سرشناسه : اسماعیلی یزدی، عباس، 1332 -
عنوان و نام پديدآور : ینابیع الحکمه/ تالیف عباس الاسماعیلی الیزدی.
مشخصات نشر : قم: مسجد مقدس صاحب الزمان (جمکران)، 1378.
مشخصات ظاهری : 5 ج.
شابک : دوره: 964-6705-47-2 ؛ ج.1: 964-6705-42-1 ؛ ج.2: 964-6705-43-X ؛ ج. 3، چاپ چهارم: 964-6705-44-8 ؛ ج. 4: 964-6705-45-6 ؛ ج. 5: 964-6705-46-4
يادداشت : عربی.
يادداشت : چاپ قبلی: نشر مولود کعبه، 1417ق. = 1375.
يادداشت : ج. 1 - 5 (1427 ق.= 1385).
یادداشت : کتابنامه.
موضوع : قرآن -- فهرست مطالب
موضوع : احادیث شیعه -- فهرست مطالب
شناسه افزوده : مسجد جمکران (قم)
رده بندی کنگره : BP106/الف 5ی 9 1378
رده بندی دیویی : 297/22
شماره کتابشناسی ملی : م 78-25667
ص: 1
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص :2
ج 1 عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
اللهمّ ارحم خلفائي-ثلاث مرّات-قيل له: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: الدين يأتون من بعدي و يروون أحاديثي و سنّتي، فيسلّمونها الناس من بعدي.
البحار ج 2 ص 144 باب فضل كتابة الحديث ح 4
ص:3
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيّدنا أبي القاسم المصطفى و على أهل بيته الأطهار و لا سيّما أبا الأئمّة أبا الحسن عليّا المرتضى و لعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم يبعثون.
عند ما لاحظت أنّ المعارف الحقّة و العلوم كلّها تكمن في كتاب اللّه العزيز و أحاديث أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السّلام الذين جعلهم اللّه تعالى خزّانا لعلمه و تراجمة لوحيه، و عند ما رأيت أهل هذا العصر ينحرفون شيئا فشيئا عن الحقّ و يتغافلون عن أحاديث آل الرسول عليهم السّلام و كأنّهم ينسون وصيّة صاحب الدعوة صلّى اللّه عليه و آله إذ يقول في حديث متواتر، روته الخاصّة و العامّة:
«إنّي تارك فيكم الثقلين؛ كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» . (1)
و قال صلّى اللّه عليه و آله:
«إنّما مثل أهل بيتي (فيكم) كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا و من تخلّف عنها
ص :1
غرق، و مثل أهل بيتي مثل باب حطّة، من دخله نجا و من لم يدخله هلك» . (1)
و قال صلّى اللّه عليه و آله:
«أنا مدينة العلم و عليّ بابها، و أنا مدينة الحكمة و عليّ بابها، فمن أراد المدينة و الحكمة فليأتها من بابها» . (2)
و قال أيضا:
«اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، و مكان العينين من الرأس، فإنّ الجسد لا يهتدي إلاّ بالرأس، و لا يهتدي الرأس الاّ بالعينين» . (3)
و قال أيضا:
«مثلكم مثل النجوم، كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة» . (4)
و قال أيضا:
«إنّي و أهل بيتي مطهّرون فلا تسبقوهم فتضلّوا، و لا تتخلّفوا عنهم فتزلّوا، و لا تخالفوهم فتجهلوا و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، هم أعلم الناس كبارا
ص:2
و أحلم الناس صغارا، فاتّبعوا الحقّ و أهله حيث كان» . (1)
و قال في حقّ عليّ عليه السّلام:
«خذوا بحجزة هذا الأنزع-يعني عليّا-فإنّه الصدّيق الأكبر و هو الفاروق يفرّق بين الحقّ و الباطل، من أحبّه هداه اللّه، و من أبغضه أضلّه اللّه، و من تخلّف عنه محقّه اللّه، و منه سبطا أمّتي الحسن و الحسين، و هما ابناي، و من الحسين أئمّة الهدى، أعطاهم اللّه فهمي و علمي، فأحبّوهم و تولّوهم و لا تتّخذوا و ليجة من دونهم، فيحلّ عليكم غضب من ربّكم، و من يحلل عليه غضب من ربّه فقد هوى، و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور» . (2)
و غيرها من الأخبار و الأحاديث التي روتها العامّة و الخاصّة بأسانيد مختلفة و ألفاظ شتّى، و بعضها متواترة عندهم.
و على هذا رأيت أن أؤلّف كتابا يشتمل على أبواب هامّة في الموضوعات المتفاوتة، مرتّبا على ترتيب حروف المعجم، حاويا لأنواع العلوم و الحكم، بحيث يغني عن سائر كتب الحديث، مصدّرا كلّ باب منه بالآيات البيّنات، مبيّنا ما يحتاج في ألفاظ الروايات إلى الشرح و التفسير ببيان شاف، في غاية الاختصار و الإيجاز. و بعد مضيّ خمسة عشر عاما، تحقّق غرضي و استجيبت دعوتي. و ها أنا ذا أهدي كتابي إلى سيّدي و مولاي الإمام المنتظر الحجّة بن الحسن العسكريّ أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
يا أَيُّهَا اَلْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا اَلضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا اَلْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اَللّهَ يَجْزِي اَلْمُتَصَدِّقِينَ
و قبل الشروع في الأبواب، لا بدّ من تقديم نقاط هامّة للتعرّف على الكتاب:
1-كان قطب رحى هذا التحقيق و التأليف، كتاب بحار الأنوار للعلاّمة الأعظم
ص:3
المولى محمّد باقر المجلسي قدّس سرّه و هذا الكتاب من أشرف كتب الشيعة قدرا و أعظمها شرفا و أوسعها كمّا و كيفا. و لا يعني ذلك أنّنا لم نستفد من ساير كتب المحدّثين فقد نقلنا الروايات المذكورة من الكتب المتعدّدة و فائدة ذلك أن يعلم أهل البحث و التحقيق، مواضع ذكر روايات الباب في تلك المصادر و يسهل عليهم مراجعتها. و لا يخفى أنّنا اقتبسنا ترتيب أبواب الكتاب من كتاب"سفينة البحار"لغوّاص بحار أحاديث الأئمّة الأطهار، الشيخ عباس القميّ قدّس سرّه.
2-لم نذكر في أبواب الكتاب، جميع الأخبار الموجودة في كتب الحديث بل بذلنا وسعنا لنذكر ما كان ضروريا و نبيّن مسار و نظرية المعصومين عليهم السّلام في الباب و لذا نذكر في بعض الأبواب ما يتحصل من الأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك الباب كما نذكر من الأحاديث ما هو أوضح و أشمل من حيث المضمون و الدلالة، و لم نذكر جميع الأبواب المندرجة في كتب الأخبار لعدم الحاجة إلى ذلك، و لو حاولنا ذكر بعض تلك الأبواب مثل المسائل الفقهية للزمنا تدوين كتاب مستقل في ذلك الموضوع.
3-بذلنا جهدنا في توضيح الأحاديث المشكلة و شرحها و ربّ ساعات طويلة مضت علينا و نحن في مقام توضيح حديث أو ذكر معنى مناسب للحديث و الرواية.
و راجعنا كتب الأصحاب مرارا للتحرّي عن معاني الألفاظ الصعبة و مع ذلك فلربّما وقع بعض الخطأ حيث إنّ الانسان جايز الخطأ و النسيان.
و قد استفدنا في شرح الروايات من الكتب الكثيرة غير أنّ أكثر اعتمادنا في ذلك، كتاب مرآة العقول للعلامة المجلسيّ قدّس سرّه.
و لربما كان للحديث معنى لطيف يستفيد منه أهل الحقّ و البصيرة و لكن لم نذكر ذلك المعنى لأسباب.
و على أيّ حال فإنّ توضيح الأحاديث الواردة، على قدر فهمنا و استعدادنا و الاحتمالات كثيرة و لا يمكن القطع و الجزم فيها أو الإدّعاء بأنّ غرض الإمام و هدفه مطابق تماما مع ما وصلنا إليه، و ذلك لأنّ للأحاديث معان عالية قلّ ما تصل إليها أيدينا
ص:4
و لا يخفى أيضا أنّ للأحاديث معان ظاهرة و باطنة لا تنكشف بواطنها إلاّ للمعصوم سلام اللّه عليه.
4-لم نذكر سند الأحاديث احترازا من تحجيم الكتاب و تطويل أبوابه و بإمكان القارئ مراجعة المصادر.
5-لسنا في هذا الكتاب بصدد تحليل المباحث و لذا نذكر الأحاديث التي هي مدارك و منابع المباحث فقطّ و أمّا التحليل و إلقاء الضوء على الأبعاد المختلفة لكلّ مبحث، فهو على عاتق المحقّق. نعم، جمعنا في بعض الموارد، بين الروايات المختلفة و ليس هذا إلاّ لإجل بيان و حلّ مشكلة فهم الروايات.
6-لقد ذكرنا في كلّ باب ما رأينا المصلحة في ذكره و إن كانت الروايات مختلفة من حيث الإتجاهات. و منها، ما يكون معنى الرواية صعب مستصعب لا تتحمّله أكثر النفوس، كما أنّ الأشخاص متفاوتون من حيث الفهم و الإدراك و لذا يثقل اتجاه بعض الروايات على بعض الأشخاص. و من البديهي أن يستفيد كلّ انسان من الروايات بقدر فهمه و اطّلاعه، و لا ينبغي أن يشمئزّ أو يتنفّر من رواية أو اخرى لا تلائم معتقداته أو فهمه، بل عليه أن يعلم بأنّ المعصوم عليه السّلام يتحدّث لجميع الناس مع اختلاف درجاتهم.
و بناء عليه، يجب على الباحثين ملاحظة حالات الأشخاص و درجاتهم و أن يتحدّثوا لكلّ أحد بما يناسب حاله كما ورد في الأخبار بأن لا تحملوا على رقاب الناس ما لا يحتملون و وردت في الأخبار نقطة لطيفة اخرى و هي ردّ الخبر الذي يصعب علينا فهمه إلى الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، ذلك لأنّ إنكاره ربما أوجب الكفر و الخروج من حوزة الإسلام.
و خلاصة البحث؛ وظيفتنا ذكر الأخبار، و هذه المسائل خارجة عن عهدتنا.
و قد لاحظنا أنّ إحدى علل اختلاف الروايات راجعة إلى أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يتحدّثون مع أشخاص مختلفين من حيث القابلية و الاستيعاب، متفاوتين من حيث درجات الإيمان فيكلّمونهم على قدر عقولهم.
ص:5
7-و كما أنّ أفراد البشر متفاوتون من حيث الدرجة و القابليّة، كذلك الفرد الواحد له حالات مختلفة و أوضاع شتّى، حيث قد يكون في حالة الخوف أو الرجاء أو يكون حريصا على العبادة و شائقا إليها و ربما ثقلت عليه العبادة إلى غير ذلك من الحالات. فكما أنّ الإنسان يحافظ على نفسه من حيث الغذاء و الدواء فيجب عليه مراقبتها أيضا من حيث الغذاء الروحي. فإن كان-مثلا-في حالة الخوف، تقرأ له الروايات الواردة في الرجاء لا الروايات الواردة في الخوف و العقاب، و هكذا عكسه.
و النتيجة أنّ شفاء كلّ مرض و دواء كلّ داء موجود في الأحاديث و إنّما المهمّ معرفة المرض و تشخيص حالات المريض و أطواره، و هذه المعرفة على عهدة أساتيد الأخلاق و أعاظم العلماء الذين سلكوا أعواما متمادية طريق العبادة و الإخبات و معرفة اللّه و التقرّب إليه. و كذا على عهدة الإنسان نفسه، إذ الإنسان على نفسه بصيرة. فظهر ممّا ذكرنا أنّ السرّ الآخر في اختلاف الأحاديث، راجع إلى اختلاف حالات الأفراد بلا ريب.
8-الأساس في كسب الفضائل و دفع الرذائل، التضرّع إلى اللّه تعالى و التوكّل عليه و الاعتصام به و التوسّل بأوليائه و خلفائه، النبيّ و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام كما ورد في الأحاديث. لاحظ باب جهاد النفس و. . .
9-قد يتكرّر ذكر حديث واحد في أبواب مختلفة و السرّ في ذلك راجع إلى أهميّة الحديث أو أهميّة ذلك الباب أو النسيان الذي يتعرض إليه الإنسان.
10-يجب أن لا يحرّف الكتاب في الطبعات القادمة و لا تتغيّر كلماته أو جمله، و من أراد ترجمته عليه أن يذكر النصّ العربيّ للكتاب و يكتفي بالترجمة و لا يزيد عليها شيئا و إلاّ فلا أرضى بترجمته.
11-بما أنّ الغرض من تأليف الكتاب، استفادة العموم، لذا فلم نأت باسم أحد لا على سبيل التكريم و لا على سبيل التعريض و النقد، و عليه فإنّنا نعتذر من الأفاضل الكرام حيث لم نذكر أسمائهم في الكتاب.
12-لقد أوضحنا و فسّرنا كلّ كلمة في الباب المناسب لها. مثلا، أوضحنا كلمة الحكمة
ص:6
في باب"الحكمة"و كلمة الفقه في باب"العلم". و لقد بذلنا وسعنا أن لا يقع التكرار في تفسير و توضيح الكلمات إلاّ في المواضع التي كانت ذات أهميّة.
13-عند ما يذكر بيان أو توضيح من مؤلّف كتاب بعد ذكر الحديث، نأتي بكلمة «قال رحمه اللّه» و لم نذكر اسم المؤلّف.
14-في أوّل عنوان في الحاشية نذكر اسم الباب و بعدها نكتفي بذكر صفحة الكتاب و رقم الحديث.
15-عند ما يذكر عناوين و مصادر مختلفة، فإنّ الحديث الوارد في المتن يكون في الغالب مطابقا للعنوان و المصدر الأوّل إلاّ إذا كانت العبارة أصحّ في المصادر الأخرى و قد بذلنا وسعنا و راجعنا أحسن النسخ لتقليل الأخطاء في متن الحديث و لذا فإنّ العبارة ربما تختلف في بعض الأحاديث فليراجع النسخ الأخرى، و لا يخفى أنّه في كثير من الموارد، وضّحنا ذلك بعلامة مشخّصة، و لربما لم توجد العلامة في بعض الأحيان، و في بعض الأحاديث الكبيرة نكتفي بذكر القسم اللازم منها و نكتفي بوضع ثلاث نقط لإدامة الحديث.
و في نهاية الكتاب، بذلنا جهدا كبيرا و أمدا طويلا في مطابقة الأحاديث مع أحدث الطبعات ليتسنّى مراجعة المصادر بكلّ سهولة و يسر.
و لقد انتهيت من تدوين الكتاب المسمّى ب «ينابيع الحكمة» مع تشتّت الأحوال و كثرة الأشغال، فالمرجوّ من أخواني في اللّه أن ينظروا فيه بعين الاعتبار و أن يتغافلوا عن الردّ و الإنكار، فالكمال لواحد الجبّار، و أسأل اللّه أن يحشرنا مع محمّد و آله الأبرار، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.
يوم مولد مولانا المهديّ عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف/1415 ه ق
عباس بن محمّد الإسماعيليّ اليزدي
ص:7
ج-المجلّد
ب-الباب
ف-الفصل
م-المجلس
ح-الحديث
ص-الصفحة
ك-الكتاب
و أمّا في نهج البلاغة (المترجم لفيض الإسلام قدّس سرّه)
خ-الخطبة
ح-الحكمة
ر-الرسالة و الكتاب
ص:8
بسم اللّه الرحمن الرحيم
بيان:
«بنو أب و أمّ» كناية عن شدّة الإتّصال، أي ينبغي أن يكونوا كهذا النوع من الأخوّة، أو المراد آباؤهم الحقيقيون الذين أحيوهم بالإيمان و هم النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام كما ورد في الأخبار الكثيرة، أو يكون المراد ما سيأتي في باب الإيمان ف 1 من أنّ أباهم النور و أمّهم الرحمة و لا يكون المراد آدم و حواء لعدم اختصاص الانتساب إليهما بالمؤمنين.
و في النهاية، ضرب العرق ضربا إذا تحرّك بقوّة. و المراد هنا؛ المبالغة في قلّة الأذى، «سهر» أي لم ينم ليلا، و المعنى: أنّ المؤمنين كثيرا ما يذهب عنهم النوم في بعض الليالى من غير سبب ظاهر فهذا من وجع عرض لبعض إخوانهم، و يحتمل أن يكون السهر كناية عن الحزن للزومه له غالبا.
2-عن جابر الجعفي قال: تقبّضت بين يدي أبي جعفر عليه السّلام فقلت: جعلت فداك، ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي و صديقي.
فقال: نعم يا جابر، إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان و أجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه و أمّه، فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن، حزنت هذه، لأنّها منها. (1)
بيان:
«التقبّض» : أي ظهور أثر الحزن في الوجه، ضدّ الانبساط.
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه. (2)
ص:10
بيان:
«عينه» : أي يدلّه على مكارمه و معايبه بمنزلة عينه الباصرة أو بمعنى جاسوسه؛ يدلّه على معايبه.
أقول: بهذا المعنى أخبار اخر، في بعضها: «لا يكذبه و لا يغتابه و لا يخدعه و لا يحرمه» .
4-عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، و أرواحهما من روح واحدة، و إنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح اللّه من اتّصال شعاع الشمس بها. (1)
5-عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ستّة من المروّة؛ ثلاثة منها في الحضر و ثلاثة منها في السفر. فأمّا التي في الحضر؛ فتلاوة كتاب اللّه عزّ و جلّ و عمارة مساجد اللّه و اتخاذ الإخوان في اللّه، و أمّا التي في السفر؛ فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير المعاصي. (2)
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أعجز الناس، من عجز عن اكتساب الإخوان.
و أعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم. (3)
7-في حكم أمير المؤمنين عليه السّلام: ابذل لأخيك دمك و مالك، و لعدوّك عدلك و إنصافك، و للعامّة بشرك و إحسانك. تسلّم على الناس يسلّموا عليك. (4)
8-في مواعظ الصادق عليه السّلام: يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أعزّ
ص:11
من أخ أنيس و كسب درهم حلال. (1)
بيان:
«أعزّ» عزّ الشيء: قلّ فكاد لا يوجد، و العزيز النادر.
9-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: عليكم بالإخوان فإنّهم عدّة للدنيا و عدّة للآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ- وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (2). (3)
بيان:
«العدّة» : جمع عدد أي ما اعددته لحوادث الدهر من مال و سلاح و أمثالهما.
10-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما أحدث عبد أخا في اللّه الاّ أحدث له درجة في الجنّة. (4)
11-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن مرآة أخيه يميط عنه الأذى. (5)
بيان:
ماط أو أماط عن كذا: تنحّى و ابتعد.
