اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق

اشارة

اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق

محمد صادق روحانی

ناشر: دار زین العابدین علیه السلام

محل نشر: قم - ایران 1431 ه ق

ص :1

المجلد 1

اشارة

ص :2

اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق

محمد صادق روحانی

ص :3

ص :4

ص :5

ص :6

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، أبدَ الآبدين.

أمّا بعد:

فبين يديك - عزيزنا القارئ - المجموعة الاُولى من المسائل، التي كان يرسلها المؤمنون من شتّى أنحاء العالم الإسلامي، على مدى سنوات عديدة، لسماحة آية الله العظمى، المرجع الديني الكبير، السيّد محمّد صادق الروحاني (دامت بركات وجوده الشريف) عبرَ موقعه الالكتروني وغيره من قنوات الاتّصال، وكان سماحته - من منطلق مسؤوليّته الدينيّة - يوليها عنايةً فائقة لاتقلّ عن عنايته بمسؤوليّاتهِ الجسام الاُخرى.

وقد تمّ جمعُ بعض تلكم المسائل، وتبويبها، وحذفُ المكرّر منها، مع إعادة صياغة بعضها، إمّا بزيادة إيضاح، وإمّا برفع إجمال.

والمرجوّ من المولى الكريم الذي وفّقَ لإنجاز هذه المجموعة، أن يديم توفيق القائمين عليها لإنجاز المجموعات الاُخرى، لتعمّ بها الفائدة على عموم أبناء المجتمع الشيعي، نظراً لأهمّيّة ما تشتمل عليه من الإجابات العلميّة المهمّة، سيّما ما يرتبط منها بالشبهات الفكريّة والإثارات العقائديّة الخطيرة.

ص:7

وختاماً: نرفعُ أكفّنا ضارعينَ إلى المولى العليِّ القدير، أن يصونَ مهجةَ سماحة المرجع الديني الكبير الروحاني، ويمتّعَ المسلمين بعظيم بركاته، في ظلِّ عناية مولى العصر وسلطان الزمان (أرواح العالمين لتراب نعله الفداء).

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين،

واللعن المؤبّد على أعدائهم وأعداء الله أجمعين، أبد الآبدين مكتب سماحة المرجع الروحانى دام ظله

ص:8

الفصل الأوّل: أسئلة وأجوبة حول اصول الدين

اشارة

ص:9

ص:10

الأصل الأوّل: التوحيد

وجوب المعرفة

1 - هل يجب على كلِّ إنسان أن يكون ذا عقيدة، وأن يعرف الصانع، ويبحثعن المعبود الحقيقي؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ المعرفة واجبةٌ بحكم العقل، بمقتضى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل; إذ ما دام - على مدى التاريخ - قدوفد على كلِّ امّة أشخاصٌ كثيرون تحتَ عنوان (الأنبياء والرُسل)، وكلّهم معروفون في مجتمعاتهم بالصدق والنزاهة والاستقامة، كما أنّ جميعهم قد أخبروا عن وجود إل - ه إسمه (الله)، وتوعدوا بالعقاب على عدم معرفته، فحينئذ يكون احتمالُ الضرر وارداً في حقِّ مَن لم يُصغِ لدعوتهم، وهذا ما يدعو العقل للحكم بلزوم البحث والمعرفة دفعاً للضرر المذكور.

2 - هل يكفي التقليد؟ أم لابدّ من معرفة الله سبحانه بالدليل؟

باسمه جلت أسماؤه: من الجواب المتقدّم اتّضح أنّ العقل هو الحاكم بوجوب المعرفة دفعاً للضرر المحتمل، وإذا كان الأمر كذلك لم تكفِ المعرفة الظنّيّة; إذ أنّ الضرر المحتمل لايندفع معها، وإنّما يندفع بالمعرفة اليقينيّة. وعلى ذلك، فإنْ كان المراد من التقليد في السؤال: متابعة الغير في اعتقاده، وإن لم يكن قوله موجباً للعلم واليقين، لم يجز قطعاً بحكم العقل; إذ أنّ احتمال الضرر لايرتفع بمثل هذا النحو من المعرفة، وإن كان المراد من التقليد: متابعة الفقيه العالم الموجبة لحصول

العلم - من جهة أنّ اعتقاد مثله; لكونه مبنيّاً على البرهان، موجبٌ لحصول

ص:11

اليقين والاطمئنان بصحّة ما يعتقد به - فلا إشكالَ فيه.

3 - هل تمكن معرفة الذات المقدّسة للهِ (عزّ وجلّ) ولو في بعض المراتب؟

باسمه جلت أسماؤه: ظاهر النصوص والأدلّة - كقول الإمام الصادق (عليه السلام) في دعاء الغَيبة المعروف: «اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَ - إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيِّكَ» إمكانُ المعرفة، غايةُ ما في الأمر أنّها معرفةٌ إجماليّةٌ بمقدار ما كشفت عنه الآياتُ والروايات، نظراً لمحاليّة المعرفة الإحاطيّة الاستيعابيّة، باعتبار أنّ الإحاطة تقتضي أن يكون المحيط مستوعباً للمحاط به أو مساوياً له على أقلِّ

تقدير، وبما أنّ الممكن مهما بلغ لايمكن أن يستوعب الواجب; لكون الأوّل محدوداً متناهياً، والثاني غير متناه، فتكون إحاطة الأوّل بالثاني من المحالات العقليّة.

4 - ما هي الطرق إلى معرفة الله (سبحانه وتعالى)؟ وما هي المعرفة؟

باسمه جلت أسماؤه: المعرفة يُراد بها: العلم، والطريق إلى معرفة الله تعالى إمّا هو العقل، كمعرفتهِ عن طريق برهان النَّظْم، وإمّا هو النقل كتاباً وسنّة، وإمّا هي الفطرة المشتركة بين الإنسان وسائر المخلوقات; إذ الجميع لهُ حظٌّ من معرفة الله (سبحانه وتعالى) بمقتضى الفطرة والتكوين.

5 - هل معرفة الله (جلّ ذِكره) قلبيّة؟ أم عقليّة؟ أم كلتاهما؟

باسمه جلت أسماؤه: ليست المعرفة العقليّة ممكنةً فحسب، بل هيَ أساس المعرفة الإل - هيّة، نظراً لاعتماد المعرفة النقليّة عليها; إذ التعويل في المعرفة على الدليل النقلي فقط مستلزمٌ لمحذور الدور الفاسد.

وأمّا المعرفة القلبيّة: فإنْ كان المراد من (القلب) الذي اضيفت لهُ المعرفة، هو نفسه العقل - كما في بعض الاستعمالات - فالأمرُ واضحٌ، وإنْ كانَ المراد منهأداة الاحساس - كما في بعض الاستعمالات الاُخرى - فالمعرفة عن طريقهِ واقعة أيضاً بمقتضى الفطرة والتكوين.

ص:12

توحيد الله تعالى ووجوده

6 - ما الدليل على وجود الله (عزّ وجلّ)؟

باسمه جلت أسماؤه: من أوضح البراهين التي يُستدل بها على وجود الله (سبحانه وتعالى) البرهان المعروف ب -- (برهان النَّظْم)، وبيانه يتوقّف على الإحاطة بمقدّمات ثلاث:

المقدّمة الاُولى: المقدّمة الفلسفيّة.

وهي: أنّ وجود المعلول كما يحكي بالضرورة عن وجود العلّة، كذلك يحكي عن صفاتها ولو إجمالا، فإنّ مَن وقعَ بين يديهِ ديوانان للشعر، يتّصف أحدهما بالبساطة، والآخر بالقوّة والابداع، كما أنّه لايرتاب في وجود علّتين فاعليتيّن وراءهما، كذلك ينكشف له مستواهما من خلال ديوانيهما، فيعلم أنّ أحدهما أديبٌ لغويٌ بليغ، بينما الآخر صِفْرُ اليدين من كلِّ ذلك.

المقدّمة الثانية: المقدّمة الحسّيّة.

وهي: أنّ الظواهر الطبيعية إذا تأمّلَ فيها الإنسان من خلال المشاهدات الحسّيّة أو من خلال الأدوات العلميّة التجريبيّة، يجد أنّها برمّتها تخضع لنظام دقيق ومتكامل، وليس ينكر ذلك إلاّ مكابر.

المقدّمة الثالثة: المقدّمة العقليّة.

وهي: أنّ العقل بعد أن لاحظَ ذلك النظام الدقيق، يحكم بالبداهة بوجود منظّم ومدبّر وراءه، لايكون إلاّ عالماً قديراً مريداً; إذ أنّ الصدفة لاتكون أكثرية. والنتيجة: ثبوتُ وجود مُنظِّم - للنظام الدقيق في الكون - عالم قدير حكيم مُريد; إذ مَن لايتّصف بشىء من هذه الصفات لا يتسنّى له نَظْمُ العالم بهذا النحوِ الدقيقِ البديع، ولاينطبق ذلك إلاّ على مَن يسميه الإلهيّون ب - (الله) سبحانه وتعالى.

ص:13

7 - ما الدليل على وحدانيّتهِ ونفي الشرك عنه؟

باسمه جلت أسماؤه: يمكن أنْ يُستدل على وحدانيّتهِ (سبحانه وتعالى) بنفس برهان النَّظم المتقدّم، فإنّ النَّظْم كما يدلّ على وجودِ المُنظِّم، كذلك وحدة النَّظم تدلّ على وحدانيّة المُنظِّم; وهذا ما أوضحهُ الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله:

«فَلَمّا رَأَيْنا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً، وَالْفَلَكَ جارِياً، وَالتَّدبِيرَ واحِداً، وَاللَّيْلَ وَالنَّهارَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، دَلَّ صِحَّةُ الاَْمْرِ وَالتَّدْبِيرِ وَائْتِلافُ الاَْمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ واحِدٌ»(1).

مفهوم الشرك وأقسامه

8 - ما هو الشرك وأقسامه، ولماذا النواصب يتّهموننا بالشرك؟

باسمه جلت أسماؤه: الشرك في قبال التوحيد، وحيث أنّ التوحيد على ثلاثة أقسام:

1 - توحيد الذات.

2 - توحيد الصفات.

3 - توحيد الأفعال.

فالشرك كذلك أيضاً، وما يتّهم به بعض العامّة الشيعة من الشرك يريدون به الشرك في الأفعال غالباً، والشيعة براء من ذلك، وذلك ناشئ عن سوء الفهم بالنسبة لبعض التصرّفات.

9 - هل تسمية الأشخاص بعبد الحسين، وعبد الأمير، وعبد الزهراء، وأمثال ذلك من الأسماء، جائز عقائديّاً؟

باسمه جلت أسماؤه: كلمة (العبد) كما تستعمل بمعنى (العابد)، كذلك تستعمل بمعنى (الخادم)، كما في قوله تبارك وتعالى: وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى

ص:14


1- (1) الكافي: 80:1. بحار الأنوار: 258:3..

مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ(1)، وهذا المعنى الثاني هو ما نعنيه في إضافتنا لكلمة (العبد) لبعض الأسماء - كعبد الحسين، وعبد الزهراء، وعبد الرضا - فلاينافي ذلك التوحيد العبادي في شيء.

الصفات الإلهيّة

10 - فيما يخصّ صفات الله عزّ وجلّ لماذا نؤوّلها؟

وما هو الدليل على التأويل؟ وإذا كان التاويل هو المذهب الحقّ فلماذا اختلف المؤوّلون في تأويلاتهم؟ وهل ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) بأسانيد صحيحة هذا المذهب وعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟

باسمه جلت أسماؤه: القاضي بالتأويل هو العقل لمن له عقل، فإنّ العقل الّذي ينزّه الحقّ جلّ وعلا عن الجسميّة يفرض تأويل اليد في قوله تعالى: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ(2) بالقدرة ونحو ذلك، وأمّا اختلاف من يؤوّل من غيرأهل البيت) عليهم السلام (فهو ضرب من الاجتهاد; لاختلاف الناس في فهم الدليل، والمهمّ أن لايكون التأويل بدون دليل تامّ ولو عند نفس المؤوّل لافي الواقع، ولامانع منه، وأصل التأويل بشكل عامّ ثابت عن أهل بيت العصمة والطهارة) عليهم السلام (.

11 - مَن أرادَ معرفة الله (عزّ وجلّ) بصفاته وأفعاله، هل يكون من الموحدِّين؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ معرفةَ كُنهِ الذات المقدّسة من المحالات، وبما أنّ معرفةَ صفاتِ الله (تبارك وتعالى) وأفعالهِ قناةٌ من قنواتِ معرفة ذات الله (جلّ جلاله); لكون صفاته عينَ ذاته، فيكون هذا النحو من المعرفة كافياً لِلمُوحّد.

12 - إنّ لله صفات ثبوتيّة وسلبيّة، أو جماليّة وجلاليّة، فما معنى الثبوتيّة والسلبيّة؟

ص:15


1- (1) النور 32:24.
2- (2) الفتح 10:48..

باسمه جلت أسماؤه: حاصلُ الفرقِ بين الصفات الثبوتيّة والسلبيّة: أنّ الصفات الثبوتيّة هي ما ثبتَ اتّصافُ الذات بها، والسلبيّة هي: ما يلزم تنزيه الذات عنها، والاُولى كالعلم والقدرة، والثانية كالجسميّة، وقد يُعبّر عن الاُولى بالصفات (الجماليّة)، وعن

الثانية بالصفات (الجلاليّة).

13 - ما الفرق بين أسماء الله (عزّ وجلّ) وصفاته؟

باسمه جلت أسماؤه: لافرق بينَ الاسم والصفة بحسب الحقيقة، وإنّما هيَ مجرّد فروق اعتباريّة، كأن يُقال: إنّ الصفة هي التي لاتحمل على الموضوع، فلايقال: «الله عِلْمٌ» - مثلا - بخلاف الاسم، فإنّه يصحّ حمله على الذات، فيقال: «الله عالِمٌ»، وعلى هذا فالعلم والقدرة والحياة من الصفات، والعالم والقادر والحيّ من الأسماء.

14 - العلم، هل هو من الصفات الثبوتيّة أم الفعليّة؟

باسمه جلت أسماؤه: الصفات الفعليّة لاتُقابل بالصفات الثبوتيّة، وإنّما تُقابل بالصفات الذاتيّة، فينبغي أن يكون السؤال: هل العلم من الصفات الذاتيّة؟ أم الفعليّة؟

وجوابه: أنّ الصفات الذاتيّة - كما أوضحنا في زبدة الاُصول(1): هي: التي لايمكن نفيها عن الذات، ويستحيل أنْ يتّصفَ سبحانه بنقيضها، كالعلم والقدرة، فإنّه يستحيل وصفه تعالى بالعجز والجهل، بخلاف الصفات الفعليّة.

15 - ما هو العلم الإلهي؟ وهل هو حضوريٌ أم حصولي؟

باسمه جلت أسماؤه: العلم الإلهي هو انكشافُ جميع ما سوى ذاته لذاتهِ المقدّسة، وإحاطته بها جميعاً، وهو - بعدَ وجود الأشياء - مِن سنخ العلم

ص:16


1- (1) زبدة الاُصول: 438:1..

الحضوري; إذ أنّه عبارةٌ عن حضور المُدرَك لدى المُدرِك مِن دون توسّط صورة المُدرَك، وبما أنّ جميعَ ما سوى الله حاضرٌ بنفسهِ لديه تعالى - لكونهِ قائماً به حدوثاً وبقاءً - ومن غير توسّط صورة، فيكون علمه به حضوريّاً.

16 - هل الباري (عزّ وجلّ) عالم بباقي الموجودات قبلَ الوجود؟

باسمه جلت أسماؤه: وردَ في صحيحة محمّد بن مسلم، عن الإمام أبى جعفر الباقر (عليه السلام):

«كانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَشَيْءَ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عالِماً بِما يَكونُ، فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ»(1)، إلاّ

أنّ حقيقة هذا العلم مجهولة الكُنه، فإنّه ليس من العلم الحصولي; لعدم تصوّره بالنسبة إلى الواجب (سبحانه وتعالى)، كما أنّه ليس من العلم الحضوري; نظراً لكون الحضور فرع وجود الأشياء، والفرضُ أنّها بعدُ لم توجد.

والحاصل: فإنّ اللهَ تعالى - بمقتضى البرهان والدليل - عالمٌ علماً ذاتيّاً بالأشياء قبلَ وجودها، وأمّا حقيقةُ علمهِ هذا فهي خارجُ حدود تصوّرنا وإدراكنا.

17 - ما معنى علمه سبحانه بالكلّيّات؟ وهل يعلم بالجزئيّات أيضاً؟ وما معناه؟

باسمه جلت أسماؤه: الكلّيّ والجزئي تارة يكونان مفهوميَّين، واُخرى وجوديَّين، والمرادُ من الكلّيّ المفهومي: ما ينطبق على كثيرين، ومِن الجزئي المفهومي: ما لاينطبق على كثيرين، وأمّا الكلّيّ الوجودي، فيراد به: الوجود السَعَي، والجزئى الوجودي: كلُّ موجود بما له من الخصوصيّات المشخّصة.

واللهُ (تبارك وتعالى) عالمٌ بالكلّيّات والجزئيّات بما لهما من المعاني المتقدّمة، كما يُستفاد ذلك من قوله تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَاب مُّبِين(2).

ص:17


1- (1) اصول الكافي: 107:1.
2- (2) سبأ 3:34..
18 - ما معنى القدرة الإل - هيّة؟ وهل هي من الصفات الذاتيّة أم الفعليّة؟

باسمه جلت أسماؤه: القدرة الإل - هيّة تعني: التمكّن من الفعل عند المشيئة، ومن الترك عند عدمها، وهي من الصفات الذاتيّة بلا ريب.

19 - كيف لنا معرفة قدرة الله (عزّ وجلّ)؟

باسمه جلت أسماؤه: قال (عزّوجلّ): اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماوَاتوَمِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ(1)

وقال أميرُ المؤمنين (عليه السلام):

«وَأَقامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّناتِ عَلَى لَطِيفِ صَنعَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ»(2).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام):

«كَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَراكَ قُدْرَتَهُ في نَفْسِكَ»(3).

20 - هل سعة قدرته (سبحانه) لكلِّ شىء، أم ماذا؟

باسمه جلت أسماؤه: قال اللهُ (تبارك وتعالى) في كتابهِ الكريم: وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيراً(4)

وقال:

وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْء فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (5)

21 - هل يقدر الله (عزّ وجلّ) على خلقِ مثله؟

باسمه جلت أسماؤه: القدرة الإل - هيّة لاتتعلّق بالمحالات الذاتيّة،

ص:18


1- (1) الطلاق 12:65.
2- (2) نهج البلاغة.
3- (3) الكافي: 74:1. بحار الأنوار: 42:3.
4- (4) الأحزاب 27:33. الفتح 21:48.
5- (5) فاطر 44:35..

أو المستلزمة للمحال الذاتي; إذ مثل هذه الاُمور لقصور فيها لاتقعُ في إطار القدرة، لالقصور في نفس القدرة، وهذا نظير عدم تمكّن العالم الرياضي الخبير مِن جعل نتيجة (2 + 2) خمسة، فإنّ هذا ليس لعجزهِ عن ذلك وقصوره، وإنّما لقصورفي نفس الأعداد. وبما ذكرناه يتّضح وجهُ الخلل في السؤال، فإنّ مثلَ واجب الوجود لايكون إلاّ واجباً، فلو كان مخلوقاً لله تعالى كانَ ممكناً، وهذا معناهكون المِثل واجباً وممكناً، وهو محال; لكونه من مصاديق اجتماع الضدّين، ومثله لاتتعلّق به القدرة; لقصور فيه، لالقصور في القدرة.

22 - هل الله تعالى قادرٌ على أنْ يجعلَ العالم في بيضة، مِن دون أنْ يصغر العالم، أو تكبر البيضة؟

باسمه جلت أسماؤه: اتّضحَ من خلال الجواب السابق: أنّ العجزفي مثل هذا المورد يعود للقابل لاللفاعل; إذ لو دخلَ العالم الكبير في بيضة صغيرة مِن غير أن يصغرَ أو تكبر; للزمَ كون البيضة صغيرةً وكبيرةً في الآن نفسه - من جهة أن الظرف بمقتضى قوانين عالم المادة يلزم أن يكون أكبر من مظروفه - وهذا معناهُ اجتماعُ النقيضين، وهو محال، فلا تتعلّق القدرةُ بمثلهِ لقصور فيه.

23 - هل من الممكن أنْ يُوجد (سبحانه) شيئاً لايقدر على إفنائه؟

باسمه جلت أسماؤه: القصورُ في مثل هذا المورد أيضاً يعود للقابل لاللفاعل; إذ كون الشيء مخلوقاً يعني إمكان إفنائه; لأنّ المخلوق قائمٌ بالخالق، فلو قطعَ صلته به لزمَ انعدامه، وكونه غير قابل للإفناء يستلزم أن لايكون مخلوقاً، ممّا يعني أنّ إيجاد ما افترضه السائل مستلزمٌ لاجتماع النقيضين، ومثلهُ لقصور فيه لاتتعلّق به القدرة.

24 - ما معنى حياة الباري (عزّ وجلّ)؟

باسمه جلت أسماؤه: إنّ شأنَ أكثر المفاهيم التي تُدرك إدراكاً فطريّاً

ص:19

بالوجدان - كالوجود والحياة - أنّها حاضرةٌ لدى الأذهان، ولكن يعجز عن تعريفها البيان; ولذا فإنّها عادةً ما تُعرّف مِن خلال لوازمها وآثارها، فيُقال في تعريف الحياة - مثلا -: أنّها مبدأ العلم والقدرة، أو الصفة التي تقتضي اتّصاف الذات بالفعل والإدراك، ونحو ذلك.

25 - ما هي الإرادة؟ وهل هي من صفات الفعل أم الذات؟

باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في كتاب الجبر والاختيار(1) أنّ الإرادة الإل - هيّة على قسمين: تكوينيّة وتشريعيّة، وعرّفنا الاُولى بأنّها: فعلُ الله تعالى وإحداثه، وعرّفنا الثانية بأنّها: جعل الأحكام، وقد أوضحنا في الصفحة 83 من الكتاب المذكور: أنّ الإرادة من صفات الفعل لاالذات; لتصريح النصوص بذلك، ولانطباق ضابطة الصفة الفعليّة عليها; إذ الله تعالى قد أرادَ وجود الإنسان، ولم يُرد وجود العنقاء.

26 - صفة الكلام، هل هي ذاتيّة أم فعليّة؟

باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في كتاب الجبر والاختيار(2): أنّ صفة الكلام من الصفات الفعليّة; لانطباق ضابطة الصفة الفعليّة عليها أيضاً، فيقال: كلّمَ اللهُ تعالى نبيّه موسى (عليه السلام)، ولم يكلّم فرعون (عليه اللعنة)، وقد أكدّت ذلك النصوص الشريفة، حيث وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام):

«إِنَّ الْكَلامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّة، كانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ مُتَكَلِّمَ»(3).

27 - المعلوم في الممكنات أنّ المتكلّم محتاجٌ إلى آلة للتكلّم، والله منزّهٌ عن ذلك، فما معنى كلام الباري (عزّ وجلّ)؟

ص:20


1- (1) الجبر والاختيار: 81.
2- (2) الجبر والاختيار: 189.
3- (3) الكافي: 107:1. التوحيد: 139. بحار الأنوار: 71:4 و 161:54..

باسمه جلت أسماؤه: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«يُخْبِرُ لاَبِلِسان وَلَهَوات، وَيَسْمَعُ لاَ بِخُرُوق وَأَدَوَات. يَقُولُ وَلاَ يَلْفِظُ، وَيَحْفَظُ وَلاَ يَتَحَفَّظُ،... يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ: «كُنْ فَيَكُونُ»، لاَ بِصَوْت يَقْرَعُ، وَلاَ بِنِدَاء يُسْمَعُ; وَإِنَّما كَلاَمُهُ سُبْحانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كائِناً»(1).

وقال الإمام الرضا (عليه السلام):

«وَصَعَدَ مُوسى إِلَى الطّورِ، وَسَأَلَ اللهَ تَعالى أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُمْ كَلامَهُ، فَكَلَّمَهُ اللهُ تَعالى ذِكْرُهُ، وَسَمِعوا كَلامَهُ مِنْ فَوْق وَأَسْفَل، وَيَمين وَشِمال، وَوَراء وَأَمام; لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْدَثَهُ في الشَّجَرَةِ، وَجَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْها حَتّى سَمِعوهُ مِنْ جَميعِ الْوجوهِ»(2).

والمتحصّل من هذين الخبرين: أنّ كلامه تعالى عبارة عن إحداثهِ الكلاموالحروف والأصوات في بعض الممكنات، بحيث يتسنّى سماعها لمن يتكلّم معه.

28 - هل الله (عزّ وجلّ) أزليٌّ؟ وما هو الدليل على ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: قد ثبتَ ببرهان النَظْم المتقدّم أنّ الله تعالى علّة العلل، وعلّةُ العلل لايكون إلاّ واجبَ الوجود، وواجبُ الوجود لايكون إلاّ أزليّاً أبديّاً; إذ أنّه لو كان معدوماً في زمان مّا، لم يكن وجوده ذاتيّاً له، وإنّما ترشّحَ عليه مِن موجود آخر أخرجه من كتم العدم إلى نور الوجود، وهذا خُلْفُ كونهِ واجباً.

29 - هل الباري (عزّ وجلّ) يحدّه مكان؟

*

باسمه جلت أسماؤه: لو كان (سبحانه وتعالى) محدوداً بالمكان; لكانَ محتاجاً إليه، وبما أنّ الاحتياج من شؤون الممكن، فيلزم أن يكون واجبُ الوجود ممكناً، والممكنُ لايمكن أن يكون إل - هاً تنتهى إليهِ سلسلةُ الموجودات.

ص:21


1- (1) الاحتجاج 299:1-304.
2- (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 195:1-204..
30 - هل الله (عزّ وجلّ) شيءٌ كباقي الأشياء، أم لا؟ وما هذه الشيئيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

«وَأَنَّهُ شَيْءٌبِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ جِسْمٌ، وَلاَ صُورَةٌ، وَلاَ يُحَسُّ، وَلاَ يُجَسُّ، وَلاَ يُدْرَكُ بِالْحَواسِّ الْخَمْسِ، لاَ تُدْرِكُهُ الاَْوْهامُ، وَلاَ تَنْقُصُهُ الدُّهورُ، وَلاَ تُغَيّرُهُ الاَْزْمانُ»(1).

والمرادُ من شيئيّتهِ وجوده تبارك وتعالى، وكونه شيئاً بحقيقة الشيئيّة; لكونوجوده عين ذاته، ويستحيل انفكاكه عنه، بخلاف وجود غيره فإنّه في معرض العدم والفناء.

31 - ما الفرق بين الرحمة والرحمانيّة والرحمة الرحيميّة؟

باسمه جلت أسماؤه: الفرق كما يستفاد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) من جهة المتعلّق; إذ أنّ المرحوم بالاُولى جميع المخلوقات - الإنسان المؤمن والكافر، وغير الإنسان - والمرحوم بالثانية خصوص الإنسان المؤمن، فلاتشملغير المؤمن فضلا عن غير الإنسان، ولاينافي ذلك ما دلّ على حصول ذلك في الدنيا والآخرة، كما في بعض الأدعية.

32 - من أسماء الله الحسنى (المؤمن) فماذا يعني؟

باسمه جلت أسماؤه: لمادّة (المؤمن) معنيان متقاربان: الأوّل هو الأمن والطمأنينة، والثاني هو التصديق، وبلحاظ كُلٍّ منهما يصحّ إطلاق وصف (المؤمن) عليه (تبارك وتعالى)، فيكون معناه على الأوّل هو معطي الأمن والطمأنينة، ويكون معناه على الثاني هو المُصدّق لأنبيائهِ وأوليائه عن طريق تأييدهم بالمعاجز والكرامات.

ص:22


1- (1) الكافي: 83:1. بحار الأنوار: 29:3. الاحتجاج: 331:2. التوحيد: 606. معاني الأخبار: 8، قطعة منه..
33 - هل يغضب الله تعالى؟ وكيف يكون غضبه؟

باسمه جلت أسماؤه: غضب الله ليس كغضب البشر; لأنّه ليس جسماً، وليست له قوّة غضبيّة، بل غضبه عقوبته لكلٍّ بحسب ما يستحقّ، فقد غضب على قوم لوط (عليه السلام) فعاقبهم بقلب مدائنهم، وعلى قوم نوح (عليه السلام) فأغرقهم، وهكذا.

34 - كيف نوفّق بين عقيدتنا في الله تعالى، وبين الأقوال الصريحة الدالّة عليعلوّ الله؟

* بعد أن قام البرهان العقلي القطعي على أنّه (سبحانه وتعالى) لاأين له ولامكان، لزم توجيه ما ظاهره خلاف ذلك من الأدلّة النقليّة بما ينسجم معه، وإليك توضيح ذلك مفصّلا: أمّا بالنسبة إلى العلوّ والفوقيّة المتّصف بهما (سبحانه و تعالى) كما في: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ(1) أووَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(2) فيراد بهما: العلوّ المقامي والفوقيّة المعنويّة، لاالمعنى الحسّي لهما، وبلحاظ ما له) تبارك و تعالى (من العلوّ المقامي، كانت العودة إليه تعالى) عروجاً (و) صعوداً (و) ارتفاعاً (كما في الآيات المباركات: تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ(3) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ(4) بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ(5)، ونحوها غيرها من الآيات القرآنيّة المماثلة لها، مثل قوله عزّ من قائل: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ(6). وبلحاظ هذه الجهة أيضاً جاء التعبير

ص:23


1- (1) النحل 50:16.
2- (2) البقرة 255:2. الشورى 4:42.
3- (3) المعارج 4:70.
4- (4) فاطر 10:35.
5- (5) النساء 158:4.
6- (6) يونس 3:10..

بالإنزال بالنسبة للقرآن الكريم، كما في قوله (تبارك و تعالى) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ(1) وأمّا بالنسبة للآية الشريفة: ءَأَمِنتُم مَن فِي السَّمَاءِ(2) فلا دلالة لها على أنّ المقصود بها هو الله) سبحانه و تعالى (، لاحتمال أن يكون المقصود منها الملائكة، والأحاديث الدالّة على ذلك لاحجّيّة لها حتّى تثبتأنّ المقصود ب مَن فِي السَّمَاءِ هو الله سبحانه وتعالى، وعلى فرض كون المقصود بها الله (جلّ جلاله)، فمن المحتمل أن يكون المراد منها قدرة الله وسلطانه، إذ السماء هي مسكن الملائكة واللوح المحفوظ، ومنها تتنزّل الأوامر والنواهي ومظاهر الرحمة والعذاب، ولعلّه لهذه الجهة ترتفع الأيدي والرؤوس إلى السماء حال الدعاء والمناجاة.

35 - قال الله سبحانه متحدّثاً عن كيفيّة حديثه مع كليم الله موسى (عليه السلام):

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، وقال في آيات اخرى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(4)

وسؤالي: أنّه لو لو كانت الشجرة هي التي تكلّمت - كما جاء في الأخبار - لأصبحت هيربّ موسى; لأنّها تقول إنّي أنا ربّك، فما هو الجواب؟

باسمه جلت أسماؤه: كلام الله تعالى مع نبيّه موسى (عليه السلام) من الشجرة، لايعني أنّ الشجرة هي التي تكلّمت، بل الله تعالى خلق الكلام في الشجرة، فسمعه

ص:24


1- (1) آل عمران 7:3.
2- (2) الملك 16:67 و 17.
3- (3) الأعراف 143:7.
4- (4) طه 11:20 و 12..

نبيّه (عليه السلام)، فحال الشجرة أشبه بجهاز التسجيل الناقل للصوت، فإنّ ما يصدر منه من كلمات الأشخاص المحفوظة لديه لاتصحّ نسبتها إليه، كما هو واضح.

36 - في ماذا تجلّت وتتجلّى المشيئةُ الإلهيّة التي بها خلقَ الله الأشياء؟

ومَن هُمْ محال مشيئته تعالى؟ وهل المشيئة الاُولى التي خلق الله بها الأشياء وأظهر بها سائر الموجودات مخلوقة كسائر المخلوقات أيضاً، بمعنى أنّ المشيئة أيضاً ظهرت بالمشيئة؟ فإذا كانت المشيئة من جملة المخلوقات فإنّها تحتاج إلى مشيئة اخرى لتخلقها، و هكذا يتحقّق التسلسل الباطل.

هذا من جهة، ومن جهة اخرى فكيف يمكن تفسير خلقة الشيء بنفسه، فندخل في الدور الباطل أيضاً. هذا مع الالتفات إلى قول الإمام الرضا (عليه السلام): «

الْمَشِيَّةُ وَالاِْرادَةُ مِنْ صِفاتِ الاَْفْعالِ، فَمَنْ زَعِمَ أَنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يَزَلْ مُريداً شائِياً فَلَيْسَ بِمُوَحِّد».

باسمه جلت أسماؤه: المشيئة هي الإرادة، وإرادة الله تعالى على قسمين: التكوينيّة والتشريعيّة، والمراد بالاُولى فعله تعالى وإحداثه وخلقه، وفي الصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام) عن الإرادة من الله ومن الخلق؟

فقال:

الاِْرادَةُ مِنَ الْخَلْقِ الضَّميرُ، وَما يَبْدو لَهُمْ بَعْدَ ذلِكَ مِنَ الْفِعْلِ، وَأَمّا مِنَ اللهِ تَعالى فَإِرادَتُهُ إِحْداثُهُ لاَغَيْر ذلِكَ، - إلى أن يقول -: فَإِرادَةُ اللهِ الْفِعْلُ لاَغَيْر ذلِكَ، يَقولُ لَهُ: كُنْ فَيَكونُ بِلاَ لَفْظ، وَلاَنُطْق بِلِسان، وَلاَهِمَّة، وَلاَتَفَكُّر(1).

فاتّضح أنّ إرادة الله تعالى من صفات الفعل لامن الصفات الذاتيّة، كما نطقت به النصوص، وبالتالي فمشيئة الله تعالى لاتحتاج إلى مشيئة اخرى، وعليه فلايلزم دور ولاتسلسل، وبالبيان الذي ذكرناه ظهر أنّ الحديث المذكور لاإشكال فيه أصلا.

37 - هل هناك فرق بين المشيئة والإرادة معنويّاً أو جوهريّاً؟ وهل هما ذاتيّتان؟

ص:25


1- (1) اصول الكافي: 127:1..

باسمه جلت أسماؤه: إرادته تعالى على قسمين: التكوينيّة والتشريعيّة، والمراد بالاُولى فعله تعالى وإحداثه وخلقه، والمراد بالثانية جعل الأحكام. وتفسير الحكماء والفلاسفة وبعض المحقّقين من علمائنا لإرادة الله تعالى بالعلم في غير محلّه; لأنّ العلم عين ذاته، والإرادة فعله وإحداثه، وبينهما بون بعيد. وإثبات أنّ إرادته تعالى من صفات الفعل لامن الصفات الذاتيّة، يمكن إقامته من وجوه عدّة:

الوجه الأوّل: انطباق ما ذكر ضابطاً لصفات الفعل من «اتّصافه بما يقابلها» على إرادته، لأنّه يصحّ أن يقال: إنّ الله تعالى أراد وجود الإنسان ولم يرد وجود العنقاء.

الوجه الثاني: إنّ وجود الموجودات ليس كمالا له تعالى، حتّى تكون إرادة وجودها من الصفات الكماليّة الذاتيّة.

الوجه الثالث: تصريح الروايات الوارده عن المعصومين (عليهم السلام) بذلك.

38 - لماذا يعترض الإسلام على الذين يعتقدون بالكتاب المقدّس،

إن كان لأنّهم يؤمنون بأنّ الربّ قد فرغ من أمر السماوات والأرض، فالإسلام يعترف بأنّ الربّ (الله) قد فرغ من الأمر، حيث إن كلّ ما هو موجود في (اللوح المحفوظ) من علم الغيب لايتبدّل ولايتغير؟

باسمه جلت أسماؤه: لعلّ مرادهم من الفراغ: انقطاعه تعالى عن تدبير الخلق، وهو اعتقاد باطل; إذ كلّ ما سواه تعالى من الممكنات، والممكنات قوامها بالواجب حدوثاً وبقاءً، فلايمكن أن ينقطع تدبيره عنها، ولا وجودَ لمثل هذا الاعتقاد في منظومة عقائد المسلمين.

39 - ما المقصود بأنّ كلّ شيء في هذا الوجود هو تجلٍّ للذات الإل - هيّة المقدّسة؟

باسمه جلت أسماؤه: معناه قول الشاعر:

وفَي كُلِّ شَيْء لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدٌ

إذ المراد من التجلّي هو الظهور، وبما أنّ كل شيء له دلالة على الله سبحانه، فهو مظهر من مظاهر وجوده وقدرته وعظمته سبحانه وتعالى.

ص:26

الأصل الثاني: العدل

40 - لماذا اعتبر العدل من بين سائر صفات الله أصلا من اصول الدّين؟

* العدل ليس من اصول الدين، وإنّما هو من اصول المذهب، فنحن نقول: إنّه تعالى عادل لايجور، وحكيم لايظلم، وأنّه لايكلف عباده ما لايطيقون، ولايتعبدهم بما ليس لهم إليه سبيل، ولايكلّف نفساًإلاّ وسعها، ولايعذّب أحداً على ما ليس من فعله، ولايلومه على ما خلقه فيه، فهو المنزّه عن القبائح، والمبرّأ عن الفواحش، والمتعالي عن فعل الظلم والعدوان، لايريد ظلماً للعباد، ولايظلم أحداً مثقال ذرّة.

وخالفنا الأشاعرة فقالوا: إنّ جور الجائرين وفساد المعتدين يعود إلى الله تعالى، وأنّه صرف أكثر خلقه عن الإيمان والخير وأوقعهم في الكفر والشرك، واستدلّواعلى ذلك بأنّه ليس للعقل التحكم على الله، بل هو ساقط في هذا المقام، وتفصيل ذلك في رسالتنا في الجبر والاختيار والمجلد الأوّل من كتابنا زبدة الاُصول.

41 - إذا كان الله سبحانه وتعالى عدلا مطلقاً ومنزّهاً عن فعل القبيح، فما هي مصادر أفعال الإنسان القبيحة

، بناءً على أنّ فاقد الشيء لايعطيه، مع الأخذ بعين الاعتبار قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (1)الدالّة على أنّ الله تعالى هو الملهم بالفجور؟

باسمه جلت أسماؤه: مصدر أفعال الإنسان القبيحة هو نفس الإنسان، ولايستلزم هذا كونه قادراً على الفعل بذاته، حتّى تقولون: فاقد الشيء لايعطيه، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي أمدّ الإنسان بالقدرة، وبيّن له الحسن من القبيح، من خلال ما أودع في كيانه من القوّة العاقلة، وبعث إليه من الرسل والأنبياء، ولكونه

ص:27


1- (1) الشمس 7:91 و 8..

بسوء اختياره أقدم على استغلال القدرة التي منحها الله إيّاه في الأفعال القبيحة، وأعرض عن الأفعال الحسنة. والآية الشريفة المذكورة في السؤال تشير إلى ما ذكرناه من قدرة الإنسان العاقل على تمييز طرق الخير عن طرق الشرّ، من خلال القوّة العاقلة المودعة في كينونة نفسة تكويناً.

42 - هل أنّ الإنسان اختار صورته وهيئته ووالديه في النشأة الاُولى، فإنّ أحد الأساتذة يقول:

إنّه هو الذي اختار أن يكون أعرج; وإلاّ فإنّه سوف يحتجّ على المولى لماذا خلقتني أعرج؟ والله تعالى عادل، وكذلك هو الذي اختار والديه، وكان أحد طلبة البحث الخارج جالساً في هذا المكان الذي دار به النقاش، فقلنا له: ما ذنب ابن الزنا لايُصلّى خلفه ولو كان عادلا، فقال: لأنّه هو الذي اختار والديه؟

باسمه جلت أسماؤه: إنّ تشوّهات الأطفال مسؤوليّة الآباء والاُمّهات، نتيجة عدم احترازهم عن الأسباب - الزمانيّة والمكانيّة والحاليّة - المؤدّية إلى العاهة والتشوّه، وليست مسؤوليّة الخالق الحكيم (سبحانه وتعالى)، وهذا الأمر قد أشارت إليه الكثير من النصوص الدينيّة، كما أثبته العلم الحديث.

وهكذا يمكن أن يقال بالنسبة لولد الزنا، فإنّ حرمانه من بعض المناصب ليس راجعاً للشارع المقدّس، وإنّما هو راجع للوالدين; إذ حال ولد الزنا نفس حال الأولاد المشوّهين خَلْقِياً، فكما أنّهم قد اصيبوا بالعاهات والتشوّهات الخلقيّة نتيجةَعدم توقّي آبائهم واُمّهاتهم عن أسبابها المؤدّية إليها، وبالتالي فلايصحُّ تحميلُ الخالق مسؤوليّةَ عاهاتهم، كذلك أيضاً وليدُ العلاقة غير الشرعيّة لايصحّ تحميلُ مسؤوليّتهِ الشارع الشريف; إذ أنّ اتّصافه بعدم طهارة المولد اتّصافٌ بتشوّه معنويٍّ سببُهُ الوالدان اللذان لم يجتنبا سببَ هذا التشوّه، وبالتالي فكلُّ ما يترتّب عليهمن الحرمان فإنّما هو مسؤوليّتهما لامسؤوليّة الشارع.

43 - إذا أجبرنا رجل على الخوض في معركة وقال:

إذا فزتم فيها فساُعطيكم مالا،

ص:28

وإذا خسرتم فساُعاقبكم، فإنّ ذلك سيكون ظلماً; لأنّ مقتضى العدل أن يأخذ برأينا فبل الخوض في المعركة لاأن يجبرنا على ذلك، وهكذا الله عزّ وجلّ قد أجبرنا على الوجود في هذه الدنيا والتي هي كالمعركة، وقال إن أطعتم فلكم الجنّة وإن عصيتم فلكم النار، أفلا يعدّ هذا ظلماً؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الوجود خيرٌ من العدم، والنور خير من الظلام; لذلك اقتضى كرمه المطلق (تبارك وتعالى) وفيضه الدائم إيجاد الإنسانفي هذا العالم، ولو لم يوجده مع قدرته على إيجاده لكان ذلك بخلا لايليق بساحة كرمه، وقد تفضّل (تبارك إسمه) فمنحَ الإنسان بعد إيجاده كلّ ما يوصله إلى أعلى درجات السموّ والكمال، كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(1) وبذلك يكون الخالق قد جمع بين العدل والجود معاً.

44 - بالنسبة لمَن يولد وفيه عاهة أو مرض معيّن يستمرّ مع في حياته، وكذلك بالنسبة للزلازل والكوارث الطبيعيّة، ألا يوجد فيها تناقض مع عدالته سبحانه؟ فما هو حلّ هذه الشبهة؟

باسمه جلت أسماؤه: أمّا بالنسبة للأمراض والعاهات: فصريح النصوص الدينيّة أنّها بسبب الوالدين، وقد أثبت ذلك أيضاً العلمُ الحديثُ في الجملة. وأمّا بالنسبة للكوارث الطبيعيّة: فقد تحدّث عنها القرآن الكريم في أكثر من آية، فقال (تبارك وتعالى): فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الاَْرْضَ وَمِنْهُم مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَل - كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(2). وقال أيضاً:

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّوَالْبَحْرِ

ص:29


1- (1) الشمس 7:91-10.
2- (2) العنكبوت 40:29..

بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (1). وقال:

وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَة فَبِمَ - ا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِير (2) ، وبذلك يؤكّد القرآن الكريم على تحميل الإنسان مسؤوليّة الكوارث والحوادث.

45 - هل الله (عزّ وجلّ) أجبرنا أن نكون موجودين؟

أم أوكل إلينا الاختيار بالوجود؟ وإذا كان الجواب هو الثاني، فكيف نكون مختارين وليس لنا وجود يختار؟ أنا أعرف أن لاجبر ولاتفويض بل أمر بين أمرين، ولكن لاأستطيع فهم جواب هذه الشبهة على ضوء هذه القاعدة.

واُريد أن أسأل أيضاً: لو وجدنا بإذن الله وأمره كن فيكون، فهل اخترنا أن نكون ماذا؟ بمعنى هل اخترنا أن نكون إنساناً، وغيرنا اختار أن يكون سماءً، والآخر حجراً، وهكذا؟ وهل عرضت الولاية قبل الإيجاد أم بعد الإيجاد؟ كما وأرجو بيان تفسير الآية اللاحقة على ضوء ما تقدّم من الأسئلة، وهي قوله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الاِْنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَذْكُوراً(3) ؟

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لا شكّ فيه أنّ أصل وجود الأشياء ليسبالاختيار، خاصّة بالنسبة إلى نفس الشيء المُوجَد، فإنّه يستحيل أن يكون نفس الشيء من المخلوقات علّة لاختيار نفسه، بل إيجادها منه تعالى (جلّت قدرته) وهكذا كلّ المسائل التكوينيّة، فإنّها داخلة في إطار قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ(4). وأمّا المسائل التشريعيّة من سائر أفعال الإنسان فهي التي لها جنبة الاختيار; إذ للإنسان أن يختار طريق الخير والهداية، وله أن يختار

ص:30


1- (1) الروم 41:30.
2- (2) الشورى 30:42.
3- (3) الإنسان 1:76.
4- (4) يس 82:36..

طريق الشرّ والضلال، وإلى هذا المعنى أشارت الآية المباركة إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(1)

وأمّا مسألة عرض الولاية فإنّها كانت في عالم الذرّ قبل عوالم الدنيا، ولها حِكَمٌقد لانعلمها كلّها، إلاّ أنّ المثوبة والعقاب وما هو مرتبط بالحساب مورده عالمنا الدنيوي بعد التكليف والقدرة على الاختيار.

وأمّا آية: هَلْ أَتَى فإنّها دالّة على أنّ الله تعالى خلق الإنسان بعد العدم; لأنّ أصل الإيجاد وعلّة العلل هو الله سبحانه وتعالى، وهذا لاينافي قول من قال إنّه كان تراباً ولم يكن مذكوراً، فإنّه قد وردَ في بعض الروايات أنّ الإنسان كان مذكوراً في العلم ولم يكن مذكوراً في الخلق. ثمّ إنّ الله تعالى منّ على الإنسان بعد نعمة الإيجاد بنعمه العلم الّذي أودعه أنبياءه لا سيّما نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار، وبذلك فضّله على سائر الخلق.

46 - من مسلّمات المذهب «لاجبر ولاتفويض ولكن أمر بين الأمرين»، فهل يوجد دليل عقلي يثبت استحالة التفويض المطلق من الواجب للممكن؟

باسمه جلت أسماؤه: الممكن كما يحتاج في حدوثة إلى المؤثر كذلك يحتاج في بقائه إليه; لأنّه لايخرج عن إمكانه بالوجود، ففي كلّ آن من الآنات - بما أنّه ممكن والافتقار من لوازم ذاته - محتاج إلى المؤثّر ليفيض عليه الوجود، ومفتقر إلى مدد مبدعه الأوّل في كلّ حين، وإلاّ لانعدم، بل بالنظر الدقي الحقيقي أنّه عين الحاجة، لاشيء له الاحتياج، فالإنسان في كلّ حين - حتّى حين الفعل - مفتقر إلى موجده ليفيض عليه الوجود وسائر المبادئ، وإلاّ لما تمكن من إيجاد الفعل، أضف إليه أنّ التفويض لايتمّ إلاّ مع سلب إطلاق الملك منه تعالى عن بعض

ص:31


1- (1) الإنسان 3:76..

مافي ملكه، وتمام الكلام في رسالتنا: «الجبر والاختيار».

47 - في مسألة الجبر والتفويض، عندي شبهة حول أنّ بعض المصائب قد ورد في القرآن أنّها مكتوبة قبل حدوثها، وكذا بخصوص مصائب أهل البيت (عليهم السلام) كمصيبة الحسين (عليه السلام);

إذ تمّ الإخبار بها قبل حدوثها بسنين كثيرة، فما الجواب عن هذه الشبهة؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر من السؤال أنّ منشأ الإشكال هو كون الحوادث والمصائب متعلّقة لعلمه تعالى، وما كان متعلّقاً لعلمه يجب وجوده، وإلاّ لزم كون علمه تعالى جهلا، وحيث أنّ الثاني محال فيتعيّن الأوّل.

والجواب عن ذلك: أنّ علمه تعالى كما يتعلّق بتلك الحوادث، فإنّه يتعلّق بها وبمقدّماتها أيضاً، وإلاّ لزم كون علمه محدوداً، أو اتّصافه بمقابل العلم، وهذاينافي كون العلم من الصفات الذاتيّة، وحيث أنّ الاختيار والإرادة من مقدّمات تلك الحوادث الصادرة عن العباد، فإنّه تعالى يكون عالماً بصدور أفعالهم عنهم على سبيل الاختيار، ولو التزمنا بالجبر ولزوم صدور الفعل من غير توسّط الاختيار; للزم انقلاب علمه جهلا، إذ المعلوم له تعالى كون الفعل صادراً عن الاختيار، بينما الفعل الواقع في الخارج صادر جبراً.

48 - هل يجرم الولد بعائلته أو بأبيه؟

فهناك مَن قال: إنّ الإنسان يجرم بفعل أقربائه، واستشهد لذلك بقول الرسول (عليه أفضل الصلوات والسلام):

«تَخَيَّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَساسٌ»(1) وقال غيره بعكسه، واستشهد بقول الله عزّ وجلّ: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(2) ، فأتمنّى من سيادتكم حلّ هذه المشكلة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أن الإنسان لايؤاخذ بفعل أقاربه،

ص:32


1- (1) السرائر: 559:2. المحجّة البيضاء: 93:3.
2- (2) الأنعام 164:6. الإسراء 15:17. فاطر 18:35. الزمر 7:39..

كما يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فإنّ ذلك هو مقتضى ما يجب الاعتقاد به من العدل الإل - هي المطلق. وما جاء في بعض الأخبار ممّا يفهم منه خلاف ذلك، كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله):

«تَخَيَّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَساسٌ» يراد به: تأثير تلك الاُمور على نحو الاقتضاء لاالعلّيّة التامّة، بمعنى أنّها تجعل الإنسان أكثر عرضة وقابلية للانحراف، لابمعنى أنّها تسلبه اختياره وتجعله مجبوراً على المعصية، ومن الممكن تقريب الفكرة التي ذكرناها بالنار مثلا، فإنّها وإن كانت تؤثر في الإحراق، إلاّ أن ذلك يتوقّف على عدم المانع - كالرطوبة - وتحقّق الشرط - كاقتراب الورقة منها - وهكذا الإنسان، فإنّ نطفته التي تكوّن منها إذا كانت من اصول خبيثة وإن كانت تجعله أكثر عرضة للانحراف من غيره، إلاّ أنّ تأثيرها يتوقّف على ابتعاده عن الطاعة وقربه من المعصية، وهذا ما عنيناه عندما قلنا: بأنّ تأثيرها اقتضائي وليس على نحو العلّيّة التامّة.

49 - ما دام الله غنيّاً عن عبادتنا فلماذا خلقنا؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الوجود خيرٌ من العدم، والنور خير من الظلام; لذلك اقتضى كرمه المطلق (تبارك وتعالى) وفيضه الدائم إيجاد الإنسانفي هذا العالم، ولو لم يوجده مع قدرته على إيجاده لكان ذلك بخلا لايليق بساحة كرمه، وقد تفضلّ (تبارك إسمه) فمنحَ الإنسان بعد إيجاده كلّ ما يوصله إلى أعلى درجات السموّ والكمال،

كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(1) ، وبذلك يكون الخالق قد جمع بين العدل والجود معاً.

50 - يقول أحد الأشخاص:

بما أنّ الله تعالى يعلم قبل خلقنا عن الأشخاص الذين سوف يذهبون إلى النار، والأشخاص الذين سوف يذهبون إلى الجنة، فلماذا خلقَ

ص:33


1- (1) الشمس 7:91-10..

الذين سيذهبون إلى النار، وهو يعلم أنّه سيدخله النار؟

باسمه جلت أسماؤه: لأنّ الله تعالى هو الفيّاض الذي لايبخل; لذلك أنعم على عباده بنعمة الوجود، وأخرجهم من كتم العدم، وفي الوقت نفسه زوّدهم بالإرادة والاختيار ليختاروا طريق الهدى أو الضلال من غير إجبار، وبما أنّه تعاليهو العالم الذي لاتخفى عليه خافية; لذلك فإنّه قد علم بما سيؤول إليه أمر العبادمن قبل خلقهم وإيجادهم، إلاّ أنّ علمه هذا لم يتعلّق بأفعالهم كيفما وقعت، بل تعلّق بها بما هي صادرة عنهم اختياراً.

وعليه: فلا بدّ أن تقع منهم أفعالهم على نحو الاختيار وإلاّ للزمَ انقلاب علمه تعالى جهلا، وهو محال، وبالتالي: فالعقاب وسوء المصير قد اختاره الإنسان لنفسه باختياره، حين رفضَ ما أراده الله تعالى له من الخير المتجلّي في خلقه بشراً سويّاً، والإنعام عليه بنعمة الوجود، وتزويده بكلِّ مقوّمات الوصول إلى السعادة.

51 - لماذا خلق الله الشيطان؟ وهل الله يخلق الشرّ؟

باسمه جلت أسماؤه: إن أردتم من الشيطان إبليس فهو من الجنّ بصريح القرآن في قوله تعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِرَبِّهِ(1). وقد قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(2) ، فخلقَ اللهُتعالى الشيطان - كواحد من الجنّ - للعبادة، إلاّ أنّه خرج عن الطاعة كبقيّة العصاة.

ص:34


1- (1) الكهف 50:18.
2- (2) الذاريات 56:51..

الأصل الثالث: النبوّة

52 - ما العلّة من إرسال الأنبياء؟ وهل إرسال الأنبياء واجبٌ على الله (عزّ وجلّ) أم غير واجب؟ وما السبب؟

باسمه جلت أسماؤه: المراد من وجوب إرسال الرسل حكم العقل منباب قاعدة اللطف، وحكمه بقبح العقاب من غير بيان، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم مراراً، ومنها قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(1)

وفي الروايات ما يبين قاعدة اللطف، ففي الخبر الموثّق عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب الزنديق الذي سأله: من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل؟

فقال:

«إِنّا لَمّا أَثْبَتْنا أَنَّ لَنا خالِقاً صانِعاً مُتَعالياً عَنّا وَعَنْ جَميعِ ما خَلَقَ، وَكانَ ذلِكَ الصّانِعُ حَكيماً مُتَعالِياً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشاهِدَهُ خَلْقُهُ، وَلاَيُلاَمِسُوهُ، فَيُباشِرَهُمْ وَيُباشِرُوهُ، وَيُحاجَّهُمْ وَيُحاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَراءً في خَلْقِهِ، يُعَبِّرونَ عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَيَدُلّونَهُمْ عَلى مَصالِحِهِمْ وَمَنافِعِهِمْ، وَما بِهِ بَقاؤُهُمْ، وَفي تَرْكِهِ فَناؤُهُمْ، فَثَبَتَ الاْمِرونَ وَالنّاهونَ عَنِ الْحَكيمِ الْعَليمِ في خَلْقِهِ، وَالْمُعَبِّرونَ عَنْهُ جَلَّ وَعَزَّ وَهُمُ الأَنْبياءُ (عليهم السلام) وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، حُكَماءُ مُؤَدّينَ بِالْحِكْمَةِ، مَبْعوثينَ بِها، غَيْرُ مُشارِكينَ للنّاسِ عَلى مُشارَكَتِهِمْ لَهُمْ في الْخَلْقِ، وَالتَّركيبِ في شَيْء مِنْ أَحْوالِهِمْ، مُؤَيَّدينَ مِنْ عِنْدِ الْحَكيمِ الْعَليمِ بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ في كُلِّ دَهْر وَزَمان مِمّا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالاَْنْبِياءُ مِنَ الدَّلائِلِ وَالْبَراهينِ لِكَيْلا تَخْلُو أَرْضُ اللهِ مِنْ حُجَّة يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقالَتِهِ، وَجَوازِ عَدالَتِهِ»(2)..

ص:35


1- (1) الإسراء 15:17.
2- (2) الكافي: 168:1. وبتفاوت ما في علل الشرائع: 120:1..
53 - هل كان للجنّ رسل يختصّون بهم؟

*

باسمه جلت أسماؤه: لم يثبت ذلك، بل الثابت خلافه سيّما بالنسبة لشريعتنا، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) هو نبيّ الجنّ والإنس بنصّ القرآن الكريم.

54 - لماذا جميع الرسل أو الأنبياء من الرجال، ولا وجود للنساء بينهم،

رغم أنّ أفضل النساء في أهلهم أو في زمنهم كمريم وآسية والسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ فهل يوجد نقصٌ في النساء؟

باسمه جلت أسماؤه: خالق الجميع - ذكوراً وإناثاً - هو العدل الذيلايجور، فإرساله الرجال دون النساء مظهر من مظاهر عدله وهو مقتضى الحكمة لامحالة، وأمّا ما يحتمل من وجه الحكمة: فلعلّه من جهة أنّ طبيعة البشر قائمة على ثقة المرأة بالرجل بالطبع دون العكس في الغالب، وبما أنّ الرسول يجب أن يكون محلّ ثقة الجميع من الرجال والنساء; لذا لزم أن يكون ذكراً.

55 - لماذا لاتنفكّ النبوّة عن البشريةّ؟

باسمه جلت أسماؤه: غير البشر إمّا الجنّ وإمّا الملائكة، وأحسن التقديرين أن يكون مَلكاً، واختلاف سنخه وسنخ حياته يحول بين الرسول الذي هو الملك والمرسل إليهم، فلا يتأتّى له تأدية رسالته، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الاَْمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ(1) والتدبّر في الآية فيه الإجابة الشافية.

56 - هل جميع الأنبياء من اولي العزم وصلوا لمقام الإمامة الإل - هيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم كلّهم كانوا أئمّة كما كانوا أنبياء أيضاً.

ص:36


1- (1) الأنعام 8:6 و 9..
57 - يستطيع الأطباء أن يرجعوا نبضات القلب بعد موت الإنسان بدقيقة - مثلا - عن طريق الإنعاش القلبي

، ولعلّه من الممكن أن يفعلوا ذلك بعد موته بيوم أو أكثر بغضّ النظر عن الوسيلة، وهو الأمر الذي لو حصل قبل ألف عام لقالوا إنّها معجزة، والسؤال: هل مثل هذا يبطل معجزة نبيّ الله عيسى (عليه السلام) مثلا؟ وهل هذا يعني أنّ المعجزة أمر نسبي؟

باسمه جلت أسماؤه: من المقرّر في محلّه أنّ المعجزة لاتكون إلاّللأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وتكون دليلاً على صدقهم وصدق دعواهم، وأمّا ما يصل إليه الإنسان من اكتشافات علميّة تختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، فليست من المعجزة في شيء، سيّما وأنّها قائمة على قواعد معروفة عند أهل الاختصاص، والمعجزة ليست كذلك.

58 - لماذا اختلفت معاجز الأنبياء (عليهم السلام)؟ ولمَ لم يأت الأئمّة (عليهم السلام) بمعاجز لكي يثبتوا إمامتهم للناس؟

باسمه جلت أسماؤه: اقتضت الحكمة الإل - هيّة أن تكون معجزة كلّنبيّ هي الأكثر تأثيراً في زمانه، وأدى ذلك إلى اختلافها، ففي زمن موسى (عليه السلام) كان السائد هو السحر، ولاأثر لشفاء المرضى، وفي عهد عيسى (عليه السلام) كان السائد العكس، بينما في زمان الخاتم (صلى الله عليه وآله) زمان الفصاحة والبلاغة كانت المعجزة هي القرآن، وقد أظهر الأئمّة (عليهم السلام) المعاجز الكثيرة.

59 - هل يرى جميع فقهاء الإماميّة عصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها؟ وما هي أدلّتهم؟

باسمه جلت أسماؤه: بحكم العقل لابدّ أن يكون الأنبياء (عليهم السلام) معصومين قبل البعثة وبعدها; إذ لو كانت تصدر منهم المعاصي لانعدمت ثقة الناس بهم، ومع انعدامها لا يتحقّق الغرضُ من بعثتهم; وهو اقتداء الناس بهم والأخذ

ص:37

بأقوالهم وأفعالهم، وإذا لم يتحقّق يكون إرسالهم للناس لغواً، وحاشا الحكيم تعالى أن يمسّ ساحته اللغو والعبث.

60 - في أي قسم من أقسام التشريع (الواجب، الحرام، المستحبّ، المكروه، المباح) يكون وضع تصرّفات الأنبياء (عليهم السلام)

التي ورد فيها النهي من قِبل الله تعالى، من قبيل قوله تعالى لنبيّ الله آدم (عليه السلام): وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ(1) ، وقوله لنبيّ الله نوح) عليه السلام (: وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذينَ ظَلَمُوا(2) ، وقوله للنبيّ الأعظم) صلى الله عليه وآله: وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ(3) ، وغيرها؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الأنبياء (عليهم السلام) معصومون عن كلّ خطأ، فلايمكن أن يكون النهي الموجه إليهم نهياً مولويّاً تشريعيّاً، بل ينبغي حمله على النهي الإرشادي، كما لايخفى.

61 - في سورة الكهف الشريفة وردت قصة موسى (عليه السلام)

مع العبد الصالح، وفيها أمران مستغربان نرجو توضيحهما: 1 - نسيان وصيّ موسى (عليه السلام) - وقيل: إنّه يوشع بن نون، وهو نبيّ - والغريب نسبة نسيانه إلى الشيطان، مع أنّ هذا لايلتئم مع قوله تعالى: وَلاُْغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْ - مُخْلَصِينَ(4)

2 - قول موسى (عليه السلام) للخضر: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ(5) ، فإنّ هذا النسيانوإن كان لايقدح بعصمته عن الذنوب وما أشبه، ولكنّه منفّر، خصوصاً أنّه كان

ص:38


1- (1) البقرة 35:2.
2- (2) هود 37:11.
3- (3) القلم 48:68.
4- (4) الحجر 39:15 و 40.
5- (5) الكهف 73:18..

مع قرب العهد؟

باسمه جلت أسماؤه:

1 - النسيان الذي نسبه الفتى - على فرض كونه يوشع بن نون النبيّ - إلى الشيطان، ليس ممّا يرجع إلى المعصية، كي يتنافى مع عصمة الأنبياء، بل هو ممّا يرجع إلى إيذاء الشيطان، ولادليل على ما يمنعه، بل هو نظير قوله تعالى وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْب وَعَذَاب(1) 2 - وأمّا قول موسى للخضر (عليهما السلام) فالمراد من النسيان فيه هو الترك، أي لاتؤاخذنيبما تركت، نظير قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ(2) ، أي ترك، وهذا ليس منافياً للعصمة ولاموجباً للنفرة.

62 - قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً، وقال: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَن أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً

(3)

ما معنى نسيان الأنبياء) عليهم السلام (؟ وكيف نوجه ذلك مع اعتقادنا الجازم بعصمتهم) سلام الله عليهم؟

باسمه جلت أسماؤه: بعد أن قام البرهان العقلي على لزوم عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عن السهو والنسيان، فإنّه يلزم توجيه ما ظاهره نسبة النسيان لهم من الأدلّة بما لا يتنافى مع البرهان العقلي، وبما أنّ من معاني النسيان لغةً: الترك،

كما ذكر ذلك غير واحد من أئمّة اللغة، فمن الممكن أن تحمل عليه الآية المباركة: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ، وكذا الآية الشريفة: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، ولا وجه حينئذ لحمل النسيان على معناه الحقيقي; إذ القرينة العقليّة

ص:39


1- (1) ص 41:38.
2- (2) طه 115:20.
3- (3) الكهف 63:18..

مانعة عن هذا الحمل. وأمّا قوله تبارك وتعالى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُإِلاَّ الشَّيْطَانُ، فلم يثبت أنّ المقصود به هو النبيّ يوشع (عليه السلام)، حتّى تكون الآية ناقضة لعقيدة الإماميّة.

63 - كيف يؤثّر الشيطان على المعصوم (عليه السلام) فينسيه؟

فإنّ هذه الشبهة قد أثارها الوهابيّة، ونحن إن أجبناهم بأن معنى النسيان عند الأنبياء هو الترك، كما في قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذَا(1) قالوا لنا: إنّ النسيان في الآية لايُراد به النسيان الحقيقي، بل المقصود به: نعاملهم معاملة المنسي في النار، فلانجيب لهم دعوة، ولانرحم لهم عبرة، وممّا يؤكّد ذلك قوله تعالى: قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَاب لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى(2) ، وأمّا قول موسى:

لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ فهو نسيان حقيقي؟

باسمه جلت أسماؤه: بعد قيام البرهان العقلي على عصمة المعصوم (عليه السلام) عن النسيان بمعناه المعروف، فلابدّ من حمل النسيان على معنى آخر، وبما أنّ من معانيه الترك فيصحّ حمل نسيان الأنبياء عليه; لأنّه هو المعنى المنسجم مع عصمتهم المبرهن عليها عقلا ونقلا.

64 - ورد في قصص بعض الأنبياء في القرآن ذكر خوفهم، كقوله تعالى: خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ وأيضاً نسيانهم، كما في قصّة موسى والخضر) عليهما السلام، فهل هذا الخوف أو النسيان غير مخلّ بعصمتهم) عليهم أفضل الصلاة والسلام؟

(3)

باسمه جلت أسماؤه: أمّا مسألة النسيان فقد اتّضح الجواب عنها من خلال الإجابات السابقة، وأمّا مسألة النهي عن الخوف أو الحزن، فلا يظهر أنّه

ص:40


1- (1) الأعراف 51:7.
2- (2) طه 52:20.
3- (3) الأنبياء 21:20..

من النواهي التشريعيّة، بل الظاهر أنّه نهي تكويني، وهو تأكيد لعصمة المعصوم (عليه السلام) وليس منافياً لها.

65 - إذا استثنينا نبيّنا محمّداً (صلى الله عليه وآله) فهل صحيح أنّه لم يرد في حقّ سائر الأنبياء أنّهم أتعبوا أنفسهم، وعملوا بأكثر ممّا كلّفوا به؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يذكر في النصوص ما يدلّ على ذلك، بل الآيات القرآنيّة - التي استعرضت حياة الأنبياء (عليهم السلام) ومواقفهم الشريفة - صريحة في خلاف ذلك.

66 - هل ظهر من بعض الأنبياء أنّه اعتذر عن بعض ما كلّف به؟

باسمه جلت أسماؤه: الاعتذار عن بعض ما كلّف به جزماً لم يظهر من أحد من الأنبياء; بل الظاهر من أحوالهم ذوبانهم في تنفيذ أوامر الله تعالى لهم، بمقتضى كمال عبوديّتهم وطاعتهم (عليهم السلام).

67 - إذا ثبت هذا الاعتذار من بعض الأنبياء، فكيف نوفّق بين هذا الاعتذار والعصمة؟

باسمه جلت أسماؤه: لو ثبت ذلك، وهو غير ثابت - كما مرّ - فإنّه لايتنافى مع كمال العصمة عندهم; إذ الفرض أنّ التكليف مجرّد تكليف إنشائي، وليس تكليفاً فعليّاً، ولاحزازة في الاعتذار عن مثله.

68 - من الثابت كون النبيّ أفضل أهل زمانه، فكيف توجّه قضيّة موسى (عليه السلام) مع الخضر الظاهرة في أفضلية الخضر (عليه السلام) على موسى (عليه السلام)؟

خصوصاً مع الالتفات إلى طبيعة علم الخضر (عليه السلام) اللدنّيّ والتكويني، والمغاير لعلم موسى (عليه السلام) حيث كان علمه تشريعيّاً، مضافاً إلى طلب موسى (عليه السلام) التعلّم منه؟ أليس من الواجب أن يكون حجّة الله هو أعلم من باقي الناس في زمانه؟ فكيف ذلك مع أنّ الخضر الذي هو ليس بنبيّ من جملة رعيّة نبيّ الله موسى (عليه السلام)؟

ص:41

باسمه جلت أسماؤه: قصّة الخضر والنبيّ موسى (عليهما السلام) في مطوّلات التفاسير منقولة بألسنة مختلفة، وكثيرٌ منها لاتخلو عن أساطير موضوعة أو مدسوسة، وكذلك الأخبار الواردة لبيانها، ولم يرد ذكر الخضر في القرآن إلاّ في قصة رحلة موسى إلى مجمع البحرين، ولم يُذكر شيءٌ من جوامع أوصافه.

وفي بعض الأخبار أنّ الخضر لم يكن نبيّاً، بل كان عالماً كذي القرنين، ولكن ظاهر الآيات أنّه كان نبيّاً وهو حيّ يرزق.

ويبقى السؤال: كيف يمكن أن يوجد نبيّ أعلم من موسى (عليه السلام) في وقته؟

وأجيب عن ذلك: بأنّه يجوز أن يكون الخضر خُصّ بعلم ما لايتعلّق بالأداء، فاستعلم موسى (عليه السلام) من جهته ذلك العلم فقط، وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤدّيها من قِبل الله تعالى.

69 - في عقيدتنا أن حجّة الله في أرضه هو أعلم الناس وأفضلهم،

ونعتقد أنّه عالم بسرائر الناس وخفاياهم، كما هو مذكور في القرآن من إخبار عيسى (عليه السلام) عن الاُمور التي كان الناس يخفونها وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ(1) والسؤال هو عن قصّة موسى مع الخضر) عليهما السلام (، حيث كان موسى هو حجّة الله، والخضر تابعاً له بالمأموميّة، فكيف كان الخضر أعلم من موسى؟ وكيف موسى لم يقف على سرائر وأعمال الخضر) عليه السلام (في حين أن موسى الذي هو حجّة الله يجب أن يكون أعلم من الخضر، وكذلك يجب أن يقف على سرائر وأعمال الخضر) عليهما السلام؟

باسمه جلت أسماؤه: لايعتبر في النبيّ أن يكون أعلم مَن في الأرض حتّى بالنسبة إلى نبيّ آخر، أضف إليه أنّ الروايات بالنسبة إلى أعلميّة الخضرأو موسى (عليهما السلام) مختلفة، ففي بعضها صرّح الإمام (عليه السلام) بأعلميّة موسى (عليه السلام)، بينما في بعضها الآخر صرّحَ الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ الخضر كان عنده علم لم يكتب

ص:42


1- (1) آل عمران 49:3..

لموسى (عليه السلام) في الألواح. وأجاب عن الإشكال بعض المحقّقين: بأنّ الخضر وموسى كانا نبيّين وأعلميّة أحدهما من الآخر لاإشكال فيها، أضف إليه أنّه يجوز أن يكون الخضر خُصّ بعلم ما لايتعلّق بالأداء، فاستعلم موسى منه ذلك العلم فقط، وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤدّيها من قِبل الله تعالى.

70 - لكلّ نبيّ وصيّ، فهل الأوصياء جميعاً معصومون؟ وهل الوصيّ إمّا نبيّأو إمام أو شيء آخر؟ وما هي مهمّته؟

باسمه جلت أسماؤه: البرهان العقلي القاضي بعصمة أوصياء النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، هو بنفسه يقضي بعصمة بقيّة أوصياء الأنبياء (عليه السلام).

ص:43

الأصل الرابع: الإمامة

71 - هل أنّ الإمامة من اصول الدين أم لا؟

باسمه جلت أسماؤه: إن كان الدين يُراد به المذهب الحقّ فالإمامة من اصول الدين، وإن كان المراد منه الإسلام - الذي به تُحقن الدماء وتُصان الأعراض - فهي ليست من اصوله.

72 - إذا كانت الإمامة أصلا من اصول الدين لايقلّ أهمّية عن التوحيد والنبوّة والعدل والمعاد، فلماذا لم يرد نصٌّ صريحٌ في القرآن على وجوبها؟

باسمه جلت أسماؤه: حديث الغدير - الذي يُثبت به الشيعةُ الإمامة - من المسلّمات التي اعترف بها الفريقان; لأنّه مرويّ من طرق الشيعة والسنّة بنحو التواتر، وهو صريح في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما نصب عليّاً بأمر الله تعالى، بعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، وبعد أن وعده الله تعالى بالعصمة من الناس، الظاهر في اعتراض الناس على تنصيبه، وبذلك يظهر أنّه لو كان إسم عليّ مذكوراً في القرآن لحرّفوه، وهذا هو السرّ في عدم ذكر إسمه المبارك وأسماء الأئمّة (عليهم السلام) من ذرّيّته.

أضف إلى ذلك ما جاء في صحيح أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله؟

قال (عليه السلام):

قُولُوا لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) نَزَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَلَمْ يُسَمِّ اللهُ لَهُمْ ثَلاثاًوَلاَ أَرْبَعاً، حَتَّى كانَ رَسوُلُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) هُوَ الَّذي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ»(1).

ومن هذه الرواية يظهر أنّ جميع الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ أسماء الأئمّة (عليهم السلام) مذكورة في القرآن، يراد بها عنوان التفسير أو عنوان التنزيل مع عدم الأمر بالتبيلغ.

ص:44


1- (1) الكافي: 286:1. ومثله في: بحار الأنوار: 210:35. تفسير العيّاشي: 249:1. تفسير فرات الكوفي: 110..
73 - قال لي أحد الزملاء من المذهب الإسماعيلي:

راجع كتبكم فستلاحظ أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) قد نصّ بشكل صريح وعلني وأمام حشد كبير من شيعته على أنّ الإمام المنصوص عليه هو ابنه الأكبر إسماعيل (عليه السلام)، وعندما سمع الخليفة العبّاسي بذلك أرسل وراء الإمام جعفر (عليه السلام) وهدّده إمّا بالنصّ على الإمامة عليه من بعده، أو قتل وصيّه الإمام إسماعيل (عليه السلام)، وكما هو معروف عندكم وعندنا أنّ النصّ على الإمام هو

اختيار من الله وليس من البشر، وبعدها بفترة زمنية قليلة اذيع خبر وفاة الإمام إسماعيل في عهد والده الإمام جعفر (عليه السلام)، وعندما دخل الإمام موسى (عليه السلام) إلى الموضع الذي فيه جثمان الإمام إسماعيل خرج صائحاً: إنّ أخي حيّ يا أبتي فقد فتح عينيه، فقال له الإمام جعفر (عليه السلام): اكظم يا موسى، وهذا هو سبب تلقيبه بالكاظم. ومن ذلك الوقت دخل الإمام إسماعيل دور الستر، فأصبح الإمام المستور، وعيّن أخوه الصغير موسى كإمام ساتر على أخيه إسماعيل، وذلك لاشغال أعين وجواسيس الخليفة العبّاسي عن الإمام الحقيقي المستور، والذي انتقلت الإمامة إلى عقبه بمجرّد النصّ عليه من الإمام الّذي قبله. والذي يعمّق الإشكاليّة: أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) لايمكن أن ينصّ على إمام قد اختاره الله، مع أنّ الله يعلم بموته في حياة أبيه، ولو قلنا بذلك لقال أهل العامّة بأنّ هذا دليل أنّ الإمامة من اختيار البشر وليست اختياراً إل - هيّاً، وكلّ هذا يؤكّد أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) لم يخطئ حين نصّ على إسماعيل، ولأوحى الله له بأنّ الذي نصّ عليه سيموت في حياته، فما هو الجواب عن كلامه هذا؟

باسمه جلت أسماؤه: هذا الذي قاله زميلكم الإسماعيلي (هداه الله تعالى) أشبه ما يكون بالتلفيق الذي تلفّقه بعض الفرق لتصحيح ما هي عليه من الباطل، والجواب عنه بما يلي:

أوّلا: أين تلك الروايات والكتب التي زعم أنّها في كتبنا للنظر إليها وإلى أسانيدها؟!

وثانياً: إنّ حديث «الأئمّة بعدي إثنا عشر» حديث مستفيض بين العامّة

ص:45

والخاصّة، وإذا كان الأمر كما قال فمن هم؟ اللازم عليه أن يذكر لنا هذا العدد، ويبيّن لنا لماذا وصل العدد إلى المئات عند الإسماعيليّة الذين اعتقدوا استمرارها في ذرّيّته؟!

وثالثاً: إنّ أسماء الأئمّة الاثني عشر مذكورة في حديث لوح جابر الذي رآه وقد أهدي إلى الزهراء (عليها السلام) عند ولادتها بالإمام الحسن (عليه السلام)، فالعدد غير قابل للتغيير والحذف.

ورابعاً: إنّ هذا - وكما ذكرتم - طعن في الإمام الصادق (عليه السلام) مع أنّه لايمكن أن يصير شخص إماماً باختياره الاضطراري لظروف معيّنة، كما يدّعي ذلك الإسماعيليّون بالنسبة للإمام الكاظم (عليه السلام)، باعتبار أنّه لابدّ من إعداد إل - هي تكويني له، ومن هنا فشل من ادّعى الإمامة بدون إعداد من الله سبحانه - كجعفر الكذّاب -، وهل فشل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)؟! فأين الدليل على ذلك؟! أسأل الله أن يهدي زميلكم ويثبّتكم على القول الثابت.

74 - لماذا لم يذكر الله (سبحانه وتعالى) أسماء الأئمّة (عليهم السلام) في القرآن الكريم لإقامة الحجّة على أعدائهم؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إنّما لم يذكر أسماءهم (عليهم السلام) في القرآن حفظاً للقرآن الكريم عن التحريف; لأنّ المنافقين والمخالفين كانوا سيحرّفون القرآن على تقدير ذكر أسمائهم فيه، وهو أمر ظهر ممّا فعلوه بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد نصبه للخلافة.

75 - هل صحيح أنّ الأوّلَين الغاصبَين لحقّ أمير المومنين (عليه السلام) لم ينصبا - ظاهراً - عداوة لأهل البيت، وإنّما نازعاهم في تحصيل المقام والرئاسة العامّة فقط؟

باسمه جلت أسماؤه: إذا كنتم تسلّمون بأنّهما غصبا حقّ الإمام (عليه السلام) فكونهما ناصبَين وعدمه لاأثر له; لأنّ ترك جميع الوظائف الشرعيّة أهون من غصبالخلافة، كيف وما صنعاه بالصدّيقة الطاهرة الزهراء (أرواحنا فداها) أشهر من النار

ص:46

على علم، وهل ثمّة نصب وعداء أعظم من ذلك؟!

76 - هل صحيح أنّ المرجع الخوئي كان من رأيه أنّه لايوجد نصّ واضح من رسول الله (صلى الله عليه وآله

) على أسماء الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام)، وأنّ تسلسل الأئمّة لم يكن بتنصيب رسول الله، وإنّما هو بتنصيب كلّ إمام للإمام الذي يليه، وأنّ كلّ الأحاديث المنسوبة للرسول، والتي يذكر فيها أسماء الأئمّة ليس معتبرة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الأحاديث الواردة في كتب الشيعة والسنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتضمّنة لتصريح النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأسماء الأئمّة الاثنى عشر (عليه السلام)، لايمكن استيعابها ويصعب إحصاؤها لكثرتها وغزارتها، حتّى أنّ بعض المحقّقين قد جمع أكثر من ثمانين حديثاً مرويّاً عن كتب الفريقين الشيعة والسنّة، مع اعترافه بأنّه لم يذكر إلاّ القليل. ومن تلك الأحاديث ما جاء في كتاب كفاية الأثر لأبي القاسمعليّ بن محمّد الرازي القمّي، عن سهل بن سعد الأنصاري، قال: «سألت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأئمّة، فقالت:

كانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقولُ: يا عَلِيُّ، أَنْتَ الاِْمامُ وَالْخَليفَةُ بَعْدي، وَأَنْتَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَيْتَ فَابْنُكَ الْحَسَنُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَى الْحَسَنُ فَابْنُكَ الْحُسَيْنُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَى الْحُسَيْنُ فَابْنُهُ عَليُّ بْنُ الْحُسَيْنِ». ثمّ تصرح الرواية بأسماء بقيّة الأئمّة حتّى المهدي (عج) إلى أن تقول

:«فَهُمْأَئِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ، مَنْصورٌ مَنْ نَصَرَهُمْ، وَمَخْذولٌ مَنْ خَذَلَهُمْ»(1)، والروايات بهذا

المضمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة ومذكورة في كتب الفريقين، وعلى ذلك فإسناد عدم وجود نصّ واضح من رسول الله على أسماء الأئمّة الإثني عشر إلى المحقّق الخوئي - وهو خرّيت هذا الفنّ، وأعلم بالروايات من غيره - من الهذيان والعناد والوقاحة.

ص:47


1- (1) كفاية الأثر: 13 و 14، ط. قم المقدّسة..

الأصل الخامس: المعاد

77 - إذا كان شخص عنده 80% حسنات و 20% سيّئات، هل سوف يدخل الجنة مباشرة؟ أم سوف يعذّب على العشرين من الذنوب وبعد ذلك يدخل الجنة؟

باسمه جلت أسماؤه: يعذّب على الذنوب أوّلا، إلاّ إذا شمله العفو، أو تاب عن السيّئات.

78 - هل كلّ شخص يُضغط ضغطة القبر؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ضغطة القبر إنّما هي نتيجة بعض الأعمال السيّئة، فقهراً لاتعمّ كلّ شخص، وإن كان قلّ مَن يسلم منها، كما هو صريحبعض النصوص.

79 - ما هو المقصود من التعبير عن خروج الروح بأنّها (تُقبض) مع أنّها تحرّرمن البدن؟

باسمه جلت أسماؤه: القابض من أسمائه تعالى، والقبض يعنيالأخذ، كما في قوله تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ(1) ، فلايتنافى ذلك مع تحرير الروح من أسر البدن.

80 - هل تفكير الإنسان في الأفكار السيّئة من نفسه؟ أم أنّ الشيطان قد أعانه عليه، ولذا فإنّ الله لايؤاخذه عليها؟

باسمه جلت أسماؤه: نيّة السوء لاعقاب عليها، لالأنّها من الشيطان، بل لأنّ العقاب إنّما يكون على العمل، ولاعمل في الفرض، وأمّا العمل السيّئ فيعاقب عليه إذا كان اختياريّاً، ولو أعانه الشيطان عليه، لأنّ الشيطان لايسلب

ص:48


1- (1) طه 96:20..

الاختيار ليكون الفعل مستنداً إليه.

81 - ما هو حكم غير الإثني عشري في الآخرة؟

باسمه جلت أسماؤه: حكم الناس في الآخرة عند ربّ الآخرة، فهو يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء، ولكنّنا نقول: إنّه قد تواتر، بل استفاض، عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:

«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيى حَياتي، وَيَموتَ مَماتي، وَيَسْكُنَ جَنّةَ عَدْنغَرَسها رَبّي، فَلْيوالِ عَليّاً مِنْ بَعْدي، وَلْيوالِ وَلِيَّهُ، وَلْيَقْتَدِ بِالاَْئِمَّةِ مِنْ بَعْدي، فَإِنَّهُمْ عِتْرَتي، خُلقوا مِنْ فاضِلِ طينَتي، وَرُزِقوا فَهْماً وَعِلْماً، وَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبينَ بِفَضْلِهِمْ مِنْ امّتي، الْقاطِعينَ فيهِمْ صِلَتي، لاَ أَنالَهُمُ اللهُ شَفاعتي»(1) ، هذا هو الحديث برواية المتّقي الهندي بسنده عن عن ابن عبّاس، وقد رواه أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن ابن عبّاس أيضاً، ورواه بسنده أيضاً عن مطرف، عن زيد بن أرقم، كما ورواه غيرهما، والتدبّر في هذا الحديث يكفي جواباً عن السؤال وزيادة.

ومن جميل القول ما نسبه السيّد محمّد بن عقيل العلوي في كتابه النصائح الكافية لمن تولّى معاوية للناصر العبّاسي أنّه قال:

لو أنّ عبداً أتى بالصالحات غداً

82 - إذا مات أحد المؤمنين ودخل الجنة،

ثمّ تزوجت زوجته بمؤمن آخر بعده في الدنيا، ثمّ مات الإثنان ودخلا الجنة أيضاً، فلمن ستكون الزوجة في الجنة إذا رغب

ص:49


1- (1) كنز العمّال 217:6..

الإثنان أن تكون لهما، والعكس بالنسبة للزوج المؤمن الذي تزوج مؤمنتين؟

باسمه جلت أسماؤه: الوارد في الروايات أنّ الزوجة في الفرضالمذكور تخيّر بين أزواجها، وقد ورد في الروايات أنّها تختار أحسنهم خلقاً،

وأمّا الفرض الثاني فإن كان مع انحصاره فكلتاهما له، وإن كان مع تزوّج إحداهماأو كلتيهما بغيره فالمتزوّجة بغيره تُخير بينه وبين غيره كما قلنا.

83 - هل الثواب والعقاب على العمل يأتي استحقاقاً أم تفضّلا من الله تعالى؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي بنينا عليه - في زبدة الاُصول - عند البحث عن آثار الواجب النفسي والغيري هو القول بالاستحقاق، وفاقاً لمشهور المتكلّمين، وخلافاً للشيخ المفيد والمحقّق النائيني (قدس سرهما)، وإن كنّا قد أوضحنا هناك أنّ الخلاف بينهما وبين المشهور أقرب إلى الخلاف اللفظي، وتفصيل ذلك يُطلب من محلّه.

84 - هل احتمال عدم وصول الدعوة والرسالة إلى أحد من الناس في الدنيا في بعض البقاع وارد أو راجح؟

وما دور الإمام الحجّة (صلوات الله عليه) في هذه الحالة؟ وهل يمكن أن يكون ثمّة مصير ثالث غير الجنة والنار؟

باسمه جلت أسماؤه: احتمال ذلك وارد، ودوره (عليه التحيّة والسلام) ليس بأعظم من دور جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي انتقل إلى الرفيق الأعليمع وجود الكثير ممّن لم يصل إليه الإسلام، إذ أنّ الواجب على أنبياء الله وحججه ليس إلاّ جعل الشرع في معرض الوصول، بحيث يتمكّن كلُّ مكلّف من الوصول إليه، لاالإيصال بالفعل، والروايات قد اختلفت في وجود مصير ثالث غير الجنة والنار، فبعضها يشير إلى أنّ المستضعفين الذين لم يصل إليهم الدين يقطنون في منطقة بين الجنة والنار، قد يطلق عليها الأعراف، وبعضها يشير إلى أنّ مَن لم يصل له الدين، إن كان نتيجة تقصيره فهو في النار، وإن كان نتيجة قصوره فإنّ الله تعالى يعرض عليه الحقّ فإنّ اتبعه دخل الجنة وإلاّ دخل النار.

ص:50

الفصل الثاني: اسئلة وأجوبة حول كمالات المعصومين ومقاماتهم

اشارة

ص:51

ص:52

التوسّل والاستعانة بأهل البيت (عليهم السلام)

85 - ما حكم قول: «يا علي مدد»، أو «يا مهدي سند»؟

باسمه جلت أسماؤه: لامحذور فيه; لأنّ مددهما وسندهما من جهة ما أعطاهما الله تعالى، لاأنّ لهما ذلك بما هما مستقلاّن عن الله سبحانه وتعالى.

86 - ورد في بعض الروايات الشريفة:

«أنّ قبل آدمكم ألف ألف آدم»، أي دورات بشريّة سابقة غير معاصرة لنا، كما ورد أنّ في هذه الكواكب التي ترونها موسى كموساكم وإبراهيم كإبراهيمكم، فهل يوجد في خلق الله في هذه العوالم مَن يتساوون في الفضل مع أهل الكساء الخمسة (عليهم السلام)؟ أم أنّ أهل الكساء الخمسة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هم أفضل خلق الله على الاطلاق، بحيث أنّ أفضليتهم تشمل حقبة سيّدنا آدم (عليه السلام) وجميع الحقب الآدميّة التي سبقته؟

*

باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار - على اختلاف مضامينها - بأنّ بين وجود الواجب ووجود الممكنات مرتبة من الوجود شريفة، منها ترشّح وجودها وجرى الفيض من مبداه عليها، وقد عُبّر في جلّها أنّه تعالى خلق من نوره هذا النور، ثمّ خلق من هذا النور أنواراً اخر، أو شقّه فأوجدها منه، وأنّ الذي صدر عنه في طليعة الممكنات موجود شريف في غاية النوريّة والبهجة، وله نور في كلّ عالم بحسبه، كما أنّ مظهره في عالم الطبيعة هو جسم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ الوليّ الذي هو نفسه، وابنته التي هي بَضعة منه، والأئمّة المعصومون المولودون بواسطتها عنه، وكلّهم (عليهم السلام) نور واحد، فتكون لهم الأفضليّة على جميع ما خلق الله تعالى; إذ لولاهم لما خُلقوا.

ص:53

87 - درج على ألسنة الشيعة دعاء المعصومين بالنداء المباشر كأن يقال:

«يا عليّ» مع الاعتقاد بأنّه عون لهم في الشدائد، وسؤالي: هل يسمعنا الإمام عليّ (عليه السلام) أين ومتى ناديناه؟ وهل الاستجابة قدرة أعطاه الله إيّاها، أم أنّه يدعو الله بأن يستجيب دعاءنا، فيقضي الله مطلبنا كرامة له؟

*

باسمه جلت أسماؤه: المعصوم (عليه السلام) مسلّط على عالم الكون كلّه بإذن الله، بحيث أنّ زمام أمر العالم بيده، وله السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما يشاء إعداماً وإيجاداً، وعالم الطبيعة منقاد له، ولكن لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وقدرته وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدره وملّكه ذلك كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ولو سلب عنه القدرة، بل لم يفضها عليه، لانعدمت قدرته وسلطنته.

88 - هل الاعتقاد بأنّنا «لاحاجة لنا للتوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) إلى الله تعالى; لأنّه سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد» اعتقاد صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: الاعتقاد المذكور ينافي ما دلّ من الآيات والروايات المتواترة الدالّة على لزوم جعل أهل البيت (عليهم السلام) وسيلةً وشفعاء إلى الله تعالى في طلب الحوائج.

89 - هل الطلب من الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الشفاء من المرض - مثلا - حرام؟

وإذا كان حراماً، فهل منشأ الحرمة كون هذا الطلب عبادة لغير الله، فهو شرك بالله؟ أو مجرّد حرمة تكليفيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر ثبوت الولاية التكوينيّة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، وهي عبارة عن ولاء التصرّف التكويني، والمراد بها كون زمام أمر العالم بأيديهم، ولهم السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاؤوا، إعداماً وإيجاداً، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم، ولكن لابنحو الاستقلال،

ص:54

بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته، وعلى ذلك فالطلب منهم من منطلق هذه الولاية صحيح لاإشكال فيه.

90 - كثُرَ بين الشيعة قول: «يا عليّ» و «يا حسين» عند القيام والقعود، وكذلك النساء تقول هذا أثناء الولادة والاُمور الشديدة،

فكيف يصحّ ذلك مع أنّ الله تعاليفي القرآن يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويقول: فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(1)

باسمه جلت أسماؤه: كما أنّ الاستعانة بالطبيب لأجل الشفاء من بعضالأمراض لاتنافي الآيات القرآنيّة المذكورة; لأنّ المستعين به لايعتقد بكونه قادراً على الإعانة من غير مدد الله تعالى وعونه، بل هو يستعين به بما هو سبب من أسباب الشفاء التي أناطَ اللهُ تعالى بها نظام الكون، كذلك الاستعانة بأهل البيت (عليهم السلام) لاتنافي ذلك; لأنّ الله تعالى قد جعلهم وسيلة القرب إليه.

91 - الشيعة تقول بالثالوث كما يقول النصارى، وهو

«يا الله، يا محمّد، يا عليّ»، وبدلا عن الاستعانة بالله يقولون ما لم يقله محمّد وآل محمّد من الاستعانة بغير الله، ناسين قوله تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ(2) وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً(3) فما هو موقفكم؟

باسمه جلت أسماؤه:

الشيعة يرون ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام)، والمراد بها قدرة المعصوم (عليه السلام) على التصرّف في الكون، ولكن لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وقدرته وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدره وملّكه ذلك كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ولو سلب عنه القدرة،

ص:55


1- (1) النحل 98:16.
2- (2) الزمر 36:39.
3- (3) النساء 81:4، 132، 171. الأحزاب 3:33، 48..

بل لم يفضها عليه، لانعدمت قدرته وسلطنته، وبذلك يظهر الفرق بين ما يقول الشيعة، وما يقوله النصارى من أنّه ثالث ثلاثة.

92 - يقول بعضهم إن قول «يا الله» أفضل من قول «يا عليّ»، فلماذا نتركالأفضل؟

باسمه جلت أسماؤه: نحنُ مأمورون مِن قِبل اللهِ تعالى أنْ نبتغيَ الوسيلةَ إليه; لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ(1) ، وعلى ذلك فقولنا:» يا رسول الله «أو» يا عليّ «أو» يا زهراء «ونحو ذلك، بما أنّه امتثالٌ للأمرِ الإل - هي، فلا إشكالَ في رجحانه.

وأمّا قولنا: «يا الله» فإنْ كانَ مقروناً بالتوجّهِ إليهِ عن طريق وسيلته - كالصلاة على محمّد وآله قبلَهُ أو بعدَه، كما أشارت لذلك بعضُ النصوص - فهو راجحٌ أيضاً، وإنْ لم يكن مقروناً بذلك، بأنْ كانَ القائل يتصوّر عدمَ حاجتهِ للوسيلة والوسائط بينه وبين ربّه، فهو تمرّدٌ على أمرهِ تعالى باتّخاذ الوسيلة إليه.

93 - في كثير من الأوقات عندما يدعو الشخص لطلب حاجة يقول:

«إلهي بحقِّ محمّد وآل محمّد عليك افعل بي كذا وكذا»، فما هي الحقوق الموجودة للرسول وأهل بيته على الله سبحانه وتعالى؟ *

باسمه جلت أسماؤه: المراد من الحقّ هو: الأمر الثابت، وبما أنّ الله تبارك وتعالى قد أثبتَ على نفسهِ اموراً لمحمّد وآله (عليهم السلام) إكراماً لهم; لذلك صحّ التعبير عنها بالحقوق. ومنها: ما تحدّث عنه الإمام الباقر (عليه السلام) من قول الله تعالى: «لكِنَّهُ حَتْمٌ حَتَمْتُهُ عَلى نَفْسي، لاَيَسْأَلُني عَبْدٌ بِحَقِّ مُحَمَّد وَأَهْلِ بَيْتِهِ إِلاّ غَفَرْتُ لَهُ ما كانَ بَيْني وَبَيْنَهُ»، والداعى يتوسّل إلى الله تعالى بمثل هذا الحقّ.

ص:56


1- (1) المائدة 35:5..

عرض الأعمال على أهل البيت (عليهم السلام)

94 - كيف تعرض الأعمال على الأئمّة (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: تُعرض الأعمال على المعصومين (عليهم السلام) من خلال عمود من نور يُرفع إليهم، فيرون من خلاله جميع أعمال الخلائق، كما جاء ذلكفي غير واحدة من الروايات.

قدرة أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم التكوينيّة

95 - هل ولاية أهل البيت (عليهم السلام) التكوينيّة من المقامات الذاتيّة للمعصوم (عليه السلام) أم من المقامات العرضيّة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إن كان المراد من كون الولاية التكوينيّة مقاماًذاتيّاً أنّ المعصومين (عليهم السلام) يمتلكونها بأنفسهم استقلالا، فهذا مقطوعٌ ببطلانه، وإن كان المراد كونها ثابتة لهم (عليهم السلام) بمقتضى خلقتهم النوريّة، فهي من ذاتيّاتهم بهذا اللحاظ، فهذا صحيح لاإشكال فيه.

96 - هل توجد رواية تدلّ على أنّ أحد الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) قد أحيا ميتاًمن الأموات؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الدالّة على صدور بعض الأفعال من المعصومين (عليهم السلام) بمقتضى ولايتهم التكوينيّة فوق حدِّ الإحصاء، ومنها إحياء الموتى، بل قد صدر عنهم ما هو أعظم من ذلك، ومن ذلك ما صنعه الإمام الرضا (عليه السلام) حيث إنّه أشار لصورة الأسد، فصار أسداً حقيقيّاً بمجرّد الإشارة.

97 - ما هو معنى الولاية التكوينيّة الذي يثبته الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام)؟

وهل يدخل تحت التفويض؟ وهل الولاية التكوينيّة ملازمة للمعصوم كأفعالنا العادية، أم تعرض

ص:57

عليه في حال معيّن؟ وما حكم من ينكر الولاية التكوينيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: الولاية التكوينيّة عبارة عن كون أزمّة امور العالم بيد المعصومين (عليهم السلام) يتصرّفون فيها كما يشاؤون إعداماً وإيجاداً بإذن الله تعالى، وليست هي التفويض، وإن كانت ناشئة عنه; لأنّ التفويض فعله (سبحانه وتعالى)، وهي ملازمة للمعصوم (عليه السلام) دائماً; لأنّها من مقتضيات نوريّة ذاته، وحكم إنكارها هو حكم إنكار غيرها من مقامات أهل البيت (عليهم السلام).

98 - هل للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ولاية تكوينيّة؟ وهل يعلمون الغيب بإذن الله سبحانه وتعالى؟

باسمه جلت أسماؤه: قال تعالى متحدّثاً على لسان نبيّ الله عيسى (عليه السلام): أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الاَْكْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ(1) ، فإذا ثبت الولاء التكويني والعلم الغيبي من خلال هذه الآية لعيسى) عليه السلام (فثبوته لمحمّد وآله بالأوْلويّة; لما ثبت في محلّه من أفضليّتهم على جميع من سبقهم، ولايمكن أن يثبت للمفضول ما ليس للأفضل.

99 - متى يستعمل الإمام (عليه السلام) ولايته التكوينيّة؟

فقد ورد أنّ جابر بن يزيد شكى للإمام الباقر (عليه السلام) الحاجة، فقال له: يا جابِرُ، ما عِنْدنا دِرْهَمٌ، ثمّ دخل عليه الكميت، فأنشده قصيدة، فقال: يا غُلامُ، أَخْرِجْ مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْها إِلَى الْكُمَيْتِ، وما زال يعطيه حتّى أعطاه ثلاثين ألف درهماً.

يقول جابر: فوجدت في نفسي وقلت: قال لي ليس عندي درهم، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم؟!

فقال: يا جابِرُ، قُمْ فَادْخُلْ ذلِكَ الْبَيْت.

ص:58


1- (1) آل عمران 49:3..

قال: فقمت ودخلت البيت فلم أجد فيه شيئا، فخرجت إليه، فقال لي: يا جابِرُ، ما سَتَرْنا عَنْكُمْ أَكْثَر مِمّا أَظْهَرْنا لَكُمْ، ثمّ أخذ بيدي فأدخلني البيت، فضرب برجلهفإذا شبيه بعنق البعير قد خرج من ذهب، فقال: يا جابِرُ، انْظُرْ إِلى ه - ذا وَلاَ تُخْبِرَ بِهِ أَحَداً إِلاّ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ مِن إِخْوانِكَ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَقْدَرَنا عَلى ما نُريدُ فَلَوْ شِئْنا أَنْ نَسوقَ الاَْرْضَ بِأَزِمَّتها لِسقْناها»،

وسؤالي: لماذا استخدم الإمام (عليه السلام) ولايته التكوينيّة مع الكميت، ولم يستخدمها مع جابر بن يزيد؟

باسمه جلت أسماؤه: لاإشكال في ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام)، ولكن كان بناؤهم (عليهم السلام) في أزمنتهم على العمل بمقتضيات عالم الطبيعة، إلاّ في موارد خاصّة يرون فيها أهمّية إعمال قدراتهم التكوينيّة، وفي مثل المقام بما أنّ جابر بن يزيد الجعفي كان من حملة الأسرار والمعارف، ولم يكن الكميت بهذه المثابة في هذا الجانب; لذلك تعامل الإمام مع الأوّل معاملة العارف بأسرارهم، فأبدى له أوّلا عدم قدرته على مساعدته بحسب الوضع الطبيعي، ثمّ أبدى له قدراته التكوينيّة الخارقة، بينما لم يُظهر الإمام الباقر (عليه السلام) شيئاً من ذلك للكميت الأسدي.

100 - يقول بعضهم: تظافرت الأدلّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة واتّفاق المسلمين على أنّ الولاية التكوينيّة والتشريعيّة منحصرة بالله سبحانه،

لايشاركه فيها أحد من مخلوقاته، ومن خلال مطالعة ما كتبه العلماء والمفكّرون الإسلاميّون حول هذا الموضوع سوف نشاهد أنّ الولاية قد ثبتت لله وحده، ولايمكن نسبتها لأحد غيره سبحانه، ومن خلال دراسة الآيات القرآنيّة وما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) سوف نستفيد الاُمور التالية:

1 - أنّ معنى الخلق هو الاختراع والإبداع، وهو منحصر بالله سبحانه، وليس لغيره القدرة على الاختراع; لأنّها من صفات الواجب سبحانه، وغيره ممكن.

2 - ما قيل أو يقال: من أنّ معجزات الأنبياء هي فعلهم وصنعهم، مخالف لما تقدّم

ص:59

من معنى الخلق، وهو الإيجاد والاختراع الخارج عن حدود القدرة البشريّة، وأنّ الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) بشر محدثون وعباد مصنوعون لايخلقون ولايرزقون.

3 - انحصار الولاية التكوينيّة بالله سبحانه، لأنّ المقصود من الولاية هو التصرّف في عالم الملكوت والكون والخلق والإيجاد والإحياء، وهذا من مختصّاته سبحانه لايشاركه أحد في سلطانه وملكه. فما هو رأي سماحتكم بهذا الكلام؟

*

باسمه جلت أسماؤه: * أوّلا: هذا الكلام إنّما يتمّ لو اريد من الولاية التكوينيّة خصوص الخلق والإيجاد بمعنى الاختراع، فإنّه مختصّ بالله سبحانه وتعالى، ولكنّ الولاية التكوينيّة ليست هي هذه. وثانياً: إنّ الّذي يقول بثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام) إنّما يقولبأنّها منبثقة عن ولاية الله تعالى، فالله تعالى هو الذي أعطاهم القدرة على ذلك، وليس يقول بثبوتها لهم على نحو الاستقلال عن الله سبحانه، حتّى يقال بانحصار ذلك بالله تعالى.

وبعبارة اخرى: إنّ صاحب الكلام المذكور قد خلط بين الولاية التكوينيّة الاستقلاليّة والولاية التكوينيّة الإفاضيّة، فإنّ الاُولى مختصّة بالواجب بينما الثانية مختصّة بالممكن، ومَن أثبتَ الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام) أثبتها بالمعنى الثاني، ومَن حصر الولاية التكوينيّة بالله فقد أراد المعنى الأوّل، ولكن صاحب الكلام قد خلط بين الولايتين.

101 - هل يستطيع المعصوم بإذن الله تعالى أن يكون في أكثر من مكان في وقت واحد؟ وهل يعتبر الاعتقاد بذلك غلوّاً؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إذا كان المقصود من تواجده في المكان الواحد والوقت الواحد تواجده بالجسم المادّي، فهو ممتنع بالبرهان; لأنّ قوانين الوجود المادّي تمنع من تواجد الجسم الواحد في أكثر من مكان فى وقت واحد، وإن كان

ص:60

المقصود تواجده بالجسم المثالي أو النوري فهو أمر ممكنٌ بل واقع.

الولاية التشريعيّة لأهل البيت (عليهم السلام)

102 - ما هو راُي سماحة السيّد (حفظه الله) في الولاية التشريعيّة للأئمّة (عليهم السلام)، هل هي ثابتة لهم أم لا؟

باسمه جلت أسماؤه: قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي(1)، والمستفاد من هذه الآية وأمثالها: أنّ كلّ مجعول شرعي قد تمّ تشريعه في حياة النبيّ) صلى الله عليه وآله (، وقد طفحت بذلك النصوص، غاية ما في الأمر أنّ بعض الأحكام قد تأخّر بيانها لبعض الموانع، وجميعها محفوظة عند الإمام) عليه السلام (في كلّ عصر، ولذلك ورد في بعض النصوص أنّه بعد ظهور بقيّة الله) أرواحنا فداه (سيبيّن جميع ما جاء به النبيّ) صلى الله عليه وآله (، ولذلك سيتخيّل بعض الناسأنّه جاء بدين جديد.

103 - ورد في بعض الروايات أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قام بإصدار بعض الأحكام الشرعيّة، من قبيل إضافة ركعتين لكلّ صلاة واجبة،

وتشريع صلاة النافلة، وصيام شعبان استحباباً، فهل هذا ثابت لأهل البيت (عليهم السلام) أيضاً؟

*

باسمه جلت أسماؤه: لم يُشرّع النبيّ (صلى الله عليه وآله) حكماً من قِبل نفسه، وإنّمااطّلع على بعض ملاكات الأحكام، فعرضَ على الله تعالى أن يجعل حكماً تشريعيّاً على طبقها، وكان الله هو المشرّع حقيقة. والنبيّ (صلى الله عليه وآله) قد بيّنَ جميع الأحكام الشرعيّة في زمانه; إذ أنّه ما من رطب ولايابس إلاّ في كتاب مبين، ومِن بعده قد أودعَ اللهُ تعالى العلم بهذه الأحكام الشرعيّة جميعها عند المعصومين (عليهم السلام)، فكانوا يظهرون منها ما يتناسب مع كلّ زمان.

ص:61


1- (1) المائدة 3:5..
104 - هل تشريع الزيارات والأدعية والسنن كعيد النيروز تعدّ من أمثلة الولاية التشريعيّة للأئمّة (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: المشرِّع هو الله تعالى، وأمّا النبيّ الأكرم (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) فقد كان رسولا من قِبله تعالى للناس، أوحى إليه ما شرّعه فبلّغه إليهم، وقد تعلّم الأئمّة (عليهم السلام) منه (صلى الله عليه وآله) جميع ما شرّع من الأحكام، وبيّنوها للناس بالترتيب.

105 - هل الولاية التشريعيّة الثابتة للمعصومين (سلام الله عليهم) مطلقة أم مقيّدة؟

باسمه جلت أسماؤه: إن كان المراد من الاطلاق هو الاستقلال بالتصرّف دون مراجعة الله (سبحانه وتعالى) فهو ممنوع، وإن كان المراد منه تدبير الاُمور بحسب الأحوال في كلّ جوانب التشريع، وفيما تتوقّف عليه الحياة، فهو صحيح ثابت تقتضيه قيوميّتهم على الدين.

106 - هل التفويض الإلهي لأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) في الولايتين التشريعيّة والتكوينيّة ثابت لهم بالأصالة، باعتبارهم خلفاء لله تعالى؟

أم بالعرض بمعنى أنّه لطف خاصّ من العليّ الأعلى (جلّ شأنه) لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: لاتنافي بين الأمرين، فالولاية بشقّيها وسعتها لطف إل - هي خاصّ بمحمّد وآله (عليهم السلام)، وقد ثبت لهم باعتبارهم خلفاء الله تعالى في أرضه.

107 - كيف هي كيفيّة التفويض الإل - هي لأهل بيت العصمة والطهارة في الولاية التشريعيّة والتكوينيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: التفويض فعل الله (سبحانه وتعالى) ولايحيط بحقيقة فعله إلاّ هو، والذي نحيط به إنّما هو نتيجة فعله تعالى، فنتيجة تفويضه امور التكوين للمعصوم (عليه السلام) قدرته على التصرّف في الكون تصرّفاً مطلقاً بإذن الله تعالى،

ص:62

ونتيجة تفويضه امور التشريع له قيمومته على الدين وتدبيره لشؤون تبليغه وبيانه.

108 - ما هي أدلّة الولاية التشريعيّة من القرآن الكريم؟

*

باسمه جلت أسماؤه: كفى بآية الولاية دليلا، وهي قوله (تبارك وتعالى): إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1) ، بتقريب: أنّ النبيّ الأعظم) صلى الله عليه وآله (له ولاية تشريعيّة بلا ريب، وبما أنّ ولاية الأئمّة) عليهم السلام (هي نفس ولاية النبيّ) صلى الله عليه وآله (بنصّ هذه الآية، كانت الولاية التشريعيّة ثابتة لهم) عليهم السلام (أيضاً بالضرورة.

109 - ما هي الولاية التشريعيّة الثابتة لأئمّتنا (عليهم السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الولاية التشريعيّة هي: ولاية التصرّف في حدود القيمومة على التشريع، ببيان الأحكام الواقعية أحياناً والظاهريّة اخرى، وتأخير التشريع لوقته المناسب، ونحو ذلك من الشؤون.

أحوال المعصوم (عليه السلام) بعد الموت

110 - هل كلّ إمام من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) يتولّى دفنه إمام مثله؟

باسمه جلت أسماؤه: صريح الأخبار الموثّقة هو ذلك، وقد دلّت الأخبار عموماً وخصوصاً على أنّ المعصوم (عليه السلام) لايغسّله ولايدفنه إلاّ المعصوم (عليه السلام)، بل في جملة منها أنّه لايدفنه إلاّ الإمام بعده ووصيه.

111 - هل أنّ جسد المعصوم (عليه السلام) بعد الموت يبقى في التراب أم لا؟

باسمه جلت أسماؤه: لاشبهة في أنّ أبدانهم (عليهم السلام) صعدت إلى السماء، وإنّما الاختلاف في أنّها هل اعيدت إلى الأرض، وهي باقية في الأرض كسائر

ص:63


1- (1) المائدة 55:5..

الأبدان، مع فارق أنّ لحومهم محرّمة على الأرض أن تطعم منها شيئاً، فهي لاتتغيّر مهما طال الزمان، أم لم تُعد إلى الأرض؟ اختار الثاني الشيخ المفيد وتبعه الكراجكي، ونسبَ ذلك إلى فقهاء

الشيعة، واختاره من متأخّري المتأخّرين المحدّث البحراني في الدرّة النجفيّة. والقول الأوّل هو المشهور لاسيّما في أعصارنا، كما صرّح بذلك الفيض الكاشاني والعلاّمة المجلسي، وقد استدلّ كلّ من القائلين بأحد القولين بنصوص متعدّدة، والمختار عندي هو القول الأوّل; لصراحة النصوص المعتبرة فيه، وما استدلّ به للثاني غير صريح فيه.

الصلاة على محمّد وآل محمّد (عليهم السلام)

112 - ما هو حكم الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) صلاة ناقصة، من غير ذكر الآل معه؟

باسمه جلت أسماؤه: ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في غير واحد منالنصوص:

«مَنْ صَلّى عَلَيَّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلى آلي لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ»(1).

كما ورد عنه من طريق العامّة مستفيضاً: «لاتصلّوا علَيَّ الصلاةَ الْبَتْراء.

قالوا: وَما الصَّلاةُ الْبَتْراءُ؟

قال: تَقولون: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَتُمْسِكُون، بَلْ قُولوا: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَعَلى آلِ مُحَمَّد»(2).

113 - سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن معنى الصلاة على محمّد وآله، فأجاب (عليه السلام) بأنّه الاعتراف بالولاية، وسؤالي ماهو وجه الارتباط بين الصلاة على محمّدوآله والولاية؟

ص:64


1- (1) أمالي الصدوق: 267 المجلس 36، الحديث 12.
2- (2) الصواعق المحرقة: 87 فصل الآيات - الآية الثانية. تاريخ اصبهان / أبو نعيم: 131:1 في (الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله)). ينابيع المودّة: 295:7. ونقله الشهيد السيّد التستري المرعشي (رحمه الله) في إحقاق الحقّ: 336:9 عن جماعة من العامّة..

باسمه جلت أسماؤه: الصلاة على محمّد وآل محمّد هي عبارة عن الطلب من الله سبحانه أن يرحم المصلّي ويقرّبه إليه بواسطة محمّد وآل محمّد - كما جاء في صحيحة صفوان عن الإمام الرضا (عليه السلام) - وهذا الدعاء والطلب إذا كانمع عدم فهم معنى الصلاة فقد يحصل من الموالي ومن المبغض ومن الشخص الذي لايكون هكذا ولاهكذا، وأمّا مع الالتفات إلى المعنى المذكور والصدق في الدعاء فإنّ الصلاة على محمّد وآله لاتصدر إلاّ ممّن اعترف بمقامهم وأحبّهم ووالاهم، فهما مترابطان معاً.

المعصومون (عليهم السلام) علّة خلق الكون الغائيّة

114 - هل من المعقول أن يختصر الله (عزّ وجلّ)

خلق السماوات والأرضين والإنس والجنّ في الخمسة المشمولين بحديث الكساء، من خلال اعتبارهم سرّ وجود سائر المخلوقات، كما جاء في الحديث المعروف بحديث الكساء؟ وأين تكمن هذه العظمة التي يتحلّى بها أهل البيت (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: المقصود من الفقرة المُشار إليها في السؤال، الواردة في حديث الكساء المبارك، المرويّ عن سيّدة العالمين الزهراء (عليها السلام): أنّ المعصومين (عليهم السلام) هم العلّة الغائيّة لخلق الكائنات، باعتبارهم يجسّدون أتمّ وأجلى مصداق للإنسان الكامل الذي هو غاية الخلق، فكما أنّ الثمرة الجيّدة هي الغاية من غرس الشجرة وتعّهدها بالسقاية والرعاية، ومن عللها، كذلك المعصومون (عليهم السلام) هم ثمرة هذا العالم في قوس الصعود وغايته. ومن هذا النصّ وأمثاله نستكشف شيئاً من أسرار عظمة المعصومين (عليهم السلام) وكمالاتهم، وإلاّ فإنّنا عاجزون عن معرفة شؤونهم والإحاطة بكنههم; إذ ليس يعرفهم حقّ معرفتهمإلاّ خالقهم تبارك وتعالى.

115 - يقول بعضهم: «العلّة الغائيّة التي هي أحد أجزاء العلّة التامّة، يراد منها

ص:65

في مصطلح الحكماء: ما تُخرج الفاعل من القوّة إلى الفعل، ومن الإمكان إلى الوجوب، وتكون متقدّمة صورة وذهناً ومتأخّرة وجوداً وتحقّقاً، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلا بالقوة إلى كونه فاعلا بالفعل، فمثلا: النجّار لايقوم بصنع الكرسي إلاّ لغاية مطلوبة مترتّبة عليه، ولولا تصوّر تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلا بالقوّة إلى ساحة كونه فاعلا بالفعل، وعلى هذا فللعلّة الغائيّة دور في تحقّق المعلول وخروجه من الإمكان إلى الفعليّة، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل، وسوقه إلى العمل، وبما أنّ الغاية التي أرادها الله من خلقه الخلق هي العبادة كما قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(1)، وفي عقيدتنا نحن الشيعة - وكما يثبت التاريخ الصحيح - أنّ أئمّة أهل البيت) عليهم السلام (هم الذين عبدوا الله حقّ عبادته; لذا فنحن يمكن أن نعتبرهم هم العلّة الغائيّة، وهم وسائط الفيض الإل - هي، وبهذا التفسير فقط، لاأن نعتبرهم كما يبدو لبعض الجاهلين أنّهم هم شركاء الله في الخلق أو التدبيركما يزعمون «، فما هو رأي سماحتكم في هذا الكلام؟ *

باسمه جلت أسماؤه: أهل البيت (عليهم السلام) علّة غائيّة للخلق، ولامانعمن التعدّد في العلّة الغائيّة على نحو الطوليّة، فالعلّة الغائيّة هي العبادة، ولكنبما أنّها على وجهها لاتتحقّق إلاّ بالمعصومين (عليهم السلام)، كما تشير لذلك الزيارة الجامعة: «مَنْ أَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ»، فلامانعمن اعتبارهم (عليهم السلام) علّة غائيّة أيضاً.

116 - ما الفرق بين العلّة الغائيّة والعلّة الفاعليّة؟ ولماذا لايصحّ القول بأنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم العلّة الغائيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: العلّة الفاعليّة هي ذات المباشر بالإرادة، وهي العلّة القريبة، ووجوده وقدرته وعلمه وإرادته لها دخل في فاعلية الفاعل - كما صرّح

ص:66


1- (1) الذاريات 56:51..

به المحقق الأصفهاني (قدس سره) - أمّا العلّة الغائيّة فهي الغرض المترتّب على الفعل، وبذلك يظهر أنّ التعبير عن أهل البيت (عليهم السلام) بالعلّة الغائيّة لاإشكال فيه; لأنّه صريح بعض الأخبار والأحاديث، كالحديث القدسي:

«لَوْلاكَ لَما خَلَقْتُ الاَْفْلاكَ، وَلَوْلا عَلِيّلَما خَلَقْتُكَ، وَلَوْلا فاطِمَةُ لَما خَلَقْتُكُما».

117 - إستناداً لحديث الكساء الشريف:

«إِنّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً... إِلاَّ في مَحَبَّةِ ه - ؤُلاءِ الْخَمْسَةِ،... هُمْ: ف - اطِمَةُ وَأَبُوه - ا وَبَعْلُه - ا وَبَنُوه - ا» نفهم منه أنّ كلّ الخلق قد خلقوا لأجل محبّة أهل البيت (عليهم آلاف التحيّة والسلام)، والسؤال: فما هو معنى وجود المبغضين لأهل البيت (عليهم السلام) إذن؟

باسمه جلت أسماؤه: المراد من الجملة المذكورة أنّ الله تعالى لمحبّته لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام) قد خلق هذا الكون وما فيه، وأفاض عليه نعمة الوجود، لاأنّ المراد بها أنّه تعالى قد أوجد هذا العالم ليكون جميع الخلق محبّين للخمسة الأطهار (عليهم السلام)، فلا يبقى وجه للسؤال المذكور.

علاقة أهل البيت (عليهم السلام) بالتوحيد

118 - ما علاقة ولاية أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) بتوحيد الله؟

باسمه جلت أسماؤه: ورد في الزيارة الجامعة المباركة: «مَنْ أَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ»، كما ورد فيها أيضاً: «وَرَضِيَكُمْ خُلَفاءَ في أَرْضِهِ،... وَأَرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ».

ووردَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) تعليقاً على الحديث القدسي:

«كَلِمَةُ لاَ إِل - هَ إِلاّ اللهُ حِصْني، فَمَنْ دَخَلَ حِصْني أَمِنَ مِنْ عَذابي» أنّه قال:

«بِشُروطِها، وَأَنا مِنْ شُروطِها»(1) ، والمقصود من هذه النصوص: أنّ التوحيد الكامل - الذي لاتشوبه

ص:67


1- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 135:2..

شائبة شرك أصلا - هو التوحيد المستفاد من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، كما يشهد بذلك تتبّع عقائد غير الشيعة المشوبة بشوائب التجسيم والتعطيل.

وصول أهل البيت (عليهم السلام) إلى أعلى درجات الكمال

119 - هل هناك حركة تكامليّة للمعصوم (عليه السلام) بعد الموت؟

باسمه جلت أسماؤه: لامجال لتكامل المعصوم (عليه السلام) بعد الموت، لوصوله إلى أعلى مراتب الكمال في زمان الحياة، والموت لايوجب سلب شيء منه كي يكمل بعد النقص، ومع ذلك يجوز إهداء بعض الأعمال للمعصوم (عليه السلام) كقراءة القرآن والحجّ، ويرجع نفع ذلك إلى العامل لاإلى المعصوم.

عصمة أهل البيت (عليهم السلام)

120 - هل جميع أهل البيت (عليهم السلام) معصومون؟

باسمه جلت أسماؤه: من الضروريات الواضحة كون الأئمّة الإثنيعشر واُمّهم الصدّيقة فاطمة الزهراء كالنبيّ (صلى الله عليه وآله) في أعلى وأرقى مراتب العصمة، بما لها من المفهوم الواسع.

121 - يُقال: إنّ حقيقة العصمة ترجع إلى العلم اللدنّيّ، فما هو المقصود بالعلم اللدنّي؟ وهل الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينيّة أو تشريعيّة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: أفضل ما قيل في تعريف العلم اللدنّيّ أنّه: نور يظهر في القلب فينشرح، فيشاهد الغيب وينفسح، فيحتمل البلاء ويحفظ السرّ، وعلامته التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والتأهّب للموت قبل نزوله، ويسمّى بالعلم اللدنّيّ أخذاً من قوله تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً (1)

ص:68


1- (1) الكهف 65:18..

وهو أفضل العلوم وأعلاها، بل هو العلم حقيقة، وهو المقصد الأقصى من الإيجاد. ويتمّ تحصيله عن طريق تفريغ القلب للتعلّم، وتصفية الباطن بتخليته من الرذائل وتحليته بالفضائل، ومتابعة الشرع وملازمة التقوى، كما قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ(1)

وفي النبويّ:

«لَيْسَ الْعِلْم بِكَثْرَةِ التَّعَلُّمِ، إِنَّما هُو نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ تَعالى في قَلْبِ مَنْ يُريدُ اللهُ أَنْ يَهْديهِ».

وأمّا العصمة فهي: قوّة تمنع الإنسان من الوقوع في الخطأ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة، ولذلك حمل إذهاب الرجس في آية التطهير على العصمة، ويكون المراد من وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(2) إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل، وهو العلم اللدنّيّ، وعليه فقهراً لايكون المراد بالإرادة في الآية الإرادة التشريعيّة التي هي توجيه التكاليف إلى المكلّف.

والخلاصة: فإنّ الله تعالى قد أراد استمراراً أن يخصّ أهل البيت (عليهم السلام) بإذهاب الاعتقاد الباطل وأثر العمل السيّئ، وإيراد ما يزيل أثر ذلك، وهذا هو العصمة والعلم اللدنّيّ.

122 - ما هو الدليل على عصمة الأئمّة (عليهم السلام) من السهو والنسيان؟

باسمه جلت أسماؤه: الدليل على ذلك عقلا قاعدة قبح نقض الغرض، فإنّ الإمام المجعول إماماً من قِبل الله تعالى بغرض أن يكون هادياً - كما صرّح بذلك

ص:69


1- (1) البقرة 282:2.
2- (2) الأحزاب 33:33..

القرآن الكريم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(1) لو لم يكن معصوماً عن الأخطاء حتّى في حال السهو والنسيان، لنفر الناس منه وانعدمت ثقتهم به، وهذا نقض للغرض من جعله، فلابدّ من عصمته صوناً للغرض من النقض المستقبح عقلا.

123 - بعد إثباتنا أنّ آية التطهير تدلّ على عصمة الخمسة أهل الكساء (عليهم السلام)، كيف نثبت أنّ بقيّة الأئمّة (عليهم السلام) هم كذلك معصومون؟

باسمه جلت أسماؤه: بعد أن ثبتت عصمة الأربعة (عليهم السلام) بالآية، فذلك يعني حجّيّة أفعالهم وأقوالهم وتقريرهم، وبما أنّهم قد صرّحوا في غير واحدة من الروايات المعتبرة بأنّ عنوان (أهل البيت) في آية التطهير ينطبق عليهم وعلى بقيّة الأئمّة

الطاهرين، فيلزم الأخذ بقولهم هذا وتعميم العنوان للبقية; إذ أنّهم بحسب الفرض مطهّرون معصومون لايخطئون.

124 - أهل البيت (عليهم السلام) معصومون عن الذنب، فهل هم معصومون عن الخطأ أيضاً؟

باسمه جلت أسماؤه: المعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام) بحكم العقل معصومون عن الخطأ في التلقّي، ومعصومون عن الخطأ في التبليغ، ومعصومون عن الخطأ في الموضوعات الخارجيّة، عمداً وسهواً، وغفلةً ونسياناً.

125 - ما هي العصمة؟

باسمه جلت أسماؤه: العصمة نوع من العلم يكون مانعاً عن الضلال، وهو علم لانفقهه حقيقة الفقه، وقد أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ(2) ، وهذا الإنزال من سنخ العلم.

ص:70


1- (1) الأنبياء 73:21.
2- (2) النساء 113:4..

ويظهر من آيات اخر أنّها من قبيل الوحي والتكليم، كما ويظهر من الآية السابقة أنّ ما انزل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) نوعان من العلم: أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين، وثانيهما التعليم بنوع من الإلهام الإل - هي الخفي من غير إنزال المَلك، وإلى هذا المعنى يرجع ما في الروايات من أنّه علم يأتي به الله تعالى، ولاتكفي فيه الأسباب العادية.

126 - لكلّ نبيّ وصيّ، فهل الأوصياء جميعاً معصومون؟ وهل الوصيّ إمّا نبيّأو إمام أم قد يكون شيئاً آخر؟ وما هي مهمّته؟

* باسمه جلت أسماؤه: أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) إمّا أنبياء أو أوصياء، وما دلّ على عصمة الأنبياء دلّ على عصمة أوصيائهم.

127 - هل نسبة العصمة عند المعصومين الأربعة عشر (عليهم الصلاة والسلام) واحدة أم مختلفة؟

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار المستفيضة أنّ نسبة العصمة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) واحدة لاتفاوت فيها من معصوم لآخر.

128 - ما هي العلّة التي تعصم المعصوم عن الذنب والخطأ؟ وهل يصل حدّ العصمة إلى العصمة عن النسيان والسهو في الاُمور الحياتيّة والاجتماعيّة بعيداً عن امور الوحي والتبليغ؟

باسمه جلت أسماؤه: عصمة المعصوم (عليه السلام) على أربعة أقسام:

1 - العصمة عن الخطأ في تلقّي الوحي.

2 - العصمة عن الخطأ في التبليغ.

3 - العصمة عن المعصية.

4 - العصمة عن الخطأ في التصرّفات والموضوعات الخارجيّة.

والمراد من العصمة: وجود أمر في المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لايجوز

ص:71

من الخطأ أو المعصية، ودليل ثبوت العصمة بجميع أقسامها للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) - مضافاً لما يُستظهر من الآيات والروايات - هو حكم العقل القطعي المنبثقمن قاعدة قبح نقض الغرض، وقد أوضحنا المقصود منها في بعض الأجوبة السابقة، فراجع.

129 - الذي نعتقده أنّ المعصومين أربعه عشر معصوماً، أوّلهم النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) وبعده الزهراء والأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام)،

وفي اعتقادنا أنّ عصمة هؤلاء الأربعة عشر (عليهم السلام) لم ولن ينالها أحد من الخلق، ولكنّنا أصبحنا الآن نسمع بعض الآراء العقيديّة التي تقول بعصمة أبي الفضل العبّاس وعليّ الأكبر والسيّدة زينب الكبرى وفاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام)، فهل هناك تقارب أو تداخل بين عصمة الأربعة عشر معصوماً، وعصمة أبي الفضل العبّاس وعليّ الأكبر والسيّدة زينب الكبرى وفاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: الصحيح أنّ العصمة الكبرى قد اختصّ الله بها تعالى المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، ومَن يدّعي العصمة لغيرهم - كالسيّدة زينب (عليها السلام) - فليس مراده العصمة الثابتة لجدّها وأبيها واُمّها وأخويها، بل مراده نحو آخر من العصمة يعبّرون عنه في بعض كلماتهم بالعصمة الصغرى.

علم أهل البيت (عليهم السلام)

130 - هل للمعصوم (عليه السلام) علم حصولي في بعض الاُمور، ويتعرّض هذا العلم للنسيان؟ أم كلّ علومه حضوريّة؟

* باسمه جلت أسماؤه: طفحت الأخبار بأنّ الإمام (عليه السلام) لايفعل شيئاً إلاّ بأمر الله تعالى وعهد منه لايتجاوزه، وأنّ الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنّهم (عليهم السلام) لايخفى عليهم شيء.

ص:72

131 - هل المعصوم (عليه السلام) يعلم بوقت موته؟

فإذا كان الجواب نعم، فما هي ميزة المعصوم عن غير المعصوم في مواجهة الصعاب أو الأمراض ما دام يعلم عدم موته فيها، كما في مبيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟ وهل علم الإمام بما يكون - كما جاء في كثير من الروايات - علم بكافّة الأحداث؟

باسمه جلت أسماؤه: فضيلة المعصوم (عليه السلام) تكمن في يقينه، فإنّ غيره لو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) - مثلا - بأنّه لن يموت إلاّ بعد يوم المبيت، ثمّ طلب منه أن يبيت على فراشه ليقيه من سيوف المشركين، فإنّه سيولّي فراراً عند رؤية بريق السيوف من حوله، حتّى ولو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّه لن يموت في تلك الواقعة، وهذا ما يُبرز فضيلة أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم، فإنّهم وإن كانوا عالمين بمصيرهم ووقته، إلاّ أنّيقينهم لم يكن يفارق علمهم، بل كان عملهم مطابقاً لعلمهم.

132 - حصل بيني وبين بعض الموالين نقاش في العلوم الشريفة التي كانت تُفاض على الأئمّة (عليهم السلام)

من نكت ونقر وسماع للصوت ونحو ذلك، وادّعى صاحبي أنّ كلّ تلك العلوم ليس فيها شيء من الأحكام الدينيّة، بل هي مجرّد علوم كونيّة، كالعلم بوقت قيام بعض الدول وسقوط بعضها الآخر، وما يقع في المستقبل من الحوادث، ونحو ذلك، فهل هذه الدعوى صحيحة؟

* باسمه جلت أسماؤه: الدعوى المذكورة عارية عن الدليل، والصحيحأنّ خلافها هو مقتضى إطلاق الأدلّة.

133 - يقول بعضهم: إذا كان المعصوم (عليه السلام) يعلم الغيب، فهذا يعنى أنّه يعلم بسبب موته، وهذا ما يجعله بحكم المنتحر عندما يقدم عليه، فما هو الجواب؟

باسمه جلت أسماؤه: لامانع أن يقدم المعصوم (عليه السلام) على ما فيه سببموته مع علمه بذلك، ولايكون منتحراً; لأنّه يمتثل أمر الله تعالى له بذلك - باعتبار أنّ في شهادته مصلحة دين الله - وحينئذ يكون إقدامه على ما فيه سبب موته واجباً

ص:73

- كالجهاد - وليس حراماً، فلا يكون إقدامه عليه تهلكة وانتحاراً.

134 - هل يعلم المعصوم (عليه السلام) الغيب عن طريق التحديث، أي كونه مُحَدّثاً؟

أم أنّ ما يعلمه من تعليم الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ وهل هذا يناقض الآية التي تحدّد أنّ علم الغيب يعطيه الله (سبحانه) لمن ارتضى من رسول، وليس أي إنسان آخر؟

باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار على أن الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنّه لايخفى عليهم الشيء، وأنّ الله تعالى لم يُعلِّم النبيّ (صلى الله عليه وآله) علماً إلاّ أمره أن يعلّمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبذلك يظهر أنّ علوم الأئمّة (عليهم السلام) لها منابع مختلفة وأسباب متعدّدة.

135 - كيف يتعامل المعصوم (عليه السلام) مع علم الغيب الذي أفاضه الله عليه، هل يعمل بمقتضاه أم يعمل بظواهر الاُمور؟

باسمه جلت أسماؤه: في الاُمور العادية الدنيويّة يكون عمله على ما هو الظاهر ولايعمل بالغيب، وقد صرّح بذلك النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في القضاوة بين الناس، حيث قال:

«إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّناتِ»، ولايُستثنى من ذلك إلاّ صاحب العصر والزمان.

تفاوت أهل البيت (عليهم السلام) في الفضيلة

136 - هناك تفاوت في مستويات الأئمّة (عليهم السلام) كما هو الحال بين الأنبياء والرسل (عليهم السلام)،

فما هو سبب هذا التفاوت بين المعصومين، وما هو سلّم التفاوت بين المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) مع الأدلّة؟ وما هو موقع فاطمة الزهراء (عليها السلام) بينهم؟ وهل الأئمّة جميعهم مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة على الاطلاق، وأمّا التفاضل بين

ص:74

المعصومين (عليهم السلام) فهو أمر لاسبيل للقطع فيه إلاّ بالنسبة لرسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) فقط، وأمّا بالنسبة للبقيّة فالأوْلى عدم إقحام النفس في ذلك; لعدم وضوح المسألة بمقدار ما لدينا من الأدلّة.

أفضلية المعصومين (عليهم السلام) على الأنبياء (عليهم السلام)

137 - سئل بعض المعاصرين: هل الإمام عليّ (عليه السلام) أفضل من الأنبياء والرسل السابقين؟

فأجاب: لاداعي للخوض في ذلك، ولم نكلّف به، ولامستند واضح لإثباته، فهل هذا الكلام صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: أفضليّة الإمام عليّ (عليه السلام) على جميع الأنبياء والرسل السابقين (عليهم السلام) من الضروريّات، ومن توقّف في ذلك إمّا لم يُتعب نفسه في مراجعة الروايات والأخبار، وإمّا لديه مشكلة اخرى لاداعي للإفصاح عنها.

138 - هل قبل نبيّنا آدم كان هناك بشر في الأرض أو غيرها؟

وإذا كان كذلك فهل كان لهذه العوالم والاُمم أئمّة مثل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؟

وفي حالة وجود أئمّة لهم فهل الأفضل أئمّتنا أم أئمّتهم؟

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار وجود بشر قبل آدم (عليه السلام) فقهراً كان لهم نبيّ وأئمّة بمقتضى قاعدة اللطف، وإن كنّا لانحيط بهم علماً، ولكنّ الأمر المسلّم الذي لاريب فيه ولاشبهة تعتريه أنّ نبيّنا (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) هم أفضل الخليقة من أوّلها إلى آخرها.

139 - هل يرى علماء الشيعة أنّ أئمّتهم أفضل من الأنبياء؟ وهل صحّ أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) يصلّي خلف المهدي (عج) المنتظر؟

ص:75

باسمه جلت أسماؤه: في الهداية للشيخ الصدوق (قدس سره): «يجب أن يعتقدأنّ سادة الأنبياء خمسة، وهم أصحاب الشرائع، وأنّ محمّداً سيّدهم وأفضلهم».

ونفس المضمون جاء في بحار الأنوار(1) ، والاعتقادات(2) ، والفقيه(3) ، والأمالي(4)، ومثله في العلل(5) ، وكمال الدين(6)، وغيرها أيضاً.

وفي الهداية: «ويجب أن يعتقد أنّ الله تعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد، ومن بعده الأئمّة (صلوات الله عليهم)، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله (عزّ وجلّ) وأكرمهم عليه، وأوّلهم إقراراً به، وأنّ الله بعث نبيّه (صلى الله عليه وآله) إلى الأنبياء (عليهم السلام) في الذرّ، ويعتقد أنّ الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته، وأنّه لولاهم ما خلق الله السماء والأرض، ولاالجنة ولاالنار، ولاآدم ولاحوّاء، ولاالملائكة، ولاشيئاً ممّا خلق».

وقد استفاضت النصوص الدالّة على ما أفاده (قدس سره)، فلاحظ بحار الأنوار(7) ، الاعتقادات(8)، ومثله العلل(9)، والعيون(10) ، وكمال الدين(11) باختلاف بسير،

ص:76


1- (1) بحار الأنوار: 372:16.
2- (2) الاعتقادات: 92.
3- (3) الفقيه: 132:1، الحديث 6.
4- (4) الأمالي: 518، المجلس 93.
5- (5) علل الشرائع: 5:1.
6- (6) كمال الدين: 254:1، الحديث 4.
7- (7) بحار الأنوار: 373:16.
8- (8) الاعتقادات: 193.
9- (9) علل الشرائع: 5:1.
10- (10) العيون: 205:1، ضمن الحديث 22.
11- (11) كمال الدين: 254:1، ضمن الحديث 4..

و كفاية الأثر(1) ، و المسائل السرويّة، وغير تلكم من الكتب المعتبرة.

وأمّا صلاة سيّدنا عيسى (عليه السلام) خلف المهدي (عج) (أرواحنا فداه): ففي الهداية(2) للشيخ الصدوق (قدس سره): «ويجب... أن يعتقد أنّ حجّة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن بن عليّ... - إلى أن يقول -: وأنّه هو المهدي (عج) الذي أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه أذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه... الخ».

وقد تواترت النصوص الدالّة عليه من الشيعة والسنّة، فمن مصادر الشيعة: جاء في كتاب الغيبة للنعماني(3) ، عن سُليم بن قيس، عن شيخ من نسل حواري عيسى بن مريم، وكذا في الاعتقادات(4) ، و كمال الدين(5) ، وكذا أيضاً في كتاب الغيبة للطوسي، و كفاية الأثر، وغيرها.

وأمّا من مصادر العامّة: فقد جاء في كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان للگنجي الشافعي(6) ، و الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي(7) ، و العرف الوردي في أخبار المهدي (عج) (عج)(8) ، و مسند ابن حنبل(9) ، و البرهان في علامات

ص:77


1- (1) كفاية الأثر: 72، 158.
2- (2) الهداية: 39.
3- (3) الغيبة للنعماني: 75.
4- (4) الاعتقادات: 95.
5- (5) كمال الدين: 351:1، 280، عن رسول الله، و: 331 عن الإمام الباقر (عليه السلام)، و: 345 عن الإمام الصادق (عليه السلام).
6- (6) البيان في أخبار صاحب الزمان: 110، 117، 124.
7- (7) الفصول المهمّة: 293.
8- (8) العرف الوردي: 64.
9- (9) مسند أحمد بن حنبل: 345:3..

مهدي آخر الزمان، و شرح سنن ابن ماجة، وغير تلكم من كتب العامّة ومصادرهم.

140 - هل أنتم مع الشيخ المفيد (قدس سره) في تفضيل جميع الأئمّة (عليهم السلام) على جميع الأنبياء (عليهم السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: نعم ما أفاده الشيخ المفيد (قدس سره) هو ما تقتضيه البراهين العقليّة والأدلّة النقليّة.

141 هل الأئمّة (عليهم السلام) أفضل من الأنبياء (عليهم السلام) بما فيهم اولو العزم؟

باسمه جلت أسماؤه: كون الأئمّة (عليهم السلام) أفضل من الأنبياء جميعاً بما فيهم اولو العزم، ممّا لاإشكال فيه ولاكلام، والنصوص المتواترة دالّة على ذلك.

142 - إنّي أعتقد بأفضليّة أهل البيت (عليهم السلام)

على جميع الخلق، بما فيهم الأنبياء والرسل، عدا رسول الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) الّذي هو أصل الشجرة الطيّبة أهل البيت (عليهم السلام)، وأستدلّ على ذلك بحديث الكساء الشريف، ولكنّني اريد أدلّة من القرآن الحكيم تدلّ على أفضليّة مقام الإمامة على النبوّة والرسالة، عدا نبوّة ورسالة نبيّ الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، وتدلّ على أفضليّة أئمّة أهل البيت على سائر الأنبياء والرسل والأئمّة، مخصوصاً على نبيّ الله ابراهيم (عليه السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: أمّا دليل أفضليّة الإمامة على النبوّة، فقوله تبارك وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(1) الدالّ على أنّ الإمامة خصّ الله) عزّ وجل (بها إبراهيم الخليل) عليه السلام (بعد النبوّة، ولا مبرّر لإعطائه الإمامة بعد النبوّة إلاّ كون الإمامة أفضل مقاماً من النبوّة والرسالة، وبثبوت هذه الإمامة لذرّيّته

ص:78


1- (1) البقرة 124:2..

الطاهرين - وهم المعصومون (عليهم السلام) - تثبت الأفضليّة لهم على غيرهم من الأنبياء (عليهم السلام). وأمّا أفضليّتهم (عليهم السلام) على نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام): فللروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على أفضليّتهم (عليه السلام) بالمطابقة أو الالتزام، ومنها ما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):

«يا عَليُّ، إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى فَضَّلَ أَنْبِياءَهُ الْمُرْسَلينَ عَلى مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ، وَفَضَّلني عَليجَميعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَالْفَضْلُ بَعْدي لَكَ - يا عَليُّ - وَلِلاَْئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَخُدامنا».

تكامل المعصوم (عليه السلام) الجسدي

143 - هل يجب أن يكون المعصوم (عليه السلام) كاملا حتّى من الناحية الشكليّة والجسمانيّة، بحيث يكون أجمل أهل زمانه؟ أم يكفي خلوّه من المنفّرات فقط؟

باسمه جلت أسماؤه: غايةُ ما دلّ عليه الدليل العقلي هو لزوم خلوّ المعصوم (عليه السلام) عن المنفّرات الجسديّة وغيرها، وأمّا لزوم كونه أجمل البشر في سيمائه وقسماته: فهو وإن لم يقتضه البرهان العقلي، ولكنّ الأدلّة النقليّة لاتخلو عن الإشارة إلى أنّ أهل البيت (عليهم السلام) كان لهم من الهيبة والبهاء والسيماء ما ليس لغيرهم من جميع الخلق.

تنزيه المعصوم (عليه السلام) عن اللعب

144 - ورد في التاريخ أنّ بعض المعصومين (عليهم السلام)

كان يلعبون في صغرهم، كما نُقلَ ذلك بالنسبة للحسن والحسين (عليهما السلام) أنّهما كانا يلعبان على ظهر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فهل يتنافي ذلك مع العصمة؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات المُشار إليها محلّ إشكال عندنا دلالةً وسنداً، فإنّ المعصوم (عليه السلام) أجلُّ قدراً وأعظم شأناً من صدور ما ينافي علمه وكمال قوّته العاقلة حتّى ولو كان صغيراً; إذ أنّه لايختلف حال صغره عن حال كبره في

ص:79

كمالاته الوجوديّة وصفاته الجماليّة والجلاليّة.

علاقة المعصومين (عليهم السلام) بالأفلاك

145 - هل هناك علاقة بين المعصومين (عليهم السلام) والأفلاك والأجرام السماويّة والكواكب؟ وكيف؟

باسمه جلت أسماؤه: يظهر من بعض الأخبار ذلك، فمثلا وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لرجل من اليمن: ما زَحُل عِنْدَكُمْ في النُّجومِ؟

قال اليماني: نجم نحس.

فقال (عليه السلام):

لاَ تَقُولَنَّ ه - ذا، فَإِنَّهُ نَجْمُ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ (عليه السلام)، وَهُوَ نَجْمُ الاَْوْصياءِ، ولكن لم يتّضح لنا وجه العلاقة بين مثل هذا الكوكب وبين المعصومين (عليهم السلام).

أهل البيت (عليهم السلام) في المباهلة

146 - نقرأ في قصّة المباهلة أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) أمر الزهراء وزوجها وابنيها (عليهم السلام) جميعاً بقوله:

«إِذا دَعَوْتُ فَأَمِّنوا»، وقد علّل ذلك بعضُ العلماء بقوله: «ومعنى هذا أنّ دعائي - بصفتي خاتم النبيّين - مقتضي، لكن شرط فعليّة اقتضاء المقتضي أنفاس فاطمة الزهراء، فلا بدّ أن ينضمّ تأمينها إلى دعائي، هكذا قرّر الوحي، وهكذا قرّرت السنّة هنا: أنّ دعاء الزهراء شرط لدعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والمقتضي محال أن يؤثّر بدون شرطه، ففي هذا المقام مقام مباهلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع النصارى لابدّ مع رفعه يديه نحو السماء أن ترتفع معه أيدي أربعة آخرين حتّى يستجاب الدعاء ويتحقّق المطلوب»، فما هو رأيكم في كلامه؟ *

باسمه جلت أسماؤه: يُحتمل ذلك ولكنّه لايمكن الجزم به، لاحتمال أن يكون ما فعله النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما هو لأجل التأكيد على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه; إذ أنّ تعريضه لأعزّته وفلذّات كبده وأحبّ الناس إليه للمباهلة، وعدم اقتصاره على

ص:80

تعريض نفسه لذلك، لهو تأكيد بالغ على ثقته بصدقه وكذب خصمه، حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.

رجعةُ أهل البيت (عليهم السلام)

147 - هل أن الإمام المهدي (عج) يتبع اسلوباً معيّناً في إرجاع الأئمّة (عليهم السلام)

إلى الحياة الدنيا، من حيث أنّنا نقرأ في القرآن الكريم في سورة البقرة أنّ الله يأمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، وبيّن لهم أوصافها، وكذلك نقرأ في سورة اخرى أنّ الله سبحانه وتعالى يخاطب النبيّ إبراهيم (عليه السلام):

ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً (1) ؟ أم أنّ هناك أحداً من أصحاب الإمام المهدي) عج (يتولّى إرجاعهم إلى الحياة؟ وكما نفهم من الروايات عن أهل البيت) عليهم السلام (أنّ الإمام الحسين) عليه السلام (هو أوّل من يرجع إلى الحياة ويتولّى تجهيز الإمام المهدي) عج (والصلاة عليه، فهل انّ رجعة العبّاس) عليه السلام (تكون قبل الإمام الحسين أم بعده؟

باسمه جلت أسماؤه: إنّ الله تعالى هو الذي يتولّى إرجاع المعصومينفي زمن دولة الإمام المهدي (عج)، وأمّا كيفيّة إرجاعهم فلا يعلم بها إلاّ الله تعالى.

رؤية المعصوم (عليه السلام) في المنام

148 - يروى في بعض كتب علماء الطائفة وقصص الصالحين:

رؤية بعضهم للنبي أو الزهراء أو أحد الأئمّة (عليهم السلام) في المنام، وإخبارهم إيّاه بفعل أمر وترك آخر، أو إخباره بدعاء يدعو به أو نصيحة وما شابه ذلك، فهل تعتبر الرؤية دليلا شرعيّاً يمكن أن نأخذ منه أحكام ديننا أو الأدعية ونحوه؟

باسمه جلت أسماؤه: الرؤية لاتعتبر دليلا شرعيّاً، ولكن تطبيق الإنسان

ص:81


1- (1) البقرة 260:2..

لما يؤمر به في عالم الرؤيا حسن بلا ريب.

149 - هل يكون للجنّ أو الشيطان أن يظهر في صورة أحد الأئمّة (عليهم السلام) في المنام؟

باسمه جلت أسماؤه: لايكون ذلك; لما ورد عنهم (عليهم السلام): «مَنْ رآنا فَقَدْ رآنا، فَإِنَّ الشَّيْطانَ لاَ يَتَمَثَّلُ بِنا».

المعصومون (عليهم السلام) أسماء الله الحسنى

150 - ما رأيكم في القول بأنّ جميع أسماء الله الحسنى - ما عدا اسم (الله) - تتجلّى صفاتها الظاهرة في النبيّ الأكرم والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

«نَحْنُ الاَْسْماءُ الَّتي إِذا سُئِلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِها أَجابَ».

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «نَحْنُ الاَْسْماءُ الَّتي لاَ يَقْبَلُ اللهُ عَمَلا مِنَ الْعِبادِ إِلاّ بِمَعْرِفَتِنا».

وبالجملة: فإنّ المضمون المذكور ممّااستفاضَ نقله في روايات أهل العصمة (عليهم السلام).

عظمة امّهات أهل البيت (عليهم السلام)

151 - لماذا نجد لبعض امّهات الأئمّة (عليهم السلام) عدّة تسميات؟ وهل لهنّ ميزة عليبقيّة النساء؟

باسمه جلت أسماؤه: بعض امّهات الأئمّة (صلوات الله عليهم) تعدّدت أسماؤهن، من جهة كونهن إماءً قبل اقترانهنّ بالأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) ومن المعتاد تعدّد أسماء الأمة بسبب تعدّد مالكيها.

والمستفاد من روايات المعصومين (عليهم السلام) جلالة شأن امّهاتهم، ولعلّ الرواية الواردة عن الإمام الهادي (عليه السلام) توضّح بعض خصائصهنّ المشتركة، حيث جاء عنه:

«اُمّي عارِفَةٌ بِحَقّي، وَهِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لاَ يَقْرُبها شَيْطانٌ مارِدٌ، وَلاَ يَنالُها كَيْدُ جَبّار

ص:82

عَنيد، وَهي مَكْلُؤَةٌ بِعَيْنِ اللهِ الَّتي لاَ تَنامُ، وَلاَتَخْتَلِفُ عَنْ امَّهاتِ الصِّدّيقينَ وَالصّالِحينَ»، فإنّ ذيل هذه الرواية مشعر باشتراك والدته الطاهرة مع امّهات الأئمّة في الخصال المذكورة.

ص:83

ص:84

الفصل الثالث: أسئلة وأجوبة حول خصوصيّات المعصومين (عليه السلام)

اشارة

ص:85

ص:86

خصوصيّات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

152 - ما صفات نبيّنا محمّد (عليه الصلاة والسلام) في القرآن؟ ولمَ سمّاه الله محمّداً؟

باسمه جلت أسماؤه: صفاته (صلى الله عليه وآله) في القرآن لايسعها هذا المختصر، ويكفيك منها قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم(1) ، وقد سمّيَ) محمّداً (لأنّه جمع المحامد كلّها; إذ ليس في أفعاله وأقواله ووجوده المباركإلاّ ما يُحمد ويُمدح، ولاطريق لذمّه في شيء من ذلك مطلقاً.

153 - نقرأ في القرآن الكريم آيات عديدة جاء التعبير فيها ب: أَلَمْ تَرَ

وغيرها من مشتقّات كلمة الرؤية، وهناك من يقول إنّ الله سبحانه وتعالى قد أرى الرسول (صلى الله عليه وآله) رؤية واقعيّة كلّ شيء منذ الخليقة إلى ما بعد قيام الساعة من جنّة ونار إلى ما شاء الله، ولذلك قال تعالى في آية اُخرى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ(2) ، فما هو رأي سماحتكم؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي نعلمه إجمالا وندينُ الله تعالى به: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانَ يعلم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وأمّا كيفيّة علمه (صلى الله عليه وآله) تفصيلا،

فمّما لاسبيل إلى القطع به.

154 - قال بعض العرفاء: إنّ الذي سجدت له الملائكة هو الذي وصل إلى مرحلة

ص:87


1- (1) القلم 68:4.
2- (2) النساء 105:4..

الإنسانيّة الكاملة بعد التسوية، ونفخ الروح فيه فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي

فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (1) ، وهذا مقام أشرف وأعظم مخلوقات الله، أعني محمّداً) صلى الله عليه وآله.

وعلى ذلك كيف نوفّق بين سجود الملائكة لرسول الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وبين سجودهم لآدم (على نبيّنا وآله وعليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: المقالة المذكورة مأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) في عدّة روايات، ومنها: ما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) بسنده عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً من صلبه - إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره - رأى النور ولم يتبيّن الأشباح، فقال: يا ربّ ما هذه الأنوار؟

فقال الله عزّ وجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك; إذ كنت وعاءاً لتلك الأشباح».

155 - استدل بعض الأفاضل على أوّليّة خلق النبيّ الأعظم الأكرم (صلّى الله عليه وآله الأطهار)

بقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ(2). بتقريب: أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ محمّداً) صلى الله عليه وآله (أوّل الكلّ وجوداً، وإن كان خاتم الرسل زماناً، وأنا لقلّة علمي لم أستطع فهم مراده الشريف واستدلاله اللطيف، فالتجأت إليكم لتبيّنوا استدلاله بنحو من التفصيل؟

باسمه جلت أسماؤه: جاء في الخبر عن الإمام الباقر (عليه السلام): «فنحن أوّل خلق الله، وأوّل خلق عبد الله وسبّحه، ونحن سبب خلق الخلق، وسبب تسبيحهم وعبادتهم، فبنا عرف الله، وبنا وٌحّد الله، وبنا عبد الله، ثمّ تلا (عليه السلام) قوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، فرسول الله أوّل من عبد الله تعالى، وأوّل من أنكر أن يكون له ولد أو شريك».

