في تكميل العقائد و معرفتها بالمقدار اللازم.

ثمّ إنّ هولاء إن كانوا بعد خروجهم من النار قابلين لدخول الجنّة لأجل إيمانهم و محبّتهم أئمّة الدين يدخلون الجنّة، و إلاّ فلا، و اللّه العالم بأحوال عباده و ما يفعل بهم و ما يستحقّون.

اللّهمّ لا تجعلنا من أصحاب النار، و احشرنا مع الأبرار الأخيار، بحقّ محمّد و آله الأطهار صلواتك عليهم ما دامت الليل و النهار.

ص: 509

خاتمة

فيما يوجب الخوف و الرجاء

و قد بسطنا الكلام فيها في رسالتنا الأخلاقية طبقاً لما استفدنا من كتب الأخلاق من أرادها راجعها، و إنّما نتعرّض الآن في هذا المقال ما يساعدنا المجال و يقتضي الحال.

فنقول: إنّ ما يورث الخوف و يستحسن و يمدح اُمور ثلاثة: الخوف من اللّه تبارك و تعالى جلّت عظمته، و الخوف من ملكاته و أخلاقه و أعماله و تقصيره و طغيانه، و الخوف من سوء الخاتمة.

أمّا الخوف من اللّه، فهو إنّما يحصل بعد المعرفة بعظمته و كبريائه و جبروته و قهره، فكلّ من كان بربّه أعرف كان من اللّه أخوف، كما عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : «أنا أخوفكم من اللّه»(1)، و حكايات خوف الأنبياء و الأئمّة (علیهم السلام) و الأمثل فالأمثل مسطورة في محالّها، سيّما أميرالمؤمنين (علیه السلام) و غشواته و حكاياتهم في صلواتهم، و الأدعية الواردة عنهم، مثل دعاء الكميل و أبي حمزة الثمالي و غيرهما مشحونة بذلك.

و قد ورد في مدح هذا الخوف ما ورد من الآيات و الأخبار، مثل قوله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»(2)، و قوله تعالى: {هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلَّذينَ هُمْ

ص: 510


1- _ في الأمالي (للطوسي)، ص119: فَإِنِّي أُخَوِّفُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ.
2- _ سورة فاطر: 28.

لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}(1)، و قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}(2)، و قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}(3)، و قوله تعالى: {وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ}(4)، و قوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى}(5)، و قوله تعالى: {وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى}، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}(6)، و قوله تعالى: {وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ}(7)، إلى غير ذلك من الآيات.

و مثل ما ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ.(8)

و عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) : أَتَمُّكُمْ عَقْلًا وَ أَشَدُّكُمْ لِلَّهِ خَوْفاً.(9)

و عن سيد الساجدين (علیه السلام) في مناجاته: سُبْحَانَكَ عَجَباً لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ لَا يَخَافُكَ.(10)

ص: 511


1- _ سورة الأعراف: 154.
2- _ سورة البيّنة: 8.
3- _ سورة الأنفال: 2.
4- _ سورة آل عمران: 175.
5- _ سورة الأعلى: 10.
6- _ سورة النازعات: 40 _ 41.
7- _ سورة الرحمن: 46.
8- _ بحار الأنوار، ج21، ص211 و ج74، ص133، ح43؛ الخصال، ج 1، ص111، ح83.
9- _ بحار الأنوار، ج67، ص233.
10- _ بحار الأنوار، ج83، ص227.

و عن الباقر (علیه السلام) : مَنْ عَرَفَ اللَّهَ خَافَ اللَّهَ.(1) إلى غير ذلك من الأخبار.

و أمّا الخوف من معاصيه و ملكاته، فهو إنّما يحصل بعد المعرفة بمضارّها، و هي كثيرة:

منها: استحقاق العقوبة و العذاب في كلّ واحد منها ممّا عيّن في الأخبار والآيات.

و منها: البعد عن الرحمة، كما أنّ العبادة توجب القرب.

و منها: اسوداد القلب.

و منها: ضعف الإيمان.

و منها: سلب التوفيق.

و منها: حبس الدعاء.

و منها: عدم الالتذاذ بالمناجات و العبادات.

و منها: نزول البليات و المصائب.

و منها: زوال النعم.

و منها: إيذاء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) و شينهم.

و منها: و هي أعظمها مخالفة أمر اللّه، فعن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْبَسُ

ص: 512


1- _ بحار الأنوار، ج67، ص357، ح3؛ الكافي، ج2، ص68، ح4. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) .

عَلَى ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ مِائَةَ عَامٍ.(1)

و عن الباقر (علیه السلام) : الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ، ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ اللَّهُ فِيهِ، وَ عُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ.(2)

و عنه (علیه السلام) : مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَفْسَدَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَطِيئَةٍ.(3)و عن الصادق (علیه السلام) : رُبَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ السَّيِّئَةَ، فَيَرَاهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى، فَيَقُولُ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي! لَا أَغْفِرُ لَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَداً.(4)

و أمّا الخوف من سوء الخاتمة، فهو إنّما يحصل باُمور ثلاثة:

أحدها: زوال الإيمان بالشبهات الواردة عليها من شياطين الإنس و الجنّ و لو عند الاحتضار بما يورث الجحود أو الشكّ.

ثانيها: ضعف الإيمان، و حبّ الشهوات، و شدّة العلاقة بالدنيا و ما فيها من المال و الجاه و العيال و الأولاد، فيصعب عليه مفارقتها، و يكره لقاء اللّه، فيحدث في قلبه بغض اللّه؛ لأنّه يرى أنّه قد قطع منه تلك الأحبّة فيموت كافراً.

ثالثها: رسوخ الملكات الذميمة و المعاصي التي صارت عادته، و من المعلوم ظهور العادات عند الغشوة و النوم و الجنون، و عند الموت أشدّ من جميعها.

ص: 513


1- _ بحار الأنوار، ج70، ص331، ح16 و ص348، ح38؛ الكافي، ج2، ص272، ح19.
2- _ بحار الأنوار، ج67، ص365، ح10؛ الكافي، ج2، ص71، ح12، هذه الرواية في الکافي: منقولة عن الصادق (علیه السلام) .
3- _ بحار الأنوار، ج67، ص54، ح22 و ج70، ص312، ح1؛ الكافي، ج2، ص268، ح1.
4- _ الكافي، ج 2، ص272، ح17؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص303، ح20579.

ثمّ لا يخفى أنّ الخوف بجميع مراتبه بمنزلة السوط من اللّه تعالى يسوغ العبد إلى تحصيل العلم و العمل المورثين لصلاح الدارين و سعادة النشأتين، نظير السوط الذي يسوغ به البهيمة و الضرب الذي يؤدّب به الصبي، فالسوط الغير المؤلم للبهيمة الضرب غير المؤثّر في التأديب لا فائدة فيه، كما أنّ السوط الذي يقتل البهيمة أو يكسر رجله، و كذا الضرب إذا كان بحدّ الإفراط أيضاً لا يحصل به الغرض، فالخوف إذا كان بحدّ يورث البكاء فقط و لا ينبعث منه العلم و العمل كرقّة النساء ليس ممدوحاً، و كذا الخوف الذي يورث اليأس و يمنعه عن تحصيل السعادة أيضاً لا يفيد، فالممدوح منه حدّ الوسط الذييحصل به الغرض.

و لا يخفى أيضاً أنّ الخوف لا يتحقّق إلاّ باُمور ثلاثة: علم، و حال، و عمل.

أمّا العلم، فمعرفة عظمة اللّه و قهره و مضارّ سيّئات أخلاقه و أعماله، و شدّة عقوبة اللّه و مخاطرات خاتمته، و كلّما زاد هذه المعرفة زاد الخوف.

و أمّا الحال، فهو أن يظهر أثره في القلب بقمع الشهوات، و تكدّر اللذّات، و كراهة المعاصي، و إزالة الذمائم من الأخلاق، مثل الكبر و الحقد و الحسد و غيرها، و الاشتغال بعيوب نفسه عن غيره، و الضنّة بالأنفاس، و المراقبة و المحاسبة و المجاهدة، و مؤاخذة نفسه في الخطرات و الخطوات و الكلمات و غيرها، و الخضوع و الخشوع و غيرهما، و بالجملة يكون همّه الاشتغال بباطنه و ظاهره عمّا يخاف عنه.

و أمّا العمل، فهو الكفّ عن المحظورات بدرجاته الأربع:

الاولى العفّة، و هي المنع عن الشهوات.

ص: 514

الثاني الورع، و هو الاجتناب عن المحرّمات.

الثالث التقوى، و هو ترك المحتملات مخافة الوقوع في المحرّمات.

الرابعة الصدق، و هو التجرّد للخدمة، فلا يبني ما لا يسكنه، و لا يجمع ما لا يأكله، و لا يلتفت إلى ما يفارقه.

ثمّ إنّ المستفاد من بعض الأدلّة من الآيات و الأخبار أنّ الإنسان يجب له أن يكون بين الخوف و الرجاء، بحيث لو وزن لم يترجّح أحدهما على الآخر، والمستفاد من بعض آخر ترجيح الرجاء و حسن الظنّ باللّه، و قد جمع الأصحاب بين هاتين الطائفتين بوجوه:

أحدها: أنّ الاُولى قبل ظهور سكرات الموت، و الثانية بعده.