12-و عنهم عليهم السّلام: لا يكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى يحبّ أخاه (المؤمن) . (6)
13-و قال عبد المؤمن الأنصاري: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام و عنده محمّد بن عبد اللّه الجعفري فتبسمت اليه، فقال عليه السّلام: أتحبّه؟ فقلت:
ص:12
نعم و ما أحببته إلاّ لكم.
فقال عليه السّلام: هو أخوك و المؤمن أخ المؤمن لأبيه و أمّه، ملعون ملعون من اتّهم أخاه، ملعون ملعون من غشّ أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من استأثر على أخيه، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخاه. (1)
14-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من أكرم أخاه فإنّما يكرم اللّه فما ظنّكم بمن يكرم اللّه أن يفعل اللّه به؟ (2)
15-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لكلّ شيء شيء يستريح إليه، و إنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلى شكله. (3)
16-عن الرضا عليه السّلام قال: من استفاد أخا في اللّه فقد استفاد بيتا في الجنّة. (4)
بيان:
«استفاد» : أي اكتسب.
17-قال الصادق عليه السّلام: من حبّ الرجل دينه حبّه أخاه. (5)
18-. . . عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: نظر المؤمن في وجه أخيه حبا له عبادة. (6)
19-في مواعظ علىّ عليه السّلام: . . . و عليك بإخوان الصدق فكثّر في اكتسابهم
ص:13
عدّة عند الرخاء، و جندا عند البلاء، و شاور حديثك الذين يخافون اللّه، و أحبب الإخوان على قدر التقوى. . . (1)
20-في وصايا الباقر عليه السّلام: اعرف المودّة في قلب أخيك بما له في قلبك. (2)
21-و قال عليه السّلام: من استفاد أخا في اللّه على إيمان باللّه و وفاء بإخائه طلبا لمرضات اللّه فقد استفاد شعاعا من نور اللّه، و أمانا من عذاب اللّه، و حجّة يفلج بها يوم القيامة و عزّا باقيا، و ذكرا ناميا، لأنّ المؤمن من اللّه عزّ و جلّ لا موصول و لا مفصول.
قيل له عليه السّلام: ما معنى لا موصول و لا مفصول؟ قال: لا موصول به؛ إنّه هو و لا مفصول منه؛ إنّه من غيره. (3)
بيان:
«فلج» الرجل: ظفر بما طلب، و على خصمه: غلبه، و فلج الحجّة: أثبتها و أظهرها.
22-في مواعظ الصادق عليه السّلام: . . . و من لم يواخ إلاّ من لا عيب فيه قلّ صديقه. . . (4)
23-قال الصادق عليه السّلام: ثلاثة أشياء في كلّ زمان عزيزة و هي: الإخاء في اللّه تعالى، و الزوجة الصالحة الأليفة تعينه في دين اللّه عزّ و جلّ و الولد الرشيد، و من وجد الثلاثة فقد أصاب خير الدارين و الحظّ الأوفر من الدنيا و الآخرة.
و احذر أن تواخي من أرادك لطمع أو خوف أو ميل أو مال أو أكل أو شرب، و اطلب مؤاخاة الأتقياء و لو فى ظلمات الأرض و إن افنيت عمرك فى طلبهم، فإنّ اللّه عزّ و جل لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيّين،
ص:14
و ما أنعم اللّه على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم. قال اللّه تعالى:
اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ (1)و أظنّ أنّ من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق. . . (2)
24-عن عليّ عليه السّلام قال: إيّاك و كثرة الإخوان، فإنّه لا يؤذيك إلاّ من يعرفك. (3)
25-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
الجفاء يفسد الإخاء (الغرر ج 1 ص 22 ف 1 ح 612)
الإخوان أفضل العدد (ص 35 ح 1087)
إخوان الدين أبقى مودّة (ص 49 ح 1405)
إخوان الصدق أفضل عدّة (ح 1406)
أخ تستفيده خير من أخ تستزيده (ح 1407)
الإخوان زينة في الرخاء و عدّة في البلاء (ص 58 ح 1564)
إخوان الصدق زينة في السرّاء و عدّة في الضرّاء. (ص 73 ح 1829)
الأخ المكتسب في اللّه أقرب الأقرباء و أرحم من الامّهات و الآباء.
(ص 76 ح 1868)
الإخوان جلاء الهموم و الأحزان (ص 99 ح 2141)
اصحب أخا التقى و الدين تسلم و استرشده تغنم. (ص 113 ف 2 ح 111)
اختر من كلّ شيء جديده و من الإخوان أقدمهم (ص 128 ح 235)
أفضل العدد أخ و فيّ و شفيق زكيّ (ص 194 ف 8 ح 339)
ص:15
أبعد الناس سفرا من كان سفره في ابتغاء أخ صالح (1)(ص 205 ح 462)
بالتواخي في اللّه تكمل المروّة. (ص 331 ف 18 ح 46)
بالتواخى في اللّه تثمر الاخوّة. (ح 47)
ثمرة الاخوّة حفظ الغيب و إهداء العيب. (ص 360 ف 23 ح 46)
ربّ أخ لم تلده امّك. (ص 418 ف 35 ح 84)
عليك بمؤاخاة من حذّرك و نهاك فإنّه ينجدك و يرشدك.
(ج 2 ص 482 ف 49 ح 61)
على قدر التواخي في اللّه تخلص المحبّة. (ص 488 ف 51 ح 20)
عند نزول الشدائد يخرب حفاظ الإخوان. (ص 489 ف 52 ح 6)
كلّ مودّة مبنيّة على غير ذات اللّه سبحانه ضلال و الاعتماد عليها محال.
(ص 548 ف 62 ح 88)
من آخى في اللّه غنم. (ص 616 ف 77 ح 134)
من آخى للدنيا حرم (ح 135)
من لا إخوان له لا أهل له (ص 680 ح 1097)
من ناقش الإخوان قلّ صديقه (ص 681 ح 1110)
من اتّخذ أخا من غير اختبار ألجأه الاضطرار إلى مرافقة الأشرار.
(ص 695 ح 1259)
من اتّخذ أخا بعد حسن الاختبار دامت صحبته و تأكّدت مودّته.
(ح 1260)
من لم يقدّم في اختيار الإخوان الاختبار، دفعه الاغترار إلى صحبة الأشرار.
(ح 1261)
ص:16
من فقد أخا في اللّه فكأنّما فقد أشرف أعضاه. (ص 723 ح 1525)
ما أكثر الإخوان عند الجفان (1)و أقلّهم عند حادثات الزمان.
(ص 749 ف 79 ح 205)
ما تواخى قوم على غير ذات اللّه سبحانه إلاّ كانت عليهم اخوّتهم ترّهة (2)يوم العرض على اللّه سبحانه. (ص 751 ح 219)
موت الأخ قصّ الجناح و اليد (ص 763 ف 80 ح 112)
ص:17
أصناف الإخوان و أوصافهم
1-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن الإخوان، فقال: الإخوان صنفان: إخوان الثقة و إخوان المكاشرة؛ فأمّا إخوان الثقة، فهم الكفّ و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثقة، فابذل له مالك و بدنك، و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و اكتم سرّه و عيبه، و أظهر منه الحسن، و اعلم أيّها السائل، أنّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، و أمّا إخوان المكاشرة، فإنّك تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم و لا تطلبنّ ماوراء ذلك من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان. (1)
بيان:
المراد ب «إخوان الثقة» أهل الصلاح و الصدق و الأمانة الذين يوثق بهم و يعتمد عليهم في الدين، و في عدم النفاق و موافقة ظاهرهم لباطنهم. و ب «إخوان المكاشرة» الذين ليسوا بتلك المثابة. و في النهاية، الكشر: ظهور الأسنان للضحك و كاشره: إذا ضحك في وجهه و باسطه. «فهم الكفّ» الحمل على المبالغة و التشبيه
ص:18
أي هم بمنزلة كفّك في إعانتك و كفّ الأذى عنك. «الجناح» في القاموس، الجناح:
اليد، و العضد، و الإبط، و الجانب، و نفس الشيء، و الكنف و الناحية انتهى. و أكثر المعاني مناسبة و العضد أظهر أي هم بمنزلة عضدك. «صاف من صافاه» أي أخلص الودّ لمن أخلص له الودّ. (راجع المرآة ج 9 ص 307)
2-خطب الناس الحسن بن عليّ عليهم السّلام فقال:
أيّها الناس، أنا أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد و لا يكثر إذا وجد، كان خارجا من سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله و لا رأيه، كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلاّ على ثقة لمنفعة، كان لا يتشهّى و لا يتسخّط و لا يتبرّم، كان أكثر دهره صمّاتا فإذا قال، بذّ القائلين، كان لا يدخل في مراء و لا يشارك في دعوى و لا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضيا و كان لا يغفل عن إخوانه و لا يخصّ نفسه بشيء دونهم.
كان ضعيفا مستضعفا، فاذا جاء الجدّ كان ليثا عاديا، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتّى يرى اعتذارا، كان يفعل ما يقول و يفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيّهما أفضل، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكو وجعا إلاّ عند من يرجو عنده البرء، و لا يستشير إلاّ من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرّم و لا يتسخّط و لا يتشكّى و لا يتشهّى و لا ينتقم و لا يغفل عن العدوّ.
فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه. (1)
ص:19
أقول:
في نهج البلاغة (ص 1225 ح 281) مثله باختلاف، و فيه: و كان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت و كان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلّم.
بيان: «عن أخ» : قد اختلف في المعنى بهذا الكلام و من هو هذا الأخ المشار اليه، و لعلّه ليس بإشارة إلى أخ معين و لكنّه كلام خارج مخرج المثل كما قاله ابن أبي الحديد في بيان كلام أمير المؤمنين عليه السّلام.
«و لا يتسخّط» : أي لا يسخط كثيرا لفقد المشتهيات أو لا يغضب لإيذاء الخلق له.
«و لا يتبرّم» البرم: السامّة و الضجر، و أبرمه فبرم: أملّه فملّ أي لا يملّ و لا يسأم من حوائج الخلق و كثرة سؤالهم و سوء معاشرتهم. «بذّ القائلين» : أي سبقهم و غلبهم. «و لا يدلي بحجّة» في القاموس، أدلى بحجّته: أحضرها و احتجّ بها و إليه بماله: دفعه، و في المصباح: و أدلى بحجته أثبتها فوصل بها إلى دعواه.
و في المرآة ج 9 ص 262: هذه الفقرة تحتمل وجوها. . .
«ليثا عاديا» الليث: الأسد، و العادي: الذي يقصد الناس و يفترس، و هنا كناية عن الشدّة في الامور. «ابتزّه أمران» : أي استلبه و غلبه و أخذه قهرا. و في نهج البلاغة بدلها"إذا بدهه أمران". «النصيحة» : المراد منها خلوص الرأى و عدم الغشّ و كمال الفهم. «لا يغفل عن العدوّ» : أي الأعداء الظاهرة و الباطنة كالشيطان و النفس.
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد المنبر قال:
ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن و الأحمق و الكذّاب، فأمّا الماجن فيزيّن لك فعله و يحبّ أن تكون مثله و لا يعينك على أمر دينك و معادك، و مقارنته جفاء و قسوة، و مدخله و مخرجه عليك عار.
و أمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير و لا يرجى لصرف السوء عنك و لو أجهد نفسه و ربّما أراد منفعتك فضرّك، فموته خير من حياته و سكوته خير
ص:20
من نطقه و بعده خير من قربه.
و أمّا الكذّاب فإنّه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك و ينقل إليك الحديث، كلّما أفنى أحدوثة مطّها بأخرى حتّى أنّه يحدّث بالصدق فما يصدّق و يغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا اللّه و انظروا لأنفسكم. (1)
بيان:
بهذا المعنى أخبار كثيرة، في بعضها: «اجتنب عن مؤاخاة الأحمق و البخيل و الجبان و الكذّاب» . و يأتي بعضها إن شاء اللّه في باب الصداقة و غيره.
«الماجن» : هو الذي لا يبالي ما يقول و ما يفعل. «الأحدوثة» واحد الأحاديث:
و هو ما يتحدّث به. «مطّها» : أي مدّها. «السخيمة» : ج سخائم و هي الحقد، و في بعض النسخ: "الشحائن". «يغري» : في بعض النسخ: "يفرق".
4-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي. (2)
5-عن مفضل بن عمر و يونس بن ظبيان قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم و إلاّ فأعزب ثمّ أعزب ثم أعزب:
المحافظة على الصلوات في مواقيتها، و البرّ بالإخوان في العسر و اليسر. (3)
بيان:
«أعزب ثمّ أعزب» : أي أبعد نفسك ثمّ أبعد.
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: شرّ الإخوان من تكلّف له. (4)
7-في مواعظ المجتبى عليه السّلام أنّه قال لبعض ولده: يا بنيّ، لا تواخ أحدا حتّى
ص:21
تعرف موارده و مصادره، فاذا استنبطت الخبرة و رضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة و المواساة في العسرة. (1)
8-في مواعظ الصادق عليه السّلام: إذا أردت أن تعلم صحّة ما عند أخيك فاغضبه، فإن ثبت لك على المودّة فهو أخيك و إلاّ فلا. (2)
9-و قال عليه السّلام: من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرّات فلم يقل فيك مكروها، فأعدّه لنفسك. (3)
10-في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل رحمه اللّه: يا كميل، لا بأس بأن تعلم أخاك سرّك.
يا كميل، و من أخوك؟ أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة و لا يغفل عنك عند الجريرة و لا يخدعك حين تسأله و لا يتركك و أمرك حتّى تعلمه فإن كان مميلا أصلحه. (4)
بيان:
«الجريرة» : الجناية لأنّها تجرّ العقوبة إلى الجاني.
«المميل» : من الميل و الاعوجاج، و «أصلحه» أي أقام اعوجاجه.
11-في مواعظ الصادق عليه السّلام: تحتاج الأخوّة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها و إلاّ تباينوا و تباغضوا: و هي التناصف و التراحم و نفي الحسد. (5)
بيان:
تناصف القوم: أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه.
ص:22
12-و قال عليه السّلام: الإخوان ثلاثة: فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كلّ وقت فهو العاقل، و الثاني في معنى الداء و هو الأحمق، و الثالث في معنى الدواء فهو اللبيب. (1)
بيان:
«اللبيب» : في المفردات، اللبّ: العقل الخالص من الشوائب و سمّي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللباب و اللبّ من الشي، و قيل: هو ما زكى من العقل، فكلّ لبّ عقل و ليس كلّ عقل لبّا، و لهذا علّق اللّه تعالى الأحكام التي لا يدركها إلاّ العقول الزكيّة بأولي الألباب نحو قوله: وَ مَنْ يُؤْتَ اَلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا اَلْأَلْبابِ، و نحو ذلك من الآيات.
13-و قال عليه السّلام: الإخوان ثلاثة: مواس بنفسه و آخر مواس بماله و هما الصادقان في الإخاء، و آخر يأخذ منك البلغة و يريدك لبعض اللذّة، فلا تعدّه من أهل الثقة. (2)
بيان:
واسى الرجل مواساة: أي عاونه «البلغة» : أي ما يبلغه و يكفيه من العيش.
14-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
أخوك مواسيك في الشدّة. . . (الغرر ج 1 ص 18 ف 1 ح 475)
الإخوان في اللّه تعالى تدوم مودّتهم لدوام سببها. . . (ص 72 ح 1820)
أخوك في اللّه من هداك إلى الرشاد، و نهاك عن الفساد، و أعانك على إصلاح المعاد. . . (ص 81 ح 1940)
ص:23
إنّ أخاك حقّا من غفر زلّتك و سدّ خلّتك و قبل عذرك و ستر عورتك و نفى وجلك (1)و حقّق أملك. . . (ص 252 ف 9 ح 269)
تبتني الأخوّة في اللّه على التناصح في اللّه، و التباذل في اللّه، و التعاون على طاعة اللّه، و التناهي عن معاصي اللّه، و التناصر في اللّه، و إخلاص المحبّة.
(ص 351 ف 22 ح 70)
خير الإخوان أقلّهم مصانعة (2)في النصيحة. . . (388 ف 29 ح 32)
خير إخوانك من عنّفك في طاعة اللّه سبحانه. . . (ص 389 ح 40)
خير الإخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه. . . (ح 39)
خير إخوانك من واساك، و خير منه من كفاك، و إن احتاج إليك أعفاك.
(ح 42)
خير الإخوان من لم يكن إخوانه مستقصيا. . . (ص 390 ح 51)
خير إخوانك من كثر إغضابه لك في الحقّ. (ص 391 ح 63)
خير إخوانك من واساك بخيره، و خير منه من أغناك عن غيره. (ح 67)
خير الإخوان أنصحهم و شرّهم أغشّهم. . . (ح 68)
خير الإخوان من إذا فقدته لم تحبّ البقاء بعده. . . (ح 69)
خير إخوانك من سارع إلى الخير، و جذبك إليه، و أمرك بالبرّ، و أعانك عليه.
(ح 73)
خير إخوانك من دعاك إلى صدق المقال بمقاله، و نديك (3)إلى حسن الأعمال يحسن أعماله. . . (ص 392 ح 74)
ص:24
خير إخوانك من دلّك على هدى و أكسبك تقى و صدّك عن اتّباع هوى.
(ح 81)
خير إخوانك من واساك. . . (ص 293 ح 87)
شر إخوانك من أرضاك بالباطل. . . (ص 443 ف 41 ح 19)
شرّ إخوانك من أحوجك إلى مداراة، و ألجأك إلى اعتذار، (ص 444 ح 28)
شرّ إخوانك من يبتغي لك شرّ يومه. . . (ح 33)
شرّ إخوانك من تتكلّف له-شرّ الإخوان الخاذل (1). (ص 445 ح 35 و 37)
شرّ الإخوان المواصل عند الرخاء، المفاصل عند البلاء. . . (ح 42)
شرّ إخوانك من أغزاك بهوى و ولّهك بالدنيا. . . (ح 43)
شرّ إخوانك من داهنك في نفسك و ساترك عيبك. . . (ص 446 ح 53)
شرّ إخوانك الغاشّ المداهن. . . (ح 58)
شرّ إخوانك من يتبطّئ عن الخير و يبطّئك معه. . . (ح 61)
شرّ إخوانك و أغشّهم لك من أغراك بالعاجلة، و ألهاك عن الآجلة.
(ص 447 ح 66)
ص:25
حقوق الإخوان
1-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته و يواري عورته و يفرّج عنه كربته و يقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله و ولده. (1)
بيان:
«يواري» : أي يستر. «عورته» : هي كلّ ما يستحيي منه إذا ظهر و ما يجب ستره، و هنا أعمّ من ذلك، و المراد إلباسه باللباس المتعارف. «خلفه» : أي كان عوضه و خليفته في قضاء حوائج أهله و ولده و رعايتهم.