ص:88


1- (1) الحجر 29:15. ص 7238.
2- (2) الزخرف 81:43..

ويمكن تقريب الملازمة بين عدم وجود الولد لله تعالى وبين كون وجود النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو أوّل الوجودات، بأن يقال: إنّ الولد لو كان - وهو محال لم يكن - لكان وجوده أزليّاً، وبما أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنّه لو كان لكنت أوّل عابد له» - أي مطيع، كما في رواية إسحاق بن عمّار - فهذا يعني أنّه (صلى الله عليه وآله) أوّل الوجودات، وإلاّ لم يصدق عليه أنّه أوّل المطيعين.

156 - في أقوال العرفاء يتكرّر وصف الحقيقة المحمّديّة، والحقيقة العلويّة، والوجود المنبسط، والمشيئة الفعليّة، فما هو المقصود بها؟

باسمه جلت أسماؤه: الاصطلاحات والعناوين المذكورة كلّها يراد بها معنى واحد، ومعنون فارد، وهو الوجود النوري للنبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وإنّما اختلفت العناوين بحسب اختلاف اللحاظ، فإنّه إن لوحظ بما هو مضاف للنبيّ عُبّر عنه بالحقيقة المحمّديّة، وإن

لوحظ بما هو مضاف للأمير (عليه السلام) عبّر عنه بالحقيقة العلويّة، وإن لوحظ بما هو خير محض، والخير المحض مرغوب فيه ذاتاً، صحّ التعبير عنه بالمشيئة الفعليّة، وإن لوحظ هذا الوجود الشريفبما هو العلّة التي لولاها لم يشرق نور الوجود على الممكنات، صحّ التعبير عنه بالوجود المنسبط.

157 - هل الحقيقة المحمّديّة غير الوجود المحمّدي، باعتبار أنّ خلقته تلك كانت

خلقة نوريّة، وخلقته في هذا العالم خلقة بشريّة؟ وهل لقوله تعالى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ(1) ربط بجواب سؤالي؟

باسمه جلت أسماؤه: في الخبر عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «فلمّا أراد أن يخلق محمّداً منه، قسّم ذلك النور شطرين، فخلق من الشطر الأوّل محمّداً، ومن الشطر الآخر عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما.. لايقوم

ص:89


1- (1) الأنعام 9:6..

واحدٌ بغير صاحبه، ظاهرهما بشريّة وباطنهما لاهوتيّة، ظهرا للخلق على هياكل الناسوتيّة حتّى يطيقوا رؤيتهما، وهو قوله تعالى: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ».

والمستفاد من هذا الخبر الشريف: أنّ ما ظهر به النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في هذا العالم ليس هو نفس وجوده النوري، لأنّه سنخ وجود لايتناسب مع سنخ وجود هذه النشأة، والتعبير عن وجوده النوري بالحقيقة المحمّديّة، وعن وجوده الدنيوي بالوجود المحمّدي، مجرّد اصطلاح لم يرد في لسان شيء من النصوص الشرعيّة.

158 - إذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يُوحى إليه من ربّ العالمين، فلماذا لم يكشف الرسول (صلى الله عليه وآله) زوجته السيّدة عائشة؟

وإذا كانت السيّدة عائشة بهذة الدرجة من السوء في الخُلُق فلماذا يكرمها الرسول ويتزوّجها؟

باسمه جلت أسماؤه: النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الاُمور العادية الطبيعيّة لايعمل طبقاً لعلم الغيب عنده، بل هو مكلّف بالعمل طبقاً للعلم العادي الظاهري، كما أنّ زواجه (صلى الله عليه وآله) ببعض نسائه كان خاضعاً لبعض الحِكَم والمصالح التي ظهرَ لنا بعضها وخفيَ علينا البعضُ الآخر منها.

159 - كيف ناسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعمر، وهو يعلم بما سيقومان به بعد وفاته؟

وهل قال شيئاً فيهما مع أنّهما من المبشّرين العشرة بالجنّة؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مأموراً بالعمل طبقاً لعلمه النبويّ الغيبي، بل هو مأمور بالعمل حسب الموازين الطبيعيّة الظاهريّة، وكذلك الأئمّة المعصومون (عليهم السلام)، وأمّا حديث

العشرة المبشّرة فهو محكوم بالضعف دلالةً وسنداً، وقد أوضح ذلك العلاّمةُ الأميني (قدس سره) في كتابه الرائع الغدير بما لامزيد عليه، فراجع المجلّد العاشر منه.

160 - ما هو الدليل على تفضيل النبيّمحمّد (صلى الله عليه وآله) على جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: يكفي لتفضيل النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على سائر

ص:90

الأنبياء (عليهم السلام) كونه العلّة الغائيّة لوجودهم، ولاريب في أفضليّة العلّة وتقدّمهارتبة على المعلول.

161 - يقول البعض: إنّ الذي عبس هو الرسول (صلى الله عليه وآله)، فهل هذا صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: لايمكن القول بكون العابس هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) وذلك لاُمور:

الأمر الأوّل: إنّ مخاطبة الله تعالى للعابس بقوله: عبَسَ(1) عدولٌ من صيغة المخاطب) عبستَ (إلى صيغة الغائب، وهذا في مثل المقام لايكون إلاّ لتحقير المخاطب - كما هو محرّر في علم البلاغة - فهل يُتصوّر ذلك في حقّ رسول الله الأعظم) صلى الله عليه وآله (؟!

الأمر الثاني: إنّ كلّ واحدة من آيات القرآن الكريم تدلّ على الآية الاُخرى، وبما أنّ واحدة من آيات القرآن هي قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ(2) ، فإنّها تدلّ بوضوح على أنّ المقصود من العابس في آية عَبَسَليس هو النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لتنافي ذلك مع الآية المتقدّمة التي تدلّ على أنّ خُلق النبيّ (صلى الله عليه وآله) يحول دون تحقّق العبوسة منه.

الأمر الثالث: إنّ لدينا عدّة من الروايات الشريفة التي تدلّ على أنّ العابس رجلٌ من بني اميّة، منها: ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «نزلت في رجل من بني اميّة، كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) فجاءه ابن امّ مكتوم، فلمّا رآه تقذّر منه، وعبسَ، وجمع نفسه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك، وأنكره عليه».

162 - إنّ نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) قد جمع بين مقام الإمامة ومقام النبوّة، فهل أنّ نبيّنا

ص:91


1- (1) عبس 1:80.
2- (2) آل عمران 159:3..

محمّداً (صلى الله عليه وآله) قد جمع بين الاثنين؟ وهل صحيح أنّ مَن يجمع بين المقامين يكون أفضل من غيره؟

باسمه جلت أسماؤه: جمعُ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بين المقامين من الواضحات التي لاشكّ فيها; فإنّه لكونه أشرفَ الخلق وسيّد الرسل قد جمعَ كلّ مقامات الأنبياء (عليهم السلام) وزاد عليهم; إذ آتاه الله تعالى وآتى أوصياءه الطاهرين (عليهم السلام) - كما في الزيارة الجامعة - «ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ».

163 - ما هو الدليل النقلي الذي ينصّ على كون أجداد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)

كانوا على الديانة المسيحيّة، بينما يقول أكثر الباحثين أنّهم كانوا على ديانة إبراهيم الخليل (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: مَن كان من أجداده (صلى الله عليه وآله) قبل المسيح (عليه السلام) فهو على دين مَن قبله، ومَن كان منهم بعد المسيح (عليه السلام) فهو على دينه; لبداهة لزوم الإيمان بكلّ نبيّ بعد إرساله، فكما لايسمح لأحد بعد أن أرسل الله تعالى محمّداً (صلى الله عليه وآله) أن يبقى على دين مَن قبله من الأنبياء (عليهم السلام)، كذلك كلّ مَن كان على دين نبيّ فبعث غيره كان عليه الإيمان باللاحق دون السابق، وأمّا ما دلّ على أنّهم كانوا على الحنيفيّة حتّى في حقّه (صلى الله عليه وآله) فالمراد منها بعض التعاليم التي وردت في شريعة إبراهيم (عليه السلام) ولم تنسخ في غيرها من الشرائع، وهي مبيّنة في بعض الروايات.

164 - هل زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) معصومات عن الزنا؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يكنّ في أنفسهنّ معصومات عن ذلك، ولكنّ كرامة النبيّ (صلى الله عليه وآله) تقتضيه، فإنّه أجلُّ عند الله تعالى مِن أن تقترن به امرأةٌ لاتتورّع عن ارتكاب الفواحش.

165 - أرسل الله رسوله وخاتم أنبيائه رحمة للعالمين، فما معنى كونه (صلوات الله عليه) رحمةً للعالمين، مع أنّه سبب لدخول الكافرين النار؟

باسمه جلت أسماؤه: معنى إرساله (صلى الله عليه وآله) رحمةً للعالمين أنّه مقتض

ص:92

للرحمة، فإنّ الرحمة لها شرائط وموانع، والكافر لوجود المانع - وهو الكفر - لاتشمله الرحمة، وإلاّ فإنّه لو أزالَ هذا المانع من وجوده لكان من المشمولين لرحمة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا ريب.

ويمكن تقريب الفكرة من خلال اقتضاء النار للإحراق، فإنّها مع رطوبة الجسم القابل للاحتراق لايمكن أن تحرق، وليس هذا لنقص المقتضي - وهو النار - وإنّما هو بسبب وجود المانع، أي الرطوبة.

166 - هل كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعلم الغيب؟

وإذا كان يعلم فما هي خواصّ ذلك الغيب، وما فرقه عن الغيب الذي يعلمه الله؟ وما تفسير الآية الكريمة: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ(1) ؟ وماذا عن باقي الأئمّة) عليهم السلام (، هل لهم ذلك أيضاً؟ وما فرقهم عن الرسول) صلى الله عليه وآله (؟

باسمه جلت أسماؤه: الآيات المتعدّدة تدلّ على اختصاص علم الغيب بالله تعالى، وهو العلم بكلّ غيب، وإليه أشار صدر المتألّهين حيث يقول: «إنّ الله تعالى قد كان عالماً علماً تفصيليّاً في مرتبة الذات قبل الفعل والإيجاد بجميع الحقائق كلّيّها وجزئيها»، فالله تعالى هو العالم بذاته علماً حضوريّاً بجميع الأشياء، وكلّ ما سواه يكون علمه بغيره علماً حصوليّاً زائداً على ذاته، فلاعلم له إلاّ ما يكون بإذن الله تعالى ورضاه، وقد استثنى من ذلك إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول(2) ، وهذا يعني أنّ الله تعالى يظهر لرسله ما يشاء من الغيب المختصّ به.

والخلاصة: فإنّ ضمّ الآيات لبعضها البعض يدلّ على أنّ جميع ما يعلمه تعالى من الغيب لايُظهر الرسل على جميعه، كما يدلّ على أنّ الله تعالى يعلم الغيب لذاته، وغيره يعلمه بتعليم منه تعالى.

ص:93


1- (1) الأعراف 188:7.
2- (2) الجنّ 27:72..

وأمّا قوله تعالى: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ، فقد جاء بعد قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، وهذا يصلح أن يكون شاهداً على أنّ الآية محلّ السؤال يُراد بها نفي العلم بغيب الساعة، ولاأقل من إجمالها، وعلى فرض إرادة مطلق الغيب منها فليس يُراد بها إلاّ نفي العلم الذاتي بالغيب، وهذا لاينافي ثبوت العلم بالغيب بتعليم الله تعالى.

وأمّا باقي الأئمّة (عليهم السلام) فقد تواترت الأخبار على أنّ كلّ ما يعلمه النبيّ (صلى الله عليه وآله) يعلمه الأئمّة (عليهم السلام)، فكما أنّ علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بتعليم من الله تعالى، فكذلك يكون علم الأئمّة (عليهم السلام).

167 - يقول الله (جلّ وعلا) في كتابه الكريم:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِوَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً(1)، وهناك سؤالان مرتبطان بهذه الآية المباركة:

1 - إذا كان زيد ابناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتبنّي، فالواحد من عامّة الناس لايشتهي امرأة ضيفه، فضلا عن زوجة ابنه، فكيف يُتصوّر ذلك في حقّ رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟!

باسمه جلت أسماؤه: لم يشته رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوجة زيد; ليرد هذا السؤال، بل أنّ الله تعالى كان قد أخبر نبيّه بأسماء أزواجه في الدنيا وكانت زينب زوجة زيد منهنّ، وأنّه سيتزوّجها فيما لو طلّقها زيد، فأخفى النبيّ ما عرّفه الله من ذلك، وفي نفس الوقت قدّم النصيحة لزيد عندما جاءه وأخبره برغبته في طلاق زينب، فكان زيد مصرّاً على الطلاق لتتمّ إرادة الله تعالى.

2 - هل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لايخشى في الله لومة لائم هو نفسه الذي يخشى الناس

ص:94


1- (1) الأحزاب 37:33..

أكثر من خشية الله; ليأتي كلام الله مقرعاً له ومؤنّباً؟

باسمه جلت أسماؤه: لاشكّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايخشى في الله لومة لائم، وليست خشيته من الناس تقاس بخشيته من الله تعالى، فخشيته من الله لاتدانيها خشية اخرى، وعليه فلايصحّ أن يقال إنّه يخشى الناس أكثر من خشية الله، وما خشيته من الناس إلاّ في إطار كفِّ أذاهم من خلال الاحتفاظ لنفسه بالأسرار المرتبطة بما سيؤول إليه أمر زينب من صيرورتها زوجة له; لذا فعندما أمره الله تعالى بإشهار هذا السرّ ليبطل به أحكام الجاهليّة بادر إلى إعلانه وتنفيذه دون أن يلتفتإلى كلّ ما يقال.

168 - هل صحيح أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يضيق ذرعاً بالشعراء؟

باسمه جلت أسماؤه: قد ورد في الحديث النبويّ: «إنّ من الشعر لحكمة»، وقد صحّ عنه (صلى الله عليه وآله) - كما قال صاحب المجمع - أنّه كان يسمع الشعر ويحثّ عليه، وقال لحسان بن ثابت: «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك».

169 - هل الولاية التشريعيّة ثابتة لنبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومن بعده لأئمتنا (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: للولاية معان:

1 - الولاية التكوينيّة، والمراد بها كون زمام أمر العالم بيد الوليّ، وله السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاء إعداماً وإيجاداً بإذن الله تعالى.

2 - وجوب الاطاعة وقبول قول الولي في الأحكام الشرعيّة.

3 - الحكومة والرئاسة الدنيويّة بإدارة شؤون الاُمّة.

4 - ولاية التصرّف في الأموال والأنفس.

5 - وجوب الاطاعة في الأوامر الشخصيّة العرفيّة.

والمحقّق ثبوت الولاية بجميع معانيها لهم (صلوات الله عليهم أجمعين).

ص:95

170 - جاء في صحيحة زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام):

أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نام في بعض أسفاره حتّى طلعت الشمس، والسؤال: كيف يجوز على النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن تفوته الصلاة الواجبة؟

باسمه جلت أسماؤه: الصحيح أنّ الرواية المذكورة وإن عُبّر عنها بالصحيحة، إلاّ أنّها بعد التحقيق لم ترد إلاّ في كتاب الذكرى للشهيد الأوّل (قدس سره)، وهو وإن عبّرَ عنها بالصحيحة إلاّ أنّه لم يذكر سنده إليها، ومن الواضح أنّ ثبوت الصحّة عنده (قدس سره) لايلازم ثبوتها عندنا، فالرواية لم يثبت اعتبارها.

171 - ما علاقة الإسراء والمعراج بكربلاء وقبر الإمام الحسين (عليه السلام)،

مع الأخذ بعين

الاعتبار حديث المفضّل بن عمر المطوّل في علامات الظهور، والذي يرويه عن مولانا الصادق (عليه السلام)، ونقله العلاّمة المجلسي في البحار وغيره؟

باسمه جلت أسماؤه: الوارد في حديث المفضّل بن عمر: أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال متحدّثاً عن أرض كربلاء: «وإنّها خير بقعة عرجَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها وقت غيبته»، وبما أنّ المعراج - كما سيتّضح لاحقاً - قد تكرّر مائة وعشرين مرّة، فحديث المفضّل يدلّ على أنّ بعض معارج النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد ابتدأَ من أرض كربلاء المقدّسة.

172 - تعارف الناس في منطقتنا في مناسبة الإسراء والمعراج على الذهاب إلى مّكة

المكرّمة لأداء العمرة; وذلك لكون مكّة المكرّمة هي المكان الذي منه اسريَ وعرج منه إلى السماء، ولكن أحد المشائخ الفضلاء يقول: إنّ زيارة النبيّ في هذه المناسبة أفضل وأكثر ثواباً، فما رأيكم؟

باسمه جلت أسماؤه: كلٌّ منهما حسن وذو فضل، ولكنّ الروايات تشهد بأفضليّة زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على أداء العمرة مطلقاً.

173 - هل عرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) بجسمه وروحه؟ وهل الجنّة والنار اللتان دخلهما كانتا في

ص:96

عالم الدنيا أم الآخرة؟

باسمه جلت أسماؤه: من ضروريات مذهبنا أنّ عروج النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان بجسمه وروحه قطعاً، كما أنّ الجنّة والنار اللتين دخلهما هما الجنّة والنار الاُخرويتان; لأنّهما - كما دلّت عليه النصوص القرآنيّة والروائيّة - مخلوقتان موجودتان.

174 - ما المقصود بالإسراء والمعراج؟ وما الفرق بينهما؟

باسمه جلت أسماؤه: المشهور أنّ الإسراء يراد به: رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى بيت المقدس، بينما المعراج يُراد به: رحلته (صلى الله عليه وآله) من بيت المقدسإلى العرش، ولكنّ الصحيح أنّهما عنوانان لمعنون واحد، وهو رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الأرض إلى السماء، كما تشهد بذلك أخبار أهل البيت (عليهم السلام).

ومنه - ا: ما رواه إسماعيل الجعفي، قال: «كنت في المسجد قاعداً وأبو جعفر (عليه السلام) في ناحية، فرفع رأسه، فنظر إلى السماء مرّة وإلى الكعبة مرّة، ثمّ قال سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى(1) ، وكرّر ذلك ثلاث مرّات.

ثم التفت إليّ وقال: أيّ شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟

قلت: يقولون أُسري به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس.

فقال: ليس كما يقولون، ولكنّه اسري به من هذه إلى هذه، وأشار بيده إلى السماء».

175 - هل حدث أكثر من عروج وإسراء؟

وفي حال كان الجواب: نعم، فما تفصيلها؟ وأيّ منها مصداق لما ورد في القرآن؟

باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

«عُرِجَ

ص:97


1- (1) الإسراء 1:17..

بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى السماء مائة وعشرين مرّة، مَا مِن مرّة إلاّ وقد أوصى اللهُ (عزّ وجلّ) فيها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالولاية لعليّ والأئمّة (عليهم السلام) أكثر ممّا أوصاه بالفرائض».

والمستفاد من هذه الرواية الشريفة: أنّ المعراج قد تكرّر مائة وعشرين مرّة، ولكنّ الروايات لم تحدّثنا عن تفاصيل هذه المعارج، ما خلا معراجه الذي تحقّقفي أوائل سنوات البعثة تحديّاً للمشركين وإقامةً للحجّة عليهم، فقد تحدّث عنه القرآن في العديد من آياته، كما نقلت الروايات أدقّ تفاصيله وجزئيّاته.

176 - ماذا وردَ من طرقنا في تفسير آيات الإسراء والمعراج؟

باسمه جلت أسماؤه: هناك روايات كثيرة جدّاً، وقد جمعها العلاّمة المجلسي (قدس سره) في الجزء الثامن عشر من موسوعته الحديثية بحار الأنوار، فلتُراجع هناك.

177 - ما المقصود بالمسجد الأقصى؟ و قَصِيّاً ؟ وهل يمكن أن تكون كربلاء مكان ولادة عيسى) عليه السلام؟

(1)

باسمه جلت أسماؤه: وردَ في عدّة من الروايات الشريفة تفسير (المسجد الأقصى) بالبيت المعمور:

منه - ا: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فكان من آيات الله التي أراها محمّداً أنّه انتهى به جبرئيل إلى البيت المعمور، وهو المسجد الأقصى».

ومنه - ا: أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سُئل عن المساجد التي لها الفضل؟ أجابَ: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله).

فقال السائل: والمسجد الأقصى، جعلتُ فداك؟

فقال: ذلك في السماء إليه اسريَ رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقلتُ: إنّ الناس يقولون: إنّه بيت المقدس؟

ص:98


1- (1) مريم 22:19..

فقال: مسجد الكوفة أفضل منه».

ويؤيّد هذه الروايات الشريفة ما هو ثابت تأريخيّاً من أنّ المسجد المعروف بالمسجد الأقصى في فلسطين إنّما استحدثه عمر بن الخطّاب في زمن خلافته.

وأمّا المقصود من قَصِيّاً في قوله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً(1) ، فقد جاء في بعض الروايات الشريفة تفسيره بأرض كربلاء، ومنها: قول الإمام زين العابدين) عليه السلام

لأبي حمزة الثمالي في تفسير الآية المذكورة: «خرجتمن دمشق حتّى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام)، ثمّ رجعت من ليلتها».

ص:99


1- (1) مريم 22:19..

خصوصيّات أمير المؤمنين (عليه السلام)

178 - قد ضعّف بعض علماء السنّة واقعة ولادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في داخل الكعبة المشرّفة، فما هو الردّ عليهم؟

باسمه جلت أسماؤه: ولادته (عليه السلام) في الكعبة الشريفة ممّا رواه الفريقان، وقد قال الآلوسي في شرح عينيّة عبد الباقي العمري: «وكون الأمير (كرّم الله وجهه) ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة».

وفي الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي، قال: «وكانت ولادته بمكّة المكرّمة في الكعبة المشرّفة».

ومثله في مروج الذهب للمسعودي، و السيرة الحلبيّة، وكذا قال غيرهمفي غيرها.

179 - نلاحظ في عدد ليس بالقليل من الروايات أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا ينادونحكّام عصرهم بأمير المؤمنين،

مع أنّ المعروف أنّ هذا اللقب خاصّ فقط بأمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولايطلق على أحد غيره أبداً، فما تفسير ذلك؟ هل أنّ تلك زيادة من الرواة، بحيث أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا ينادون فقط بكلمة أمير، ولكنّ الرواة زادوا عليها كلمة المؤمنين؟ أم هناك وجه آخر؟

باسمه جلت أسماؤه: اللقب المذكور خاصّ بأمير المؤمنين (عليه السلام) بلا ريب، ولكن قد تعدّى عليه الجائرون كما قد تعدّوا على بقيّة مقامات أمير المؤمنين (عليه السلام) وخصوصيّاته، وكان الأئمّة من آله (عليهم السلام) ينادون الحكّام بما سمّوا به أنفسهم، لابما يعتقدونه فيهم، من باب اتّقاء شرورهم.

180 - لماذا شكر أمير المؤمنين (عليه السلام) الله تعالى، عندما بات في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليلة هجرته؟

ص:100

باسمه جلت أسماؤه: إن كان السؤال عن وجه شكر الإمام (عليه السلام) ليلة مبيته في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فالوجه فيه أوضح من أن يُبين; فإنّ بيتوتته كانت سبباً لنجاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهل من نعمة تستحقّ الشكر أعظم من نجاة رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، واستمرار حياته المباركة؟!

181 - هل صحيح أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي نصر الأنبياء بإذن الله تعالى، استناداً إلى الحديث القائل:

«كنت مع الأنبياء سرّاً ومع رسول الله جهراً»؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم، صحيح لاإشكال فيه، فإنّه بوجوده النوري قد نصر الأنبياء (عليهم السلام) سرّاً، وبوجوده الناسوتي قد نصر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) جهراً.

182 - يكثر وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) بقائد الغرّ المحجّلين، فما المقصود بذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: التحجيل بياض يكون في قوائم الفرس، والغرّ جمع الأغرّ من الغرّة، وهي بياض الوجه، ومنه قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أُمّتي الغرّ المحجّلون»، أي بيض مواضع وضوئهم من الأيدي والأقدام، وقد استعار نور الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه.

وبذلك يظهر أنّ المراد من الوصف المذكور: أنّ عليّاً (عليه السلام) قائد للجماعة التي تكون مواضع الوضوء منهم - إذا دُعوا على رؤوس الأشهاد أو إلى الجنّة - شديدة البياض لإشعاعها بالنور.

183 - هل تعتقدون أنّ عليّاً (عليه السلام) أفضل من الأنبياء؟

باسمه جلت أسماؤه: هذا من الاُمور القطعيّة الواضحة، والأدلة عليه قرآناً وسنّة في غاية الكثرة.

184 - يقول بعض السنّة: إذا كان الإمام عليّ (عليه السلام) يحضر عند المؤمنين في قبورهم، فهل يحضر عند الأنبياء كعيسى وموسى (عليهما السلام) أيضاً؟

ص:101

باسمه جلت أسماؤه: لادلالة في الروايات التي تحدّثت عن عقيدة الحضور على ثبوت هذه الخصوصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى قبل وجوده في هذا العالم الدنيوي.

185 - الحديث الوارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

«يا حار همدان، مَن يمت يرني...»، هل كان يحدث ذلك أيّام حياة الإمام (عليه السلام) أم بعد استشهاده فقط؟

باسمه جلت أسماؤه: «يا حار همدان، مَن يمت يرني...» ليسَ من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنّما هو من نظم السيد الحميري (عليه الرحمة) لكلام الأمير (عليه السلام)، وكيفَ كان فإنّ ظاهر نصوص حضور الأئمّة (عليهم السلام) عند المحتضر أنّ حضورهم لايختصّ بما بعد شهادتهم، بل يكون حال حياتهم أيضاً.

186 - حاول البعض إنكار حديث ردّ الشمس معلّلا بالأسباب التالية:

أوّلا: أنّه لايمكن للإمام عليّ (عليه السلام) أن يؤخّر الصلاة حتّى تغيب الشمس، فقد ورد عنه أنّه كان يقيم الصلاة في أحلك الظروف وأشدّها وسط السيوف والرماح والقتال كما في بعض حروبه.

ثانياً: أنّ حبس الشمس عن المغيب أو إرجاعها من المغيب يؤثّر على حركة الفلك، وتأخّر الزمن ولو شيئاً يسيراً، ولم ينقل التاريخ أنّ الناس شهدوا هذا الحدث الخطير الذي لايمكن أن يخفى على الجميع.

ثالثاً: جاء في إحدى الروايات أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) أسند النبيّ إليه حينما نزل عليه الوحي، فلم يتسيقظ النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى غابت الشمس، وليس هذا الأمر يوجب العذر في تأخير الصلاة عن وقتها.

باسمه جلت أسماؤه: إنّ قبح تأخير الصلاة عن وقتها، إنّما هو من جهة تفويت مصلحة الوقت، إذ لامصلحة اخرى تقوم مقامها، وأمّا مع عدم فوات هذه المصلحة لوجود وقتين بالنسبة للإمام (عليه السلام) أحدهما قبل ردّ الشمس والآخر بعدها،

ص:102

فلاقبح في ذلك أصلا; بل لايمكن صدق عنوان تأخير وقت الصلاة حينئذ، إذ الإمام (عليه السلام) قد جاء بالصلاة في وقتها، كما لايخفى على المتأمّل، وبهذا يظهر الجواب عن السببين الأوّل والثالث.

وأمّا بالنسبة للسبب الثاني، فجوابه: أنّ حدث ردّ الشمس أو حبسها إنّما يؤثّر على الحالة الكونيّة في صورة كون ذلك الحدث خاضعاً لبعض الأسباب الطبيعيّة، وأمّا في صورة كونه وليد الاعجاز الإل - هي، فلا يلزم شيء من ذلك.

وأمّا عدم نقل التاريخ للحدث المذكور، فإن كان يقصد به تاريخ المسلمينفقد استفاض بنقل ذلك من طرق الفريقين، وإن كان المقصود به تاريخ الاُمم الاُخرى، فدعوى عدم ذكره فيها دعوى بحاجة إلى التتبّع، وعلى فرض صحّة الدعوى، فلعلّ ذلك من جهة كون الوقت ليلا عند كثير منهم آنذاك، أو من جهة اخرى.

187 - يحتجّ البعض بالقول:

إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد منح بعض أصحابه كرشيد الهجري وسلمان الفارسي علم المنايا والبلايا، فمن باب أولى أنّه (عليه السلام) كان يحمل هذا العلم، وهذا معناه أنّه كان يعلم بأجله ووقت منيته، وعلى ضوء ذلك فما هي فضيلة أمير المؤمنين (عليه السلام) في قضيّة المبيت على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، وهكذا بروزه لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق، وغير ذلك من مواطن تعرّضه لحتفه؟

باسمه جلت أسماؤه: سبقَ وأن أجبنا عن مثل هذا السؤال بقولنا: فضيلة المعصوم (عليه السلام) تكمن في يقينه، فإنّ غيره لو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) - مثلا - بأنّه

لن يموت إلاّ بعد يوم المبيت، ثمّ طلب منه أن يبيت على فراشه ليقيه من سيوف المشركين، فإنّه سيولّي فراراً عند رؤية بريق السيوف من حوله، حتّى ولو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّه لن يموت في تلك الواقعة، وهذا ما يُبرز فضيلة أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم، فإنّهم وإن كانوا عالمين بمصيرهم ووقته، إلاّ أنّ يقينهم لم يكن يفارق علمهم، بل كان عملهم مطابقاً لعلمهم.

ص:103

خصوصيّات السيّدة الزهراء (عليها السلام)

188 - أطلقَ الرسول (صلى الله عليه وآله) على السيّدة فاطمة الزهراء (عليها أفضل السلام) بلقب (امّ أبيها) فما هو السبب؟ وماذا يراد به؟

باسمه جلت أسماؤه: صرّح غير واحد، منهم: صدر الحفّاظ الشافعيعلى ما في كفاية الطالب بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعبّر عن فاطمة باُمّ أبيها، وفيكثير من الكتب ذكروا تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله) عن فاطمة (عليها السلام) باُمّ أبيها.

وأمّا سبب ذلك: فيظهر من بيان معنى لفظ (الاُمّ) ومورد استعماله، فإنّ العرب يسمّون كلّ جامع أمراً أو متقدّم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه (امّاً)، فيقولون للجلدة التي تجمع الدماغ (امّ الرأس)، وتسمّى راية ولواء الجيش الذي يجتمعون تحته (امّاً)، وفي القرآن الكريم اطلق (امّ الكتاب) على اللوح المحفوظ، فقال: وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(1) ، وكذا على الآيات المحكمة: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ(2) ، وبما أنّ الصدّيقة الطاهرة الزهراء) أرواحنا فداها (هي التي جمعت بين نور النبوّة والإمامة بعد أن افترقا في عبد الله والد النبيّ) صلى الله عليه وآله (وأبي طالب والد أمير المؤمنين) عليهما السلام (; لذلك صحّ التعبير عنها بالاُمّ.

189 - هل صحيح أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تغطي وجهها ويديها، وكذلك السيّدة

زينب الكبرى (عليها السلام)؟ ولماذا كانتا تصنعان ذلك مع أنّ الله سبحانه لم يفرض علينا ذلك، كما هو موجود في القرآن؟

باسمه جلت أسماؤه: لايقاس أحد بالصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء وابنتها الصدّيقة الصغرى زينب (عليهما السلام)، فالاُولى سيّدة نساء العالمين، والثانية شريكة

ص:104


1- (1) الرعد 39:13.
2- (2) آل عمران 7:3..

أخيها سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وعلى أي حال فإنّ تغطيتهما (عليهما السلام) ثابتة بالأدلة القطعيّة.

ودعوى أنّ القرآن الكريم لم يتحدّث عن ذلك، دعوى غير صحيحة، فإنّه - كما فهم بعض أساطين الفقه - قد تضمّن النهي عن إبداء الزينة، حيث قال: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا(1) ، والزينة المنهي عن إبدائها بمقتضى هذا الفهم الفقهي شاملة للوجه أيضاً، ومَا ظَهَرَ مِنْهَاحملوه على إرادة الثياب، وسواء تمّ ما أفادوه أم لا، فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعيّة لم تُذكر في القرآن، وإنّما دلّت عليها النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد بيّنوا (عليهم السلام) حكم التغطية.

أضف إلى ذلك أنّ أحداً لايشكّ في أنّ التغطية مانعة عن كثير من المفاسد الاجتماعيّة، فهل يمكن أن يتوهّم أنّ سادات نساء العالمين لايراعين ذلك؟!

190 - هل كانت السيّدة فاطمة الزهراء ترى الدماء الثلاثة المعروفة، كما تراهابقيّة النساء؟

باسمه جلت أسماؤه: طفحت النصوص بأنّها لم ترَ دم الحيض والنفاس، ولم أرَ من شكّ في ذلك من أهل العلم والتحقيق.

191 - توجد لدينا روايات بأنّ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تشتاق لرؤية سلمان، فهل يمكن قبول ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: بعقيدتي أنّ الرواية المشار إليها في السؤالوما شاكلها، من المجعولات، بلا ريب ولاشبهة.

192 - هل من الصحيح أن تأذّي فاطمة الزهراء (عليها السلام) من عمل مّا لايوجب حرمة ذلك العمل؟

ص:105


1- (1) النور 31:24..

باسمه جلت أسماؤه: حاشاها (عليها السلام) أن تتأذّى من فعل صادر من الغير بالنسبة إليها، ويكون ذلك الفعل جائزاً شرعاً، إذ لاشكّ في أنّها راضية بكلِّما يرضي الله تعالى.

193 - نقرأ في كتاب النكاح ، الكلام التالي:

(1)

«بل حتّى ولو فرض كونه إيذاء لها،

فإنّه لادليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن قهراً على ما ذكرنا في محلّه، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل; لأنّ التزوّج بالثانية أمر مباح في حدّ نفسه، فمجرّد تأذّي فاطمة (عليها السلام) لايقتضي حرمته»، فهل هذا الكلام تصحّ نسبته للسيّد الخوئى (قدس سره)؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي أطمئن له أن قول: «مجرّد تأذّي فاطمة (عليه السلام) لايقتضي حرمته» ليس كلام السيّد قطعاً; لأنّ من المسلّمات قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بَضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني»، وممّا يشهد لهذا الاطمئنان الاستدلال قبل ذلك بقوله: «لادليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن...» الخ; لأنّ الدليل على حرمة الجمع ليس هو إيذاء فاطمة بما أنّها مؤمنة، بل الدليل هو إيذاء فاطمة بما أنّها بَضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتدبّر جيّداً، فلاتصحّ نسبة الاستدلال المذكور للسيّد الخوئي (قدس سره); لوضوح فساده، والظاهر أنّ المقرّر (رحمه الله) قد خانه التعبير، وقَصُرَ قلمه عن إيصال نكتة الاستدلال.

194 - أيّهما أصحّ، هل هو قول: «يا فاطمة اشفيني» أم هو قول: «اللّهمّ بحقّ فاطمة اشفني»؟

باسمه جلت أسماؤه: لامانع من استعمال كلا الاُسلوبين، فإنّهكما يصحّ التوجّه إلى الله تبارك وتعالى في طلب الحوائج، مع التوسّل إليه بمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، كذلك يصحّ طلبها مباشرة من الذوات النوريّة للمعصومين (عليهم السلام);

ص:106


1- (1) كتاب النكاح للسيّد الخوئي (قدس سره): 445:1-452..

لأنّ الله (سبحانه وتعالى) لمّا جعلهم واسطة فيضه، وأعطاهم الولاية على عالم الوجود من أصغر ذرّة فيه إلى أكبر مجرّة، أصبحت لهم (عليهم السلام) القدرة على إغاثة جميع الخلق، وقضاء حوائجهم، وقد أرشدت النصوص الشريفة إلى هذه الحقيقة.

ومنه - ا: ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيانه لكيفيّة صلاة الاستغاثة بالصدّيقة الزهراء (عليها السلام) حيث قال فيها:

«ثمّ اسجد وقل مائة مرّة: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني»(1).

وكذا ما ورد عنه (عليه السلام) حينما قال له أحد أصحابه: إنّي اخترعت دعاء، حيث أجابه (عليه السلام): دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)... إلى أن

قال (عليه السلام):

ثمّ خذ لحيتك بيدك اليسرى وابكِ أو تباكى، وقل: يا محمّد، يا رسول الله، أشكو إلى الله وإليك حاجتي»(2).

والروايات في هذا المعنى كثيرة جدّاً.

195 - ورد في صلاة الاستغاثة بالسيّدة الزهراء أن يسجد المرء ويقول:

«يا فاطمة، أغيثيني» مائة مرّة، ولقد أخذ النواصب بالتشنيع علينا باتّهامنا أنّنا نسجد للسيّدة الزهراء أو للأئمّة (عليهم السلام)، فما هو الردّ؟

باسمه جلت أسماؤه: السجدة إنّما تكون لله (جلّ جلاله)، والاستغاثة بالسيّدة الزهراء (عليها السلام) لأجل كونها كسائر المعصومين لهم ولاية تكوينيّة، والمراد بها كون زمام العالم بأيديهم، ولهم السلطة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيهاكيف شاؤوا إعداماً وإيجاداً بإذن الله، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم لابنحو الاستقلال بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدرهم وملّكهم كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ومن جملتها قضاء حاجة المؤمن

ص:107


1- (1) مستدرك الوسائل: الباب 22 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الحديث 3.
2- (2) وسائل الشيعة: الباب 20 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الحديث 5..

وإعانة المحتاجين مثلا، ومتى ما سلب عنهم القدرة أو لم يفضها عليهم انعدمت قدرتهم وسلطنتهم.

196 - نقرأ في دعاء الجوشن الكبير:

«الْغَوْثَ الْغَوْثَ، خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبّ»،

ونقرأ في صلاة الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام): «يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني»، أفلايعدّ هذا شركاً صريحاً؟

باسمه جلت أسماؤه: لاتنافي بين الخطابين، فالأوّل طلب من الله تعالى لأنّه المغيث بالذات والاستقلال، والثاني طلبٌ من الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) بما هي بابٌ من أبواب الله تعالى، ووسيلةٌ من وسائل القرب إليه، لابما هي مؤثّرة ذاتاً واستقلالا، فلا شرك في ذلك.

197 - ما هو مصحف فاطمة (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: سئل المعصوم (عليه السلام) عن مصحف السيّدة الزهراء (علیه السلام)، فقال (عليه السلام): «إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان عليّ (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام)».

وفي خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مصحف فاطمة (عليها السلام) فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، وليس فيه من حلال ولاحرام، ولكن فيه علم ما يكون»، والآن هذا المصحف عند إمام العصر.

198 - ما رأيكم بمقولة مَن يقول بأنّ الزهراء (عليها السلام) «كانت أوّل مؤلّفة وكاتبة في الإسلام»

في إشارة منه إلى مصحف فاطمة (عليها السلام)، ثمّ أضاف يقول: «كلمة المصحف يراد منها ما يكون مؤلّفاً من صحف يعني من أوراق، كانت تكتب فيه ما تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحكام شرعيّة ومن وصايا ومواعظ ونصائح، وهذا الكتاب ليس

ص:108

موجوداً عندنا، بل كان موجوداً عند أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)»؟

باسمه جلت أسماؤه: المصحف المشار إليه ليس من إملاء الإمام (عليه السلام)، ولاممّا سمعته من النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بل كان وحياً من الله تعالى على السيّدة الزهراء، وإنّما الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان كاتباً لما كان يوحى إليها، ومصحفها الآن عند الإمام بقيّة الله في الأرضين (أرواحنا فداه)، فالكلام المنقول في السؤال مجانب للصواب تماماً.

199 - ما هو مصحف فاطمة (عليها السلام)؟ وهل كان وحياً؟

باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار الدالّة على أنّ الزهراء مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيّاماً، وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، وبما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) يكتب ذلك، فكان من ذلك ما يُعبّر عنه بمصحف فاطمة (عليها السلام)، وفي بعض الأخبار: «أما أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون»، وقد انتقل هذا المصحف الشريف من معصوم إلى معصوم، حتّى وصل إلى يد الحجّة (عج) (عج) المنتظر، ولازال في حوزته المباركة.

ولاحزازة في التعبير عن إخبار جبرئيل (عليه السلام) للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بالوحي، ولكنّه ليس وحي تشريع; لانقطاعه بموت رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وإنّما هو وحي بالمعنى اللغوي ليس إلاّ، نظير قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ(1)

200 - لقد سمّى الله تعالى مريم بنت عمران سيّدة نساء العالمين، والآية الكريمة

صريحة بذلك، فكيف نقول نحن بأنّ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيّدة نساء العالمين؟ أليس هذا مخالف لصريح القرآن؟ وقد نستدلّ ببعض الأحاديث في ذلك،

ص:109


1- (1) القصص 7:28..

ومنها معنى قول الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّ مريم سيّدة نساء عالمها، ولكن أليس هذا مخالف لصريح القرآن أيضاً؟ ثمّ ما هي درجة تلك الأحاديث؟

باسمه جلت أسماؤه: غايةُ ما يفيده قوله تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(1) دلالته على تفضيل السيّدة مريم) عليها السلام (على بقيّة نساء العالمين بالعموم، والنظريّة الصحيحة في علم الاُصول أنّ العموم القرآني قابل للتخصيص بخبر الواحد، وما دام قد وصلتنا عدّة من أخبار الآحاد المعتبرة الدالّة على تفضيل السيّدة الزهراء) عليها السلام (على السيّدة مريم) عليها السلام (، بل على كلّ نساء العالم، فإنّها تكون مخصّصة للعموم القرآني، وليست مخالفة له كما هو واضح.

201 - يقول البعض بأنّ الصدّيقة العظمى فاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تكن سيّدة نساء

العالمين; لاختصاص هذه الفضيلة بالسيدّة مريم (عليها السلام) لقوله تعالى: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، ويقول بأنّ الرويات الدالّة على أفضليّة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) لاتقاوم هذه الآية المباركة، فهل هذا القول صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: ليست النسبة بين الرواية والآية في مثل المقام هي نسبة التعارض، وإنّما هي نسبة المفسّر - بالكسر - والمفسّر - بالفتح - وفي مثله يُقدّم النصّ المفسِّر على النصّ المفسَّر لكونه أجلى منه وأكثر وضوحاً.

وبما أنّ الآية - مع غضّ النظر عن الرواية - تحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المقصود منها نساء العالمين في زمانها، والثاني أن يكون المقصود نساء العالمينمن الأوّلين والآخرين، بمقتضى دلالة العموم.

وحينئذ فعندما تأتي الرواية عن الإمام المعصوم (عليه السلام) لتبيّن لنا المعنى المقصود من الآية، وتحدّده في المعنى الأوّل المحتمل لها، وتبيّن لنا أنّ الزهراء (عليها السلام) بَضعة

ص:110


1- (1) آل عمران 42:3..

الرسول المصطفى، التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، هي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، فلا يبقى مجال لترجيح المعنى الثاني المحتمل للآية المباركة، وتقديمه على الروايات والنصوص المفسِّرة.

وعلى فرض ترجيحه، فإنّ أقصاه إفادة العموم، وهو قابلٌ للتخصيص بخبر الواحد المعتبر.

202 - شكّك أحدهم بالروايات الواردة في كون نور فاطمة (عليها السلام) قد خلقه الله تعالى قبل أن يخلق الأرض والسماء، فما رأيكم بذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: بحسب ما تتبّعناه فإنّ هنالك عدّة من الروايات المعتبرة الدالّة على ذلك، والمشكّك إن راجع الروايات وبقي على حاله من الشكّ، فأقول له: لك دينك ولي دينِ، ولكن إن شكّك في ذلك من دون أن يراجع الأخبار والروايات فليعرض نفسه على عالم ديني وطبيب حاذق ليعالجه، فإنّه مريض قطعاً.

203 - ما رأيكم فيمن يقول عن الزهراء (عليها السلام) وطبيعة ذاتها الشريفة،

وكذا عنالسيّدة زينب وخديجة الكبرى ومريم وامرأة فرعون (عليهم السلام) ما هذا نصّه: «وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيّات غير العادية في شخصيّات هؤلاء النساء، فإنّنا لانجد خصوصيّة إلاّ الظروف الطبيعيّة التي كفلت لهنّ إمكانات النموّ الروحي والعقلي والالتزام العملي، بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصيّة بشكل طبيعي في مسألة النموّ الذاتي... ولانستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميّزة تخرجهنّ عن مستوى المرأة العادي; لأنّ ذلك لايخضع لأيّ إثبات قطعي»؟

باسمه جلت أسماؤه: لاتقاس امّ الأئمّة (عليها السلام) بسائر النساء، وهي التي كان منشأ تكوّنها ما كان، حيث وُجه الأمر للنبيّ المعصوم (صلى الله عليه وآله) بالرياضة الروحيّة

ص:111

أربعين يوماً، ثمّ جيء له من الجنّة بفاكهة يأكلّها، وانعقدت منها نطفة الزهراء، وصارت تتكلّم مع امّها وهي في بطنها، وبعد أن ولدت إلى أن صارت زوجة كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقبل يدها ويخاطبها باُم أبيها، وهي التي كان جبرئيل يوحي إليها.

فإنّ مثل هذه بلا كلام لها خصوصيّات ممتازة عن غيرها، وأمّا غيرها من النساء فقد وصلن إلى المقامات العالية بحسب أعمالهن.

نعم، في خصوص السيّدة زينب (عليها السلام) يقول العلاّمة المامقاني (قدس سره) - ونِعم ما قال -: «لاأقدر أن أقول هي معصومة، ولاأقدر أن أنفي العصمة عنها».

204 - ما هو وجه الصلة بين ليلة القدر والصدّيقة الزهراء (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشانى (قدس سره) في ذيل الآيات الاُولى من سورة الدخان: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا

كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم (1) عن الإمام الكاظم) عليه السلام (أنّه سأله نصرانيّ عن تفسير هذه الآية في الباطن، فقال باختصار منّا:» أمّا حم، فهو محمّد) صلى الله عليه وآله (، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليّ) عليه السلام (، وأمّا الليلة ففاطمة) عليها السلام (، وأمّا قوله:

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم يقول: يخرج منها خير كثير... إلى أن قال: ولكنّ الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله»، والذي يظهر من هذه الرواية أنّ وجه الصلة هو ظرفيّة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) للخير الكثير الذي ينبسط على الخلق، كليلة القدر.

205 - روى السيوطي في مسند فاطمة (عليها السلام):

عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت:

«مرّ بي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مضطجعة متصبّحة، فحرّكني برجله، وقال: يا بنيّة، قومي فاشهدي رزق ربّك، ولا تكوني من الغافلين، فإنّ الله يقسّم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»، هل هذه الرواية صحيحة بحسب رأيكم الشريف؟

ص:112


1- (1) الدخان 1:44-4..

باسمه جلت أسماؤه: ما ينفرد بروايته أبناء العامّة، بحيث أنّه لايُروى إلاّ من طرقهم لايمكن التعويل عليه لأسباب مذكورة في محلّها، والرواية المذكورة من تلك الروايات، هذا بالإضافة إلى عدم استقامة دلالة الرواية المذكورة، حيث يستفاد منها ارتكاب الصدّيقة الطاهرة للمكروه، وهو النوم بين الطلوعين من دون عذر، كما يدلّ عليه توبيخه (صلى الله عليه وآله) لها، وهي المعصومة بلا إشكال، وعصمتها مانعة عن ارتكاب ذلك، كما أنّ الرواية تحدّثت عن إيقاظ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لها عن طريق رجله، وهذا ما لايمكن صدوره ممّن له أدنى مستوى أخلاقي، فكيف يُعقل صدوره من مجلى الخُلُق الإل - هي (صلى الله عليه وآله)؟!!

206 - ما هو حكم مَن أنكر عصمة الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام)، أو صفة البتول لها (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: إن كان منكر العصمة وصفة البتول للسيّدة المعظّمة الزهراء (عليها السلام) من المطّلعين على المدارك الشرعيّة، ولايحتمل في حقّه الشبهة، فلاأحكم بكونه مؤمناً; لأنّ الصفتين المذكورتين بعد مراجعة المدارك والأدلّة من الواضحات التي لاسبيل لإنكارها.

207 - هل سيرى أهل الجنّة من المؤمنين السيّدة الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام)

وابنتها السيّدة زينب (عليها السلام)؟ وهل الذين رأوا السيّدة في المنام نظروا إلى وجهها الشريف؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الواردة في السيّدة الزهراء (عليها السلام) تقول: إنّها حينما تمرّ بين الناس يوم القيامة يصدر الأمر الإل - هي بغضّ البصر، وإذا كنّامن أهل الجنّة فسوف تظهر لنا حقيقة الأمر آنذاك بالنسبة للسيّدتين الطاهرتين (عليهما السلام)، كما أنّ المستفاد من بعض الأخبار عدم إمكان النظر إلى وجهيهما الشريفين في عالم الرؤيا، ومَن ادّعى ذلك فهو متوهّم.

ص:113

208 - هل يجوز الائتمام بفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) في الصلاة;

لقول الإمام الصادق (عليه السلام): «نحن حجج الله عليكم، وجدّتنا فاطمة الزهراء حجّة الله علينا»؟

باسمه جلت أسماؤه: الصدّيقة الطاهرة (عليها أفضل الصلوات والتحيّات) ليست بشراً عادياً، بل هي الإنسيّة الحوراء، وقد خُلقَ نورها من نور الله تعالى قبل خلق العالم، وهي أوّل مَن يدخل الجنّة، وبعد دخولها يدخل الأنبياء والأوصياء، ويتقدّمهم سيّد الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله)، وكلّهم بعد ذلك يدخلون ويسلّمون عليها، ثمّ يستقرّون في ما هيّأه الله تعالى لهم، وبعد ذلك كلّه يظهر أنّ السؤالعن جواز الاقتداء بها لاينبغي خطوره في ذهن المؤمن.

209 - هل الزهراء (عليها السلام) أفضل أم أبناوها المعصومون (عليهم السلام)؟ وما الدليل على ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «نحن حجج الله تعالى على الخلق، واُمّنا فاطمة (صلوات الله عليها) حجّة علينا»، وقد دلّت الأخبار الموثّقة على أنّ أوّل مَن يدخل الجنة - حتّى قبل أفضل الأنبياء (عليهم السلام) - هي الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام)، ثمّ بعد دخولها يدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبعده الأنبياء (عليهم السلام).

210 - ما علّة تسمية الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعصمة الله الكبرى؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يرد التعبير المذكور في شيء من النصوص الدينيّة، ولكنّه تعبير صحيح لاإشكال فيه; إذ لاريب في أنّ السيّدة الصدّيقة (أرواحنا فداها) هي مجلى العصمة الإل - هيّة الكبرى.

ص:114

خصوصيّات الإمام الحسين (عليه السلام)

211 - ما العلاقة بين سورة المدّثّر وواقعة الطفّ؟

باسمه جلت أسماؤه: لعلّ مراد السائل سورة الفجر وليس سورة المدّثّر، فإنّها هي التي ورد فيها عن الإمام الصادق (عليه السلام):

«اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنّها سورة الحسين بن عليّ (عليه السلام)».

وسرّ العلاقة بين السورة والإمام الحسين (عليه السلام) قد أشارت إليه رواية اخرى، جاء فيها أنّ أبا اسامة سأل الإمام الصادق (عليه السلام): كيف صارت هذه السورة للحسين خاصّة؟ * فقال: ألا تسمع قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي(1) إنّما يعني الحسين بن عليّ) عليهما السلام (فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة «.

وأمّا لماذا عبّر عن سيّد الشهداء (عليه السلام) بالنفس المطمئنة فلذلك نكات وأسرار لايسع المجال لذكرها.

212 - جميع الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) تعدّدت أدوارهم واتّحدت أهدافهم، فأيّ أدوارهم كان الأصعب؟

وإن كانت جميعها متساوية، فلِم اعطيَ الحسين (عليه السلام) كرامات لم تمنح لغيره من ولده؟

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ دور الإمام الحسين (عليه السلام) كان الدور الأصعب، والمصائب التي توجّهت إليه ولأهل بيته تفوق بمراتب المصائب التي جرت على أبنائه الأطهار (عليهم السلام); ولذلك خُصّ بمزايا لم تُجعل لغيره، وهذاما أشارت إليه الرواية المشهورة عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ الله عوّض الحسين (عليه السلام) عن قتله، أنّ الإمامة في ذرّيّته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولاتعدّ

ص:115


1- (1) الفجر 27:89-30.

أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره».

213 - أيّهما أفضل الإمام الحسن أم الإمام الحسين (عليهما السلام)؟

أم هما متساويان في

الفضل؟ فلقد قرأت لأحد العلماء قوله بتفضيل الإمام الحسن على أخيه الإمام الحسين لعدّة أدلّة منها: رواية الصدوق عن هشام بن سالم، في كمال الدين(1) ، قال: «قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟

فقال: الحسن أفضل من الحسين».

ومنه - ا: أنّ الإمام الحسن كان إماماً للحسين، منضمّاً لوجوب كون الإمام أفضل أهل زمانه، ولايجوز أن يكون مساوياً له أيضاً; لقبح الترجيح من دون مرجّح، فما هو رأيكم؟

باسمه جلت أسماؤه: من الخطأ منهجيّاً قياس الإمام الحسين (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام) في زمان إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)، بل الصحيح - لمن أراد المقايسة - مقايسة الإمامين في زمان إمامة كلّ منهما، ونتيجة هذه المقايسة أنّهما إمامانقاما أو قعدا، ولافضل لأحدهما على الآخر، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وإن كانت هي سبب بقاء الإسلام، إلاّ أنّها لم تكن لولا صلح الإمام الحسن (عليه السلام).

214 - ما رأيكم (أدام الله ظلّكم) في المقوله التالية:

«إنّ العمل الذي قام به الإمام

الحسين (عليه السلام) في كربلاء أفضل من العمل الذي قام به الرسول (صلى الله عليه وآله) على مدى ثلاثة وعشرين عاماً»؟

باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاإشكال ولاكلام فيه أنّ قيام الإمام الحسين (عليه السلام) كان سبباً لبقاء الإسلام، وله من الفضائل والمآثر ما يعجز القلم واللسان عن بيانه، إلاّ أنّ تفضيل عمله (عليه السلام) على عمل جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) ممّا نقطع بأنّ نفس الإمام (عليه السلام) لايرضى به، فالإغماض عن الكلام في ذلك متعيّن.

ص:116


1- (1) كمال الدين: 416..

الفصل الرابع: أسئلة وأجوبة حول تأريخ الأنبياء والأئمّة:

اشارة

ص:117

ص:118

تاريخ الأنبياء والرسل (عليهم السلام)

215 - متى أمر الله تعالى يوسف (عليه السلام) بالجهر برسالته؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يكن يوسف (عليه السلام) صاحب رسالة جديدة، بل كان على شريعة موسى (عليه السلام).

216 - هل كان أبو النبيّ إبراهيم (عليه السلام) كافراً؟

باسمه جلت أسماؤه: النبيّ إبراهيم (عليه السلام) دينه دين التوحيد، وهو أبو الأنبياء (عليهم السلام)، وإليه تنتهي أنسابهم، ولايتصوّر عدم كون أبيه موحّداً، وما في القرآن من نسبة الشرك إلى أبيه، إنّما يُراد به عمّه لاوالده الصلبي، كما هو المشهوربين الشيعة والعامّة.

217 - هل كان طالوت إماماً؟ وهل كانت معجزته لإثبات إمامته هي التابوت؟

باسمه جلت أسماؤه: طالوت لم يكن نبيّاً ولاإماماً، بل كان مَلِكاً من ولد بنيامين بن يعقوب، اختاره الله تعالى للملك، كما تحدّث عن ذلك القرآن الكريم: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ(1) ، وعليه فالتابوت معجزة ملكه الخاصّ، وليس معجزة إمامته.

218 - لماذا قوم يونس (عليه السلام) عندما رأوا العذاب استغفروا الله فغفر لهم، بينما عندما رأى فرعون العذاب استغفر الله فلم يغفر له، رغم اشتراكهما في الكفر والتوبة؟

ص:119


1- (1) البقرة 248:2..

باسمه جلت أسماؤه: الفرق أنّ قوم يونس (عليه السلام) استغفروا ربّهم قبل أن يشرع العذاب بحقهم; إذ أنّهم رأوا بعض العلامات التي كان قد أخبرهم عنها نبيّ الله يونس (عليه السلام)، فاستغفروا ربّهم صادقين في توبتهم، فاستجاب لهم، ورفع عنهم العذاب، أمّا فرعون فإنّ إظهاره الإيمان لم يكن إلاّ بعد شروع

العذاب، أضف إليه أنّه لم يتوجّه إلى الله تعالى بالتوبة، وإنّما قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِل - هَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ(1) من غير أن يعلن توبته ورجوعه إلى الله تعالى.

219 - هناك حرص في النصوص الدينيّة على توجيه الناس إلى حسن اختيارالزوجة المؤمنة الصالحة، كما يرشد لذلك قول النبيّ (صلى الله عليه وآله)

:

«تَخَيّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّالْعِرْقَ دَسّاسٌ»، ومع ذلك نجد أنّ هناك من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) وكذلك الأنبياء السابقين (عليهم السلام) وبعض زوجات الأئمّة (عليهم السلام) مَن لايتّصفن بتلك الصفات، حتّى أنّ بعضهم (عليهم السلام) قد قُتلوا على يد زوجاتهم مسمومين، فكيف يمكن توجيه ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: توجيه الناس لاختيار الزوجة الصالحة إنّما ركّزت عليه الروايات إرشاداً لما له من أثر تربوي ووراثي على المولود، وهذا غير حاصل في بعض زوجات الأنبياء (عليهم السلام) والأئمّة (عليهم السلام); إذ لم يُعرف نسل لأحد الأنبياءأو الأئمّة (عليهم السلام) من إحدى تلكم الزوجات، هذا مضافاً إلى أنّ تلك الزيجات إنّما هي لبعض الحِكم والأسرار المرتبطة في الغالب بدفع بعض الشرور والمكائد عن الرسالة والدين.

220 - هل كلّ المسيحيّين بطوائفهم في العالم يؤمنون أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) قد مات مصلوباً؟

ومَن هو الذي صلب السيّد المسيح (عليه السلام) كما يعتقده المسيحيّون، هل هم اليهود أم الوثنيّون الرومان، أم غيرهم؟

*

باسمه جلت أسماؤه: مسألة صلب عيسى (عليه السلام) يبدو أنّها مورد اتّفاق

ص:120


1- (1) يونس 90:10..

عند المسيحيّين، وما هو مورد اختلافهم إنّما هو عقيدتهم في المسيح; إذ ترى مجموعة قليلة منهم أنّه نبيّ وليس ابن الله (سبحانه وتعالى)، وهم يعتقدون أنّ الذي قام بتنفيذ حكم الصلب على المسيح هي السلطات الرومانيّة تحت إمرة الوالي بيلاطس البنطي، الذي فعل ذلك إرضاءً للمجمع الأعلى اليهودي الذي اعتبر أنّ المسيح ادّعى أنّه ابن الله تعالى.

221 - هل صحيح أنّ اليهود لم يقوموا بمحاولة قتل سيّدنا عيسى بن مريم (عليه السلام)،

بل مَن قام بهذه العملية هم الرومان، باعتبارهم هم أصحاب القرار والتنفيذ في ذلك الوقت، وهل يوجد دليل إسلامي في القران والسنّة والتأريخ يؤيّد تلك الحادثة؟

باسمه جلت أسماؤه: قال القرآن الكريم ناسباً إلى أهل الكتاب: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبِّهَ(1) ، وقد جاء في بعض الروايات الشريفة عن الإمام الصادق) عليه السلام (تفسيرأهل الكتاب هنا باليهود والنصارى.

222 - قد اتّفقت جميع المذاهب الإسلاميّة على بقاء الخضر حيّاً، فما هو وجه الحكمة من بقائه كلّ هذا الزمن الطويل؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إن كان السؤال عن علّة بقائه (عليه السلام) كلّ هذا الزمن الطويل، فهي محجوبة عنّا، وإن كان السؤال عن حكمة بقائه، فلاريب أنّ أحد وجوه الحكمة لبقائه هو دفع استبعاد المخالفين وجود الإمام المهدي (عج) وطول عمره الشريف.

ص:121


1- (1) النساء 157:4.

تأريخ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

223 - لماذا اعتنق أجداد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) الحنيفيّة، بينما كان يفترض أن يعتنقوا المسيحيّة، على اعتبار أنّ الدين الجديد ينسخ القديم؟

باسمه جلت أسماؤه: أجداد النبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل ظهور الإسلام لاشكّ أنّهم كانوا على الديانة المسيحيّة، وما ورد في بعض الأخبار من أنّهم كانوا على الحنيفيّة فيُراد به السنن غير المنسوخة التي جاء بها نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام).

224 - لمّا ولد النبيّ (صلى الله عليه وآله) رميت الشياطين بالشهب، وحجبت عن السماء بعد أن كانت تسترق منها الأخبار، فهل ذلك مستمرّ إلى يومنا هذا؟

باسمه جلت أسماؤه: أقصى ما يُستفاد من الروايات: أنّ الشياطينليلةَ ميلاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد حُجبت عن السماوات السبع كلّها، عن طريق رميها بالشهب، وسيستمرّ حجبها إلى يوم القيامة كرامةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن لم يظهرمن الأخبار أنّ استمرار هذا الحجب هل هو بسبب استمرار الرمي بالشهب، أم بسبب آخر.

225 - أودّ أن أعرف التواريخ الحقيقيّة لجميع المناسبات الدينية، سواء كانت مواليد المعصومين (عليهم السلام) أم وفياتهم؟

باسمه جلت أسماؤه: التواريخ الحقيقيّة لمناسبات المعصومين (عليهم السلام) لايعلم بشكل قطعي إلاّ ببعضها، كيوم شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأمّا أغلبهافهو محلّ اختلاف المؤرّخين، إلاّ أنّه ينبغي إحياء المناسبات المذكورة وتعظيمها طبقاً لما عليه عموم الشيعة.

226 - هل للرسول (صلى الله عليه وآله) بنات غير الزهراء (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: بعد المراجعة والتحقيق حصل لي الاطمئنان

ص:122

بصحّة ما أفاده جمع من الأكابر، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى (قدس سرهما): من أنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) لم تتزوّج قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ عمرها حين زواجها بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يتجاوز العشرين، وأنّ البنات اللاتي تنسب إليها هنّ بنات اختها، والتفصيل لايسعه المجال.

227 - هل كانت عائشة بِكراً عندما تزوّجها الرسول (صلى الله عليه وآله)، سيّما بملاحظة قوله (تبارك وتعالى): عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحات ثَيِّبَات وَأَبْكَاراً ؟

(1)

وكيف تكونعائشة ثيّباً، والمشهور أنّ الرسول) صلى الله عليه وآله (تزوّجها وهي ابنة تسع سنوات؟ أم أنّ هذا غير صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: المشهور والمعروف من الروايات الصحيحة أنّ عائشة كانت باكراً، وكان عمرها تسع سنوات.

228 - سمعت أحد الأشخاص يقول: إنّ عائشة لم تكن امرأة عفيفة، وأنّ الرسول الأكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله) لم يواقعها أبداً، فما مدى صحّة كلامه؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إنّ رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) أجلّ وأطهر من أن يقترن بامرأة عاهر والعياذ بالله تعالى، فالمقالة المذكورة عارية عن الصحّة بتاتاً.

229 - هل صحيح أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قُتل مسموماً؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي عليه التحقيق: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قُبض بالمدينة مسموماً يوم الإثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر، سنة عشرة من الهجرة، وله ثلاث وستّون سنة، وقد دلّت على ذلك عدّة من الأخبار الخاصّة، مضافاً للعموم الوارد بسند معتبر

:«ما مِنّا إلاّ مَقْتولٌ أَوْ مَسْمومٌ»(2).

ص:123


1- (1) التحريم 5:66.
2- (2) كفاية الأثر: 227. عن الإمام الصادق (عليه السلام): أنّه قال: «ما مِنّا إِلاّ مَقْتولٌ أَوْ شَهيدٌ».» «الفصول المهمّة: 278، ولكن الموجود في بحار الأنوار: 209:27، بحذف «أو»، وهو المناسب..
230 - مَن الذي سمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟

باسمه جلت أسماؤه: القدر المتيقّن الذي لاريب فيه: أنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد استشهد مسموماً، وأمّا كيفيّة شهادته (صلى الله عليه وآله) فلا سبيل للقطع بخصوصيّاتها، إذ أنّ بعض المرويّات تشير إلى موته متأثّراً بسمّ اليهوديّة يوم خيبر، بينما بعضها الآخر يشير إلى أنّه (صلى الله عليه وآله) قد سُقي السمّ في أيّام مرضه الأخير،

وهذه أيضاً تختلف في نوع السمّ الذي سُقي منه (صلى الله عليه وآله). ولايخفى أنّ هذه الروايات جميعاً وإن كان لاتعارض بينها، لكونها من قبيل المثبتات، وبالتالي فمن المحتمل جدّاً تأثير جميع هذه الأسباب في شهادته مسموماً (صلى الله عليه وآله)، إلاّ أنّه لاسبيل للقطع بشيء من ذلك.

231 - ورد أنّ الزهراء (عليها السلام) عند رحيل النبيّ (صلى الله عليه وآله) قالت:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغمامُ بِوَجْهِهِ ثمال الْيَتامى عِصْمَةٌ لِلأَرامِلِ

فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة فلماذا نهاها الرسول (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، وهي المعصومة التي لاتتفوّه بكلمة في غير محلّها؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ النهي المذكور من النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما صدر منه إشفاقاً على ابنته الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، نظراً لما تتضمّنه الأبيات المذكورة من الإثارة في تلك اللحظات; ولذا بعد أن نهاها عن ذلك قال لها: «وَلكِنْ قولي: وَمَا مُحمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ(1)، وكأنّه أراد بذلك تسليتها والتخفيف عليها.

ص:124


1- (1) آل عمران 144:3..

تأريخ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

232 - ما هو سرّ ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) داخلَ الكعبة المشرّفة؟

باسمه جلت أسماؤه: قال الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد: «ولم يولد قبله ولابعده مولود في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله جلّ اسمه له بذلك، وإجلالا لمحلّه في التعظيم».

233 - هل السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلى مرتبة ومقاماً أم السيّدة مريم بنت عمران (عليها السلام) والدة النبيّ عيسى (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم السيّدة فاطمة (عليها السلام) أعلى مرتبة من السيّدة مريم (عليها السلام)، فإنّ السيّدة مريم (عليها السلام) قد امرت بالخروج عن محلّ العبادة حين الولادة; لئلا تبقى فيه وهي نفساء، والسيّدة فاطمة مُنعت تكويناً لمدّة ثلاثة أيّام من الخروج من الكعبة المشرّفة، علماً أنّ الكعبة أعلى شأناً من موضع عبادة السيّدة مريم (عليها السلام).

234 - هل تستطيعون أن تذكروا لنا النسب الطاهر لاُمّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، ونبذة عن حياتها الشريفة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: هي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن كعب بن فهر بن مالك بن النضر بن مدركة بن الياس بن مضر بن معدن بن عدنان. وهي أوّل هاشميّة تزوّجها هاشمي، واُمّ سائر ولد أبي طالب، وكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الاُمّ، حيث رُبّي في حجرها، وكان يسمّيها امّي، وكانت تفضّله على أولادها في البرّ، وقد روى الحاكم في المستدرك: أنّها كانت بمحلّ عظيم من الإيمان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث سبقت إلى الإسلام، وهاجرت إلى المدينة، كما روى عن سعيد بن المسيب، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:

«لمّا ماتت فاطمة

ص:125

بنت أسد كفّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قميصه، وصلّى عليها، وكبّر عليها سبعين تكبيرة».

235 - ورد على لسان إمامنا السجّاد (عليه السلام) حول إيمان أبي طالب (عليه السلام) ما مضمونه:

إن الله نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتّى مات، وأورد بعضهم على استدلال الإمام (عليه السلام): أنّ الآية التي نهت عن ذلك آية مدنيّة من سورة الممتحنة، وعلى أقلّ تقدير فإنّها قد نزلت بعد صلح الحديبية، أي أنّها متأخّرة عن موت أبي طالب (عليه السلام) بسنين مديدة، فكيف نجيب عن إيراده؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الإيراد فاسد من أساسه; لأنّ استدلال الإمام (عليه السلام) ليس مبنيّاً على وجود آية النهي عن إقرار بقاء المسلمة تحت الكافر في القرآن الكريم، بل مبنيّ على نهي الله تعالى لنبيّه أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وليسمن اللازم أن يكون هذا النهي قرآنياً، فإنّ كثيراً من الأحكام التشريعيّة قد نزلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولم تنزل في القرآن الكريم، أو نزلت في القرآن أيضاً، ولكنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان قد بلغها بعد نزولها عليه (صلى الله عليه وآله) وقبل نزولها في القرآن. وعلى فرض عدم تماميّة ما ذكرناه، فإنّ الأدلّة على إيمان سيّدنا أبي طالب (عليه السلام) في غاية الكثرة، وعدم تماميّة واحد منها لايضرّ ببقيّتها.

236 - كيف تصرّف الإمام عليّ (عليه السلام) مع فدك أثناء فترة خلافته؟

باسمه جلت أسماؤه: استظهر البعض من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، عندما قال:

«بَلى كانَتْ في أَيْدينا فَدَك» أنّ أرض فدك في زمن خلافته (عليه السلام) كانت بيده، ولكنّه استظهار بعيد جدّاً، سيّما وأنّ هذا النصّ صادر منه في زمن خلافته بصيغة الماضي، ممّا يعني كونه يتحدّث فيه عن فترة سابقة على فترة خلافته، وكيف كان فإنّ الشواهد التاريخيّة على كيفيّة تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أرض فدك في زمن خلافته غير متوفّرة لدينا، فلم يعلم أنّه استردّها، وكان

ص:126

يخصّ ورثة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بحاصلاتها، أم أنّه تركها كما هي بحكم الظروف المحيطة به.

237 - لماذا ولّى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) زياد ابن أبيه (لعنه الله)؟

ولماذا أمّرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرو بن العاص على رأس سريّة، وهما مَن هما في سوء نسبهما وفسادهما؟ هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى فإنّ من مهام الوالي وقائد السريّة - في عرف ذلك الزمان - إمامة الصلاة، وكلاهما كانا أبناء زنا، فكيف صحّت التولية والتأمير، مع أنّه قد ثبت لدينا بالدليل أن ابن الزنا لاتصحّ إمامته؟ فهل يكفي الاستلحاق فقط؟ أم لذلك توجيه آخر؟

*

باسمه جلت أسماؤه: إنّ عمل الإمام (عليه السلام) كعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما هو عمل بالظواهر، طبقاً لقاعدة (الولد للفراش) المصحّحة للنسب ظاهراً لاواقعاً، وأمّا التولية والتأمير لبعض المعروفين بالفساد فهو راجع لبعض المصالح الراجحة التي يلحظها المعصوم (عليه السلام)، وليس لأجل صلاح الاُمراء أو الولاة أنفسهم، وقضيّةُ جيش اسامة خير شاهد على ذلك. وأمّا بالنسبة لإمامتهما الجماعة: فمن الواضح أنّ إحراز شرائط إمام الجماعة وظيفة مَن يريد الصلاة، وليس وظيفة مَن قام بتنصيبهما للإمرة أو الولاية على فرض ملازمة ذلك خارجاً لإمامة الصلاة، وهو أمر لاسبيل لإثباته.

238 - هل للإمام عليّ (عليه السلام) بنات من غير الزهراء؟ ومَن هنَّ؟ ومن امّهاتهن؟

باسمه جلت أسماؤه: له (عليه السلام) من البنات: رقيّة، واُمّها امّ حبيب بنت ربيعة التغلبيّة، واُمّ الحسن ورملة الكبرى واُمّ كلثوم الصغرى، واُمّهنّ امّ سعد بنت عروة بن مسعود الثقفيّة، وبنت ماتت صغيرة، واُمّها مخباة الكلبيّة، واُمّ هاني وميمونة وزينب الصغرى، واُمهنّ امّ ولد، ورملة الصغرى ورقيّة الصغرى وفاطمة

ص:127

واُمامة وخديجة واُمّ الكرام وجمانة المكنّاة امّ جعفر ونفيسة، لاُمّهات شتّى.

239 - هنالك أمر يراودني دائماً في كلّ لحظة وفى كلّ زمان، وهو ما لاأستطيع تحمّله، سيّما وأنا أسمع وأقرأ عن غيرة أهل البيت (عليهم السلام)

في الكثير من مواقفهم، والتي منها موقف أبي الشهداء (روحي له الفداء) عند مصرع ولده الأكبر (روحي له الفداء) وتركه على رمضاء كربلاء، وذهابه إلى اخته العقيلة زينب (روحي لها الفداء) خوفاً على خدرها، فيرد في ذهني هذا السؤال وهو: عندما هجم الطغاة على سيّدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (روحي وأرواح العالمين لها الفداء) أين كان أمير المؤمنين (روحي له الفداء) أثناء هذا الفعل البغيض؟ وكيف كان موقفه، وما أدلّتنا حولهذا الموقف؟!

باسمه جلت أسماؤه: لايخفى - أوّلا - أنّنا باعتبارنا أتباع أهل البيت (عليهم السلام) مأمورون بالتسليم لما صدر عنهم، وإن لم يتّضح لنا كنه الأمر، فلربّما يكون هناك سرّ لم نطّلع عليه أو لم نتمكّن من استيعابه،

لما ورد عنهم:

«إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَيَحْتَمِلُهُ إِلاّ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أَوْ نَبيٌّ مُرْسَلٌ، أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ بِالاْيمانِ»(1).

وأمّا موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تلك القضيّة فنقول: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو سيّد كلّ غيور، ولكن إذا اقتضى الأمر وتوقّف بقاء الدين على أن يصبر على كلّ ما يرى من مكروه فعل به وبأهل بيته (عليهم السلام)، وبالأخصّ إذا كان ذلك بإخبار مسبقمن أخيه (صلى الله عليه وآله) وأمره له بالصبر على ما يرى، فلا بدّ له أن يتحمّل ويصبر. ومع ذلك فقد أبدى غيرته العلويّة، وأوضح للقوم أنّه غير عابئ بهم، لولا الوصيّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث ورد في بعض الأخبار: «فوثب عليّ فأخذ بتلابيب عمر، ثمّ نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به،

ص:128


1- (1) الخصال: 624..

فقال (عليه السلام):

وَالَّذي أَكْرَمَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوّةِ - يابْنَ صِهاك - لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ، وَعَهْده إِلى رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُل بَيْتي»(1).

240 - ما هو الردّ الدامغ على الذي يأخذ على أمير المؤمنين (عليه السلام) جلوسه عن أخذ حقّه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)،

رغم ما تعرّض له من الحوادث العظيمة هو وزوجته الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: لقد أوضحَ أمير المؤمنين (عليه السلام) سرّ جلوسه عن المطالبة بحقّه في عدّة من كلماته، والتي منها قوله (عليه السلام):

«أَما والله لَقَدْ تَقَمَّصَها ابْنُ أَبيقحافَة وَإِنَّهُ لِيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنها مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحا. يَنْحَدرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلتُ دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْها كَشْحاً، وَطَفقْتُ أَرْتئي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْياءَ، يَهْرَمُ فيها الكَبيرُ، وَيَشيبُ فِيها الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيها مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هاتا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وُفي العَيْنِ قَذىً. وَفي الحَلْقِ شَجاً، أَرى تُرَاثي نَهْباً».

وقوله (عليه السلام): «وَواللهِ لاَُسْلِمَنَّ ما سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ; وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خاصَّةً، الِْتماساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ».

241 - لماذا لم يحاكم الإمام عليّ (عليه السلام) قتلة عثمان؟

باسمه جلت أسماؤه: لعلّ السرّ في عدم محاكمته (عليه السلام) لقتلة عثمان يعود لكون الآمرين بالقتل، كالتي قالت: «اقتلوا نعثلا فقد كفر» والجماعة الذين جاؤوا من مصر وغيرها، قد هجموا على البيت هجمة واحدة، فلم يكن تشخيص

ص:129


1- (1) راجع: كتاب سليم بن قيس: 150. بيت الأحزان: 110. وبحار الأنوار: 266:28. تفسير القمّي: 159:2..

القاتل ممكناً حتّى يحاكم.

242 - كم عدد الصحابة الذين شهدوا حادثة الغدير؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة من الفريقين تصرّح بأنّ عدد الصحابة الذين شهدوا حادثة الغدير أكثر من مائة ألف شخص.

243 - أين كان يصلّي أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الجماعة أيّام أبي بكر وعمر وعثمان؟

باسمه جلت أسماؤه: لو ثبت حضوره (عليه السلام) صلاة الجماعة المقامة من قِبل المغتصبين لحقّه (عليه السلام) فهو مجرّد حضور صوري تقتضيه المصلحة العامّة، إن لم يكن مجبوراً عليه.

244 - ما مصادر الرواية التي تفيد أنّ سبب تسمية عثمان ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعثمان إنّما كان محبّة لعثمان بن مظعون (رضوان الله عليه)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: وردَ ذلك في رواية نقلها أبو الفرج الأصفهانيفي كتابه مقاتل الطالبيّين، ونصّ الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام):

«إِنَّما سَمَّيْتُهُ باسْمِ أَخي عُثْمان بْنِ مَظْعُون».

245 - نودّ أن نسأل هل كان أمير المؤمنين وسائر الأئمّة (عليهم السلام) يقتدون في صلاتهم بخلفاء وطواغيت عصرهم، أم لا؟

وهل كان ذلك دائماً أم لا، خصوصاً أنّي قرأت رواية تتحدّث عن محاولة خالد بن الوليد وأبي بكر وعمر اغتيال الأمير (عليه السلام)، وقد فهمت من مضمونها أنّ المولى كان مقتدياً بأبي بكر في صلاته، وفي الوقت نفسه لدينا رواية تقول: إنّ حذيفة لم يكن يصلّي خلف المنافقين، فكيف يمتنع حذيفة عن الصلاة خلف المنافقين وأمير المؤمنين (عليه السلام) لايمتنع؟

باسمه جلت أسماؤه: من جملة التعاليم الشرعيّة ما يُعبر عنه بالتقيّة الخوفيّة، وقد شرّعها الله تعالى لأجل حفظ الدين بحفظ أهله، فسوّغ لهم ارتكاب

ص:130

خلاف ما هم مأمورون به عند توقّف حفظ دمائهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم على ذلك، كما أنّ

من الاُمور الدخيلة في ترويج الدين وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين ما يُعبّر عنه بالتقيّة المداراتيّة، وهي حسن المعاشرة مع العامّة بالصلاة في عشائرهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وما شاكل حفظاً للوحدة الإسلاميّة وتأييد الدين وإعلاءً لكلمة الإسلام والمسلمين في مقابل الكفّار والمشركين. وكلّ ما صدر من بعض المعصومين (عليهم السلام) من التعامل الحسن مع بعض طواغيت زمانهم - على فرض ثبوته - فإنّما هو وليد إحدى التقيّتين، وبما أنّ هذاممّا يختلف باختلاف موقعيّات الأشخاص والظروف المحيطة بهم; لذافقد يتصرّف المعصوم (عليه السلام) تصرّفاً تفرضه التقيّة عليه، بينما غيره لايجوز له أن يتصرّف نفس التصرّف لعدم كونه محكوماً بالتقيّة.

246 - ما هو الدليل النقلي على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد استثنى أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) من جيش اسامة بن زيد؟

باسمه جلت أسماؤه: من المسلّم أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يخرج مع الجيش، ولايخلو حاله من أحد أمرين: فهو إمّا أن يكون الجلوس في حقّه واجباً أو جائزاً، وإمّا حراماً، فإذا كان الأوّل فهذا هو المطلوب، وإن كان الثاني لم يصحّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه بأنّه مع الحقّ والحقّ معه، وأنّه مع القرآن والقرآن معه.

أضف إلى ذلك أنّه لم يؤثر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه طرده ولم يقبل جلوسه معه عند احتضاره، كما صنع ذلك مع بعض المتخلّفين، مع أنّه لاخلاف في حضوره عنده، كما أنّه لم يقل أحد من المسلمين إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مات وهو غير راض عنه، بينما قيل ذلك في حقّ غيره.

247 - ما رأيكم في رواية رجوع الشمس لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: الحادثة من المسلّمات، ولا يشكّك فيها إلاّ ذو قلب مريض.

ص:131

248 - هل يعتبر السقط المحسن ابن أمير المؤمنين (عليهما السلام) من أهل بيت الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم يعتبر المحسن من أهل البيت (عليهم السلام).

ص:132

تاريخ الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)

249 - كم كان هو مهر السيّدة الزهراء (عليها السلام)؟ وهل كان تزويج الرسول (صلى الله عليه وآله) لها من أمير المؤمنين (عليه السلام) تكليفاً إل - هيّاً؟

باسمه جلت أسماؤه: ورد في الكافي الشريف: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام):

ما أَنا زَوَّجْتُكِ، وَل - كِنَّ اللهَ زَوَّجَكِ مِنَ السَّماءِ، وَجَعَلَ مَهْرُكِ خُمْسَ الدُّنْيا ما دامَتِ السَّماواتُ وَالاَْرْضُ»، كما ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد باع درعه، وقدّم ثمنه للزهراء (عليها السلام)، وكان قدره خمسمائة درهم.

250 - لقد كان زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأمر إل - هي:

«زَوِّجِ النُّورَ مِنَ النُّورِ»، فهل زواج عامّة الناس يكون بتقدير وقضاء إل - هي أيضاً؟

باسمه جلت أسماؤه: لاريب في أنّ كلّ زواج لايمكن أن يتحقّقإلاّ بقضاء الله وقدره وعلمه، ولكن تزويج الله تعالى للنورين (عليهما السلام) لم يكن بمحض القدر والقضاء الإل - هيّين، بل كان بأمر منه تعالى لرسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعد أن أعلنهفي السماوات العلى لجميع الموجودات العلويّة، فشاركت السماءُ الأرضَ فرحتها بتزويج النورين واقترانهما.

251 - ما رأيكم في الروايات التي وردت عن حضور الرسول (صلى الله عليه وآله) والزهراء (عليها السلام) عند جسد الحسين (صلوات الله عليه) بعد مقتله؟

*

باسمه جلت أسماؤه: حتّى ولو لم تكن هناك روايات تدلّ على حضورهما (عليهما السلام) عند جسده (عليه السلام)، فإنّني اعتماداً على العمومات أجزم بوقوعه، ما بالك والروايات الدالّة عليه عديدة وصريحة.

252 - الأحداث المؤلمة من غصب الخلافة وأخذ فدك وكسر الضلع الشريف، ما هو ترتيب وقوعها؟ ومتى وقعت الخطبة؟

ص:133

*

باسمه جلت أسماؤه: الأوّل هو غصب الخلافة، والثاني غصب فدك، والثالث كسر الضلع، وبعد هذه المصائب كانت الخطبة.

253 - ما هي قضيّة فدك؟

*

باسمه جلت أسماؤه: أجمعت روايات الفريقين على أنّه لمّا نزلقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ(1) دعا النبيّ) صلى الله عليه وآله (فاطمة) عليها السلام (وأعطاها فدكاً، وهي عبارة عن قرية صالح عليها النبيّ) صلى الله عليه وآله (بعض اليهود، وهو راجع من خيبر، فصارت ملكاً خالصاً لها بأمر من الله تعالى، ولما قُبض) صلى الله عليه وآله (غصبها منها غاصب الخلافة، وأخرج منها وكيلها، فطالبته فأنكر النِّحلة ورد الشهود، فطالبت بها بالميراث فلم يعطها إيّاها.

254 - أرض فدك نِحلة من الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى ابنته الزهراء (عليها وآلها السلام)، فمن أين تبدأ، وإلى أين على خريطة العالم؟

*

باسمه جلت أسماؤه: فدك كما ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، وتقع بالقربمن خيبر، وهي حتّى الآن موجودة ومعروفة عند أهالي المدينة، إلاّ أنّها مهملة للأسف الشديد، وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من تحديدها بعدن وسمرقندمن ناحية، وأفريقيا وسيف البحر من ناحية اخرى، فهو إشارة إلى أن ما اغتصب من أهل البيت (عليهم السلام) ليس مقصوراً على تلك القرية وحدها، بل هو عبارة عن كلّ ما تطاله يد الخلافة الإسلاميّة، وعلى ذلك فكلّ الأرض بحكم فدك، وكلّ مَن تسلّم دست الخلافة غصباً وقهراً لو كان صادقاً في دعواه ردّ فدك لأهلها، لرفع يد سيطرته عن الأرض كلّها; إذ أن إرجاع المغصوب لايتمّ إلاّ بذلك.

255 - لماذا طالبت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بفدك مع علمها أنّها لاإرث لها؟

ص:134


1- (1) الإسراء 26:17..

ولماذا حرمها أبو بكر من حقّها؟

*

باسمه جلت أسماؤه: لقد غُصبت فدك من الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) لإضعاف أمير المؤمنين (عليه السلام) اقتصاديّاً، باعتباره المعارض الأوّل للدولة آنذاك، وإنّما طالبت (عليها السلام) بالميراث بعد إنكارهم النِّحلة; لكون استنقاذ الإنسان حقّهمن الغاصب أمراً مشروعاً بأي كيفيّة كان، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

256 - هل تعتبر قضيّة فدك الزهراء (عليها السلام) عقائديّة أو تاريخيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: قضيّة فدك قضيّة عقائديّة; لأنّ عليها تبتني ولاية الإمام (عليه السلام).

257 - هل فعلا حصل الاعتداء على بيت السيّدة فاطمة الزهراء؟

وكُسر ضلعها،

وعُصرت خلف الباب؟ وما مدى صحّة قضية الجنين محسن الذي أسقطته السيّدة الزهراء جرّاء العصرة خلف الباب؟ وهل صحيح أنّ عُمر حاول حرق بيت السيّدة فاطمة؟

باسمه جلت أسماؤه: مسألة الاعتداء على بيت السيّدة الزهراء ممّا لايختلف فيها أحد من المؤرّخين، بل بلغت من الشهرة إلى الحدّ الذي جعلت حافظ إبراهيم - الملقّب بشاعر النيل - يعتبر أنّ من مناقب عمر بن الخطّاب أنّه استطاع أن يقف بوجه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) حيث يقول:

وقولة لعليّ قالها عمر

وروايات اقتحام الدار وثّقتها عدّة من المصادر، منها:

ما ذكره اليعقوبي في تاريخه(1) ، وأبو بكر الجوهري في سقيفته، كما حكاه

ص:135


1- (1) تاريخ اليعقوبي: 150:2..

ابن أبي الحديد في شرح النهج(1).

وأمّا تفاصيل الاعتداء وآثاره من كسر الضلع وإسقاط الجنين، فقد وردت في العديد من كتب التاريخ والتفسير والحديث التي تنقلها بصورة مقاطع متفرّقة ممّا يؤدّي إلى الاطمئنان بحصولها، خاصّة إذا اضيفت إليها الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) الدالّة على أنّه أخبر السيّدة الزهراء (عليها السلام) عمّا ستعانيه من بعده، وأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.

258 - من المعلوم لدى فقهاء الفرقة الناجية (أدام الله تعالى تأييدها)

أنّ الشهرة

العمليّة جابرة لسند الرواية وإن كانت ضعيفة، على اعتبار أنّ عمل المتقدّمين برواية ما كاشف عن أنّهم يرون صحّتها، وهذا بدوره يوجب الوثوق بصدورها، وسؤالي هو: هل يمكن تطبيق هذا المبنى على غير الروايات الفقهيّة، فنقول - على سبيل المثال - أنّ تلقّي الأصحاب المتقدّمين رواية فجيعة كسر ضلع الزهراء (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) بالقبول وتسالمهم عليها يوجب الوثوق بصدورها، فإذا كان الملاك في جبر سند الرواية الضعيفة هو تلقّي الأصحاب لها بالقبول فالملاك متحقّق هنا أيضاً، مع ملاحظة أنّ رواية فجيعة كسر ضلع الزهراء

(صلوات الله تعالى وسلامه عليها) هي مجرّد مثال، وسؤالي هو عن الفكرة الكلّيّة؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم هذا الدليل يشمل الروايات غير الفقهيّة أيضاً، ولكن لابدّ وأن يعلم أنّ الشهرة على أقسام:

1 - الشهرة الروائيّة.

2 - الشهرة العمليّة.

3 - الشهرة الفتوائيّة.

أمّا الشهرة الروائيّة: فهي من مرجّحات إحدى الروايتين الحجّتين على الاُخرى،

ص:136


1- (1) شرح نهج البلاغة: 133:1 و 293:6..

وأمّا الشهرة العمليّة - وهي استناد المشهور إلى رواية وعملهم على طبقها - فهيمن مميّزات الحجّة (عج) (عج) عن اللاحجّة، وأمّا الشهرة الفتوائيّة: فهي لا تكون جابرة ولامرجّحة. وبما أنّ روايات مظلوميّة السيّدة الزهراء (عليها السلام) موردٌ للشهرة العمليّة، نظراً لاعتقاد الأعلام بمضامينها، ونظمهم لها في أشعارهم، وتألّمهم لها في كتبهم، وإحيائهم لها في مجالسهم ومآتمهم وعزائهم، فهذا يجبر سند الضعيف منها.

259 - خطبة الزهراء التي تلتها في المسجد النبويّ،

هل كانت قبل حادث الهجوم

على الدار أم بعده؟ وإذا كان الجواب أنّها (صلوات الله عليها) تلتها بعد هجوم القوم على دارها، فهل من دليل نقلي قاطع على ذلك؟ ثمّ هناك إشكاليّتان تنتجان من جوابنا بالإيجاب على السؤال الماضي، وهما:

الأوّل: لماذا لم تذكر السيّدة الزهراء في خطبتها القدسيّة أنّ القوم هجموا على دارها، ولم تنادِ بما جرى عليها من كسر الضلع الشريف؟

الثاني: كيف يمكن لسيّدة مكسورة الضلع أن تقوم وهي في تلك الحال لتخطب مثل تلك الخطبة؟

باسمه جلت أسماؤه: من الثابت أنّ للزهراء (عليها السلام) خطبتين: الاُولى: في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والثانية في مجلس النساء قبل وفاتها، ومن التدقيق في المصادر التاريخيّة يظهر أنّ الهجوم على بيت فاطمة تكرّر ثلاث مرّات، وأنّ الجريمة الكبرى قد حصلت في المرّة الثالثة التي تمرّضت بعدها إلى أن توفّيت، وأنّ خطبتها في المسجد كانت قبل تلك الجريمة، وبذلك تندفع الإشكالية الثانية.

وأمّا عدم إخبارها (عليها السلام) بما جرى معها في خطبتها مع النساء فمردّه إلى يأسها من هؤلاء كما صرّحت للنساء قائلة: «أَصْبَحْتُ وَاللهِ عائِفَةً لِدُنْياكُنَّ، قالِيَةً لِرِجالِكُنَّ، لَفَظْتُهُمْ بَعْدَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ».

أو لعلّ ذلك مندرج ضمن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مواراتها (عليها السلام): «فَكَمْ مِنْ غَليل مُعْتَلِج في صَدْرِها لَمْ تَجِدْ إِلى بَثِّهِ سَبِيلا».

ص:137

260 - ما هي النصوص المعتبرة عندكم حول موضوع كسر ضلع الزهراء (روحي فداها)؟

باسمه جلت أسماؤه: لاأظنّ بمن تتبّع كلمات القوم والروايات أن يشكّ في ذلك; نظراً لكثرة الروايات واستفاضتها من طريق الفريقين، بالمستوى الذي يتولّد عنه تواتر إجماليٌّ للمسألة. ومع ذلك لابأس بذكر بعض ما ورد في المقام:

1 - روى محمّد بن يعقوب الكليني بسند صحيح، عن الإمام الكاظم (عليه السلام) فيباب مولد الزهراء، الحديث الثاني أنّه قال:

«إِنَّ فاطِمَةَ صِدِّيقَةٌ شَهيدَةٌ».

والعلاّمة المجلسي بعد توصيفه الخبر بأنّه صحيح في مرآة العقول في شرح اصول الكافي(1) يقول: «إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ فاطمة (صلوات الله عليها) كانت شهيدة، وهو من المتواترات، وكان سبب ذلك أنّهم لما غصبوا... فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة (عليها السلام) فكسر جنبها، وأسقطت لذلك جنيناًكان سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسناً، فمرضت لذلك وتوفّيت».

ثمّ يقوم المجلسي بذكر روايات من علماء السنّة والشيعة تأييداً لما أفاده في شرحه للحديث، منها ما عن سُليم بن قيس الهلالي في حديث طويل، وفيه: «فضربها قنفذ ودفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها».

2 - ومنها: ما نقله الشيخ الجليل الصدوق المتوفّي سنة 381 ه - في أماليه(2) ، وفيه رواية مفصّلة عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن يقول:

«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وَإِنّي لمّا رَأَيْتُها ذَكَرْتُ ما يُصْنَعُ بِها بَعْدي، كَأَنّي بِها وَقَدْ دَخَلَ الذُّلُّ بَيْتَها، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُها، وَغُصِبَ حَقُّها، وَمُنِعَتْ إِرْثَها، وَكُسِرَ جَنْبُها، وَأسْقَطَتْ جَنينَها،

ص:138


1- (1) شرح اصول الكافي: 315:5.
2- (2) أمالي الصدوق - المجلس 99:24 و 100..

وَهي تُنادي: وامُحَمَّداهُ، فَلاَ تُجابُ، وَتَسْتَغيثُ فَلاَ تُغاثُ».

3 - ومنها: الزيارة التي رواها السيّد ابن طاووس في كتاب إقبال الأعمال وفيها: «وَصَلِّ عَلَى الْبَتولِ الطّاهِرَةِ،.. الْمَغْصُوبِ حَقُّها، الْمَمْنوعِ إِرْثُها، الْمَكْسورِ ضِلْعُها». وأمّا الروايات الدالّة على إضرام النار بالباب وضغط فاطمة (عليها السلام) بين الباب والجدار وسقوط جنينها - الملازم ذلك لكسر الضلع - فكثيرة، رواها الفريقان، فلاحظ ما رواه شيخ الطائفة أبّو جعفر الطوسي في تلخيص الشافي(1) حيث قال: «والمشهور الذي لاخلاف فيه بين الشيعة أنّ عمر ضربها على بطنها حتّى أسقطت فسمّي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم، وما أرادوا من إحراق البيت حين التجأ إليها قوم وامتنعوا من بيعته، وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنّا قد بيّنّا الرواية الواردة من جهة العامّة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضة به لايختلفون في ذلك».

ويكتب المسعودي مؤلف مروج الذهب في كتابه إثبات الوصيّة(2): «فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كُرهاً، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً»، إلى غير ذلك ممّا أفاده العلماء.

261 - هناك من يقول بأنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) لم يكسر ضلعها; لأنّ المنازل سابقاً كان تغطّى بقطعة قماش ولاأبواب لها، فما تقولون؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ما حصل مع الزهراء (عليها السلام) من الاُمور الثابتة تاريخيّاً وروائيّاً، استناداً إلى النصوص المعتبرة، ولاينكر ذلك إلاّ جاهل أومعاند، وأمّا مسألة عدم وجود الأبواب على البيوت آنذاك فهي خلاف الحقائق التاريخيّة جدّاً، وكلُّ شيعي يحيط بكيفيّة ولادة أميرالمؤمنين (عليه السلام) داخل الكعبة يدرك الحقيقة بالبداهة.

ص:139


1- (1) تلخيص الشافي: 76:3.
2- (2) إثبات الوصيّة: 122..
262 - هل قضيّة كسر ضلع الزهراء (عليها السلام) قضية تاريخيّة بحتة لاعلاقة لها بالعقيدة؟

باسمه جلت أسماؤه: ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من أخذ مالها وكسر ضلعها إنّما هو من أجل دفاعها ومطالبتها بحق الإمام عليّ (عليه السلام)، كما تشهد لذلك عدّة فقرات من خطبتها، فكيف تكون بعيدة عن فرضية خلافة عليّ (عليه السلام)، وإذا كانت ترتبط بخلافة الإمام عليّ (عليه السلام) فهذا يعني أنّها أساس ما يمتاز به الشيعة عن غيرهم، وعلى ذلك فكيف تكون قضية تاريخيّة لاعلاقة لها بعقيدة الشيعة.

263 - مررت على بعض الروايات التي تقول:

بأنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) قد رُبط بسلاسل من حديد حين رفض مبايعة أبي بكر، وهذا ما منعه من ردع عمر عند تهديده بحرق بيته بالنار، فما مدى صحّة هذه الروايات؟ وماذا عمل الإمام (عليه السلام) حينما انتهكت حرمته؟ إن كان مضطرّاً للصبر لكي لايتفرّق المسلمون فكيف يسكت (عليه السلام) عن كسر ضلع الزهراء (عليها السلام)؟

وقرأت أيضاً أنّ الزهراء كان لها ابن وبنت، اسمهما محسن ومحسنة، فهل صحيح أنّهما قتلا أثناء عصر الزهراء (عليها السلام) بالباب وكسر ضلعها الشريف؟

باسمه جلت أسماؤه: الربط بالسلاسل لاأصل معتبر له، ولكنّ الظاهر أنّه (عليه السلام) لم يكن حاضراً حين عصر السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وأمّا سكوته (عليه السلام) فلما أشرتم إليه، وأمّا قتل جنينها محسن فهو صحيح، ولكن وجود بنت لها باسم محسنة قتلت ممّا لاأصل له.

264 - في كتاب جنة المأوى ، لآية الله العظمى الإمام الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) ينفي ضرب الزهراء (عليها السلام) ولطم خدّها، فما هو رأيكم في كلامه؟

(1)

باسمه جلت أسماؤه: الفاجعة عظيمة بحدّ لايقدر مَن له أدنى درجة من الإنسانيّة والوجدان أن يتصوّر وقوعها، ولكن المحقّق من الآثار والتواريخ ثبوت

ص:140


1- (1) جنّة المأوى: 135، دار الأضواء - بيروت / 1988 م..

ذلك حتّى عند الفحول من العلماء الأكابر.

265 - ما رأيكم في إحياء ذكرى السيّدة الزهراء (عليها السلام) على رواية الأربعين، وما واجب شيعة آل محمّد تجاه هذه المناسبة؟

* باسمه جلت أسماؤه: على الشيعة بمقتضى قوله (عليه السلام):

«شِيعَتُنا خُلِقوا مِنْ فاضِلَ طِينتنا، يَحْزَنونَ لِحُزْنِنا وَيَفْرَحونَ لِفَرَحِنا» إحياء ذكرى السيّدة الزهراء (عليها آلاف التحيّة والثناء) في كلّ يوم يُحتمل وقوع شهادة السيّدة فيه، ومن تلكم الأيّام يوم الأربعين بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

266 - نوقش كتاب سُليم بن قيس الهلالي بعدّة مناقشات في سنده ومتنه، ومن أهمّها مناقشات الإمام الخوئي (قدس سره) فنودّ معرفة رأيكم الشريف؟

باسمه جلت أسماؤه: كتاب سُليم بن قيس، وإن أورد عليه بإيرادات، إلاّ أنّ كثيراً منها قد دفعها السيّد الخوئي (رحمه الله تعالى)، ولكنّه ناقش فيه بما هو أوضح ردّاً ممّا أفاده بالنسبة إلى الإيرادات الاُخر.

وقد أفاد المجلسي (رحمه الله) في حقّ الكتاب ما لايتوقّف أحد في اعتباره بعد ملاحظة ما أفاده، ويروي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

«مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ شِيعَتِنا

وَمُحِبِّينا كَتاب سُليمِ بْنِ قَيْس الْهِلالي فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِنا شَيْءٌ، وَلاَ يَعْلَمُ مِنْ أَسْبابِنا شَيْئاً، وَهُوَ أَبْجَدُ الشّيعَةِ، وَهُوَ سِرٌّ مِنْ أَسْرارِ آلِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)».

ولقد ذكر العلاّمة المامقاني في رجاله ما يوجب اطمئنان الإنسان بأنّ الكتاب الذي بأيدينا هو لسُليم بن قيس الذي اتّفقت الكلمة على وثاقته، أضف إلى جميع ذلك أنّ كسر الضلع قد ذكرنا روايات في ثبوته في غير واحد من أجوبتنا، فراجع.

267 - ما حكم من ينكر ظلامات الصدّيقة الطاهرة سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) وما جرى عليها من الجنايات والجرائم من قِبل الظالمين الغاصبين؟

باسمه جلت أسماؤه: المنكر إمّا جاهل، أو موال ولكنّه لايقدر أن

ص:141

يعتقد أنّه قد وصل الخبث لدى البعض إلى حدّ ارتكاب الجنايات والجرائم بحقّ الصدّيقة الطاهرة، أو مستأجر، أو مسترزق.

268 - ماذا يجب على الموالي تجاه الشيعي الذي ينكر ضرب سيدتي الزهراء (عليها السلام) وقضيّة إضرام النار في منزلها وإسقاط محسنها؟

باسمه جلت أسماؤه: هذه الاُمور ممّا ثبتت بحسب روايات الفريقين، فالمنكر إمّا أن يكون معانداً، أو غير مطّلع، أو مشتبهاً يتخيّل أنّ الاعتراف بها يوجب التفرقة بين المسلمين، والتفرقة في هذا الزمان توجب ضعف الإسلام والمسلمين أو ما يقارب ذلك، والوظيفة على كلّ تقدير ظاهرة.

269 - من ينكر شهادة الزهراء (عليها السلام) هل يعتبر خارجاً عن المذهب؟

*

باسمه جلت أسماؤه: يختلف الأمر بين أن يكون ذلك ناتجاً عن نكران وجحود ما ورد في ذلك عن الأئمّة (عليهم السلام)، وبين أن يكون ناتجاً عن جهل وعدم علم واطلاع. فإنّ كان من القسم الثاني فلا يكون ذلك خروجاً عن المذهب، خلافاًلما يكون فيه جحود لما هو ثابت عن الأئمّة (عليهم السلام).

270 - عند هجوم اللعينين على بيت الزهراء (عليها السلام)،

هل كان الإمام عليّ (عليه السلام) هناكأم لا؟ وإن كان هناك لِمَ لمْ يدافع عن حرمة البيت؟ أم أنّه مأمور أن يتقبّل الموضوع؟ وهل صحيح أنّ اللعينين سحباه من عنقه؟

*

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار - كما أفاد بعض المحقّقين - أنّ القوم بعدما أحسّوا بوجود الزهراء (عليها السلام) داخل البيت بادروا إلى الهجوم، فتصدّت لهم الزهراء (عليها السلام)، وخلال لحظات - وربّما ثوان يسيرة - حُصرت بين الباب والحائط، واُسقط الجنين، وحصل ما حصل، وبقول ذلك المحقّق: فسمع (عليه السلام) الصوت فبادر إليهم، وقد وصلوا داخل البيت فواجههم، وأخذ أحدهم فجلد به الأرض، وانشغل (عليه السلام) بالزهراء، فوجدوا الفرصة للفرار إلى الخارج.

ص:142

271 - ما هي فلسفتكم لتغييب قبر بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: فلسفة تغييب قبرها أوضح من أن تبين، فإنّغياب قبرها - رغم كونها الابنة المعزّزة لدى أبيها (صلى الله عليه وآله) - وظهور قبور غيرها ممّنهم أقلّ منها شأناً ومكانة، ممّا يثير علامة استفهام واضحة لدى كلّ من يتشرّف بزيارة المدينة المنوّرة أو يقرأ تاريخها، وليس هنالك ما يرفع علامة الاستفهامهذه إلاّ صرخات الزهراء (عليها السلام) المدوّية عبر التاريخ.

272 - هل هناك رواية صحيحة السند في كتبنا الشيعة تقول: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أوصى عليّاً (عليه السلام) بأن يصبر، وإن انتهكت الحرمة؟

باسمه جلت أسماؤه: هذه الرواية معتبرة; لأنّها مأخوذة من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد، وهو من الاُصول المعتبرة، فقد ذكره النجاشي والشيخ (قدس سرهما) في فهرسيهما، وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاووس (قدس سره) في كتاب الطرف، وذكر الكليني الحديث أيضاً ولكن بشكل مختصر.

273 - ورد في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي في أعمال اليوم التاسعمن شهر ربيع الأوّل:

بأنّه عيد عظيم، وهو عيد البقر، وشرحه طويل مذكور في محلّه، وروي أنّ مَن أنفق شيئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه، وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الإخوان المؤمنين وإفراحهم، والتوسّع في نفقة العيال، ولبس الثياب الطّيّبة، وشكر الله تعالى وعبادته، وهو يوم زوال الغموم والأحزان، وهو يوم شريف جدّاً، فما هو عيد البقر؟ ولم سمّي بهذا الاسم دون سواه؟ *

باسمه جلت أسماؤه: (البَقْر) مصدر بقر يبقر بقراً، والمراد منه يوم شقّ بطن أحد أعداء الزهراء (عليها السلام)، وهو الذي ظلمها وهجم عليها وعصرها وأسقط جنينها، ممّا أدّى إلى شهادتها - كما وردَ ذلك مستفيضاً في كتب الفريقين - وقد بُقِرَ بطنه في اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل على يد التابعي الجليل أبي لؤلؤة

ص:143

النهاوندي المدني، فيحتفي الشيعة فرحاً بهذا اليوم، ويعبّرون عنه بعيد البقر; لأنّهم يعتقدون أنّ الله

تعالى قد انتقم فيه للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) ممّن ظلمها وهتك حرمتها، وذلك ببقر بطنه وتمزيقه، هذا مضافاً إلى أنّ هذا اليوم هو يوم تنصيب إمام زماننا المهدي المنتظر.

274 - ما هي الروايات الواردة في اعتبار عيد فرحة الزهراء (عليها السلام) في اليوم التاسعمن ربيع الأوّل؟

*

باسمه جلت أسماؤه: بحسب ما وصلنا هناك روايةٌ واحدة مرتبطة بعيد الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، نقلها المحدّث النوري (قدس سره) في المستدرك، وهي رواية أحمد بن إسحاق القمّي، والرواية وإن كانت ضعيفة السند، إلاّ أنّ ذلك لايضرّ بها; باعتبار أنّ مضامينها من المستحبّات التي تجري فيها قاعدة التسامح في أدلّةِ السنن، وكذا لايضرّ بها وجودُ بعض الفقرات التي لايمكن العملُ بها، كالفقرة الدالّة على رفع القلم في ذلك اليوم; إذ أنّ المختار لدينا هو إمكان التبعيض في الحجّيّة.

275 - ما هو المقصود من يوم فرحة الزهراء (عليها السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: هو اليوم الذي قتل فيه مَن اعتدى عليها، وتسبّب في إسقاط جنينها وشهادتها.

ص:144

تاريخ الإمام الحسن (عليه السلام)

276 - لا خلاف في عصمة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)،

ومن بينهم الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وأنّ صلحه وهدنته ومعاهدته مع معاوية (لعنه الله) كان لمصلحة الاُمّة، وبه كشف حقيقة ذلك الشخص وغير ذلك، ولكن هناك نقطة لم أفهمها، وهي أنّهإذا لم يلتزم أحد الأطراف بشروط المعاهدة فيمكن للآخر فضّها، وهو الذي حدث حيث أنّ معاوية لم يلتزم بجميع شروط الصلح وخرقها منذ بداية المصالحة، فلماذالم يحاربه الإمام الحسن (عليه السلام) حينها، أو يقوم بحركة مّا ضدّ ذلك الرجل، وماذاكان موقفه (عليه السلام) من تلك الخروقات؟ وماذا كان موقف الإمام الحسين (عليه السلام) أثناء البيعة، حيث أنّ البعض يروّج أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعارض أخاه الإمام الحسن (عليه السلام)؟ وهل كان الإمام الحسين (عليه السلام) من بين الموقّعين على وثيقة الصلح؟ والإمام الحسين (عليه السلام) مضى عليه منذ استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) إلى وفاة معاوية عشر سنوات، وكان شروط الصلح طوال تلك السنين تخرق، فلماذا لم يرفع السيف وقتها أو يقوم بحركة مّا ضدّ ذلك الرجل؟

*

باسمه جلت أسماؤه: صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان من جهة عدم تمكّنه من الحرب والجهاد، بسبب خذلان الآخرين له، ورغبتهم في عدم الحرب، كما تؤكّد ذلك الوثائق التأريخيّة، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) موافقاً له; ولذلك لم يحارب معاوية في السنوات العشر بعد أخيه، لنفس العلّة التي منعت أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) من المواجهة، وليس من جهة الالتزام بالصلح وشروطه، ولكنّه بعد تصدّي يزيد للخلافة وارتفاع العلّة المانعة، وتوفّر شروط القيام، بادرَ فوراً للخروج.

277 - في السابع من شهر صفر هل نعمل بوفاة الإمام الزكي (عليه السلام) أم بمولد الكاظم (عليه السلام)؟ أم بكليهما معاً؟

*

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ شهر صفر - إلى جانب شهر المحرّم - شهر

ص:145

حزن ومصيبة، كما هو مفاد بعض الأخبار، وكانت سيرة الأعاظم من علماء الطائفة (قدس سرهم) على إحياء الشهرين معاً حزناً على أهل البيت (عليهم السلام) ومواساة لهم; لذلك فإنّا مقيّدون بالعمل بشهادة الإمام الحسن (عليه السلام)، سيّما مع وجود قول آخر - وهو الأقرب للتحقيق - بولادة الإمام الكاظم (عليه السلام) في النصف الثاني من شهر ذي الحجّة (عج) (عج)، وإن لم يمكن ضبطه بالتحديد.

278 - يذكر خطباء المنبر أنّ الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام)

بعد أن سقته السمّ زوجته جعدة بنت الأشعث (عليها اللعنة وسوء العذاب) لفظ كبده، والسؤال: كيف يمكنأن نفهم أنّ المسموم يلفظ الكبد، علماً أنّ الكبد ليست داخل المعدة وإنّما خارجها كما تعلمون؟

باسمه جلت أسماؤه: إن حملنا لفظ الكبد على العضو الخاصّ، فماأشرتم إليه صحيح; ولذا يُحمل قيء الكبد على اشتماله على قطعات شبيهة بالكبد - مثلاً -، وإن حملناه على المعنى اللغوي - كما هو الصحيح - فالكبد يُراد بها الأحشاء، وحينئذ يكون معنى قيء الكبد قيء بعض الأجزاء الداخليّة، وهذا لامحذور فيه.

ص:146

تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته

279 - ما مدى صحّة قصّة أرينب بنت إسحاق، وزواج الإمام الحسين (عليه السلام) بها؟

باسمه جلت أسماؤه: القصّة المذكورة رواها بعض المؤرّخين - كابن قتيبة في الإمامة والسياسة - وهي تدلّ على عظمة الخُلُق الحسيني، ودناءة الخُلُق الأموي، ولكنّها ينقصها السند المعتبر، ولم ترد في شيء من مصادرنا.

280 - أمر اللهُ النبيّ موسى (عليه السلام) بإنذار فرعون، فقال:

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً (1) ، مع أن فرعون كان يريد قتل النبيّ موسى) عليه السلام (، وأمر الله النبيّ محمّداً) صلى الله عليه وآله (فقال له: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(2) ، مع أنّ كبار قريش كانوا يريدون قتل النبيّ) صلى الله عليه وآله (، فلماذا جاهد الإمام الحسين) عليه السلام (يزيد وأعوانه; لأنّهم يريدون قتله، ولم يطبق منهج الأنبياء) عليهم السلام (؟ وهل الجهاد يدخل في إطار العنف؟

باسمه جلت أسماؤه: لايخفى على مَن راجع تاريخ واقعة الطفّ أنّ الإمام الحسين وأصحابه (عليه السلام) قد بذلوا أقصى جهدهم لأجل ثني أعدائهم عن الحرب والقتال، وبالغوا في وعظهم وتحذيرهم، ولكن لم يُجدِ معهم أيُ وعظ أو تحذير، ومع ذلك كلّه فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يأذن لأصحابه بابتداء الحرب في أوّل الأمر، بل انتظر حتّى بدأه أعداؤه بالحرب، فجاهدهم حينئذ جهاداً دفاعيّاً، كجهاد جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) لأعدائه من المشركين واليهود وغيرهم.

281 - هل كان الإمام الحسين (عليه السلام) طالب حكم وسلطة كما يرى ذلك البعض؟

باسمه جلت أسماؤه: الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن طالب شيء سوى بقاء الإسلام، الذي كان على مشارف الاضمحلال، ولولا ثورته لما بقي الإسلام،

ص:147


1- (1) طه 43:20 و 44.
2- (2) المؤمنون 96:23. فصّلت 34:41..

وكيف يُتصوّر في حقّه أن يكون طالباً للحكم والسلطان وهو يعلم بشهادته، كما صرّح بذلك عند خروجه من مكّة المكرّمة حيث قال:

«كَأَنِّي بِأَوْصالِي تُقَطِّعُهاعُسْلاَنُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ»(1).

وقال أيضاً في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة:

«مَنْ لَحِقَ بيَ اسْتُشْهِدَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنّي لَمْ يُدْرِكِ الْفَتْحَ»(2).

282 - قال تعالى: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ومن يقرأ هذه الآية ويرى سيرة الإمام الحسين) عليه السلام

(3)

وتصميمه على الموت قد يحكم عليه بالإقدام على التهلكة، لأنّه ذهب إلى الموت بيده، فما هو الجواب عن ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: حرمة الإلقاء بالنفس في التهلكة تكاد أن تكون من الأحكام الضروريّة في الشريعة إن لم تكن منها، ويُراد بالتهلكة إتلاف النفسفي غير الموارد التي أمر اللهُ تعالى فيها بإتلافها، كموارد الجهاد مثلا، وبالتالي فالآية لاتشمل الإمام الحسين (عليه السلام); لأنّ ما قام به كان جهاداً عن الدين ودفاعاً عن حرمته المنتهكة.

283 - قال أحدهم: ما قتل الحسين إلاّ لقلّة الوعي بأمر القيادة، فما هو تقييمكم لهذه الكلمة؟

باسمه جلت أسماؤه: إن كان المقصود منها أنّ وعي الناس بأهمّية وجود قائد لهم كالإمام الحسين (عليه السلام) كان ناقصاً، فهذا ما لاغبار عليه، وإن كان

ص:148


1- (1) اللهوف: 38. كشف الغمّة: 573:1. بحار الأنوار: 366:44 و 367. عوالم العلوم: 216:17 و 217. الحدائق الورديّة: 117:1.
2- (2) كامل الزيارات: 157. دلائل الإمامة: 77. مناقب آل أبي طالب: 76:4. اللهوف: 40 و 41. بحار الأنوار: 81:42 و: 330:44 و: 85:45.
3- (3) البقرة 195:2..

المقصود منها - والمستجار بالله - نسبة قلّة الوعي للإمام الحسين وأصحابه (عليه السلام)، فهي ضلال محض; لأنّ كلّ حركات الإمام الحسين (عليه السلام) وأعماله إنّما كانت على طبق التوجيهات الإل - هيّة التي رسمها الله تعالى له.

284 - ما هو الأعظم عند أهل العرفان، هل هي مصيبة الزهراء (عليها السلام)؟ أم مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: أساس ما جرى يوم كربلاء هو ما جرى يوم السقيفة، وقد ضمّن هذا المعنى في أشعاره من علماء العامّة القاضى أبو بكر ابن أبي قريعة، حيث قال:

واُريكمُ أنّ الحسينَ اُصيبَ في يوم السقيفة

ومن الشيعة المحقّق الأصفهاني (قدس سره) في ارجوزته، حيث قال:

وما أصابَ امّها من البلا فهو تراثها بطفّ كربلا

إلاّ أنّ المستفاد من الروايات أنّ مصيبة الحسين (عليه السلام) هي أشدّ المصائب على الاطلاق، كما يشهد بذلك قول الإمام الحسن (عليه السلام) لأخيه: «لاَ يوم كَيومك يا أبا عبد الله».

285 - هل كانت هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الأوّل من محرّم، أم في الأوّل من ربيع الأوّل؟

فإن كانت في الأوّل من محرّم، فما الحكمة التي يقتضيها خروج الإمام الحسين (عليه السلام) في نفس اليوم ومن نفس المكان (مكّة) ولنفس السبب - وهو التهديد بالقتل والاغتيال - ولنفس الغاية أيضاً وهي نصرة الإسلام؟

باسمه جلت أسماؤه: الحكمة - لو كان يوم هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الأوّل من المحرّم - ظاهرة، فإنّ مبدأ ثورة النبيّ العظيم (صلى الله عليه وآله) هو يوم هجرته من مكّة، وبذلك قام الإسلام، وكان استمرار ثورته بثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والفرض أنّ مبدأ كلتا الثورتين هو أوّل محرّم، ولكن الصحيح أنّ هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت في اليوم الأوّل

ص:149

من شهر ربيع الأوّل.

286 - قال الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه:

«وه - ذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذِوهُ جَمَلاً، ثُمَّ تَفَرَّقُوا في سَوادِكُمْ وَمَدَائِنِكُمْ حَتّى يُفَرِّجَ اللهُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِنَّما يَطْلُبُونَنَي، وَلَوْ أَصابُونِي لَهَوا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي»(1) ، فهل الذين غادروا ولم ينصروا الإمام (عليه السلام) لاإثم

ولاذنب عليهم; لأنّ الإمام (عليه السلام) قد أحلَّ ذلك لهم، أم كان ذلك امتحاناً لهم، كما يظهر ذلك من قول السيّدة زينب (عليها السلام): «هَلِ اخْتَبَرْتَ أَصْحابَك»؟

باسمه جلت أسماؤه: كان الإمام الحسين (عليه السلام) من أوّل خروجه من المدينة يصرّح بمصيره، ويدعو الآخرين لإعداد أنفسهم للتضحية بين يديه، كقوله (عليه السلام):

«أَلاَ وَمَنْ كانَ باذِلاً فِينا مُهْجَتَهُ، مُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ

ص:150


1- (1) المنتظم: 337:5 و 338. الكامل في التاريخ: 285:3. الإرشاد / المفيد: 91:2. تاريخ الاُمم والملوك: 618:4. وروي كلامه بصورة أُخرى، فقد جاء في تفسير العسكري (عليه السلام): 178 و 179: أنّه (عليه السلام) قال: أَنْتُمْ في حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي، فَالْحَقُوا بِعَشَائِرِكُمْ وَمَوالِيكُمْ. وقال لأهل بيته: قَدْ جَعَلْتُكُمْ في حِلٍّ مِنْ مُفارَقَتِي، فَإِنَّكُمْ لاَ تُطِيقُوهُمْ، لتَضَاعُفِ أَعْدادِهِمْ وَقُواهُمْ وَمَا الْمَقْصُودُ غَيْرِي، فَدَعُونِي وَالْقَوْمَ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعِينُنِي وَلاَ يُخَلِّينِي مِنْ حُسْنِ نَظَرِهِ كَعادَتِهِ مَعَ أَسْلاَفِنا الطَّيِّبِينَ، ففارقه جماعة من معسكره. فقال له أهله: لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنّا معك. فقال لهم: إِنْ كُنْتُمْ وَطَّنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ عَلى مَا وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَيْهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ إِنَّما يَهَبُ الْمَنازِلَ الشَّرِيفَةَ لِعِبادِهِ; لاِحْتِمالِ الْمَكَارِهِ، وَأَنَّ اللهَ كَانَ خَصَّنِي مَعَ مَنْ مَضى مِنْ أَهْلِيَ الَّذِينَ أَنا آخِرُهُمْ بَقَاءً في الدُّنْيا مِنَ الْكَراماتِ بِمَا يُسَهِّلُ عَلَيَّ مَعَها احْتِمالَ الْمَكْروهاتِ، فَإِنَّ لَكُمْ شَطْراً مِنْ كَراماتِ اللهِ. اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيا حُلْوَهَا وَمُرَّها حُلُمٌ، وَالاِْنْتِباهُ في الاْخِرَةِ، وَالْفائِزُ مَنْ فازَ فِيها، وَالشَّقيُّ مَنْ شَقِيَ فِيها..

مَعَنا»(1) ، ومع ذلك فإنّ جماعة ممّن رحلوا معه كانت أغراضهم دنيويّة، وأراد الإمام (عليه السلام) ليلة عاشوراء بإذنه لهؤلاء في الذهاب أن لايبقى أحد منهم مكرهاً، وهذا لايعني عدم مأثوميّتهم في تركهم لنصرة مَن تجب عليهم نصرته.

287 - كيف نفهم النهي الصادر عن الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) لاُخته الحوراء زينب حين قال لها:

«يا أُخْتاهُ، إِنّي أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ فَأَبرّي قَسَمي، لاَ تَشُقّي عَلَيَّ جَيْباً، وَلاَ تَخْمِشي عَلَيَّ وَجْهاً، وَلاَ تَدْعي عَليَّ بِالْوَيْلِ وَالثّبورِ إِذا أَنا هَلَكْتُ»؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر بمعونة القرائن الخارجيّة أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد للسيّدة زينب (عليها السلام) ومَن بمعيّتها من النساء أن يقمن بتتميم دورهبعد شهادته، وبما أنّ ذلك يتوقّف على المزيد من القوّة والصلابة; لذلك فإنّ نهيه عن الظهور بمظاهر الضعف والانهيار بعد استشهاده كان نهيّاً إرشاديّاً لذلك.

288 - في بعض الروايات أنّ الحسين (عليه السلام) في آخر لحظات حياته، حينما أصبح أمام الأمر الواقع طلب من أعدائه الرحيل إلى أي بلد في العالم، فهل هذا صحيح؟

باسمه جلت أسماؤه: لو صحّ ذلك - وهو لم يصحّ بطريق معتبر - فمقصود الإمام الحسين (عليه السلام) منه إتمام الحجّة (عج) على القوم، لإثبات أنّه لم يجيء للحرب، وإنّما جاء إجابة لدعوة القوم إيّاه ليكون إماماً مطاعاً.

289 - يقول بعضهم: إنّ الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)

هم شيعة العراق، ولذا تراهم - بعد دعوة الحسين عليهم وإلى يوم الناس هذا - ملعونون أينما ثقفوا وقتلوا تقتيلا، وما يحدث في العراق اليوم خير برهان على ذلك، فما قولكم؟ *

باسمه جلت أسماؤه: لو فرضنا - وفرض المحال ليس بمحال - أنّ الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)، فما هو ذنب شيعة اليوم حتّى تشملهم دعوة

ص:151


1- (1) اللهوف: 38. كشف الغمّة: 573:1. بحار الأنوار: 366:44 و 367. عوالم العلوم: 216:17 و 217. الحدائق الورديّة: 117:1..

الحسين (عليه السلام)؟!! ولو كان الأمر كما يقول هذا القائل لكان اتّهاماً للعدالة الإل - هيّة، هذا مضافاً إلى أنّ المحقّق تاريخيّاً - كما يذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه - أنّ الكوفة في زمن خروج الحسين (عليه السلام) لم تكن منطقة شيعيّة، وإنّما كانت أخلاطاً من الناس، فكان فيها المسلمون والخوارج والأمويون والنصارى واليهود، وهؤلاء هم الذين اشتركوا في قتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، والذي يؤكّد ذلك مخاطبة الإمام الحسين (عليه السلام) لهم يوم عاشوراء:

«وَيْحَكُمْ يا شيعَةَ آلِ أَبي سُفْيان»، وأنّهم حين قال لهم:

«بِأَيِّ ذَنْب تُقاتِلوني؟ قالوا له: إنّما نقاتلك بغضاً منّا لأبيك».

290 - جاء في بعض الروايات: أنّه بعد خروج الدم من جسد الحسين وآل الحسين (عليه السلام) كان الحسين يرمي بالدم إلى السماء، فلا تعود منه قطرة، فما هو السرّ؟

باسمه جلت أسماؤه: الثابت أنّ سيّد الشهداء (عليه السلام) رمى بدم ابنه الرضيع (عليه السلام)، وكذا بدمه الطاهر أيضاً لمّا أصابه السهم المثلّث في قلبه المقدّس، فلم ترجع من ذلك ولاقطرة واحدة من الدم، والسرّ في ذلك هو المنع من نزول العذاب على القوم.

291 - هل ثبت أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء قتل ألفين شخصاً من الأعداء؟

باسمه جلت أسماؤه: قال ابن شهرآشوب في مناقبه متحدّثاً عن سيّد الشهداء (عليه السلام): «فلم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين».

292 - إنّ مذبحة كربلاء هزت العالم الإسلامي هزّاً عنيفاً، ممّا ساعد على تقويض دعائم الدولة الأمويّة، فما هي مظاهر الهزيمة الأمويّة بعد قتل الإمام؟

باسمه جلت أسماؤه: من مظاهر الهزيمة الأمويّة: عدم استمرار تلك الدولة كثيراً، حيث هلك يزيد وقُتل أعوانه، وقيام التوّابين بثورتهم ممّا لم يترك لبني اميّة عيشاً راغداً، وخلع أهل المدينة لبيعة يزيد ومبايعة عبد الله بن حنظلة غسيل

ص:152

الملائكة، وقيام ابن الزبير في مكّة، وانقلاب الرأي العامّ على يزيد بعد خطب

أهل البيت (عليهم السلام) في الشام، والأهمّ من كلّ ذلك تحقّق أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وفشل مخططات الأمويّين.

293 - سخط المسلمون وغيرهم على يزيد لقتله ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد أنكر عليه جمع من الأحرار، وبعض الممثّلين لملوك العالم، فمَن هؤلاء الأشخاص؟

باسمه جلت أسماؤه: من الأحرار أهل المدينة، وعبد الله بن عفيف (رضي الله عنه)، والتوّابون، ورسول ملك الروم الذي اعترض على قرع يزيد للرأس الشريف، ومن أراد التفصيل فليرجع لكتب السير والمقاتل.

294 - الشعر القائل:

إِنْ كانَ دينُ مُحَمَّد لَمْ يَسْتَقِمْإِلاّ بِقَتْلي يا سيوفُ خُذيني

هل هو للإمام الحسين (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: البيت المذكور للشاعر المعروف الشيخ محسن أبو الحبّ (رحمه الله) - كما هو مثبت في ديوانه - وإنّما يُنسب للإمام الحسين (عليه السلام) على نحو لسان الحال.

295 - إذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد أكمل الدين، بمقتضى قوله تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً، فما هو دور الإمام الحسين (عليه السلام) بالنسبة للدين؟

باسمه جلت أسماؤه: إكمال الدين في الآية المباركة يعني جعل أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّاً وإماماً وخليفة وحافظاً للدين والإسلام، ومن بعده أبناؤه الأئمّة الطاهرون (عليهم السلام)، وبما أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أحدهم فهذا يعني أنّ الدين لايمكنأن يكمل بغير إمامته وجهوده التي بذلها في زمن إمامته.

296 - بما أنّ النساء لاحرج عليهنّ في الحرب، والجهاد ساقط عنهن، فلماذا أخذ

ص:153

الإمام الحسين (عليه السلام) النساء معه عند ذهابه إلى كربلاء؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يكن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء بعنوان الجهاد، حتّى يقال: لِم أخذ النساء معه، مع أنّهن لاجهاد عليهنّ؟، وإنّما حُوصرَ في أرض كربلاء وفُرضَ عليه حينها الدفاع عن نفسه، فكان جهاده جهاداً دفاعيّاً، ومع ذلك قد منع النساء عن المشاركة فيه.

297 - هناك مَن يقول: لم يثبت بطريق صحيح خروج نساء الحسين (عليه السلام) حواسراً، فما مدى صحّة قوله؟

باسمه جلت أسماؤه: القول المذكور صحيح لاإشكال فيه، فإنّ نساء أهل بيت النبوّة والإمامة أجلّ من أن يخرجن حواسر مكشفات بمرأى الناظر الأجنبي، ولكن هذا لايعني بطلان ما جاء في زيارة الناحية من خروجهن ناشرات الشعور; لإمكان حمله على النشر من وراء الثياب، تعبيراً عن شدّة الحزن والمصاب.

298 - هل يوجد فرق بين أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وبين أنصاره؟

باسمه جلت أسماؤه: الأنصار هم الذين يعينون على العدوّ، بينما الأصحاب هم الملازمون للشخص، سواء أعانوه على العدوّ أم لا، وبعبارة اخرى: إنّ النسبة بين العنوانين هي نسبة العموم والخصوص من وجه، فإنّ الناصر يوفّق للنصرة ودفع العدوّ ولكنّه قد لايوفّق للصحبة والملازمة، كالنصراني الذي أسلم على يد الحسين (عليه السلام) وقاتل بين يديه، والصاحب قد يوفّق للملازمة حيناً من الزمان ولكنّه لايوفق للنصرة، كمحمّد بن الحنفيّة (رضوان الله عليه)، وقد يوفّق شخص للنصرة والصحبة معاً كحبيب بن المظاهر (رضوان الله عليه).

299 - أنا أقوم بعمل أضخم لوحة فنيّة تشتمل على أسماء شهداء كربلاء، فهل يمكنكم تزويدي بأسماء جميع الشهداء؟

ص:154

*

باسمه جلت أسماؤه: هناك اختلاف شديد بين المؤرّخين في تحديد عدد أنصاره (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وتعيين أشخاصهم، ومن هنا فإنّه لايمكننا ضبط جميع أنصاره (عليه السلام)، والأفضل هو الرجوع إلى الكتب المختصّة في هذا المجال.

300 - كم يوم بين قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ودفنه؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات في ذلك مختلفة، والمظنون بالظنّ المتاخم للعلم أنّ دفنه (عليه السلام) ودفن أصحابه قد تمّ في الليلة الثانية عشر.

301 - هل أنّ رأس الإمام الحسين (عليه السلام) رجع مع السبايا إلى كربلاء، ودفن مع الجسد الطاهر؟ أم هو مدفون في مصر كما يدّعي أهل مصر؟

باسمه جلت أسماؤه: قد وقع الخلاف في مدفن رأسه الشريف على أقوال:

الأوّل: ما يشترك فيه الإماميّة والعامّة، وهو أنّه بعدما طيف بالرأس في الشام ردّ إلى كربلاء، ودفن مع الجسد، وهو المشهور بين الإماميّة، كما قد صرّح بذلك جمع من علماء الإماميّة، بل قد ادّعي عليه الإجماع في كلمات بعض معاصرينا.

الثاني: ما يشترك فيه العامّة والإسماعيليّة، وهو أنّه دفن في دمشق، ثمّ نقل إلى عسقلان، ومنها إلى القاهرة.

الثالث: ما اختصّ به بعض الإماميّة، وهو أنّ الرأس دفن عند أبيه (عليه السلام) بالنجف الأشرف، ولم يعرف قائله صريحاً إلاّ ما يُستظهر من صاحب الوسائل، وتدلّ عليه بعض الأخبار، ولكن الأصحاب تأمّلوا فيها.

الرابع: ما اختصّ به بعض العامّة، وهو أنّه دفن بالمدينة المنوّرة بجانب قبر امّه الصدّيقة الزهراء (عليها السلام).

الخامس: ما اختاره جماعة، وهو أنّه مع بدنه الشريف عرج به إلى السماء.

ص:155

والذي أختاره واستفدته من الروايات الكثيرة الصريحة الدلالة بقاؤه (عليه السلام) في الأرض، بل ادّعي تواتر الأخبار في ذلك. وأمّا محل دفن الرأس فكلّما تفحّصتلم أقدر على الاطمئنان بدفن الرأس في مكان خاصّ; لأنّ أدلّتها جميعاً ليست قاطعة كما صرّح بذلك بعض المتتبّعين، ولنعم ما أفاده صاحب تذكرة الخواص، حيث قال: «وبالجملة ففي أيّ مكان كان رأسه الشريف أو جسده، فهو ساكنفي القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر، وأنشدنا بعض أشياخنا:

لا تطلبوا المولى الحسين

302 - ما هي أصحّ الروايات في مسألة دفن رؤوس شهداء الطفّ مع الأجساد؟ وفي أيّ المصادر رويت؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي صرّح به السبط في التذكرة، وهو المشهور عند المحدّثين والمؤرّخين، وبه قال الطبري والاسفرائني والدنيوري وغيرهم: أنّ رؤوس الشهداء بعثت مع رأس سيّد الشهداء (عليه السلام) من كربلاء إلى الكوفة، ومنهاإلى الشام، وردت إلى كربلاء، ودفنت مع الأجساد.

وفي ترجمة تاريخ الأعثم الكوفي: «ثمّ جهز يزيد عليّ بن الحسين ومَن معه إلى المدينة، وسلّم إليهم رؤوس الشهداء، فتوجّهوا إلى المدينة ووصلوا إلى كربلاء في يوم العشرين من صفر، فدفن الرأس مع الجسد الشريف، ودفنوا رؤوس الشهداء هناك».

وفي تاريخ حبيب السير: «أنّ يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر، ثمّ توجّه إلى المدينة المنوّرة، وقال: وهذا أصلح الروايات الواردة».

303 - ما هو السرّ في قراءة رأس الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) للآية

ص:156

الشريفة: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِن آيَاتِنَا عَجَباً(1) على وجه الخصوص دون غيرها من الآيات؟

باسمه جلت أسماؤه: قرائته (عليه السلام) للآية المذكورة من قبيل القضايا التي قياساتها معها، فإنّه (عليه السلام) أراد أن يبرهن على أنّ التكلّم من رأس مقطوع ومرفوععلى الرمح آية إل - هيّة لاداعي للتعجّب منها; لما هو ثابت قرآنيّاً من حياة أصحاب الكهف وتكلّمهم بعد موتهم بعشرات السنين، فكما أنّ هؤلاء قد كانت لهم آية إل - هيّة تثبت ظلامتهم وكرامتهم عند خالقهم، فكذلك سيّد الشهداء (عليه السلام) أيضاً.

304 - الرواية القائلة: إنّ السيّدة زينب (عليها السلام) قد ضربت جبينها بمقدّم المحمل، حتّى نزف الدم من تحت قناعها، هل هي رواية صحيحة؟

باسمه جلت أسماؤه: نعم، على مبانينا الاُصوليّة هي رواية معتبرة بلا ريب.

305 - فئة تقول بكذب الرواية التي تقول إنّ السيّدة زينب (عليها السلام) قد نطحت جبينها بمقدّم المحمل،

لأنّها كانت قويّة في الكوفة، فهل ناقل هذه الرواية يعتبر كذّاباً مع علمه وتيقّنه بأنّها رواية صحيحة؟

باسمه جلت أسماؤه: الرواية المذكورة معتبرة، وناقلها محكوم بالصدق، ولاتجوز نسبة الكذب إليه.

306 - هل توجد عندنا رواية تدلّ على أنّ جماعة من بني أسد قد جرحوا رؤوسهم مواساة للإمام الحسين (عليه السلام) وهتفوا بعبارة:

«يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً» وأحد

المعصومين (عليه السلام) أقرّهم على ذلك؟ وهل رواية السيّدة زينب (عليها السلام) وضرب رأسها بالمحمل صحيحة؟

ص:157


1- (1) الكهف 9:18..

باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في بعض أجوبتنا: أنّ رواية المحمل رواية معتبرة، وأمّا رواية بني أسد فلا وجود لها في الكتب المعتبرة.

307 - هل كان رجوع سبايا أهل البيت (عليهم السلام)

في أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) في السنة الاُولى من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)؟ أو كان هذا الرجوع في السنة الثانية؟

*

باسمه جلت أسماؤه: بعد التفحّص الكامل والتحقيق اطمئننت بأنّ رجوع السبايا (عليهم السلام) كان في أربعين الإمام (عليه السلام) من نفس السنة التي استشهد فيها الإمام الحسين (عليه السلام).

308 - هل صحيح أنّ مسلم بن عقيل (عليه السلام) تطيّر وهو في الطريق؟

*

باسمه جلت أسماؤه: قيل ذلك، ولكنّه مستبعد غايته، ومع ذلك فإنّ مجرّد التشاؤم ما لم يترتّب عليه أثر عملي لاحزازة فيه، وهو من جملة ما امتنّالله برفعه عن هذه الاُمّة في حديث الرفع.

309 - روي الواقدي: «لمّا دخل المسلمون مدينة البهنسا بمصر بعد حصار طويل، دخل مسلم بن عقيل في جملة الهاشميّين وهو يقول:

ضناني الحرب والسهر الطويل

فهل في هذه الأبيات ذمّ لعقيل بن أبي طالب؟

باسمه جلت أسماؤه: قوله (عليه السلام): «وما أبدى جوابك يا عقيل» - على فرض صدوره عنه - لعلّه إشارة منه لجواب والده عقيل (رضي الله عنه) لمعاوية، عندما طلب منه أربعمائة درهم، فسأله معاوية: وما تصنع بها؟

فقال: أشتري بها جارية.

فقال له معاوية: وما تصنع بجارية بأربعمائة درهم، وتكفيك جارية بأقلّ

ص:158

من ذلك؟

فأجابه عقيل: لتلد لي غلاماً إذا أعطيته يضرب رأسك بالسيف، فهو في هذا العجز من البيت يشير إلى ذلك، وأنّ الله تعالى قد حقّق لعقيل مأموله. ولكنبما أنّ قضايا ورود عقيل بن أبي طالب على معاوية من القضايا المشكوكة تاريخيّاً; لذلك فالتوجيه المذكور لايخلو عن حزازة، والصحيح أنّه (عليه السلام) أراد بما قال مخاطبة والده عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه) وطمأنته بأنّه ماض في سبيل الأخذ بثأرات عميه جعفر بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).

310 - لماذا لم يشرب العبّاس (عليه السلام) الماء مع العلم أنّه مقدّمة لواجب، وهو إنقاذ نفسه ونفس غيره؟

باسمه جلت أسماؤه: لاسبيل للجزم بأنّ شرب الماء كان وسيلة لإنقاذ مولانا قمر بني هاشم (عليه السلام) لنفسه ولغيره، سيّما مع علمه بالمصير الحتمي الذي أفصح عنه سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وعلى فرض توفّر الشواهد التاريخيّة على كون شربه للماء وسيلة للنجاة، فإنّه لم يعلم أنّ ذلك كان وظيفته الفعليّة; إذ الظاهر من قوله (عليه السلام) في الرجز المشهور عنه: «تالله ما هذا فعال ديني» أنّ شرب الماءكان محرّماً في حقّه، وهو الأعلم بوظيفته وتكليفه، كيف لا؟ وهو الذي قال المعصوم (عليه السلام) في حقّه بأنّه: «زُقَّ الْعِلْمَ زِقّاً».

311 - هل السيّدة زينب (عليها السلام) والعبّاس (عليه السلام) معصومان؟ وما هي الأدلّة على عصمتهما؟

باسمه جلت أسماؤه: كلاهما (عليهما السلام) لهما من الفضائل والمناقب والكمالات ما يجعلهما تاليين للمعصومين (عليهم السلام)، فليس بعد المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) أفضل منهما، ولكنّ العصمة الثابتة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) منحصرة بهم فقط.

ص:159

312 - ما مدى صحّة الرواية المنقولة عن السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد (سلام الله عليهم)

في كتاب الغيبة للطوسي، والتي تقول: «أوصى الحسين بن عليّ (عليه السلام) إلى اخته زينب في الظاهر، فكان ما يخرج من الإمام زين العابدين (عليه السلام) ينسبإلى زينب سرّاً»؟

باسمه جلت أسماؤه: الرواية معتبرة لاإشكال فيها.

313 - هل قبر السيّدة زينب (عليها السلام) موجود في سوريا أم في مصر؟

باسمه جلت أسماؤه: المعروف تاريخيّاً أنّها (صلوات الله عليها) خرجت من مدينة جدّها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) متوجّهة إلى مصر; لوجود زوجهاوابن عمّها عبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) هناك، وهل مرّت بالشام فماتت هناك، أو أنّها وصلت إلى مصر وماتت فيها، أو أنّها وصلت ورجعت مارة على الشام فماتت؟ كلّ ذلك محتمل ومنقول، ولكن سيرة عموم الشيعة ترجّح كونها دفنت في الشام ذاهبة أو راجعة من سفرها.

314 - هل كان عليّ الأكبر (عليه السلام) متزوّجاً؟

باسمه جلت أسماؤه: جاء في زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) له (عليه السلام) أنّه قال:

«صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وَعَلى عِتْرَتِكَ، وَأَهْلِ بَيْتِكَ، وَآبائِكَ، وَأَبْنائِكَ، وَاُمَّهاتِكَ الاَْخْيار، الَّذينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهيراً»، وهي صريحة في كونه متزوّجاًوذا ذرّيّة، هذا مضافاً إلى وجود رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) تدلّ على أنّه كان متزوّجاً من امّ ولد، ولعلّه بلحاظ هذه الجهة كان يُكنّى بأبي الحسن.

315 - ما رأيكم في قضيّة زفاف القاسم (عليه السلام)

التي رواها الطريحي في المنتخب، والسيّد البحراني في مدينة المعاجز، والحائري في معالى السبطين، والشعراني في ترجمة نفس المهموم، وغيرهم في غيرها؟

باسمه جلت أسماؤه: رأيي في ذلك هو نفس ما ذكره العلاّمة

ص:160

المامقاني (قدس سره) حيث قال: «وأمّا ما أرسله في المنتخب من إرسال قصّة تزويجه فلم أقف، ولاسائر أهل التتبّع، على ذلك في شيء من كتب السير والمقاتل المعتبرة».

316 - ماهي الأوجه المحتملة لشقّ الإمام الحسين (عليه السلام) أزياق القاسم بن الحسن (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: جاء في رواية مدينة المعاجز: «ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) شقّ أزياق القاسم، وقطع عمامته نصفين، ثمّ أدلاها على وجهه، ثمّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن، وشدّ سيفه بوسط القاسم، وأرسله إلى المعركة»، والظاهر من ذيل الرواية - مع قطع النظر عن مسألة اعتبارها وعدمه - أنّ شقّ الأزياق كان بغرض جعل الثياب على هيئة الكفن.

317 - كم كان عمر السيّدة سكينه بنت الحسين (عليهما السلام) في واقعة الطفّ، مع ملاحظة تسمية الحسين (عليه السلام) لها بخيرة النسوان؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ عمرها كان ثمانية عشر سنة; لأنّ ولادتها مؤرّخة بسنة 12 من الهجرة النبويّة المشرّفة.

318 - هناك بعض الكتب تذكر أنّ السيّدة سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) مغنّية وشاعرة وأديبة،

تجتمع بالكثير من الشعراء والمغنّين والاُدباء المعروفين في التأريخ، ومن هذه الكتب: كتاب الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب أعلام النساء لعمر كحّالة، فما هو رأي سماحتكم بهذا الكلام؟

باسمه جلت أسماؤه: الذي وردنا في حقّ هذه السيّدة المعظمة (فداها نفوسنا) قولُ والدها سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام):

«وَأَمّا سكينة فَغالِبٌ عَلَيْها الاسْتِغْراقُ مَعَ اللهِ»، وقوله هذا يكذّب كلّ ما قيل في حقّها - ممّا ورد ذكره في السؤال - فإنّكلّ ذلك لم يذكر إلاّ في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وفي ذلك ما فيه، إذ المؤلّف أمويّ خبيث، والمؤلَّف كتابُ لهو ومجون.

319 - مَن هو برير الذي استشهد مع الحسين (عليه السلام)؟

ص:161

باسمه جلت أسماؤه: برير كان عابداً زاهداً قارئاً للقرآن، بل كان من شيوخ القرّاء، وقيل إنّه كان أقرأ أهل زمانه، وكان من عباد الله الصالحين، كماكان شجاعاً جليلا من أشراف الكوفة، وله في الطفّ قضايا ومواعظ وكلمات تكشف عن قوّة إيمانه.

320 - ما مدى وثاقة حميد بن مسلم الراوي لواقعة الطفّ؟

باسمه جلت أسماؤه: حميد بن مسلم ليس له ذكر في الرجال، سويما ذكره الشيخ الطوسي (قدس سره) في رجاله من أنّه من أصحاب الإمام السجاد (عليه السلام)، وظاهره كونه إماميّاً، غير أنّ حاله من حيث الوثاقة وعدمها مجهول لدينا، ومع ذلك لامانع من الأخذ بما ينقل; لظهور أخباره في كونه شخصيّة محايدة، لايهمّها سوى تسجيل الوقائع ونقلها للآخرين، فمهمّته كانت أشبه بمهمّة الصحفي في زماننا.

321 - رويَ عن الأعمش قال:

«دخلت على الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العبّاس، وهو باك حزين، يقول له: لقد ماتت جدّتي امّ البنين»، فما مدى اعتبار هذه الرواية عندكم؟

باسمه جلت أسماؤه: لم يثبت اعتبار الرواية المذكورة; لأنّها لم تردفي شيء من المصادر المعروفة.

322 - هل هناك روايات تحدّد يوم وفاة ام البنين (عليها السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: لم أجد تاريخاً لوفاتها إلاّ ما ذكره بعض المعاصرين من أنّها توفّيت في اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الثانية سنة أربعة وستّين من الهجرة النبويّة الشريفة، ولم يُعلم مصدره الذي اعتمد عليه.

323 - ما رأيكم في القول بتحديد يوم وفاة امّ البنين (عليها السلام) باليوم الثالث عشر من شهر جمادى الثانية؟

باسمه جلت أسماؤه: ظهر من الأجوبة المتقدّمة عدم إمكان تحديد

ص:162

يوم وفاتها (عليها السلام)، فلستُ أثبته كما لاأنفيه.

324 - هل هناك بأس في تخصيص يوم الثالث عشر من جمادى الثانية لإقامة العزاء على امّ البنين (عليها السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: لابأس بذلك، بل هو - بداعي الرجاء - أمر جيّد وحسن.

325 - على فرض جواز الاحتفاء بذكرى وفاتها في اليوم المذكور، فهل يجب الاقتصار في أداء النذورات المرتبطة بوفاتها على اليوم المذكور، أم يصحّ أداؤها في يوم آخر؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ تاريخ الوفاة غير ثابت، والاحتياط بالموافقة القطعيّة حرجيٌ أو غير ممكن، فيكتفى في مقام الامتثال بالموافقة الاحتماليّة، وهي تتحقق بأداء النذور في اليوم المذكور.

ص:163

تأريخ الإمام زين العابدين (عليه السلام)

326 - هل تمّ إرجاع الحجر الأسود إلى موضعه بعد تغييره؟

باسمه جلت أسماؤه: المرويّ تأريخيّاً أنّ الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) هو الذي نصب الحجر الأسود في مكانه في زمن الطاغية الحجّاج، وقبل ذلككان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وضع الحجر الأسود مكانه حين بنت قريش الكعبة، وتشاجروا أيّهم يضع الحجر في موضعه.

327 - مَن الذي دفن الإمام الحسين (عليه السلام)، فهناك من يقول إنّه الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وهناك من يقول إنّهم بنو أسد؟

باسمه جلت أسماؤه: الحقّ الثابت تاريخيّاً وروائيّاً أنّ الدافن هو الإمام زين العابدين (عليه السلام).

328 - كيف وصل الإمام السجاد (عليه السلام) إلى كربلاء، وتمكّن من دفن الأجساد الطاهرة؟

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من بعض الأخبار أنّه (عليه السلام) قد وصلعن طريق طيّ الأرض، ولايخفى أنّ مثل هذه التنقّلات الخارقة للعادة ليست بعزيزة على الله تعالى، وقد حصلت للعديد من الأنبياء والأوصياء، كما أشارت إليه عدّة من الآيات والروايات.

329 - ما هو المرض الذي كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يعاني منه خلال واقعة الطفّ؟

وفي زمن أيّ إمام كان المختار الذي أخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وكيف أخذ بالثأر من قتلته؟

باسمه جلت أسماؤه: المذكور في بعض الأخبار أنّ مرض الإمام السجّاد (عليه السلام) في كربلاء كان هو (الذرب)، وهو الداء الذي يعرض المعدة فلا تهضم

ص:164

الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه. وأمّا المختار فقد كان معاصراً للإمام زين العابدين (عليه السلام)، حيث كان ظهوره بالكوفة لأربعة عشر ليلة بقيت من ربيع الآخرسنة (66) وأرسل إبراهيم بن الأشتر إلى حرب ابن زياد لسبع خلون من المحرّمسنة (67)، وكان يقول: «لايسوغ لي طعام وشراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن علي وأهل بيته»، فقتل عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى بن يزيد، وغيرهم ممّن شارك في قتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، وكانت مدّة إمارته على الكوفة

سنة ونصف السنة، وبعدها استشهد (رضوان الله عليه) وهو في السابعة والستّينمن العمر.

ص:165

تاريخ الإمام الرضا (عليه السلام)

330 - ما هو رأي سماحتكم في صحّة معجزة الإمام الرضا (عليه السلام)

عندما أرسل المأمون 30 رجلا لقتل الإمام الرضا (عليه السلام) فقطّعوا جسده بالسيوف إرباً إرباً، وفي اليوم التالي رأوا الإمام واقفاً يصلّي في داره؟ وما هو رأي سماحتكم في صحّة معجزة الإمام الرضا (عليه السلام) لما نال منه حميد بن مهران، فأشار الإمام (عليه السلام) إلى صورتين لسبعين على مسند المأمون، فانقلبتا بقدرة الله إلى سبعَين مفترسَين، وانقضّا على عدوّ الله فافترساه؟

باسمه جلت أسماؤه: هذه الاُمور ممكنة بالنسبة إلى الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) لأنّ لهم الولاية التكوينيّة، وهي ولاء التصرّف التكويني، والمراد بها كون زمام أمر العالم بأيديهم، ولهم السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاؤوا إعداماً وإيجاداً، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته واختياره، بمعنى أنّ الله تعالى أقدرهم وملّكهم كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، وكلّ زمان سلبَ تعالى عنهم القدرة بل لم يُفضها عليهم انعدمت قدرتهم وسلطنتهم، وبذلك يظهر أنّ الحادثتين المذكورتين في السؤال حادثتان ممكنتان جدّاً، ولا غرابة فيها.

331 - مَن الذي دفن الإمام الرضا (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: هو الإمام الجواد (عليه السلام)، وفي خبر طويل قال الإمام الرضا (عليه السلام):

«مَنْ أَمْكَنَ عَليَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَنْ يَأْتي كَرْبَلاءَ فَيَليَ أَمْرَ أَبيهِ، فَهُوَ يُمَكّن صاحِبَ ه - ذا الاَْمْرِ أَنْ يَأْتي وَيَلي أَمْرَ أَبيهِ، ثمّ يَنْصَرِفْ».

ص:166

الفصل الخامس: أسئلة وأجوبة حول الإمام المهديّ (عج)

اشارة

ص:167

ص:168

ولادة الإمام المهدي (عج) وعمره

233 - هنالك بعض أهل السنّة يؤمن بولادة الإمام المهدي (عج)، فكيف تسنّى لهم معرفة ولادته، مع أنّها كانت سرّاً خوفاً من بني العبّاس، ولم يخبر بها الإمام العسكري (عليه السلام) إلاّ الثقات المقرّبين فقط؟

اشارة

*

باسمه جلت أسماؤه: ولادة إمام الزمان إنّما كانت محاطة بالسرّيّة في وقتها حفاظاً عليه من أن تطاله يد الظالمين، وأمّا بعد شهادة والده الإمام العسكري (عليه السلام) فقد تفشّى خبر ولادته، ولم يكن سفراؤه والذين تشرّفوا برؤيته حينئذ مأمورين بالسرّيّة والكتمان، فصار ذلك موجباً لشيوع العلم بولادته (أرواحنا فداه).