ثانيها: أنّ الاُولى قبل العمل، و الثانية بعده.

ثالثها: أنّ الاُولى في حقّ المنهمك في المعاصي، و الثانية في غيره.

رابعها: أنّ الاُولى في حقّ من غلب عليه الرجاء، و الثانية في حقّ من غلب عليه الخوف.

أقول: كلّ ذلك لم يكن، بل الاُولى بملاحظة نفسه و النظر إلى أعماله من عباداته و معاصيه، و الثانية بالنظر إلى اللّه تعالى و كرمه و إحسانه. هذا كلّه في الخوف.

و أمّا الرجاء، فهو يحصل باُمور اثناعشر:

الأوّل: النهي عن القنوط و اليأس، و كونه من الكبائر.

الثاني: الأخبار الواردة في الرجاء.

الثالث: استغفار الملائكة و الأنبياء و الصلحاء من المؤمنين.

ص: 515

الرابع: ما ورد في تأجيل المذنب.

الخامس: البشارات الواردة للشيعة.

السادس: ما ورد في أنّ النار إنّما اُعدّت للكفّار و إنّما يخوّف بها أولياؤه.

السابع: ما ورد من كون ابتلاء المؤمن بالبلايا كفّارة لذنوبه.الثامن: ما ورد أنّ الإيمان لا يضرّ معه السيّئة.

التاسع: ما ورد من حسن الظنّ باللّه، و أنّ اللّه عند ظنّ عبده المؤمن.

العاشر: ما ورد في كون الكفّار و النصّاب فداءً للشيعة من مائة إلى مائة ألف لواحد.

الحادي عشر: سعة رحمة اللّه و عفوه و مغفرته.

الثاني عشر: الشفاعة.

و ينبغي أن نذكر قبل الشروع في أدلّة هذه الاُمور الاثني عشر مطالباً ثلاثة:

الأوّل: أنّ الرجاء كالخوف إنّما يحسن إذا صار باعثاً على تحصيل السعادة و العمل على ما يرجو؛ لأنّ الرجاء مقود، يقود الإنسان إلى سعادة الدارين و الفوز بالنشأتين، فالرجاء الذي لا يورث العمل ليس برجاء بل غرور و حماقة، قال تعالى: {وَ الَّذينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا في سَبيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}.(1)

و قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا

ص: 516


1- _ سورة البقرة: 218.

الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا}.(1)

و عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ الْأَحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ.(2)و روي أنّه قيل للصادق (علیه السلام) : قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِالْمَعَاصِي وَ يَقُولُونَ: نَرْجُو، الی ان قال: كَذَبُوا لَيْسُوا بِرَاجِينَ، إِنَّ مَنْ رَجَا شَيْئاً طَلَبَهُ، وَ مَنْ خَافَ مِنْ شَيْ ءٍ هَرَبَ مِنْهُ.(3)

و عنه (علیه السلام) : لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ خَائِفاً رَاجِياً، وَ لَا يَكُونُ خَائِفاً رَاجِياً، حَتَّى يَكُونَ عَامِلًا لِمَا يَخَافُ وَ يَرْجُو.(4)

أقول: قايس نفسك مع التاجر و الزارع، فالتاجر الذي يعمل و يتّجر بجميع ما يلزم في التجارة، ثمّ يرجو النفع، يصدق في حقّه أنّه راجٍ، و أمّا من لم يتّجر و لم يعمل و يقول أرجو النفع، يقال في حقّه: إنّه يتمنّى و مترجّي، و يصدق أنّه مغرور و أحمق، و كذا الزارع إذا زرع و عمل جميع ما يلزم في الزراعة من تنقية الأرض و الزرع و السقاية، فيرجو الحصاد فهو صادق، و أمّا من لم ينق الأرض و لم يزرع و لم يسق و يرجو الحصاد، فهو أحمق متمنّي.

فالقلب أرض، و تنقيته إزالة الذمائم و ترك المعاصي، و زرعه الإيمان، و سقايته الطاعات، و حينئذ يكون راجياً، و بدون ذلك مغرور و أحمق.

المطلب الثاني: أنّ الناس مختلفون، فلابدّ أن ينظر إلى نفسه، فإن كان

ص: 517


1- _ سورة الأعراف: 169.
2- _ مجموعة الورّام، ج1، ص215 و ص235 و ص243.
3- _ بحار الأنوار، ج 67، ص357، ح4؛ الكافي، ج2، ص68، ح5.
4- _ بحار الأنوار، ج 67، ص365، ح9؛ الكافي، ج2، ص71، ح11.

الباعث على العمل الخوف يكون الخوف له أحسن، و إن كان الرجاء يكون له الرجاء أحسن، و كذا إن رأى أنّ الخوف يمنعه من العمل، فالرجاء له أحسن، أو أنّ الرجاء يمنعه فالخوف أحسن.

و بالجملة الممدوح من الخوف و الرجاء هو المنبعث منه الإيمان و الطاعةو ترك المعاصي، و المذموم منها هو المانع عنها، فهما دواآن يتداوى بهما المرضى، و المرضى مختلفون، فينبغي للواعظ الذي يريد مداواة المرضى أن يلاحظ أوّلاً حال المريض و يتداوي بمقتضى مرضه، مثلاً من كان آمناً من مكر اللّه، أو غلب على نفسه الرجاء و اطمئنّ به يجب تخويفه، فلو بيّن له موجبات الرجاء لأهلكه، و من كان آيساً من روح اللّه، أو غلب على نفسه الخوف يجب ترغيبه، فإنّ خوفه أهلكه.

لكن أطبّاء زماننا كانوا على عكس من ذلك، و يتكلّمون على منابر المسلمين ما يحبّونه و يفرحون به، فضلّوا و أضلّوا، عصمنا اللّه تعالى بمحمّد و آله صلّى اللّه عليهم.

المطلب الثالث: أنّ الخوف و الرجاء من الصفات القلبية، لا يحصلان إلاّ بالإيمان و الاعتقاد، فمن لا يخاف اللّه و لا يخاف عذابه لم يكن مؤمناً باللّه و لا باليوم الآخر، و لا يعتقد بما أخبر اللّه و نبيّه و أولياؤه من شدّة العقوبة، و ما أعدّ اللّه للعصاة في يوم القيامة، و من لا يرجو اللّه و الجنّة لم يكن مؤمناً باللّه و اليوم الآخر، و ما أعدّ اللّه لأوليائه و ما أخبروا به من مثوبات الطاعات، فكلّما كان إيمانه أقوى و كان أعرف باللّه و باليوم الآخر كان خوفه و رجاؤه آكد.

ثمّ إنّ لهما آثاراً يظهر على القلب و على الجوارح، كما ترى في حالات الأنبياء و الأولياء، فليس كلّ من يدّعي أنّه راجٍ أو خائف بصادق ما لم يظهر

ص: 518

آثارهما، كسائر الملكات الحميدة و الرذيلة كلّ لها آثار.

ثمّ لا يخفى أنّه يجب أن لا يتّكل العاملون بأعمالهم؛ لأنّ العمل الصحيحالخالص عن جميع العيوب الباطنية و الظاهرية الواجد لجميع شرائط الصحّة و القبول الفاقد لجميع موانعهما، قليل في الغاية، نادر في النهاية، بل يتكلّمون بفضله و كرمه و رحمته، مضافاً إلى أنّه لو عبد جميع عمره بجميع جوارحه و قلبه لا يمكن له تدارك نعمة واحدة من نعمائه غير المتناهية، فكيف يستحقّ بها النعيم الأبد.

فعن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي وَ النَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَ رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي وَ لَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وَ فَضْلِي فَلْيَرْجُوا وَ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ وَ مَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي وَ مَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَ بِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ.(1)

إذا عرفت ذلك كلّه، فنقول: أمّا الأوّل و هو النهي عن القنوط و اليأس، قال اللّه تعالى: {يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً}(2)، و قال تعالى: {وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ

ص: 519


1- _ الكافي، ج2، ص71، ح1.
2- _ سورة الزمر: 53.

إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ}(1)، و من هنا عدّ في الأخبار و الفتاوي من الكبائر ذلک.

و أما الثاني و هو ما دلّ على الرجاء، فقد ورد في الخبر أنّ اللّه تعالى أوحىإلى داود: أحبّني و أحبّ من يحبّني، و حبّبني إلى خلقي، فقال: كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: اُذكرني بالحسن الجميل، و اذكر آلائي و إحساني و ذكّرهم ذلك، فإنّهم لا يعرفون منّي إلاّ الجميل.

و قيل: رأى بعض الأكابر في النوم و كان يكثر ذكر أبواب الرجاء، فقال: أوقفني اللّه بين يديه، فقال: ما الذي حملك على ذلك؟ فقلت: أردت أن أحببتك إلى خلقك، فقال: قد غفرت لك.