2-عن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب بعض أصحابنا يسألون أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أشياء و أمروني أن أساله عن حقّ المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلمّا جئت لاودّعه فقلت: سألتك فلم تجبني؟ فقال: إنّي أخاف أن تكفروا، إنّ من أشدّ ما افترض اللّه على خلقه ثلاثا؛ إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلاّ بما يرضى لنفسه منه، و مواساة الأخ في المال، و ذكر اللّه على كلّ حال ليس «سبحان اللّه و الحمد للّه» و لكن عند ما حرّم اللّه عليه فيدعه. (2)
ص:26
أقول:
بهذا المعنى أخبار كثيرة جدّا، سيأتي بعضها في باب الذكر و. . .
3-عن سعيد بن الحسن قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: أيجيئ أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ فقلت: ما أعرف ذلك فينا. فقال أبو جعفر عليه السّلام: فلا شيء إذا. قلت: فالهلاك إذا، فقال: إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد. (1)
بيان:
«الحلم» ج أحلام: و هو الأناة و العقل.
4-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: حقّ المسلم على المسلم أن لا يشبع و يجوع أخوه، و لا يروى و يعطش أخوه، و لا يكتسي و يعرى أخوه، فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم! و قال: أحبّ لأخيك المسلم ما تحبّ لنفسك، و إذا احتجت فسله، و إن سألك فأعطه، لا تملّه خيرا و لا يملّه لك، كن له ظهرا فإنّه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته و إذا شهد فزره و أجلّه و أكرمه، فإنّه منك و أنت منه، فإن كان عليك عاتبا فلا تفارقه حتّى تسأل سميحته. و إن أصابه خير فاحمد اللّه، و إن ابتلي فاعضده، و إن تمحّل له فأعنه.
و إذا قال الرجل لأخيه: افّ، انقطع ما بينهما من الولاية و إذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
و قال: بلغني أنّه قال: إنّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الارض.
و قال: إنّ المؤمن وليّ اللّه يعينه و يصنع له و لا يقول عليه إلاّ الحقّ و لا يخاف
ص:27
غيره. (1)
بيان:
«تسأل سميحته» : أي بالعفو عن التقصير و مسائلته بالتجاوز لئلاّ يستقرّ في قلبه فيوجب التنافر و التباغض، و في بعض النسخ: "تسلّ سخيمته"و السلّ: انتزاعك الشيء و إخراجه في رفق أي تستخرج حقده و غضبه برفق. «إن تمحّل له. . .» المحل: الكيد و المكر، و تمحّل له: احتال، و في المرآة، أي إذا كاده إنسان و احتال لضرره فأعنه على دفعه عنه. . . «انماث» : أي اختلط و ذاب.
5-عن المفضّل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: يا مفضّل، اسمع ما أقول لك و اعلم أنّه الحقّ و افعله و أخبر به علية إخوانك، قلت: جعلت فداك و ما علية إخوانى؟ قال: الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم، قال: ثمّ قال: و من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى اللّه عزّ و جلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة، من ذلك أوّلها الجنّة و من ذلك أن يدخل قرابته و معارفه و إخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نصّابا.
و كان المفضّل إذا سأل الحاجة أخا من إخوانه قال له: أما تشتهي أن تكون من علية الإخوان. (2)
بيان:
«علية إخوانك» : أي شريفهم و رفيعهم.
6-قال أبو جعفر عليه السّلام: من مشى في حاجة أخيه المسلم أظلّه اللّه بخمسة و سبعين ألف ملك و لم يرفع قدما إلاّ كتب اللّه له حسنة و حطّ عنه بها سيّئة و يرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب اللّه عزّ و جلّ له بها أجر حاجّ
ص:28
و معتمر. (1)
7-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليّ من أن أعتق ألف نسمة و أحمل في سبيل اللّه على ألف فرس مسرّجة ملجمة. (2)
بيان:
«النسمة» : المملوك. «أحمل. . .» في المرآة ج 9 ص 113: أي أركب ألف إنسان على ألف فرس كلّ منها شدّ عليه السرج و ألبس اللجام و أبعثها في الجهاد. . .
8-عن سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أيّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله. (3)
بيان:
«فلم يناصحه» : في بعض النسخ: "فلم ينصحه"و أصله الخلوص و هو خلاف الغشّ، فإذا لم ينصحه فقد غشّه بتضييع حقوقه و رفض سيرة العدل فيه و من غشّه بشيء فقد خانه، و من خانه فقد خان اللّه و رسوله. و يحتمل المراد أنّه لم يبذل الجهد في قضاء حاجته و لم يهتمّ بذلك، قال الراغب: النصح: تحرّى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه.
9-قال الصادق عليه السّلام: من صار إلى أخيه المؤمن في حاجته أو مسلما فحجبه لم يزل في لعنة اللّه إلى أن حضرته الوفاة (4).
10-. . . قال الصادق عليه السّلام: اخدم أخاك فإن استخدمك فلا و لا كرامة. . . (5)
ص:29
11-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من عظّم دين اللّه عظّم حقّ إخوانه، و من استخفّ بدينه استخفّ بإخوانه. (1)
12-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه تعالى ليسأل العبد في جاهه، كما يسأل في ماله، فيقول: يا عبدي رزقتك جاها، فهل أعنت به مظلوما، أو أغثت به ملهوفا؟ (2)
أقول:
بمضمونه ح 11 عن الصادق عليه السّلام، و فيه قال: «فهل نصرت به مظلوما أو قمعت به ظالما أو أغثت به مكروبا؟» .
13-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه في عون العبد مادام العبد في العبد في عون أخيه. (3)
14-كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، و إن كان شاهدا زاره، و إن كان مريضا عاده. (4)
15-. . . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا آخا أحدكم رجلا فليسأله عن اسمه و اسم أبيه و قبيلته و منزله، فإنّه من واجب الحقّ و صافي الإخاء، و إلاّ فهي مودّة حمقاء. (5)
16-. . . في وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السّلام: و لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه، و لا يكن أهلك أشقى الناس بك، و لا ترغبنّ في من زهد فيك، و لا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته و لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، و لا على البخل
ص:30
أقوى منك على البذل، و لا على التقصير أقوى منك على الفضل. . . (1)
بيان:
«و لا يكوننّ أخوك. . .» : يعني إذا أتى أخوك بالقطيعة فقابلها أنت بالصلة حتّى تغلبه و لا يكوننّ هو أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة، و هكذا بعده.
17-في وصيّة الصادق عليه السّلام لابن النعمان (مؤمن الطاق) : يابن النعمان، إن أردت أن يصفو لك ودّ أخيك فلا تمازحنّه و لا تمارينّه و لا تباهينّه و لا تشارّنّه و لا تطلع صديقك من سرّك إلاّ على مالو اطّلع عليه عدوّك لم يضرّك، فإنّ الصديق قد يكون عدوّك يوما. (2)
بيان:
«لا تباهينّه» : أي لا تفاخرنّه. «لا تشارّنّه» : أي لا تخاصمنّه.
18-في مواعظ العسكري عليه السّلام: خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان باللّه و نفع الإخوان. (3)
19-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما عبد اللّه بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن. (4)
أقول:
راجع أبواب الإيمان، التقيّة، النصيحة و. . . أيضا.
20-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
أطع أخاك و إن عصاك، وصله و إن جفاك. (الغرر ج 1 ص 109 ف 2 ح 44)
ص:31
أعن أخاك على هدايته. (ص 110 ح 58)
ارفق بإخوانك، و اكفهم غرب لسانك، (1)واجر عليهم سيب (2)إحسانك.
(ص 118 ح 157)
احمل نفسك مع أخيك عند صرمه (3)على الصلة، و عند صدوده (4)على اللطف و المقاربة، و عند تباعده على الدنوّ، و عند جرمه على العذر، حتّى كأنّك له عبد و كأنّه ذو نعمة عليك، و إيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه أو تفعله مع غير أهله. (ص 127 ح 226)
إيّاك أن تغفل عن حقّ أخيك إتّكالا على واجب حقّك عليه، فإنّ لأخيك عليك من الحقّ مثل الذي لك عليه. (ص 151 ف 5 ح 56)
إذا اتّخذت وليّك [أخا]فكن له عبدا و امنحه صدق الوفاء و حسن الصفاء.
(ص 323 ف 17 ح 167)
ما حفظت الاخوّة بمثل المواساة. (ج 2 ص 743 ف 79 ح 126)
ما ساد من احتاج إخوانه إلى غيره (ص 744 ح 143)
من الكرم احتمال جناية الإخوان (ص 726 ف 78 ح 30)
من شرائط الإيمان حسن مصاحبة الإخوان. (ح 34)
نظام المروّة مجاهدة أخيك على طاعة اللّه سبحانه و صدّه عن معاصيه، و إن تكثّر على ذلك ملامه. (ص 778 ف 82 ح 48)
نظام الكرم موالاة الإحسان و مواسات الإخوان. (ح 49)
ص:32
زيارة الإخوان
1-عن ابن محبوب عن شعيب العقرقوفيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأصحابه: اتّقوا اللّه و كونوا إخوة بررة، متحابّين في اللّه، متواصلين متراحمين، تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا أمرنا و أحيوه. (1)
2-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من زار أخاه في بيته قال اللّه عز و جل له: أنت ضيفي و زائري، عليّ قراك و قد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه. (2)
بيان:
«قراك» يقال: قريت الضيف، إذا أحسنت إليه.
3-عن أبي غرّة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من زار أخاه في اللّه في مرض أو صحّة، لا يأتيه خداعا و لا استبدالا، وكّل اللّه به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه: أن طبت و طابت لك الجنّة، فأنتم زوّار اللّه، و أنتم وفد الرحمن، حتّى يأتي منزله، فقال له يسير: جعلت فداك، و إن كان المكان بعيدا؟ قال: نعم يا يسير، و إن كان المكان مسيرة سنة، فإنّ اللّه جواد و الملائكة كثيرة، يشيّعونه
ص:33
حتّى يرجع إلى منزله. (1)
بيان:
«و لا استبدالا» : أي لا يطلب بذلك بدلا و لا عوضا. «طبت و طابت. . .» : أي طهرت من الذنوب و الأدناس الروحانيّة و حلّت لك الجنّة و نعيمها.
4-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ للّه عزّ و جلّ جنّة لا يدخلها إلاّ ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحقّ، و رجل زار أخاه المؤمن في اللّه، و رجل آثر أخاه المؤمن في اللّه. (2)
5-عن أبي المغرا قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس شيء أنكى لإبليس و جنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض، قال: و إنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلاّ تخدّد، حتّى أنّ روحه لتستغيث من شدّة ما يجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء و خزّان الجنان فيلعنونه حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلاّ لعنه، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا. (3)
بيان:
«أنكى» : أي أوجع و أضرّ. «المضغة» : أي قطعة لحم و غيره. «تخدّد» : أي هزل و نقص و لكنّ المراد هنا تشقّق. «خاسئا» خسأ الكلب: طرده و خسأ أي بعد.
«حسيرا» حسر حسرا و حسرة: تلهّف، و الحسير: المتلهّف (اندوهگين، افسوس خورنده) . «مدحورا» : مطرودا مبعدا، من الدحر و هو الطرد و الإبعاد.
6-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم و ذكرا لأحاديثنا، و أحاديثنا تعطّف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم
ص:34
و نجوتم و إن تركتموها ضللتم و هلكتم، فخذوا بها و أنا بنجاتكم زعيم. (1)
بيان:
«أنا بنجاتكم زعيم» : أي كفيل و ضامن.
أقول: يستفاد من بعض الأخبار المذكورة هنا و الأخبار التي سيأتي في باب الحديث و غيره، أنّ المثوبات المذكورة في زيارة الإخوان تترتّب على زيارة الإخوان إذا كانوا إخوان الثقة و متى يتزاوروا يتذاكروا أحاديث الأئمّة و فضائلهم و. . .
7-عن خيثمة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: تزاوروا في بيوتكم فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا. (2)
8-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان فيما أوصى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا:
يا علىّ، ثلاث فرحات للمؤمن: لقى الإخوان و الإفطار من الصيام و التهجّد من آخر الليل. (3)
9-عن عبد العظيم الحسنيّ عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال: ملاقاة الإخوان نشرة و تلقيح العقل، و إن كان نزرا قليلا. (4)
بيان:
في البحار ج 66 ص 291، النشرة: ما يزيل الهموم و الأحزان التي يتوهّم أنّها من الجنّ. و في النهاية ج 5 ص 54، النشرة بالضمّ: ضرب من الرقية و العلاج، يعالج به من كان يظنّ أنّ به مسّا من الجنّ، سمّيت نشرة لأنّه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أى يكشف و يزال. «النزر» أي القليل.
ص:35
10-قال الصادق عليه السّلام: التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور، و التواصل في السفر المكاتبة. (1)
11-في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: يا عليّ، سر سنتين برّ والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيّع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في اللّه، سر خمسة أميال أغث الملهوف، سر ستّة أميال انصر المظلوم، و عليك بالاستغفار. (2)
بيان:
في مجمع البحرين، الملهوف: المظلوم المستغيث. «الميل» : فسّر المشهور من العلماء، الميل بأربعة آلاف ذراع أو بقدر مدّ البصر، و كلّ ثلاثة أميال فرسخ تقريبا.
أقول: الأخبار في فضل زيارة الإخوان كثيرة جدّا، يأتي بعضها إن شاء اللّه في بابي الزيارة و الحديث.
ص:36
الأخبار 1-عن أبي هاشم الجعفريّ قال: كنّا عند الرضا عليه السّلام، فتذاكرنا العقل و الأدب فقال: يا أبا هاشم، العقل حباء من اللّه و الأدب كلفة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه، و من تكلّف العقل لم يزدد بذلك إلاّ جهلا. (1)
بيان:
«الحباء» : العطيّة. في المرآة، «الأدب» : الطريقة الحسنة في المحاورات و المكاتبات و المعاشرات و ما يتعلّق بمعرفتها و ملكتها كلفة، فهي ممّا يكتسب فيتحمّل بمشقّة، فمن تكلّف الأدب قدر عليه. . .
و في إرشاد القلوب ص 225 ب 49: . . . حقيقة الأدب اجتماع خصال الخير و تجافي خصال الشرّ، و بالأدب يبلغ الرجل مكارم الأخلاق في الدنيا و الآخرة و يصل به إلى الجنّة، و الأدب عند الناس النطق بالمستحسنات لا غير، و هذا ممّا لا يعتدّ به. ما لم يوصل به إلى رضاء اللّه سبحانه و الجنّة، و الأدب هو أدب الشريعة فتأدّبوا بها. . .
أقول: سيأتي في باب الحكمة عن أمير المؤمنين عليه السّلام (في حديث) : و بحسن السياسة
ص:37
يكون الأدب الصالح.
2-قال أمير المؤمنين عليه السّلام يا مؤمن، إنّ هذا العلم و الأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما، فما يزيد من علمك و أدبك يزيد في ثمنك و قدرك، فإنّ بالعلم تهتدي إلى ربّك، و بالأدب تحسن خدمة ربّك، و بأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته و قربه، فاقبل النصيحة كي تنجو من العذاب. (1)
3-عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام قال: خمس من لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع، قيل: و ما هنّ يابن رسول اللّه؟ قال: الدين و العقل و الحياء و حسن الخلق و حسن الأدب. (2)
4-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا حسب أبلغ من الأدب. (3)
5-عن يحيى بن عمران قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يطمعنّ ذو الكبر في الثناء الحسن، و لا الخبّ في كثرة الصديق، و لا السيّيء الأدب في الشرف. . . (4)
بيان:
«الخبّ» : الخدّاع؛ و هو الذي يفسد الناس بالخداع و يمكر و يحتال في الأمر.
(مجمع البحرين)
6-عن ابن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: الأدب رياسة. (5)
7-عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
العلم وراثة كريمة و الآداب حلل حسان، و الفكرة مرآة صافية و الاعتذار منذر
ص:38
ناصح، و كفى بك أدبا لنفسك تركك ما كرهته لغيرك. (1)
بيان:
«الحلّة» : جمع حلل و هي الثوب الساتر لجميع البدن. «الفكرة» : اسم من الافتكار مثل العبرة من الاعتبار. «الاعتذار» إظهار ما يقتضي العذر.
8-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الأدب يغني عن الحسب.
و قال عليه السّلام: الآداب تلقيح الأفهام و نتايج الأذهان.
و قال عليه السّلام: حسن الأدب ينوب عن الحسب. (2)
9-في مواعظ الحسن بن عليّ المجتبى عليهما السّلام: لا أدب لمن لا عقل له، و لا مروّة لمن لا همّة له، و لاحياء لمن لا دين له، و رأس العقل معاشرة الناس بالجميل، و بالعقل تدرك الداران جميعا، و من حرم من العقل حرمهما جميعا. (3)
10-في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل رحمه اللّه: يا كميل، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أدّبه اللّه عزّ و جل و هو أدّبني و أنا اؤدّب المؤمنين و اورّث الأدب المكرمين. (4)
11-عن الصادق عليه السّلام في وصيّة لقمان لابنه: . . . يا بنيّ، إن تأدّبت صغيرا انتفعت به كبيرا، و من عنى بالأدب اهتمّ به و من اهتمّ به تكلّف علمه، و من تكلّف علمه اشتدّ له طلبه، و من اشتدّ له طلبه أدرك منفعته فاتّخذه عادة، فإنّك تخلف في سلفك و تنفع به من خلفك، و يرتجيك فيه راغب، و يخشى صولتك راهب. . . (5)
12-قيل لعيسى عليه السّلام: من أدّبك؟ قال: ما أدّبني أحد، رأيت قبح الجهل
ص:39
فجانبته. (1)
13-عن محمّد بن الحسن الميثميّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:
إنّ اللّه عزّ و جل أدّب رسوله صلّى اللّه عليه و آله حتّى قوّمه على ما أراد، ثمّ فوّض إليه، فقال عزّ ذكره: ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (2)فما فوّض اللّه إلى رسوله فقد فوّضه إلينا. (3)
14-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: . . . إذا فاتك الأدب فالزم الصمت. . . (4)
15-قال أبو محمّد العسكريّ عليه السّلام: . . . من تأدّب بآداب اللّه عزّ و جلّ أدّاه إلى الفلاح الدائم، و من استوصى بوصيّة اللّه كان له خير الدارين. (5)
16-نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الأدب عند الغضب. (6)
17-في وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السّلام: و إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية؛ ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك و يشتغل لبّك. . . (7)
و قال: و لا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه، فإنّ العاقل يتّعظ بالأدب، و البهائم لا تتّعظ إلاّ بالضرب. (8)
ص:40
18-و قال عليه السّلام: لا ميراث كالأدب. (1)
19-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، و معلّم نفسه و مؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس و مؤدّبهم. (2)
20-و قال عليه السّلام: كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك. (3)
21-قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام: لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم و الأدب الصالح حتّى يدخلهم الجنّة جميعا، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيرا و لا كبيرا و لا خادما و لا جارا، و لا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيّئ حتّى يدخلهم النار جميعا، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيرا و لا كبيرا و لا خادما و لا جارا. (4)
22-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: النفس مجبولة على سوء الأدب، و العبد مأمور بملازمة حسن الأدب، و النفس تجري في ميدان المخالفة، و العبد يجهد بردّها عن سوء المطالبة، فمتى أطلق عنانها فهو شريك في فسادها، و من أعان نفسه في هوى نفسه فقد أشرك نفسه في قتل نفسه. (5)
23-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أدّبني ربّي بمكارم الأخلاق. (6)
24-قال أمير المؤمنين عليه السّلام لولده الحسن عليه السّلام: يا بنيّ، أحرز حظّك من الأدب و فرّغ له قلبك فإنّه أعظم من أن يخالطه دنس، و اعلم أنّك إذا افتقرت
ص:41
عشت به و إن تغرّبت كان لك كالصاحب الذي لا وحشة معه، يا بنيّ، الأدب لقاح العقل و ذكاء القلب و عنوان الفضل.