333 - قد يتذرّع البعض في تشكيكه بأحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) بتضعيفابن خلدون لبعضها في مقدّمته، فما هو الجواب عن ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: لايوجد في الإسلام موضوع ديني وردت فيه آلاف الأحاديث والروايات من طريق العامّة والخاصة كموضوع الإمام المهدي (عج)، وبالتالي فضعف بعضها لايضرّ; إذ الكثرة المذكورة تجعل الموضوع متواتراً قطعيّاً لايقبل الشك.

334 - الإمام المهدي (عج) لايصيبه الهرم بمرور الأيّام والليالي، فما السبب؟

باسمه جلت أسماؤه: الهرم يعقبه الفناء بشكل طبيعي، ويحول بين صاحبه وبين القيام بالمهمّات الصعبة كمهمّته على الأقلّ، ومن هنا اقتضت الحكمة أنّه يبقى شابّاً ليتمكّن من القيام بالمهمّة على أكمل وجه.

ص:169

335 - هل يمكن الاستدلال بآية أهل الكهف:

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَة سِنِينَوَازْدَادُوا تِسْعاً (1) ، ومثلها: وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم (2)(على قدرة الله تعالى على إطالة أعمارهم وحفظ أجسامهم، فعلى الرغم من بقائهم بالكهف 903 سنة، إلاّ أنّهم حُفظوا في أجسامهم، بدليل تعرّفهم على بعضهم البعض،

وعدم تأثّرهم بالسنين التي مضت عليهم، بأن قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو أخذت السنين مجراها على أجسادهم لمّا قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، وبالتالي يحتجّ بالقرآن على مَن يقول بعدم إمكانية بقاء الحجّة (عج) (عليه السلام) كلّ هذه السنين؟

*

باسمه جلت أسماؤه: نعم، الاستدلال المذكور صحيح ومتين، ولك أن تضيف إليه بأنّ ظاهر الاُمور أنّ إطالة الحياة أقلّ كلفةً من إعادتها، فمن آمنَ بإعادة الحياة لأهل الكهف بمقتضى الآيات المتقدّمة، لزمه بالأوّلويّة القطعيّة أن يؤمن بإمكان طول حياة الإمام المهدي (عج).

شؤون الإمام المهدي (عج) وصفاته

336 - ما رأي سماحتكم في الولاية التكوينيّة للأئمّة (عليهم السلام)؟

وإذا كانت الولاية التكوينيّة ثابتة لهم (عليهم السلام) فهل هذا يعنى أنّ الإمام المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يتحكّم في الظواهر الطبيعيّة في الكون حالياً مع عدم الاستقلاليّة عن الله (عزّ وجلّ)؟ أو أنّه (عليه السلام) فقط يعلم بالظواهر ولكنّه لايتحكّم فيها؟

باسمه جلت أسماؤه: لا ريب في ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، ومنهم إمام العصر وسلطان الزمان (أرواح مَن سواه فداه)،

ص:170


1- (1) الكهف 25:18.
2- (2) الكهف 19:18..

وأمّا كيفيّة إعماله لولايته هذه فعلم ذلك عند الله تعالى وعنده.

337 - يقول بعضهم: لايخلو مكان من الإمام الحجّة (عج)، وكلّ شيء يأتينامن الله يكون بواسطة الإمام الحجّة (عج) (عليه السلام)، فما هي صحّة مثل هذه الكلمات؟

باسمه جلت أسماؤه: المراد من الجملة الاُولى رعاية الإمام (عليه السلام) التامّة لكلّ أهل الأرض، بما هو خليفة الله تعالى فيهم، ويمكن أن يقال ذلك في حقّ الملك والرئيس للكناية عن بسط قدرته وشمول رعايته وعنايته، مع الفارق الشاسع طبعاً بين خليفة الله وخليفة الناس. والمراد من الجملة الثانية ما يشير إليه دعاء العديلة، حين يقول:

«وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرى، وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الاَْرْضُ وَالسَّماءُ»، أي ببركة وجوده تُفاض النعم على العباد; إذ لولا الحجّة (عج) لساخت الأرض بأهلها، كما جاء ذلك مستفيضاً في العديد من الروايات.

338 - لقد قرأت في كتاب المصباح للكفعمي أنّ الإمام الحجّة (عج) (أرواحنا له الفداء) متزوّج من بنات أبي الشيب، فمن هنّ؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الرويات الدالّة على كون الإمام متزوّجاً وله أولاد، غير نقيّة السند، وما ورد في بعض الأدعية لايصلح للاستدلال، وبذلك يظهر أنّ دعوى - كون زوجة الإمام من بنات أبي الشيب - عهدتها على مدّعيها، مع الالتفات إلى أنّنا لم نعثر على الدعوى المذكورة في كتاب المصباح.

339 - لماذا سمّي الإمام صاحب العصر والزمان ب - (القائم)؟

باسمه جلت أسماؤه: وجه تسمية الإمام المهدي (عج) بالقائم يُستفاد من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله):

«مِنْ أَهْلِ بَيْتي إثْنى عَشَرَ نَقيباً نُجَباء، مُحَدّثونَ مُفَهّمونَ، آخِرهُمْ الْقائِمُ بِالْحَقِّ، يَمْلاَها عَدْلا كَما مُلِئَتْ جَوْراً».

340 - هل هنالك نصوص تفيد أنّ الإمام المهدي (عج) ابن أمَة، أي أنّه أسمر

البشرة، وذلك ليكون فتنة تميّز الصادق عن الزائف؟

ص:171

باسمه جلت أسماؤه: هنالك لدينا بعض الروايات التي تصف الإمام (عليه السلام) بأنّه ابن أمَة، وقد جاء في بعض النسخ وصف امّه (عليه السلام) بالسوداء، ولكنّها زيادة لم ترد في النسخ الاُخرى الأكثر اعتماداً، ممّا يوجب وهنها وعدم اعتبارها، وأمّا وصفه بأنّه أسمر البشرة فلم يرد في شيء من النصوص بحسب ما تفحّصناه، بل أقرب وصف وجدناه لهذه الصفة أنّه بين السمرة والبياض، هذامع العلم أنّ الروايات في تحديد صفته مختلفة ومتعدّدة، وبعضها يقول: إنّه شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخَلْق والخُلُق.

341 - الكنية الشائعة للإمام المهدي (عج) هي (أبو صالح)، ولكنّ الحديث الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ينصّ على أنّ إسم الإمام هو إسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكنيته كنيته، ممّا يعني أنّ كنية الإمام يجب أن تكون (أبو القاسم)، فأيّ الكنيتينهي الصحيحة؟

باسمه جلت أسماؤه: كون كنيته (عليه السلام) هي (أبو القاسم) لايعني عدم وجود كنية اخرى له، وقد ذكر المحدّث النوري (قدس سره): أنّ للإمام كنيتين (أبو القاسم) و (أبو صالح).

342 - العديد من المؤمنين يتساءلون عن الطريقة التي سيموت بها الإمام المهدي (عج)، وإذا كان (عليه السلام)

سيستشهد فهذا يعني أنّ الغاية من كلّ مسيرة الأئمّة (عليهم السلام) ومن غَيبة الإمام الطويلة -

وهي تحقيق الكمال للبشريّة وتوجّههم للدين - لن تتحقّق، فما هو قولكم في ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه: نقلَ صاحب كتاب إلزام الناصب: أنّه إذا تمّت السبعون سنة، أتى الحجّة (عج) الموت، فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة، ولها لحية كلحية الرجال، بجاون صخر من فوق سطح، وهو متجاوز في الطريق. وفوزه بالشهادة لايتنافى مع بلوغ البشريّة قمّة الكمال، فإنّ الكمال للمجموع، وليس لكلِّ فرد فرد.

ص:172

غيبة الإمام المهدي (عج) وخصائصها

343 - لماذا طالت غيبة الإمام الحجّة (عج) (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: طول الغيبة وقصرها منوطان بتحقّق عوامل الظهور وعدم تحقّقها، وبما أنّ جميع العوامل والأسباب لم تتحقّق حتّى يوم الناس هذا; فلذا طالت الغيبة ولم يتحقّق الظهور حتّى الآن.

344 - ما هي وظيفة الإمام المهدي (عليه السلام) في زمن الغيبة؟

باسمه جلت أسماؤه: وظيفة الإمام المهدي (عج) في زمن غيبته هي نفسها وظيفة سائر آبائه المعصومين (عليهم السلام) في زمن حضورهم، فهو قائم بسائر أدوار وشؤون الإمامة والخلافة الإل - هيّة، إلاّ ما يمنعه عنه المانع كالتبليغ المباشر.

345 - ما هي فائدة الإمام وهو غائب عن الأنظار؟

باسمه جلت أسماؤه: ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام):

«لَوْ خَلَتِ الاَْرْضُ طَرْفَةَ عَيْن مِنْ حُجَّة لَساخَتْ بِأَهْلِها»، ومثل هذه الرواية أو بمعناها الكثير، وهذا يدلّ باختصار على أنّ وجود الإمام أمان لأهل الأرض من جميع الجهات.

346 - ألا يلزم تدخّل الإمام المهدي (عج) لرفع المصائب التي تلاحق أتباع أهل البيت (عليهم السلام)

في العراق، سيّما وأنّ بعض المؤمنين قد أصابهم اليأس، وصاروا يشكّكون في وجوده تأثّراً بالكاتب المنحرف أحمد الكاتب؟

باسمه جلت أسماؤه: المصائب التي تعصف بالعراق وأهله كما هي بمرأى الإمام المهدي (عج) فهي قبل ذلك بمرأى الله (سبحانه وتعالى)، وكماأنّ المصلحة لاتقتضي الآن أن يرفع الله هذه المصائب بالمباشرة، كذلك لاتقتضي أن يرفعها عن

طريق وليّه الحجّة (عج) المنتظر، وإذا كان البعض قد شكّكفي وجود الإمام لعدم تدخّله، فعليه أن يشكّك - قبل ذلك - في وجود

ص:173

الله (تعالى شأنه) لعدم تدخّله أيضاً.

347 - ما هو رأيكم في الروايات التي تصرّح بأنّ كلّ راية قبل خروج الحجّة (عج) راية ضلال، وأنّ صاحبها طاغوت يُعبد من دون الله؟

باسمه جلت أسماؤه: بعد أن قامت الأدلّة القطعيّة على لزوم تشكيل الحكومة الإسلاميّة في زمن الغيبة، كما أوضحنا ذلك في كتاب فقه الصادق(1) ، فكلّ رواية تتنافى مع ذلك - ولو كانت صحيحة السند - لابدّ من توجيهها بما لايتنافى مع ما نقطع به، ومن ذلك أن تُحمل الرواية في مفروض السؤال على خصوص رايات الضلال، والتي تدعوا إلى غير نهج أهل البيت (عليهم السلام); ولذلك يكون صاحبها طاغوتاً يُعبد من دون الله.

ظهور الإمام المهدي (عج) وعلاماته

348 - هل أّن معرفة علامات ظهور الإمام المهدي (عج) مسألة اجتهاديّة خاصّة بالعلماء؟ أم هي عامّة للعوامّ والعلماء؟

باسمه جلت أسماؤه: علائم ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) المرويّة في كتب الأحاديث لايحتاج فهمها إلى الاجتهاد.

349 - ما هي علامات ظهور الإمام المهدي (عج)؟ وهل تحقّق منها شيء؟

باسمه جلت أسماؤه: علامات ظهوره على أقسام: العلامات العامّة، كانتشار الفساد، والعلامات التي تحدث قريب ظهور الإمام بسنوات قليلة، كالنار التي تظهر في السماء، والعلامات التي تحدث في السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام) أو في السنّة السابقة على سنة الظهور، وهذه العلامات قسمان: العلامات غير المحتومة، كخروج الهاشمي، وانكساف الشمس في وسط الشهر، وانخساف

ص:174


1- (1) فقه الصادق (عليه السلام): 169:16..

القمر في آخره، والعلامات المحتومة، وقد تحدّث عنها الإمام الصادق (عليه السلام) فقال:

«قَبْلَ قيامِ الْقائِمِ خَمْسُ عَلامات مَحْتومات: الْيَمانيُّ، وَالسُّفْيانيُّ، وَالصَّيْحَةُ، وَقَْتلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالْخَسْفُ بِالْبَيْداءِ».

350 - متى يكون وقت ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: أمّا بالنسبة لوقت ظهور الإمام المهدي (عج)، فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في إخباره عن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قوله:

«وَيَكْذِبُ فيهِ الْوَقّاتونَ».

وسأل الفضيل الإمام الباقر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟

فقال (عليه السلام):

كَذَبَ الْوْقّاتونَ، كَذَبَ الْوَقّاتونَ، كَذَبَ الْوَقّاتونَ».

وعن الإمام الصادق (عليه السلام):

«كَذِبَ الْمُوَقّتونَ، ما وَقّتنا فيما مضى، وَلاَ نُوَقِّتُفيما يُسْتَقْبَلُ».

وقال (عليه السلام):

«كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون»، والمراد من عدم التوقيت عدم تحديد السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام)، وإلاّ فقد وردت روايات كثيرة تحدّد العلامات الحتميّة لظهوره (عليه السلام)، وتجعل ظهور الإمام (عليه السلام) مقروناً بظهور تلك العلامات.

351 - هل يمكن حدوث البداء في جزئيات العلامات، دون كامل العلامة؟

باسمه جلت أسماؤه: غاية ما يُستفاد من الأدلّة الدالّة على حتميّة بعض العلامات عدم جريان البداء بالنسبة لأصل العلامة، وأمّا جريان البداء في جزئيّاتها وتفاصيلها إذا كان لايخلّ بتحقّق أصل العلامة، فدليل المنع قاصر عنه.

352 - هل تحقّقت إحدى العلامات الحتميّة حتّى الآن؟

باسمه جلت أسماؤه: إلى الآن لم يتحقّق شيء من العلامات الحتميّة الخمس.

ص:175

353 - هل نحن في زمن ظهور الإمام القائم؟ وكيف نكون من أنصار الإمام؟

باسمه جلت أسماؤه: ليس يمكننا الجزم الآن بكوننا مشارفين لزمن الظهور، وإن كان تحقّق بعض العلامات التي أشارت إليها الروايات الشريفة قديوحي بذلك.

354 - ما هو المتيقّن من علامات الظهور؟

باسمه جلت أسماؤه: ما ورد في الروايات عن علامات الظهور يشير إلى أن منها ما هو حتمي الوقوع ومنها غير حتمي، ومنها ما يحصل في زمن الغيبة، ومنها ما يكون مقارباً أو مقارناً لزمان الظهور، وهذا القسم الأخير من العلامات محدود جدّاً، وهي خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء.

355 - ما هو معنى الصيحة عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟

*

باسمه جلت أسماؤه: قد اتّفقت الروايات على أنّ الصيحة السماويّة من العلامات الحتميّة، وهي عبارة عن الصوت السماوي الذي يسمعه كلّ قوم بلغتهم، وقد جاء في بعض الأخبار أنّ المنادي هو جبرئيل، وفي بعضها الآخرأنّه ينادي بعبارة: «ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته».

356 - ورد في بعض الروايات أنّ الصيحة بالسماء صيحتان، واحدة لجبرئيل (عليه السلام) والاُخرى لإبليس، ويقول فيها: إنّ عثماناً وشيعته على حقّ، فما صحّتها؟

باسمه جلت أسماؤه: الرواية على ضوء بعض المباني الرجاليّة التي نعتمدها رواية معتبرة.

357 - حينما يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) كيف نعرف أنّه هو الإمام المهدي (عليه السلام) بعينه؟

باسمه جلت أسماؤه: يُعلم بالإمام من خلال العلامات التكوينيّة المقترنة بظهوره، والتي لايتسنّى لغيره تحقيقها، كالصيحة السماويّة مثلا، والخسف

ص:176

بالبيداء، كما أنّه حين الظهور ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) من السماء ويقتدي بالإمام (عليه السلام)، والمسيحيّون بعد رؤيتهم فعل عيسى (عليه السلام) يعتنقون الدين الإسلامي، ثمّ إنّ اليهود يجتمعون عند الإمام المهدي (عج) فيخرج لهم ألواح التوراة المدفونة في بعض الجبال، فيجدون فيها أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) وعلائمه، وحينها لايبقى يهودي إلاّ ويعتنق دين الإسلام.

358 - هل ورد ذكر مثلث برمودا في القرآن؟ أو في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: هذة التسمية لتلك المنطقة لم يزد عمرها على خمسين سنة تقريباً، وليس لها ذكر في النصوص الواصلة إلينا.

359 - هناك مَن يقول بأنّ مثلث برمودا هو المكان الذي يظهر منه الإمام المهدي (عج) فهل هذا صحيح؟

*

باسمه جلت أسماؤه: قال تبارك وتعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْم إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(1)

360 - هناك رواية تتكلّم عن علامات آخر الزمان، وتذكر منها قتلا يشمل أهل العراق، فهل هذا الذي نشاهده مطابق لتلك الرواية؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الواردة في علائم ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) تتضمّن علائم كثيرة، وتلكم العلائم تنقسم إلى أقسام ثلاثة: العلائم العامّة، والعلائم التي تحدث قريب ظهور الإمام (عليه السلام)، والعلائم التي تحدث في السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام).

وهذا القسم على نوعين: العلائم غير المحتومة، والعلائم المحتومة القطعيّة

ص:177


1- (1) الأنعام 144:6..

الوقوع. ومن قبيل القسم الثاني، أي العلامات التي تقع قبل قيامه، الخوف الذي يشمل العراق وأهله، وانتشار الموت الذريع فيه، ولكن لم يعلم أنّ هذه العلامة تتحقّق قبل قيامه بوقت قصير أم طويل.

361 - ما هو دور المرأة الموالية عند ظهور الإمام الحجّة (عج)؟

باسمه جلت أسماؤه: دورها هو نفسه دور المرأة في زمان دولة النبيّ العظيم (صلى الله عليه وآله).

362 - ما هي خصائص ومواصفات راية اليماني؟ وهل هو من اليمن؟

وما الدليل على ذلك; لأنّ بعضهم يقول إنّ التعبير عنه باليماني مأخوذ من اليُمْن والبركة؟

باسمه جلت أسماؤه: الوارد في الروايات أنّها راية حقّ، وأنّه ليسفي الرايات الثلاث أهدى منها; لأنّها تدعو إلى صاحبكم، كما أنّ الوارد هو خروجه من اليَمَن، ولادليل على كونه من نفس أهل اليمن، وبذلك يظهر وجه الخدشة في إرجاع اليماني إلى اليُمْن والبركة.

363 - اليماني هل هو مجتهد، بحيث إذا ظهر يكون قوله حجّة على الناس؟

فمثلا إذا دعا الناس إلى تشكيل جيش لقتال السفياني هل يجوز للعلماء والعوام أن يرفضوا الدعوة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: حجّيّة أقوال اليماني وأوامره مكتسبة من أمر المعصوم (عليه السلام) بمتابعته وامتثال أوامره، والتي منها قول الإمام الباقر (عليه السلام): «وليسفي الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى; لأنّه يدعوكم إلى صاحبكم... وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنّ رايته راية هدى، ولايحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار; لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم».

364 - المجتهد أو المرجع هل هو مكلف بالبحث عن راية اليماني؟ وفي حالة وجودها هل يجب عليه الرجوع إليها؟

ص:178

باسمه جلت أسماؤه: لاشكّ في أن وظيفة المرجع - كغيره من سائر المكلّفين - هي البحث عن راية اليماني، وفي حالة وجودها يجب عليه الرجوع إليها بلا كلام ولاشكّ.

365 - هل يمكن تطبيق روايات اليماني على السيّد حسن نصر الله؟

باسمه جلت أسماؤه: صرّحت الروايات بأنّ اليماني يخرج من أرض اليمن في نفس السنّة التي يخرج فيها السفياني والهاشمي، وعند خروجهِ من الأرض المذكورة وخروج هؤلاء سيُعلم مَن يكون.

366 - ما رأي سماحتكم في الدجّال الأعور؟ هل هو حقيقة ثابتة؟ وما هي صفاته إن كان؟

*

باسمه جلت أسماؤه: الأحاديث الواردة في الدجّال مشوّشة ومضطربة مع كثرتها، والمتيقّن منها أنّ الدجّال رجل أعور، وأنّه يعرف شيئاً من السحر والتصرّف في الأعين، ولذا قيل إنّه يدّعي أوّلا النبوّة ثمّ الربوبيّة، وتنتهي حياتهفي فلسطين حين يأمر الإمام المهدي (عج) عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقتله ويريح العباد والبلاد من شرّه وفتنته.

367 - ما الفرق بين الدجّال والسفياني؟

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار أن الدجّال رجل أعور، وأنّه يعرف شيئاً من الشعوذة والسحر، فيخيّل للناس أنّه يمتلك قدرات خارقة للعادة، ولذلك لايبرح حتّى يدّعي النبوّة ثمّ الربوبيّة، ويُقتل في فلسطين على يد النبيّ عيسى (عليه السلام) بأمر الإمام المهدي (عج)، وأمّا السفياني فهو أمويّ النسب، سفّاك للدماء، يقتل البشر كما تقتل الحشرات، ويهتك ستور النساء المسلمات بكلّ صلافة واستهتار، ولايدع حراماً إلاّ أحله، ولاجريمة إلاّ ارتكبها، والأخبار الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام) حول تسلّطه على الشرق الأوسط مثل سوريا

ص:179

والعراق والمدينة المنوّرة والمناطق المجاورة لتلكم الأقطار كثيرة ومستفيضة.

368 - كيف نعرف صاحب النفس الزكية؟

باسمه جلت أسماؤه: من العلائم المحتومة ذبح النفس الزكيّة بينالركن والمقام في المسجد الحرام، واختلفوا في نسبه بعد ثبوت كونه منآل الرسول (صلى الله عليه وآله) هل هو حسني أم حسيني، وقد عُبّرَ عنه في الأخبار بالغلام، ويظهر من ذلك أنّه في أوّل شبابه، وتصرّح الروايات بأنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يرسله إلى أهل مكّة للاستنصار، فيذبحونه بين الركن والمقام، وعند ذلك يحلّ عليهم غضب الله تعالى، وبعد ذبحه بخمسة عشر يوماً يقوم المهدي (عليه السلام).

369 - يقول البعض إنّ الإمام لايظهر إلاّ مع اكتمال عدد أنصاره، وهذا يعني أنّ الشيعة الموجودين حالياً لايوجد فيهم شيعي حقيقي مهيّأ لنصرة الإمام، فماذا تقولون؟

*

باسمه جلت أسماؤه: ليست العلّة لغيابه أو ظهوره منحصرة بوجود الأنصار وعدمهم، فلا وجودهم سبب تامّ لظهوره، ولاعدمهم سبب تامّ لغيابه، بل غيابه وظهوره منوطان بأسباب وعوامل اخرى، بعضها يعود له (عليه السلام) وبعضها يعود لغيره.

370 - لقد رأيت في منام لي أنّه قيل لي: إنّ المهدي (عج) سيخرج من الجزائر متوجّهاً للمدينة، فهل رؤياي صادقة؟

باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الروايات ظهوره من مكّة المكرّمة، وهو المعروف بين علماء الطائفة، والذي يساعده الاعتبار أيضاً، وقد يكون للرؤيا المذكورة - على فرض صدقها - معنى آخر يرجع في معرفته لعلماء التعبير.

ص:180

دولة الإمام المهدي

371 - ما علاقة واقعة الطفّ بظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ واقعة الطفّ موجبة لاستمرار ثورة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وظهور الإمام المهدي (عج) موجب لاستمرار واقعة الطفّ، لأنّهيتحقّق تحت شعار (يا لثارات الحسين)، فإنّ العلاقة بينهما تكون علاقة التكامل.

372 - لماذا يختار الإمام صاحب العصر والزمان الكوفة عاصمة له؟

باسمه جلت أسماؤه: اختياره (عليه السلام) الكوفة عاصمة لدولته، لعلّه من جهة ما ورد في فضل الكوفة من الروايات، ففي خبر معتبر عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله (تبارك وتعالى) اختار من البلدان أربعة. فقال عزّ وجلّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الاَْمِينِ(1) وطور سينين الكوفة «(2).

وفي خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الكوفة روضة من رياض الجنّة، فيهاقبر نوح وإبراهيم، وقبر ثلاثمائة نبيّ وسبعين نبيّاً، وستّمائة وصيّ، وقبر سيّد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام)»(3) ، إلى غير ذلك من الروايات المتواترة.

373 - هل أنّ الإمام صاحب العصر عند الظهور سيأتي بقرآن غير القرآن الذي بين أيدينا، لوجود روايات عن الأئمّة المعصومين (سلام الله عليهم) يظهر منها

ص:181


1- (1) التين 1:95-3.
2- (2) معاني الأخبار: 364، الحديث 1. الخصال: 225، ضمن الحديث 58. وسائل الشيعة: 361:14، الحديث 4. بحار الأنوار: 383:96، ضمن الحديث 3 و 392:97، الحديث 20 و 21. موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام): 7:1، الحديث 1 و 7:2، الحديث 1.
3- (3) فرحة الغريّ: 98، الحديث 45. وسائل الشيعة: 378:14. بحار الأنوار: 405:97، الحديث 61..

أنّهم سمعوا بعض أصحابهم يقرأون القرآن، فأضافوا لهم بعض الكلمات على الآيات، فهل هذه الروايات معتبرة؟

*

باسمه جلت أسماؤه: القرآن الذي جاء به نبيّ الرحمة (صلى الله عليه وآله) بكماله وتمامه هو نفسه الموجود بين أيدينا، والإمام المهدي (عج) لايأتي بقرآن جديد، بل قرآنه هو نفسه هذا القرآن، والروايات المنافية لذلك روايات ضعيفة ردّها العلماء الكبار، وأحسن ما كتب في هذا الموضوع ما أفاده الاُستاذ السيّد الخوئي (قدس سره) في كتابه البيان.

374 - جاء في الرواية: «عند دخول الإمام إلى الكوفة يخرج له بضعة عشر ألف يدعون البتريّة،

يقولون له: ارجع يابن رسول الله، لاحاجة لنا ببني فاطمة، فالدين بخير والناس بخير»، والسؤال إذا كان هؤلاء من الشيعة فكيف لم يستطيعوا تشخيص الإمام وعلامات ظهوره، سيّما وأنّ الكوفة هي منبع العلم والعلماء، فهل يمكن أن يخطئ العلماء في تشخيص الإمام، وينصره شبه عبدة الأوثان والشمس والقمر؟

باسمه جلت أسماؤه: لا دلالة للرواية على أن اولئك من الشيعة فضلا عن كونهم من العلماء، بل ظاهر ذيل الرواية أنّهم من المنافقين، حيث جاء فيها: «فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب»(1).

375 - مَن هم أشدّ عداوة للإمام المهدي (عج) اليهود أم العرب عند الظهور؟

باسمه جلت أسماؤه: في رواية عن الإمام (عليه السلام) أنّه بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) واجتماع الناس عنده يخرج لهم الإمام ألواح التوراة المدفونة في بعض الجبال، فيجدون فيها أوصاف الإمام وعلائمه فلا يبقى يهودي إلاّ ويعتنق دين

ص:182


1- (1) الإرشاد: 384:2. روضة الواعظين: 265. تفسير العيّاشي: 64:1 و 261:2. الغيبة للنعماني: 279، عن الإمام الباقر (عليه السلام).

الإسلام، وبذلك لايبقى بين الإمام واليهود عداوة.

376 - هل من الصحيح القول بأنّ أهمّ آليّة يستخدمها الإمام المهدي (عج) لتحرير العالم من الظلم والجهل هو سلاح الحرب والقتل الجماعي وإيجاد أنهر من الدماء؟

أم أنّه يعتمد آليّة المبادئ العقليّة والمنطقيّة والوجدان الديني، وينادي فطرة البشر ويحاورهم، ويبعث لهم سفراء أينما كانوا، ممّا يجعلهم ينجذبون إليه وإلى ما يدعو إليه من العدالة، لكن الأقليّة من سكنة الأرض تتعرّض مصالحهم للخطر فيحاربونه ويجاهدهم؟

وبصياغة اخرى: هنالك عدّة روايات تصف حركة الإمام (عليه السلام) بأنّها قائمة على السيف، نظير «يقتل القائم (عليه السلام) حتّى يبلغ السوق» و «من كثرة ما يقتل هناك من يقول: ليس من آل محمّد، ولو كان من آل محمّد لرحم» و «من كثرة ما يقتل هناك من يقول: إنّه ليس من ولد فاطمة» و «يقطع رؤوس الناس كما يقطع القصاب رأس الذبيحة» و «يتّخذ سيرة غير سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأمير (عليه السلام) فلا يقبل التوبة» و «يقتل جميع الحيوانات المحرّم أكل لحمها» و «يبقر بطون الحوامل»، فهل هذه الروايات صحيحة؟ وكيف نوجهها؟

باسمه جلت أسماؤه: أكثر الأخبار التي تصف نهضة الإمام بأنّها نهضة دمويّة أخبار ضعيفة الأسناد، ولعلّها قد وضعت بغرض تشويه نهضته المباركة، وما صحّ منها يُحمل على جهاد اولئك الذين يرفضون دعوته، ويصرّون على حربه ومواجهته، وإلاّ فإنّ منهجه هو التسامح والدعوة بالتي هي أحسن، ولذلك ورد في العهد الذي يأخذه على أنصاره: «يبايعون على أن لايقتلوا، ولايهتكوا حريماً محرماً، ولايسبوا مسلماً، ولايهجموا منزلا، ولايخرّبوا مسجداً، ولايقطعوا طريقاً، ولايخيفوا سبيلا، ولايقتلوا مستأمناً، ولايتّبعوا منهزماً، ولايسفكوا دماً، ولايجهزوا على جريح».

ص:183

377 - وردت الروايات بخروج القائم ليقاتل بسيف جدّه (صلى الله عليه وآله)، وأنّه يقاتل بالسيف، فما هو المقصود منها؟

*

باسمه جلت أسماؤه: معنى ذلك أنّ الإمام (عليه السلام) سيقاتل كجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا دفاعيّاً من أجل الدين، حينما يعترض نهضته أعداء العدل والحقّ، ولايستجيبون لنصحه وتوجيهه، ولعلّ السيف إشارة لآلة الحرب، وليس لخصوص الآلة المعروفة; إذ من الممكن أن يستعمل (عليه السلام) أسلحة تفوق ما لدى الأعداء.

378 - طبقاً لأيّ شريعة أو قانون تحاكم الأقليّات في بداية عصر الإمام؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّه لايجوز بعد بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله) التحاكم لغير شريعته; لأنّ ما سواها منسوخ لها.

379 - هل يكون دور الفقهاء في دولة الحجّة (عج) كما هو في عصر الأئمّة (عليهم السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ الدور هو الدور إلاّ أنّ ذلك بعد التصفية والغربلة والاختبار.

380 - كيف ينتشر العلم في عصر الإمام المهدي (عج)؟

باسمه جلت أسماؤه: لامانع من الاستفادة من الوسائل الجديدة في عهده لنشر العلم، بل الظاهر أنّ له (عليه السلام) طرقاً اخرى تناسب عهده المبارك، كما يشير لذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام): «وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).

381 - هل تبقى دولة العدل العالميّة التي يقيمها الإمام المهدي (عليه السلام) إلى نهاية البشريّة؟

وهل أنّ يوم القيامة يحدث بعد موت المهدي (عليه السلام) بقليل أم بكثير؟

*

باسمه جلت أسماؤه: من الاُمور المتواترة التي نصّت عليها مئات

ص:184


1- (1) الغيبة للنعماني: 238. حلية الأبرار: 642:2..

الروايات، أنّ ائمّة أهل البيت (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات سوف يرجعون إلى هذه الدنيا، وهذا ما يعبّر عنه بعقيدة الرجعة، وهي تبدأ من بعد ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) وقبل شهادته، ويكون ابتداؤها برجوع الإمام الحسين (عليه السلام) ثمّ الأئمّة الآخرين واحداً بعد واحد، وتمتدّ فترة الرجعة قروناً طويلة حتّى تنتهي بيوم القيامة.

382 - هنالك الكثير من اللغط حول كيفيّة نهاية العالم، فهل وردت عندنا روايات

يمكن الأخذ بها تصف كيفيّة نهاية هذا الكون بعد موت الإمام المهدي (عج)؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة المتواترة بل فوق التواتر تدلّ على الرجعة، وقال المجلسي (رضوان الله تعالى عليه): «اعلم يا أخي، أنّي لاأظنّك ترتاب بعدما مهّدت وأوضحت لك في القول بالرجعة، التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتّى نظموها في أشعارهم، واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أعصارهم.

إلى أن قال: وكيف يشكّ مؤمن بحقّيّة الأئمّة (عليهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم، كثقة الإسلام الكليني والصدوق محمّد بن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي.

إلى أن قال: وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف».

383 - جاء في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله)

:«مَنْ ماتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمامَ زَمانِهِ ماتَ مِيْتَةً جاهِليَّةً»(1)، وإذا كان الإمام المهدي (عج) آخر الأوصياء، فمن سيكون الوصيّ بعده (عليه السلام) الذي مَن يموت ولم يعرفه يموت ميتة جاهليّة؟

ص:185


1- (1) كمال الدين: 409، كفاية الأثر للخزار القمّي: 296. وسائل الشيعة: 246:16

باسمه جلت أسماؤه: من معتقدات الشيعة الرجعة، وهي تعني أنّ الأئمّة جميعهم أو بعضهم (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات سوف يرجعون إلى هذه الحياة الدنيا، وتبدأ الرجعة بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقبل شهادته، ودلّت الروايات أنّ الرجعة تبدأ برجوع الإمام الحسين (عليه السلام) ثمّ الأئمّة الآخرين واحداً بعد واحد، وتمتدّ فترة الرجعة مدة طويلة.

وفي الخبر الموثق عن الإمام الصادق (عليه السلام):

«ويقبل الحسين (عليه السلام) فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته».

384 - هل هناك روايات تبيّن رجعة الإمام الحسين (عليه السلام)

، ومن ثمّ رجعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وما صحّة هذه الروايات؟

*

باسمه جلت أسماؤه: يقول العلاّمة المجلسي (قدس سره): «كيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مأئتي حديث صحيح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم... وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف». وكيف كان ففي كثير من الروايات ما دلّ على أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) لايفارق الحياة إلاّ بعد أن يرجع الإمام الحسين (عليه السلام) إلى هذه الدنيا، ويسلّم الإمام المهدي إليه الحكم والقيادة، وفي جملة من الروايات والزيارات المرويّة ما يدلّ على رجوع سائر الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً.

الإمام المهدي (عج) وأدعياء الرؤية

385 - ما هو رأيكم بالرواية المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام):

«مَن رآنا فقد رآنا فإنّ

ص:186

الشيطان لايتصوّر بنا»(1) فإنّها قد استغلّت من أصحاب رايات الضلال، حيث يضلّون الناس بقولهم سوف نريكم الإمام في المنام، وسيقول لكم اتّبعوا رايتنا، وحينئذ تجب عليكم طاعتنا; لأنّ الشيطان لايتصوّر بهم (عليهم السلام)، فمَن رآهم فقد رآهم؟

باسمه جلت أسماؤه: لاإشكال في صحّة الرواية المذكورة، إلاّ أنّ الرؤيا ليست من وسائل الإثبات شرعاً، إذ أنّها لايمكن التعويل عليها لإثبات حكم شرعي فرعي، فكيف يصحّ الاستناد لها لإثبات عقيدة دينيّة مهمّة؟!

386 - لو ادّعى شخصٌ مّا رؤية الإمام (عليه السلام)، فهل يعني ذلك وصوله إلى مرتبة من الكمال؟

باسمه جلت أسماؤه: قد ورد عنه بأنّ من ادّعى الرؤية فكذّبوه، وبضميمة أنّ جماعة ممّن لايحتمل في حقّهم الكذب قد تشرّفوا برؤيته قطعاً، فيحمل ما وردَ عنه على أنّ مَن رآه لايدّعي، فالمدّعي للرؤية كاذب.

387 - ظهر في الآونة الأخيرة - وتحديداً في البصرة من العراق - شخص يُسمّى أحمد الحسن، يقول:

أنا وصي ورسول الإمام المهدي)، وأنا اليماني الموعود، وأوّل المهديّين، وأوّل مَن يمهد إلى

الإمام المهدي (عج)، ومن لم يتّبعني فهو ضالّ ومن أهل النار، وتوجد هنالك شريحة من المجتمع تتّبعه، فهل هذا الشخص صاحب دعوة حقّة؟ وما هي نصيحتكم لهذه الشريحة التي تتّبعه؟

باسمه جلت أسماؤه: كلّ مَن يدّعي مقاماً إل - هيّاً، فاللازم عليه إقامة البرهان والدليل; ولذلك قالوا: إنّ مدّعي النبوّة أو الإمامة لابدّ وأن تكون له معجزة مثبتة لما ادّعاه، ولو لم يُعتبر ذلك لما بقي حجر على حجر.

ص:187


1- (1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من رآني في منامه فقد رآني; لأنّ الشيطان لايتمثّل في صورتي، ولافي صورة أحد من أوصيائي، ولافي صورة أحد من شيعتهم». عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 257/2..

هذا، ومَن قبل مِن مثل هذا المدّعي دعواه قبلَ أن يثبتها بالبرهان فهو ضالّ منحرف، سيّما وأنّ الأخبار قد تواترت على النهي عن متابعة كلّ مَن يدّعي السفارة ونحوها عن الإمام الحجّة (عج) المنتظر (أرواح مَن سواه فداه).

388 - ما هو حكم مَن يدّعي أنّ الإمام الحجّة (عج) قد كلّفه بتبليغ أمر معيّن للناس؟

باسمه جلت أسماؤه: قد دلّت الأخبار المعتبرة على أنّ كلّ من يدّعي رؤية الإمام المهدي (أرواح من سواه فداه) فكذّبوه، والمتيقّن من مورد هذه الروايات - على ما أفاده المحقّقون - هو مَن يدّعي السفارة عنه، أو يدّعي لقاءه به وتكليف الإمام له ببعض التكاليف، ومثل هؤلاء الأشخاص المدّعينبلية قد ابتليت بها الاُمّة الإسلاميّة منذ عشرة قرون وأكثر، ولايزال الحبل ممدوداً إلى هذا اليوم، وقد صدر التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) في ذمّ بعضهم ولعنه والبرائة منه بخصوصه.

389 - هنالك رواية مضمونها: «أنّ كلّ مَن ادّعى المشاهدة قبل السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر»،

وفي الوقت نفسه هنالك عدّة من علماء الإماميّة يدّعون اللقاء بالإمام، فهل يجب علينا تكذيبهم؟

باسمه جلت أسماؤه: لانعهد أحداً من علماء الإماميّة الحقيقيّين قد ادّعى المشاهدة، وقصص اللقاء المنقولة عن بعضهم - كالمقدّس الأردبيلي (قدس سره) - إنّما نقلها بعض من اطّلع عليها من خواصهم وتلامذتهم، مِن غير أن يدّعي ذلك أحد منهم.

390 - ظهرَ أخيراً شخص اسمهُ فلاح برهان حسين، وهو من نسب كردي واُمّه صابئيّة،

يدّعي أنّه الإمام المهدي (عج)، ويدّعي أنّ الإمام عبارة عن فكرة يمكن لها أن تتجسّد في شخص معاصر، وإن كان الإمام يولد في آخر الزمان، كما ويدّعي أنّ

ص:188

الإمام ليس من ولد الإمام الحسن العسكري والسيّدة نرجس، فما هو الموقف منه؟

باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة القطعيّة التي هي فوق حدّ التواتر في كتب الفريقين تدلّ على أنّ الإمام المهدي (أرواح مَن سواه فداه) هو ابن الإمام الحسن العسكري، وهو الثاني عشر من الأئمّة

الطاهرين (عليهم السلام)، وله غيبة طويلة لايظهر منها إلاّ في آخر الزمان، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن تملأ ظلماً وجوراً، وكلّ دعوى في قبال هذه الحقيقة دعوى زائفة وكاذبة.

391 - ظهر شخص في البصرة يدّعي أنّه مبعوث من قِبل الإمام المهدي (عج)، وأنّه اليماني الموعود، كما ويدّعي رؤية الإمام (عليه السلام)،

وأنّه مستعد للمناظرة والمحاججة والمباهلة على ذلك، فما هو رأي سماحتكم بهذا الخصوص؟

*

باسمه جلت أسماؤه: كل مَن يدّعي شيئاً يرتبط بهذا الأمر المهمّ، مع ما ورد من أنّ كلّ مَن يدّعي الرؤية فكذّبوه، لابدّ له من إثبات دعواه بالدليل القطعي، وإلاّ فالوظيفة تكذيبه.

392 - ظهرت حركة جديدة في الوسط الاجتماعي على يد شخص اسمه (أحمد الحسن)

تدّعي أنّها تمثّل الإمام المعصوم، ولزوم الرجوع إليها، وهي حركة اليماني كما يدّعون، وأنّها تتّبع ولداً من أولاد الإمام المهدي (عج)، ولديها عدّة أدلّة كما تدّعي، منها: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشّر الناس به، وذكر اسمه وصفته حيث قال في الليلة التي كانت فيها وفاته لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيّته حتّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا عليّ، إنّه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهديّاً، فأنت يا عليّ أوّل الاثنى عشر إماماً.

وساق الحديث إلى أن قال: وليسلّمها الحسن إلى ابنه م ح م د من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) فذلك إثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده إثنا عشر مهديّاً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها

ص:189

إلى ابنه أوّل المهديّين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أوّل المؤمنين».

هذا مضافاً إلى أنّ صاحب الحركة يتبنّى دعوة العلماء للمناظرة في القرآن الكريم، ليثبت أنّه مرسل من الإمام المهدي (عج)، كما ويدّعي أنّه يخبر بالأخبار الغيبيّة والرؤيا الصادقة والمكاشفات، وغير ذلك من الاُمور، فما هو الموقف من هذه الحركة؟

باسمه جلت أسماؤه: إنّ الدعوى التي يدّعيها هؤلاء المرجفون لاريب في كذبها وبطلانها، وإنّ نفس الرواية التي يستندون إليها - والمُشار إليها ضمنَ السؤال - كافية لإبطال مزاعمهم وإظهار زيفهم; إذ هي صريحة في أنّ أوّل المهديّين هو ابن الإمام المهدي (عج) وأنّه يتسلّم مقاليد الاُمور من قِبل والده عند وفاته، وبما أنّه لاريب في أنّ إمامنا المهدي (عليه السلام) لا زال حيّاً يرزق، ولازال جميع الشيعة يتطلّعون إلى رؤية جمال طلعته المباركة، فهذا يعني أنّ مقاليد الاُمور - حتّى الآن -

لم يسلّمها لولده، وعليه فكيف يصحّ له التصدّي لها، وهي لم تُسلم له بعد؟!! ولعمري إنّ في هذا المقدار كفاية لاظهار زيف هؤلاء وإثبات دجلهم، وبه يتّضح بطلان سائر ما يتعلّق بدعواهم الزائفة هذه، ممّا أشرتم إليه في مجموع أسئلتكم، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد (عليه السلام) أي منقلب ينقلبون.

علاقة الشيعة بالإمام المهدي

393 - معرفة الأحكام الشرعيّة من الرسائل العمليّة، ومعرفة تفسير القرآنولو بالشكل المبسّط، هل تعدّ خطوة مهمّة لتهيئة قاعدة للإمام المهدي ونصرته (عليه السلام)، وبالذات تهيئة الفرد نفسه لهذا الأمر؟

*

باسمه جلت أسماؤه: تهيئة الفرد نفسه لظهور الإمام تتوقّف على إعداده لنفسه إعداداً روحيّاً وسلوكيّاً وثقافيّاً، فليس يكفي التفقّه في الدين بتعلّم

ص:190

الأحكام الشرعيّة من الرسائل العمليّة، وإن كان مهمّاً للغاية، بل لابدّ من العمل على طبقها، وتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، إلى جانب صقلها بمعرفة العقائد والمعارف الحقّة.

394 - هل القيام عند ذكر القائم مستحبّ أم مباح؟

باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّه مستحب راجح; لأنّه مروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) حيث كان يفعله كما في بعض الروايات عند ذكره، وفعله يدلّ على الرجحان.

395 - إذا قمت بأعمال نيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام) فهل يقل ثوابي أم يزداد؟

باسمه جلت أسماؤه: إذا كان إهداء الأعمال إلى غيره من موجبات تضاعف الثواب، فما بالك بالإهداء له (أرواحنا فداه)؟!

396 - ما هي مسؤوليّتنا قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه: مسؤوليّتنا قبل ظهوره (عليه السلام) تتلخّص في انتظار الفرج; لما وردَ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):

«أَفْضَلُ أَعْمالُ امَّتي انْتظار الْفَرَج مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(1).

وفي العلوي: «المُنتظِرُ لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(2).

وفي الصادقي:

«مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه»(3)، ومن الواضح أنّ َمن كان منتظراً لمجيء مَن يعتقد أنّه المصلح الحقيقي، ويشتاق إليه، ويسعى لجعل نفسه من الأفراد الذين يخدمونه، فقهراً يكون من العاملين بالوظائف الشرعيّة.

397 - هل خلق الله الإنسان لأجل العبادة فقط؟ وبتوضيح أكثر: نحن الآن نعيش

ص:191


1- (1) كمال الدين: 644.
2- (2) بحار الأنوار: 123:52.
3- (3) مكيال المكارم: 210:2..

في دوّامة الصلاة والصيام وعاشوراء والعمل، فهل نحن مخلوقون لأجل هذا فقط؟ وهل نحن الشيعة في هذا الزمان ليس لدينا أي تكليف سوى انتظار الفرج؟

باسمه جلت أسماؤه: كون الغاية من خلق الإنسان هي العبادة، هو صريح قوله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(1) ، وكفى بالعبادة غرضاً; إذ أنّها مرقاة تكامل النوع الإنساني، ولذا فإنّ الله تعالى قد وصف بها أنبياءه ورسله) عليهم السلام (في مقام مدحهم وتعظيمهم، فقال مادحاً نبيّه يوسف) عليه السلام: إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُ - خْلَصِينَ(2)

وقال مادحاً نوحاً النبيّ (عليه السلام): إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(3)

وقال أيضاً مادحاً موسى وهارون (عليهما السلام): إِنَّهُمَا مِن عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(4)

وقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ(5)

كما قال: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ(6)

وقال أيضاً: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ(7)

وقال كذلك: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى(8)

ومثل هذه الآيات كثير جدّاً، وكلّها ذات إشعار واضح على أنّ مقام العبوديّة من

ص:192


1- (1) الذاريات 56:51.
2- (2) يوسف 24:12.
3- (3) الصافّات 81:37.
4- (4) الصافّات 122:37.
5- (5) ص 17:38.
6- (6) ص 41:38.
7- (7) ص 45:38.
8- (8) الإسراء 1:17..

أرقى المقامات التي عظّم الله أنبياءه (عليهم السلام) من خلال وصفهم بها. والعبادة تعني الخضوع والتذلّل والتسليم لجميع أوامر الله تعالى ونواهيه، المرتبطة بمختلف شؤون حياة الإنسان الفرديّة والاُسريّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة ونحوها وبتجسيدها يتجسّد المصداق الكامل لانتظار الفرج، فإنّ انتظار الفرج ليس يتحقّق بالتخلّي عن الوظائف الدينيّة، وإنّما بالعمل على طبقها في جميع مجالات الحياة وشؤونها المختلفة.

398 - كيف نكون من أنصار الإمام؟

باسمه جلت أسماؤه: ليس يحتاج الإنسان لأجل أن يكون من أنصار الإمام المهدي (عج) إلاّ إلى امتثال الأوامر الإل - هيّة، وتحقيق جميع ما يرغبالإمام (عليه السلام) في تحقيقه، فإنّه بذلك يكون مرضيّاً عند الإمام (أرواحنا فداه) ومشمولا لعنايته.

399 - ما هي الأعمال التي تمكّن الإنسان من رؤية الإمام المهدي (عج)؟

باسمه جلت أسماؤه: رؤية الإمام وإن كانت شرفاً ما بعده شرف، إلاّ أنّها لاينبغي أن تكون الهمّ الأوّل للإنسان، بل الذي ينبغي أن يكون همّه ومصبّ اهتمامه هو كيفيّة الحصول على رضا الإمام، ونيل دعائه وبركاته، وليس يتمّ ذلك إلاّ بتطهير النفس من الرذائل، وتحليتها بالأخلاق والفضائل.

400 - كيف نكون قريبين من الإمام المهدي (عج)؟

باسمه جلت أسماؤه: زيارة الإمام الحجّة (عج) (عج) في كلّ يوم، وتكرار قرائة دعاء الفرج في القنوت وغيره، والتصدّق الدائم بنيّة دفع البلاء عنه (عليه السلام)، وإهداء الأعمال العباديّة لحضرته المباركة بصورة مستمرّة، كلّ ذلك ممّا يوجب التقرّب منه واستشعار وجوده في أغلب الأوقات.

ص:193

الفصل السادس: أسئلة وأجوبة حول علوم القرآن الكريم

اشارة

ص:194

ص:195

حدوث القرآن

401 - هل القرآن مخلوق؟

باسمه جلت أسماوه القرآن مخلوق; إذ ما في هذا الوجود إمّا خالقأو مخلوق، وحيث لايمكن أن يكون القرآن خالقاً; إذ لازمه الشرك في الذات، فلامحالة يكون مخلوقاً، والقول بقدم القرآن سيّئة من سيّئات التجسيم الباطل.

تحريف القرآن

402 - ما هو حكم مَن يقول بتحريف القرآن الكريم؟

باسمه جلت أسماوه أقول في القائل بالتحريف ما قاله سيّدنا الاُستاذ الخوئي قدس سره - بعد إثباته عدم تحريف القرآن - حيث قال: «قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لايقول به إلاّ من ضعف عقله، أو مَن لم يتأمل في أطرافه حقّ التأمّل، أو مَن ألجأه إليه حبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته».

403 - هل يوجد في القرآن والسنّة كلمات وحروف زائدة؟

باسمه جلت أسماوه ما قيلَ عنه في كلمات أهل اللغة: بأنّه من الحروف أو الكلمات الزائدة، ليس على نسق واحد، بل هو على ثلاثة أنحاء:

النحو الأوّل: ما يكون زائداً في الإعراب، بمعنى أنّه يقع في محلّ يكون مقحماً فيه بين العامل والمعمول، وإن لم يكن زائداً في المعنى; لتوقّف المعنى عليه، من قبيل قولهم: «جئتُ بلا زاد ولاراحلة»، أو قولهم: «عوقبت بلا ذنب».

ص:196

النحو الثاني: ما يكون زائداً في المعنى، بمعنى أنّ أصل المعنى غير متوقّف عليه، ولكنّه يكون عاملا من عوامل الإعراب، فيؤثّر أثره في الجملة والكلمات، وذلك من قبيل «من» و «الباء» الجارتين إذا وقعتا في حيز النفي والاستفهام.

النحو الثالث: ما لايندرج ضمن أحد النحوين المذكورين، وذلك من قبيل زيادة «كان» المتوسّطة بين فعل التعجّب وأداته، مثل قولهم: «ما كان أحسن هذا الخطيب».

إذا اتّضحت هذه الأنحاء الثلاثة، فمن الواضح أنّ النحو الأوّل ليس بزائد في الحقيقة، لتوقّف أصل المعنى المقصود عليه، كما أنّ النحوين الآخرين وإن كانا زائدين بحسب المعنى، إلاّ أنّهما غير زائدين بلحاظ الخصوصيّات التي يلحظها المتكلّمون زائدة على أصل المراد، كالتأكيد مثلا.

وعليه: فما عبّر عنه الاُدباء بالزائد هو في الحقيقة ليس بزائد، ولكنّهم توهّموا ذلك باعتبار توجّههم لحيثيّة معيّنة وإغفالهم للحيثيّات الاُخرى.

404 - هل القول بأنّ الآية ليست موضوعة في موضعها من التحريف؟

باسمه جلت أسماوه الصحيح عدم وقوع شيء من التحريف في القرآن الكريم، ومنه التقديم والتأخير في الآيات والسور; لكون النبيّصلى الله عليه وآله هو الذي تكفّل بجمع القرآن وترتيبه في حياته الشريفة.

405 - هنالك بعض الروايات الظاهرة في تحريف القرآن توجد في الكتب الأربعة المعتمدة عند علماء الشيعة، فهل كلّ الروايات الموجودة فيها صحيحة السند؟

وهل أصحاب الكتب الأربعة يقولون بالتحريف بمعنى الزيادة والنقصان؟

باسمه جلت أسماوه ليست كلّ الروايات الموجودة في الكتب الأربعة صحيحة السند، وحتّى على فرض القول بصحّتها - كما عن بعض أصحابنا الأخباريّين - فإنّ أصحاب تلكم الكتب لايقولون بالتحريف.

ص:197

406 - هل الشيخ المجلسي عليه الرحمة صاحب كتاب البحار يرى التحريف في القرآن الكريم;

لأنّ منهج الشيخ المجلسي منهج إخباري؟ وهل صحيح ما ينسب للشيخ المجلسي من أنّه يرى التحريف بمعنى الزيادة والنقصان؟

باسمه جلت أسماوه هذا كذب محض، فالشيخ المجلسي لايرى تحريف القرآن بمعنى الزيادة والنقصان، وإنّما يرى التحريف في القرآن بمعنينقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره، وهذا المعنى من التحريف لاخلافبين المسلمين في وقوعه في كتاب الله تعالى، فإنّ كلّ مَن فسر القرآن بغير حقيقته وحمله على غير معناه فقد حرّفه، وهذا ما يعبّر عنه بالتحريف المعنوي في قبال التحريف اللفظي.

407 - هل القول بالتحريف يستدعي رمي القائل به بالكفر أو الانحراف، سواء كان شيعيّاً أم سنّيّاً؟

*

باسمه جلت أسماوه القائل بالتحريف - زيادة أو نقيصة - لايجوز رميه بالكفر، فإنّ كلّ مَن تشهّد الشهادتين محكوم بالإسلام، إلاّ أن ينكرهما أو ينكر ضروريّاً من ضروريّات الدين لغير شبهة، مع التفاته إلى الملازمة بين الانكار وتكذيب المشرِّع.

408 - هل يوجد في علماء السنّة أو الشيعة من يقول بتحريف القرآن، بمعنى الزيادة والنقصان، وهل يستدعي ذلك تكفيره؟

باسمه جلت أسماوه يوجد من الطرفين مَن يقول بالتحريف - تصريحاً أو تلميحاً - ولكنّ ذلك لايستدعي تكفيرهم.

409 - ما هو رأي علمائنا الكرام في مسألة تحريف القرآن؟

باسمه جلت أسماوه قد طفحت كلمات رؤساء مذهبنا، كرئيس المحدّثين الشيخ الصدوق، وشيخ الطائفة الطوسي، والسيّد المرتضى، وشيخ

ص:198

الفقهاء الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيرهم: بأنّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإماميّة، أو أنّ عليه الإجماع، أو نسبة القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين، أو ما يقرب من هذه التعابير، والشبهات الطارئة ذكرها الإمام الخوئي في تفسيره البيان وأجاب عنها بما لايبقي ترديداً في فسادها لمن له أدنى فهم وتدبّر، واستدلّقدس سرهعلى عدم التحريف بأقوى الأدلّة والبراهين حتّى صيّره من الواضحات.

ترجمة القرآن

410 - عندما يترجم القرآن إلى لغة اخرى

- كاللغة الإنجليزيّة مثلا - نلاحظ أنّهيفقد صورته الجماليّة التي يدركها الجاهل والعالم كلٌّ بحسبه، فلذا يقول الغربيّون: إنّ القرآن حجّة على أهل لغته فقط، فما رأيكم؟

باسمه جلت أسماوه إنّ جمال القرآن وبهاءه شيء، وتشريعاته ومعارفه شيء آخر، فهو دستور للحياة بكلّ أبعادها، وهذا يمكن معرفته وإدراجه بكلّ الترجمات، وما يمكن أن تفقده الترجمة لايؤثّر على اسس التشريع، وعلى ما يدعو إليه القرآن من المعارف على اختلاف أنواعها.

إعجاز القرآن

411 - ذكروا من وجوه إعجاز القرآن عدم الاختلاف والتخلّف، فكيف نفسّر عدم اتفّاق مفسِّرَين اثنين في تفسيرهما للقرآن؟

*

باسمه جلت أسماوه ممّا لاشكّ فيه أنّ القرآن الكريم لاتضادّ في تشريعاته ومعارفه، فهو كلام العليم الخبير سبحانه وتعالى، وما يظهرمن الاختلاف ناشئ عن التغاير في الفهم والاستيعاب، سيّما في غير المحكمات التي أمرنا الله سبحانه أن نرجع فيها إلى الراسخين في العلم - وهم الأئمّة عليهم السلام -

ص:199

وتقصير الاُمّة في ذلك نبع عنه ما نراه ونسمعه من الاختلاف.

ترتيب القرآن

412 - كانت الآيات القرآنيّة الشريفة تنزل على الرسول صلى الله عليه وآله شفويّاً، وكانت كلّ آية تنزل على حدة، ولها مناسبة لنزولها، ويكون هنالك فارق زمني بين نزول الآية والاُخرى، والسؤال:

على أيّ أساس وضع رقم الآية؟ هل كان من وضع جبرئيل عليه السلام؟ أم وضع الرقم عند كتابة المصحف في رقاع من الجلد، أو عند جمعه في مصحف واحد؟

باسمه جلت أسماوه وضعُ كلّ آية في موضعها كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وشاهد ذلك ما نراه من الانسجام بين الآيات القرآنيّة في السورة الواحدة، رغم كون بعضها من الآيات المكّيّة وبعضها الآخر من الآيات المدنيّة.

413 - مَن الذي وضع أسماء السور؟ وهل ضمّ الآية إلى سورة معيّنة كان بتعاليم جبرئيل عليه السلام؟

باسمه جلت أسماوه كلّ ذلك كان بأمر النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله.

414 - هل هناك علاقة بين أسماء السور القرآنيّة ومحور ومحتوى تلك السور؟

باسمه جلت أسماوه نعم هنالك علاقه واضحة بين أسماء السور ومحتوياتها، يلحظها كلُ مَن كان له أدنى تأمّل في السور القرآنيّة الشريفة.

415 - هل هناك علاقة بين آيات السورة القرآنيّة الواحدة؟

وهل هناك علاقة بين سور القرآن المختلفة، بأن تكون كلّ سورة سابقة ذات علاقة مع السورة اللاحقة بحسب الترتيب الموجود في المصحف؟

باسمه جلت أسماوه بناءً على ما هو الحقّ من كون ترتيب القرآن بالنحو الذي هو عليه الآن، يعود إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتحت نظره، فلامحالة

ص:200

كونه خاضعاً لمناسبات معيّنة، وقد تكفّل

بعضُ المفسّرين ببيان تلك المناسباتبين الآيات، أو بين السور، بوجوه عديدة ومختلفة، ولكنّ أكثرها مدخول لايخلو عن مناقشة.

416 - هل أنّ أسماء السور القرآنيّة اجتهاديّة أم توقيفيّة؟ ومَن الذي وضع أسماء السور القرآنيّة في المصحف الذي بين الدفّتين؟

باسمه جلت أسماوه يستفاد من الأخبار الواردة عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهفي فضل السور القرآنيّة، وفضل قرائتها: أنّ أسماءها كانت موجودة منذ حياة رسول الله صلى الله عليه وآلهولكن لم يعلم أن تسميتها بتلك الأسماء كانت بوضع النبيّصلى الله عليه وآله، أم كانت بإشرافه، وعلى كلا الفرضين فإنّها تكون تسمية شرعيّة إمّا لوضع الشارع وإمّا لإقراره.

الرسم القرآني

417 - نظراً لتطور وسائل كتابة القرآن الكريم،

وكذلك تطوّر أنماط الخطّ وطريقة الكتابة للقرآن على مرِّ العصور، منذ زمن الرسول صلى الله عليه وآله حتّى وقتنا الحالي، فبالتالي ادّعى بعض المفكّرين مثل الدكتور محمّد عبدالجابري أنّ الخط العثماني في المصحف الشريف غير مقدّس، ويجب تطويره من خلال إضافة منهج واُسلوب تنقيط في القرآن، مثل الفارزة، وعلامة الاستفهام، والتعجّب، والنقاط، وعلامات الاستئناف، وغيرها من أساليب التنقيط والكتابة الحديثة، كالاستعانة بالرسوم والصور، ودراسة تاريخ الآيات والسور القرآنيّة عند نزولها، فما رأي سماحتكم بهذه الدعاوى؟

باسمه جلت أسماوه لا إشكال في ذلك في حدِّ نفسه، ولكنّه مشكل من ناحية أنّه يفتح الباب لتلاعب أيدي المغرضين بالقرآن الكريم، بحجّة إصلاحه طبقاً للقواعد الإملائيّة وأساليب الكتابة الحديثة.

ص:201

418 - هنالك بعض الأخطاء الإملائيّة في القرآن، كزيادة الألف بعد واو الجمع، فلماذا لايعالجها العلماء؟

باسمه جلت أسماوه دعوى أنّ الألف لاتُزاد لزوماً بعد واو الجمع - ونحوه - عندَ إضافته، لم يقم عليها دليلٌ قطعي، بل الاستقراء - بحسب دعوى بعض المتتبّعين - دالٌّ على التخيير، فيصحّ حذفها كما في قوله تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ(1)، ويصحّ إثباتها أيضاً كما في قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ(2).

هذا مضافاً إلى أنّ الضوابط الإملائيّة - كما يذكر ذلك أهلُ الفنّ - لم تقع مورداً لاتّفاق الجميع، سيّما وأنّ قسماً منها مبنيٌّ على الاستحسان، فيستحسن بعضهم ما لم يستحسنه غيره، مع أنّ اللغة لاتثبت بالاستحسان حتّى عند اللغويّين أنفسهم.

وبعدَ ذلك كلّه، فمن غير الصحيح أبداً أنْ تُفرضَ تلك الضوابط الإملائيّة على رسم المصحف الشريف، رغمَ عدم الاتّفاق عليها في حدِّ نفسها.

تفسير القرآن

419 - ما هي طريقتكم في التفسير؟

باسمه جلت أسماوه طريقتي في التفسير أنّني بعد مراجعة الكتب التفسيريّة - ك -: التبيان، و مجمع البيان، و تفسير الصافي، و الميزان - والروايات الواردة في التفسير، والتدبّر فيها، أختار ما أطمئنّ به، هذا في غير الظواهر، وأمّا الظواهر فلايخفى أنّ حمل الألفاظ عليها ليس من التفسير.

420 - هل يجوز تفسير القرآن باستعمال أساليب النقد الأدبي، ووفق

ص:202


1- (1) البقرة 269:2. آل عمران 7:3.
2- (2) يونس 90:10..

مباني المدارس التفكيكيّة والبنيويّة، وحسب قواعد مدارس تعدّد القراء اتوالإ دراك والتأويل، وعلم الهرمينيوتك، وعلوم قراءة النصّ، وعلوم السيمانتيك Citnames dna Ygolimes ، وغيرها من العلوم المستجدّة؟

باسمه جلت أسماوه تفسير القرآن الكريم ينبغي أن يعتمد - مضافاً إلى الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام - على الظواهر التي يفهمها العربي الفصيح; لما بنينا عليه في الاُصول من حجيّة ظواهر الكتاب، فإن كانت اسس العلوم المذكورة في السؤال متلائمة مع الظهورات العربيّة الفصيحة وطرق المحاورات العرفيّة، صحّ الأخذ بها وإلاّ فلا.

421 - يقول أحمد المفكّرين:

«إنّ كلّ التفاسير الموجودة - والتي ستوجد مستقبلا - هي تفاسير بالرأي; لأنّها مشوبة ومعجونة عجناً جوهريّاً بالمسبقات والقبليّات الذهنيّة والفكريّة للمفسّر، حيث من المستحيل أن يتخلّى الإنسان عن مسبقاته الذهنيّة وهندسته الفكريّة المبرمجة - الرأي - عند قراءة النصّ القرآني»، فما رأيكم الجليل بهذا القول؟

باسمه جلت أسماوه المراد من التفسير بالرأي المنهي عنه - كما ذكرناه ذلك في الاُصول - إمّا تفسير القرآن الكريم على طبق القياس والاستحسانات الشخصيّة، وإمّا الاستقلال في بيان آياته من غير الرجوع

إلى الأئمّة عليهم السلام، كأن يأخذ المفسّر بعموم آية أو باطلاق اخرى من غير الرجوع إلى التخصيصات أو التقييدات الواردة عن المعصومين عليهم السلام.

422 - ما رأيكم الشريف بكتب التفسير بالأثر عن محمّد وآل محمّد، مثل تفسير

«الصافي» و «البرهان» و «نور الثقلين» و «القمّي» وتفسير «أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي» و «التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام» وغيرها؟ وهل يمكن من خلالها معرفة طريقة ووسائل تفسير المعصومين عليهم السلام للقرآن، حتّى نقوم نحن ووفق نفس

ص:203

تلك الهندسة المعرفيّة والفكريّة بتفسير القرآن و تأويله؟

باسمه جلت أسماوه

1 - روايات التفاسير المذكورة في السؤال حالها حال بقيّة الروايات الاُخرى، منها ما هو معتبر يمكن الأخذ به والتعويل عليه، ومنها ما هو ضعيف لاحجّة لنا على جواز العمل به. 2 - لأهل البيت عليهم السلام اسلوبان في تفسير الآيات القرآنيّة الكريمة: أحدهما يعتمد على إبراز المعاني الباطنيّة للآيات، وهذا لاسبيل إلى معرفة كيفيّته، والآخر يعتمد على الرجوع إلى أساليب المحاورات العرفيّة، وقد كان الأئمّة عليهم السلاميرشدون أصحابهم إلى اعتماد هذا الاُسلوب في فهم ظواهر الكتاب الكريم، من قبيل قول الإمام الباقرعليه السلام عندما سأله زرارة - في الرواية الصحيحة عنه -: من أين علمت وقلت إنّ المسح ببعض الرأس؟

فأجابه الإمام عليه السلام بجواب جاء فيه: فعرفنا حين قال: بِرُؤُوسِكُمْ(1) أنّ المسح ببعض الرأس; لمكان الباء».

423 - هناك الكثير من المفكرين الإسلاميّين يدعون إلى إعادة النظر وتغيير كلّ - أو أغلب -

قواعد واُصول علوم وتفسير القرآن; لأنّها لايوجد دليل عليها من القرآن أو السنّة، ومن تلك القواعد: العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب، وقاعدة الناسخ والمنسوخ، وقاعدة تعدّد السبب والنازل واحد، وتعدّد الآيات النازلة والسبب واحد، وغيرها من القواعد، فما رأي سماحتكم بهذه الدعاوى؟

باسمه جلت أسماوه باب الاجتهاد والنظر حتّى في القواعد المشهورة مفتوح لأصحاب الاختصاص، بشرط أن يكون مقروناً بالدليل ومدعوماً بالبرهان، وغير متمحّض في الادّعاء، إلاّ أنّ القواعد المُشار إليها في

السؤال لانظنّها مورداً

ص:204


1- (1) المائدة 6:5..

للنظر والتأمّل; لأنّها من جملة قوانين المحاورات العرفيّة التي عليها سيرة كافّة العقلاء.

424 - ممّا ينقل عن أهل بيت العصمة عليهم السلام: «أنّ القرآن حمال ذو وجوه»، فكيف إذن يمكن الاحتكام إلى القرآن حال الاختلاف، وما هي الضابطة لتغليبفهم على آخر؟

باسمه جلت أسماوه لو رجعتم لنفس النصّ الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقرأتموه كاملا، لوجدتم الجواب عن سؤالكم، فإنّ النصّ المذكور قد وردَ عنه عليه السلامضمن وصيّته لعبدالله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج، وقد قال فيه: «لاتخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً».

425 - ما المعنى الذي ترجّحونه لظهر القرآن وبطنه؟

باسمه جلت أسماوه ظَهْرُ القرآن عبارة عن ظاهره الذي يعرفه أهل اللسان، وبطنه عبارة عن معانيه الغامضة ومضامينه العميقة التي لايعرفها إلاّ الراسخون في العلم، وهم المعصومون عليهم السلام، وهذا ما عنته الأخبار التي تقول: لايعرف القرآن إلاّ من خوطب به.

القراءات القرآنيّة

426 - هل تجوز - في الصلاة وفي شهر رمضان،

وفي أيٍّ من العبادات والمستحبّات - قراءة القرآن بغير قراءة حفص، عن عاصم، عن السلمي، عنأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، مثل قراءة ورش؟

باسمه جلت أسماوه ذكرنا في كتبنا الفقهيّة الاستدلاليّة والفتوائيّة صحّة القراءة بأيّ قراءة كانت متعارفة في زمان المعصومين عليهم السلام، وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على إحدى القراءات السبع، بل الأوْلى أن تكون القراءة على طبق

ص:205

قراءة عاصم عن طريق حفص.

علاقة القرآن بعلم الفقه

427 - ما هو دور القرآن في الفقه الإسلامي؟

باسمه جلت أسماوه بما أنّ عدّة من الآيات القرآنيّة قد تكفّلت ببيان بعض الأحكام الفقهيّة، فإنّ الفقيه لابدّ أن يعتمد على الظاهر منها، ويبني علم الفقه عليه.

هذا من ناحيّة، ومن ناحيّة اخرى فإنّ الفقيه عند تعارض الحديثين اللذين يريد أن يستنبط منهما حكماً شرعيّاً، يقوم بترجيح ما وافقَ منهما القرآن الكريم على الآخر، ممّا يعني أنّ القرآن هو محور علم الفقه أوّلا وآخراً.

علاقة القرآن بالعقل

428 - ما هي العلاقة بين القرآن والعقل، وأيّهما المرجّح عند التعارض؟

باسمه جلت أسماوه إنّ ما يتوهّم من التعارض بين القرآن الكريموبين العقل، إنّما هو بين حكم العقل وبين ظواهر بعض الآيات القرآنيّة الشريفة، وإلاّ فإنّ الآيات القرآنيّة ذات الدلالة القطعيّة يستحيل وجود التعارض بينها وبين حكم العقل القطعي.

معارف القرآن

429 - هل يحتوي القرآن على جميع المعارف والعلوم البشريّة الحقّة، سواء التي في الماضي أو الحاضر أو المستقبل؟

باسمه جلت أسماوه المستفاد من الآيات القرآنيّة الشريفة هو ذلك، كقوله تبارك وتعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى

ص:206

لِلْمُسْلِمِينَ(1)، وقوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء(2)، غاية ما في الأمر أنّ الاطّلاع على كلّ شيء فيه لايتسنّى إلاّ للمعصومين عليهم السلام، وكلّما تقدّم الزمان وتطوّر العلم تجلّت معارف القرآن الشموليّة بصورة أكبر.

430 - هل يحتوي القرآن على كلمات غير عربيّة؟ وهل خالف القرآن قواعد اللغة العربيّة؟

باسمه جلت أسماوه من جملة الحقائق المسلّمة في تاريخ اللغات وجود كلمات مشتركة بين أكثر من لغة، فقد تكون هنالك كلمة عربيّة يتكلّم بها فصحاء العرب، وهي في الوقت نفسه موجودة في بعض اللغات الاُخرى، ومثل هذه الكلمات لما وجد في الآيات القرآنيّة توهّم بعض المستشرقين أنّها كلماتغير عربيّة، والحال أنّها من قبيل الألفاظ المشتركة لأكثر من لغة.

العلاقة مع القرآن

431 - بعضهم يقول: إنّ القرآن مهجور يجب العودة إليه، وبعضهم يقول:

إنّ قراءة القرآن الحاليّة هي قراءة تجزيئيّة وتوظيفيّة سيّئة يجب تصحيحها، وبعضهم يقول: إنّ القرآن أعظم مظلوم في عالم الامكان، ولن تبنى حضارة للإسلام ولاتمدّن بدون القرآن، فكيف نرفع مظلوميّة القرآن؟

باسمه جلت أسماوه رفع المظلوميّة عن القرآن الكريم لايتمّ إلاّ بعمل جميع المسلمين على طبقه، والاستفادة منه، وجعله منهجاً ودستوراً في جميع جوانب الحياة.

432 - ورد في الحديث: «أنّ حامل القرآن من عرفاء أهل الجنّة»، فكيف يكون الفرد مصداقاً لحامل القرآن؟

ص:207


1- (1) النحل 89:16.
2- (2) الأنعام 38:6..

باسمه جلت أسماوه حمل القرآن - الوارد مدح صاحبه في الكثيرمن الأخبار - يراد به: تعلم القرآن الكريم، والمواظبة على قرائته، والاهتمام بالعمل على طبق أوامره ونواهيه.

ص:208

ص:209

الفصل السابع: أسئلة وأجوبة حول الآيات القرآنيّة

اشارة

ص:210

ص:211

ص:212

433 - لماذا نبتدئ باسم الله؟ وما فوائد البسملة؟

باسمه جلت أسماوه الابتداء بالبسملة يعني تجليل وتعظيم الله تعالى، حيث معناها كفاية الاستعانة بإسمه فضلا عن الاستعانة بذاته جلّ وعلا، والبسملة مفتاح كلّ خير في الدنيا والآخرة إذا وقعت من أهلها في محلّها، وقد ورد في فضلها الكثير من الروايات، ومنها: قول النبيّصلى الله عليه وآله: «ألافمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله، منقاداً لأمرها، مؤمناً بظاهرها وباطنها، أعطاه الله بكلّ حرف منها حسنة، كلُّ واحد منها أفضل من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها»، ومثل هذه الروايات كثير.

434 - لماذا كانت البداية باسم الله في البسملة، وليست بالله تعالى كما في الاستعاذة؟

باسمه جلت أسماوه لعلّ الوجه هو أنّ البدء بالبسملة يكون في السعة والضيق والشدّة والرخاء، أمّا الاستعاذة - والتي تعني الاستجارة - فهي لاتكونإلاّ عند المضايقة; لهذا كانت بالذات المقدّسة مباشرة، كما يستجير الشخص بالمستجار مباشرة عند الضيق.

435 - لماذا بدأت البسملة بحرف الباء؟ ولماذا ابتدأت كلّ سورة من سور القرآن بالبسملة؟

باسمه جلت أسماوه بما أنّه قد ورد عن المعصومين عليهم السلام: «كلّ أمرلم يبدء فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر»، وبما أنّ واحداً من معاني الباء هو: الابتداء; لذلك ناسب وضعها في أوّل البسملة.

ص:213

436 - هل تشمل الآية: وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ

(1) جميع الصحابة؟

باسمه جلت أسماوه إنّ الآية الشريفة: وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ لاتشمل جميع الصحابة، كما يدّعي غيرنا، وذلك لأنّها بقولها: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان، قد ألمحت إلى أنّ المقصود بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، هم خصوص المحسنين من الصحابة،

إذ أنّ غير المحسن لايمكن اتّباعه بإحسان، فتدلّ الآية عليرضا الله سبحانه وتعالى عن خصوص المحسنين من الصحابة، لاجميعهم، وهذا هو مدّعانا نحن الشيعة.

437 - ما هو تفسير قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ، وقوله: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى ؟

437 - ما هو تفسير قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى(2) 1، وقوله: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى(3) ؟

*

باسمه جلت أسماوه الآيتان المذكورتان في السؤال من الآياتالمتشابهة، ومثلها لاسبيل لمعرفة المقصود منه إلاّ بالرجوع للراسخين في العلم عليهم السلام، وبالرجوع إلى روايات أهل البيت عليهم السلام نصل إلى أنّ المقصود من الآية الشريفة: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى أنّ اليتيم هو الشخص الفريد الذي لانظير له، ومنه سمّيت الدرّة باليتيمة لأنّه لامثيل لها، ويكون الايواء حينئذ بمعنى إيواءالناس له. بينما المقصود من الآية الاُخرى: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى أنّه صلى الله عليه وآلهكان ضالاًّ

ص:214


1- التوبة 100:9.
2- (2) الضحى 6:93.
3- (3) الضحى 7:93..

بنظر قومه، لعدم معرفتهم به، ولكنّ الله تعالى قد منَّ عليهم، فهداهم إلى معرفته.

وهذا التفسير الذي ذكرناه يستفاد من مجموع روايتين، قد أوردهما صاحب تفسير نور الثقلين(1) رحمه الله تعالى إحداهما عن الإمام الصادق عليه السلام، والاُخرى عن الإمام الرضاعليه السلام، علماً بأنّ الشيخ الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي رحمه الله تعالى قد فسّر الآيتين الشريفتين أيضاً بنفس التفسير الذي ذكرناه، ولايخفى أنّ تفسيره المبارك يعتبر من أقدم وأهمّ التفاسير الواصلة إلينا، فيشكّل ذلك قرينة على أنّ التفسير المذكور هو التفسير الأكثر شيوعاً عند أصحاب الأئمّة عليهم السلاموالقريبين من عصرهم، سيّما وأنّه رحمه الله لم يذكر تفسيراً سواه.

مضافاً إلى ذلك: فإنّ التفسير المذكور هو التفسير اللائق بشخصيّة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، بلحاظ مجموع ما ثبت له من الخصائص والكمالات التي تحدّث عنها القرآن الكريم وروايات المعصومين عليهم السلام، ولذا فإنّه يكون مقدّماً على غيره من التفاسير، حتّى وإن قطعنا النظر عن الروايتين المذكورتين.

438 - ما معنى قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ؟ وما هي مصاديق وأمثلة القرب من الزنا في الوقت المعاصر؟

438 - ما معنى قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(2) 1؟ وما هي مصاديق وأمثلة القرب من الزنا في الوقت المعاصر؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر من النهي عن المقاربة في استعمالات القرآن الكريم: النهي عن الفعل نفسه، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى(3)، وقوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(4)، وعلى هاتين الآيتين يُقاس قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى، فيكون

ص:215


1- (1) تفسير نور الثقلين: 596:5.
2- (2) الإسراء 32:17.
3- (3) النسا 43:4.
4- (4) الأنعام 152:6..

المقصود منه: النهي عن اقتراف فاحشة الزنا ليس إلاّ.

439 - ورد في القرآن الحكيم: فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، فما هو تفسير الآية؟ وما هو الخضوع بالقول؟ وما هو مرض القلب؟

باسمه جلت أسماوه الخضوع بالقول هو: ترقيق المرأة لصوتها إلى الحدّ الذي يكون فيه مثيراً لشهوة سامعه، ومرض القلب هو: ضعف الإيمان.

440 - لماذا وصف القرآن كيد النساء بقوله: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

(1)، وفي المقابل وصف كيد الشيطان بقوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً(2) [1]؟

*

باسمه جلت أسماوه قال تبارك وتعالى - في إحدى آياته -: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، وقال في آية اخرى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً، وليس وصف أحد الكيدين بالعظمة والآخر بالضعف بالإضافة إلى شيء واحد، وإنّما هو بالإضافة إلى شيئين، فكيد النساء عظيم بالإضافة إلى نوع الرجال، وكيدُ الشيطان ضعيف بالإضافة إلى أهل الإيمان.

441 - قال الله تعالى: وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ، فهل الجملة في هذه الآية المباركة خبريّة،

441 - قال الله تعالى: وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ(3) 2، فهل الجملة في هذه الآية المباركة خبريّة،أي أنّ الطيّبين لايكونون بأمر الله

إلاّ للطيّبات، وكذلك الخبيثون لايكونون إلاّ للخبيثات؟ أم أنّ الجملة إنشائيّة، أي أنّ الله يأمر بذلك، وللنّاس أن يأتمروا فيثابوا أو يعصوا الأمر فيعاقبوا؟

باسمه جلت أسماوه ذكرنا في باب النكاح من كتاب فقه الصادق(4) أنّ الآية الشريفة مسوقة للإخبار عن حقيقة خارجيّة، وهي أنّ كلاًّ من الزاني والزانيّة

ص:216


1- وسف 28:12.
2- (2) النساء 76:4.
3- (3) النور 26:24.
4- (4) فقه الصادق (عليه السلام): 317:21..

ميّال للآخر، كما أنّ كلاًّ من الطيّب والطيّبة ميّالٌ للآخر أيضاً، ولايستفاد منها أكثرمن ذلك.

442 - قال الله تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ

(1)، وسؤالي: كيف يجوز مناداة المصلّي؟

باسمه جلت أسماوه لم يُعلم أوّلا أنّ الصلاة في الآية بمعناها الشرعي، لاحتمال إرادة المعنى اللغوي منها - وهو الدعاء - من غير أن يترتّبعلى ذلك محذور، ويتأكّد ذلك بقرينة الآية السابقة لها، فإنّها صريحة في أنّه عليه السلامكان مشتغلا بالدعاء، وهي قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِيمِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(2)، وتلاها قوله تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى، كما ويتأكّد بقرينة الآية اللاحقة، فإنّها ظاهرة في إجابة النبيّ زكريّاعليه السلامبشكل مباشر، حيث قالت: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ(3)، ممّا يقرب كون نداء الملائكة له حال اشتغاله بالدعاء.

وثانياً: على فرض إرادة المعنى الشرعي للصلاة، فإنّه لاإشكال في مناداة المشتغل بالصلاة، ولو كان هنالك توهّمٌ للإشكال من ناحيّة كلامه هو مع الملائكة حال صلاته، فإنّه مدفوع بعدم علمنا باشتراك أحكام شريعته مع شريعتنا.

443 - من المعلوم في علم الأحياء أنّ الحوت وكلّ الحيوانات لها عمر معيّن، ولكنّ القرآن الكريم يقول:

فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ

ص:217


1- آل عمران 39:3.
2- (2) آل عمران 38:3.
3- (3) آل عمران 40:3.

يُبْعَثُونَ(1)

، فهل هذا يعني خلود الحوت؟

باسمه جلت أسماوه معنى ذلك: أنّه لو لم يسبّح لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، فيخلد ويخلد الحوت معه بقدرة الله تبارك وتعالى، لا أنّ للحوت خلوداً خاصّاً به.

ومن المحتمل أن يكون معنى الآية الشريفة هو: أنّ النبيّ يونس عليه السلام لو لم يسبّح، لكان مثواه ومدفنه حتّى يوم البعث هو بطن الحوت، وهذا المعنى يصدق حتّيمع افتراض موت الحوت، فلا دلالة للآية على خلود أيٍّ منهما، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أظهر.

444 - ما تفسير قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، فهل الكاف في كَمِثْلِهِ زائدة؟

444 - ما تفسير قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(2) 1، فهل الكاف في كَمِثْلِهِ زائدة؟

باسمه جلت أسماوه قال بعضهم: إنّ الكاف زائدة، إذ لو لم تكن كذلك لكان النفي لمثل المثل، وهذا يستلزم وجود المثل، ولكن من الممكن أن يلتزم بعدم زيادتها، بأن يقال: إنّ ذاته المقدّسة مسلّمة الثبوت، فلو ثبت لها مثل للزم ثبوت مثل المثل أيضاً، وبما أنّ نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم، فإنّ نفيمثل المثل يستلزم نفي المثل، وهذا هو المطلوب إثباته.

445 - ما تفسير قوله تعالى: لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ؟

445 - ما تفسير قوله تعالى: لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(3)

*

باسمه جلت أسماوه بما أنّ الآية الشريفة تتحدّث عن أولياء الله تعالى، وليس الوليّ إلاّ مَن بلغ أعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، ولذلك سمّيَ وليّاً، فمن الطبيعي أن لايعتريه خوف ولاحزن، إذ الخوف والحزن إنّما

ص:218


1- (1) الصافّات 143:37 و 144.
2- (2) الشورى 11:42.
3- (3) يونس 62:10..

يعتريان الإنسان البعيد عن ربّه الذي لايعلم كيف سيعامله، وأمّا الإنسان القريب من رضوان الله تعالى ولطفه، فإنّ العوامل الموجبة للخوف والحزن لاطريق لها إليه.

446 - ما تفسير قوله تعالى: جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ؟

*

باسمه جلت أسماوه المراد من الجنّات: البساتين بما لها من الأشجار والثمار، ولذا وصف القرآن الكريم جريان الماء بأنّه من تحتها، أي تحت أشجار البساتين ونخيلها، وكلّ ذلك كما ذكرنا في بعض أجوبتنا من باب تقريب غير المحسوس بالمحسوس، وإلاّ ففي الجنّة ما لاعين رأت، ولا اذن سمعت، ولاخطر على قلب بشر.

447 - قال تعالى: إِذْ قَالَ لاَِبِيهِ يَ - ا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً...

447 - قال تعالى: إِذْ قَالَ لاَِبِيهِ يَ - ا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً(1)

، فما هو الدليل من القرآن الكريم على إيمان والد نبيّ الله إبراهيم عليه السلاموإيمان والد ووالدة النبيّ محمّدصلى الله عليه وآله وباقي الأنبياءعليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه بعد أن ثبت لدينا في علم الاُصول: دلالةُ الجمع المحلّى باللام على العموم، فمن الممكن أن يستدلّ على إيمان جميع آباء النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهبقولهِ تبارك وتعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(2) بضميمة ما وردَ في الأخبار الشريفة من أنّ المراد من الساجدين في الآية أصلابهم وأرحامهم.

وأمّا الآية المذكورة في السؤال فلاتنافي ما ذكرناه; باعتبار أنّ كلمة الأب كما تطلق على الوالد الصلبي، كذلك تُطلق لغةً على المربّي والعمّ، فلادلالة صريحة لها على أنّ المراد بها هو والد إبراهيم عليه السلام حتّى يُنقض بها على ما ذكرناه، لاحتمال أن يكون المراد بها عمّه أو مربّيه، بل هو المتعيّن بقرينة ما تقدّم.

ص:219


1- (1)مريم 42:19 و 43.
2- (2) الشعراء 219:26..

448 - قال الله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

(1)، فما هو المقصود من خَيْرُ الْمَاكِرِينَ؟

*

باسمه جلت أسماوه إسناد المكرِ إليه سبحانه وتعالى إنّما هومن باب المقابلة، وهو يعني أنّ أعداءَ الله كما يخطّطون ويدبّرون، فإنّ الله تعالى بتخطيطهِ وتدبيرهِ يودي بتخطيطهم، ويُحبط مؤامراتهم.

449 - قال تعالى: اللهُ نُورُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌالْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَكَة

زَيْتُونَة لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ

، فما هو تفسير الآية الكريمة؟ وهل تخصّ أهل البيت عليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه نعم، جاءَ في كثير من الروايات أنّ المعنيّبآية النور المباركة هم أهل البيت عليهم السلام، فالمشكاة هي الصدّيقة الزهراءعليها السلام; إذ كما أنّ المشكاة - وهي الكوّة في الجدار - هي مجمع النور، فكذلك فاطمة عليها السلام إذ هي مجمع نوريْ النبوّة والإمامة.

والمصباح هو أمير المؤمنين عليه السلام; إذ كما أنّ المشكاة إنّما يتوقّد نورها عن طريق المصباح الذي يُوضع فيها، فكذلك الصدّيقة الطاهرة عليها السلام إنّما توقّد نورها بانضمام نور أمير المؤمنين عليه السلامإلى نورها.

وأمّا الزجاجة فهي الحسن والحسين عليهما السلام; إذ كما أنّ الزجاجة - وهي التي تُوضع حول المصباح - تحمي نوره وتضاعف من توقّده، فكذلك كان الإمامان الحسنان عليهما السلام للأمير عليه السلام، حيث بهما حُفظَ نوره المبارك.

وأمّا الشجرة المباركة: فهو رسول الله صلى الله عليه وآله; وقد وصفت الشجرة بالزيتونة لأنّها

ص:220


1- آل عمران 54:3..

أقوى الأشجار توقّداً، كما وصفت بأنّها لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة كنايةً عن عدمكونها من سنخ هذا العالم; لأنّها من نور الله تعالى.

450 - ما هو المقصود من الخيانة في قوله تعالى: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِن عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا

(1)؟

باسمه جلت أسماوه الوارد عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما بغت زوجة نبيٍّ قطّ»، فلا يكون المراد من الخيانة في الآية الشريفة: الزنا، وإنّما يُراد بها: النفاق وإفشاء الأسرار الخاصّة.

451 - قال تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِي...

451 - قال تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(2) ، فما معنى إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح

، ولماذا قال تبارك وتعالى: فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ

عِلْمٌ؟

باسمه جلت أسماوه التعبير عن ابن النبيّ نوح عليه السلام بأنّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح إمّا هو من باب الحذف، أي ذو عمل غير صالح، وإمّا هو بدعوى اتّحاد الفعل مع الفاعل من باب المبالغة، فكما يقال مثلا: فلانٌ السخاء، لأنّه لكثرة سخائه كأنّه صار والسخاء شيئاً واحداً، كذلك يقال: فلان عمل غير صالح.

وأمّا الوجهُ في قوله تعالى: فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فهو أنّ النبيّ نوح عليه السلامقد سأل النجاة لابنه; لتصوّره بأنّه وإن كان عاصياً إلاّ أنّه لم يصل إلى درجة الكفر الموجبة للغرق، ولذلك طلبَ النجاة له، ولكنّ الله تعالى قد أطلعه على كفره، وأنّه من المغرقين كغيره من الكافرين، ولذلك خاطبه بالخطاب المذكور فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.

ص:221


1- التحريم 10:66.
2- (2) هود 46:11..

452 - ما معنى الآية المباركة: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِِ

(1)؟

*

باسمه جلت أسماوه القانت هو العابد لله تعالى على نحو الديمومة، وقد جعل النبيّ إبراهيم عليه السلاماُمّة; لقيام الاُمّة به، وقيل: إنّه كان امّة منحصرة في واحد مدّة من الزمن، حيث لم يكن على وجه الأرض موحّد يوحّد الله سواه.

453 - قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، فهل الصراط المستقيميعني الولاية؟

453 - قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(2) 1، فهل الصراط المستقيميعني الولاية؟

باسمه جلت أسماوه الصراط هو الطريق المستقيم، وإنّما ذكر المستقيم بعده تأكيداً على عدم الاعوجاج، وكلّ شيء - كان كالطريق الذي يوصل إلى المقصود - يوصل إلى الله سبحانه فهو صراط مستقيم، ومن ذلك الدين، والقرآن، والولاية، والإيمان، وشخص أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مع القرآن والحقّ، فهذه كلّها أمثلة ومصاديق لذلك الكلّيّ، فلا تنافي بين كلّ ذلك.

454 - قال تعالى: وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَِبْرَاهِيمَ ، فعلى مَن تعود الهاء في شِيعَتِهِ

454 - قال تعالى: وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَِبْرَاهِيمَ(3) 2، فعلى مَن تعود الهاء في شِيعَتِهِ، هل تعود على النبيّ نوح عليه السلام طبقاً لتسلسل الآيات؟ أم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام كما سمعت من أحد الخطباء؟

باسمه جلت أسماوه الشيعة عبارة عن: كلّ مَن وافق غيره في طريقته، وعليه فظاهر الآية الكريمة: أنّ ضمير شيعته يعود لنوح عليه السلام; لأنّ إبراهيم عليه السلامكان يوافقه في دينه ومنهجه، وأمّا إرجاع الضمير لأمير المؤمنين عليه السلامفلا شاهد لهمن حيث اللفظ وظاهر الآيات.

455 - في كتاب الله تعالى آيتان هما: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى

ص:222


1- النحل 120:16.
2- (2) الفاتحة 6:1.
3- (3) الصافّات 83:37..

بَعْض(1)، والاُخرى: لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مّ - ِن رُّسُلِهِ(2)، كيف نوفّق بين الآيتين؟

باسمه جلت أسماوه معنى التفضيل في الآية الاُولى أنّ في الأنبياءعليهم السلام من هو أفضل، وفيهم مَن هو مفضّل عليه، وللجميع فضل; لأنّ الرسالة في نفسها فضيلة، وهي مشتركة بين الجميع، ولكن بينهم اختلاف في المقامات وتفاوت في الدرجات، وأمّا الآية الثانية: فهي إنكار على الكفّار الذين يؤمنون ببعض النبيّين دون بعض، فأمر الله تعالى النبيّصلى الله عليه وآله والمؤمنين أن يعلنوا إيمانهم بجميع الأنبياءعليهم السلام، وعدم تفرقتهم بين أحد منهم.

والخلاصة: فإنّ التفضيل إنّما هو في المراتب، وعدم التفريق إنّما هو في الإيمان بهم.

456 - ما هي الصلاة الوسطى في قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى ؟

456 - ما هي الصلاة الوسطى في قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى(3)

*

باسمه جلت أسماوه ورد في عدّة روايات صحيحة أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، ومنها: صحيح زرارة عن الإمام الباقرعليه السلام، وفيه: «قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وهي صلاة الظهر».

457 - قال جلّ مِن قائل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً...

457 - قال جلّ مِن قائل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(4) ، والسؤال: هل اختلف المفسّرون في بيان معنى الوادي؟ ولماذا صار مقدّساً؟

باسمه جلت أسماوه الوادي معروف لااختلاف فيه، وإنّما الاختلاف في المراد من طُوىً ووجه قداسته، والمختار هو ما في العلل عن النبيّصلى الله عليه وآله:

ص:223


1- (1) البقرة 253:2.
2- (2) البقرة 285:2.
3- (3) البقرة 238:2.
4- (4) طه 12:20..

أنّه سئُل عن الوادي المقدّس، فقال: لأنّه قُدّست فيه الأرواح، واصطفيت فيه الملائكة، وكلّم الله عزّ وجلّموسى تكليماً».

وعلى الجملة، فإنّ الظاهر من الآية الشريفة: أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس، وموطن الحضور والمناجاة.

458 - ما معنى قول الله تعالى: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

(1)؟

*

باسمه جلت أسماوه الآية المباركة تتحدّث عن اقتراب النبيّصلى الله عليه وآله - ليلةَ عروجه إلى السماء - من ساحة القرب الإل - هي، والتي قد حدّدها الله تعالى لمناجاة نبيّه صلى الله عليه وآلهوالحديث معه، كما حدّد قبل ذلك وادي طوى لمناجاة نبيّه موسى عليه السلام، مع فارق أنّ منطقة وادي طوى ممّا كان لايمتنع الوصول إليها على سائر الناس، فضلا عن الأنبياء والملائكة، بينما ساحة القرب الإل - هي التي وصلها النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهلم يصلها نبيّ مرسل ولاملك مقرب; ولذا قال له جبرئيل: «تقدّميا محمّد، فقد وطأت موطئاً لم يطأه أحد قبلك، ولا يطأه أحد بعدك».

وليس يعني ما ذكرناه: أنّ لله تعالى مكاناً يتواجد فيه، فإنّه لايحدّه مكان ولازمان، وإنّما هي مناطق مباركة قد اختارها الله تعالى لمناجاة بعض أنبيائه عليهم السلام، مع تفاوتها في القداسة والفضل.

459 - في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ...

459 - في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ(2) 1، ما تفسير وَهَمَّ بِهَا، هل المقصود همّ بالخطيئة؟ أم همّ بقتلها؟

باسمه جلت أسماوه للمفسّرين في تفسير الآية الكريمة تسعة أقوال، أوجهها: أنّ الهمّ في ظاهر الآية قد تعّلق بما لايصحّ تعلّق العزم به في الحقيقة; لأنّه قال: هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فعلّق الهمّ بهما، وذاتاهما لايجوز أن يُرادا;

ص:224


1- النجم 9:53.
2- (2) يوسف 24:12..

إذ لامعنى للهمّ بالذات والعزم عليها، وعليه فإذا حملنا الهمّ في الآية على العزم، فلابدّ من تقدير أمر محذوف يتعلّق العزم به، وحينئذ يمكن أن نعلّق عزمها على الفاحشة - كما هو مقتضى الظاهر السياقي - ونعلّق عزمه عليه السلام على غير القبيح، كضربها ودفعها عن نفسه، فيكون معنى الآية: ولقد همّت بالفاحشة معه، وهمَّ بضربها ودفعها عن نفسه ويمكن الاستئناس لهذا المعنى من خلال الاستعمالات العربيّة، حيث يقال: هممتُ بفلان، أي بضربه.

وعليه فيكون معنى رؤية البرهان: أنّ الله تعالى أعلمه أنّه إن أقدم على ما همَّ به من ضربها، أهلكه أهلها وقتلوه، وهذا محذور أوّل، أو ادّعت عليه المراودة على القبيح ولما امتنعت ضربها، فيكون عرضة للاتّهام بسوء السلوك، وهذا محذور ثاني.

وبذلك يتّضح ذيل الآية الشريفة، وهو: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، فإنّ الله تعالى بإرائته البرهان المذكور ليوسف عليه السلام يكون قد دفع عنه كلا المحذورين.

460 - لماذا قال الله عزّ وجلّ مرّة: خَلَقَكُم مِن طِين

(1)، ومرّة: خَلَقَكُممِن تُرَاب(2) [1]؟

*

باسمه جلت أسماوه المراد من خلق الإنسان من الطين هو خلق الإنسان الأوّل، الذي هو نبيّ الله آدم عليه السلام، وبما أنّ خلق غيره من سلالته منته إليه لذلك صحّ التعبير عن نوع الإنسان بأنّه مخلوق من الطين، وبما أنّ الطين مركّب من ماء وتراب; لذلك جاء التعبير عن الإنسان تارةً بأنّه مخلوق من تراب، كما في قوله تعالى: خَلَقَكُم مِن تُرَاب، وتارة اخرى بأنّه مخلوق من ماء، كما في قوله

ص:225


1- الأنعام 2:6.
2- (2) الروم 20:30. فاطر 11:35. غافر 67:40..

تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً(1).

461 - ما معنى الذبح العظيم في قوله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم ؟

461 - ما معنى الذبح العظيم في قوله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم(2)

*

باسمه جلت أسماوه للآية معنيان ظاهر وباطن، أمّا الظاهر فالذبح العظيم هو عبارة عن الكبش الذي جاء به جبرئيل عليه السلام من عند الله سبحانه ليكون فداءاً لإسماعيل عليه السلام، وقد عُبّر عنه بالعظيم لكونه من عند الله تعالى. وأمّا الباطن: فالذبح العظيم هو سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، فإنّه لما عُرضَ على الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام - في عالم الذرّ - ما سيجري على إسماعيل وحاجته لمن يفديه من الذبح، قدّمَ سيد الشهداءعليه السلام نفسه ليكون هو الذبح العظيم الذي سيذبح في كربلاء فداء لإسماعيل عليه السلام، ولكن لابما هو إسماعيل، بل بما هو جدّ جدّهِ أشرف الكائنات محمّدصلى الله عليه وآله، وجدُّ أبيه أمير المؤمنين واُمّهِ الصدّيقة الطاهرة الزهراءعليهما السلام، فجادَ الإمام الحسين عليه السلام بنفسه ليكون فداءً لهؤلاء الأطهارعليهم السلام.

462 - قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماوَاتِ وَمَن فِي...

462 - قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماوَاتِ وَمَن فِي الاَْرْضِإِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ(3) ، فما هي حقيقة الصور؟ ومن الملك الذي ينفخ فيه؟ وإذا كان الصعق يشمل أهل السماوات، فمَن هم؟

ومَن هم المستثنون بقوله: إِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ؟ وكم هو الوقت بين النفختين؟ وما هو الحال بينهما؟

باسمه جلت أسماوه الملك النافخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام كما في بعض النصوص، وأمّا الصور فلعلّه كناية عن إحداث هذا الملَك لصوت يجعله الله تعالى قادراً على الوصول لكلّ مكان في الأرض، وإن كانت هناك رواية عن الإمام

ص:226


1- (1) الفرقان 54:25.
2- (2) الصافّات 107:37.
3- (3) الزمر 68:39..

زين العابدين عليه السلام قد وصف فيها الصور بأنّ له رأساً وطرفين، ممّا يعني كونه شيئاً محسوساً، وأهل السماوات عبارة عن المخلوقات العاقلة التي يمكن أن تستعمل فيها كلمة مَن وهم الملائكة أو من يعيش معهم ممن رفع إليها من البشر، وأمّا مَن شَاءَ، فالذي يظهر من الروايات أنّ إسرافيل هو الذي لايموت من النفخة، فيأمره الله تعالى فيموت بعد ذلك، كما ورد في رواية عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، أو هو وملك الموت عزرائيل كما في بعض آخر، وقد حدّدما بين النفختين بما شاء الله تعالى، وهو كناية عن إبهام الأمر.

463 - إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوافَيَعْلَمُونَ...

463 - إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوافَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَ - ذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا(1)

، والسؤال: ما هو وجه التمثيل بالبعوضة؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر من خلال بعض القرائن أنّ الله تبارك وتعالى لمّا تحدّث عن المشركين بقوله: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(2) قالوا: إنّ الله أجلّ مِن أن يضرب مثلا، فأنزل الله تعالى الآية المذكورة ردّاً عليهم، وذكر فيها البعوضة التي هي أقلّ شأناً وأحقر من العنكبوت.

464 - ما هو تفسير هذه الآية: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ؟

464 - ما هو تفسير هذه الآية: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(3) ؟

*

باسمه جلت أسماوه بما أنّ العرش هو الملك، وبما أنّ الآية بصدد

ص:227


1- البقرة 26:2.
2- (2) العنكبوت 41:29.
3- (3) هود 7:11..

الحديث عن عالم الوجود قبل خلق السماوات والأرضين، تمهيداً لإثبات إمكان المعاد; لذلك أوضحت أنّه لم يكن موجود آنذاك تحت ملك الله وسلطنته إلاّ الماء، ومع ذلك خلق منه كلّ شيء، حيث قالت: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ

فِي سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ.

وقيل: إنّ المراد بالماء مادّة الحياة، وعليه فقوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ اريدَ به المعنى الكنائي، أي أنّ ملكه تعالى حين خلق السماوات والأرض كان مستقرّاً على مادّة الحياة.

465 - قال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ

(1)، فما الفرقبين الاستغفار والتوبة؟

باسمه جلت أسماوه بما أنّ التوبة الحقيقيّة تعني الرجوع إلى الله تعالى بالكلّيّة، وهي متقوّمةٌ بالانقطاع النهائي عن المعاصي وعدم العودة إليها; لذلكقد يتحقّق طلب المغفرة من الذنوب من غير أن تتحقّق التوبة، وهذا ما جعل الآية الشريفة تدعو إلى الاستغفار أوّلا، ثمّ تعقيبه بالتوبة التامّة.

466 - الآية المباركة: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

إذا فسّرناها بأهل البيت عليهم السلام فإنّ ذلك يجرّنا للسؤال التالي: هل نورهم ناقص حتّى يتمّه الله تعالى؟

باسمه جلت أسماوه الإتمام في الآية الشريفة ليس لأصل النور حتّى يرد الإشكال، وإنّما هو لامتداده برفع الموانع عنه، وهذا لامحذور فيه.

467 - قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ

ص:228


1- هود 3:11..

فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(1)، فهل تفيد جملة وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أنّ موسى عليه السلام رسول منذ ولادته؟ ويجب علياُمّ موسى عليه السلام أن تتّبعه حتّى قبل أن يأمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون وقومه، والتي عبّر الله عنها بالبعث في قوله: ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(2)؟ وهل دعا موسى عليه السلام قومهأو بعضهم حتّى قبل أن يبعث إلى فرعون، كما يظهر من قوله تعالى: قَالُوا أُوذِينَا

مِن قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا(3)، وقوله أيضاً: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَة مِن أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذَا مِن شِيعَتِهِ وَهذَا مِن عَدُوِّهِ(4)، فهل يعتبر هذا دليلا على وجوب اتّباع القائم عليه السلام حتّى في زمن غيبته؟

باسمه جلت أسماوه

t 1

- قوله تبارك وتعالى: وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لادلالة له على رسالة نبيّ الله موسى عليه السلام منذ الولادة; إذ هي تتحدّث عن أمر مستقبلي، لم يُعلم وقته. 2 - كما أنّ الآية الشريفة: قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا لايستفاد منها أيضاً قيام النبيّ موسى عليه السلام بالدعوة من قبل أن يبعث; إذ هي تتحدّث عمّا لقيه قوم موسى عليه السلام من الأذى قبل بعثته وبعدها، ولايستفاد منها أكثر من ذلك.

3 - ولا ريب في وجوب اتّباع الإمام المهدي (عج) أرواحنا فداه فيما ثبتَ صدوره عنه من الأوامر والنواهي، من غير فرق بين زمن حضوره وزمن غيبته; إذ أنّ هذا هو مقتضى الاعتقاد بإمامته، ولكنّ هذا الوجوب لايستفاد من مثل الآية المذكورة في السؤال، وإنّما يستفاد ممّا دلّ على إمامته من الأدلّة القطعيّة الكثيرة.

ص:229


1- (1) القصص 7:28.
2- (2) الأعراف 103:7.
3- (3) الأعراف 129:7.
4- (4) القصص 15:28..

468 - قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِر

(1)، فكيف يسّر الله القرآن للذكر؟

باسمه جلت أسماوه المقصود من الآية الشريفة: أنّ القرآن الكريم رغم ما يشتمل عليه من دقائق المعارف وغوامضها إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى قد يسّر فهم ظواهر آياته لقارئيه، من أجل تذكيرهم بالله تعالى واتّصالهم به.

469 - ما معنى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ ...

469 - ما معنى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً(2) ؟

باسمه جلت أسماوه المراد من الآية الشريفة: أنّ مدّ الظلّ عبارة عن التمدّد الذي يعرض الظلّ الحادث بعد زوال الشمس شيئاً فشيئاً، من المغرب إلى المشرقحسب اقتراب الشمس من الاُفق، حتّى إذا غربت الشمس كان ذلك نهاية امتداده، وهو في أحواله متحرّك، ولو شاء الله لجعله ساكناً.

470 - الله تعالى يقول: وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور...

470 - الله تعالى يقول: وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور(3) 2، ومن المعلوم أنّ الذي في الصدور حسب علم التشريح هو القلب المضخّ للدم، فهل لهذا القلب إدراك ومعرفة وفهم؟

باسمه جلت أسماوه بناءً على صحّة ما أثبته بعض العلماء المعاصرين من أنّ القلب الصنوبري هو مركز العواطف والأحاسيس والإدراك، ومن خلاله تترشّح المعلومات والمدركات على المخّ عبر مراكز عصبيّة دقيقة، يكون تفسير الآية المباركة في غاية الوضوح، وبناءً على عدم صحّته فمن المحتمل أن يراد بالصدور كما أفاد بعض المفسّرين النفوس، ويراد بالقلوب: آلة عندها.

ص:230


1- القمر 17:54، 22، 32، 40.
2- (2) الفرقان 45:25 و 46.
3- (3) الحجّ 46:22..

471 - قال تعالى: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا

(1)، فما هو الفرق بين الإحصاء والعدّ؟

باسمه جلت أسماوه المراد من الإحصاء هو الحصر والتحديد عن طريق العدّ، فإن كان ما يعد كالمخلوقات ممّا يتناهى أمكن احصاؤه; ولذا قال القرآن الكريم: لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(2)، وإن كان ممّا لايتناهى - كالنعم الإل - هيّة - لم يمكن إحصاؤه; ولذا قال القرآن الكريم: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا.

472 - قال تعالى: قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...

472 - قال تعالى: قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(3) 1، فمن هم القربى؟ ولماذا وردت الآية بصيغة النفي والاستثناء كصيغة لا إل - ه إلاّ الله؟

باسمه جلت أسماوه اسلوب الحصر ودوران الأمر بين النفي والإثبات هو أبلغ أساليب الحصر، وقد استخدم هنا لأنّه ليس هناك شيء يمكن أن يكون أجراً للرسالة سوى المودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام، الذين وردت روايات العامّة والخاصّة تقول: إنّه صلى الله عليه وآلهسئل عن القربى؟

فقال: هم فاطمة وعليّ وابناهما.

واللطيف أنّه صلى الله عليه وآله امر من قِبل ربّه أن لايقبل أجراً غير هذا، وهو يدلّ على ما قلناه من عدم وجود شيء يكون كذلك في علم العالم بكلّ شيء تبارك وتعالى.

473 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ...

473 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، ما سبب قوله: أَبْنَاءَ(4)

ص:231


1- إبراهيم 34:14. النحل 18:16.
2- (2) مريم 94:19.
3- (3) الشورى 23:42.
4- (4) آل عمران 61:3..

وكذلك في وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ، وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ، فما المقصود ب - نا؟ كما أنّ هناك باللغة العربيّة أداة لمخاطبة المثنّى والمفرد والجمع، فما سبب استخدام النبيّصلى الله عليه وآله الجمع للمثنّى في أَبْنَاءَنَا، والتي فسّرت على أنّ المقصود بها الحسن والحسين عليهما السلام؟ وما سبب استخدامه الجمع للمفرد في وَنِسَاءَنَا والتي فسّرت بالزهراءعليها السلام، وفي وَأَنفُسَنَا والتي فسّرت بأمير المؤمنين عليه السلام؟

باسمه جلت أسماوه استعمال الجمع وإرادة الفرد في القرآن لايخفيعلى أحد، فهذا قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)، وهذا قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(2)، وهكذا عشرات الآيات، والإتيان بالجمع وإرادة الفرد أو المثنّى له عدّة نكات في اللغة العربيّة، منها التعظيم، وبما أنّ المقام مقام تبجيل وتعظيم للنبيّ وأهل بيته عليهم السلامالذين أراد المباهلة بهم; لذلك استعمل القرآن الكريم الصيغة المذكورة لأجل التأكيد على ذلك.

474 - كنت أتحاجج مع شخص حول آية الغار: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ...

474 - كنت أتحاجج مع شخص حول آية الغار: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا(3)

فاحتججت عليه بما ورد عن شيخنا المفيد عليه الرحمة في هذا الشان، وقلت له: إنّ أبا بكر ليس بمؤمن; لأنّ السكينة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقط، بقرينة قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، والتأييد بالجنود شاهد على أنّ المعنى بإنزال السكينة هو رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرف العطف الواوفي وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا شاهد على هذا المدّعى.

فأجابني: ما يمنع أن تتنزّل السكينة على أبي بكر، كما في: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ

ص:232


1- (1) القدر 1:97.
2- (2) الحجر 9:15.
3- (3) التوبة 9:40..

عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ(1)، ومن ثمّ يؤيّد نبيّه بالجنود، فما هو الردّ على كلامه؟

باسمه جلت أسماوه في الآية الكريمة شواهد على رجوع ضمير سَكِينَتَهُ على رسول الله صلى الله عليه وآله، منها: رجوع الضمائر التي قبله وبعده إليه صلى الله عليه وآله، كقوله: إِلاَّ تَنصُرُوهُ و نَصَرَهُ و أَخْرَجَهُ و يَقُولُ لِصَاحِبِهِ و أَيَّدَهُ، فلا سبيل إلى رجوع ضمير واحد من بين مجموع الضمائر عليغير رسول الله صلى الله عليه وآله.

ومنه - ا: أنّ الآية الكريمة مسوقة لبيان نصر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله، حيث لم يكنمعه أحد يتمكّن من نصرته; إذ يقول: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ، ولايخفيأنّ إنزال السكينة والتقوية بالجنود من مصاديق النصر، فيكون للنبيّصلى الله عليه وآلهخاصّة، ويدلّ على ذلك تكرار إِذْ في الآية ثلاث مرّات، كلّ منها بيان لما قبله بوجه، وهناك شواهد اخر لامجال لذكرها.

475 - لماذا حزن أبو بكر يُعتبر حزن معصيّة في آية الغار، بينما نجد في القرآن...

475- - لماذا حزن أبو بكر يُعتبر حزن معصيّة في آية الغار، بينما نجد في القرآن كثيراً من الأولياء وقع منهم الحزن، وشاهد - مثلا - قوله تعالى: وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ(2)

، فإذا كان الحزن معصيّة، ألا يكون ذلك مخالفاً لعصمة الأنبياءعليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه قد تحرّر في علم الاُصول أنّ الأصل في النهيأن يكون مولويّاً، ولايحمل على الإرشاديّة إلاّ عند قيام القرينة على خلافه، وبما أنّ النهي عن الحزن في الآيات الموجّهة إلى الأنبياءعليهم السلام مقرون بالقرائن القطعيّة - عقلا ونقلا - الدالّة على عصمتهم عن المعاصي; لذلك يكون النهي الموجّه

ص:233


1- (1) التوبة 9:26.
2- (2) العنكبوت 33:29..

لهم عليهم السلامإرشاديّاً لامولويّاً، وبما أنّ هذه القرائن بالنسبة إلى المنهي عن الحزن في آية الغار مفقودة، فالنهي بالنسبة له يبقى على مولويّته بمقتضى الأصل.

476 - ما هي القراءة الصحيحة؟ هل هي: سَلاَمٌ عَلَى آلِ ي - س أو هي: سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ؟

476- ما هي القراءة الصحيحة؟ هل هي: سَلاَمٌ عَلَى آلِ ي - س أو هي: سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ(1)؟

*

باسمه جلت أسماوه في المعاني عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلامعن عليّعليه السلام في قوله تعالى: سَلاَمٌ عَلَى آلِ ي - س قال: «يس محمّدصلى الله عليه وآله، ونحن آل يس». وفي خبر آخر عن الإمام الرضاعليه السلام مثله، وهما يدلاّن على قراءة آل يس، كما قرأه نافع وابن عامر ويعقوب وزيد، وعن باقي القرّاء قراءة إِلْ ي - س بكسر الألف وسكون اللام موصولة بياسين.

477 - قال تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مّ - ِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ...

477- قال تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مّ - ِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّ - ِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ(2).

والسؤال: ما سبب مجيء كلمة الطاغوت في الآية بصيغة المفرد، والكلمة التي قبلها أَوْلِيَاؤُهُمُ، والكلمة التي بعدها يُخْرِجُونَهُم بصيغة الجمع؟ هل هذا دليل على أنّ كلمة الطاغوت لايمكن جمعها في اللغة على صيغة طواغيت؟

*

باسمه جلت أسماوه في الآية الكريمة موردان لهذا السؤال: أحدهما إنّه كيف أتى بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالى: يُخْرِجُهُم مّ - ِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وثانيهما ما جاء في السؤال. أمّا الأوّل: فيجاب بأنّه إشارة إلى أنّ الحقّ واحد لااختلاف فيه، كما أنّ الباطل متشتّت مختلف لاوحدة فيه، قال تعالى: وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ

ص:234


1- الصافّات 130:37.
2- (2) البقرة 2:257..

وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ.

وأمّا الثاني: فالطاغوت يُراد به الجنس، أي جنس الطاغوت، وعدولُ القرآن الكريم - في الآية المباركة - من استخدام صيغة الجمع إلى اللفظ المعبّر عن الجنس، إنّما هو لأجل استغراق جميع أنواع الطاغوت وأفراده.

478 - ما هي أسرار ارتباط الآية المباركة: بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ بالإمام المهدي (عج)؟

478- ما هي أسرار ارتباط الآية المباركة: بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ(1) بالإمام المهدي (عج)؟

باسمه جلت أسماوه جاء في الكافي الشريف عن أبي عبد الله عليه السلامقال: «سأله رجل عن القائم يُسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟

قال: لا، ذاك اسم سمّى الله به أميرالمؤمنين عليه السلام، لم يسمّ به أحد قبله، ولايتسمّى به بعده إلاّ كافر.

قلت: جعلت فداك، كيف يسلّم عليه؟

قال: يقولون: السلام عليك يا بقيّة الله، ثمّ قرأ: بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ.

ووجه التعبير عنه ب - بَقِيَّةُ اللهِ: أنّه الباقي من خطّ الخلافة الإل - هيّة المتجسّدة في الأنبياء والأئمّة عليهم السلام; إذ بقيّة الشيء بمعنى ما بقيَ منه وثبت ودام.

479 - ما القراءة الصحيحة الواردة عن أهل البيت: بخصوص قوله تبارك وتعالى: وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّة عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

، وتحديداً حول كلمة: يَدْعُونَ أهي بفتح الياء أم بضمّها، مع مراعاة سبب نزولها; لأن ذلك هو سبب تساؤلنا؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر من بعض الروايات الشريفة أنّ قراءة الضمّ

ص:235


1- هود 86:11..

هي قراءة أهل البيت عليهم السلام، كما تشهد بذلك موثّقة مسعدة بن صدقة، عن أبيعبد الله عليه السلامقال: «سئل عن قول النبيّصلى الله عليه وآله: إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال: كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله، وكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهى الله عن سبّ آلهتهم لكي لايسبّ الكفّار إل - ه المؤمنين، فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لايعملون، فقال: وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يُدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ.

480 - قال تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً...

480-قال تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً(1) فمَن بقي مع النبيّصلى الله عليه وآله؟ ومَن الذي انفضّ عنه؟

باسمه جلت أسماوه لم يرد ذلك من طريقنا بشكل مفصّل، ولكن نقل العلاّمة السيّد هاشم البحراني قدس سره عن تفسير مجاهد وأبي يوسف يعقوب بن سفيان: قال ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً أنّ دحيّة الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت، ثمّ ضرب بالطبول ليأذن بقدومه، ومضوا الناس إليه - إلاّ عليّ والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب - وتركوا النبيّصلى الله عليه وآلهقائماً يخطب على المنبر، فقال النبيّصلى الله عليه وآله: لقد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاضطرمت المدينة على أهلها ناراً، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط».

481 - الآية الكريمة تقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ، فهل هذه الآية شاملة للمؤمن الأعزب والمتزوّج؟

481- الآية الكريمة تقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ(2) ، فهل هذه الآية شاملة للمؤمن الأعزب والمتزوّج؟

باسمه جلت أسماوه مقتضى إطلاق الآية الكريمة عدم الفرق بين

ص:236


1- (1)الجمعة 11:62.
2- (2) الحجرات 13:49..

الأعزب والمتزوّج.

482 - قال الله تعالى: لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ ، فما معنى التوبة على النبيّصلى الله عليه وآله؟

482- قال الله تعالى: لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ(1)، فما معنى التوبة على النبيّصلى الله عليه وآله؟

باسمه جلت أسماوه التوبة تعني الرجوع، وتوبة الله تعالى عبده تعني رجوعه عليه بالخير والرحمة، وبقراءة مجموع الآية يتّضح المقصود منها، فإنّها قالت: لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمْ، فأوضحت أنّه بعد أن كادت تزيغ قلوب فريق من المهاجرين والأنصار تاب الله تعالى عليهم وعلى النبيّصلى الله عليه وآله وعلى بقيّة المهاجرين والأنصار، ومعنى ذلك أنّه برجوعه تعالى على هذا الفريق منهم بالخير; وذلك بالحيلولة بين قلوبهم وبين تحقّق الزيغ الذي كاد أن يتحقّق، عاد الخير عليهم وعلى جميع من معهم، بما في ذلك سيّدهم وقائدهم نبيّ الله الأعظم صلى الله عليه وآله; إذ لولا رجوع الله تعالى على اولئك القوم بالخير المذكور لوقع على الجميع ما لاتحمد عقباه من قبل أعدائهم.

483 - هل يدلّ قوله تعالى: َلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ...

483- هل يدلّ قوله تعالى: َلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ(2) على خلق كافّة الخلق من ذاك الزمن، أي قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام؟ وهل بذلك تكون للآية صلة بعالم الذرّ؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ الخلق كما يحتمل أن يكون بخلق آدم عليه السلامفقط، يحتمل أيضاً أن يكون بخلق الجميع، وعلى فرض خلق الجميع في عالم الذرّ أو قبله، فالتصوير تأخّر عن ذلك وعن خلق آدم عليه السلام، ولعلّ هذا هو السرُّ في التعبير بكلمة ثُمَّ فإنّها تدلّ على التراخي، كما هو ثابت في علم الأدبيات.

ص:237


1- (1)التوبة 9:117.
2- (2) الأعراف 11:7..

484 - يقول تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، فهل لقوله تعالى دلالة على أنّ عيسى عليه السلام مخلوق من تراب بشكل مباشر؟ وقد أولدته مريم عليها السلام بعد أن جعله الله نطفة؟

باسمه جلت أسماوه المراد من قوله تعالى: خَلَقَهُ مِن تُرَاب خلقته من الجنس المخلوق من التراب، أي من جنس البشر، فلا تدلّ على خلقه المباشر من التراب.

485 - الآية القرآنيّة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً...

485- الآية القرآنيّة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً(1) هل المخاطب بها جميع البشر أم خصوص المسلمين؟

باسمه جلت أسماوه المخاطب بهذه الآية الكريمة كجميع الآيات المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة والاعتقاديّة، هم جميع البشر إلى يوم القيامة.

486 - ما هو معنى إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ في قوله تعالى:

وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً(2)؟

*

باسمه جلت أسماوه بضميمة ما ورد من الروايات في بيان سبب نزول الآية، يظهر أن المراد من الاستثناء المذكور: إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ بيان عدم التبعة بالنسبة لحالات الزواج بزوجات الأب التي تمّت قبل بيان هذا الحكم، ولكن لابمعنى إمضائها، وإنّما بمعنى عدم المؤاخذة عليها.

487 - يقول تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ

487 - يقول تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(3) فهل لله تعالى روحٌ نفخَ منها؟

باسمه جلت أسماوه سئل الإمام الباقرعليه السلام عن الآية المذكورة، فقال:

ص:238


1- المائدة 5:3.
2- (2) النساء 22:4.
3- (3) الحجر 29:15. ص 7238..

«روح اختاره الله واصطفاه، وخلقه وأضافه إلى نفسه، وفضّله على جميع الأرواح، فنفخ منه في آدم عليه السلام»، وعلى ضوء جوابه عليه السلام يتّضح أنّ الإضافة تشريفيّة لاتبعيضيّة، وبذلك يندفع ما قد يُتوهّم من الإشكال.

488 - قال تعالى: قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي

488 - قال تعالى: قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(1)، قال المفسّرون في تفسير هذة الآية:

إنّ السامريّ أخذ قبضة من التراب الذي تحت رجل الرسول ووضعها في العجل الذي صنعه لبني

إسرائيل، والسؤال: نحن نعلم أنّ المعجزة أو الكرامة تحدث لإرشاد الناس إلى الطريق الحقّ، فكيف تحقّقت إذن هذه الكرامة مع أنّها ساهمت في إضلال بني إسرائيل؟

باسمه جلت أسماوه ما حصل للسامريّ - على فرض صحّة الرواية التي ذُكر مضمونها في السؤال - نظير ما حصل للراهب النصراني في عصر الإمام العسكري عليه السلام، والذي كان يستسقي المطر فيسقى، فكلاهما استفادا من بعض الأسباب المعنويّة في سبيل تحقيق بعض الظواهر المخالفة للعادة، وقد تمّ لهما ذلك امتحاناً من الله تعالى لمن عاصرهما، ولكنّ الله تعالى بحكمته البالغة ما أسرع أن كشف زيفهما، وأبطل دعواهما، حتّى لايكون في ذلك نقض لغرضه سبحانه وتعالى، كما أنّ ذلك ليس من الكرامة والإعجاز في شيء; إذ ليس كلّ أمر خالف العادة كان داخلا في أحدهما - كما هو مذكور في محلّه - وإلاّ لكان ما ظهر على يد مسيلمة الكذاب كذلك، وهو ممّا لايمكن التفوّه به.

489 - قال تبارك إسمه: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ

489 - قال تبارك إسمه: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(2) 1، فما هو معنى الإسلام والنعمة الموجودتين في هذه الآية العظيمة؟

ص:239


1- (1)طه 96:20.
2- (2) النحل 81:16..

باسمه جلت أسماوه للآية الكريمة كسائر الآيات معنى ظاهر وباطن، أمّا معناها الظاهر: فالله تعالى بعد ذكر النعم يقول: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ، وهو امتنان عليهم بإتمام النعم التي ذكرها، وكانت الغاية المرجوّة من ذلك إسلامهم، فإنّ المترقّب ممّن عرف النعمة أن يسلم لإرادة منعمه، ولايقابله بالاستكبار.

وأمّا باطنها فاُمور، منها: ما قيل من أنّ معناها يعرفون محمّداًصلى الله عليه وآله، وهو مننعم الله سبحانه ثم يكذّبونه ويجحدونه، ومنها غير ذلك.

490 - في سورة الكهف قال تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِيالْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَة غَصْباً * وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَن

يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً(1)

والسؤال: أنّ العبد الصالح لمّا قام بإخبار نبيّ الله موسى عليه السلام عن حكمة فعله، في الفعل الأوّل قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وفي الفعل الثاني قال: فَخَشِينَا و فَأَرَدْنَا، وفي الفعل الثالث قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ، فمَن هم الذين أرادوا في الفعل الثاني؟ ولماذا حصر الإرادة بنفسه في الفعل الأوّل؟ ولماذا حصر الإرادة بالله جلّ جلاله في الفعل الثالث؟

باسمه جلت أسماوه ذكر المحقّقون من المفسّرين هذا السؤال وأجابوا عنه، وخلاصة ما أفادوه: أنّ الخضرعليه السلام استعمل الأدب الجميل مع ربّه في كلامه،

ص:240


1- (1) الكهف 79:18-82..

فنسب الأعمال التي لاتخلو عن نقص مّا إلى نفسه، فقال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وما جاز انتسابه إلى ربّه وإلى نفسه أتى به بصيغة المتكلّم مع الغير، فقال: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا و فَخَشِينَا، وما يختصّ به تعالى لتعلّقه بالربوبيّة وتدبيره ملكه نسبه إليه، فقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا.

491 - ما معنى النسب والصهر في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً

491 - ما معنى النسب والصهر في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً(1)؟

*

باسمه جلت أسماوه الظاهر من الآية الكريمة تقسيمها السلالة البشريّة إلى قسمين: الأوّل ما كان ارتباطه ببعضه البعض عن طريق العلاقة النسبيّة، والثاني ما كان ارتباطه ببعضه البعض عن طريق علاقة المصاهرة، ومرجع الجميع هو الماء والتراب.

492 - يقول أهل السنّة: إنّ المقصود من الأهل في آية التطهير، هنّ نساء النبيّ باعتبار أنّ الآيات التي سبقت وتلت آية التطهير تتحدّث عن النساء، فكيف تقولون إنّ الأهل هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه الخطابات التي قبل هذه الآية موجّهة إلى نساء النبيّصلى الله عليه وآله، وتغيير الخطاب في قوله تعالى: عَنكُمُ عوضَ عنكنّ أقوى دليل على أنّ المقصود ليس نساء النبيّصلى الله عليه وآله.

وبالجملة: فاختلاف سياق آية التطهير عن الآيات السابقة واللاحقة شاهد على عدم إرادة النساء.

وبما أنّ لدينا عشرات الأحاديث المعتبرة عن طريق أهل السنّة، وقد رويت بطرق كثيرة عن امّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وابن عبّاس وعبد الله بن جعفر وغيرهم ممّا يقرب من أربعين طريقاً، وكلّها تدلّ على نزول آية التطهير في الخمسة،

ص:241


1- (1) الفرقان 54:25..

فهذا يكفي - بضميمة الاختلاف السياقي - لإثبات المطلوب.

493 - ما المقصود من الرجس في آية التطهير؟

باسمه جلت أسماوه الرجس هو القذارة المعنويّة، أو فقل: هو إدراك نفساني وأثر شعوري ناتج عن تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ، وبما أنّ اللام فيه للجنس، فالآية تدلّ على إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس توجب انحرافاً في الاعتقاد والعمل، وهذا هو معنى العصمة.

494 - قوله تعالى: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

494 - قوله تعالى: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(1) يوحي بأنّ النبيّصلى الله عليه وآله ليس بمعصوم، وإنّما الذي يعصمه هو وحي الله تعالى من السماء، فما قولكم؟

باسمه جلت أسماوه لاشبهة في أنّ ولاية النبيّصلى الله عليه وآله وعصمته وأفعاله، إنّما تكون تحت اختياره، فله أن يفعل وله أن لايفعل، ومع ذلكفإنّ حياته وقدرته وأفعاله كلّها متحقّقة بإفاضة الباري تعالى، بحيث لو لم يفض إليه شيئاً منها يلزم منه عدم صدور أي فعل منه.

وبعبارة اخرى: أنّ الله تعالى أقدره وملكّه كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، وكلّ زمان سلب فيه عنه القدرة، بل لم يفضها عليه، انعدمت قدرته وسلطنته، وعلى الجملة: فكلّ أعمال النبيّصلى الله عليه وآلهإنّما كانت بوحي من الله تعالى، ولم تكن في عرضه بل في طوله.

495 - ما معنى قوله تعالى في قصّة موسى والخضر: اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا

495 - ما معنى قوله تعالى في قصّة موسى والخضر: اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا(2) 1، فلماذا ألجأ الله اثنين من أوليائه إلى الاستطعام، مع أنّ هذا لايليق بأبسط الناس إلاّ مع الضرورة؟ وهل يمكن أن نفسّر الاستطعام باستطعام الحديث؟

ص:242


1- (1) القيامة 16:75.
2- (2) الكهف 77:18..

باسمه جلت أسماوه

* أوّلا: إنّ قضيّة النبيّ موسى مع الخضرعليهما السلام بمجموعها كانت مبنيّة على الابتلاء والامتحان، ولتكن قضيّة الاستطعام من جملة مصاديق ذلك. وثانياً: إنّ حياة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تسير على وفق المجريات الطبيعيّة، لاعلى نحو الاعجاز والكرامة وإن كانوا متمكّنين من ذلك، فهم عليهم السلام وإن كانوا قادرين - مثلا - على

الأكل من موائد الجنّة، إلاّ أنّ حياتهم قائمة على تحصيل الطعام الذي يقتاته سائر الناس من خلال الطرق الاعتياديّة.

وثالثاً: إنّ الاستطعام في الآية المباركة لايمكن حمله - بقرينة قوله تعالى: فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا - إلاّ على طلب الطعام، وطلب الطعام من الغير ليسمن اللازم أن يكون بنحو يوجب الوهن للطالب; إذ من المحتمل مثلا أنّ الخضرعليه السلامقد عرّفَ أهل القرية بأنّ من معه من عباد الله الصالحين، وطلبَ منهم أن يقوموا بحقّ ضيافته وإطعامه، وهذا يصدق عليه الاستطعام من غير أن يكون موجباً للوهن.

496 - الآية الشريفة: وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ

496 - الآية الشريفة: وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ(1) استفادمنها بعض المخالفين في نقض الاستدلال بآية التطهير على عصمة الأئمّة عليهم السلام فقال:

إنّ التطهير فيها جاء لكافّة المؤمنين، ولو كان التطهير بمعنى العصمة - كما يقول الشيعة في آية التطهير - لوجب القول بعصمة جميع المؤمنين; لنصّ الآية الكريمة على إرادة الله تطهيرهم، وهذا ما لايقوله أحد من السنّة والشيعة، فكيف تطبّقون نظرية التطهير على اناس دون آخرين؟

باسمه جلت أسماوه

* أوّلا: إنّ الآية المذكورة في السؤال ناظرة إلى خصوص التطهير التشريعي من الحدث بواسطة الوضوء والتيمم، كما لايخفى على من لاحظ صدرها، حيث

ص:243


1- (1) المائدة 6:5..

تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَج وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(1)، وإذا كانت الآية - كما اتّضح - مختصّة بالتطهير من الحدث بواسطة تشريع الوضوء والتيمّم، فكيف يمكن أن نستفيد منها العصمة من مطلق الذنوب والمعاصي والرجس؟!

وثانياً: إنّ الآية الكريمة: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(2) مشتملة على كلمة إِنَّمَا وهي أداة حصر، فتدلّ على حصر إرادة إذهاب الرجس

والتطهير في خصوص أهل البيت عليهم السلام، ممّا يعني أنّ التطهير وإذهاب الرجس مختصّ بهم عليهم السلام.

وليس المراد بأهل البيت نساء النبيّصلى الله عليه وآله; لأنّه لم يقل: عنكنّ، بل المراد - كما وردت به الروايات الكثيرة من طرق الشيعة والسنّة - عليّ وفاطمة والحسنان عليهم السلامخاصّة.

وقد قال بعض المحقّقين: إنّ الروايات تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما وردمنها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة، فقد رواها أهل السنّة بطرق كثيرة، عن امّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري ووائلة الأسفع وأبي الحمراء وابن عبّاس وثوبان مولى النبيّصلى الله عليه وآله وعبد الله بن جعفر وعلي والحسن بن عليّعليه السلام، في قريب من أربعين طريقاً، ورواها الشيعة عن عليّ والسجّاد والباقر والصادق والرضاعليهم السلامواُمّ سلمة وغيرهم، في بضع وثلاثين طريقاً، وفي الكلّ أنّها نزلت

ص:244


1- (1) المائدة 6:5.
2- (2) الأحزاب 33:33..

في الخمسة الطيّبة.

497 - قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

497 - قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1)، فهل لدينا ما يدلّ على ثبوت صفة إيتاء الزكاة حال الركوع لغير أمير المؤمنين عليه السلام من المعصومين عليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه روى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن أحمد ابن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ، قال: إنّما يعني أوْلى بكم، أي أحقّ بكم وباُموركم من أموالكم وأنفسكم، اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يعني: عليّاً وأولاده الأئمّة عليهم السلام إلى يوم القيامة.

ثمّ وصفهم الله عزّ وجلّ فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر، وقد صلّى ركعتين وهو راكع، وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان النبيّصلى الله عليه وآله كساه إيّاها، وكان النجاشي أهداها إليه، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلّة إليه، وأومأ بيده إليه أن احملها، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وصيّر نعمة أولاده بنعمه، فكلّ مَن بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدّقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة عليهم السلام من أولاده يكونون من الملائكة».

498 - قُل لاَ أَجِدُ فِي مَاأُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ

498 - قُل لاَ أَجِدُ فِي مَاأُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ(2) 1، كيف تدلّ هذه الآية على نجاسة الدم؟

باسمه جلت أسماوه بناءً على عودة الضمير في قوله: فَإِنَّهُ إلى جميع المذكورات في الآية، تكون كلّها مصاديق للرجس، والرجس يعني النجس.

ص:245


1- (1) المائدة 55:5.
2- (2) الأنعام 145:6..

499 - قال تعالى: الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَ - ا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

اشارة

* وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَايُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَايُنفِقُ قُرُبَات عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم(1)، ولديّ أسئلة مرتبطة بالآيات:

1 - مَن هم الأعراب؟ هل هم سكنة البادية من البدو العرب فقط، أم البدو مقابل الحضر في كلّ شعوب العالم، أم غير ذلك؟

باسمه جلت أسماوه يُراد بالأعراب سكّان البادية، سواء كانوا من العرب أم من غيرهم، ويُراد بهم في بعض الآيات القرآنيّة فئة خاصّة من الأعراب، كما في قوله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ، فإنّه إشارة إلى بعض القبائل التي كانت تسكن حول المدينة المنوّرة، ممّن كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، مثلهم مثل المنافقين من أهل المدينة المنوّرة.

2 - لماذا الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً، هل لأنّهم يعيشون منعزلين عن مركز الحضارة الذي يمدّهم بالدين والأحكام، أم للآية تفسير ومنحى آخر؟

باسمه جلت أسماوه إنّ وصفهم بأنّهم أشدّ كفراً ونفاقاً من أهل الحضر يعود لقساوتهم وجفائهم ونشوئهم بعيداً عن مشاهدة العلماء وسماع التنزيل;

ص:246


1- (1) التوبة 97:9-101..

ولذا قال تعالى عنهم: وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَ - ا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِمن الشرائع فرائضاً وسنناً وأحكاماً.

3 - لماذا ذمَّ الله تعالى الأعراب، مع أنّ من المتعارف لدينا أنّ الأعراب هم أكثر الناس محافظة على الموروث والتقاليد والاصرار عليها مقابل الحضر؟

باسمه جلت أسماوه الذمّ ليس لمطلق الأعراب، بل لخصوص الكفّار والمنافقين من الأعراب فيما يتعلّق بسلوكهم العقائدي، وشاهد ذلك مدح القرآن للمؤمنين منهم في قوله تبارك وتعالى: وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَايُنفِقُ قُرُبَات عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ.

4 - هل الآيات الكريمة مرتبطة بزمن النبيّصلى الله عليه وآله، أم تشمل زماننا الحالي؟

باسمه جلت أسماوه قدّمنا أنّ المقصود بوصف الأعراب في بعض الآيات الكريمة هم الذين كانوا في زمن النبيّصلى الله عليه وآلهيسكنون في محيط المدينة، ولكنّ وصف الأعراب في بعضها الآخر يراد به مطلق أصحاب الرذائل والمعاصي من سكّان البوادي البعيدين عن معرفة العقائد الدينيّة والأحكام الشرعيّة.

500 - قال تعالى لنبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ

500 - قال تعالى لنبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ(1)، ولو لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله عاصياً في حزنه لما نهاه الله عنه، فكيف نوجّه هذه الآية؟

باسمه جلت أسماوه قوله تعالى: لاَ يَحْزُنكَ في الآية الشريفة المُشار إليها في السؤال، لم يرد مورد النهي، وإنّما جاءَ تسليةً للنبيّصلى الله عليه وآله وإخباراً له بأنّ من كان يحزن ويتألّم لعدم هدايتهم وإسلامهم لايستحقّون ذلك; لأنّهم لاخير فيهم، ويتّضح ذلك من قراءة الآية المباركة كاملة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ

ص:247


1- (1) المائدة 41:5..

يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمّ - اعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّ - اعُونَ لِقَوْم آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُمِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

501 - قال تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

501 - قال تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(1)، فمن هم الجنود الذين أيّد الله تعالى بهم الرسول صلى الله عليه وآله ونصره بهم؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر من الروايات أنّ الجنود التي لم تُرَ كانت من جنس الملائكة، وأمّا ما ذكره بعضهم من أنّ الجنود عبارة عن العنكبوتوطير الحمام، فيكذّبه تصريح القرآن بعدم رؤية الجنود; إذ العنكبوت والحمامممّا رآه المشركون.

502 - قال تعالى شأنه: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُعَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

502 - قال تعالى شأنه: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُعَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(2) 1

، فما معنى قول النبيّ موسى عليه السلام:

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؟

*

باسمه جلت أسماوه أمّا قوله:

قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فالمُشار إليه باسم الإشارة هذَا هو القتيل، وبذلك يظهر استحقاقه للقتل. وأمّا قوله: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فيتّضح المقصود منه من خلال

ص:248


1- (1) التوبة 9:40.
2- (2) القصص 15:28 و 16..

ملاحظة مجموع الحادثة، حيث أنّ الذي قتله النبيّ موسى عليه السلام - في سبيل نصرة وليّه - هو أحد الفراعنة، وبقتله له كان قد جعل نفسه في معرض القتل والإبادة، وهذا ما جعله يحاول الاستتار عن الأعداء حتّى لايريقون دمه، فأشار إلى الأمر الأوّل - أي جعل النفس في معرض القتل - بقوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي، وأشار إلى الأمر الثاني - أي طلب الاستتار - بقوله: فَاغْفِرْ لِي; إذ معنى الغفران الستر، وقد سمّي المغفر - المستعمل في الحرب - مغفراً لأنّه يستر الرأس ويقيه من السيوف.

503 - قال تعالى في سورة الكهف: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُإِلاَّ الشَّيْطَانُ

503 - قال تعالى في سورة الكهف: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُإِلاَّ الشَّيْطَانُ(1)، ثم قال في آية لاحقة: قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ(2) [1]

فما هو المقصود من النسيان الذي نسبه تعالى لاثنين من أنبيائه، وهما يوشع بن نون وموسى عليهما السلام؟

باسمه جلت أسماوه بعد قيام البرهان العقلي على عصمة الأنبياءعليهم السلامعن النسيان بمعناه المعروف، فلابدّ من حمل النسيان على معنى آخر، وبما أنّمن معانيه الترك، فيصحّ حمل نسيان الأنبياء عليه; لأنّه هو المعنى المنسجم مع عصمتهم المبرهن عليها عقلا ونقلا.

504 - يقول تعالى في كتابه: الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَان أَوْ مُشْرِكٌ

504 - يقول تعالى في كتابه: الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَان أَوْ مُشْرِكٌ(3) 2

، فهل المقصود بالآية الكريمة عدم جواز تزويج الزاني إلاّ زانيّة مثله أو مشركة؟ وهل يساوي الله المؤمن وإن كان زانياً بالمشرك؟ وكيف ينسجم ذلك مع تحريم الإسلام الزواج من المشركين والكفّار؟

باسمه جلت أسماوه الآية الكريمة لو كانت في مقام تشريع التحليل

ص:249


1- (1) الكهف 63:18.
2- (2) الكهف 68:18.
3- (3) النور 3:24..

والتحريم لزم البناء على أنّه يباح للمسلم الزاني نكاح المشركة، وللمسلمة الزانيّة نكاح المشرك، وهو معلوم البطلان; لعدم جوازه إجماعاً، وأيضاً لزم منه عدم جواز مناكحة الزاني إلاّ إذا كانت الزوجة زانيّة، مع أنّ المعروف من مذهب الأصحاب جوازها على كراهة.

فلا مناص عن حملها على كونها في مقام الإخبار، ويكون المراد من النكاح الوطء، فالآية المباركة نظير قوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ(1)، والمقصود منه أنّ الزاني الخبيث الذي من شأنه الزنا لايرغب في نكاح الصالحات اللاتي على خلاف صفته، وإنّما يميل إلى الخبيثات مثله، وهكذا العكس.

505 - الآية المباركة: إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِْنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً

505 - الآية المباركة: إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِْنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(2) 1 تثير عندي عدّة من الأسئلة أرجو التفضّل بالإجابة عليها:

1 - ما المقصود بالأمانة؟

باسمه جلت أسماوه بما أنّ الأمانة شيء يودع عند الغير ليحتفظ بهثمّ يردّه إلى مَن أودعه عنده، فالأمانة المذكورة في الآية الكريمة لابدّ أن تكون شيئاً ائتمن الله الإنسان عليه ليحفظه ثمّ يردّه إليه سبحانه.

والمستفاد من الآية اللاحقة لها، وهي قوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ(3) أنّ الأمانة المذكورة في سابقتها أمر يميّز به بين المنافقين والمؤمنين، ومثل هذا الأمر

ص:250


1- (1) النور 26:24.
2- (2) الأحزاب 72:33.
3- (3) الأحزاب 73:33..

لامحالة أمر مرتبط بالدين، وقد اختلفوا في تحديده، ولكن الحقّ أنّه الكمال الحاصل من جهة التلبّس بالاعتقاد الصحيح والعمل الصالح، والمعبّر عنه في بعض الأخبار بالولاية، إذ أنّ الولاية الحقيقيّة لاتتحقق إلاّ بكمال الاعتقاد والعلم والعمل.

2 - لماذا رفضت السماوات والأرض والجبال حملها، وهل يعتبر رفضها معصيّة؟

باسمه جلت أسماوه المراد بحملها والإباء عنها: استعدادها وصلاحيّتها للتلبّس بها وعدمه، فالسماوات والأرض والجبال على عظمتها فاقدة لاستعداد حصولها فيها، وهو المراد بإبائهن حملها.

3 - لماذا حملها الإنسان؟

باسمه جلت أسماوه لأنّه - على ضعفه وصغر حجمه - مهيّئ تكويناً للتلبّس بها، وله من الاستعداد والصلاحيّة ما يجعله قابلا لحملها.

4 - لماذا وصف الله تعالى الإنسان بقوله: ظَلُوماً جَهُولاً؟

باسمه جلت أسماوه الظلوم والجهول وصفان منتزعان من الظلم والجهل، وقد وصف الله تعالى بهما الإنسان دون السماوات والأرض والجبال; لأنّ الإنسان بعد أن كانت له صلاحيّة التلبّس بالأمانة فإنّه لايرفضها إلاّ جاهلاأو ظالماً، وأمّا السماء والأرض والجبال فلعدم صلاحيّتها للتلبّس بالأمانة لاتتّصف بالظلم والجهل.

5 - إذا كان المقصود بالأمانة هو قبول الولاية، فكيف نوفّق بينه وبين بعض الأخبار الدالّة على أنّ أرض الكعبة هي أوّل أرض قبلت وآمنت بولاية أمير المؤمنين عليه السلام؟

باسمه جلت أسماوه الولاية التي قبلها الإنسان ورفضتها السماء والأرض هي الولاية النابعة عن الاعتقاد والمستتبعة للعلم والعمل، وهذه - كما هو واضح - غير الولاية التي قبلت بها بعض الأرضين ورفضتها بعض الأرضين الاُخرى.

ص:251

506 - قال تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً

506 - قال تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(1)، وقال في آية اخرى: إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(2) [1] ، فهل من تعارض بين الآيتين؟

باسمه جلت أسماوه قال الله تبارك وتعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَوَلَوْ كَانَ مِن عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً(3)، وقال سبحانه وتعالى: لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِن خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيم حَمِيد(4)، فالقرآن الكريم بمقتضى هاتين الآيتين الشريفتين وغيرهما لاتعارض فيه ولاتناقض. إلاّ أنّ توهّم التعارض قد يطرأ على بعض الأذهان، نتيجة عدم الالتفات إلى بعض القضايا العلميّة أو الأدبيّة، والتي من جملتها قاعدّة أنّ المثبتين لاتعارض بينهما والمراد من هذه القاعدّة: أنّه لو جاء خبران، وكان كلّ واحد منهما يثبت شيئاً غير الذي يثبته الآخر، فإنّه لاتعارض بينهما، كما لو قال أحد الخبرين: «يجب الركوع في الصلاة»، وقال الخبر الآخر: «يجب السجود في الصلاة» فإنّه لايكون هنالك تعارض بين الخبرين، بل يؤخذ بمفادهما معاً، لأنّ مرجع التعارض إلى التكاذب، ولاتكاذب بين الخبرين المثبتين، كما هو أوضح من أن يخفى.

وبالالتفات إلى هذه القاعدّة الشريفة تنحلّ الكثير من موارد توهّم التعارض، ومنها ما أشرتَ إليه في سؤالك، كالنداء في البقعة المباركة، فإنّ إحدى الآيات أفادت أنّه هو: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، وأفادت آية اخرى أنّه إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فتلك تثبت شيئاً لم تثبته هذهولم تتحدّث عنه، وهذه تثبت شيئاً لم تثبته تلك ولم تتحدّث عنه، فأيّ تكاذب

ص:252


1- (1) طه 12:20.
2- (2) القصص 30:28.
3- (3) النساء 82:4.
4- (4) فصّلت 42:41..

بينهما، حتّى يتوهّم التعارض، وعلى هذا المورد قس بقيّة الموارد.

507 - قال تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لاََجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيِم * فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ

أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(1) من خلال هذه الآية الشريفة تمكّن العالم المسلم المصري الدكتور عبدالباسط محمّد سيّد، الباحث بالمركز القومي للبحوث، التابع لوزارة البحث العلمي والتكنولوجيا بجمهوريّة مصر العربيّة، من الحصول على براءة اختراع دوليّتين: الاُولى براءة الاختراع الاُوروبيّة والثانيّة براءة اختراع أمريكيّة، وذلك بعد أن قام بتصنيع قطرة عيون لمعالجة المياه البيضاء، استلهاماً من نصوص سورة يوسف عليه السلام، وقد تحدّث الدكتور عن ذلك بقوله: «أنّني كنت في فجر أحد الأيّام أقرأ في كتاب الله عزّ وجلّ في سورة يوسف عليه السلام فاستوقفتني تلك القصّة العجيبة، وأخذت أتدبّر الآيات الكريمات التي تحكي قصّة تآمر إخوة يوسف عليه السلام، وما آل إليه أمر أبيه بعد أن فقده، وذهاب بصره وإصابته بالمياه البيضاء، ثمّ كيف أنّ رحمة الله تداركته بقميص الشفاء الذي ألقاه البشير على وجهه فارتدّ بصيراً، وأخذت أسأل نفسي ترى ما الذي يمكن أن يكون في قميص يوسف عليه السلام حتّى يحدث هذا الشفاء وعودة الإبصار على ما كان عليه.

ومع إيماني بأنّ القصّة معجزة أجراها الله على يد نبيّ من أنبياء الله، وهو سيّدنا يوسف عليه السلام إلاّ أنّي أدركت أنّ هناك بجانب المغزى الروحي الذي تفيده القصّة مغزى آخر مادّي يمكن أن يوصلنا إليه البحث تدليلا على صدق القرآن الكريم، الذينقل إلينا تلك القصّة كما وقعت أحداثها في وقتها، وأخذت أبحث حتّى هداني الله إلى وجود علاقة بين الحزن وبين الإصابة بالمياه البيضاء، حيث أنّ الحزن يسبّب زيادة هرمون الأدرينالين وهو يعتبر مضادّ لهرمون الأنسولين، وبالتالي فإنّ الحزن

ص:253


1- (1) يوسف 94:12-96..

الشديد أو الفرح الشديد يسبّب زيادة مستمرّة في هرمون «الأدرينالين» الذي يسبّب بدوره زيادة سكّر الدم، وهو أحد مسبّبات العتامة، هذا بالاضافة إلى تزامن الحزنمع البكاء.

ولقد وجدنا أوّل بصيص أمل في سورة يوسف عليه السلام، فقد جاء عن سيّدنا يعقوب عليه السلامفي سورة يوسف قول الله تعالى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْعَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم(1)، وكان ما فعله سيّدنا يوسف عليه السلام بوحي من ربّه أن طلب من إخوته أن يذهبوا لأبيهم بقميص الشفاء: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ(2)، وقال تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لاََجِدُ رِيحَ

يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيِم * فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

فماذا يمكن أن يكون في قميص سيّدنا يوسف عليه السلام حتّى أوجب الشفاء؟ وبعد التفكير لم نجد سوى العرق، وكان البحث في مكوّنات عرق الإنسان، حيث أخذنا العدسات المستخرجة من العيون بالعمليّة الجراحيّة التقليديّة، وتمّ نقعها في العرق، فوجدنا أنّه تحدث حالة من الشفافيّة التدريجيّة لهذه العدسات المعتمة.

ثمّ كان السؤال الثاني: هل كلّ مكوّنات العرق فعّالة في هذه الحالة، أم إحدى هذه المكوّنات، وبالفصل أمكن التوصّل إلى إحدى المكوّنات الأساسيّة، وهي مركّب من مركّبات البولينا الجوالدين، والتي أمكن تحضيرها كيميائيّاً، وقد سجّلت النتائج التي اجريت على 250 متطوّعاً زوال هذا البياض ورجوع الإبصار في أكثر من% 90 من الحالات، وثبت أيضاً بالتجارب أنّ وضع هذه القطرة مرّتين يوميّاً لمدّة أسبوعين

ص:254


1- (1) يوسف 84:12.
2- (2) يوسف 93:12..