و من المعلوم أنّ اللّه تبارك و تعالى خلق الخلق لإفاضة الجود و الاحسان إليهم، و هو غني عنهم، و أنّه لم يترك لهم في الدار الدنيا مع كونها دار هوان و محنة و بلية شيئاً ممّا يحتاجون إليه ممّا هو أصلح لهم من الزينة و الجمال و غيرهما ممّا يحبّ و يحسن لهم، و لم يرض أن يفوتهم شيء من المزائد و المزايا في الحاجة و الزينة، و هو تعالى جواد كريم، فكيف بدار الآخرة، و هو تعالى خير محض لا شرّ فيه.

از خير محض جز نكوئی نايد

خوش باش كه عاقبت نكو خواهد شد

و أمّا الثالث، فقد قال اللّه تعالى: {وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}(2)، و قال تعالى: {الَّذينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ

ص: 520


1- _ سورة يوسف: 87.
2- _ سورة الشورى: 5.

يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذينَ آمَنُوا}(1) إلى آخر الآيات.و قال تعالى مخاطباً لنبيّه (صلی الله علیه و آله و سلم) في حقّ المؤمنات: {وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ}(2)، و قال تعالى: {وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤمِنينَ وَ الْمُؤمِناتِ}(3)، و قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ}(4)، الآية، إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا الأخبار، فكثيرة جدّاً سيّما في الخطب و الأدعية، و ما ورد في القنوتات و التعقيبات و الصلوات، سيّما في صلاة الموتى، و ما صدر من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) و الصلحاء و جميع المؤمنين من صدر الاسلام إلى زماننا هذا، بل إلى يوم القيامة في قولهم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَ الْأَمْوَاتِ مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَ مَنْ غَبَرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

فكيف يمكن أن يدّعى أنّه لا يستجاب شيء من تلك الاستغفارات العامّة لا من الملائكة، و لا من نبيّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) ، و لا من الأئمّة (علیهم السلام) ، و لا من أحد من المؤمنين، فإذا استجاب واحد منها في حقّ عامّة المؤمنين، كفى في نجاتهم أجمعين إلاّ من لم يكن مؤمناً، فهذا دليل قطعي على نجاة المؤمن بلغ ما بلغ.

و أمّا الرابع و هو تأجيل المذنب، فعن الباقر (علیه السلام) : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً أُجِّلَ

ص: 521


1- _ سورة غافر: 7.
2- _ سورة الممتحنة: 12.
3- _ سورة محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) : 19.
4- _ سورة آل عمران: 159.

مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِنِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ.(1)

و عن الصادق (علیه السلام) : مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً أُجِّلَ فِيهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، فَإِنْ قَالَ: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُكْتَبْعَلَيْهِ.(2)

هذا مضافاً إلى أنّ الذنب لا يكتب إلاّ واحداً، و الحسنة يكتب عشرة، و إلى أنّه لو تاب بعد الكتب يمحو و يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات، كما هو مفاد الآية، و إلى أنّ التوبة مقبولة ببرهان العقل و نصّ الآيات و الأخبار المتواترة، و للكلام في حقيقة التوبة و وجوبها و شرائطها و فوائدها محلّ آخر.

و أمّا الخامس و هو بشارات الشيعة.

ففي الوافي: عن الكافي في حديث طويل، عن الصادق (علیه السلام) يخاطب فيه أبو بصير، و نحن نذكر بعض فقراته:

منها: قوله (علیه السلام) : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَكَيْفَ يُكْرِمُ الشَّبَابَ وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟ فَقَالَ (علیه السلام) : يُكْرِمُ اللَّهُ الشَّبَابَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ.(3)

و منها: قوله (علیه السلام) : فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا، فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ الْمَرْحُومُونَ، الْمُتَقَبَّلُ مِنْ

ص: 522


1- _ الكافي، ج2، ص437، ح1.
2- _ الكافي، ج2، ص438، ح5.
3- _ الكافي، ج8، ص33، ح6.

مُحْسِنِكُمْ، وَ الْمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ.(1)

و منها: قوله (علیه السلام) : إِنَّ لِلَّهِ (عزوجل) مَلَائِكَةً يُسْقِطُونَ الذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِيعَتِنَا، كَمَا يُسْقِطُ الرِّيحُ الْوَرَقَ فِي أَوَانِ سُقُوطِهِ، ثمّ ذكر (علیه السلام) آياتٍ من الكتاب، مثل قولهتعالى: {مِنَ الْمُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}(2)، و قوله تعالى: {إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ}(3)، و قوله تعالى: {الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقينَ}(4)، فقال: وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمْ، ثمّ ذكر (علیه السلام) قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}(5)، فَنَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَ عَدُوُّنَا الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، وَ شِيعَتُنَا هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.(6)

و منها: قوله (علیه السلام) : لقد ذكركم اللّه في كتابه إذ يقول: {يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا}(7) الآية، و اللّه ما أراد بهذا غيركم.(8)

و منها: قوله (علیه السلام) لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال: {إِنَّ عِبادي لَيْسَ لَكَ

ص: 523


1- _ الكافي، ج8، ص34.
2- _ سورة الأحزاب: 23.
3- _ سورة الحجر: 47.
4- _ سورة الزخرف: 67.
5- _ سورة الزمر: 9.
6- _ الكافي، ج8، ص34 _ 35.
7- _ سورة الزمر: 53.
8- _ الكافي، ج8، ص35.

عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ}(1)، وَ اللَّهِ مَا أَرَادَ بِهَذَا إِلَّا الْأَئِمَّةَ (علیهم السلام) وَ شِيعَتَهُمْ.(2)

و منها: ما ذكره (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: {فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ»(3) فقال (علیه السلام) : فَرَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي الْآيَةِ النَّبِيُّونَ، وَ نَحْنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدَاءُ، وَ أَنْتُمُ الصَّالِحُونَ.(4)

و منها: قوله (علیه السلام) : مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ وَ لَا تَذْكُرُ أَهْلَهَا بِخَيْرٍ إِلَّا وَ هِيَ فِينَا وَ فِي شِيعَتِنَا، وَ مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَذْكُرُ أَهْلَهَا بِشَرٍّ وَ لَا تَسُوقُ إِلَى النَّارِ إِلَّاوَ هِيَ فِي عَدُوِّنَا وَ مَنْ خَالَفَنَا.(5)

و من الأخبار ما فيه أيضاً عن الكافي من قول الصادق (علیه السلام) ليحيى بن سابور: أَمَا وَ اللَّهِ! إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ، وَ إِنَّ مَنْ خَالَفَكُمْ لَعَلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَ اللَّهِ! مَا أَشُكُّ لَكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُقِرَّ اللَّهُ لِأَعْيُنِكُمْ عَنْ قَرِيبٍ.(6)

و من الأخبار ما فيه أيضاً عن الكافي، بسنده عن ميسّر، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، فَقَالَ (علیه السلام) : كَيْفَ أَصْحَابُكَ؟ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، قَالَ: وَ كَانَ

ص: 524


1- _ سورة الحجر: 42 و سورة الإسرا: 65.
2- _ الكافي، ج8، ص35.
3- _ سورة النساء: 69.
4- _ الكافي، ج8، ص36.
5- _ همان.
6- _ الكافي، ج8، ص145، ح119.

مُتَّكِئاً، فَاسْتَوَى جَالِساً، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قُلْتُ: وَ اللَّهِ! لَنَحْنُ عِنْدَهُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، فَقَالَ (علیه السلام) : أَمَا وَ اللَّهِ! لَا تَدْخُلُ النَّارَ مِنْكُمُ اثْنَانِ، لَا وَ اللَّهِ! وَ لَا وَاحِدٌ، وَ اللَّهِ! إِنَّكُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ (عزوجل) : {وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ}(1) الآية، ثُمَّ قَالَ: طَلَبُوكُمْ وَ اللَّهِ فِي النَّارِ، فَمَا وَجَدُوا مِنْكُمْ أَحَداً.(2)

أقول: الأخبار في هذا الباب كثيرة قريبة من التواتر، نقلها في الوافي، و هي كافية في دعوى القطع بنجاة كلّ العصاة من الشيعة و عدم دخولهم النار إلاّ أنّ الخوف أنّ كثرة الذنوب يورث زوال الإيمان، اللّهمّ اجعلنا من الشيعة و من أهل الإيمان، و احشرنا مع موالينا بحقّهم صلواتك عليهم.

و أمّا السادس، فقد قال اللّه تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ}(3)، و قال تعالى: {وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ}(4)، و قوله تعالى: {لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى، {الَّذي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى}.(5)

أقول: أيّ دليل أقوى من تلك الآية، حيث دلّت على أنّ دخول النار ليس لأحد سوى الأشقى، و قد انحصر به، و قد عيّنت الموضوع بمن كذّب و تولّى، اللّهمّ لا تجعلنا منهم بحقّ ساداتنا صلواتك عليهم.

ص: 525


1- _ سورة ص:62.
2- _ الكافي، ج8، ص78، ح32.
3- _ سورة الزمر: 16.
4- _ سورة آل عمران: 131.
5- _ سورة الليل: 15 _ 16.