و اعلم أنّه لا موّدة لأحد بماله و لا حاله بل الأدب عماد الرجل و ترجمان عقله و دليله على مكارم الأخلاق و ما الإنسان لو لا الأدب إلاّ بهيمة مهملة. (1)
25-قال الجواد عليه السّلام: ما اجتمع رجلان إلاّ كان أفضلهما عند اللّه آدبهما، فقيل: يابن رسول اللّه، قد عرفنا فضله عند الناس فما فضله عند اللّه فقال: بقرائة القرآن كما أنزل و يروي حديثنا كما قلنا، و يدعو اللّه مغرما بدعائه به. (2)
26-عن عليّ عليه السّلام قال: عدم الأدب سبب كلّ شرّ. (3)
27-و قال عليه السّلام: غاية الأدب أن يستحيي الإنسان من نفسه. (4)
28-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
الأدب أفضل حسب. (الغرر ج 1 ص 14 ف 1 ح 338)
الأدب أحسن سجيّة. (ص 33 ح 1010)
الأدب صورة العقل (ص 34 ح 1038)
الأدب كمال الرجل (ح 1040)
الأدب و الدين نتيجة العقل (ص 63 ح 1672)
الأدب في الإنسان كشجرة أصلها العقل (ص 88 ح 2026)
أفضل الشرف الأدب (ص 177 ف 8 ح 75)
أفضل الأدب حفظ المروّة (ص 182 ح 160)
أفضل الأدب ما بدأت به نفسك (ص 191 ح 294)
ص:42
أفضل الأدب أن يقف الإنسان عند حدّه و لا يتعدّي قدره. (ص 200 ح 416)
أحسن الآداب ما كفّك عن المحارم. (ص 206 ح 472)
أكرم حسب حسن الأدب (ص 208 ح 494)
إنّ بذوي العقول من الحاجة إلى الأدب كما يظمأ الزرع إلى المطر.
(ص 224 ف 9 ح 99)
إنّ الناس إلى صالح الأدب أحوج منهم إلى الفضّة و الذهب (ص 242 ح 214)
إنّك مقوّم بأدبك فزيّنه بالحلم (ص 288 ف 13 ح 27)
ثمرة الأدب حسن الخلق. (ص 359 ف 23 ح 17)
حسن الأدب يستر قبح النسب (ص 376 ف 27 ح 11)
خير ما ورّث الآباء الأبناء الأدب (ص 393 ف 29 ح 88)
سبب تزكية الأخلاق حسن الأدب (ص 430 ف 38 ح 11)
ضبط النفس عند الرغب و الرهب من أفضل الأدب. (ص 463 ف 45 ح 38)
طالب الأدب أحزم من طالب الدنيا (ج 2 ص 471 ف 47 ح 24)
طلب الأدب جمال الحسب. (ح 25)
عليك بالأدب فإنّه زين الحسب. (ص 478 ف 49 ح 16)
عقل المرء نظامه و أدبه قوامه و صدقه إمامه و شكره تمامه.
(ص 502 ف 55 ح 51)
كلّ شيء يحتاج إلى العقل و العقل يحتاج إلى الأدب. (ص 548 ف 62 ح 85)
كفى مؤدّبا لنفسك تجنّب ما كرهته لغيرك. (ص 560 ف 65 ح 69)
لن ينجع الأدب حتّى يقارنه العقل. (ص 590 ف 72 ح 10)
من قلّ أدبه كثرت مساويه (ص 634 ف 77 ح 434)
من ساء أدبه شان حسبه (ص 638 ح 502)
ص:43
من كلّف بالأدب قلّت مساويه (ص 645 ح 614)
من استهتر (دل باخته) بالأدب فقد زان نفسه (ص 646 ح 621)
من زاد أدبه على عقله كان كالراعي بين غنم كثيرة (ص 691 ح 1225)
من لم يكن أفضل خلاله أدبه كان أهون أحواله عطبه.
(ص 701 ح 1318)
من لم يصلح على أدب اللّه سبحانه لم يصلح على أدب نفسه.
(ص 703 ح 1339)
لا حسب كالأدب-لا زينة كالآداب (ص 830 ف 86 ح 28 و 32)
لا حلل كالآداب (ص 831 ح 57)
لا أدب مع غضب-لا شرف مع سوء أدب (ص 833 ح 96 و 97)
لا أدب لسيّئ النطق (ص 837 ح 160)
لا حسب أرفع من الأدب (ص 838 ح 180)
لا عقل لمن لا أدب له (ص 846 ح 333)
ص:44
فيه فصلان:
آداب الأكل
الأخبار
1-عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام للحسن عليه السّلام:
ألا اعلّمك أربع خصال، تستغني بها عن الطبّ؟ قال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام إلاّ و أنت جائع، و لا تقم عن الطعام إلاّ و أنت تشتهيه، وجوّد المضغ، و إذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ. (1)
2-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبي ذرّ رحمه اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا يوم القيامة (2).
ص:45
أقول:
في ح 2 و 4: «إذا تجشّأتم فلا ترفعوا جشاءكم إلى السماء» .
بيان: «الجشاء» : يقال بالفارسيّة: آروغ زدن.
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّ داء من التخمة إلاّ الحمّى فإنّها ترد ورودا. (1)
بيان:
«التخمة» تخم: ثقل عليه الأكل، و قال بعض: أن يفسد الطعام في المعدة و يستحيل إلى كيفية غير صالحة. و في لسان العرب: و أمّا التخمة من الطعام فأصلها و خمة، يقال: و خم الطعام إذا ثقل فلم يستمرأ.
4-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه إلى أن قبضه تواضعا للّه عزّ و جلّ. . . (2)
5-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و يعلم أنّه عبد. (3)
بيان:
في البحار ج 66 ص 417، «جلسة العبد» : الجثوّ على الركبتين (بزانو نشستن) ، و قال بعض علماء العامّة بعد بيان كراهة الاتّكاء: فالمستحبّ في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه و ظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى و يجلس على اليسرى.
6-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد، و لا يضعنّ إحدى رجليه
ص:46
على الأخرى، و يتربّع، فإنّها جلسة يبغضها اللّه، و يمقت صاحبها. (1)
7-عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يأكل بشماله، و يشرب بها؟ قال: لا يأكل بشماله، و لا يشرب بشماله، و لا يتناول بها شيئا. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار كثيرة. نعم في ح 5 عنه عليه السّلام قال: «شيئان يؤكلان باليدين جميعا:
العنب و الرمّان» .
8-عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأكل و أنت تمشي، إلاّ أن تضطرّ إلى ذلك. (3)
أقول:
الأخبار في الأكل ماشيا مختلفة، و الجمع بينها يقتضي الحكم بالكراهة، إلاّ مع الضرورة، كما في هذا الحديث.
9-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الطعام إذا جمع ثلاث خصال فقد تمّ: إذا كان من حلال، و كثرت الأيدي عليه، و سمّى في أوّله، و حمد اللّه في آخره. (4)
10-عن نادر الخادم قال: كان أبو الحسن عليه السّلام إذا أكل أحدنا لا يستحدثه حتّى يفرغ من طعامه. (5)
11-عن أبي ذرّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في وصيّة له قال: يا أباذرّ، لا تصاحب إلاّ مؤمنا، و لا يأكل طعامك إلاّ تقيّ، و لا تأكل طعام الفاسقين.
ص:47
يا أباذرّ، أطعم طعامك من تحبّه في اللّه، و كل طعام من يحبّك في اللّه. (1)
12-عن ابن أخي شهاب قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ألقى من الأوجاع و التخم، فقال لي: تغدّ و تعشّ و لا تأكل بينهما شيئا، فإنّ فيه فساد البدن، أما سمعت اللّه تبارك و تعالى يقول: لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا (2)؟ ! (3)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر.
بيان: يقال: «تغدّى» : أي أكل أوّل النهار و «تعشّى» أي أكل عند العشاء.
13-عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: أوّل خراب البدن ترك العشاء. (4)
14-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من ترك العشاء نقصت منه قوّة، و لا تعود إليه. (5)
أقول:
بهذا المضمون أخبار كثيرة، و في ح 9: «ترك العشاء مرمة» .
و في بعضها: «لا تدعو العشاء و لو على التمر اليابس الفاسد» و يكره ترك العشاء خصوصا للكهل و الشيخ.
15-عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: يا عليّ، إنّ الوضوء قبل الطعام و بعده شفاء في الجسد، و يمن
ص:48
في الرزق. (1)
أقول:
بهذا المعنى أخبار كثيرة، في ح 4: «الوضوء في أوّله ينفي الفقر، و في آخره ينفي الهمّ» و في ح 10: «فإنّه ينفي الفقر و يزيد في العمر» و في بعضها: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام إذا توضّأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل، و إذا توضّأ بعد الطعام مسّ المنديل» .
بيان: «الوضوء» : غسل اليدين كما ورد في الأخبار أيضا.
16-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من ذكر اسم اللّه على الطعام لم يسأل عن نعيم ذلك أبدا. (2)
17-عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
اذكروا اللّه على الطعام، و لا تلغطوا، فإنّه نعمة من نعم اللّه، و رزق من رزقه، يجب عليكم فيه شكره و ذكره و حمده. (3)
بيان:
«لا تلغطوا» : في الخصال بدلها: "و لا تطغوا فيه"و الطغيان: تجاوز الحدّ.
18-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا وضعت المائدة حفّتها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد: بسم اللّه، قالت الملائكة: بارك اللّه عليكم في طعامكم، ثمّ يقولون للشيطان: اخرج يا فاسق، لا سلطان لك عليهم، فإذا فرغوا، فقالوا: الحمد للّه، قالت الملائكة: قوم أنعم اللّه عليهم فأدّوا شكر ربّهم.
و إذا لم يسمّوا قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق، فكل معهم، فإذا رفعت المائدة، و لم يذكروا اسم اللّه عليها، قالت الملائكة: قوم أنعم اللّه عليهم، فنسوا
ص:49
ربّهم. (1)
19-عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث التسمية على الطعام) قال: قلت: فإن نسيت أن اسمّي؟ قال: تقول: بسم اللّه على أوّله و آخره. (2)
20-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ضمنت لمن سمّى على طعام أن لا يشتكي منه، فقال ابن الكواء: يا أمير المؤمنين، لقد أكلت البارحة طعاما فسمّيت عليه فآذانى. قال: فلعلّك أكلت ألوانا، فسمّيت على بعضها و لم تسمّ على بعض، يالكع! (3)
بيان:
«ابن الكوا» : هو عبد اللّه بن الكواء، خارجي ملعون فعليه لعنة اللّه. «اللكع» :
اللئيم و الأحمق.
21-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: و يأكل كلّ إنسان ممّا يليه، و لا يتناول من قدّام الآخر شيئا. (4)
22-عن البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: إذا أكلت فاستلق على قفاك، وضع رجلك اليمنى على اليسرى. (5)
بيان:
«فاستلق. . .» أي نم على قفاك.
23-عن الفضل بن يونس قال: تغدّى عندي أبو الحسن عليه السّلام، فجيء بقصعة و تحتها خبز، فقال: أكرموا الخبز أن يكون تحتها، و قال لي: مر الغلام
ص:50
أن يخرج الرغيف من تحت القصعة. (1)
أقول:
الأخبار في إكرام الخبز كثيرة. في بعضها أخبر عن عذاب الأمم السابقة لترك إكرام الخبز و إهانته. و في بعضها: «لا تقطعوا الخبز بالسكّين» ، و في بعضها: «من إكرام الخبز، إذا وضع الخبز أن لا ينتظر به غيره» .
24-سئل أبو الحسن عليه السّلام عن السفلة؟ فقال: الذي يأكل في الأسواق. (2)
25-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الطعام الحارّ غير ذي بركة. (3)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، و زاد في ح 8: «و للشيطان فيه نصيب» . و في ح 9 عنه عليه السّلام:
«نهينا عن أكل النار، كفّوا، فإنّ البركة في برده» .
26-عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (في حديث المناهي) قال:
و نهى أن ينفخ في طعام أو شراب، و أن ينفخ في موضع السجود. (4)
27-عن أبي حمزة قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول: لا تنهكوا العظام، فإنّ للجنّ فيها نصيبا، فإن فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك. (5)
بيان:
«لا تنهكوا» في مجمع البحرين (نهك) : أي لا تبالغوا في أكلها من قولهم: نهكت من الطعام: بالغت في أكله.
28-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: افتتح
ص:51
طعامك بالملح، و اختم به، فإنّ من افتتح طعامه بالملح، و ختم به عوفي من اثنين و سبعين نوعا من أنواع البلاء، منه: الجنون و الجذام و البرص. (1)
أقول:
و قال صلّى اللّه عليه و آله في ح 7: «فإنّ فيه شفاء من اثنين و سبعين داء» .
و قال صلّى اللّه عليه و آله في ح 12: «فإنّ فيه شفاء من سبعين داء، منها: الجنون و الجذام و البرص و وجع الحلق و الأضراس و وجع البطن» .
29-عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
ابدءوا بالملح في أوّل طعامكم، فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق (الترياق ف ن) المجرّب. (2)
بيان:
في مجمع البحرين، الترياق: ما يستعمل لدفع السمّ من الأدوية و المعاجين و يقال:
"الدرياق".
30-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: أوحى اللّه تبارك و تعالى إلى موسى بن عمران عليه السّلام: أن مر قومك يفتتحون بالملح، و يختتمون به، و إلاّ فلا يلوموا إلاّ أنفسهم. (3)
31-عن محمّد بن عليّ الهمداني: أنّ رجلا كان عند الرضا عليه السّلام بخراسان، فقدمت اليه مائدة عليها خلّ و ملح، فافتتح بالخلّ، قال الرجل: جعلت فداك، أمرتمونا أن نفتتح بالملح، فقال: هذا مثله-يعني الخلّ-و أنّ الخلّ يشدّ الذهن، و يزيد في العقل. (4)
ص:52
32-عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبىّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام قال:
يا عليّ، اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلّمها على المائدة: أربع منها فريضة، و أربع منها سنّة، و أربع منها أدب.
فأمّا الفريضة: فالمعرفة بما يأكل، و التسمية، و الشكر، و الرضا.
و أمّا السنّة: فالجلوس على الرجل اليسرى، و الأكل بثلاث أصابع، و أن يأكل ممّا يليه، و مصّ الأصابع.
و أمّا الأدب: فتصغير اللقمة، و المضغ الشديد، و قلّة النظر في وجوه الناس، و غسل اليدين. (1)
بيان:
«مص الأصابع» في خبر آخر: "لعق الأصابع".
33-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أراد أن لا يضرّه طعام فلا يأكل طعاما حتّى يجوع و تنقي معدته، فإذا أكل فليسمّ اللّه و ليجد المضغ، و ليكفّ عن الطعام و هو يشتهيه و يحتاج إليه. (2)
34-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كفر بالنعم أن يقول الرجل: أكلت طعام كذا و كذا، فضرّني. (3)
35-في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل رحمه اللّه: يا كميل، إذا أكلت الطعام فسمّ باسم الذي لا يضرّ مع اسمه داء و فيه شفاء من كلّ الأسواء.
يا كميل، و آكل الطعام و لا تبخل عليه، فإنّك لن ترزق الناس شيئا، و اللّه يجزل لك الثواب بذلك، أحسن عليه خلقك، و ابسط جليسك، و لاتتّهم خادمك.
يا كميل، إذا أكلت فطوّل أكلك ليستوفي من معك و يرزق منه غيرك.
ص:53
يا كميل، إذا استوفيت طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك و ارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.
يا كميل، لا توقرنّ معدتك طعاما ودع فيها للماء موضعا و للريح مجالا، و لا ترفع يدك من الطعام إلاّ و أنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه، فإنّ صحّة الجسم من قلّة الطعام و قلّة الماء. (1)
بيان:
«لا توقرنّ معدتك» أي لا تثقل معدتك بكثرة الطعام.
36-في مواعظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: من أكل ما يشتهي و لبس ما يشتهي و ركب ما يشتهي، لم ينظر اللّه اليه حتّى ينزع أو يترك. (2)
أقول:
و في الحديث: من أكل طعاما للشهوة، حرّم اللّه على قلبه الحكمة.
(التحصين لابن فهد رحمه اللّه ص 6 ح 4)
37-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الأكل مع الخدّام من التواضع، فمن أكل معهم اشتاقت إليه الجنّة. (3)
38-و قال صلّى اللّه عليه و آله: الأكل في السوق من الدناءة. (4)
39-و قال صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن يأكل بشهوة أهله، و المنافق يأكل أهله بشهوته. (5)
ص:54
40-و قال صلّى اللّه عليه و آله: طعام الجواد دواء، و طعام البخيل داء. (1)
41-في مناهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنّه نهى عن الأكل على الجنابة و قال: إنّه يورث الفقر، و نهى أن يأكل الإنسان بشماله و أن يأكل و هو متّكىء. (2)
42-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اخلعوا نعالكم عند الطعام فإنّه سنّة جميلة، و أروح للقدمين. (3)
43-عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء. (4)
أقول:
ذكرنا أهمّ الأخبار في هذا الفصل، و سيأتي ما يناسب المقام في أبواب الطعام، الحرام، . . .