يزيل هذا البياض، ويحسّن من الإبصار، كما يلاحظ الناظر إلى الشخص الذي يعاني من بياض في القرنيّة وجود هذا البياض في المنطقة السوداء أو العسليّة أو الخضراء، وعند وضع القطرة تعود الاُمور إلى ما كانت عليه قبل اسبوعين.

ويعلق الاُستاذ الدكتور عبد الباسط قائلا: أشعر من واقع التجربة العمليّة بعظمة وشموخ القرآن، وأنّه كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(1)، فما هو رأيكم سماحة السيّد في هذه الاستفادة من آيات القرآن الكريم؟

باسمه جلت أسماوه لاريب في أنّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، فلامانع أن يتوصّلَ الأطباء من خلال آياتهِ الشريفة إلى بعض المعارف والأسرار الطبيّة، ولكنّ ذلك لايعني أنّ ارتداد بصر النبيّ يعقوب عليه السلام كان بالكيفيّة المذكورة في السؤال، بل الظاهر خلافه; إذ المستفاد من قوله تعالى: فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً أنّه قد استرد ّبصره بمجرّد أن لامس القميص وجهه الشريف، وهذا - كما هو ظاهرٌ - أمرٌ يعجزُ البشرُ عن الإتيان بمثله.

508 - كيف تكون سورة القدر الشريفة نسبة محمّد وآل محمّد، وسورة التوحيد نسبة الله عزّ وجلّ، كما في خبر الإسراء والمعراج؟

باسمه جلت أسماوه كما أنّ نسب الإنسان يبيّن منزلة الشخص المنتسب - بالكسر - للمنتسب إليه، فإنّ سورة القدر تبيّن موقع آل محمّدصلى الله عليه وآلهومنزلتهم من الله، وذلك من جهتين:

الجهة الاُولى: ما تبيّنه من مقارنة بين هذه الليلة التي تعرض فيها الآجال والأعمال - كما ورد ذلك في روايات معتبرة - على الإمام عليه السلام وبين ألفي شهر حكم فيها بنو اميّة، حيث أوضحت أنّ ليلة واحدة منسوبة لآل محمّدصلى الله عليه وآله خير من ذلك

ص:255


1- (1) الإسراء 82:17..

الزمان كلّه فهي خير من ألفي شهر.

الجهة الثانية: أنّها تكشف عن أهميّة الإمامة المتمثّلة في آل محمّدصلى الله عليه وآلهحيث لايحصل شيء ممّا قدره الله في مجموع السنة من الأعمال والآجال حتّى يطلع عليه إمام ذلك الزمان عليه السلام، وأي أهميّة أعظم من ذلك! وأيّ منزلة توضّحها سورة القدر لأهل البيت عليهم السلام؟!

وأمّا سورة التوحيد فهي أيضاً توضّح حقيقة الذات المقدّسة من جهة عدم الشريك وعدم الجسم والشبيه في القدرة، فهي نسب الله، والجامع هو إيضاحالقدر لآل محمّدصلى الله عليه وآله وإيضاح التوحيد لمعالم الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى.

509 - ما هي أنواع الهداية المذكورة في القرآن، وهل هي درجة واحدة؟

باسمه جلت أسماوه للهداية مراتب ودرجات تبدأ بإراءة الطريق وتنتهي بالإيصال إلى المطلوب، والمراد من الهداية غالباً في الآيات القرآنيّة هو الاراءة، كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(1)، إلاّ أنّه أحياناً قد يراد منها الإيصال إلى المطلوب، وعلى هذا المعنى يحمل - مثلا - قوله تعالى: اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ(2)، وكذا قوله مخاطباً نبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله: إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ(3)، أي إنّك ليس عليك الايصال للمطلوب، بل مجرّد إراءة الطريق.

510 - هل آية الكرسي إلى قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

510 - هل آية الكرسي إلى قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(4) 1 أم إلى قوله: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(5)

ص:256


1- (1) الإنسان 3:76.
2- (2) البقرة 272:2. القصص 56:28.
3- (3) القصص 56:28.
4- (4) البقرة 255:2.
5- (5) البقرة 257:2.

*

باسمه جلت أسماوه آية الكرسى تنتهي بقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وهو ظاهر التعبير عنها ب - آية الكرسي، فإنّها لو لم تنتهِ بما ذكرناه لكان التعبير عنها بالآية مجازياً، ويدلّ عليه حديث أبي امامة الباهلي، المرويّ في البحار(1) عن أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن ورد في كيفيّة صلاة يوم المباهلة التصريح بقرائتها إلى: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، كما وروي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلامكان يقرأها إلى: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أيضاً، و على هذا ففي كلّ مورد أمر بقرائة آية الكرسي، ولم يصرّح بضمّ الآيتين اللتين بعدها، فيجوز الاكتفاء بالآية التي تنتهي بالعليّ العظيم.

511 - نحن الشيعة عندما ننهي الآية أو السورة من القرآن الكريم نقول: «صدق الله العليّ العظيم»، ولانقول: «صدق الله العظيم» كغيرنا، فما هو السرّ في ذكر العليّ؟

باسمه جلت أسماوه روى شيخنا العلاّمة المجلسي قدس سره في موسوعته بحار الأنوار عن ابن سلام، أنّه قال للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله: أخبرني ما ابتداء القرآنوما ختمه؟

فقال له النبيّصلى الله عليه وآله: ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العليّ العظيم، وبذلك ظهر السرّ في التزامنا بالإتيان بكلمة العليّ ضمن عبارة الختم، وليس مرادنا من كلمة العليّ العليّ العلَمَي، بل مرادنا العليّ الوصفي، نظير قوله تعالى في آية الكرسي: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

512 - يقول الاُستاذ مصطفى ملكيان في كتاب العقلانيّة والمعنويّة ما مضمونه

: «إنّ القرآن لايريد الإيمان اليقيني بالغيبيّات، مثل وجود الله واليوم الآخر، بداهة أنّ وجود الله ليس يقينياً مثل قضيّة 21 + 1 التي هي 100%، بل هو إيمان احتمالي، والدليل موجود في القرآن، حيث قال تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ

ص:257


1- (1) بحار الأنوار: 284:89..

عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(1)، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(2)، فإنّ الرجاء في الآية الاُولى والظنّ في الآية الثانية دليل عدم يقينيّة الإيمان بالغيبيّات الماورائيّة الحسّ، بل احتمال فقط وفقط، فما هو رأيكم الجليل بهذا الكلام؟

باسمه جلت أسماوه الرجاء في الآية الاُولى هو التوقّع، وهو فرع الإيمان على نحو اليقين ممّن يترقّب يوم القيامة، فتدلّ على خلاف ما قاله الكاتب، وأمّا الآية الثانية فهي تدلّ على أنّ الصلاة كبيرة على الخاشع الذي يظنّ بالقيامة، فما بالك بمن يتيقّن بها، كما هو المفترض في المؤمن؟! هذا يعني أنّها ستكون كبيرة عليه بطريق أوْلى، ولادلالة للآية على كفاية الظنّ في الاُصول، كما أوضحناه.

ص:258


1- (1) الكهف 110:18.
2- (2) البقرة 46:2..

الفصل الثامن: أسئلة وأجوبة حول أحاديث المعصومين:

اشارة

ص:259

ص:260

513 - ما هو تقييمكم للرواية المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام: «ولدني أبو بكر مرّتين»؟

باسمه جلت أسماوه الرواية عاميّة، ولاسند لها أصلا، فالتعويل على مثلها حجّة العاجز.

514 - ما هو معنى قول النبيّصلى الله عليه وآله:

«فاطمة أحبّ إليَّ، وعليٌّ أعزّ عليَّ»؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ هنالك نحواً من الملازمة بين محبّة الشيء ومعزّته، فإنّ مَن أحبّ أحداً أعزّه، ومَن أعزّ أحداً أحبّه، وهذا يعني أنّ النبيّصلى الله عليه وآلهلما قال: «فاطمة أحبّ إليَّ، وعليٌّ أعزّ عَلَيَّ» أراد أن يبيّن تساوي أخيه الوصي وابنته الصدّيقة عليهما السلامعنده صلى الله عليه وآله من حيث المعزّة والمحبّة، إذ أنّ الأحبّ إلى نفسه هو الأعزّ عنده، والأعزّ عنده هو الأحبّ إلى نفسه، ولكنّه صلى الله عليه وآلهتفنّن في التعبير، فأبرز - وهو ربُ الفصاحة والبلاغة - جميل المعنى بجميل الألفاظ. ومن ذلك يظهر أن لامنافاة بين قوله صلى الله عليه وآله: «فاطمة أحبّ إليَّ» وبين حديث الطائر المشوي، إذ كلاهما عليهما التحيّة والسلام أحبّ وأعزّ الخلق لله تبارك وتعالى وللرسول صلى الله عليه وآله.

515 هل صحّ عن الإمام المهدي (عج) قوله: «الكافي كاف لشيعتنا»؟

باسمه جلت أسماوه كتاب الكافي الشريف يعتبر أهم كتاب حديثي عند الطائفة المحقّة، فلقد أجاد مؤلّفه ثقة الإسلام الكليني طيّب الله ثراه في تبويبه وترتيبه، وضبط وإتقان أسانيده وأحاديثه، حتّى نقل عنه الشيخ النجاشي قدس سره

ص:261

أنّه قد صرف من عمره الشريف عشرين سنة في سبيل تصنيفه، ولكنّ هذا لايعني صحّة جميع أحادثيه وأخباره، إذ باعتقادنا أنّه لايوجد كتاب منزّه عن الخطأ والاشتباه إلاّ كتاب الله تعالى، وما نُقل عن الإمام الحجّة أرواحنا فداه في حقّ الكتاب لم يثبت بسند معتبر.

516 - جاء في الحديث عن أئمّة أهل بيت العصمة عليهم السلام: «نحن حجّة الله، وفاطمة حجّة الله علينا»، فما معنى الحجّة؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ المراد من لفظ الحجّة بضميمة لفظ على إليه، هو: المعنى اللغوي للحجّة، وهو عبارة عن: ما يصلح الاحتجاج به، فكما أنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السلام حجج الله على الخلق، حيث يحتجّ بهم على عباده، كذلك الصدّيقة الطاهرة روحي فداهاحجّة على أبنائها، ووجه حجّيّتها بهذا المعنى هو كونها إحدى وسائط فيض العلم الإل - هي عليهم عليهم السلام، كما يستفاد ذلكمن الروايات التي تحدّثت عن مصحف فاطمة عليها السلام وغيرها من الروايات الشريفة، التي تصرّح بأنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السلام في مقام التشريع كانوا يستندون أحياناً إلى مصحف امّهم الصدّيقة عليها السلام مثل ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلامعندما سأله ابن عمّه عبد الله بن الحسن: من أين أخذت هذا؟

فقال: قرأت في كتاب امّك فاطمة، وهذا يعني أنّهاعليها السلام بعلمها حجّة على أبنائها.

517 - جاء في الحديث: «عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى»، والسؤال: كيف يستدلّ بهذا الحديث على الإمامة، مع أنّ هارون كان نبيّاً، ولم يكن وصيّاً; لأنّ وصيّ موسى هو يوشع بن نون؟

باسمه جلت أسماوه لايريد النبيّصلى الله عليه وآله بقوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» إثبات الوصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام وكفى، حتّى يشبّهه بيوشع بن نون، بل يريد إثبات ما هو أكبر من ذلك، كالاُخوّة والأعلميّة والوزارة ونحو ذلك، وهذا

ص:262

يقتضي التشبيه بهارون عليه السلام.

518 - من الثابت عند المسلمين حديث «لايحبّه إلاّ مؤمن، ولايبغضه إلاّ منافق» في أمير المؤمنين عليه السلام، فكيف تفسّرون حبّ الغلاة له عليه السلام مع أنّهم محكومون بالكفر؟

باسمه جلت أسماوه إنّ المراد من المحبّة كما يعلم من الأدلّة الخاصّة المحبّة المرضيّة عند الله تعالى وعند أمير المؤمنين عليه السلام، وهي محبّته بما هو عبدٌ لله تعالى، جامع لكلّ الكمالات الإمكانيّة، وأمّا محبّته بما هو إل - ه فهي ليست محبّة أصلا، وإنّما هي ادّعاء محض.

519 - ما معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى معاوية:

«إِنَّهُ بايَعَني الْقَوْمُ الَّذِينَبايَعُوا أَبا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثَْمانَ عَلَى ما بايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشّاهِدِ أَنْ يَخْتارَ، وَلاَ لِلغائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإِنَّما الشُّورَى لِلْمُهاجِرِينَ والاَْنْصارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلّهِ رِضىً»؟

باسمه جلت أسماوه هذه الرسالة إذا لوحظت مع سائر الرسائل التيكتبهاعليه السلام إلى معاوية، نظير رسالته اللاحقة لهذه، والتي جاء فيها: «أَمّا بَعْدُ، فَقَدْأَتَتْني مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ، وَرِسالَةٌ مُحَبَّرَةٌ، نَمَّقْتَها بِضَلاَلِكَ، وَأَمْضَيْتَها بِسُوءِ رَأْيِكَ، وَكِتابُ امْرِىء لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ، وَلاَ قائِدٌ يُرْشِدُهُ، قَدْ دَعاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ، وَقَادَهُ الضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ، فَهَجَرَ لاَغِطاً، وَضَلَّ خَابِطاً» يظهر منها أنّه يتكلّم مع معاوية على طبق اعتقاد القوم; لأنّه كان يخالطهم بالمداراة والتقيّة، فأرادَ أن يلزمه بحسب ما يعتقده.

520 - ما معنى قول الحجّة: «نحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا»؟

*

باسمه جلت أسماوه المراد من الرواية الشريفة إجمالا: أنّ المعصومين عليهم السلامقد أنعم الله تعالى عليهم نعمة الوجود من غير واسطة بينه وبينهم، فهم عليهم السلام صنائع الله تعالى، بينما قد أنعم جلّ جلاله نعمة الوجود على سائر خلقه بواسطة الأئمّة عليهم السلامفالخلق صنائع لهم.

ص:263

521 - ورد في الحديث الشريف:

«ثمّ خلقَ جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها»، فكيف هي شهادتهم عليهم السلام خلقة السماوات والأرض؟ وهل هذا نحو من أنحاء التفويض؟

باسمه جلت أسماوه الإشهاد غير التفويض، فالمراد من الإشهاد هو الاطّلاع على خلق الأشياء، بينما المراد من التفويض الثابت: إعطاء الصلاحيّات التي تقتضي القيومة على الدين والخلافة عن الله تعالى في الأرض، وبينهما فرق واضح.

522 - ماذا يعني الحديث القائل: «النّاس على دين ملوكهم»؟

باسمه جلت أسماوه ما وردَ في السؤال إنّما هو حكمة مأثورة، وليس حديثاً معصوميّاً، والمراد منها: بيان قضية خارجيّة، وهي أنّ عامّة الناس بمقتضى طبيعتهم يتّبعون في الاُمور العرفيّة والسياسيّة مَن هو فوقهم، ولاخصوصية للملوك في ذلك، وإنّما وردَ ذكرهم في الحكمة من باب كونهم أجلى المصاديق.

523 - قال الإمام الحسين عليه السلام:

«اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة»

، والسؤال: كيف يشهد لهم بأنّهم عباد الله، وفي الوقت نفسه يشهد عليهم بأنّهم عصاة له، مع أنّ العبد هو الذي تحرّر من عبوديّة الشيطان، والعاصي هو الذي العابد للشيطان؟

باسمه جلت أسماوه المراد من العباد في الخبر هم المماليك لله تعالى بالملكيّة الحقيقيّة، التي هي عبارة عن السلطنة التامّة على المملوك، بنحو يكون زمام أمر المملوك بيد المالك حدوثاً وبقاءاً، والعاصي وإن كان عبداً لله بهذا المعنى، لكنّه عابد للشيطان بمعنى إطاعته لأوامره ونواهيه.

524 - ما هو معنى ما ورد عن الإمام عليّعليه السلام:

«أعقلُ الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله»؟

ص:264

*

باسمه جلت أسماوه إنّ العقل له عدّة معان: منها: قوّة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.

ومنه - ا: ملَكة حالة في النفس تدعو إلى الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضارّ.

وهناك أربعة معان اخرى أو أكثر للعقل، ولكنّ أكثر الأخبار الواردة في أبواب العقل والجهل ظاهرة في أحد المعنيين المتقدّمين، وفي الثاني منهما أكثر وأظهر. والمستفاد من مجموع ما ذكروه فيما يترتّب على العقول: أنّ المراد من أعقل الناس هو النبيّصلى الله عليه وآلهوأنّ العقل هو نوره، وقد انشعبت منه أنوار الأئمّة عليهم السلاموجميع العلوم والحقائق في المعارف تُفاض بواسطتهم على سائر الخلق، حتّى الملائكة والأنبياء، وبذلك يظهر معنى الخبر.

525 - رُويَ عن أمير المؤمنين عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام قوله:

«العلم نقطة كثرها الجاهلون»، فما هو مقصود الإمام من ذلك؟

باسمه جلت أسماوه على فرض صدور الرواية عنه عليه السلام فالمراد منها: أنّ كثرة الموضوعات التي تطرأ عند الجهّال موجبة لتكثّر أحكام الشريعة المقدّسة في مختلف المجالات، فتشعبّت لذلك العلوم واتّسعت المعارف.

526 - رُوي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما أفضل الصلاة والسلام قوله:

«كلّ ما في القرآن في الفاتحة، وكلّ ما في الفاتحة في البسملة، وكلّ ما في البسملة في الباء، وكلّ ما في الباء في النقطة، وأنا النقطة تحت الباء»

، فما هو الفهم الدقيق لهذا الحديث؟ *

باسمه جلت أسماوه بما أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، فهذا الحديث من بيان الباطن، ويريد أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «أنا النقطة تحت الباء» بعد أن أفاد

ص:265

أنّ مفتاح القرآن هي هذه النقطة: أنّه لايمكن فهم كلّ ما في القرآن إلاّ عن طريق الإمام عليه السلام، وهو معنى قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ(1). وقوله تعالى: لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ(2)، كما جاء في بعض التفاسير والروايات.

527 - لقد ذكر الحميري في قرب الإسناد قائلا: وعنه، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان يباشر القتال بنفسه، وأنّه نادى ابنه محمّد بن الحنفيّة يوم النهروان: قدّم يا بني اللواء، فقدّم، ثمّ قال: قدّم يا بني اللواء، فقدم، ثمّ وقف، فقال له: قدم يا بني، فتكعكع الفتى. فقال: قدّم يابن اللخناء، ثمّ جاء عليّ حتّى أخذ منه اللواء، فمشى به ما شاء الله ثمّ أمسك، ثمّ تقدّم عليّ بين يديه فضرب قدماً»، والسند صحيح، ولكن الإشكال كيف يقول الإمام عليّعليه السلام عن ابنه السيّد محمّد أنّه ابن اللخناء؟

باسمه جلت أسماوه تُذكر لكلمة اللخناء في اللغة عدّة معان، وبعضها غير مناسب لايمكن صدوره من أمير المؤمنين عليه السلام، وبما أنّ أحد المعاني هو المرأة التي لم تُختن، وهي أقوى انثويّة من غيرها، فمن المحتمل أنّه عليه السلام أراد هذا المعنى ليكنّي به عن غلبة انثويّة امّه في التأثير عليه من شجاعة أبيه، وتشهد لذلك عبارة فتكعكع الفتى.

528 - لقد ذكر الكليني في كتابه الكافي بسند معتبر، هو:

«عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّ آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجّماً لنمرود... ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم صلى الله عليه وآله»، والسؤال: كيف نعتقد بأنّ آباء الأنبياء موحّدون مع ورود هذه

ص:266


1- (1) آل عمران 7:3.
2- (2) الواقعة 79:56.

الرواية المعتبرة عن أهل البيت، والتي تصرّح بأنّ آزر هو الأب الفعلي لإبراهيم عليه السلام؟

باسمه جلت أسماوه علّقَ المجلسي على هذا الخبر بقوله: «الأخبار الدالّة على إسلام آباء النبيّصلى الله عليه وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الأخبار، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقّة على ذلك بنقل المخالف والمؤالف، وهذا الخبر صريح في كون والده عليه السلام آذر، ولعلّه ورد تقيّة»، ولابأس بما أفاده قدس سره.

529 - جاء في بعض الروايات: «أنّ قوماً دخلوا على سيّد الشهداء الحسين عليه السلامفقالوا: يابن رسول الله، نرى في منزلك أشياء نكرهها - و قد رأوا في منزله بساطاً ونمارق - فقال: إنّا نتزوّج النساء، فنعطيهنّ مهورهنّ، فيشترين بها ما شئن، ليس لنا منه شيء»

والسؤال: ما صحّة الحديث السنديّة؟ وما نوع الكراهة هنا؟

باسمه جلت أسماوه أمّا سند الرواية فهو مشتمل على بعض المجاهيل، كأبي خالد الزيدي، وأمّا الكراهة فهي في كلام القوم وليست في كلام الإمام عليه السلام، والظاهر أنّ المراد منها الكراهة العرفيّة، لاالكراهة الاصطلاحيّة.

530 - هناك أحاديث وردت في مدح مصر واُخرى في ذمّها، فكيف نجمع بين هذه الأحاديث؟ و ما هو الرأي الذي نستفيده من كلّ تلك الروايات؟

*

باسمه جلت أسماوه الروايات في ذمّها كثيرة مختلفة، فبعضها ينهى عن المكث فيها، وبعضها الآخر ينهى عن الأكل في فخارها، وغسل الرأس من طينها مخافة أن يورث ذلك الذلّ ويُذهب بالغيرة، وبعضها الثالث نهى عن شرب ماء نيلها معلّلا بأنّه يميت القلب، وأمّا المدح فلم نعثر إلاّ على رواية واحدة مرسلة، مضمونها: «ستكون فتنة أسلمُّ الناس فيها الجند الغربي»، قال الراوي - وهو عمرو بن الحمق الخزاعي - ولذلك قدمت مصر، فتطبيق الرواية على مصر كان منه رضي الله عنه، وعلى ذلك فلا يوجد لمصر مدح منصوص، وعلى فرض صدوره فلاتعارض;

ص:267

لاختلاف جهتي الذمّ والمدح.

531 - حديث يُروى عن الإمام أمير المومنين عليه السلام يقول الوهابيّة بوجوده في كتبنا مثل معجم الخوئي، و رجال الكشّي، والحديث هو

: «ما سمعت أحداً يقدّمني على أبو بكر وعمر إلاّ جلدته حدّ المفتري»، فما هو الردّ عليهم؟

باسمه جلت أسماوه الرواية المذكورة رواية موضوعة مختلقة، وقد جاء ذكرها في الكتابين المذكورين ضمن رواية مطوّلة، كان أحد الرواة فيها يعرض على الإمام الصادق عليه السلام ما سمعه من الروايات - ومنها الرواية المذكورة - فلمّا انتهى الراوي من عرض رواياته، قال الإمام الصادق عليه السلام: «مَن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهوديّاً»، فلما خرج الراوي المذكور ومَن معه، قال الإمام عليه السلاملأحد أصحابه: «أعجب حديثهم كان عندي الكذب علَيَّ، والحكاية عنّي ما لم أقل، ولم يسمعه عنّي أحد».

532 - هل صحيح ما ورد في بعض الروايات من: أنّ الأرض متّكئة على حوت، ومن ثمّ على قرن ثور، وإن كان صحيحاً فما هو توضيحه؟

باسمه جلت أسماوه عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الأرض على أيّ شيء هي؟ قال: على الحوت.

قلت: فالحوت على أيّ شيء هو؟ قال: على الماء.

قلت: الماء على أيّ شيء؟ قال: على الصخرة.

قلت: فعلى أيّ شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس.

قلت: فعلى أيّ شيء الثور؟ قال: على الثرى.

قلت: فعلى أيّ شيء الثرى؟ قال: هيهات، عند ذلك ضلّ علم العلماء».

وفي بادي النظر قد يُتوهم أنّ الحوت بمعنى السمكة، وليس كذلك; لاحتمال كونه أحد البروج الاثنى عشر في السماء، وكذلك الثور أيضاً، ففى بادئ النظر قد

ص:268

يُتوهّم أنّه الحيوان المعروف، مع أنّه يُطلق على أحد بروج السماء، وأمّا قرن الشمس فيراد به أعلاها، وعلى ذلك فالمفهوم من الحديث غير ما يُتوهم ابتداءً، فتدبّر.

533 - ما هو المقصود من أنّ «القرآن أكبر من أهل البيت عليهم السلام» في حديث الثقلين؟ وهل الأكبريّة تستلزم الأفضليّة؟

*

باسمه جلت أسماوه إنّ القرآن الذي يعبّر عنه بالثقل الأكبر يُراد به: كلامه تعالى المدوّن في اللوح المحفوظ، و أمّا ما بأيدينا من الآيات فإنّما هي حاكية عن ذلك الوجود، وممّا لاشكّ فيه أنّ الأئمّة الأطهار الذين هم كتاب الله الناطق، هم أكبر وأفضل من الكتاب الصامت الذي بأيدينا، ولا يعرف هذا ولاغيره إلاّ بهم، فهم من هذه الجهة أكبر، وإن كانوا من جهة كلامه تعالى أصغر.

534 - ما معنى أنّ القرآن هو الثقل الأكبر، وأنّ أهل البيت عليهم السلام هم الثقل الأصغر في حديث الثقلين؟ وهل يستلزم هذا أن يكون القرآن الكريم أفضل من أهل البيت عليهم السلام؟

باسمه جلت أسماوه المراد من القرآن ليس هو ما بين الدفّتين، بل ما يكون هذا القرآن حاكياً عنه، وهو ما يتّصف به الله تعالى بالصفة الفعليّة لاالذاتيّة، فإذا لُوحظَ بما هو صفة فعليّة لله كان هو الثقل الأكبر بلا ريب.

535 - ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنّه قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، أحدهما أكبر من الآخر»، فما هو الثقل الأكبر؟ كتاب الله، أم آل محمّد؟

باسمه جلت أسماوه ممّا لاريب فيه أنّ أصل حديث الثقلين حديثٌ متواترٌ مقطوعٌ بصدوره عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، إلاّ أنّ هذا لايلازم القطع بصدور بعض الزيادات الواردة في بعض طرقه، ومن جملتها الزيادة المُشار إليها في السؤال، فإنّها من ناحية لم يتكثّر نقلها في جميع طرق حديث الثقلين حتّى يقال بتواترها،

ص:269

ومن ناحية اخرى لم تصلنا بطرق معتبرة يمكننا التعويل عليها، بل كلّ طرقها مخدوشة السند، مضافاً إلى معارضتها بغيرها، كالحديث الذي أورده الديلمي في إرشاد القلوب عن رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعليّ ابن أبي طالب عليه السلام،

وعليّ بن أبي طالب أفضل لكم من كتاب الله»، والذي يظهر من بعض المأثورت أنّ هذا المعنى كان واضحاً عند أجلاّء الصحابة، إلاّ أنّ أيدي الوضّاعين قد عبثت فيه، والشاهد على ذلك أنّ ابن عباس لما قيل له: ما تقول في عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: ذكرتَ والله أجلّ الثقلين، ومن سبق بالشهادتين، و صلّى القبلتين، وبايع البيعتين، إلى آخر الحديث، فعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه أجلّ الثقلين ممّا يعني وضوح كون أهل البيت عليهم السلام بنظر الصحابة هم الثقل الأكبر.

536 - وردت رواية عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال: «أنا ابنمَن هاجر الهجرتين»، فمن مِن آباء الإمام عليه السلام هاجر الهجرتين، وما هما الهجرتان؟

باسمه جلت أسماوه المراد منه الإمام أمير المؤمنين عليه السلامفإنّ له هجرتين: الاُولى من مكّة إلى المدينة، والثانية من المدينة إلى الكوفة.

537 - يروي السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتابه فرحة الغريّ عن النبيّصلى الله عليه وآله مخاطباً الإمام عليّاًعليه السلام:

«إن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تُعيّر الزانية بزناها، إنّهم شرار امّتي، لاأنالهم الله شفاعتي يوم القيامة»، فما هو مدى اعتبار هذه الرواية متناً وسنداً؟

باسمه جلت أسماوه الرواية من ناحية السند غير صحيحة; لأنّ في سندها محمّد بن أبي السري، وعبدالله بن أبي محمّد، وهما مجهولان، وعمارة بن زيد وهو ضعيف، ولكن ضعف سندها ليس بمضرٍّ بعد كون مضمونها من المستحبّات، فهي مشمولة لقاعدة التسامح في أدلّة السنن، وهذا كاف لاعتبار الرواية.

ص:270

538 - ما هو الكفر المقصود في الحديث الشريف «تارك الصلاة كافر»؟

*

باسمه جلت أسماوه للكفر معان: فقد يُراد به ضدّ الإيمان بالله تعالى، وقد يُراد به الكفر بالولاية، وقد يُراد به كفر النعمة، وقد يُراد به: ترك ما أمر الله به، كما في قوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض(1)، وعلى هذا المعنى تحمل هذه الرواية.

539 - في الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن شاذان بن الخليل، قال:

(2)

وكتبت من كتابة بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد الله، قال: «قال عيسى بن عبد الله لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، ما العبادة؟

قال: حسن النيّة بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها، أما إنّك - يا عيسى - لاتكون مؤمناً حتّى تعرف الناسخ من المنسوخ.

قال: قلت جُعلت فداك، وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟

فقال: أليس تكون مع الإمام موطّناً نفسك على حسن النيّة في طاعته، فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر، فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته؟

قال: قلت: نعم.

قال: هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.

والسؤال: كيف يمكن تحقيق الطاعة المذكورة في الرواية مع افتراض غيبة إمام العصر والزمان؟

باسمه جلت أسماوه الظاهر من قوله: «من الوجوه التي يطاع الله منها» إرادة الأئمّة واحداً بعد واحد; لأنّهم الوجوه التي يطاع الله منها، باعتبارهم قادة الحقّ وأئمّة الدين، والمراد بالطاعة: الطاعة لهم في تعاليمهم وإرشاداتهم، والمراد

ص:271


1- (1) البقرة 85:2.
2- (2) الكافي: 83:2، باب العبادة..

من حسن النيّة: تعلّق القلب بها من صميمه، وبذلك يتّضح أنّ طاعة الإمام في زمن غيبته تكون بالعمل بالوظائف التي بيّنت بلسانه ولسان الأئمّة من قبله، فإنّهم نور واحد.

540 - عن الإمام الباقرعليه السلام أنّه قال: «جاءت امرأة إلى النبيّصلى الله عليه وآله، فقالت يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟

فقال لها: أن تطيعه، ولاتعصيه، ولاتتصدّق من بيته إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوّعاًإلاّ بإذنه، ولاتمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولاتخرج من بيتها إلاّ بإذنه، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء»، فتفضّلوا علينا بشرح هذه الرواية؟

باسمه جلت أسماوه هذه الرواية نظراً لشدّة وضوح دلالاتها، وظهور معانيها، وجلاء مضامينها، فإنّها غنيّة عن الشرح، ومثلها من الروايات كثير.

541 - ما معنى «ممسوس في ذات الله» في قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «لاتسبّوا عليّاً; فإنّه ممسوس في ذات الله تعالى»؟

باسمه جلت أسماوه قد يطلق الممسوس ويُراد به المجنون، فيكون المقصود من الحديث أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لشدّة حبّه لله تعالى واتّباعه رضاه، كأنّه قد جُنّ في حبّ الله تعالى، نظير ما ورد في صفات المؤمنين الكاملين مِن أنّ الناظر إذا نظر إليهم يظنّهم أنّهم خولطوا، ويحتمل أن يكون المراد بالممسوس: المعنى المجازي، وهو الممزوج، بمعنى أنّ حبّه تعالى قد خالط لحمه ودمه.

542 - الظاهر من حديث الكساء الشريف:

«إِنّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً... إِلاَّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الْخَمْسَةِ،... هُمْ: ف - اطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوه - ا»

أنّ كلّ الخلق قد خلقوا لأجل محبّة أهل البيت عليهم آلاف التحيّة والسلام، وعلى هذا فكيف نفسّر خلق المبغضين وناصبي العداء لأهل البيت وشيعتهم؟

باسمه جلت أسماوه المراد من الحديث الشريف: أنّ الله تعالى لأجل

ص:272

محبّته للصدّيقة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها عليهم آلاف التحيّة والسلام قد خلق الخلق وفتقَ نور الوجود، فيندفع الإشكال بوضوح.

543 - ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كنت مع الأنبياء سرّاً، ومع رسول الله جهراً»، فما معنى ذلك؟

باسمه جلت أسماوه على فرض صدور الحديث، لعلّ المراد منه أنّه عليه السلامكان في عهد الأنبياءعليهم السلامموجوداً في عالم الأنوار، الذي هو عالم الخفاء، لاعالم الظهور، والأحاديث الدالّة على وجوده في ذلك العالم، حتّى قبل خلق آدم عليه السلامكثيرة من طرق العامّة والخاصّة، فليرجع إلى كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستّة للسيّد مرتضى الفيروز آبادي قدس سره. والمراد من كونه عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآلهجهراً: وصوله إلى عالم الشهود، وهو عالم الأجساد، ويحتمل أيضاً: إرادة القوّة والفعل.

544 - ما رأيكم فيما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «الإيمان لايثبت في قلب يهودي ولاخوزي أبداً»؟

باسمه جلت أسماوه هذا الحديث جزء من رسالة الإمام الصادق عليه السلاملعبد الله النجاشي، حيث ورد فيها: «واحذر مكر خوز الأهواز، فإنّ أبي أخبرني عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: الإيمان لايثبت في قلب يهودي ولاخوزي أبداً».

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله:

«ولاتساكنوا الخوز، ولا تزوّجوا إليهم، فإنّلهم عرقاً يدعوهم إلى عدم الوفاء»، والخوز هم سكنة جنوب إيران كالأهواز ونواحيها، إلاّ أنّ هذه قضيّة خارجيّة، ولو كانت حقيقيّة فهي غالبيّة، فلايستحيل أن يكون هناك من الخوز مَن هو في أعلى درجات الإيمان، كعليّ بن مهزيار وغيره، وقرنهم باليهود لوجود جامع مشترك بينهم وهو تزلزل الإيمان في قلوبهم، وكونه

ص:273

في مهبّ ريح الحوادث.

545 - الحديث القائل: «لو كان الإيمان منوطاً بالثريّا لتناوله رجال من فارس» هل هو حديث صحيح، وما معناه؟

*

باسمه جلت أسماوه وردَ الخبر في عدّة من المصادر، منها: قرب الإسناد للحميري القمّي(1) عن الإمام جعفر، عن أبيه عليهما السلام: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآلهقال: «لو كان العلم منوطاً بالثريّا لتناوله رجال من فارس». ورواه أيضاً العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار(2).

ومنه - ا: سنن الترمذي(3): حدّثنا عليّ بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن نجيح، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّه قال: «قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه - وآله - وسلّم: يا رسول الله، مَن هؤلاء الذين ذكر الله إن تولّينا استبدلوا بنا، ثمّ لايكونوا أمثالنا؟

قال: وكان سلمان بجنب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فخذ سلمان، وقال: هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطاً بالثريّا لتناوله رجال من فارس».

وعلى فرض صحّة الرواية، فالظاهر أنّ المراد بها هو أنّ بعض أهل فارس يصلون إلى مراتب عالية جدّاً في العلم والإيمان، ولاضير في ذلك.

546 - جاء في نهج البلاغة: أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال مخاطباً عثمان بن عفان ينصحه، وهذا مقطع منه:

«وَسَمِعْتَ كَما سَمِعْنا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وآله كَما صَحِبْنا. وَما ابْنُ أَبي قُحافَةَ وَلاَ ابْنَ الْخَطّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ،

ص:274


1- (1) قرب الإسناد: 189.
2- (2) بحار الأنوار: 195:1.
3- (3) سنن الترمذي: 60:5..

وَأَنْتَ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وآله وَشِيجَةَ رَحِم مِنْهُما»، وكلامه عليه السلام هذا إقرار بأنّ الخليفتين كانا يعملان الحقّ، وهذا يبطل مقولة الشيعة بأنّهما كانا على الضلال ومخالفة الحقّ، فما تقولون؟

باسمه جلت أسماوه عنونَ السيّد الشريف الرضي قدس سره الخطبة التيورد فيها الكلام المذكور، بقوله: «ومن كلام له عليه السلام لمّا اجتمع الناس عليه، وشكوا ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته عنهم، واستعتابه لهم»، ثمّ أورد كلام أمير المؤمنين عليه السلامالذي جاء في أوّله: «إِنَّ النّاسَ وَرائي وَقَدِ اسْتَسْفَرُوني بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَواللهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لَكَ! ما أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ. إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نَعْلَمُ ما سَبَقْناكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلاَ خَلَوْنا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ. وَقَدْ رَأَيْتَ كَما رَأَيْنا، وَسَمِعْتَ كَما سَمِعْنا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - كَما صَحِبْنا. وَما ابْنُ أَبي قُحافَةَ وَلاَ ابْنَ الْخَطّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ».

ومن ذلك يظهر: أنّ أمير المؤمنين عليه السلامكان في مقام إلقاء الحجّة على عثمان من جهة كثرة مخالفاته الظاهرة للشرع الشريف، وعمله بما يخالف صريح القرآن والسنّة، بالمستوى الذي جعل الناس يستنكرون عليه، ويشكونه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الذي ظهر منه بهذا النحو العلني لم يظهر من سابقيه، بل كان حالهما بعكس ذلك، حيث كانا يُظهران أنّ سعيهما للخلافة وتسلّطهما عليها لم يكن بداعي المصلحة الذاتيّة، بل بداعي خدمة الإسلام، ولذا لم يظهر منهما بشكل علني ومتكرّر ما ظهر من عثمان، فكان ذلك منشئاً لتوبيخ أمير المؤمنين عليه السلام لعثمان من هذه الناحية، وأنّه لماذا لم يعمل بالحقّ ولو ظاهراً كما صنع سابقاه.

والخلاصة: فإنّ غاية ما يستفاد من النصّ أنّ الأوّلَين بعد غصبهما الخلافة منأمير المؤمنين عليه السلامكان العمل بالكتاب هو الغطاء لخلافتهما، ولايعني ذلك أنّهمالم يخالفاه ولو باطناً بعناوين مضلّلة، وإلاّ فما معنى تحريم الثاني منهما لمتعة النساء، ومنعه من «حيّ على خير العمل» وابتداعه «الصلاة خير من النوم»،

ص:275

وكذا صلاة التراويح، وغير ذلك من البدع.

547 - قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام في نهج البلاغة لعمر بن الخطّاب حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم:

«وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لاَِهْلِ هذا الدِّينِ بِإِعْزازِالْحَوْزَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. والَّذي نَصَرَهُمْ، وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌلاَ يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ. إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ. لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فابْعَثْ إِلَيْهِمْ

رَجُلاً مِحْرَباً، واحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ والنَّصِيحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذاكَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى، كُنْتَ رِدْأً للنّاسِ وَمَثابَةً لِلْمُسْلِمِينَ»، أرجو أن تبيّنوا لنا مقصود الإمام عليه السلاممن الفقرات المشار إليها أعلاه مع شرح واف ومقنع.

باسمه جلت أسماوه قال أمير المؤمنين عليه السلامنفسه في النهج: «وَواللهِ لاَُسْلِمَنَّ ما سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ» وقد أوضحَعليه السلامبهذه العبارة منهجه في التعامل مع الخلفاء الغاصبين، وأنّ المقياس فيه وجود المصلحة للإسلام والمسلمين وعدم وجودها، وعلى ذلك فبما أنّ مصلحة الإسلام كانت تقتضي توجيه النصح للخليفة فإنّ أمير المؤمنين عليه السلاملم يتأخّر في إسدائها له، ولايُفهم من ذلك رضاه عنه وعن غصبه للخلافة; لأنّه في نصوص اخرى قد أوضح موقفه من ذلك، وتكفيك خطبته الشقشقيّة الرائعة.

548 - يقول البعض: إن الأصل في الزواج الاكتفاء بواحدة، ويستدلّ على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: «من حسن حظّ المرء الاكتفاء بامرأة واحدة»، فهل هذا الحديث صحيح من طرقنا؟

باسمه جلت أسماوه النصوص الكثيرة الواردة من طرقنا وطرقهم على خلاف هذا الحديث، حتّى أفتى كثير من الفقهاء ببقاء استحباب الزواج حتّى الزواج من الرابعة، ولو فرض صدور هذا الحديث عنه صلى الله عليه وآلهفلاينافي تلك الأحاديث;

ص:276

لأنّ المراد منه حسن الحياة المستقرّة المطمئنة التي لايحتاج معها الرجل للزواج من أكثر من امرأة، وهذا لاينافي استحباب تعدّد الزواج لالحاجة، فإنّه مستحبّ لذاته.

549 - ما هو المقصود من قول الإمام عليه السلام:

«كَيَّفَ الْكَيْفَ فَلاَيُقالُ كَيْفَ، وَأَيَّنَ الاَْيْنَ فَلاَيُقالُ أَيْنَ»؟

باسمه جلت أسماوه الكيف بمعناه اللغوي هو الشكل، والأين هو المكان، وهما من صفات الاُمور الحادثة الشاغلة للحيّز، والله سبحانه خلق الشكل لكلّ ذي شكل، والمكان لكلّ ذي مكان، ومقتضى كونه خالقاً كونه قديماً غير حادث وغير جسم، فليس له شكل وليس له مكان يحويه، وهذا هو المقصود، وهو نحو من الاستدلال; إذ تارة نستدلّ على كونه خالقاً بعدم الكيفيّة والشكل له، واُخرى نستدلّ على عدم الشكل والكيفيّة له بكونه خالقاً قديماً، وهما متلازمان، والمراد هنا هو الثاني.

550 - نقول في ركوعنا وسجودنا: «سبحان ربّي العظيم وبحمده» و «سبحان ربّي الأعلى وبحمده»، فما هو المقصود من لفظة «سبحان»؟ ولماذا نقول: «العظيم» في الركوع و «الأعلى» في السجود، ولانقول العكس مثلا؟

باسمه جلت أسماوه لايخفى أنّه يجوز العكس في الركوع والسجود، ويكفي مطلق الذكر، ولكن بما أنّ الركوع خضوع ويناسبه العظمة، والسجود هوي وانحدار ويناسبه العلوّ والرفعة; لذلك اختير لفظ العظيم للركوع ولفظ الأعلى للسجود، وكلمة سبحان مصدر معناه التنزيه عمّا لايليق بالذات المقدّسة من الأوصاف.

551 - هل يدلّ هذا الحديث الشريف: «إنّ الله خلق المشيئة بنفسها، وخلق الأشياء بالمشيئة» على أنّه لم يصدر من الواحد إلاّ الواحد؟

*

باسمه جلت أسماوه لابدّ أوّلا من الفراغ عن مقدّمتين:

ص:277

الاُولى: إنّه لايعتبر في اتّصاف الفعل بكونه اختياريّاً سوى القدرة عليه، واستناد الفعل إليها، ولايعتبر سبق الاختيار، وإن كانت اختياريّة الفعل الخارجي مساوقة لذلك، ولايكفي مجرّد القدرة.

الثانية: إنّ كلّ ممكن - بما أنّ الوجود والعدم بالإضافة إليه على حدٍّ سواء - لايعقل وجوده بنفسه، فلامحالة يحتاج إلى الموجد ليخرج به عن حدِّ الاستواء، وغير الأفعال الاختياريّة من الموجودات يحتاج إلى العلّة التامّة، وأمّا الأفعال الاختياريّة فلايتوقّف صدورها عليها، بحيث يكون الموجد لها لايكاد ينفكّ عنها كما عرفت.

وبعبارة اخرى: دعوى احتياج الأفعال الاختياريّة إلى شيء يستحيل انفكاكها عنه، من الاشتباهات الناشئة عن التعبير باحتياج الممكن في وجوده إلى العلّة. وعلى ضوء هاتين المقدّمتين يُقال: إنّ إعمال القدرة والاختيار إنّما يكون فعلاقائماً بالنفس، وهي موجدة له بنفسها، ويكون اختياريّاً بلااحتياج إلى العلّة التامّة، وهذا يعني أنّ إعمال القدرة يكون اختيارياً للنفس بنفسه بلا وساطة شيء، وهذاهو الأوفق بظاهر الرواية الشريفة، فلا وجه لتوجيهها بتوجيهات بعيدة كما عنبعض المحقّقين.

552 - أين نجد في كتب الشيعة هاتين الروايتين:

«جاهلنا عالم وعالمهم جاهل»، ورواية اخرى بالنسبة إلى أن من يتسمّى بأمير المؤمنين غير الإمام عليّعليه السلام فهو مخنّث، وهل هي روايات صحيحة السند؟

*

باسمه جلت أسماوه لم نعثر على نصّ يحتوي على العبارة الاُولى، وأمّا العبارة الثانية فقد ورد معناها في سياق الحديث عن تفسير قوله تعالى: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً(1)، فقد وردَ أنّ رجلا

ص:278


1- (1) النساء 117:4..

دخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقام على قدميه فقال: مه، هذا اسم لايصلح إلاّ لأمير المؤمنين سمّاه به، ولم يسمّ به أحد غيره فرضى به إلاّ كان منكوحاً، وإن لم يكن به ابتلي، وهو قول الله في كتابه: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً»، وسند الحديث مبتلى بالإرسال.

553 - في وصيّة الإمام الباقرعليه السلام لجابر الجعفي، قال: «يا جابر، اغتنم من أهل زمانك خمساً: إن حضرت لم تعرف، وإن غبتَ لم تفتقد، وإن شهدت لم تشاور، وإن قلت لم يقبل قولك، وإن خطبتَ لم تُزوج»

، فالسؤال كيف يكون الاغتنام في هذه الحالات؟

باسمه جلت أسماوه لعلّ المقصود من ذلك هو مطلوبيّة التحفّظ والكتمان على الحالات والأسرار العباديّة، بالمستوى الذي يصل فيه الإنسان إلى درجة أولياء الله المقرّبين مِن غير أن يعلم عنه أحد.

554 - في نفس وصيّة الإمام الباقرعليه السلام لجابر الجعفي، قال: «وإيّاك والرجاء الكاذب، فإنّه يوقعك في الخوف الصادق» فنرجو التوضيح؟

باسمه جلت أسماوه الرجاء تارة يكون صادقاً، كرجاء رحمة الله تعالى، وتارة يكون كاذباً، كرجاء طول العمر وسعته للمعصية والتوبة بعدها، وقد جاءت وصيّة الإمام الباقرعليه السلامتحذيراً من هذا النحو من الرجاء، الذي هو من تسويفات الشيطان واستدراجاته، لأنّه يوقع الإنسان في الخوف الحقيقي حيث العقاب والعذاب.

555 - في وصية الرسول صلى الله عليه وآله لأبي ذرّ رضوان الله عليه قال: «يا أبا ذر، ما عبد الله عزّ وجلّ على مثل طول الحزن»، فما فهمكم لهذا الحديث؟

باسمه جلت أسماوه سرّ الوصيّة المذكورة يظهر من خلال الروايات

ص:279

الدالّة على أنّ الحزن يكفّر الذنوب، وأنّ المؤمن يمسي حزيناً ويصبح حزيناً، ولايصلح له إلاّ ذلك، وأنّ الحزن يكفّر الذنوب كالسقم، ويخفّف شدّة النزع وعذاب القبر، وأنّه شعار العارفين.

556 - هل هذا المقطع «فالجبان يفرّ عن أبيه واُمّه» جزء من حديث؟

باسمه جلت أسماوه ورد عن سدير الصيرفي، قال أبو جعفرعليه السلام: «لاتقارن ولاتواخِ أربعة: الأحمق، والبخيل، والجبان، والكذّاب، إلى أن قال: وأمّا الجبان فإنّه يهرب عنك وعن والديه».

557 - في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي،

عن عليّ بن معلى، عن أخيه محمّد، عن درست ابن أبي منصور، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبى بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لما ولد النبيّصلى الله عليه وآلهمكث أيّاماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبناً، فرضع منه أيّاماً، حتّى وقع أبو طالب على حليمة السعديّة فدفعه إليها»، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وما معناها؟

باسمه جلت أسماوه الرواية ضعيفة السند لجملة من الرواة، والمراد من قولها «ليس له لبن» عدم وجود اللبن من جهة مرض امّ النبيّصلى الله عليه وآلهلاموتها، ولاغرابة في نزول اللبن على ثدي أبي طالب، فإنّه من قبيل الإعجاز، ولعلّه منشأ اشتداد اخوّة أمير المؤمنين عليه السلامللنبيّصلى الله عليه وآله، كما صرّح بذلك بعض المحقّقين.

558 - ما معنى الحديث الوارد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام القائل: «لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله بينهما، فما ظنّكم بسائر الخلق»؟

باسمه جلت أسماوه الناس قابليّات، فالله سبحانه خلق قلوب الناس متفاوتة; ولذا ترى بعض يتنكّر لبعض الحقائق من المعاجز لأهل البيت عليهم السلام مع أنّ

ص:280

هناك من يراها شيئاً معقولا وهكذا، وما ذاك إلاّ لاختلاف القابليّات عند بني الإنسان، ومن هنا تتفاوت المنزلة من شخص لآخر، وقد قيل: إنّ كثيراً ممّا نؤمن به الآن كان عند بعض القدماء غلوّاً مع قيام الدليل عليه، وعليه فالمراد من الحديث: أنّ القابلية الموجودة عند أبي ذر لاتؤهّله للاطّلاع على ما وصل إليه سلمان، ولو اطّلع عليه لاتّهمه بالغلوّ فقتله.

559 - عن الإمام الباقرعليه السلام:

«إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا»

، وعن الإمام الصادق عليه السلام: «خلقَ اللهُ الجنّة طاهرة مطهّرة، لايدخلها إلاّ مَن طابت ولادته»، وعنه عليه السلام: «لو كان أحد من ولد الزنا نجا لنجا سائح بني إسرائيل»، فما المقصود بابن الزنا هنا؟ هل هو المعنى اللغوي والعرفي المتبادر، وكيف نوفّقبين ذلك وبين قوله سبحانه وتعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(1)؟

باسمه جلت أسماوه تتمّة الحديث الأوّل تبيّن المقصود من أولاد البغايا، حيث جاء فيه: «فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، ولاخمس يخمس، فيُضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على مَن يصيبه، فرجاً كان أو مالا».

و أمّا الروايات التي تشير إلى ولد الزنا العرفي فيمكن حملها على المعنى الوارد في الرواية الاُولى، ويمكن أن يكون المقصود بها المعنى الحقيقي، ولكن بلحاظ أنّ ولد الزنا حقيقة لايوفق لأنْ تختم حياته على خير، بسبب سلوكه المنحرف والمقتضيات الوراثيّة، ومثاله زياد بن أبيه، وكثيرون من المجرمين عبر التاريخ على شاكلته.

560 - في الحديث: «أنا أصغر من ربّي بسنتين»، فالمرجوّ منكم شرح معنى هذا الحديث العظيم بنحو يفرح قلوب الأولياء؟

ص:281


1- (1) الأنعام 6:164. الإسراء 17:15. فاطر 35:18. الزمر 7:39.

باسمه جلت أسماوه الحديث المذكور واردٌ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكلمة الربّ لها معان عديدة، منها: المالك، كقوله تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ومنه - ا: السيّد، كقوله تعالى: فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً(1).

ومنه - ا: المربّي، أي الّذي يقوم بالتربية.

ومنه - ا: الخالق، كقوله تعالى: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الاَْوَّلِينَ(2)، فهو مشترك لفظي، وبما أنّ هناك مجموعة من القرائن العقليّة والنقليّة التي تصرفه عن إرادة الأخير; إذ قلّة السنّ وكثرته شأن الحادث لاالقديم تعالى، ومتى لم يُرد منه الأخير بالدليل العقلي والنقلي الدالّ على أنّه ليس جسماً، فالظاهر أنّه عليه السلام قصد من الحديث رسول الله صلى الله عليه وآلهلأنّه ربّه بمعنى سيّده أو

مربّيه، وهو أصغر منه بسنتين بلحاظ أنّ النبيّصلى الله عليه وآله توفّي وهو في السادسة والستّين من عمره الشريف، بينما توفّي الأميرعليه السلام وهو في الرابعة والستّين.

561 - حديث الفرقة الناجية: «ستنقسم امّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّهم فيالنار سوى واحدة ناجية»، هل هو حديث صحيح؟

ولو كان صحيحاً فأيّ زمن هو مقصود الرسول صلى الله عليه وآله؟ وهل يعني من الفرقة المذهب؟ ولو كان هذا الحديث ينطبق على زماننا فهل المسلمون الآن ثلاث وسبعون بالضبط؟ وهل يعني ذلك أنّ الذين يدخلون النار أكثر من الذين يدخلون الجنة؟ وهل دخول هذه الفرق بعد الشفاعة، ويكون أزليّاً دائميّاً؟

باسمه جلت أسماوه امّة كلّ نبيّ مَن يكون في زمنه ومَن يولد بعد نبوّته من الناس، وليست خصوص المؤمنين به، وعلى هذا فاُمّة محمّدصلى الله عليه وآله

ص:282


1- (1) يوسف 41:12.
2- (2) الشعراء 26:26..

لاتخصّ المسلمين، فلايلزم أن تكون تلك الفرق من المسلمين، وإن حاول بعضهم تعدادها منهم، والحديث مستفيض ووارد من طرق الفريقين السنّة والشيعة، وهو ليس ناظراً إلى زمان معيّن، ولايدلّ على أنّ الذين يدخلون النار أكثر، وإن دلّت عليه غيره من الأدلّة المتهمة للكثرة كقوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ(1).

وقوله تعالى: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِينَ(2)، ونحو ذلك.

وهناك من أبناء العامّة المستضعفون، وهم الذين لايعرفون الحقّ ولايستطيعون الوصول إليه، وهؤلاء عدد كبير من العامّة، ولهم نحوٌ من الحساب في الآخرة يختلف عن حساب بقيّة الخلق.

562 - ما هو المقصود من الاُمّة والفرقة في حديث: «ستفترق امّتي ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النار إلاّ فرقة واحدة»؟

*

باسمه جلت أسماوه امّة كلّ نبيّ مَن يولد في عصره وبعد عصرهممّن آمن به أو لم يؤمن، فاُمّة النبيّصلى الله عليه وآله تشمل المسلمين وغيرهم، والفرقة هم الجماعة الذين لهم ما يميّزهم عن غيرهم فكراً وسلوكاً.

563 - عن عبد الصمد بن علي، قال: «دخل رجل على عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال له عليّ بن الحسين: من أنت؟ قال: أنا منجّم.

قال: فأنت عرّاف؟

قال: فنظر إليه ثمّ قال: هل أدلّك على رجل قد مرّ - مذ دخلت علينا - في أربع عشر عالماً، كلّ عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرّات، لم يتحرّك من مكانه؟!

قال: مَن هو؟ قال: أنا، وإن شئت أنبأتك بما أكلت وادّخرت في بيتك».

وسؤالي هو: كيف تمّ ذلك المرور في العوالم، والحضور في عدّة أمكنة بنفس

ص:283


1- (1) سبأ 13:34.
2- (2) الشعراء 8:26، 67، 103، 121، 139، 158، 174، 190..

الوقت، وأمثال ذلك كحضور أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند كلّ مؤمن وكافر حال الاحتضار، أو أنّه قد أفطر عند أربعين شخصاً في الوقت نفسه، وكلّهم صدقوا برؤيته، وهو كان قد أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وآله؟

باسمه جلت أسماوه المرور في الرواية الاُولى أشبه بمرور الشمس على ربوع المعمورة جميعها في آن واحد، وأمّا الحضور عند المحتضر فهو يختلف باختلاف مراتب المحتضرين، فقد يكون بالجسم المثالي وقد يكون بغيره، وأمّا رواية الحضور للإفطار فإنّ الحضور فيها لم يكن جسمانيّاً، والمراد من كلمة أفطر هو حضوره وقت الفطور ولو مثالا، لاأنّه كان في كلّ مكان يأكل الفطور، ولعلّ توهّم تناوله للفطور في كلّ تلك الأمكنة في وقت واحد هو الذي أوقع في الإشكال، هذا على فرض صدور رواية من المعصوم عليه السلام معتبرة السند بذلك.

564 - ما هو رأي سماحتكم في الحديث المرويّ عن النبيّصلى الله عليه وآله: «لاتجتمع امّتي على خطأ»؟

باسمه جلت أسماوه هذا الرواية لاوجود لها في منابع الشيعة، وإنّما هي منقولة عن كتب أهل العامّة، وعلى فرض كونها صادرة عن النبيّصلى الله عليه وآلهفمفادها هو قاعدة اللطف التي استدلّ بها الشيخ المفيد لحجّيّة الإجماع المحصّل، وإن شئت بياناً آخر فهو أن الحافظ للدين والقرآن هو الله تعالى، ومع اجتماع العموم فمقتضى كونه تعالى حافظاً صيانتهم عن الاجتماع على الخطأ وإلقاء الاختلاف بينهم.

565 - نجد في أحاديث الفتن والملاحم العديد من الروايات التي تذكر الأحداث المستقبليّة،

فلماذا لانجد أحاديث عن هدم مراقد أئمّة البقيع وقبّة العسكريّين عليهم السلام، رغم كبر الموقف وخطر الحدث؟

باسمه جلت أسماوه كثيرٌ من الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام

ص:284

لم تصل إلينا بواسطة ظلم المخالفين وتعذيب الرواة المتديّنين، مع أنّهم عليهم السلاملم يبيّنوا جميع الأحداث المستقبليّة، ثمّ إنّ عدم وجدانكم لايدلّ على عدم الوجود.

566 - ما مدى صحّة رواية الملك فطرس؟ وكيف يمكن توجيهها على فرض الصحّة بما لاينافي العصمة الثابتة للملائكة؟

باسمه جلت أسماوه في الخبر الموثّق عن الإمام الصادق عليه السلام «أنّ فطرس كان من حملة العرش، فبُعث في أمر فأبطأ فيه، فكُسِر جناحه»، ومن الواضح أنّ الإبطاء ليس معصية من المعاصي، وإنّما هو خلاف الاُولى ليس إلاّ، ولم يكن كسر الجناح عقاباً وإنّما كان مجرّد أثر وضعي.

567 - ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حول نقش خاتم فضّة من حديد صيني أنّه قال:

«واكتموه عن أعدائكم لئلاّينتفعوا به»، وورد عن الإمام الباقرعليه السلام حول دعاء السمات أنّه قال: «واكتموه إلاّ عن أهله».

وسؤالي: لماذا أمرَ أهل البيت عليهم السلام بكتم ما ورد عنهم من علومهم، رغم أنّ أعداءهم لو حصلوا عليها لما نفعتهم، فما هو وجه الحكمة من الأمر بكتم أسرارهم؟

باسمه جلت أسماوه

* أوّلا: تختلف الأشياء التي لها تأثير في مقام التأثير، فبعضها تأثيره مشروط بإيمان المستخدم، وبعضها لايكون مشروطاً بذلك، كما ورد في الكشف عن عظام الأنبياء تحت السماء، وأنّه يهطل المطر، ولو كان في يد كافر. و ثانياً: إنّ سبب تحذير الإمام عليه السلاممن إظهار بعض الأشياء أمّام من ليس أهلا لاينحصر في الخوف من سوء استخدامها، بل قد يكون خوفاً من عدم استيعاب الشخص الآخر لذلك، ممّا يجعله يُشنّع أو ينصرف عن ولاية أهل البيت عليهم السلامبلحاظ هذا السبب.

ص:285

568 - ما هو معنى هذه الرواية الصادقيّة: «والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ، وأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أوْلى بكم»؟

*

باسمه جلت أسماوه بهذا المضمون روايات عديدة، وظاهرها أنّهفي عالم البرزخ لاشفاعة للمعصومين عليهم السلام، وإنّما الشفاعة بعد هذا العالم، ويحتمل أن يُراد بها بيان شدّة عالم البرزخ ما لم تصر امور العبد بيد الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، أو فقل: يُراد بها بيان ما لشفاعة أهل البيت عليهم السلام من التأثير الشديد جدّاً، بحيثأنّها تؤثّر حتّى في عالم البرزخ رغم شدّة العذاب فيه، وعلى فرض دعوى أقربيّة المعنى الأوّل فإنّ هذه الروايات معارضة بغيرها.

569 - هل توجد رواية تفيد أنّ للجنة ثمانية أبواب، منها للأنبياء كذا، وللشيعة كذا، وباب لسائر المسلمين،

أي من غير الشيعة، ممّن ليس في قلبه ذرّة بغض لآل محمّدصلى الله عليه وآله وهل هي صحيحة ثابتة؟

باسمه جلت أسماوه أصل وجود ثمانية أبواب للجنة واردٌ في رواية معتبرة، وأمّا كون الأبواب على التفصيل المذكور في السؤال فقد وردَ في رواية مرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ أنّ سندها غير تامّ.

570 - الحديث القائل: «إنّ الشيطان يزني بأمّ مبغض عليّعليه السلام»، ما مصادره من كتبنا وكتب أهل الخلاف، وما مدى صحّته السنديّة واعتباره؟

*

باسمه جلت أسماوه قد تواترت الروايات الواردة عن المعصومينعليهم السلامالدالّة على أنّ مبغض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يكون ولد زنا، وبما أنّ الشيطانفي القرآن الكريم اطلق على الإنسان أيضاً، فيكون مُراد الخبر من الشيطان: شيطان الإنس، فهو الذي يزني باُمِّ المبغض، ويُحتمل أن يكون المراد: أنّ إبليس الشيطان بما أنّه هو سبب الزنا فهو الزاني; لأنّ المسبّب قد يكون أقوى من المباشر.

571 - ما هو معنى الحبّ في الحديث الذي يقول: «إنّ أحب الأشياء إلى الرسول الكريم الطيب والنساء»؟

ص:286

باسمه جلت أسماوه الحبّ المذكور في الحديث هو الحبّ الطبيعي الذي تقتضيه بشريّة النبيّصلى الله عليه وآله واعتدال مزاجه المبارك.

572 - هل يمكن الاعتقاد بكلّ ما ورد في خطبة البيان المنسوبة لأمير المؤمنين عليه السلام؟

باسمه جلت أسماوه لم تثبت خطبة البيان بسند معتبر، وبالتاليفما كان من مضامينها منسجماً مع الروايات المعتبرة أمكن الاعتقاد به، وما لم يكن منسجماً معها يُرّد علمه إلى أهله.

573 - الحديث القائل: «خير القرون قروني»

كيف ينسجم مع ما ثبتَ من تقاتل الرعيل الأوّل، واستباحتهم دماء المسلمين وأهل بيت النبيّ، وكيف يكون هذا الجيل أميناً على حفظ كلام الله تعالى، فإنّ مَن لم يحفظ دم المسلم كيف يكون قادراً على حفظ كلام الله؟

باسمه جلت أسماوه

* أوّلا: فيما يتعلّق بالحديث المنسوب «خير القرون» فإنّه لم تثبت صحّته بالطرق المعتبرة عند أتباع أهل البيت عليهم السلام. ثانياً: على فرض صحّته فإنّه لايدلّ على عصمة الرعيل الأوّل من الصحابة، نظراً لوجود آيات وروايات تدلّ على انحراف العديد منهم، ولاأقلّ من وجود المنافقين المجهولين بينهم، وبالتالي فإنّ الخير كان بوجود النبيّصلى الله عليه وآله ووجود أهل بيته عليه السلاموالخُلّص من أصحابه، وليس بوجود جميع من تواجد في ذلك القرن.

ثالثاً: إنّ حفظ كلام الله تعالى وتعاليم دينه لم يكن على عاتق كلّ اولئك الذين عاشوا في ذالك القرن; لأنّ انحرافات الكثيرين منهم واضحة، ولايمكن للمنحرف أن يحمل رسالة الاستقامة والهداية للاُمم اللاحقة، بل كانت المهمّة على عاتق

ص:287

من اصطفاهم الله تعالى لهذه المهمّة، وهم الأئمّة المعصومون بعد رسول الله صلى الله عليه وعليهم.

574 - هل أنّ النبيّصلى الله عليه وآله جاء فقط لإتمام مكارم الأخلاق، كما هو صريح قوله صلى الله عليه وآله: «إنّما بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق»؟

باسمه جلت أسماوه المراد من الحديث بيان أهمّية الأخلاق وعدم الرضا بخلافها، لاحصر الدين فيها، فالحصر كما يقول علماء البلاغة إضافي لاحصر حقيقي، فالمراد من الحديث: البعثة لإتمام مكارم الأخلاق في مقابل إهمال الأخلاق وتهيمشها، كما هو واضح من الحديث.

575 - الحديث القائل: «إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً و فاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوّض امورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمونما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى»

هل يدلّ على ثبوت الولاية التشريعيّة للمعصومين عليهم السلام؟ وكيف نوفّق بين ذلك وبين الحديث المشهور: «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة»؟

باسمه جلت أسماوه التفويض المذكور في الحديث الأوّل يُراد به التصرّف بحسب القيمومة على التشريع في مقام تبليغ وتطبيق نفس ما شرّعه الله سبحانه، لاأنّهم يشرّعون من عند أنفسهم، وهو صريح العبارة الأخيرة منه: «ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى»، وبذلك يظهر عدم التنافي بين الحديثين.

576 - الحديث القدسي: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»، ما مدى صحّته متناً وسنداً؟

باسمه جلت أسماوه نصّ الحديث المذكور وإن لم يصل بسند معتبر، غير أنّ مضمونه قد وردَ بأسانيد صحيحة في كثير من الأحاديث، ويكفي منها

ص:288

حديث الكساء المشهور.

577 - في ظلّ التشكيك في سند حديث الكساء المعروف في المنتخب والعوالم، هل تذهبون إلى تصحيح سنده وتوثيق رواته؟

وما رأيكم في دلالة الحديث؟ ولماذا ابتدأ الله بفاطمة عليه السلام وجعلها محوراً لجبرئيل، ولم يبتدئ بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآلهلأنّه أفضل الموجودات؟ وما سرُّ استئذان جبرئيل مرّة اخرى من النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهفي الدخول تحت الكساء بعد استئذانه من الله تعالى؟

باسمه جلت أسماوه

1 - سند الحديث ابتداءاً بصاحب العوالم قدس سره وانتهاءاً بالصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه في غاية الاعتبار، وليس يوجد فيه مَنيمكن أن يغمز في وثاقته إلاّ القاسم بن يحيى، والصحيح عندنا وثاقته; لرواية البزنطي عنه، الذي قد ثبت في حقه أنّه لايروي إلاّ عن ثقة، ومع الإغماض عن ذلك فإنّ نفس صحّة السند للبزنطي كافية لاعتباره، ولاحاجة للنظر في أحوال الواقعين بعده; لأنّه أحد الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما صحّ عنهم، فسند الحديث صحيح بلا إشكال. 2 - مضامين الحديث الشريف عالية جدّاً، وما اشتمل عليه من الفضائل والكمالات لمحمّد وآله عليهم السلام، ممّا استفاضت به الأحاديث الكثيرة والمعتبرة، فلاسبيل للتشكيك في شيء من مضامينه وما دلّ عليه.

3 - ولعلّ النكتة في الابتداء باسم الصدّيقة الطاهرة عليها السلام، هي كونها العقد الجامع بين نوري النبوّة والإمامة، فإنّ المستفاد من روايات عالم الأنوار أنّ النورين الشريفين كانا نوراً واحداً

يتقلب في أصلاب الطاهرين، حتّى انتهى إلى صلب سيّدنا الأعظم عبد المطلب عليه السلام، فقسّمه الله تعالى إلى نصفين، أحدهما في سيّدنا عبدالله عليه السلاموهو نور النبوّة، والآخر في صلب مولانا أبي طالب عليه السلام وهو نور الإمامة، وما زالا مفترقين حتّى التقيا مرة اخرى في الصدّيقة الطاهرة الزهراء أرواحنا فداهافصارت

ص:289

ملتقى النورين، ومجمع البحرين، ومجلى المقامين; ولذا تمّ الابتداء بذكرها قبل الابتداء بذكر كلّ واحد من النورين مستقلاًّ; لكونها المحور الذي يدور النوران في محيط دائرته.

4 - ولعلّ الوجه في تجديد طلب الإذن من النبيّصلى الله عليه وآله، بعد طلبه من الله سبحانه وتعالى بالمباشرة، هو أنّ الكينونة تحت الكساء مرتبة لم ينلها إلاّ محمّد وآله عليهم السلام، وما كان يخطر في نفس جبرئيل عليه السلام - على عظمته - أن يفوز بالوصول إلى تلك المرتبة; ولذا كان يكررر الاستئذان من أجل الاستيقان بأنّه قد وصل إليها، كما ومن المحتمل أيضاً: أن يكون الإذن الإل - هي معلّقاً بشكل طولي على إذن نبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله فلزم على جبرئيل أن يعيد الاستئذان; لكون إذن الله تعالى معلّقاً على إذن رسول الله صلى الله عليه وآله.

578 - ما تفسير هذا الحديث «لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمه لما خلقتكما»؟

باسمه جلت أسماوه قد طفحت كلمات العلماء من الخاصّة جميعهم، ومن العامّة كثير منهم، بأنّ أصل مادّة بدن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء ليس من مادّة هذا العالم، بل هو من الجنة من أعلى أشجارها وثمارها، وأمّا الروح المتناسبة مع هذا البدن التي اختارها الله لفاطمة فهي من أسرار الله تعالى التي لانستطيع أن نفهمها، وإنّما نفهم بواسطة الأخبار أنّ روحها خلقت من نور عظمة الله تعالى، فقد روى الإمام الصادقعليه السلامعن جدّه سيّد الرسل صلى الله عليه وآله كما جاء في معاني الأخبار(1) أنّه صلى الله عليه وآلهقال: «خلق نور فاطمة قبل أن يخلق الأرض والسماء، فقال بعض الناس: يا نبيّ الله، أفليست هي إنسيّة؟

فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسيّة، خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم

ص:290


1- (1) معاني الأخبار للصدوق: 396..

إذ كانت الأرواح». وبذلك يظهر معنى الحديث القدسى المرويّ في كثير من كتب الأخبار «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»، كما يظهر أنّه لماذا عندما تدخل فاطمة الجنة يزورها الأنبياءعليهم السلاممن آدم فمن دونه، بل يزورها حتّى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأيضاً يظهر أنّه لماذا أنّ النبيّصلى الله عليه وآله

بعد تماميّة حشر الناس وحسابهم أوّل مَن يذهب إلى الجنّة ويتقدّم أمامه موكب واحد وهو موكب فاطمة الزهراء.

579 - جاء في كتاب عوالم فاطمة الزهراءعليها السلام نقلا عن كتاب مجمع النورين للفاضل المرندي،

وعن كتاب ضياء العالمين للعلاّمة النباطي الفتوني الجدّ الأكبر لصاحب الجواهر من طرف الاُمّ حديث «لولاك لما خلقت الأفلاك» بالشكل التالي: «لولاكلما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»، فهل هذا الحديث فيه محذور فلسفي، كلزوم تقدّم الشيء على نفسه، أو أي محذور آخر؟ وهل يمكن القبول به من ناحية فلسفيّة؟

والخلاصة: هل يصحّ له توجيه صحيح؟ فإنّ البعض زعم أنّه يتنافى مع مسلّمات العقيدة وأنّ جميع علمائنا يضلّلون القائل بالحديث؟

باسمه جلت أسماوه المحذور إنّما هو في العلّة لافي الغاية، و إن عُبّر عنها بالعلّة الغائيّة، والبحث في تحقيق المسألة لايسعه المجال، كما أنّ المحذور الفلسفي المتوهّم إنّما هو في العلّة الموجبة، وأمّا على ما هو الظاهر من كون المعصومين عليهم السلامهم الغرض الأقصى من خلق العالم فلايكون مورد للتوهّم المذكور.

والتوجيه الصحيح للحديث أن يقال: إنّه بعد كون رسول الله صلى الله عليه وآلهأفضل الموجودات، وكونه سبباً لسعادة البشر، ونيلهم المقامات العالية والكمالات المعنويّة والحياة الأبديّة، وبما أنّ ذلك لم يكن إلاّ بوجود عليّ وفاطمة امّ أبيها، وقد قال الله تعالى:

ص:291

بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ من ولاية عليّ (1)وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ(2)، وأيضاً عن النبيّصلى الله عليه وآله التعبير عن الزهراءعليها السلامباُمّ أبيها، فهذا يعني أنّهم الغرض الأقصى من خلق العالم وما فيه، وبما ذكرناه يظهر أنّه لاوجه للقول بتنافي الحديث مع مسلّمات العقيدة، وتضليل القائل بالحديث.

580 - هل ثبت لديكم صحّة الحديث القدسي: «يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»؟ وكيف يتمّ توجيهه؟

باسمه جلت أسماوه الفقرة الاُولى: «لولاك لما خلقت الأفلاك» وردت في الكثير من كتبنا وكتب العامّة أيضاً، وقد ذكره القندوزي الحنفي وصحّح معناه العجلوني.

وأمّا الفقرة الثانية فقد وردت في كتاب الوحيد البهبهاني.

وأمّا الفقرة الثالثة فقد وردت في مجمع النورين نقلا عن بحر المعارف، ولايحتاج الحديث الى التوجيه بعد وضوح معناه، إذ معناه أنّ وجود هؤلاء ثمرة الموجودات التكوينيّة بأجمعها، فهم الغرض الأقصى من خلق الأفلاك.

581 - ذكر أحد الافاضل بخصوص حديث «يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما» ما يلي:

«والعلّة متقدّمة رتبة أو وجوداً أو هما معاً، فاعتبار الجزء الثاني من النصّ صحيحاً يوجب تقدّم العلّة المذكورة وتأخّرها على معلولها في آن واحد، وهذا يوجب تقدّم الشيء على نفسه، وهو باطل قطعاً، والتقدّم بيّنّاه والتأخّر معلوم بالضرورة، ثمّ إنّ هذا الحديث لو صحّ بكامله وجب تسلسل العلل نزولا فبطل، ولو تأمّل المتأمّل في طلب كسر حلقة التسلسل فسيحتاج إلى دور واضح، وهو باطل ضرورة»،

ص:292


1- (1) ما بين القوسين ليس من القرآن، وإنّما هو من التفسير، فلاتغفل.
2- (2) المائدة 67:5..

فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟

باسمه جلت أسماوه من خلال الأجوبة التي ذكرناها سابقاً اتّضح أنّ الكلام المذكور في السؤال أجنبيٌ عن معنى الحديث.

582 - قال بعضهم حول حديث «إن فاطمة صدّيقة شهيدة»

أنّه إن أردنا بالشهيدة معناه الفقهي فإنّه واضح البطلان; لأنّ الشهيد بالأحكام المذكورة في الفقه لايثبتإلاّ لمن قُتل في المعركة، وإن أردنا بالشهيدة معناه التنزيلي، فإنّ هذا المعنى تشترك فيه الحائض والنفساء، وبالتالي فلا عظمة للزهراءعليها السلام على مَن ذكرنا من أصناف النساء، وعليه فيتعيّن أن يكون المقصود بالشهيدة المرتبة العالية التي تكون فيها سيّدتنا فاطمة عليها السلام في مصاف الأنبياء والصدّيقين والشهداء الذين يشهدون على الناس، وهذا معناه أنّه لايمكن الاستدلال بالحديث المذكور لإثبات مظلومية الصدّيقة الزهراءعليها السلام، فما هو رأيكم؟

باسمه جلت أسماوه الشهيد هو مَن قتل في سبيل الدفاع عن الحقّ بالسيف أو الضرب أو بغير ذلك، وإنّما يختصّ حكم من الأحكام الفقهيّة - وهو عدم التغسيل - بمَن مات في المعركة، وهل يتوهّم أحد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ليس شهيداً لأنّه لم يُقتل في المعركة؟!

وأمّا استناد موتها صلوات الله عليهاللضرب فقد استفاضت النصوص به، فلاحظ ما في كامل الزيارات(1): في خبر حمّاد بن عثمان عن الإمام الصادق عليه السلامعمّا قيل لرسول الله صلى

الله عليه وآله ليلة اسري به، حيث جاء فيه: «وأمّا ابنتك فتظلم، وتضرب وهي حامل، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب»، ونحوه غيره.

583 - قول الزهراءعليها السلام لأمير المؤمنين عليه السلام: «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ» هل صحّ صدوره عنها؟ وكيف توجّهونه؟

ص:293


1- (1) كامل الزيارات: 333..

باسمه جلت أسماوه بالتأمّل في تلك الجملة يظهر أنّها مدح عظيممن سيّدة النساء العارفة بمقام الإمام عليه السلام لبطولته وثباته وشرفه، فإنّها قد رجعتبعد أداء الوظيفة، وهي تحمل كلّ الإجلال والإكبار لأمير المؤمنين عليه السلام مخاطبة إيّاه لتخفّف عنه من أثقال الإمامة، فقالت: «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ»، أي تحمّلت الأذى لمرضاة الله تعالى، ف -- «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ» لتكون عين الفناء في ذات الله، وتعبيرها ب - «اشْتَمَلْتَ» للإشارة إلى أنّه اشتمل بهذا الثوب - وهو ثوب الوقاية عن الدنيا وزخارفها، بما في ذلك حبّ الزعامة والسلطة - بإرادة واختيار منه، لا لقصور وتقصير، نظراً لقدرته على المجابهة والمواجهة، ولكنّه عليه السلامفي مقابل ذلك اشتمل شملة الجنين، ولم يحرّك ساكناً; لأنّ وظيفته كانت هي السكوت والصبر، وكأنّهاعليه السلامتقول له: لقد أدّيت وظيفتك أحسن الأداء، فأنت كما كنت مقداماً حينما كانت وظيفتك هي الجهاد والمواجهة، كذلك كنت الصابر المحتسب حينما كانت وظيفتك هي الصبر على الأذى في جنب الله تعالى، وقد قمتَ بتجسيد هذه الوظيفة أتمّ تجسيد، ولا أروعَ من تصوير هذه الحالة من الصبر والاحتساب بغير التصوير الذي جاء في كلمات الزهراءعليها السلام: «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ نَقَضْتَ قادِمَةَ الاَْجْدلِ، فَخانَكَ ريشُ الاَْعْزَلِ» إلى آخر كلامها أرواحنا فداها.

584 - جاء في رواية عن المعصوم عليه السلام: «لاتؤلّهونا وقولوا فينا ما شئتم»، ما صحّة هذا الحديث؟

باسمه جلت أسماوه هنالك عدّة روايات شريفة قريبة من المضمون المذكور، وبعضها صحيح سنداً بلا ريب ولاشبهة.

585 - ما صحّة الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ القرآن ثلث في التوحيد، وثلث في الأحكام، وثلث فينا أهل البيت»؟

ص:294

*

باسمه جلت أسماوه هنالك - في الكافي - روايةٌ صحيحة السند، عن أبي بصير، عن الإمام الباقرعليه السلام: «نزلَ القرآنُ أربعةَ أرباع: ربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ سنن وأمثال، وربعٌ فرائض وأحكام».

586 - هل يتنافي الحديث القدسي: «عبدي أطعني تكن مثلي» مع الآية المباركة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ

586 - هل يتنافي الحديث القدسي: «عبدي أطعني تكن مثلي» مع الآية المباركة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(1)؟

*

باسمه جلت أسماوه لاتضارب بين الآية الشريفة والحديث القدسي، فإنّ كلمة المثل قد جاءت في الآية بكسر الميم وسكون الثاء، وهي تعني المشارك في تمام الحقيقة، بينما كلمة المثل في الحديث القدسي من المحتمل أنّها بفتح الميم والثاء، وهي تعني الحُجّة أو الصفة، كما يستوضح ذلك من خلال كلمات اللغويّين، فما تنفيه تلك غير ما يثبته هذا.

587 - ورد في الحديث: «مَن سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر مَن عمل بها من بعده، ومَن سنّ سنة سيّئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها من بعده»، فهل يجوز لكلّ أحد أن يسنّ سنة؟ وما هي ضوابط كلّ سنّة؟

باسمه جلت أسماوه المراد من السنّة في الحديث الشريف: الطريقة المسلوكة، ومن الواضح أنّ الطريقة التي يسلكها الإنسان في حياته إن كانت حسنة - بمعنى أنّها على طبق الموازين الشرعيّة - فهي ممّا يدعو الشارع المقدّس إلى إشاعته وتكثيره. وليس معنى محبوبية سنّ السنن: أن يبتكر الإنسان شيئاً مستحسناً عند عامّة الناس، من غير أن يكون مطابقاً لموازين الشريعة المطهّرة، بل يراد به: محبوبيّة ابتكار طريقة جديدة تكون مطابقة لتشريعات الشرع الشريف.

وبعبارة اخرى: إنّ محبوبيّة سنّ السنن لاتعني فتح باب التشريع للإنسان، وإنّما تعني فتح باب التطبيق في الموارد التي لم يجعل لها الشرع الشريف تطبيقاً

ص:295


1- (1) الشورى 11:42..

معيّناً، نظير إكرام اليتيم مثلا، فإنّ الشارع المقدّس لم يجعل له تطبيقاً معيّناً، وبالتالي فلو جاء شخص وأكرم الأيتام بكيفيّة جديدة لم يكن مسبوقاً بها، وكان ذلك موجباً لاتّباع الناس له، فإنّ ذلك من السنن الحسنة التي يكون له أجرها وأجر من عمل بها.

588 - وردَ في الروايات عن العترة الطاهرة عليهم السلام: «كلّ مَن اشتدّ لنا حبّاً أهل البيت اشتدَّ حبّاً للنساء»، فهل الرواية معتبرة؟ وما معناها؟

باسمه جلت أسماوه النصّ المذكور لاوجود له في نصوص أهل البيت عليهم السلام، ولكنّ مضمونه وردَ بصياغات مختلفة ومتعدّدة في الكثير من النصوص، وبعضها معتبر السند، والمقصود منها: حبّ الزوجات لاحبّ مطلق النساء حتّى الأجنبيّات منهنّ.

589 - ورد في الروايات:

«أنّ من سنن الأنبياء حبّ النساء وكثرة الطروقة»، فما هو صحّة ذلك؟ وهل هناك علاقة بين زيادة حبّ النساء وبين الإيمان، فقد ورد: «أنّ عبادة المتزوّج أضعاف عبادة الأعزب، وأنّ العبد كلّما ازداد في النساء حبّاً ازدادفي الإيمان فضلا»؟

باسمه جلت أسماوه بعض النصوص الدالّة على أنّ من أخلاق الأنبياءعليهم السلامكثرة الطروقة معتبرة السند بلا ريب، وهي تدلّ على اعتدال أمزجتهم الشريفة وتكامل قواهم الجسديّة والنفسيّة، رغم اشتغالهم المكثّف بالعبادة مِن ناحية وشؤون الناس من ناحية اخرى، وهذا يُعبّر عن ذروة كمالهم في هذه النشأة. وأمّا النصوص الدالّة على وجود علاقة بين حبّ النساء وزيادة الإيمان، فهي واضحة المدلول; إذ ما دام حبّ الزوجات من السنن التي دعا إليها الشارع المقدّس، فهذا يعني أنّ الاتّصاف به - بما هو سنّة إيمانيّة - موجب لزيادة الإيمان.

ص:296

الفصل التاسع: أسئلةٌ وأجوبةٌ حول أدعية المعصومين (عليهم السلام)

اشارة

ص:297

ص:298

590 - جاء في الدعاء: «اللّهُمَّ رَبَّ الاَْرْواحِ الْفانِيَةِ» ، فما هو المقصود من فناء الأرواح؟

(1)

باسمه جلت أسماؤه يحتمل أن يكون التعبير عن الأرواح ب -- (الفانية) بلحاظ فنائها وانقطاعها عن عالم الدنيا، لامطلقاً، بناءً على القول بالتجرّد.

كما ويُحتمل أن يكون تعبيراً مجازيّاً، تعويلا على علاقة (مَا يؤول إليه) التي يذكرها الأدباء في علم البيان، فيطلق على الأرواح بأنّها فانية، بلحاظ أنّ الفناءهو مصيرها المحتّم الذي ستؤول إليه.

591 - ورد في دعاء الإمام الرضا (عليه السلام) في أوّل يوم من شهر محرّم الحرام: «اللّهُمَّ أَنْتَ الاِْل - هُ الْقَديمُ»، فما هو معنى القديم؟

باسمه جلت أسماؤه القديم هو غير المسبوق لابالغير ولابالعدم، في قبال الحادث المسبوق بأحدهما.

592 - قرأنا في أحد الأدعية هذه العبارة: «اللّهُمَّ اغْنِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ»، فهل هذا الدعاء وارد عن المعصومين (عليهم السلام)؟

وكيف نفهم نسبة الحرام إلى الخالق (

جلّ شأنه)؟

باسمه جلت أسماؤه المقطع المذكور واردٌ عن غيرِ واحد من المعصومين (عليهم السلام) في عدّة من الأدعيةِ المنسوبة إليهم، والمصحّحُ لنسبة الحرام إلى الله تعالى أنّه هو المشرّع له، فإنّ الحلال حلالُ الله والحرام حرامه.

ص:299


1- (1) دعاء الإمام محمّد الجواد (عليه السلام)..

593 - ورد في دعاء السمات: «وَبِالاِْسْمِ الَّذي مَشى بِهِ الْخِضْرُ عَلى قُلَلِ الْماءِكَما مَشى بِهِ عَلى جَدَدِ الاَْرْضِ»، فما معنى قُلل وجَدد

؟

باسمه جلت أسماؤه قُلل الماء: أعلاه، و جدَدُ الأرض: الأرض الغليظة المستوية، والمراد أنّ الخضر (عليه السلام) كما كان يمشي بالاسم على سطح الأرض فكذا كان يمشي به على سطح الماء.

594 - جاء في دعاء السمات: «اللّهُمَّ وَكَما غِبْنا عَنْ ذلِكَ وَلَمْ نَشْهَدْهُ، وَآمَنّا بِهِوَلَمْ نَرَهُ صِدْقاً وَعَدْلاً»، وبسبب إقحام عبارة «وَلَمْ نَرَهُ» صارت العبارة ملبسة

،

ألا وهو أنّنا لانعتقد بوجوده صدقاً وعدلا،

مضافاً إلى أنّ المعنى تامّ بدونها،

حيث تمّ ذكر أنّنا غبنا عنه ولم نشهده،

وهذا الاُسلوب ركيك لايمكن أن يكون صادراً عن شخص المعصوم (عليه السلام)،

فهل تعتقدون أنّ هناك سقطاً في العبارة أدّى إلى هذا الغموض؟

أو أنّ «وَلَمْ نَرَهُ»

من إضافات النسّاخ؟

باسمه جلت أسماؤه لاركاكة في التعبير المذكور، ولاموجب لاعتقاد الاسقاط ولادعوى إضافة «وَلَمْ نَرَهُ» من النسّاخ، وما في ذهنكم نشأ عن غفلتكم عن شيء، وهو أنّ قوله (عليه السلام): «وَلَمْ نَرَهُ» كقوله: «وَلَمْ نَشْهَدْهُ» من الجمل المعترضة، والغرض من ذلك الإشارة إلى كون الإيمان بكلّ الأنبياء (عليه السلام) مع مرور هذه المدّة من أفضل أنواع الإيمان، فالفخر لمن آمن مع هذه الفاصلة الزمنيّة، لالمن عاش معهم ورأى البراهين والمعاجز بعينه، وفي الروايات ما يدلّ على فضل مؤمني هذه الأزمنة على مؤمني عصر الرسالة.

595 - هل بإمكانكم التفضّل علينا بشرح هذه الكلمات الورادة في دعاء العهد: «اللّهُمِّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ»،

فما هو المراد بالنور؟ ولماذا وصفه بالعظيم؟ ومَن هو هذا النور؟ وما المقصود بالكرسي؟ ولِم وصف بالرفيع؟ وما سبب تسمية هذا الدعاء بدعاء العهد؟ ولماذا كرّر كلمة (ربّ)، فهل ربّ النور يختلف عن ربّ الكرسي؟

ص:300

باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ المراد من النور مطلق النور الشامل لجميع مصاديقه، فلا يختصّ ببعض دون بعض، ووصفه بالعظمة إنّما هو بلحاظ ذاته من ناحية وبلحاظ أثره من ناحية اخرى، والمراد من الكرسي المكان الذييرمز إلى العزّة والعظمة; ولذلك وصف بالرفعة، وسمّي الدعاء المذكور بدعاءالعهد لما ورد في آخرة من قوله:

«اللّهُمِّ إِنّي اجَدِّدُ لَهُ في صَبِيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي»، وقد رويت تسميته بذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وتكرارُ لفظ الربّ لعلّه لتأكيد أنّ ربوبيّة الله تعالى شاملة لجميع الممكنات رغم اختلافها في السنخ والحقيقة.

596 - يقول الإمام عليّ (عليه السلام) في دعاء الصباح: «يا مَنْ دَلَّ عَلى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ»، فما معناها؟

وهل هناك اختلاف بين الذات الدالّة والذات المدلول عليها؟

باسمه جلت أسماؤه ذكرنا في كتابنا زبدة الاُصول(1): أنّ المراد بالفقرة المذكورة أحد معنيين:

1 - دلالة الذات على الذات بمعنى: أنّ الخالق سبحانه وتعالى لمّا خلق الخلق بفعل ذاته المقدّسة، أصبح الخلق أدلاّء على ذاته، من خلال ما أودعه فيهم من بديع الصنع وإحكام الإيجاد وعجائب التكوين، فتكون الذات بواسطة فعلها قد دلّت على نفس الذات، ولعلّ إلى هذا المعنى يشير الحديث القدسي:

«كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف».

2 - دلالة الذات على الذات بمعنى: أنّه تعالى ظاهر بنفسه، وكلّ ظهور لغيره لابدّ وأن ينتهي إليه، فذاته ظاهرة بذاته، بخلاف غيره من المخلوقات، فإنّ ظهورها لا يكون إلاّ بغيرها، ولعلّ إلى ذلك يشير قول سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام):

«أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ».

ص:301


1- (1) زبدة الاُصول: 120:1..

وعلى كلا المعنيين فالفرق بين الذاتين في العبارة الشريفة فرق حيثي لحاظي، وليس فرقاً حقيقياً.

597 - يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الصباح: «وَجَعَلْتَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِلْبَرِيَّةِ، سِرَاجاً وَهَّاجاً»، فهل السراج الوهّاج يشمل القمر أيضاً، مع أنّ القمر منير كما هو معروف؟

باسمه جلت أسماؤه قوله (عليه السلام): «سِرَاجاً وَهَّاجاً» كما هو ظاهر العبارة شامل للشمس والقمر معاً، ولامحذور فيه; فإنّ اللفظين المذكورين يطلقان على كلّ جسم مضيء متّقد، سواء كان اتّقاده بنفسه أم بواسطة جسم آخر، فيشملان الشمس والقمر معاً.

598 - ما معنى قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الصباح: «صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَيالدَّلِيلِ إِلَيْكَ في اللَّيْلِ الاَْلْيَلِ، وَالْماسِكِ مِنْ أَسْبابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الاَْطْوَلِ، والنَّاصِعِ الْحَسَبِ في ذِرْوَةِ الْكاهِلِ الاَْعْبَلِ»؟

باسمه جلت أسماؤه الدليل هو: الهادي، و الأليل هو: البالغ أشدّ الظلمة، وهو للمبالغة كقولهم: «ظلّ ظليل»، أو «عرب عرباء» ونحو ذلك، و الماسك هو: المعتصم والمستمسك، و الشرف هو: المجد وعلوّ الحسب، و الأطول: صفة لحبل الشرف، و الناصع هو: الخالص من كلّ شيء، و الحسب: مفاخر الآباء والأجداد، و الذروة هي: أعلى الشيء، و الكاهل هو: ما بين الكتفين، و الأعبل هو: الضخم، وقد شبّهَ أمير المؤمنين (عليه السلام) أخاه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في قوله:

«والنَّاصِعِ الْحَسَبِ في ذِرْوَةِ الْكاهِلِ الاَْعْبَلِ» "من ناحية تمكّنه من أعلى مدارج الحسب، بمن ارتقى على ذروة كاهل بعير ضخم مرتفع السنام، فتمكّنَ منه.

ويتحصّل ممّا ذكرناه أنّ معنى العبارة: اللّهمّ صلِّ على الهادي إليك في ظلمات ليل الكفر والجاهليّة، والمتعلّق بأقوى أسباب المجد والكرامة الإل - هيّة، والمرتقي

ص:302

أعلى مدارج الحسب والعزّة الهاشميّة.

599 - جاء في أحد أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام):

«فَتَعالَيْتَ عَنِ الاَْشْباهِ وَالاَْضْدادِ، وَتَكَبَّرْتَ عَنِ الاَْمْثالِ وَالاَْنْدادِ»،

والسؤال: لماذا جاء العلوّ في الاُولى والتكبّر في الثانية؟

باسمه جلت أسماؤه من جملة المعاني المحتملة لعبارة: «وتكبّرت» في قوله (عليه السلام):

«وَتَكَبَّرْتَ عَنِ الاَْمْثالِ وَالاَْنْدادِ»، هو: إظهار الكبرياء، وعليه فيكون الإتيان بها بعد قوله (عليه السلام): «فَتَعالَيْتَ» من باب الترتب الرتبي; إذ أنّ العلوّ والكبرياءفي رتبة سابقة على إظهارهما.

600 - ما هو شرح هذا الدعاء: «يا عِمادَ مَنْ لاَ عِمادَ لَهُ، يا سَنَدَ مَنْ لاَ سَنَدَ لَهُ، يا عِزَّ مَنْ لاَ عِزَّ لَهُ، يا حِرْزَ مَنْ لاَحِرْزَ لَهُ، يا غِياثَ مَنْ لاَ غِياثَ لَهُ»؟

باسمه جلت أسماؤه ينقسم الناس إلى طائفتين: الطائفة الاُولى أرباب النعم وأهل الدنيا، وكلّ اعتمادهم يكون عليها، ويفرحون بها، وهم في الحقيقة من الفقراء.

والطائفة الثانية هم المستضعفون في الأرض، وهم الذين يؤمنون بالله تعالى، ويعتمدون عليه كلّ الاعتماد، ويعلمون أنّ الله تعالى ناصرهم ومولاهم، وهم الفقراء إلى الله، والأغنياء في الحقيقة; لأنّ الله تعالى أغناهم عن كلّ شيء وبكلّ شيء.

وبما أنّ الدعاء طلبٌ من الله تعالى بما هو خالق وربٌ ومدبّر، وربوبيّة الله بالنسبة للطائفة الثانية أجلى منها بالنسبة للطائفة الاُولى; لذلك جاء الدعاء خطاباً لله تعالى من منطلق ربوبيّته للطائفة الثانية، فإنّه عمادهم إذ لاعماد لهم، وذخرهم إذ لاذخر لهم، وسندهم إذ لاسند لهم.

601 - نقرأ في بعض الأدعية: «بِكَ عَرَفْتُكَ»، فكيف نعرف الله به

؟

ص:303

باسمه جلت أسماؤه للفقرة المذكورة معنيان:

الأوّل: واضح، وهو أنّ الله خلق الإنسان عاقلا، وبإعماله عقله بالنظر في التكوينيات، فإنّه يصل إلى الله سبحانه، وبما أنّ الله تعالى هو المتفضّل عليه بالعقل فهذا يعني أنّه هو سبب وصوله

إليه، وإذا كان هو السبب لمعرفته صحّت مخاطبته بالقول: «بِكَ عَرَفْتُكَ» فتكون الباء في «بِكَ» للسببيّة، ويشهد لهذا المعنى عطف التفسير، حيث عطف على ذلك قوله: «وَأَنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ»، فإنّ هذا قد جاء توضيحاً لذلك.

الثاني: إنّ هذه فلسفة اخرى لأهل البيت (عليهم السلام) ليست ترجع لبرهان (الإِنّ) ولالبرهان (اللِّم)، إذ تارة يكون الانتقال من المعلول للعلّة، وهو برهان الإِنّ، واُخرى بالعكس، وهو برهان اللّم، وثالثة من الشيء إلى نفسه، وهذا هو المراد من: «بِكَ عَرَفْتُكَ»، ولكنّ المعنى الأوّل أوضح، وهو الظاهر من الدعاء.

602 - نقرأ في دعاء يوم عرفة: «مَتى غِبْتَ حَتى تَحْتاجَ إِلى دَليل يَدُلُّ عَلَيْكَ»، فكيف نوفّق بين ذلك وبين ما ورد في كتبنا العقائديّة من الأدلّة التي تثبت وجود الله تعالى

؟

باسمه جلت أسماؤه المقصود من الفقرة الواردة في دعاء عرفة: أنّ معرفة الله سبحانه معرفة فطريّة تكوينيّة، كما يدلّ على ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) لمن قال له: دلّني على ربّي:

هل ركبت سفينة في البحر فانكسرت بك السفينة حيث لاسفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.

قال:

هل تعلّق قلبك بشيء اعتقدت أنّه قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟

قال: نعم.

قال:

فذلك هو الله القادر على الانجاء حيث لامنجي،

وعلى الإغاثة حيث لامغيث».

فمعرفة الله تعالى بمقتضى هذا النص معرفة فطريّة، ولكنّها بسبب الموانع

ص:304

قد يحجبها الإنسان ولايلتفت إليها، وهذا ما يشير إليه قول النبيّ الأعظم: «كلّ مولود يولد على الفطرة، وإمّا أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»، وحينئذ يحتاج الإنسان إلى إزالة الغبار عنها من خلال تشييد الأدلّة والبراهين.

603 - ورد في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة: «وَاسْلُكْ بي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ»، فما معنى أهل الجذب

؟

باسمه جلت أسماؤه يُراد ب أهل الجذب: العباد الذين يقرّبهم الله تعالى منه، عن طريق تهيئة كلّ ما يحتاجون إليه في طريق الوصول إليه سبحانه وتعالى.

604 - ما معنى العبارة الوارد ذكرها في دعاء الندبة: «أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرها أَم ذي طُوى؟»؟

باسمه جلت أسماؤه ذو طوى مكان مقدّس، ذكر بعض المؤرّخينأنّه كان مصلّى النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) كلّما قدم مكّة، حيث كان يتوقّف فيه ليلة ويقيم

فيه صلاة الفجر، وذكر البعض الآخر أنّه نفس أرض مكّة المكرّمة، وأمّا رضوى فهو جبل مبارك من الجبال المتّصلة بالمدينة، وقد صرّحت بعض الروايات بأنّه من الأماكن التي يرتادها إمام الزمان (أرواحنا فداه) في غيبته الكبرى.

605 - يعلّق البعض على عبارة دعاء الندبة: «لَيْتَ شِعْري أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى؟ بَلْ أيُّ أَرْض تُقِلُّكَ أَوْ ثَرى؟ أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرها أَم ذي طُوى؟»،

بأنّها تدلّ على أنّهمن وضع من الفرقة الكيسانيّة; لتضمّنها اسم المكان الذي - بحسب معتقدهم - اختبأ فيه محمّد بن الحنفيّة وسيظهر منه،

فما رأي سماحتكم في ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه النصوص الشريفة أكّدت على أنّ جبل رضويهو أحد مواضع غيبة الإمام المهدي (عج)، فقد ورد عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: «خرجت مع أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلمّا نزلنا بالروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ

ص:305

عليها فقال لي:

ترى هذا الجبل،

هذا جبل يدعى رضوى...

أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة،

والاُخرى طويلة»، ولايبعد أن يكون هذا المعنى قد ورد في بعض الأحاديث التي لم تصل إلينا عن أهل الكساء (عليهم السلام) فاستفاد منها الكيسانيّة في تشييد عقيدتهم الفاسدة، من أجل إيهام الناس وتضليلهم.

606 - يقول البعض إن جملة «وَأَوْطَأْتَهُ مَشارِقَكَ وَمَغارِبَكَ» من دعاء الندبة مخالفة لصريح القرآن، فما هو تعليقكم؟

باسمه جلت أسماؤه القرآن الكريم يقول

:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِلَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى (1)(، والتعبير بالعبد - كما لايخفى - ظاهر في كون الإسراء جسديّاً مادّيّاً، وبما أنّ النبيّ) صلى الله عليه وآله (في رحلة الإسراء والمعراج قد وطأ المشارق والمغارب، فتكون عبارة الدعاء منسجمة مع الظاهر القرآني، وليست مخالفة له.

607 - عن أيّ معصوم (عليه السلام) ورد دعاء الندبة المبارك

؟

باسمه جلت أسماؤه نُقل دعاء الندبة في كتاب المزار الكبير لابن المشهدي، و مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس، و المزار القديم للقطب الراوندي: عن ابن أبي قرّة، عن كتاب محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري، الذي ذكرَ فيه أنّه: «الدعاء لصاحب الزمان، صلوات الله عليه»، وحُكيَ أنّه قد

نقله العالم المحقّق الزاهد المتعبّد رضي الدين عليّ بن موسى بن طاووس الحليّ، بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام).

608 - ما هو رأيكم في دعاء الندبة من ناحية سنده ومتنه؟ وإذا لم يثبت إسناده لأحد المعصومين (عليهم السلام) فهل تجوز قرائته؟

ص:306


1- (1) الإسراء 1:17..

باسمه جلت أسماؤه الدعاء وارد في غير واحد من كتاب القدماء المعتمدة، وعدمُ ورودهِ بسند معتبر لايضرّ به بعدَ كونه مشمولا لقاعدة التسامحفي أدلّة السنن.

609 - هل دعاء صنميْ قريش ثابت عندكم؟ وما هو أجر قارئه؟

باسمه جلت أسماؤه جاء في كتاب مصباح الكفعمي: «هذا الدعاءرفيع الشأن، عظيم المنزلة، رواه ابن عبّاس عن عليّ (عليه السلام)، وأنّه كان يقنت به في صلاته»، وقال: «إنّ الداعي به كالرامي مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بدر واُحُد وحنين بألف ألف سهم».

610 - لمن يُنسب دعاء التوسّل؟

باسمه جلت أسماؤه قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) في موسوعته بحارالأنوار(1): «هذا الدعاء رواه محمّد بن بابويه (رحمه الله) عن الأئمّة (عليهم السلام)، وقال: ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة»، وقال العلاّمة الشيخ آغا بزرك الطهراني (قدس سره) في كتابه الذريعة(2): «هذا الدعاء المختصر مرويّ بألفاظه في كتابين قديمين من كتب الأصحاب، منسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه أوصى به صاحب سرّه كميل بن زياد النخعي على نحو الإجمال».

611 - ما فضل هذا الدعاء، الذي حرص المعصومون (عليهم السلام) منذ امّهم الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، على تعليمه لأبنائهم، وهو: «بِحَقِّ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكيمِ، وَبِحَقِّط - ه وَالْقُرْآنِ الْعَظيمِ، ي - ا مَنْ يَقْدِرُ عَلى قَضاءِ حَوائِج السّائِلينَ، وَيا مَنْ يَعْلَمُ ما في ضَميرِ

الصّامِتينَ، يا مُنَفِّسَ عَنِ الْمَكْرُوبينَ، يا مُفَرِّجَ عَنِ الْمَغْمُومينَ يا راحِمَ الشَّيْخِ

ص:307


1- (1) بحار الأنوار: 247:99.
2- (2) الذريعة: 189:8..

الْكَبيرِ يا رازِقَ الطِّفْلِ الصُّغيرِ، يا مَنْ لاَ يَحْتاجُ إِلَى السُّؤالِ وَالتَّفْسيرِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَافْعَلْ بي كَذا وَكَذا»؟

باسمه جلت أسماؤه يُستفاد فضله من اهتمام المعصومين (عليهم السلام) به، وقد روى القطب الراوندي (قدس سره) في دعواته ما يكشف عن فضل الدعاء المذكور، حيث قال: «عن زين العابدين (عليه السلام)، قال: «

ضمّني والدي (عليه السلام) إلى صدره يوم قُتل،

والدماء تغلي،

وهو يقول: يا بني،

احفظ عنّي دعاء علّمتنيه فاطمة (عليها السلام)،

وعلّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله)،

وعلّمه جبرئيل (عليه السلام) في الحاجة،

والمهمّ،

والغمّ،

والنازلة إذا نزلت،

والأمر العظيم الفادح».

612 - روي أنّ مَن قال التسبيح الآتي كلّ يوم مدّة سنة لم يمت حتّى يرى مقعدهمن الجنّة بإذن الله تعالى، وهو: «سُبْحانَ الدّائِمِ الْقائِمِ

، سُبْحانَ الْقائِمِ الدّائِمِ، سُبْحانَالْواحِدِ الاَْحَدِ، سُبْحانَ الْفَرْدِ الصَّمَدِ، سُبْحانَ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، سُبْحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ الْحَيِّ الَّذي لاَ يَموتُ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحانَ رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحانَ الْعَلِيِّ الاَْعْلى، سُبْحانَهُ وَتَعالى»،

وسؤالي: ما المقصود من قول التسبيح كلّ يوم مدّة سنة؟

باسمه جلت أسماؤه يعرف هذا التسبيح بتسببح جبرئيل (عليه السلام)، والمراد من قرائته كلّ يوم مدّة سنة: أن يقرأه الإنسان ثلاثمائة وستّين يوماً بمقدار عددأيّام السنة.

613 - المناجاة الواردة عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) عددها خمس عشر مناجاة، فهل هناك حالة ومناجاة تمرّ على المؤمن لم تذكر في تلك المناجاة؟ أم أنّ حالة المؤمن تتراوح بين تلك المناجاة

؟

باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ الحالات التي يعيشها المؤمن في حياته، لاتخرج عن دائرة العناوين الخمسة عشر التي عُنوت بها مناجاة سيّد

ص:308

العابدين (عليه السلام); ولذلك انحصرت فيها.

614 - ورد في كتاب مفاتيح الجنان دعاء لحلّ المربوط، فمَن هو المربوط، وما هو حلّه

؟

باسمه جلت أسماؤه المربوط هو الإنسان الذي لايتمكّن من الإنجاب بسبب السحر ونحوه، والحل بمعنى إلغاء تأثير ذلك السحر وما يترتّب عليه.

615 - نقرأ الكثير من الأدعية والأحاديث الواردة عن محمّد وآل محمّد

(

عليهم الصلاة والسلام)

وهي طويلة جدّاً،

وعلى سبيل المثال دعاء الجوشن الكبير،

ودعاء ثابت بن دينار،

ودعاء أبي حمزة الثمالي،

وغيرها من الأدعية،

فكيف كان ينقل أصحاب المعصومين والرواة هذه الأحاديث والأدعية؟

هل يحفظونها مباشرة أم يكتبونها؟

باسمه جلت أسماؤه الذي يظهر من بعض الأخبار: أنّ بعض أصحابالمعصومين (عليهم السلام) كانوا يجالسونهم ويرافقونهم مع تمام الاستعداد لكتابة ما يتفضّلون به عليهم من نصوص وأحاديث، فكانوا يهيّئون ألواحهم وأقلامهم، ويبادرون لتسجيل كلّ كلمة يتحدّث بها المعصوم (عليه السلام)، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا لنا الأحاديث والأدعية الطويلة بألفاظها.

ص:309

ص:310

الفصل العاشر: أسئلة وأجوبة حول زيارات المعصومين (عليهم السلام)

اشارة

ص:311

ص:312

616 - جاء في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام): «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ الْمُسْلِمينَ، وَيَعْسُوبَ الْمُؤْمِنينَ، وَإِمامَ الْمُتَّقينَ، وَقائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلينَ»،

فمَن هم الغُرّ المحجّلون؟

باسمه جلت أسماؤه ورد في بعض الأحاديث الشريفة عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) قوله: «

والمؤمنون - يا عليّ - على كراسي من نور،

وهم الغرّ المحجّلون،

وأنتَ إمامهم» (1) ومثل هذا الحديث كثير جدّاً في المجاميع الروائيّة الشريفة، ودلالته لاتحتاج إلى إيضاح.

617 - جاء في زيارة السيدة الزهراء: «يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً

،... فَإِنّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إِلاَّ أَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنا بِأَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلاَيَتِكِ»(2) ،

فما هو المقصود من الامتحان؟

وما علاقة طهارة أنفسنا وذواتنا بولايتها؟

باسمه جلت أسماؤه معنى الامتحان هو الابتلاء، وهي ممتحنة أي

ص:313


1- (1) فضائل الشيعة: 309، الحديث 36، - وفي ط: 36، الحديث 36 -. وانظر: المحاسن: 180:1، الحديث 172. تأويل الآيات: 58، الحديث 1. بحار الأنوار: 138:8، الحديث 5. تفسير البرهان: 285:3، الحديث 7. تفسير الصافي: 157:4. نور الثقلين: 230:4، الحديث 39.
2- (2) تهذيب الأحكام: 9:6، الحديث 12. مصباح المتهجّد: 711. المزار الكبير: 79. جمال الاُسبوع: 31 و 32. الوسائل: 367:14، الحديث 2. بحار الأنوار: 194:97، الحديث 11.

مبتلاة بما جرى عليها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) من غصب حقّ بعلها، وغصب نحلتها، وما جرى عليها حين الهجوم على دارها من إذلالها وإيذائها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)، وأمّا التطهير للنفس بولايتها ومحبّتها فله معان محتملة عديدة، ولعلّ من أوضحها تطهير النفس من بغض الله ورسوله الّذي يبتلى به غير الموالين لها، فإنّ غير الموالي قد يكون مبغضاً لها، ومَن أبغضها فقد أبغض أباها، ومَن أبغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أبغض الله، وأيّ درن أعظم من هذا الدرن؟!

618 - جاء في زيارة وارث: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَيا وارِثَ نُوح نَبِيِّ اللهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ»،

وسؤالي: إذا كانكلّ ما عند الأنبياء (عليهم السلام) مفاضاً عليهم بواسطة الرسول الأعظم وأهل بيته

صلوات الله عليه وآله،

فكيف يكون سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه

وارث آدم ونوح وإبراهيم (عليهم السلام)؟

مضافاً إلى أنّ وجوده النوري كان قبل وجود الأنبياء (عليهم السلام)،

فكيف يرثهم وهو قد سبقهم؟

باسمه جلت أسماؤه الوراثة قد تأتي بمعنى الانتقال، وقد تأتي بمعنى المماثلة، كما لو توفّي أحدُ العلماء وكان يوجد من يُماثله في علمه وورعه، فإنّه يقال له: وارثه، ووراثة سيّد الشهداء (عليه السلام) للأنبياء (عليهم السلام) ليست بالمعنى الأوّل، وإنّما هي بالمعنى الثاني، فلا إشكال.

619 - جاء في بعض زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) المقطع التالي: «صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ، وَعَلى أَرْواحِكُمْ، وَعَلى أَجْسادِكُمْ، وَعَلى وَعَلى شاهِدِكُمْ، وَعَلى غائِبكُمْ، وَعَلى ظاهِرِكُمْ، وَعَلى باطِنِكُمْ»،

والسؤال مرتبط بالفرق بين الأجسام والأجساد،

وهل لهما معنى واحد،

أم لهما معنيان متغايران؟

باسمه جلت أسماؤه الجسد كما يطلق على البدن كذلك يطلق لغةً على الدم، والجسم كما يطلق على الوجود المادّي كذلك يطلق على الوجود النوري

ص:314

أو المثالي، فمن المحتمل أن يكون المراد من الأجساد الدماء، ومن الأجسام الأبدان، ويحتمل أن يكون المراد من الأجساد الأبدان المادّيّة، ومن الأجسام الأجسام النوريّة أو المثاليّة، وسواء كان الاحتمال الأوّل هو المتعيّن أم الثاني، فالقدر المتيقّن أنّ كلّ ذلك ممّا يستحق التوجّه إليه بالسلام والتحيّة.

620 -

في زيارة للإمام الحسين (عليه السلام) يروبها ابن قولويه القمّي (رحمه الله) في كتابه كامل الزيارات،

عن الإمام الصادق (عليه السلام) مخاطباً جدّه الإمام الحسين (عليه السلام): «ضَمَّنَ

- أي الله تعالى - الاَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْها دَمَكَ وَثارَكَ»(1) ،

فما معنى هذه الفقرة من زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام)،

خصوصاً ««ضَمَّنَ الاَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْها»،

وما معنى الدم والثار،

أليسا شيئاً واحداً؟

ثمّ

أليس ذلك الدم الطاهر قد رفع إلى السماء ولصق بالعرش ولم يبق منه شيء في الأرض،

فكيف ضمن فيها؟

باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ المراد من التضمين تحميل المسؤوليّة وجريرة القتل، كما يقال: ضمّنَ فلان فلاناً قيمة ماله الذي أتلفه، أي غرّمه ذلك، والواو في قوله: «وَثارَكَ» عطف تفسير يراد منه التوضيح ليس إلاّ.

621 - كيف نوفق بين قول الزيارة الجامعة: «وَإِيابُ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ» وبين قوله تبارك وتعالى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ

(2)

باسمه جلت أسماؤه التوفيق بين الآية والزيارة كالتوفيق بين قوله تعالى:

ص:315


1- (1) كامل الزيارات: 385، باب 79، الحديث 17 و: 390، الحديث 18. بحار الأنوار: 168:98، الحديث 20 و: 170، الحديث 21. مستدرك الوسائل: 326:10. موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام): 240:3، الحديث 31 و: 298، الحديث 4 و: 577، الحديث 8.
2- (2) الغاشية 25:88 و 26..

اللهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ (1) وقوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ الْمَوْتِ(2) ، فكما أنّ الإماتة تسند لله تعالى لأنّه المالك لها، وتُسند لملك الموت لأنّه المباشر لذلك، كذلك تُسند مسألة الحساب لله تعالى باعتباره المالك الحقيقي لها، وتُسند للمعصومين) عليهم السلام (باعتبارهم المباشرين لذلك بتفويض الله تعالى.

622 - جاء في زيارة عاشوراء: «اللّهُمَّ الْعَنِ الاَْوَّلَ وَالثّانِيَ وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ»،

فمَن هم الأربعة الملعونون الذين وردوا في زيارة عاشوراء؟

باسمه جلت أسماؤه اختلف العلماء (قدّس الله أسرارهم) في تحديد المقصود من هؤلاء الأربعة، ولايمكن الجزم بشيء ممّا ذكروه، والأوْلى للإنسانأن يقرأ العبارة المذكورة وينوي بها مَن قصدهم الإمام الباقر (عليه السلام) حينما أنشأ هذه الزيارة المباركة.

623 - من هو ابن مرجانة المذكور في زيارة عاشوراء، ولماذا عطف بالواو على ابن زياد إذا كان هو نفسه؟

باسمه جلت أسماؤه هو عبيد الله بن زياد، والعطف بالواو في مقام التعريف قد يكون تشريفيّاً، كما في قولنا: «الحسين بن عليّ، وابن فاطمة»،

وقد يكون توهينيّاً، كما في قول الزيارة: «وَالْعَنْ عُبَيدَ اللهِ بْنِ زياد وَابْنَ مَرْجانَةَ» لبيان دناءة نسبه أباً واُمّاً.

624 - ورد في زيارة عاشوراء لعن الرابع والخامس، فمن يُقصد بهما؟

وإذا كان المقصود معاوية ويزيد،

فلماذا لم يذكرا بالأسماء مع أنّهما قد ذكرا سابقاً باسميهما؟

باسمه جلت أسماؤه المراد من الرابع - على الأظهر - معاوية، ومن الخامس يزيد بن معاوية، كما صرّحت بذلك الزيارة بالنسبة للثاني، حيث جاء فيها:

ص:316


1- (1) الزمر 42:39.
2- (2) السجدة 11:32..

«اللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً».

ولا مانع من التعرّض لهما تارة بالاسم، واُخرى باللقب، تأكيداً عليهما; لشدّة ما ارتكباه من سمّ الإمام الحسن (عليه السلام) وقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهتك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

625 - تنتشر هذة الأيّام ثقافة التشكيك في زيارة عاشوراء وسندها وورود اللعن فيها

،

فما بين ناكر لها ولسندها،

وبين مَن يقول إن صحّت فاللعن فيها موضوعوغير صحيح،

بل يحرم الإتيان به،

فما رأي سماحتكم؟

باسمه جلت أسماؤه سند زيارة عاشوراء قويّ لاسبيل إلى الخدشة فيه، وما فيها من اللعن ليس خارجاً عن متن الحديث المعتبر.

626 - هل زيارة عاشوراء صحيحة المتن والسند، أم لا؟

وهل يوجد من علمائنامن يضعفها؟

باسمه جلت أسماؤه نعم صحيحة سنداً ومتناً، ولستُ أحتمل صدور تضعيف هذه الزيارة المعتبرة من عالم محقّق، وإنّي - بحمد الله تعالى - ملتزم بقرائتها كلّ يوم منذ خمسين سنة، وأسأل الله تعالى أن يديم توفيقي لذلك إلى آخر أيّام عمري.

627 - ماذا عن صحّة سند دعاء التوسّل والزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء؟

باسمه جلت أسماؤه سند زيارة عاشوراء والجامعة معتبر لاإشكال فيه، وأمّا دعاء التوسّل فهو دعاء مشهور، وضعفُ سنده لايضرّ به، بعد البناء على تماميّة قاعدة التسامح في أدلّة السنن.

628 - هناك بعض طلبة العلم يشكّكون في جواز اللعن; ولذلك ينكرون وروداللعن في زيارة عاشوراء، فما قولكم في ذلك

؟

باسمه جلت أسماؤه قد ورد في القرآن والروايات المعتبرة المتواترة

ص:317

لعن طوائف، منه - ا: ما ورد في لعن المحارب لأهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: ما رودفي لعن الظالمين لآل البيت (عليهم السلام)، ومنها: مارود في لعن المعادين والمبغضين لهم (عليهم السلام)، ومنها: ما ورد في لعن المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) في الاعتقاد والمنهج وتاركي ولايتهم، ومنها: ما ورد في لعن مؤذي أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: ما وردفي لعن الكاذب مطلقاً، أو خصوص مَن كان كاذباً على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ومنها: لعن الخمر وغارسها وبائعها وحاملها والجالس على مائدة عليها الخمر وإنلم يشرب، ومنها: ما يتعلّق بالزنا وسائر المحرّمات، كلعن المستمني ولعن اللاعب بالشطرنج، ومنها: ما ورد في لعن تارك بعض الواجبات، كلعن الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه، ومنها: ما ورد في لعن فاعل بعض المكروهات، ومنها غير ذلك، والروايات فوق حدّ الاحصاء.

629 - مَن عرضنا عليكم كلامهم يشكّكون كذلك في أصل زيارة عاشوراء

ويقولون إنّها ضعيفة السند،

فما هو رأي الشرع الشريف في ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه سندها قويّ، وقد رويت بطرق متعدّدة مستفيضة.

630 - هل يجوز أن نسلّم لهؤلاء المشكّكين الحقوق الشرعيّة والكفّارات والنذوروما أشبه ذلك؟

باسمه جلت أسماؤه لايجوز تسليم الحقوق الشرعيّة بأنواعها لهؤلاء، فإنّ مَن لم يأمن دينه من شبهاته، كيف تأمن حقوق الله بين يديه.

631 - هل يجوز عند قراءة زيارة عاشوراء ذكر اللعن والسلام مرّة واحدة فقط مع القول آخرها: مائة مرّة

)

وتكون العبارة على النحو التالي: «اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَآخِرَ تابِع لَهُ عَلى ذلِكَ.

اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وتابَعَتْ

ص:318

عَلى قَتْلِهِ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً مائة مرّة»؟

باسمه جلت أسماؤه لايترتّب على القراءة المذكورة ما يترتّب على الزيارة المشتملة على تكرار اللعن والسلام مائة مرّة.

632 - إذا أراد المرء المداومة على زيارة عاشوراء يوميّاً فهل يشترط تكرار اللعن والسلام مائة مرّة لكلّ منهما

؟

باسمه جلت أسماؤه نعم، يشترط تكرار ذلك مائة مرّة، واُوصيك بالمداومة عليها فإنّ فيها خيراً كثيراً.

633 - هل الزيارة الناحية مسندة وهل سندها صحيح؟ وإذا كانت غير مسندة فهل مضمونها صحيح ثابت

؟

باسمه جلت أسماؤه تستعمل كلمة زيارة الناحية وصفاً لزيارتين:

إحداهما: يزار بها الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد وردت في كتاب المزار الكبير، وهو من امّهات كتب الزيارة المعتبرة، ولاشكّ أنّها من المرويّات التي أخذ بها علماؤنا الأعلام، وإن كان قد ورد كلام على بعض فقراتها، فالثابت أنّها مرويّة ومعتبرة; لتصريح صاحب كتاب المزار الكبير بأنّها ممّا خرج من الناحية إلى أحد الأبواب.

والثانية: يزار بها شهداء كربلاء، وهي من الزيارات المعتبرة أيضاً، حتّى أنّ بعض علماء الرجال يستفيد منها في توثيق من ورد اسمه من الأصحاب الذين استشهدوا مع سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، ويعتبر أنّ ورود أسمائهم ومدحهم والسلام عليهم من الإمام (عليه السلام) خير دليل على توثيقهم.

634 - هل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) تغفر الذنوب جميعاً

؟

باسمه جلت أسماؤه ممّا استفاضت به الروايات أنّ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من موجبات غفران الذنوب، إلاّ أنّها على نحو الاقتضاء لاالعليّة التامّة، وهذا يعني عدم تحقّق أثرها إلاّ مع تحقّق الشرائط وعدم الموانع، فهي نظير النار

ص:319

التي تقتضي الإحراق، ولكنّها لاتؤثّر أثرها إلاّ مع تحقّق الشرائط كاقتراب الجسم المحترق منها، وارتفاع الموانع كالرطوبة ونحوها.

635 - ما هي أفضل زيارة يزار بها الإمام الحسين (عليه السلام)

؟

باسمه جلت أسماؤه من الصعب جدّاً ترجيح زيارة على اخرى، وإن كان القول بأفضليّة زيارة عاشوراء هو الأوفق بما تقتضيه الأدلّة.

636 - ما العلّة في كون زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) أثوب من الحجّ المستحبّ مع أنّه أكثر جهداً وعناءاً

؟

باسمه جلت أسماؤه ليس دائماً ملاك أفضليّة العمل هو أشقيته، فإنّبعض الأعمال قد تفضّل على الاُخرى بلحاظ الآثار الخارجيّة المترتّبة عليها دينيّاً واجتماعيّاً، كما في أفضليّة مداد العلماء على دماء الشهداء، وأفضليّة الدمعة على الإمام الحسين (عليه السلام) على كثير من الأعمال، ولعلّ من هذا القبيل زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في قبال الحجّ المستحبّ، فإنّ الحجّ المستحبّ شعيرة من شعائر الإسلام يؤدّيها الشيعي وغيره على حدٍّ سواء، بينما زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) شعيرة دينية لايقوم به إلاّ الموفّقون من الشيعة، رغم ما يترتّب عليها من تشييد معالم الدين، المتمثّل في ولاية الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام)، فإذا دار الأمر بينها وبين الحجّ المستحبّ كانت راجحة عليه; لأنّ الأثر المترتّب عليها يترتب على الحجّ المستحبّ وزيادة.

637 - أيّهما أفضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أم زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه الروايات التي صرّحت بتفضيل زيارة الإمامالرضا (عليه السلام) على الإمام الحسين (عليه السلام) لم تخلُ من الإشارة إلى علّة التفضيل، ومنها يظهر أنّ ترجيح زيارته على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ليس مطلقاً، بل في خصوص ذلك الزمان الذي قلّ فيه زائره، ورغب عنه الناس، بسبب الظروف الأمنيّة.

ويشهد لذلك معتبر عليّ بن مهزيار قال: «قلت: لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك،

ص:320

زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)

* فقال:

زيارة أبي أفضل، وذلك أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره كلّ الناس، وأبي لايزوره إلاّ الخواص من الشيعة»(1). ومثله معتبر عبد العظيم الحسني: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قد تحيّرت بين زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وبين زيارة قبر أبيك (عليه السلام) فما ترى؟

فقال لي: مكانك، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خديه.

فقال:

زوّار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) كثيرون وزوّار أبي بطوس قليلون»(2).

638 - ماهي أفضل زيارة يُزار بها الإمام الرضا (عليه السلام)؟

باسمه جلت أسماؤه ما ذكر من الفضائل لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) لايختصّ بزيارة خاصّة; إذ كلّها محقّقة لنيل الثواب والفوز بالمواهب الإل - هيّة، وأمّا ترجيحُ بعضها على البعض الآخر فممّا يقصر الدليل عن إثباته.

639 - هناك زيارة خاصّة لكلّ واحد من المعصومين (عليهم السلام) في يوم معيّن من أيّام الاُسبوع فهل هناك علاقة بين ذلك اليوم والمعصوم الذي يُزار فيه، وكيف؟

باسمه جلت أسماؤه الذي يظهر من الأخبار وجود نحو من العلاقة بين

ص:321


1- (1) الكافي: 584:4، الحديث 1. كامل الزيارات: 510، باب 101، 11. عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 265:2، الحديث 26. من لايحضره الفقيه: 582:2، الحديث 3183. تهذيب الأحكام: 84:6، الحديث 1. مصباح الزائر: 388. روضة المتّقين: 391:5. وسائل الشيعة: 562:14، الحديث 1. بحار الأنوار: 38:99، الحديث 34 و: 39، الحديث 35. مرآة العقول: 311:18. ملاذ الأخيار: 216:9. موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام): 111:4، الحديث 34.
2- (2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 259:2، الحديث 2. وسائل الشيعة: 563:14، الحديث 3. بحار الأنوار: 37:99، الحديث 26. موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام): 110:4، الحديث 33..

كلّ واحد من المعصومين (عليهم السلام) وبين يوم من أيّام الاُسبوع، وقد تضمّنت زياراتهم (عليهم السلام) الواردة بحسب الأيّام الإشارةَ إلى تعلّق ذلك اليوم بالمزور، وكون الزائر ضيفاً له ولائذاً به، إلاّ أنّ الوجه في تلك العلاقة ممّا لايُعلم له وجه واضح.

640 - ورد في آداب زيارة المعصومين (عليهم السلام) عن قرب: التوجّه إلى قبر المعصوم (عليه السلام) واستدبار القبلة وراء ظهورنا فما الحكمة من هذا الأمر؟

باسمه جلت أسماؤه لعلّ ذلك لأجل تنبيه الزائر على أنّ المزور بابٌ من أبواب الله التي منها يُؤتي، ويُعرج إليهِ من خلالها، كما أشارت لذلك كثيرمن الروايات الشريفة.

ص:322

المجلد 2

اشارة

اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق

محمد صادق روحانی

ناشر: دار زین العابدین علیه السلام

محل نشر: قم - ایران 1431 ه ق

ص :1

اشارة

ص :2

اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق

محمد صادق روحانی

ص :3

ص :4

ص :5

ص :6

إنّ هذا الكتاب الموسوم ب (أجوبة المسائل)

في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق - بجزئيه: الأوّل والثاني -

يُمثّل منتهى قناعتي وآرائي التي ادينُ اللّه تعالى بها.

فشكر اللّه سعيَ القائمِ به، وأقرّ عينهُ كما أقرّ عيني، ورزقهُ مَن يَبرُّ به كما بَرَّ بي،

والحمد للّهِ ربّ العالمين

محمّد صادق الحسيني الروحاني

ص:7

ص:8

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين أبدَ الآبدين.

أمّا بعد:

فبين يديك - عزيزنا القارئ - المجموعة الثانية من (أجوبة المسائل) التي جادت بها يراعة سيّدنا الاُستاذ الأكبر سماحة آية اللّه العظيم، الفقيه المحقّق، والاُصولي المدقّق، السيّد محمّد صادق الروحاني (دامت بركات وجوده الشريف)، وقد شرّفني سماحته بمهمّة القيام بجمعها وترتيبها، فلبّيتُ - ولي الشرفُ - طلبه، وسعيتُ جاهداً لامتثال أمره، وقد كان عملي فيها - على نحو العمل في سابقتها - يتلخّص في عدّة خطوات:

الخطوة الاُولى:

جمع المتناثر من الأجوبة، وقد قام بالعبء الأكبر لهذه الخطوة أخي العزيز، السبط الوفي لسماحة السيّد الاُستاذ: السيّد محمود الخسروشاهي (وفّقه اللّه تعالى)، ولم يكن لي من دور هنا إلّااستدراك ما

ص:9

فاته، من خلال تتبّع الأجوبة المنشورة على الموقع الألكتروني لسماحة السيّد الاُستاذ (دامت بركاته).

الخطوة الثانية:

فرز الأجوبة وتصنيفها إلى مجموعها كلّيّة، ثمّ فرز كلّ مجموعة إلى مجموعات جزئيّة، ليسهل وصول القارئ إلى ما يريد منها.

الخطوة الثالثة:

ملاحظة الأجوبة واحداً واحداً، وحذف ما تكرّر منها، مع الإبقاء على ما تميّز منها عن غيره ولو بنكتة صغيرة.

الخطوة الرابعة:

بما أنّ السائلين تختلف مستوياتهم المعرفيّة والثقافيّة؛ لذلك كانت أسئلتهم متفاوتة من حيث الصياغة ووضوح المراد، وهذا ما أوجب تبديل صياغة بعض الأسئلة، وتهذيب صياغة بعضها الآخر.

الخطوة الخامسة:

بما أنّ سماحة السيّد الاُستاذ (دام ظلّه) كان - ولا يزال - يستقبل عشرات الأسئلة يوميّاً باللغتين العربيّة والفارسيّة؛ لذلك كان يكتفي في بعض أجوبته ببيان الخلاصة، نظراً لضيق وقته وكثرة مسؤوليّته، وهذا ما دعاني أن أطلب من سماحته أن يأذن لي بالتصرّف في صياغة بعض الأجوبة، لتكون أكثر وضوحاً، وتفصيل المجمل من بعضها الآخر، لتكون أكثر استيعاباً، فتفضّل (دامت بركاته) بالإذن، وقد قمتُ بعمل ذلك، طبقاً لمبانيه العلميّة التي استفدتها من بحثه الشريف ومؤلّفاته القيّمة، وتحت نظره وإشرافه.

ص:10

الخطوة السادسة:

تخريج ما يحتاج إلى التخريج، سيّما الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة، وقد تمّت هذه الخطوة بمعونة أحد الإخوة الأعزّاء، لأنّ الوقت الذي خصّصّته للعمل على هذا الكتاب - وهو وقت عطلة الحزن الحسيني - كان يقصر عن القيام بالمهمّة المذكورة وحدي؛ فجزاه اللّه تعالى خير الجزاء.

وختاماً: أرضع كفّ الضراعة إلى اللّه تعالى، سائلاً منه أن يديم بركات سماحة السيّد الاُستاذ زمناً طويلاً، ويمتّع المؤمنين برشحات وجوده، في ظلّ عناية مولى العصر وسلطان الزمان، الحجّة ابن الحسن المهدي (أرواح العالمين لتراب نعله الفداء).

وآخر دعوانا:

أنّ الحمد للّه ربّ العالمين،

وصلّى اللّه على خير خلقه وأشرف بريّته، محمّد وآله الطاهرين،

واللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

أقل تلامذة الاستاذ (دام ظله).

ضياء السيد عدنان الخباز القطيقي.

قم المقدسة.

1432/3/7 ه

ص:11

ص:12

الفصل الأوّل: أسئلة وأجوبة حول الإسلام والإيمان والأديان والمذاهب

اشارة

ص:13

ص:14

الإسلام والإيمان

1 - هل يقبل اللّه تعالى من أحد أن يدين بدين غير الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه العظيم: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(1) ، والآية صريحة جدّاً في عدم قبول أي دين غير دين الإسلام.

2 - ما هو رأي سماحتكم بمن يقول: إنّ الذين يدينون بغير دين الإسلام من الديانات السماويّة الاُخرى إذا كانت لهم أخلاق حسنة فهم يستحقّون الجنّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: القول المذكور مخالف لما ثبت بالتواتر قرآناً وسنّة. نعم، يستفاد من بعض الأخبار أنّ المحسنين منهم يُخفّف عنهم العذاب، كحسنة عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال:

«كان في بني إسرائيل رجل مؤمن وكان له جار كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا، فلمّا أن مات الكافر بنى اللّه له بيتاً في النار من طين فكان يقيه حرّها، ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا بما كنت تُدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتوليه من المعروف في الدنيا»(2).

3 - يشتبه تعريف الكافر من المشرك لدى الكثيرين، فما الفرق بين كلّ من الكافروالمشرك

؟

ص:15


1- (1) آل عمران 85:3..
2- (2) ثواب الأعمال: 169..

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ مَن لا يعتقد بنبوّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله يطلق عليه الكافر ولو كان موحّداً، والمشرك مَن يعتقد بتعدّد الآلهة.

4 - هل الإسلام يكون قبل الإيمان

؟ أو أنّ الإيمان قبل الإسلام؟ أو كلاهما يكونان معاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من الآية الشريفة: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ(1) أنّ الإيمان مرتبة بعد الإسلام.

5 - هل لقب (المؤمن) خاصّ بمَن يتّبع أهل البيت عليهم السلام

؟ وهل يُطلق عليه حتّى ولو كان فاسقاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عنوان الإيمان تارة يُطلق في قبال الكفر، واُخرى في قبال الإسلام، والأوّل لا يختصّ بأتباع أهل البيت عليهم السلام بخلاف الثاني.

6 - ما هي أقلّ درجات المؤمن

؟ وبعبارة اخرى: ما هي الخطوة الاُولى التي لو تحقّقت يعتبر صاحبها في الدرجة الأدنى من سلّم الإيمان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإيمان له درجات:

الدرجة الاُولى: الاعتقاد بمجموع العقائد الحقّة والاُصول الخمسة، وإلى هذا نظر الشهيد الثاني قدس سره في كتابه حقائق الإيمان، حيث إنّه - بعد كلام طويل في الإيمان والإسلام - قال: «إنّ ظواهر الآيات تعطي قوّة القول بأنّ الإيمان هو التصديق فقط، والطاعات مكمّلات».

الدرجة الثانية: الاعتقاد المذكور مع الإتيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من القرآن، وترك الكبائر التي وعد اللّه عليها النار.

ص:16


1- (1) الحجرات 14:49..

الدرجة الثالثة: الاعتقاد المذكور مع فعل جميع الواجبات، وترك جميع المحرّمات.

الدرجة الرابعة: ما ذكر مع ضمّ فعل المندوبات وترك المكروهات، كما ورد في أخبار صفات المؤمن.

7 - هل تولّي آل البيت عليهم السلام من أركان الإيمان

، مثل الإيمان باللّه والرسل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تولّي آل البيت بمعنى الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام لا شكّ في كونه من أركان الإيمان.

8 - ورد نوعان من الروايات في بيان أركان الإسلام عند العامّة والخاصّة

، فعند السنّة ورد حديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله أنّه قال: «بُني الإسلام على خمس:

الشهادتين والصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ»، ولكن عند الشيعة لم تذكر الشهادتان من الأوّل، واختتمت في الأخير بالولاية في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، وبما أنّ التوحيد هو الأساس الأوّل للإسلام وعليه يقوم كلّ شيء فلماذا لم تذكر الشهادتان في حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله الوارد في مذهب أهل البيت عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام في بيان الإسلام وحقيقته متّفقة على أنّ الإسلام هو الإقرار بالشهادتين، وأمّا الرواية المرويّة عن طريق الشيعة عن النبيّ صلى الله عليه و آله فهي بصدد بيان ما بُني عليه الإسلام، وليست في مقام بيان حقيقة الإسلام، بل غاية ما تدلّ عليه أنّ الإسلام مبنيّ على خمس، لا أنّ الإسلام هو الخمس، فإنّ البناء غير المبنيّ عليه، وما هو منقول عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله عن طريق العامّة لم يصدر عنه صلى الله عليه و آله.

9 - هل البراءة مهمّة كالولاية

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يكتمل إيمان المرء إلّابالبراءة من أعداء أهل البيت عليهم السلام، إلى جانب الاعتقاد بولايتهم وإمامتهم عليهم السلام، وقد جاء في بعض

ص:17

الروايات الشريفة أنّ أحدهم سأل الإمام الصادق عليه السلام، فقال له: إنّ فلاناً يواليكم، إلّا أنّه يضعف عن البراءة من عدوّكم؟

فأجابه عليه السلام بقوله: هيهات، كذب مَن ادّعى محبّتنا ولم يتبرّأ من عدوّنا(1).

كما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام: «كمال الدين ولايتنا، والبراءة من عدوّنا»(2).

10 - هل يكفر مَن يحكم بغير ما أنزل اللّه إذا لم يكن متأوّلاً ولا جاهلاً

، وقد قامت الحجّة عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مجرّد الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى لا يوجب الكفر، إلّاأن يرجع لإنكار الضروري وتكذيب الرسالة، مع قيام الحجّة عليه، كما هو الفرض.

11 - هل القول بكفر مَن يحكم بغير ما أنزل اللّه محصور في القضاء فقط

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: اتّضح ممّا سبق أنّ الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى ما لم يرجع لإنكار الضروري وتكذيب الرسالة، لا يوجب أكثر من الفسق، ولو رجع لذلك أوجب الكفر، سواء كان الحكم مرتبطاً بباب القضاء أم بغيره.

12 - هل ينتفي الحكم بكفر مَن حكم بغير ما أنزل اللّه إن كان حكمه لقرابة

، أو لشهوة، أو لرشوة، من المحكوم له؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في مفروض السؤال لا يحكم عليه بالكفر، وإنّما يحكم عليه بالفسق ليس إلّا.

13 - هل يحكم بكفر الشخص المستحلّ لحرام اللّه أو المحرّم لحلال اللّه إن كان متعمّداً ومختاراً وعالماً

؟

ص:18


1- (1) بحار الأنوار: 58:27..
2- (2) بحار الأنوار: 58:27..

باسمهِ جلّت أسماؤه: يحكم بالكفر على المستحلّ لحرام اللّه تعالى أو المحرّم لحلال اللّه، إن كان عالماً ومختاراً ومتعمّداً، ومكذّباً لصاحب الشريعة صلى الله عليه و آله.

14 - هل يكفر مَن يقول بأنّي حكمت بهذا على خلاف الشريعة؛ لأنّ هذا الحكم أفضل من حكم الشريعة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مَن قال ذلك - أجارنا اللّه - يحكم عليه بالارتداد، إلّا أن يكون مدّعياً لترتّب عنوان آخر عليه في زمانه.

15 - هل يكفر مَن يقول بأنّي حكمت بهذا الحكم المخالف للشريعة؛ لأنّ هذا الحكم مثل حكم الشريعة من حيث الفضل

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مَن قال ذلك - أجارنا اللّه - يحكم عليه بالارتداد، إلّا أن يكون مدّعياً لترتّب عنوان آخر عليه في زمانه.

16 - هل يكفر مَن يقول بأنّي حكمت بهذا الحكم مع أنّ الحكم في الشريعة أفضل؛ وذلك لأنّ ترك حكم الشريعة جائز

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلا، لا يحكم عليه بالكفر لمجرّد ذلك، بل يحكم عليه بالفسق.

17 - هناك ذنوب أشارت النصوص إلى أنّ مرتكبها يكون مخلّداً في النار

، فهل يمكن الحكم بكفر مرتكبها في حياته أو في مماته في حال عدم ثبوت توبته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن حكمَ الشارع بكفر مرتكب الذنب المذكور فهو، وإلّا فلا يحكم بكفره لمجرّد ارتكابه الذنب المذكور.

18 - هل يحكم بكفر المصرّ على الكبيرة الغير تارك لها والمعلن بها

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإصرار على الكبيرة، ولو مع الإعلان بها، ليس من موجبات الكفر.

ص:19

19 - هل يحكم بكفر المتفاخر بالمعصية والمعلن بها

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التفاخر بالذنب والمعصية، ولو مع الإعلان بها، ليس من موجبات الكفر.

20 - هل يحكم بكفر صاحب البدعة إن كان داعية لها

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان صاحب البدعة عالماً ومعتقداً بأنّ ما ابتدعه ليس من الدين، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يجعله، ومع ذلك فإنّه يدّعي أنّه من الدين فهو محكوم بالفسق، إلّاأن يرجع ذلك لتكذيبه بالرسالة.

21 - هل يحكم بكفر مَن يثبت أنّه اتّخذ أعداء اللّه من الكفّار وغيرهم أولياء من دون اللّه

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مجرّد تولّي أعداء اللّه تعالى ومحبّتهم من دون اللّه تعالى، لا يوجب الكفر، إلّاأن يعتقد باُلوهيّتهم.

22 - هل يحكم بكفر مَن يدافع ويحامي عن أعداء اللّه

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدفاع عن أعداء اللّه تعالى ليس من موجبات الكفر، وإن كان من موجبات الفسق والخسران المبين.

ص:20

الأديان والمذاهب

1 - المسيحيّة.
23 - ما هي أقرب طائفة مسيحيّة في اعتقادها وتشريعاتها إلى الإسلام

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أقربهم من الناحية العقائديّة هم الذين يعتقدون بصحّة إنجيل برنابا الذي ورد فيه عن عيسى عليه السلام أنّه جاء مبشّراً بالنبيّ محمّد صلى الله عليه و آله، علماً أنّه لا يعترف بهؤلاء من قِبل الكنيسة.

24 - هل من الصحيح أنّ المسيحيّين يختلفون في عقائدهم عن النصارى؟ وبعبارة اُخرى: هل هناك فرق بينهم

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المعروف بين المسيحيّين أنّهم يرفضون إطلاق لفظ (النصارى) عليهم، مع أنّ القرآن الكريم لم يُطلق عليهم إلّالفظ (النصارى) فقط، ولعلّ هذا هو سرّ رفضهم له، وكيف كان فقد حاول بعضهم إثبات وجود فرق جوهريّ بين النصارى والمسيحيّين، بدعوى أنّ النصارى كانوا من الموحّدين، وأنّهم يعتقدون بنبوّة النبيّ عيسى عليه السلام وبشريّته، ولا يعتقدون باُلوهيّته، وعلى عكسهم المسيحيّون في كلّ تلك المعتقدات.

ولكنّ الصحيح عدم ثبوت ذلك، فإنّ مَن لاحظ آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن النصارى يجد أنّها تنسب إليهم نفس المعتقدات التي يعتقدها المسيحيّون، وعليه فالفرق بين العنوانين غير ظاهر.

2 - اليهوديّة.
25 - ما الفرق بين اليهوديّة والصهيونيّة

؟

ص:21

باسمهِ جلّت أسماؤه: اليهوديّة ديانة سماويّة يدّعي أصحابها أنّهم أتباع النبيّ موسى بن عمران عليه السلام، والصهيونيّة منهج سياسي قائم على بغض الإسلام وأتباعه.

26 - لماذا يعترض الإسلام على إيمان اليهود بأنّهم يؤمنون بأنّ الربّ قد فرغ من أمر السماوات والأرض

، بينما هو في نفس الوقت يعترف بأنّ الربّ - اللّه - قد فرغ من الأمرحيث أنّ كلّ ما هو موجود في (اللوح المحفوظ) من علم الغيب لا يتبدّل ولا يتغيّر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لعلّ مراد اليهود من الفراغ: انقطاعه تعالى عن تدبير الخلق، وهو اعتقاد باطل؛ إذ كلّ ما سواه تعالى من الممكنات، والممكنات قوامها بالواجب حدوثاً وبقاءاً، فلا يمكن أن ينقطع تدبيره عنها، ولا وجود لمثل هذا الاعتقاد في منظومة عقائد المسلمين.

وعلى فرض أن يكون مرادهم هو عدم القدرة على التغيير، فهذا لا يتنافى مع ما يعتقده المسلمون من عدم قابليّة معلومات اللوح المحفوظ للتغيّر؛ لأنّ عدم التغيير ليس ناشئاً عن عدم القدرة - كما يعتقد اليهود - وإنّما لأنّه يصادم الحكمة الإلهيّة.

27 - ما هو الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الديانات الاُخرى

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى والمجوس، وهم طاهرون، ويجوز للمسلم أن يتزوّج منهم دواماً ومتعة، وأمّا غيرهم فمحكومون بالنجاسة، ولا يجوز للمسلم التزوّج منهم.

كما أنّ أهل الكتاب في مورد وجوب الجهاد ضدّهم يقاتلون إلى أن يسلمون، أو يلتزمون بشرائط الذمّة، بينما غيرهم لا يقبل منه إلّاالإسلام.

ص:22

3 - أهل السنّة.
28 - ما هو حكم المخالف من حيث عقيدته، هل هو مؤمن؟ أم مسلم؟ أم كافر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المخالف مسلم لإظهاره الشهادتين والإيمان بهما، وهو مؤمن بأحد معنيي الإيمان، وهو الاعتقاد بالشهادتين، ولا يكون كافراً، ولا مؤمناً بالإيمان بمعنى الاعتقاد بالولاية.

29 - هل يجوز تكفير مَن يكفّرنا من أهل السنّة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي عليه مذهب الشيعة: أنّ أهل السنّة مسلمون، وعلى ذلك فتوى مشهور علماء الشيعة، وتكفير جماعة منهم للشيعة لأغراض خاصّة بهم لا يجوِّز تكفير أهل السنّة، وجدير بالمسلمين أن يصغوا لقول القرآن: وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(1).

30 - بقيّة المذاهب الاُخرى غير الإماميّة يعاملون في الدنيا معاملة المسلمين، ولكن هل يعاملون في الآخرة معاملة الكفّار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من النصوص الكثيرة: أنّ مَن تشهّد الشهادتين حرم ماله ودمه وعرضه، وهذه آثار دنيويّة تترتّب على التلفّظ بالشهادتين، وأمّا الآثار الاُخرويّة - عذاباً ونعيماً - فأمرها موكول إلى اللّه تعالى.

4 - الوهابيّة.
31 - هل تعتبرون الوهابيّة من المسلمين أم الخوارج أم النواصب؟ وما هي أحكامهم من حيث النجاسة والطهارة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الوهابي - كغيره - محكوم بالإسلام ما دام يتشهّد

ص:23


1- (1) الأنفال 46:8..

الشهادتين، إلّاأن يكون ممّن ينصبون العداء لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم السلام، فإنّه يكون - حينئذٍ - محكوماً بالنصب والنجاسة.

32 - ما رأيكم في مَن يدافع عن الوهابيّة ممّن ينسب إلى التشيّع

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان دفاعه راجعاً للدفاع عن عقائدهم أو تصرّفاتهم النابعة عن رؤيتهم العقائديّة والفكريّة، فهو ضالّ مضلّ بلا شكّ ولا ريب.

5 - الأباضيّة.
33 - هل الأباضيّة على حقّ أم على باطل

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأباضّة - في بداية أمرهم - كانوا فرقة من الخوارج، وهم أصحاب عبداللّه بن أباض التميمي، ولا ريب في ضلالة هؤلاء وانحرافهم، بل وكفر المعتقدين منهم بكفر أمير المؤمنين عليه السلام والخارجين عليه.

وأمّا الأباضيّة المنتشرون الآن في سلطنة عمان، فإنّهم - كما بلغنا عنهم - يبرأون من معتقدات أسلافهم، ويظهرون احترامهم لأمير المؤمنين عليه السلام وتكريمهم له، وبالتالي فإنّهم محكومون بالطهارة والإسلام كسائر مَن تشهّد الشهادتين، ولكنّ

هذا لا يعني كونهم على الحقّ بنحو الإطلاق؛ لوضوح أنّ كلّ مَن لم يرجع لأهل البيت عليهم السلام الذين أمر النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله بالرجوع إليهم في حديث الثقلين - المتواتر عن جميع المسلمين - فإنّه في معرض الضلال.

6 - الزيديّة.
34 - ما الفرق بين المذهبين الشيعيّين الزيدي والإمامي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الزيديّة هم القائلون بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام بعد شهادة والده الإمام زين العابدين عليه السلام، وهم ثلاث فرق:

الجاروديّة: وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر، وهم القائلون بالنصّ

ص:24

من النبيّ صلى الله عليه و آله في الإمامة على أمير المؤمنين عليه السلام وصفاً لا تسمية، وقد حكموا بكفر الثلاثة وكلّ مَن أنكر إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

السليمانيّة: وهم القائلون بإمامة الشيخين، وكفر عثمان وعائشة وطلحة والزبير؛ لإقدامهم على قتال أمير المؤمنين عليه السلام.

البتريّة: وهم الذين دعوا إلى ولاة عليّ عليه السلام، ثمّ خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهم الإمامة، كما يثبتونها لكلّ من خرج بالسيف من ذرّيّة أمير المؤمنين عليه السلام.

وأغلب الزيديّة يقولون بإمامة كلّ فاطمي صالح ذي رأي يخرج بالسيف، واختلفوا في الإمام المنتظر أهو محمّد بن عداللّه بن الحسن - الذي قُتل في المدينة أيّام المنصور - مع زعم أنّه لم يُقتل، أم هو محمّد بن القاسم بن عليّ بن الحسين صاحب طالقان - الذي حبسه المعتصم حتّى مات - زاعمين أنّه لم يمت، أم هو يحيى بن عمر صاحب الكوفة، وهو من أحفاد زيد بن عليّ، وقد دعا الناس إلى نفسه واجتمع عليه خلق كثير، وقتل في أيّام المستعين باللّه، إلّاأنّهم ينكرون قتله.

وأمّا الشيعة الإماميّة: فهم القائلون بإمامة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام بنصّ النبيّ صلى الله عليه و آله، وحالهم ظاهر.

7 - الإسماعيليّة.
35 - ما هو موقفنا تجاه الفِرق الإسلاميّة كالزيديّة أو الواقفيّة أو الإسماعيليّة؟ وهل يصحّ القول بأنّهم من فِرق الشيعة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ عنوان (الشيعة) بالمعنى الأعمّ ينطبق على جميع الفِرق المذكورة، ولكنّ عنوان (الشيعة) بالمعنى الأخصّ لا ينطبق إلّاعلى الإماميّة الإثني عشريّة فقط.

وليس لنا موقف خاصّ منهم يختلف عن موقفنا من سائر المسلمين، فنحن نعتقد بإسلامهم لتشهّدهم الشهادتين، وفي الوقت نفسه نعتقد بضلالهم لعدم

ص:25

اعتقادهم بإمامة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام جميعاً بالنحو الذي تعتقده الفرقة المحقّة.

36 - ما هو سبب الخلاف بين الإسماعيليّة السليمانيّة (غير الآغاخانيّة) والإثني عشريّة مع أنّهم يشتركون في الكثير من المعتقدات

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإسماعيليّة لا يقبلون إمامة الأئمّة الستّة بعد الإمام الصادق عليه السلام، وبالتالي فهم يختلفون مع الشيعة الإثني عشريّة في العقيدة الأساسيّة - التي يختلفون مع غيرهم فيها - وهي إمامة الأئمّة الإثني عشر جميعاً.

8 - العلويّون.
37 - ما رأي المرجعيّة الشيعيّة بالعلويّين (النصيريّين) والدروز والبهائيّين

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا الدروز فمسلمون، وأمّا البهائيّون فكفّار، وأمّا العلويّون فقيل: إنّهم على ثلاثة أقسام: قسم يعتقدون الربوبيّة لأمير المؤمنين عليه السلام، وقسم لا يعتقدون الاُلوهيّة، ولكن يعتقدون تفويض أمر التكوين والتشريع إليه، وقسم لا يعتقدون ذلك أيضاً، بل يعتقدون أنّ الإمام عليه السلام واسطة بين اللّه والاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع، مثلهم في ذلك مثل ملك الموت المستند إليه الموت، والإحياء المستند إلى النبيّ عيسى عليه السلام.