و أمّا السابع، فالأخبار فيه كثيرة:

منها: ما عن الصادق (علیه السلام) : إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُهَوَّلُ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ، فَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَ إِنَّهُ لَيُمْتَهَنُ فِي بَدَنِهِ، فَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ.(1)

و منها: ما عن الباقر (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : مَا يَزَالُ الْهَمُّ وَ الْغَمُّ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى مَا يَدَعُ لَهُ ذَنْباً.(2)

و منها: ما عن الصادق (علیه السلام) يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ لَيَهْتَمُّ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا وَ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ.(3)

و منها: ما عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: الحمّى من قيح جهنّم، و هي حظّ المؤمن من النار.(4)

إلى غير ذلك في الأبواب المتعدّة من أنحاء البليات الواردة على المؤمنين.

و أمّا الثامن، فمن الأخبار المستفادة منها ذلك ما في معالم الزلفى، عنالكافي باسناده عن عمرو بن يزيد، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي سَمِعْتُكَ وَ أَنْتَ تَقُولُ: كُلُّ شِيعَتِنَا فِي الْجَنَّةِ عَلَى مَا كَانَ فِيهِمْ؟ قَالَ: صَدَقْتُكَ، كُلُّهُمْ وَ اللَّهِ! فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنَّ الذُّنُوبَ كَثِيرَةٌ كِبَارٌ، فَقَالَ: أَمَّا فِي الْقِيَامَةِ فَكُلُّكُمْ

ص: 526


1- _ الكافي، ج2، ص445، ح4.
2- _ الكافي، ج2، ص445، ح7.
3- _ الكافي، ج2، ص445، ح8.
4- _ الكافي، ج 3، ص111، ح3، الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ وَ هُوَ سِجْنُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ.

فِي الْجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُطَاعِ، أَوْ وَصِيِّ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) ، وَ لَكِنِّي وَ اللَّهِ! أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ فِي الْبَرْزَخِ، قُلْتُ: وَ مَا الْبَرْزَخُ؟ قَالَ: الْقَبْرُ مُنْذُ حِينِ مَوْتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(1)

قال مؤلّف الكتاب: الروايات في أنّ شيعة آل محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) في الجنّة، و قد تقدّم في الأبواب السابقة بما لا تحتاج إلى إضافة غيرها لها لكثرتها. إنتهى.

و منها: ما عن أمالي الشيخ (قدس سره) ، عن الصادق (علیه السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) : الْمَوْتُ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.(2)

و منها: ما عن ابن بابويه، عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) في حديث قال: وَ لَقَدْ سَمِعْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ: لَوْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذُنُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ، لَكَانَ الْمَوْتُ كَفَّارَةً لِتِلْكَ الذُّنُوبِ.(3)

و منها: ما عن ابن بابويه باسناده عن أبي بصير، قال: قال أبو عبداللّه (علیه السلام) : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَرَّمَ أَجْسَادَ الْمُوَحِّدِينَ عَلَى النَّارِ.(4)

و منها: ما عنه بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) : وَ الَّذِيبَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ بِالنَّارِ مُوَحِّداً أَبَداً.(5)

أقول: المراد بالموحّد من اعتقد بكلمة «لا إله إلاّ اللّه» بشرائطها، كما صرّح

ص: 527


1- _ الكافي، ج3، ص242، ح3.
2- _ الأمالي للشيخ الطوسي، ص110، ح167؛ بحار الأنوار، ج6، ص151، ح3.
3- _ من لا يحضره الفقيه، ج4، ص411، ح5896.
4- _ بحار الأنوار، ج3، ص4، ح9؛ التوحيد (للصدوق)، ص20، ح7.
5- _ الأمالي( للصدوق)، ص296، ح10؛ بحار الأنوار، ج3، ص1، ح1.

بذلك ثامن الحجج في حديث سلسلة الذهب، من قوله (علیه السلام) : «وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا».(1)

هذا مضافاً إلى ما ورد في محبّة علي (علیه السلام) و الأئمّة (علیهم السلام) : حُبُّ عَلِيٍّ حَسَنَةٌ لَا يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ، و أنّه: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى حُبِّ عَلِيٍٍّ (علیه السلام) لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّار، و أنّ من كان: فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ (علیه السلام) إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.

إلى غير ذلك من الأخبار في الأبواب المتفرّقة، جعلنا اللّه منهم ببركتهم بحقّهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و أمّا التاسع، فمثل ما عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) : لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَ هُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ.(2)

و عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) : يقول اللّه تعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ يَجِدُنِي عِنْدَهُ.(3)

و عن الرضا (علیه السلام) : أَحْسِنْ بِاللَّهِ الظَّنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ (عزوجل) يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وَ إِنْ شَرّاً فَشَرٌّ.(4)

و عن الصادق (علیه السلام) : حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ وَ لَا تَخَافَ إِلَّاذَنْبَكَ.(5)

و أمّا العاشر، أمّا الكفّار فلما عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، قال: اُمّتي اُمّة مرحومة لا عذاب

ص: 528


1- _ بحار الأنوار، ج3، ص7، ح16.
2- _ بحار الأنوار، ج67؛ ص395، ح65.
3- _ بحار الأنوار، ج67، ص390.
4- _ عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج 2، ص20، ح 44.
5- _ الكافي، ج2، ص72، ح4.

عليها في الآخرة، و عجّل عقابها في الدنيا الزلازل و الفتن، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كلّ رجل من اُمّتي رجل من أهل الكتاب، فقيل: هذا فداك من النار.

و أمّا النصّاب، فلما ورد عن الأئمّة (علیهم السلام) أنّ النصّاب يجعلون فداءً لشيعتنا بظلمهم إيّاهم و وقيعتهم فيهم.

و عن الصادق (علیه السلام) : سَيُؤْتَى بِالْوَاحِدِ مِنْ مُقَصِّرِي شِيعَتِنَا فِي أَعْمَالِهِ بَعْدَ أَنْ صَانَ الْوَلَايَةَ وَ التَّقِيَّةَ وَ حُقُوقَ إِخْوَانِهِ، وَ يُوقَفُ بِإِزَائِهِ مَا بَيْنَ مِائَةٍ وَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ النُّصَّابِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَؤُلَاءِ فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ، فَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ، وَ أُولَئِكَ النُّصَّابُ النَّارَ، وَ ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا _ يَعْنِي بِالْوَلَايَةِ _ لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ}(1)، فِي الدُّنْيَا مُنْقَادِينَ لِلْإِمَامَةِ لِيُجْعَلَ مُخَالِفُوهُمْ مِنَ النَّارِ فِدَاءَهُمْ.(2)

إشكال و دفع

أمّا الإشكال، فهو أنّ اللّه تبارك و تعالى عادل لا يظلم أحداً، وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، و الناس مجزيون بأعمالهم، إن خيراً فخير، و إن شرّاً فشرّ، و من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، و من يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره، فما الوجه في جعل الكفّار والنصّاب عوضاً و فداءً للشيعة في النار و التعذيب؟ و هل هذا إلاّ الظلم و العدوان؟

و أمّا الدفع، فقد ثبت في محلّه أنّ اللّه تبارك و تعالى يحكم يوم القيامة بين الظالم و المظلوم، و قد أقسم بعزّته و جلاله أنّه لا يجوزني ظلم ظالم، فيعطي إلى المظلوم من حسنات الظالم ما يفي مقدار ظلمه، فإن لم يكن للظالم

ص: 529


1- _ سورة الحجر: 2.
2- _ بحار الأنوار، ج8، ص44، ح45.

حسنات أو كانت و لم يكن وافية، يحمل من سيّئات المظلوم على الظالم حتّى يفي، و إن لم تكن للمظلوم سيّئات، أو لا تفي ظلمه، فيحمل من سيّئات أقارب المظلوم و أحبّائه و مواليه، و كلّ من أراد المظلوم حتّى تفي.

و من المعلوم بالحسّ و الوجدان أنّ الكفّار و النصّاب كانوا ظالمين في حقّ الشيعة، و لا سيّما في حقّ أئمّة الدين، و المفروض أنّه ليس للكفّار و النصّاب حسنة حتّى يعطى الأئمّة المظلومين، و ليس للأئمّة (علیهم السلام) سيّئات حتّى يحمل عليهم، فلا مناص إلاّ من حمل من أرادوا من سيّئات شيعتهم، على هؤلاء الكفّار و النصّاب حتى يفي مقدار ظلمهم، فربما يزيد من مائة ألف فداء لواحد، و هذا عين العدل، و خلافه ظلم في حقّ الشيعة و في حقّ أهل بيت العصمة (علیهم السلام) ، اللّهمّ احشرنا معهم بحقّهم (علیهم السلام) .

و أمّا الحادي عشر، فالبراهين العقلية القطعية، و الآيات الشريفة القرآنية، و الأدعية، و الأخبار الدالّة على سعة رحمة اللّه، و وفور كرمه و عفوه و مغفرته و إحسانه و لطفه، و كثرة عناياته و تفضّلاته، خارجة عن حيطة عقول الأنبياء والملائكة فضلاً عمّن دونهم، قال اللّه تعالى: {وَ رَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(1)، و قال تعالى: {رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً}(2)، و قد عنون كتابه الشريف بالتسمية بقوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ}.

و قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}(3)،

ص: 530


1- _ سورة الأعراف: 156.
2- _ سورة غافر: 7.
3- _ سورة النساء:48 و 116.