ص:55
ذمّ كثرة الأكل و مدح الجوع
1-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قال لي: يا أبا محمّد، إنّ البطن ليطغى من أكله، و أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا خفّ بطنه، و أبغض ما يكون العبد من اللّه إذا امتلأ بطنه. (1)
بيان:
قال النراقي رحمه اللّه في جامع السعادات ج 2 ص 6: الأخبار الواردة بهذه المضامين كثيرة، و لا ريب في أنّ أكثر الأمراض و الأسقام تترتب على كثرة الأكل. . . و البطن منبت الأدواء و الآفات و ينبوع الشهوات، إذ تتبعها شهوة الفرج شدّة السبق إلى المنكوحات، و تتبع شهوة المطعم و المنكح شدّة الرغبة في الجاه و المال، ليتوسّل بهما إلى التوسّع في المطعومات و المنكوحات، و يتبع ذلك أنواع الرعونات، و ضروب المحاسدات و المنافسات، و تتولّد من ذلك آفة الرياء، و غائلة التفاخر و التكاثر و العجب و الكبر، و يداعي ذلك إلى الحقد و العداوة و البغضاء، و يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي و المنكر و الفحشاء، و كلّ ذلك ثمرة إهمال المعدة و ما يتولّد من بطر الشبع و الامتلاء. . .
و قال رحمه اللّه في ص 8: ثمّ للجوع فوائد: هي صفاء القلب و رقّته، و اتقاد الذهن و حدّته
ص:56
و الالتذاذ بالمناجاة و الطاعة، و الابتهاج بالذكر و العبادة، و الترحّم لأرباب الفقر و الفاقة، و التذكّر بجوع يوم القيامة، و الانكسار المانع عن الطغيان و الغفلة، و تيسّر المواظبة على الطاعة و العبادة، و كسر شهوات المعاصي المستولية بالشبع، و دفع النوم الذي يضيع العمر و يكلّ الطبع و يفوّت القيام و التهجّد و التمكّن من الإيثار و التصدّق بالزائد و خفّة المؤنة الموجبة للفراغ عن الاهتمام بالتحصيل و الاعداد، و صحّة البدن و دفع الأمراض، إذ المعدة بيت كلّ داء و الحمية رأس كلّ دواء، و ورد: «كلوا في بعض بطونكم تصحّوا» و أضداد هذه الفوائد من المفاسد يترتّب على الشبع. . .
أقول: لا يخفى أنّ احتياج الناس إلى الأكل مختلف باختلافهم من حيث الكمّ و الكيف فلذا قد يكون الإفراط بالنسبة إلى شخص، تفريطا بالنسبة إلى شخص آخر و بالعكس. و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اعط كلّ بدن ما عوّدته» .
2-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بئس العون على الدين قلب نخيب و بطن رغيب، و نعظ شديد. (1)
بيان:
في النهاية ج 5 ص 31، «النخيب» : الجبان الذي لا فؤاد له و قيل: الفاسد الفعل (العقل ب) «الرغيب» الواسع الجوف من الناس و غيرهم، و يكنّى به عن كثرة الأكل و في القاموس: الرغب بالضمّ و بضمّتين: كثرة الأكل و شدّة النهم فهو رغيب.
«نعظ» نعظ ذكره نعظا، إذا قام، و انعظ الرجل، إذا اشتهى إلى الجماع، و الإنعاظ:
الشبق.
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه يبغض كثرة الأكل.
و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس بدّ لابن آدم من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل
ص:57
أحدكم طعاما فليجعل ثلث بطنه للطعام، و ثلث بطنه للشراب، و ثلث بطنه للنفس، و لا تسمّنوا تسمّن الخنازير للذبح. (1)
4-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن يأكل في معاء واحدة، و المنافق يأكل في سبعة أمعاء. (2)
بيان:
رواه غير واحد، و ذكر في البحار ج 66 ص 325 وجوها في معنى الحديث.
و لعلّه كناية عن كثرة أكل المنافق، و قلّة أكل المؤمن، حيث إنّ المؤمن يقنع من مطعمه بمقدار ما يسدّ به الجوع، و يمسك الرمق، دون المآكل التي يقصد بها وجه اللذّة فكأنّه يأكل في معاء واحد، بخلاف المنافق فهو عبد اللذّة، و كادح في طاعة شهوته. و يحتمل أن يكون المراد أنّ المؤمن يأكل أكلة واحدة من لون واحد دون الألوان، و المنافق يأكل من الألوان المختلفة، و الفرق بينهما أنّ المراد بالأوّل من حيث كميّة الأكل و الثاني من حيث الكيفيّة، و الأظهر كلاهما حيث إنّ المؤمن يأكل قليلا كمّا و كيفا دون المنافق و الكافر.
5-عن عمرو بن إبراهيم قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: لو أنّ الناس قصدوا في الطّعم لاعتدلت (في الطعام لاستقامت م) أبدانهم. (3)
بيان:
«قصدوا» أي في الكمّ و الكيف معا.
6-عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ظهر إبليس ليحيى بن زكريّا عليه السّلام، و إذا عليه معاليق من كلّ شيء، فقال له يحيى: ما هذه المعاليق؟ فقال:
هذه الشهوات التي اصيب بها ابن آدم، فقال: هل لي منها شيء؟ فقال: ربّما
ص:58
شبعت فشغلناك عن الصلاة و الذكر، قال: للّه عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبدا، و قال إبليس: للّه عليّ أن لا أنصح مسلما أبدا.
ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا حفص، للّه على جعفر و آل جعفر أن لا يملأوا بطونهم من طعام أبدا، و للّه على جعفر و آل جعفر أن لا يعملوا للدنيا أبدا. (1)
بيان:
«المعلاق» ج معاليق: كلّ ما يعلّق به.
7-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ البطن إذا شبع طغى. (2)
8-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الأكل على الشبع يورث البرص. (3)
9-قام عيسى بن مريم خطيبا، فقال: يا بني إسرائيل، لا تأكلوا حتّى تجوعوا، و إذا جعتم فكلوا، و لا تشبعوا، فإنّكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، و سمنت جنوبكم، و نسيتم ربّكم. (4)
10-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: نور الحكمة الجوع، و التباعد من اللّه الشبع، و القربة إلى اللّه حبّ المساكين و الدنوّ منهم.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام و الشراب، فإنّ القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليها الماء.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: لا تشبعوا فتطفئ نور المعرفة من قلوبكم، و من بات يصلّي في خفّة من الطعام بات الحور العين حوله. (5)
11-عن عقبة بن عامر قال: سمعت سلمان رحمه اللّه و قد اكره على طعام، فقال:
ص:59
حسبي، إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة، يا سلمان، إنّما الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر. (1)
12-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إيّاكم و البطنة، فإنّها مفسدة للبدن و مورثة للسقم و مكسلة عن العبادة.
و روي: من قلّ طعامه صحّ بدنه و صفا قلبه، و من كثر طعمه سقم بدنه و قسا قلبه. (2)
بيان:
«البطنة» : الامتلاء المفرط من الأكل.
13-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أمّتي على ثلاثة أصناف: صنف يشبّهون بالأنبياء و صنف يشبّهون بالملائكة و صنف يشبّهون بالبهائم. أمّا الذين يشبّهون بالأنبياء فهمّتهم الصلوة (و الصدقة) و الزكوة، و أمّا الذين يشبّهون بالملائكة فهمّتهم التسبيح و التهليل و التكبير، و أمّا الذين يشبّهون بالبهائم فهمّتهم الأكل و الشرب و النوم. (3)
14-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من كان همّته ما يدخل بطنه كان قيمته ما يخرج من بطنه. (4)
15-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى: إنّي وضعت خمسة أشياء في خمسة و الناس يطلبونها في خمسة اخرى فمتى يجدونها؟ إنّي وضعت العزّ في طاعتي و الناس يطلبونها في أبواب السلاطين فمتى يجدونه، و وضعت العلم و الحكمة في الجوع و الناس يطلبونها فى الشبع فمتى يجدونه، و وضعت الراحة في الجنّة
ص:60
و الناس يطلبونها فى الدنيا فمتى يجدونها، و وضعت الغنا في القناعة و الناس يطلبونه بجمع المال فمتى يجدونه، و وضعت رضاي في مخالفة الهوى و الناس يطلبونه فى الهوى فمتى يجدونه. (1)
16-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، خمسة تميت القلب: كثرة الأكل و كثرة النوم و كثرة الضحك و كثرة همّ القلب، و أكل الحرام يطرد الإيمان. (2)
17-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إيّاكم و فضول المطعم فإنّه يسمّ القلب بالقسوة و يبطىء بالجوارح من الطاعة و يصمّم الهمم عن سماع الموعظة، و إيّاكم و فضول النظر، فإنّه يبذر الهوى و يولد الغفلة. (3)
18-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنّه يورث الحماقة و البله. (4)
19-قال لقمان لابنه: يا بنىّ، إذا امتلئت المعدة نامت الفكرة و خرست الحكمة و قعدت الأعضاء عن العبادة. (5)
20-قال عيسى عليه السّلام لأصحابه: جوعوا لعلّ قلوبكم ترى ربّكم. (6)
21-عن زيد بن ربيع قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشدّ على بطنه الحجر من الغرث يعني الجوع. . . (7)
22-قال أبو جعفر عليه السّلام: ما من شيء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء.
ص:61
و قال عليه السّلام: أبعد الخلق من اللّه، إذا ما امتلأ بطنه. (1)
23-قال جعفر بن محمّد عليهما السّلام: فساد الجسد في كثرة الطعام، و فساد الزرع في كسب الآثام، و فساد المعرفة في ترك الصلوة على خير الأنام. (2)
24-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لاسامة (في خبر طويل) : و اعلم يا أسامة، إنّ أكثر الناس عند اللّه منزلة يوم القيامة، و أجزلهم ثوابا، و أكرمهم مآبا، من طال في الدنيا حزنه، و دام فيها غمّه، و كثر فيها جوعه و عطشه، أولئك الأبرار الأتقياء الأخيار. (3)
بيان:
«حزنه» أي حزن لأمر الآخرة.
25-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة من قلوبكم. (4)
26-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيّقوا مجاريه بالجوع. (5)
27-. . . قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من قلّ أكله قلّ حسابه. (6)
28-في كلام عليّ بن الحسين عليهما السّلام في الزهد قال: . . . و إنّ العاقل عن اللّه، الخائف منه، العامل له ليمرّن نفسه و يعودّها الجوع حتّى ما تشتاق إلى الشبع، و كذلك تضمّر الخيل لسباق الرهان. . . (7)
ص:62
بيان:
«تضمّر الخيل» : تضمير الفرس و إضماره: أن تعلفه حتّى يسمن ثمّ لا تعلف إلاّ قوتا لسباق الرهان و ذلك في أربعين يوما.
29-في خبر المعراج قال اللّه تعالى: يا أحمد، و عزّتي و جلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلاّ أدخلته الجنّة: يطوي لسانه فلا يفتحه إلاّ بما يعنيه، و يحفظ قلبه من الوسواس، و يحفظ علمي و نظري إليه، و يكون قرّة عينه الجوع.
يا أحمد، لو ذقت حلاوة الجوع و الصمت و الخلوة، و ماورثوا منها، قال:
يا ربّ، ما ميراث الجوع؟ قال: الحكمة و حفظ القلب و التقرّب إليّ و الحزن الدائم و خفّة المؤنة بين الناس و قول الحقّ و لا يبالي عاش بيسر أم بعسر.
يا أحمد، هل تدري بأىّ وقت يتقرب العبد إليّ؟ قال: لا يا ربّ، قال: إذا كان جائعا أو ساجدا. . . (1)
يا أحمد، إنّ العبد إذا جاع بطنه و حفظ لسانه علّمته الحكمة، و إن كان كافرا تكون حكمته حجّة عليه و وبالا، و إن كان مؤمنا تكون حكمته له نورا و برهانا و شفاء و رحمة فيعلم ما لم يكن يعلم و يبصر ما لم يكن يبصر، فأوّل ما أبصره عيوب نفسه حتّى يشتغل بها عن عيوب غيره و أبصره دقائق العلم حتّى لا يدخل عليه الشيطان. (2)
30-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لا يدخل ملكوت السموات من ملأ بطنه. (3)
أقول:
في تنبيه الخواطر ص 108: ملكوت السموات و الأرض.
31-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: البسوا و كلوا و اشربوا في أنصاف البطون فإنّه جزء
ص:63
من النبوّة. (1)
32-قال الصادق عليه السّلام: قلّة الأكل محمود في كلّ حال و عند كلّ قوم لأنّ فيه مصلحة للظاهر و الباطن، و المحمود من المأكولات أربعة: ضرورة وعدّة و فتوح و قوّة، فالأكل الضروري للأصفياء، و العدّة لقوام الأتقياء، و الفتوح للمتوكّلين، و القوّة للمؤمنين، و ليس شيء أضرّ لقلب المؤمنين من كثرته فيورث شيئين: قسوة القلب و هيجان الشهوة، و الجوع إدام للمؤمنين و غذاء للروح و طعام للقلب و صحّة للبدن.
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما ملأ ابن آدم وعاء أشرّ من بطنه.
و قال داود عليه السّلام: ترك لقمة مع الضرورة إليها أحبّ إليّ من قيام عشرين ليلة.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن يأكل في معا واحد و المنافق في سبعة أمعاء.
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ويل للناس من القبقبين، قيل: و ما هما يا رسول اللّه؟ قال:
البطن و الفرج.
قال عيسى بن مريم عليه السّلام: ما أمرض قلب بأشدّ من القسوة و ما اعتلّت نفس بأصعب من نقص (بغض ف ن) الجوع و هما زمامان للطرد و الخذلان. (2)
بيان:
«الضرورة للأصفياء» في البحار: لعلّ المراد بالضرورة أن لا يتصرّف من القوت إلاّ بقدر الضرورة عند الاضطرار، و هذه طريقة الأصفياء.
«و العدّة لقوام الأتقياء» : أي لقوام بدنهم في طاعة اللّه و ترك معصيته، و في البحار.
و العدّة: هو أن يدّخر عدّة للفقراء و الضعفاء، و هذا شأن القوّام بأمور الخلق الأتقياء، فإنّهم لا يخونون فيها بل يصرفونها في مصارفها.
ص:64
«الفتوح للمتوكّلين» : لعلّ المعنى أنّه ليس للمتوكّل من حطام الدنيا شيء، يتوكّل على اللّه و ينتظر ما يفتح اللّه له و ما يرزقه. و في البحار: و الفتوح و هو أن لا يدّخر شيئا و ينتظر ما يفتح اللّه له فينفقه، قليلا كان أو كثيرا، و هذا ديدن المتوكّلين.
«القوة للمؤمنين» : أي يحصل ما يقوّيهم على الطاعات و في بعض النسخ: "و قوت"، و في البحار، المراد بالقوت أن يدّخر قوت السنة و لا يزيد عليه و هذا مجوّز للمؤمنين كما ورد في الأخبار.
«للطرد و الخذلان» : أي من جناب الحقّ تعالى. (البحار ج 66 ص 338)
33-عن عليّ عليه السّلام قال: ينبغي للعاقل أن يتذكّر عند حلاوة الغذاء مرارة الدواء. (1)
34-عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:
البطنة تمنع الفطنة (الغرر ج 1 ص 16 ف 1 ح 400)
الشبع يفسد الورع (ص 24 ح 710)
التجوّع أدوء الدواء-الشبع يكثر الأدواء (ص 31 ح 953 و 954)
إدمان الشبع يورث أنواع الوجع (ص 50 ح 1408)
أقلل طعاما تقلل سقاما، أقلل كلامك تأمن ملاما. (ص 114 ف 2 ح 113)
إيّاك و البطنة فمن لزمها كثرت أسقامه و فسدت أحلامه. (ص 147 ف 5 ح 9)
إيّاك و إدمان الشبع فإنّه يهيّج الأسقام و يثير العلل. (ص 151 ح 51)
إيّاكم و البطنة فإنّها مقساة للقلب و مكسلة عن الصلاة و مفسدة للجسد.
(ص 159 ح 111)
أمقت العباد إلى اللّه سبحانه من كان همّته بطنه و فرجه.
(ص 205 ف 8 ح 468)
ص:65
إذا أراد اللّه سبحانه صلاح عبده ألهمه قلّة الكلام، و قلّة الطعام، و قلّة المنام.
(ص 320 ف 17 ح 143)
إذا ملئ البطن من المباح عمي القلب عن الصلاح. (ص 323 ح 165)
بئس قرين الورع، الشبع. (ص 341 ف 20 ح 25)
قلّة الأكل من العفاف و كثرته من الإسراف. (ج 2 ص 536 ف 61 ح 35)
قلّ من أكثر من الطعام فلم يسقم. (ح 37)
قلّة الأكل تمنع كثيرا من أعلال الجسم. (ص 537 ح 56)
قلّة الغذاء (أكرم للنفس) و أدوم للصحّة (ص 543 ح 107)
كم من أكلة منعت أكلات. (ص 550 ف 63 ح 16)
كيف تصفو فكرة من يستديم الشبع. (ص 553 ف 64 ح 2)
كثرة الأكل و النوم يفسدان النفس و يجلبان المضرّة. (ص 563 ف 66 ح 37)
من قلّ طعامه قلّت آلامه (ص 654 ف 77 ح 750)
من قلّ أكله صفا فكره. (ص 657 ح 803)
من اقتصد في أكله، كثرت صحّته و صلحت فكرته. (ص 684 ح 1140)
من كثر أكله قلّت صحّته، و ثقلت على نفسه مؤونته. (ص 693 ح 1242)
نعم عون المعاصي الشبع. (ص 772 ف 81 ح 42)
نعم العون على أسر النفس و كسر عادتها الجوع. (ص 773 ح 63)
لا يجتمع الشبع و القيام بالمفروض-لا يجتمع الجوع و المرض.
(ص 836 ف 86 ح 134 و 135)
لا تجتمع البطنة و الفطنة (ح 138)
أقول:
الأخبار في هذا الفصل كثيرة، و يدلّ على ذلك الأخبار الواردة في سيرة الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام و الأخبار الواردة في فضل الصوم.
ص:66
الأخبار
1-في حديث موسى بن جعفر عليهما السّلام لهشام: يا هشام، من سلّط ثلاثا على ثلاث فكأنّما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكّره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه على هدم عقله، و من هدم عقله أفسد عليه دينه و ديناه. (1)
بيان:
في جامع السعادات ج 3 ص 32، «طول الأمل» : هو أن يقدّر و يعتقد بقاؤه إلى مدّة متمادية، مع رغبته في جميع توابع البقاء؛ من المال و الأهل و الدار و غير ذلك. . .
و في مجمع البحرين (أمل) : السبب في طول الأمل-كما قيل-حبّ الدنيا فإنّ الإنسان إذا أنس بها و بلذّاتها ثقل عليه مفارقتها و أحبّ دوامها فلا يفتكر بالموت الذي هو سبب مفارقتها، فإنّ من أحبّ شيئا كره الفكر فيما يزيله و يبطله، فلا زال يمنّي نفسه البقاء في الدنيا، و يقدّر حصول ما يحتاج إليه من أهل و مال و أدوات، فيصير فكره مستغرقا في ذلك فلا يخطر الموت بخاطره. و إن خطر بباله التوبة
ص:67
و الإقبال على الأعمال الاخروية أخّر ذلك من يوم إلى يوم و من شهر إلى شهر و من سنة إلى سنة فيقول: إلى أن أكتهل و يزول سنّ الشباب عنّي فإذا اكتهل قال:
إلى أن أصير شيخا فإذا شاخ قال: إلى أن أتمم عمارة هذه الدار و أزوج ولدي و إلى أن أرجع من هذا السفر.