وعلى فرض صحّة هذا التقسيم فإنّ الطائفة الاُولى كفّار، والثانية منكرون للضروريّ، والطائفة الثالثة مسلمون غير منكرين للضروريّ.

9 - الدروز.
38 - أخي طالب جامعي وعنده في الجامعة أصدقاء من الطائفة الدرزيّة، فما هوحكم التواصل البدني معهم وما هي الاُمور المترتّبة على ذلك

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من الواضح أنّهم أساساً من فرق المسلمين، ولكن حصلت لديهم انحرافات كثيرة، والحكم بكفرهم متوقّف على ثبوت إنكارهم

ص:26

لشيء من ضرورات الدين عن غير شبهة، وحتّى على فرض ثبوت ذلك فإنّه يحكم بطهارتهم؛ إذ لا دليل على نجاسة كلّ كافر.

39 - أعيش في الجمهوريّة اللبنانيّة، ومن المعروف أنّ في لبنان العديد من الطوائف الدينيّة

وأنّ أبناء هذه الطوائف يختلطون ويتعاملون مع بعضهم البعض بشكل يومي، ومن هذه الطوائف طائفة «الموحّدين الدروز» فما هو حكم إسلامهم؟ وما هو حكم طهارتهم؟ وهل يجوز الزواج بهم؟ وما هو حكم الأكل من طعامهم وذبائحهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدروز من المسلمين؛ ولذا فهم محكمون بالطهارة، ويجوز الزواج بهم، والأكل من طعامهم وذبائحهم.

10 - اليزيديّة.
40 - هل اليزيديّة محكومون بالطهارة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الضابط في طهارة الإنسان: كونه مسلماً معترفاً ومقرّاً بالشهادتين، أي وحدانيّة اللّه تعالى، ورسالة محمّد صلى الله عليه و آله، وبذلك يكون طاهراً ولو كان مذهبه فاسداً؛ وعلى ذلك فاليزيديّة إن كان يقصد بهم أصحاب يزيد بن أنيسة - الذين هم فرقة من الخوارج - فهم محكومون بالطهارة ذاتاً، وإن كان يُقصد بهم عبدة الشيطان فهم كفّار نجسون.

11 - الصابئة.
41 - ما هو رأيكم بالصابئة؟ هل هم أصحاب كتاب؟ وهل يجوز التعامل معهم والسلام عليهم

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: حكى المحقّق الثاني قدس سره أنّهم فرقتان: فرقة توافق النصارى في اصول الدين، والاُخرى تخالفهم فتعبد الكواكب السبعة، وتضيف

ص:27

الآثار إليها، وتنفي الصانع المختار، وكلام الشيخ المفيد قدس سره يقرب من هذا.

وعن تفسير القمّي و التبيان و المجمع للطوسي والطبرسي: أنّهم ليسوا من أهل الكتاب، والشيخ الأنصاري قدس سره يدّعي أنّ المتبادر من الصابئة ما يقابل النصارى، وقبل سنوات زارني أحد رؤساء الطائفة وادّعى أنّ الصابئة اليوم كلّهم من النصارى، ومع ذلك كلّه فإنّه لا يحكم بنجاستهم، ويجوز السلام عليهم؛ لعدم قيام الدليل على نجاسة كلّ كافر.

12 - البهائيّة.
42 - هل البهائيّة من المسلمين؟ وما هو حكمهم

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليسوا بمسلمين، ولا من أهل الكتاب، بل هم كفّار غير كتابيّين.

13 - التصوّف والمتصوّفة.
43 - يدّعي المتصوّفة أنّ ما لديهم قد وصلهم عن طريق أهل البيت عليهم السلام

، وأنّ هنالك مجموعة من كبار علماء الشيعة قد أخذوا بمنهجهم، فما هو رأيكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: منهج سادتنا المعصومين عليهم السلام في العبادة والدعاء والمناجاة والأخلاق منهجٌ لا يختصّ بفرقة دون اخرى، فلا يعقل أن يكون للمتصوّفة منهج في تلك الشؤون يعود للأئمّة الهداة عليهم السلام، ولا يشاركهم فيه غيرهم.

والتعبير عن بعض علمائنا المتقدّمين (رضوان اللّه عليهم) - كالعلّامة المجلسي الأوّل قدس سره - بأنّهم من (المتصوّفة)، لا يُراد به التصوّف بما هو منهج فكري وسلوكي، بل يُراد به أنّهم ممّن تقشّفوا وتبتّلوا عن زخارف الدنيا وبهارجها، وقد تصوّر البعض اشتباهاً بأنّ ذلك هو التصوّف، فاتّهمهم به.

44 - لقد اطّلعت على كتاب (الإثني عشريّة في الردّ على الصوفيّة، وقد انقدحت

ص:28

في ذهني من خلال قرائته الأسئلة التالية:

الأوّل: إنّ جميع الأحاديث الواردة في ذمّ الصوفيّة ينقلها عن كتاب حديقة الشيعة، فما مدى صحّة نسبة فصل ذمّ التوصّف للمقدّس الأردبيلي قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لقد أفاد العلّامة المتتبّع الشيخ آغا بزرك الطهراني قدس سره في كتابه القيّم الذريعة إلى تصانيف الشيعة: «أنّ الفصل المتضمّن لذمّ الصوفيّة قد كان الداعي لتأليفه هو ما شاهده المحقّق الأردبيلي قدس سره من زيارة أهل أصفهان لقبر أبي الفتوح العجلي الصوفي»(1).

كما أفاد البحّاثة الطهراني قدس سره أنّ هناك نسخة محرّفة من كتاب حديقة الشيعة، قد أسقط منها بعض المعاصرين للسلطان عبداللّه قطب شاه الفصل المذكور تقرّباً للسلطان الذي كان ميّالاً للصوفيّة.

وقال المحدّث النوري قدس سره: «وسمعت من بعض المشايخ: أنّ أصل هذه الشبهة من بعض مَن انتحل التصوّف من ضعفاء الإيمان لما رأوا في الكتاب من ذكر قبائح القوم ومفاسدهم، مع ما عليه مؤلّفه من القدس والتقوى والمقبوليّة عند الكافّة، فدعاهم ذلك إلى إنكار كونه منه تشبّثاً منهم بما هو أوهن وأوهى من بيت العنكبوت»(2).

45 - الثاني: لماذا لا توجد أحاديث ذمّ الصوفيّة في المجاميع الحديثيّة

، مثل الوافي والكافي والتهذيب والبحار لو افترضنا صحّة نسبة تلكم الأحاديث؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لعلّ استقراءكم لمجاميع الحديث كان ناقصاً، وإلّا لو رجعتم إلى كتاب الكافي الشريف - مثلاً - لوجدتم أنّه قد عقد باباً تحت عنوان: (دخول الصوفيّة على أبي عبداللّه عليه السلام، واحتجاجهم عليه فيما ينهون الناس

ص:29


1- (1) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 385:6..
2- (2) خاتمة المستدرك: 103:2..

عنه من طلب الرزق)، وقد أورد فيه الشيخ الكليني قدس سره رواية عن الإمام الصادق عليه السلام وبّخ فيها الصوفيّة، حيث قال: «فتأدّبوا - أيّها النفر - بآداب اللّه عزّ وجلّ للمؤمنين، واقتصروا على أمر اللّه ونهيه ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به، وردّوا العلم إلى أهله تؤجروا وتعذروا عند اللّه تبارك وتعالى وكونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه وما أحلّ اللّه فيه ممّا حرّم فإنّه أقرب لكم من اللّه وأبعد لكم من الجهل ودعوا الجهالة لأهلها فإنّ أهل الجهل كثير وأهل العلم قليل»(1).

46 - ذكر الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في كتابه الإثني عشريّة أنّ الشيخ المفيد قدس سره قد ذمّالصوفيّة لتأليفه كتاب الردّ على أصحاب الحلاج

في حين أنّ الشيخ المفيد قدس سره يذكر في تصحيح الاعتقاد طائفة الحلاجيّة من أهل التصوّف وليس كلّ أهل التصوّف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس مقصود الشيخ الحرّ العاملي (رضوان اللّه عليه) إثبات أنّ وجود الكتاب المذكور له دلالة على ذمّ الصوفيّة بالجملة، وإنّما إثبات دلالته على ذمّهم في الجملة.

47 - يذكر الحرّ العاملي قدس سره أنّ جميع علمائنا رفضوا التصوّف

، فهل هذا الكلام دقيق مع أنّ بعض علمائنا كالسيّد حيدر الآملي تلميذ فخر المحقّقين يمدح التصوّف، والسيّد ممدوح في جميع التراجم وكذلك السيّد ابن طاووس في كتابه (فرحة الناظر وبهجة الخواطر) فإنّه بناه على قواعد الصوفيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يمكن أن يجاب عن ذلك بما ذكره الوحيد البهبهاني قدس سره في تعليقته الشهيرة على منهج المقال، حيث قال: «ونُسب ابن طاووس ونصير الدين الطوسي وابن فهد والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وجدّي

ص:30


1- (1) الكافي: 70:5..

العلّامة وغيرهم من الأجلّة إلى التصوّف، وغير خفيّ أنّ ضرر التصوّف إنّما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول أو الوحدة في الوجود أو الاتّحاد، أو فساد الأعمال والأعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير من المتصوّفة في مقام الرياضة أو العبادة، وغير خفيّ على المطّلع بأحوال هؤلاء الأجلّة من كتبهم وغيرها أنّهم منزّهون من تلك المفسدتين قطعاً»(1).

وعلى فرض صحّة النسبة، فمن الممكن أن يكون عذرهم في ذلك هو نفس العذر الذي ذكره الشيخ المجلسي لوالده 0 حيث قال في آخر رسالة الاعتقادات:

«وإيّاك أن تظنّ بالوالد العلّامة (نوّر اللّه ضريحه) أنّه كان من الصوفيّة، ويعتقد مسالكهم ومذاهبهم، حاشاه عن ذلك، وكيف يكون كذلك؟ وهو كان آنس أهل زمانه بأخبار أهل البيت عليهم السلام وأعلمهم بها، بل كان سالكاً مسالك الزهد والورع، وكان في بدو أمره يتسمّى باسم التصوّف ليرغّب إليه هذه الطائفة ولا يستوحشوا منه، فيردعهم عن تلك الأقاويل الفاسدة والأعمال المبتدعة، وقد هدى كثيراً منهم إلى الحقّ بهذه المجادلة الحسنة، ولمّا رأى في آخر عمره أنّ تلك المصلحة قد ضاعت ورفعت أعلام الضلال والطغيان وغلبت أحزاب الشيطان، وعلم أنّهم أعداء اللّه صريحاً تبرّأ منهم، وكان يكفّرهم في عقائدهم الباطلة، وأنا أعرف بطريقته وعندي خطوطه في ذلك».

48 - ما علاقة التصوّف بالتشيّع

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مذهب التشيّع بريء من التصوّف والمتصوّفة براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وقد صدرت عن أئمّة الشيعة الإثني عشر عليهم السلام روايات كثيرة في ذمّ الصوفيّة جمعها الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في كتابه القيّم الإثنا عشريّة في الردّ على الصوفيّة فلتراجع هناك.

ص:31


1- (1) التعليقة على منهج المقال: 79..

غاية ما في الأمر أنّ المتصوّفة يدّعون رجوع منهجهم الروحي إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأوجب ذلك توهّم صلتهم بالتشيّع الذي يدين بالإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام، حالهم في ذلك حال المعتزلة الذين ادّعوا رجوع مدرستهم الفكريّة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأوجب ذلك أيضاً توهّم صلتهم بالتشيّع، والحال أنّ التشيّع لا صلة له بأي منهما.

14 - الشيعة الإماميّة الإثنا عشريّة.
49 - ما هو معنى الشيعة؟ وما الفرق بينهم وبين السنّة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه تعالى: وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ(1).

وقال النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ستفترق امّتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها في النّار إلّاواحدة» (2).

ومن هنا وجب على العاقل أن يبحث بإنصاف وتأمّل من أجل الوصول إلى الحقيقة التي لا نجاة إلّاباتّباعها وبلا تعصّب، إذ أنّه من اللحظات الاُولى بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بدأت تظهر الخلافات والانقسامات في الاُمّة، ممّا جعل فريقاً من الأصحاب يتمسّك بوصايا رسول اللّه صلى الله عليه و آله باتّباع عترته وأهل بيته الأطهار دون سواهم في معرفة التشريعات، وأخذ المفاهيم الدينيّة منهم عليهم السلام، في الوقت الذي لجأ فيه الآخرون إلى إيذاء أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله، ومنعوا من تدوين الحديث، وفسّروا القرآن بآرائهم، فاتّبعوا بذلك طرقاً استحسانيّة وقياسيّة في معرفة الكثير من الأحكام.

ولم يزل الأمر كذلك حتّى بدأت تظهر آراء كثيرة مخالفة لآل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله،

ص:32


1- (1) آل عمران 144:3..
2- (2) كشف الخفاء: 150:1. المواقف: 649:3..

ولإعطاء هذه الآراء صبغة شرعيّة ابتدعوا لذلك أحاديث نسبوها للنبيّ صلى الله عليه و آله، وقد حذّر النبيّ صلى الله عليه و آله من ذلك قبل وفاته.

ومع مرور الأيّام نشأت فرق إسلاميّة كثيرة، منها ما انقرض، ومنها ما وجد مؤخّراً، وكلّ يدّعي صحّة معتقداته وسلامة تشريعاته، ممّا شوّه الصورة الحقيقيّة للإسلام الحنيف ابتداءً من العقيدة، وانتهاءً بنظم التشريع الصغيرة.

ومثال ذلك: ذهبت الشيعة - تبعاً لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله - إلى القول بعدالة اللّه (سبحانه وتعالى) واعتبرته أصلاً من اصول الدين؛ لما يترتّب على ذلك من مسائل عقائديّة وعمليّة كثيرة، وخالفتهم في ذلك عدّة من الفرق الإسلاميّة التي ذهب بعضها إلى الجبر، وذهب البعض الآخر إلى التفويض.

وذهبت الشيعة إلى القول بعصمة النبيّ صلى الله عليه و آله مطلقاً، فلا يصحّ عليه السهو ولا الغلط ولا النسيان في كلّ أفعاله وأقواله في التبليغ وغيره؛ لذا امرنا باتّباعه مطلقاً، وذهب آخرون إلى القول بصحّة السهو، وبعضهم إلى قصر عصمته على التبليغ، وغير ذلك - ممّا لا يسع المقام لذكره - من المسائل الكثيرة التي أدّت إلى وجود طرق وفِرق ومذاهب، إلّاأنّ مذهب الشيعة تميّز عن غيره باتّباع أهل بيت النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، وتحرّي أقوالهم وآثارهم للوصول إلى الحقيقة دون سواهم.

50 - ما الفرق بين السنّة والشيعة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشيعة هم مَن يعتقدون بإمامة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام، وأنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو الخليفة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بلا فصل، والسنّة غير معتقدين بذلك كلّه.

51 - لو تفضّلت أطلعني على مذهبكم، وأوضح لي ما هي نقاط الاختلاف مع المذهب السلفي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مذهبنا يعتمد على ما ورد في السنّة المطهّرة

ص:33

عن النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله عن طريق الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ونلتزم بكلّ ما ورد عن الأئمّة عليهم السلام، ولا نقرّ بشرعيّة استلام الحكم بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لغير مَن أوصى له النبيّ صلى الله عليه و آله وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ونؤمن بالأئمّة الإثني عشر، وهم: عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبنوه: الحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، وآخرهم المهدي ابن الحسن، وبذلك يتّضح الفرق جليّاً بيننا وبين غيرنا.

52 - وردت مناقب عديدة وفضائل كبيرة للشيعة، فهل المقصود بهم الشيعة ككلّ، أم خصوص الخُلّص منهم فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّ المراد من تلك الأحاديث: الشيعة بحسب الوجود المجموعي، لا بحسب الوجود الأفرادي والاستغراقي.

53 - ما هي أبرز الروايات في صفات الشيعي الحقيقي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هناك كتاب نفيس جدّاً للشيخ الصدوق قدس سره تحت عنوان صفات الشيعة، وقد جمع فيه (أعلى اللّه درجته) الكثير من الروايات التي تتحدّث عن صفات الشيعة، فيجدر بكم مطالعته والاستفادة منه.

54 - نحن نقول بأنّ من قوّة هذا المذهب أنّه يستطيع أن يثبت نفسه من خلال مصادر المخالفين ولكنّ المخالفين أيضاً يكرّرون نفس هذا الطرح ويدّعون نفس الادّعاء فما هو الردّ السديد على ذلك

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الفرق بيننا وبين الآخرين: أنّنا أثبتنا ما ادّعيناه فعلاً، وهذه كتبنا تثبت إمامة أهل البيت عليهم السلام من كتب المخالفين، بينما هم وإن ادّعوا ذلك، إلّاأنّهم لم ولن يستطيعوا أن يثبتوا صحّة معتقداتهم من كتبنا ومصادرنا، فدعوانا مبرهنة، ودعواهم عارية عن البرهان والدليل.

ص:34

55 - إذا كانت اصول المذهب الشيعي غير توقيفيّة

، فما هو الفرق الجوهري بين الأصل والضروري؟ وكيف أعرف أنّ الإيمان بالرسل والكتب والملائكة هل هو من الاُصول أم من الضروريّات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: اصول المذهب - وهي اثنان عندنا: العدل والإمامة - هي التي متى ما أنكرها الإنسان حُكم عليه بالخروج من المذهب، ولو كان ذلك لشبهة - فلا فرق بينها وبين اصول الدين من هذه الناحية - بينما الضروريّات المذهبيّة لا يوجب إنكارها ذلك إلّامع عدم الشبهة.

56 - مَن هو أوّل مَن صرّح بأنّ اصول المذهب الشيعي خمسة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أظنّ أنّ أوّل مَن صرّح بذلك هو سلمان الفارسي رضى الله عنه.

15 - الشيخيّة.
57 - مَن هم الشيخيّة؟ وما هي عقائدهم

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هم فرقة من الشيعة يرجعون للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي قدس سره، وهم متّهمون بشيء من الغلوّ، ولكنّ ذلك - بشهادة بعض المتتبّعين من تلامذتنا - لم يثبت في حقّهم.

58 - ما رأي سماحتكم في المقالة التالية: «إنّ العقيدة الكاملة هي عقيدة الشيخ الأوحد

، وغير عقيدة الشيخ الأوحد تعتبر في نظرنا عقيدة ناقصة ومَن لا يعتقد بعقيدة الشيخ الأوحد يعتبر في نظرنا ناقص العقيدة ومَن يريد العقيدة الصحيحة السليمة الكاملة فليعتقد بعقيدة الشيخ الأوحد الأحسائي»؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العقيدة الكاملة هي العقيدة المبنيّة على آيات القرآن الكريم وأخبار المعصومين عليهم السلام، وغير هذه العقيدة غير صحيح، فضلاً

ص:35

عن كونه كاملاً.

16 - الأخباريّون.
59 - ما هو الفرق بين الأخباريّين والاُصوليّين

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأخباريّون هم الذين حدّدوا الأحكام الشرعيّة اعتماداً على الأخبار الواردة عن المعصومن عليهم السلام، وأمّا الاُصوليّون فهم الذين استخدموا القواعد الاُصوليّة في مقام استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها المقرّرة.

ص:36

الفصل الثاني: اسئلة وأجوبة حول الشعائر الحسينيّة

اشارة

ص:37

ص:38

أسئلة عامّة حول الشعائر المباركة

60 - ما هي الضابطة الشرعيّة للشعائر الحسينيّة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يعتبر في الشعيرة الحسينيّة ثلاثة امور:

أوّلاً: دلالتها على الإمام الحسين عليه السلام.

ثانياً: كونها أداة من أدوات الحزن والجزع.

ثالثاً: عدم اشتمالها على محرّم، أو استلزامها لذلك.

61 - ما رأيكم في هذه المقالة: «أمّا قصّة الشعائر فليس لك أن تصنع أنت شعيرة أو أصنع أنا شعيرة

، إذ لا بدّ أن يأتي بها نصّ من النبيّ أو من الأئمّة عليهم السلام حتّى يصحّ أن نقول إنّها من الشعائر فالشعائر امور توقيفيّة»؟باسمهِ جلّت أسماؤه: دعوى أنّ الشعائر الحسينيّة توقيفيّة دعوى زائفة لا دليل عليها، بل الدليل قد دلّ على محبوبيّة تعظيم الشعائر، وأمّا تطبيق عنوان الشعائر على مصاديقه فهو موكول إلى المكلّفين.

62 - هل الشعائر الحسينيّة سنّة عن المعصوم عليه السلام حتّى نكون ملزمين بأدائها

؟ أم هي إفرازات عاطفيّة من باب التأثّر والانفعال الحاصل نتيجة للمظلوميّة الكبيرة للإمام الحسين عليه السلام وحين نزلت إلى الشارع لم يجد المجتهدون سبيلاً لرفضها لعدم تقاطعها مع الدين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لنِعم ما أفاده أحد الفقهاء والمحقّقين، حيث قال: «الجزع والبكاء في المصائب مهما عظمت قبيح مكروه، ولكنّ صادق

ص:39

أهل البيت (سلام اللّه عليه وعليهم) يقول في حديث معتبر:

كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام(1).

وشقّ الجيوب على الفقيد، وخمش الوجوه محرّم على الأشهر، ولكنّ صادق أهل البيت (سلام اللّه عليه) يقول في حديث معتبر:

على مثل الحسين فلتشقّ الجيوب ولتخمش الوجوه ولتلطم الخدود.

وإيذاء النفس، وإدماء الجسد مرغوب عنه مذموم، سيّما من الأعاظم وأرباب العزائم، ولكنّ الحجّة يقول في زيارة الناحية: «فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَباحاً وَمَساءً، وَلَأَبْكِيَنَّ لَكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً»(2) ، وقد سبقه إلى ذلك جدّه زين العابدين عليه السلام».

فاتّضح بذلك: أنّ كلّ الشعائر الحسينيّة ذات جذور في روايات المعصومين عليهم السلام وأحاديثهم المباركة، وليس مجرّد إفرازات عاطفيّة.

63 - ما هو رأيكم بالنسبة للشعائر الحسينيّة بجميع أقسامها: اللطم، والبكاء

، والضرب بالزنجيل والتطبير وموكب المشاعل والمشي على الجمر ونحوها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشعائر الحسينيّة أقوى سبب لبقاء الإسلام، وهي بجميع مصاديقها حسنة، بل فوق الحسن والاستحباب.

64 - ما هي أفضل مراسم العزاء التي يمكن أن يؤدّيها المؤمن

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لكلّ شعيرة من الشعائر الحسينيّة آثار خاصّة ليست لغيرها، كما أنّ كلّ واحدة منها تترتّب عليها مثوبات غير متصوّرة، وبما أنّه لا سبيل لتقديم بعضها على البعض الآخر؛ لذلك ينبغي على المؤمن أن يجمع بينها

ص:40


1- (1) أمالي الطوسي: 161..
2- (2) المزار الكبير: 496-514. مصباح الزائر: 224-234. بحار الأنوار: 317:98، الحديث 8 و: 328، الحديث 9. مستدرك الوسائل: 335:10، الحديث 16. موسوعة زيارات المعصومين عليهم السلام: 66:3، الحديث 106 و: 409، الحديث 30..

جميعاً، ويفوز بمراتب ثوابها.

65 - ما هو رأي جنابكم الشريف في الشعائر الحسينيّة إن استوجب الإضرار بالنفس كما في حالة اللطم العنيف أو البكاء الشديد

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما ذكر من المستحبّات الأكيدة، وعن بعض أكابر الفقهاء الماضين قدس سره القول بوجوبه في هذه الأزمنة، وإذا وجب في زمان ذلك الفقيه ففي هذا العصر يكون أوجب، وهل بقي الدين إلّافي ظلّ الشعائر الحسينيّة، وأمّا الإضرار بالنفس فإنّه ما لم يصل إلى هلاكها أو تعطيل أحد الأعضاء المهمّة يكون جائزاً؛ ولذلك أفتينا بمطلوبيّة إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات، والضرب بالسلاسل على الأكتاف والظهور إلى حدّ الإحمرار والإسوداد.

66 - ما رأيكم في المقولة التالية: «بالنسبة إلى ما يسمّى (الشعائر الحسينيّة) فإنّنا نرى أنّها تمثّل الأساليب التعبيريّة عن الحزن وعن الولاء

، وأساليب التعبير تختلف بين زمن وزمن، فالبكاء اسلوب إنساني في التعبير عن الحزن، واللطم الهادئ الحزين اسلوب إنساني في التعبير عن الحزن لكنّ بعض الاُمور التي تضرّ الجسد ليست اسلوباً إنسانيّاً في التعبير عن الحزن فعندما يجرح أحد أقاربكم لا تجرحون أنفسكم مواساة له وعندما يجلد أحد أصدقائكم فإنّكم لا تجلدون ظهوركم حزناً عليه لأنّ جَلد الظهر أو جرح الجسد ليس طريقة إنسانيّة في التعبير عن الحزن أو الاحتجاج»؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ثبوت شيء أو عدم ثبوته شرعاً، ليس يدور مدار الكلمات الرنّانة والشعارات البرّاقة، بل يدور مدار الدليل والحجّة، وليس لدينا من الأدلّة ما يدلّ على اعتبار (الإنسانيّة) في أساليب التعبير عن الحزن.

كما أنّ الممارسين للطلم والتطبير ليسوا محدودين عدداً، ولا هم من شذّاذ البشر، بل فيهم الفقهاء والأطبّاء والمهندسون وغيرهم، فهل - يا ترى - أنّ كلّ هؤلاء قد تجرّدوا عن الإنسانيّة، ولم يبقَ إلّاصاحب هذه المقالة يعيش الحسّ الإنساني؟!

ص:41

67 - هل يجوز التهكّم والاستهزاء بالشعائر الحسينيّة المباركة، والتهجّم على مَن يحييها والتقليل من شأنه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في أنّ بقاء رسالة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله إنّما هو بقيام الإمام الحسين عليه السلام وشهادته، وبقاء ثورة الإمام الحسين عليه السلام إنّما هو بإقامة هذه الشعائر الحسينيّة، وعليه فالاستهزاء بهذه الشعائر استهزاء بالإسلام والرسالة، ولا شكّ في حرمته.

68 - هل الرياء في الشعائر الحسينيّة جائز أم لا

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الرياء كما لا يجوز في الصلاة لا يجوز في الشعائر الحسينيّة، إلّاأنّ التظاهر بإقامة الشعائر - كالبكاء مثلاً - محكوم بالجواز، وليس من الرياء في شيء.

69 - الكلّ يعلم بأهمّيّة حضور القلب في العبادة لا سيّما الصلاة فهل إحياء ذكرى أبي عبداللّه عليه السلام يساعد على حضور القلب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ممّا لا ريب فيه أنّ إحياء ذكرى أبي عبداللّه الحسين عليه السلام من موجبات القرب من اللّه تعالى، فقهراً يكون من مقتضيات حضور القلب، ولكنّ لذلك شرائط وموانع.

70 - من أهمّ الدعائم الخلقيّة والمنجيات الأبديّة هي التوبة وقد أولاها القرآن الكريم عناية فائقة

وردّدها في كثير من الآيات البيّنات فهل أيّام عاشوراء تعدّ من أهمّ الفرص المتاحة للإنسان لدخول باب التوبة? أم شهر رمضان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ شهر التوبة كما جاء في النصوص الشريفة هو شهر رمضان، وأمّا شهر محرّم فهو شهر الحزن والأسى على ريحانة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وسيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام، ولا يخفى أنّ الدمعة على الحسين عليه السلام قد أوضح أهل البيت عليهم السلام بأنّها قنطرة الغفران؛ ولذا فمن المناسب جدّاً أن يجعل الإنسان

ص:42

لحظات شهر عاشوراء محطّة رجوع إلى اللّه تعالى.

71 - هل يجوز وضع العطر أو الزينة في أيّام شهر محرّم الحرام

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في مطلوبيّة التعزية في العشرة الأيّام الاُولى من المحرّم - بل في شهري محرّم وصفر معاً - ولا إشكال في منافاة بعض مراتب الزينة لذلك - ولا ينبغي صدورها ممّن يدّعي حمله محبّة الإمام الحسين عليه السلام في قلبه - ولكن لم يصل شيء منها إلى حدّ الحرمة، إلّاأن تكون موجبة لهتك حرمة الشعائر الشريفة، أو بداعي الاستهزاء بالمصاب الحسيني الفادح، كما عليه بعض النواصب.

72 - لم أتمكّن من الحصول على إجازة للغياب من العمل في يوم العاشر من المحرّم لإحياء مراسم عزاء أبي عبداللّه الحسين عليه السلام فما هي وظيفتي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المشاركة في مراسم يوم عاشوراء من أفضل المستحبّات، بل هي أفضل أعمال ذلك اليوم بلا ريب، ومن الراجح لمن لم يتمكّن منها - بسبب عدم الإجازة - أن يقتطع من راتبه بما يعادل ما يستحقّه لذلك اليوم، ويقدّمه هديّة متواضعة لمأتم أو مواكب العزاء.

73 - هل الخبر المرويّ عن الإمام الرضا عليه السلام: «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا»

(1) غير نقي السند ويمكن الاعتراض على دلالاته كما ادّعى البعض؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الخبر يرويه الشيخ الصدوق قدس سره في الأمالي عن شيخه جعفر بن محمّد بن مسرور، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبداللّه بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا عليه السلام، ولا يوجد في هذا السند مَن يتوقّف فيه سوى ابن مسرور، والمحقّق وثاقته؛ لأنّ الشيخ

ص:43


1- (1) أمالي الصدوق: 190..

الصدوق قدس سره قد أكثر من الترحّم والترضّي عليه، مضافاً إلى توثيقه من قِبل عدّة من المتأخّرين، وهو كافٍ لإثبات الوثاقة عندنا، كما أنّ المولى الوحيد البهبهاني قدس سره قد احتمل اتّحاده مع جعفر بن قولويه، وعلى فرض تماميّة هذه الدعوى - وليست بالبعيدة - فإنّه يكون فوق مستوى التوثيق.

وأمّا ما يدلّ عليه الخبر فإنّه من المضامين التي استفاضت بها الأخبار، وبالتالي فإنّ الاعتراض عليه ممّا لا يصغى له.

74 - هناك مَن يقول: «إنّ الكثير ممّا يلقى في عاشوراء قد وضع من أجل العاطفة

، حتّى وصل إلى حدّ الخرافة والتخلّف ونتجَ عن ذلك أن أصبح الناس يحبّون الخرافة لأجل إثارة العاطفة وهذا ما نلاحظه عندما تقرأ السيرة الحسينيّة بطريقة عقلائيّة لنأخذ منها العِبرة والنصيحة لتطبيقها على الواقع بعيداً عن الإيقاعات الصوتيّة للمقرئ فإنّ الناس لا تعدّه عزاءً لأنّه لا يثير حالة من البكاء المعهود وكلّ هذا بسبب سيطرة الخرافة». وسؤالي: أين هو موقع الخرافة والتخلّف من الأحداث التي تثيرها ذكرى عاشوراء بالصورة المعهودة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ المقالة المذكورة في السؤال مقالة لا يُراد بها إلّا توهين مأساة سيّد الشهداء (أرواحنا فداه)، لأنّها تسعى لتفكيك الجانب العاطفي للمأساة عن الجانب العقلي، والحال أنّهما جانبان متلازمان، فإنّ سيّد الشهداء عليه السلام قد سعى سعياً حثيثاً - في واقعة الطفّ - لتسجيل العديد من الأحداث المثيرة للعواطف من أجل أن ينفذ من خلالها إلى عقول الآخرين.

75 - بعض الروائيّين يخترعون نماذج لبعض القيم النبيلة للقدوة الكاذبة

، أمّا نحن فلا نحتاج لأن نخترع نماذج للقيم النبيلة؛ لأنّها موجودة لدينا حيث أنّ أيّام عاشوراء مليئة بالكثير منها ولكنّ البعض لا يتناول إلّاالقليل منها ممّا يدع المجال مفتوحاً للجيل الجديد لتناول قدوة كاذبة بصورة بسيطة فما هي الجوانب

ص:44

التي يجب التركيز عليها ويمكن استغلالها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نماذج القدوة النبيلة لا تنحصر بأبطال كربلاء فقط، بل حياة أئمّتنا الأطهار عليهم السلام جميعاً وأصحابهم المخلصين والعلماء الأبرار مليئة بالقيم النبيلة، وإبرازُ هذه القيم ليس هو دور المنبر الحسيني فقط، بل هو دور الآباء والاُمّهات، ودور المسجد والكتاب، والمطلوب من الجميع تكثيف الجهود من أجل إشباع الحاجة الفطريّة إلى وجود القدوة.

76 - هناك الكثير من الاُمور التي يمارسها عشّاق أبي عبداللّه عليه السلام في أيّام عاشوراء

، فأين يقع دور العقل البشري ومهامه الإبداعيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: دور العقل في هذه المرحلة أن يتّجه نحو هدفين:

الأوّل: العمل على إبقاء جذوة عاشوراء منارة إشعاع فكري متّقد في العالم، انطلاقاً من كونها شعيرة امرنا بإحيائها؛ لقولهم عليهم السلام:

«أحيوا أمرنا رحم اللّه مَن أحيى أمرنا» (1).

الثاني: الاستفادة من هذه الذكرى بما ينسجم مع الأهداف التي أعلن عنها الحسين عليه السلام وتطابقها مع سلوكنا العملي في حياتنا الفرديّة والاجتماعيّة.

شعيرة الجزع.

77 - ما هو الجزع المطلوب على الإمام الحسين عليه السلام

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الجزع ما يقابل الصبر، وقد نهي عنه في المصائب الواردة على الإنسان، واستثني ذلك في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام، بل هو فيه راجح ومطلوب، وله مصاديق كثيرة، منها: اللطم على الوجه، وشقّ الثوب، وخدش الوجه وإدماؤه، وما شاكل ذلك.

ص:45


1- (1) الانتصار: 33:9..
78 - ضرب الرؤوس بالسيوف والظهور بالسلاسل والمشي على النار لإظهارالحزن والأسى على أبي عبداللّه الحسين (عليه وآله الصلاة والسلام) هل هي داخلة في موضوع الجزع

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ضرب الرؤوس بالسيوف، والظهور بالسلاسل من أوضح مصاديق الجزع، وأهمّ سبل النجاة.

شعيرة الإطعام في مجلس العزاء.

79 - أيّهما أفضل الصدقة على الفقراء أم بذل الطعام في عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بما أنّ بقاء الإسلام بالثورة الحسينيّة، وبما أنّ بقاء الثورة إنّما هو بالشعائر الحسينيّة، فإحياء تلكم الشعائر أفضل من جميع الأعمال المستحبّة.

شعيرة البكاء.

80 - ما هي الأدلّة التي توجب استمرار البكاء على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأدلّة هي الروايات المستفيضة، بل المتواترة، الدالّة على استحباب البكاء، كصحيح الريّان بن شبيب، عن الرضا عليه السلام:

«يابن شبيب إن كنت باكياً لشىء فابك الحسين بن عليّ عليه السلام»(1).

شعيرة إقامة مآتم العزاء.

81 - هل تستحبّ إقامة مآتم التعزية؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لو ادّعى أحد كون استحبابها من الضرورات

ص:46


1- (1) أمالي الصدوق: 192..

المذهبيّة لم يجانب الصواب.

82 - ما هي فائدة الحضور إلى مجالس العزاء التي تُعقد لأجل مصيبة

الإمام الحسين عليه السلام مع وجود مواقع كثيرة في الانترنت يمكنني الاستماع من خلالها للمجالس الحسينيّة من غير أن أتحمّل عناء الذهاب للمجالس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس المطلوب للشارع الأقدس هو الاستماع للمجالس الحسينيّة الشريفة فحسب، بل الاجتماع مطلوب آخر له، كما يدلّ على ذلك قول الإمام الرضا عليه السلام:

«مَن جلس مجلساً يُحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» (1).

وقوله الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ تلك المجالس احبهافأحيوا أمرنا رحم اللّه مَن أحيى أمرنا» (2).

ولا يخفى ما للاجتماع من أهمّيّةٍ في تعظيم الشعائر الحسينيّة وتشييدها وإبراز قوّتها، فيكون مطلوباً لأجل هذه المنافع.

83 - هل يجوز التهكّم والاستهزاء بخطباء المنبر الحسيني والتهجّم عليهم بأنّهم يسخّفون عقول الناس

ولا يتحدّثون إلّابالمنامات والحال أنّ هذا من الكذب والافتراء عليهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: خطباء المنبر الحسيني (أعزّهم اللّه تعالى) يبرزون تضحيات الإمام الحسين عليه السلام، ويؤيّدون الشعائر الحسينيّة المباركة، التي بها بقاء الإسلام؛ ولذا فالتهكّم والاستهزاء بهم حرام بلا إشكال.

84 - هل يجوز إدخال المواضيع السياسيّة في المنبر الحسيني ومواكب العزاء

؟

ص:47


1- (1) أمالي الصدوق: 45..
2- (2) وسائل الشيعة: 410:8..

باسمهِ جلّت أسماؤه: الغرض الأساس للمنبر الحسيني الشريف ومواكب العزاء المعظّمة هو إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام من خلال إثارة مظلوميّتهم ومآسيهم، وبيان قيمهم ومبادئهم، وعليه فإن كان الموضوع السياسي ذا أبعاد شرعيّة ودينيّة - وليس موضوعاً سياسيّاً محضاً - صحّ تناوله على ضوء الموازين الشرعيّة، وإلّا فلا.

85 - هل من الراجح اصطحاب الأطفال إلى مجالس التعزية أو إلى مجالس الفاتحة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا مانع من اصطحاب الأطفال لتلك المجالس، بل هو حسن وراجح؛ ليعتاد الطفل الحضور في مثل هذه المجالس، وينمو حسّه الديني من ناحية، وحسّه الاجتماعي من ناحية اخرى.

86 - لقد عزمت على تأسيس حسينيّة باسم مولاتي السيّدة رقيّة عليها السلام

ولكنّ البعض أشار علَيَّ بعدم تأسيس الحسينيّة بحجّة أنّ كثرة الحسينيّات تؤدّي إلى التفرقة بين أفراد المجتمع فما رأي سيّدنا سماحة المرجع بذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ممّا أقطع به أنّ تأسيس الحسينيّات إن لم يكن أداة للتلاحم والاجتماع، فلا أقلّ من أنّه لا يمكن أن يكون أداة للتفريق والتمزّق، والذي أفتي واُدين اللّه تعالى به: أنّ تأسيس الحسينيّات، وتسميتها بأسماء أبناء الأئمّة عليهم السلام من الشعائر المذهبيّة الراجحة.

87 - نلمس في المنطقة التي نعيش فيها - وهي إحدى مناطق القطيف - ظاهرة ابتعاد

الشباب وغيرهم عن المساجد والحسينيّات والعلماء ونريد من سماحتكم كلمة توجّهونها إلى أبنائكم الشباب فهل يمكنكم التفضّل بذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السلام عليكم وعلى مَن حولكم من الشباب المؤمن الخيّر من عموم أهالي مدينة القطيف (حفظهم اللّه تعالى).

ص:48

وبعد: فيؤسفنا ما نقلتموه من ابتعاد الشباب وحتّى الآباء - في منطقتكم - عن العلماء والمساجد والحسينيّات، مع أنّ هذه المنارات الثلاث هي مصادر الوعي الديني والثقافة المذهبيّة، وبالتالي فإنّ الابتعاد عنها موجب لصيرورة الإنسان في معرض الانحرافات الفكريّة والسلوكيّة والروحيّة، فنهيب بالجميع أن يرتبطوا بعلماء الدين الصلحاء الحكماء في المنطقة، ويعمّقوا صلتهم بالمساجد والحسينيّات التي هي مراكز الإشعاع الفكري والروحي.

كما نهيب بالآباء أن يحثّوا أبناءهم أيضاً على ذلك، راجين منهم المسارعة للاستجابة، داعين لهم مرّة اخرى بالهداية وحسن الخاتمة، طالبين منهم الدعاء لنا في مظانّ الإجابة.

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

شعيرة اللطم.

88 - ما حكم العزاء الشديد الموجب لاسوداد الصدر

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العزاء الشديد الموجب لاحمرار الصدر أو اسوداده، جائز بل راجح، ولا ترديد في كونه من الشعائر الحسينيّة المباركة.

89 - هل يجوز نزع اللباس وتعرية الصدور من أجل اللطم على الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام في مسيرات العزاء الحزينة التي تجري في الشوارع والأسواق

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، يجوز لهم ذلك، ولو كان ذلك بمرأى النساء، ولكن لا يجوز للنساء النظر إليهم.

90 - ماذا تقولون في مواكب اللطم في ذكرى امّ البنين هل هي بدعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مَن قال بأنّ ذلك بدعة لم يفهم معنى البدعة، والصحيح أنّ ذلك من الاُمور الراجحة والطاعات المستحبّة.

ص:49

91 - هناك مَن يمنع من إقامة المواكب في ذكرى امّ البنين بحجّة أنّها ليست من المعصومين عليهم السلام فما هو رأيكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لو كان الجواز مختصّاً بالمعصومين عليهم السلام لما جازت إقامة العزاء للعبّاس بن عليّ، وعليّ الأكبر، والسيّدة زينب عليهم السلام وأضرابهم من شهداء الطفّ وأبطال كربلاء، وليس يتفوّه بذلك أحدٌ من عامّة الشيعة، فضلاً عن علمائهم، وكلّ ما دلّ على الاستحباب بالنسبة لهؤلاء عليهم السلام يدلّ على الاستحباب بالنسبة لهذه المرأة المعظّمة من غير فرق، وإنّي لأدعو لمقيمي هذه المواكب، وأسألهم الدعاء لي بحسن العاقبة.

92 - ما هو رأيكم باللطم على الصدور

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: اللطم على الصدور في مستحبٌّ راجح، ولو أفتى أحد بوجوبه في الجملة لم يكن وجه للاعتراض عليه.

93 - هناك مَن يقول: بأنّ عزاء الطويريج الذي يقام في العاشر من محرّم في كربلاءالمقدّسة بدعة فهل كلامه صحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شكّ في كون العزاء المذكور من الشعائر الحسينيّة المباركة، والقائل بكونه بدعة لم يفهم معنى البدعة.

شعيرة عزاء الزنجيل.

94 - هل الضرب بالسلاسل جائز أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم جائز، بل حسن وراجح في عزاء الأئمّة عليهم السلام، سيّما سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام، ولست ابالغ لو قلت: بأنّه من أفضل القربات.

95 - هل يوجد دليل شرعي ينصّ على استحباب الضرب بالزنجيل والقامة

ص:50

في مراسم العزاء الحسيني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه الاُمور في أنفسها جائزة، وفي مراسيم العزاء الحسيني تُعدّ من الشعائر الحسينيّة التي بها بقاء الدين الحقّ، وهي مستحبّة قطعاً، ولست أقول بأنّها واجبة بالوجوب الكفائي، ولكن مع ذلك لا اخطّئ مَن قال بذلك.

96 - نحن شباب نقود وننظّم موكب الزنجيل في شهر محرّم ويوم أربعين الإمام الحسين عليه السلام

، فهل يجوز إخراج موكب الزنجيل في وفاة الإمام زين العابدين عليه السلام ووفاة السيّدة زينب حزناً لما جرى عليهما في كربلاء؟ وهل هناك إشكال في تعميمه لسائر شهادات المعصومين عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في خروج موكب الزنجيل في مناسبات شهادة سائر المعصومين عليهم السلام، وكذا في وفاة الصدّيقة الكبرى زينب، بل الصحيح أنّه - زائداً على الجواز - حسن وراجح، ومن الشعائر التي أمرنا اللّه تعالى بتعظيمها بقوله: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(1).

97 - ما حكم ضرب الظهور بالسلاسل ذات السكاكين في عزاء الإمام الحسين عليه السلام

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال فيه، إلّاأن يؤدّي إلى هلكة النفس، أو يوجب ضرراً معتدّاً به.

98 - ما هو حكم استخدام الزنجيل في مواكب عزاء أهل البيت عليهم السلام أجمعين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شبهة في جوازه، بل هو كالتطبير مستحبّ وراجح، ولا ترديد في كونه من الشعائر الدينيّة المباركة.

ص:51


1- (1) الحجّ 32:22..

شعيرة التطبير.

99 - هل التطبير حلال أم حرام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير غير الموجب لهلاك النفس في نفسه جائز، وفي عزاء الإمام الحسين عليه السلام من أحسن العبادات، ومن أبرز الشعائر الحسينيّة المؤثّرة في ديمومة الإسلام.

100 - ما هو الدليل على جواز التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير من حيث هو - مع قطع النظر عن كونه من الشعائر الحسينيّة - جائز، ومأمور به بعنوان الحجامة، فقد جاء في روايات كثيرة أنّ موضع الحجامة في بعض صورها هو نفس موضع التطبير، أضف إليه أنّه لا منشأ لتوهّم عدم الجواز إلّاما دلّ على حرمة الإضرار بالنفس، ولكنّه لا إطلاق له حتّى يشمل الضرر الذي لا يوجب هلاك النفس أو تعطيل عضو من الأعضاء.

هذا مضافاً إلى أنّ التطبير - بنظرنا - من الشعائر الحسينيّة، وبذلك يكون من أعظم المطلوبات الشرعيّة.

وبالجملة: فإنّ التطبير في مقام إبراز الحزن والتوجّع لفاجعة الطفّ، وبقصد إعلان الشعائر الحسينيّة، يكون راجحاً رجحاناً مؤكّداً، بل فوق الرجحان؛ لأنّ بقاء الإسلام إنّما هو بثورة الإمام الحسينء عليه السلام، واستمرار الثورة إنّما هو بالشعائر الحسينيّة التي اعتادت الشيعة على إقامتها، ومن أبرزها التطبير.

101 - ما هو وجه إفتاء سماحتكم بجواز التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأصل في الأشياء هو الإباحة، ولا يمكن تحريم شيء إلّااستناداً لدليل شرعي معتبر، وعليه فكلّ ما لا ينطبق عليه أحد العناوين المحرّمة فهو جائز ومباح.

ص:52

وأمّا التطبير فهو - مضافاً إلى جوازه في نفسه - من أفضل المستحبّات؛ نظراً لما ينطبق عليه من عناوين اخرى راجحة، والتي منها أنّه تعظيم لشعائر اللّه تعالى شأنه، فهو راجح ومستحبّ، ووسيلة من الوسائل الحسينيّة، وباب من أبواب سفينة النجاة.

ولنِعم ما أفاده بعض الأعاظم قدس سره حيث قال: «إنّ في التطبير وغيره ممّا يصنع في مقام تعزية الإمام الحسين عليه السلام جواباً لنداء الإمام الحسين عليه السلام: هل من ناصر ينصرني».

بل لو أفتى فقيه متبحّر بوجوب التطبير وغيره من الشعائر وجوباً كفائيّاً في مثل هذه الأيّام، التي صمّم فيها جمع من مرضى النفوس على إطفاء نور أهل البيت عليهم السلام، لم تحسن تخطئته.

102 - هل تعتبرون التطبير من الشعائر الحسينيّة؟ وماذا عن دعوى كونه موهناًللمذهب في ظلّ تشنيع المخالفين علينا به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شكّ في كون التطبير من الشعائر الحسينيّة، وهو في نفسه جائز، وبانطباق عنوان الشعيرة عليه يصير مطلوباً ومحبوباً شرعاً، وتشنيع أعداء المذهب على المذهب الشيعي لا يكون مانعاً عنه، فقد أمر اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه و آله بعدم الاعتناء بالتشنيع على الوظائف الشرعيّة، حيث قال تعالى:

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواًوَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَعْقِلُونَ (1).

103 - ما هي فلسفة التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير تعبير عن المواساة لسيّدة الشهداء أبي عبداللّه الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام، وتعظيم لشعائر الدين، وإحياء لذكرى سيّد

ص:53


1- (1) المائدة 58:5..

الشهداء عليه السلام، وإبراز لروح التضحية والفداء التي ينبغي أن يظهر بها الفرد المؤمن بين يدي إمام العصر وسلطان الزمان (أرواح مَن سواه فداه).

104 - يدّعي البعض أنّ التطبير عادة دخيلة على المذهب

وقد رفضها العلماء الأعلام والذي لم يرفضها سكت خوفاً من إهانة العوام فما هو رأيكم الشريف في ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير عند مشهور علماء الطائفة قدس سرهم جائز، بل مستحبّ، وهو عندنا من أكثر المستحبّات ثواباً، ولا ترديد في كونه من الشعائر الحسينيّة المباركة.

105 - البعض يدّعي أنّ التطبير يشوّه سمعة الإسلام لدى الديانات الاُخرى فما هورأيكم الشريف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير - كما نعلم - من أكثر الشعائر الحسينيّة إلفاتاً لأنظار أصحاب الديانات الاُخرى للتشيّع، فهو أداة إعلاميّة كبرى ينبغي استثمارها لإبراز التشيّع للعالم.

ودعوى تشويهه للمذهب قد تكون لها واقعيّة عند اولئك الذين ينظرون للتشيّع بعين واحدة، وأمّا عقلاء العالم فإنّ التطبير يبعث روح الاستفهام عندهم عن فلسفته وأسراره، ومتى ما أحاطوا علماً بفلسفته أكبروه ونظروا إليه بعين التقدير والاحترام، ولعلّه يكون سبباً لهدايتهم وفوزهم.

106 - ما هو وجه إصراركم على الإفتاء باستحباب التطبير وأمثاله من الشعائرالحماسيّة رغم أنّها قد توجب الضرر وإهانة المذهب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه الشعائر تعبير عن التأثّر والحزن على ما جرى لسيّد شباب أهل الجنّة وأهل بيته الأطهار عليهم السلام في كربلاء، وهي تهدف إلى التأسّي ببعض ما عانوه، وفي ذلك إحياء لأمرهم وتذكير بمصابهم، وقد ورد

ص:54

عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أحيوا أمرنا رحم اللّه مَن أحيا أمرنا» (1) ، كما أنّها من الشعائر الدينيّة وقد قال اللّه تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ.

وكلّ مَن يدّعي أنّها موجبة لإهانة المذهب، نحن ندّعي في مقابله أنّها موجبة لإعزاز الدين وترسيخه، وأمّا دعوى كونها موجبة للضرر، فليس الضرر المحرّم إلّا ما أوجب تلف عضو من الأعضاء، أو هلكة النفس، وليس يوجب التطبير شيئاً من ذلك، ولو أوجبَ ذلك حرم.

وبالجملة: فإنّ اللطم على الصدور والضرب بالسلاسل والتطبير بشرط عدم الوقوع في الهلكة، من مصاديق تعظيم شعائر اللّه، وإحياء الدين والإسلام، ومن المستحبّات الأكيدة، ولا يخالف في ذلك أحد إلّامَن في قلبه مرض أعاذنا اللّه تعالى منه، أو مَن اشتبه عليه الأمر.

107 - ما هو حكم التطبير في زماننا هذا حيث لا يمكن تفهيمه للمخالفين في المذهب أو الديانة

من جهة عدم قابليّتهم لإدراك أهداف أهل العزاء والمصيبة من هذا العمل بحيث أصبح التطبير حاليّاً مورداً للتهمة والإفتراء على الشيعة ووهناً على المذهب حتّى أنّ بعض أعداء المذهب الإمامي قد قام بتوزيع أشرطة فيديو وصور للمطبّربن وأنشأوا بعض المواقع على شبكة الانترنت لعرض صور للمطبّرين بهدف تشويه المذهب الإمامي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بعد شكرنا الجزيل لغيرتكم على الدين، نقول: إنّ التطبير جائز، بل حسن وراجح، وهو من جملة الشعائر الدينيّة المباركة، ما لم يؤدِّ إلى ضرر معتدّ به للمطبّر.

وأمّا إشكاليّة كونه مورداً للتهمة والإفتراء على الشيعة: فإنّها ليست بالأمر الجديد أوّلاً، وليست تنفي عنه صفة كونه من الشعائر الدينيّة ثانياً.

ص:55


1- (1) وسائل الشيعة: 20:12..

وثالثاً: فإنّ هذا الإشكال يمكن أن يثيره غير المسلمين على كثير من الواجبات الدينيّة، كالطواف حول الكعبة، والسعي ورمي الجمرات، وغيرها، ولو تمّ التسليم به للزم القول بعدم كون هذه المناسك من شعائر اللّه، وعدم رجحان الإتيان بشيء منها، وهل يجرء مسلم أن يتفوّه بذلك؟!

وبما ذكرناه يتّضح أنّ هذه التهم لا تحوّل التطبير - بما هو شعيرة من الشعائر - من أمر جائز ومستحبّ إلى غير ذلك، حاله في ذلك حال بقيّة الشعائر الدينيّة المباركة.

108 - ما هو حدّ الضرر الموجب لحرمة التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شبهة في أنّ التطبير من الشعائر الحسينيّة المستحبّة، والضرر المتوهّم له إن كان يُراد به الإدماء فهو - زائداً على عدم كونه ضرراً منهيّاً عنه - من مصاديق الحجامة المأمور بها، وعلى فرض صدق الضرر عليه فإنّ مطلق الإضرار بالنفس ليس محرّماً، إلّاأن يؤدّي التطبير إلى هلكة النفس، وعلم بذلك المطبّر قبل التطبير، فإنّه لا يجوز حينئذٍ، ويكون المحرّم في الحقيقة هو إهلاك النفس لا التطبير.

109 - ما هو حدّ التطبير بمعنى كيفيّة الضربة وكمّيّة مقدار الدم المُخرج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير حالة تعبيريّة عن المشاعر تجاه سيّد الشهداء عليه السلام، وهو راجع لطاقة كلّ شخص وقدراته، وبالتالي فإنّه لا حدّ له إلّاأن يصل إلى الحدّ المحرّم، وهو استلزامه للضرر غير المحتمل عرفاً، أو أداؤه إلى التهلكة.

110 - أنا دكتور مختصّ ولقد اطّلعت على فتواكم بخصوص التطبير وجوازه ما دام لا يؤدّي إلى الهلاك

، ونحن نعلم وإيّاكم أنّ الكثير من أمراض العصر ممّا ينتقل عن طريق الملامسة والدم ومنها أمراض توجب الهلاك الحتمي كمرض الإيدز أو مرض التهاب الكبد الوبائي وبما أنّ المطبّرين يكونون قريبين من بعضهم البعض،

ص:56

وربّما تطايرت الدماء من بعضهم وسقطت على الآخرين فتؤدّي إلى نقل العدوى لهم ولو كانت بكميّات قليلة وغير مرئيّة فما هو رأي سماحتكم بهذا الخصوص؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لقد أشرنا في غير واحد من أجوبتنا إلى مسألة التطبير وأهمّيّتها باعتبارها مَعلماً بارزاً من معالم إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام الذي أحيا بدمه دين جدّه صلى الله عليه و آله، وقلنا: إنّها من أفضل المستحبّات؛ لما فيها من تعظيم شعائر اللّه.

وأمّا ما ذكرتم من احتمال مبنيّ على كلمة (ربّما) فإنّه لا يصلح لتغيير الحكم الذي أشرنا إليه، خاصّة وأنّه من الثابت طبّيّاً وشرعيّاً حسن وفائدة حجامة الرأس، والتي يتطابق موضعها مع موضع التطبير، فالفائدة الطبّيّة محقّقة من التطبير إضافة إلى الناحية الشرعيّة، ولم تظهر من خلال التتبّع ولا حالة لآثار سلبيّة حصلت من التطبير، ولو صلح احتمال (ربّما) ليكون أساساً للتحريم لما بقي شيء حلال؛ إذ كلّ عمل عبادي تأتي فيه كلمة (ربّما).

111 - هل كان أئمّتنا عليهم السلام يمارسون شعيرة التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير من الشعائر الحسينيّة التي بها قوام الدين، ومن أوكد العبادات الدينيّة، والأئمّة عليهم السلام وإن لم يصلنا أنّهم مارسوا هذه الشعيرة - كما لم يصلنا أنّهم مارسوا غيرها سوى بعض الشعائر - إلّاأنّهم بيّنوا الضابطة الدالّة عل رجحان هذه الشعيرة وغيرها.

112 - هل التطبير حرام أم حلال؟ وما حكم النظر له أو السمع؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير حلال، بل مستحبّ، والنظر له واستماعه جائزان.

113 - شاعت في السنوات الأخيرة ظاهرة التبرّع بالدم في يوم عاشوراء

وادّعى الكثير من المؤمنين أنّها من الشعائر الحسينيّة، فهل يعدّ التبرّع بالدم شعيرة حسينيّة

ص:57

أم هو عمل إنساني فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التبرّع بالدم لمن يحتاج إليه من الأعمال الحسنة بلا ريب، سيّما إذا كان سبباً لحياة إنسان وعدم هلاكه، ولكنّه ليس من الشعائر الحسينيّة، والذي هو من الشعائر الحسينيّة ليس إلّاالتطبير والإدماء المعروف، ودعوى كون التبرّع بالدم من جملة الشعائر قد تبنّاها بعض الأشخاص لأجل محاربة شعيرة التطبير، فلا ينبغي الإصغاء لها.

114 - هل يجوز التبرّع بالدم للجمعيّات التي تهدف للقضاء على مواكب التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المكلّف جازماً ومتيقّناً بأنّ هدف تلكم الجمعيّات - من تبنّيها لمشروع التبرّع بالدم - هو محاربة شعيرة التطبير، لم يجز له دعمها والتبرّع لها؛ إذ كلّ عمل يحول دون تحقّق الشعيرة الحسينيّة عمل محرّم شرعاً.

115 - هل التبرّع بالدم في يوم عاشوراء بدعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو أمر حسن في حدّ ذاته، إلّاأن يقصد به محاربة شعيرة التطبير.

116 - أيّهما أهمّ وأفضل: التطبير أم التبرّع بالدم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير أهمّ وأفضل، إلّاأن يترتّب على التبرّع بالدم حفظ النفس المحترمة عن الهلكة، ففي خصوص هذا المورد يكون التبرّع بالدم أفضل.

117 - إذا أراد الشخص أن يطبّر، وكان والده يعارض ذلك، فما هي وظيفته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان والده ينهاه عن التطبير، ويتأذّى بسبب تطبيره، لم يجز له فعل ذلك.

ص:58

118 - هل للأب ولاية على الولد الصغير، بأن يجرح رأس ولده حتّى يخرج الدم (التطبير؟ وماذا لو كان الولد صغيراً جدّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تطبير الآباء لأبنائهم - زائداً على جوازه - عمل حسن وراجح، بشرط أن لا يترتّب عليه هلاك النفس أو نقص عضو من الأعضاء أو شلله.

119 - هل يجوز لوليّ الطفل الصغير غير المميّز أن يطبّر له في موكب التطبير؟

أم لا يجوز له ذلك لعدم شمول الولاة لهذا الأمر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا لم يكن تطبير الصبيّ موجباً لأذيّته - أذيّة يحرم إيرادها عليه - جاز تطبيره.

120 - هل يجوز التطبير ليلة شهادة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين وجميع الأئمّة عليهم السلام مواساة لهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما دلّ على جواز التطبير بالنسبة للإمام الحسين عليه السلام يدلّ على جوازه - بل استحبابه - بالنسبة لجميع المعصومين عليهم السلام بلا استثناء.

121 - هل يجوز طرد ومنع وإهانة موكب حسيني بحجّة أنّ المشاركين فيه ممّن يطبّرون أو يؤيّدون التطبير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطبير حسن ومن الشعائر، فلا يجوز طرد ومنع وإهانة موكب المطبّرين أو المؤيّدين للتطبير، بل عليكم إكرامهم واحترامهم، واطمئنّوا أنّ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءتسأل اللّه تعالى أن يثيبكم في الدنيا والآخرة.

122 - إنّنا شباب من البحرين قد نزلت بنا مشكلة أوجبت تمزّق الطائفة

، وذلك بسبب وجود مجموعة قامت بالتطبير في اليوم العاشر من المحرّم الحرام مواساة لسيّد الشهداء عليه السلام وفي قبالهم مجموعة اخرى من الشباب قامت بمواجهتهم

ص:59

وتسقيطهم وتفسيقهم ومقاطعتهم فهل يجوز الوقوف موقف هؤلاء الذين يواجهون التطبير أم لا يجوز؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال ولا شبهة في أنّ التطبير في يوم العاشر أو ليلته من أهمّ الشعائر وأوكد السنن، وليست تصحّ مواجهة القائمين به، وصدّهم عن طاعة اللّه تعالى من طريقه، بل ينبغي تأييدهم ودعمهم، وإنّي لأتحسّر جدّاً لعدم توفيقي لإحياء هذه الشعيرة المباركة، ولكنّني احبّ الشباب المطبّرين، وأسأل اللّه تعالى أن يحشرني معهم.

123 - هل مسألة جواز التطبير خلافيّة بين العلماء؟ وإذا كانت كذلك فهل يجوز لناذكر العلماء الذين يختلفون معكم في الفتوى بسوء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ المشهور من الفقهاء أصحاب الفتوى هو القول بكون التطبير من الشعائر، وأمّا مَن يخالف في الرأي من أهل الاجتهاد والفتوى فلا يجوز أن يذكر بسوء، إن كان مأموناً لاحتمال الاشتباه في حقّه.

124 - هل يجوز لنا مناقشة العلماء الذين يختلفون معكم في الفتوى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: النقاش في تشخيص الموضوعات جائز، ولكنّ مَن يناقش عليه أن يمتلك مؤهّلات النقاش.

125 - هل يجوز لنا مناقشة العوام الذين يقلّدون مَن يختلفون معكم في الفتوى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عندما يكون التزامهم بعمل أو قيامهم به نتيجة تقليدهم للفقيه الجامع للشرائط، فلا معنى لنقاشهم في ذلك.

126 - هل يجب علينا إقناع العوام الذين يقلّدون مَن يختلفون معكم في الفتوى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّا، إذ مَن يقلّد شخصاً ثبتت لديه أعلميّته وتقواه وأهليّته للمرجعيّة، غاية ما يقال في حقّه: إنّه مشتبه في هذا المورد، وهذا لا يوجب إرجاعه عن تقليده، ولكن تجوز مناقشته في ذلك؛ لأنّه من

ص:60

الموضوعات، وليس من الأحكام.

127 - كيف ينبغي أن يكون النقاش في هذه المسألة؟ وما نصيحتكم للشباب في هذاالجانب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نصيحتي للشباب وغيرهم إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام بأي نحو يتمكنون منه، من الضرب بالسلاسل واللطم على الصدور والتطبير، توأماً مع العمل بالوظائف الفرديّة من الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قال:

«الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» (1).

شعيرة ارتداء السواد.

128 - ما هو رأيكم في لبس السواد حزناً على الإمام الحسين عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في كون ارتداء الأسود من الثياب من مصاديق الشعائر الحسينيّة المباركة، فهو مستحبّ راجح، وإنّي لأحمد اللّه تبارك وتعالى على توفيقي لإحياء هذه الشعيرة منذ أوّل يوم من أيّام شهر محرّم حتّى اليوم الثامن من شهر ربيع الأوّل، عملاً برواية أحمد بن إسحاق، وتأسّياً بالسلف الصالح من علماء الطائفة.

129 - هل يجوز لبس السواد في أحزان المعصومين عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأظهر هو جواز لبس السواد في نفسه، والدليل الدالّ على كراهته قاصرٌ عن الشمول لغير زمان صدوره، وأمّا ارتداؤه في أحزان المعصومين عليهم السلام فلا إشكال في محبوبيّته ورجحانه.

ص:61


1- (1) مدينة المعاجز: 52:4..

شعيرة الزيارة.

130 - هل يجوز الخروج لزيارة كربلاء المقدّسة مع احتمال الضرر من قِبل بعض النواصب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تجوز زيارة الإمام الحسين عليه السلام، بل تستحبّ، حتّى مع القطع بالضرر، فضلاً عن احتماله، إن كان الضرر غير هلاك النفس.

131 - هل يجوز ذهاب المرأة سيراً على الأقدام لتأدية زيارة الأربعين في كربلاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات الكثيرة المتضمّنة لترتّب الثواب على المشي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام لا تختصّ بالرجال، بل هي بإطلاقها شاملة للمرأة أيضاً، فيستحبّ للنساء المشي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام كما يستحبّ للرجال.

المشي على الجمر.

132 - ظهرت لدينا مؤخّراً عادة المشي على الجمر أيّام عاشوراء وقد تناهى إلى أسماعنا بأنّ سماحتكم تجوّزون ذلك فهل ما نُسب إلى سماحتكم صحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا دليل على المنع، والأصل هو الجواز، سيّما مع عدم كونه موجباً للألم أو الحرق المعتدّ بهما، فما تناهى إلى أسماعكم صحيح لا غبار عليه، وهو ما ندين اللّه تعالى به.

موكب التشبيه.

133 - نحن مجموعة نذرت نفسها لخدمة أهل البيت عليهم السلام في كلّ المجالات والأنشطة الإسلاميّة

، ونشر الوعي الإسلامي الشيعي وكان من هذه الاُمور إنشاء موكب للأطفال والنساء وتعليمهم ورعايتهم وتوجيههم لخدمة أهل البيت عليهم السلام والسير على نهجهم ودربهم ومن هذا المنطلق فإنّنا عوّدناهم على الخروج بموكب

ص:62

حسيني في كلّ مناسبة عزاء للمعصومين عليهم السلام، وكذلك الاحتفال بكلّ الاحتفالات الدينيّة، وبمناسبة قرب محرّم الحرام لعام 1423 ه فإنّنا وجّهناهم إلى عدّة امور: منها تسيير موكب حسيني، إصدار مجلّة جداريّة تحتوي على سيرة وموقف ورسم وغيرها، وتعليق السواد، والتشبيه، والتمثيل، مع ملاحظة أنّ كلّ هذه الإصدرات والأعمال من تفكير وترتيب الأطفال - ما عدا التوجيه من الكبار - باستعانة مباشرة من رجال الدين وعلى رأسهم سماحتكم، ومن هنا جاء السؤال في شرعيّة هذه الأعمال، فنحن عندما نخرج بهذا الموكب المتضمّن للتشبيه، فإنّه تخرج النساء للمشاهدة، وفي خروجهنّ لمسنا أمراً وهو التأثّر والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام وما جرى على أهله الأطائب، فهل هذا جائز، مع العلم أنّه توجد مراعاة للحجاب وعدم الاختلاط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في ذلك، وهنيئاً لكم توفيقكم لخدمة سيّد الشهداء عليه السلام، فإنّ العمل على إحياء ذكراه بكلّ ما فيها من مآسٍ أصابت أهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله من أفضل الشعائر المذهبيّة، وأعظم المستحبّات الدينيّة، وقد قال اللّه تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(1).

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

«أحيوا أمرنا رحم اللّه مَن أحيا أمرنا» (2) ، وفي ذلك من الأجر الكبير ما لا يحصيه إلّااللّه تعالى، فاحرصوا على استمرار عملكم الجهادي هذا خالصاً لوجه اللّه تعالى، لتنالوا بذلك شرف الدنيا والآخرة.

الشعارات الحسينيّة.

134 - ما تأثير الشعارات الحسينيّة مثل (يا لثارات الحسين) على نفوس المسلمين

، حيث يدّعي البعض أنّها مثار للحزازيّات بين الشيعة والسنّة وموجبة

ص:63


1- (1) الحجّ 32:22..
2- (2) وسائل الشيعة: 20:12..

لتربيتهم على روح العنف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشعارات الحسينيّة لها أهداف مختلفة، وأحد أهدافها تأجيج الروح الثوريّة في نفوس الشيعة تجاه قتلة سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، والراضين بقتله، وليس هؤلاء سوى النواصب الذين يتبرّأ منهم جميع المسلمين شيعة وسنّة؛ ولذلك لم نجد أحداً يخشى من هذه الشعارات سوى من مُلئت قلوبهم ببغض الحسين عليه السلام وحبّ يزيد بن معاوية.

ص:64

الفصل الثالث: أسئلة وأجوبة في العلوم الإسلاميّة

اشارة

ص:65

ص:66

علم العرفان

135 - ما هي قيمة علم العرفان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرفان الحقيقي ليس إلّامعرفة اللّه تعالى وأوليائه، والسير على نهجهم، والأخذ بدينهم، وأمّا ما سوى ذلك فهو مجرّد وهم وسراب لا قيمة له؛ ولذا فإنّ بعض مَن ادّعي له الوصول إلى أعلى مراتب السلوك والمكاشفة، لم يزدد - بابتعاده عن معين أهل البيت عليهم السلام - إلّاضلالاً وانحرافاً، وشواهدنا على ذلك كثيرة، ويكفي منها ما ادّعاه (ابن العربي) من أنّ الرجبيّين قد شاهدوا الشيعة في مكاشفاتهم بصورة الخنازير، فراجع مقدّمة كتاب نقد النصوص للجامي: الصفحة 34، ومثل ذلك كثير.

136 - ما هو علم العرفان الصحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرفان عند أهل البيت عليهم السلام عبارة عن: معرفة اللّه تعالى، ومعرفة رسوله وحججه (صلوات اللّه عليهم)، ومعرفة ما جاؤوا به من العقائد والأخلاق والأحكام، التي تبعث الإنسان على الالتزام بأوامر اللّه تعالى والانتهاء عن نواهيه، وتطهير النفس من الرذائل، وتحليتها بالفضائل، من خلال الطرق الشرعيّة، وبعيداً عن الطرق المنحرفة والملتوية، التي ابتدعها بعض الجهلة من المتصوّفة، وأصحاب الرياضات الباطلة.

137 - ما المقصود بالعرفان؟ وهل تبنّاه علماء الإماميّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرفان الحقيقي هو المتّخذ من آيات القرآن

ص:67

والأحاديث المرويّة عن المعصومين عليهم السلام، وهو الذي أشار إليه الإمام الباقر عليه السلام بقوله:

«إنّما يعرف اللّه (عزّ وجلّ) ويعبده مَن عرف اللّه وعرف إمامه منّا أهل البيت» (1) ، والمستفاد منه أنّ معرفة الإمام وسيلة للهداية إلى اللّه تعالى بعد معرفة الأنبياء عليهم السلام، وبذلك يظهر أنّ العرفان الحقيقي هو عرفان اللّه تعالى عن طريق عرفان أهل البيت عليهم السلام، وأمّا العرفان المصطلح عند الصوفيّة فهو ليس عرفاناً إسلاميّاً، وللكلام في المقام مقام آخر لا يسعه المجال.

138 - هل العرفان العملي منهج صحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرفان العملي الصحيح هو العمل بالوظائف الشرعيّة من الإتيان بالواجبات والمستحبّات، وترك المحرّمات والمكروهات، التي نصّ عليها المعصومون عليهم السلام، وأمّا ما سوى ذلك فإنّه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

139 - ما هو موقفكم من العرفان؟ وما هي حدوده في الشريعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرفان الشرعي الحاصل من طريقه الصحيح المرويّ عن المعصومين عليهم السلام - وضابطته الاعتقاد بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام، والعمل بالوظائف الشرعيّة فعلاً وتركاً - أمر حسن لا ريب فيه، وأمّا العرفان بما له من المعنى المصطلح فهو مبنيّ على جملة ممّا نهى الشارع عنه، وبالتالي فلا قيمة له.

140 - ما هو الفرق بين العلوم الروحانيّة والعرفان؟

وهل العرفان يُمكّن النفس من الأفعال الغريبة والسيطرة على الإنس والجنّ كما تُمكّن من ذلك العلوم الروحانيّة؟ وهل يمكن أن تدلّونا على استاذ في العرفان في دولة الكويت؟

ص:68


1- (1) الكافي: 180:1..

باسمهِ جلّت أسماؤه: علم العرفان هو علم الطريق إلى اللّه سبحانه، وأمّا علم الروحانيّات فهو العلم الجامع بين العلوم الغريبة - كالسحر والرمل والشعوذة والنجوم ونحوها - والذي يعتمد بالدرجة الاُولى على بعض الحسابات والطلسمات، والفرق واضح بين العلمين.

والذي تدلّ عليه بعض الروايات أنّ العارف باللّه بالعرفان الحقيقي يكون له نحو سلطة وسيطرة على بعض المخلوقات من الإنس والجنّ وغيرها، ويشهد لذلك الحديث القدسي المشهور:

«عبدي أطعني حتّى أجعلك مَثَلي أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون» (1).

ومن المؤسف له أن أكثر مَن يروّجون لهذا العلم في زماننا لا حظّ لهم منه، وإنّما هم مجموعة من المزيّفين الذين أفلسوا من العلم والعمل، فتقنّعوا بقناع العرفان إيهاماً للناس وخداعاً لعقولهم.

141 - ما هو رأي سماحة المرجع الروحاني بالأشعار العرفانيّة، هل تجوز قرائتها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا فرق بين الأشعار العرفانيّة وغيرها من ناحية جواز القراءة، إلّاأن تكون مشتملة على ما يخالف بظاهره الشرع من مضامين كفريّة وشركيّة، فتشكل قرائتها حينئذٍ.

142 - بما أنّنا لا يمكن أن نؤمن بشيء إلّامن طريق العقل فهل هناك نور غير نورالعقل - الذي امتنّ اللّه به على عباده

، وجعل بعثة أوليائه المخلصين لإيقاد جذوته وإحياء معالمه - يمكن تحصيل العلم من خلاله؟ وكيف يمكننا الاطمئنان لمن يقول بذلك مَن مدّعي الشهود الذين يصرّون أنّه نور خلاف العقل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العقل طريق من طرق العلم، والعلم قد يدرك

ص:69


1- (1) بحار الأنوار: 164:102..

بالعقل وقد يدرك بغيره، كما في علم الإنسان بصفاته النفسيّة كالجوع والعطش ونحوهما، فإنّه علم حضوري لدى النفس في مرتبتها الحيوانيّة ليس إلّا، وأمّا كون الشهود غير نور العقل فليس المراد منه إنّه شيء لا يصل العقل إلى إدراكه، بل المراد منه أنّ طريق اكتسابه ليس هو العلم النظري الحاصل عن طريق التعلّم الاعتيادي، وإنّما هو شيء يقذف في النفس فيجده الإنسان حاضراً عنده كحضور علمه بصفاته لديه.

143 - علماؤنا المتقدّمون - أمثال الشيخ الصدوق والكليني 0 - هل هم أهل فقه فقطأم عرفان أيضاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هم أهل فقه وعرفان حقيقي، وليسوا أهل عرفان صناعي بالنحو المصطلح عليه في زماننا.

144 - ماذا يعني اصطلاح الأعيان الثابتة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: (الأعيان الثابتة) اصطلاح يستخدمه العرفاء وبعض الفلاسفة، ويريدون به: الصور العلميّة للعالم، إذ أنّ اصطلاحهم قائم على تسمية العلم ب (الثابت)، وتسمية الوجود ب (العين)، فعندما يقولون: «الأعيان الثابتة» فإنّهم يقصدون من ذلك: الوجودات العلميّة، وعندما ينفون عنها الوجود، ويقولون: بأنّها ما شمّت رائحته، فإنّهم يقصدون من الوجود المنفي الوجود الخارجي في مقابل الوجود العلمي.

145 - ما هو الوجود المنبسط؟ وهل يشير إلى مقام نبيّنا الأكرم صلى الله عليه و آله؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الوجود المنبسط - والمُعبّر عنه في بعض الكلمات بالوجود الإطلاقي - يراد به: الصادر الأوّل الساري بمادّته في جميع الممكنات، والمنبسط على جميع الماهيّات.

وهو نفسه نور النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله؛ لقوله صلى الله عليه و آله - عندما سأله جابر بن عبداللّه

ص:70

الأنصاري: ما هو أوّل شيء خلقه اللّه تعالى؟ -: نور نبيّك - يا جابر - خلقه اللّه ثمّ خلق منه كلّ خير»(1).

146 - ما رأيكم في نظريّة وحدة الوجود؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المراد من وحدة الوجود: وحدة الوجود والموجود، فهو كفر بلا ريب، وإن كان المراد منه: أنّ الوجود حقيقة واحدة بسيطة، وإنّما الاختلاف في المرتبة، فهو قول كثر من الفلاسفة المسلمين، وليس ممّا يوجب الكفر؛ لأنّه يرجع بحسب اللبّ إلى الاعتراف بكثرة الوجود والموجود.

147 - هل يجوز الاقتداء في الصلاة بمن يقول بوحدة الوجود؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لوحدة الوجود معانٍ:

منها: أنّ الوجود حقيقة واحدة، ولا تعدّد في حقيقته، وأنّه كما يطلق على الواجب يطلق على الممكن، وحقيقة الوجود فيهما واحدة، والاختلاف إنّما هو بحسب المرتبة وأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام، والوجود الممكن في أنزل مراتب الضعف والنقصان.

ومنها: ما يقابل ذلك، وهو أن يقال بوحدة الوجود والموجود، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّاموجود واحد، وله تطوّرات متكثّرة واعتبارات مختلفة، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين قدس سره إلى بعض الجهلة من المتصوّفين.

ومنها: القول بوحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما، ويسمّى ذلك في اصطلاحهم بتوحيد أخصّ الخواصّ.

إذا عرفت ذلك، فإنّ الالتزام بوحدة الوجود بالمعنى الثاني كفر صريح وزندقة ظاهرة، ولكنّ الأوّل والأخير لا يوجبان الكفر.

ص:71


1- (1) بحار الأنوار: 22:25:24:15 و: 170:54..

وعليه: فتجوز الصلاة خلف مَن التزم بالمعنى الأوّل، وأمّا الملتزم بالمعنى الثاني فهو غير لائق بإمامة الصلاة بدون أدنى شكّ أو شبهة، وكذا لا تصحّ الصلاة خلف القائل بالمعنى الأخير؛ لأنّ القول به مستلزم لتوالٍ عقائديّه فاسدة.

148 - هل (وحدة الوجود) التي يقول بها العرفاء من علمائنا لها دخل في العقيدة واُصول الدين؟ أم هي مجرّد مفهوم خاطئ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: وحدة الوجود - بمعناها المقبول الذي يعتقده بعض الأكابر - ليست من اصول الدين ولا دخل لها في العقيدة.

149 - هل ترون كفر أو زندقة مَن يقول بوحدة الوجود والموجود؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: القول بوحدة الوجود والموجود، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلّاموجود واحد، ولكن له تطوّرات متكثّرة، وأنّه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق، كما أنّه في السماء سماء وفي الأرض أرض، وهكذا، نسبه صدر المتألّهين قدس سره إلى بعض الجهلة من المتصوّفين، والالتزام به كفر صريح وزندقة ظاهرة.

ص:72

علم الفلسفة

150 - هل صحيح أنّ الإسلام لا توجد فيه فلسفة ولا منطق،

وكلّ ما يسمّى فلسفة أو منطقاً إسلاميّين فهو عبارة عن ترجمة لفكر الإغريق والرومان الغريب عن الإسلام، كما يقول ذلك النصراني الماركسي جورج طرابيشي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المنطق والفلسفة علمان عقليّان خاضعان لاستدلالات العقل وبراهينه، وكثير من قواعدهما ممّا يدركه كلّ مَن له حظّ من العقل، غاية الأمر أنّه قد لا يحيط بالاصطلاحات الخاصّة بكلّ واحد من العلمين، فإنّ كلّ إنسان بعقله يدرك أنّ الإنسان واللإنسان - مثلاً - يستحيل اجتماعهما في شيء واحد، وإن لم يعرف أنّ ذلك هو ما يعبّرون عنه باستحالة اجتماع النقيضين، كما أنّ كلّ إنسان يدرك بعقله أنّ المتأخّر إذا كان متوقّفاً على المتقدّم فلا يمكن أن يكون نفس المتقدّم متوقّفاً عليه، وإن لم يعرف أنّ ذلك هو ما يعبّرون عنه بالدور الباطل، وهكذا.

وهذا لا يعني صحّة جميع مطالب العلمين المذكورين، بل فيهما الغثّ والسمين، فما قام البرهان على صحّته منهما قبلناه، وما قام على بطلان رفضناه.

151 - هل دراسة الفلسفة حرام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: دراسة الفلسفة ليست حراماً، بل قد تكون من الواجبات الكفائيّة فيما لو توقّف ردّ الشبه الفلسفيّة على ذلك، ولعلّ هذا السبب هو الذي أدّى لدراستها في الحوزات العلميّة.

152 - ما المقصود بالفلسفة الباطنيّة؟

ص:73

باسمهِ جلّت أسماؤه: الفلسفة الباطنيّة اصطلاح جديد اصطلحه بعضهم على المدارس الفلسفيّة الممزوجة ببعض العلوم الباطنيّة كالعرفان أو التصوّف، تمييزاً لها عن المدارس الفلسفيّة المحضة.

153 - ما هو الإمكان؟ وهل كلّ ما في الوجود سوى الواجب ممكن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ ما سوى اللّه تعالى ممكنٌ بالإمكانين الماهوي والوجودي، والمراد من الأوّل: خلوّ الماهيّة عن الوجود والعدم، وتساوي نسبتهما بالنسبة إلى كلّ منهما، والمراد من الثاني: تعلّق ذات الممكن بالغير وجوداً.

154 - هل يمكنكم إعطاؤنا فكرة مختصرة عن نظريّة (الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه القاعدة من جملة القواعد العقليّة الفلسفيّة، والمراد من الواحد الذي لا يصدر عنه إلّاواحد هو الواحد البسيط من جميع الجهات، والذي ليست في ذاته جهة تركيبيّة وكثرة، وقد برهن عليها في أغلب كتب الفلسفة، كما في نقد المحصّل للخواجه نصير الدين الطوسي(1) ، و مشارق الإلهام(2) لللاهيجي، و شرح الإشارات(3) ، وعلى هذا مذهب الحكماء والمعتزلة، وخالفهم في ذلك الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ الواحد البسيط يمكن أن يصدر عنه المتعدّد، كما في كتاب المواقف(4) ، و المباحث المشرقيّة(5).

155 - هناك مَن قال خلال بيانه لقاعدة (الواحد لا يصدر عنه إلّاالواحد) إنّ هذه

ص:74


1- (1) نقد المحصّل: 237..
2- (2) مشارق الإلهام: 206..
3- (3) شرح الإشارات: 122:3، 127..
4- (4) المواقف: 172..
5- (5) المباحث المشرقيّة: 460:1، 468..

القاعدة الفلسفيّة متحقّقة في الآية القرآنيّة: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (1) لأنّ اللّه سبحانه وتعالى بسيط الحقيقة، وكلّ بسيط ففعله واحد بسيط، فما معنى الواحدّة في الآية الكريمة، وهل تدلّ فعلاً على القاعدة المذكورة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا ربط للقاعدة المذكورة بالمقام، فإنّها إن سلمت فهي في خصوص العلل الطبيعيّة، لا في الفواعل الإراديّة، واللّه تعالى - الذي تتحدّث الآية المذكورة عن فعله - فاعلٌ بالإرادة، فهي مشمولة للقاعدة، وبالتالي فالآية أجنبيّة عنها.

وأمّا نفس الآية الكريمة فغاية ما يستفاد منها بقرينة ما سبقها وما لحقها من الآيات القرآنيّة: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلوُهُ فِي الزُّبُرِ(2) أنّ عذاب الكفّار على وفق الحكمة ولا محيص عنه بحسب الإرادة الإلهيّة؛ لأنّه من القدر المقضيّ، فمتى ما حان وقته وتحقّقت ساعته فلا مؤنة فيه عليه سبحانه؛ لأنّه يحقّقه بأمر واحد كلمح البصر.

156 - ما هو المقصود بمصطلح اللاهوت؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يطلق مصطلح (اللاهوت) على عدّة معانٍ:

منها: الروح.

ومنها: العالم أو خصوص العالم العلوي.

ومنها: عالم الذرّ الأوّل.

ومنها: الاُلوهيّة أو الخالق.

ص:75


1- (1) القمر 50:54..
2- (2) القمر 47:54-52..

ومنها: علم التوحيد، أو العلم الذي يبحث عن العقائد، أو فقل: العلم الذي يبحث عن وجود اللّه تعالى وصفاته وعلائقه بالعالم والإنسان، ويراد منه علم الكلام، أو علم الربوبيّة.

157 - ما هو العقل المجرّد؟ وهل الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في اصول الكافي حول جنود العقل وجنود الجهل كافية لتفسير العقل المجرّد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عُرّف العقل المجرّد بأنه: «الجوهر المفارق للمادّة في ذاته وفعله»، وقيل: بأنّه أوّل خلق من الروحانيّين - كما ورد في بعض الأحاديث - وأنّه أوّل صادر عن المبدأ.

وتحدّث الفلاسفة المعتقدون به عن خصائصه فقالوا: «إنّه روح النفس الناطقة، وحالة لها، ومتعلّق بها كتعلّق النفس بالبدن، وبإضائاته وإشراقاته تضيء النفس وتشرق وتبصر ما في عالم الملك والملكوت، وتعرف منافعها ومضارّها، فتطلب الأوّل وتجتنب عن الثاني، ولا بعد في هذا التعلّق لأنّه إذا جاز تعلّق النفس بالبدن مع المباينة بينهما في التجرّد والماديّة جاز تعلّق ذلك الجوهر بالنفس مع المناسبة بينهما في التجرّد بالطريق الأوْلى».

وبما أنّ الظاهر من حديث جنود العقل والجهل أنّ العقل حالة من أحوال النفس، فلا يبعد أن يكون المقصود به هو العقل المجرّد.

158 - هل من الممكن أن ينفكّ المعلول عن العلّة؟ وهل العلّة الفاعليّة والعلّة الغائيّة في ذلك سواء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يستحيل انفكاك المعلول عن علّته التامّة؛ للزوم محذور الخُلْف، والأمر بالنسبة للعلّة الفاعليّة في غاية الوضوح، فإنّها إذا تحقّقت - بوصف العلّيّة - لزم تحقّق معلولها، وأمّا بالنسبة للعلّة الغائيّة بوجودها العلمي فإنّها إذا تحقّقت أيضاً بوصف العلّيّة كان المعلول ملازماً لها.

ص:76

159 - لقد قرأت للشيخ الجليل محمّد حسين كاشف الغطاء قدس سره في كتابه (جنّة المأوى) هذه العبارة:

«وبالجملة: فالموجودات المجرّدة أو العقول الفعّالة (والمدبّرات أمراً) كما في لسان الشرع تمرّ على الزمان ولا يمرّ الزمان عليها، وتحكم على المادة ولا تحكم المادّة عليها، والمادّة التي تعلّقت بها كأجسامها العنصريّة الشريفة مقهورة لروحها المجرّدة، ويجري عليها حكم التجرّد فلا يعوقها عن الاتّصال بالملأ الأعلى فضلاً عن الأدنى عائق»، والمرجو منكم بيان المراد من كلامه (رفع اللّه في الخلد مقامه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لعلّ مراده قدس سره ما يشير إليه أرباب الحكمة من أنّ العوالم أربعة: عالم اللاهوت، وعالم الجبروت، وعالم الملكوت، وعالم الملك، وكلّ واحد من هذه العوالم مهيمن على ما دونه، وبالتالي فإنّ ما كان من سنخ المجرّدات فهو فوق المادّة والزمان والمكان، وما كان كذلك فلا ريب في أنّ له السلطنة حتّى على المادّة التي لها تعلّق به؛ لأنّ المادّة من عالم الملك والمجرّدات من عالم الملكوت، فتكون مسيطرة عليها بالضرورة.

160 - لقد قرأت للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (قدّست نفسه الزكيّة) في كتابه (الفردوس الأعلى) حين تكلّم عن العقل الأوّل هذه العبارة:

«فمن حيث تلعّقه بمبدأه صدر منه العقل الثاني ونال فيض الوجود، ومن حيث تعقّله لوجود ذاته خلق نفس الفلك الأعلى، ومن حيث تعقلّه لماهيّته وحدّه وإمكانه - وهذه الثلاثة عبارة عن معنى واحد - خلق جسم الفلك الأعلى وهكذا الكلام في العقل الثاني، وتلك الجهات والحيثيّات الثلاثة فيه أيضاً موجودة»، فما هو مقصوده من هذه العبارة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا المقطع من كلامه قدس سره مرتبط بنظريّة العقول العشرة التي تبنّاها المشّاؤون من الفلاسفة وتبعهم الإشراقيّون؛ لتصحيح صدور الكثير عن الواحد، ولكنّها مجرّد فرضيّة لا برهان عليها، إلّاأنّ النقطة التي قد يشوبها شيء من الغموض في كلامه هي تعبيره عن العقل الأوّل بأنّه بلحاظٍ خالق

ص:77

لجسم الفلك الأعلى، وبلحاظٍ آخر خالق لنفس الفلك الأعلى، ممّا يوجب توهّم كون العقل الأوّل خالقاً كالخالق المتعال (سبحانه وتعالى)، وليس الأمر كذلك؛ لأنّ مراده من خالقيّة العقل الأوّل - وكذا بقيّة العقول بالنسبة إلى ما دونها - كونها واسطة للفيض ليس إلّا.

161 - قرأتُ للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (قدّست نفسه الزاكية) أيضاً في كتابه

(الفردوس الأعلى) العبارة التالية: «وهذا الوجود الممتدّ الساري والمستوعب الذي أشرق على ظلمات الماهيّات وهياكل الممكنات هو الواحد الجامع للكثرات وهو وجه الواحد الأحد الباقي ببقائه الدائم بدوامه وإنّما الفناء والتغيّرات للحدود والأعدام والوجود يستحيل أن يقبل ضدّه» فما هو مقصوده من كلامه هذا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مراده من الوجود الممتدّ الساري: ما يعبّر عنه في كلمات الحكماء ب (الوجود المنبسط) أو ب (النفس الرحماني)، وقد تقدّمت الإشارة إليه في بعض الأجوبة، والذي أراد بيانه هو: أنّ هذا الوجود لا يقبل العدم؛ لما هو مبرهن في محلّه من أنّ الوجود يستحيل أن يقبل ضدّه.

162 - هل الأصالة للوجود أم للماهيّة؟

وما هي الثمرة الشرعيّة المترتّبة على إثبات الأصالة للوجود أو للماهيّة والاعتباريّة للآخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: القول بأصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة هو القول الذي قام عليه البرهان، ولا يخفى على أصحاب الفنّ مدى الثمرات المهمّة التي تترتّب عليه، وليس هنا مجال بسطها، ولكن نكتفي بالإشارة إلى واحدة من ثمراته، وهي: أنّ الصحيح بناءً على أصالة الوجود هو القول بعدم استقلال المعلول عن علّته المانحة لوجوده، وبناءً عليه فإنّه من الممكن حلّ كثير من المسائل الشائكة والمهمّة، من قبيل نفي الجبر والتفويض، وإثبات التوحيد الأفعالي، ممّا يعني أنّ البحث عن أصالة الوجود أو الماهيّة ليس مجرّد ترف فكري، بل هو بحث

ص:78

عظيم الثمرة في الفلسفة والكلام.

163 - ما هو التناسخ؟ وما هو مستنده؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التناسخ معناه انتقال روح الإنسان المتوفّى إلى غيره وهكذا، ومستنده: أنّ الروح لا تفنى - ولا أقلّ من عدم الدليل على فنائها - وبما أنّها لا يمكن بقاؤها بلا جسد، فإنّها لا بدّ أن تنتقل إلى جسد آخر، والمقدّمة الاُولى صحيحة ولكنّ المقدّمة الثانية باطلة، فالتناسخ لا يثبت بذلك.

164 - يرى الفلاسفة المتألّهون وحدة الوجود للروح فقط في هذا العالم

، فلا وجود للمادّة أبداً وبالمقابل يرى الغرب المادّي وحدة الوجود للمادّة فقط في هذا العالم، فلا وجود للروح أبداً والمهمّ هو الجسد والاقتصاد والاستهلاك والرعشة الجنسيّة وسطوة اللذّة السريعة وهندسة وفلسفة وجماليّة الجلد والتمركز حول الاُنثى msinimeF فما رأي الإسلام بهذه الأفكار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ممّا لا ريب فيه خطأ كلتا الاُطروحتين، فإنّ البرهان قبل القرآن قد دلّ على وجود ما وراء المادّة إلى جانب وجود المادّة، ولم نعهد أحداً من فلاسفة المسلمين يقول بالمقالة المذكورة في السؤال، إذ أنّ إنكار الوجود المادّي إنكار للبداهة والوجدان، وينزّه العاقل من بني الإنسان عن القول بذلك، فضلاً عن علماء المسلمين وحكمائهم.

165 - ما المقصود بالقِدم الزماني؟ وما هو فرقه عن القِدم المكاني؟

وهل هناك مخلوقات قديمة زمانيّاً؟ وإذا كان الجواب ب «نعم» فما معنى قِدمها وهل هناك آيات قرآنيّة وروايات معصومّة شريفة تدلّ على هذا؟ وبما أنّه لكلّ صفة أثرها الوجودي في تكوين كلّ مخلوق وتفاعله وفاعليّته مع الغير وبالغير فإذا كانت هناك مخلوقات قديمة زمانيّاً فما هي الآثار التي ستكون لها في تكوينها وفاعليّتها؟ وهل يصحّ لها أن تكون منفعلة؛ إذ حينها ليست قديمة؟

ص:79

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس يوجد ضمن اصطلاحات الفلاسفة ما يعبّر عنه بالقِدم أو القديم المكاني، وأمّا القِدم الزماني فيراد به عندهم: عدم كون الشيء مسبوق الوجود بعدم زماني، بحيث لا توجد قطعة من قطع الزمان ينطبق عليها عدمه.

ولسنا نعرف موجوداً يمكن تطبيق مصطلح القديم الزماني عليه سوى الوجود النوري لمحمّد وآله عليهم السلام، ولعلّ هذا هو سرّ اختلاف الروايات في تحديد المدّة الزمانيّة بين وجودهم النوري وخلق العالم، فإنّ الزمان ما دام لم يكن موجوداً فمن الواضح أنّه لا يمكن تحديده بفترة زمانيّة على نحو الدقّة.

ولا يخفى على المتفقّه في أحاديث الوجود النوري أنّه وجود غير منفعل إلّا لموجده تعالى شأنه، وأمّا آثار فاعليّته فهي أكثر من أن تحصى، وبالإمكان التعرّف عليها عن طريق النقل لا العقل.

166 - ما هو عالم المثال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يقول الفلاسفة في تعريفه هو: العالم المتوسّط بين العالم العقلي وعالم المادّة والطبيعة؛ ولذا يعبّر عنه بعالم البرزخ، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.

167 - ما هي فكرة أصالة الوجود؟ وما هي وجوه بطلانها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مسألة أصالة الوجود مسألة عقليّة فلسفيّة خارجة عن الفهم العرفي، وهي مورد بحث ونزاع بين الفلاسفة بين مَن يقول بأصالة الوجود وبين مَن يقول بأصالة الماهيّة، ولهذا الموضوع أبحاث طويلة الذيل لا يمكن بيانها بأسطر قليلة، فتطلب في مظانّها.

168 - يقولون: الذاتي لا يعلّل علماً أنّنا نعلم بأنّ الذاتي معلول من المعلولات وبالتالي فلا بدّ له من علّة

، والشيء الوحيد الذي لا علّة له هو اللّه تعالى والسؤال:

ص:80

ألا يستوجب قولهم هذا التناقض باعتبار أنّ كلّ معلول لا بدّ له من علّة؟ فكيف يكون الذاتي معلولاً ولا علّة له حسب قولهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذاتي لا يعلّل ليس معناه أنّه موجود بلا علّة، وإنّما معناه أنّ الذات والذاتي يستحيل جعله بالجعل التكويني، لأنّ جعل شيء لشيء إنّما يصحّ فيما يمكن فيه التفكيك بين المجعول والمجعول له، ومن الواضح أنّه يستحيل التفكيك بين الشيء وذاته، وكذا بينه وبين ذاتيّاته.

169 - يقول الفلاسفة: إنّ القاعدة العقليّة التي تقول: (النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان) والتي تبنى عليها جميع المعارف البشريّة ثابتة منذ الأزل

، بمعنى أنّها متقرّرة وثابتة في نفس الأمر والواقع، سواءٌ وجد خلق أم لم يوجد، وهذا يعني أنّها أزليّة، كما أنّ اللّه تعالى أزلي مع أنّ المستفاد من الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام أنّه لا أزلي إلّااللّه تعالى، فما هو رأيكم الشريف في هذه المسألة الدقيقة حيث أنّ التسليم بقول الفلاسفة يؤدّي إلى الالتزام بتعدّد الأزلي والقديم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: معنى أنّه لا أزلي إلّااللّه تعالى: أنّه لا موجود أزلاً إلّا اللّه تعالى، ومعنى أنّ اجتماع النقيضين محال أزلاً: أنّ محاليّته ثابتة في نفس الأمر، في مقابل ما يكون موطنه الخارج كالجواهر والأعراض، أو ما يكون موطنه الذهن، أو ما يكون موطنه الاعتبار، فلا تنافي بين المطلوبين؛ لأنّ الأزليّة المنفيّة غير الأزليّة المثبتة.

ص:81

علم الكلام والعقائد

اشارة

علم الكلام والعقائد(1)

170 - هنالك رواية تقول: «يهلك أصحاب الكلام، وينجو المسلمون»

، فهل تدلّ هذه الرواية وأمثالها على تحريم علم الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يخفى أنّ علم الكلام هو العلم المتكفّل ببيان العقائد الحقّة والبرهنة عليها، فلا يعقل أن يتعلّق النهي به.

وأمّا ما ورد في ذمّ أصحاب الكلام، فالظاهر أنّ المراد منهم أصحاب الخصومات والجدل، كما تشهد بذلك بعض الروايات، ومنها الرواية المذكورة في السؤال، فإنّ مقابلة أصحاب الكلام بالمسلِّمين - بالتشديد - قرينة على ما ذكرناه، وقد احتمل السيّد ابن طاووس قدس سره أن يكون المراد من أصحاب الكلام: المتكلّمون الذين يطلبون بكلامهم وعلمهم ما لا يرضاه اللّه تعالى، أو يكونون ممّن يشغلهم الاشتغال بعلم الكلام عمّا هو واجب عليهم من فرائض اللّه تعالى، أو المشتغلون بالكلام المأخوذ من غير طريق المعصومين عليهم السلام.

171 - ما هو الفرق بين النبيّ والرسول والإمام؟ وما أوجه التشابه والالتقاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: النبيّ هو الذي يحمل نبأ الغيب، وهو الدين وحقائقه، والرسول هو مَن يحمل رسالة من اللّه إلى الناس، فكلّ رسول يكون نبيّاً، وليس كلّ نبيّ رسولاً، والإمامة هي الهداية بأمر ملكوتي، فهي بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم، وهدايتها إيصالها للناس إلى المطلوب بأمر اللّه.

ص:82


1- (1)أغلب المسائل العقائديّة تضمّنها الجزء الأوّل من هذا الكتاب، فتطلب هناك..
172 - ماذا يطلق على الأفعال الخارقة للعادة التي يقوم بها الإمام عليه السلام، أهي معجزة أم كرامة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المعجزة والكرامة حقيقتهما واحدة، والفرق بينهما من ناحية اقتران المعجزة بدعوى النبوّة والإمامة، والكرامة غير مقرونة بذلك.

173 - ما هي أدلّة استحباب الشهادة الثالثة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هناك عدّة من الأخبار الخاصّة الدالّة على استحبابها في الأذان، ولكنّها لم تصل إلينا، وإنّما علمنا بها بواسطة الشيخين الجليلين الصدوق والطوسي 0 اللذين أشارا إليها ولم ينقلاها.

والعمدة هي الأخبار العامّة، كخبر الاحتجاج الذي رواه الشيخ الطبرسي قدس سره عن القاسم بن معاوية، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا قال أحدكم لا إله إلّااللّه محمّد رسول اللّه فليقل: عليّ أمير المؤمنين» (1) ، فإنّه صريح في استحباب التشهّد بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام متى ما تمّ التشهّد بالتوحيد والرسالة، وبإطلاقه يشمل الأذان والإقامة أيضاً، وبضمّ هذا الخبر ونحوه - على فرض المناقشة في سنده - لقاعدة التسامح في السنن يثبت استحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، ولكن لا على نحو الجزئيّة.

ويؤيّد ذلك ورود بعض الأخبار الصريحة في استحباب الشهادة الثالثة في الأذان في بعض كتب العامّة، وهو كتاب السلافة في أمر الخلافة للشيخ عبداللّه المراغي المصري.

أضف إلى ذلك كلّه أنّ الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة في هذه الأعصار من أجلى مصاديق الشعائر المذهبيّة، فهي إذن راجحة قطعاً في الأذان وغيره، وقد أفاد

ص:83


1- (1) الاحتجاج: 231:1..

بعض أكابر الفقهاء - ونِعم ما أفاد - أنّه لو قيل بوجوبها الكفائي فإنّه ليس ببعيد.

174 - المشهور أنّه يستحبّ قول:

«أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وليّ اللّه» في الأذان والإقامة

فهل إضافة: «وأنّ أولاده المعصومين حجج اللّه» يعدّ خلاف الاستحباب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس فيما ثبت استحبابه في الأذان والإقامة الجملة المذكورة، ولكن الإتيان بها من دون قصد الجزئيّة لا بأس به.

175 - جاءتني من أحد المخالفين الرسالة التالية:

«ولا تكن من الذين (قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُهْتَدُونَ (1) يا مَن تسبّ الصحابة - وخصوصاً أبو بكر وعمر - انتبه لهذه الآية: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ(2) انتبه لكلمة اتَّبَعُوهُم) فهل اتّبعت الصحابة؟ أم اتّبعت الشيعة جماعتك الذين يسبّون الصحابة إلّاأربعة كما ترويه كتبكم؟»، فكيف أردّ عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قل للمرسل: إنّ أباك وجدّك كانا يصلّيان ويصومان ويقيمان صلاة الجماعة، فاترك أنت ذلك لئلّا تكون ممّن انطبقت عليه الآية المذكورة، وكلّ جواب يجيبك به فهو جوابك له.

ونحن لو كنّا كما تقول نسبّ الصحابة لكنّا في ذلك متابعين لهم؛ إذ قد سبّ بعضهم بعضاً، فهذا معاوية أنت تعتقد أنّه من الصحابة قد سبّ عليّاً عليه السلام على المنابر وفي القنوت، وهذا عمر وهو من الصحابة قال لأبي هريرة - وهو منهم حسب عقيدتك أيضاً -: «أكثرت يا أبا هريرة، وأحْرَ بك أن تكون كاذباً على رسول اللّه»(3) ، وهناك مَن اشترك من الصحابة في قتل الآخر، كمعاوية الذي سعى في سمّ

ص:84


1- (1) الزخرف 22:43..
2- (2) التوبة 100:9..
3- (3) شرح نهج البلاغة: 68:4..

الإمام الحسن عليه السلام وكلاهما عندكم من الصحابة، وخالد الذي قتل سعد بن عبادة في أشجار الكرم في الشام وكلاهما عندك صحابي، وهكذا، فاقرأ أكثر لتعرف الحقيقة الغائبة عنك وعن أمثالك.

176 - ما هو مبدأ التقيّة؟ وهل هو مطبّق مع كافّة الملل والنِّحل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التقيّة تعني إظهار الكفر أو ما هو بحكمه وإخفاء الحقّ، فيما لو كان إظهار الحقّ موجباً للضرر، وهي مبدأ عقلي أمضاه الشارع، وقد تحدّث عنه القرآن الكريم في العديد من آياته، ومنها قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ(1).

177 - ما هو المقصود من مصطلح التقيّة المداراتيّة؟ ومتى تشرّع؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التقيّة المداراتيّة هي حسن المعاشرة مع العامّة بالصلاة في عشائرهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وما شاكل ذلك ممّا يوجب حفظ الوحدة الإسلاميّة، وتأييد الدين، وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين في مقابل الكفّار والمشركين.

ومشروعيّتها فيما لو كانت تترتّب عليها الأهداف المذكورة، من غير أن توجب تنازل الشيعة عن مبادئهم ومعتقداتهم.

178 - هل كان النبيّ صلى الله عليه و آله يكفّر في الصلاة كما يفعل أبناء العامّة اليوم؟ وما هو الدليل المعتبر على عدم مشروعيّته في الصلاة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يكفّر النبيّ صلى الله عليه و آله في الصلاة، ولم يدّع أحد منهم ذلك، وإنّما شرّعه عمر، وفي بداية المجتهد ونهاية المقتصد للقرطبي التصريح بأنّه لم ينقل أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كفّر في صلاته، وفيه أيضاً: «ورأى قوم أنّ

ص:85


1- (1) النحل 106:16..

الأوجب المصير إلى الآثار التي ليست فيها هذه الزيادة، لأنّها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنّما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازها مالك في النفل، ولم يجزها في الفرض، وقد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع، وهو الأوْلى بها»(1).

179 - جاء في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّي لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يأتها

. فقلت له: فهل تمتّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟

فقال: نعم، وقرأ هذه الآية: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً(2) ، فهل تدلّ هذه الرواية وأمثالها على أنّ الرسول صلى الله عليه و آله قد تزوّج زواج المتعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات في تمتّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله كثيرة عند الفريقين، ولا إشكال فيه؛ إذ لا يختلف اثنان من المسلمين في أصل تشريع هذا الزواج؛ لصريح قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً(3).

غاية ما في الأمر أنّ بعض العامّة قد بنى على نسخ هذه الآية بقوله تعالى:

ص:86


1- (1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 112:1..
2- (2) التحريم 3:66-5..
3- (3) النساء 24:4..

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (1) وهم قلّة، وهناك مَن يرى أنّها نسخت بقول عمر: «متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا احرّمهما»، وقد ذهب الأكثر إلى القول بعدم نسخ الآية، ومنهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وكثير من الصحابة، وقاطبة علماء الشيعة تبعاً لهم.

وعلى كلّ حال، فالزواج قد شُرّع بلا خلاف، وأوْلى الناس بتطبيقه خليفة اللّه على شرعه صلى الله عليه و آله.

ص:87


1- (1) المؤمنون 7:23..

علم الاُصول

180 - هل علم الاُصول متطوّر أم ثابت؟ وما هي معالم التطوير عند سماحتكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بلا ريب أنّ علم الاُصول - عندنا نحن الإماميّة - علم متطوّر لا ثابت، ومعالم التطوير عند كلّ واحد من محقّقي علم الاُصول يمكن معرفتها من خلال أبحاثه ومؤلّفاته، ومقارنتها بغيرها من الأبحاث والمؤلّفات.

181 - ما هو موضوع علم الاُصول؟ وإن قلتم لا يوجد له موضوع فما هو الدليل على ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يلزم وجود الموضوع لكلّ علم؛ لعدم الدليل على لزومه، وعلى فرض اللزوم فإنّه لا يلزم أن يكون الموضوع عبارة عن جامع مقولي واحد لموضوعات مسائله، بل يكفي أن يكون هو الجامع الانتزاعي من مجموع مسائله، كعنوان ما تقع نتيجته في طريق الاستنباط وتعيين الوظيفة في مقام العمل.

182 - ترى بعض الاتّجاهات الجديدة في الجامعات والمعاهد الاوروبيّة أنّ البشريّة قد وصلت إلى مرحلة موت المعنى وفشل اللغة وموت المؤلّف وولادة القارئ

وتتنكّر لكلّ اسس واُصول المحاورات العقلائيّة التي يبتني عليها المبحث اللفظي في علم الاُصول، وتنفي وجود أي قواعد للتعبير وللفهم، فما رأي سماحتكم بهذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المعنى قد مات، واللغة قد فشلت، والمؤلّف لا حجّيّة لكلامه، وإنّما المناط هو فهم القارئ والسامع فقط، فأصحاب النظريّة المذكورة في السؤال إذن كيف يناقضون أنفسهم ويتكلّمون ويؤلّفون

ص:88

ويشرحون وينفون ويثبتون، مع أنّه لا عبرة بشيءٍ من ذلك بنظرهم، وإنّما العبرة بفهم القارئ؟! إنّ ذلك من مهازل التفكير.

183 - هل ترون أصالة عدم النقل في اللغة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكرنا في مبحث الحقيقة الشرعيّة من زبدة الاُصول: أنّ أصالة عدم النقل في باب الألفاظ، والتي قد يعبّر عنها في بعض الكلمات باستصحاب القهقرى، أو الاستصحاب القهقرائي، ممّا قامت عليها سيرة كافّة العقلاء، كما يتّضح ذلك لمن تأمّل في كيفيّة تعاملهم مع الصكوك والوثائق القديمة المتعلّقة بهم، ونحوها.

184 - ما رأي سماحتكم بمسلك حقّ الطاعة الذي أبدعه الشهيد محمّد باقرالصدر قدس سره مقابل مسلك قبح العقاب بلا بيان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مسلكنا الذي بنينا عليه في الاُصول، عند البحث حول إثبات أصالة البراءة بحكم العقل، هو تماميّة قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ومَن أحبّ الاستزادة فليرجع إلى كتابنا الاُصولي زبدة الاُصول(1).

185 - نظراً لأهمّيّة العقائد والجانب الفكري للإسلام دعا الكثير من المفكّرين إلى ضرورة التقليد

في العقائد والأخلاق، وضرورة الاجتهاد في العقائد، وضرورة الدعوة إلى تأسيس علم اصول العقائد في مقابل علم اصول الفقه، وتأسيس علم رجال العقائد في مقابل علم رجال الفقه والحديث، وغيرها من الاُمور المرتبطة بآليات البحث العلمي؛ لإنتاج رسالة علميّة واستدلاليّة في العقائد، فما رأيكم الجليل بهذه الدعوة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي بنينا عليه في تعاليقنا على كتاب العروة

ص:89


1- (1) زبدة الاُصول: 383:4..

الوثقى وفاقاً للسيّد اليزدي قدس سره، هو: عدم جواز التقليد في اصول الدين، ولكن لا يبعد جوازه بل ضرورته في فروع العقائد، كالاعتقاد بولاية أهل البيت عليهم السلام التكوينيّة، وعلمهم الغيبي، ورجعتهم، ونحو ذلك، ممّا لا سبيل لمعرفته موضوعاً ودليلاً إلّابالرجوع إلى أهل التخصّص العارفين.

ولكن لسنا نحتاج لإثبات شيء من عقائدنا إلى تأسيس علم اصول جديد، أو علم رجال خاصّ، فإنّ نفس القواعد الاُصوليّة المحرّرة في علم اصول الفقه، والمفردات الرجالّة المبحوث عنها في علم الرجال، تكفي للاستفادة منها في علم الكلام والتوحيد.

186 - ما هو الاجتهاد؟ وما هي أقسامه؟ وكيف نشأ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاجتهاد هو: تحصيل الحجّة على الحكم الشرعي، وله تقسيمان:

الأوّل: تقسيمه إلى الاجتهاد الفعلي، ويعني: تحصيل الحجّة بالفعل على جميع الأحكام الشرعيّة، والاجتهاد بالقوّة والملكة، ويعني: القدرة على تحصيل الحجّة على جميع الأحكام، وإن لم يتحقّق ذلك خارجاً.

الثاني: تقسيمه إلى الاجتهاد المطلق، والذي يعني القوّة على تحصيل الحجّة في جميع الفروع الفقهيّة، والاجتهاد الجزئي، والذي يعني القدرة على تحصيل الحجّة في بعض الفروع أو الأبواب فقط.

والذي أدّى إلى نشأة الاجتهاد هو: أنّ الدين الإسلامي دين مشتمل على بيان وظيفة الأفراد مع اللّه تعالى في الاعتقادات والأعمال، ووظيفتهم تجاه المجتمع.

وإذا عرفت ذلك، فإنّ هذه الأحكام والوظائف التي جاء بها نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله إنّما هي قوانين كلّيّة في العبادات والمعاملات، وجملة منها أحكام جزائيّة وقضائيّة وسياسيّة واجتماعيّة، وبما أنّه لا يتمكّن عامّة المسلمين من فهم وظيفتهم الشرعيّة

ص:90

عند كلّ واقعة؛ لاحتياج ذلك إلى علوم شتّى، فلا بدّ من رجوعهم إلى أهل الخبرة في هذا المضمار، وليس هم إلّاالفقهاء والمجتهدون، فاستدعى ذلك نشأة الاجتهاد.

187 - ما الفرق بين الحرج النوعي والحرج الشخصي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحرج هو المشقّة التي تكون غير قابلة للتحمّل، وهذه المشقّة قد تكون لنوع المكلّفين من غير أن تكون لشخص المكلّف، وقد تكون لشخص المكلّف من غير أن تكون لنوع المكلّفين، والاُولى يعبّر عنها بالحرج النوعي، والثانية يعبّر عنها بالحرج الشخصي.

188 - ما الفرق بين العلم والاطمئنان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العلم هو الانكشاف الذي لا يوجد احتمال ضعيف على خلافه، والاطمئنان هو الانكشاف الذي يوجد احتمال على خلافه، ولكنّ العرف لا يعتني به لشدّة ضعفه.

189 - ما هو معنى كون الأمارة مقدّمة على الأصل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأمارة هي: ما جعلت طريقاً للواقع، أو فقل:

ما كانت له طريقيّة ناقصة للواقع، ولكنّ الشارع تمّم طريقيّتها فجعلها طريقاً كاملاً كما في خبر الواحد، بينما الأصل لا طريقيّة له أصلاً، كالبرائة والاشتغال، ومن الجليّ الواضح أنّ ما لا طريقيّة له للواقع لا حجّيّة له إلّاعند عدم الطريق، وهذا يقتضي تقديم الأمارة على الأصل بالضرورة.

190 - يقال: إنّ المنجّزيّة والمعذّريّة من الأحكام العقليّة والأحكام العقليّة غير قابلة للجعل الشرعي

، وسؤالي: إنّ الأحكام العقليّة لا تخرج عن دائرة المعلولات، وبالتالي فلا بدّ لها من علّة، وإذا كانت لها علّة فهي مجعولة من اللّه تعالى، فكيف يقال بأنّها غير قابلة للجعل؟

ص:91

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من الحكم العقلي هو درك العقل؛ إذ ليس للعقل أن يحكم بشيء، والدرك يلازم وجود المُدرك قبله، وعليه فعندما يحكم العقل بالمنجّزيّة فمعنى ذلك دركه استحقاق العبد للعقاب على مخالفة ما قطع بوجوبه الشرعي، وهذا شيء متحقّق تكويناً فلا يكون قابلاً للجعل.

والقول: «بأنّ الحكم العقلي لا يكون إلّامعلولاً، فيكون مجعولاً بالضرورة» منشؤه الخلط البيّن بين التكوينيّات والتشريعيّات، فلا يلتفت إليه.

191 - أرجو تحديد تعريف على نحو الدقّة لمصطلح (العقلاء) عند الاُصوليّين؟ فمن هم العقلاء؟

هل هم من المسلمين فقط أم من غيرهم؟ وكم يجب أن يكون عدد الناس ليستحقّوا تسمية العقلاء؟ وما أصل شرعيّة سيرة العقلاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من مصطلح العقلاء: عقلاء بني الإنسان بما هم عقلاء، لا بما هم أتباع ديانة سماويّة، فمثلاً: عندما يقال: إنّ سيرة العقلاء قائمة على رجوع الجاهل إلى العالم، فالمراد من ذلك أنّ عقلاء العالم بما هم عقلاء - وبغضّ النظر عن أديانهم ومللهم - يرجع جاهلهم إلى عالمهم، ولا علاقة للشرع الشريف بتأسيس سيرتهم هذه.

وإذا كان الأمر كذلك، فلا معنى للسؤال حينئذٍ عن العدد المطلوب في انعقاد السيرة؛ إذ الفرض أنّ السيرة محلّ البحث هي سيرة العقلاء بما هم عقلاء، فلا تنعقد إلّا بهم جميعاً، وليس يعقل أن يخالفها عاقل بما هو عاقل حينئذٍ.

وأمّا شرعيّتها فإنّها تكتسبها من إمضاء الشارع المقدّس، سواء كان إمضاؤه عن طريق تقريره أم عدم ردعه، وعليه فمتى ما ردع الشارع عنها يكون قد أسقطها عن الاعتبار.

192 - ما هو العرف؟ وما أنواعه؟ وهل العرف ثابت أم متغيّر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العرف عبارة: عمّا تعارف عليه الناس، وجرت

ص:92

سيرتهم عليه، من قول أو فعل أو ترك، وقد يسمّى بالعادة. وله أنواع وتقسيمات عديدة، فإنّه قد يكون عامّاً وقد يكون خاصّاً، وقد يكون صحيحاً وقد يكون فاسداً، وقد يكون دقّيّاً وقد يكون مسامحيّاً، ولا يسع المجال لبسط ذلك.

ولكنّ الذي ينبغي توضيحه هو أنّ العرف إنّما يعتمده الشارع في مجال تحديد وتشخيص الموضوعات الصرفة، وهي الموضوعات التي لم يتكفّل بتحديدها، بل أوكل أمرها إلى الفهم العرفي، من قبيل الإناء والصعيد ونحوهما.

وأمّا في مجال تطبيق المفاهيم على مصاديقها، فلا يعتنى بالمسامحات العرفيّة، بل يكون المدار على الدقّة العقليّة حينئذٍ، ويضرب بالتسامح العرفي عرض الجدار.

193 - ما الفرق بين الارتكاز المتشرّعي والإجماع

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من الارتكاز هو: رسوخ مفهوم خاصّ في ذهن طائفة من الناس أو أغلبهم أو كلّهم، من قبيل ارتكاز حرمة الكعبة عند المسلمين قاطبة، أو ارتكاز قبول خبر الثقة عند كافّة العقلاء.

وبذلك يظهر الفرق بينه وبين الإجماع؛ إذ كلّ أمر ارتكازي قد يكون هنالك إجماع بل إطباق على طبقه، بينما ليس كلّ إجماع يكون معقده ارتكازيّاً.

194 - إذا كان العقل والإجماع دليلين غير مستقلّين في الحجّيّة إلّامن خلال الكتاب والسنّة

، فلماذا يجعلهما الاُصوليّون دليلين في عرض واحد مع الكتاب والسنّة؟ أوَ لا يكفي أن يذكروا أنّ الكتاب والسنّة هما الدليلان فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصحيح أنّ العقل والإجماع كاشفان عن الحكم الشرعي، وليسا دليلين شرعيّين مستقلّين كالكتاب والسنّة، وبالتالي فهما ليسا في عرض الكتاب والسنّة، وإنّما جاء ذكرهما في عرض الدليلين المذكورين مجاراة للمنهج الدراسي عند العامّة، كما ذكر ذلك بعض الباحثين قدس سره؛ لأنّ الشيعة وإن كانوا هم الأسبق لغرس بذرة علم الاُصول، إلّاأنّ العامّة - لشدّة حاجتهم إليه، باعتبار

ص:93

انفصالهم عن السنّة بمجرّد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله - قد وسّعوه كثيراً، فجاء الاُصول الشيعي - الذي لم يحتج إليه الشيعة بما عليه من السعة إلّابعد الغيبة الكبرى - مجارياً لاُصول العامّة مع نقده وتهذيبه.

195 - هل يعتبر الإجماع والدليل العقلي من مصادر التشريع الفقهي لدى سماحتكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، الإجماع من جملة الأدلّة، ولكنّه ليس حجّة بذاته، وإنّما حجّيّته من جهة كاشفيّته عن رأي المعصوم عليه السلام، عليه فإن لم يكن كاشفاً فلا حجّيّة له، وكذلك الدليل العقلي المستكشف منه حكم اللّه على نحو القطع، فإنّه وإن كان أحد الأدلّة المعتمدة، إلّاأنّ حجّيّته ليست ذاتيّة، وإنّما هي لكاشفيّته القطعيّة عن حكم اللّه تعالى.

196 - ما معنى الإجماع التعبّدي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإجماع التعبّدي يقابل الإجماع المدركي، والثاني عبارة عن اتّفاق الأصحاب على فتوى معيّنة استناداً إلى دليل خاصّ، والأوّل عبارة عن اتّفاق الأصحاب على فتوى معيّنة من غير أن يُعلم مستندها.

197 - هل مقدّمة الوجوب واجبة عقلاً أم شرعاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مقدّمة الوجوب ليست واجبة قطعاً، وإنّما الكلام في مقدّمة الواجب، وهي عندي - خلافاً للمحقّقين النائيني والخوئي 0 - واجبة شرعاً، ولكن لا بالوجوب النفسي ولا الطريقي، وإنّما بالوجوب الغيري، ويختصّ الوجوب بالمقدّمة الموصلة.

198 - ماذا تعني الدلالة التصديقيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدلالة التصديقيّة على قسمين:

الأوّل: الدلالة التصديقيّة فيما قال، ويعبّر عنها بالدلالة التفهيميّة، وهي دلالة

ص:94

اللفظ على أنّ المتكلّم أراد به تفهيم المعنى، وهذه الدلالة مستندة إلى الوضع، وتتوقّف زائداً - على العلم بالوضع - على إحراز أنّ المتكلّم في مقام التفهيم، وأنّه لم ينصب قرينة متّصلة في الكلام على الخلاف، ولا ما يصلح للقرينيّة.

الثاني: الدلالة التصديقيّة فيما أراد، وهي دلالة اللفظ على أنّ المراد الجدّي للمتكلّم متطابق مع المراد الاستعمالي، وأنّ الداعي للإرادة الاستعماليّة هو الجدّ، وهي غير متعلّقة بالوضع.

199 - ما الفرق بين الإطلاق والعموم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الفرق بين العامّ والمطلق بعد اشتراكهما في الدلالة على شمول الحكم لجميع الأفراد: أنّ دلالة العامّ على العموم والشمول إنّما هي بالوضع، بينما دلالة المطلق على ذلك إنّما هي بمقدّمات الحكمة، وتفصيل القول في ذلك موكول إلى كتابنا زبدة الاُصول.

200 - ما رأيكم بفقه المقاصد الشرعيّة؟

هل هو مرحلة متقدّمة في الاُصول أم تراجع فيه؟ وما هي المقاصد الإسلاميّة عند الشيعة الإماميّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: فقه مقاصد الشريعة الذي يعتمده غير الشيعة الإماميّة، هو عبارة عن الفقه الذي يعتمد في أحكامه على تحديد ملاكات الأحكام وعللها الواقعيّة، والاستفادة منها في تعميم بعض الأحكام أو تضييقها، وبما أنّ باب العلم بالملاكات مقفل عندنا، إذ لم يثبت ذلك إلّااللّه تعالى وخلفائه المعصومين عليهم السلام، لذلك فلا مجال لتأسيس شيء اسمه فقه المقاصد.

201 - ما الفرق بين المصالح المرسلة والأمر الولائي للوليّ الفقيه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي يظهر من كلمات العامّة أنّ الأحكام المرتبطة بالمصالح المرسلة - كما في إرشاد الفحول لابن برهان - هي الأحكام التي لا تستند إلى أصل كلّي أو جزئي.

ص:95

وإذا كانت كذلك فإنّ البون بينها وبين الحكم الولائي للفقيه شاسع جدّاً، إذ الحكم الولائي هو الحكم الذي يصدره الفقيه طبقاً للعناوين الثانويّة النابعة عن ملاكات واقعيّة، يشخّصها الفقيه بحسب الظروف الزمانيّة والمكانيّة المحيطة به.

202 - هل القياس جائز شرعاً

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس القياس من القواعد والاُصول التي يستند إليها فقهاء الشيعة في استنباط الأحكام الشرعيّة؛ لوجود النهي الصريح الدالّ على عدم جواز استنباط الأحكام الشرعيّة عن طريقه، في الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام، ولقد ادّعى بعض الفقهاء المعتمدين أنّ النصوص الدالّة على النهي عن العمل بالقياس متواترة؛ لأنّها تبلغ أكثر من خمسمائة رواية.

203 - لماذا لا يجوز العمل بالقياس وفقاً لدليل الانسداد القائل بحجّيّة مطلق الظنّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: للنصوص الكثيرة الدالّة على أنّ القياس يوجب محق الدين، وقد ادّعى استاذنا الأعظم قدس سره أنّ الروايات الناهية عن العمل تبلغ خمسمائة رواية.

204 - ما المقصود بالإطلاق الأفرادي والأحوالي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يظهر الفرق بينهما بملاحظة هذا المثال: «أكرم العالم»، فإنّ مقتضى إطلاقه الأفرادي تحقّق الامتثال بإكرام أي فرد من أفراد العلماء، ومقتضى إطلاقه الأحوالي تحقّق الامتثال بإكرام كلّ فرد في أي حال من الأحوال.

205 - هل قاعدة التسامح في أدلّة السنن ثابتة عندكم في المكروهات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قاعدة التسامح في أدلّة السنن ثابتة، وفي المكروهات غير ثابتة.

ص:96

علم الحديث والدراية

206 - هل الحديث الضعيف موضوع؟ أم يوجد حديث ضعيف يمكن أن يكون صحيحاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس كلّ حديث ضعيف موضوعاً، وليس كلّ حديث موضوع ضعيفاً، فقد يكون الحديث الضعيف صادراً عن المعصوم عليه السلام بالفعل، إلّاأنّه لم ينقل إلينا بطريق صحيح، وقد يكون الموضوع مرويّاً بطريق صحيح، إلّاأنّه لم يكن صادراً عن المعصوم عليه السلام، فالنسبة بينهما عموم من وجه.

207 - ما هو الفرق بين الحديث الصحيح والحديث المعتبر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الخبر الصحيح عبارة عن: الخبر الذي يكون جميع رواته إماميّين عدولاً أو ثقات، والحديث المعتبر: ما كان رواته كلّهم موثّقين حتّى ولو كانوا غير إماميّين.

208 - الحديث الذي يكون إسناده ضعيفاً ولكنّ متنه صحيح؛ وذلك لكونه محفوفاًبالقرائن مثلاً ماذا يصطلح عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الخبر الضعيف إذا كان منجبراً بعمل المشهور يكون حجّة، ولكنّه لا يعبّر عنه بالصحيح.

209 - هل الرواية المرسلة معتبرة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن ثبت أنّ المرسل لا يرسل إلّاعن ثقة، كما في ابن أبي عمير، أو كان المرسل من أصحاب الإجماع - وهم ثمانية عشر شخصاً - أو أرسل الخبر عن المعصوم عليه السلام على سبيل الجزم، كما في بعض مراسيل الشيخ

ص:97

الصدوق قدس سره، كان الخبر المُرسل حجّة وإلّا فلا.

210 - هل روايات الكتب الأربعة قطعيّة الصدور أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: توجد في الكتب الأربعة روايات ضعيفة باعتراف بعض مؤلّفيها، كما لا يخفى على مَن لاحظ التهذيب و الاستبصار، مضافاً إلى أنّ في رواة الكتب الأربعة مَن هو معروف بالضعف، وعليه فالقول بقطعيّة روايات الكتب المذكورة عهدته على مدّعيه، وإن شئت تفصيل القول في ذلك فارجع إلى الجزء الأوّل من معجم رجال الحديث لآية اللّه العظمى السيّد الخوئي قدس سره تجد فيه ما يغنيك.

211 - هل جميع الروايات الموجودة في الكتب الأربعة صحيحة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه الدعوى باطلة من أصلها، فإنّ في رواة الكتب الأربعة مَن هو معروف بالضعف، وفيها روايات ردّها مصنّفوها بكونها ضعيفة، وما استدلّ به لاعتبارها من الوجوه - من قبيل القطع بصدق رواتها - ليس له وجه علمي معتدّ به.

212 - ما المقصود بقولنا: «إنّه ليس لدينا كتاب صحيح غير القرآن»؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أبناء العامّة لديهم كتب يعتقدون صحّة كلّ ما ورد فيها، كصحيح البخاري ومسلم، وأمّا نحن فلا نعتقد بصحّة أي كتاب، بمعنى صحّة كلّ ما ورد فيه، حتّى الكتب الأربعة المعتمدة، بل نقول: يوجد فيها الصحيح وغيره، ولا يستثنى من ذلك إلّاكتاب اللّه العزيز الذي نعتقد بصحّة كلّ ما فيه.

213 - كيف كان الوضع بالنسبة لأحاديث الشيعة قبل تقسيم العلماء الحديث إلى صحيح وموثّق حسن وضعيف هل كانوا يؤمنون بصحّة جميع ما في كتب الحديث الأربعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قبل التقسيم المذكور كان المتعارف عليه عند

ص:98

المتقدّمين هو تقسيم الأحاديث تقسيماً ثنائيّاً، أي: تقسيم الأحاديث إلى أحاديث صحيحة وغير صحيحة.

214 - لماذا لا يقوم العلماء والمراجع من الباحثين والمحقّقين بنزح واستئصال

الروايات والأخبار الضعيفة والسقيمة التي لا تنسجم مع العقائد الحقّة والاُصول من الكتب المعتبرة حتّى تبقى الكتب سالمة ونقيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما يميّز مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن غيرها من المدارس هو فتح باب الاجتهاد، وهذا ما يقتضي التحفّظ على الروايات المشار إليها؛ إذ ربّ رواية قد يستظهر منها بعض المجتهدين ما ينتهي به إلى الحكم ببطلانها، بينما يستظهر منها مجتهد آخر ما ينتهي به إلى الحكم بصحّتها، كما أنّه ربّ رواية تكون محكومة بالضعف السندي على ضوء بعض المباني الرجاليّة، بينما تكون محكومة بالصحّة والاعتبار على بعض المباني الاُخرى.

215 - هل للفقهاء أن يستدلّوا بالرواية أو جزء منها إذا كانت مشتملة على شيءينافي اصول المذهب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس للفقهاء ذلك؛ لما ورد عنهم عليهم السلام في الروايات الكثيرة من أنّ ما خالف قول ربّنا لم نقله، أو اضربوه على الجدار، وما شابه ذلك من المضامين، وكلّها تصدق على الروايات ذات المضامين المنافية لاُصول المذهب.

نعم، لو كان للرواية أكثر من مضمون، وكان بعض مضامينها منافياً لاُصول المذهب، أمكن التمسّك بالمضمون الآخر غير المنافي، من باب التبعيض في الحجّيّة.

216 - كيف يتعامل العلماء مع الروايات التي تتعارض في متنهاوهي تحمل نفس قوّة وصحّة السند

، فمثلاً: لو وجدنا روايات تقول بأنّ مَن قتل فلاناً من الناس هو زيد،

ص:99

ورواية اخرى تقول هو يوسف ورواية ثالثة تقول أحمد وهكذا وكلّ هذه الروايات لها نفس صحّة وقوّة السند ولا توجد قرائن نتمكّن من خلالها معرفة القائل فهل تتساقط هذه الروايات أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: صحّة السند وحدها غير كافية لإثبات صحّة الرواية، فربّ رواية صحيحة السند ولكنّها ضعيفة المضمون، وعلى ذلك فإنّ أكثر ما يؤدّي إليه تعارض المضامين هو تساقطها فيما تختلف فيه كالقاتل في مفروض المثال، وأمّا فيما تشترك فيه - كأصل القتل في المثال - فلا موجب لتساقطها، إلّاأن يكون الاختلاف المذكور منبّهاً على وضعها واختلاقها، فيعلم بأنّ صحّة سندها لا توجب صحّة مضمونها.

217 - عند اطّلاعي على كتاب (مرآة العقول) للعلّامة المجلسي قدس سره وجدته قد علّق على بعض الأحاديث بمصطلحات خاصّة

مثل: ضعيف على المشهور، أو حسن كالصحيح، أو موثّق كالصحيح، أو مجهول كالصحيح، فما معنى هذه المصطلحات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا (ضعيف على المشهور): فهو إشعار بالضعف على مباني الآخرين دون مبانيه، وأمّا مصطلح (حسن كالصحيح) فيراد به: الإشارة إلى وجود خلاف في وثاقة بعض رواة السند الممدوحين مع ترجيح جانب وثاقتهم، وأمّا (موثّق كالصحيح) فيراد به: الخبر الذي يختلف في إماميّة أحد رواته الثقات، مع ترجيح جانب كونه إماميّاً، وأمّا (مجهول كالصحيح) فيراد به: ما يكون أحد رواته مجهولاً مع ترجيح جانب وثاقته؛ لرواية أحد أصحاب الإجماع عنه أو نحو ذلك.

218 - ما الفرق بين الأحاديث والروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام والحديث القدسي؟

ص:100

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأحاديث القدسيّة نقل لفظي أو معنوي مضموني لكلام صادر عن اللّه سبحانه غير قرآن، وبذلك يفترق عن البقيّة.

219 - ما هي الإسرائيليّات، ولماذا سمّيت بهذا الاسم؟ وكيف دخلت في نصوص الشريعة المطهّرة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أصل الاصطلاح المراد منه الروايات التي تتحدّث عن أفعال وشؤون بني إسرائيل، وحيث أنّ في أكثرها ما يبدو مبالغة عُمّم هذا الاصطلاح لكلّ مبالغ فيه، وقد تمّ دخولها في روايات بعض المسلمين عن طريق دسّ الرهبان والأحبار الذين أظهروا اعتناق الإسلام، ككعب الأحبار.

220 - هنالك أدعية وأحاديث طويلة جدّاً، كدعاء الجوشن الكبير ودعاء أبي حمزة الثمالي

فكيف كان ينقل أصحاب المعصومين عليهم السلام هذه الأحاديث والأدعية؟ هل يحفظونها أم يكتبونها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي يظهر من بعض الأخبار: أنّ بعض أصحاب المعصومين عليهم السلام كانوا يجالسونهم ويرافقونهم مع تمام الاستعداد لكتابة ما يتفضّلون به عليهم من نصوص وأحاديث، فكانوا يهيّئون ألواحهم وأقلامهم، ويبادرون لتسجيل كلّ كلمة يتحدّث بها المعصوم عليه السلام، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا لنا الأحاديث والأدعية الطويلة بألفاظها.

ص:101

علم الرجال والتراجم

1 - مسائل رجاليّة عامّة.
221 - لماذا لا يتمّ تطوير علم الرجال بالاعتماد على العلوم الحديثة مثل علم الآثار

والحفريّات والمخطوطات وعلم المكتبات والتحليل المختبري للمواد المشعّة وتاريخ الاُمم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علم الرجال ليس من العلوم الثابتة، بل هو علم متطوّر ومتشعّب؛ وباب الاجتهاد فيه مفتوح على مصراعيه، فكلّ ما يثبت نفعه في مجال الاجتهاد الرجالي فإنّه سيأخذ مكانه في علم الرجال، نظير علم التاريخ، فإنّه وإن تجرّدت عنه كتب المتقدّمين الرجاليّة، لأنّها كانت تعتمد على الحسّ في توثيقاتها وتضعيفاتها، إلّاأنّه قد بدأ يستفاد منه في الأبحاث الرجاليّة المتأخّرة، التي تعتمد الحدس والاجتهاد في مجال الجرح والتعديل؛ إذ العمدة في التوثيق والتضعيف هي جمع القرائن المختلفة الموجبة للاطمئنان بالوثوق أو عدمه.

222 - ما رأيكم بنظريّة التعويض السندي التي مفادها: أنّه إذا روى الشيخ الطوسي

- مثلاً - رواية عن أحمد البرقي رضى الله عنه، وكان طريقه لنفس الرواية ضعيفاً إلى البرقي، ولكن ذكر الشيخ في الفهرست أنّ له طريقاً شاملاً لجميع كتب وجميع روايات أحمد البرقي وهو صحيح فهل يمكن تصحيح تلك الرواية - رواية البرقي - التي فيها راوٍ ضعيف على أساس أنّ للشيخ الطوسي طريقاً صحيحاً لجميع روايات البرقي مع العلم أنّ الرواة الذين يأتون بعد البرقي في الرواية كلّهم ثقات؟

وإن كانت الإجابة ب «نعم» فهل يشترط أن تكون الرواية في كتب الطوسي لكي

ص:102

يتمّ تصحيحها بالطريق المذكور؟ أم يكفي أن تكون في الكتب التي للشيخ الطوسي طريق إليها كالكافي وكتب المفيد والصدوق وغيرها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التلفيق السندي في مفروض السؤال مع إحراز كون الرواية الضعيفة من روايات البرقي التي للشيخ الطوسي قدس سره طريق إليها يكفي لاعتبار الرواية، كما أنّ المدار على كون الرواية التي يراد تعويض سندها ممّا للشيخ الطوسي قدس سره طريق إليها، بلا فرق بين كونها في كتبه وعدمه.

2 - أسانيد الأحاديث ومجامعيها.
223 - ما هو رأي سماحتكم في الرسالة الذهبيّة المنسوبة إلى إمامنا الرضا عليه السلام سنداً ومتناً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بما أنّ الرسالة الذهبيّة متضمّنة لبعض المستحبّات والإرشادات والتوجيهات المرتبطة بصحّة البدن، فهي لا تحتاج لملاحظة سندها وإثبات اعتباره.

224 - هل سند رسالة الحقوق للإمام السجّاد عليه السلام معتبر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّ سند الشيخ النجّاشي قدس سره إلى رسالة الحقوق في غاية القوّة والاعتبار.

225 - ما هو رأي سماحتكم في كتاب (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين عليه السلام و كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إجمالاً أقول: كلاهما مورد الاعتماد، ومشتملان على المطالب الحقّة؛ وتفصيلاً أقول: أمّا رسالة الحقوق فهي أجلّ من أن اعرّفها، وأمّا كتاب التوحيد: فهو خير كتاب في بابه، ولعلّه لم يصنّف مثله في جامعيّته للأحاديث المرتبطة بالتوحيد وصفات اللّه تعالى وأسمائه وأفعاله؛ ولذلك اهتمّ به

ص:103

كبار علماء الطائفة وأولوه عناية فائقة.

226 - هل تواتر الصحيفة السجّادّية المباركة (على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّالتسليم) يمكن أن يجعلها حجّة في المسائل الفقهيّة والاعتقاديّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصحيفة السجّاديّة الكاملة من المتواترات لاختصاصها بالإجازة والرواية في كلّ طبقة وعصر، وعلى ذلك فهي حجّة في المسائل الفقهيّة والاعتقاديّة وغيرها.

227 - ما قولكم في الخطبة الشقشقيّة من ناحية السند؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكر ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة، عن شيخه أبي الخير مصدق بن شبيب الواسطي، أنّه قال: قلت لأبي محمّد عبداللّه بن أحمد المعروف بابن الخشّاب - في كلام عن الخطبة الشقشقيّة -: أتقول: إنّها منحولة!

فقال: لا واللّه، وإنّي لأعلم أنّها كلامه كما أعلم أنّك مصدق.

قال: فقلت له: إنّ كثيراً من الناس يقولون إنّها من كلام الرضيّ رحمه الله؟

فقال: أنّى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الاُسلوب!! قد وقفنا على رسائل الرضيّ، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خلّ ولا خمر.

ثمّ قال: واللّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضيّ بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط مَن هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضيّ(1).

وقال ابن أبي الحديد نفسه في إبطال هذه الدعوى: «قلت: وقد وجدت أنا كثيراً

ص:104


1- (1) شرح نهج البلاغة: 205:1..

من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديّين من المعتزلة، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضيّ بمدّة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبّة أحد متكلّمي الإماميّة، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه اللّه تعالى، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيّ رحمه اللّه تعالى موجوداً»(1).

ولابن أبي الحديد كلام آخر في دفع شبهة الاختلاق عن كتاب نهج البلاغة كلّه، قال فيه: «مَن قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفاً من علم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب، لا بدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بدّ أن يفرّق بين الكلامين، ويميّز بين الطريقتين.

ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفّحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام نفسه وطريقته ومذهبه في القريض.

ألا ترى أنّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس كثيراً؛ لما ظهر لهم أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء ولم يعتمدوا في ذلك إلّا على الذوق خاصّة.

وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماء واحداً، ونفساً واحداً، واُسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في

ص:105


1- (1) شرح نهج البلاغة: 205:1..

الماهيّة، وكالقرآن العزيز، أوّله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكلّ سورة منه، وكلّ آية مماثلة في المآخذ والمذهب والفنّ والطريق ولانظم لباقي الآيات والسور، ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً، لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال مَن زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام»(1).

228 - ما هو رأي سماحتكم في دعوى اختلاق الشريف الرضيّ قدس سره للخطبة المعروفة بالشقشقيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال العلّامة الشيخ ابن ميثم البحراني قدس سره في شرحه الفلسفي على نهج البلاغة: «وقد وجدتها في موضعين، تاريخهما قبل مولد الرضيّ بمدّة:

أحدهما أنّها مضمّنة كتاب الإنصاف لأبي جعفر بن قبّة، تلميذ أبي القاسم الكلبي، أحد شيوخ المعتزلة، وكانت وفاته قبل مولد الرضيّ.

الثاني: وجدتها بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات، وكان وزير المقتدر باللّه، وذلك قبل مولد الرضيّ بنيف وستّين سنة، والذي يغلب على ظنّي أنّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّة».

وقد قام البحّاثة المتتبّع الاُستاذ امتياز علي العرشي الهندي صاحب كتاب استناد نهج البلاغة بجهد مشكور جدّاً في تخريج الخطبة من عدّة مصادر، لعدّة من المؤلّفين الذين وجدوا قبل الشريف الرضيّ قدس سره بسنوات طويلة، منهم: البرقي في المحاسن، وإبرهيم الثقفي في الغارات، وأبو القاسم الكعبي البلخي في الإنصاف، والشيخ الصدوق في معاني الأخبار و علل الشرائع، والشيخ المفيد في الإرشاد، وكلّ هؤلاء الأعلام سابقون على الشريف بسنوات.

ص:106


1- (1) شرح نهج البلاغة: 128:10..
229 - هل سند عهد الأشتر معتبر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عهد أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر، هو أطول وأجمع عهد صدر عنه عليه السلام، وهو - مضافاً إلى أنّ استناد الفقهاء لعدّة من جمله كافٍ في صحّة الاستناد إليه - معتبر السند عندي.

230 - هناك رقعة تسمّى رقعة الإمام عليّ عليه السلام أو الرقعة الرمليّة

، وهي مشتملة على جداول تحسب بطرقة معيّنة لمعرفة بعض الاُمور الغيبيّة حول الزواج والسعد والنحس والسفر وجنس المولود ونحو ذلك، هل هي صحيحة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الرقعة المذكورة لم نعثر لها على سند؛ لنحكم عليه بالصحّة أو عدمها، إلّاأنّ ذلك لا يمنع من العمل بها ما دام يحتمل انتسابها للإمام عليه السلام.

231 - ما صحّة سند رواية وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي ذرّ الغفاري رضى الله عنه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصحيح عندنا أنّها ضعيفة السند، لوقوع عدّة من الضعاف والمجاهيل في سندها.

232 - هناك مَن ادّعى أنّ سند حديث الكساء الموجود في العوالم للشيخ البحراني سقيم

، ويدرك هذا مَن له أدنى اطّلاع على علم الرجال؟ فما هو رأي سماحتكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: سند الحديث - ابتداءً بصاحب العوالم قدس سره، وانتهاءً بالصحابي الجليل جابر بن عبداللّه الأنصاري رضى الله عنه - في غاية الاعتبار، وليس يوجد فيه مَن يمكن أن يغمز في وثاقته إلّا (القاسم بن يحيى)، والصحيح عندنا وثاقته؛ لرواية البزنطي عنه، والذي قد ثبت في حقّه أنّه لا يروي إلّاعن ثقة، ومع الإغماض عن ذلك فإنّ نفس صحّة السند إلى البزنطي كافية لاعتباره، ولا حاجة للنظر في أحوال الواقعين بعده؛ لأنّه أحد الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما صحّ عنهم، فسند الحديث صحيح بلا إشكال.

ص:107

233 - نقرأ في كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الأقدم الصدوق قدس سره مجموعة من منهيّات الرسول صلى الله عليه و آله

، فما مدى اعتبارها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان مقصودكم من المناهي المذكورة: المناهي التي عنونها الشيخ الصدوق قدس سره بقوله: «ذكر جمل من مناهي النبيّ صلى الله عليه و آله»، فإنّه قد رواها عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الإمام الصادق عليه السلام، وفي طريق الشيخ الصدوق قدس سره إلى شعيب بن واقد يقع حمزة بن محمّد العلويّ، وهو مهمل، وعبدالعزيز بن محمّد بن عيسى الأبهرّ، وهو أيضاً مهمل، كما أنّ شعيباً نفسه غير مذكور في الرجال.

234 - ما هو رأيكم الشريف في التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام من الكتب المنسوبة إلى تراث أهل البيت عليهم السلام، ولكن لم تصحّ نسبته إليه عليه السلام لدينا.

235 - لمن كتاب مصباح الشريعة؟ وما مدى اعتباره عندكم وعند علمائنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا نظر علماء الطائفة للكتاب فيكفي للتعرّف عليه ما أفاده السيّد المحسن الأمين قدس سره حيث قال: «كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة منسوب إلى الصادق عليه السلام... ولكنّ المجلسي في مقدّمات البحار قال:

إنّ فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر واُسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة وآثارهم.

وقال صاحب الوسائل في آخر كتاب الهداية: الثالث: ما ثبت عندنا أنّه غير معتمد؛ فلذا لم ننقل منه، فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الصادق عليه السلام، فإنّ سنده لم يثبت، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواتر.

وقال صاحب رياض العلماء عند ذكر الكتب المجهولة: ومن ذلك مصباح الشريعة في الأخبار والمواعظ، كتاب معروف متداول - إلى أن قال: - بل هو من مؤلّفات بعض الصوفيّة كما لا يخفى.

ص:108

لكن وصّى به ابن طاووس، وظاهر السيّد عليّ بن طاووس في أمان الأخطار الاعتماد عليه، حيث قال: ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة عن الصادق عليه السلام، فإنّه كتاب لطيف شريف في التعريف بالتسليك إلى اللّه جلّ جلاله، والإقبال إليه، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه.

وعن الكفعمي في مجموع الغرائب أنّه قال: ومن كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة قال الصادق عليه السلام، ونقل منه أشياء كثيرة بلفظ قال الصادق عليه السلام.

وعن الشهيد الثاني في كشف الريبة و منية المريد و مسكّن الفؤاد و أسرار الصلاة أنّه نقل جملة من أخباره ناسباً لها إلى الصادق عليه السلام بصورة الجزم، وقال في آخر بعضها: هذا كلّه من كلام الصادق عليه السلام.

وعن السيّد حسين القزويني في كتابه جامع الشرائع أنّه قال - عند بيان الكتب المأخوذكتابه منها -: ومصباح الشريعة المنسوب إليه - يعني الصادق عليه السلام - بشهادة الشارح الفاضل - يعني الشهيد الثاني والسيّد ابن طاووس ومولانا محسن القاشاني وغيرهم - فلا وجه لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك»(1).

والذي نراه أنّ الكتاب ممّا يصعب إثبات صحّة نسبته للإمام الصادق عليه السلام لعدم ذكره في شيء من فهارس متقدّمي أصحابنا، والذي يهوّن الخطب هو عدم اشتمال الكتاب على شيء من الأحكام إلّانادراً، وبما أنّ أكثره في الآداب والمعنويات فلا بأس بالاستفادة منه.

236 - ورد في توحيد المفضّل فيما يتعلّق بخلق الإنسان وتدبير الجنين في الرحم وكيفيّة الولادة وغذائه

: «فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه الماء والنبات، فلا يزال ذلك غذاؤه حتّى إذا أكمل خلقه واستحكم بدنه وقوى أديمه صرف ذلك

ص:109


1- (1) أعيان الشيعة: 668:1..

الدم الذي كان يغذوه من دم امّه إلى ثديها وانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاءوهو أشدّ موافقة للمولود من الدم» فهل هناك ما يؤيّد حقيقة كون الجنين يتغذّى من دم الحيض وأنّ هذا الدم يصرف إلى ثدي امّه من الطبّ الحديث؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب توحيد المفضّل كتاب معتبر، فلا يحتاج إلى رواية اخرى تعضد مضامينه، وطلب ما يؤيّد حقيقة كون الجنين يتغذّى من دم الحيض - من العلم الحديث - يرجع فيه إلى المتخصّصين من الأطبّاء، علماً أنّه ليس من الضرورة أن يكون العلم الحديث قد توصّل إلى ذلك.

237 - هل أنّ كتاب سُليم بن قيس صحيح السند؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، إنّ كتاب سُليم بن قيس رضى الله عنه عندنا في غاية الاعتبار السندي.

238 - هل صحّ عندكم كتاب سُليم بن قيس رغم اشتماله على الاُمور التالية:

الأمر الأوّل: «كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينام بين عليّ عليه السلام وعائشة، ليس عليهم لحاف غيره فإذا قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الليل يصلّي حطّ بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة، حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتهم».

الأمر الثاني: قال قيس بن سعد بن عبادة في احتجاج على معاوية: واللّه لقد نزلت:

«وعليّ لكلّ قوم هادٍ» فأسقطتم ذلك. وهذا يعني تحريف القرآن الكريم.

الأمر الثالث: عن أمير المؤمنين عليه السلام: قلت: يا نبيّ اللّه ومَن شركائي؟

قال: الذين قرنهم اللّه بنفسه وبي معه، الذين قال في حقّهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فإن خفتم التنازع في شيء فأرجعوه إلى اللّه وإلى الرسول وإلى اولي الأمر منكم.

وهذا يخالف كتاب اللّه عزّ وجلّ حيث أمر بالرجوع - عند التنازع - للّه ورسوله صلى الله عليه و آله

ص:110

فقط قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(1) ، فما تقولون؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: سُليم بن قيس في نفسه ثقة جليل القدر، عظيم الشأن، وكتابه من الاُصول المعتبرة، وعدّه في خاتمة المستدرك في الفائدة الرابعة من الكتب المعتمدة، التي قامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلّفها، وعلمت صحّة نسبتها إليهم، بحيث لم يبق فيه شكّ.

ولكنّ اعتبار الكتاب واعتماده شيء، وتصحيح كلّ ما فيه شيء آخر، فنحن في الوقت الذي نعتبر فيه كتاب سُليم بن قيس من الكتب المعتمدة، كالكتب الأربعة، إلّاأنّ حاله حالها في اشتماله على الصحيح والضعيف.

239 - كيف يعتمد الشيعة على كتاب بصائر الدرجات للشيخ الصفّار، والحال أنّ هذا الكتاب ينقل بسند واحد فقط يمرّ بأحمد بن محمّد بن يحيى

، والسيّد الخوئي يصرّح بأنّ هذا الشخص مجهول، ولكون هذا الشخص مجهولاً قد يكون أضاف من عنده أو قد أضاف سنداً لروايات لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأصليّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصحيح أنّ كتاب بصائر الدرجات له أكثر من طريق، وأحدها ما يرويه الشيخ الطوسي قدس سره عنه بسنده عن ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عنه، وهو سند معتبر جدّاً، وقد اختار ذلك المحقّق الخوئي قدس سره أيضاً في معجمه(2).

240 - ما هو رأيكم الشريف في التفسير المعروف بتفسير فرات الكوفي؟

وما هو

ص:111


1- (1) النساء 59:4..
2- (2) معجم رجال الحديث: 265:16..