اُنظر إلى ما دون الشرك كيف يشمل جميع الذنوب، و لذا ورد عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) : مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ذلِك.(1)

و ورد عنه (علیه السلام) أيضاً أنّه قال: ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية.

و لا يخفى دلالة الآية الشريفة على مغفرة ما دون الشرك من دون التوبة، و إلاّ فمع التوبة يغفر الشرك أيضاً قطعاً.

و قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً}(2)، فأيّ عموم أقوى من ذلك، بل لسانه آبٍ عن التخصيص، فهو نصّ في العموم، و لذا عدّ في الأخبار هذه الآية أوسع، و التأكيدات المذكورة في الآية من التعبير ب_«يا عِبادِي» و النهي عن القنوط من رحمة اللّه، و التعقيب بالتعليل أنّه هو الغفور الرحيم، و التأكيدات في نفس تلك الجملة، غير خفية على المتدبّر، و في الأدعية «يَا مَنْ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ»(3).

و عن الصادق (علیه السلام) : يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَلَازِمِينَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: أَيُّهَاالنَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا فَاعْفُوا. قَالَ: فَيَعْفُو قَوْمٌ وَ يَبْقَى قَوْمٌ مُتَلَازِمِينَ. قَالَ: فَتُرْفَعُ لَهُمْ قُصُورٌ بِيضٌ، فَيُقَالُ: هَذَا لِمَنْ عَفَا، فَيَتَعَافَى النَّاسُ.(4)

و عن أبي محمّد (علیه السلام) : إِنَّ اللَّهَ لَيَعْفُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَفْواً يُحِيطُ عَلَى الْعِبَادِ، حَتَّى

ص: 531


1- _ التوحيد (للصدوق)، ص409، ح8.
2- _ سورة الزمر: 53.
3- _ مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج 2، ص696.
4- _ الأمالي للشيخ الطوسي، ص663، ح1384؛ بحار الأنوار، ج7، ص121، ح62.

يَقُولَ أَهْلُ الشِّرْكِ: وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.(1)

و عن الصدوق، عن الصادق (علیه السلام) ، عن آبائه، عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ، عن جبرئيل، قال اللّه جلّ جلاله: مَنْ أَذْنَبَ ذَنْباً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِي أَنْ أُعَذِّبَهُ بِهِ أَوْ أَعْفُوَ عَنْهُ لَا غَفَرْتُ لَهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ أَبَداً، وَ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْباً صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لِي أَنْ أُعَذِّبَهُ وَ أَنْ أَعْفُوَ عَنْهُ عَفَوْتُ عَنْه.(2)

و عن الباقر (علیه السلام) : إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَيْنَ عُتَقَاءُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ.(3)

و في دعاء أبي حمزة الثمالي: إِلَهِي وَ سَيِّدِي إِنْ كُنْتَ لَا تَغْفِرُ إِلَّا لِأَوْلِيَائِكَ وَ أَهْلِ طَاعَتِكَ، فَإِلَى مَنْ يَفْزَعُ الْمُذْنِبُونَ، وَ إِنْ كُنْتَ لَا تُكْرِمُ إِلَّا أَهْلَ الْوَفَاءِ بِكَ، فَبِمَنْ يَسْتَغِيثُ الْمُسِيئُونَ.(4)

و في الصحيفة العلوية: إِلَهِي إِنْ كُنْتَ لَا تَرْحَمُ إِلَّا الْمُجِدِّينَ فِي طَاعَتِكَ، فَإِلَى مَنْ يَفْزَعُ الْمُقَصِّرُونَ، وَ إِنْ كُنْتَ لَا تَقْبَلُ إِلَّا مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِلَى مَنْ يَلْتَجِئُ الْمُفَرِّطُونَ، وَ إِنْ كُنْتَ لَا تُكْرِمُ إِلَّا أَهْلَ الْإِحْسَانِ، فَكَيْفَ يَصْنَعُ الْمُسِيئُونَ، وَ إِنْ كَانَ لَا يَفُوزُ يَوْمَ الْحَشْرِ إِلَّا الْمُتَّقُونَ، فَبِمَنْ يَسْتَغِيثُ الْمُجْرِمُونَ، إِلَهِي إِنْكَانَ لَا يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَّا مَنْ أَجَازَتْهُ بَرَاءَةُ عَمَلِهِ، فَأَنَّى بِالْجَوَازِ لِمَنْ

ص: 532


1- _ بحار الأنوار، ج6، ص6، ح12.
2- _ الأمالي( للصدوق)، ص287، المجلس42، ح2؛ بحار الأنوار، ج 70، ص348، ح36؛ التوحيد (للصدوق)، ص410، ح10.
3- _ الأمالي (للطوسي)، ص180، المجس7، ح2؛ بحار الأنوار، ج 6، ص5، ح5.
4- _ بحار الأنوار، ج95، ص92؛ مصباح المتهجد و سلاح المتعبد، ج 2، ص596.

لَمْ يَتُبْ إِلَيْكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَجَلِهِ.(1)

و في دعاء الكميل: فَبِالْيَقِينِ أَقْطَعُ لَوْ لَا مَا حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جَاحِدِيكَ وَ قَضَيْتَ بِهِ مِنْ إِخْلَادِ مُعَانِدِيكَ لَجَعَلْتَ النَّارَ كُلَّهَا بَرْداً وَ سَلَاماً، وَ مَا كَانَت لِأَحَدٍ فِيهَا مَقَرّاً وَ لَا مُقَاماً، لَكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ أَقْسَمْتَ أَنْ تَمْلَأَهَا مِنَ الْكَافِرِينَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَ أَنْ تُخَلِّدَ فِيهَا الْمُعَانِدِينَ، وَ أَنْتَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ قُلْتَ مُبْتَدِئاً وَ تَطَوَّلْتَ بِالْإِنْعَامِ مُتَكَرِّماً أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ.

حيث دلّ بصراحته باختصاص النار بالجاحد و المعاند و الكافر دون غيرهم كائناً من كان.

و قد ورد أنّ إبليس اللعين يطمع يوم القيامة في شموله الرحمة، و أنّ اللّه يغفر مغفرةً ما خطر على قلب بشر.

فإن قلت: نسلّم سعة الرحمة، بل أوسع ممّا يمكن أن يتصوّر، لكن من الواضح المسلّم أنّ شمول الرحمة مشروط بقابلية المحلّ، نظير سائر أفعاله تعالى، و العصيان مانع و حاجب عن الشمول، كما ينادي به الأخبار، مثل قوله (علیه السلام) في دعاء الكميل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ. إلى آخر الفقرات الستّة.قلت: الذي يثبت من شرطيته الإيمان فقط، و عبارات الدعاء على خلاف المطلوب أدلّ؛ لأنّ هذه الذنوب إن كانت مورثة لمنع الرحمة لم يصحّ طلب مغفرتها، كما لا يصحّ و لا يجوز أن يقال: اللّهمّ اغفر للكفّار و المعاندين و

ص: 533


1- _ بحار الأنوار، ج94، ص103 ؛ الصحيفة العلوية، ص105.

المخالفين، بل المناسب أن يقال: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ لَعْناً کَثیراً، وَ عَذِّبْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ،وَ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ.

فإن قلت: مقتضى قوله تعالى: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقينَ}(1)، أنّ جميع الأعمال سواء كانت قلبية أو نفسانية أو جوارحية من الملكات و الأخلاق و العبادات لا تقع مورداً للقبول إلاّ بالتقوى.

قلت أوّلاً: أنّ المراد من القبول يمكن أن يكون الدرجات العالية الكاملة، و إلاّ فلو فرض وقوع عمل جامع لجميع شرائط الصحّة طبقاً للمأمور به لا يمكن عدم قبولها.

و ثانياً: قد حقّقنا في محلّه أنّ التقوى يكون ذا مراتب، فأعلی درجاته ما وصفه أميرالمومنين (علیه السلام) في نهج البلاغة في أوصاف المتّقين، و أوّل درجاته و مراتبه التقوى من العقائد الباطلة، و هذه يساوق الإيمان، و يصدق في حقّ المؤمن أنّه متّقي من الكفر و النفاق و الشرك و الضلالة و الجحود و العناد و نحوها.

فإن قلت: الآية المتقدّمة التي كانت من الأدلّة، و هي قوله تعالى: {وَ رَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}(2)، عقّبه بقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤمِنُونَ}، فهي دالّة على أنّ التقوى غير الإيمان، و كلاهماشرط، كما في كثير من الآيات من عطف التقوى بالإيمان.

قلت أوّلاً: أنّ العطف في الآيات قرينة على إرادة مرتبة اُخرى من التقوى لا

ص: 534


1- _ سورة المائدة: 27.
2- _ سورة الأعراف: 156.

أنّ هذا ليس من مراتبه.

و ثانياً: يمكن أن يكون العطف في المقام عطفاً تفسيرياً.

و ثالثاً: قد تقرّر في محلّه أنّ إثبات الشيء لا ينفي ماعداه.

و بالجملة كون المؤمن في القيامة و لو بلغ ما بلغ من الذنوب قابلاً لشمول الرحمة و المغفرة من ضروريات المذهب بل الدين و المستفاد من النصوص.