و هكذا يؤخّر التوبة شهرا بعد شهر و سنة بعد سنة، و هكذا كلّما فرغ من شغل عرض له شغل آخر بل أشغال حتّى يختطفه الموت و هو غافل غير مستعدّ، مستغرق القلب في أمور الدنيا فتطول فى الآخرة حسرته فتكثر ندامته، و ذلك هو الخسران المبين.
أقول: لا يخفى أنّ منشأ طول الأمل الجهل و حبّ الدنيا، فينبغي أن يرفع الجهل بالفكر و سماع الوعظ من النفوس الطاهرة، و من تفكّر يعلم أنّ الموت أقرب شيء إليه. و أمّا حبّ الدنيا فيزال بالتّأمل في حقارتها و نفاسة الآخرة، و بذكر الموت فإنّ ذكر الموت يزهّد الإنسان و إذا زهّده قصر أمله، و ليعلم أنّ الأساس في كسب الفضائل و دفع الرذائل التضرّع إلى اللّه و إلى أوليائه.
2-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّما أخاف عليكم اثنتين: اتّباع الهوى و طول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة. (1)
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غدا من أجله.
قال: و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ما أطال عبد الأمل إلاّ أساء العمل.
قال: و كان يقول: لو رأى العبد أجله و سرعته إليه لأبغض العمل من طلب الدنيا. (2)
ص:68
أقول:
«لأبغض العمل من طلب الدنيا» : في أمالي الطوسيّ: "لأبغض الأمل و ترك طلب الدنيا".
4-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لو رأى العبد الأجل و مسيره لأبغض الأمل و غروره. (1)
5-و في مواعظ أمير المؤمنين عليه السّلام: من اتّسع أمله قصر عمله. (2)
6-عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام عن عليّ عليه السّلام قال: من أطال أمله ساء عمله. (3)
7-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الموت الموت، ألا و لا بدّ من الموت. . . و قال: إذا استحقّت ولاية اللّه و السعادة جاء الأجل بين العينين و ذهب الأمل وراء الظهر، و إذا استحقّت ولاية الشيطان و الشقاوة جاء الأمل بين العينين و ذهب الأجل وراء الظهر.
قال و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أيّ المؤمنين أكيس؟ أكثرهم ذكرا للموت، و أشدّهم له استعدادا. (4)
8-عن أبي الطفيل قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: الزهد في الدنيا قصر الأمل و شكر كلّ نعمة، و الورع عمّا حرّم اللّه عليك. (5)
9-فيما ناجى اللّه به موسى: يا موسى، لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو
ص:69
قلبك، و القاسى القلب منّي بعيد. (1)
10-عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام:
يا عليّ، أربع خصال من الشقاء: جمود العين، و قساوة القلب، و بعد الأمل، و حبّ البقاء. (2)
11-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، الزهادة قصر الأمل، و الشكر عند النعم، و الورع عند المحارم، فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم. . . (3)
12-و قال عليه السّلام: اعلموا أنّ الأمل يسهى العقل و ينسى الذكر، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور و صاحبه مغرور. (4)
13-و قال عليه السّلام: من جرى في عنان أمله عثر بأجله. (5)
بيان:
«عثر بأجله» : المراد أنّه سقط في أجله بالموت قبل أن يبلغ ما يريد.
14-في خطبة الديباج عن أمير المؤمنين عليه السّلام: و اعلموا عباد اللّه، أنّ الأمل يذهب العقل و يكذّب الوعد و يحثّ على الغفلة و يورث الحسرة، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور و انّ صاحبه مأزور. (6)
15-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أكلّكم يحبّ أن يدخل الجنّة؟ قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: قصّروا من الأمل، و اجعلوا آجالكم بين أبصاركم، و استحيوا
ص:70
من اللّه حقّ الحياء. (1)
16-عن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من أيقن أنّه يفارق الأحباب و يسكن التراب و يواجه الحساب و يستغنى عمّا خلّف و يفتقر إلى ما قدّم، كان حريّا بقصر الأمل و طول العمل. (2)
17-عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: يهلك أو قال: يهرم ابن آدم و يبقي منه اثنتان:
الحرص و الأمل. (3)
18-فيما أوصى به أمير المؤمنين عليه السّلام عند وفاته: قصّر الأمل، و اذكر الموت و ازهد في الدنيا، فإنّك رهن موت، و غرض بلاء و صريع سقم. (4)
بيان:
«الصريع» : أي المصروع يقال: صرعه أي طرحه على الأرض.
19-روي أنّ اسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: لا تعجبون من اسامة المشتري إلى شهر؟ إنّ أسامة لطويل الأمل، و الذي نفس محمّد بيده ما طرفت عيناي إلاّ ظننت أنّ شفريّ لا يلتقيان حتّى يقبض اللّه روحى، و لا رفعت طرفي و ظننت أنّي خافضه، حتّى اقبض، و لا تلقّمت لقمة إلاّ ظننت أنّي لا أسيغها حتّى أغصّ بها من الموت ثمّ قال: يا بني آدم، إن كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى، و الذى نفسي بيده، إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (5). (6)
ص:71
بيان:
«الوليدة» : أي الأمة. «الشفر» يقال بالفارسيّة: پلك چشم. «لا أسيغها» : أساغ الطعام أو الشراب: سهل له دخوله في الجوف. «أغصّ» الغصص: اعتراض شيء منه في الحلق يمنعه التنفّس بالخناق، و المراد بهذه الجملات: إسراع الأجل و أنّ الموت يأتي بغتة فالأمل لماذا؟ !
20-فى كلمات أمير المؤمنين عليه السّلام. . . أشرف الغنى ترك المنى. . . قلّ ما تصدّقك الامنيّة، ربّ طمع كاذب و أمل خائب. . . إيّاك و الأمانيّ فإنّها بضائع النوكى. . . (1)
بيان:
في مجمع البحرين، «الأمنيّة» : و هي ما يتمنّاه الإنسان و يشتهيه و يقدّر حصوله.
و في النهاية ج 4 ص 367، التمنّي: تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه، و حديث النفس بما يكون و ما لا يكون. . . و يقال للأحاديث التي تتمنّى: الأمانيّ، واحدتها:
أمنيّة. «النوكى» واحده الأنوك و هو الأحمق.
21-في وصيّة الباقر عليه السّلام لجابر الجعفيّ: . . . و استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل. . . و لا زهد كقصر الأمل. . . (2)
22-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
الأمانىّ أشتات. (الغرر ج 1 ص 7 ف 1 ح 71)
الأمل خوّان. (ص 9 ح 142)
الأمانيّ تخدع-الأمل يغرّ. (ص 10 ح 189 و 193)
الدنيا بالأمل. (ص 13 ح 294)
ص:72
الأمانيّ شيمة الحمقى. (ص 18 ح 490)
المغترّ بالآمال مخدوع. (ص 24 ح 680)
الأمانيّ بضائع النوكى-الآمال غرور الحمقى. (ح 681 و 682)
الآمال تدني الآجال. (ح 683)
الأجل يفضح الأمل (ح 688)
الأجل حصاد الأمل. (ح 689)
الآمال لا ينتهي. (ح 690)
الزهد قصر الأمل. (ص 30 ح 922)
الأمل ينسي الأجل. (ح 924)
الأمل حجاب الأجل. (ص 34 ح 1039)
الأمل رفيق مونس. (ص 35 ح 1084)
الأمل خادع غارّ ضارّ. (ص 39 ح 1189)
الأمل يفسد العمل و يفنى الأجل. (ص 49 ح 1403)
الأمانيّ تعمي عيون البصائر. (ص 50 ح 1417)
الأمل يقرّب المنيّة و يباعد الامنيّة. (ص 63 ح 1675)
الأمل سلطان الشياطين على قلوب الغافلين. (ص 75 ح 1853)
الأمل كالسراب يغرّ من رآه و يخلف من رجاه. (ص 79 ح 1918)
الأمل أبدا في تكذيب و طول الحيوة للمرء تعذيب. (ص 89 ح 2038)
أكذب الأمل و لا تثق به، فإنّه غرور و صاحبه مغرور.
(ص 113 ف 2 ح 104)
اتّقوا خداع الآمال، فكم من مؤمّل يوم لم يدركه، و باني بناء لم يسكنه، و جامع مال لم يأكله، و لعلّه من باطل جمعه و من حقّ منعه أصابه حراما و احتمل به آثاما. (ص 139 ف 3 ح 85)
ص:73
اتّقوا باطل الأمل فربّ مستقبل يوم ليس بمستدبره و مغبوط في أوّل ليلة قامت بواكيه في آخره. (ص 140 ح 94)
احذروا سوء الأعمال و غرور الآمال و نفاد الأمل و هجوم الأجل.
(ص 146 ف 4 ح 53)
أقرب شيء الأجل-أبعد شيء الأمل. (ص 178 ف 8 ح 92 و 93)
أنفع الدواء ترك المنى. (ص 184 ح 195)
أكثر الناس أملا أقلّهم للموت ذكرا. (ص 186 ح 227)
أطول الناس أملا أسوءهم عملا. (ح 228)
أفضل الدين قصر الأمل (ص 208 ح 488)
ثمرة الأمل فساد العمل. (ص 361 ف 23 ح 54)
ضياع العمر بين الآمال و المنى. (ص 461 ف 45 ح 14)
ما أقرب الأجل من الأمل. (ج 2 ص 738 ف 79 ح 39)
ما أفسد الأمل للعمل-ما أقطع الأجل للأمل. (ح 40 و 41)
ما أطال أحد في الأمل إلاّ قصّر العمل. (ح 42)
ما عقل من طال أمله. (ص 739 ح 61)
أقول:
سيأتي ما يناسب المقام في أبواب الدنيا، الزهد و. . .
و في باب البخل قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ صلاح أوّل هذه الامّة بالزهد و اليقين، و هلاك آخرها بالشحّ و الأمل.
و لا يخفى أنّ ذكر الموت يقصّر الأمل و يوجب التجافي عن دار الغرور و الاستعداد للموت و الإنابة إلى دار الخلود، و يدلّ على ذلك أخبار كثيرة.
ص:74
الأخبار
1-عن الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس نطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت:
فلانا، فقال: إذا و اللّه لا تسعف حاجتك و لا يبلغك أملك و لا تنجح طلبتك. قلت:
و ما علّمك رحمك اللّه؟
قال: إنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام حدّثني أنّه قرء في بعض الكتب؛ أنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: و عزّتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي على عرشي لأقطّعنّ أمل كلّ مؤمّل [من الناس]غيري باليأس، و لأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس و لأنحّينّه من قربي و لا بعّدنّه من فضلي، أيؤمّل غيري في الشدائد؟ ! و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع بالفكر باب غيري؟ ! و بيدي مفاتيح الأبواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ! و من ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه منّي؟ !
جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي، و ملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي و أمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم [أنّ]من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيرى إلاّ من بعد إذني، فما لي أراه لاهيا عنّي، أعطيته بجودي ما لم يسألني ثمّ انتزعته عنه
ص:75
فلم يسألني ردّه و سأل غيري، أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثمّ أسأل فلا أجيب سائلي؟ ! أبخيل أنا فيبخّلني عبدي أو ليس الجود و الكرم لي؟ ! أو ليس العفو و الرحمة بيدي؟ ! أو ليس أنا محلّ الآمال؟ ! فمن يقطعها دوني؟ أ فلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري، فلو أنّ أهل سماواتي و أهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة و كيف ينقص ملك أنا قيّمه، فيابؤسا للقانطين من رحمتي و يابؤسا لمن عصاني و لم يراقبني. (1)
بيان:
«نفدت نفقتي» : أي فنيت و لم يبق منها شيء. «لا تسعف» يقال: أسعف بحاجته:
قضاها له. «لا تنجح» يقال: نجح فلان بحاجته أي فاز و ظفر بها و أنجح اللّه حاجته أي قضاها. «لأنحّينّه» أي لأبعّدنّه و أزيّلنّه. «فيابؤسا» البؤس و البأساء: الشدّة و الفقر و الحزن.
2-عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئا إلاّ أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم و لا يكون له رجاء إلاّ عند اللّه، فإذا علم اللّه عزّ و جلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه (2)
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تبارك و تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (3)قال: هو قول الرجل: لولا فلان لهلكت و لو لا فلان لما أصبت كذا و كذا، و لو لا فلان لضاع عيالي، ألا ترى أنّه قد جعل للّه شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه؟ قلت: فنقول: لولا أنّ اللّه منّ عليّ بفلان لهلكت، قال:
ص:76
نعم لا بأس بهذا و نحوه. (1)
4-في صحيفة الرضا عليه السّلام بإسناده عن الحسين عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: يقول اللّه عزّ و جلّ: لاقطّعنّ أمل كلّ مؤمن أمّل دوني بالأياس، و لألبسنّه ثوب مذلّة بين الناس، و لأنحّينّه من وصلي، و لأبعّدنّه من قربي، من ذا الذي أمّلني لقضاء حوائجه فقطعت به دونها؟ أم من ذا الذي رجاني بعظيم جرمه فقطعت رجائه منّي؟ أيأمل أحد غيري في الشدائد؟ ! و أنا الحيّ الكريم و بابي مفتوح لمن دعاني، يا بؤسا للقانطين من رحمتي و يا شقوة لمن عصاني و لم يراقبني. (2)
أقول:
يأتي ما يناسب المقام في باب التوكّل، كخبر يوسف عليه السّلام فى السجن.
ص:77
ص:78
و فيه فصول:
الآيات
1- . . . إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. (1)
2- وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ اَلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. (2)
الأخبار
1-عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتّ الأنبياء و الرسل؟ قال: إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه
ص:79
و لا يلامسوه فيباشرهم و يباشروه و يحاجّهم و يحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، يعبّرون عنه إلى خلقه و عباده و يدلّونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه و المعبّرون عنه جلّ و عزّ و هم الأنبياء عليهم السّلام و صفوته من خلقه، حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين بها، غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب في شيء من أحوالهم، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر و زمان ممّا أتت به الرسل و الأنبياء من الدلائل و البراهين، لكيلا تخلو أرض اللّه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته و جواز عدالته. (1)
بيان:
«الاضطرار إلى الحجّة» : في المرآة ج 2 ص 256: أي لا بدّ في كلّ زمان من حجّة معصوم، عالم بما يحتاج إليه الخلق، إمّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، و هذا المطلوب مبيّن في كتب الكلام بالبراهين العقليّة و النقليّة.
و في عقائد الامامية للمظفر رحمه اللّه (ص 94) : كما نعتقد أنّها (أي الإمامة) كالنبوّة لطف من اللّه تعالى، فلا بدّ أن يكون في كلّ عصر إمام هاد يخلف النبيّ في وظائفه من هداية البشر و إرشادهم إلى ما فيه الصلاح و السعادة في النشأتين، و له ما للنبيّ من الولاية العامّة على الناس لتدبير شؤونهم و مصالحهم و إقامة العدل بينهم و رفع الظلم و العدوان من بينهم.
و على هذا فالإمامة استمرار للنبوّة، و الدليل الذي يوجب إرسال الرسل و بعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضا نصب الإمام بعد الرسول. . .
و قال العلاّمة الحلّيّ رحمه اللّه في الألفين (ص 3) : الإمامة لطف عامّ و النبوّة لطف خاصّ
ص:80
لإمكان خلوّ الزمان من نبيّ حيّ بخلاف الإمام لما سيأتي، و إنكار اللطف العامّ شرّ من إنكار اللطف الخاصّ، و إلى هذا أشار الصادق عليه السّلام بقوله عن منكر الإمامة أصلا و رأسا: و هو شرّهم.
في المرآة، «السفراء» : جمع سفير، من سفر بين القوم أي أصلح أو من السّفر بمعنى الكشف و الإيضاح.
2-عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه أجلّ و أكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون باللّه، قال: صدقت، قلت: إنّ من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف أنّ لذلك الربّ رضا و سخطا و أنّه لا يعرف رضاه و سخطه إلاّ بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة و أنّ لهم الطاعة المفترضة.
و قلت للناس: تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان هو الحجّة من اللّه على خلقه؟ قالوا: بلى، قلت: فحين مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا:
القرآن، فنظرت فى القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ و القدريّ و الزنديق الذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم، فما قال فيه من شيء كان حقّا.
فقلت لهم: من قيّم القرآن؟ فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم و عمر يعلم و حذيفة يعلم، قلت: كلّه، قالوا: لا، فلم أجد أحدا يقال: إنّه يعرف ذلك كلّه إلاّ عليّا عليه السّلام، و إذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري و قال هذا: لا أدري و قال هذا: لا أدري و قال هذا: أنا أدري، فأشهد أنّ عليّا عليه السّلام كان قيّم القرآن و كانت طاعته مفترضة و كان الحجّة على الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنّ ما قال في القرآن فهو حقّ، فقال: رحمك اللّه. (1)
ص:81
بيان:
«و قلت للناس» : أي للعامّة مناظرا لهم في الإمامة. «المرجئة» فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما أنّها لا ينفع مع الكفر طاعة.
«قيّم القرآن» : المراد هنا من يقوم بأمر القرآن و يعرف ظاهره و باطنه و مجمله و مؤوّله و محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه.
3-عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جماعة من أصحابه. . . فيهم هشام بن الحكم و هو شابّ، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا هشام! ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ و كيف سألته؟ فقال هشام: يابن رسول اللّه، إنّى اجلّك و أستحييك و لا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد اللّه: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا، قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ، فخرجت إليه و دخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد. . .
ثمّ قلت: أيّها العالم، إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال: يا بنيّ، أيّ شيء هذا من السؤال و شيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بنيّ، سل و إن كان مسألتك حمقاء، قلت:
أجبني فيها قال لي: سل، قلت: ألك عين؟ قال: نعم قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان و الأشخاص. قلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال أشمّ به الرائحة.
قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك أذن؟ قال: نعم قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت ألك قلب؟ قال:
نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: اميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح و الحواسّ. قلت:
أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلت: و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة؟ قال: يا بنيّ، إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته
ص:82
أو سمعته، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين و يبطل الشكّ.
قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قلت:
لا بدّ من القلب و إلاّ لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم. فقلت له: يا أبا مروان، فاللّه تبارك و تعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح و يتيقّن به ما شكّ فيه و يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم؛ لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم، و يقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك و شكّك؟ ! قال: فسكت و لم يقل لى شيئا. . .
فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال: يا هشام، من علّمك هذا؟ قلت: شيء أخذته منك و ألّفته. فقال: هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى. (1)
بيان:
«عمرو بن عبيد» : كان من رؤساء المعتزلة. «أجلّك» الإجلال: التعظيم.
4-عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتبقي الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير امام لساخت. (2)
بيان:
«سوخ الأرض» : كناية عن رفع نظامها و هلاك أهلها.
5-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام و قال:
إنّ آخر من يموت الإمام لئلاّ يحتجّ أحد على اللّه عزّ و جلّ أنّه تركه بغير حجّة للّه عليه. (3)
ص:83
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اللهمّ لا تخل الأرض من حجّة لك على خلقك؛ ظاهر أو خائف مغمور، لئلاّ تبطل حججك و بيّناتك. (1)
7-عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تبقي الأرض بلا عالم حيّ ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم و حرامهم؟ فقال لي: إذا لا يعبد اللّه يا أبا يوسف. (2)
8-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه لا يدع الأرض إلاّ و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملا و لو لا ذلك لا لتبس على المؤمنين أمرهم، و لم يفرق بين الحقّ و الباطل. (3)
9-عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: قلت له: تكون الأرض و لا إمام فيها؟ فقال: لا، إذا لساخت بأهلها. (4)
10-عن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السّلام: لأيّ شيء يحتاج إلى النبيّ و الإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما كانَ اَللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (5)
و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا
ص:84
ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون و إذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني بأهل بيته، الأئمّة الذين قرن اللّه عزّ و جلّ طاعتهم بطاعته فقال:
يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)
و هم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون و لا يعصون و هم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون، بهم يرزق اللّه عباده و بهم تعمر بلاده و بهم ينزل القطر من السماء و بهم يخرج بركات الأرض و بهم يمهل أهل المعاصي و لا يعجل عليهم بالعقوبة و العذاب، لا يفارقهم روح القدس و لا يفارقونه و لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم صلوات اللّه عليهم أجمعين. (2)
11-عن الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: لم يترك اللّه جلّ و عزّ الأرض بغير عالم يحتاج الناس إليه و لا يحتاج إليهم. يعلم الحلال و الحرام قلت: جعلت فداك بماذا يعلم؟ قال: بوراثة من رسول اللّه و من عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما. (3)
12-لمّا سمع أمير المؤمنين عليه السّلام قول الخوارج «لا حكم إلاّ للّه» قال عليه السّلام:
كلمة حقّ يراد بها الباطل. نعم إنّه لا حكم إلاّ للّه و لكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّ للّه، و إنّه لا بدّ للناس من أمير، برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، و يستمتع فيها الكافر، و يبلّغ اللّه فيها الأجل و يجمع به الفيء، و يقاتل به العدوّ، و تأمن به السبل، و يؤخذ به للضعيف من القويّ حتّى يستريح برّ و يستراح من فاجر. . . (4)
13-عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: و اللّه ما ترك الأرض منذ قبض اللّه آدم إلاّ و فيها إمام يهتدي به إلى اللّه، و هو حجّة اللّه على عباده، و لا تبقي
ص:85
الأرض بغير إمام حجّة اللّه على عباده. (1)
14-عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق. (2)
15-عن بريد العجليّ عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنذر، و في كلّ زمان منّا هاديا يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللّه ثمّ الهداة من بعد عليّ ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد. (3)
16-عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بطهور، فلمّا فرغ أخذ بيد عليّ عليه السّلام فألزمها يده ثمّ قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ، ثمّ ضمّ يده إلى صدره قال: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ، ثمّ قال: يا عليّ، أنت أصل الدين، و منار الإيمان، و غاية الهدى، و قائد الغرّ المحجّلين، أشهد لك بذلك. (4)
17-في علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام فإن قال: فلم جعل اولي الأمر و أمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة، منها؛ أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود، و أمروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيه أمينا، يأخذهم بالوقف عند ما أبيح لهم و يمنعهم من التعدّي و الدخول فيما خطر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذّته و منفعته، لفساد غيره فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد، و يقيم فيهم الحدود و الأحكام.
و منها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا إلاّ
ص:86
بقيّم و رئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه، و لا قوام لهم إلاّ به، فيقاتلون به عدوّهم و يقسّمون به فيئهم، و يقيمون به جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.
و منها: أنّه لو لم يجعل لهم إماما قيّما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة و ذهب الدين و غيّرت السنن و الأحكام، و لزاد فيه المبتدعون، و نقص منه الملحدون و شبّهوا ذلك على المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتّت أنحائهم، (حالاتهم ع) فلو لم يجعل لهم قيّما حافظا لما جاء به الرسول فسدوا على نحو ما بيّناه و غيّرت الشرائع و السنن و الأحكام و الإيمان، و كان في ذلك فساد الخلق أجمعين. (1)
ص:87
قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ. . . (1)
الأخبار
1-عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: إنّما يعبد اللّه من يعرف اللّه، فأمّا من لا يعرف اللّه فإنّما يعبده هكذا ضلالا. قلت: جعلت فداك، فما معرفة اللّه؟ قال: تصديق اللّه عزّ و جلّ و تصديق رسوله صلّى اللّه عليه و آله و موالاة عليّ عليه السّلام و الائتمام به و بأئمّة الهدى عليهم السّلام و البراءة إلى اللّه عزّ و جلّ من عدوّهم، هكذا يعرف اللّه عزّ و جلّ. (2)
بيان:
«يعبده هكذا» : كأنّه أشار بذلك إلى عبادة جماهير الناس، و «ضلالا» تميز أو حال على المبالغة.
2-عن مقرّن قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: جاء ابن الكوّاء
ص:88
إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين وَ عَلَى اَلْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ (1)فقال: نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الذي لا يعرف اللّه عزّ و جلّ إلاّ بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يعرّفنا اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنّة إلاّ من عرفنا و عرفناه، و لا يدخل النار إلاّ من أنكرنا و أنكرناه.
إنّ اللّه تبارك و تعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه، و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله، و الوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا، فإنّهم عن الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به و لا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربّها، لا نفاد لها و لا انقطاع. (2)
بيان:
«يفرغ بعضها في بعض» فرغ الماء: إنصبّ أي يأخذ هذا عن هذا و هذا عن هذا و لا ينتهي علمهم إلى من يستغني بعلمه عن علم غيره.
3-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب، فجعل لكلّ شيء سببا، و جعل لكلّ سبب شرحا، و جعل لكلّ شرح علما، و جعل لكلّ علم بابا ناطقا، عرفه من عرفه، و جهله من جهله، ذاك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن. (3)
4-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نحن قوم فرض اللّه عزّ و جلّ طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال و نحن الراسخون في العلم و نحن المحسودون الذين قال اللّه:
أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ. (4)
ص:89
بيان:
«صفو المال» : أي خالصه و مختاره، لاحظ الأخبار في ذلك في الوسائل ج 9 ب 1 من الأنفال.
5-عن أبي سلمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: نحن الذين فرض اللّه طاعتنا، لا يسع الناس إلاّ معرفتنا، و لا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمنا، و من أنكرنا كان كافرا، و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالاّ حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يمت على ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء. (1)
6-عن محمّد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ و جلّ، قال: أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ و جلّ طاعة اللّه و طاعة رسوله و طاعة اولى الأمر. قال أبو جعفر عليه السّلام: حبّنا إيمان و بغضنا كفر. (2)
7-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اعلموا أنّ صحبة العالم و اتّباعه دين يدان اللّه به و طاعته مكسبة للحسنات ممحات للسيّئات و ذخيرة للمؤمنين و رفعة (رحمة ف ن) فيهم في حياتهم و جميل بعد مماتهم. (3)
بيان:
«المكسبة» بالفتح: اسم مكان أو مصدر ميمي، أو بالكسر: اسم آلة و هكذا الممحاة.
8-عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من مات لا يعرف إمامه، مات ميتة جاهليّة؟ قال: نعم، قلت: جاهليّة
ص:90
جهلاء أو جاهليّة لا يعرف إمامه؟ قال: جاهليّة كفر و نفاق و ضلال. (1)
9-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما نظر اللّه عزّ و جلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه و النصيحة إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى. (2)
أقول:
لاحظ معنى النصيحة في بابها.
10-عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: ما حقّ الإمام على الناس؟ قال: حقّه عليهم أن يسمعوا له و يطيعوا، قلت: فما حقّهم عليه؟ قال: يقسم بينهم بالسّويّة و يعدل في الرعيّة، فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ ههنا و ههنا. (3)
11-عن ميّاح قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا ميّاح، درهم يوصل به الإمام أعظم وزنا من احد. (4)
12-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البرّ. (5)
13-عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء:
على الصلاة، و الزكاة، و الحجّ، و الصوم، و الولاية، قال زرارة: فقلت: و أيّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنّ، و الوالي هو الدليل عليهنّ. . .
ص:91
ثمّ قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اَللّهَ وَ مَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (1)أما لو أنّ رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حجّ جميع دهره و لم يعرف ولاية ولىّ اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه جلّ و عزّ حقّ في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان، ثمّ قال: أولئك المحسن منهم يدخله اللّه الجنّة بفضل رحمته. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار كثيرة، يأتي بعضها في باب الولاية.
بيان: «ذروة الشيء» بالضمّ و الكسر: أعلاه، و سنام البعير: معروف و يستعار لأرفع الأشياء.
14-عن عيسى بن السريّ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي و لم يضرّني جهل ما جهلت بعده، فقال: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الإقرار بما جاء به من عند اللّه و حقّ في الأموال من الزكاة، و الولاية التي أمر اللّه عزّ و جلّ بها ولاية آل محمّد صلّى اللّه عليهم فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «من مات و لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» .
قال اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اَللّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فكان عليّ عليه السّلام ثمّ صار من بعده الحسن ثمّ من بعده الحسين ثمّ من بعده عليّ بن الحسين ثمّ من بعده محمّد بن عليّ عليهم السّلام ثمّ هكذا يكون الأمر، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام، و من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة، و أحوج ما يكون أحدكم
ص:92
إلى معرفته إذا بلغت نفسه ههنا-قال: و أهوى بيده إلى صدره-يقول حينئذ:
لقد كنت على أمر حسن. (1)
15-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّا، و لكم عليّ حقّ: فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم و تعليمكم كيلا تجهلوا و تأديبكم كيما تعلّموا، و أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد و المغيب و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم. (2)
16-و قال عليه السّلام: فأعينوني بمناصحة خليّة من الغشّ، سليمة من الريب، فو اللّه إنّي لأولى الناس بالناس. (3)
أقول:
لاحظ الخطبة 207 ص 681 في حقّ الوالي على الرعيّة أيضا.
17-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لولا أنّ اللّه فرض طاعتنا و ولايتنا و أمر مودّتنا ما أو قفناكم على أبوابنا و لا أدخلناكم بيوتنا، إنّا و اللّه ما نقول بأهوائنا و لا نقول برأينا و لا نقول إلاّ ما قال ربّنا و اصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضّتهم. (4)
18-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ينكرون الإمام المفترض الطاعة و يجحدون به، و اللّه ما في الأرض منزلة أعظم عند اللّه من مفترض الطاعة، و قد كان إبراهيم دهرا ينزل عليه الأمر من اللّه و ما كان مفترض الطاعة حتّى بدا للّه أن يكرّمه و يعظّمه فقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً (5)فعرف إبراهيم ما فيها من الفضل
ص:93
قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فقال: لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ. قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أي إنّما هي في ذرّيّتك لا يكون في غيرهم. (1)
19-عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (2)فقال: الطاعة المفروضة. (3)
20-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ اَلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (4)قال: طاعة اللّه و معرفة الإمام. (5)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، سيأتي بعضها في باب الحكمة.
21-سأل أبو ذرّ سلمان رحمه اللّه قال: يا أبا عبد اللّه، ما معرفة أمير المؤمنين عليه السّلام بالنورانيّة؟ قال: يا جندب، فامض بنا حتّى نسأله عن ذلك. . . ثمّ قال عليه السّلام:
يا سلمان و يا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: إنّه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن اللّه قلبه للإيمان و شرح صدره للإسلام و صار عارفا مستبصرا، و من قصر عن معرفة ذلك فهو شاكّ و مرتاب.
يا سلمان و يا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السّلام: معرفتي بالنورانيّة معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفة اللّه عزّ و جلّ معرفتي بالنورانيّة و هو الدين الخالص الذي قال اللّه تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اَللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا
ص:94
اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ (1)يقول: ما أمروا إلاّ بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هي الديانة المحمّديّة السمحة و قوله: وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ فمن أقام ولايتي فقد أقام الصلاة، و إقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، فالملك إذا لم يكن مقرّبا لم يحتمله، و النبيّ إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله، و المؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله.
قال سلمان: قلت: يا أمير المؤمنين، و من المؤمن و ما نهايته و ما حدّه حتّى أعرفه؟ قال عليه السّلام: يا أبا عبد اللّه، قلت: لبّيك يا أخا رسول اللّه، قال: المؤمن الممتحن هو الذي لا يرد من أمرنا إليه شيء إلاّ شرح صدره لقبوله و لم يشكّ و لم يرتدّ.
اعلم يا أباذرّ، أنا عبد اللّه عزّ و جلّ و خليفته على عباده لا تجعلونا أربابا و قولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لا تبلغوا كنه ما فينا و لا نهايته فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أعطانا أكبر و أعظم ما يصفه و اصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.
قال سلمان: قلت: يا أخا رسول اللّه، و من أقام الصلاة أقام ولايتك؟ قال: نعم يا سلمان، تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز: وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى اَلْخاشِعِينَ (2)فالصبر رسول اللّه، و الصلاة إقامة ولايتي فمنها قال اللّه تعالى: وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ و لم يقل و إنهما لكبيرتان لأنّ الولاية كبيرة حملها إلاّ على الخاشين، و الخاشعون هم الشيعة المستبصرون. . . (3)
22-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من مات و هو
ص:95
لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة» فعليكم بالطاعة، قد رأيتم أصحاب عليّ عليه السّلام و أنتم تأتّمون بمن لا يعذر الناس بجهالته، لنا كرائم القرآن، و نحن أقوام افترض اللّه طاعتنا، و لنا الأنفال و لنا صفو المال. (1)
بيان:
«قد رأيتم أصحاب عليّ عليه السّلام» : أي طاعتهم له فالمراد خواصّهم.
«لنا كرائم القرآن» : أي نزلت فينا الآيات الكريمة و نفائسها.
23-عن الفضيل قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من مات و ليس له إمام فموته ميتة جاهليّة، و لا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم، و من مات و هو عارف لإمامه لا يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخرّه، و من مات عارفا لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه. (2)
بيان:
«الفسطاط» : الخيمة.
24-عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام في قوله: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اِتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اَللّهِ (3)قال: من اتّخذ دينه رأيه بغير إمام من أئمّة الهدى. (4)
25-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أشرك مع إمام إمامته من عند اللّه من ليست إمامته من اللّه كان مشركا. (5)
26-عن البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: من سرّه أن لا يكون بينه و بين اللّه حجاب حتّى ينظر إلى اللّه و ينظر اللّه إليه فليتوال آل محمّد
ص:96
و يتبرّأ من عدوّهم و يأتمّ بالإمام منهم، فإنّه إذا كان كذلك نظر اللّه إليه، و نظر إلى اللّه. (1)
بيان:
المراد بالنظر إلى اللّه، النظر إلى أوليائه، أو غاية معرفته بحسب وسع المرء و قابليّته.
27-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الإمام علم بين اللّه عزّ و جلّ و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا. (2)
أقول:
يأتي في باب الولاية ف 2 عن الكافي (ج 1 ص 140 باب معرفة الإمام ح 8) ، قال أبو جعفر عليه السّلام: كلّ من دان اللّه بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من اللّه، فسعيه غير مقبول و هو ضالّ متحيّر، و اللّه شانىء لأعماله و مثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها و قطيعها. . .
28-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
ألا و إنّا (إنّ ف ن) أهل البيت أبواب الحكم (الحلم) و أنوار الظلم و ضياء الامم.
(الغرر ج 1 ص 165 ف 6 ح 34)
أين تتيهون (3)و من أين تؤتون و أنّى تؤفكون و على م تعمهون و بينكم عترة نبيّكم و هم أزمّة الصدق و ألسنة الحقّ؟ ! (ص 171 ف 7 ح 27)
أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذبا و بغيا علينا و حسدا لنا أن رفعنا اللّه سبحانه و وضعهم و أعطانا و حرمهم و أدخلنا و أخرجهم؟ ! بنا يستعطى الهدى و يستجلى العمى لا بهم. (ص 172 ح 34)
أشدّ الناس عمى من عمي عن حبّنا و فضلنا و ناصبنا العداوة بلا ذنب سبق
ص:97
منّا إليه إلاّ إنّا دعوناه إلى الحقّ و دعاه سوانا إلى الفتنة و الدنيا، فآثرها و نصب العداوة لنا (ص 206 ف 8 ح 470)
أسعد الناس من عرف فضلنا و تقرّب إلى اللّه بنا، و أخلص حبّنا، و عمل بما إليه ندبنا، و انتهى عمّا عنه نهينا، فذاك منّا و هو في دار المقامة معنا. (ح 471)
أحسن الحسنات حبّنا و أسوء السيّئات بغضنا. (ص 213 ح 538)
أولى الناس بنا من والانا، و عادا من عادانا (ح 539)
إنّ للا إله إلاّ اللّه شروطا و إنّي و ذرّيّتي من شروطها. (ص 224 ف 9 ح 103)
أنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و معي عترتي على الحوض فليأخذ آخذكم بقولنا و يعمل بعملنا. (ص 280 ف 11 ح 4)
أنا و أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.
(ص 281 ح 12)
إنّما الأئمّة قوّام اللّه على خلقه، و عرفائه على عباده، و لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار إلاّ من أنكرهم و أنكروه.
(ص 303 ف 15 ح 52)
بنا اهتديتم الظلماء و تسنّمتم العليا و بنا انفجرتم عن السرار.
(ص 345 ف 21 ح 37)
بنا فتح اللّه و بنا يختم، و بنا يمحو ما يشاء و يثبت، و بنا يدفع اللّه الزمان الكلب، و بنا ينزل الغيث، فلا يغرّنّكم باللّه الغرور. (ح 38)
شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة (ص 450 ف 42 ح 24)
[طريقتنا القصد]و سنّتنا الرشد. (ج 2 ص 471 ف 47 ح 26)
عليك بطاعة من لا تعذر بجهالته. (ص 479 ف 49 ح 30)
عليكم بطاعة أئمّتكم، فإنّهم الشهداء عليكم اليوم و الشفعاء لكم عند اللّه تعالى غدا. (ص 486 ف 50 ح 21)
ص:98
لنا على الناس حقّ الطاعة و الولاية، و لهم من اللّه حسن الجزاء.