تقيمكم لمؤلّف هذا التفسير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: فرات الكوفي أحد أعلام الغيبة الصغرى، واُستاذ المحدّثين في زمانه، وقد أكثر الشيخ الصدوق قدس سره في كتبه الرواية عنه مع الواسطة.

وتفسيره تفسير روائي بلسان الأخبار، وأغلبها في شأن الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ويعدّ في عِداد تفسيري العيّاشي والقمّي، والعلّامة المجلسي قدس سره في البحار اعتمد عليه، كما هو ظاهر الصدوق أيضاً وغيره.

وما قيل: «من أنّ المستفاد من مجموع هذه الاُمور كون الرجل في أعلى درجات الحسن» لا بأس به.

241 - ما هو رأيكم بالنسبة لتفسير عليّ بن إبراهيم القمّي؟ هل رأيكم فيه كرأي السيّد الخوئي قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما أفاده السيّد الخوئي قدس سره - وأفاده جمع

من الأعاظم كصاحب الوسائل قدس سره - حقّ لا ريب فيه.

242 - يقول السيّد الخوئي عن كتاب الاختصاص: «إنّه منسوب إلى المفيد»، فهل هذا يعني أنّه ليس له؟

وإذا لم يكن له فلمَن هو؟ وهل الأخبار الواردة فيه صحيحة أم مكذوبة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال بعض المتخصّصين في هذا المجال - ونِعم ما قال -: «الاختصاص للشيخ المفيد... على ما صرّح به العلّامة المجلسي في أوّل بحار الأنوار، وقيل إنّ المؤلّف إنّما هو جعفر بن الحسين المؤمن... لكنّ الظاهر من سياق الكتاب أنّ مصنّفه هو الشيخ المفيد، وجعفر بن الحسين راويه.

واعلم أنّ الذي يلوح من آخر الكتاب وممّا كتبه بعض العلماء على ظهر بعض نسخه: أنّ هذا الكتاب هو اختصار كتاب الاختصاص لا نفسه، ومؤلّف

ص:112

الاختصاص هو الشيخ أبو عليّ أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران المعاصر للصدوق، ومؤلّف الاختصار الشيخ المفيد.

وبالجملة: هو كتاب جامع لفنون الأحاديث والآثار، ومحاسن الخطابات، والأخبار في مدح الصحابة وفضائلهم، وأقدار العلماء ومراتبهم»(1).

243 - أيّ الكتابين أكثر اعتباراً: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره أم كتاب الغيبة للنعماني قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره أقوى متناً وسنداً، وأكثر اعتباراً، ومع ذلك فإنّ كتاب الغيبة للشيخ الجليل أبي عبداللّه النعماني قدس سره كتاب حسن جامع مهمّ.

244 - ما هو رأيكم بكتاب الكافي للشيخ الكليني قدس سره؟

وهل هو مصدر من مصادرنا الموثوقة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب الكافي من أهمّ الكتب المعتمدة لدينا، إن لم يكن أهمّها، ولكنّ الحكم على الروايات بالصحّة وعدمها خاضع لمقاييس يعتمد عليها الفقيه في علم الرجال، فما ثبتت صحّته من الروايات يؤخذ به، وما لم يثبت لا يؤخذ، سواء كان في الكافي أم في غيره.

245 - ما هو رأيكم الشخصي في كتاب الكافي، خصوصاً أنّه وردني أنّ أحد مراجع الشيعة يقول بأنّ الكافي مليء بالروايات الغير صحيحة والضعيفة؟

وما مدى اعتبار رواية: «الكافي كافٍ لاُمّتي» وعلى ماذا تدلّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب الكافي من أجلّ الكتب وأكثرها اعتباراً، ولا ينافي ذلك وجود بعض الروايات الضعيفة فيه، فإنّها لا يخلو منها كتاب من

ص:113


1- (1) كشف الحجب والأستار: 30..

كتب العامّة أو الخاصّة، وأمّا الرواية الدائرة على الألسان، وهي: «الكافي كافٍ لشيعتنا» لا (لاُمّتي) فأقصى ما تدلّ عليه هو اشتمال كتاب الكافي على ما يمكن الاعتماد عليه، ولكن لا دليل على اعتبارها.

246 - ما هو رأيكم الشريف في كتاب (بحار الأنوار) للعلّامة المجلسي قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب بحار الأنوار كتاب جامع لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ومشتمل على أنواع الحكم والآثار، وكما أفاد المحدّث النوري قدس سره فإنّه لم يوفّق أحد في الإسلام مثل ما وفّق هذا الشيخ المعظّم، والبحر الخضم، والطود الأشمّ - الشيخ المجلسي قدس سره - من ترويج المذهب، وإعلاء كلمة الحقّ، ونشر آثار أئمّة المسلمين.

وبالجملة: فالكلمات قاصرة عن بيان ما ترتّبت على هذا الكتاب من الآثار والبركات.

247 - ما هي قيمة كلّ من كتاب (وسائل الشيعة) للشيخ الحرّ العاملي قدس سره وكتاب (مستدرك الوسائل) للمحدّث الشيخ النوري قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب وسائل الشيعة كتبه شيخنا الحرّ العاملي جامعاً له من مصادر معتمدة، كلّ منها مرجع في نفسه، وقد صرّح المؤلّف بذلك في مقدّمته فقال: «لم أنقل فيه الأحاديث إلّامن الكتب المشهورة المعوّل عليها، التي لا تعمل الشيعة إلّابها، ولا ترجع إلّاإليها».

وقد جمع فيه من الأحاديث النبويّة والولويّة جملة وافرة تنيف على العشرين ألف حديثاً، جزاه اللّه عن الدين وأهله خير الجزاء.

وأمّا كتاب مستدرك الوسائل، فقد قال العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني قدس سره في الذريعة: «فأصبح كتاب المستدرك من بركة هذا الكتاب - أي كتاب الأشعثيّات -

ص:114

ومصادره المعتبرة كسائر المجاميع الحديثيّة المتأخّرة، في أنّه يجب على عامّة المجتهدين الفحول أن يطّلعوا عليها ويرجعوا إليها في استنباط الأحكام عن الأدلّة، كي تتمّ لهم الفحص عن المعارض، ويحصل اليأس عن الظفر بالمخصّص، وقد أذعن بذلك جلّ علمائنا المعاصرين لمؤلّفه ممّن أدركنا بحثه وتشرّفنا بملازمته، فلقد سمعت شيخنا الآية الخراساني صاحب الكفاية يلقي ما ذكرنا على تلامذته الحاضرين تحت منبره البالغين إلى خمسمائة أو أكثر بين مجتهد أو قريب من الاجتهاد، مصرّحاً لهم بأنّ الحجّة للمجتهد في عصرنا هذا لا تتمّ قبل الرجوع إلى المستدرك والاطّلاع على ما فيه من الأحاديث، ولقد شاهدت عمله على ذلك في عدّة ليالٍ وفّقت لحضور مجلسه الخصوصي في داره، الذي كان ينعقد بعد الدرس العمومي لبعض خواصّ تلاميذه للبحث في أجوبة الاستفتاءات، بالرجوع إلى الكتب الحاضرة في ذلك المجلس ومنها المستدرك، فكان يأمرهم بقراءة ما فيه من الحديث الذي يكون مدركاً للفرع المبحوث عنه، وأمّا شيخنا الحجّة شيخ الشريعة الأصفهاني فكان من الغالين في المستدرك ومؤلّفه، وكذا شيخنا الآية الأتقى ميرزا محمّد تقي الشيرازي (قدّس اللّه أسرارهم)»(1).

3 - مفردات رجاليّة.
248 - ما رأيكم في إبراهيم بن هاشم القمّي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شبهة ولا كلام في وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي، وقد ادّعى السيّد ابن طاووس الاتّفاق على وثاقته، وهو أوّل مَن نشر حديث الكوفيّين بقم، وقد اعتمد القمّيّون على رواياته، مع أنّ فيهم مَن هو مستصعب في أمر الحديث.

ص:115


1- (1) الذريعة: 110:2 و 111..
249 - هل ابن عبّاس ثقة وممدوح

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال العلّامة قدس سره في القسم الأوّل من خلاصة الأقوال: عبداللّه بن عبّاس من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، كان محبّاً لعليّ عليه السلام وتلميذه، وحاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشّي أحاديث تتضمّن قدحاً فيه، وهو أجلّ من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضى الله عنه.

وعلّق الشهيد الثاني قدس سره على ذلك بقوله: ما ذكره الكشّي من الطعن فيه خمسة أحاديث، كلّها ضعيفة السند جدّاً.

وقال اللاهيجي قدس سره: إنّه مقبول الطرفين، أي الشيعة والعامّة، فلا ينبغي الارتياب في وثاقته وجلالة شأنه.

250 - هل صحّ لديكم بأنّ عبداللّه بن عبّاس قد ذهب إلى معاوية

، وترك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وأصبح من أتباع معاوية في أواخر عمره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا من الأكاذيب، وقد ورد في كفاية الأثر نقلاً عن عطاء، قال: دخلنا على عبداللّه بن العبّاس، وهو عليل في العلّة التي توفّي فيها - إلى أن قال: - فقال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول:

عليّ مع الحقّ والحقّ معه، وهو الإمام والخليفة من بعدي فمَن تمسّك به فاز ونجا ومَن تخلّف عنه ضلّ وغوى(1) إلى أن يقول: وأخذنا بيده أنا وسعيد وحملناه إلى صحن الدار، ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال: اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بمحمّد وآل محمّد، اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية الشيخ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فما زال يكرّرها حتّى وقع على الأرض، فصبرنا عليه ساعة، ثمّ أقمناه فإذا هو ميّت.

وكلماته في مدح أمير المؤمنين عليه السلام بمحضر معاوية منقولة ومستفيضة، وقد قال

ص:116


1- (1) بحار الأنوار: 287:36..

العلّامة قدس سره في الخلاصة: «عبداللّه بن العبّاس من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وكان محبّاً لعليّ عليه السلام وتلميذه، وحاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين عليه السلام أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشّي أحاديث تتضمّن قدحاً فيه، وهو أجلّ من ذلك».

وعن الشهيد الثاني قدس سره: «جملة ما ذكره الكشّي من الطعن فيه خمسة أحاديث، وكلّها ضعيفة السند».

251 - ما رأيكم في قضيّة عبداللّه بن سبأ هل هو شخصيّة حقيقيّة أم مختلقة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عبداللّه بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلوّ، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كما في رجال الشيخ الطوسي، وقال الكشّي في رجاله: إنّ أبا جعفر عليه السلام قال: إنّ عبداللّه بن سبأ كان يدّعي النبوّة، ويزعم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو اللّه (تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً)(1) ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فدعاه وسأله فأقرّ بذلك وقال: نعم أنت هو، وقد كان القي في روعي أنّك أنت اللّه، وإنّي نبيّ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك! قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا - ثكلتك امّك - وتب، فأبى، فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام فلم يتب، فأحرقه بالنار، وقال: إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه».

والظاهر من أمثال هذه الروايات أنّه شخصيّة واقعيّة، ولكنّ ذلك لا يمتّ لما يدّعيه المخالفون من أنّه هو المؤسّس للتشيّع، كيف وأئمّة الشيعة عليهم السلام قد حاربوه ورفضوه وأحرقوه بالنار؟!

252 - ما مدى وثاقة عبداللّه بن مسعود لديكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد اختلفت كلمات أكابر المحقّقين بالنسبة إليه في أمرين:

ص:117


1- (1) اختيار معرفة الرجال: 323:1..

أحدهما: أنّه والى عليّاً عليه السلام وقال بالحقّ، أم أنّه خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم؟

وثانيهما: أنّه موثّق أم لا؟ وبعد التأمّل في أدلّة الطرفين لم يثبت شيء ممّا يقوله كلّ منهما، وأنا فيه من المتوقّفين.

253 - ما مدى وثاقة سعيد بن جبير عندنا؟ وهل كان الموالين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام، وعدّه في المناقب من أصحاب السجّاد عليه السلام ومن التابعين، وقال:

«كان يسمّى جهبذ العلماء، ويقرأ القرآن في ركعتين، وقُتل وما على الأرض أحد إلّا وهو محتاج إلى علمه»، وفي الخبر الصادقي: أنّ سعيد بن جبير كان يأتمّ بعليّ بن الحسين عليهما السلام(1) ، وكان عليّ عليه السلام يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجّاج له إلّاهذا الأمر، وكان مستقيماً، وعدّه العلّامة وابن داود في القسم الأوّل المخصّص للثقات، وعلى الجملة فلا شكّ في ولائه ولا في وثاقته.

254 - هل ثبت لديكم حسن حال الزهري ووثاقته وعودته لأهل البيت عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: محمّد بن شهاب الزهري عامّي من التابعين، كان يظهر التمايل للإمام زين العابدين عليه السلام، ولعلّ السبب هو إنقاذه له بعد تورّطه بسفك دم في قصّة معروفة، ولكنّ وثاقته لم تثبت لدينا.

255 - جاء في الكافي الشريف - باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام، عن عليّ بن إبراهيم

عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن اُذينة عن أبان عن سُليم بن قيس قال: شهدت وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام...

وقد وصف المجلسي في مرآة العقول هذا السند: بأنّه حسن على الظاهر بل صحيح،

ص:118


1- (1) الاختصاص: 205. خاتمة المستدرك: 348:5..

والذي استشكل علينا هو: وجود أبان في السند فهل هو أبان الأحمر أم أبان بن أبي عيّاش؟ إذ أنّه إذا كان ابن أبي عيّاش فكيف اعتبر المجلسي أنّ الحديث صحيح، مع أنّ أبان بن أبي عيّاش ضعيف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّه أبان بن أبي عيّاش، وهو ثقة على الأقوى، لأنّه هو الذي سلّمه سُليم بن قيس كتابه، وخاطبه بابن الأخ، وهذا كاشف عن حسنه بلا ريب، ولو ضُمّ إلى ذلك ما عن المنتهى من أنّ أصل تضعيفه من المخالفين من حيث تشيّعه، كان ذلك مؤيّداً لوثاقته.

أضف إلى ذلك أنّ كتاب سُليم - الوارد عن طريق أبان - مقبول عند الكليني والصدوق 0 وغيرهما، وهم - كما أفاد العلّامة المجلسي قدس سره - أعرف بأحوال الرجال ممّن تأخّر عنهم، فقبولهم للكتاب دالٌّ على حسن رواته، وعليه فلا مورد للتشكيك في وثاقة أبان بن أبي عيّاش.

256 - جاء في الذمّ الوارد في أحمد بن هلال العبرتائي: «احذروا هذا الصوفيّالمتصنّع»

واحتجّ بها السيّد الخوئي قدس سره على تضعيفه وكذلك الشيخ الطوسي قدس سره، فهل نعته في مقام ذمّه بالصوفيّ يدلّ على مذمّة طريقة الصوفيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يحكم المحقّق الخوئي قدس سره بضعف أحمد بن هلال، وإنّما حكم بفساد عقيدته، ومن الواضح أنّ فساد العقيدة لا يستلزم عدم الوثاقة اللسانيّة.

وأمّا كون الرواية المذكورة دالّة على مذمّة طريقة الصوفيّة، فهو حقّ، ولكن لا يخفى أنّ للصوفيّة طوائف وعقائد متفاوتة، ولا إطلاق للخبر، فالمتيقّن منه هو ذمّ المنهج الصوفي الذي كان يتبنّاه أحمد بن هلال فقط، وإن كان هنالك من الروايات ما يستفاد منه ذمّ التصوّف والمتصوّفة بشكل مطلق.

257 - ما هو رأي سماحتكم بالمفضّل بن عمر؟

ص:119

باسمهِ جلّت أسماؤه: أقوال العلماء فيه مختلفة من حيث العقيدة والوثاقة، والروايات الكثيرة الواردة فيه أيضاً مختلفة عقيدة ونقلاً، ولكنّ المختار أنّه مستقيم العقيدة، ومن خواصّ أبي عبداللّه عليه السلام وبطانته، ومن الفقهاء الصالحين - كما أفاد الشيخ المفيد قدس سره - ومن السفراء الممدوحين - كما عن الشيخ قدس سره - ومن الثقات، وكفاه جلالة تخصيص الإمام الصادق عليه السلام إيّاه بكتابه المعروف ب توحيد المفضّل، والروايات المادحة له بالغة حدّ التواتر، والذامّة أكثرها ضعيف السند، وما صحّ منها محمول على ما حملت عليه الروايات الواردة في ذمّ زرارة، والكلام أكثر من ذلك لا يسعه المجال.

258 - ما هو موقفنا - كشيعة - من مؤذّن الرسول بلال بن رباح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: موقفنا منه كموقفنا من سائر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله المخلصين، ومَن قدح فيه فقد جانب الصواب.

259 - هل بايع بلال مؤذّن الرسول صلى الله عليه و آله الإمام عليّاً عليه السلام أم لم يبايع؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، لقد بايع بلال الإمام عليّاً عليه السلام، وروي أنّ بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر، فأخذ عمر بتلابيبه، وقال له: يا بلال، هذا جزاء منك أن أعتقك فلا تجيئ تبايعه، فقال: إن كان أبو بكر قد أعتقني للّه فليدعني له، وإن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا، وأمّا بيعته فما كنت ابايع مَن لم يستخلفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، والذي استخلفه بيعته في أعناقنا إلى يوم القيامة.

وروي عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً(1) قال: يعني ب وَالشُّهَدَاءِ عليّاً وجعفراً وحمزة والحسن والحسين، هؤلاء سادات

ص:120


1- (1) النساء 69:4..

الشهداء، ويعني ب وَالصَّالِحِينَ سلمان وأبا ذرّ والمقداد وعمّاراً وبلالاً وحبّاباً.

260 - هل صحّ عندكم أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد لقّب حبيب بن مظاهر الأسدي بالفقيه؟ وماذا يعني بهذه الكلمة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التعبير عنه بذلك - في لسان الإمام الحسين عليه السلام - مشهور في لسان أرباب المقاتل، وسواء صحّ ذلك أم لا فإنّه قد ثبت بأنّ حبيباً عليه السلام من حملة علوم المنايا والبلايا، وأحد مستودعي علوم أمير المؤمنين عليه السلام وحوارييه، وبالتالي فهو فقيه من الطراز الأوّل بكلّ ما للكلمة من معنى، الشامل للفروع والاُصول وغيرها.

261 - ما هو رأيكم في ابن الكوّاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عبداللّه بن الكوّاء كان خارجيّاً ومعانداً، بل من رؤساء الخوارج، وكلّ مَن ذكره من الرجاليّين عرّفه بكلمتين، وهما: «خارجي ملعون»، ولقد التبس الأمر على ابن النديم - في الفهرست - غاية الالتباس عندما نسبه إلى الشيعة، وغاية ما يمكن أن يوجّه به كلامه، أن يقال: لعلّ ابن الكوّاء كان من الشيعة في بداية أمره ثمّ صار خارجيّاً.

4 - أعلام وشخصيّات.
262 - هل مريم بنت عمران اخت النبيّ موسى بن عمران عليهما السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هنالك عمرانان: أحدهما عمران بن يصهر، والآخر عمران بن ماثان، وهو من سلالة النبيّ سليمان بن داود عليهما السلام، والأوّل والد النبيّ موسى عليه السلام، والثاني والد السيّدة مريم عليها السلام.

263 - هل صحّ عندكم أنّ الخضر عليه السلام حيّ إلى الآن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد في كتاب كمال الدين عن الإمام الرضا عليه السلام،

ص:121

قال:

«إنّ الخضر شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت، حتّى يُنفخ في الصور» (1) ، والروايات بهذا المعنى كثيرة جدّاً.

264 - مَن هو (بلعم) الذي كان في عصر النبيّ موسى عليه السلام؟ وما هو علمه وما هو سرّالاسم الأعظم الذي كان يحمله؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: جاء في تفسير القمّي: «حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أنّه اعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم، وكان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون، فلمّا مرّ فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون لبلعم: ادع اللّه على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمرّ في طلب موسى فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها، فأنطقها اللّه عزّ وجلّ فقالت: ويلك! على ماذا تضربني؟ أتريد أن أجيئ معك لتدعو على نبيّ اللّه وقوم مؤمنين؟ ولم يزل يضربها حتّى قتلها، فانسلخ الاسم من لسانه».

265 - هل يصحّ تلقيب أبي بكر ب الصدّيق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصدّيق لغة: مبالغة عن كثرة الصدق من ناحيةٍ، وقوّة التصديق بالمعارف الإلهيّة من ناحيةٍ اخرى؛ ولذلك لا يصحّ وصف أحد به إلّا المعصوم، ومع ذلك فقد ورد من ناحية الشرع أنّه لا يصحّ وصف أحد به إلّا أمير المؤمنين عليه السلام، حيث ورد عنه عليه السلام:

«أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب» (2).

266 - هل الرسول صلى الله عليه و آله هو الذي لقّب عمر بالفاروق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لقب (الفاروق) من ألقاب أمير المؤمنين عليّ بن

ص:122


1- (1) كمال الدين: 390..
2- (2) الخصال: 402..

أبي طالب عليه السلام المختصّة به، التي أطلقها عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله، بل هو الفاروق الأعظم، ولكنّهم سرقوا منه هذا اللقب كما سرقوا لقب (أمير المؤمنين) و (الصدّيق).

267 - هل صحّ عندكم زواج السيّدة امّ كلثوم من عمر بن الخطّاب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أنا أعتقد بعدم صحّة ذلك، كما صرّح به جمع من أعلام الطائفة (أعلى اللّه كلمتهم)، ومنهم الشيخ المفيد قدس سره؛ وذلك لضعف أكثر روايات قضيّة التزويج، ولاختلافها كثيراً، ومعارضة الصحيح منها بما هو أصحّ منه.

268 - هل من الصحيح أنّ عمر بن الخطّاب قد تزوّج بنت الإمام عليّ عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر - كما أفاد الشيخ المفيد قدس سره - أنّ الزواج المذكور ممّا لا أصل له؛ وذلك لأنّ راوي الخبر هو الزبير بن بكّار، الذي كان مشهوراً بعداوته لأمير المؤمنين عليه السلام وبني هاشم، مضافاً إلى أنّ الرواية قد رويت بمضامين مختلفة، وفيها نقاط ضعف كثيرة.

269 - هل يجوز إطلاق لفظ (امّ المؤمنين) على عائشة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لقب امّ المؤمنين لقب قرآني أطلقه القرآن الكريم على جميع زوجات النبيّ صلى الله عليه و آله، ولكنّه لا يفيد مزيد مزيّة؛ إذ الغرض منه ليس إلّا بيان خصوصيّة تشريعيّة للنبيّ صلى الله عليه و آله، وهي حرمة الزواج بنسائه بعده، حيث نزلهنّ القرآن منزلة الاُمّهات؛ ليبيّن بأنّه كما يحرم الزواج بالاُمّهات كذلك يحرم الزواج بزوجات النبيّ صلى الله عليه و آله.

270 - أصحيح ما يتردّد من أنّ عائشة ارتكبت الفاحشة في البصرة لمّا ذهبت لحرب الإمام عليّ عليه السلام، وأنّ الزاني بها هو طلحة الذي كان يهواها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا كذب محض، وإهانة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله، وطعن في عِرضه.

ص:123

271 - ما رأي سماحة السيّد فيمن يروّج وينشر على الملأ بأنّ عائشة قد ارتكبت الفاحشة بمعنى الزنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أنا أعتقد بأنّها لم ترتكب الفاحشة بمعنى الزنا، وإن كانت مخالفتها لأمير المؤمنين عليه السلام وحربها له، أشدّ جرماً وأكثر قبحاً.

272 - في أيّ كتب ابن كثير ذكر أنّ حديث «خذوا ثلث دينكم عن الحميراء» ضعيف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال السخاوي في المقاصد الحسنة: «حديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء. قال شيخنا في تخريج ابن الحاجب من إملائه:

لا أعرف له إسناداً، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلّافي النهاية لابن الأثير، ذكره في مادّة (ح م ر)، ولم يذكر مَن خرّجه، ورأيته أيضاً في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضاً، ولفظه: خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء، وبيض له صاحب مسند الفردوس فلم يخرج له إسناداً، وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنّه سأله الحافظين المزّي والذهبيّ عنه فلم يعرفاه»(1).

273 - ما صحّة ما ينسب إلينا - نحن الشيعة - من اتّهام عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله بالزنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشيعة لا تتّهم عائشة بالزنا، ومَن اتّهمهما بذلك في زمان النبيّ صلى الله عليه و آله لم يكن من شيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بل كان من المنحرفين عنه، والشيعة يبرّؤونها من ذلك؛ لقيام الدليل عندهم على أنّ زوجات الأنبياء عليهم السلام عموماً منزّهات عن الزنا والفواحش.

274 - هل تعدّ كتابة الوحي فضيلة لكتّاب الوحي أمثال معاوية بن أبي سفيان

،

ص:124


1- (1) المقاصد الحسنة: 198..

وأضرابه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يثبت تاريخيّاً بدليل معتبر أنّ معاوية كان هو كاتب الوحي، بل الثابت خلافه، وقد ذكر غيرُ واحدٍ من المحقّقين بأنّ ذلك من موضوعات بني اميّة؛ لأنّ معاوية لم يسلم إلّاقبل رحيل النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله بأشهر قليلة، فمتى تسنّى له أن يقوم بكتابة الوحي؟!

وعلى فرض ثبوت ذلك لحكمة قد احتملها الشيخ الصدوق قدس سره في معاني الأخبار(1) ، فإنّه لا يقتضي فضلاً راسخاً، والشاهد على ذلك: أنّ أبناء العامّة يزعمون أنّ عبداللّه بن أبي سرح كان كاتباً للوحي في بداية نزوله، إلّاأنّ ذلك لم يشفع له لمّا ارتدّ عن الإسلام، حيث أمر النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله بقتله، ولا كرامة لمثله.

275 - مَن هو أبو بصير الذي بني على قبره مسجد في عهد الرسول صلى الله عليه و آله؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو رجل من قريش، اسمه: عبيد بن أسيد، أو عتبة بن أسيد، وقد ذكره في الاستيعاب كواحد من الصحابة، والمنقول عنه تاريخيّاً أنّه في عام الحديبية، لمّا رجع النبيّ صلى الله عليه و آله إلى المدينة جاء إليه وأعلن

ص:125


1- (1) قال شيخنا الصدوق قدس سره: «ووجه الحكمة في استكتاب النبيّ صلى الله عليه و آله الوحي معاوية وعبداللّه بن سعد، وهما عدوّان، هو: أنّ المشركين قالوا: إنّ محمّداً يقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كلّ حادثة بآية يزعم أنّها انزلت عليه، وسبيل مَن يضع الكلام في حوادث تحدث في الأوقات أن يغيّر الألفاظ إذا استعيد ذلك الكلام، ولا يأتي به في ثاني الأمر وبعد مرور الأوقات عليه إلّامغيّراً عن حاله الاُولى لفظاً أو لفظاً دون معنى، فاستعان في كتب ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوّين له في دينه، عدلين عند أعدائه، ليعلم الكفّار والمشركون أنّ كلامه في ثاني الأمر كلامه في الأوّل غير مغيّر، ولا مزال عن جهته، فيكون أبلغ للحجّة عليهم، ولو استعان في ذلك بوليّين مثل سلمان وأبي ذرّ وأشباههما لكان الأمر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع، وكان يتخيّل فيه التواطؤ والتطابق، فهذا وجه الحكمة في استكتابهما واضح بيّن، والحمد للّه». معاني الأخبار: 347..

إسلامه، فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فقالا للنبيّ صلى الله عليه و آله: جعلت لنا العهد أن تردّ إلينا كلّ مَن جاءك مسلماً، فدفعه النبيّ صلى الله عليه و آله إلى الرجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: واللّه، إنّي لأرى سيفك هذا جيّداً، فاستلّه الآخر وقال: أجل واللّه، إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت.

فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتّى برد وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً، فلمّا انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه و آله قال: قتل واللّه صاحبي وأنّي لمقتول.

فجاء أبو بصير فقال للنبيّ صلى الله عليه و آله: ويل امّه مسعر حرب لو كان معهد أحد! فلمّا سمع ذلك علم أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى انتهى إلى سيف البحر.

وانفلت أيضاً من قريش «أبو جندل بن سهيل بن عمرو» فلحق بأبي بصير، وجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّااُلحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فما كانوا يسمعون بعِير خرجت لقريش إلّااعترضوا لهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبيّ صلى الله عليه و آله تناشده اللّه والرحم، فكتب النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أبي بصير وأبي جندل ليقدما عليه ومَن معهما من المسلمين، فقدم كتابه صلى الله عليه و آله وأبو بصير يموت، فمات وكتاب النبيّ صلى الله عليه و آله بيده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه وصلّى عليه وبنى على قبره مسجداً(1).

276 - ما هو رأيكم في عمر بن عبدالعزيز؟

وهل يجوز لعنه كما نلعن بني اميّة قاطبة، كما ورد في زيارة عاشوراء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: روي في بصائر الدرجات عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه بعد ما مرّ عليه عمر بن عبدالعزيز وعليه شراكا فضّة، وكان من

ص:126


1- (1) مكاتيب الرسول: 283:1..

أحسن الناس، وهو شابّ، فنظر إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام، فقال: يا عبداللّه بن عطاء، ترى هذا المترف؟ إنّه لن يموت حتّى يلي الناس.

قال: قلت: هذا الفاسق؟

قال: نعم لا يلبث فيهم إلّايسيراً حتّى يموت فإذا مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض».

277 - تكرّر من أحد الخطباء في غير واحد من المجالس الحسينيّة الترحّم على عمر

بن عبدالعزيز معلّلاً ذلك برفعه السبّ عن أمير المؤمنين عليه السلام وردّه فدكاً، ولقّبه في أحد المجالس بالعبد الصالح فما هو موقفنا الشرعي تجاه هذا الخطيب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا خلاف في صدور بعض الأفعال الحسنة من عمر بن عبدالعزيز الدالّة على تميّزه عن بقيّة بني اميّة، وأمّا التعبير عنه ب (العبد الصالح) فلا يجوز، وتكليفكم تجاه الخطيب المذكور هو تنبيهه وإلفات نظره، فإنّ العصمة لأهلها عليهم السلام.

278 - ما رأيكم في معاوية بن يزيد الذي ترك الخلافة وقال إنّها ليست له، وإنّما هي للإمام السجّاد عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: معاوية بن يزيد وإن خلع نفسه عن الخلافة، إلّا أنّه لم يثبت بطريق معتبر أنّه فعلَ ذلك لأنّه يرى الإمام السجّاد عليه السلام أوْلى منه بها، بل لقد ذكر الشيخ ابن فهد الحلّي قدس سره في كتابه عدّة الداعي سبباً لذلك غير هذا السبب، وما ذكره لا ينبئ عن حسن رأيه في أهل البيت عليهم السلام، ولا يدلّ على اعتقاده بإمامتهم، وإن كان ما ذكره اليعقوبي في تاريخه لا يخلو عن إشعار بحسن حاله؛ ولذا فأنا فيه من المتوقّفين.

279 - هل معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان محبّ لأهل البيت عليهم السلام؟

وكيف تميّز من بين الشجرة الملعونة؟

ص:127

باسمهِ جلّت أسماؤه: عن كتاب مجالس المؤمنين للشهيد القاضي نور اللّه التستري قدس سره: أنّه مصداق لقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ(1) ، وهو في بني اميّة كمؤمن آل فرعون.

وعن كامل البهائي: أنّه صعد المنبر ولعن أباه وجدّه، وتبرّأ من فعلهما، فقالت امّه: يا بنيّ، ليتك كنت حيضة في خرقة.

فقال: وددت ذلك يا امّاه، ثمّ سقي السمّ، وكان له معلّم شيعي فدفنوه حيّاً، وفي الخبر أنّ امّه قالت له: اجعل الخلافة من بعدك لأخيك، فأبى، وقال: لا يكون لي مرّها ولكم حلوها.

280 - هل ثبت عندكم تشيّع بعض خلفاء بني العبّاس؟ وهل كان جميعهم معادياًلأهل البيت عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الوحيد الذي يُشكّ في تشيّعه من خلفاء بني العبّاس هو (المأمون)، والصحيح أنّه لم يكن شيعيّاً.

281 - هل عبداللّه الأفطح ابن الإمام الصادق عليه السلام يعتبر كافراً؛ لعدم اعتقاده بإمامة أخيه الإمام الكاظم عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عدم الاعتقاد بالإمامة ليس مناطاً للحكم بالكفر، إلّا أن تتمّ الحجّة على المنكر فينكر جحوداً لا لشبهة، وليس يحرز ذلك في حقّ عبداللّه الأفطح ليحكم بكفره، وإن صحّ الحكم بانحرافه.

282 - هل صحّ أنّ امّ الإمام الصادق عليه السلام هي فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المتّفق عليه بين المؤرّخين أنّها فاطمة بنت

ص:128


1- (1) الأنعام 95:6. يونس 31:10. الروم 19:30..

القاسم بن محمّد، ولكن كون محمّد بن (أبي بكر) مختلف فيه، حيث ذكر بعض المؤرّخين - كالقرماني في تاريخه المعروف أخبار الدول -: أنّه محمّد بن (أبي سمرة).

283 - ما رأي سماحتكم في ثورة زيد الشهيد حيث يتكلّم البعض بأنّها كانت غير مرضيّة عند الإمام المعصوم عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال شيخنا المفيد قدس سره: «وكان زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين عليه السلام».

وفي خبر معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لا تقولوا خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماًوكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه» (1) ، وقد استفاضت الروايات في مدحه وبيان جلالته، وأمّا الروايات الذامّة له فكلّها ضعيفة الإسناد.

284 - ما حقيقة ذمّ زيد بن عليّ عليه السلام على لسان الأئمّة عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات التي قد يستظهر منها ذمّ الشهيد زيد بن عليّ عليه السلام تسع روايات، وكلّها معلولة إمّا بضعف السند أو ضعف الدلالة، فلا يعوّل على شيء منها.

285 - لماذا غاب الشاعر الفرزدق عن كربلاء مع العلم أنّه لقي الإمام الحسين عليه السلام وعلم بخروجه؟

ص:129


1- (1) الكافي: 264:8..

باسمهِ جلّت أسماؤه: عندما التقى الفرزدق بالإمام الحسين عليه السلام التقاه وهو متوجّه نحو الكوفة، قبل أن يُفرض عليه التوجّه إلى كربلاء، ومن الواضح عدم وجوب التوجّه مع الإمام المعصوم عليه السلام أينما يتوجّه، سيّما وأنّ الإمام عليه السلام لم يوجّه دعوة للفرزدق كي يلتحق به.

286 - كان أهالي مدينة الحيّ يحيون ذكرى استشهاد التابعي الجليل سعيد بن جبيرالأسدي

الكوفي رضى الله عنه في تاريخ 25 ذي الحجّة ولكن قد ظهر تاريخان جديدان في العام الماضي: الأوّل في 16 شعبان والثاني في 25 ربيع الأوّل فأيّ تاريخ أصحّ من بين هذه التواريخ؟ وما رأيكم في إحياء شهادته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ من الثلاثة محتمل، وإحياء ذكرى استشهاد التابعي الجليل رضى الله عنه كغيره من الأعاظم في كلّ زمان محتمل حسن، سيّما مثل هذا التابعي الجليل، الذي عدّه في المناقب من أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام، وقال: كان يسمّى جهبذ العلماء، ويقرأ القرآن - كما قيل - في ركعتين، وما على الأرض من أحد إلّاوهو يحتاج إلى علمه، وقد قتله الحجّاج من جهة أنّه كان يأتمّ بعليّ بن الحسين عليهما السلام، وكان الإمام السجّاد عليه السلام يثني عليه.

287 - لماذا لم يشترك سعيد بن جبير رضى الله عنه في معركة الطفّ، وهو قد بلغ سنّالتكليف؛ لأنّه مولود سنة 40 ه والواقعة كانت سنة 61 ه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المذكور تاريخيّاً أنّه قُتل في شهر شعبان سنة 94 أو 95 من الهجرة النبويّة الشريفة، وله من العمر 49 سنة، وهذا يعني أنّ ميلاده كان في حدود سنة 45 أو 46، وبالتالي فإنّ عمره في سنة واقعة كربلاء كان في حدود الخامسة أو السادسة عشر، وليس يتوقّع منه في مثل هذه السنّ أن يلتفت لوظيفة لزوم الشهادة بين يدي الإمام المعصوم عليه السلام بجلاء.

288 - مَن هو سفير الإمام المهدي الذي أرسل كتابه لفقهاء قم؟

ص:130

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو الحسين بن روح رضى الله عنه، وكتابه الذي عرضه على فقهاء قم هو كتاب التأديب.

289 - هل تميلون لتشيّع المسعودي صاحب (مروج الذهب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال السيّد ابن طاووس قدس سره في كتاب فرج المهموم - عند ذكر العلماء العالمين بالنجوم -: «ومن الموصوفين بعلم النجوم:

الشيخ الفاضل الشيعي عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي، مصنّف كتاب مروج الذهب».

وقد عدّه الشيخ المجلسي قدس سره في الوجيزة من الممدوحين، وذكر في جملة الكتب اللاتي أخذ عنها في البحار كتاب الوصيّة وكتاب مروج الذهب، وقال:

«كلاهما للشيخ عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي».

وقال في الفصل الذي بعده في بيان الوثوق بالكتب اللاتي أخذ منها:

«والمسعودي عدّه النجّاشي من رواة الشيعة».

وقال في موضع آخر من البحار: «هو من علمائنا الإماميّة».

290 - ما رأيكم الشريف في ابن عربي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلماته صريحة في وحدة الموجود التي هي كفر وزندقة وإلحاد، ففي فصوص الحكم(1) يقول: «فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا؛ لأنّ ذواتنا عين ذاته، ولا مغايرة بينهما إلّابالتعيّن والإطلاق».

وفي الفتوحات المكّيّة(2) يقول: «فإنّ اللّه هو الوجود والموجود، وهو المعبود في كلّ معبود وفي كلّ شيء، وهو وجود كلّ شيء».

ص:131


1- (1) فصوص الحكم: 85..
2- (2) الفتوحات المكّيّة: 143..

ويقول في الفصوص(1) أيضاً: «فكلّ ما ندركه فهو وجود الحقّ في أعيان الممكنات».

ويقول أيضاً(2): «وهذا إشارة إلى أنّ لكلّ شيء، جماداً كان أو حيواناً، حياة وعلماً ونطقاً وإرادة غيرها ممّا يلزم الذات الإلهيّة؛ لأنّها هي الظاهرة بصور الجماد والحيوان»، وكلّ هذه الكلمات صريحة في الكفر والزندقة.

291 - ما رأي سماحتكم في الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي الحاتمي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يمكن الحكم على محيي الدين بن العربي من خلال كلماته، وهي مشحونة بالضلالات؛ إذ هو يصرّح باستغنائه عن معرفة إمام زمانه، وأنّه يرى اللّه تعالى عين بقيّة الأشياء، ويقول بثبوت الولاية الظاهرّة والباطنيّة لمعاوية والمتوكّل، ويجيز لنفسه أن يمتحن الأنبياء عليهم السلام في التوحيد، ويقول: إنّه رأى في عالم الكشف وجوه الشيعة بصورة الخنازير، ويرى مقام الصحابة أعلى من مقام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وكلّ هذه الضلالات تشهد بضلاله وانحرافه.

292 - لقد قرأت عن ابن سينا بأنّه شيعي إسماعيلي ولكنّ بعض العلماء ذكر بأنّه شيعي إمامي فما هو رأي سماحتكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكر بعض الباحثين بأنّ الشيخ ابن سينا كان شيعيّاً إسماعيليّاً، ولكنّني أميل إلى كونه شعييّاً إماميّاً؛ لما أقامه الشهيد القاضي نور اللّه التستري قدس سره في مجالس المؤمنين من الأمارات على تشيّعه بالمعنى الخاصّ.

ص:132


1- (1) فصوص الحكم: 234..
2- (2) فصوص الحكم: 254..
293 - لماذا لقّب الشيخ نصير الدين الطوسي بالخواجه والفيلسوف؟ وما سبب دفاعه عن الحلّاج؟ وما حقيقة صدور اللعن في حقّ الحلّاج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كان الخواجه نصير الملّة والدين الطوسي قدس سره فيسلوفاً بالمعنى القديم للفلسفة، أي حكيماً متقناً للحكمتين: الحكمة النظريّة بفروعها الثلاثة: الإلهيّات، والرياضيّات، والطبيعيّات، والحكمة العمليّة بفروعها الثلاثة: المدنيّة التي تعنى بالشؤون السياسيّة، والمنزليّة التي تعنى بشؤون تربية الاُسر وتدبيرها، والخُلقيّة التي تعنى بتربية النفس وتحليتها بالفضائل وتخليتها عن الرذائل، وله قدس سره في كلّ هذه الأقسام والفروع مؤلّفات عديدة.

وكلمة (الخواجة) تعني: المعلّم، وسرّ تسميته بذلك: ما أشار إليه في البداية والنهاية بقوله: «عيّنَ الخواجة نصير الدين الطوسي لكلّ من الفلاسفة ثلاثة دراهم يوميّاً، ولكلّ من الأطبّاء درهمين، ولكلّ من الفقهاء درهماً واحداً، ولكلّ من المحدّثين نصف درهم».

وهكذا اجتمع حوله العدد الوافر من الطلّاب، وأقبل العلماء من كلّ ناحية إلى تلك الديار، وطافوا حوله كالفراشات على النور، واشتغلوا بكشف دقائق العلوم، حتّى وصفه تلميذه العلّامة الحلّي قدس سره بقوله: «اُستاذ البشر، والعقل الحادي عشر».

وأمّا دفاعه عن الحلّاج فهو مجرّد ادّعاء لم نعثر على شاهدٍ له في شيء من كلماته، وعلى فرض صحّته فلعلّه لم يطّلع على فساد عقيدته ومخاريقه، وإن كان هذا الوجه بعيداً بالنسبة لمثل المحقّق الطوسي قدس سره.

294 - لماذا تكلّم ابن إدريس قدس سره على الشيخ الطوسي قدس سره بما لا يليق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد اشتهر على الألسن أنّ ابن إدريس كان يتجاسر على الشيخ الطوسي 0، حتّى أنّ الشيخ المامقاني قدس سره قد نسب إليه أنّه قال في سرائره: «وخالي شيخ الأعاجم تفوح من فيه رائحة النجاسة»، وعلّق عليه قائلاً: «وهذا منه قد بلغ في إساءة الأدب النهاية».

ص:133

والحال أنّ هذه الجملة غير موجودة في كتاب السرائر، ومن المقطوع به أنّها تناهت إلى سمع العلّامة المقامقاني قدس سره في جملة ما تتداوله الألسن، أو أنّه قرأ عبارة قريبة منها لم تسلم من الخطأ الكتابي، فاشتبه عليه أمرها، كما احتمل ذلك صاحب القاموس.

والذي يشهد بخطأ تلك العبارة: أنّ الشيخ الطوسي ليس خال ابن إدريس، وإنّما هو جدّه لاُمّه، وقد دأب على تعظيمه في عدّة موارد من كتابه، ومنها قوله في باب صلاة الجمعة وأحكامها - بعد أن نقل كلاماً عن السيّد المرتضى حكاه الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس سره -: «ولم أجد للسيّد المرتضى تصنيفاً ولا مسطوراً بما حكاه شيخنا عنه، ولعلّ شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضى في الدرس وعرفه منه مشافهة دون المسطور، وهذا هو العذر البيّن، فإنّ الشيخ لا يحكي - بحمد اللّه تعالى - إلّاالحقّ اليقين، فإنّه أجلّ قدراً وأكثر ديانة من أن يحكي ما لم يسمعه ويحقّقه منه».

295 - ما هو رأيكم الشريف في الملّا هادي السبزواري وهل من الصحيح أنّ لديه أفكاراً فلسفيّة كفريّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الملّا هادي السبزواري قدس سره أحد فلاسفة الشيعة الكبار، وكتابه المنظومة كتاب درسي مشهور في الحوزات العلميّة، وبطبيعة تخصّصه لديه أفكار فلسفيّة، ولكن لم يتّضح أنّها كفريّة، سيّما وأنّه ليس كلّما يذكر في الكتاب الفلسفي كونه كاشفاً عن معتقدات المؤلّف.

296 - ما رأيكم في الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لقد وصف الشيخ ابن أبي جمهور قدس سره في كلمات الأعلام بصفات تكشف عن جلالة شأنه وعلوّ مقامه، فقال عنه الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل: «ابن أبي جمهور الأحسائي كان عالماً، فاضلاً، راوية».

ص:134

وقال عنه صاحب الحدائق قدس سره في اللؤلؤة: «الشيخ محمّد بن أبي جمهور كان فاضلاً، مجتهداً، متكلّماً».

وقال عنه المحقّق الكاظمي قدس سره في أوّل المقابيس: «العالم العلم، الفقيه النبيل، المحدّث الحكيم، المتكلّم الجليل، محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور، سقاه اللّه يوم النشور من الشراب الطهور». وأمّا التعبير عنه رحمه الله بأنّه صاحب تجلٍّ فعهدته على قائله.

297 - هل الشيخ بهاء الدين العاملي كان متصوّفاً؟ وماذا كان دوره في الاُمّة الشيعيّة؟ وهل كتاب الكشكول محرّف أم صحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد طفحت كلمات الأعاظم ببيان فضله ومقاماته بالنحو الموجب للإعجاب، فعنه يقول الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في أمل الآمل:

«الشيخ الجليل بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي العاملي الجبعي... حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق، وجلالة القدر، وعظيم الشأن، وحسن التصنيف، ورشاقة العبارة، وجمع المحاسن، أظهر من أن يذكر، وفضائله أكثر من أن تحصر، وكان ماهراً متبحّراً جامعاً كاملاً شاعراً أديباً منشئاً ثقة، عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضيات وغيرها».

وقال عنه السيّد المدني قدس سره في سلافة العصر في محاسن أعيان العصر:

«علم الأئمّة الأعلام، وسيّد علماء الإسلام، وبحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه، وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه، وبدرها الذي لا يعتريه محاقّ، الرحلة التي ضربت إليه أكباد الإبل، والقبلة التي فطر كلّ قلب على حبّها وجُبل، فهو علّامة البشر، ومجدّد دين الاُمّة على رأس القرن الحادي عشر، إليه انتهت رئاسة المذهب والملّة، وبه قامت قواطع البرهان والأدلّة، فما من فنّ إلّاوله فيه

ص:135

القدح المعلّى، والمورد العذب المحلّى، إن قال لم يدع قولاً لقائل، أو طال لم يأت غيره بطائل، وما مثله ومَن تقدّمه من الأفاضل والأعيان، إلّاكالملّة المحمّديّة المتأخّرة عن الملل والأديان، جاءت آخراً ففاقت مفاخراً، وكلّ وصف قلت في غيره فإنّه تجربة الخاطر».

وأمّا كتابه الكشكول: فقد تعرّض لبعض التحريفات بالنقيصة في بعض طبعاته، وهي الطبعة المصريّة، كما تعرّض لبعض التحريفات بالزيادة، كما في طبعة بولاق، وقد نبّه على ذلك العلّامة المتتبّع الشيخ آقا بزرك الطهراني قدس سره في الذريعة.

298 - سمعنا في الآونة الأخيرة كلاماً من بعض المعمّمين بأنّ آية اللّه العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي قدس سره ليس فقيهاً وإنّما هو اصولي فقط، فما هو رأي سماحتكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السيّد الخوئي قدس سره بنظري أفقه فقهاء الشيعة من أوّل زمان الغيبة إلى الآن، وكتبه الفقهيّة التي كتبها تلامذته تقريراً لأبحاثه الفقهيّة مستند المراجع العظام في الحوزات العلميّة، كما أنّ المراجع الكبار في قم والنجف وسائر الحوزات كلّهم تلامذته، وسمعت أنّ الأكابر منهم يشهدون بما أشهد من أعلميّته على جميع العلماء من أوّل زمان الغيبة.

299 - ما هي نظرتكم تجاه علميّة السيّد الخوئي قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو الوحيد في هذا المضمار، وحقيق بما قاله في حقّه أحد الأكابر: «هو استاذي، واُستاذ كلّ مَن يحفظ عنه العلم في القرن الأخير».

ومختصراً أقول: إنّه أعلم الفقهاء من أوّل عصر الغيبة إلى هذا الزمان، ولا أقل من أنّني لا أرى شخصاً أعلم منه، ومع ذلك فهو من مصاديق الكبرى الكلّيّة المذكورة في الرواية الشريفة:

«مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه،

ص:136

مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه»(1) ، رحمه اللّه تعالى، وحشره مع أجداده الطاهرين.

300 - لماذا كان المرحوم آية اللّه السيّد محمّد الروحاني قدس سره يدافع عن الشاه

، حتّى نقل بأنّه كان يرى أنّ الشاه ممثّل الإمام الصادق عليه السلام بينما كنتم (حفظكم اللّه) على النقيض منه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما نسب إلى أخي الأكبر السيّد محمّد قدس سره كذب محض، لا نصيب له من الواقع، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(2).

301 - ما تقولون في العلّامة الربّاني الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق قدس سره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مختصراً أقول: إنّ سماحة العلّامة المحقّق الشيخ يوسف البحراني قدس سره من أعاظم فقهاء الطائفة، وكتابه القيّم الحدائق أحد مصادر الأبحاث الفقهيّة في هذا العصر للعلماء المحقّقين وفضلاء أهل العلم، وأنا اعترف بالاستفادة منه كثيراً؛ ولذا فإنّني لا أنساه من الدعاء في مظانّ الاستجابة، شكراً لأياديه وجهوده.

302 - هل يعتبر الكاتب الإيراني الدكتور علي شريعتي خارجاً عن المذهب الجعفري بحسب رأيكم الشريف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كان رجلاً غير مستقيم في فهم الحقائق الدينيّة والمذهبيّة، وقد تضمّنت الكثير من كتبه مطالب خلاف المذهب، بل الدين،

ص:137


1- (1) وسائل الشيعة: 131:27..
2- (2) الشعراء 227:26..

وبعد صدور بعض الردود على أفكاره أرسل لي قائلاً: أنا أجيء إلى قم، وكلّ مطلب تراه خلافاً للدين والمذهب فأرشدني إليه، وأنا أتراجع عنه وأقوم بنفسي بكتابة الردّ عليه، ولكنّ ذلك لم يتحقّق.

5 - كتب ومصنّفات.
303 - ما هي كتب الشيخ الطريحي صاحب كتاب منتخب الطريحي الموجودة حاليّاً؟ وأيّها المعتمد والمعتبر عندنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المطبوع من كتبه قدس سره كتاب مجمع البحرين، وهو كتاب لغوي حديثي معتمد في مجاله، ومثله كتابه الرجالي القيّم جامع المقال فيما يتعلّق بأحوال الحديث والرجال، وكذا تفسيره الرائع غريب القرآن، وأمّا كتابه المنتخب أو الفخري فهو وإن كان مرسلاً، إلّاأنّ هذا لا يضرّ باعتباره؛ لعدم اعتبار الاتّصال السندي في الأخبار التاريخيّة، والرجل عظيم القدر، جليل المنزلة.

304 - ما رأيكم في كتاب (قصص العلماء) للتنكابني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب قصص العلماء - رغم جلالة مؤلّفه - قد أشار بعض المهتمّين بعلمي الرجال والتراجم - كالعلّامة الطهراني قدس سره في الذريعة(1) ، والميرزا التبريزي قدس سره في مرآة الكتب (2)- بأنّه يشتمل على بعض الاشتباهات والأخطاء، ولعلّ ذلك بسبب كونه معرّباً عن الفارسيّة، فلا يمكن التعويل عليه بشكل مطلق.

ص:138


1- (1) الذريعة: 162:1..
2- (2) مرآة الكتب: 65، 415..
305 - ما رأيكم الشريف بكتاب (الأسفار الأربعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو كتاب اجتهادي نظري كغيره من الكتب مشتمل على الصواب والخطأ، ومؤلّفه - مع جلالة قدره - ليس معصوماً ولم يدّع أحد له العصمة، فإنّ العصمة لأهلها، وقرائته لأهله لا بأس بها، ويتركه مَن ليس أهلاً له.

306 - ما رأيكم في كتاب (ضياء الصالحين)، وخصوصاً ما ورد فيه من الطلاسم، وما ورد من أحكام الحلق في أيّام الشهر العربي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتاب ضياء الصالحين من كتب الأدعية المعروفة، ومؤلّفه من العلماء الموثوق بهم، وإن كان الكتاب قد طبع باسم صديقه، وبضميمة قاعدة التسامح في أدلّة السنن يعتمد على ما فيه من الأدعية بلا تأمّل، وكذلك ماجاء في أحكام الحلق، وخصوص الطلاسم التي رواها عن المعصومين عليهم السلام لا كلّها.

307 - ما رأيكم بكتاب (مشارق أنوار اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام) للحافظالبرسي (رضوان اللّه عليه) هل يعتمد على ما فيه من الروايات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بما أنّ مقتضى أحاديث قاعدة التسامح في أدلّة السنن شاملة للروايات غير الصحيحة في باب الفضائل والمستحبّات، وتصييرها بحكم الصحاح، فروايات كتاب المشارق إن لم تكن مشتملة على غير ذكر فضائل الإمام عليّ عليه السلام فإنّها معتبرة.

308 - هل كتاب (إرشاد القلوب) للديلمي من كتبنا؟ وما رأيكم في مؤلّفه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: خير ما قيل عن الكتاب وكاتبه ما قاله السيّد محسن الأمين العاملي قدس سره: «هو عالم عارف عامل، محدّث كامل وجيه، من كبار أصحابنا الفضلاء في الفقه والحديث والعرفان والمغازي والسير.

ص:139

وفي أمل الآمل: الحسن بن محمّد الديلمي كان فاضلاً، محدّثاً، صالحاً، له كتاب إرشاد القلوب مجلّدان.

وفي الرياض: الشيخ العارف أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي العالم، المحدّث، الجليل، المعروف بالديلمي، صاحب إرشاد القلوب وغيره.

وينقل المجلسي وصاحب الوسائل 0 عن كتابه إرشاد القلوب كثيراً معتمدين عليه.

وقال أيضاً: كتاب إرشاد القلوب كتاب نظيف، مشتمل على أخبار متينة غريبة، وكتاب أعلم الدين وغرر الأخلّاء نقلنا منهما قليلاً من الأخبار لكون أكثر أخبارهما مذكورة في الكتب التي هي أوثق منهما، وإن كان يظهر من الجميع ونقل الأكابر عنهما جلالة مؤلّفهما»(1).

309 - هل تفسير البرهان للعلّامة البحراني قدس سره معتمد عندكم؟ وما هو أفضل تفسير للقرآن الكريم تنصحون به المؤمنين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تفسير البرهان من أفضل التفاسير الروائيّة للقرآن الكريم، وقد أتعب مؤلّفه نفسه الشريفة جدّاً في تتبّع الروايات المتعلّقة بكلّ آية من آيات القرآن الكريم وجمعها.

وللقرآن الكريم عدّة تفاسير جيّدة، منها: تفسير التبيان، و مجمع البيان، و التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام، وتفسير البيان للسيّد الخوئي قدس سره، ولكلٍّ منهما ميزته.

310 - ما هو رأي سماحتكم في كتاب (التحفة الرضويّة) للسيّد محمّد الرضوي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الكتاب المذكور مشتمل على الكثير من الأذكار والأوراد النافعة، التي ينقلها مؤلّفه الفاضل عن أكابر علماء الطائفة قدس سرهم، فلا بأس

ص:140


1- (1) أعيان الشيعة: 250:5..

بالعمل به، والاستفادة منه؛ لكون أكثر ما فيه مشمولاً لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.

311 - ما رأيكم بكتاب (صحيح الكافي) للبهبودي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما رأيت كتابه، ولا اريد أن أراه؛ ضرورة أنّه لا يمكن كتابة كتاب صحيح على جميع المباني الرجاليّة، كما أنّه دعوة عمليّة لإغلاق باب الاجتهاد الرجالي، وهي مرفوضة عندنا جملة وتفصيلاً.

312 - ما هو رأيكم الشريف في كتاب (مشرعة البحار) للشيخ آصف محسني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بنظري أنّ كتاب مشرعة البحار مشروع يهدف لإسقاط المئات، بل الآلاف، من الروايات الشريفة، وليت مؤلّفه قد كتب بدلاً عنه كتاباً يحاول فيه تصحيح الروايات من خلال إقامة القرائن الخارجيّة على صحّتها، عوضاً عن إسقاطها والإعراض عنها، فإنّه لو فعل ذلك لكان قد أسدى للتشيّع خدمة كبيرة لا يمكن أن تقدّر.

313 - ما هي الكتب التي تنصحون بقرائتها في علم الرجال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أهمّ الكتب الرجاليّة عند المتقدّمين: الاُصول الرجاليّة الخمسة المعروفة، ومن أهمّها عند المتأخّرين: الموسوعتان الكبيرتان:

تنقيح المقال للحجّة المامقاني، و معجم رجال الحديث للمحقّق الخوئي (شكر اللّه سعيهما، وضاعف أجرهما).

314 - هل يوجد كتاب شامل لما يجب الاعتقاد به لمعتنقي مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنّنا نرغب أن تصبح لدينا معرفة بعقائد مذهبنا الشريف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الكتاب العقائدي المناسب هو: كتاب عقائد الإماميّة للعلّامة الشيخ محمّد رضا المظفّر قدس سره.

ص:141

315 - ما أفضل كتب الإماميّة المتعلّقة بقصص الأنبياء عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من خيرة ما كتب كتاب قصص الأنبياء للقطب الراوندي، ومثله كتاب السيّد نعمة اللّه الجزائري 0، ولكنّهما - مع ذلك - لا يخلوان عن بعض الملاحظات المهمّة.

316 - ما أفضل الكتب التي تتناول سيرة أنصار الحسين عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من خيرة الكتب كتاب إبصار العين في أنصار الحسين للشيخ محمّد السماوي، وكتاب ذخيرة الدارين فيما يتعلّق بالحسين وأصحاب الحسين للسيّد عبدالمجيد الشيرازي الحسيني، وكتاب فرسان الهيجاء للشيخ ذبيح اللّه المحلّاتي.

317 - ما هي أفضل كتب العامّة التي اعتنت بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام المعتمدة عندهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هناك كتب كثيرة مشهورة، وفي طليعتها:

ينابيع المودّة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي، و الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي، و ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري الشافعي.

318 - ما أفضل الكتب التي تتناول سيرة المعصومين عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المراد من الأفضليّة المسؤول عنها:

الأفضليّة من ناحية صحّة كلّ ما ورد في الكتاب، فليس لنا - كما لأبناء العامّة - كتب صحاح نقبل كلّ ما جاء فيها، بل كلّ كتاب عندنا يوجد فيه الصحيح والسقيم، مع التفاوت بينهما في مقدار ذلك.

وإن كانت الأفضليّة لحسن ترتيبه: فدونك حلية الأبرار وكذا مدينة المعاجز للسيّد هاشم البحراني، و المناقب لابن شهر آشوب، و الخرائج والجرائح للقطب الراوندي، و الإرشاد للشيخ المفيد، و الدمعة الساكبة للبهبهاني قدس سرهم.

ص:142

وإن كانت الأفضليّة من ناحية التحقيق والتحليل: فدونك مؤلّفات السيّد جعفر مرتضى العاملي، والسيّد محمّد كاظم القزويني، والشيخ باقر شريف القرشي.

319 - ما هي الكتب الاُصوليّة التي تنصحون بقرائتها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أهمّ الكتب الاُصوليّة هي الكتب المشتملة على فكر الشيخ الأعظم الأنصاري، والمحقّق الآخوند الخراساني، والمحقّقين النائيني والأصفهاني والعراقي والخوئي (قدّس اللّه أسرارهم جميعاً)، فإنّ غاية ما توصّل إليه الفكر الاُصولي هو وليد فكر هؤلاء الأساطين.

320 - ما هو الكتاب الذي تنصحون بقرائته في المواعظ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أهمّ الكتب: كتاب تحف العقول لابن شعبة الحراني، وكتاب إرشاد القلوب للديلمي، وكتاب روضة الواعظين لابن الفتّال النيسابوري.

321 - ما هو أبرز كتبنا في مجال تربية النفس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: جميع الكتب المتضمّنة لبيان وظائف العباد فعلاً أو تركاً - ككتاب مرآة الكمال للعلّامة المامقاني قدس سره - متضمّنة لتربية النفس بما للنفس من المعنى الصحيح، ومع ذلك فإنّ بعض الكتب في هذا المجال لا يمكن الاستغناء عنها، ككتاب محاسبة النفس للشيخ الكفعمي قدس سره.

ص:143

علم اللغة

322 - كيف نشأت اللغات على الأرض؟ فهل كانت لغة واحدة وبعد ذلك تعدّدت إلى عدّة لغات؟

وهل استطاع العلماء أن يحدّدوا ماهيّة لغة أبينا آدم عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي بنينا عليه في دورتنا الاُصوليّة الأخيرة، هو: أنّ واضع اللغات هو اللّه سبحانه وتعالى، وقد كانت له عزّ وجلّ أساليب مختلفة في وضع الألفاظ:

منه -- ا: تعليم الأنبياء عليهم السلام كما يظهر ذلك من قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّهَا(1).

ومنها: إيجاد القدرة والاستعداد عند البشر على ذلك، كما استظهرناه من قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(2).

وأمّا ماهيّة لغة آدم عليه السلام: فالذي تنصّ عليه بعض الأخبار أنّها العربيّة، كما جاء ذلك في مضمرة عمر بن أبان:

«كان لسان آدم العربيّة»، ولكن قد يظهر من بعض الأخبار الاُخرى خلافه، كما جاء ذلك في خبر مرسل عن الإمام الباقر عليه السلام:

«إنّ إسماعيل أوّل من شقّ لسانه بالعربيّة» (3) ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

323 - هل هناك سرّ في اختيار اللّه العربيّة لتكون لغة القرآن؟ أم أنّ الأمر

ص:144


1- (1) البقرة 31:2..
2- (2) الرحمن 3:55 و 4..
3- (3) بحار الأنوار: 87:12..

لا يعدو أن يكون بلغة النبيّ المرسل فقط، ولو كان محمّد صلى الله عليه و آله ليس عربيّاً لنزل القرآن بلسانه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّ مقتضى حكمة التفهيم والتفهّم هو نزول كلّ كتاب بلغة المنزل عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1).

وقد يقال - تعويلاً على بعض الروايات - إنّ السرّ في اختيار اللغة العربيّة هو كونها أفضل اللغات، كما ورد ذلك مرفوعاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله:

«أنا أفصح العرب وأنزل اللّه القرآن بلغتي وهي أفضل اللغات» (2) ، ولكنّ هذه الروايات غير نقيّة سنداً.

324 - الآية الكريمة: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للّهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هل تدلّ على أنّ لغة أهل الجنّة ستكون العربيّة؟

(3)

وماذا عن لغة أهل النار؟ وهل هناك احتماليّة خلق لغة جديدة لأهل الجنّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: صريح عدّة من الروايات أنّ اللغة العربيّة هي لغة أهل الجنّة، كما ورد ذلك في تفسير القمّي في تفسير قوله تعالى: عُرُباً أَتْرَاباً(4) ، قال: يتكلّمون بالعربيّة.

وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في مسائل الشاميّ: «كلام أهل الجنّة العربيّة، وكلام أهل النار بالمجوسيّة»(5).

ص:145


1- (1) إبراهيم 4:14..
2- (2) بحار الأنوار: 158:17. الاختصاص: 187..
3- (3) يونس 10:10..
4- (4) الواقعة 37:56..
5- (5) مستدرك سفينة البحار: 140:7..

وورد في خبر الاختصاص: «كان لسان آدم العربيّة، وهو لسان أهل الجنّة»(1).

وأمّا الآية الشريفة المذكورة في السؤال فهي لا تصلح لإثبات المطلوب؛ لأنّها إنّما تحكي لسان أهل الجنّة بحسب المعنى لا بحسب اللفظ، وإلّا لو فتحتنا هذا الباب للزم القول بأنّ لغة أهل النار هي العربيّة أيضاً؛ لأنّهم يقولون: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ(2) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(3) ، وللزم أن تكون لغة جميع الأنبياء عليهم السلام - الذين حكى اللّه أقوالهم في القرآن - هي العربيّة؛ لأنّ كلامهم قد حكاه القرآن بلغته، وهذا ما لا يمكن الالتزام به؛ لمنافاته لصريح القرآن في قوله المتقدّم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ.

325 - هل اللغة العربيّة التي تكلّم بها الأنبياء العرب كإسماعيل وشعيب وهودوصالح عليهم السلام هي نفسها العربيّة التي تكلّم بها سيّد الرسل محمّد صلى الله عليه و آله؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر من الروايات التي تحدّثت عن الأنبياء عليهم السلام الذين تكلّموا بالعربيّة: أنّ لغة نبيّنا صلى الله عليه و آله ولغتهم عليهم السلام واحدة، بقرينة ذكرهم في عرض واحد في مقام الحصر.

326 - ما الفرق بين العبادة والاستعانة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العبادة هي الخضوع أمام عظمة المولى، والاستعانة هي طلب الإعانة والإمداد منه، وبينهما فرق واضح جدّاً.

327 - ما هو الفرق بين السخاء والكرم والجود؟

ص:146


1- (1) الاختصاص: 264..
2- (2) الأعراف 50:7..
3- (3) الملك 10:67..

باسمهِ جلّت أسماؤه: في حدود ما نعلم لم يتّضح لنا فرق بين الاُمور الثلاثة، حيث المراد من جميعها ما يقابل البخل، غاية الأمر أنّ هذه الاُمور قد تطلق ويراد منها الصفة النفسانيّة الداعية إلى البذل، واُخرى يراد منها نفس البذل الخارجي، ولعلّ المراد منها وضعاً هو الأوّل، وتطلق على الثاني بعلاقة السبب والمسبّب.

328 - هل الحرف (لن) يفيد النفي التأبيدي عند علماء اللغة والكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي عليه المعوّل عند علمائنا - لغويّين وكلاميّين - بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم، وجنح إليه بعض علماء العامّة: أنّ حرف (لن) لنفي التأبيد، ولم ينكره من علماء العامّة إلّامَن ذهب

إلى إمكان رؤية اللّه تعالى، حتّى لا ينقض عليه بقوله تبارك وتعالى: قَالَ لَنْ تَرَانِي(1) ، وهذا هو ديدنهم في المسائل اللغويّة ذات الجذور العقائديّة، فإنّهم دائماً ما يحاولون تجييرها لصالح معتقداتهم.

ص:147


1- (1) الأعراف 143:7..

ص:148

الفصل الرابع: أسئلة وأجوبة حول الحوزة العلميّة والمرجعيّة الدينيّة

اشارة

ص:149

العلميّة والمرجعيّة الدينيّة

اشارة

ص:150

329 - هل توجد فترة زمنيّة بين وفاة السفير الرابع وبين أوّل مَن تصدّى للمرجعيّة لشيعيّة؟ ومَن هو أوّل مرجع في زمن الغيبة الكبرى للإمام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لعلّ أوّل مَن تصدّى لذلك في زمن الغيبة هو الشيخ الثقة الجليل الحسن بن عليّ بن أبي عقيل، فإنّه أوّل مَن هذّب الفقه، واستعمل النظر، وفتق البحث عن الاُصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى، ثمّ اقتفى أثره واستحسن آراءه الشيخ أحمد بن الجنيد الإسكافي، وبعده وصل الأمر إلى الشيخ المفيد قدس سرهم.

330 - ما هي الأدلّة الاُصوليّة والفقهيّة على لزوم تقليد الأعلم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدليل على لزوم تقليد الأعلم هو سيرة العقلاء الممضاة من قِبل الشارع المقدّس، فإنّ سيرتهم كما هي قائمة على رجوع الجاهل إلى العالم، كذلك هي قائمة على الرجوع إلى الأعلم، سيّما في قضاياهم الخطيرة والمصيريّة، فإنّ أحداً من العقلاء لو احتاج إلى عمليّة جراحيّة خطيرة، ودار أمرها بين طبيبين أحدهما أعلم من الآخر، لا يتردّد في الرجوع إلى الأعلم منهما، ولو رجع إلى غير الأعلم لاستحقّ الذمّ من قِبل العقلاء على مختلف مللهم ومجتمعاتهم، ولا ريب في أنّ قضايا الدين لا تقلّ أهمّيّة وخطورة عن مثل ذلك، فيجب الرجوع فيها إلى الأعلم.

331 - هل يجوز التبعيض في التقليد فيقلّد أحد المراجع في باب الصلاة - مثلاً -

ص:151

ويقلّد مرجعاً آخر في باب الطهارة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المحقّق في محلّه لزوم تقليد الفقيه الأعلم، وعليه فلو كان هنالك مجتهدان: أحدهما أعلم في أحكام العبادات، والآخر أعلم في أحكام المعاملات، يجوز تبعيض التقليد حينئذٍ، بل يجب.

332 - متى يصبح المجتهد مرجعاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا توفّرت فيه سائر الشروط المعتبرة في مرجع الدين - كالعدالة والأعلميّة ونحوهما - يكون أهلاً للمرجعيّة والتقليد.

333 - ما هي الوظائف الشرعيّة لمرجع التقليد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا علمنا أنّ العلماء ورثة الأنبياء (1)- كما جاء في الحديث النبوي - فهذا يعني أنّهم مشتركون معهم في الوظائف العامّة، التي يجمعها تطبيق شريعة اللّه في الأرض وإقامة العدل، وتنطوي تحتها عناوين كثيرة، منها: تعليم الناس وتزكيتهم وإرشادهم، ومحاربة البدع ومواجهة الضلال، وإيصال الناس للهداية وإخراجهم من الظلمات.

334 - نلاحظ بعض التباين في آراء المجتهدين الناتج عن الاختلاف الثقافي بينهم

وعليه أفليس من الضروري لمن يتصدّى للمرجعيّة أن يكون مطّلعاً على الواقع الثقافي والاجتماعي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأحكام الشرعيّة التي يستنبطها الفقيه قسمان:

قسم يترتّب على الأفعال بعناوينها الأوّلية، وقسم يترتّب عليها بالعنوان الثانوي، وهذا القسم يتوقّف استنباطه في بعض الأحيان على الإحاطة بالظروف الاجتماعيّة والاطّلاع على المستجدّات، ولذا يلزم على كلّ مرجع مستوفٍ لشروط المرجعيّة

ص:152


1- (1) الكافي: 34:1..

أن يكون عارفاً بكلا القسمين ومحيطاً بما يتوقّفان عليه.

335 - نقرأ في إجازات الاجتهاد التي يعطيها المراجع لبعض تلامذتهم الحثّ على الاحتياط بشكل عجيب فما المقصود بالاحتياط الموصى به هنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد منه: الدقّة في تطبيق الوظائف المناطة به كحاكم شرعي، كقبض الأخماس والزكوات، والقضاء بين الناس، والتولية على الأوقاف العامّة، ونحو ذلك.

336 - ما هو دور المرجعيّة تجاه الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة؟ وهل يصحّ للناس انتقادها في ذلك واتّهامها بالتقصير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المرجع الديني - بحسب رأينا - مسؤول عن أوضاع المسلمين الاجتماعيّة والسياسيّة، ولكنّه لا وجه لتعيين تكليف المراجع، فإنّ كلّ واحدٍ من المراجع - بما هو مجتهد ومتشرّع - أعرف بوظيفته ووظيفة مقلّديه، سيّما وأنّ بعض الفقهاء قد يكون له رأي مختلف في هذه المسألة، وينبغي على الجميع احترام الجميع.

337 - يقول أحد المفكّرين: «إنّ الطريق الأوحد لنشر التشيّع في العالم هو:

تحرير المرجعيّة الشيعيّة من سلطة الحاشية والعائلة وسلطة المؤسّسات والدجّالين المحيطين بالمرجع» فهل هذا صحيح؟ وما مدى تأثير الحاشية والعائلة والمقلّدين على شخصيّة وقرار المرجع؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي نعلمه ويعلمه كلّ شيعي: أنّ انتشار التشيّع في أرجاء المعمورة إنّما هو ببركة الجهود التى تبذلها المرجعيّة الدينيّة للشيعة، ومع علمنا هذا كيف يصحّ لنا أن نصغي لمثل هذه المقالة المنحرفة المذكورة ضمن السؤال؟! مع وضوح أنّها محاولة من محاولات تسقيط المرجعيّة الدينيّة، والتحجيم من موقعيّتها المؤثّرة في العالم الشيعي والإسلامي، وهذا ما ينبغي

ص:153

أن يلتفت له المؤمنون، ويكونون منه على حذر دائم.

338 - يقول أحد المفكّرين: «انتهى ذلك الوقت الذي كان فيه مرجع تقليد واحد

لكلّ الكرة الأرضيّة بل يجب الآن أن يكون هنالك مرجع تقليد لكلّ دولة أو بلد أو إقليم بمعنى تحديد المرجعيّة بالمكان والزمان» فما رأيكم الجليل بهذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المناط هو الدليل الشرعي، وقد دلّنا على اعتبار شرائط معيّنة في مرجع التقليد، متى ما توفّرت فيه تعيّن تقليده، ولا عبرة بغير ذلك ممّا قيل أو يقال.

339 - جرت العادة عند أصحاب الأئمّة عليهم السلام أن يسألوا الإمام عليه السلام عن الإمام بعده

، ونحن مع دعائنا لكم بطول العمر نسألكم إن حدث لكم حدث فمن هو المرجع الأعلم والأورع بعدكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مسألة الإمامة غير مسألة المرجعيّة، فإنّ الإمامة لا تكون إلّابتعيين من اللّه تعالى، وبالتالي فلا يمكن تعيين الإمام إلّابنصّ النبيّ صلى الله عليه و آله، أو الإمام السابق، لأنّهما المترجمان عن اللّه تعالى، وأمّا المرجعيّة فإنّها تتعيّن في المرجع العادل الأعلم، وطريق معرفة الأعلم لا ينحصر بالمرجع الآخر، بل هناك طرق اخرى لمعرفة ذلك، ومنها شهادة أهل الخبرة.

340 - من المعلوم أنّ العدالة من شروط تقليد المجتهد الجامع للشرائط

، ومن شروط العدالة سلامة الاعتقاد فهل سلامة الاعتقاد تستلزم الاعتقاد بغير (التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد) كالعصمة - مثلاً - إذا التفت إليها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاُمور الاعتقاديّة قسمان:

الأوّل: العقائد الضروريّة، سواء كانت الضرورة دينيّة أو مذهبيّة، كجسمانيّة المعاد، وولادة الإمام المهدي.

الثاني: العقائد غير الضروريّة، ككون الإمام عليه السلام يرى مَن خلفه كما يرى

ص:154

مَن أمامه.

ولا شكّ في أنّ سلامة الاعتقاد - الدخيلة في العدالة - متقوّمة بالاعتقاد بالقسم الأوّل، وأمّا القسم الثاني فإنّه وإن كان دخيلاً في كمال الاعتقاد، إلّاأنّ سلامة الاعتقاد غير منوطة به.

341 - هل الإيمان بالولاية التكوينيّة للمعصوم عليه السلام دخيل في تحقيق سلامة الاعتقاد وبالتالي العدالة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين عليهم السلام من الضروريّات، ومنكرها منكر للضروريّ.

342 - وهل كذلك الأمر بالنسبة للعصمة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا شكّ ولا خلاف في عصمة النبيّ وأوصيائه عليهم السلام لأنّها - في الجملة - من الضروريّات المذهبيّة، فمنكرها منكر للضروريّ.

343 - شخص يقول: «إذا اشتبه علَيَّ الأمر في العقائد فإنّي أرجع لذي الاختصاص

في ذلك ليعطيني الرأي في المسألة حتّى لو خالف رأي المرجع الذي أرجع إليه في أعمالي» فهل كلام هذا الشخص صحيح؟ وهل هو مأثوم أمام اللّه (سبحانه وتعالى) إذا خالف المرجع الذي يرجع إليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لو صحّ الافتراض المذكور، وهو وجود شخص خبير بالمسائل العقائديّة أكثر من المرجع الديني، وكان الرجوع إليه فيها موجباً للعلم واليقين، فلا مانع من الرجوع إليه حينئذٍ.

344 - شخص يقول: «إذا أمرني المرجع الذي أرجع إليه بأمر - كالمشي إلى كربلاء -

وأنا أستطيع أن اؤدّيه فإنّي حتّى لو خالفت أمره لا أكون مأثوماً» فما هو قولكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان أمر المرجع من سنخ الأوامر التوجيهيّة التي تكون بداعي النصح والإرشاد، فلا يجب امتثاله، وأمّا إذا كان من سنخ الأحكام

ص:155

الولائيّة، فلا بدّ من امتثال أمره، والمخالف له يكون مأثوماً بلا ريب.

345 - هل واجب المكلّف الذي يقلّد مرجعاً ما أن يتّبعه في كلّ أمر يصدر عنه، حتّى لو كان في الاُمور السياسيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أوامر المراجع - في غير باب الإفتاء - تارة تكون توجيهيّة محضة، واُخرى تكون ولائيّة، والثانية لازمة الامتثال دون الاُولى.

346 - مجموعة من الشباب يقولون: «إنّ أعمالنا هي التي توصلنا إلى رضا الإمام المهدي

، وليس المرجع الذي نرجع إليه في أعمالنا هو الذي يوصلنا لذلك، فإنّه لا يتجاوز أن يكون مرجعاً نأخذ منه الفقه فقط» فما هو قولكم لهؤلاء الشباب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: رضا الإمام المهدي إنّما هو بالعمل بفتوى المراجع العظام الذين أمر بالرجوع إليهم، وأخبر بأنّهم الحجّة على شيعته.

وبعبارة اخرى: إنّ الأعمال وحدها لا تكفي لنيل رضا الإمام الحجّة إلّاأن تكون على طبق فتاوى مراجع الطائفة (أعزّ اللّه كلمتهم، وأنار برهانهم)، وبالتالي فإنّ فتاوى الفقهاء هي الموصلة لرضا الإمام من خلال العمل بها.

ولاية الفقيه.

347 - ما هي الولاية المطلقة الثابتة في مذهبنا للإمام المعصوم عليه السلام والتي يثبتهابعض الفقهاء الشيعة للفقيه الجامع للشرائط؟

وهل هي ثابتة لديكم؟ وإذا كانت ثابتة لديكم فهل تكون ثابتة له أيضاً في عصر حضور المعصوم وكيف؟ أم أنّها في عصر الغيبة الكبرى فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الولاية الثابتة للإمام المعصوم عليه السلام لها عدّة موارد:

المورد الأوّل: الولاية التكوينيّة، والمراد بها: كون زمام أمر العالم بيده،

ص:156

وله السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاء إيجاداً وإعداماً، ولكن لا بنحو الاستقلال، بل في طول قدرة اللّه تعالى وإرادته.

المورد الثاني: وجوب الإطاعة وقبول قول الوليّ في الأحكام الشرعيّة.

المورد الثالث: الولاية الشرعيّة، أي: ولاية التصرّف في الأموال والأنفس.

المورد الرابع: وجوب الإطاعة في الأوامر الشخصيّة العرفيّة.

وهذه الموارد للولاية تختصّ بالمعصوم عليه السلام ولا حظّ للفقيه فيها.

المورد الخامس: تشكيل الحكومة والرئاسة الدنيويّة وإدارة شئون الاُمّة.

المورد السادس: منصب القضاء.

والولاية للفقيه الجامع للشرائط ثابتة في هذين الموردين.

348 - هل للفقيه الوليّ ولاية كولاية المعصوم عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليست للفقيه ولاية كولاية المعصوم عليه السلام، وإنّما ولايته ولاية نسبيّة.

349 - هل يجوز للفقيه الجامع للشرائط أن يفرض سلطته على فقيه آخر جامع للشرائط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يجوز لأحد الفقهاء أن يفرض سلطته على غيره من الفقهاء والمجتهدين؛ لعدم ثبوت ذلك له.

350 - ما هو تعريف سماحتكم لولاية الفقيه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: للولاية عدّة معان أكثرها تختصّ بالمعصوم عليه السلام، وأمّا الثابت للفقيه فهو القضاوة، والولاية على القاصرين الذين لا وليّ لهم، ومرجعيّة التقليد، ورئاسة الحكومة الإسلاميّة على نحو ما لرؤساء الدول والحكومات.

ص:157

351 - هل سماحتكم يعتقد بالولاية العامّة للفقيه أم الخاصّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الولاية بمعنى كون الفقيه حاكماً على الاُمّة الإسلاميّة - كحكومة سائر الرؤساء والملوك - حقّ ثابت للفقيه.

352 - هل مسألة ولاية الفقيه وحدودها عقائديّة أم أنّها مسألة فقهيّة محضة، ولا بدّللمكلّف أن يرجع إلى مرجعه فيها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ولاية الفقيه ليست من عقائد الدين، ولا يترتّب على عدم الاعتقاد بها شيء، وإنّما هي حكم فرعي مرتبط بعمل المكلّف، وعلى المكلّف أن يرجع فيما يرتبط بها إلى المرجع الذي يجب عليه تقليده.

353 - إذا كان جواب سماحتكم بأنّ المسألة فقهيّة فهل يستطيع المكلّف أن يعدل

إلى مرجع آخر يرى ولاية الفقيه ولو كان ذلك المرجع أقلّ علماً بنظر أكثر أهل الخبرة، فيما لو كان المكلّف يرى أن مسألة ولاية الفقيه وتصدّي الفقيه للاُمور السياسيّة والاجتماعّة أمر مهمّ جدّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المكلّف المشار إليه في السؤال إمّا هو فقيه مجتهد أو لا، فإن كان الثاني لزمه الرجوع إلى الفقيه الأعلم - الجامع للشرائط - الذي تكون آراؤه وفتاواه حجّة في حقّه، ولم يصحّ له الرجوع إلى مَن هو دونه إلّابإذنه، وإن كان الأوّل لم يجز له الرجوع فيما استنبطه من الأحكام حتّى إلى الفقيه الأعلم فضلاً عن غيره.

وعليه: فما تمّ افتراضه في السؤال من كون المكلّف مقلّداً لا مجتهداً، وفي الوقت نفسه يرى أنّ مسألة ولاية الفقيه مسألة ضروريّة، تناقضٌ بيّن.

354 - هل ترون أنّ من صلاحيّات الفقيه الجامع للشرائط أن يتصدّى لإقامة دولة إسلاميّة ويحكمها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، إنّ التصدّي لإقامة حكومة الإسلام

ص:158

من جملة صلاحيّات الفقيه، ومع الإمكان يكون ذلك واجباً.

355 - هل تعتقدون أنّ السياسة والحكومة الإسلاميّة أمر يختصّ بالإمام المهدي فقط ووظيفة المرجع أن يقف عند ما يسمّى بالاُمور الفرديّة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بما أنّ جملة من الأحكام الشرعيّة أحكام جزائيّة وقضائيّة وسياسيّة واجتماعيّة، وإجراء تلكم الأحكام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن إجراؤها إلّابيد الحاكم على الاُمّة، فيجب عليه ذلك.

ولذلك النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله حينما ساعدته الظروف شكّل الحكومة الإسلاميّة، وكذلك وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام، وليس في هذا الزمان غير العلماء المجتهدين؛ لتعبير النبيّ صلى الله عليه و آله عنهم بالورثة والخلفاء(1).

وقول الإمام المهدي:

«فإنّهم حجّتي عليكم» (2) ، والمتيقّن من هذه النصوص وأمثالها هو الفقيه المجتهد(3).

356 - إذا تصدّى مرجع للقيادة الفعليّة فبأي طريق يميّز المكلّف بين طاعة

القائد وطاعة المرجع وهل يجب تقليد القائد من باب الأصلح إذا لم يكن الأعلم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المتصدّي للحكومة يحكم بحكم

ص:159


1- (1) فقد ورد عنه صلى الله عليه و آله: «اللّهمّ ارحم خلفائي. قيل: ومَن خلفاؤك يا رسول اللّه؟ فقال: الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنّتي». وسائل الشيعة: 27 91. وورد عنه صلى الله عليه و آله: «وانّ العلماء ورثة الأنبياء». الكافي: 34:1..
2- (2) وسائل الشيعة: 140:27..
3- (3) لقد بحث سماحة السيّد الاُستاذ (صان اللّه مهجته) هذه المسألة بحثاً مستوفياً في موسوعته الكبرى: فقه الصادق عليه السلام: 169:16 من الطبعة القديمة، وفي: 31:24 من الطبعة الجديدة..

الإسلام، فلا يُعقل أن يكون المرجع الديني مخالفاً له، وإن كان يحكم بما يخالف الإسلام فإنّه لا يكون جديراً بالحكومة لاعتبار العدالة في الحاكم، والحاكم بما يخالف الإسلام لا عدالة له.

357 - إذا تصدّى مرجعٌ ما للقيادة الفعليّة فبأيّ مقدار يصل نفوذه في العالم الإسلامي؟

هل في خصوص منطقة سيطرته فقط أم في جميع العالم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّ حاكميّة الحاكم يختصّ نفوذها بمنطقة سيطرته فقط، وامّا المناطق التي ليست له فيها يد مبسوطة فلا ينفذ فيها حكمه.

358 - ما المقصود بالاُمور الحسبيّة المناطة بالفقيه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ ما ثبت كونه معروفاً، ولم يعلم كونه وظيفة شخص خاصّ أو صنف مخصوص، ولم يكن لدليل ذلك المعروف عموم أو إطلاق ينفيان الإناطة بنظر شخص خاصّ، وأحرز مطلوبيّته في زمان الغيبة، فلا كلام في أنّ للفقيه التصدّي له، وأنّ مقتضى الأصل عدم نفوذ تصرّف غيره إلّابإذن الفقيه، وهذه هي الاُمور الحسبيّة.

359 - ما هو معنى الاُمور الحسبيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاُمور الحسبيّة هي الاُمور التي يُعلم عدم رضا الشارع المقدّس بتركها وإهمالها، ولا إطلاق لدليلها ليدلّ على جواز تصدّي كلّ أحدٍ لها، ويحتمل دخالة نظر شخص خاصّ فيها، كأموال الأيتام والقُصّر ونحو ذلك.

360 - أرجو بيان شرعيّة الألقاب التي يحملها رجال الدين الشيعة من (آية اللّه العظمى)

و (المرجع الديني الأعلى) من القرآن وروايات أهل البيت عليهم السلام علماً أنّنا - كشيعة - نعرف أنّ آيات اللّه العظمى هم أمير المؤمنين والزهراء وذرّيّتهما المعصومون عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه الألقاب هي من قبيل (العالم) و (حجّة

ص:160

الإسلام والمسلمين) فإنّها بما لها من المعاني تصدق على المراجع كما تصدق على المعصومين عليهم السلام، ولا نحتاج في ذلك إلى آية ولا رواية.

نعم، هنالك بعض الألفاظ قد قام الدليل على اختصاصها بالمعصومين، كلفظ (أمير المؤمنين) فإنّه قد قام الدليل على كونه من مختصّات سيّد الأوصياء عليه السلام، وعليه فنلتزم بعدم جواز إطلاقه على غيره حتّى من أبنائه المعصومين عليهم السلام، وأمّا مع عدم الدليل الخاصّ على الاختصاص وصدق اللفظ بما له من المعنى العامّ، فإنّه يحكم بجواز إطلاقه على الجميع حينئذٍ.

361 - جاء في زيارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في يوم ميلاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما نصّه:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا آيَةَ اللّهِ الْعُظْمى» فهل يعني ذلك أنّ لقب (آية اللّه العظمى) من مختصّات أمير المؤمنين عليه السلام وبالتالي فلا يجوز تلقيب غيره به؟ وما هو الدليل الشرعي على صحّة إطلاق هذا اللقب على مراجع الدين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إطلاق بعض الأوصاف والألقاب - كالعالم والعابد والناسك ونحو ذلك - على أحد المعصومين عليهم السلام لا يعني عدم جواز إطلاقها على غيره، ما دام معناها يتّسع لذلك مع حفظ التفاوت في المراتب، ومن ذلك لقب (آية اللّه العظمى).

ولا وجه للسؤال عن الدليل على الجواز؛ لأنّ الأصل هو الإباحة والجواز في كلّ ما شكّ في حرمته لعدم الدليل عليها، وعدم الجواز هو الذي يحتاج إلى الدليل.

362 - ما هي الوظائف الشرعيّة لطالب العلم الديني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أوّل وظيفة من وظائف طالب العلم: التعلّم للّه تعالى، لا للدنيا ولا للسلطان، وتزكية نفسه ليزكّي الناس، وتعليم ما تعلّم فإنّ زكاة العلم إنفاقه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

363 - ما هو رأيكم بالكلام الآتي: «لماذا لا تدرّس الحوزة العلميّة العلوم

ص:161

والنظريّات الحديثة ويتمّ الاقتصار فقط وفقط على تراث الفقه الإسلامي وهذه ظاهرة خطيرة تعكس الإسلام بصورة اختزاليّة لجانب واحد فقط من جوانب الحياة، بعيداً عن النظرة التركيبّة الشموليّة لخير الدنيا والآخرة»؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: وظيفة الحوزة العلميّة المباركة (صانها اللّه عن كلّ سوء) إنّما هي تهيئة المتخصّصين في علمي الفقه والكلام وما يمّت لهما بصلة، كعلم الاُصول والرجال والمنطق والأدب، إذ الهدف الأسمى إنّما هو تربية العلماء الربّانيّين، الذين يرشدون إلى اللّه تعالى ويهدون إليه.

وكلّ العلوم والمعارف الدخيلة في تحقيق هذا الهدف في تطوّر دائم ومستمرّ، ببركة فتح باب الاجتهاد عندنا - نحن الشيعة -، ومن اطّلع على عمق العلوم الحوزويّة وقارنها بغيرها من العلوم عرف حقيقة ما نقول.

364 - ما هو رأيكم في الفلسفة التي تدرّس في حوزات قم المقدّسة وهل تنصحون طالب الحوزة بدراستها ولو لم يكن أهلاً لها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مَن لم يكن أهلاً لدراسة المسائل الفلسفيّة، فلا يجوز له دراستها؛ لأنّها مزلّة الأقدام.

365 - هل تعتبر دراسة الفلسفة والمناقشة فيها حراماً بسبب بعض الاُمور التي يمكن أن نعتبرها شركا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا كنتم ترون في الفلسفة بعض ما يعتبر شركاً، فاللازم عليكم اجتنابها وعدم دراستها.

366 - ما هي حدود دراسة الفلسفة بالنسبة لطالب العلوم الدينيّة الحوزويّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا تجوز دراسة الفلسفة إلّاللطلاب المحصّنين فكريّاً وعقائديّاً، وكلّما تأخّروا في الشروع في دراستها - حتّى تكون سائر العلوم الحوزويّة بأيديهم - كان ذلك أفضل وأكمل.

ص:162

367 - سيّدنا لقد اختلف أهل العلم في تحديد أحسن الكتب الاُصوليّة التي تدرّس

في الحوزة فبين مَن ينصح بدراسة الكتب الجديدة كالحلقات وبين مَن ينصح بدراسة المتون القديمة كالقوانين فما هو رأيكم الشريف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستحسن بنظري في دراسة الاُصول دراسة كتاب المعالم، ثمّ اُصول المظفرّ، ثمّ الكفاية و الرسائل.

368 - إذا قال عالم عن كلام عالم آخر: «إنّ هذا كفر» فهل يعني ذلك أنّه يكفّره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّا، ليس مقصوده تكفيره، وإنّما مقصوده أنّ الفكرة المذكورة في كلامه كفريّة، ولا ملازمة بين كون الفكرة كفريّة وكفر صاحبها.

369 - ما هي وجهة نظركم في إحياء سنويّات العلماء بحيث أنّ عدّة من المؤمنين اعتادوا على إحياء ذكرى سنويّة لمراجع تقليدهم وذلك بلطم الصدور عند بعضهم

، أو إقامة المهرجانات للحديث عن فضائل ذلك العالم وهذه الاُمور مستمرّة لسنين طويلة ومن مختلف المرجعيّات فهل يجوز تخليد العلماء بهذه الطريقة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إحياء سنويّات العلماء الربّانيّين من خلال إقامة المهرجانات للحديث عن فضائلهم، ونشر مناقبهم ومآثرهم، ليهتدي الناس بهداهم، أمر - في حدّ نفسه - حسن وراجح، إلّاأنّ اللطم على الصدور ينبغي أن لا يكون على غير المعصومين وأبنائهم الطاهرين عليهم السلام.

370 - ما حكم تقبيل جباه خطباء المنبر وأئمّة الصلاة عند تحيّتهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تقبيل جباه سائر المؤمنين من المستحبّات؛ لما ورد عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«إنّ لكم لنوراً تعرفون به في الدنيا حتّى أنّ أحدكم إذا لقي أخاه قبّله في موضع النور من جبهته» (1) ، ويتأكّد هذا الاستحباب بالنسبة

ص:163


1- (1) الكافي: 185:2..

لرجال الدين خطباء وعلماء.

371 - هل كلّ مَن يقوم بعمليّة التدريس بحث الخارج - في الفقه والاُصول - في الحوزة لا بدّ أن يكون مجتهداً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، تدريس البحث الخارج لا يقدر عليه غير المجتهد، ولا يشترط فيه الاجتهاد بالفعل، بل يكفي فيه الاجتهاد بالقوّة.

372 - ورد عن حمّاد بن عثمان قال: «كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام إذ قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب كان يلبس الخشن

، بس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيّد؟

قال: فقال له: إنّ عليّ بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به فخير لباس كلّ زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس عليٍّ وسار بسيرته».

والسؤال: ألا يعتبر لباس طلبة الحوزة من لباس الشهرة باعتباره ليس من لباس أهل الزمان بالإضافة إلى أنّه يضفي التميّز والشهرة على لابسه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من لباس الشهرة: ليس اللباس الذي يعرف به شغل الإنسان وعمله، وإنّما المراد منه أن يكون لباسه على خلاف ما ينبغي أن يكون عليه لباسه من حيث الجنس أو اللون أو التفصيل أو الخياطة، كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس، وبذلك يظهر أنّ لباس الشهرة لا يشمل اللباس المختصّ بالطلاب والعلماء.

373 - أحد أولادي يبلغ من العمر 12 سنة وهو على صغر سنّه عنده نوع من الالتزام

الديني من الصلاة والصيام والمداومة على الوضوء وقراءة الرسالة العمليّة وعدم الرغبة في اللعب مع الأطفال ولديه الرغبة الشديدة والملحّة في طلب العلم الحوزوي وقد أعطاه اللّه تعالى من الحافظة والعقل والاستعداد فوق مستوى عمره،

ص:164

بحيث كلّ مَن يجالسه يعترف بأنّ عقله أكبر من عمره فهل ترون أن أتركه يكمل ما بقي عليه من الصفوف المدرسيّة ثمّ بعد ذلك أرسله إلى الحوزة؟ أم اخرجه الآن من المدرسة كما هي رغبته ليشرع في الدروس الحوزويّة من الصغر حيث لا يمكن الجمع بينهما؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مع هذه الخصوصيّات المذكورة في السؤال - وعدم إمكان الجمع بين الدراستين الحوزويّة والأكاديميّة - أرى أن إخراجه من المدرسة والشروع معه في الدروس الحوزويّة إن لم يكن واجباً عينيّاً فلا أقلّ من أنّه مقتضى الاحتياط اللزومي، أسال اللّه تعالى أن يجعله من العلماء العاملين، ومروّجي شريعة سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

374 - شابّ يحضر عندي دروساً حوزويّة فترة من الزمن ويرغب رغبة شديدة في الاستمرار ولديه استعداد وحافظة وفطنة وسرعة بديهة بشكل غريب

، وأنا لا أشكّ بأنّه سيصبح علماً من أعلام الشيعة في المستقبل إلّاأنّ أباه مخالف له، وبين الحين والآخر يمنعه من الحضور ويهدّده فهو يسأل: هل يجوز أن يخالف والده ويستمرّ في الدروس الحوزويّة ما دام هو في تمام الاستعداد والرغبة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجب عليه السعي أوّلاً إلى إرضاء أبيه، وإن لم يمكن فالعمل يكون بنحوٍ لا يتأذّى أبوه، وإن لم يمكن ذلك، وحيث أنّ الشابّ المذكور على ما ذكرتم من الخصوصيّات، يجب عليه إدامة الحضور للدروس، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فهو مجاز للحضور في مجلس الدرس، وعليه أن يبذل قصارى جهده لأجل إرضاء والده؛ لأنّ ذلك من أهمّ موجبات التوفيق.

375 - شابّ ذكيّ لديه الأهليّة لطلب العلم الشرعي وأتباع المذهب في مدينته يحتاجون لرجل دين رجعون إليه في امور دينهم فهل يجب عليه السفر لطلب العلم

،

ص:165

علماً أنّه متزوّج ولا يستطيع توفير السكن والنفقة وحاجيات الدراسة والراتب المقرّر من الحوزة لا يكفي سوى لأحد تلك الاُمور فهل يسقط عنه التكليف بطلب العلم الديني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يسقط التكليف المذكور في الآية الكريمة:

فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (1) لأجل السبب المذكور، فإنّ ذلك ممّا يمكن للمكلّف تحمّله، وإنّ كثيراً من المراجع والعلماء الكبار كان وضعهم المادّي أقلّ ممّا ذكرت، ومع ذلك توكّلوا على اللّه تعالى، وخاضوا غمار طلب العلم، حتّى صاروا من كبار مراجع وفقهاء الطائفة، ولك اسوة بهم.

376 - إنّني طالب جامعي أرغب في الدخول في السلك الحوزوي

وهذه الرغبة موجودة عندي منذ طفولتي غير أنّ الوالد (حفظه اللّه) لم يكن موافقاً ولا يزال معارضاً لسفري مع العلم أنّي بلغت الثانية والعشرين من عمري ولم أفرغ من دراسة أي شيء من المقدّمات فهل يجوز لي شرعاً السفر دون إذن الوالد؟ وهل تعتقدون أنّ في هذا السفر مصلحة وأنّه محلّ عناية المولى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الهجرة لطلب العلوم الدينيّة ذات مصلحة بلا ريب، وهي محلّ عناية المولى بلا شكّ، ولكنّها تفتقد ذلك لو كانت موجبة لإيذاء الوالدين، فينبغي على طالب العلم تحصيل رضا والديه ليحظى بدعواتهما المباركة، ويكون التوفيق حليفه.

377 - لديّ طموح أن أدرس العلوم الدينيّة فهل من الممكن أن أجمع بين الدراستين

الحوزويّة والجامعيّة مع العلم أنّي مستعدّ أن أبذل الجهد كلّ الجهد في سبيل هذا

ص:166


1- (1) التوبة 122:9..

الأمر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الجمع بين الدراستين مع الإمكان حسن، وتعلّم العلوم الدينيّة ولو بمقدار قليل من أعظم العبادات، كما أنّ تعلّم سائر العلوم الاُخرى من موجبات تقوية الدين، وإظهار عظمة شوكة المسلمين، فهو من العبادات أيضاً، وفّقكم اللّه لما قصدتم.

378 - هل يجب علَيَّ طلب العلوم الدينيّة في الحوزة العلميّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجب عليك الالتزام بالأحكام الشرعيّة، وهو يحتاج إلى التعلّم، أو الرجوع إلى مَن يعلم وهو مرجع التقليد.

379 - وعلى فرض عدم الوجوب فمتى يكون ذلك واجباً علَيَّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التفرّغ لطلب العلوم الدينيّة واجب كفائي، إن قام به البعض سقط عن الآخرين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع.

ص:167

ص:168

الفصل الخامس: أسئلة وأجوبة في التربية والأخلاق والمعنويّات

اشارة

ص:169

ص:170

مسائل أخلاقيّة

380 - ما هو الفرق بين علم الأخلاق وعلم الروحانيّات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علم الأخلاق هو العلم الباحث عن طرق تخلية النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل، بينما العلوم الروحانيّة هي العلوم التي تبحث عن كيفيّة تمكين النفس من الأفعال الغريبة، والسيطرة على غيرها من الجنّ والإنس.

381 - هناك عدّة مدارس أخلاقيّة يتحدّث عنها الباحثون في علم الأخلاق، ما هي أعظم مدرسة أخلاقيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ أعظم مدرسة أخلاقيّة هي آيات القرآن الكريم، وروايات السادة المعصومين عليهم السلام، وأدعيتهم الشريفة، كدعائي (التوبة) و (مكارم الأخلاق) ونحوهما من أدعية الصحيفة السجّاديّة المباركة.

382 - التعصّب المذكور في الروايات هل هو أمر ممدوح أم مذموم؟ وما هو معناه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يُراد بالتعصّب معناه العرفي من صلابة الموقف وحماسة الدفاع، وهو من الاُمور الممدوحة إن كان في سبيل الحقّ والمبدأ، كما أشار لذلك أمير المؤمنين عليه السلام في قوله:

«إن كنتم لا محالة متعصّبين فتعصّبوا لنصرة الحقّ» (1).

ومن الاُمور المذمومة إن كان في غير ذلك السبيل، كما أشار إلى ذلك الإمام

ص:171


1- (1) عيون الحكم والمواعظ: 63..

زين العابدين عليه السلام بقوله:

«العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين» (1).

383 - ورد الحثّ في الأحاديث الإسلاميّة على مفهوم القناعة فهل معنى القناعة

قتل الحيويّة والنشاط والفاعليّة الحضاريّة والإبداع والتحرّك والتطوّر وتقديس الواقع الفاشل تحت شعار أنّه قضاء اللّه وقدره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من القناعة بما قسمه اللّه تعالى وقضاه:

الرضا بالواقع الذي يصل له، بعد بذل تمام الجهد في تهيئة المقدّمات لأجل الوصول إلى ما يمكنه الوصول له، وليس المراد من القناعة: الرضا بالواقع من غير بذل أدنى جهد في تغييره.

384 - إذا كنت أكره وأحقد على شخص ما ولكنّي اظهر له خلاف ذلك

، وكأنّي احبّه وأنّه أعزّ أحبّائي وأصدقائي فهل يعتبر هذا نفاقاً اجتماعيّاً أم يعتبر مصداقاً لقول الأئمّة عليهم السلام: «مداراة الناس نصف الإيمان»(2) و «التودّد إلى الناس نصف العقل»(3) ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من مداراة الناس أو التودّد لهم:

اللين معهم، وحسن صحبتهم، وتحمّل أذيّتهم، من غير حاجة إلى ارتكاب بعض المحاذير، كالكذب والخداع.

385 - ما معنى هذه المفردات: الحيلة الحدّة الحقارة الحماقة

؟ وكيف تكون رذائل أخلاقيّة؟ وهل هناك آيات أو روايات دالّة على أنّها رذائل أخلاقيّة؟

ص:172


1- (1) الكافي: 308:2..
2- (2) الكافي: 117:2..
3- (3) الكافي: 643:2. وسائل الشيعة: 52:12..

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحيلة هي: ما يتوصّل به إلى المطلوب بطريقةٍ خفيّةٍ لا تخلو عن التواء، وقد تُطلق على الأعمال الداخلة في الشعبذة، وقد تُطلق على ما يساوق الخديعة والمكر.

وأمّا الحدّة فهي: ما يعتري الإنسان من النزق والغضب، وهي ممدوحة إن كانت للحقّ، وإلّا فهي مذمومة.

وأمّا الحقارة: فالحقير هو: الصغير الذليل، ويستفاد من الروايات حرمة تحقير المؤمن غيره من المؤمنين وكذلك نفسه أيضاً.

وأمّا الحماقة: فهي عبارة عن التصرّفات الهوجاء، التي تسيطر عليها القوّة الغضبيّة، من غير إعمال القوّة العاقلة.

وكون هذه الصفات من الرذائل الأخلاقيّة أمر غنيٌّ عن البيان، ولشدّة وضوح الأمر فيها لسنا نحتاج لعرض الآيات والروايات الشريفة؛ لأنّها في غاية الكثرة.

386 - ما معنى الأنانيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأنانيّة متقوّمة بعنصرين:

الأوّل: حبّ الإنسان ذاته.

الثاني: استحقار الآخرين، وعدم الالتفات لهم.

وإنّما يعبّر عن هذين العنصرين بالأنانيّة؛ لأنّ المتوفّر عليهما دائماً ما يكرّر قول:

«أنا»، وكأنّه يقول: «أنا لا غيري».

387 - ورد في إحدى كلمات أمير المؤمنين عليه السلام مدح لصفة الزهو لدى المرأة

، وإذا كان الزهو بمعنى الكبر - والكبر صفة سيّئة - فما هو حدّ الكبر المباح الذي ينبغي للمرأة التحلّي به دون الوصول إلى حدّ الكبر المحرّم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من الزهو الممدوح بالنسبة للمرأة الزهو بالنسبة إلى الرجل الأجنبيّ، الذي يؤدّي إلى عدم تمكين الأجانب منها، كما هو

ص:173

صريح ذيل كلامه عليه السلام حيث يقول:

«خيار خصال النساء شرار خصال الرجال:

الزهو... فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها» (1) ، وبذلك يظهر وجه ممدوحيّة هذا الزهو.

388 - هل المزاح نوعان محرّم وحلال؟

وعلى فرض أنّه نوعان فما هي حدود المزاح الحلال؟ وما هي حدود المزاح الحرام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الكلام المستعمل في مقام الهزل والمزاح على قسمين:

الأوّل: ما يقصد به الإخبار عن أمر، ويكون الداعي له هو الهزل لا الجدّ، كأن يقول لزيد: «جاء أبوك من السفر» بداعي الهزل، ولا كلام في أنّ هذا النوع من الخبر لو كان مخالفاً للواقع يكون كذباً، وتدلّ على حرمته جميع الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب.

الثاني: ما لا يقصد به الإخبار عن أمر، بل يكون الكلام مسوقاً لبيان إنشاء أمر بداعي الهزل، مع ظهوره في كونه إنشاءاً ولو بواسطة القرائن، كأن يقول للرجل الجبان مخاطباً إيّاه: «أيّها الشجاع» أو «أيّها الأسد»، وهذا القسم من الهزل لا يكون من نوع الخبر، فلا يتّصف بالكذب ولا بالصدق، ولا تشمله أدلّة حرمة الكذب، ومقتضى الأصل هو الجواز والحلّيّة.

389 - ما آداب السؤال وكيفيّته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: آداب السؤال كثيرة، كما جاءت في روايات المعصومين عليهم السلام، ولضيق المجال نكتفي بعرض بعضها:

فمنها: ما أشار إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله:

«حسن السؤال نصف العلم» (2).

ص:174


1- (1) نهج البلاغة - الخطب: 52:4..
2- (2) بحار الأنوار: 224:1..

ومنها: قول الإمام عليّ عليه السلام:

«سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك» (1).

ومنها: قول الإمام الصادق عليه السلام:

«سل تفقّهاً، ولا تسأل تعنّتاً» (2)

390 - ما هو المحرّك الأساسي للإنسان؟ هل هو حبّ الذات أم شيء آخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المحرّك الأساسي للإنسان غالباً هو حبّه لذاته؛ لأنّ حبّ الذات من غرائزه الذاتيّة، ولكنّ ذلك لا يمنع من السيطرة عليها والتحكّم فيها، وجعل المحرّك هو حبّ اللّه تعالى، كما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين وسائر المعصومين عليهم السلام.

391 - أعاني من مشكلة طالما حلمت أن تحلّ وهي أنّي أمتلك نفسيّتين: النفسيّة

الاُولى حقودة وحسودة والثانية خيّرة ومؤمنة وتفوز النفسيّة الاُولى في جميع الأحوال بالبداية ولعلّها لا تستمرّ أكثر من 10 ثوان ولكن بعدها تنتصر النفس الثانية.

ولأكون أكثر إيضاحاً عندما أرى أو أسمع بأنّ أحداً من أصدقائي أو أقربائي أو أي شخص أعرفه قد نال حسنة أو درجة أو ترقية أو تزوّج أو أنجب أو.. أو.. عندها تفيق النفسيّة الاُولى وتجعل تفكيري كما تريد ولكن بعد ثوان تفيق النفسيّة الثانية وتدعو للشخص بالمزيد وإنّ مَن أعطاه ذلك يستطيع أن يعطيني ويزيده ويزيدني.

فكيف أتخلّص من النفس الاُولى ولعلّها النفس الأمّارة بالسوء علماً بأنّها تتعبني وتجعلني من الحاسدين ونفسي الاُخرى لا تريد ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا أنعم اللّه على أخيك نعمة فلك فيها حالتان:

إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحبّ زوالها، فهذه الحالة تسمّى حسداً.

الثانية: أن لا تحبّ زوالها، ولكنّك تشتهي لنفسك مثلها، وهذه تسمّى غبطة،

ص:175


1- (1) علل الشرائع: 64:1..
2- (2) الكافي: 381:6..

والحسد المنهيّ عنه هو الأوّل، وأمّا الثاني فإنّه لا إشكال فيه، بل ربّما يكون حسناً ومطلوباً.

وللحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة: العداوة، والتعزّز، والتكبّر، والتعجّب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحبّ الرئاسة، وخبث النفس وبخلها.

ثمّ إنّ الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى تلكم الأمراض إلّابالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو: أن تعرف تحقيقاً أنّ الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وأنّه لا ضرر على المحسود بل ينتفع به في الدنيا والدين، ومهما عرفت ذلك عن بصيرة ولم تكن عدوّ نفسك وصديق عدوّك فارقت الحسد لا محالة.

392 - ما هي قيمة التواضع للأغنياء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في العلويّ: «مَن أتى غنيّاً فتواضع لغنائه ذهب اللّه بثلثي دينه»(1).

وقال عليه السلام:

«ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند اللّه وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالاً على اللّه» (2).

393 - هل يجوز للإنسان الزهد في الآخرة وليس قصدي أن لا يعمل خيراًبل يعمل ويهدي ثواب أعماله للآخرين كالأئمّة عليهم السلام والشهداء والعلماء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عمل الخير المُهدى ثوابه للأئمّة عليهم السلام والشهداء والعلماء ليس زهداً في الآخرة؛ لأنّ ثوابه يكون أكثر بمراتب ممّا لا يُهدى إلى أحد.

ص:176


1- (1) نهج البلاغة - الخطب: 50:4..
2- (2) نهج البلاغة - الخطب: 95:4..
394 - إذا كانت كلّ علاقاتي الفرديّة والاجتماعيّة والحضاريّة في الحياة لأجل

منفعتي الخاصّة بمعنى أنها ذات استراتيجيّة نفعيّة براجماتيّة 100% فتكون المادّة والمنفعة هي محور حياتي فلا أذهب لزيارة ولا اصادق ولا أنفع الآخرين حتّى يفيدوني وينفعوني ولا أقوم بعمل دون فائدة تعود لي فهل هذا يعتبر نفاقاً اجتماعيّاً؟ وهل يجب علَيَّ أن أنسف كلّ علاقاتي الاجتماعيّة والعائليّة وإقامتها على أساس ربّاني ونيّة خالصة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ينبغي للمؤمن أن يربأ بنفسه عن علاقة المصلحة، لتكون علاقته بإخوانه المؤمنين علاقة الحبّ في اللّه تعالى، فقد ورد في معتبرة ابن محبوب، عن الإمام الصادق عليه السلام:

«مَن أحبّ للّه وأبغض للّه، وأعطى للّه ومنع للّه، فهو ممّن كمل إيمانه» (1) ، ومثلها من الروايات كثير.

395 - ورد في القرآن الكريم: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وقد أمرنا الرسول

(2)

الأعظم صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام بهذا الخلق العظيم وأتسائل كيف نكتم ونكظم غيظنا وغضبنا وألمنا وقد قيل في علم النفس أو غيره: إنّ الإنسان يجب عليه أن لا يكتم ألمه وحزنه وغضبه في نفسه وصدره وإلّا سيمرض فيما بعد بل يجب إخراج ما بداخل الإنسان من ضغط وألم فكيف نوفّق بين ما يقوله الدين وما يقوله العلم في هذا المجال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّ المراد بكظم الغيظ في الآية الكريمة هو: عدم الانتقام، وعدم المجازاة لمن أساء عند هياج الطبع للانتقام، وعلى ذلك فما يقوله العلم غير ما يأمر به الدين.

396 - أشكو من الجبن والخوف وضعف القلب واُريد بعض السور القرآنيّة

ص:177


1- (1) المحاسن: 263:1..
2- (2) آل عمران 134:3..

والأذكار التي تخلّصني من ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بإمكانكم الرجوع إلى بعض الكتب المختصّة بمثل هذه الاُمور، ككتاب طبّ الأئمّة عليهم السلام للسيّد عبداللّه شبّر قدس سره، فإنّه قد جمع فيه الكثير من الروايات النافعة في هذا المجال، كقول الإمام الصادق عليه السلام:

«اُحبّ لكلّ مؤمن أن يتختّم بخمسة خواتيم: بالياقوت... وبالفيروزج وهو نزهة الناظر من المؤمنين والمؤمنات وهو يقوّي البصر ويوسّع الصدر ويزيد في قوّة القلب» (1).

وقول أمير المؤمنين عليه السلام:

«السفرجل قوّة القلب وحياة الفؤاد ويشجّع الجبان» (2).

397 - ورد في كتاب (المقامات العليّة) للشيخ عبّاس القمّي قدس سره في وصف صاحب

اليقين ما هذا نصّه: «أنّه بقدر ما يزداد يقين الإنسان يغلب الجانب التجرّدي فيه ولهذا السبب تحصل لديه قوّة التصرّف في جميع الكائنات التي هي من شأن المجرّدات»، فما هو معنى الجانب التجرّدي والمجرّدات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: صاحب اليقين هو الذي وصل إلى مرتبة عالية من الإيمان، وأطاع اللّه سبحانه حقّ طاعته، وقد ورد في الحديث القدسي:

«عبدي أطعني حتّى أجعلك مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون» (3) ، والمراد من الجانب التجرّدي هو سيطرة الإنسان على نفسه الأمّارة بالسوء، بالابتعاد - قدر الإمكان - عن المادّيات، والجنوح نحو المعنويّات.

398 - عرّف الشيخ القمّي قدس سره في كتابه المذكور (الجربزة): «بأنّها باعثة للخروج

عن حدّ الاعتدال في الفكر في طرف الإفراط وموجبة لعدم وقوف الذهن في مكان

ص:178


1- (1) تهذيب الأحكام: 37:6..
2- (2) مستدرك الوسائل: 401:16..
3- (3) شجرة طوبى: 33:1..

ما» فما هو مقصوده من حدّ الاعتدال في الفكر؟

ويقول قدس سره في علاجها: «هو الرجوع إلى استدلالات ومعتقدات العلماء المشهورين باستقامة السليقة» فأين هي هذه الاستدلالات لكي اقوّم سليقتي في التفكير المعتدل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاعتدال في التفكير هو التفكير طبق المنطق والعقل، بعيداً عن الإيمان بالخرافات والاُمور غير المدعومة بالدليل، فإنّ ذلك يؤدّي إلى عدم وقوف الفكر في مكان مّا، بل يمضي الفكر بصاحبه حينئذٍ حتّى للاعتقاد بالاُمور السخيفة كاُلوهيّة المادّة وربوبيّة البقر.

والعلماء الذين يرجح سهمهم في الاستدلال على العقائد - مع استقامة السليقة - هم علماء الطائفة المحقّة، الذين ألّفوا في العقائد، كالفاضلين الحلبيّين والشهيدين وقبلهم المفيد والمرتضى قدس سرهم وغيرهم.

399 - ما المطلوب منّا كي نتّصف بصفة الرحمة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الرحمة رحمتان:

الاُولى: صفة نفسيّة خارجة عن الاختيار إلّابمقدار تنمية الاستعداد إذا كان موجوداً في الإنسان.

و الثانية: صفة فعليّة وهي في مقدور الإنسان بأن يفعل الخير للآخرين، فالذي يريد أن يكون رحيماً في فعله فعليه أن يفعل ما يمكنه من الخير والإحسان للناس.

ص:179

مسائل روحيّة

400 - كيف السبيل إلى معرفة النفس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المراد من معرفة النفس معرفتها بالكنه فهي غير ميسّرة لأحد إلّالمن خلقها، وإن كان المراد معرفتها ولو في الجملة فخير سبيل إلى معرفتها هو التفكّر العميق في حقيقتها، وفي قواها وكمالاتها من خلال الرجوع إلى الآيات القرآنيّة والأخبار المعصوميّة الواردة بشأنها، ومن خلال الاستعانة باللّه تعالى عن طريق الدعاء والتضرّع لمعرفتها بصورة صحيحة تؤدّي بالعارف بها إلى معرفة ربّه تبارك وتعالى.

401 - ما هي أفضل وسائل تهذيب النفس من الرذائل والسلبيّات كالغضب والعصبيّة وعدم الصبر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أفضل طريق لتهذيب النفس، وتحليتها بالفضائل، وتخليتها من الرذائل، هو: الانقياد لأوامر الشريعة، والانزجار لنواهيها، فإنّ في ذلك خير الدنيا وصلاح الآخرة.

402 - هل هناك ذكر أو دعاء ينفع لكي تطيعني نفسي عوض أن أطيعها

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «وإنّما هي نفسي اروضّها بالتقوى؛ لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت على جوانب المزلق»(1) ، ويفهم من كلامه عليه السلام أنّ السبيل لترويض النفس والسيطرة عليها ليس إلّاتعميق ملكة التقوى

ص:180


1- (1) نهج البلاغة - الخطب: 71:3..

في وجود الإنسان.

403 - إذا قمت بتطهير روحي وتزكية نفسي بطريقة تختلف عن طرق مذهب أهل البيت عليهم السلام فهل ينطبق علَيَّ قول اللّه تبارك وتعالى

: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(1) ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التزكية بطريق غير طرق الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام ليست تزكية حتّى تشملها الآية الكريمة، وشاهدُ ذلك ما يصل إلينا من أحوال المرتاضين غير الموحّدين، أو الصوفيّة، فإنّهم رغم اشتغالهم ببعض الرياضات الروحيّة إلّاأنّهم لم يستطيعوا تزكية أنفسهم من الرذائل، بل إنّ بعض رياضاتهم تعتمد بصورة أساسيّة على بعض الرذائل الأخلاقيّة كالتعرّي واستماع الغناء ونحو ذلك.

404 - اريد أن أرتقي السلّم الروحاني حتّى أشعر بقربي من اللّه وأهل البيت عليهم السلام، فكيف يمكنني ذلك

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: طريق الارتقاء هو العمل بالوظائف الشرعيّة، بالإتيان بالواجبات مع خلوص النيّة، وترك المحرّمات، وهو أحسن سلّم، لا سيّما مع ضمّ خدمة الإسلام والمسلمين.

405 - كيف يمكن تقوية الإيمان

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ممّا يساعد على ذلك ترك جميع المحرّمات، والإتيان بجميع الواجبات، والحفاظ على الصلوات، وخاصّة في أوّل أوقاتها، والاستعانة دائماً بصاحب العصر والزمان.

406 - هل الإنسان المسلم والمؤمن باللّه كئيب ومعقّد ومريض نفسيّاً، كما يقول الناس؟

وكيف يمكن أن يكون الفرد المؤمن مطمئنّاً ومرتاحاً نفسيّاً طول حياته

ص:181


1- (1) الشمس 9:91..

في ظلال الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يحصل الاطمئنان إلّابارتباط الإنسان بربّه؛ ضرورة أنّ حالات القلق والاضطراب إنّما تصيب الإنسان بسبب تعلّقه بمفاتن الدنيا تعلّقاً كلّيّاً، بعيداً عن شرع اللّه ودينه، والشاهد على ذلك: أنّ الإنسان المرتبط بربّه تراه مطمئنّ القلب، مهما كثرت عليه نوائب الدهر ومصائبه؛ لأنّه معتقد بأنّ ربّه لم يختر له إلّاما فيه صلاحه، بينما الإنسان البعيد عن ربّه تراه خائفاً قلقاً مضطرباً لأقلّ سوء يصيب حياته، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(1).

407 - كيف نعرف أنفسنا هل هي مهتدية أم لا

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا لم نفقدها في الموضع الذي أمرها اللّه بالكينونة فيه، ولم نجدها في الموضع الذي نهاها اللّه تعالى عن الصيرورة فيه، فهي مهتدية، وإلّا فليست كذلك، مع ملاحظة النسبيّة في الهداية والضلال.

408 - ما هو الطريق العملي لتقوى اللّه

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الطريق العملي للتقوى قد اختصره الإمام الصادق عليه السلام في عبارتين، حيث قال: «أن لا يراك اللّه حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك»(2) ، وتتكامل ملكة التقوى بعمل كلّ الواجبات، والممكن من المستحبّات، وترك جميع المحرّمات، والممكن من المكروهات، والوقوف عند الشبهات.

409 - ما أقلّ درجات التقوى

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أقلّ مرتبة من مراتب التقوى هي: ترك

ص:182


1- (1) الرعد 28:13..
2- (2) بحار الأنوار: 349:75..

المحرّمات، وفعل الواجبات.

410 - ما هي فائدة الالتجاء إلى اللّه تعالى

؟ وهل يكون ذلك عند الشدائد فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: فائدة الالتجاء إلى اللّه هي الشعور بقوّة لا ضعف معها، وغنىً لا فقر معه، وعزّ لا ذلّ معه، وكما يكون الالتجاء إليه في الشدائد كذلك يكون حال الاختيار، بل هو الأوْلى بالمؤمن الذي ينبغي عليه أن يشعر بحاجته للّه تعالى في كلّ آن ولحظة.

411 - ما هي حقيقة الاستعاذة

؟ وهل هي لفظيّة أم واقع عملي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاستعاذة هي الاستجارة والالتجاء إلى اللّه سبحانه وتعالى، وهي وإن كان يعبّر عنها بالجملة المعروفة: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم»، إلّاأنّ موضعها القلب، وبما أنّ لازم الاستجارة بأحد عدم الإضرار به والتمرّد عليه، وفعل ما يوجب البعد عنه، فهذا يعني أنّ الاستعاذة ذات بعدين:

لفظي وعملي.

412 - هل يستطيع الإنسان حمد اللّه تعالى حقّ حمده

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحمد المطلق بما يناسب المحمود غير مقدور للإنسان، والحمد النسبي المناسب للحامد - وهو الإنسان - لا شكّ في كونه مقدوراً، وإلّا لما كلّف به؛ لما هو مبرهن عليه في محلّه من قبح التكليف بغير المقدور.

413 - ما أثر الحمد على النفس

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحمد شكر العبد لربّه على نعمه، فهو اعتراف بالإنعام عليه من جهة وأداء لحقّه بحكم العقل من جهة اخرى، وأثر ذلك الراحة النفسيّة الحاصلة من أداء الواجب لأهله، وزيادة الإنعام من قِبل المنعم بتصفية النفس وتقويتها، ودوام الارتباط بين العبد ومولاه.

ص:183

414 - هل الحمد قول باللسان أم واقع عملي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يتحقّق الحمد بقول: «الحمد للّه»، إلّاأنّ المطلوب من الحامد إتباع ذلك بالواقع العملي، فالمعترف بأنّ المنعم بكلّ هذه النعم هو اللّه سبحانه وتعالى عليه أن يطيعه ولا يعصيه، وإلّا فهو غير حامد كاملاً.

415 - كيف يكون حضور القلب في القلب

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: حضور القلب في الشيء أو إلى الشيء توجّهه إليه وعدم انشغاله بغيره، فمثلاً: حضور قلب المصلّي في الصلاة الذي هو شرط القبول معناه توجّه المصلّي إلى اللّه وعدم انشغاله بشيء آخر عن اللّه سبحانه ممّا لا يرجع إلى اللّه سبحانه وتعالى، وعلى ذلك فحضور القلب في القلب يعني عدم إشغال القلب شيء خارج القلب.

416 - ما هي طريقة استجلاب الخشوع في الصلاة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يمكن تحقيق الخشوع القلبي من خلال تفكّر المصلّي فيمن يصلّي له، وما يترتّب على الصلاة من الآثار المهمّة، وأنّها أساس الدين إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن ردّت رُدّ ما سواها، وفّقكم اللّه تعالى.

417 - عند البدء بالصلاة أبدأ بهندسة حلول ومشاغل الدنيا

، وعند نهاية الصلاة أكون قد أنهيت حلول أغلب المشاكل فكيف أعمل على حضور القلب في الصلاة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هنالك مقدّمات ثلاث مهمّة تعين على إحضار القلب عند الاشتغال بالصلاة:

الاُولى: تفريغ القلب من الصوارف والشواغل، وقد ركّز الشارع على هذه المقدّمة كثيراً من خلال تعاليمه، حيث نهى نهياً كراهتيّاً عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، ونهى كذلك عن الصلاة أمام كلّ شيء شاغل.

الثانية: المحافظة على الآداب الجوارحيّة للصلاة، من قبيل: النظر إلى موضع

ص:184

السجود، إذا كان المصلّي في حال الوقوف، والنظر إلى الحجر في حال الجلوس، وكراهة فرقة الأصابع والتثاؤب، واستحباب الترتيل.

الثالثة: التأمّل في أفعال الصلاة وأقوالها، فإنّ ذلك ممّا يعين جدّاً على إحضار القلب عند الاشتغال بالصلاة.

418 - كنّا في حديث مع بعض المؤمنين عن كيفّة توجّه العبد نحو اللّه (عزّ وجلّ) في الصلاة، فقالوا إنّهم يضعون أهل البيت عليهم السلام أمامهم أثناء الصلاة، حتّى يوصل أهل البيت عليهم السلام صلاتهم إلى اللّه ولا يتوجّهون للّه مباشرة، ويعلّلون ذلك باُمور:

الأوّل: أنّ العبد لا يعرف كيف يقف أمام اللّه؛ ولذلك تعطى الصلاة لآل النبيّ صلى الله عليه و آله وهم بدورهم يوصلونها إلى اللّه تعالى، لأنّهم أعرف به.

الثاني: أنّ الصلاة بمثابة الدعاء، وبالتالي فكما أنّنا نضع أهل البيت عليهم السلام وسيلة للدعاء وقبوله كذلك الصلاة.

الثالث: أنّنا حين نقف للصلاة فإنّنا نقول عبارة: «اللّهمّ إنّا نقدّم محمّداً وآل محمّد»، ثمّ نكبّر، أي أنّنا نرى أهل البيت عليهم السلام في صلاتنا وليس اللّه.

الرابع: أنّنا عندما نقدّم أهل البيت عليهم السلام لا أنّنا نعتقد أنّهم غايتنا في الصلا، وإنّما هم وسيلة نبتغيها امتثالاً لقوله تعالى: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ(1)

فما رأيكم الشريف فيما قيل؟ وما هو حكم المصلّي المعتقد بهذا الاعتقاد؟ وما هي حقيقة التوجّه المفروض؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التوجّه العبادي في الصلاة يجب أن يكون للّه سبحانه، وأمّا قول المصلّي في تشهّده عندما: «اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد» فهو نحو توجّه لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه و آله، إلّاأنّه توجّه لا يتنافى مع التوجّه إلى اللّه سبحانه، بل هو عين التوجّه إلى اللّه سبحانه، وعليه فإذا كان التوجّه

ص:185


1- (1) المائدة 35:5..

لأهل البيت عليهم السلام بهذا النحو وبهذا المقدار فلا مانع منه، وإلّا فلا.

والخلاصة: فإذا صلّى المصلّي للّه سبحانه وتوجّه - سواء كان في الأثناء أو بعد الصلاة - لهم عليهم السلام لكي يتوسّلوا إلى اللّه سبحانه في قبول صلاته فهذا المقدار ليس به بأس، ويثاب عليه صاحبه إن شاء اللّه تعالى، وأمّا لو اريد من التوجّه لهم إشراكهم في العبادة فهو حرام، ولا يجوز قطعاً.

419 - ما هي اللذّة الروحيّة للعبادة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تعرف اللذّة الروحيّة من خلال آثارها، كالإقبال القلبي على الطاعة، وعدم الرغبة في انقضاء العمل العبادي، والاُنس بالخلوة مع اللّه سبحانه وتعالى، والشعور بالنشوة النفسيّة حال المناجاة، كالتي يشعر بها الإنسان عند الالتذاذ ببعض الملذّات الدنيويّة، وغير ذلك من الآثار.

420 - ما معنى أنّ الصفاء والطهارة من آثار العبادة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصفاء عبارة عن: حالة التجرّد من الشوائب الماديّة التي تستولي على القلب، وتحول دون شعوره بلذّة العبادة، وهذه حالة يستشعرها الإنسان عند إرادة ممارسة العمل العبادي؛ إذ أنّ الإنسان في هذا الموقف تارة يجد نفسه مقبلاً على ذلك، وتارة معرضاً عنه، فصورة الإقبال - التي يستشعرها الإنسان بعض الأحيان - تعني الصفاء والطهارة من لوث شوائب الدنيا، وصورة الإعراض تعني عكس ذلك.

421 - هل يحصل للإنسان فيض إلهي فقط عن طريق الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات والقيام ببعض النوافل وقراءة بعض القرآن، أم أنّ الأمر يحتاج إلى رياضات خاصّة

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه العظيم في محكم كتابه الكريم:

ص:186

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (1) ، فوعد بالهداية الخاصّة - والتي هي من أجلى مصاديق الفيض الإلهي - كلّ مَن جاهد في سبيله، ومن الواضح أنّ امتثال جميع أوامره واجتناب جميع ما نهى عنه من أعظم الجهاد في سبيل اللّه تعالى، فيكون الجزاء عليه عظيماً أيضاً بمقتضى الوعد الإلهي.

422 - ما هي فوائد صلاة الليل لمَن يصلّيها

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: فوائد صلاة الليل فوق حدّ الإحصاء، وتيمّناً نتشرّف بنقل بعض الأحاديث الشريفة التي بيّنت بعضها، ومنها قول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«مَن صلّى بالليل حسن وجهه بالنهار» (2).

وقول أمير المؤمنين عليه السلام: «قيام الليل مصحّة للبدن، ورضى الربّ وتمسّك بأخلاق النبيّين وتعرّض للرحمة»(3).

وقول الإمام الصادق عليه السلام: «كذب مَن زعم أنّه يصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار»(4).

423 - سمعت من أحد الأشخاص أنّه يُكره النوم بعد صلاة الصبح فما مدى صحّة المعلومة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما انتهى إلى مسامعك صحيح، فقد دلّت الروايات على كراهة النوم في ذلك الوقت؛ وأنّه مخصّص للعبادة، وفي حديث معتبر عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وتقسّم فيها الأرزاق وتقضى فيها الحوائج العظام» (5) ،

ص:187


1- (1) العنكبوت 69:29..
2- (2) المحاسن: 53:1. علل الشرائع: 362:2..
3- (3) المحاسن: 53:1. ثواب الأعمال: 41..
4- (4) المحاسن: 53:1. ثواب الأعمال: 41..
5- (5) الكافي: 478:2. الدعوات: 34..

وقد كان بعض مشائخي - وهو من العلماء العُبّاد - ملتزماً بأن لا ينام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وعلى ذلك جرت سيرة السلف الصالح.

424 - ما هي الأعمال التي يمكن أن نقوم بها لتجنّب عذاب القبر وشدّته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العمل بسائر الواجبات، وترك كلّ المحرّمات، يوجبان عدم العذاب.

425 - كيف لي أن أتخلّص من الغفلة وقد قرأت في بعض الكتب أنّ ذلك لا يتمّ إلّامن خلال الاُستاذ ومن أين لي أن أجد الاُستاذ وأنا فتاة فهل بإمكانكم مساعدتي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: (الغفلة) داءٌ يُبتلى به الكثير من الناس؛ ولذا اهتمّ به أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وحذّروا منه، وتحدّثوا عن كيفيّة علاجه والتخلّص منه، فورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«بدوام ذكر اللّه تنجاب الغفلة» (1).

كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:

«أيّما مؤمن حافظ على الصلوات المفروضة، فصلّاها لوقتها فليس هذا من الغافلين» (2) ، وللمؤمن في اتّباع هذه التعاليم المباركة غنىً وكفاية للتخلّص من داء الغفلة، من غير حاجة إلى مرشد واُستاذ.

426 - يقترف بعض الشباب والشابّات بعض الذنوب والكبائر، مثل:

الزنا واللواط والمساحقة وشرب الخمر وأخذ المخدّرات والعادة السرّيّة ومشاهدة الأفلام والصور المحرّمة والخليعة والصداقة المحرّمة وغيرها من الذنوب ويسألون عن أقصر وأعمق طرق التوبة إلى اللّه تعالى وكيف يمكن لهم الحصول على رضا الغفور الرحيم لكي

ص:188


1- (1) عيون الحكم والمواعظ: 188..
2- (2) الكافي: 270:3..

يغفر ذنوبهم ويبدلها حسنات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بالإقلاع عن المعصية، وعدم العودة إليها، والندم عليها، وكثرة الاستغفار، والأعمال الصالحة، يفوز الإنسان بعفو اللّه وغفرانه، فهو تعالى القائل: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً(1).

427 - ما هي أسرع وأبسط طرق التوبة والاستغفار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: طريق التوبة واحد، وهو الندم الحقيقي على الذنب والخطيئة، وما يلازم ذلك من العزم والتصميم على عدم العودة له مرّة اخرى، والسعي في إصلاح ما قام بهدمه وإفساده، بقضاء ما فات من العبادات، أو إرجاع الحقوق إلى أصحابها، وطلب إبراء الذمّة ممّن اشتغلت ذمّته بغيبتهم وظلمهم، ونحو ذلك.

428 - كيف أعرف أنّ اللّه سبحانه وتعالى قبل توبتي؟ وما هي أفضل الأعمال لكي يقبلني ربّي ويبدل المعاصي التي صدرت منّي إلى أجر وثواب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المهمّ بعد صدق التوبة النصوح هو العمل بالواجب وترك المحرّم، والاستزادة من أعمال الخير، كما أنّ من المهمّ جدّاً أن يثق الإنسان بربّه، فإنّه قد وعده بقبول توبته، ووعده تعالى لا يختلف ولا يتخلّف.

429 - كيف لي أن أعرف واطمئنّ بأنّ اللّه سبحانه وتعالى راضٍ عنّي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عندما يؤمن الإنسان بالإسلام، ويلتزم بتعاليمه الصحيحة، كما ثبتت عن طريق الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ويقوم بجميع واجباته، ويمتنع عن المحرّمات، ويتوجّه في كلّ ذلك نحو خالقه بنيّة صادقة، ولا يقصّر في ذلك، فإنّه بذلك يستطيع أن يطمئنّ برضا اللّه (سبحانه وتعالى)؛ لأنّه (عزّ

ص:189


1- (1) الزمر 53:39..

وجلّ) هو القائل: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(1).

430 - عندما يريد الشخص أن يتوب من شيء كان يفعله فما هي الشروط حتّى تكون التوبة نصوحاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تتحقّق التوبة النصوح بالندامة من فعل المعصية، وإظهارها، والتصميم على عدم العودة إليها، والاستغفار.

431 - كيف يوفّق الإنسان لترك المعاصي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التوفيق لترك المعاصي يحتاج لاُمور أربعة:

الأوّل: الخوف من غضب اللّه وسخطه وعذابه.

الثاني: رجاء كرم اللّه ورحمته وثوابه.

الثالث: قوّة الإرادة والإصرار على تحصيل رضا اللّه سبحانه.

الرابع: التخلّص من أسباب التفكير في المعصية.

432 - إحدى الأخوات كانت لها سلوكيّات غير سويّة وقد أثّرت في نفسيّتها تأثيراً بالغاً جدّاً حتّى بانت عليها آثار الاكتئاب الحادّ

، والآن احتاجت لربّها في حوائج دنيويّة واُخرويّة ولكنّ اللّه تعالى - كما تقول - يحجب دعاءها بسبب معاصيها، وهي الآن في أسوأ الحالات من الهموم والحالة النفسيّة فهل هناك طريق لديكم ادلّها عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن تابت للّه تعالى توبة حقيقيّة، والتزمت بالصلوات في أوّل أوقاتها، وكذا بصلاة الليل، وقرأت زيارة عاشوراء أربعين يوماً، وأهدتها إلى روح السيّدة امّ الإمام الحجّة، وطلبت منها أن يصلح اللّه امورها

ص:190


1- (1) البقرة 112:2..

بواسطة الإمام الحجّة، فإنّ اللّه تعالى يصلح امورها ببركتها.

433 - إذا قام شخص تعمّداً برؤية عورات النساء العاهرات في الانترنت - مثلاً -

، ثمّ ندم وتاب واستغفر فهل تقبل توبته؟ وهل يجب أن يفعل شيئاً ليكفّر عن ذنبه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال تبارك وتعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1) ، وليس يجب على الإنسان شيء - بعد التوبة الخالصة النصوح - سوى الإكثار من الاستغفار.

434 - كيف أحمي نفسي عن جميع المعاصي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عندما يفكّر المكلّف في أنّ اللّه تعالى يراه في جميع أعماله وسيحاسبه عليها، وأنّ مَن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره، فإنّ ذلك لا بدّ وأن يشكّل رادعاً عن ارتكاب المعاصي لكلّ عاقل.

كما أنّ عليه أن يجتنب عن الأسباب المؤدّية للمعصية، حتّى لا تنتهي به إليها، وقبل كلّ ذلك عليه أن يطلب المدد من اللّه تبارك وتعالى والاستعانة الصادقة به.

435 - كيف يوفّق الإنسان إلى ترك المعاصي حتّى تسمو روحه معنويّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ترك المعاصي يحتاج إلى قوّة الإرادة، والإصرار على تحصيل رضى اللّه سبحانه، والابتعاد عن أسباب التفكير في المعصية كمشاهدة الأفلام أو محادثة النساء ونحو ذلك، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والمعاصي، وكلّ شخص أبصر بالأسباب التي تثيره نحو المعصية المُبتلى بها.

436 - كيف يمكن للشخص أن يواصل طريقه في الوصول إلى اللّه، بعد أن قطع مرحلة التوبة وبدأ بالالتزام بالأذكار من القرآن الكريم والأدعية وصلاة الليل

ص:191


1- (1) المائدة 39:5..

والزيارات وحصل على العشق الإلهي لمولانا صاحب الزمان حتّى صار كلّ همّه فكيف يمكنه أن يحافظ على هذه الجوهرة الحقيقيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي صرّح به استاذنا واُستاذ الكلّ في بيان طريق السلوك إلى اللّه تعالى: أنّ الطريق المعتمد هو العمل بالوظائف الشرعيّة، بإتيان الواجبات وترك المحرّمات على نحو ما أمر اللّه تعالى بها ونهي عنها، ثمّ بأداء الصلاة في أوّل الوقت، والمحافظة على صلاة الليل، والتوسّل الدائم بالإمام الحجّة.

437 - كيف نقوّي العزيمة على ترك المحرّمات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أفضل ما يستعان به على ترك المحرّمات هو الإتيان بجميع الواجبات، والحفاظ على الصلوات في أوّل أوقاتها، والاستعانة دائماً بصاحب العصر والزمان.

438 - يقول أحد الأشخاص: إنّي ورثت الصلاة والصوم وغيرها من العبادات

والمعاملات الإسلاميّة من عائلتي والمجتمع الذي أعيش فيه ولكن عندما كبرت ونضجت في ظلال الحضارة العولميّة وجدت في نفسي أنّي أشكّ وأتردّد في وجود الخالق تبارك وتعالى ولست متيقّناً 100% في قرارة نفسي من وجوده تبارك وتعالى، مع العلم أنّي ما زلت امارس عبادات ومعاملات الإسلام ولكنّي أحياناً أصل إلى درجة الإلحاد والعياذ باللّه حيث اعاني من صعوبة مميتة من الإيمان بالغيب وما وراء المادّة كالملائكة والجنّة والنار والقيامة وغيرها وفي نفس الوقت تحترق نفسي بسياط تأنيب الضمير خشية من دخول جهنّم لو بقيت على هذه الحالة فما هو الحلّ لهذه الحالة؟ وما هو الحلّ لزيادة اليقين والإيمان لكي أضمن دخول الجنّة والخلاص من العذاب والنار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علاج مثل هذه الحالة يحتاج من ناحية

ص:192

إلى المزيد من الدعاء والإلحاح على اللّه تعالى بأن يتفضّل على صاحبها باليقين والاطمئنان، كما ويحتاج من ناحية اخرى إلى تثبيت الفطرة الدينيّة من خلال تعلّم ومعرفة الأدلّة والبراهين الدالّة على العقائد الدينيّة، حتّى يصدّق الإنسان بها عن إذعان ويقين، لا تشوبه شائبة شكّ أو وهم.

439 - أنا اعاني من وسوسة دائمة من الشيطان خصوصاً في الاُمور الدينيّة

، فما هي الأعمال والعبادات التي تساعدني على التخلّص من هذا الشيء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليك باجتناب المحرّمات، والصلاة في أوّل وقتها، وتسبيح السيّدة الزهراء.

440 - هل هناك طريقة لدفع الوساوس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة الاُمور بالغة الأهمّيّة لدفع الوساوس الشيطانيّة: عرضُ ما يختلج في النفس - يتسويل الشيطان - على الأشخاص العارفين والقادرين على دفعها وإزالتها، حتّى يكون بناء الإنسان لإيمانه واعتقاده على أساس متين ومحكم لا تشوبه شائبة شكّ.

وهناك أيضاً توصيات من النبيّ وآله الهداة عليهم السلام لعلاج ما يختلج في النفس ويعتريها، من قبيل تكرار الذكر الشريف: «أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ باللّه أن يحضرون إنّ اللّه هو السميع العليم».

وكذا ورد عنه صلى الله عليه و آله تكرار قول: «آمنت باللّه ورسوله» ثلاث مرّات.

وورد في توصيات أمير المؤمنين عليه السلام لعلاج ذلك: صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر:

خميسين بينهما أربعاء.

وكذا الإكثار من الذكر الشريف: «اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد».

وعن الإمام الصادق عليه السلام الإيصاء بتكرار قول: «لا إله إلّااللّه» كلّما وقع شيء في القلب.

ص:193

441 - لديّ مشكلة صعبة جدّاً، وهي أنّني افكّر دائماً بأفكار سيّئة

في قلبي تسيء للربّ ودائماً في داخلي اسيء للباري (جلّ وعلا) وأحياناً أصفه بصفات مخلوقاته السيّئة مع العلم أنّني أعرف أنّ الربّ الجليل لا يتّصف بصفات مخلوقاته، بل هو منزّه عنها؛ لأنّ الربّ الجليل لا يتّصف إلّابصفات الكمال التي لا يتّصف بها أحد من مخلوقاته، ولكنّني اسيء للخالق (جلّ وعلا) في قلبي.

وأنّني دائماً افكّر في الآخرة والموت ويوم القيامة وأخاف من الموت وأدعو الربّ أن لا يخرجني من هذه الدنيا حتّى يرضى عنّي ولكنّني بهذه الأفكار أشعر بأنّ الخالق لن يرضى عنّي مع أنّني لا أعرف لِم تراودني هذه الأفكار التي تسيء للخالق (جلّ وعلا)، أستغفر اللّه تعالى من ذلك دائماً، ومع ذلك فإنّ شعوري بالذنب يلاحقني، فكيف أستطيع علاج ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأفكار المذكورة هي من إلقائات الشيطان التي يريد من خلالها زلزلة إيمان المؤمن أو إدخال الأذى النفسي عليه، والمستفاد من الحديث المعروف بحديث الرفع أنّ الإنسان غير مؤاخذ على تلك الأفكار، حيث جاء فيه: «وضع عن امّتي تسعة أشياء: السهو والخطأ والنسيان وما اكرهوا عليوما لا يعلمون وما لا يطيقون والطيرة والحسد والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة»(1).

وعلاج هذه الحالة - كما جاء في غير واحد من الأخبار - ليس إلّابذكر اللّه تعالى، ومحاربة الشيطان به، فقد جاء في معتبرة جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه الصادق عليه السلام، قال: «قلت له: إنّه يقع في قلبي أمر عظيم؟

فقال: قل: لا إله إلّااللّه.

ص:194


1- (1) وسائل الشيعة: 293:7. من لا يحضره الفقيه: 59:1..

قال جميل: فكلّما وقع في قلبي شيء قلت: لا إله إلّااللّه، فيذهب عنّي»(1).

442 - اعاني في بعض الأحيان من الوسواس فاُفكّر في أشياء غير سليمة

، كأن اشكّك في مسائل دينيّة وأتصوّر تصوّرات غير جيّدة عن أهل البيت عليهم السلام، وأكره نفسي لهذا السبب فما هو الحلّ لهذه المشكلة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من المأثورات المفيدة في علاج مثل تلك الحالات: صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فإنّه كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام يذهب ببلابل الصدر، وكذلك تكرار قراءة الآية الشريفة: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً(2) ، كما أكّد على ذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله في بعض وصاياه لأمير المؤمنين عليه السلام.

443 - إنّي اؤمن باللّه ورسله وكتبه وأنبيائه وأئمّتنا عليهم السلام

، واُصلّي وأصوم وأدفع الخمس ولكن تراودني شكوك حول وجود روح مفصولة عن هذا الجسد أو عن رجوعي للحياة بعد أن أصير تراباً فهل هذه الشكوك وسوسة شيطان أم أنّي أصبحت كافراً بهذه الشكوك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشكوك المذكورة إن لم تنجرّ إلى إنكار المعاد فلا شيء عليك، وأنت مسلم مؤمن، ولكن عليك أن تسعى لدفع تلك الشكوك حتّى لا تنجرّ إلى إنكار المعاد، وذلك من خلال التوسّل بالسيّدة فاطمة الزهراء بعد الوضوء والجلوس في مكان لا يزاحمك فيه أحد، وقل 530 مرّة: «اللّهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبينها، والسرّ المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك»

ص:195


1- (1) الكافي: 424:2..
2- (2) الإسراء 45:17 و 46..

وترتفع عنك هذه الشكوك بإذن اللّه تعالى.

444 - أنا - بحمد اللّه - استبصرت ولكن واجهتني بعض الإشكالات في الطهارة

، فقد أصبحت اعاني من كثرة الشكّ فكلّ البيت أصبح بنظري نجساً ولا أقدر أن أمسّ شيئاً خوفاً من أن أتنجّس واُنجّس الباقي المتبقّي وأصبحت حياتي متدمّرة وحالتي النفسيّة صعبة جدّاً واستاء منّي زوجي وأهملت نفسي وقطعت الأكل وغير ذلك كلّ ذلك خوفاً من النجاسة وأن يتنجّس كلّ البيت وأكون مذنبة إن أنا أهملت غسل كلّ ما هو متنجّس ودائماً أشكّ في نظافة الملابس فاُعيد غسلها المرّة بعد الاُخرى وقد تعبت - يا سيّدي - ممّا أنا فيه فهل تنصحوني بشيء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ابنتي المؤمنة (رعاكِ اللّه تعالى): إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يطاع من حيث يعصى، وأنت بما تقومين به من إراقة المياه الكثيرة - التي لاتخلو عن شبهة الإسراف المحرّم - من أجل تحصيل اليقين بالطهارة، قد تعصين اللّه تعالى وأنت تتوهّمين طاعته، بل إنّ الاهتمام بالوساوس النفسانيّة والعمل على طبقها - مع الالتفات إلى ذلك - أقرب إلى طاعة الشيطان من طاعة الرحمان؛ لأنّ الشيطان - حرسكِ اللّه من مكائده - هو الذي يسعى إلى إثارة حالة الوسواس في صدور المؤمنين، حتّى يبعدهم عن طاعة اللّه تعالى وقربه، فاسعي إلى محاربة هذا العدوّ اللدود، عن طريق عدم المبالاة بوساوسه النفسانيّة، وعدم ترتيب الأثر عليها، وتعويد النفس على البناء على طهارة الأشياء التي تشكّين في طهارتها، واستعيني - كما ورد في وصيّة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام - بتكرار الآيتين الشريفتين 45 و 46 من سورة الإسراء.

445 - ما هو الأكثر تأثيراً من ناحية الوسوسة هل هو الشيطان أم هي النفس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشيطان والنفس بقوّتها الشهويّة، كلاهما يؤثّران في إبعاد الإنسان عن الطاعة وإيقاعه في المعصية، وقد أكّد على ذلك القرآن الكريم

ص:196

في العديد من آياته، فقال جلّ مَن قائل: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(1).

وقال أيضاً: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ(2) ، ولم يعلم مَن هو الأقوى تأثيراً منهما، وإن كانت النفس بحسب الغالب خاضعة لتأثير الشيطان وتسويلاته.

446 - اعاني من القلق على المستقبل فهل توجد أدعية أو أذكار مفيدة للتخلّص من ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لَايَحْتَسِبُ(3) ، فأنصحكم - من منطلق هذه الآية الشريفة - بتقوى اللّه تعالى، والتوكّل عليه بشكل صحيح، فإنّه ضمان الحاضر والمستقبل، وسواه لا ينفع بدونه.

447 - ماذا يصنع الشخص الذي يشعر أنّه غير موفّق وأنّ توفيق اللّه يتجنّبه

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من موجبات التوفيق: الصلاة في أوّل الوقت، والمحافظة على نافلة الليل بقدر المستطاع، والالتزام بقراءة دعاء العهد في صباح كلّ يوم.

448 - طلبت منكم في رسالة ماضيّة أن تشفعوا لي يوم القيامة، وأن أحظى بجواركم في الجنّة إن شاء اللّه ولم تجيبوا طلبي، فلماذا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الاستجابة لطلبكم تتوقّف على امور:

ص:197


1- (1) ص 82:38 و 83..
2- (2) يوسف 53:12..
3- (3) الطلاق 2:65 و 3..

الأوّل: أن أكون من أهل الجنّة.

الثاني: أن أكون صالحاً للشفاعة.

الثالث: أن يكون مقامي في الجنّة أعلى من مقامك.

كلّ ذلك لا أعلم بتحقّقه، ولو تحقّق فإنّي أشفع لك فيما تريد إن شاء اللّه تعالى.

449 - قد رجوتك - مولاي وابن مولاي - كثيراً في استفتائات سابقة أن تترجم

لي حياتك من الناحية العباديّة والكرامات المحفوفة بها ورفضت كثيراً معلّلاً ذلك بأنّ تذكة المرء لنفسه قبيحة وقد زادتني شوقاً لك محبّتي وإجلالي لك، وانقطاعي لكتبك وفتاويك فأنا أتوسّل إليك إن لم يعجبك ذلك فدع أحد المقرّبين منك أن يترجم حياتك العباديّة وأحوالك الروحيّة وما شاهدوه من كراماتك، وتكون بذلك خلصت من خوفك من تزكية نفسك ونلت مرادي من طلبي، وسماحتك كريم ككرم جدّك الإمام الحسين عليه السلام حين قال لأخيه العبّاس وإخوته عليهم السلام - عندما نادهم الشمر -: «أجيبوه وإن كان فاسقاً» ولا أظنّني أهون من الشمر حتّى لا اجاب وأنت كرمك من كرم أجدادك الطاهرين وأنا عبدك وخادم ترابك وأتمثّل بقول الشاعر:

أهوى الغرام لقلبي في محبّتكم

باسمهِ جلّت أسماؤه: مضافاً إلى أنه لم يعهد من أحد من أئمّتنا وسادتنا المعصومين (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ولا من علمائنا الأبرار (رضوان اللّه تعالى عليهم)، حديثه عن نفسه بما يرتبط بشؤونه العباديّة وعلاقته مع ربّه (سبحانه وتعالى)، ولنا اسوة بهم، فإنّه قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ما يستفاد منه النهي عن الإفصاح عن حالات الإنسان وأسراره العباديّة، كقوله عليه السلام: «إنّ اللّه تعالى يحبّ أن يُعبد في السرّ كما يحبّ أن يُعبد في العلانية»(1).