نعم أسباب المغفرة و الرحمة كثيرة من التوسّلات إلى أئمّة الدين من إقامة العزاء و التشرّف بزياراتهم، و من الإحسان إلى الفقراء و السادة و الأرحام و التوبة، و من الخدمات بالدين و إعلاء كلمة الاسلام، و إتيان النوافل، و البكاء من خشية اللّه بل جميع العبادات، اللّهمّ اغفر لنا و لجميع المؤمنين و المؤمنات من سلف منهم و من غبر إلى يوم القيامة.

و أمّا الثاني عشر و هو الشفاعة، فيقع الكلام في مقامات:

المقام الأوّل: في إثبات الشفاعة

قد يقال: إنّ مقتضى بعض الآيات عدمها، مثل قوله تعالى: {وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْيُنْصَرُونَ}(1)، و مثل قوله تعالى: {ما لِلظَّالِمينَ مِنْ حَميمٍ وَ لا شَفيعٍ يُطاعُ}(2)، و قوله تعالى: {وَ ما لِلظَّالِمينَ مِنْ أَنْصارٍ}(3)، و قوله تعالى: {فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ

ص: 535


1- _ سورة البقرة: 48.
2- _ سورة غافر: 18.
3- _ سورة البقرة: 270.

الشَّافِعينَ}(1)، و قوله تعالى: {وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى}(2).

أقول: أمّا الآية الاُولى، فلا دلالة فيها على نفي الشفاعة رأساً، بل تدلّ على أنّه يمكن أن لا يقبل اللّه شفاعة في حقّ بعض، كما ثبت ذلك في حقّ الكفّار و المخالفين، لا أنّه لا يقبل شفاعة أحد في حقّ أحد؛ لما ثبت أنّ الشفاعة أيضاً يعتبر فيها قابلية المحلّ، نظير الرحمة التي قد تقدّم أنّه لا يشمل غير المؤمن، سيّما مع ملاحظة الآيات الآتية.

و الحاصل أنّ مفاد الآية أنّه يمكن أن لا يكون أحد مشمولاً للشفاعة، كما يمكن أن لا يكون مشمولاً للرحمة، فلا يطمئنّ نفس أنّه ناج بالشفاعة، بل يكون بين الخوف و الرجاء.

و أمّا الآية الثانية و الثالثة، فيختصّ بالظالم، و ظاهر الظالم الظلم بالغير، و هو بمقتضى الحديث القدسي «لَا يَجُوزُنِي ظُلْمُ ظَالِمٍ»(3)،

و بمناسبة الحكم و الموضوع أي في ظلمه، فشمول الآية للظالم بالنفس يحتاج إلى نوع عناية و قرينة، و هو خلاف الظاهر.

و أمّا الرابعة، فيختصّ بالكفّار بقرينة صدر الآية قي قوله تعالى حكاية عنالمجرمين: {قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، {وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكينَ}، {وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضينَ}، {وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}، {حَتَّى أَتانَا الْيَقينُ}(4).

ص: 536


1- _ سورة المدّثر: 48.
2- _ سورة الأنبياء: 28.
3- _ الكافي، ج 2، ص443، ح1.
4- _ سورة المدثر: 43 _ 47.

و أمّا الخامسة، فالمراد ممّن ارتضى من ارتضى دينه، و إلاّ فمن كان مرضياً مطلقا ديناً و أخلاقاً و عملاً، فهو من أهل النجاة قطعاً من دون الشفاعة إلاّ لارتفاع الدرجة.

و أمّا ما دلّ على ثبوت الشفاعة، فهو كثير:

منها: الآيتان الأخيرتان، حيث دلّتا على وجود الشافعين، و تحقّق الشفاعة لمن ارتضى.

و منها قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً}(1)، و قد ورد في أخبار(2) كثيرة أنّه مقام الشفاعة، و قد حقّقنا في شرح زيارة العاشور أنّ الحمد يختصّ باللّه تعالى، و بعد التنزّل أنّ المقام المحمود مقام يمدحه جميع الأنبياء و الملائكة و الناس أجمعين، و من المسلّم أنّه لابدّ أن يصل منه (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى جميع الملائكة و الأنبياء و من دونهم لطف و عناية و إحسان حتّى يستحقّ بذلك حمدهم، فالكلّ محتاجون إلى شفاعته، و لو لارتفاع درجاتهم، أو تخفيف عذابهم.

و منها قوله تعالى: {وَ لَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}(3)، و قد ورد في الأخبار أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يرضى مادام أحداً من اُمّته يكون في النار.(4)

ص: 537


1- _ سورة الإسراء: 79.
2- _ بحار الأنوار، ج8، ص48 و 49 و ج16، ص129؛ تفسير العياشي، ج2، ص314، ح148؛ تفسير القمّي، ج2، ص25؛ الكافي، ج4، ص569.
3- _ سورة الضحى: 5.
4- _ بحار الأنوار، ج8، ص43 و 57 و ج16، ص143.

و منها: ما ورد عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) : إنّي ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي، و إنّ لكلّ نبيّ دعوة مستجابة، و أنا ادّخرتها للشفاعة.(1)

و بالجملة الأخبار في شفاعة سيد الرسل (صلی الله علیه و آله و سلم) و أوصيائه الطاهرين (علیهم السلام) و الصدّيقة الطاهرة (علیها السلام) و من دونهم من العلماء و الشهداء و السادات و الفقراء و القرآن و المساجد و أولاد المؤمنين، و كلّ من نجی من المؤمنين في حقّ الآخرين، حتّى أنّ أقلّ المؤمنين شفاعة يشفع في سبعين، فوق حدّ التواتر، بحيث لا يبقى مجال لإنكاره، بل صار من ضروريات المذهب بل الدين، و قد ورد في أخبار كثيرة أنّ من أنكر الشفاعة ليس منّا و لا يناله الشفاعة.

المقام الثاني: في معنى الشفاعة و حقيقتها و مراتبها

لا يخفى أنّ الشفاعة المصطلحة عبارة عن السؤال عن اللّه تعالى و التوقّع منه في عفو المقصّر، و التجاوز عنه و مغفرته، أو ارتفاع مقامه، و هذا أمر ممدوح مرغوب فيه بالنسبة إلى جميع المؤمنين، كما تقول: اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات، الأحياء منهم و الأموات، من سلف منهم و من غبر إلى يوم القيامة، اللّهمّ اشف مرضاهم، و أصلح مفاسد اُمورهم، و غير ذلك من الأدعية في حقّ الغير.

نعم يختصّ ذلك بالمؤمن دون الكافر و المخالف و نحوهما، فإنّ الدعاء في حقّهم مرغوب عنه، كدعاء نوح (علیه السلام) في حقّ ولده، إلاّ الدعاء لطلبهدايتهم و إيمانهم إن كانوا قابلين لذلك.

و من هنا يعلم أنّه لا تختصّ الشفاعة بيوم القيامة، بل الدنيا و الآخرة و عوالم البرزخ كلّها في جميع الاُمور من رفع البليات و إعطاء النعم و غيرها كلّ

ص: 538


1- _ بحار الأنوار، ج8، ص30.

محتاج بشفاعة الكلّ، غاية الأمر ظهوره و بروزه بأعلی مراتبه في القيامة، و الشفاعة الكبرى للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و عترته المعصومين (علیهم السلام) .

هذا مضافاً إلى كونهم (علیهم السلام) علّة غائية في إفاضة الوجود، و جميع النعم على جميع الممكنات، و كونهم (علیهم السلام) وسائط النعم و أولياء النعم، بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض، و بهم ينزّل الغيث، و بهم يكشف الضرّ، و بهم ينفّس الهمّ. إلى غير ذلك، فالمرتبة الأعلى للشفاعة لهم، ثمّ الأمثل فالأمثل.

المقام الثالث

إنّ كلّ شفيع يوم القيامة يكون خصماً أيضاً، فنبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) يخاصم الذين بدّلوا سنّته، و هجروا كتابه، و خالفوا أحكامه، و الأئمّة (علیهم السلام) يخاصمون الذين ظلموهم و قتلوهم و غصبوا حقوقهم، و أنكروا ولايتهم و مودّتهم، و العلماء يخاصمون من أعرضوا عنهم و تركوهم، و القرآن يخاصم من أبان به و خالف أحكامه و تركه، و المسجد يخاصم من لا يصلّي فيه أو يعصي فيه، و هكذا.

فالويل ثمّ الويل لمن كان شفعاؤه خصماؤه، و الأخبار في مخاصمة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (علیهم السلام) و سائر الخصماء كثيرة جدّاً، غير قابل للإنكار، منأرادها راجع المطوّلات.

المقام الرابع: في شرائط الشافع و المشفّع له

أمّا الشافع، فمن الواضح أنّ مقام الشفاعة مقام منيع لا يعطى إلاّ لمن كان له قرب و منزلة عند اللّه تعالى، فكلّ من كان أقرب إلى اللّه تعالى و أعلی منزلةً عنده و أرفع درجةً لديه، يكون مقام الشفاعة له أعلى، فأقرب الخلق إلى اللّه تعالى نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثمّ عترته الطاهرون (علیهم السلام) ، ثمّ الأنبياء، ثمّ أوصياؤهم، ثمّ

ص: 539

العلماء، ثمّ الشهداء، ثمّ الصلحاء، ثمّ سائر المؤمنين، و اختلاف مراتبهم في الشفاعة باختلاف درجاتهم.

و أمّا المشفّع له، فله شرائط:

الأوّل: الإيمان، كما تقدّم، فغير من كان دينه مرضياً عند اللّه غير قابل للشفاعة، نعم لو صدر منه خدمة و عمل في حقّ الشافع يمكن شفاعته فى تخفيف عذابه، كما يستفاد من بعض الأخبار.

الثاني: أن يكون له ارتباط إلى الشافع في إظهار خدمة إليه، أو إلى من يتعلّق به، أو إحسان إليه، كالتشرّف بزيارة الأئمّة (علیهم السلام) ، أو إقامة عزائهم، أو البكاء عليهم، أو العمل بأوامرهم، و التسنّن بسننهم، و الإحسان بذراريهم، بل و حبّهم و موالاتهم، و غير ذلك من أنحاء التوسّلات، و كذا من تعلّم من العلماء و أخذ بفتاويهم، و أحسن إليهم و أعانهم، و كذا القرآن و السادة و الفقراء و المساجد و غيرها.و بالجملة قبول شفاعتهم في حقّ هؤلاء مثوبة لهذه الخدمة من اللّه تعالى.

الثالث: أن يكون له عمل أو صفة عند اللّه تبارك و تعالى خالصاً لوجه اللّه مقبول عند اللّه، بحيث يصير قابلاً لهذه الرتبة و العناية و التفضّل؛ لأنّ كلّ فعل من اللّه حسن لابدّ أن يكون في محلّ قابل.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لنا و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و أدخلنا في شفاعة موالينا، و أعطنا في الدنيا و البرزخ و الآخرة فوق طمعنا و آمالنا، بحقّ محمّد و آله الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين.

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً و ظاهراً و باطناً.

ص: 540

هذا آخر ما أردنا إيراده في الخاتمة، و يكون ختامه مسك، و في ذلك فليتنافس المتنافسون، و أنا العبد الآثم الجاني المحتاج، و الراجي إلى رحمة ربّه و شفاعة أجداده، الحاج السيد عبدالحسين بن محمّدتقي المدعوّ بالطيّب، و كان الفراغ من تأليفه و تحريره ليلة الأحد السابع عشر من ربيع الثاني من سنة ألف و ثلاثمائة و تسعة و ستّين (1369) ه_ ق. (1)

و تمّ استنساخ هذا الكتاب الشريف تحقیقاً و تصحیحاً في اليوم الأوّل من شهر صفر المظفّر من سنة (1440) ه_ ق، على يد العبد الفقير السيد مهدي الرجائي عفي عنه، في بلدة قم المقدّسة حرم أهل البيت و عشّ آل محمّد (علیهم السلام) .

ص: 541


1- _ و قد تمّ بحمد الله تعالی التعليقة المختصرة علی هذا الکتاب في ثالث عشر رجب المرجّب سنة 1441 ه _ ق، في بلدة قم المقدّسة علی ید العبد الفاني الفقیر المحتاج إلی ربّه الغنيّ السيّد قاسم علي أحمدي عفي عنه.(عا)

فهرس المصادر و المراجع

1_ القرآن الکریم.

2_ إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات/ 5مجلد/ الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1425 ق.

3_ الإحتجاج على أهل اللجاج( للطبرسی)/ 2مجلد/ الطبرسى، احمد بن على/ التحقیق: الخرسان، السید محمّد باقر/ نشر المرتضى/ مشهد المقدّسة/ تاريخ الطبع: 1403 ق.

4_ إحقاق الحق و إزهاق الباطل/ 34مجلد/ القاضى نور الله الشوشتري/ مکتبة آیة الله المرعشی النجفی العامة/ قم/ تاريخ الطبع: 1409 ق.

5_ الإرشاد فی معرفة حجج الله على العباد/ 2مجلد/ المفید، محمّد بن محمّد/ مؤتمر الشيخ المفيد/ قم/ تاريخ الطبع: 1413 ق.

6_ اعتقادات الإمامیه( للصدوق)/ 1مجلد/ ابن بابویه، محمّد بن على/ مؤتمر الشيخ المفيد/ قم/ تاريخ الطبع: 1414 ق.

7_ إعلام الورى بأعلام الهدى/ 2مجلد/ الطبرسي، الفضل بن الحسن/ مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) / قم/ تاريخ الطبع: 1417ق.

8_ إقبال الأعمال( ط- قديمة)/ 2مجلد/ إبن طاووس، على بن موسى/ دار الكتب الإسلامية/ قم/ تاريخ الطبع: 1409ق.

9_ إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب (عجل الله تعالی فرجه الشریف) / 2مجلد/ الیزدى

ص: 542

الحائرى، علي/ مؤسسة الأعلمي/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1422 ق.

10_ الأمالي(للصدوق)/ 1مجلد/ ابن بابویه، محمد بن علي/ کتابچي/ طهران/ تاريخ الطبع: 1418 ق.

11_ الأمالي(للطوسي)/ 1مجلد/ الطوسى، محمد بن الحسن/ دار الثقافة/ قم/ تاريخ الطبع: 1414 ق.

12_ الأمالي(للمفید)/ 1مجلد/ المفید، محمد بن محمد/ مؤتمر الشيخ المفيد/ قم/ تاريخ الطبع: 1413 ق.

13_ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار(ط- بيروت)/ 110مجلد/ المجلسى، محمّد باقر بن محمّد تقي/ دار إحياء التراث العربي/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1403 ق.

14_ البرهان في تفسیر القرآن/ 5مجلد/ البحرانى، السید هاشم بن سليمان/ مؤسسة البعثة / قم/ تاريخ الطبع: 1416 ق.

15_ بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد (علیهم السلام) / 1مجلد/ الصفار، محمد بن حسن/ مکتبة آیة الله المرعشي النجفي/ قم/ تاريخ الطبع: 1404 ق.

16_ تأویل الآیات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ 1مجلد/ الاسترآبادى، علي/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ تاريخ الطبع: 1409 ق.

17_ التفسیر الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) / 1مجلد/ الحسن بن على (علیهما السلام) ، الإمام الحادي عشر / مدرسة الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف) / قم/ تاريخ الطبع: 1409 ق.18_ تفسیر العیّاشي/ 2مجلد/ العیاشي، محمّد بن مسعود/ المطبعة

ص: 543

العلمیة/ طهران/ تاريخ الطبع: 1422 ق.

19_ تفسیر القمي/ 2مجلد/ القمي، علي بن إبراهيم/ دار الکتاب/ قم/ تاريخ الطبع: 1404 ق.

20_ تفسیر کنز الدقائق و بحر الغرائب/ 14مجلد/ القمی المشهدی، محمّد بن محمّد رضا/ وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي، مؤسسة الطباعة و النشر/ طهران/ تاريخ الطبع: 1410 ق.

21_ تنزيه الأنبياء (لسیّد المرتضی)/ 1مجلد/ علم الهدی، علي بن الحسین (السیّد المرتضی)/ مطبعة الشریف الرضي/ قم/ 1403ق.

22_ التوحید( للصدوق)/ 1مجلد/ ابن بابویه، محمد بن علي/ جامعة المدرسين/ قم/ تاريخ الطبع: 1398 ق.

23_ تهذيب الأحكام( تحقيق الخرسان)/ 10مجلد/ الطوسى، محمّد بن الحسن/ التحقیق: الخرسان، السيد حسن/ دار الکتب الإسلامية/ طهران/ تاريخ الطبع: 1407 ق.

24_ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال/ 1مجلد/ ابن بابویه، محمد بن علي/ دار الشریف الرضي للنشر/ قم/ تاريخ الطبع: 1406 ق.

25_ جامع الأخبار( للشعیري)/ 1مجلد/ الشعیري، محمد بن محمد/ المطبعة الحیدریة/ النجف/ بى تا.26_ الجواهر في تفسير القرآن الکريم(للطنطاوي)/ 25مجلد/ الشیخ طنطاوي جوهري/ مصطفی الباني الحلبي و اولاده بمصر/ مصر _ قاهرة/ تاريخ الطبع: 1350 ق.

ص: 544

27_ الخرائج و الجرائح/ 3مجلد/ قطب الدین الراوندي، سعید بن هبة الله/ مؤسسة الإمام مهدى (عجل الله تعالی فرجه الشریف) / قم/ تاريخ الطبع: 1409 ق.

28_ دلائل الإمامة/ 1جلدی/ الطبري الآملي الصغير، محمد بن جرير بن رستم/ البعثة/ قم/ تاريخ الطبع: 1413 ق.

29_ دلائل الصدق لنهج الحق/ 6مجلد/ المظفر النجفى، محمد حسن/ مؤسسة آل البیت/ قم/ تاريخ الطبع: 1422 ق.

30_ الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیهما السلام) ( لابن شاذان القمي) / 1مجلد/ ابن شاذان القمي، أبو الفضل شاذان بن جبرئیل/ مکتبة الأمین/ قم/ تاريخ الطبع: 1423 ق.

31_ سفينة البحار و مدینة الحکم و الآثار/ 8مجلد/ القمي، الشيخ عباس/ الأسوة/ قم/ تاريخ الطبع: 1414ق.