ص:198


1- (1) وسائل الشيعة: 210:16. مشكاة الأنوار: 87..

مسائل سلوكيّة

1 - سلوك الفرد مع ربّه تعالى شأنه.
450 - بالنسبة لقضيّة الاستخارة في امور الخطوبة والزواج: هل يجوز الاستخارة في الخطوبة والزواج لكلّ من الجنسين؟

وما نصيحتكم للعوائل والأشخاص الذين يعتمدون على الاستخارة والخيرة في اختيار الزوج والزوجة؟ وهل هذا جائز شرعاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّما تتّجه الاستخارة عند التردّد والحيرة، وعدم إمكان معالجة ذلك عن طريق المشورة مع الآخرين، وأمّا مع ارتفاع التردّد والتحيّر، ووضوح النتائج إيجاباً أو سلباً، فإنّ الاستخارة لا موضوع لها.

451 - هناك حالة مرضيّة تدعى (الإدمان على الاستخارة) الناتجة عن الإفراط

في الاستخارة والخيرة حتّى في القضايا التافهة مثل الذهاب إلى الحمّام فما هي الضوابط والدواعي الشرعيّة الإسلاميّة للاستخارة؟ ومتى لا يجوز أخذ الاستخارة؟ وهل يجوز مخالفة نتيجة الاستخارة؟ وكيف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من مثل رواية الإمام الجواد عليه السلام:

«ما حارَ مَن استخار» (1) أنّ موضوع الاستخارة هو التحيّر والتردّد، وعدم القدرة على ترجيح جهة المصلحة، وأمّا في القضايا الواضحة فالاستخارة غير متّجهة.

وأمّا مخالفة الاستخارة: فهي لا تخلو عن ضعف ثقة باللّه تعالى؛ إذ بعد أن خار اللّه لعبده ما فيه صلاحه تكون مخالفته نحو استخفاف بما خاره له، ولا ينبغي

ص:199


1- (1) تحف العقول: 207..

صدور ذلك من المؤمن، سيّما وأنّ التجارب الكثيرة قد دلّتنا على سوء عاقبة مخالفة الاستخارة.

452 - هناك رواية تفيد أنّ صفوان الجمّال قد استدلّ على إمامة الإمام الرضا عليه السلام

بالاستخارة - وهو من خيار أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ومن المقرّبين - فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن عليّ بن معاذ قال: «قلت لصفوان بن يحيى: بأيّ شيء قطعت على عليّ؟

قال: صلّيت ودعوت اللّه واستخرت وقطعت عليه» فهل من الصحيح أن يحدّد الإمام عن طريق الاستخارة؟ وهل يصحّ أخذ الخيرة في كلّ الحالات أم عند التردّد فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا بالنسبة للرواية المذكورة فهي ضعيفة السند بعليّ بن معاذ، فإنّه من المجاهيل، كما أنّ الاستخارة فيها يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء وطلب الخيرة من اللّه تعالى، فيكون معناها: أنّ صفوان قد صلّى وتضرّع للّه تعالى وطلب منه أن يختار له الخير، ويرشده للحقّ، فأرشده إلى ذلك من خلال بعض الأمارات والقرائن حتّى أمكنه القطع بإمامة الإمام الرضا عليه السلام.

وأمّا مشروعيّة الاستخارة فهي مختصّة بحال الحيرة والتردّد في الاُمور العاديّة الحياتيّة، ولا مورد لها بالنسبة للأحكام الشرعيّة والاُمور الاعتقاديّة.

453 - هل يستطيع أي إنسان أن يأخذ الخيرة بالقرآن؟

وما هي شروطها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أخذ الخيرة بالقرآن الكريم ليست لها شرائط لازمة، سوى أن يكون المستخير ممّن يفهم القرآن، ويقدر على تطبيق فهمه على مقصوده.

454 - هل يجوز أخذ الاستخارة أكثر من مرّة على الشيء نفسه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا علمنا بأنّ حقيقة الاستخارة استشارة للّه

ص:200

سبحانه وتعالى، فإنّه بعد أن يشير اللّه على عبده بالفعل أو الترك - من خلال نتيجة الاستخارة - لا يبقى وجه لاستشارته مرّة اخرى، وإلّا كان ذلك هزلاً واستخفافاً باللّه سبحانه وتعالى.

455 - لا شكّ أنّ الإسلام دين يعترف بالعقل ويعتبره أهمّ الطرق إلى معرفة

اللّه والإيمان به كما أنّه طريق استدلالي وهو ميزان الحسن والقبح وعليه فإنّه لا يجوز تعطيل العقل والاستسلام إلى الأوهام والخرافات وبناء الأحكام وتقرير المصير على طرق غير علميّة وواقعيّة ومن هنا تطرح مسألة الاستخارة كما هي متداولة بواسطة القرآن والسبحة والتي نجد كثيراً من الناس يعوّلون عليها ويتوقّفون عندها معطّلين بذلك عقولهم ومخالفين حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «اعقل وتوكّل»(1) ، ثمّ إنّه من الناحية العمليّة فإنّ حبّات السبحة لا تخلو إمّا أن تكون مفردة أو مزدوجة، بمعنى أنّ الحكم معروف مسبقاً إمّا سلباً أو إيجاباً وهكذا بالنسبة لآيات القرآن التي لا يمكن أن يستفاد منها أمر أو نهي؛ لأنّ سياقها ومعناها واضح.

والسؤال: ما هو رأيكم بالمتعارف من الاستخارة عند عوامّ الناس، خصوصاً وأنّهم يرجعون إلى رجال الدين والمشايخ في طلب الاستخارة هذه ممّا يكرّس هذه الظاهرة التي نرى فيها تعطيلاً للعقل بإجازة دينيّة؟ وما هو رأيكم بخيرة ذات الرقاع وهل هي واردة عن طريق المعصومين عليهم السلام؟

وهل يجوز توقّف أمر مصيري - كالزواج - على هذه الاستخارة؟ وما هو رأيكم بالتفسير القائل بأنّ المقصود من الاستخارة هو الدعاء والتضرّع إلى اللّه للهداية إلى حلّ المشاكل أو التوفيق إلى سواء السبيل وأنّ كلّ ما يعرف من وسائل الاستخارة بالقرآن والسبحة ليس له أساس من الصحّة ولا يعوّل عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدين الإسلامي كما هو دين العقل، كذلك هو

ص:201


1- (1) عوالي اللئالي: 75:1..

دين الوسطيّة، حيث قال تعالى: وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً(1) ، وإنّي لأتعجّب ممّن يلحظ الجانب الأوّل ويتغافل عن الجانب الثاني، فإنّ الإسلام كما دعا إلى إعمال العقل والاستفادة منه، كذلك فتح بعض نوافذ الغيب أمام الإنسان ليتّصل به من خلالها عند توقّف العقل وتحيّره، ومن هذه النوافذ نافذة الاستخارة.

وعليه: فكما أنّه ليس من الصحيح أن يتّكئ الإنسان على الاستخارة في كلّ شيء، مع أنّ موضوعها هو التحيّر، كذلك ليس من الصحيح أن يعوّل الإنسان على عقله القاصر فقط - مع أنّه يقف كثيراً حائراً في مواطن اتّخاذ القرار - وقد فتح اللّه أمامه أبواب الاتّصال بالغيب.

ودعوى أنّ النتيجة محسومة مسبقاً - باعتبار أنّ خرز السبحة يدور أمره بين الفرديّة والزوجيّة، وأنّ آيات القرآن لا يستفاد منها أمرٌ ولا نهي لوضوح سياقها - دعوى تنمّ عن الجهل بحقيقة الاستخارة، فإنّ غاية ما يعلمه المستخير قبل الاستخارة أنّ العدد الفردي يعني الحُسْن - مثلاً - والعدد الزوجي يعني النهي، وأمّا أنّ العدد الذي سيبقى بعد قبض السبحة باليد هل هو الزوج أم الفرد فلا يعلم به المستخير، كما أنّ الآيات القرآنيّة - سواء كانت مشتملة على أمر أو نهي، أم كانت دلالتها على الحُسْن وعدمه دلالة سياقيّة - ليس يعلم المستخير بالآية التي سيضع عليها يده إلّا بعد الاستخارة، فهذه الدعوى واضحة الزيف.

وإذا عرفت ذلك فإنّ الاستخارة المتعارفة عند عوامّ المؤمنين بالقرآن الكريم أو السبحة - والتي يرجعون فيها لعلماء الدين وطلبة العلم، ثقة منهم بهم - أمر مشروع ومنصوص وصحيح، ومبالغة بعضهم فيها، أو استعمالها في غير موردها، مجرّد حالات شخصيّة لا تعبّر عن السيرة العامّة.

والخلاصة: فإنّ الاستخارة بالقرآن ثابتة بالروايات، كما أنّ الاستخارة بالسبحة

ص:202


1- (1) البقرة 143:2..

مرويّة عن الإمام الحجّة بسند معتبر، وأمّا استخارة ذات الرقاع فهي واردة بأخبار موثوقة عن المعصومين عليهم السلام، وعليها عمل أكابر علماء الطائفة (رضوان اللّه عليهم)، وقد صنّف العالم العابد، صاحب الكرامات الظاهرة، والمآثر الباهرة، السيّد رضي الدين أبو الحسن عليّ بن طاووس الحسيني كتاباً ضخماً في الاستخارات، واعتمد فيه على رواية خيرة ذات الرقاع، وذكر من آثارها عجائب وغرائب أطلعه اللّه عليها.

وأمّا تفسير الاستخارة بمجرّد الدعاء وطلب الهداية من اللّه تعالى: فلو صحّ في نفسه فإنّه يمكن أن يكون تفسيراً للروايات العامّة، ولكنّه لا يمكن أن يكون المقصود من روايات الاستخارة بالمصحف والسبحة والرقاع.

2 - سلوك الفرد مع المعصومين عليهم السلام.
456 - هناك شخص يقول: بأنّه لا يوجد مانع من الزواج خلال الفترة الواقعة

بين نهاية العشرة الاُولى من محرّم الحرام إلى نهاية صفر وكذلك لا توجد أي رواية في ذلك فما رأي سماحتكم في هذا القول؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لستُ أحكم بالحرمة، إلّاأن يترتّب على ذلك إهانة سيّد الشهداء الحسين عليه السلام أو هتك حرمة شعائره المباركة، ولكن مع ذلك أقول: قد دلّت الروايات الشريفة على أنّ:

«شيعتنا خُلقوا من فاضل طينتنا» (1) ،

«يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا» (2) ، وهل الزواج في أيّام الحزن المذكورة من الحزن لحزنهم عليهم السلام؟

457 - ما حكم إقامة الأفراح في ليالي تصادف ذكرى وفاة إمام من الأئمّة عليهم السلام؟

ص:203


1- (1) بحار الأنوار: 303:53..
2- (2) بحار الأنوار: 114:10 و: 290:44..

باسمهِ جلّت أسماؤه: المتوقّع من الشيعي الذي يدّعي ولاءه وانتماءه لأهل البيت عليهم السلام مشاركته لهم في أفراحهم وأحزانهم؛ لما ورد عنهم عليهم السلام:

«شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا».

458 - ما حكم التبرّك بقطعة قماش تمسح بأضرحة أهل البيت عليهم السلام؟

وما حكم لبس هذه القطعة حول اليد وما أشبه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ ذلك راجح ولا إشكال فيه؛ لما دلّ من الروايات الشريفة على محبوبيّة التبرّك بأضرحتهم المقدّسة عليهم السلام، بل قد يُدّعى - كما لا يخفى على المتتبّع - أنّ سيرة المتشرّعة جارية على ذلك.

3 - سلوك الفرد مع والديه ورحِمه واُسرته.
459 - ما هي ضابطة (الرحم) الذي تجب صلته؟ وما هي ضابطة الصلة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال الشهيد في قواعده - ونِعم ما قال -: «الرحم:

الظاهر أنّه المعروف بنسبه وإن بعد، وإن كان بعضه آكد من بعض، ذكراً كان أو انثى».

ثمّ قال في بيان الصلة التي يخرج بها عن القطيعة: «المرجع في ذلك إلى العرف؛ لأنّه ليس له حقيقة شرعيّة ولا لغويّة، وهو يختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها».

460 - الحديث القائل: «مَن لم تستفد من دينه ودنياه فلا خير لك في مجالسته» هل يمكن تطبيقه على الأرحام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من الممكن امتثال أمر الشارع الأقدس بصلة الرحم من غير الاضطرار لمجالسته؛ وذلك بالاتّصال الهاتفي له - مثلاً -، والسلام عليه، والسؤال عن أحواله، أو الزيارة السريعة له في بيته، ونحو ذلك ممّا

ص:204

يحقّق الامتثال من ناحية، ولا يوجب الوقوع في محذور من ناحية اخرى.

461 - ما هي الحدود التي إذا تجاوزها الإنسان يعتبر عاقّاً ومخالفاً ومؤذياًلوالديه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العبرة في تحديد عنواني العقوق و الإيذاء بالصدق العرفي؛ إذ لم يرد في ذلك تحديد خاصّ من قِبل الشارع المقدّس.

462 - شابّ يقول: إنّ والده حادّ المزاج وبين الحين والآخر يضربه ضرباً شديداً، ويسبّه ويشتمه بأدنى سبب فما هو تكليفه؟

وإلى متى يصبر ويتحمّل؟ وماذا على والده من الكفّارات بسبب هذا الضرب والشتم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا صبر وتحمّل كان مأجوراً، ولا يجب عليه ذلك، ولكن عليه أن لا يقابل أباه بالمثل، وعلى أبيه الكفّارة بما هو مذكور في الرسائل العمليّة؛ إذ لا فرق بين الأب وغيره في الكفّارات.

463 - إحدى المؤمنات كانت من المذهب السلفي وبفضل اللّه تعالى ورعايته وببركات أهل البيت عليهم السلام

اهتدت إلى مذهب التشيّع واعتنقته، وهي الوحيدة من عائلتها ولا يعرف أي أحد من عائلتها بذلك وجميع عباداتها تؤدّيها مع التزام التقيّة وهي تعاني الكثير في حياتها الاجتماعيّة، فما هو تكليفها الشرعي حيال هذا الأمر؟ هل تبقى على التقيّة أم لا؟ وما هي نصيحتكم لها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أوّلاً: ابارك لها واُهنّئها بهذه السعادة العظمى التي حازت عليها.

وثانياً: أنصحها بمراعاة أبيها واُمّها وعدم مخالفتهما إلّافي الاُمور التي تكون خلاف الشرع الأقدس؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما تصنعه من التزام التقيّة هو الصحيح شرعاً (وفّقها اللّه تعالى لكلّ خير، وصانها من كلّ شرّ).

وثالثاً: عليها أن تعلم جيّداً بأنّ طريق مذهب أهل البيت عليهم السلام هو الطريق

ص:205

ذو الشوكة، فعليها أن تستعدّ نفسيّاً لمواجهة مصاعب هذا الطريق، ولتشكر اللّه تعالى على ذلك، فإنّ طريق الحقّ قليلٌ سالكوه.

464 - أنا شابّ من عائلة علويّة نصيريّة علويّة، وقد مَنّ اللّه علَيَّ بالهداية واتّباع طريق التشيّع والانتساب الحقيقي لأهل البيت

(صلوات اللّه عليهم)، ولكنّي اواجه مشكلة عدم تقبّل امّي لذلك، فهي تهدّدني بالغضب علَيَّ إذا لم أتراجع عن التشيّع، وتطلب منّي عدم الذهاب إلى المسجد بحجّة أنّه للشيعة، وعندما أذهب لصلاة الجمعة تغضب منّي كثيراً، ولا أعرف كيف ارضيها هل أترك الذهاب إلى المسجد لأجل رضاها أم ماذا أفعل؟ وكيف أتعامل مع العلويّين من أقربائي وأصدقائي، وهم ينتهكون الأعراض، ويشربون الخمر، مع العلم أنّهم يعاملوني بالحسنى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا بالنسبة لأصل اعتناق التشيّع: فلا تجب طاعة الاُمّ - بل لا تجوز - في طلبها ترك اعتناقه؛ إذ لا طاعة لمخلوق - مهما عظم شأنه - في معصية الخالق، وأمّا بالنسبة للذهاب إلى المسجد: فبما أنّه من الاُمور المستحبّة من ناحية، وموجب لإيذاء الاُمّ من ناحية اخرى، فلا تجوز مخالفتها في طلبها عدم الذهاب إليه، وعليك أن تسعى لنيل رضاها بكلّ ما تستطيع.

وأمّا الأصدقاء والأقارب العصاة: فعليك أن تسعى لإصلاحهم والتأثير عليهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والتعامل معهم بالحسنى والكلمة الطيّبة، إلّاأن تخشى على دينك وأخلاقك فابتعد عنهم بالمقدار الذي تطمئنّ معه بعدم تأثيرهم عليك، ودعائي لك بالهداية والثبات والتوفيق.

465 - عند قرائة الأدعية والزيارات اهديها لوالديّ وأحياناً اشرك معهما جميع الأموات من شيعة أهل البيت عليهم السلام فهل ينقص من ثواب والديّ حينئذٍ

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عند إهداء الثواب لجميع موتى المؤمنين يصل الثواب لهم جميعاً، من غير أن ينقص من أحدهم شيء.

ص:206

466 - ما تنصحوني لتنمية علاقتي باُسرتي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أنصحكم بنصيحة رسول اللّه الأعظم صلى الله عليه و آله حيث قال:

«مَن دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور فإنّ مَن فرّح ابنته فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ومَن أقرّ عين ابنه فكأنّما بكى من خشية اللّه ومَن بكى من خشية اللّه أدخله اللّه جنّات النعيم»(1).

4 - سلوك الفرد مع المختلفين معه دينيّاً.
467 - ما هي حدود التعامل مع الصديق غير المسلم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال الإمام الصادق عليه السلام:

«فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل:

هذا جعفري فيسرّني ذلك ويدخل علَيَّ منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علَيَّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر فواللّه لحدّثني أبي عليه السلام: أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ عليه السلام فيكون زينها آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم تسأل العشيرة عنه فتقول: مَن مثل فلان إنّه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث» (2).

468 - أنا أسكن في منطقة أغلبها من السنّة وجارتي سنّيّة وتتقرّب إليَّ كثيراً، وتقدّم لي الهدايا فكيف أتعامل معها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أقسام التقيّة: التقيّة المداراتيّة، وهي حسن المعاشرة مع أبناء العامّة حفظاً للوحدة الإسلاميّة، وإعلاءاً لكلمة الإسلام

ص:207


1- (1) أمالي الصدوق: 672..
2- (2) الكافي: 626:2..

والمسلمين، وتأييداً للدين في مقابل الكفّار والمشركين، كما يشهد لذلك قوله تعالى: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(1) ، وكذلك عمل الأئمّة المعصومين عليهم السلام يدلّ عليه، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام مع غصب حقّه وإيذائه بما هو فوق حدّ التصوّر، قال في خطبته الشقشقيّة:

«فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى» (2) ، والروايات في هذا الباب كثيرة.

469 - ما هو تكليف المؤمن في بلاد الغرب تجاه المجتمع الغربي؟

وكيف استطاع أئمّة آل البيت عليهم السلام وبعض أبنائهم زرع حبّ آل البيت في المجتمعات التي هُجّروا إليها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد عنهم عليهم السلام: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم»(3) ، ويعني ذلك أنّ المنهج الأمثل في الدعوة للإسلام والتشيّع هو التطبيق العملي لتعاليم القرآن وأحاديث المعصومين عليهم السلام، فإنّ الإنسان بتجسيد ذلك عمليّاً - من خلال أخلاقيّاته ومعاملاته وسلوكيّاته - يشدّ الآخرين قهراً نحو الإسلام والتشيّع، ويلفت أنظارهم إلى شموخ وعظمة الدين والمذهب.

470 - كيف يمكن التعايش مع أصحاب الديانات الاُخرى السماويّة وغيرها

، والمذاهب المختلفة للدين الإسلامي في مجتمع متعدّد كالعراق أو لبنان أو إيران أو غيره وقد يضطرّ المؤمن للتعامل مع شتّى الجنسيّات وأصحاب الديانات المختلفة في بيئة العمل أو أثناء السفر وغير ذلك؟ هل تجب مقاطعتهم والنأي عن مخالطتهم كما يفعل السلفيّون بحجّة أنّهم كفّار أعداء أو أنّهم كفّار نجسون خصوصاً إذا كانوا من الديانات غير الكتابيّة كاليزيديّة أو الصابئة أو البوذيّة أو الهندوسيّة أو الزرادشتيّة

ص:208


1- (1) الأنفال 46:8..
2- (2) نهج البلاغة - الخطب: 31:1..
3- (3) الكافي: 78:2..

أو الوثنيّة أو الملحدين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي يظهر من خلال الآيات القرآنيّة الشريفة أنّ القرآن صنّف المختلفين مع الإنسان دينيّاً إلى صنفين: المخالف المسالم، والمخالف المحارب، والأوّل دعا إلى التعايش معه بسلم، والثاني حذّر ونهى عن التودّد له، ونقرأ ذلك في قوله تعالى: لَايَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(1).

471 - ألا يعدّ السبب العلني لبعض أعداء اللّه بأسمائهم معارضاً لمبدأ اللّا عنف

، بل ويعدّ مولداً للعنف اللفظي والفكري والجسدي كردّة فعل عند أتباع أعداء الدين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: روى ثقة الإسلام الكليني قدس سره في الكافي، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

«وإيّاكم وسبّ أعداء اللّه حيث يسمعونكم، فيسبّوا اللّه عدواً بغير علم» (2).

472 - باعتبارنا مهاجرين نعيش في دول كافرة وعند تواصلنا مع أهلها كثيراً

ما يسألوننا عن الإسلام أو الإيمان باللّه فهم لا يعرفون الشيء الكثير عنه وبعضهم ليست لديه أدنى دراية به لكنّنا لا نعرف كيف نبدأ الحديث ومن أين؟ وما هي الاُمور التي ترغّب الكافر بالإسلام؟ وما هي الأوليّات التي يستلطفها الكافر دون أن ينفر من الإسلام ويعتقده ديناً صعباً ومتزمّتاً؟ وما هي الاُمور العظيمة الموجودة في الإسلام التي تجذب الإنسان الكافر لأنّه يفتقدها؟ وهل هناك فرق في الحديث

ص:209


1- (1) الممتحنة 8:60 و 9..
2- (2) بحار الأنوار: 217:71. مستدرك الوسائل: 306:12..

مع الكافر الكتابي والكافر الذي لا يؤمن باللّه أصلاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المناسب هو الشروع بالحديث عن اصول الدين، وبيان الأدلّة على وجود اللّه سبحانه وتعالى، وما يناسب الذات من صفات الجلال والكمال، وبيان حقّ الربوبيّة، ثمّ النبوّة والإمامة ثمّ المعاد، ثمّ ينتقل إلى الفروع ويركّز على الأركان الخمسة، ثمّ يبيّن محاسن الإسلام من السماحة والرحمة والشموليّة، كلّ ذلك في حدود علم ما يعلمه المحاور منكم، وأمّا ما لا يعلمه علماً قطعيّاً فلا يدخل فيه، وعليه الرجوع لأهل الاختصاص الذين لا تخلو أرض منهم، ومع عدم مَن ترجعون له هناك عليكم أن تكونوا على ارتباط تامّ بالحوزات والمهاجر العلميّة.

والذي يجدر الالتفات إليه: أنّ هذا الاُسلوب ليس هو الاُسلوب الأمثل دائماً، بل ينبغي على الشخص الداعية للإسلام أن يلاحظ حال مَن يدعوه، فربّ شخص يشعر بفراغ روحي من ناحية عدم إيمانه بوجود إله، فيكون الحديث معه حول التوحيد ووجود اللّه تعالى هو المؤثّر في نفوذ الإسلام إلى قلبه، وربّ شخص آخر تحرّكه القيم الأخلاقيّة، فتكون دعوته إلى الإسلام من خلال عرض المنظومة الأخلاقيّة للدين الإسلامي، وهكذا.

5 - سلوك الفرد مع المنحرفين.
473 - هناك بعض الفتيات لا يلتزمن بالحجاب الشرعي ولكن حين اقتراب شهر محرّم نراهنّ يرتدين العباءة والحجاب وبعد الانتهاء من أيّام عاشوراء يرجعن

إلى ما كنّ عليه في السابق فكيف لنا أن نقضي على الفراغ الروحي أو النقص الذي أنتج ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ التزام مثل هؤلاء الفتيات في عاشوراء يدلّ على وجود فطرة إيمانيّة سليمة لا تزال تؤثّر فيهنّ، وبالتالي فإنّ المطلوب هو معرفة

ص:210

نقاط الفراغ في حياتهنّ التي إذا عولجت بشكل مناسب فإنّها قد تترك أثراً إيجابيّاً مستقبليّاً على سلوكهنّ.

474 - ما هي أفضل الطرق الإسلاميّة لهداية النساء الغير ملتزمات بالحجاب

الشرعي سواء كنّ سافرات أو شبه عاريات أو غير ذلك، من غير توليد حسّاسيّة ضدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبدون حزازيّات أو شحن الجوّ بالأزمات وبهدوء وراحة القلب والبال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس هنالك من نصيحة أجمل من تعريف المرأة السافرة بمضامين قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(1) ، فإنّ هذه الآية الشريفة تفيض مودّة ورحمة من قِبل الخالق (جلّ جلاله) على إمائه المؤمنات به؛ لدلالتها على أنّ اللّه (عزّ وجلّ) لم يفرض الحجاب إلّاخوفاً منه على المؤمنات به من أن يؤذين، فصيانة لهنّ وحرصاً عليهنّ شرّع اللّه الحجاب، ولو أعطت السافرة هذه الآية حقّها من التأمّل لاختارت الحجاب بتمام الرغبة والحبّ.

6 - سلوك الفرد مع نفسه.
475 - هنالك مقالة تقول: «تعلّمت الخطأ لكي أتوقّى منه»، فما هو حكم تعلّم الخطأ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تعلّم الخطأ لأجل تمييزه والاجتناب عنه، لا لأجل عمله، أمرٌ صحيحٌ ولازمٌ، فإنّ ما لم يعلمه الإنسان يكون في معرض الوقوع فيه لجهله بموضوعه.

ص:211


1- (1) الأحزاب 59:33..
476 - ما هو حكم الافتخار بالحسب والنسب سيّما في الحرب كما كانت عليه سيرة المقاتلين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التفاخر المحرّم في نفسه هو: إظهار الفخر من حيث الحسب والنسب بغرض إثبات فضيلة للنفس، مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين، ولا يفرّق في ذلك بين حال الحرب وغيرها، وإن كان الذي يظهر من تتبّع رجز المقاتلين في الحروب أنّهم يستخدمون التفاخر بالأحساب والأنساب لأجل إرهاب العدوّ، وليس لأجل إثبات فضيلة لأنفسهم.

477 - لا يخفى على سماحتكم كيف أنّ القيم الدينيّة والأخلاقيّة تتعرّض

إلى هجوم لا أخلاقي شرس بعدّة طرق وبعدّة عناوين حتّى بدأ المتديّنون يحسّون بالغربة في بيوتهم فبم تنصحون لمواجهة هذه الهجمة السيّئة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: على المؤمن في مثل هذه الظروف العصيبة أن يتذكّر قول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«إنّ الإسلام بدأ غريباً، ويعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء.

قيل: يا رسول اللّه، ومن الغرباء؟

قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» (1) ؛ ليعلم بأنّ الغربة التي يعيشها ويشعر بها حتّى بين أهله غربة ممدوحة، ليزداد موقفه قوّة وتحدّياً وصلابة.

478 - ما هو حكم متابعة المسلسلات أو الأفلام التي تحكي قصص الحبّ والغرام

، أو التي تكون مروّجة لثقافات غير إسلاميّة مثل المسلسلات المدبلجة؟ وهل يجوز للآباء السماح لأبنائهم بمتابعة مثل هذه المسلسلات أو ترك جهاز التلفزيون بيد أبنائهم بدون رقيب عليهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مشاهدة كلّ ما يؤدّي إلى الفساد الحرام،

ص:212


1- (1) مستدرك الوسائل: 323:11..

ومشاهدة بعض هذه الأفلام لا تخلو من إشكال، حيث يدسّ فيها السمّ في العسل؛ ولذا نهيب ببناتنا وأبنائنا أن يكونوا حذرين حريصين على سلوكهم وأخلاقهم وعقائدهم، فإنّ ذلك أثمن شيء عند الإنسان، ونسأل اللّه سبحانه لنا ولهم العصمة والسداد.

وأمّا بالنسبة للآباء الكرام فلا قول بعد قول اللّه تعالى: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(1)

479 - تنتشر هذه الأيّام من خلال الفضائيّات المسلسلات التركية وهي معاول هدم وانحراف للبشريّة والإنسانيّة وتستهدف قيم وأخلاق المسلمين بشكل عامّ

، والشباب بوجه خاصّ وتدعوا إلى الانتقال إلى الوجوديّة التي تعني أنّ الإنسان له الحريّة المطلقة في اختيار ما يتلاءم وهواه سواء كان حلالاً أم حراماً حتّى ولو أدّى إلى وقوع الأشخاص في كبائر الذنوب كالزنا واللواط وشرب الخمر، مضافاً لما تتضمّنه من ثقافة علمائيّة غير دينيّة تطالب بالرذيلة بدلاً عن الفضيلة وتعلّم الفتيات السقوط في مهاوي الانحراف فهل هذه المسلسلات حلال أم حرام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كانت المسلسلات المذكورة بالنحو المفروض في السؤال، فحرمتها لا إشكال فيها، والذي نأمله من أبنائنا وبناتنا أن يكونوا بمستوى المسؤوليّة الشرعيّة في مواجهة هذه المسلسلات الفاسدة، ليردّوا كيد أعداء الإسلام إلى نحورهم.

480 - احبّ شخصاً كثيراً لأخلاقه وجماله ولكنّه يبتعد عنّي وقد حاولت الابتعادعنه ولم أستطع فهل هناك دعاء أو عمل يقرّبه منّي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يبدو أنّك شابّ وزميك كذلك، وهذا النوع

ص:213


1- (1) التحريم 6:66..

من التفكير والنمط من العلاقة الذي يتجاوز فيه الشخص النمط العرفي، ما هو إلّا عمل خاطئ، وعليك الابتعاد عنه؛ لأنّه مجرّد وهم ترسّخه وساوس الشيطان، وأسأل اللّه تعالى أن يُخرج حبّه من قلبك ويهديك إلى صراط مستقيم.

481 - أنا رجل في الثلاثينيّات من عمري واُؤكّد لكم أنّهما من انثى تمرّ أمام

عيني إلّاوقد أحطتها بكلّ ما لي من أنظار وأبصار وتخيّل وقد أصبحت هذه عادة وملكة رسخت في قلبي فكيف لي أن أتوب وكيف لي أن أتخلّص من هذه العادة التي بدأتها بمعونة أصدقائي وقد رأيت والدي وإخوتي وأقربائي يفعلون ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله:

«مَن ملأ عينه حراماً يحشوها اللّه يوم القيامه مسامير من نار، ثمّ حشاهما ناراً إلى أن تقوم الناس، ثمّ يؤمر به إلى النار» (1).

ومن الممكن للإنسان أن يتخلّص من هذه الرذيلة - كما أرشدت لذلك روايات أهل العصمة عليهم السلام - بإلزام النفس وجبرها - عن طريق العهد أو النذر - على غضّ البصر، وسيجد لذلك أثراً عجيباً، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه سئل عن الرجل تمرّ به المرأة فينظر إليها، فقال: أوّل نظرة لك والثانية عليك والثالثة سهم من سهام إبليس، مَن تركها للّه لا لغيره أعقبه اللّه إيماناً يجد طعمه(2).

وقد نبّهت بعض النصوص الشريفة على أنّ علاج النظرة المحرّمة يمكن أن يتمّ عن طريق معالجة سببها؛ إذ أنّ المنشأ لها غالباً هو تهيّج الشهوة، فإذا عالج الإنسان ثورة شهوته عن طريق الحلال لم يحتج للحرام، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال:

«إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأتِ أهله فإنّ عند أهله مثل ما رأى، ولا يجعلنّ للشيطان إلى قلبه سبيلاً وليصرف بصره عنها فإن لم تكن له زوجة

ص:214


1- (1) مستدرك الوسائل: 268:14. بحار الأنوار: 37:101..
2- (2) مستدرك الوسائل: 268:14..

فليصلِّ ركعتين ويحمد اللّه كثيراًويصلّي على النبيّ وآله ثمّ ليسأل اللّه من فضله، فإنّه يبيح له برأفته ما يغنيه»(1).

482 - أنا في سنّ الشباب وأسعى أن أبتعد من الوقوع في المعاصي والذنوب

ولكن هناك صعوبات كبيرة في هذا المجال سيّما فيما يرتبط بالنظرة المحرّمة، فكيف أستطيع أن احقّق ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السعي في عدم ارتكاب الحرام وإن كان صعباً في بداية الأمر، ولكنّه مع التصميم القويّ - والاستعانة باللّه تعالى، وطلب المدد من أوليائه عليهم السلام - يصبح سهلاً جدّاً، وكأنّه ملكة من ملكات النفس، بحيث يقوم به الإنسان كأيّ فعل من أفعاله الاعتياديّة.

483 - ما هي البدائل الإسلاميّة والحلول الصحيحة لمعالجة حالة هيجان الشهوة وسعار الجنس لدى الشباب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هنالك عدّة توصيات جاءت في لسان الشرع الشريف، لمعالجة حالات التهيّج الجنسي، ومن جملتها: الصيام، حيث ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله قوله:

«يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ومَن لم يستطع فليدمن الصوم فإنّ له وجاء» (2).

484 - كيف يتخلّص الإنسان من الشهوات الجنسيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشهوات الجنسيّة في نفسها ليست أمراً سيّئاً، وإنّما السوء في استعمالها في غير مواردها الشرعيّة، وقد ورد عن النبيّ الأعظم وأهل بيته عليهم السلام ما يرشد إلى تهذيبها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه و آله:

«يا معشر الشباب ،

ص:215


1- (1) بحار الأنوار: 115:10 و: 287:100..
2- (2) مكارم الأخلاق: 197..

مَن استطاع منكم الباه فليتزوّج فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ومَن لم يستطع فليصم، فإنّ الصوم له وجاء»(1).

485 - أنا شابّ طموح، ولي الكثير من العلاقات والزمالات مع كلا الجنسين

، ومن المعروف عنّي أنّي امازح الناس كثيراً، كي الطّف الجوّ والمحيط من ضغوط الحياة ولكي أكون محبوباً بين الناس وخصوصاً البنات (أو الجنس اللطيف)، ولكنّي قرأت مؤخّراً رواية عن آل محمّد (عليهم آلاف التحيّات والصلوات الزاكيات):

أنّه مَن مازح امرأة أو بنتاً حبسه اللّه تعالى آلاف السنين في النار فكيف أتصرّف مستقبلاً؟ هل أكون عبوساً مع البنات؟ وكيف اكفّر عن ذنوبي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: جاء في بعض النصوص الشريفة، عن أحد أصحاب المعصومين عليهم السلام، قال: كنت اقرئ امرأة اعلّمها القرآن، فمازحتها بشيء، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: أي شيء قلتَ للمرأة؟ فغظيت وجهي.

فقال: لا تعودنّ إليها(2).

ومن هذا النصّ الشريف نستفيد أنّ المؤمن ينبغي أن يكون حذراً جدّاً في علاقاته مع النساء الأجنبيّات، فإنّ النساء كما عُبّر عنهنّ في بعض الأخبار: «حبائل الشيطان»، بمعنى أنّ الشيطان يستفيد كثيراً من انوثتهنّ وجاذبيتهنّ في الإيقاع بالآخرين في شَرَك المعصية والرذيلة.

486 - يقول الكثير من الشباب والشابّات الذين يتابعون الأفلاح الإباحيّة والجنسيّة والمحرّمة أنّهم ينظرون بدون شهوة والنظر بدون شهوة جائز فهل هذا صحيح؟

وكيف يمكن ردعهم وإرجاعهم إلى طريق اللّه تبارك وتعالى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يحرم النظر إلى الأفلام الإباحيّة مطلقاً، وينبغي

ص:216


1- (1) مستدرك الوسائل: 153:14..
2- (2) وسائل الشيعة: 189:20..

نصح مشاهديها بلزوم مقاطعتها؛ لأنّها وسيلة من وسائل سيطرة الغرب الكافر على طاقاتنا وقدراتنا الإيمانيّة، ومحاولة الابتعاد بنا عن مبادئنا وقيمنا الدينيّة.

وبالجملة: فإنّ كلّ عاقل لو قايس بين اللذّة السريعة الزوال التي يحصل عليها من خلال مشاهدة الأفلام المذكورة، وبين الآثار الخطيرة التي تترتّب على مشاهدتها - له ولغيره - في الدنيا والآخرة، لاستقذرها وأقلع عنها.

487 - ماذا يفعل المؤمن والمؤمنة في المواقف التي تهيج الغريزة الجنسيّة والشهوة والشبق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ينبغي للمؤمن أن يستعين على ذلك بإرشادات المعصومين عليهم السلام، نظير إرشاد النبيّ صلى الله عليه و آله لمن قال له: يا رسول اللّه، ليس عندي طَول فأنكح النساء، فإليك أشكو العزوبيّة.

حيث قال له: وَفّر شعر جسدك وأدم الصيام، ففعل فذهب ما به من الشبق.

488 - ما هي أفضل الاُمور التي يجب القيام بها في أوقات الفراغ ولكلّالأعمار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يُفهم الجواب من خلال قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: «أَسْأَ لُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَأَعْظَمِ صِفاتِكَ وَأَسْمائِكَ أَنْ تَجْعَلَ أَوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً»، فإنّه صريح في أنّ المطلوب الأسمى للمؤمن هو عمارة وقته بذكر اللّه تعالى.

489 - إذا واجهتني مسألة فكريّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة وتحتاج إلى ردّ سريع جدّاً

، ولم أكن أعرف الردّ ولم يتسنّى لي الوصول إلى الردّ المناسب فكيف أتصرّف في هذه الحالة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام:

ص:217

«قول لا أعلم نصف العلم»(1)،

كما ورد عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام: ما حقّ اللّه على العباد؟

فقال: أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون(2).

كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم، فليقل لا أدري» (3) ، ومثل ذلك من الأخبار كثير.

490 - في ظلّ عولمة الفكر الغربي المادّي الفاسد ما هي واجبات المؤمن الرسالي في عصرنا الحالي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: وظيفة المؤمن هي الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام فكراً وعملاً وسلوكاً، وكلّ الوظائف تنطوي تحت هذه الوظيفة.

491 - سيّدنا ما هي نصيحتكم أو وصيّتكم للشباب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هناك عدّة وصايا مستلهمة من تعاليم أهل البيت عليهم السلام أوصي بها أبنائي الشباب:

الوصيّة الاُولى: التفقّه في الدين بمعرفة عقائده وأحكامه؛ لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لست احبّ أن أرى الشابّ منكم إلّاغادياً في حالين: إمّا عالماً أو متعلّماًفإن لم يفعل فرّط فإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثم» (4).

الوصيّة الثانية: الاشتغال بطاعة اللّه تعالى على ضوء ما تعلّمه الشابّ من الأحكام الشرعيّة؛ لما ورد عن رسول اللّه الأعظم صلى الله عليه و آله:

إنّ اللّه يحبّ الشابّ الذي

ص:218


1- (1) عيون الحكم والمواعظ: 372..
2- (2) الكافي: 43:1..
3- (3) جامع أحاديث الشيعة: 100:1..
4- (4) أمالي الطوسي: 210:2..

يفني شبابه في طاعة اللّه تعالى» (1) ، ويدخل ضمن عنوان طاعة اللّه تعالى كلّ ما يوجب فعله المثوبة من العبادات والسنن، وفي طليعة ذلك إحياء شعائر أهل البيت عليهم السلام أفراحاً وأحزاناً.

الوصيّة الثالثة: اغتنام فرصة الشباب في بناء النفس وتزكيتها، بتخليتها من الأخلاق الذميمة، وتحليتها بالآداب الفاضلة والأخلاق الكريمة؛ لما ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله في وصيّته لأبي ذرّ (رضوان اللّه عليه):

«يا أَبا ذَرّ اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ شَبابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَراغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَياتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»(2).

492 - نريد نصيحة من سماحة المرجع (دام ظلّه) تجاه ما يلي:

1 - واجب الآباء والاُمّهات في تربية الأجيال القادمة.

2 - وظيفة الآباء في الحفاظ على العائلة وصيانتها من الانحراف.

3 - الشباب والشابّات المستعرين بنار الجنس والشهوة والشبق ولا يقدرون على الزواج لأسباب مختلفة.

4 - المراهقين.

5 - الشابّ الذي يصادق شابّة وبالعكس دون عقد شرعي.

6 - تربية الأبناء كي يكونوا من أنصار قائم آل محمّد.

7 - الشباب والشابّات في فترة الخطوبة قبل وبعد العقد الشرعي.

8 - مواصفات الرجل الصالح للتزويج.

9 - مواصفات المرأة والبنت الصالحة للزواج.

10 - العمر الملائم للزواج لكلا الجنسين

ص:219


1- (1) كنز العمّال: 776:15..
2- (2) بحار الأنوار: 74:17..

11 - المتزوّجين في ليلة الزفاف.

12 - المتزوّجين الجدد لمواجهة تحدّيات الحياة.

13 - المتزوّجين الذين يملّ أحدهما الآخر نتيجة عدم الاهتمام بالآخر، والروتين اليومي التافه.

14 - المتزوّجين الذين يعانون من مشاكل دائمة قد تؤدّي إلى الطلاق.

باسمهِ جلّت أسماؤه: نوجّه نصحنا حول الاُمور المذكورة من خلال الكلمات الآتية لسادتنا المعصومين عليهم السلام:

1 - قال الإمام زين العابدين عليه السلام:

«وَأَمّا حَقُّ وَلَدِكَ: فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْكَ وَمُضافٌ إِلَيْكَ في عاجِلِ الدُّنْيا بِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَأَنَّكَ مَسْؤُولٌ عَمّا وُلَّيْتَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ، وَالدَّلالَةِ عَلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَعُونَةِ عَلى طاعَتِهِ، فَاعْمَلْ في أَمْرِهِ عَمَلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُثابٌ عَلَى الْإِحْسانِ إِلَيْهِ مُعاقَبٌ عَلَى الْإِساءَةِ إِلَيْهِ».

2 - قال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(1) ، ولمّا سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام قائلاً له: كيف أقيهم؟

أجابه عليه السلام بقوله:

«تأمرهم بما أمر اللّه، وتنهاهم عمّا نهاهم اللّه فإن أطاعوك كنتَ قد وقيتهم وإن عصوك كنتَ قد قضيت ما عليك» (2).

3 - قال أحدهم للنبيّ صلى الله عليه و آله: يا رسول اللّه، ليس عندي طَول فأنكح النساء، فإليك أشكو العزوبيّة.

فقال له: وفّر شعر جسدك وأدم الصيام، ففعل فذهب ما به من الشبق(3).

4 - قال أمير المؤمنين عليه السلام لولده:

«يْ بُنَيَّ إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ

ص:220


1- (1) التحريم 6:66..
2- (2) من لا يحضره الفقيه: 243:4..
3- (3) الكافي: 564:5..

كانَ قَبْلي، فَقَدْ نَظَرْتُ في أَعْمالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ في أَخْبارِهِمْ وَسِرْتُ في آثارِهِمْ؛ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ؛ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْفَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُوَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَناني مِنْ أَمْرِكَ ما يَعْني الْوالِدَ الشَّفِيقَ وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَنَفْسٍ صافِيَةٍ وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتابِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِوَشَرائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرامِهِ لَاأُجَاوِزُ ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ».

5 قال الإمام الصادق عليه السلام:

«برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم» (1).

6 - قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير سورة العصر: وَالْعَصْرِ العصر عصر خروج القائم عليه السلام إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي أدّوا الفرائض، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) أي بالولاية، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ أي وصّوا ذراريهم ومَن خلّفوا من بعدهم بها وبالصبر عليها»(2).

7 - قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا رأينا اناساً يسجد بعضهم لبعض.

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها»(3).

ص:221


1- (1) الكافي: 554:5..
2- (2) بحار الأنوار: 215:24..
3- (3) الكافي: 508:5..

وعنه عليه السلام، قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّامن فاحشة مبيّنة» (1).

8 - قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«إذا جاءكم مَن ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه.

قلت: يا رسول اللّه، وإن كان دنيّاً في نسبه؟

قال: إذا جاءكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوّجوه إلّاتفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(2).

9 - قال النبيّ صلى الله عليه و آله:

«إنّ خير نسائكم الولود الودود، العفيفة العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها الحصان على غيره التي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذّل الرجل» (3).

10 - قال النبيّ صلى الله عليه و آله:

«ما من شابّ تزوّج في حداثة سنّه إلّاعجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله عصم منّي ثلثي دينه فليتّق اللّه العبد في الثلث الباقي» (4).

11 - أوصى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: «يا عليّ إذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفّيها حين تجلس واغسل رجليها، وصبّ الماء من باب دارك إلى أقصى دارك فإنّك إذا فعلت ذلك أخرج اللّه من دارك سبعين ألف لون من الفقر، وأدخل فيها سبعين ألف لون من البركة وأنزل عليك سبعين ألف رحمة ترفرف على رأس العروس حتّى تنال بركتها كلّ زاوية في بيتك وتأمن العروس من الجنون والجذام والبرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار»(5).

ص:222


1- (1) الكافي: 512:5..
2- (2) تهذيب الأحكام: 394:7..
3- (3) وسائل الشيعة: 29:20..
4- (4) مستدرك الوسائل: 150:14. دعائم الإسلام: 190:2..
5- (5) من لا يحضره الفقيه: 551:3..

12 و 13 - قال الإمام الصادق عليه السلام:

«لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها وحسن خلقه معها و 5 استعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها.

ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المُوافق لها عن ثلاث خصال وهنّ:

صيانة نفسها عن كلّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه» (1).

14 - قال الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خصال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير وغيرة بتحصّن» (2).

493 - نريد نصيحة قرآنيّة تنفعنا في الدنيا والآخرة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه العظيم في محكم كتابه الكريم: وَمَن يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لَايَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ(3).

494 - ما هي النصيحة التي تقدّمها للعوائل أو الشباب والشابّات الذين يعيشون في الغربة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ نصيحتنا لأبنائنا وبناتنا المغتربين خاصّة في البلاد غير الإسلاميّة: الالتفات إلى أنّ الواجب الشرعي يصير مضاعفاً عليهم من ناحية اهتمامهم بالواجبات الشرعيّة التي تتعلّق بحياتهم اليوميّة، وكذلك الحال

ص:223


1- (1) بحار الأنوار: 237:75. تحف العقول: 323..
2- (2) بحار الأنوار: 236:75..
3- (3) الطلاق 2:65 و 3..

فيما يتعلّق بتربية أولادهم تربية إسلاميّة صحيحة، إضافة إلى واجب ثالث مهمّ، وهو: إعطاء صورة صحيحة لغير المسلمين تعكس قيم الإسلام العظيم ومبادئه من خلال سلوك أبنائه وعلاقتهم مع الآخرين، مع الالتفات إلى أنّ الإقامة في بلاد غير المسلمين قد تصل إلى الحرمة فيما لو لم يتمكّن المسلم من الحفاظ على دينه بالنسبة له أو بالنسبة لعياله، ولذا يتعيّن السعي الحثيث لتنشيط الثقافة الدينيّة والالتزام، ومن المهمّ الاطّلاع على مثل كتاب مكارم الأخلاق والكتب الاُخرى التي تتحدّث عن سيرة أهل البيت عليهم السلام، وفّقكم اللّه تعالى لما يحبّ ويرضى.

495 - نرجو إعطاءنا نصيحة نحصّن بها أنفسنا من مضلّات الفتن القاتمة، وخصوصاًفي بلد العراق؛ لننصر مولانا المهدي ونهذّب أنفسنا الأمّارة بالسوء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: اوصي جميع الموالين لأهل البيت عليهم السلام بالعمل بالوظائف الشرعيّة التي يحدّدها مراجع الدين المشهود لهم في الحوزات العلميّة بالعلم والفقاهة والورع والتقوى، فإنّهم منصوبون من ناحية الإمام، وبالتمسّك بهم، والعمل على طبق تعاليمهم يكون الإنسان بعيداً عن الانحرافات الفكريّة والعقائديّة ونحوها.

ص:224

مسائل تربويّة

496 - ما هي معالم النظام التربوي في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإجابة عن مثل هذا السؤال لا يسعها مثل هذا المقام، ولكنّ الذي ينبغي أن يعلم أنّ للإسلام نظاماً تربويّاً دقيقاً ليس لغيره من الأنظمة الوضعيّة؛ ضرورة أنّ كلّ الأنظمة إنّما تلاحظ الجانب التربوي للطفل في مرحلة ما بعد ولادته، كما أنّ أغلبها - إن لم تكن كلّها - إنّما تركّز على الجوانب الماديّة والحسّيّة دون الجوانب المعنويّة والروحيّة، بخلاف النظام التربوي الإسلامي فإنّه قد أولى هذا الجانب عناية واهتماماً من قبل تكوين نطفة الجنين، فركّز على اختيار صفات معيّنة للأبوين ذات تأثير مستقبلي - على نحو الاقتضاء - على طفلهما من الناحية المادّيّة والمعنويّة، كما أوْلى مرحلة تكوين الجنين ومرحلة ما بعد ولادته اهتمماً فائقاً أيضاً، بحيث جعل لهما نظاماً متكاملاً يساير حياة الطفل منذ بدايتها ليس بلحاظ السنوات فحسب، بل حتّى بلحاظ الأيّام والساعات، وهذا ما تعجز عنه جميع الأنظمة الوضعيّة بلا ريب ولا شبهة.

497 - ما هي معالم النظام الاُسري في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: للنظام الاُسري في الإسلام معالم عديدة وفريدة، غير أنّ ضيق المجال يمنع من بيان ذلك على نحو التفصيل، ولذلك نكتفي بالإشارة إلى بعض تلك المعالم:

المعْلم الأوّل: إنّ الإسلام قد اعتنى بملاحظة النواة الاُولى للاُسرة، وكيفيّة تأسيسها، فأكّد على لزوم توفّر صفات معيّنة في الوالدين اللذين يشكّلان الخلية

ص:225

الاُولى للاُسرة - كالدين، وحسن الخلق، وطيب الأصل - ولزوم التجنّب عن بعض الصفات الاُخرى، كشرب الخمر في الرجل، والتبرّج في المرأة.

المعْلم الثاني: إنّ الشارع المقدّس قد بنى الحياة الاُسريّة على نظام الحقوق المتبادلة، فجعل للزوج حقوقاً على زوجته، وجعل للزوجة حقوقاً على زوجها، كما جعل للأولاد حقوقاً على والديهم، وجعل للوالدين حقوقاً على أولادهم، وبمراعاة هذه الحقوق تكون الاُسرة من أقوى اللبنات الصالحة التي يبتني عليها وجود المجتمع المؤمن.

المعْلم الثالث: إنّ الشارع الشريف في تأسيسه للنظام الاُسري لم يكتف بملاحظة جانب دون غيره، بل لاحظ جميع الجوانب التي تكفل سعادة الاُسرة وديمومتها، فقنّن ما يرتبط بحياتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والدينيّة والروحيّة وجميع النواحي الاُخرى، وبذلك جاء نظامه نظاماً دقيقاً ومتكاملاً، وهذا ما تفتقده جميع الأنظمة الاُخرى.

498 - هل يمكن اعتبار سورة النور المباركة هي سورة الاُسرة الطاهرة وأساس تحديد معالمها؟

وما هي أهمّ معالم التدبّر في سورة النور لبناء الاُسرة المناصرة لقائم آل محمّد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

«حصّنوا أموالكم وفروجكم بتلاوة سورة النور وحصّنوا بها نساءكم فإنّ مَن أدمن قراءتها في كلّ يوم أو في كلّ ليلة لم يزنِ أحد من أهل بيته أبداً حتّى يموت فإذا مات شيّعه إلى قبره سبعون ألف ملك كلّهم يدعون ويستغفرون له حتّى يدخل في قبره» (1).

وعنه عليه السلام قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «علّموهنّ المغزل وسورة النور» (2).

ص:226


1- (1) وسائل الشيعة: 252:6. ثواب الأعمال: 109..
2- (2) الكافي: 516:5..

وعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

«علّموهنّ سورة النور فإنّ فيها المواعظ» (1).

والمستفاد من هذه النصوص الشريفة: أنّ سورة النور من السور المؤثّرة جدّاً في بناء الاُسر الفاضلة دينيّاً وأخلاقيّاً، وتحصينها عن الانحراف والرذيلة، ولعلّ سرّ ذلك هو اشتمالها على النهي عن مقارفة الفواحش وإشاعتها، والتحذير من قذف المحصنات، والدعوة إلى التحلّي بآداب الدخول إلى بيوت الآخرين، والحثّ على غضّ الأبصار وحفظ الفروج، والترغيب في الزواج والتعفّف عند عدم القدرة عليه، والتأكيد على الالتزام بالحجاب، والاهتمام بتربية الأبناء على آداب الدخول إلى غرف نوم آبائهم واُمّهاتهم، ونحو ذلك من التعاليم التي تساهم في بناء الاُسرة بناءً متكاملاً.

499 - ورد في كثير من الروايات حثّ المرأة الحامل على أكل بعض المأكولات، ونهيها عن بعض آخر فهل هذه الروايات معتبرة سنداً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أغلب الروايات المذكورة روايات إرشاديّة إلى المصالح والمفاسد، وليست متضمّنة لأحكام مولويّة - استحباباً أو كراهة - حتّى تحتاج إلى البحث عن أسانيدها، بل حتّى على القول بمولويّة الأوامر المشتملة عليها، فإنّها - على ضوء ما نبني عليه من القول بقاعدة التسامح في أدلّة السنن - لا تحتاج إلى ذلك أيضاً.

500 - ما أفضل وقت للحمل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المقصود من السؤال: الاستفسار عن الأوقات المناسبة لبدء الحمل، والاُمور المقتضية ليمنه وصلاحه: فقد ورد ذلك مفصّلاً في روايات المعصومين عليهم السلام، سيّما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله المعروفة إلى

ص:227


1- (1) الكافي: 516:5..

أمير المؤمنين عليه السلام، ومن جملة ذلك: الوضوء، والاستعاذة، والتسمية عند المقاربة، وكذا الدعاء بالمأثور، وهو: «بسم اللّه وباللّه، اللّهمّ جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني»(1) ، وعدم التحدّث حال ذلك إلّابذكر اللّه، وعدم استقبال القبلة واستدبارها، واختيار ليالي الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة، وتجنّب الأوقات المرجوحة كوقت الزوال والغروب وبين الطلوعين.

501 - بالنسبة لتسمية الأبناء يقوم المسلمون في هذه الأيّام بتسمية أبنائهم من

الذكور والإناث بأسماء غريبة وأوروبيّة تأثّراً منهم بالحضارة الغربيّة فيقوم الناس بتقليد لا واعٍ لتلك الحضارة بكلّ تفاصيلها تطبيقاً لقاعدة علم الاجتماع المعروفة:

«إنّ المغلوب مولع بتقليد الغالب» وهذا يؤكّد على تحوّل العلمانيّة في أرض المسلمين من العلمانيّة الجزئيّة وهي فصل الدين عن الدولة إلى العلمانيّة الشاملة، وهي فصل قيم ومبادئ الإسلام عن الحياة بكلّ تفاصيلها بما في ذلك أسماء الأشخاص فأسماء الأبناء هذه الأيّام من الذكور هي: مايكل أرنولد مكدونالد، رامبو وغيرها وأسماء الإناث: كاترين، مادلين ديانا انديانا وغيرها، والسؤال هو:

هل يجوز التسمية بهذه الأسماء؟ وما هي أفضل الطرق الإسلاميّة لانتخاب الأسماء للأبناء؟ وما هي أفضل الأسماء إسلاميّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: اعتنى الشارع الأقدس بمسألة التسمية والأسماء عناية فائقة، فأكّد على رجحان تسمية الأولاد بالأسماء الحسنة، كالأسماء المشتملة على العبوديّة، وأسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، كما وأكّد على كراهة تسميتهم بأسماء أعداء اللّه تعالى والمعصومين عليهم السلام.

وإذا علمنا أنّ أسماء محمّد وآله (صلوات اللّه عليهم) قد اختارها اللّه تعالى لهم، لشدّة محبّته لهم، كان ذلك موجباً لعلمنا بأنّها أفضل الأسماء؛ إذ لو كان هناك

ص:228


1- (1) الكافي: 503:5..

ما هو أفضل منها لاختارها اللّه لهم، وإذا كانت هي أفضل الأسماء لم يرجح للمؤمن اختيار غيرها.

502 - هل هناك حكم بالكراهة في تسمية الأبناء بأسماء مثل عمر وعثمان وسنان ويزيد وغيرها من أسماء مشهورة لأعداء أهل البيت عليهم السلام؟

وماذا عن اسم عبدالرحمن هل التسمية به مكروهة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد اشتملت النصوص الكثيرة على الأمر بتسمية الولد باسم حسن، كأسماء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وما دلّ على العبوديّة، وبالخصوص اسم محمّد وأحمد وعليّ والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبداللّه وحمزة وفاطمة، كما دلّت عل كراهة التسمية بالحكم وحكيم وخالد ومالك وحارث وضرار ومرّة وحرب وظالم وضريس، وأسماء أعداء الأئمّة عليهم السلام، وبذلك يظهر حكم الأسماء المسؤول عنها.

503 - كيف أهتمّ بجنيني ليصبح في المستقبل حافظاً للقرآن، وعالماً وناصراًلصاحب الزمان؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من الاُمور المؤثّرة فيما تريدين: الكون الدائم على الطهارة حال الحمل والإرضاع، وقراءة القرآن الكريم، ودعاء العهد، وزيارة عاشوراء في كلّ يوم، ومن الختومات المؤثّرة في جميع ما تريدين: تكرار قول:

«اللّهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك» 530 مرّة مع الطهارة، في مكان خالٍ عن الأغيار.

504 - ما هو الهدف من تشريع ضرب الأب للولد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الهدف هو التأديب الذي يبدأ بالوعظ والإرشاد بالحسنى، وينتهي بالضرب غير المبرّح عند توقّف التأديب عليه.

ص:229

ص:230

الفصل السادس: أسئلة وأجوبة حول العلوم والعوالم الغريبة والأوراد والأذكار

اشارة

ص:231

ص:232

علوم وعوالم غريبة

505 - هل هناك عوالم اخرى غير عالمنا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: جاء في الرواية عن أبي عبداللّه الصادق عليه السلام أنّه قال:

«إنّ للّه عزّ جلّ اثني عشر ألف عالم كلّ عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين ما يرى عالم منهم أنّ للّه عزّ وجلّ عالماً غيرهم وأنا الحجّة عليهم» (1).

506 - ما هي أنواع العوالم التي خلقها اللّه تعالى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإحاطة بأنواع جميع العوالم غير مقدورة إلّا لخالق كلّ العوالم سبحانه وتعالى، بداهة أنّ الإنسان يجد من نفسه بالوجدان العجزَ عن إدراك بعض عوالم عالم الملك، كعالم الإنس الذي ينتمي إليه، فما بالك ببقيّة العوالم؟ فضلاً عن عوالم عالم الملكوت الذي لا سبيل له للاطّلاع عليه.

507 - هل عالم الذرّ حقيقة؟ وما هي الأدلّة عليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عالم الذرّ حقيقة لا تقبل الشكّ؛ لوروده في روايات كثيرة جدّاً عن المعصومين عليهم السلام، وبعضها في غاية الاعتبار السندي.

508 - هل عالم الذرّ ثابت في عقائدنا؟ وما هو أثره على عالم الدنيا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، عالم الذرّ ثابت بالآيات والروايات المعتبرة، فليرجع لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

ص:233


1- (1) بحار الأنوار: 41:27 و: 220:54..

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذَا غَافِلِينَ (1) ، والروايات المعتبرة الواردة في تفسيره، وهو قبل عالم الدنيا، وتفصيله مذكور في الروايات المشار إليها، وأثره على عالم الدنيا أشبه بأثر أداء اليمين الدستوريّة من المسؤولين كرئيس الجمهوريّة والوزراء وأعضاء البرلمان، وهو الإلزام بالتوحيد والرسالة والولاية.

509 - ما هو رأيكم الشريف في حقيقة عالم الذرّ بشكل مفصّل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في الخبر الصحيح عن أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: كيف أجابوا وهم ذرّ؟

قال:

جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه، يعني في الميثاق»(2).

وفي خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام، قال أبو بصير: «قلت له: أخبرني عن الذرّ حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، وأسرّ بعضهم خلاف ما أظهر، كيف علموا القول حين قال لهم: ألست بربّكم؟

فقال عليه السلام:

إنّ اللّه جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه»(3).

وروي أيضاً عن أبي بصير عنه عليه السلام في قول اللّه: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى، قلت: قالوا بألسنتهم؟

قال:

نعم وقالوا بقلوبهم.

قلت: وأيّ شيء كانوا؟

قال:

صنع فيهم ما اكتفى به»(4).

ص:234


1- (1) الأعراف 172:7..
2- (2) الكافي: 12:2..
3- (3) بحار الأنوار: 258:5..
4- (4) بحار الأنوار: 259:5 و: 102:64..

وقريب من هذه الروايات روايات كثيرة جدّاً، وقد صرّح العلماء بأنّ ما في هذه الروايات والآيات تقصر عنه عقول أكثر الناس، وللناس فيه مسالك:

1 - مسلك المتورّعين، وهم الذين يقولون: نؤمن بظاهرها ولا نخوض فيها بتوجيه أو تأويل.

2 - مسلك الذين حملوها على الاستعارة والمجاز والتمثيل.

3 - مسلك الذين حملوها على أخذ الميثاق في عالم التلكيف، بعد إكمال العقل بالبرهان والدليل.

والصحيح في المقام ما قاله شيخنا المفيد قدس سره: «أمّا الحديث في إخراج الذرّيّة من صلب آدم عليه السلام على صورة الذرّ... والصحيح أنّه أخرج الذرّيّة من ظهره كالذرّ، فملأ بهم الاُفق، وجعل على بعضهم نوراً لا تشوبه ظلمة، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور، وعلى بعضهم نوراً وظلمة، فقال آدم: يا ربّ، ما هؤلاء؟

قال اللّه عزّ وجلّ: هؤلاء ذرّيّتك، يريد تعريفه كثرتهم وامتلاء الآفاء بهم، وأنّ نسله يكون في الكثرة كالذرّ الذي رآه؛ ليعرّفه قدرته، ويبشّره باتّصال نسله وكثرتهم».

510 - هنالك من الباحثين مَن يقول بوجود آدم الملك وآدم الملكوت، فمَن هوآدم الملك ومَن هو آدم الملكوت؟

وكيف نستطيع أن نفرّق بينهم من خلال الآيات القرآنيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا البحث طويل الذيل، ولا يسع المجال عرض الأقوال والأدلّة في المقام؛ لأنّها في غاية الاختلاف، وقد ادّعى بعض العامّة أنّ آدم واحد، وأنّ القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر، وبإزاء هذا القول قيل:

إنّ المراد بآدم في آيات الخلقة والسجدة آدم النوعي دون الشخصي، وفي التوحيد عن الإمام الباقر عليه السلام في حديث قال:

«وترى أنّ اللّه لم يخلق بشراً غيركم بلى واللّه

ص:235

لقد خلق اللّه ألف ألف عالم وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم واُولئك الآدميّين» (1).

وأمّا آدم الملك والملكوت فالظاهر أنّ المراد به آدم أبو البشر عليه السلام فإنّه قبل هبوطه إلى الأرض لم يكن في هذا العالم، وإنّما كان في عالم الملكوت، وبعد هبوطه إليها صار آدم الملك.

511 - ما هي العلّة من تسخير وتوكيل ملك السحاب والمطر وخازن النار

والجنّة وملك الموت والكرام الكاتبين وبقيّة الملائكة الموكّلين باُمور الكون والوجود بصورة عامّة؟

وهل يمكن تصوير الملائكة الموكّلين بإدارة هذه الشؤون - حقيقة أو تقريباً وتشبيهاً - بقوانين ونواميس القوى المستودعة منه سبحانه في علاقات مكوّنات الوجود؟ وما علاقة الملائكة الكرام بهذه القوى والقوانين الكونيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد في الكتاب العزيز قوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(2).

وقال اللّه عزّ وجلّ أيضاً: اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(3).

وورد في الدعاء المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام:

«الحمد للّه الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره» (4) ، ومن جميع هذه النصوص نستنتج أنّ تسخير بعض الملائكة لبعض المهمّات يعود لإرادة اللّه الي لا يُسئل عنها، وهم فيما يقومون به

ص:236


1- (1) الخصال: 652..
2- (2) الأنبياء 22:21..
3- (3) الحج 75:22..
4- (4) الكافي: 545:2..

يمتثلون أمر ربّهم بحسب ما حدّده ورسمه لهم، فهم بأمره يعملون.

ولو أردنا أن نقول شيئاً في المقام فغاية ما نستطيع قوله: إنّ قصور أكثر الموجودات عن تلقّي الفيض الإلهي بشكل مباشر، يستلزم أن تكون هنالك نفوس كلّيّة عالية تقوم بدور الوساطة بينه وبين خلقه، واللّه العالم بحقيقة الاُمور وواقعها.

512 - كثر الجدل هذه الأيّام حول التنجيم فما رأي سماحتكم حول هذا الأمر

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التنجيم بمعنى الإذعان والاعتقاد بثبوت النسبة بين الحوادث السفليّة الواقعة في هذا العالم والأوضاع الفلكيّة، والإخبار عنها.

وهو يتصوّر على وجوه:

الوجه الأوّل: الاستقلال في التأثير، بمعنى أنّ المؤثّر التامّ في الحوادث السفليّة من الخيرات والشرور هي الأوضاع الفلكيّة، أي أنّها مستقلّة حتّى من جهة مشيئة البارئ تعالى شأنه، والاعتقاد بهذا كفر وزندقة، سواء رجع هذا الاعتقاد إلى إنكار وجوده تعالى، كما هو مذهب بعض المنجّمين، أم رجع إلى تعطيله تعالى عن التصرّف بعد خلق الأجرام العلويّة، وأنّ الموجودات الممكنة بأجمعها مفوّضة إلى النفوس الفلكيّة والعقول الطوليّة، كما هو مذهب جماعة منهم.

الوجه الثاني: إنّ الأوضاع الفلكيّة والكيفيّات الكوكبيّة مؤثّرة في الحوادث السفليّة على وجه الاشتراك مع الباري تعالى، بمعنى أنّها جزء المؤثّر، والجزء الآخر مشيئة الباري تعالى والمعتقد بذلك سواء اعتقد قِدمها أم حدوثها كافر.

الوجه الثالث: أن يلتزم بتأثيرها في الحوادث السفليّة على وجه الآليّة، بمعنى أنّ المؤثّر في الوجود هو اللّه تعالى، وأنّه الفيّاض على الإطلاق، إلّاأنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها باختيارها.

والذي يلاحظ على هذا الوجه: أنّ الآيات والروايات قد دلّت بظاهرها على أنّ حركة الأفلاك قسريّة، وأنّ محرّكها هم الملائكة، فالالتزام بأنّها حيّة مختارة

ص:237

مخالف للشرع، وتكذيب للنبيّ المرسل صلى الله عليه و آله فهو يوجب الكفر لأجل هذا اللازم.

الوجه الرابع: أن يلتزم بتأثيرها في الحوادث السفليّة على وجه الآليّة، بمعنى أنّ المؤثّر في الوجود هو اللّه تعالى، وأنّه الفيّاض على الإطلاق، إلّاأنّ اللّه تعالى قد أودع في طبائع أوضاع الفلكيّات خصوصيّات تقتضي حدوث الحوادث السفليّة، وتلك الخصوصيّات كالخصوصيّة المودعة في النار المقتضية للإحراق.

والالتزام بهذا الوجه إن كان التزاماً به مع اعتقاد أنّ الدعاء والصدقة وسائر وجوه البرّ لا تؤثّر في المنع من تأثيرها، فهو أيضاً تكذيب لما جاء به النبيّ الصادق صلى الله عليه و آله؛ لما دلّ من النصوص المتواترة على أنّ الدعاء والصدقة وسائر وجوه البرّ تردّ القضاء الذي ينزل من السماء وتدفع البلاء المبرم.

وإن كان التزاماً بنحو يؤثّر الدعاء والصدقة وسائر وجوه البرّ في منع تأثيرها، فكما لا يكون مخالفاً لأصل من اصول الإسلام لا يكون مخالفاً لما ثبت من الشرع، ولكن بما أنّه لا طريق لنا إليه في مقام الإثبات، بل دلّت النصوص الكثيرة على أنّ لعلم النجوم واقعاً لا يحيط به غير علّام الغيوب ومَن ارتضاه لغيبه؛ لذا لا يجوز العمل به والاعتقاد به.

الوجه الخامس: أن يلتزم بأنّ أوضاع الفلكيّات من تقارن الكواكب وتباعدها ونحو ذلك علامات على الحوادث السفليّة التي تحدث بإرادة اللّه تعالى، ويكون الربط من قبيل ربط الكاشف والمكشوف، كنصب العلم علامة على التعزية وكحركات النبض واختلاف أوضاعها التي هي علامات على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحوه، وقد نسب إلى جماعة من الأساطين الالتزام بذلك، والاعتقاد بذلك ليس كفراً، بلا كلام ولم يحتمله أحد.

نعم، لو كان الاعتقاد به بنحو لا يؤثّر الدعاء والصدقة وسائر وجوه البرّ في عدم تحقّق المكشوف كان ذلك منافياً للنصوص المتواترة الدالّة على أنّها تردّ القضاء

ص:238

والبلاء المبرم، وأمّا الالتزام به بنحو تؤثّر وجوه البرّ في رفع المكشوف فلا يترتّب عليه محذور، ولكنّ المستفاد من النصوص الكثيرة أنّ غير اللّه تعالى ومَن ارتضاه لغيبه لا يحيط بواقع هذا العلم، أي بتلك العلامات.

513 - ما هي أقسام السحر الثمانية؟ وما هو المحلّل منها والمحرّم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكروا أنّ السحر أنواعاً ثمانية:

الأوّل: سحر الكذّابين، والكذّابون هم الذين كانوا في قديم الدهر، وكانوا يعبدون الكواكب، وهم فرق ثلاث.

الثاني: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القويّة.

الثالث: السحر المعتمد على الاستعانة بالأرواح الأرضيّة (الجنّ).

الرابع: سحر التخيّلات والأخذ بالعيون.

الخامس: السحر المعتمد عل الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركّبة على النسب الهندسيّة تارة، وعلى ضرورة الخلاء اخرى.

السادس: السحر المعتمد على الاستعانة بخواصّ الأدوية.

السابع: السحر المعتمد على تعليق القلب.

الثامن: السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفيّة لطيفة، وتفصيل الكلام حول هذه الأنواع في كتابنا فقه الصادق(1).

514 - هل يأخذ أهل البيت عليهم السلام بعلم الجفر؟ وهل كانوا يهتمّون به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هو علم موجود عند أهل البيت عليهم السلام مع بقيّة العلوم الموجودة عندهم، وقد ورد في الأخبار أنّ واحدة من علامات الإمام عليه السلام امتلاكه للجفر الأكبر والأصغر، وفي بعضها الجفر الأبيض والجفر الأحمر، إلّاأنّه

ص:239


1- (1) فقه الصادق عليه السلام: 304:14..

لم يعلم اتّحاد علم الجفر الموجود عندهم عليهم السلام مع علم الجفر المتداول في زماننا، والذي يندر مَن يحيط به إحاطة تامّة.

515 - يتداول بعض الكتّاب في هذه الآونة الأخيرة علماً يسمّى بعلم الحروف فما هو هذا العلم؟

وما مدى حجّيّة هذا العلم شرعاً؟ وهل استخدمه الأئمّة عليهم السلام؟ وكيف نعرف المتخصّص في هذا العلم من غيره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علم الحروف علم له علماء، ولهم فيه مؤلّفات، والعالم به يتمكّن ممّا لا يتمكّن منه غيره من الاُمور الغريبة، ويحيط بالكثير من الأسرار العجيبة، وهو علم صحيح لا تخلو الروايات الشريفة من الإشارة إليه، ولكنّه - بحسب الظاهر - مكتوم عن غير المعصوم عليه السلام، وما هو موجود في أيدي الناس ليس إلّاقشوره.

516 - لدينا طالب علوم دينيّة يستخدم علم الأرقام والحروف وعلم السيمياء

والليمياء والهيمياء ويتحدّث عنها ويحبّ أن يدرسها فهل هذه العلوم صحيحة وواردة عن أهل البيت عليهم السلام؟ وهل يجوز العمل بنتائجها وتعلّمها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، وأمّا سائر العلوم فهي فضائل، لكون العلم بالشيء أوْلى من الجهل به، وأمّا العمل بأي علم فيتوقّف جوازه على عدم مخالفة الشرع وعدم الإضرار بالغير.

517 - ماذا تعني الرموز الحروفيّة والعدديّة المذكورة في بعض كتب المجرّبات والعلوم الغريبة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: غالباً ما يتعمّد أصحاب المجرّبات كتابتها بصورة رمزيّة من ناحية وغير كاملة من ناحية اخرى، من أجل عدم إمكان الاستفادة منها إلّا بالرجوع إلى أهل الخبرة بالاُمور المذكورة، بل بعضهم يحرص على كتابة الاُمور المذكورة بنفسه، حتّى لا يطّلع غيره على ما يعتقد بلزوم التحفّظ على سرّيّته.

ص:240

518 - ماذا تقولون في الأبراج حيث وجدت أنّ بعضها يتطابق مع ما يحدث لي، بينما بعضها الآخر بعيد كلّ البعد عمّا يحدث؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علم النجوم من العلوم الحقيقيّة، ولا ريب في أنّ للأوضاع الفلكيّة نحو تأثير اقتضائي غير استقلالي في الأوضاع السفليّة وعالم العناصر.

إلّاأنّ الشأن في وجود الشخص المحيط بهذا العلم وأسراره، فإنّ أغلب المتصدّين له دجّالون لا يصغى إليهم.

519 - هناك مَن يرى للأحرف معانٍ وأسراراً ولبعض الأرقام مثلها فما شرعيّة الخوض في إيجاد مبرّرات للأرقام والأشكال والألوان والأحرف حتّى في تفسير

القرآن وربط آية مع آية بموجب بعض الكلمات والأحرف وذلك بمنطق علمي بحت بعيداً عن السحر وغيره من الأعمال غير الشرعيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم تثبت حجّيّة شيء من ذلك، وبعضها وإن كانت لها اصول صحيحة، ولكنّها محجوبة عند أهلها، وغيرُ المحجوب زائفٌ مكذوب.

520 - ما حكم قراءة الفنجان والكفّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في نفسه لا إشكال فيه، ولكنّه لا دليل على كونه من الاُمور الواقعيّة؛ ولذا لا يجوز ترتيب الآثار عليه، والعمل على وفق معطياته الظنّيّة أو الوهميّة.

521 - لطالما سمعت عن جلسات تحضير الأرواح فما هو هذا العلم؟ وما هو حكمه في الشرع؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: صنعة تسخير الروح وإحضارها صنعة كثر مدّعوها، ولكن إثبات وقوع ذلك دونه خرط القتاد، فإنّ غاية ما يبرهن به هؤلاء على وقوع ذلك هو إسماع بعض الأصوات المشابهة لصوت صاحب الروح، وإفصاحها

ص:241

ببعض الشؤون الخاصّة بصاحبها، غير أنّ هذا كما يمكن أن يكون من قِبل صاحب الروح فعلاً يمكن أن يكون من قِبل بعض الشياطين، وبالتالي فلا سبيل لإثباته على نحو القطع واليقين.

وكيف كان، فإنّ إحضار الروح إن لم يكن موجباً لأذيّة المؤمن وإهانته أو الإضرار به، فلا دليل على حرمته، والأصل هو الجواز، وإن كان موجباً لشيء من ذلك لم يجز.

522 - ما هي حقيقة تحضير الأرواح؟

وهل ما يقوم به الغربيّون من تحضير الروح وإرسالها إلى عالم الأرواح ومعرفة الكثير من تفاصيل الروح وما يجري عليها بعد الموت أمرٌ صحيح وواقع؟ وهل هو حلال أم حرام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تحضير الأرواح المقدّسة لا يجوز؛ لما فيه من الإهانة لها، وأمّا تحضير الأرواح غير المقدّسة فيجوز، ولكنّ الشأن في إثبات ذلك وإمكانه، وليس بيدينا ما يثبته.

523 - ما رأي سماحتكم بطيّ الأرض؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: طيّ الأرض من الكرامات المقطوع بتحقّقها للمعصومين عليهم السلام وبعض الأولياء الصالحين.

524 - ما هي حقيقة الشيطان؟ وكيف يجري من ابن آدم مجرى الدم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: حقيقة إبليس هي نفسها حقيقة الجنّ بصريح القرآن، وأمّا حقيقة الشيطان فهي تختلف باختلافه؛ إذ قد يكون هو إبليس، وقد يكون غيره من الجنّ والإنس، كما يدلّ عليه قول أبي بكر: «إنّ لي شيطاناً يعتريني»، والتعبير عن علاقته بالإنسان بأنّه يجري مجرى الدم منه تعبير كنائي عن قرب الشيطان من الإنسان وتسلّطه عليه، وشدّة تأثيره فيه.

525 - هل الشيطان واحد أم متعدّد؟ وهل هو من الجنّ أم ماذا؟

ص:242

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا إبليس فهو من الجنّ بصريح القرآن في قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ(1) ، وأمّا الشيطان فهو كلّ مَن يقوم بدور الإغواء عن الدين، وهو متعدّد، ولهذا ورد في القرآن بلفظ الجمع كما في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ(2) ، فاتّضح وجود فرق بين إبليس وبين الشيطان، وإن كان إبليس هو زعيم الشياطين.

526 - لماذا حجب اللّه سبحانه وتعالى الإنسان عن رؤية الجنّ والملائكة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ اللّه يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره، ولسنا نعلم بالدقّة وجه الحكمة من حجب نوع الإنسان عن رؤية تلك المخلوقات سوى أنّها من سنخ عالم يختلف عن سنخ عالمه.

527 - هل يمكن للإنسان العادي رؤية الشيطان بصورته الحقيقيّة أو أي صورة اخرى بحيث يعرف أنّه الشيطان؟

وكذلك الجنّ هل يمكن رؤيتهم ومعرفتهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يمكن للإنسان رؤية تلك المخلوقات ولكن بصورة اخرى غير صورها الواقعيّة، بحيث يعرف أنّ ما رآه هو الشيطان أو الجنّ.

528 - المسّ من قِبل الجنّ هل هو حقيقة؟ وما الفرق بينه وبين السحر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السحر تمويهات لا حقيقة لها، ويخيّل للمسحور أنّ لها حقيقة، وربّما يترتّب عليها أمر واقعي، كما لو أظهر الساحر للمسحور شيئاً مهولاً فخاف منه ومات أو صار مجنوناً، فإنّ الموت أو الجنون وإن كان أمراً واقعيّاً، إلّاأنّه من آثار السحر لا أنّه بنفسه السحر، وأمّا مسّ الجنّ فالظاهر أنّه أمر واقعي لا تخيّلي.

ص:243


1- (1) الكهف 50:18..
2- (2) الأنعام 112:6..
529 - هل من الصحيح أنّ الجنّ يستطيعون أن يسكنوا جوف بني آدم ويؤذونهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ الجنّ كالبشر فيهم المؤمنون وفيهم الفاسقون، ومنهم الخيّر ومنهم الشرير، وممّا لا شكّ فيه أنّ للجنّ تأثيرات في حياة الإنسان، كما أشارت لذلك الآيات والروايات، إلّاأنّ هذه التأثيرات لا تسلب الإنسان اختياره، ولا تلجئه إلى ما لا يريد فعله؛ إذ أنّ هذه التأثيرات إنّما هي من نوع الوسواس والإيحاء والغواية، ولا يحتاج الجنّ إلى أن يسكن جوف الإنسان ليتسلّط عليه، وهو أقرب من ذلك، حيث إنّه يجري من الإنسان مجرى الدم من العروق، كما وردت في ذلك عدّة روايات.

نعم، الإنسان الضعيف الإيمان والعقيدة - لا سيّما مَن كان عنده الوهم قويّاً - يكون أسرع استجابة لإيحاء شرار الجنّ ووساوسهم، حتّى يصير طوع أوامرهم ونواهيهم، بل يصير الجنّ شركاؤه في الأولاد والأموال، كما دلّت عليه الآية المباركة: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ(1) ، والروايات التي بيّنت وشرحت مضامينها.

وكلّما كان الإنسان أكثر إيماناً وصاحب عقيدة راسخة كان بعيداً عن هذه التأثيرات، بل يصير قادراً على الاستفادة من خيار الجنّ، كما دلّت الرواية الشريفة:

«مَن ضلّ منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد: يا صالح أغثني فإنّ من إخوانكم الجنّ مَن إذا سمع الصوت أجاب وأرشد الضالّ منكم» (2).

530 - ما هو حكم التسخير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التسخيرات بنفسها جائزة، إلّاأن ينطبق عليها

ص:244


1- (1) الإسراء 64:17..
2- (2) تحف العقول: 108..

عنوان آخر محرّم، كالإضرار بمن يعدّ الإضرار به ظلماً عليه وحراماً، أو صيرورة المسخّر في معرض التلف. وبذلك يظهر أنّ تسخير أشرار الإنس والجنّ جائز لا إشكال فيه، والأوْلى بالجواز تسخير الحيوانات.

531 - تبثّ قناة (شهرزاد) الفضائيّة برنامجاً اسمه (خبايا) وضيف البرنامج رجل يدّعي الولاء لمحمّد وآله الطاهرين

، ويدّعي القدرة على قضاء حوائج المؤمنين من خلال معرفة اسم المتّصل واسم امّه، زاعماً أنّه يستعين بالجنّ في معرفة الأسرار والعلاجات، فما مدى مصداقيّته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تسخير الجنّ وإن كان ممكناً، إلّاأنّ المدّعين له أكثر من الصادقين.

532 - هل يحرم شرعاً تعلّم السحر بدون التكسّب به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، يحرم شرعاً تعلّمه - كما يحرم التكسّب به - إلّاأن يكون ذلك لأجل دفع السحر بمثله.

533 - انتشرت في الآونة الأخيرة بين الناس حالة الاستعانة بالشياطين والجنّ

والسحر ويقوم هؤلاء الأشخاص بالتفرقة بين المرء وزوجه أو إيذائهم نفسيّاً وجسديّاً وقد تؤدّي بعض هذه الأعمال إلى الموت، فهل يجوز عمل مثل هذه الأعمال؟ وهل يجوز التصدّي لمثل هؤلاء الأشخاص وردعهم عن مثل هذه الأعمال؟ وهل يجوز قتل هؤلاء الأشخاص لكونهم يؤذون الناس ويؤثّرون على حياتهم ويقتلونهم إمّا باستخدام نفس سلاحهم - وهو السحر - وإمّا بإراقة دمهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد أفتى الفقهاء جميعاً بحرمة السحر، بل هي ممّا لا خلاف فيه، وعليها إجماع المسلمين، ولكن يجوز دفع ضرر السحر بالسحر سيّما مع انحصار الحلّ فيه، ويترتّب عليه جواز تعلّم السحر لدفع ضرره، وفي بعض الأخبار أنّ الساحر مهدور الدم يجوز قتله، ولكن لي فيه تأمّل، والصحيح أنّ أمره

ص:245

موكول للحاكم الشرعي فيعزّره بما يتناسب مع حجم جريمته.

534 - هل يجوز أن يعالج الشخص المصاب بالسحر أو الجنّ عن طريق رجل دين موثوق به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال فيه.

535 - أنا اريد تعلّم العلم الروحاني في أعمال الخير، ولا اريد تعلّم السحر، فما هو الطريق إلى ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لو صرف الإنسان جهده في تعلّم الأحكام الشرعيّة، والمعارف العقائديّة، والتخلّق بالأخلاق الفاضلة، لكان خيراً له من تعلّم ما يُسمّى بالعلوم الروحانيّة؛ لأنّ تلك هي التي سيسأل اللّه تعالى عنها يوم القيامة، وعلى معرفتها تدور النجاة في الآخرة، دون هذه.

536 - أي مرجع أو كتاب يختصّ بالروحانيّة وعلم الملكوت يمكننا الرجوع إليه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كثير من علم الروحانيّات الذي يدّعيه بعض الناس فيه كمّ هائل من الدجل؛ ولذا فإنّنا لا نزكّي أحداً أو كتاباً في هذا المجال.

537 - ما حكم دراسة كتاب شمس المعارف الكبرى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العلوم المشتمل عليها الكتاب المذكور ليست من العلوم الشرعيّة التي امرنا بتعلّمها وبيانها.

538 - هل يجوز عمل المحبّة والجذب لامرأة وأهلها لكي يقبلوا شخصاً يرغب في الزواج بامرأة معيّنة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان العمل المذكور موجباً للإضرار بالمرأة أو أهلها فهو حرامٌ بلا ريب، وإن لم يوجب ذلك فإنّ المناسب لشأن المؤمن أن يجتنب أمثال هذه الطرق الملتوية، ويتوجّه إلى اللّه تعالى وأوليائه عليهم السلام من أجل

ص:246

أن يهيّئوا له الأسباب، إن كان في ذلك خيره وصلاحه.

539 - أحياناً عند عمل بعض الطلاسم يؤمر بإحراق بعض الأوراق المشتملة على أسماء شريفة أو آيات قرآنيّة ك

غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ (1) ، فهل يجوز ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في إحراق أسماء الأشخاص، وأمّا الآيات القرآنيّة فيحرم إحراقها.

540 - هل من الممكن أن يعرف الإنسان الحدث قبل وقوعه؟ وهل هي مرحلة روحيّة عالية جدّاً يصل بها الإنسان إلى حدّ المعرفة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذلك ممكن عقلاً ما لم يصل إلى علم الغيب، فإنّه خاصّ بأهله، والمعروف أنّ هذه الحالة الروحيّة مشروطة عند أهلها بممارسة بعض الرياضات، ولكن ليس من الضرورة أن تعكس هذه الحالة عن رقيّ الإنسان الروحي والديني والمعرفي؛ لأنّها قد تكون عن طريق الشياطين أحياناً والرياضات غير الشرعيّة، كما يشير لذلك قوله تبارك وتعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ(2).

541 - هناك امرأة تدّعي أنّها علويّة، وتقوم بكشف الاُمور الغيبيّة بالقرآن،

والمثير أنّها تصف ملامح الشخص دون أن تراه، وتخبر عن كثير من الاُمور الغيبيّة، فهل يستطيع الإنسان أن يكشف كلّ تلك الغيبيّات بالقرآن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أصل الإخبار عن بعض المغيّبات أمر ممكن، ولكنّه لا يدلّ بالضرورة على صلاح المخبر؛ لأنّ بعضه يكون عن طريق الرياضات غير المشروعة، كما يفعله المرتاضون غير المسلمين كالهندوس، وبعضه يكون

ص:247


1- (1) المائدة 64:5..
2- (2) الأنعام 121:6..

عن طريق تسخير الجنّ، وأمّا كونه عن طريق القرآن الكريم فليس ذاك إلّالمن أطلعهم اللّه تعالى على أسرار القرآن ودقائقه وإشاراته.

542 - هناك مَن يدّعي رؤية الإمام عليه السلام في المنام وهو يملي عليه بعض الوظائف أو التوصيات والإرشادات فهل يمكن ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: رؤية أحد المعصومين عليه السلام في المنام أمر ممكن وواقع، إلّاأنّه لا دليل عندنا على حجّيّة الأوامر والتوصيات الصادرة عنهم عليهم السلام عن طريق الرؤيا، كما أنّ مَن يكثر ادّعاء رؤياهم عليهم السلام، وأنّهم يأمرونه وينهونه - سواء لذاته أو لغيره - لا يخلو أمره عن ريبة وشكّ.

543 - هل عالم الرؤيا في المنام من اللوح المحفوظ أم من لوح المحو الإثبات؟

وإذا كانت من اللوح المحفوظ - كما يرى الملّا صدرا - فكيف يمكن أن يتمثّل الشيطان فيها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ شيء يلقاه الإنسان في حياته - في نومه ويقظته - فهو في اللوح المحفوظ، وهذا لا ينافي كون بعض ما يراه تمثّلاً من الشيطان، فإنّ الرؤيا كما يمكن أن تنتج عن بعض الهواجس والحالات النفسيّة يمكن أن يتكون تمثّلاً من الشيطان كما في حال الاحتلام، وكلّ ذلك مستوعب في اللوح المحفوظ.

544 - ما هي حقيقة الأحلام إسلاميّاً؟ وكيف نعرف الرؤيا الصادقة من غيرها؟

وما هو أفضل كتاب تفسير أحلام موجود حاليّاً؟ وهل كلّ الأحلام لها تفسير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يُرجع في معرفة الاُمور المذكورة إلى المجلّد الرابع من كتاب دار السلام للمحدّث النوري قدس سره، فإنّه قد جمع فأوعى، وأتى بما لا مزيد عليه، جزاه اللّه عن العلم وأهله خير الجزاء.

545 - كيف تمكن رؤية صاحب الزمان في المنام؟

ص:248

باسمهِ جلّت أسماؤه: روى السيّد ابن الباقي في كتاب اختيار المصباح: عن الصادق عليه السلام، أنّه قال: مَن قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام (م ح م د) بن الحسن (عليه وعلى آبائه السلام) في اليقظة أو في المنام:

اللّهُمِّ بَلِّغْ مَوْلايَ صاحِبَ الزَّمانِ عليه السلام أَيْنَما كانَ، مِنْ مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، سَهْلِها وَجَبَلِها عَنّي وَعَنْ والديَّ وَعَن وَلَدي وَإِخْواني التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَ عَدَدَ خَلْقِ اللّهِ وَزِنَةَ عَرْشِ اللّهِ وَما أَحْصاهُ عِلْمُهُ وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ.

اللّهُمِّ إِنّي اجَدِّدُ لَهُ في صَبِيحَةِ هذا الْيَومِ وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامِ حَياتي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي لَاأَحُولُ عَنْها وَلَا أَزُولُ.

اللّهُمِّ اجْعَلْني مِنْ أَنْصارِهِ وَنُصّارِهِ الذّابِّينَ عَنْهُ وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوامِرِهِ وَنَواهيهِ في أَيّامِهِ وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ.

اللّهُمَّ إِنْ حالَ بَيْني وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذي جَعَلْتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً كَفَني شاهِراً سَيْفي، مُجَرِّداً قَناتي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدّاعي في الْحاضِرِ وَالْبادِي.

اللّهُمِّ أَرِني الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ وَاكْحُلْ بَصَري بِنَظْرَةٍ مِنّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ وَقَوِّ ظَهْرَهُ وَطَوِّلْ عُمْرَهُ وَاعْمُرِ اللّهُمَّ به بِلادَكَ وَأَحْي بِهِ عِبادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (1)

ص:249


1- (1) الروم 41:30..

فَأَظْهِرِ اللّهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَتّى لَايَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْباطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيُحَقِّقَهُ.

اللّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الْأُمَّةِ بِظُهورِهِ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلهِ(1)

546 - هل أستطيع أن أقوم بتفسير الأحلام عن طريق القرآن الكريم بنفس كيفيّة الاستخارة ولكن بنيّة تفسير الرؤيا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا من مصاديق التفأّل بالقرآن الكريم، وهو منهيّ عنه.

547 - ما حكم حمل الخرز؟ وأيّ الأنواع كان أهل البيت عليهم السلام يحملونها؟ وما أقوى الخرز الخاصّة بالرزق والحفظ وتقوية العلاقة بالزوجة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان مراد السائل من الخرز: الأحجار الكريمة، فلم يثبت لدينا بطريق معتبر استحباب حملها إلّاعلى نحو التختّم، وقد ورد عنهم عليهم السلام بطريق معتبر: «تختّموا باليواقيت فإنّها تنفي الفقر»(2) ، وورد عن الإمام الصادق عليه السلام:

«ما افتقرت كفّ تختّمت بالفيروزج» (3) ، أو كما ورد في رواية اخرى:

«إلّاوأتاه الرزق عاجلاً من غير تأخير»، وورد أيضاً في شأن العقيق عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّه أمان من كلّ بلاء» (4) ، والروايات في هذا الباب كثيرة.

ص:250


1- (1) مستدرك الوسائل: 74:5..
2- (2) الكافي: 471:6..
3- (3) ثواب الأعمال: 175..
4- (4) وسائل الشيعة: 92:5..
548 - هل صحّ أنّ العقيق ينفي الفقر والنفاق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات الواردة في استحباب لبس العقيق مستفيضة، وفي جملة منها أنّه ينفي الفقر، ولكنّ هذه القضايا من قبيل بيان المقتضي ولها شرائط وموانع، وعليه فلو لم يوجب لبس العقيق نفي الفقر عن شخص لابسه فإنّ ذلك لا ينافي تلك الروايات؛ لأنّه يمكن أن يكون ذلك لعدم الشرط أو وجود المانع.

549 - ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ مَن تختّم بالفيروز لا يفتقر وأنّه

يوجب النصر والظفر في الحرب وأنّ مَن تختّم بالعقيق الأحمر كان محفوظاً من كلّ المكاره والغموم وأنّ التختّم بالياقوت يورث النبل وسؤالي: كيف أنّ حجراً كريماً يورث خلقاً كريماً كالنبل أو يغيّر حالة الإنسان الماليّة وينفي عنه الفقر، وبعبارة اخرى: هل لهذه الأحجار تأثير تكويني على الإنسان أم كيف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ظاهر الروايات هو التأثير التكويني، وخالق هذا الكون هو العالم بأسراره، والمراد هو التأثير على نحو الاستعداد، وهو مشروط بمثل طلب الرزق، وعدم حصول ما يمنع من ذلك.

550 - ورد أنّه تستحبّ الحجامة في السابع من حزيران فهل هذا التاريخ يطابق التقويم الحالي؟ أم يصادف يوماً آخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر هو التطابق؛ وضابطة شهر حزيران أنّه يكون بعد مضيّ خمسة وثمانين يوماً تقريباً من يوم النوروز.

551 - هل توجد روايات صحيحة تدلّ على نحوسة شهر صفر، أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكر الكفعمي قدس سره في مصباحه: «أنّ الجمهور ذهبوا إلى أنّ القعود في هذا الشهر أوْلى من الحركة»، ولكنّنا لم نعثر في شيء من الآثار على ما يدلّ على نحوسة شهر صفر.

ص:251

أذكار وأوراد وختومات

552 - ما الفرق بين الدعاء والحرز والمناجاة والرقية والورد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الدعاء هو: خطاب العبد لربّه المشتمل على الطلب، بينما الحرز هو: عبارةٌ عن مجموعة من الآيات القرآنيّة، أو كلمات المعصومين عليهم السلام التي توجب صون حاملها أو قارئها أو سامعها من بعض الأخطار المحتملة أو الواقعة، ومثله الرُّقية.

وأمّا المناجاة، فهي: عبارة عن خطاب العبد مع خالقه، سواء كان بغرض الطلب أم بغرض شيء آخر، وأمّا الورْد فهو: عبارة عن تلاوة شيء من الآيات القرآنيّة أو الأدعية الشريفة بكيفيّة معيّنة ومتكرّرة.

553 - ما معنى كلمة (طلسم)؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المشهور في معنى الطلسم - على ما نقل - أقوال ثلاثة:

1 - الطلسم بمعنى الأثر.

2 - إنّه لفظ يوناني، ومعناه عقد لا يحلّ.

3 - إنّه لفظ مقلوب عن كلمة «مسلط».

554 - نرى في بعض كتب الأدعية أحرفاً وكلمات وأرقاماً أو جداول وأشكالاً

، وقد يكون لها أسرار وآثار لا نستطيع تفسيرها أو معرفة كنهها فما شرعيّة الخوض فيها وتعلّمها أو تعليمها أو استخدامها عن طريق الأشخاص العارفين أو نقلاً من بعض كتب الأدعية؟

ص:252

باسمهِ جلّت أسماؤه: يصحّ التعبّد بكلّ ما ورد عن المعصوم عليه السلام من الأدعية والأوراد، وإن لم يفهم الداعي ما هو المقصود من بعض فقراتها.

555 - هل الأوراد والختومات اليوميّة مفيدة جدّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: بعض الأوراد والختومات مفيد قطعاً، وهو الوارد عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وأمّا الوارد منها عن طريق بعض المتصوّفة والمتصنّعين فلا قيمة له.

556 - ما هي فوائد التسبيح اليونسي وآثاره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يكفي لمعرفة بعض فوائده وآثاره ما ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله حيث قال:

«إنّي لأعلم كلمة ما قالها مكروب إلّافرّج اللّه كربه، ولا دعا بها عبد مسلم إلّااستجيبت له دعوته وهي دعوة أخي يونس عليه السلام التي حكاها اللّه عنه في كتابه: لَاإِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(1)»(2).

ومن المعروف عند أهل المعنى أنّ هذا الذكر - المعبّر عنه بالذكر اليونسي - هو منتهى سير الأولياء في طريق معرفة اللّه والنفس، وله من الأهمّيّة عندهم ما يفوق به الكثير من الأذكار.

557 - هل يجوز استخدام الأوراد اليوميّة ابتغاء الحصول على الكمالات الروحيّة من غير إجازة صاحب الورْد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إذا كان الورْد مرويّاً عن المعصوم عليه السلام فإنّه لا يحتاج إلى الإجازة، وإذا كان من الأوراد الخاصّة التي يُطلع اللّه تعالى عليها بعض أوليائه وخواصّ عباده، فإنّ تأثيره يتوقّف على إجازتهم.

ص:253


1- (1) الأنبياء 87:21..
2- (2) المصباح: 298..
558 - ما هي أفضل الأذكار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أفضل الأذكار ثلاثة: «لا إله إلّااللّه»، وذكر:

«اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد»، وذكر: «اللّهم العن أعداء آل محمّد».

559 - ما أفضل دعاء مؤثّر من مجرّباتك الشخصيّة دعوت به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأدعية المجرّبة كثيرة، وكلّ فردٍ يدعو ببعضها، ومع فرض وجود الشرائط وفقْد المانع فإنّه يكون مؤثّراً.

560 - ما هي الصلوات والأدعية التي تنصحنا أن نعملها في آخر ساعة من عصريوم الجمعة، والتي تعتبر أفضل ساعات الدعاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليكم بقراءة دعاء السمات، ودعاء الندبة، وأداء صلاة جعفر الطيّار رضى الله عنه، وصلاة الاستغاثة بالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

561 - هل يجوز قراءة دعاء: «اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ فاطمة وأبيها» في قنوت الصلاة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجوز، بل يحسن، لكن لا بعنوان الورود بل بعنوان الدعاء المطلق.

562 - لو قال المصلّي بعد الشهادتين: «أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين، وأنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين

وأنّ أولادها المعصومين حجج ربّ العالمين» لا بقصد الجزئيّة بل بقصد الرجاء والتقرّب إلى اللّه فهل يشكل ذلك أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في رجحان الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين (عليه صلوات المصلّين) في الأذان والإقامة، بل هي من شعائر التشيّع التي لا ينبغي أن يتركها أحد، وأمّا الشهادة بولاية أولاده المعصومين عليهم السلام فالإتيان بها لا بقصد الورود، بل بقصد الذكر المطلق حسن ومطلوب شرعي، وكذلك الشهادة بأنّ فاطمة الزهراء عليها السلام سيّدة نساء العالمين.

ص:254

563 - أيّهما من حيث الثواب أكثر وأكبر: الإتيان بنافلتي المغرب والعشاء، أم تسبيحة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تسبيح الزهراء أفضل، ففي الخبر المعتبر عن الإمام الباقر عليه السلام:

«ما عُبد اللّه بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام» (1).

وفي خبر آخر عن الإمام الصادق عليه السلام:

«تسبيح فاطمة عليها السلام في كلّ يوم في دبر كلّ صلاة أحبّ إليَّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم» (2) ، والأخبار الناطقة بفضيلته متواترة.

564 - أيّهما أفضل في تعقيبات الصلاة بعد الانتهاء من التسليم في صلاة الجمعة: أن

يبدأ المصلّون بالصلاة على محمّد وآل محمّد أوّلاً ومن ثمّ تسبيح الزهراء عليها السلام؟ أم أن يبدأوا بتسبيح الزهراء عليها السلام ومن ثمّ الصلاة على محمّد وآل محمّد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من بعض الأخبار المعتبرة أنّه يقدّم المصلّي مطلقاً تسبيح السيّدة الزهراء (عليها صلوات اللّه) حتّى على الصلاة على محمّد وآله.

565 - هل من الصحيح أنّ القرآن ينفع كلّ مَن يقرأه، وأنّ ماء زمزم ينفع كلّمَن يشربه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلاهما صحيحان، ولكن لكلّ منهما شرائط وموانع، فلا يؤثّران إلّامع وجدان الاُولى وفقدان الثانية.

566 - إذا قرأت القرآن برجاء قضاء حاجة معيّنة، فهل اثاب على القراءة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم، تثاب على القراءة، وإن كان ذلك برجاء قضاء حاجة معيّنة، ويكون ذلك من قبيل الداعي إلى الداعي.

567 - إذا قرأت القرآن أو الدعاء برجاء قضاء عدّة حوائج فهل يقلّ تأثير الإجابة

ص:255


1- (1) الكافي: 343:3..
2- (2) الكافي: 343:3..

عمّا لو كانت الحاجة واحدة فقط؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ترتّب قضاء الحوائج على قراءة القرآن والدعاء ليس من باب التأثير والتأثّر والعلّة والمعلول، وإنّما هو من باب التفضّل والكرامة، وعليه فلا يقلّ تأثير الإجابة فيما لو كانت الحوائج متعدّدة.

568 - ينقل أنّ لكلّ يوم من أيّام الشهر العربي خصوصيّة، فاليوم الأوّل - مثلاً -

جيّد للتجارة واليوم الثاني جيّد للبيع والشراء... وهكذا فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل يمكن العمل به؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا بأس عندنا بالعمل على طبق المرويّ عنهم عليهم السلام في هذا الباب، ولو كان ضعيف السند.

569 - هل من الصحيح أنّ كلّ تسبيحة للّه تعالى في السوق تُعدّ بألف حسنة وما سرّعظمة ذكر اللّه في الأسواق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الذي عثرنا عليه من الروايات ما رواه المجلسي قدس سره عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«مَن ذكر اللّه في السوق مخلصاً - عند غفلة الناس وشغلهم بما هم فيه - كتب اللّه له ألف حسنة وغفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر» (1).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

«أكثروا ذكر اللّه (عزّ وجلّ) إذا دخلتم الأسواق، وعند اشتغال الناس فإنّه كفّارة للذنوب، وزيادة في الحسنات ولا تُكتبوا من الغافلين» (2).

ولعلّ وجه الحكمة كما لا تخلو الرواية الثانية من إشارة إليه، هو: أنّ المتنقّل في السوق بطبعه يكون منهمكاً في الاُمور المادّيّة من البيع والشراء، وربّما بعض

ص:256


1- (1) عدّة الداعي: 242..
2- (2) بحار الأنوار: 96:100..

الاُمور المبعدة له عن ربّه، ومن هنا دُعيَ إلى ذكر اللّه سبحانه، ورُغب بإعطاء الثواب الكثير من أجل ذلك.

570 - ما هي الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ومتى تفتح أبواب السماء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء كثيرة، منها:

ليالي القدر، وليلة الجمعة، ووقت السحر، وبعد الصلوات المفروضة، وكذا بعد الصلوات المستحبّة الخاصّة، كصلاة الاستغاثة بالسيّدة فاطمة الزهراء، وصلاة الاستغاثة بباب الحوائج أبي الفضل العبّاس عليه السلام.

571 - ما هي طريقة التوسّل بالإمام الرضا عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: خير طريقة للتوسّل بالإمام الرضا عليه السلام هي الطريقة الواردة عنه عليه السلام، حيث قال:

«إذا حزبك أمر شديد فصلِّ ركعتين تقرأ في إحداهما الفاتحة وآية الكرسي وفي الثانية الحمد وإنّا أنزلناه في ليلة القدر ثمّ خذ المصحف وارفعه فوق رأسك وقل: «اللّهمّ بحقّ ما أرسلته إلى خلقك وبحقّ كلّ آية فيه وبحقّ كلّ من مدحته فيه عليك وبحقّك عليه ولا نعرف أحداً أعرف بحقّك منك».

ثمّ تقول: يا سيّدي يا اللّه عشر مرّات وبحقّ محمّد عشراً وبحقّ عليّ عشراً، وبحقّ فاطمة عشراً»، وهكذا تذكر عشر مرّات اسم كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام واحداً بعد آخر.

يقول الإمام الرضا عليه السلام:

«حتّى تنتهي إلى إمام الحقّ الذي هو إمام زمانك، فإنّك لا تقوم من مقامك حتّى يقضي اللّه حاجتك»(1).

572 - المذكور في كيفيّة كتابة رقعة الاستغاثة بالإمام الحجّة المذكورة في كتب المجرّبات الإماميّة: أنّها تكتب في ورقة وتلفّ في طين ثمّ تلقى في نهر

ص:257


1- (1) صحيفة الرضا عليه السلام: 130..

أو بئر، ولكن نحن في بلدنا لا يوجد نهر ولا بئر فهل من الممكن أن أقوم بإلقائها في بريّة أو بحر إن أمكن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الظاهر أنّه لإتيان العمل المذكور لا بدّ من الإلقاء في البحر أو النهر أو البئر - وبعضهم عمّم ذلك حتّى للعيون العميقة - وإن لم يتحقّق ذلك كان العمل ناقصاً، وليس يشترط إلقاء الرقعة في نفس بلد صاحب الحاجة، بل المهمّ إلقاؤها في بئر ونحوها ولو في بلد اخرى.

573 - قرأت في كتاب عن البسملة أنّ مَن قرأها 786 مرّة ودعا بدعاء خاصّ بالبسملة

على أن تُقضى حاجته قضيت إن شاء اللّه ولكنّني سألت بعض العارفين فقال: إنّها لا تأتي من ورائها إلّاالمصائب فما هو الصحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما قاله الشخص المذكور لا أصل له، والإتيان بالكيفيّة المذكورة إن كان مرويّاً عن المعصوم عليه السلام فهو حسن، وإلّا فليتوسّل لقضاء حوائجه بما نصّ عليه المعصومون عليهم السلام، فإنّه أوجب لقضاء حاجاته وتحقيق مطالبه.

دفع الاحتلام.

574 - هل هناك دعاء أو صلاة يقوم بها الرجال قبل النوم لكي تقلّل عندهم الاحتلام

والجنابة عند النوم؟ وما هي النصائح الإسلاميّة لتقليل الجنابة والاحتلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من المجرّبات المعروفة - لمنع الاحتلام - الكتابة بالإصبع على الصدر قبل النوم كلمة (يا عليّ).

دفع النحوسة.

575 - تشتكي الكثير من العوائل كثرة المشاكل والمصائب فيها فهل هناك

عمل إسلامي أو دعاء أو صلاة لرفع النحوسة من البيت والعائلة وتقليل المشاكل والمصائب وطردها؟

ص:258

باسمهِ جلّت أسماؤه: قراءة زيارة عاشوراء بكاملها أربعين صباحاً من المجرّبات المؤثّرة تأثيراً بالغاً جدّاً.

تعجيل الزواج.

576 - بالنسبة للكثير من النساء والرجال قد يتعطّل زواجهم لسبب أو لآخر

، وهم يعانون من قضيّة تأخّر الزواج وفقدان النصيب، فما هي نصيحتكم لهم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله:

«مَن كتبها - أي سورة طه - وجعلها في خرقة حرير خضراءوقصد إلى قوم يريد التزويج، لم يردَّ، وقضيت حاجته»(1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام:

«مَن كتب سورة الأحزاب في رقّ ظبي، وجعلها في منزله، جاءت إليه الخطّاب في منزله، وطلب التزويج في بناته وأخواته، وجميع أهله وأقربائه، بإذن اللّه تعالى» (2).

577 - هل هناك أدعية وصلوات لفتح النصيب والزواج للفتاة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة ما صرّح به جمع من المشايخ أنّه قد جرّب لبعض الفتيات المتأخّرات عن الزواج: صلاة الاستغاثة بالسيّدة الصدّيقة فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها)، وتلك الصلاة ركعتان، وبعد السلام والتكبير ثلاث مرّات، وتسبيح السيّدة الزهراء عليها السلام، تقول: اللّه أكبر أربعاً وثلاثين مرّة، ثمّ الحمد للّه ثلاثاً وثلاثين مرّة، ثمّ سبحانه اللّه ثلاثاً وثلاثين مرّة، ثمّ تسجد وتقول في السجدة - مائة مرّة -: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني.

ثمّ تضع الجانب الأيمن من الوجه على الأرض وتقول ذلك مائة مرّة أيضاً.

ثمّ تسجد وتقول هذا الذكر مائة مرّة أيضاً.

ص:259


1- (1) البرهان في تفسير القرآن: 153:5..
2- (2) البرهان في تفسير القرآن: 212:6..

ثمّ تضع الجانب الأيسر وتكرّر الذكر نفسه مائة مرّة.

ثمّ تسجد وتقول ذلك مائة وعشر مرّات.

وبذلك يكون ذكر «يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني» قد تكرّر ذكره خمسمائة وعشر مرّات، ثمّ تذكر المرأة حاجتها، وتسأل من اللّه قضاءها، فإنّها تقضى إن شاء اللّه تعالى، وإذا لم تؤثّر المرّة الاُولى أثّرت في المرّة الثانية أو الثالثة.

578 - هل من دعاء لتعجيل الزواج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من الاُمور التي جرّبت: صلاة جعفر الطيّار، وصلاة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وختم زيارة عاشوراء أربعين يوماً، وإهداؤها لروح السيّدة زينب، وختم (يا عليّ) أربعة عشر ألف مرّة في ليلة الجمعة - أواسط الليل - في محلٍّ خالٍ عن الأغيار، وكلّ ذلك نافع لقضاء الحوائج.

579 - هل من عمل يوجب تعجيل الزواج للمرأة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من الاُمور المجرّبة لقضاء الحوائج، وخصوصاً تسهيل امور الزواج: النذر بشيء من المال لسبعة من السادة الموسويّين، فجرّبوه تجدون أثره سريعاً إن شاء اللّه تعالى.

580 - اختي أخذها الكبر في العمر ولم تتزوّج، وقد قرأت أنّها يمكنها تيسير أمرها

بأن تكتب سورة الرحمن في ورقة في يوم الجمعة، مع اسمها واسم امّها، كما وتكتب:

يا جماعة الرجال سلبت عقولكم فلانة كسلب الثمرة من شجرتها والحيّة من أكمامها، حرّكوا الأرواح الساكنة في قلوب الأجنبي فينظر إلى فلانة... فهل يجوز عمل ذلك أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الأحسن والأفضل هو التوسّل بالأئمّة المعصومين عليهم السلام، فإنّهم أبواب الحوائج إلى اللّه تعالى، ولذلك عدّة كيفيّات، منها: ختم يا عليّ، بأن تجلس المرأة ليلة الجمعة في مكان خالٍ من الأغيار،

ص:260

وتقول أربعة عشر ألف مرّة (يا عليّ) فإنّها تقضى حاجتها إن شاء اللّه تعالى، وتستعين على قضاء حاجتها بقراءة زيارة عاشوراء أيضاً.

قضاء الحوائج.

581 - لديّ حاجة ملحّة جدّاً لا زلت أدعو اللّه وأتوسّل إليه بأحبّ خلقه إليه محمّد وآل محمّد عليهم السلام

في قضائها؛ لأنّها تشغل تفكيري جدّاً وتؤثّر على عملي وصحّتي، فهل تنصحوني بعمل معيّن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الختومات لقضاء الحوائج كثيرة مذكورة في كتب الأدعية، منها صلاة جعفر رضى الله عنه، ومنها صلاة الاستغاثة بالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومنها أن يغتسل يوم الخميس ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه و آله وآله عليهم السلام مائة مرّة، ثمّ يصلّي ركعتين صلاة الحاجة، يقرأ في الركعة الاُولى آية الكرسي خمسة عشر مرّة، وسورة «قل هو اللّه» خمس وعشرين مرّة، وبعد السلام بلا فصل يقول: «يا وهّاب» ألف مرّة.

ومنها: ختم الصلوات، وهو أن يصلّي على النبيّ وآله عليهم السلام أربعة عشر ألف مرّة، لكلّ واحد من المعصومين ألف مرّة.

582 - هل من دعاء مؤثّر لقضاء الحوائج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة الأدعية المؤثّرة جدّاً لقضاء الحوائج:

تكرار «اللّهمّ صلِّ على فاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسرّ المستودع فيها، بعدد ما أحاط به علمك» 530 مرّة في مجلس واحد.

583 - أنا شخص اعتنقت مذهب آل محمّد (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، وشعرت

ص:261

أنّ عناية الأئمّة عليهم السلام تشملني حيثما كنت لكنّ هناك أمر لم أجد له جواباًوهو أنّي دعوت اللّه أكثر من ستّ سنوات بزوجة صالحة وإلى يومنا لم يستجب لي، كما أنّي توسّلت بالأئمّة عليهم السلام وإلى يومنا لم يستجب دعائي، فما هو سبب عدم استجابة دعائي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أبى اللّه إلّاأن تجري الاُمور إلّابأسبابها، والدعاء وإن كان بنفسه عبادة، إلّاأنّه إنّما يُستجاب مع تهيئة الأسباب لا بدونها، وعدم استجابته يوجب أن يكون اللّه تعالى قد ادّخر للداعي العوض بأضعاف مضاعفة.

ومع ذلك فعليك بختم (يا عليّ) تقولها في مجلس واحد - ليلة الجمعة - أربعة عشر ألف مرّة، من غير أن يراك أحد، وضمّ لذلك قراءة زيارة عاشوراء أربعين يوماً، مع إهدائها للسيّدة زينب عليها السلام تجد الفرج على بابك سريعاً بإذن اللّه تعالى.

زيادة الرزق.

584 - هل من دعاء مأثور أدعو به لقضاء أزماتي المادّيّة أو لزيادة الرزق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أفضل شيء لذلك قراءة زيارة عاشوراء مع جميع خصوصيّاتها أربعين يوماً، وإهداء الثواب إلى روح الصدّيقة الصغرى زينب الكبرى، ثمّ صلاة جعفر الطيّار، والتوسّل بإمامنا ومولانا وسيّدنا الإمام الثاني عشر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).

585 - ما هي الآيات والأدعية التي تجلب الرزق?

باسمهِ جلّت أسماؤه: الختومات كثيرة، منها ختم إِذَا وَقَعَتِ(1) المرويّ عن العلّامة المجلسي قدس سره عن الإمام السجّاد عليه السلام، وحاصله: أنّه إذا كان أوّل الشهر يوم الاثنين، فابدأ بقرائة سورة إِذَا وَقَعَتِ إلى اليوم الرابع عشر، وكلّ يوم تكون القراءة بعدد الأيّام، بحيث يقرأ في اليوم الأوّل - مثلاً - مرّة، وفي اليوم الرابع عشر أربعة عشر مرّة، ويقرأ في كلّ خميس الدعاء التالي: «يا ماجد، يا واحد،

ص:262


1- (1) الواقعة 56..

يا جواد يا حليم، يا حنّان، يا منّان، يا كريم، أسألك تحفة من تحفاتك تلمّ بها شعثي، وتقضي بها ديني، وتصلح بها شأني، برحمتك يا سيّدي».

«اللّهمّ إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقرّبه، وإن كان قريباً فيسّره، وإن كان قليلاً فكثّره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه، وأرسله على أيدي خيار خلقك، ولا تحوجني إلى شرار خلقك، وإن لم يكن فكوّنه بكينونتك ووحدانيّتك.

اللّهمّ انقله إليَّ حيث أكون، ولا تنقلني إليه حيث يكون، إنّك على كلّ شيء قدير.

يا حيّ يا قيّوم، يا واحد يا مجيد، يا برُّ يا رحيم يا غنيّ، صلِّ على محمّد وآل محمّد، وتمّم علينا نعمتك، وهنّئنا كرامتك، وألبسنا عافيتك».

وهذا العمل والختم مجرّب مراراً لتوسعة الرزق، وتسهيل الاُمور المشكلة، وأداء الديون، وينبغي كتمانه عن الجهّال والسفهاء.

ومن جملة المجرّبات في قضاء الحوائج وإنجاح المهمّات: ما ذكره بعض أكابر أولياء اللّه، وذكر بأنّه له أسراراً غريبة وعجيبة، وكيفيّته: أن يتوضّأ في الثلث الأخير من الليل، بشرط أن لا يراه أحد، مع حضور القلب، ثمّ يقول مستقبلاً القبلة ألف مرّة: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(1) ، ويكرّر هذا العمل ثلاث ليالٍ متتالية.

586 - يقال: إنّه يستحبّ للرزق قراءة سورة الواقعة فهل تقرأ يوميّاً ليلاً، أم في صلاة نافلة العشاء أم كلّ ليلة جمعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما عثرنا عليه من الأخبار ما ورد عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«مَن قرأ في كلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه اللّه وحبّبه

ص:263


1- (1) البقرة 137:2..

إلى الناس أجمعين ولم يرَ في الدنيا بؤساً أبداً، ولا فقراً ولا فاقة ولا آفةً من آفات الدنيا» (1).

587 - مولاي أشكو من ضعف الدخل وبسط اليد فهلّا أتحفتموني بما يفتح لي باب الرزق الواسع سريعاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليك بقراءة زيارة عاشوراء لمدّة أربعين يوماً، وإن شئت أن تفعل ذلك طول العمر فهو أحسن، وبعد القراءة قم بإهداء ثوابها لروح السيّدة زينب عليها السلام تجد الأثر سريعاً إن شاء اللّه تعالى.

دوام العافية.

588 - ما هي أدعية طلب الصحّة والعافية من اللّه سبحانه وتعالى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: دعاء العهد حسن، وصلاة الاستغاثة بالسيّدة فاطمة الزهراء (عليها صلوات اللّه) مجرّبة، وصلاة الاستغاثة بالمولى أبي الفضل العبّاس عليه السلام كذلك(2).

دفع عين السوء.

589 - هل العين مؤثّرة وبماذا يمكن دفع آثارها السيّئة؟

ص:264


1- (1) بحار الأنوار: 310:86..
2- (2) هي صلاة يؤتى بها بين صلاتي المغرب والعشاء لمدّة إحدى وأربعين ليلة، ولها ختم خاصّة وأدعية محدّدة، ويمكن الاطّلاع عليها في كتاب أجوبة المسائل لآية اللّه عزيز اللّه إمامت كاشاني قدس سره..

باسمهِ جلّت أسماؤه: رُوي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال:

«إنّ العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر»(1).

وكتب الأدعية زاخرة بالرقي والأحراز النافعة لدفع آثارها السيّئة، وممّا ينفع ذلك:

1 - قراءة آية: وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(2).

2 - قراءة: «ما شاء اللّه، لا حول ولا قوّة إلّاباللّه العليّ العظيم» ثلاثاً.

3 - قراءة المعوذتين عند الخروج من المنزل، فإنّه لا يضرّ معهما شيء بإذن اللّه تعالى.

4 - الإكثار من قول: «اللّهمّ ذا السلطان العظيم، والمنّ القديم، والوجه الكريم، ذا الكلمات التامّات، والدعوات المستجابات، عافني من أنفس الجنّ وأعين الإنس».

وارجعوا إلى ملحقات كتاب مفاتيح الجنان - وهو كتاب الباقيات الصالحات - تجدون فيه الكثير النافع إن شاء اللّه تعالى.

590 - هل ورد في آثار أهل البيت عليهم السلام ما يحفظ الإنسان من شرّ الحسّاد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعوّذ الحسنين عليهما السلام وكان يقول:

«اُعيذكما بكلمات اللّه التامّات من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة».

وفي خبر آخر: «إذا خفت شيئاً من ذلك فقل: ما شاء اللّه، لا قوّة إلّاباللّه العليّ العظيم» ثلاثاً، وقال: «إذا تهيّأ أحدكم تهيئة تعجبه، فليقرأ حين يخرج من منزله المعوذتين، فإنّه لا يضرّه بإذن اللّه».

ص:265


1- (1) بحار الأنوار: 20:60. مكارم الأخلاق: 386..
2- (2) القلم 51:68 و 52..
591 - أنا إنسان مصاب بالعين - كما أكّد لي مجموعة من الأشخاص - فماذاأفعل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة الأذكار النافعة المنقولة عن المشائخ قراءة «يا رؤوف يا رحيم» خمسمائة وأربعاً وأربعين، بل نقص ولا زيادة، وقد جرّب هذا الذكر مراراً لدفع مثل هذه المعضلات.

592 - لي قرابة خمس سنوات وأنا اعاني من أثر عين حاسدة قويّة جدّاً جدّاً، فبِمَ تنصحونني؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: جاء في الخبر: «إذا أصابتك العين فارفع كفّيك حذاء وجهك، واقرأ الحمد للّه، وقل هو اللّه، والمعوذتين، وامسحهما على نواصيك».

دفع الوسوسة.

593 - ما هي أفضل الأعمال التي تبعد وسوسة الشيطان عن قلب المرء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تصلّي صلاة الليل، وبعد صلاة الوتر تسجد وتقول خمس مرّات: «سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والروح»، ثمّ تجلس وتقرأ آية الكرسي إلى قوله تعالى: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(1) ، ثمّ تسجد وتقول خمس مرّات أيضاً: سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والروح».

ويروي الشهيد قدس سره: أنّ الشيطان قسمان إنسي وجنّي، ويدفع الأوّل بالصلوات على محمّد وآل محمّد صلى الله عليه و آله، والثاني بقول: «لا حول ولا قوّة إلّاباللّه العليّ العظيم»، وفي رواية تقول ذلك بعد صلاة المغرب سبع مرّات.

ص:266


1- (1) البقرة 255:2-257..

إنجاب الذرّيّة.

594 - هل هنالك دعاء لإنجاب الولد؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أدعية طلب الولد كثيرة مذكورة في كتب الأدعية، ومنها: ما رواه ثقة الإسلام الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه وفد إلى هشام بن عبدالملك، فأبطأ عليه الإذن حتّى اغتمّ، وكان له حاجب كثير الدنيا ولا يولد له، فدنا منه أبو جعفر عليه السلام فقال له: هل لك أن توصلني إلى هشام، واُعلّمك دعاء يولد لك؟

قال: نعم، فأوصله إلى هشام، وقضى له جميع حوائجه.

قال: فلمّا فرغ قال له الحاجب: جعلت فداك، الدعاء الذي قلت لي؟

قال له: نعم، قل في كلّ يوم إذا أصبحت وأمسيت: سبحان اللّه سبعين مرّة، وتستغفر عشر مرّات وتسبّح تسع مرّات وتختم العاشرة بالاستغفار، ثمّ تقول قول اللّه عزّ وجلّ: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَاراً(1).(2)

فقالها الحاجب فرزق ذرّيّة كثيرة، وكان بعد ذلك يصل أبا جعفر وأبا عبداللّه عليهما السلام.

فقال سليمان: فقلتها - وقد تزوّجت ابنة عمّ لي فأبطأ عليَّ الولد منها - وعلّمتها أهلي فرزقت ولداً، وزعمت المرأة أنّها متى تشاء أن تحمل حملت إذا قالتها، وعلّمتها غير واحد من الهاشميّين ممّن لم يكن يولد لهم، فولد لهم ولد كثير، والحمد للّه.

ص:267


1- (1) نوح 10:71-12..
2- (2) الكافي: 8:6..
595 - هل هناك دعاء خاصّ لطلب الذرّيّة من اللّه عزّ وجلّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: روى الشيخ الطوسي قدس سره في الأمالي عن عليّ ابن محمّد الصيمري، قال: «تزوّجت ابنة جعفر بن محمود الكاتب، فأحببتها حبّاً لم يحبّ أحد أحداً مثله، وأبطأ علَيَّ الولد، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضا عليه السلام فذكرت ذلك له، فتبسّم وقال: اتّخذ خاتماً فصّه فيروزج، واكتب عليه: رَبِّ لَاتَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(1) ، قال: ففعلت ذلك، فما أتى علَيَّ حول حتّى رزقت منها ولداً ذكراً.

596 - أنا امرأة متزوّجة منذ سنة ونصف وأبطأ عنّي الحمل، واُعاني كثيراً من

هذه المسألة نفسيّاً وكذلك زوجي كما أنّ كثيراً من المشاكل بيني وبينه نتجت عن هذه المسألة؛ لذا أرغب في نصيحة صادقة من سماحتكم وأطلب منكم الدعاء لنا بالذرّيّة عاجلاً وهل هناك ثمّة أعمال مأثورة يمكنني المداومة عليها لتعجيل الأمر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يبطئ الحمل بمقدار سنة ونصف، حتّى يوجب كلّ هذا القلق والانزعاج، وعليكم لتعجيل ذلك بالمداومة على صلاة الاستغاثة بالسيّدة الزهراء، وقراءة زيارة عاشوراء أربعين يوماً، وإهدائها إلى السيّدة زينب عليها السلام، مع الالتزام بالصلاة في أوّل الوقت.

597 - أنا متزوّج منذ 12 سنة وحتّى الآن لم يرزقني اللّه الولد الصالح ومشكلتي عضويّة كما يشخّص الأطباء فهل توصوني بالقيام بعملٍ معيّن لتجاوز المشكلة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليك بالتوسّل بالإمام الحجّة المنتظر (أرواح مَن سواه فداه) بالكيفيّة التالية: تذهب إلى الصحراء، وتقول سبعين مرّة: «يا فارس الحجاز، أدركني، يا أبا صالح المهدي، أدركني، يا أبا القاسم، أدركني أدركني،

ص:268


1- (1) الأنبياء 89:21..

ولا تدعني فإنّي عاجز ذليل».

تقوية النظر.

598 - هل هناك عمل لتقوية النظر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليك بعد الصلاة بقرائة آية الكرسي، مع وضع اليد على العين، ثمّ ضع التربة الحسينيّة المشرّفة على عينيك وقل:

«اللّهُمَّ بِحَقِّ هذِهِ التُّرْبَةِوَبِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِها وَثَوى فيها وَبِحَقِّ أَبيهِ وَأُمِّهِ وَأَخيهِ، وَالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَبِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْحافّينَ بِهِ إِلَّا جَعَلْتَها شفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ وَبُرْءاً مِنْ كُلِّ مَرَضٍوَنَجاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍوَحِرْزاً مِمّا أَخافُ وَأَحْذَرُ (1).

دفع السحر.

599 - ما هي طرق التخلّص من السحر عند علمائنا الأعلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هنالك أدعية عديدة ذكرها الشيخ الكفعمي في مصباحه، ومنها: ما رواه عن طبّ الأئمّة عليهم السلام عن الإمام عليّ عليه السلام: «تقول سبعاً إذا فرغت من صلاة الليل في وجه السحر: بسم اللّه، وباللّه، سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ(2)».

600 - هل وردت لعلاج السحر طريقة نافعة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في الصحيفة الرضويّة عن الإمام الرضا عليه السلام

ص:269


1- (1) أمالي الطوسي: 326:1. مصباح الزائر: 259. وسائل الشيعة: 522:14، الحديث 5. بحار الأنوار: 119:98، الحديث 4 و 5..
2- (2) القصص 35:28..

سئل عن السحر، فقال:

هو حقّ وهو يضرّ بإذن اللّه فإذا أصابك ذلك فارفع يدك بحذاء وجك واقرأ عليها: بسم اللّه العظيم بسم اللّه ربّ العرش العظيم إلّاذهبت وانقرضت (بكسر التاء)(1).

601 - كنت اعاني من الربط الذي يعني عدم الانتصاب عند المقاربة، وقد تعالجت منه بالقرآن ثمّ رجع فما هو توجيهكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: عليك بختم (يا عليّ) فإنّه خير علاج لمن يكون قابلاً للعلاج بحسب عمره، وكيفيّته: أن تجلس ليلة الجمعة في مكان خالٍ من الأغيار، وتقول أربعة عشر ألف مرّة (يا عليّ)، وتطلب حاجتك، فإنّها تقضى بإذن الواحد الأحد.

دفع الجاثوم

602 - ما هو الجاثوم؟ وما سبب ظهوره للنائم؟ وهل له علاقة بالتقصير في العبادة؟ وكيف تمكن الوقاية منه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الجاثوم حالة تعتري النائم حال نومه يشعر معها بالاختناق وشلل الحركة، ومن البعيد أن يكون سببها هو التقصير في العبادة؛ لحصولها حتّى لبعض المؤمنين، وتتحقّق الوقاية منها غالباً بالنوم على الوضوء، وقراءة آية الكرسي، والتوسّل بالإمام المنتظر.

603 - يعتريني حال النوم شيء غريب يمسك جسمي ولا أدري ما هو؟ واُحاول أن أنزعه فلا أستطيع فما هو هذا الشيء؟ وما علاجه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذه حالة تحصل لكثير من الناس في سنّ معيّن ثمّ تزول، ويصطلح عليها في بعض البلدان العربيّة ب (الجاثوم)، وعند حصولها

ص:270


1- (1) بحار الأنوار: 92 129. مكارم الأخلاق: 413. الصحيفة الرضويّة: 186..

ليس على النائم إلّاأن يحاول الحركة فقط، فإنّه يتخلّص منها حينئذٍ، وعليه أن يتوسّل لدفعها وعدم حصولها بتلاوة القرآن الكريم قبل النوم، وتسبيح الصدّيقة الزهراء عليها السلام، وقراءة آية الكرسي.

ص:271

ص:272

الفصل السابع: أسئلة وأجوبة حول المرأة والحياة الزوجيّة

اشارة

ص:273

ص:274

مكانة المرأة في التشريع

604 - ما هو مفهوم القوامة في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ؟

ولماذا تكون القوامة للرجال على النساء دون العكس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه العظيم: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِن أَمْوَالِهِمْ(1).

والقيّم هو الذي يقوم بأمر غيره، والقوّام مبالغة منه، والمراد من قوله تعالى:

بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ الإشارة إلى علّة قوامة الرجال على النساء، وهي غلبة الجنبة العقليّة على الجنبة العاطفيّة، وما يتفرّع على ذلك من شدّة البأس والقوّة والطاقة على الشدائد، باعتبار أنّ حياة النساء مبنيّة على الرقّة واللطافة والعاطفة الحسّاسة، بينما حياة الرجل مبنيّة على الشدّة والصرامة وضعف الحسّ العاطفي.

605 - هل صحيح أنّ الإسلام ظلم المرأة في كلّ ما يلي: قيمومة الرجل على المرأة

، الإرث الشهادة اعتبارها ناقصة عقل ودين وحظّ تعدّد الزوجات، اختلافها عن الرجل في العقائد والأخلاق والفقه ذكوريّة الخطاب الشرعي كتاباً وسنّة، وجوب الحجاب ولاية الرجل عليها حرمانها من منصب المرجعيّة الدينيّة والقضاء وإمامة الجماعة جواز ضربها الأمر باستشارتها ومخالفة مشورتها عدم رجحان تعليمها؟

ص:275


1- (1) النساء 34:4..

باسمهِ جلّت أسماؤه: بالإمكان أن نجيب عن الشبهات المذكورة من خلال إيضاح النقاط التالية:

الاُولى: إنّ القيمومة التي تعني: تدبير شؤون الاُسرة من زوجةٍ وأولادٍ فيما يرتبط بسكناهم والإنفاق عليهم ونحو ذلك لم يثبتها الإسلام لجنس الذكر على جنس الاُنثى، ولذا لا قواميّة للأخ على الاُخت - مثلاً - ولا للابن على الاُمّ، وإنّما هي ثابتة لخصوص الزوج على الزوجة، والوجه في ذلك واضح؛ إذ أنّ تماسك الاُسرة أساسُ تماسك المجتمع، ولا يمكن أن يتحقّق تماسكها إلّابوحدة القيّوم عليها، وبما أنّ منصب القيمومة يحتاج إلى المزيد من القوّة والحزم وتغليب جانب العقل على جانب العاطفة، فهذا يجعل من الزوج - بحكم تكوينه الجسدي والنفسي - هو الأوْلى من الزوجة بوظيفة القيمومة على الاُسرة.

الثانية: وأمّا مسألة الإرث، فقد أجاب عنها الإمام الصادق عليه السلام ابن أبي العوجاء حين قال له: ما بالُ المرأة المسكينة تأخذ سهماً واحداً، ويأخذ الرجل سهمين؟

فأجابه الإمام عليه السلام بقوله:

إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة وإنّما ذلك على الرجال؛ فلذلك جعل للمرأة سهماً وللرجل سهمين»(1).

ومقصودُ الإمام عليه السلام: أنّ الرجل هو المُلزم شرعاً بإمهار الزوجة والإنفاق عليها وعلى الأبناء والأبوين الضعيفين، كما أنّه أحد أفراد العاقلة الذين يقع عبءُ الدية على كاهلهم، بينما المرأة في سعة من كلّ ذلك؛ إذ أنّها ليست مكلّفة بأي مسؤوليّة إنفاقيّة، ممّا يؤكّد أنّ مقتضى العدل التشريعي هو جعل نصيب الرجل في الإرث أكبر من نصيب المرأة، ليتلائم نصيبه مع حجم مسؤوليّاته.

الثالثة: وأمّا بالنسبة لشبهة اعتبار شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فأكثرُ المثيرين لها لم يكلّفوا أنفسهم تتبّع تشريعات الإسلام؛ إذ أنّ شهادة المرأة - بنظر

ص:276


1- (1) الكافي: 85:7..

الشارع الأقدس، كما ذكرنا ذلك مفصّلاً في كتاب الشهادات من فقه الصادق - ليست على النصف من شهادة الرجل دائماً، بل حالها يختلف من مورد إلى موردٍ آخر، فهي في بعض الموارد - كالشهادة على البكارة والثيبوبة - تُقبل مطلقاً، بينما في بعض الموارد تمنع مطلقاً، كما أنّها في بعض الموارد وإن اعتبرت نصف شهادة الرجل، إلّا أنّها في البعض الآخر - كالوصيّة التمليكيّة مع عدم وجود إلّاشهادتها - يثبت بها ما لا يثبت بشهادة الرجل، ممّا يعني أنّ قيمة شهادة الرجل ليست أعلى شأناً من قيمة شهادة المرأة، وإلّا لم يكن الشارع يقبل شهادتها في بعض الموارد، بينما لا يضع أي اعتبار لشهادة الرجل فيها.

الرابعة: وأمّا نقصان العقل والدين والحظّ فقد أوضحت الروايات المقصود منه بما لا يتنافى مع كمال التكوين والتشريع؛ إذ نقصان العقل يُراد به: غلبة الجانب العاطفي - المُقوّم لاُنثويّة المرأة وكيانها الوجودي - على جنبة التعقّل لديها في المواقف المثيرة لعواطفها، ويُراد بنقصان الدين: توقّفها عن أداء الصلاة والصيام أيّام عادتها، ويُراد بنقصان الحظّ: نقصان نصيبها في الإرث عن نصيب الرجل.

الخامسة: وأمّا فيما يعود إلى إباحة التعدّد للرجل دون المرأة، فوجهه: ما ذكرناه سابقاً من أنّ انتظام الحياة الاجتماعيّة مرتبطٌ باستحكام وحدة الاُسرة؛ إذ لو انثلمت وحدةُ كلّ اسرةٍ في المجتمع، وتفكّك نظامها لاستحال انتظام الحياة الاجتماعيّة، وسادت الفوضى والمفاسد في كلّ أرجائها.

ومن الواضح جدّاً: أنّ استحكام وحدة البنية العائليّة يتوقّف على وحدة ربّ الاُسرة؛ إذ أنّه لو تعدّد لأنهار البناء الاُسري لكلّ اسرة، بداهة أنّ توجّهات أرباب الاُسرة وآراءهم - حال تعدّدهم - لن تكون متّفقة، ممّا سيؤدّي إلى عدم خضوع الاُسرة لسلطةٍ واحدةٍ، وعليه فلو أباحَ الشارعُ التعدّد الزوجي لكلّ امرأة؛ لكان لازمُ ذلك فساد النظام الاجتماعي وسيادة الفوضى فيه.

السادسة: وأمّا دعوى الاختلاف بين الرجل والمرأة في القضايا العقائديّة

ص:277

والأخلاقيّة فهي غير ثابتة، وأمّا الاختلاف في بعض القضايا الفقهيّة: فيعود لاختلاف الطبيعة التكوينيّة لكلّ منهما، والتي لا يتمّ انسجام الكون والحياة إلّابها، فمثلاً: لمّا كان الوجود التكويني للمرأة - الذي يقتضيه نظام الحياة - مبيّناً على الجمال الفاتن، اقتضى ذلك أن يكون القانون التشريعي على طبقه، فحكم الشارع بلزوم الحجاب على المرأة دون الرجل، ولمّا كان وجودها التكويني أيضاً ممزوجاً بالعاطفة المتدفّقة، اقتضى ذلك أن يكون الحكم الشرعي على طبقه أيضاً، فجعل لها الشارع حقّ حضانة أولادها لمدّة سنتين بلا خلاف، ولم يجعله للرجل.

السابعة: وأمّا دعوى ذكوريّة النصّ الديني فيُريد بها أصحابها أحد معنيين:

المعنى الأوّل: توجيه الخطاب للرجال دون النساء. والمعنى الثاني: إشعار خطابات الشارع بانتقاص المرأة.

والحقّ أنّ كلا المعنيين باطلان.

أمّا الأوّل: فلأنّ المتتبّع لخطابات الشارع - كتاباً وسنّة - يجد أن أكثرها موجّه لعموم أهل الإيمان ذكوراً وإناثاً، ولا اختصاص له بالرجال دون النساء، نظير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ(1) ، كما أنّ قسماً منها موجّهٌ بشكل صريح للإناث والذكور معاً، كقوله تعالى: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ(2).

وقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللّهَ

ص:278


1- (1) المائدة 30:5..
2- (2) غافر 40:40..

كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (1).

وأمّا الثاني: فلأنّ خطابات الشارع المشعرة بانتقاص المرأة خطابات متشابهة، وهي قابلة للتوجيه بما يتلائم مع احترام الشارع لجنسها ومكانتها، وكشاهدٍ على ما نقول نأخذ قول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«النساء حبالة الشيطان» (2) ، فإنّ البعض قد يستشعر منه انتقاصاً للمرأة ومكانتها، والحال أنّه لا يدلّ على أكثر من كون المرأة - باعتبار ما تمتلكه من مقوّمات الجمال الفاتن - مصدراً من مصادر الإغراء، التي قد يستفيد منها الشيطان للإيقاع بالآخرين في الرذيلة.

الثامنة: وأمّا ولاية الرجل على المرأة، فلا توجد لدينا في التشريع ولاية مطلقة لجنس الرجال على جنس النساء، بل كلّ ما لدينا هو ولاية خصوص الأب أو الجدّ للأب على الفتاة الباكرة في خصوص أمر زواجها فقط، كما يذهب لذلك بعضُ أعلام الطائفة (قدّست أسرارهم)، وإن كنّا نخالفهم الرأي، ونرى أنّ الأب لا ولاية له على البكر الرشيدة حتّى في أمر زواجها، مع التزامنا بأنّ الاحتياط الذي لا ينبغي تركه إنّما هو في استئذان الأب والأخذ بمشورته؛ إذ أنّ مشاركة الأب لابنته في قرار زواجها - بحسب الغالب - تصبّ في مصلحتها، وتساهم في تأسيس سعادة حياتها، من غير أن يكون في ذلك أدنى انتقاص لها.

التاسعة: وأمّا حرمان المرأة من بعض المناصب: فلأنّ بعضها - كالقضاء - لا ينسجم مع واقعها التكويني؛ لكونه يحتاج إلى المزيد من الشدّة والصرامة ومجانبة العواطف، ولا يجتمع ذلك إلّاللرجل؛ ولأنّ بعضها الآخر - كمرجعيّة التقليد - لا ينسجم تشريعه لها مع سائر قوانين منظومة التشريع؛ إذ أنّ غير واحدٍ من تشريعاته ليس الغرض من ورائها إلّاالحيلولة دون اختلاط النساء بالرجال، وبما

ص:279


1- (1) الأحزاب 35:33..
2- (2) من لا يحضره الفقيه: 376:4..

أنّ تصدّي المرأة لمرجعيّة التقليد العامّة يجعلها في معرض الاختلاط بالأجانب؛ لذلك حظره الشارع عليها حفاظاً على أغراضه التشريعيّة، وهذا ما يؤكّد كمال منظومة التشريع وعظمتها، فإنّها بالرغم من كثرة قوانينها التشريعيّة إلّاأنّها كحلقة واحدة في انسجامها وترابطها.

العاشرة: وأمّا ضربُ المرأة فهو لا يعني انتقاصاً لجنسها؛ لأنّ موضوعه خصوص المرأة الناشز المستعلية المستكبرة، وهي امرأةٌ مذنبةٌ مستحقّةٌ للعقاب، فيكون حالها حال الرجل المذنب تماماً؛ إذ أنّه يعاقب على ذنبه من غير أن يكون ذلك انتقاصاً لجنسه، وجعل الحقّ المذكور للرجل دون المرأة لا يعني حرمانها من هذا الحقّ، بل هو ثابتٌ لها بواسطة الحاكم الشرعي، فإنّها - بحسب الاُنثويّة الرقيقة - بما أنّها لا تقوى عادةً على ممارسة الحقّ المذكور تجاه زوجها المتّصف - بحسب طبيعته - بالشدّة والخشونة؛ لذلك مكّنها الشارع من ممارسة حقّها في تأديب الزوج ولكن عن طريق الحاكم الشرعي، فإنّها - بعد عدم جدوى الموعظة - لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، وهو الذي يتكفّل بتأديب الزوج جَلداً أو حبساً بالنحو الذي يراه مناسباً.

الحادية عشر: وأمّا الأمر بمشورة النساء ومخالفتهنّ فمنشأه غلبةُ عواطفهنّ وانفعالاتهنّ - بحسب طبيعتهنّ التكوينيّة - في المواقف التي تحتاج إلى دقّة التدبير والتأنّي في اتّخاذ القرار؛ ولذا ورد في بعض النصوص استثناء المرأة المعروفة بالحنكة وبراعة التفكير، نظير قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«إيّاك ومشاورة النساء إلّامَن جُرِّبت بكمال عقل» (1) ، ممّا يعني أنّ تلك النصوص ليس فيها أدنى انتقاص لقوّة التفكير عند المرأة، وإنّما هي ناظرةٌ إلى طبيعة المرأة التكوينيّة المقتضية - بحسب الغالب - لسيطرة مشاعرها وعواطفها - من منطلق وظيفتها كاُمّ وربّة اسرة -

ص:280


1- (1) بحار الأنوار: 253:100..

على تكامل القرار.

الثانية عشر: وأمّا النهي عن تعليم المرأة فإنّه لم يثبت بطريق معتبر، بل الثابت من سيرة المعصومين عليهم السلام خلافه، ولدينا نصوص تاريخيّة عديدة تؤكّد على أنّ الصدّيقة الزهراء عليها السلام وابنتها الصدّيقة الحوراء عليها السلام كان لكلّ واحدة منهما مجلس لتعليم النساء.

وكيف يُتعقّل نهي الشارع عن تعليم المرأة، مع أنّه يدعو الناس - ذكوراً وإناثاً - إلى العمل على طبق أوامره والانزجار عن نواهيه، والحال أنّه ليس يتسنّى ذلك إلّا عن طريق التعلّم والمعرفة.

606 - ما حقيقة القيمومة في القرآن والسنّة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِبِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِن أَمْوَالِهِمْ؟

وقد علّل القرآن قيمومة الرجال بما يقومون به من نشاط اقتصادي، فلو حصل العكس، وكانت المرأة هي المنفقة على الرجل فهل تصبح المرأة هي القيّومة على الرجل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا الجواب عن الشقّ الأوّل من السؤال فقد أوضحناه من خلال الإجابة السابقة، وأمّا الجواب عن الشقّ الثاني فهو يبتني على بيان أمرين:

الأمر الأوّل: إنّ تقنين القوانين لا يمكن أن يستقيم إلّاإذا لوحظت فيه الحالة العامّة دون الحالات الاستثنائيّة.

فالدولة - مثلاً - عندما تضع قانوناً يقضي بمعاقبة المتجاوز لإشارات المرور، إنّما تلاحظ الحالات العامّة المقترنة بالحوادث المؤسفة، ولا تلاحظ الحالات الاستثنائيّة التي لا تقترن بشيء من الحوادث؛ إذ لو لاحظتها لم يستقم القانون، باعتبار أنّ الكثير من الناس سيقوم بمخالفة القانون المذكور حينئذٍ بحجّة أنّه حالة استثنائيّة، وهذا ما يوجب وهن القانون، وعدم فاعليّته.

ص:281

وهكذا يقال بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة، فإنّ تشريعها إنّما يتمّ على ضوء ملاحظة الحالات العامّة دون الحالات الاستثنائيّة، وبما أنّ الحالة العامّة في نظام الحياة هي تحمّل الرجل لمسؤوليّة الإنفاق على المرأة؛ لذلك جاء تشريع قانون القيمومة طبقاً لملاحظة هذه الحالة العامّة.

الأمر الثاني: إنّ بيان آية القيمومة لوجه ثبوت القيمومة لخصوص الرجل دون المرأة، ليس من باب بيان علّة الحكم، وإنّما هو من باب حكمة الحكم، ومن المعلوم أنّ انتفاء حكمة الحكم لا يوجب انتفاءه، فلا يصحّ القول بانتفاء القيمومة عند انتفاء الإنفاق؛ نظراً لكون الإنفاق حكمة لا علّة.

والمتحصّل من كلا الأمرين: أنّ مجرّد قيام المرأة بدور الإنفاق على الزوج، لا يوجب تغييراً في الحكم الشرعي.

607 - ورد في بعض الروايات عن العترة الطاهرة عليهم السلام بعض الاُمور التي يُفهم

منها الحطّ من كرامة المرأة وإنسانيّتها كقول الإمام الباقر عليه السلام لمن سأله عن جواز النظر لمن يُراد الزواج بها: «نعم إنّما يشتريها بأغلى ثمن»، فهل المرأة سلعة تباع وتُشترى؟ ومثل ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام: «إنّما المرأة لعبة الرجل» فما هو المعنى الحقيقي لهذه الروايات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا التعبير بالشراء بالنسبة للمرأة: فلا يُراد به شراء نفس المرأة، وإنّما يُراد به شراء منفعة الاستمتاع بها، ولا غضاضة في ذلك.

وأمّا التعبير عن المرأة - الزوجة - بلعبة الرجل: فلأنّ الشارع لم يأذن للرجل في ملاعبة غيره ملاعبة جسديّة إلّاالزوجة فقط، فهي لعبة الرجل والرجل لعبتها أيضاً؛ إذ يصحّ لكلّ منهما أن يستمتع بالآخر بسائر الاستمتاعات، وهذا ما يستفاد من قراءة الرواية كاملة، فالسائل حين سأل الإمام الصادق عليه السلام: ما يحلّ للرجل من المرأة وهي حائض؟

ص:282

قال له الإمام:

«كلّ شيء غير الفرج»، ثمّ قال:

«إنّما المرأة لعبة الرجل» (1).

608 - ورد في الروايات: أنّ أكثر أهل النار النساء كما ورد: أنّه قد كمل من الرجال

كثير ولم يكمل من النساء إلّاأربع والسؤال: ما هو السرّ في كون أكثر أهل النار من النساء؟ وعدم كمال إلّاالقليل منهنّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا بالنسبة للحديث الأوّل: فقد يراد به أنّ النساء في النار أكثر عدداً من الرجال؛ لأنّهنّ في عالم الدنيا أكثر عدداً منهم أيضاً، ولكنّ الحقّ أنّه حديث عامّي، وقد ورد عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام تكذيبه، ومن ذلك ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في من لا يحضره الفقيه عن الفضيل بن يسار، أنّه قال للإمام الصادق عليه السلام: شيء يقوله الناس: إنّ أكثر اهل النار يوم القيامة النساء؟

فقال عليه السلام: وأنّى ذلك؟! وقد يتزوّج الرجل في الآخرة ألفاً من نساء الدنيا في قصرٍ من درّةٍ واحدة(2).

وأمّا بالنسبة للحديث الثاني: فهو حديث عامّي أيضاً، ولم يرد في كتبنا إلّامنقولاً عن كتب القوم، وهو مع ذلك قابل للتوجيه بما لا يوجب وهناً للمرأة وإسقاطاً لكرامتها، بتقريب: أنّ سنن اللّه تعالى في خلقه - لحكم ومصالح - جارية على ذكوريّة أنبيائه ورسله وأوصيائه وحججه عليهم السلام، وبما أنّهم الذروة في الكمال البشري، وهم كثيرون جدّاً، فهذا يوجب أن يكون الكاملون من الرجال كثيرين جدّاً في مقابل النساء اللاتي لم تكمل منهنّ إلّاقلّة فقط.

609 - ورد في الرواية: «الشؤم في ثلاثة: الدابّة والمرأة، والدار» فما هو معنى شؤم المرأة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تتمّة الرواية توضّح المقصود منها، حيث جاء فيها:

ص:283


1- (1) الكافي: 539:5..
2- (2) من لا يحضره الفقيه: 468:3..

«تذاكروا الشؤم عند الإمام الصادق عليه السلام، فقال: الشؤم في ثلاثة: المرأة، والدابّة، والدار فأمّا شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها، وأمّا الدابّة فسوء خلقها ومنعها ظهرها وأمّا الدار فضيق ساحتها وشرّ جيرانها وكثرة عيوبها»(1) ، ومنها يتّضح أنّ الشؤم ليس لمطلق المرأة، وإنّما لخصوص المرأة ذات المهر الكثير، أو العاقّة لزوجها.