32_ شواهد التنزیل لقواعد التفضیل/ 2مجلد/ الحسکاني، عبید الله بن عبدالله/ مجمع إحياء الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي/ طهران/ تاريخ الطبع: 1411 ق.

33_ صحيح مسلم/ 8مجلد/ مسلم بن حجاج النیسابوری/ دار الطباعةالعامرة/ تاریخ الطبع: 1329ق.

34_ الصوارم المُهرقة فی نقد الصواعق المُحرقة/ 1مجلد/ الشوشتري، نور الله بن شريف الدين/ مطبعة النهضة/ طهران/ تاريخ الطبع: 1367ق.

35_ الصواعق المحرقة في الرد علی البدع و الزندقة/ 1مجلد/ الهیثمي المکي، احمد بن حجر/ بي تا/ طهران.

ص: 545

36_ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/ 2مجلد/ ابن طاووس، علي بن موسى / الخیام/ قم/ تاريخ الطبع: 1400 ق.

37_ عمدة عیون صحاح الأخبار فی مناقب إمام الأبرار/ 1مجلد/ ابن بطريق، یحیى بن الحسن/ جماعة المدرسين بقم، مؤسسة النشر الإسلامي / قم/ تاريخ الطبع: 1407 ق.

38_ عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية/ 4مجلد/ ابن أبي جمهور، محمد بن زين الدين/ دار سيد الشهداء للنشر/ قم/ تاريخ الطبع: 1405 ق.

39_ عیون أخبار الرضا (علیه السلام) / 2مجلد/ ابن بابویه، محمّد بن علي/ نشر جهان/ طهران/ 1420 ق.

40_ غایة المرام و حجة الخصام في تعیین الإمام من طریق الخاص و العام/ 7مجلد/ البحرانی، السید هاشم بن سلیمان/ مؤسسة التاریخ العربي/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1422ق.

41_ الغيبة(للنعماني)/ 1مجلد/ ابن أبي زينب، محمد بن إبراهيم/ نشرالصدوق/ طهران/ تاريخ الطبع: 1397 ق.

42_ فرائد السمطين/2مجلد/ حموي جویني، إبراهیم بن محمد/ مؤسسة المحمودي/ بیروت/ 1398 ق.

43_ الفضائل( لابن شاذان القمي)/ 1مجلد/ ابن شاذان القمي، أبو الفضل شاذان بن جبرئیل/ الرضي/ قم/ تاريخ الطبع: 1404 ق.

44_ الکافی/ 8مجلد/ الکلیني، محمّد بن یعقوب بن اسحاق/ دار الکتب

ص: 546

الإسلامیة/ طهران/ تاريخ الطبع: 1407 ق.

45_ کامل الزیارات/ 1مجلد/ ابن قولویه، جعفر بن محمّد/ دار المرتضویة/ النجف الاشرف/ تاريخ الطبع: 1397 ق.

46_ کتاب سلیم بن قیس الهلالي/ 2مجلد/ الهلالي، سلیم بن قیس/ الهادي/ قم/ تاريخ الطبع: 1405 ق.

47_ کتاب الغیبة (للطوسي)/ الطوسي، محمّد بن الحسن/ 1مجلد/ دار المعارف الإسلامیة/ قم/ تاريخ الطبع: 1411 ق.

48_ کشف الغمة في معرفة الأئمة (علیهم السلام) / 2مجلد/ الإربلة، علي بن عیسى/ بني هاشمي/ تبریز/ تاريخ الطبع: 1423 ق.

49_ کشف الیقین في فضائل أمیر المؤمنین (علیه السلام) / 1مجلد/ العلامة الحلّي، حسن بن یوسف بن مطهر/ وزارة الإرشاد/ طهران/ تاريخ الطبع: 1411 ق.50_ كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الإثني عشر / 1مجلد/ الخزاز الرازى، علي بن محمد / بیدار/ قم/ تاريخ الطبع: 1401 ق.

51_ کمال الدین و تمام النعمة/ 2مجلد/ ابن بابویه، محمّد بن علي/ الإسلامیة/ طهران/ تاريخ الطبع: 1395 ق.

52_ کنز الفوائد/ 2مجلد/ الکراجکى، محمد بن علي/ دار الذخائر/ قم/ تاريخ الطبع: 1410 ق.

53_ مائة منقبة من مناقب أمیر المؤمنین و الأئمة/ 1مجلد/ ابن شاذان، محمد بن احمد/ مدرسة الإمام المهدى (علیه السلام) / قم/ تاريخ الطبع: 1407 ق.

ص: 547

54_ مجمع البیان في تفسیر القرآن/ 10مجلد/ الطبرسي، الفضل بن الحسن/ منشورات ناصر خسرو/ طهران/ تاريخ الطبع: 1413ق.

55_ المحاسن/ 2مجلد/ البرقي، أحمد بن محمد بن خالد/ دار الکتب الإسلامیة/ قم/ تاريخ الطبع: 1371 ق.

56_ المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء/ 8مجلد/ الفيض الكاشانى، محمد محسن بن الشاه مرتضى/ جامعة المدرسين في قم مؤسسة النشر الاسلامي/ تاريخ الطبع: 1417 ق.

57_ مختصر البصائر/ 1مجلد/ الحلّي، حسن بن سلیمان بن محمّد/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ تاريخ الطبع: 1421 ق.

58_ مدینة معاجز الأئمة الإثني عشر/ 8مجلد/ البحراني، السید هاشم بنسلیمان/ مؤسسة المعارف الإسلامیة/ قم/ تاريخ الطبع: 1413 ق.

59_ المزار الکبیر( لابن المشهدي)/ 1مجلد/ ابن مشهدي، محمد بن جعفر/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم/ قم/ تاريخ الطبع: 1419 ق.

60_ مسند أحمد بن حنبل/ أحمد بن محمد بن حنبل/ 50مجلد/ مؤسسة الرسالة/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1416 ق.

61_ مشارق أنوار الیقین في أسرار أمیر المؤمنین (علیه السلام) / 1مجلد/ الحافظ البرسي، رجب بن محمد/ الأعلمي/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1422 ق.

62_ مصباح الزائر/ ابن طاووس، علي بن موسى/ 1 مجلد/ مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لاحياء التراث/ قم/ تاريخ الطبع: 1417 ق.

ص: 548

63_ المصباح للكفعمي(جنة الأمان الواقية و جنة الإيمان الباقية)/ 1مجلد/ الکفعمي، ابراهیم بن علي العاملي/ دار الرضي( زاهدي)/ قم/ تاريخ الطبع: 1405 ق.

64_ مصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد/ 1مجلد/ الطوسي، محمّد بن الحسن/ مؤسسة فقه الشیعة/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1411 ق.

65_ معاني الأخبار/ 1مجلد/ ابن بابویه، محمّد بن علي/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم/ قم/ تاريخ الطبع: 1403 ق.

66_ مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الإثني عشر/ 1مجلد/ الجوهريالبصري، أحمد بن عبد العزيز/ مکتبة الطباطبائي/ قم/ تاريخ الطبع: بی تا.

67_ مقتل الحسين (علیه السلام) للخوارزمی/2مجلد/ اخطب خوارزم، موفق بن احمد/دار أنوار الهدی/ قم/ تاریخ الطبع: 1423ق.

68_ مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) ( لابن شهرآشوب)/ 4مجلد/ ابن شهر آشوب المازندراني، محمّد بن علي/ العلامة/ قم/ تاريخ الطبع: 1421 ق.

69_ مناقب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) / 1مجلد/ ابوالحسن علي بن محمد جُلابي(إبن مغازلي)/دار الأضواء/ بیروت/ تاریخ الطبع: 1424 ق.

70_ المناقب (الخوارزمي)/ 1مجلد/ الموفق بن أحمد البکري المکي الحنفي الخوارزمي/ مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة/ قم/ تاريخ الطبع: 1411ق.

71_ من لا یحضره الفقیه/ 4مجلد / ابن بابویه، محمّد بن علي/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم/ تاريخ الطبع: 1413 ق.

ص: 549

72_ نهج البلاغة( للصبحي صالح)/ 1مجلد/ الشریف الرضي، محمد بن حسین/ الهجرة/ قم/ تاريخ الطبع: 1414 ق.

73_ نهج الحقّ و کشف الصدق/ 1مجلد/ العلامة الحلي، الحسن بن یوسف/ دار الکتاب اللبناني/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1982 م.

74_ وسائل الشیعة(تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة)/ 30مجلد/ الشیخ الحر العاملي، محمّد بن حسن/ مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) / قم/تاريخ الطبع: 1409 ق.

75_ الهدی إلی دين المصطفی/ 2مجلد/ البلاغي، الشيخ محمد جواد/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بیروت/ تاريخ الطبع: 1405ق.

76_ الهدایة الکبرى/ 1مجلد/ الخصیبى، حسین بن حمدان/ البلاغ / بیروت/ تاريخ الطبع: 1419 ق.

77_ ینابیع المودة لذوي القربی/ القندوزي الحنفي، سلیمان بن إبراهیم/ منظمة الاوقاف و الشؤون الخیریة، دار الأسوة للطباعة و النشر/ قم/ تاريخ الطبع: 1422 ق.

ص: 550

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.