610 - تطبّل وتهرّج يوميّاً منظّمات الدفاع عن الاُنوثة والمرأة على أنّ الإسلام يظلم

المرأة في كلّ شيء وحتّى في ختان البظر الذي يحطّم الحياة الجنسيّة للفتاة، فما رأي الإسلام في ختان الإناث؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المشهور بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) استحباب ختان الإناث، وقد أطلقت عليه نصوص أهل البيت عليهم السلام عنواناً دقيقاً جدّاً وهو عنوان الخفض، للتنبيه على أنّ المطلوب ليس هو إلّاالمماسّة البسيطة جدّاً للعضو، لا إزالته واستئصاله، وتدلّ على ذلك وصيّة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله لاُمّ حبيب، حيث جاء فيها:

«إذا أنتِ فعلتِ فلا تُنهكي ولا تستأصلي وأشمّي، فإنّه أشرق للوجه، وأحظى عند الزواج» (2).

611 - أكّدت تقارير الاُمم المتّحدة ومنظّمات الدفاع عن حقوق المرأة: بأنّ الختان سبب موت وإعاقة الآلاف من النساء سنويّاً فما هو موقف الإسلام منه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ختان المرأة - بنظر الإسلام - مستحبّ وليس واجباً، وقد أكّدت بعض الدراسات المعاصرة على دوره في صيانة المرأة عن الوقوع في وحل الرذيلة، وكون بعض الناس قدأخطأ في تطبيقه لا يعني الخطأ في نفس القانون؛ ولذا فإنّ الإسلام لم يكتفِ بالأمر بالختان، بل شدّد على عدم استئصال الجزء المختون،

ص:284


1- (1) الغيبة: 556:3:3..
2- (2) الكافي: 118:5..

كما ألزم الخاتن المتجاوز للحدّ بالضمان.

612 - يقول بعض المسيحيّين: «إنّ من أهمّ أسباب تخلّف الإسلام هو اعتبار المرأة

عورة كلّها حالها حال الأعضاء التناسليّة فلا يجوز إخراجها ولا النظر إليها وهذا يعني أنّ الإسلام دين الذكور ولا مكان للنساء فيه بل النساء عبيد تحت قيمومة الرجل الذي يتزوّج ما يشاء من النساء وبذلك فقد الإسلام فاعليّة الحضارة والتقدّم، وأمّا المسيحيّون فهم يعطون المرأة مكانها الصحيح؛ ولذلك تطوّرت مجتمعاتهم وتخلّف الإسلام وأهله» فما هو تعليقكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ما اشتهر على لسان بعض الفقهاء من أنّ المرأة كلّها عورة، لم يثبت بطريق معتبر، وعلى فرض ثبوته فإنّ المقصود من كون المرأة عورة: مشاركتها للعورة في لزوم الستر، لا أنّها عورة بمعنى السوأة.

ودعوى أنّ فاعليّة المرأة بالكينونة على ما عليه المرأة الغربيّة دعوى زائفة يكذّبها الوجدان، الذي يشعر بفداحة الامتهان لكرامة المرأة وانحطاط إنسانيّتها في المجتمعات الغربيّة، ممّا يؤكّد أنّ القانون الوحيد الذي حفظ المرأة - بنتاً واُختاً وزوجة واُمّاً - كرامتها، ليس إلّاقانون الإسلام.

613 - ورد في بعض الروايات تعابير قد يفهم منها أنّ فيها إساءة للمرأة

وكرامتها وإنسانيّتها مثالها: الروايات التي تقول: «المرأة شرّ كلّها وشرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها» والروايات التي تؤكّد على الحذر من شرور النساء مثل: «وكونوا من خيارهنّ على حذر» فما تفسير هذه الروايات ومعناها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التعبير عن المرأة بالشرّ - على فرض كون الألف واللام للجنس لا للعهد، كما احتمل ذلك بعضهم، وتؤيّده مناسبة صدور النصّ - إنّما هو بلحاظ افتتان الرجل باُنوثتها، فتكون شرّاً بالنسبة له، ولنفس هذه النكتة جاء التحذير من تأسيس العلاقة مع المرأة المعروفة بالخير أيضاً؛ لأنّها قد تكون

ص:285

طريقاً لانجرار الإنسان نحو المعصية بشكل تدريجي، فلا بدّ أن يكون حذراً في علاقته معها.

614 - ما هو موقف الإسلام من حقوق وواجبات الرجل والمرأة؟

وهل الإسلام يؤمن بالمساواة في كلّ شيء؟ أم يعطي كلّ ذي حقّ حقّه؟ أم ماذا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه هو العدل، ومن الواضحات عدم مرادفة العدل للمساواة؛ بداهة أنّ العدل أحياناً يقتضي عدم المساواة، كعدل الاُستاذ بين تلامذته إذا أراد أن يكافئهم مع اختلاف مستوياتهم، فإنّه لو ساوى بين التمليذ المجتهد والتلميذ الكسول لكان ظالماً للأوّل منهما، ممّا يعني أنّ العدل لا يرادف المساواة دائماً، بل يغايرها أحياناً بالضرورة، وبما أنّ الإسلام هو دين العدل، فمقتضى عدالته أن لا يساوي بين الرجل والمرأة في كلّ شيء.

615 - هل صحيح أنّ اللّه تبارك وتعالى خلق حوّاء من ضلع أعوج من آدم عليه السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يثبت ذلك، وعلى فرض ثبوته فهو لا يدلّ على نقص في المرأة؛ إذ يحتمل أن يكون الاعوجاج في الرواية بمعنى الانحناء، ومجرّد خلق حوّاء من فاضل طينة الضلع المنحني لآدم عليه السلام لا يعني نقصاً فيها.

616 - يقول أحد العلمانيّين: «إنّ الإسلام دين ذكوري والدليل على ذلك أنّه يمنع المرأة من الخروج والعمل حتّى لا تحصل على المال وتستقلّ

لأنّ استقلاليّة المرأة تبدأ باستقلاليّة محفظة نقودها واستقلاليّة شخصيّتها العمليّة في العمل، بينما الإسلام يجعل المرأة تحت قيمومة الرجل» فما رأي سماحتكم بهذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: دعوى أنّ الإسلام قد منع المرأة من العمل، افتراء محض على الشريعة المقدّسة، ودعوى كون الإسلام ذكوريّاً لأنّه جعل

ص:286

حقّ القيمومة للرجل دون المرأة، لو سلّمنا بها للزم أن نسلّم بكون الإسلام انثويّاً أيضاً؛ لأنّه جعل حقّ حضانة الأولاد إلى سبع سنوات للمرأة دون الرجل على تفصيل مذكور في الفقه، وهذا كما تراه في وهنه وسقمه.

ص:287

الزواج والحياة الزوجيّة

617 - قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَبَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

(1)

، فما هي آيات اللّه في الزواج التي يتفكّر فيها المتفكّرون كما أشارت الآية؟ وكيف يكون الزواج من آيات اللّه ومن دلائل وجوده تبارك وتعالى في حين نلاحظ أنّ مجتمع الحداثة وما بعد الحداثة (مجتمع نهاية التاريخ) قد تخلّص من العائلة ومن الزواج الكلاسيكي؟ وما هو تفسير الآية السابقة بشكل مفصّل وما هي معطيات التدبّر فيها؟ وما الفرق بين المودّة والرحمة؟

وقد ورد فعل لتَسْكُنُوا أربع مرّات في القرآن الحكيم في ثلاثة موارد على صغية: لِتَسْكُنُوا فِيهِ ويقصد به الليل ومرّة واحدة على صيغة لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ويقصد به الزوج، فهل هناك علاقة بين السكن في الليل وبين السكن إلى الزوج؟ وما معنى لتسكنوا إليها؟ هناك من يقول إنّ هناك نوعين من الحبّ بين الأزواج هما: الحبّ المودّوي - من المودّة - والحبّ الرحموي - من الرحمة - من خلال التدبّر بالآية السابقة فهل تقبلون هذا التقسيم القرآن للحبّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الجواب عن شقوق السؤال المذكور يتمّ ببيان نقاط:

النقطة الاُولى: ذكرنا في الإجابة عن بعض الأسئلة المتقدّمة أنّ هذه الآية الشريفة صريحة في بيان أنّ الحياة الزوجيّة مقترنة بالمودّة والرحمة على نحو

ص:288


1- (1) الروم 21:30..

الديمومة، وقد اعتبرت ذلك من آيات اللّه اللامتناهيّة؛ إذ من العجيب حقّاً اندماج الزوجين وتآلفهما نفسيّاً وعاطفيّاً بمجرّد قول أحدهما: «زوّجتُ» وقول الآخر:

«قبلتُ» مع عدم وجود أي تعارف مسبق بينهما بحسب الأعمّ الأغلب.

النقطة الثانية: إنّ الأصل الواحد لمادّة (سكن) هو الاستقرار في مقابل الحركة، وهو أعمّ من الاستقرار المادّي، والاستقرار الروحي المعبّر عنه بالاطمئنان، ويميّز بينهما من خلال التعدية ب (إلى) وعدمها، فمتى ما عُدّي ب (إلى) اريد منه الثاني، ومتى ما عُدّي ب (في) أو ب (على) أو بغير واسطة أو لم يُعدّى أصلاً اريد منه الأوّل، وبذلك يظهر أنّ الآيتين المشار إليهما في السؤال لا علاقة بينهما.

النقطة الثالثة: إنّ المودّة - كما يظهر من كلمات اللغويّين - تعني الحبّ، بينما الرحمة تعني الشفقة، وهذان العنوانان قد يجتمعان وقد يفترقان، بلحاظ أنّ الشفقة قد يقترن بها الحبّ وقد يفترق عنها، وهذا يعني أنّ عنوان (الرحمة) لا يعبّر عن عنوان الحبّ، حتّى يقال بأنّه إشارة إلى الحبّ الرحموي.

618 - ورد في القرآن الحكيم: وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ، هل هذا قانون قرآني تكويني أم تشريعي؟

(1)

وهل يمكن أن يحصل العكس كما حصل مع بعض الأنبياء كما في قضيّة نبيّ اللّه لوط ونبيّ اللّه نوح عليهما السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكرنا في باب النكاح من كتاب فقه الصادق:

أنّ الآية الشريفة مسوقة للإخبار عن حقيقة خارجيّة، وهي أنّ كلّاً من الزاني والزانيّة ميّال للآخر، كما أنّ كلّاً من الطيّب والطيّبة ميّالٌ للآخر أيضاً، ولا يستفاد منها أكثر من ذلك(2).

ص:289


1- (1) النور 26:24..
2- (2) فقه الصادق: 317:21..
619 - هل صحّ أنّ صلاة المتزوّج أفضل من صلاة الأعزب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: في الخبر المعتبر عن صادق أهل البيت عليهم السلام:

«ركعتان يصلّيهما المتزوّج أفضل من سعبين ركعة يصلّيها أعزب»(1).

وفي النبويّ: «ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره»(2).

620 - هل صحّ أنّ صلاة المتزوّج الغير ملتزم دينيّاً أفضل من صلاة الأعزب المؤمن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: صلاة غير الملتزم دينيّاً إذا كانت واجدة الأجزاء والشرائط أفضل من صلاة الأعزب الواجدة لذلك، ولا ربط لذلك بالأعمال الاُخر.

621 - هناك الكثير من الشباب والشابّات يسألون عن الكفؤ وصفاته، ويقولون:

هل أنّ الإسلام ينظر فقط إلى جمال الروح والأخلاق والدين ويهمل جمال الجسد؟ أم ينظر لجمال الروح والجسد معاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من النصوص الدينيّة مطلوبيّة كلا الجمالين، فكما ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله: «عليك بذات الدين تربت يداك»(3) ، ورد عنه أيضاً صلى الله عليه و آله: «أفضل نساء امّتي أصبحهنّ وجهاً»(4).

622 - ورد في الروايات: عدم الزواج من الحمقاء وإرضاع الأطفال منها، فما هو معيار كون المرأة حمقاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحمقاء هي ضعيفة العقل والتفكير، ويُعرف ذلك من خلال

ص:290


1- (1) وسائل الشيعة: 18:20..
2- (2) وسائل الشيعة: 19:20..
3- (3) بحار الأنوار: 204:18..
4- (4) الكافي: 324:5..

سخف آرائها، ووضعها للأشياء في غير موضعها.

623 - ما آليات ووسائل الإسلام في تزويج العازبين والعازبات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أهمّ آليات تيسير الزواج التي جاء بها الإسلام: تقليل المهور، واعتبار الكفاءة الدينيّة هي مقياس الكفاءة المعتبرة بين الزوجين، مع إلغاء الاعتبارات الاُخرى القائمة على الأحساب والأنساب، ونحو ذلك.

624 - ما هو رأي سماحتكم باختيار شريك الحياة عن طريق التقنيّات الحديثة

، مثل: الفضائيّات المخصّصة لعرض أسماء أو مواصفات الذكور والإناث، والقناة تنسّق مراحل اللقاء للزواج أو مواقع الانترنيت التي تعرض صور أو مواصفات الشريك الملائم أو عن طريق الموبايل أو غيرها من طرق التقنيّة الحديثة لاختيار الزوج أو الزوجة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا مانع من الاستفادة من الوسائل المذكورة، إن كان توصل الإنسان إلى مطلوبه طبقاً للمواصفات التي حدّدها الشارع الشريف.

625 - ما أجر وثواب اللّه لمن يعمل على تزويج الشباب والشابّات أو الرجال والنساءفي مختلف الأعمار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله: «مَن زوّج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشدّ عضده يستريح إليها زوّجه اللّه من الحور العين وآنسه بمن أحبّه من الصدّيقين من أهل بيته وإخوانه وآنسهم به»(1).

وعن الإمام أبي عبداللّه الصادق عليه السلام: «مَن زوّج أعزباً كان ممّن ينظر اللّه عزّ وجلّ

ص:291


1- (1) وسائل الشيعة: 210:17..

إليه يوم القيامة» (1).

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: «ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه يوم لا ظلّ إلّاظلّه:

رجل زوّج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سرّاً» (2).

626 - ما هو العقاب في الدنيا والآخرة لمن يعمل على منع الزواج بين الرجال والنساء أو يعمل بخباثة على تحطيم الخطوبة أو الزواج الحاصل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله: «مَن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان عليه غضب اللّه ولعنته في الدنيا والآخرة وكان حقّاً على اللّه تعالى أن يرضخه بألف صخرة من نار ومَن مشى في فساد ما بينهما ولم يُفرّق كان في سخط اللّه عزّ وجلّ ولعنته في الدنيا والآخرة»(3).

627 - ما هو المقدار الشرعي للمهر؟ وهل يجوز للرجل أن يستفيد من مهر زوجته، وكيف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا حدّ للمهر قلّة وكثرة، وإن كان مهر السنّة مقدّراً بخمسمائة درهماً، وتتملّكه المرأة بمجرّد العقد، فلا يجوز للرجل أن يتصرّف فيه إلّابإذنها.

628 - ما هو علاج قتل الزواج من خلال زيادة المهور بالغائب والحاضر، وغيرها من المتاهات الشيطانيّة أغيثونا يرحمكم اللّه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: علاج ذلك بنشر ثقافة تقليل المهور، وعدم الإثقال فيها،

ص:292


1- (1) الكافي: 331:5. وسائل الشيعة: 45:20..
2- (2) بحار الأنوار: 356:71. وسائل الشيعة: 46:20..
3- (3) ثواب الأعمال: 288. وسائل الشيعة: 406:20..

تطبيقاً لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: «أفضل نساء امّتي أصبحنّ وجهاً وأقلّهنّ مهراً»(1) ، وقولهم عليهم السلام: «من بركة المرأة قلّة مهرها ومن شؤمها كثرة مهرها»(2) ، ومثل ذلك كثير.

629 - ما هي الأحكام الشرعيّة لفترة الخطوبة - أي: فترة ما قبل العقد الشرعي - لكلا الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مجرّد الخطوبة - من غير العقد - ليست موضوعاً لأحكام شرعيّة مختلفة عن الأحكام المرتبطة بكلّ رجل وامرأة، ما عدا حكماً واحداً، وهو جواز نظر الخاطب إلى سائر أجزاء جسد مخطوبته - ما عدا العورة - من أجل الاطّلاع على حالها.

630 - ما هي حدود معرفة الرجل للمرأة قبل الزواج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هي نفسها الحدود لمعرفة كلّ أجنبيّ بأجنبيّة، وقد اتّضح معظمها من خلال الأجوبة السابقة.

631 - ما هي حدود معرفة جسد المرأة التي يُراد الزواج بها؟

وهل يجوز للمرأة النظر أيضاً إلى جسد الرجل الذي يُريد الزواج بها؟ وهل يختصّ ذلك بالزواج الدائم أم يشمل الزواج المنقطع؟ وهل يجوز اللمس أيضاً وهل يشترط رضا المرأة؟ وهل يجوز تكرار النظر إليها عند عدم كفاية النظرة الاُولى؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجوز لمن يريد الزواج بامرأة - دائماً أو منقطعاً - أن ينظر إلى

ص:293


1- (1) الكافي: 324:5..
2- (2) وسائل الشيعة: 112:20..

وجهها وكفّيها وشعرها ومحاسنها، بل لا يبعد جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها، وإن كان الأحوط خلافه، ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها.

كما ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض وهو الاطّلاع على حالها بالنظر الأوّل، ولا يجوز له لمسها مطلقاً.

وأمّا نظر المرأة للرجل الذي يريد الزواج منها: فالأحوط لزوماً - عندنا - تركه، وإن ذهب بعض الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) إلى جوازه.

632 - يؤكّد علماء الرومانسيّة والحبّ وفلاسفة الجسد على أنّ الزواج (العلاقة

الجنسيّة) الناجح والأمثل يأتي بعد عشق وغرام عميق بين الرجل والمرأة، أي أنّ الأساس هو الحبّ والرومانسيّة ومن ثمّ تأتي العلاقة الجنسيّة والزواج فهل يجوز من وجهة نظر الإسلام: الحبّ والعشق والغرام والرومانسيّة قبل الزواج والعقد الشرعي، كما هو الحال في مرحلة التعارف وفي فترة الخطوبة مثلاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحبّ المتبادل بين الأجنبيّ والأجنبيّة إذا كان موجباً لإثارة الشهوة المحرّمة والفتنة الاجتماعيّة - كما هو مقتضى طبيعة هذه العلاقات بين كلّ أجنبيّ وأجنبيّة - فهو محرّم بلا ريب.

ودعوى كون الحياة الزوجيّة السعيدة تبتني على العلاقات الغراميّة المسبقة، يكذّبها قول اللّه (تبارك وتعالى): وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الدالّ على مباركته تعالى للعلاقات الزوجيّة، بنشره للمودّة والمحبّة بين كلّ زوجين تربطهما علاقة شرعيّة عن طريق الزواج.

633 - هل يجوز للمرأة إجراء عمليّات التجميل؛ للحصول على المواصفات الجسديّة الواردة في الروايات أم لا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في عمليّات التجميل في حدّ نفسها، ولكن لا يجوز التدليس بواسطتها، كأن تقوم المرأه العجوز بشدّ بشرة وجهها - مثلاً - من أجل إظهار أنّها امرأة شابّة لمن يريد الزواج بها.

ص:294

634 - هل يجب على كلِّ واحدٍ من الجنسين إخبار المقابل عن العيوب الجسديّة والخلقة أثناء فترة الخطوبة أم لا؟

وما معنى التدليس الموجب للفسخ مع ذكر الأمثلة التوضيحيّة رجاءاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم هناك عيوب عدّة، إن لم تُذكر للطرف الآخر كان ذلك تدليساً عليه، فيحقّ له فسخ العقد من غير حاجة إلى الطلاق، وإليك تفصيلها:

أمّا العيوب في الرجال فهي أربعة:

1 - العنن، وهو عبارة عن العجز الجنسي من جهة عدم الانتصاب.

2 - الجبّ، وهو عبارة عن قطع ذكر الرجل كلّه، أو بعضه بالمقدار الذي يكون الباقي منه أقصر من طول الحشفة.

3 - الخصاء، وهو يعني قطع بيضتي الرجل أو رضّهما بحيث لا يؤدّيان عملهما.

4 - الجنون.

أمّا العيوب في المرأة فهي سبعة:

1 - الجنون.

2 - الجذام.

3 - البرص.

4 - القرْن، وهو العفل، ويراد به: العظم أو اللحم النابت في مدخل الذكر من العضو التناسلي للمرأة، ومثله الرتق، وهو: انسداد عضو تناسل المرأة.

5 - الإفضاء، وهو يعني صيرورة مجرى البول ومجرى الحيض، أو مجرى الغائط أو جميعها مجرىً واحداً.

6 - العمى.

ص:295

7 - الإقعاد، وهو يعني: أن تكون المرأة مقعدة لا تستطيع الحركة، ومثله العرج البيّن أيضاً.

635 - هل هناك أدعية وصلوات خاصّة تؤدّى في ليلة الزفاف أو غيرهامن الأوقات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال السيّد اليزدي قدس سره في المسألة الخامسة من كتاب النكاح من عروته الوثقى، ووافقناه في تعليقتنا عليها: «يستحبّ عند إرادة التزويج امور:

منها: الخطبة.

ومنها: صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها، والدعاء بعدها بالمأثور، وهو: «اللّهمّ إنّي اريد أن أتزوّج فقدّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها ومالي وأوسعهنّ رزقاً وأعظمهنّ بركة وقدّر لي ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي».

ويستحبّ أيضاً أن يقول: «أقررت بالذي أخذ اللّه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

وقال قدس سره في المسألة الثامنة، ووافقناه أيضاً: «مستحبّات الدخول على الزوجة امور:

منها: أن يكون على وضوء.

ومنها: أن يصلّي ركعتين، والدعاء بعد الصلاة على محمّد وآله بالاُلفة وحسن الاجتماع بينهما، والأوْلى المأثور، وهو: «اللّهمّ ارزقني الفتها، وودّها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام»(1).

ص:296


1- (1) الكافي: 500:5. تهذيب الأحكام: 116:20..

ومنها: أمرها بالوضوء والصلاة، أو أمر مَن يأمرها بهما.

ومنها: أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: «اللّهمّ بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد صلى الله عليه و آله، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً»(1).

أو يقول: «اللّهمّ على كتابك تزوّجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ولا تجعله شرك شيطان»(2).

636 - ما هي مستحبّات وواجبات ومكروهات ومحرّمات ليلة الزفاف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من مستحبّات الزفاف: الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد فإنّه مكروه، ودعاء المؤمنين والأوْلى كونهم فقراء ولا بأس بالأغنياء، خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته، ويستحبّ إجابتهم وأكلهم، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلاً أو نهاراً.

ومنها: أن يكون الزفاف ليلاً.

ومنها: أن يكون على وضوء.

ومنها: أن يصلّي ركعتين، والدعاء بعد الصلاة على محمّد وآله بالاُلفة وحسن الاجتماع بينهما، والأوْلى الدعاء بالمأثور، وهو: «اللّهمّ ارزقني الفتها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ائتلاف فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام».

ومنها: أمر الزوجة بالوضوء والصلاة، أو أمر مَن يأمرها بهما.

ص:297


1- (1) وسائل الشيعة: 116:20. الكافي: 500:5. الفقيه: 254:3..
2- (2) وسائل الشيعة: 113:20. تهذيب الأحكام: 407:7. ومثله في الكافي: 501:5. من لا يحضره الفقيه: 249:3..

ومنها: أمر مَن كان معها بالتأمين على دعاءه ودعائها.

ومنها: أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: «اللّهمّ بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً تقيّاً من شيعة آل محمّد صلى الله عليه و آله، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً». أو يقول: «اللّهمّ على كتابك تزوّجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً ولا تجعله شرك شيطان».

ومنها: خلع خفّ العروس إذا دخلت البيت، وغسل رجليها، وصبّ الماء من باب الدار إلى آخرها إن أمكن.

وأمّا محرّمات الزفاف:

فمنها: غناء النساء إذا انضمّ إليه محرّم آخر، كالضرب بالطبل، أو التكلّم بالباطل، أو دخول الرجال عليهنّ وسماع أصواتهنّ على نحو يوجب إثارة الشهوة والريبة.

وأمّا مكروهات الزفاف:

فمنها: أن يكون ليلة الأربعاء؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام: «ليس للرجل أن يدخل بامرأة ليلة الأربعاء»(1).

637 - من وجهة نظر الإسلام: مَن هو الشخص الملائم أو المعلّم الأنسب لتعليم

الرجل والمرأة (أو الشابّ والشابّة) تفاصيل عمليّة الجماع والحياة الزوجيّة الخاصّة والعامّة قبل الزواج أو قبل ليلة الزفاف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لم يرد تحديد من الشارع لهذه الجهة؛ ولعلّه من جهة اختلافه باختلاف الأشخاص والخصوصيّات.

ص:298


1- (1) وسائل الشيعة: 94:20..
638 - توجد في بعض المجتمعات عادة أن يخرج الزوج في ليلة الزفاف قطعة قماش بيضاء وعليها

دم افتضاض غشاء البكارة ليثبت رجولته وأنّ المرأة باكر، ويسمّى هذا الدم ب (النيشان) أو (البرهان) أو (الدليل) أو (العلم) أو (الراية) أو غيرها من الأسماء والسؤال هو: هل هذا جائز من وجهة نظر الإسلام؟ وماذا يفعل الزوج لو اكتشف أنّ زوجته ليست باكراً لسبب أو لآخر كما لو افتضّ غشاء البكارة بحادث عرضي أو بالزنا أو لسبب خلقي (من خلقة اللّه) أنّ غشاء البكارة لا ينضح دماً بعد إيلاج الذكر أو غيرها من الأسباب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من آداب الإسلام وأخلاقيّاته: دعوته لإسدال الستر على الحياة الزوجيّة الخاصّة، وعدم الحديث عن خصوصيّاتها، والعادةُ المذكورة عادةٌ جاهليّة قبيحة ينبغي على المؤمنين مقتها واجتنابها.

ولو تزوّج الرجل المرأة على أنّها بكر فبانت ثيّباً، لم يكن له الفسخ، وإنّما ينقص من المهر بمقدار ما به التفاوت بين البكر والثيّب.

639 - بالنسبة للحياة الزوجيّة تؤكّد حضارة المادّة على أنّ أحلى وألطف مراحل

الحياة الزوجيّة والجنسيّة للعرسان الجدد هي فترة شهر العسل yenoH htnoM وفي فترة شهر العسل - وهي 30 يوماً - ترى الجنّة الموعودة على الأرض أمّا بعدها فالحياة جحيم لا يطاق وعليه ينفر الشباب والشابّات من الارتباط الدائم (الزواج الكلاسيكي أو التقليدي والقديم) ويلجأون إلى علاقات جنسيّة لا شرعيّة كي يحسّوا بحلاوة شهر العسل بصورة متغيّرة ودائمة فما موقف الإسلام من حلاوة الحياة العسليّة في الزواج هل هي شهر واحد أم كلّ العمر للزوجين؟ وكيف يمكن تحويل الحياة الزوجيّة بكلّ تفاصيلها ومعطياتها إلى عسل لا ينضب وفق تعاليم الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه:

أوّلاً: يتّضح موقف الإسلام من خلال قوله تبارك وتعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ

ص:299

لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (1) ، فإنّ هذه الآية الشريفة صريحة جدّاً في بيان أنّ الحياة الزوجيّة مقترنة بالمودّة والرحمة على نحو الديمومة، بل اعتبرت ذلك من آياته اللامتناهية سبحانه وتعالى؛ إذ من العجيب حقّاً اندماج الزوجين وتآلفهما نفسيّاًوعاطفيّاً بمجرّد قول أحدهما: «زوّجت»، وقول الآخر: «قبلتُ» مع عدم وجود أي تعارف مسبق بينهما بحسب الأعمّ الأغلب.

ثانياً: والذي يساهم في إضفاء السعادة والحيويّة بشكل مستمرّ على الحياة الزوجيّة هو التزام كلّ واحدٍ من الزوجين بالحقوق والواجبات المناطة به تجاه الآخر.

640 - ما هي نصائحكم للمتزوّجين الجدد كي ينعموا بحياة طاهرة إسلاميّة خالصة للّه تعالى وكلّها على طول سنوات العمر بنكهة عسل الطاعة للباري جلّ جلاله؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: سعادة الحياة الزوجيّة منوطة بالالتزام بآداب الشرع الشريف، التي حرص القرآن الكريم والأئمّة من آل محمّد عليهم السلام على بيانها والإرشاد إليها، من قبيل: المعاشرة بالمعروف، وتحمّل كلٍّ من الزوجين لسلبيّات الآخر، ومحاولة علاجها، والالتزام بالتهيئة وإزالة المنفّرات، ومخاطبة كلّ منهما للآخر بالألفاظ المشعرة بالحبّ والمودّة، والتزام كلّ منهما بواجباته تجاه الآخر، بل وبالمستحبّات أيضاً كخدمة الزوجة لزوجها، وتوسعة الزوج عليها في الإنفاق، ونحو ذلك.

وبالجملة: فإنّ السعادة مرهونة بتطبق تعاليم الشرع الشريف، والتي جاءت لإسعاد حياة المكلّفين، وتجنيبهم حياة البؤس والشقاء.

641 - أنا مقبلة على الزواج فما هي نصيحتكم لي؟

ص:300


1- (1) الروم 21:30..

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة مستحبّات الزفاف للزوجة، وبعضها للزوج أيضاً - كما في كتاب العروة الوثقى (1)- بتعليقتنا -: الاُمور التالية:

1 - أن يكون الزفاف ليلاً؛ لأنّه أوفق بالستر والحياء، ولقوله صلى الله عليه و آله: «زفّوا عرائسكم ليلاً وأطمعوا ضحىً»(2).

2 - الكون على الطهارة.

3 - صلاة ركعتين.

4 - التضرّع إلى اللّه سبحانه وتعالى والدعاء بالاُلفة بينهما وحسن الاجتماع.

والنصيحة التي ننصح بها ابنتنا المؤمنة: أن تسعى جاهدة للقيام بشؤون زوجها، ومراعاة حقوقه التي جعلها اللّه له عليها، فإنّ سرّ السعادة الزوجيّة والحياة الهانئة يكمن في مراعاة كلّ طرف لحقوق الآخر، ولتسعى أيضاً لإشاعة أجواء الإيمان في حياتها - من خلال قراءة القرآن والأدعية، وأداء النوافل، والبعد عن أصوات الغناء والموسيقى - من أجل أن تبني اسرة صالحة، فتفوز بسعادة الدنيا والآخرة.

642 - ما هو حقّ الزوج على الزوجة؟ وما هو حقّ الزوجة على الزوج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحقوق الزوجيّة قسمان: إلزاميّة وغير إلزاميّة، والثانية وإن كانت كثيرة جدّاً، غير أنّ الاُولى محدودة ببعض الحقوق، وهي على قسمين أيضاً: مشتركة وغير مشتركة، أمّا المشتركة: فحقّ المعاشرة بالمعروف؛ إذ هو حقّ لكلّ واحدٍ من الزوجين على الآخر، وأمّا غير المشتركة: فللزوجة حقّان:

حقّ النفقة، وحقّ المقاربة في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة على أقلّ تقدير، وللزوج ثلاثة حقوق: حقّ الطاعة، وحقّ التمكين من الاستمتاع، وحقّ عدم الخروج من

ص:301


1- (1) التعليقة على العروة الوثقى: 459:2..
2- (2) تهذيب الأحكام: 418:7..

بيته إلّابإذنه.

643 - ما هي طرق الوقاية الإسلاميّة من الطلاق والتفكّك الاُسري؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أغلب حالات الطلاق إنّما هي نتيجة عامل التمرّد على الحقوق والواجبات في الحياة الزوجيّة، فإذا تمّ تجاوز هذا العامل كان ذلك وقاية عن انتهاء الحياة الزوجيّة بالطلاق.

644 - هل يجوز للزوج أن يضرب زوجته ومتى؟ وما الحدّ الشرعي إذا كان لا يجوز؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يجوز للزوج ضرب زوجته إلّافي مورد نشوز الزوجة فقط، ويحرم عليه الضرب العنيف المُؤدّي إلى الكسر أو الجرح أو الرضّ أو الإدماء أو اسوداد البدن واحمراره، ولو أقدمَ الزوج عليه لزمه الضمانُ والدية أو القصاص فيما لو تعمّد إحداث ذلك.

645 - ماذا تنصح الأزواج الذين يعانون من عدم ثقة أحدهما بالآخر والاتّهام

المتبادل بينهما فتجد - مثلاً - الزوجة تبحث في أوراق زوجها وفي هاتفه وجوّاله وغيرها من أغراضه والعكس يحصل أيضاً بسبب الغيرة الزائدة من كلا الطرفين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نصحي يتلخّص في كلمتين لأمير المؤمنين عليه السلام، إحداهما موجّهة لمن يسيء الظنّ، والاُخرى لمن يُساء فيه: أمّا الاُولى فهي قوله عليه السلام:

«ولا تظنّنّ بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً» (1) ، وأمّا الثانية فهي قوله عليه السلام: «ومَن عرّض نفسه للتهمة فلا يلومنّ مَن أساء به الظنّ»(2).

646 - ماذا ينصح سماحة الإمام المرجع الأزواج والزوجات الذين يعانون من

ص:302


1- (1) الكافي: 362:2..
2- (2) الكافي: 152:8..

حالة العصبيّة والغضب والنرفزة السريعة والقاتلة والمتهوّرة التي تهدّد كيان واستقرار الاُسرة؟ وماذا تنصح العوائل في منهجيّة وكيفيّة التعامل مع المشاكل المختلفة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نصحي هو نصح السادة المعصومين عليهم السلام بلزوم التزام كلٍّ من الزوجين بخلق الصبر على الآخر؛ إذ أنّ الاندماج التامّ بينهما بعد الزواج، وقد كان كلٌّ منهما يعيش نمطاً مختلفاً من الحياة، يحتاج إلى مدّة من الزمان يعتادان فيها على بعضهما البعض، ولا يمكن تجاوز هذه المدّة بهدوء وسلام إلّا بتبادل خلق الصبر بينهما؛ ولذا وردَ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «مَن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسية بنت مزاحم»(1).

وقال صلى الله عليه و آله: «مَن صبر على سوء خلق امرأته احتساباً أعطاه اللّه تعالى بكلّ يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيّوب عليه السلام على بلائه»(2).

647 - لي زوج سيّء المعاملة فكيف أتعامل معه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد في عدّة من الأخبار الشريفة: أنّ جهاد المرأة صبرها على أذى زوجها، وأنّ المرأة الصابرة على سوء خلق زوجها لها من الثواب ما لزوجة فرعون من ثواب الصبر عليه، وفي ذلك ترغيب عظيم للمرأة في المحافظة على بيت زوجيّتها واُسرتها، وما على الزوجة إلّاأن تقابل المعاملة السيّئة لزوجها بمعاملة حسنة وجميلة، فإنّ ذلك بالنتيجة ممّا يؤثّر على خُلق الزوج تأثيراً إيجابيّاً، ويجعل منه رجلاً ليّناً ومتسامحاً، كما حصل ذلك بالتجربة لكثير من الأزواج.

648 - هل يجوز للزوج الكذب على زوجته؟ وما حدود هذا الكذب الجائز؟ وما هي مسوّغاته؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يجوز الكذب مطلقاً، إلّاإذا كان لدفع الضرر

ص:303


1- (1) مكارم الأخلاق: 214..
2- (2) جامع أحاديث الشيعة: 254:20..

عن نفسه، أو عن مؤمن، أو للإصلاح بين الناس، والأحوط استحباباً الاقتصار فيهما على عدم إمكان التورية، ولا فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها.

649 - متى يجوز للزوجة أن تكذب على الزوج؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يجوز الكذب مطلقاً، إلّاللحالات الاستثنائيّة المتقدّمة، ولا فرق في ذلك بين الزوج وغيره.

650 - من المعروف في مجتمعاتنا المثل القائل: «لو العمّة - امّ الزوج - ترضى عن الكنّة أو الجنّة - الزوجة - كان إبليس دخل الجنّة»

وهو يعكس تاريخاً من سوء العلاقة بين الزوجة واُمّ الزوج فمن وجهة نظر الإسلام كيف يمكن أن نجعل العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج - سواء امّ الزوج أو أبوه أو إخوته - علاقة إسلاميّة وطاهرة مطهّرة تكسب العوائل بها رضا اللّه تبارك وتعالى؟ وكيف يمكن أن نعالج المشاكل التي تحصل بين الزوجة وأهل الزوج التي تنشأ عادة وليس دائماً من امور في غاية التفاهة، ويضخّمها إبليس وأعوانه باستخدام كلمات الدمار الشامل وتعابير حارقة للكرامة، وقنابل مؤقّتة من الحقد والكراهية بين الأطراف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تعامل امّ الزوج مع زوجة ولدها تعامل الاُمومة، وتعامل الزوجة مع امّ زوجها تعامل البُنُوتة، واحترام كلٍّ من الطرفين لخصوصيّات الآخر، هو السبيل الأمثل لتأسيس علاقةٍ حميمة وسعيدة.

651 - ما الحكم الشرعي في الدخول والتسجيل في المعاهد والدورات التي تدرّب طرق معاملة الزوجين أحدهما للآخر وطرق ممارسة الجنس

، وطرق تربية الأبناء والتعامل معهم في مختلف الأعمار والظروف؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجوز إن لم يكن مقترناً بمحرّم، كالنظر إلى عورات الآخرين، ولم يوجب إثارة الفتنة أو الريبة.

ص:304

652 - هل يجوز للزوجين متابعة وسائل الإعلام الإباحيّة والجنسيّة من فضائيّات وانترنيت وغيرها لزيادة الشهوة والشبق والغريزة أثناء الجماع؟

وما هو البديل الإسلامي لزيادة الشهوة والشبق والغريزة لكلّ من الزوجين وفق منظور الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يحرم النظر إلى الأفلام الإباحيّة مطلقاً، وليس يُرجى من المؤمن أن يبذل جهده في البحث والتنقيب عمّا يجعله شبقاً وشهوانيّاً، بل المأمول منه أن يبذل قصارى جهده في سبيل الارتقاء إلى أعلى مراتب الكمال الروحي والمعنوي.

653 - هل تجوز مشاهدة الأفلام الخلاعيّة لمعالجة البرود الجنسي عند الزوجين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مشاهدة الأفلام المذكورة محرّمة، وعلى الزوجين أن يبحثا عن وسائل اخرى مشروعة لعلاج حالة البرود عندهما.

654 - توجد حالياً الكثير من الوسائل التي تعمل على الاستمتاع بأروع وأجمل

وأطول فترة جماع وجنس بين الزوجين من قبيل استعمال الوسائل والألعاب الجنسيّة التي تطيل قضيب الرجل وغيرها من الاُمور المصنّعة في شركات ومعامل ألعاب وأدوات الجنس التي يشرف عليها مهندسو ومصمّمو ألعاب الجنس وفلاسفة الجسد، ومن قبيل استعمال الأدوية والعقاقير الطبّيّة والمستحضرات الجنسيّة، كالدهون والحبوب والإبر وغيرها من الاُمور الكثيرة من قبيل الإعلام الجنسي والإباحي وعمليّات الجراحة التجميليّة للثدي والأوراك والأعضاء التناسليّة وغيرها الكثير، فهل يجوز للمسلم والمسلمة استعمال الوسائل السابقة الذكر؟ ومتى يجوز استعمالها عند الضرورة مثلاً؟ وما حدود تلك الضرورة؟ وما هو البديل الإسلامي الملائم لكلّ ما تمّ ذكره؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا الأفلام الإباحيّة الخليعة فقد تمّ بيان حكمها، وأمّا غيرها من الاُمور المذكورة في السؤال، فلا إشكال في استخدام شيء منها

ص:305

بالنسبة إلى الزوجين.

655 - يشكو بعض الأزواج ونتيجة لضغوط الحياة ومصائبها من قلّة الشهوة والطاقة

الجنسيّة ويسألون: هل يجوز إجراء العادة السرّيّة لتهييج الغريزة قبل مجامعة الزوجة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يجوز، وما يفكّرون فيه ما هو إلّاوساوس شيطانيّة، يريد الشيطان أن يغويهم من خلالها.

656 - وردت الكثير من الروايات عن الرسول وعترته الطاهرة عليهم السلام حول الأحكام

التفصيليّة والدقيقة بالنسبة لعمليّة الجماع كالتي تقول: «إن ثدي المرأة مفتاح شهوتها» والروايات الدالّة على ضرورة إشباع رغبة الزوجة، والروايات الدالّة على لزوم تعرّي الزوجة لزوجها والروايات المرغّبة في تعرّي الزوجين تحت لحاف واحد والسؤال: هل أنّ هذه الروايات معتبرة دلالة وسنداً؟ وهل أنّ مضامينها قوانين إسلاميّة يجب التقيّد بها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الروايات المذكورة - حالها حال الروايات الاُخرى - منها المعتبر، ومنها الضعيف، ومنها المولوي - الدالّ على حكم شرعي - ومنها الإرشادي، فليست كلّها على وزان واحد، وبما أنّنا نبني في الفقه على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، فإنّنا مستغنون عن التحقيق في أسانيدها.

657 - هناك الكثير من الروايات التي تنهى أو تأمر بالنكاح في أوقات وأوضاع معيّنة زماناً ومكاناً فهل هي معتبرة السند؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يظهر الجواب عن هذا السؤال من خلال الإجابة السابقة، فلا حاجة للإعادة.

658 - يقول علماء الجنس وفلسفة الجسد: يوجد 44 وضعيّة وموقف للجماع

esruocretni lauxeS مع الزوجة ومنها الجنس الفموي xeS larO

ص:306

حيث تقوم الزوجة بابتلاع مني زوجها والسؤال هو: ما موقف الإسلام من وضعيّات ممارسة الجماع مع ما لها من فعّاليّات قد تكون محرّمة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أجاز الشارع المقدّس لكلّ من الزوجين أن يستمتع بالآخر بكلّ أنحاء الاستمتاع، إلّاما قام الدليل على استثنائه بالذات أو بالعَرَض، نظير ابتلاع الزوجة لمنيّ زوجها، أو وطئها في زمن حيضها، ونحو ذلك.

659 - هل هنالك عدد معيّن أو مدّة محدّدة لمقاربة الزوجة بحيث لو قلّل الزوج منهايكون مقصّراً في حقّ زوجته؟

وهل هناك عدد معيّن أيضاً أو مدّة محدّدة لتمكين الزوجة لزوجها بحيث لو قلّلت منها تكون مقصّرة في حقّ زوجها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الواجب على الزوجة تمكين زوجها من مقاربتها متى ما أراد، إن لم يكن هنالك مانع شرعي أو جسدي، ويحرم على الزوج ترك وطء زوجته الشابّة أكثر من أربعة أشهر، إلّاأن يكون في ذلك ضرره أو ضررها، أو يكون الترك برضاها، أو تكون الزوجة كثيرة الشبق - بحيث لا تستطيع الصبر إلى أربعة أشهر - فتلزم على الزوج المبادرة إلى إشباع رغبتها، أو تخلية سبيلها.

660 - هناك مثل طبّي انجليزي يقول: «إن كنت جنسيّاً فأنت سليم ومعافى جسديّاً وإن كنت سليماً ومعافى جسديّاً فأنت إنسان جنسي»، ونصّه:

yhtlaeh era uoy yxes era uoy fi dna yxes era uoy yhtlaeh era uoy .

فما هو رأي الإسلام بكثرة الاعتناء بالجنس وكثرة مجامعة النساء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الغريزة الجنسيّة بما أنّها واحدة من غرائز الوجود البشري - كغريزة الأكل مثلاً - فهذا يعني أنّ نشاطها دليلُ سلامة الإنسان بمقتضى وضعه الطبيعي، وخمولها دليل انحراف مزاجه وصحّته الجسديّة.

661 - هل يجوز نكاح المرأة في دُبرها أو فمها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجوز لكلّ واحدٍ من الزوجين أن يستمتع بالآخر

ص:307

بكلّ أنحاء الاستمتاع، ومن ذلك الوطء في الدُبر والفم، إلّاأنّ الأوّل يُكره للزوج في صورة عدم رضا الزوجة، والثاني يحرم فيه على الزوجة ابتلاع منيّ زوجها.

662 - هل يجوز إجراء عمليّة العقم الصناعي المؤقّت والدائم لكلا الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجوز.

663 - هل يجوز الزواج المؤقّت (المتعة) لأسباب جنسيّة وشهويّة بحتة؟ وما هي شروط زواج المتعة وقوانينه الشرعيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: نعم يجوز ولا إشكال فيه، وأمّا شروط زواج المتعة فهي ثلاثة:

1 - العقد الشرعي: بأن تقول المرأة - مثلاً -: «متّعتك أو زوّجتك نفسي على مهر قدره كذا لمدّة كذا»، وتذكر مقدار المهر والمدّة، ويقول الرجل: «قبلتُ» ويصحّ العكس أيضاً، بأن يكون الإيجاب من الرجل والقبول من المرأة.

2 - تحديد المهر.

3 - حديد الأجل والمدّة.

664 - ما هي علّة وفائدة زواج المتعة؟ وما هي صيغته الشرعيّة لكلا الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من أهمّ فوائد زواج المتعة - لو تمّت الاستفادة منه بصورة صحيحة - تحصين الشباب والفتيات من الوقوع في وحل الرذيلة والانحراف؛ ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«لولا أنّ عمر قد نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي» (1) ، وأمّا صيغتها فقد تقدّم بيانها في الجواب السابق.

665 - ما هي مواصفات وماذا يترتّب على كلّ من: المذيّ الوديّ المنيّ وغيرها

ص:308


1- (1) بحار الأنوار: 601:30. عوالي اللئالي: 125:2..

من السوائل التي تخرج من الذكر عند الرجال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المذيّ هو: السائل الذي يخرج بعد الملاعبة.

و الوديّ - بالدال المهملة - هو: السائل الذي يخرج بعد خروج البول.

و الوذيّ - بالدال المعجّمة - هو: السائل الذي يخرج بعد خروج المنيّ.

و المنيّ هو: السائل اللزج الذي يخرج عادة متدفّقاً عند الشهوة، ويستتبع فتوراً واسترخاءً في الجسد.

وجميع السوائل الثلاثة الاُولى طاهرة ولا تنقض الوضوء، وأمّا الرابع فهو نجس وموجب للغسل.

ص:309

العلاقات العامّة بين الجنسين

666 - ينظر الكثير من الشباب والشابّات إلى الجنس الآخر بدعوى أنّ الإسلام

حلّل النظرة الاُولى والحال أنّ النظرة الاُولى قد لا تنتهي لساعات بعدم إغلاق الجفن عن المقابل فما هو المعنى الحقيقي للرواية القائلة: «النظرة الاُولى لك والثانية عليك، والثالثة في النار»؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المقصود من النظرة الاُولى: النظرة الاتّفاقيّة غير المقصودة، والتي لا تتجاوز الثانية أو الثانيتين بحسب الزمان، وأمّا الاستمرار فيها لأكثر من ذلك تعمّداً فهو المُعبّر عنه بالنظرة الثانية؛ وهذا ما يوضّحه قول النبيّ صلى الله عليه و آله: «لا تتبع النظرة النظرة فإنّ لك الاُولى وليس لك الأخيرة»(1).

667 - متى وكيف يجوز للرجال مصافحة النساء والسلام عليهنّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا تجوز للرجل مصافحة الأجنبيّة بغير حائل، إلّا في حالات الحرج والضرر الشديدين، وأمّا إلقاء السلام عليها من غير مصافحتها، فلا يبعد القول بكراهته بالنسبة للمرأة الشابّة فقط.

668 - هل يعتبر الإسلام أنّ سبب أغلب مشاكل البشريّة والإنسانيّة من أبينا النبيّآدم عليه السلام إلى يوم القيامة هو الجنس وعدم التحام الاُنوثة والذكورة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السبب الرئيس لكلّ مشكلات العالم هو: عدم تطبيق تعاليم اللّه تعالى في الأرض، وانحراف الناس عن سبيل الأنبياء والرسل والأوصياء عليهم السلام.

ص:310


1- (1) وسائل الشيعة: 193:30..

وأمّا الغرائز المودعة في جبلة الإنسان - كغريزة الجنس - فهي مودعة فيه لأجل تحقيق الغايات السامية والنبيلة، ولكنّ الإنسان - بسبب انحرافه عن تعاليم اللّه تعالى - يسيء استخدامها فتكون وبالاً على الفرد والمجتمع.

669 - كيف يمكن التخلّص من المشاكل الجنسيّة في العالم المعاصر الذي

يعجّ بمئات القنوات الفضائيّة والادّعاءات ومواقع الانترنيت والمجلّات وغيرها من وسائل الإعلام التي تروّج للإباحيّة والانحراف والشذوذ الجنسي بالإضافة إلى القوانين الدوليّة والدينيّة المحرّفة: اليهوديّة والنصرانيّة التي تساعد على الانحراف الجنسي؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التخلّص من مشاكل الانحرافات الجنسيّة في العالم يعتمد على تفعيل دورين مهمّين: أحدهما دور الفرد، والآخر دور المجتمع.

أمّا دور الفرد: فيعتمد بشكلٍ أساس على تزكية النفس - من خلال تنمية ملكتي الورع والتقوى - وتفعيل قوّة الإرادة في قبال المغريات الدنيويّة، والاهتمام بإيصال النفس نحو الكمال والارتفاع بها عن النقص.

وأمّا دور المجتمع: فيتلخّص في تفعيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي ترتكز على مصاديق كثيرة جدّاً، كتأسيس القنوات الفضائيّة الدينيّة، ومشاريع تيسير الزواج الشرعي، وإشاعة الأجواء الإسلاميّة في المنازل والمدارس والجامعات والأماكن العامّة، والتأنيب الجمعي للمنحرفين سلوكيّاً وأخلاقيّاً، والرقابة العامّة لكلّ قنوات الانحراف الجنسي ومحاولة مواجهتها، ونحو ذلك.

670 - هل أنّ المرأة كلّها عورة؟ وما هي عورة المرأة أمام الجنس المماثل والجنس الآخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من تعبير الفقهاء (رضوان اللّه عليهم)

ص:311

عن المرأة بأنّها عورة: أنّها عورة بالإضافة إلى الرجل؛ لحرمة نظره إليها، إلّاما استثناه الدليل، وهو خصوص الوجه والكفّين، وبذلك تتّضح حدود عورتها بالنسبة للرجل، وأمّا عورتها بالنسبة للماثل، فهي خصوص القُبل والدُّبر.

671 - ما هي عورة الرجل أمام الجنس المماثل والجنس الآخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أمّا عورة الرجل بالنسبة للرجل فهي قُبله ودُبره، وأمّا عورته بالنسبة للمرأة فهي: كلّ جسده ما عدا الوجه واليدين والرأس والرقبة والقدمين.

672 - ما حكم التعطّر ووضع العطور لكلّ من الرجل والمرأة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التطيّب من المستحبّات المؤكّدة لكلّ من الرجل والمرأة، ولكنّه قد يحرم إذا انطبق عليه أحد العناوين الثانويّة، كإثارة الفتنة والريبة، وعلى ذلك قد يُحمل قول النبيّ صلى الله عليه و آله:

«أيّما امرأة تطيّبت ثمّ خرجت من بيتها، فهي تُلعن حتّى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت»(1).

ولا يبعد مرجوحيّة تطيّب المرأة أمام الرجال الأجانب مطلقاً؛ لورود كثير من الأخبار الناهية عنه، نظير قول الإمام الصادق عليه السلام:

«لا ينبغي للمرأة أن تُجمّر ثوبها إذا خرجت من بيتها» (2).

وقوله عليه السلام أيضاً:

«أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها» (3).

وقد أفتى أصحابنا (رضوان اللّه عليهم) على طبق هذه الروايه، ووافقناهم في

ص:312


1- (1) مكارم الأخلاق: 43..
2- (2) الكافي: 519:5..
3- (3) وسائل الشيعة: 962:2. من لا يحضره الفقيه: 440:3..

تعاليقنا على العروة الوثقى.

673 - ما حكم استعمال العطور والروائح الجسديّة والروائح المغرية لكلّ من الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان الاستخدام المذكور لإثارة كلّ من الزوج أو الزوجة للآخر فلا إشكال فيه، بل هو من مصاديق التهيئة المستحبّة، وإن كان لإثارة الأجنبيّ أو الأجنبيّة كان حراماً.

674 - أمر القرآن الحكيم بغضّ البصر لكلّ من الجنسين فما هي معالم غضّ البصرلكلّ من الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجب غضّ البصر عن كلّ ما حرّم اللّه تعالى النظرَ إليه، وهذا يختلف باختلاف الناظر والمنظور إليه، كما تقدّم إيضاحه في الإجابة عنه آنفاً، فراجع.

675 - أمر القرآن الحكيم النساء أن يضربن بجلابيبهنّ على صدورهنّ ونهى أن يضربن بأرجلهنّ ليعلم زينتهنّ فما هو المطلوب من النساء؟ وما الغاية من ورائه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المطلوب من النساء: التستّر عن الرجال الأجانب، وعدم إثارة الأجنبيّ وإلفاته إليهنّ وإيقاعه في الريبة، من خلال الضرب بالأرجل المزيّنة بالخلخال ونحوه.

676 - ما هي الأحكام الشرعيّة للعلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من خلال مراجعة أغلب الأجوبة السابقة واللاحقة يمكن فهم الإجابة عن هذا السؤال، فلا حاجة للإعادة.

677 - ما هي الأحكام الشرعيّة للصداقة البريئة بين الرجل والمرأة

؟

ص:313

باسمهِ جلّت أسماؤه: الصداقة بين الجنسين لا إشكال فيها في حدّ نفسها، إلّاأن تكون موجبة للانجرار إلى الحرام، أو الوقوع في الفتنة والريبة - كما هو الغالب - فتكون محرّمة.

678 - ما هي نظرة الإسلام للحبّ والرومانسيّة وعيد الحبّ والزواج وغيرها من بضائع الغرب والشرق

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا إشكال في شيءٍ من ذلك في حدّ نفسه، إلّا أن يكون موجباً للفتنة والريبة، أو يقترن بشيء من المحرّمات.

679 - ما رأي الإسلام بالحبّ الرومانسي

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ ما يكون مقترناً بالريبة والتلذّذ فهو حرام، سواء أسميناه حبّاً رومانسيّاً، أم غير ذلك من العناوين التي لا تغيّر من الواقع شيئاً.

680 - ما حكم الحبّ والعشق في الإسلام

؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحبّ والعشق بما هما من الصفات النفسانيّة ليسا محرّمين، إلّا أن يقترنا ببعض الأفعال أو الأقوال غير المشروعة.

ص:314

الفصل الثامن: أسئلة وأجوبة في الفكر والثقافة

اشارة

ص:315

ص:316

أسئلة حول الدين والتشريع

681 - يقول بعض العلمانيّين: «إنّ أخطر الأفكار المؤهّلة للقضاء على الحياة البشريّة

على سطح الكرة الأرضيّة هي تلك الأفكار التي تقدّس موت البشر كما يفعل الإسلام السياسي، وذلك من خلال الإسلاميّين في الحركات الراديكاليّة وتسمية (الجهاد، ولذلك يجب أن لا يكون الإسلام فكرة في أي دماغ بشري لأنّه يعني الموت لا الحياة» فما تعليقكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من الآيات الكريمة والسية النبويّة:

أنّ الجهاد في الإسلام إنّما هو بعد الدعوة إلى الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؛ إذ الإنسان إمّا أن تكون له قدرة على إدراك المطلوب بالبرهان أو لا، والثاني إمّا أن تكون له قوّة الجدل والمغالبة أو لا، فوظيفة النبيّ صلى الله عليه و آله ومَن قام مقامه في هداية الخلق مع الفرقة الاُولى: إقامة البرهان، وإيقاع التصديق الجازم في أذهانهم، ومع الفرقة الثانية: الإلزام؛ ليلتزموا بما امروا به، ومع الفرقة الثالثة: إيقاع المقدّمات الإقناعيّة في أذهانهم لينقادوا للحقّ؛ لقصورهم عن رتبة البرهان والجدل.

وعليه: فالحكمة إشارة إلى البرهان، والموعظة الحسنة إلى الخطابة، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(1) إشارة إلى علم الجدل، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله

ص:317


1- (1) النحل 125:16..

أنّه قال:

«إنّا - معاشر الأنبياء - امرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» (1).

وعلى الجملة: فلا يبدأ بالجهاد المسلّح إلّابعد إتمام الحجّة، ثمّ بعد ذلك إن أسلموا فلا كلام، وإلّا فإن منعوا من الدعوة وهدّدوا الداعي وقتلوه يجب على المسلمين جهادهم، لحماية الدعاة ونشر الدعوة، لا للإكراه في الدين، والتدبّر في آيات القتال والجهاد يرشد إلى ذلك، فهذه آيات القتال في سورة البقرة صريحة في ذلك: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لَايُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِن حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ(2).

وآيات سورة آل عمران نزلت في غزوة احُد وكان المشركون هم المعتدون.

وآيات سورة الأنفال نزلت في غزوة بدر الكبرى، وكان المشركون هم المعتدون أيضاً.

وآيات سورة البراءة نزلت في ناكثي العهد من المشركين، ولذلك قال بعد ذكر نكثهم: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ(3) ، وعلى الجملة: كان المشركون يبدأون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم، وأخرجوا الرسول صلى الله عليه و آله من بلده، وآذوا المؤمنين، ومنعوا من الدعوة، فقتال النبيّ صلى الله عليه و آله كان مدافعة عن الحقّ وأهله وحماية لدعوة الحقّ.

هذا كلّه إن منعوا من الدعوة، وإن لم يمنعوها ولا هدّدوا الداعي، ولم يؤذوا المؤمنين، فإن زاحموهم في تشكيل الحكومة الإسلاميّة - التي هي القوّة المجرية

ص:318


1- (1) الكافي: 23:1..
2- (2) البقرة 190:2 و 191..
3- (3) التوبة 13:9..

للقوانين الإسلاميّة - كان الجهاد واجباً لذلك، وإذا لم يزاحموهم حتّى في ذلك لم يجب الجهاد.

وبما ذكرناه من فلسفة الجهاد في الفكر الإسلامي ظهر: أنّ الإسلام لا يقدّس موت البشر، كما يدّعي اللادينيّون، ولا أنّ فريضة الجهاد تعني أنّ الإسلام يغنّي للموت لا للحياة، كما يقولون.

682 - يقول العلمانيّون والكثير من أعداء الإسلام: «إنّ أوامر ونواهي الإسلام هي على نحو القضيّة الخارجيّة لا على نحو القضيّة الحقيقيّة

، وبالتالي لا وجود للثواب في الإسلام؛ لأنّ كلّ الإسلام مرتبط بالأماكن التي جاء فيها، فلو جاء القرآن في أفريقيا وغابات الأمزون لذكر الكنغر والكركدن ولكنّه جاء في بيئة العرب فذكر الخيل والبغال والحمير وذكر قمّة الجمال للمرأة هي حور العين، حيث يؤكّد علماء الجمال وفلسفة الجسد ومصمّمو ألعاب الجنس وعرض الأزياء وأخصائيّو الفنون الجميلة والتشكيليّة أنّ أوصاف القرآن للجنّة توافق احتياجات همج العرب والبدو ولا تناسب كلّ احتياجات البشر في كلّ الأماكن والعصور وهكذا الحال بالنسبة لأوصاف اللّه عزّ وجلّ فقد توصّل إليها البشر واجتازها من قبيل زراعة الغيوم والغيث والمطر ومعرفة الجنين في الرحم وغيرها» فكيف نردّ على هذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه:

أوّلاً: دعوى كون القضايا الشرعيّه قد جاءت على نحو القضايا الخارجيّة، يكذّبها ما ثبت للنبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله من مقام الخاتميّة، وأنّ رسالته المباركة هي خاتمة الرسالات، فلا بدّ أن تكون قوانينها مستوعبة لجميع الأزمنة والأمكنة، وإلّا يلزم من ذلك ترك الخلق بلا شريعة، وهو قبيح يجب تنزيه الباري عنه، كما هو محقّق في محلّه.

كما ويكذّبها ما ورد مستفيضاً عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من أنّ: «حلال محمّد

ص:319

حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة» (1).

ثانياً: أمّا قضيّة ذكر القرآن الكريم لبعض أوصاف الجنّة التي تتناسب مع الذوق العربي، فليس ذاك إلّالأنّ القرآن قد نزل بلغة العرب، وكان موجّهاً لهم، فجاء ذكر تلك الاُمور من باب تقريب غير المحسوس بالمحسوس، ولا يمكن أن يكون ذلك إلّا عبر ما يمكن أن يفهمه المخاطب، وإلّا فإنّ الجنّة فيها ما لا عين رأت، ولا اذن سمعت، بل ولا خطر على قلب بشر.

ثالثاً: وأمّا قياس صفات الخالق الباري (سبحانه وتعالى) بصفات خلقه الفقراء إليه، فهذا ما لا يمكن صدوره من مسلم عاقل، والاحتجاج بمثل توصّل علم الطبّ إلى إمكان معرفة الجنين وهو في بطن امّه احتجاج أوهى من بيت العنكبوت، إذ أنّ التطوّر الطبّي وإن أوصل الإنسان إلى تمييز كون الجنين ذكراً أم انثى، ولكنّه إنّما يمكنه ذلك بعد مضيّ مدّة من الحمل، ومشاهدته عن طريق أجهزة الأشعّة والتصوير، فليت شعري هل يمكنهم تحديد جنس الجنين منذ بداية انعقاد نطفته؟ ومن غير مشاهدته وتصويره، وعلى فرض أمكنهم ذلك، فهل يمكنهم تحديد طبيعة صفاته النفسيّة والأخلاقيّة؟ وهل يعلمون بمصيره وعاقبته وما سيؤول إليه؟ وهل يعلمون بما يختزنه في ذهنه ونفسه؟ ليس ذلك إلّالخالق الخلق والمهيمن عليهم (جلّ وتبارك شأنه)، فهو العالم ب مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ(2) علماً تفصيليّاً لا يشوبه شكّ ولا إجمال.

683 - يقول بعضهم: «إنّ كلّ ما في الإسلام - كإرشاداته الطبّيّة مثلاً - أحكام

وقتيّة لذلك الزمان لأنّها متناسبة مع ذلك العصر الجاهلي فقط وليست تتناسب مع عصر التقدّم والحداثة وما بعد الحداثة» فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟

ص:320


1- (1) الكافي: 58:1..
2- (2) الرعد 8:13..

باسمهِ جلّت أسماؤه: دعوى أنّ أحكام الإسلام وقتيّة دعوى بيّنة الفساد؛ ضرورة أنّ الشريعة الوحيدة التي لا زالت - ولا تزال - قوانينها التشريعة تستوعب كلّ المستجّدات في مختلف الأزمنة والأمكنة هي شريعة الإسلام، وإنّنا حتّى الآن لم نرَ ولا قضيّة واحدة - صغيرة أم كبيرة - قد عجز علماء الإسلام عن حلّها، وهذا أصحّ دليل على بطلان الدعوة المذكورة.

بل حتّى في غير المجالات التشريعيّة - كالطبّ مثلاً - نجد العالم اليوم يتكالب على الاستفاده من التعاليم الصادرة عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام في هذا المجال، حتّى اشتهر التعبير عن طبّ المعصومين عليهم السلام على ألسنة الكثير من أطبّاءا لعصر ب (الطبّ البديل).

684 - اجتاحت العالم بشكل عامّ والبلاد الإسلاميّة بالخصوص - في الفترة الأخيرة -

الكثير من الأفكار هدفها إيصال الإنسان إلى مرحلة الامتياز (سوبرمان) أو (إنسان 5 نجوم) على جميع الأصعدة كالفكريّة من خلال التنمية البشريّة والإيحاء والتلقين الذاتي والاسترخاء واليوغا وغيرها من طقوس البوذيّة والشامانيّة والهامانيّة وعلم البرمجة اللغويّة العصبيّة gnimmargorP citsisugilorueN وهندسة النفس والتفكير وهندسة المعرفة والثقافة وتمارين زيادة سرعة الاستيعاب والحفظ والذاكرة والتذكّر والأصعدة الإداريّة مثل هندسة الإدارة والمشتريات والبيع والشراء وإدارة التجمّعات والشركات بكافّة أنواعها وغيرها من الأصعدة الإنسانيّة وتوجد الكثير من المعاهد والجامعات ومواقع الانترنت والفضائيّات والمنظّمات الدولية كحركة العهد الجديد tnemevoM egA weN التي تختصّ بنشر هكذا أفكار، فهل يوجد في الإسلام نظام متكامل واضح المعالم على نحو الدقّة والتفصيل والضبط يتناول هكذا قضايا تمّ نشرها ممزوجة بأفكار شركيّة وإلحاديّة فهل يمكن تحديد موقف الإسلام على نحو الحلّ التأسيسي لهكذا أفكار؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكرنا في بعض الأجوبة السابقة أنّ مقتضى

ص:321

خاتميّة الإسلام لجميع رسالات السماء، أن يكون مستوعباً لجميع القضايا، وفي كلّ زمان ومكان، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان من اللازم على الخالق - جلّ وعلا - بمقتضى قاعدة اللطف أن يأتي برسالة جديدة - غير رسالة الإسلام - تكون لها القدرة على الشمول والاستيعاب، وإلّا كان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض قبيحٌ يُنزّه عنه العاقل من الناس، فضلاً عن الذات المقدّسة.

685 - يقول البعض: إنّ المعصومين عليهم السلام كانوا فاشلين دنيويّاً وسياسيّاً؛ لذلك عانوا من المشاكل والأزمات فهل هذا صحيح؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يكفي لتكذيب المقالة المنحرفة المذكورة في السؤال: ما نشاهده بالوجدان من انتشار مذهب الأئمّة الطاهرين عليهم السلام وفكرهم وأهدافهم في جميع أرجاء المعمورة، رغم كلّ ما يتعرّض له من المواجهة والتوهين والمحاربة.

686 - ما رأيكم الجليل بنظريّة القبض والبسط في الشريعة للدكتور عبدالكريم سروش؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: النظريّة المذكورة ترتكز على عدّة نقاط ومقدّمات خاطئة، منها: دعوى صاحبها عدم الثبات في المعرفة الدينيّة، بمعنى أنّها في تغيّر وتحوّل مستمرّ، ولنا على هذه الدعوى ملاحظتان:

الاُولى: إنّها منقوضة بوجود الكثير من المعارف الدينيّة الثابتة، التي لا تقبل تغيّراً ولا تحوّلاً، والتي من جملتها ضروريّات الدين، بل ضروريّات الفقه.

الثانية: إنّ التسليم بها لازمه نقضها؛ إذ لو كانت صادقة للزم شمولها لنفسها، وإذا شملت نفسها كانت من المتغيّر الذي لا يمكن التوقّف عنده.

ونقض هذه الدعوى بما ذكرناه كافٍ لهدم نظريّته بتمامها، ولولا ضيق المجال لأوسعناها نقضاً وإشكالاً بما يوضّح زيفها بصورة أكبر.

ص:322

687 - يقول أحد العلمانيّين: «إن فكرة الربّ - اللّه جلّ جلاله - من أساطير وخرافات الإنسان البدائي (النياندرتال

، حينما كان كلّ شيء يعزى سببه الرئيسي إلى الربّ، فالموت والحياة والرزق وسبب كلّ معاني الحياة ومعطياتها هو الربّ، فإذا سألت الإنسان ما سبب مرض السرطان؟ قال: هو الربّ ولكنّ معطيات الحداثة وما بعد الحداثة في حضارة نهاية التاريخ كما أكّدتها المدارس الفكريّة - مثل حلقة فرانكفورت وحلقة فيينا وغيرهما من المفكّرين أمثال أفمار نعوم تشموسكي وبنيامين دسرائيلي ويشعياهو لفينوفيتش وميشال فوكو وبول ريكو وفالويل وبليغرين وغيرهم - أكّدت على ضرورة العلم والعقل البشري المتطوّر دائماً نحو الكمال الذي يؤمن بالسببيّة المادّيّة وفي كلّ لحظة هنالك في مركز الأبحاث العلميّة والعمليّة اكتشاف لهذه الأسباب ولذلك بدأت تتقلّص دائرة نفوذ الربّ ولا يوجد حالياً شيء اسمه غيب أو لاهوت فكلّ شيء له سبب مادّي يتّجه العلم لمعرفته بصورة دقيقة يوماً بعد آخر، وفكرة الربّ محصورة فقط بالقضايا الكفيلة بالمستقبل لمعرفتها علميّاً وبصورة دقيقة، مثل الثقوب السوداء وزمن بداية الكون ومثلث برمودا وبعض الاُمور الدقيقة والغرائب المادّيّة وبالتالي انحصر دور الربّ فقط وفقط بالفجوات العلميّة حتّى أسماه أحد المفكّرين ب الفجوات العلميّة seloH cifitneicS fO doG فما رأيكم الجليل بهذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلامُ كفرٍ وإلحاد، نعوذ باللّه تعالى منه ومن قائله.

688 - ما رأي سماحتكم بما يسمّى ب الغناء والطرب الإسلامي والموسيقى الإسلاميّة

، والرقص الإسلامي، وفنّ عرض الأزياء الإسلاميّة وغيرها من أسلمة الفنون والمهن الفاسدة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ فنّ من الفنون فيه صلاح دنيا الناس وآخرتهم، كالشعر الهادف، فقد باركه الإسلام وشجّع عليه، وكلّ فنّ من الفنون فيه فساد دنيا الناس وخراب آخرتهم، كالغناء والرقص، فقد حظر منه الدين

ص:323

وحرّمته الشريعة.

689 - ما هي حدود التقديس في الإسلام؟ ومتى نعتبر هذا الشيء مقدّساً إسلاميّاً؟

ومتى لا يكون كذلك؟ وما تعريف التقديس إسلاميّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشيء (المقدّس) له معنيان، قد يجتمعان وقد يفترقان، وهما:

الأوّل: واجب الاحترام، وله نماذج وأمثلة كثيرة، من قبيل المساجد والمشاهد المشرّفة، فإنّها أماكن مقدّسة، بمعنى واجبة الاحترام، وقد استخدم القرآن الكريم هذا المعنى في العديد من آياته، ومنها قوله تعالى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ(1).

الثاني: ما لا يقبل النقد والاعتراض، من قبيل: الحكم الشرعي، والعقائد الحقّة، ونحو ذلك من الأمثلة.

والمناط في لزوم التقديس لأي شيء من الأشياء بكلا معنيي التقديس، هو نهوض الدليل على كونه من الاُمور المقدّسة.

690 - أنّنا نسلّم بوجود الخالق سبحانه وتعالى وأنّه الفاعل والمؤثّر الحقيقى في هذا الكون واستحالة وجود الكون صدفة من غير علّة

، وأنّ اللّه خلق البشر من طين لازب وهيّأ له الأرض بمختلف أنواع الثمار والحيوانات، ومهّدها له كي يعمرها ويستخلفها كما أراد اللّه والسؤال هو: كيف نشأت كلّ هذه الأنواع من النباتات والحيوانات والإنسان فنحن نعلم من القرآن الكريم وروايات النبيّ وأهل بيته عليهم السلام بأنّ اللّه أوّل ما خلق من البشر خلق آدم ثمّ حوّاء ومنهما انتشر الناس ولكن كيف تنوّعت الأعراق والأجناس واللغات هل عن طريق التطوّر التدريجي كما يقول أنصار

ص:324


1- (1) المائدة 21:5..

نظريّة التطوّر؟ أم عن طريق الطفرات الوراثيّة، بمعنى أنّ آدم عليه السلام كان ذا سمات بشريّة معيّنة ولون معيّن ولغة معيّنة وإذاكان كذلك فكيف نشأ كلّ هذا التنوّع من أبيض وأسود وأسمر وأشقر وآسيوي وأفريقي وأوروبي وغير ذلك؟

وكذا ينجرّ السؤال بالنسبة للحيوانات والنباتات فطيور الحمام - مثلاً - منها مئات الأنواع وكذا الخيول والكلاب والقطط والنباتات كذلك فالتفّاح - مثلاً - منه الأحمر والأخضر والأصفر ومنه الحلو والحامض والتمر منه آلاف الأنواع أيضاً، فإذا كان اللّه أوّل ما خلق شجرة تفّاح واحدة فكيف تنوّع التفّاح بعد ذلك بهذا الشكل؟ علماً أنّ هناك من الروايات ما تشير إلى أنّ سبب التنوّع هو دعاء بعض الأنبياء كدعاء النبيّ نوح عليه السلام على ابنيه لاستهزائهما به وأنّ سبب خلق بعض الحيوانات كذلك، كما تدلّ على ذلك أخبار المسخ فهل يمكننا التسليم بمثل هذه الروايات أو لا بدّ من رفضها؟ وما هو التفسير المقبول دينيّاً لها دون الدخول في متاهات نظريّة النشوء والارتقاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: التنوّع المذكور مرهون بالظرف الذي يعيشه الإنسان من الزمان والمكان، فمثلاً: الذي يعيش في الأماكن الباردة يكون أبيض البشرة، والذي يعيش في الأماكن الحارّة يكون أسود اللون، وبضمّ لغة إلى اخرى - بشكل أو بآخر - تتكوّن اللغات الاُخرى، وقابليّة الإنسان للتعلّم والنطق كفيلة بذلك.

وأمّا التنوّع في الحيوان فبعضه إبداع إلهي محض، وقد تتدخّل فيه عوامل بيئيّة وأسباب اخرى معروفة لدى أهل الاختصاص، وبعضه إبداع عرضي كالتلاقح بين الأنواع المختلفة في الحيوانات وكذا النباتات كما في التطعيم وغيره، وكلّ ذلك لا يخرج عن دائرة الإبداع الأوّل والسنّة الإلهيّة.

ولا مانع من الالتزام بنظريّة التطوّر في غير الإنسان، بل وفي الإنسان أيضاً ما لم يصل إلى حدّ إرجاع بعض الأجناس إلى الاُخرى كالإنسان إلى القرد، كما هي

ص:325

نظريّة دارون، فإنّ ذلك خلاف الدليل القطعي القائم في محلّه.

وأمّا المسخ فموجود في الروايات، وفي القرآن الكريم، كما في قوله تعالى شأنه:

فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (1).

691 - لقد كنت في مناقشة مع بعض الإخوة المسيحيّين حول نهج البلاغة وسيرة الإمام عليّ عليه السلام

، فكانت أغلب أسئلتهم تدور حول القتل في الإسلام وأنّه كيف يمكن أن يقتل الأنبياء عليهم السلام؟ وهل هذه طريقة مناسبة للدعوة إلى اللّه تعالى وسواء في الحروب أو غيرها كما حدث في قتل عصماء بنت مروان، أو الوليد بن عقبة في موقعة بدر وهو جريح ملقىً على الأرض أو امّ قرفة؟ والإجابة بالنسبة لي واضحة كالشمس، ولكن كيف يمكن إفهام المسيحيّين بأنّ اللّه يأمر بقتل الإنسان إذا توفّرت شروط معيّنة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المسيحي تارة ينكر أن القتل بأمر اللّه سبحانه، وإقناعه في هذه الحالة لا يتمّ إلّابعد إقناعه بالنبوّة والرسالة لمحمّد صلى الله عليه و آله، وأنّه صلى الله عليه و آله كلّما يفعل فإنّما هو بأمر ربّه سبحانه، ولا يفعل ولا يقول شيئاً إلّابأمره تعالى، واُخرى لا ينكر إمكان أن يكون القتل بأمر اللّه تعالى، فيقال له: ماذا كنت تقول لو حصل ذلك على يد عيسى عليه السلام بأمر ربّه، أكنت تؤمن وتسلّم؟ أو كنت تنكر وتخطّئ نبيّك وربّك؟ فإن قال الأوّل، فمحمّد رسول كعيسى، وإن قال الثاني فهو إذن ليس مؤمناً حتّى برسالة المسيح فلا هو مسلم ولا مسيحي ولا يعرف للدين معنى.

692 - أحد أصدقائي يقول: إنّ الحجاب ظاهرة قد فُرضت على العراقيّات عند الغزو الإسلامي العربي له مع أنّه لا يوجد نصّ إلهي أو قرآني يدلّ على فرض

ص:326


1- (1) البقرة 65:2..

الحجاب على كلّ المسلمات وإنّما هو مفروض على نساء النبيّ صلى الله عليه و آله بعد حداثة عمر بن الخطّاب المشهورة وتوصية منه.

هذا مضافاً إلى أنّ الحجاب إنّما كان مفروضاً قديماً على الزانيات، وما قصّة يهودا مع تامار (كنّته) إلّادليل على المسألة وأنا شخصيّاً أرفض الحجاب جملة وتفصيلاً؛ لما فيه من حجب للجمال الإلهي والنعمة الإلهيّة الممنوحة للنساء، وفي نفس الوقت فإنّ الحجاب لا يمنع الرذيلة حاله في ذلك حال الصلاة التي لا تمنع الفحشاء والمنكر» فما هو الجواب عن هذه الشبهة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحجاب تشريع إلهي فرضته الشرائع السماويّة ليعيش البشر في علاقاتهم الاجتماعيّة بصفتهم الإنسانيّة التي يتحكّم بها العقل، لا بغرائزهم الحيوانيّة التي نظّمتها الشرائع ضمن قواعد وقوانين ليمتاز فيها الإنسان عن الحيوان، ولعلّ صديقك هذا - كما يظهر من كلامه الذي نقلته عنه - قليل الصلة مع القرآن الكريم؛ إذ أنّه لو اطّلع على الآيات الشريفة لم يكن يخفى عليه عموم تشريع الحجاب لجميع المؤمنات، كما نصّ على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(1).

وقوله: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِن أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...(2).

وأمّا دعواه أنّ الحجاب لا يمنع الرذيلة فهي دعوى لا تقصر عن سابقتها في

ص:327


1- (1) الأحزاب 59:33..
2- (2) النور 31:24..

الغرابة؛ فإنّ أدنى مقارنة وجدانيّة بين مستوى الرذيلة في المجتمعات الإسلاميّة الملتزمة بالحجاب ومستواها في غيرها يكشف بوضوح عن فاعليّة الحجاب في صيانة المرأة وتطهير المجتمع، وإنكار ذلك مكابرة واضحة لا تصدر إلّامن متعنّت تحكمه أهواؤه وعصبيّته.

وبالجملة: فإنّ الكلام المذكور في السؤال لا يرقى إلى مستوى الشبهة؛ لأنّه مصادم لصريح القرآن وبداهة الوجدان، فلا حاجة للتعليق عليه بأكثر ممّا ذكرناه.

693 - نحن - معشر الشيعة - نحترم العقل ونرى له مكانة ومنزلة في التشريع

الإسلامي فكيف نفسّر إصرار الفقهاء على إبعاد الجانب العلمي من التشريع في عدّة مسائل كثبوت الهلال وغيره؟ وكيف نفسّر إصرارهم - مثلاً - على لزوم الطواف حول الكعبة من الطابق الأرضي وكذا السعي ولزوم رمي عين الشاخص في الجمرات الثلاث أو ما يقابله من العمود القديم وعدم إجزاء الرمي من الطوابق العلويّة مع شدّة الزحام وقد وفّقني اللّه لإتمام الحجّ قبل عامين ورأيت كيف يقتتل الناس لرمي الجمرات وقد رأينا كلّنا وسمعنا بالضحايا في العام السابق أيضاً إثر التدافع في منطقة الجمرات؟

وقد شدّني الشيخ... في إحدى محاضراته على قناة الأنوار الفضائيّة في مسألة ثبوت الهلال حين قال: بأنّ لأهل البيت تقويماً خاصّاً وهو أنّ شهر رمضان لا بدّ أن يكون تامّاً بأيّامه الثلاثين ويليه شوّال بتسعة وعشرين يوماً ثمّ ذو القعدة بثلاثين يوماً وذو الحجّة بتسعة وعشرين ومحرّم بثلاثين، وهكذا دواليك وقد رأيت نفس التقويم عند إخواننا الإسماعيليّة في منطقة نجران بالسعوديّة وهم يعملون وفق ذلك التقويم فما مدى صحّة هذا الكلام؟ وإذا كان هذا التقويم صحيحاً فلِمَ لا نعمل به ونحلّ الإشكال القائم في مسألة ثبوت الهلال؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ المحاذير السلبيّة التي أشرتم إليها في السؤال نابعة عن سوء التنظيم في مقام تطبيق الحكم الشرعي، وخطأ كيفيّة التعامل معه،

ص:328

وليست نابعة عن نفس الأحكام المذكورة، بمعنى أنّ الناس لو تعاملوا مع مسألة الاختلاف في ثبوت الهلال - مثلاً - تعاملاً صحيحاً، ولم يحوّلوا الاختلاف إلى خلاف بينهم؛ لما كانت هنالك أي مشكلة في البين، كما أنّهم لو انتظموا انتظاماً دقيقاً في تطبيق أحكام المشاعر لاجتنبوا الوقوع في الكثير من المشاكل والسلبيّات، وعليه فليس من الصحيح أن نلقي باللائمة على التشريع مع أنّ المشكلة تكمن في تطبيقه.

وأمّا ما دلّ على أنّ شهر رمضان تامّ بأيّامه الثلاثين، فهو غير نقي السند، ولم يعمل به فقهاؤنا.

694 - يقول بعض المثقّفين: «إنّ الإسلام يحتقر اللون الأسود من البشر ويحبّاللون الأبيض حيث يقول القرآن

: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ(1) وهذا دليل على ازدراء الإسلام واحتقاره للون الأسود والسود» فما رأيكم في ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال اللّه سبحانه وتعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ(2) ، وهو بهذا يوضّح أنّ مقياس التفاضل في الإسلام ليس إلّاالتقوى والقرب من اللّه سبحانه وتعالى، فلا قيمة للون ولا للمال ولا للحسب ولا لغير ذلك.

وأمّا العقاب بتسويد الوجه، والثواب بتبييضه يوم القيامة، فما هو إلّاتعبير كنائي عن حالتي الحزن والفرح اللتين تعتريان الإنسان، وهذا له نظائر متعدّدة في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ(3).

ص:329


1- (1) آل عمران 106:3..
2- (2) الحجرات 13:49..
3- (3) النحل 58:16..
695 - ورد في بعض الروايات: النهي عن الزواج من بعض البشر كالأكراد والمرأة

السوداء والقصيرة واستحباب الزواج من القرشيّات فهل يعتبر ذلك سحقاً لكرامة وإنسانيّة بعض الناس؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: القاعدة العامّة التي شيّدها الإسلام لتأسيس العلاقة الزوجيّة هي: الكفاءة في الدين والإيمان، وهذا ما صدع به النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله عندما قال له رجل: يا رسول اللّه، مَن نزوّج؟ فقال صلى الله عليه و آله: الأكفاء.

فقال: ومَن الأكفاء؟

فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض(1).

وعن أبي حمزة الثمالي، قال: «كنت عند أبي جعفر الباقر عليه السلام، فقال له رجل: إنّي خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة، فردّني، ورغب عنّي، وازدراني لدمامتي وحاجتي وغربتي.

فقال أبو جعفر عليه السلام: اذهب فأنت رسولي إليه.

وقال له: يقول لك محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب: زوّج منجح بن رياح مولاي بنتك فلانة، ولا تردّه.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ رجلاً كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله منتجعاً للإسلام فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً وكان من قباح السودان وإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة له ورقّة عليه فقال له: يا جويبر لو تزوّجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.

فقال له جويبر: يا رسول اللّه بأبي أنت واُمّي مَن يرغب فيَّ؟ فواللّه ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال فأيّة امرأة ترغب فيَّ؟

ص:330


1- (1) الكافي: 337:5..

فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا جويبر، إنّ اللّه قد وضع بالإسلام مَن كان في الجاهليّة ذليلاً وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميهم من آدم، وإنّ آدم خلقه اللّه من طين وإنّ أحبّ الناس إلى اللّه أطوعهم له وأتقاهم وما أعلم - يا جويبر - لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً إلّالمن كان أتقى للّه منك وأطوع.

ثمّ قال: انطلق - يا جويبر - إلى زياد بن لبيد فإنّه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليك وهو يقول لك: زوّج جويبراً بنتك الدلفاء فزوّجه إيّاها بعدما راجع النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال له: يا زياد جويبر مؤمن، والمؤمن كفو المؤمنة والمسلم كفو المسلمة فزوّجه - يا زياد - ولا ترغب عنه»(1).

وعن أبي عبداللّه عليه السلام، قال:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبدالمطّلب وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله، وليعلموا أنّ أكرمهم عند اللّه أتقاهم» (2).

ولقي هشام بن الحكم بعضُ الخرواج، فقال: يا هشام، ما تقول في العجم، يجوز أن يتزوّجوا في العرب؟ قال: نعم.

قال: فالعرب يتزوّجوا من قريش؟ قال: نعم.

قال: فقريش تزوّج في بني هاشم؟ قال: نعم.

قال: عمّن أخذت هذا؟ قال: عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، سمعته يقول:

أتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم(3).

والمتحصّل من هذه الروايات الشريفة: أنّ الإسلام قد أسّس قاعدة كلّيّة في

ص:331


1- (1) وسائل الشيعة: 68:20..
2- (2) وسائل الشيعة: 69:20..
3- (3) مستدرك الوسائل: 186:14..

باب الزواج، وهي: أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة، مهما تعدّدت اللغات، واختلفت المجتمعات، وتفاوتت المستويات، وعليه فكلّ ما يرد من الروايات على خلاف هذه القاعدة لا بدّ من توجيهه بما ينسجم معها، نظير ما ذكرناه في فقه الصادق بالنسبة للروايات الناهية عن نكاح الأكراد، فإنّها بعد الغضّ عن ضعف أسانيدها، لا يُراد بالأكراد فيها: مَن يتكلّم اللغة الكرديّة، بل المراد بهم جيلٌ مخصوص منهم في صدر الإسلام، كانوا مطاردين؛ لسوء أخلاقهم، فكانوا يرحلون من مكان إلى آخر.

696 - هناك بعض الأحاديث والروايات المنسوبة للنبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة الأطهار عليهم السلام

تنهى عن الزواج بالزنجي والأسود فما مدى صحّتها وعلى ماذا تدلّ؟ وهل لها تأويل آخر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ورد في بعض الروايات ما يدلّ على كراهة الزواج من الزنج ولم يرد ما يدلّ على النهي عن الزواج من الأسود، والمقصود من الزنج المنهيّ عن الزواج بهم قوم مخصوصون موجودون في زمن النصّ، ويظهر من الروايات أنّهم كانوا قوماً مشوّهين، وعليه فليس المقصود من الزنج مطلق الأسود، بل قوم مخصوصون، كما أنّ هذه الروايات بتمامها ضعيفة السند.

697 - هل الإسلام يحتقر أصحاب الأديان الاُخرى ويعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية؛ لأنّه يأخذ الجزية منهم (وَهُمْ صَاغِرُونَ) كما في تعبير القرآن؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ نظرة الإسلام للمنتمين إلى الأديان السماويّة الاُخرى قد أوضحها قوله تعالى: لَايَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(1) ،

ص:332


1- (1) الممتحنة 8:60..

وأمّا الآية الشريفة: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(1) فهي توضّح أمراً طبيعيّاً جدّاً، وهو الشعور النفسي لمن لم يؤمن باللّه تعالى بسبب دفعه للجزية من غير اختياره، والذي هو نتيجة طبيعيّة لعدم إسلامه.

698 - يتعامل الإسلام مع المسيحيّين واليهود وأتباع باقي الأديان على أنّهم

أعيان نجسة مثل البول والخرء والكلب لا يجوز لمسهم ومصافحتهم ويجب عليهم دفع الجزية عن يد وهم صاغرون ويمنعونهم من بناء دور العبادة لهم في حين يعيش المسلمون في بلاد المسيحيّين واليهود بأمان وينشرون دينهم ومساجدهم، ألا يدلّ هذا على أنّ الإسلام لا يصلح أن يكون صالحاً للبشريّة كنظريّة وتطبيق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: أوّلاً: كما أنّ للطبيب أن يحذّر من ملامسة بعض الأشخاص ومعاشرتهم، حتّى لا تنتقل العدوى منهم إلى غيرهم، كذلك للإسلام أن يحافظ على أبنائه من خلال الأساليب الوقائيّة التي تشعرهم بضرورة الحذر من الكافر.

وثانياً: إنّ دفع الجزية ليس من باب العقوبة - كما أوضحنا ذلك في فقه الصادق (2)- وإنّما هو مورد مالي تستفيد منه الحكومة الإسلاميّة في إدارة المجتمع والموارد التي ينتفع منها الذمّي وغيره، حالها حال الفرائض الماليّة - كالخمس والزكاة - من هذه الجهة.

وثالثاً: من خلال ما ذكرناه أوّلاً ظهر الوجه في مسألة المنع من بناء الكنائس، ولو لم يتّخذ الإسلام مثل هذه الأساليب الوقائيّة كان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض

ص:333


1- (1) التوبة 29:9..
2- (2) فقه الصادق: 53:13..

قبيح.

699 - يقول المسيحيّون: «إنّ ربّ الإسلام ربّ الانتقام من العباد، حيث وصف نفسه بالمنتقم ولكنّ ربّ المسيحيّين هو يسوع الذي يحبّ ويغفر حتّى للمذنبين»

، فما هو تعليقكم على ما يقولون؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ العقاب في يوم القيامة من مسلّمات الأديان السماويّة جميعاً، وليس من مختصّات دين الإسلام؛ لأنّ به تكتمل سلسلة العدل الإلهي، حين يأخذ سبحانه وتعالى للمظلوم من ظالمه، وللمقتول من قاتله، ولولا ذلك لكان الظالم والمظلوم سواء.

والتعبير عن اللّه سبحانه وتعالى ب (المنتقم) أو بأنّه عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(1) لا يعني أنّ عذابه من باب التشفّي (تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً)؛ إذ الانتقام ليس هو إلّاعبارة عن مجازاة المسيء على إسائته، ولازمه في عالم البشر الناقص هو التشفّي؛ لأنّهم يتضرّرون بظلم بعضهم البعض، فيكون الانتقام وسيلة لتشفّيهم ممّن ظلمهم، وأمّا ساحة الذات الإلهيّة المقدّسة فإنّها منزّهة عن ذلك؛ لأنّها لا يمسّها نقص أو ضرر بظلم ظالم أو إساءة مسيء، فلا يكون العقاب الصادر عنها تشفّياً، بل يكون عين العدل الإلهي.

700 - يقول بعض العلمانيّة: «إنّ الإسلام يحبّ الرهبانيّة

، ودليل ذلك تشريعه لعبادة الاعتكاف» فما هي فلسفة هذه العبادة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال سبحانه وتعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا(2) ، والمستفاد من هذه الآية الشريفة أنّ الرهبانيّة على نحوين:

الرهبانيّة المشروعة. ويراد بها: عبادة اللّه سبحانه وتعالى، والانقطاع إليه من خلال العبادات المشروعة، واجبة ومستحبّة، ولكن من غير انقطاع عن الناس

ص:334


1- (1) آل عمران 4:3. المائدة 95:5. إبراهيم 47:14..
2- (2) الحديد 27:57..

وشؤون الحياة.

الرهبانيّة المحرّمة. ويراد بها: الاستغراق في العبادة، مع الانقطاع التامّ عن جميع شؤون الحياة، فلا عمل ولا زواج ولا تلذّذ بشيء من نعم اللّه سبحانه وتعالى على خلقه.

وقد أشارت لذلك الكثير من النصوص والروايات الشريفة، ومنها قول الإمام باب الحوائج عليه السلام:

«ليس منّا مَن ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه»(1).

والخلاصة: فالإسلام هو دين الاعتدال والموازنة بين حاجات الروح وحاجات الجسد؛ ولذا حلّل الطيّبات سدّاً لحاجات هذا، وشرّع بعض العبادات كالاعتكاف - بشروطه المذكورة في كتب الفقه والرسائل العمليّة - إشباعاً لحاجات تلك.

701 - يقول بعضهم: «إنّ الإسلام ينظر إلى عمليّة الجماع نظرة دونيّة حيث يأمرالإسلام بالغسل أو التيمّم بعد عمليّة الجنس والجماع» فما تعليقكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إلزام الإسلام بالطهارة بعد الجنابة أو المقاربة دليل على اهتمامه بنظافة الإنسان والحفاظ على صحّته، وليس دليلاً على نظرته الدونيّة للأمرين المذكورين، فقد ثبت طبّيّاً أنّ قذف المنيّ بأي سبب كان يؤدّي إلى فتور وارتخاء، يعلّل طبّيّياً بوهن شديد في القوّة العصبيّة عند الوصول إلى مرحلة القذف، بحصول توسّع في الأوعية الدمويّة المحيطة، ممّا يؤدّي بصاحبه إلى فقدان قسط كبير من نشاطه العضلي والفكري، وإنّ الاغتسال عندها ينبّه الشبكات العصبيّة الحسّيّة لتوقظ الجهاز العصبي من سباته، وليسترجع بذلك حيويّته ونشاطه، كما ينشط الدوران الدموي ويعيد آلية توازنه.

702 - يقول أحد العلمانيّين: «إنّ الإسلام ينظر إلى عمليّة الجماع والجنس نظرة

ص:335


1- (1) من لا يحضره الفقيه: 156:3..

دونيّة وانتقاصيّة وحيوانيّة وليست أروع وأجمل حركات في العالم والدليل هو أنّ الإسلام يأمر بالغسل الواجب لكلّ مَن يمارس الجنس - غسل الجنابة - فطهارة الغسل لإزالة دونيّة الجماع»، فما هو رأي الإسلام بعمليّة الجماع، وما رأيكم الجليل بالكلام السابق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليست للجماع - بنظر الإسلام - قيمة ذاتيّة في حدّ نفسه، وإنّما يكتسب قيمته من خلال غايته وما يترتّب عليه، فإن كان الهدف منه تحصين الفرج أو إنجاب الأولاد - مثلاً - كانت قيمته إيجابيّة محترمة، وإن كان الهدف منه إشباع اللذّة الشهويّة المحرّمة كانت قيمته سلبيّة مذمومة.

ومجرّد إلزام الشارع الأقدس بالغسل بعد الجنابة لا يعني نظرته الدونيّة له؛ إذ ليس من اللازم أن يكون حكم الشارع بلزوم الطهارة الحدثيّة - بإحدى الطهارات الثلاث - نابعاً عن استقذاره للحدث المسبّب لها، وإلّا لكان النوم - مثلاً - قذراً بنظر الشارع الشريف؛ لكونه حدثاً موجباً للوضوء، مع أنّ هذا ممّا لا يمكن التفوّه به.

ممّا يعني أنّ الحكم بوجوبالغسل بعد عمليّة المقاربة لا يعني استقذار الشارع له، بل هو أمرٌ تابعٌ للملاكات والمصالح الواقعيّة التي لا نحيط بها علماً.

703 - يقول بعضهم: «إنّ الإسلام يستعمل أساليب تخدش وتنافي الكرامة الإنسانيّة في العقوبة على الجريمة مثل:

الإعدام والرجم، وبتر الأيدي والأرجل والجَلد، ولا توجد أيّة ديانة على سطح الأرض تستعمل مثل هذه الأساليب اللا إنسانيّة في العقوبة على الجريمة» فما هو تعليقكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من القضايا الوجدانيّة التي يشعر بها كلّ عاقل:

أنّ الحدّ من انتشار الجريمة لا يمكن أن يتحقّق إلّاعن طريق الردع الصارم والعقوبات المشدّدة، ولذا اهتمّ الإسلام بتقنينها وتطبيقها، ونتيجة هذا الاهتمام أصبح معدّل الجريمة في المجتمعات الإسلاميّة - سيّما المهتمّة منها بتنفيذ القوانين الإجرائيّة -

ص:336

أقلّ بكثير من غيرها من المجتمعات.

ولكنّ أعداء الإسلام قد عبّروا عن هذا النحو من العقوبات بالمتشدّدة والقاسية واللا إنسانيّة، وتسرّب منهم ذلك إلى أذهان بعض المسلمين للأسف الشديد، وقد فات هؤلاء أهمّيّة هذا النحو من التشدّد في سبيل تحقيق طهارة المجتمعات وصيانتها، كما غاب عنهم أنّ الإسلام قد وضع هذه العقوبات ولكن في ظلّ حالة من التشدّد في تطبيقها، كما يظهر ذلك من خلال تشريعه لقانون: (الحدُد تدرأ الشبهات)، وكذا من خلال الشروط الصارمة التي قنّنها لتطبيق الحدود، كحدّي الزنا والسرقة.

704 - يقول بعضهم: «إنّ عبدة الأوثان والبقر والحيوانات وغيرها من الملل في الهند واليابان قد بنوا وأسّسوا أرقى حضارات العالم وأفضل التقنيّات

، والمسيحيّون واليهود كذلك بنوا أفضل الحضارات في العالم في الولايات المتّحدة وبريطانيا وإسرائيل أسماها أحد المفكّرين: (حضارة نهاية التاريخ)، وأمّا المسلمون فلم يبدعوا إلّافي كيفيّة الزواج من النساء وهذا دليل على أنّ الإسلام لا ولن تكون له حضارة» فما هو رأيكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المقصود من الحضارة في السؤال:

الحضارة المادّيّة، فالتاريخ يشهد بأنّ جميع الحضارات المعاصرة إنّما نشأت على أطلال الحضارة الإسلاميّة، التي أفل نجمها بسبب ابتعاد المسلمين عن إسلامهم وعدم تطبيقهم شريعتهم، لا بسبب الإسلام نفسه شريعة وعقيدة.

705 - ما موقف الإسلام من الحضارات الاُخرى كالحضارة الغربيّة، هل هو موقف الضدّ أم الحياد أم ماذا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كانت الحضارة هي حضارة العلم والإصلاح والازدهار، فليس بينها وبين الإسلام إلّاتمام الوئام؛ لأنّ الإسلام هو دين

ص:337

الحضارات، وإن كانت الحضارة هي حضارة التحرّر الأخلاقي، وحضارة التمرّد على منظومة القيم والمبادئ، وما يترتّب على ذلك من المفاسد الأخلاقيّة والاجتماعيّة، فليس بينها وبين الإسلام إلّاالتنافر والعداء؛ لأنّ الحضارة بنظر الإسلام ليست إلّاما توجب كمال الإنسان كمالاً مادّيّاً ومعنويّاً، وبالتالي فإنّ إطلاق لفظ الحضارة على مجرّد التقدّم المادّي المقترن بانهدام القيم وفساد المجتمع، ما هو إلّامن خداع الألفاظ.

706 - ما هو موقف الإسلام من عولمة وأمركة العالم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: العولمة بما هي مشروع تخطّط له دول الاستكبار الكبرى، من أخطر المشاريع التي تمرّ بحياة الاُمّة في مرحلتنا الزمنيّة؛ لأنّه يهدف إلى تحويل العالم إلى مجتمع موحّد في عاداته ومبادئه وتقاليده وأفكاره وسلوكيّاته ومجمل ثقافته، بحسب ما ترتضيه سياسة دول الكفر المستكبرة، وهذا مشروع مضادّ لمشروع العولمة بنظر الإسلام، والذي يهدف إلى عولمة العالم، ولكن وفقاً للدين والقيم السماويّة، حيث قال تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(1).

707 - يقوم الفاتيكان وقادة النصرانيّة واليهوديّة وحركات الانحراف الأخلاقي

بتسخير أموال طائلة ويعتمدون على الكثير من الخبرات العلميّة كالأطبّاء والمهندسين والمفكّرين وغيرهم وبالاعتماد على العلوم كالإحصاء وعلم نفس الدين وعلم اجتماع الدين وعلم فلسفة الدين والفلسفة وكلّ العلوم بنشر أفكار الفساد والإفساد حيث يقوم الغرب بالإساءة بكلّ الطرق من الإعلام والكاريكاتورات والعاهرات وأولاد الحرام بالاعتداء على حرمة الإسلام والقرآن والرسول وآله عليهم السلام،

ص:338


1- (1) التوبة 33:9. الصفّ 9:61..

حيث قامت ملكة بريطانيا بتكريم الشيطان سليمان رشدي بلقب ووسام الفارس الذهبي وأخيراً فيلم الفتنة وما يخفيه المستقبل كان أعظم فما هو موقفنا تجاه هذه المحاولات الشيطانيّة؟ ولماذا لا تقوم المؤسّسات الإسلاميّة بالاعتماد على العلميّة بوضع خطط مستقبليّة لنشر الإسلام ومعالجة مشاكل الناس الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وحلّ مشاكل البشريّة المستقبليّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحلول النظريّة من وحي القرآن الكريم والسنّة الشريفة، تنتظر من يقوم بتطبيقها وتنفيذها، ولكن ما دامت الدول التي تدين بالإسلام مكتوفة الأيدي أمام مخطّطات الدول الكبرى، ورهن سياستها، فإنّ المسلمين - كشعوب - لن يستطيعوا التقدّم ولا بمقدار شبر واحد.

708 - ما موقف الإسلام من الإرهاب؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مصطلح (الارهاب) من جملة المصطلحات الجديدة، التي لم يحدّد لها مفهوم واضح يمكن تقييمه من خلاله، وبالتالي فلا يمكننا تحديد موقف الإسلام منه مع عدم علمنا بحقيقة المقصود منه.

نعم، إن كان المقصود منه هو السعي في الفساد والإفساد، بقتل الأبرياء، وهتك الأعراض، وتدمير الطبيعة، فذلك ممّا حذّر منه الإسلام ومنع المنتمين إليه من اقترافه، وقد عُبّر عن القائم باقتراف تلك الاُمور في لسان الشريعة ب (المحارب)، وأنزل اللّه تعالى له في كتابه حدّاً شديداً، فقال تبارك وتعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِن خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(1).

ص:339


1- (1) المائدة 33:5..
709 - ما هو البرهان على حدوث المادّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ فكرة أزليّة المادّة قد قامت على اعتبار الذرّات - التي هي أصل الكون بحسب افتراضهم - وحدات لا تتجزّأ، والحال أنّ الفيزياء الحديثة قد نقضت هذه الفكرة من أساسها عندما توصّلت إلى تركّب الذرّة، ومن الواضح أنّ الأزلي لا يمكن أن يكون مركّباً.

والوجه في ذلك: أنّ المركّب هو المؤلّف من أجزاء، وبالتالي فإنّ وجود المركّب إمّا متأخّر عن وجود أجزائه، وإمّا مقارن لوجودها، فإن كان الأوّل: كان حادثاً لا أزليّا؛ لمسبوقيّة وجوده بوجود أجزائه قبل تركيبها، كالدار المسبوقة بوجود موادّها الأوّلية، وإن كان الثاني: فما دمنا قد افترضناه ذا أجزاء، فهذا يعني إمكان انفصال بعضها عن البعض الآخر، ومعنى انفصالها فناء المركّب، مع أنّ الأزلي يستحيل فناؤه؛ إذ الأزلي واجب الوجود، وواجب الوجود يستحيل عليه الفناء، وإلّا صار ممكن الوجود، كما لا يخفى.

710 - هل هناك تفسير علمي لتحريم أكل لحم الخنزير؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: من جملة ما يذكر كتفسير علمي للتحريم المذكور: ما يشير إليه العلم الحديث من اشتمال لحمه على الديدان كثيرة التكاثر، بحيث أنّ الكيلو الواحد منه يشتمل على أربعمائة مليون دودة من هذه الديدان؛ ولذلك منعت منه بعض دول اوروبا، كما نقل بعض المطّلعين.

711 - نسمع كثيراً من بعض الخطباء عبارة:

«نريد لنسائنا وبناتنا أن يكنّمثل فاطمة عليها السلام وزينب عليها السلام» والسؤال: هل يجوز ذلك؟ أم يعتبر تجاوزاً وجسارة على مقامات أهل البيت عليهم السلام؛ لأنّهم لا يُقاس بهم أحد كما ورد ذلك عنهم عليهم السلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المراد من هذه العبارة بحسب المتفاهم العرفي:

أن يكنّ النساء والبنات في العمل بالوظائف المجعولة في الشرع للنساء كالسيّدة

ص:340

فاطمة والسيّدة زينب، لا أن تكون مقاماتهم المعنويّة كمقامات السيّدتين، وعليه فلا إشكال فيه.

712 - أكّدت الدراسات الحديثة في الجراحة البوليّة والأمراض الباطنيّة والتناسليّة أنّ عمليّة العادة السرّيّة

noitabrutsaM لكلا الجنسين هي عمليّة صحّيّة تماماً، وليست لها أيّ عواقب صحّيّة سيّئة والأبحاث منشورة في الانترنيت ومن أرقى مراكز الأبحاث الطبّيّة في العالم فما هي العلّة من تحريم العادة السرّيّة لكلا الجنسين من وجهة نظر الإسلام؟ وما هي كفّارة العادة السرّيّة؟ وما هو الحدّ الشرعي عليها لكلا الجنسين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الحرمة المشدّدة للاستمناء ثابتة بالأدلّة القطعيّة التي لا مجال للتشكيك فيها، وأمّا علّة الحرمة فلا يُعلم ما هي؟ وما يذكره بعض العلماء قدس سره من ثبوت بعض الأضرار الطبّيّة للاستمناء ليس من باب العلّة، وإنّما هو من باب الحكمة، ومجرّد توصّل بعض النظريّات المعاصرة إلى عدم كونه مضرّاً لا ينفي النظريّات الاُخرى القائلة بضرره، فإنّ النظريّة ليست حقيقة علميّة لا تقبل الاختلاف.

والمستمني لا يُحدّ وإنّما يعزّر بحسب ما يراهُ الحاكم الشرعي، وكفّارته لو فعله المكلّف عامداً عالماً أو جاهلاً مقصّراً في نهار شهر رمضان: صوم شهرين متتابعين، إطعام ستّين مسكيناً.

713 - خرجت في الآونة الأخيرة العديد من الدراسات الطبّيّة والجينيّة

والكروموسوميّة بالتعاون مع شركات التأمين (شيطان عبادة الدولار واليورو)، وبالتعاون الخفيّ لمنظّمات الدفاع عن حقوقا الشاذّين جنسيّاً (منظّمات الدفاع عن حقوق المساحقات واللوطيّين) وتؤكّد نتائج الدراسات هذه على أنّ الجينات والكروموسومات في المساحقات واللوطيّين تختلف عن كلّ البشر والاختلاف

ص:341

الجيني والوراثي والكروموسومي يؤهّلهم كي يكونوا أفراداً ضمن النسيج الطبيعي للمجتمع كجنس ثالث أو حتّى جنس رابع aux snart dna lauxesomoH ، وقد تمّ التقنين الدولي والعالمي لحقوق الشواذّ جنسيّاً (اللوطيّين والمساحقات) من قبيل الزواج المثلي وحقوق المواطنة والمساواة وحريّة التعبير، ولهم الآن مئات القنوات الفضائيّة ومواقع الانترنيت وغيرها من وسائل الإعلام في العالم الغربي، فهل يمكن إسلاميّاً القبول بوجود اللوطيّين والمساحقات (الشواذّ جنسيّاً) في نسيج المجتمع الإسلامي وفق نتائج تلك الدراسات؟ وما الحدّ الشرعي وكفّارة اللواط والمساحقة؟ وما رأي سماحتكم بنتائج الدراسات الوراثيّة والجنينيّة السابقة الذكر؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يجاب عن هذا السؤال ببيان امور:

الأوّل: إنّ ما أثبتته الدراسات المذكورة مجرّد نظريّات لا ترقى إلى مستوى الحقيقة العلميّة، فلا يمكن الإذعان لها والركون إليها، سيّما وفي قبالها مئات الدراسات العلميّة التي تصنّف اللوطيّين والمساحقات ضمن دائرة الشذوذ الجنسي.

الثاني: ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال:

«وعلّة تحريم الذكران للذكران والإناث بالإناث لما رُكّب في الإناث وما طبعَ عليه الذكران ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل وفساد التدبير، وخراب الدنيا» (1).

ويستفاد من هذا النصّ الشريف: أنّ رذيلتي اللواط والسحاق على خلاف ما تقتضيه الطبيعة البشريّة والفطرة السليمة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(2) ، مضافاً إلى المفاسد الاجتماعيّة الاُخرى المترتّبة على انتشار هاتين

ص:342


1- (1) علل الشرائع: 547:2..
2- (2) الشعراء 165:26 و 166..

الرذيلتين، والتي أشار إليها الإمام الرضا عليه السلام في النصّ المتقدّم.

الثالث: إنّ الحدّ الشرعي للواط هو: القتل، إذا ثبت بشهادة أربعة رجال والإقرار أربع مرّات، وأمّا الحدّ الشرعي للسحق، فهو: الجلد مائة جلدة.

714 - يقول البعض: إنّ يوسف عليه السلام والطريقة اليوسفيّة في التخلّص من كيد النساء

(الكيد العظيم مقابل الكيد الضعيف للشيطان لعنه اللّه) لا نستطيع تطبيقها الآن؛ لأنّ يوسف نبيّ ونحن لسنا أنبياء فلا جبرئيل عندنا ولا تسديد ملائكة ولا...

ولا...، فما ردّ سماحتكم على هؤلاء؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لو قام أحد السلاطين بإسقاط أحد خدمه من مرتفع ثمّ قال له: «إن سقطت على الأرض سوف اعقابك»، لكان تكليفه هذا لخادمه قبيحاً عند العقلاء جميعاً؛ إذ أنّ عدم السقوط حينئذٍ ليس أمراً اختياريّاً للخادم حتّى يصحّ نهيه عنه، بل هو أمر قد خرج عن دائرة اختياره، فتكليفه به تكليف بغير المقدور، والتكليف بغير المقدور من الاُمور التي يحكم العقل بقبحها من غير تردّد.

وعليه: فلو لم تكن مقاومة الشهوات أمراً مقدوراً للمكلّفين؛ لما صحّ تكليفنا بها، ولو كلّفنا بها مع كونها ليست أمراً مقدوراً، لكان اللّه تعالى قد كلّفنا بغير المقدور، ولازم ذلك نسبة فعل القبيح إلى اللّه سبحانه وتعالى.

هذا مضافاً إلى أنّنا نجد أشخاصاً كثيرين جدّاً ليسوا من الأنبياء أو الأئمّة عليهم السلام، ومع ذلك استطاعوا مقاومة غرائزهم وتحدّي شهواتهم بكلّ شجاعة، ممّا يؤكّد تسنّي ذلك وإمكانه للمكلّفين جميعاً.

715 - ما رأيكم في التفاضل الموجود في المجتمع بين السادة من ذرّيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وغيرهم ألا ترون بأنّه يكرّس مفهوم الطبقيّة الذي حاربه الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: للتفاضل بين الأفراد حيثيّات مختلفة ومتفاوتة،

ص:343

فقد تكون هي العلم؛ إذ العالم أفضل من الجاهل بالبداهة، وقد تكون هي التقوى؛ إذ المتّقي أفضل من غيره بالضرورة، وقد تكون هذه الحيثيّات مجتمعة في شخص واحد فيكون أفضل من غيره من جميع الجهات، وقدتتوفّرعنده حيثيّة معيّنة فقط وعند غيره الاُخرى، فيكون كلّ منهما أفضل من غيره بلحاظ الحيثيّة المتوفّرة عنده، فالعالم غير المتّقي أفضل من الجاهل المتّقي من جهة العلم، والجاهل المتّقي أفضل من العالم غير المتّقي من جهة التقوى.

والذرّيّة الطاهرة للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله لهم حيثيّة فضل ليست عند غيرهم، وهي حيثيّة اتّصال نسبهم بنسب أشرف الكائنات صلى الله عليه و آله، فهم من هذه الجهة يفضّلون على غيرهم، وإن كان غيرهم قد يفضّل عليهم من جهات اخرى، وهذا هو مقتضى الجمع بين النصوص.

716 - أثبت العلم الحديث أنّ المرأة لا جنابة لها فبعد تهيّج المرأة جنسيّاً يخرج من

مهبلها سوائل مخاطيّة وليس منيّ على الإطلاق والسؤال هو: هل يجوز للمرأة ممارسة العادة السرّيّة إذا كانت لا يخرج منها منيّ كما أثبت العلم الحديث، أم لا؟ وما هو المعيار الإسلامي في كون العادة السرّيّة حراماً بالنسبة للمرأة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس موضوع الحكم في جنابة المرأة هو المنيّ، وإنّما هو الماء النازل بشهوة - كما نقّحنا ذلك في فقه الصادق (1)- وقد دلّت على ذلك عدّة من الأخبار الشريفة، منها:

صحيح الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام: «عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال عليه السلام:

إن أنزلت فعليها الغسل (2)».

وصحيح إسماعيل بن سعد، عن الإمام الرضا عليه السلام: «في الرجل يلمس فرج

ص:344


1- (1) فقه الصادق: 380:1..
2- (2) وسائل الشيعة: 187:2..

جاريته؟ إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل»(1).

ويمكن الاستدلال على حرمة العادة السرّيّة بالنسبة للمرأة بقاعدة الاشتراك؛ إذ بعد أن كان موضوع حرمة الاستمناء بالنسبة للرجل هو: إنزال الماء بواسطة الفعل المثير للشهوة من غير طريق الاستمتاع المحلّل، فهذا الموضوع ينطبق على المرأة أيضاً، وبمقتضى قاعدة الاشتراك تكون مشمولة للحكم.

717 - ما الفرق بين زواج المتعة (المؤقّت) بلحاظ جواز الزواج من مشهورة الزنا (العاهرات والبغايا)

- لأنّه مكروه وكلّ مكروه جائز - وبين الزنا المقنّن في الدول الأوروبيّة حيث يتمّ في تلك الدول فحص العاهرات طبّيّاً للتأكّد من خلوهنّ من الأمراض الجنسيّة ويتمّ ختمها أو تضع كارت وزارة الصحّة علامة خلوّها من الأمراض السارية جنسيّاً وتقف العاهرة عارية ومسعّرة في بيوت الدعارة أو محلّات أو شركات الزنا المقنّن تنتظر الزبون؟ فما هو الفرق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الفرق بينهما هو الفرق بين الزواج الدائم والزنا، فكما أنّه يصحّ الزواج الدائم بالزانية، ويكون حلالاً شرعاً - وإن كان يُستحبّ ترك الزواج بالمشهورة بالزنا - فكذلك يصحّ الزواج المنقطع بها، ويكون حلالاً شرعاً.

ومجرّد التشابه بين الزنا والزواج المنقطع من بعض الجهات، كقصر المدّة - مع أنّه ليس تشابهاً دائميّاً - لا يوجب اشتراكهما في الحكم، وإلّا لاشتركت الذبيحة المسمّى عليها مع الذبيحة التي لم يسمّى عليها في الحكم لتشابههما من جميع الجهات ما عدا جهة التسمية، والحال أنّهما لا يشتركان؛ إذ الاُولى مذكّاة بالتسمية فتكون حلالاً، بينما الثانية غير مذكّاة بالتسمية فتكون حراماً.

والكلام هو الكلام بالنسبة إلى الزواج المنقطع والزنا، فالأوّل زواج حلّله العقد الشرعي، بينما الثاني سفاح حرّمه عدم العقد الشرعي، فلا يتساويان.

ص:345


1- (1) وسائل الشيعة: 471:1..
718 - ما هو رأي الإسلام بتحديد النسل مع مراعاة أنّ بعض المفكّرين يرون

أنّ الاستعمار جلب هذه الخدع من أجل تقليل نفوس وعدد امّة محمّد صلى الله عليه و آله للسيطرة عليهم وفي المقابل يزداد عدد بلدان الغرب والشرق الكافر بالمئات والملايين سنويّاً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكرنا في كتابنا فقه المسائل المستحدثة: أنّ تحديد النسل على قسمين: فردي ونوعي.

والأوّل: ما يرجع إلى فرد خاصّ.

والثاني: ما يتحقّق بإصدار قانون عام يلزم الاُمّة كلّها إمّا بإيقاف النسل عند حدٍّ معيّن، وإمّا بمنع الحمل فترة من الزمن.

ولا إشكال في تحديد النسل الفردي، كما لا إشكال في تحديد النسل النوعي، بمعنى منع الحمل فترة من الزمن، وأمّا تحديد النسل النوعي بمعنى إيقاف النسل عند حدٍّ معيّن، المؤدّي إلى الانقراض ولو بعد حين، فهو حرام شرعاً.

ص:346

أسئلة حول القرآن الكريم

719 - يقول بعضهم: إذا كان القرآن أعظم معاجز النبيّ صلى الله عليه و آله، فكيف يصحّ الاحتجاج به على غير العرب مع أنّه قد نزل باللغة العربيّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يشترط في المعجز أن يدرك إعجازه كلّ البشر، ولو اشترطنا ذلك لم يسلم لنا معجز أصلاً، فإنّ إدراك كلّ معجز يختصّ بجماعة خاصّة، ثمّ يثبت لغيرهم بالنقل المتواتر، ويمتاز القرآن عن غيره من المعجزات: بأنّ التواتر قد ينقطع في طول الزمان، وأمّا القرآن فهو معجزة باقية أبديّة ببقاء الاُمّة العربيّة، بل ببقاء مَن يعرف خصائص اللغة العربيّة وإن لم يكن عربيّاً.

هذا مضافاً إلى أنّ جهة الإعجاز القرآني لا تقتصر على بلاغته؛ إذ الإعجاز العلمي واحد من وجوه إعجاز القرآن الكريم، وهذا الوجه - كما ترى - لا يختصّ بالناطقين باللغة العربيّة فقط، بل يشملهم ويشمل غيرهم.

720 - يقول بعض النصارى: «يوجد تناقض في القرآن حيث يقول: إنّ اللّه

نفخ الروح في مريم ولكنّه يقول بعد ذلك: إنّ المسيح عبد اللّه» فكيف تكون روح اللّه عبداً للّه؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كون نبيّ اللّه عيسى عليه السلام هو روح اللّه، لس بمعنى كونه جزءً أو نفساً للّه سبحانه وتعالى، حتّى يتنافى مع كونه عبداً للّه جلّ جلاله، وإنّما هو من باب الإضافة التشريفّة والتكريميّة، من جهة كونه مخلوقاً للّه تبارك وتعالى بغير واسطة الأب، فلا منافاة بين كونه روح اللّه سبحانه وكونه عبداً له.

ص:347

721 - يقول بعض المسيحيّين: «إنّ القرآن يذكر الكثير من الألقاب والكلمات غير اللائقة من قبيل الكلب والبقرة» فما تعليقكم على ذلك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ليس يوجد في القرآن الكريم من الألفاظ ما يخالف روح الأدب ونزاهة اللسان، والألفاظ المذكورة في السؤال - كلفظي الكلب والبقرة - ألفاظ موضوعة لمسمّياتها، ولا قبح في إطلاقها عليها ولا منقصة، ولكن صدق المثل القائل: «رمتني بدائها وانسلّت»؛ إذ القارئ لكتابي التوراة والإنجيل المحرّفين يجد أنّ الكتابين قد استخدما أبشع الألفاظ البذيئة وأطلقاها حتّى على ساحات قدس الأنبياء العظام عليهم السلام، ثمّ رموا داءهم هذا على القرآن الكريم الذي تنزّهت ألفاظه ومعانيه عن كلّ ما يخدش الحياء، فهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

722 - هنالك شبهة تقول: «إنّ أوصاف الجنّة في القرآن من الحور العين والأنهار

من لبن وغيرها من أوصاف تلائم بيئة البدو والأعراب وغيرهم من الهمج لا تصلح لئن تكون جنّة لكلّ البشر في العالم فجنّة القرآن المحمّدي هي جنّة أعراب البدو، لا جنّة لكلّ طموحات وأحلام البشر» فما هو الجواب عنها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ أوصاف الجنّة التي تحدّث عنها القرآن الكريم والسنّة المطهّرة لا يمكن حصرها فيما جاء ذكره في السؤال، بل لا يمكن حصرها مطلقاً لأنّها من الاُمور غير المتناهية، ولعلّ القرآن الكريم قد أشار إلى هذه الحقيقة حين قال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ(1).

غاية ما في الأمر أنّ القرآن الكريم أراد أن يبعث روح الشوق للجنّة في نفوس المسلمين، فذكر لهم بعض ملذّات الجنّة ونعمها القريبة من أذهانهم ونفوسهم،

ص:348


1- (1) الزخرف 71:43..

ومع ذلك فإنّ كثيراً من الصفات التي ذكرها القرآن الكريم لا يكاد المجتمع البدوي يعرفها أصلاً، نظير قوله سبحانه وتعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ(1) ، وقوله:

فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (2) ، فالشبهة باطلة من أساسها.

723 - يقول العلمانيّون: «إنّ القرآن هو أوّل مَن سنّ مبدأ العلمانيّة بمفهوها العامّ

، أي فصل الدين عن الدولة لتنصيصه على أنّ النبيّ داود عليه السلام قد اقترح على بني إسرائيل أن يولّوا عليهم طالوت ملكاً فجعل داود عليه السلام الدين له وجعل الدولة لطالوت» فما هو الجواب عن كلامهم هذا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: هذا الإشكال لا يرد على قضيّة داود عليه السلام وطالوت فحسب، بل يرد على تولية النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام في غزوة تبوك على المدينة المنوّرة.

والحلّ هو أنّ التولية في الجميع إنّما هي بمعنى النيابة في تولّي السلطة التنفيذيّة والإجرائيّة في المجالات السياسيّة وغيرها، لا في خصوص المجالات السياسيّة، مع بقاء المنصب لنفس النبيّ عليه السلام وتمكّنه من ممارسته متى شاء، فلا يوجد هنالك فصل بين الدين والدولة.

724 - يقول المسيحيّون: «إنّ القرآن عدّة كتب وليس كتاباً واحداً والدليل على ذلك

هو كثرة القراءات التي هي سبعة أو عشرة أي أنّها أكثر من أعداد العهد الجديد والقديم حيث توجد اختلافات كثيرة في هذه القراءات، ممّا يجعل القرآن أكثر من سبعة كتب وليس كتاباً واحداً كما يقول المسلمون، كما ويروي التاريخ عن الخليفة عثمان أنّه أحرق الكثير من تلك الكتب المحمّديّة وأخذ قرآن حفصة زوجة محمّد

ص:349


1- (1) الطور 20:52..
2- (2) يس 56:36..

فقط في حين لا يذكر التاريخ أنّ هناك مَن أحرق الإنجيل» فما تعليقكم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: تعدّد قراءات القرآن الكريم لا يعني تعدّد أصل الكتاب، بل هو كتاب واحد وإن تعدّدت قراءاته، فإنّ هذا النحو من التعدّد ليس بموجب لاختلافات كثيرة في القرآن الكريم، بحيث يجعله أكثر من كتاب، كما ذكر في السؤال؛ إذ هي مجرّد اختلافات في ضبط بعض ألفاظه من غير إخلال بمضامينه ومحتوياته؛ ولذا تجد أنّ جميع المسلمين يقرأون من كتاب واحد وإن تعدّدت قراءاتهم واختلفت.

وهذا بخلاف كتب الأديان السماويّة الاُخرى، فإنّها لكثرة اختلاف التابعين لها تعدّدت وتكثّرت واختلفت اختلافاً كثيراً جدّاً إلى حدّ التهافت والتناقض، وقد قيل:

إنّ التوراة وهي أصحّ الكتب تقريباً عند أهل الكتاب، ومع ذلك فإنّ نسختها الموجودة عند السامرة تختلف عن نسختها الموجودة عند اليهود والنصارى، بل إنّ نفس نسخها الموجودة عند السامرة متعدّدة ومختلفة اختلافاً كثيراً جدّاً.

ص:350

أسئلة حول الثقافة

725 - ما هي ضابطة كتب الضلال؟ وهل يستطيع العامّي تشخيصها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كتب الضلال عبارة عن: كلّ كتاب وضع لحصول الضلال في الاعتقادات أو الفروع، سواء كانت مطالبها حقّة في نفسها، كبعض كتب العرفاء والحكماء المشتملة على ظواهر منكرة يدّعون أنّ المراد منها غير ظاهرها، أم لم تكن كذلك، وبحسب الغالب فإنّ العامّي يحتاج في تشخيص تلك الكتب إلى أهل الخيرة والمعرفة.

726 - ما هي وجهة نظر القرآن والرسول والعترة تجاه فلسفة التاريخ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المراد من فلسفة التاريخ: فهم سنن اللّه تعالى في سقوط المجتمعات وديمومتها، أي: فهم العوامل المشتركة بين الاُمم في مرحلتي النشوء والسقوط على مرّ التاريخ، فهذا أمر قد أشارت إليه نصوص الشارع المقدّس كثيراً، من قبيل ما ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله:

«إذا غضب اللّه تعالى على امّة ثمّ لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم يربح تجّارهاولم تزكُ ثمارها ولم تعذب أنهارهاوحبس عنها أمطارها وسلّط عليها أشرارها» (1) ، فأشار هذا النصّ الشريف - ومثله غيره - إلى وجود نوع من الترابط والعلّيّة بين وجود مثيرات الغضب الإلهي في أي مجتمع كان وبين وجود ظواهر معيّنة تنتهي بذلك المجتمع إلى السقوط والانهيار، ممّا يؤكّد وجود سنن إلهيّة حاكمة على نظام

ص:351


1- (1) الكافي: 317:5..

العالم، قد توجب الفناء وقد توجب البقاء، بحسب اختلاف طبيعة العوامل.

727 - ما هي وجهة نظر الإسلام في مدارس الهرمونطقيا ومدارس تعدّد القراءات؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المقصود من تعدّد القراءات هو أنّ النصّ الواحد من الممكن أن يكون له أكثر من معنى، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان المقصود من ذلك - كما يظهر من كلمات بعض أنصار المدرسة المذكورة - أنّ النصّ ليس له معنى عند صاحبه، وإنّما معناه عند مَن يقرأه، فتتعدّد معانيه تبعاً لتعدّد قارئيه، فهذا في غاية الإشكال؛ لأنّه يهدم باب الظهورات بالكلّيّة، فلا تبقى لأي كلام دلالة استعماليّة ولا جدّيّة، وهذا مخالف لما عليه سيرة قاطبة العقلاء.

728 - ما هي وجهة نظر الإسلام تجاه بحوث علم نفس الدين

وعلم انثربولوجية الدين وعلم فلسفة الدين وعلم اجتماع الدين، وعلم ابستمولوجيا الدين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: رغم مزيد الفحص والتتبّع الذي قام به بعض

فضلاء تلامذتنا فيما يرتبط بالعناوين والاصطلاحات المذكورة في السؤال، إلّاأنّنا لم نصل إلى نتيجة حاسمة في تحديد المقصود من كلّ واحد منها، نظراً لاختلاف استعمالاتها في كلمات المعاصرين، باعتبار كونها من الاصطلاحات الجديدة التي لم تتبلور بعد بشكل واضح حتّى لدى بعض مستعمليها، ولذا فإنّنا لا نستطيع تحديد الموقف منها سلباً أو إيجاباً، إلّاأن تتّضح الرؤية حولها.

729 - هل يحدّد الإسلام برنامجاً معيّناً للقراءة عند المسلمين؟

فمثلاً: تحدّد منظّمة اليونسكو على الأقلّ قراءة كتابين في الاختصاص وكتابين خارج الاختصاص شهريّاً؛ لبلوغ مرحلة متوسّط الثقافة والمعرفة للإنسان ذي الذكاء الطبيعي، فهل هناك عدد وأسماء ووقت للكتب التي يجب على المسلم بمختلف الأعمار أن يقرأها؟ أم ما زالت امّة اقرأ لا تقرأ وإن قرأت فلا تطبّق؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإسلام دين العلم، والآيات والروايات الحاثّة

ص:352

على التعلّم والمعرفة فوق حدّ الإحصاء، وعليه فإن كانت بعض المؤسّسات والمنظّمات قد حدّدت طلب العلم بقراءة كتابين داخل الاختصاص وكتابين خارجه في كلّ شهر، فإنّ الإسلام لم يجعل لذلك قيداً ولا حدّاً، بل قال: «اطلب العلم من المهد إلى اللحد»، كما قال: «اطلبوا العلم ولو بالصين»(1) ، فأكّد على لزوم استيعاب العمر في تحصيل العلوم والمعارف، من غير أن يجعل ذلك في إطار ضيّق ووقت محدود.

730 - هل يجب على المسلم الاطّلاع على أحدث النظريّات في الفكر والمعرفة

، من قبيل علم الكلام الجديد وعلم انثربولوجيا الدين وعلم نفس الدين وعلم اجتماع الدين والهرمونطقيا وتعدّد القراءات والعلمانيّة والاطّلاع على الإعلام المعادي والمنحرف وغيرها من المستجّدات على الساحة الدوليّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان الاطّلاع على العلوم الجديدة، بما قد يشتمل عليه بعضها من الانحراف الفكري، موجباً لضلال الإنسان بسبب عدم امتلاكه الأرضيّة الثقافيّة الواعية التي تحول بينه وبين التأثّر بكلّ ما يقرأ أو يسمع، فإنّ ذلك محرّم بنظر الشرع الشريف.

وأمّا إذا كان الاطّلاع على العلوم الجديدة موجباً للاستفادة منها فيما يخدم الدين والإنسان، أو موجباً لدفع شبهاتها وردّ أباطيلها، فيما لو كانت مشتملة على ذلك، فإنّ ذلك من الاُمور الراجحة إن لم يكن من الاُمور الواجبة ولو أحياناً.

731 - يقول أحد العلمانيّين: «إنّ الإسلام أعظم مرض فتّاك للعقل والعلم؛

لأنّه يصوغ العقل البشري ويقولبه وفق ثوابت التقديس والتدنيس للمفاهيم اللاهوتيّة، ويسلب حرّيّة العقل فلا يجوز المجيء بنتيجة مخالفة للّه وللنبيّ صلى الله عليه و آله، وأي مفهوم

ص:353


1- (1) وسائل الشيعة: 27:27..

مخالف للاهوت يعني الإعدام وعليه فأهل الإسلام يفكّرون بالقبر وأوهام اللاهوت، بينما أهل العلم والعقل والتمدّن والتحضّر وروّاد الحداثة وما بعد الحداثة في مراكز الأبحاث يفكّرون بالحياة والحضارة من إرسال أقمار صناعيّة، وهندسة الوراثة، وإرسال الأقمار الصناعيّة في حين لو أراد الإنسان في العصر الحالي أن لا يستعمل إلّا الموادّ والأغراض المصنوعة من قِبل المسلمين فإنّه يظلّ عارياً في الصحراء، وبالمقابل يعاكسه عبدة الحيوانات في الهند والهندوس والبوذيّون في اليابان والصين وعبدة المادّة في الولايات المتّحدة وأوروبا فإنّهم قد أخذوا تراباً من سطح القمر عام 1968، والحلّ الوحيد يكمن في أنّ على أهل الحضارة تحرير بلاد الإسلام من ثوابت اللاهوت ومفاهيم التقديس والتدنيس ويجب مسح وشطب كلّ الثوابت من قائمة الإسلام حتّى يصبح المسلمون لهم عقل كباقي أبناء البشر» فما ردّ سماحتكم على هذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: ذكرنا سابقاً أنّ الإسلام هو دين العلم والمعرفة، وهو الدين الذي أوْلى الجوانب المادّيّة عنايته ورعايته، كما أوْلى الجوانب الروحيّة والمعنويّة، وهو الدين الجامع بين عالم الدنيا وبين عالم الآخرة، فالمشكلة ليست فيه وإنّما في أهله، واللّه المستعان.

732 - ما هي أفضل المصادر والكتب الإسلاميّة التي تنصحون بقراءتها لمعرفة أبعاد ومعالم الثقافة والتربية الجنسيّة من وجهة نظر الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يستحسن الاستفادة من روايات المعصومين عليهم السلام التي تحدّثت عن هذا الجانب، والتي جمعها علماؤنا الأبرار قدس سرهم في باب النكاح من مجاميعهم الحديثيّة، مثل: وسائل الشيعة، ومستدرك الوسائل، وجامع أحاديث الشيعة.

733 - هل يمكن اعتبار سورة يوسف في القرآن الحكيم هي الأساس في معرفة

ص:354

تفاصيل وأبعاد التربية والثقافة الجنسيّة والتربويّة والزوجيّة في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: غايةُ ما يمكن استفادته من بعض آيات سورة يوسف عليه السلام هو جمال التحلّي بخُلق العفاف في مقابل المثيرات الشهويّة، وأهمّيّة الحذر من مكائد الشيطان ومغرياته، سيّما في الخلوات، ليفوز الإنسان بشرف الدنيا والآخرة.

734 - ما هو المعيار الإسلامي في قبول الثقافة والتربية الجنسيّة والزوجيّة والتربويّة

من الثقافات والحضارات والشعوب الغير إسلاميّة كما هو الحال في الأفكار الموجودة في وسائل الإعلام الغربي والكتب المختلفة ومنها مؤلّفات الدكتورة الكويتيّة فوزيّة الدريع وهي أخصّائيّة في علم الجنس، ومؤلّفات الدكتورة المصريّة نوال السعداوي ككتاب (الاُنثى هي الأصل) وغيرها من المؤلّفات والأفكار على مستوى العالم؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يتّضح الجواب عن هذا السؤال من خلال الأجوبة عن الأسئلة السابقة، فينبغي مراجعتها والتأمّل فيها.

735 - ما هي معالم الثقافة الجنسيّة في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: مصطلح الثقافة الجنسيّة من المصطلحات التي روّج لها الغربيّون كثيراً في هذا العصر، من خلال نظريّاتهم التربويّة، والذي نعتقده أنّ الثقافة الجنسيّة إن كان يُراد بها: تثقيف الأبناء بالأحكام الشرعيّة المرتبطة بهذا الجانب، كلزوم ستر العورة عن الناظر الأجنبي، وحرمة الزنا واللواط والاستمناء، فهي أمرٌ حسن، ومن مثل هذا النحو من الأحكام تتشكّل هذه الثقافة.

وإن كان يراد بها: تعريف الأبناء بوظائف الأعضاء التناسليّة، وتعليمهم كيفيّة المقاربة بين الرجل والمرأة، ونحو ذلك من التعاليم التي تقوم المدارس الغربيّة بتطبيقها في مناهجها، فهي ثقافة ساقطة، وتعاليم الإسلام على خلافها،

ص:355

كما يستكشف ذلك من خلال نهيه عن مقاربة الزوج لزوجته ولو بمحضر الطفل الرضيع الذي يسمع صوتهما، وأمره بلزوم التفريق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين، وأمره أيضاً بتربية الأبناء على أدب الاستئذان عند إرادة الدخول إلى غرف نوم آبائهم، ونحو ذلك من تعاليم الشرع الشريف التي تصبّ في هذا الجانب.

ص:356

أسئلة في الاقتصاد

736 - ما هي معالم النظام الاقتصادي في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: للنظام الاقتصادي في الإسلام معالم عديدة، نشير إلى بعضها:

المعْلم الأوّل: الملكيّة المزدوجة، ففي الوقت الذي يقوم فيه النظام الرأسمالي على تقديس الملكيّة الفرديّة، ويعطي الحقّ لكلّ فرد في أن يتملّك كلّ شيء حتّى الأملاك العامّة، ويقوم فيه النظام الاشتراكي على إلغاء الملكيّة الفرديّة وتقديس الملكيّة العامّة، بجعل جميع الثروات بيد الدولة فقط، فإنّ الإسلام قد رفض كلا النظامين؛ لتناقض الأخير مع الفطرة الإنسانيّة القاضية بحبّ التملّك عند الإنسان، خطورة ما يؤدّي إليه الأوّل من تكدّس الثروات عند بعض وحرمان البعض الآخر منها، وهذا ما جعل الشرع الشريف يفتح باب الملكيّة المزدوجة، فمن ناحيةٍ أباح للفرد أن يتملّك، ومن ناحيةٍ اخرى حفظ للمجتمع حقّ الثروات الطبيعيّة العامّة.

المعْلم الثاني: الحرّيّة الاقتصاديّة المحدودة. ففي الوقت الذي يعطي النظام الرأسمالي الحرّيّة الكاملة في مجال الملكيّة الفردية - فيسمح للفرد بأن يمتلك ما يشاء، وبأي اسلوب شاء حتّى ولو كان احتكاراً أو رباً محرّماً، وإن أدّى ذلك إلى نشوء طبقة الرأسماليّين وسيطرتهم على المستضعفين - تقوم بعض الأنظمة الاقتصاديّة بإخضاع ملكيّة الأفراد للدولة، فهي التي تحدّد ملكيّتهم في ن طاق ضيّق ومحدود، وبذلك تحرمهم من حقّهم الطبيعي في التملّك.

ص:357

وأمّا الإسلام: فقد جاء وسطاً بين هذا وذاك، حيث جعل للفرد حقّ التملّك وتنمية الثروة، ولكن بأساليب مشروعة ومحدّدة، فكان هو النظام الاقتصادي الأمثل من بين الأنظمة المذكورة.

المعْلم الثالث: العدالة الاجتماعيّة. وذلك من خلال تقنين الإسلام لمجموعة من الضرائب على أموال الأغنياء وأصحاب الثروات، تعود بالفائدة على طبقة الفقراء والمحرومين، وبذلك يحول الإسلام دون انقسام المجتمع إلى طبقتين غنيّة وفقيرة.

737 - ما هو توضيحكم للإسراف والتبذير المحرّمين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قد ذكر اللغويّون والمفسّرون للإسراف خمسة عشر معنى، ولكنّ المختار في تعريفه ما أفاده صاحب المجمع والأردبيلي 0 بقولهما: «هو صرف المال فيما يستقبحه العقلاء أو فيما لا ينبغي».

وقد حاول غير واحد من اللغويّين أن يفرّق بين عنواني الإسراف والتبذير، بدعوى أنّ الأوّل هو الصرف زيادة على ما ينبغي، بينما الثاني هو الصرف فيما لا ينبغي، وقيل غير ذلك، ولكنّ إثبات شيء منها لا يخلو عن إشكال، ولعلّ الأقوى أن يقال باختصاص عنوان التبذير بالأموال، وشمول عنوان الإسراف لغير الأموال، كصرف الجهد والطاقة في المعصية.

738 - يقول أحد العلمانيّين: «إن كلّ مَن قال بحتميّة الأمر والشموليّة مثل حتميّة

التاريخ والصراع الطبقي (الشيوعيّة) أو حتميّة الإسلام رأى نفسه في قمّة الجنون؛ لأنّ كلّ الأنظمة الأيديولوجيّة الشموليّة هدفها الاستبداد كما في اشتراكيّة الظلم السوفيتي وإسلام طالبان فالسجن والتعسّف والفقر والجوع والجهل وغيرها من معاني التخلّف والانحطاط هي أهمّ نتاجات تلك الأنظمة والبديل هو ترك الأيديولوجيّة والأخذ بالدولة المدنيّة والليبراليّة والديمقراطيّة بدلاً من الحكم

ص:358

باسم الدين حتّى يظلّ الدين مقدّساً؛ لأنّه علاقة شخصيّة وفرديّة بين المرء وربّه (عبادات فقط وفقط) فكلّ مَن حكم باسم الأيديولوجيّة والدين شوّه تلك المعاني، وكما قال فلكس إيدلر: من يضمن نقاء المعبد إذا كان هو الحاكم للمدينة»، فما رأي سماحتكم بهذا الكلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: يكفي المؤمن للحكم ببطلان هذه المقالة المنحرفة، أن يلقي بنظره على الدول التي تحكمها الأنظمة العلمانيّة والليبراليّة ليرى أنّها بعد أن تعرّت عن الدين، هل استطاعت أن تجرّد واقعها عن الفقر أو الظلم أو التعسّف أو المفاسد الأخلاقيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة؟ كلّا وألف كلّا، ممّا يعني أنّ الدين ليس هو السبب في ضعف بعض الأنظمة الحاكمة باسم الإسلام، وإنّما المشكلة وليدة ضعف التطبيق وسوء التدبير بعيداً عن تعاليم الإسلام.

ص:359

أسئلة حول منهج التعامل مع التراث

739 - سيّدي هنالك فتوى للسيّد الخوئي قدس سره يحصر فيها مَن يحقّ لهم تصحيح

الأحاديث أو رفضها بالمجتهدين فقط ولكن عند سؤال بعض العلماء المحقّقين أجاب بأنّ السيّد الخوئي قدس سره لم يقصد ما فهمه البعض من ظاهر كلامه بقرينة أنّ السيّد في شرح العروة الوثقى يرى أنّه يجوز للمجتهد الرجوع إلى شخص آخر متخصّص في علم الرجال أو اللغة وبما أنّكم من أبرز تلامذة السيّد الخوئي قدس سره وأقربهم إليه، فما الذي تفهمونه من مقولة السيّد الخوئي قدس سره؟ وهل ترون إمكانيّة تصحيح الروايات أو ردّها للمتخصّص في علوم الحديث والرجال وإن لم يكن مجتهداً؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا أرى تنافياً بين ما ينسب للسيّد الخوئي قدس سره في الجملتين؛ ضرورة أنّ كلامه الأوّل واضح في عدم صحّة التصحيح أو التضعيف إلّا للمجتهد، وهو لا ينافي كلامه الثاني، بل يتلائم معه لصراحته في أنّ مَن لم يجتهد في مسألة رجاليّة معيّنة، ليس له - حينئذٍ - إلّاأن يعوّل على كلام غيره من المجتهدين، ونتيجة كلا الكلامين أنّ التصحيح ولاتضعيف لا بدّ أن يدور مدار رأي المجتهد.

740 - توجد مجاميع من الشباب تأخذ الروايات والأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام من كتب بحار الأنوار والكافي وغيرها

، ويطرحونها على مسامع الآخرين، ونحن نقول لهم بأنّ بعض هذه الروايات والأحاديث ربّما ضعيفة السند، فلذلك يجب أن تمر على العلماء؛ لأنّهم أعلم منّا في هذا الأمر فهل هذه المجاميع تكون مأثومة؟ وما هي نصيحتكم لهم؟

ص:360

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يخفى أنّ الروايات الموجودة في المجاميع الحديثيّة على قسمين: معتبرة وغير معتبرة، وتشخيص المعتبر من غيره ليس إلّابيد أهل الاختصاص، وعليه فإن كان طرح تلك الروايات وتداولها بداعي العمل بها فهو يتوقّف على إحراز حجّيّتها، وهو ما لا يمكن البتّ فيه إلّابالرجوع للعلماء، وإمّا إن كان تداولها بداعي محض الاطّلاع فهو أمر حسن لا بأس به، سيّما بالنسبة إلى روايات الآداب والأخلاق.

741 - ما هي كيفيّة التعامل مع الأحاديث بالنسبة للعوام، خصوصاً بالنسبة للقضايا العقائديّة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: وظيفة العوام هي الرجوع لأهل العلم والاختصاص لمعرفة الصحيح من غيره من الأحاديث في العقائد وغيرها، وإلّا كان تدخّلهم في هذه المسائل من باب القول بغير علم، وهو منهيّ عنه قرآناً وسنّة.

ص:361

أسئلة حول دور الاُمّة

742 - ما هو رأيكم الشريف في الوحدة السياسيّة بين المسلمين تجاه عدوّهم المشترك؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المستفاد من الآيات الشريفة والسنّة المتواترة وعمل المعصومين عليهم السلام الاهتمام بالوحدة الإسلاميّة، والحذر من التشتّت والتفرقة، والتجربة القطعيّة أيضاً تدلّنا على ذلك؛ إذ في كلّ عصر كانت الوحدة الإسلاميّة محفوظة، وكان المسلمون كيدٍ واحدة على مَن سواهم آل أمر المجتمع إلى الصلاح والعزّة، وذاقوا حلاوة النعم المادّيّة والمعنويّة، وكلّ عصر ظهر الاختلاف والنفاق فيه بين المسلمين - كزماننا هذا - آل أمر المجتمع إلى الفساد، وسلّط عليهم الأجانب واستعمروهم.

ومن المؤسف جدّاً أنّ الأجانب والكفّار قد عرفوا ذلك منذ عهد بعيد، فأخذوا يسعون بشتّى الطرق والوسائل لإيجاد التفرقة بين المسلمين، ولمّا رأوا أنّ هذا الأمر لا يتمّ ما دام القرآن هو الكتاب الذي يتّبعه المسلمون، ويجرون أحكامه وقوانيه، ويتّبعون إرشاداته وتعاليمه، سعوا في إبعاده عن الاُمّة.

وبهذا صرّح كلادستون - رئيس وزراء بريطانيا - في مجلس العموم البريطاني حيث قال: «أن لا نفوذ لبريطانيا في الشرق الإسلامي والقرآن عندهم، يعملون به، ويهتدون بهداه»، ومن هنا أخذوا على أنفسهم محو ما علق في نفوس المسلمين من التعلّق بالقرآن، والعمل بأحكامه، والسير على هداه، وحاولوا إزالة القرآن من بينهم ليخلو لهم الجوّ ويفعلوا ما يشاؤون.

ص:362

743 - ما رأيكم بالنسبة لمن يدعو إلى الوحدة العقائديّة مع المخالفين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إن كان المقصود من الوحدة التي يدعون إليها:

حسن المعاشرة مع المخالفين فهي دعوة حسنة، قد دلّت على مطلوبيّتها الآيات والروايات، وإن كان المقصود منها الوحدة في العقيدة بإلغاء الفوارق الموجبة لتميّز الشيعة عن غيرهم عقائديّاً، فهي دعوة ضلال وإضلال ومروق من الدين.

744 - ما هو دور الاُمّة الإسلاميّة تجاه أعدائها؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الإجابة عن هذا السؤال تقتضي بسطاً في المقال لا تسعه هذه السطور، ولكن خلاصته: أنّ وظيفة الاُمّة المسلمة تجاه أعدائها تتلخّص في نقاط:

1 - الحذر من محاولات استلاب الهويّة والسيطرة على مكامن القوّة، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ(1).

2 - إظهار البراءة منهم وعدم موالاتهم، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ(2).

3 - الظهور أمامهم بمظهر العزّة والتعالي، فإنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم أيضاً بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ(3).

745 - هل يشكو الإسلام من عجز سياسي حتّى يجب فصله عن السياسة وما حكم مَن يفصل الدين عن السياسة وكيف يتمّ الردّ على مَن يفصل بين الاثنين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: لا يدّعي فصل الإسلام عن السياسة إلّاالجاهل

ص:363


1- (1) المنافقون 4:63..
2- (2) الممتحنة 1:60..
3- (3) الأنفال 60:8..

أو المعاند؛ لوضوح أنّ من جملة أحكام الإسلام - بل والمهمّ منها - أحكاماً جزائيّة وقضائيّة وسياسيّة واجتماعيّة، كالقصاص والديات والحدود والجهاد والصلح والقضاء وقبول الجزية ونحوها، ولا يمكن إجراء هذه الأحكام إلّابيد الحاكم على الاُمّة.

وبعبارة اخرى: إنّ الأحكام التي أتى بها النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما هي قوانين كلّيّة، وإذا لم يكن هناك مَن يقوم بإجرائها فإنّ تشريعها يكون لاغياً، ولذلك فإنّه صلى الله عليه و آله حينما ساعدته الظروف قام بتشكيل الحكومة بنفسه، وكذلك وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام، وهل للسياسة معنى غير ذلك؟

وإن شئت قلت: إنّ السياسة ليست إلّاإجراء الأحكام الإسلاميّة، وحفظ أمن البلاد الإسلاميّة، والتحرّز من مكائد الاستعمار، وحفظ استقلال بلاد الإسلام، والدفاع عن حريم الإسلام والقرآن، وقطع يد مَن تسوّل له نفسه العبث في بلاد المسلمين، وحفظ المسلمين من يد الأجانب وعبثهم في عقول المسلمين، وعقد الذمّة والعهود، وإجراء الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبما أنّ الإسلام هو المقنّن لكلّ ذلك، فهذا يعني أنّه دين السياسة، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.

746 - ما رأي سماحتكم بما يسمّى بنظريّة المؤامرة في الفكر السياسي

؟ وهي أنّ سبب كلّ مصائب الاُمّة هي إسرائيل وأمريكا والغرب المادّي وأوروبا؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: كلّ ابتلائات هذه الاُمّة ترجع إلى تخلّفها عن التمسّك بدينها وقيمها ومبادئها، وإلّا فإنّها لو حافظت على موقعيّتها وحضارتها وقوّتها التي أورثها لها الإسلام، لما وهنت وضعفت وصارت طعمة لكلّ دول الكفر والاستكبار.

747 - ما رأي سماحتكم ببروتوكلات حكماء صهيون والتي تذكر أساليب

ص:364

إفساد العالم والإسلام وأهله حيث يذكر بعض المفكّرين أمثال الدكتور عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة: أنّ البروتوكولات هي محض كذب وافتراء وتصبّ مصلحتها في مصلحة إسرائيل؛ لأنّها تثبت أنّ اليهود مضطهدون وهم شعب بلا أرض وأنّ فلسطين أرض بلا شعب لذا يجب على الغرب - وبالخصوص اليمين النصراني المتطرّف والصهيونيّة المسيحيّة والمفكّرين الاستراتيجيّين أمثال فالويل وبلغرين - جمع اليهود المضطهدين من قِبل المسلمين الحاقدين على اليهود بسبب هذه البروتوكولات المصطنعة فما رأيكم الجليل بهذه المسألة؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: الشواهد التاريخيّة والوثائقيّة الدالّة على وجود مخطّطات استعماريّة ضدّ الإسلام والمسلمين، فوق حدّ الإحصاء، سيّما من قِبل الصهاينة واليهود، وقد أنبأ عن ذلك القرآن الكريم بقوله: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ(1) مستخدماً لام القسم والفعل المضارع الدالّ على التجدّد، للتأكيد على أنّ الكيان اليهودي لا ينفكّ عن عدائه للإسلام والمسلمين مدى الزمن.

748 - ما هي معالم النظام السياسي في الإسلام؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: السؤال يتطلّب جواباً لا يسعه المقال، وللتعرّف عليه عليك بمراجعة عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر، فإنّنا لا نعرف نصّاً دينيّاً قد استوعب بيان النظام السياسي في الإسلام بكلّ دقائقه وجزئيّاته كهذا النصّ الشريف.

749 - هل العمل السلمي - مثل العصيان المدني والعمل الثقافي والإعلامي في الصحف وكذلك العمل الدبلوماسي وفضح الحاكم الظالم وما إلى ذلك ممّا

ص:365


1- (1) المائدة 82:5..

يسمّى اليوم بالعمل السياسي السلمي - مقدّم على العمل العسكري؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: إنّ المواجهة العسكريّة أو اللجوء إلى القوّة في مواجهة الأنظمة أو غيرها لا بدّ من أن تستند إلى رأي الحاكم الشرعي، وبالتالي فإنّ تحديد الأولويّات عائد إلى تشخيصه للاُمور، ومن الطبيعي أنّ اللجوء إلى القوّة لا يكون إلّابعد استنفاذ الوسائل الاُخرى أو بعد العلم بعدم نجاحها.

750 - هل يجوز للدول الإسلاميّة صناعة القنبلة النووية أو الأسلحة الفتّاكة

، من أجل ترهيب وردع الدول المستكبرة عن الهجوم على الدول الإسلاميّة أو الردّ بالمثل؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: قال تبارك وتعالى: وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَاتَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ(1).

751 - ما هو حكم اللجوء السياسي إلى بلاد غير المسلمين؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: المسلم لا يلجأ إلى غير المسلم مع الاختيار، ولكن إذا توقّف حفظ نفسه عليه جاز اللجوء إليه، ومع ذلك كلّه فإنّ رعاية الاحتياط أوْلى.

752 - متى تكون القيادة السياسيّة قيادة شرعيّة يحقّ لها التصدّي للشأن العامّ؟

باسمهِ جلّت أسماؤه: القيادة إن كانت بيد الفقيه المجتهد الجامع للشرائط أو المنصوب من قِبله، فهي قيادة شرعيّة، وإلّا فلا.

ص:366


1- (1) الأنفال 60:8.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.