(ص 610 ف 76 ح 19)
من تمسّك بنا لحق. (ص 622 ف 77 ح 247)
من تخلّف عنّا محق-من اتّبع أمرنا سبق. (ح 248 و 249)
من ركب غير سفينتنا غرق. (ح 250)
من أطاع إمامه فقد أطاع ربّه (ص 675 ح 1043)
من مات على فراشه و هو على معرفة ربّه و حقّ رسوله و حقّ أهل بيته، مات شهيدا، و وقع أجره على اللّه سبحانه، و استوجب ثواب ما نوى من صالح عمله و قامت نيّته مقام إصلاته (1)بسيفه، فإنّ لكلّ شيء أجلا لا يعدوه.
(ص 709 ح 1399)
نحن دعاة الحقّ و أئمّة الخلق و ألسنة الصدق، من أطاعنا ملك و من عصانا هلك. (ص 779 ف 82 ح 53)
نحن باب حطّة و هو باب السّلام، من دخله سلم و نجى، و من تخلّف عنه هلك (ح 54)
نحن امناء اللّه سبحانه على عباده، و مقيموا الحقّ في بلاده، بنا ينجو الموالي، و بنا يهلك المعادي. (ح 56)
نحن شجرة النبوّة، و محطّ الرسالة، و مختلف الملائكة، و ينابيع الحكمة، و معادن العلم، ناصرنا و محبّنا ينتظر الرحمة، و عدوّنا و مبغضنا ينتظر السطوة. (ح 57)
نحن الشعار و الأصحاب و السدنه و الأبواب، و لا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها و من أتاها من غير أبوابها كان سارقا لا تعدوه العقوبة. (ح 58)
و قال عليه السّلام في وصف آل الرسول صلوات اللّه عليهم: هم دعائم الإسلام، و ولائج
ص:99
الاعتصام، بهم عاد الحقّ في نصابه، و إنزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية و رعاية، لا عقل سماع و رواية، هم موضع سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و حماة أمره، و أوعية علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و حبال دينه، هم كرائم الإيمان و كنوز الرحمان، إن قالوا صدقوا، و إن صمتوا لم يسبقوا، هم كنوز الإيمان و معادن الإحسان، إن حكموا عدلوا و إن حاجّوا خصموا.
(ص 798 ف 84 ح 55)
هم أساس الدين و عماد اليقين، إليهم يفيئ الغالي، و بهم يلحق التالي.
(ح 56)
هم مصابيح الظلم و ينابيع الحكم، و معادن العلم و مواطن الحلم.
(ص 799 ح 57)
هم عيش الحلم و موت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه، فهو بينهم صامت ناطق، و شاهد صادق. (ح 58)
لا تزلّوا عن الحقّ و أهله، فإنّه من استبدل بنا أهل البيت هلك، وفاتته الدنيا و الآخرة. (ص 826 ف 85 ح 261)
لا يقابل (لا يقاس ف ن) بآل محمّد صلوات اللّه عليهم من هذه الأمّة أحد، و لا يستوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. (ص 857 ف 86 ح 466)
ص:100
الآيات
1- وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ. (1)
أقول:
و يدلّ على لزوم العصمة في الإمام و عدم جواز تصدّي الظالمين للإمامة، الآيات الواردة في ذمّ الظالمين و في ذمّ المعاصي كلّها.
2- . . . إِنَّما يُرِيدُ اَللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)
أقول:
و يدلّ على وجود العصمة فيهم عليهم السّلام قوله: وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (3)لإطلاق الأمر بإطاعتهم فيها.
ص:101
الأخبار
1-عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء على خلقه و حجّته في أرضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا لا نفارقه و لا يفارقنا. (1)
بيان:
«طهّرنا» أي من الشرك و العقائد الفاسدة و الأخلاق الرديّة.
قال المظفّر رحمه اللّه في عقائد الأماميّة ص 79: نعتقد أنّ الانبياء معصومون قاطبة، و كذلك الأئمّة عليهم جميعا التحيّات الزاكيات، و خالفنا في ذلك بعض المسلمين فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء فضلا عن الأئمّة.
و العصمة: هي التنزّه عن الذنوب و المعاصي صغائرها و كبائرها، و عن الخطأ و النسيان، و إن لم يمتنع عقلا على النبيّ أن يصدر منه ذلك. . . و الدليل على وجوب العصمة: أنّه لو جاز أن يفعل النبيّ المعصية أو يخطأ و ينسى، و صدر منه شيء من هذا القبيل، فإمّا أن يجب اتّباعه في فعله الصادر منه عصيانا أو خطأ أو لا يجب، فإن وجب اتّباعه فقد جوّزنا فعل المعاصي برخصة من اللّه تعالى بل أوجبنا ذلك، و هذا باطل بضرورة الدين و العقل، و إن لم يجب اتّباعه فذلك ينافي النبوّة التي لا بدّ أن تقترن بوجوب الطاعة أبدا.
على أنّ كلّ شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ فلا يجب اتّباعه في شيء من الأشياء فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبيّ كسائر الناس ليس لكلامهم و لا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائما،
ص:102
كما لا تبقى طاعة حتميّة لأوامره و لا ثقة مطلقة بأقواله و أفعاله.
و هذا الدليل على العصمة يجري عينا في الإمام، لأنّ المفروض فيه أنّه منصوب من اللّه تعالى لهداية البشر خليفة للنبيّ.
و في البحار ج 25 ص 209: اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السّلام من الذنوب صغيرها و كبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا و لا نسيانا و لا لخطأ في التاويل و لا للإسهاء من اللّه سبحانه. . . و لا السهو الذي يكون من الشيطان و قد مرّت الأخبار و الأدلّة الدالّة عليها. . .
(لاحظ البحار ج 11 ص 89 أيضا)
2-عن زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى اتّخذ إبراهيم عليه السّلام عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا و إنّ اللّه اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا و إنّ اللّه اتّخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلمّا جمع له الأشياء قال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قال:
فمن عظمها في عين إبراهيم قال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ قال:
لا يكون السفيه إمام التقيّ. (1)
3-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ اللّه اتّخذ إبراهيم عليه السّلام عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا و اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا و اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا و اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما فلمّا جمع له هذه الأشياء -و قبض يده-قال له: يا إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً فمن عظمها في عين إبراهيم قال: يا ربّ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ. (2)
4-قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام: عشر خصال من صفات الإمام:
ص:103
العصمة و النصوص، و أن يكون أعلم الناس و أتقاهم للّه و أعلمهم بكتاب اللّه، و أن يكون صاحب الوصيّة الظاهرة، و يكون له المعجز و الدليل، و تنام عينه و لا ينام قلبه، و لا يكون له فيئ و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه. (1)
بيان:
الإمام هو الذي له الرياسة العامّة في أمور الدين و الدنيا و ينوب عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في إقامة قوانين الشرع و حفظ حوزة الملّة على وجه يجب اتّباعه على الأمّة كافّة.
و في عقائد الإماميّة (ص 98) : و نعتقد أنّ الأئمّة هم أولوا الأمر الذين أمر اللّه تعالى بطاعتهم، و أنّهم الشهداء على الناس، و أنّهم أبواب اللّه و السبل إليه و الأدلاء عليه، و أنّهم عيبة علمه و تراجمة وحيه و أركان توحيده و خزّان معرفته، و لذا كانوا أمانا لأهل الأرض. . . و أنّهم الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.
بل نعتقد أنّ أمرهم أمر اللّه تعالى، و نهيهم نهيه، و طاعتهم طاعته، و معصيتهم معصيته، و وليّهم وليّه، و عدوّهم عدوّه، و لا يجوز الردّ عليهم، و الرادّ عليهم كالرادّ على الرسول، و الرادّ على الرسول كالرادّ على اللّه تعالى. فيجب التسليم لهم و الانقياد لأمرهم و الأخذ بقولهم.
و لهذا نعتقد أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لا تستقى إلاّ من نمير مائهم و لا يصحّ أخذها إلاّ منهم، و لا تفرغ ذمّة المكلّف بالرجوع إلى غيرهم. . .
و قال (ص 103) : نعتقد أنّ الإمامة كالنبوّة لا تكون إلاّ بالنّصّ من اللّه تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنصّ إذا أراد أن ينصّ على الإمام من بعده، و حكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكّموا فيمن يعيّنه اللّه هاديا و مرشدا لعامّة البشر، كما ليس لهم حقّ تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، لأنّ الشخص الذي له من نفسه القدسيّة استعداد لتحمّل أعباء الإمامة
ص:104
العامّة و هداية البشر قاطبة يجب ألاّ يعرّف إلاّ بتعريف اللّه و لا يعيّن إلاّ بتعيينه.
و نعتقد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نصّ على خليفته و الإمام في البريّة من بعده، فعيّن ابن عمّه عليّ بن أبي طالب أميرا للمؤمنين و أمينا للوحي و إماما للخلق في عدّة مواطن، و نصبه و أخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير، فقال: ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه كيفما دار. . .
و قال (ص 95) : و نعتقد أنّ الإمام كالنبيّ يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة و كرم و عفّة و صدق و عدل و من تدبير و عقل و حكمة و خلق.
و الدليل في النبيّ هو نفسه الدليل في الإمام. . .
5-قال أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، و أحكم الناس، و أتقى الناس، و أحلم الناس، و أشجع الناس، و أسخى الناس، و أعبد الناس، و يولد مختونا، و يكون مطهّرا، و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، و لا يكون له ظلّ، و إذا وقع على الأرض من بطن امّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادة، و لا يحتلم، و تنام عينه و لا ينام قلبه، و يكون محدّثا، و يستوي عليه درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لا يرى له بول و لا غائط، لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، و يكون له رائحة أطيب من رائحة المسك، و يكون أولى الناس منهم بأنفسهم، و أشفق عليهم من آبائهم و امّهاتهم، و يكون أشدّ الناس تواضعا للّه عزّ و جلّ. . . (1)
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الخائف للدول
ص:105
فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطّل للسنّة فيهلك الامّة. (1)
بيان:
«النهمة» : إفراط الشهوة و المبالغة في الحرص. «المقاطع» : الحدود التي عيّنها اللّه تعالى.
7-و قال عليه السّلام: إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم؛ لا تصلح على سواهم، و لا تصلح الولاة من غيرهم. (2)
أقول:
في المرآة ج 2 ص 394: يدلّ على أنّ الإمام لا بدّ أن يكون قرشيّا، و في أخبار العامّة أيضا دلالة عليه، فقد روى مسلم في صحيحه عشرة أحاديث تدلّ على ذلك. . .
قال الآمدي: الشروط المختلفة فيها في الإمامة ستّة منها القرشيّة، و هو المشهور عندنا، بل مجمع عليه.
8-عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: إنّما الطاعة للّه عزّ و جلّ و لرسوله و لولاة الأمر، و إنّما أمر بطاعة أولي الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون و لا يأمرون بمعصيته. (3)
9-عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة و الوقار و العلم و الوصيّة. (4)
10-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّ ممّا استحقّت به الإمامة التطهير، و الطهارة من الذنوب و المعاصي الموبقة التي توجب النار، ثمّ العلم المنوّر بجميع ما يحتاج
ص:106
إليه الامّة من حلالها و حرامها، و العلم بكتابها خاصّه و عامّه و المحكم و المتشابه و دقائق علمه و غرائب تأويله و ناسخه و منسوخه. . . (1)
11-عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه (لأبي جعفر م) عليه السّلام:
ما علامة الإمام الذي بعد الإمام؟ فقال: طهارة الولادة، و حسن المنشأ، و لا يلهو و لا يلعب. (2)
بيان:
«حسن المنشأ» : أن يظهر منه آثار الفضل و الكمال من حدّ الصبا إلى آخر العمر.
12-عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام قال: الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوما، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلاّ منصوصا،
فقيل له: يابن رسول اللّه، فما معنى المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل اللّه، و حبل اللّه هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، و الإمام يهدي إلى القرآن و القرآن يهدي إلى الإمام، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ هذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (3). (4)
13-قال الصادق عليه السّلام: الأنبياء و أوصياؤهم (و الأوصياء م) لا ذنوب لهم لأنّهم معصومون مطهّرون. (5)
14-عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: أنا و عليّ و الحسن
ص:107
و الحسين و تسعة من ولد الحسين عليهم السّلام مطهّرون معصومون. (1)
15-عن سعد بن عبد اللّه القمّي رحمه اللّه عن الحجة القائم عليه السّلام (في خبر طويل) . . .
قلت: فأخبرني يا مولاي، عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ ! قلت: بلى، قال: فهي العلّة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك.
أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل الكتب عليهم، و أيّدهم بالوحي و العصمة إذ هم أعلام الأمم و أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى و عيسى هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق، و هما يظنّان أنّه مؤمن؟ قلت: لا فقال: هذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم و إخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (2)-إلى قوله- لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اَللّهَ جَهْرَةً (3)فَأَخَذَتْهُمُ اَلصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (4)
فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح و هو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور و تكنّ الضمائر و يتصرّف عليه السرائر، و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الأنصار، بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل
ص:108
الصلاح. . . (1)
ص:109
الأخبار
1-عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرضا عليه السّلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيّدي عليه السّلام فأعلمته خوض الناس فيه.
فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال: يا عبد العزيز [بن مسلم]، جهل القوم و خدعوا عن آرائهم، إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يقبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى أكمل له الدين و أنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء، بيّن فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (1)و أنزل في حجّة الوداع و هى آخر عمره صلّى اللّه عليه و آله اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلامَ دِيناً (2)و أمر الإمامة من تمام الدين و لم يمض صلّى اللّه عليه و آله حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد سبيل الحقّ و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الامّة إلاّ بيّنه، فمن زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه و من ردّ كتاب اللّه فهو
ص:110
كافر به.
هل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم؟ !
إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلا مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم، إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل بعد النبوّة و الخلّة مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه بها و أشاد بها ذكره فقال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً فقال الخليل عليه السّلام سرورا بها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال اللّه تبارك و تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي اَلظّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصفوة.
ثمّ أكرمه اللّه تعالى بأن جعلها في ذرّيّته أهل الصفوة و الطهارة، فقال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ- وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ اَلْخَيْراتِ وَ إِقامَ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءَ اَلزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ (1).
فلم تزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتّى ورّثها اللّه تعالى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال جلّ و تعالى: إِنَّ أَوْلَى اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ (2)فكانت له خاصّة فقلّدها صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام بأمر اللّه تعالى على رسم ما فرض اللّه، فصارت في ذرّيّته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان، بقوله تعالى: وَ قالَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ وَ اَلْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اَللّهِ إِلى يَوْمِ اَلْبَعْثِ (3)فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصّة إلى يوم القيامة، إذ لا نبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟ !
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة اللّه و خلافة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و مقام أمير المؤمنين عليه السّلام و ميراث الحسن و الحسين عليهما السّلام. إنّ
ص:111
الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين.
إنّ الإمامة اس الإسلام النامي و فرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحجّ و الجهاد و توفير الفيء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف. الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه و يدعوا إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّة البالغة.
الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم و هي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار. الإمام البدر المنير و السراج الزاهر و النور الساطع و النجم الهادي في غياهب الدجى و أجواز البلدان و القفار و لجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء و الدالّ على الهدى و المنجي من الردى. الإمام النار على اليفاع، الحارّ لمن اصطلى به، و الدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الإمام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس المضيئة و السماء الظليلة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الروضة.
الإمام الأنيس الرفيق و الوالد الشفيق و الأخ الشقيق و الأمّ البرّة بالولد الصغير و مفزع العباد في الداهية النآد. الإمام أمين اللّه في خلقه و حجّته على عباده و خليفته في بلاده و الداعي إلى اللّه و الذابّ عن حرم اللّه، الإمام المطهّر من الذنوب و المبرّا عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم، و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له و لا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب.
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلّت العقول و تاهت الحلوم و حارت الألباب و خسئت العيون و تصاغرت العظماء و تحيّرت الحكماء و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الألبّاء و كلّت
ص:112
الشعراء و عجزت الادباء و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله و أقرّت بالعجز و التقصير، و كيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه؟ لا، كيف و أنّى؟ و هو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين.
فأين الاختيار من هذا و أين العقول عن هذا و أين يوجد مثل هذا؟ !
أتظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد صلّى اللّه عليه و آله كذبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراء مضلّة، فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا، قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون. . .
و الإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل، معدن القدس و الطهارة و النسك و الزهادة و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و نسل المطهّرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، و لا يدانيه ذو حسب في البيت من قريش و الذروة من هاشم و العترة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الرضا من اللّه عزّ و جلّ، شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه عزّ و جلّ، ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه.
إنّ الأنبياء و الأئمّة صلوات اللّه عليهم يوفّقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان. . .
و إنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة و ألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده بجواب و لا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد، قد أمن من الخطايا و الزلل و العثار، يخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته البالغة على عباده و شاهده على خلقه. . . (1)
ص:113
بيان:
«في الصفوة» : أي في أهل الطهارة و العصمة من صفا الجوّ إذا لم يكن فيه غيم.
«السامي» : العالي المرتفع و فرع كلّ شيء: أعلاه. «غياهب الدجى» الغيهب:
الظلمة و شدّة السواد، و الدّجى: الظلمة، و الإضافة بيانيّة للمبالغة. «الأجواز» :
ج الجوز و هو من كلّ شيء وسطه «القفر» جمع قفار و هي مفازة لا نبات فيها و لا ماء، و المراد هنا الخالية عن الهداية. «لجج البحار» لجّة الماء: معظمه. «الظماء» :
شدّة العطش. «الردى» الهلاك. «اليفاع» ما ارتفع من الأرض.
«الاصطلاء» : افتعال من الصلى بالنار و هو التسخّن بها.
«الهطل» بالفتح و التحريك: تتابع المطر و سيلانه. «الغزيرة» : الكثيرة. «الداهية» :
الأمر العظيم. و «النآد» : بمعنى الداهية فوصفت الداهية به للمبالغة.
«الذابّ عن حرم اللّه» الحرم: جمع الحرمة و هي ما لا يحلّ انتهاكه و تجب رعايته.
«الحلوم» : العقول. و «ضلّت و تاهت و حارت» متقاربة المعاني.
«خسئت العيون» : أي كلّت. «تصاغرت العظماء» يقال: تصاغرت إليه نفسه أي صغرت. «تقاصرت» : التقاصر مبالغة في القصر أو هو إظهاره كالتطاول.
«حصرت الخطباء» حصر كعلم: عىّ في المنطق. «عييت» : عجزت.
«منّتهم الأباطيل» أي أوقعت في أنفسهم الأمانيّ الباطلة أو أضعفتهم.
«دحضا» يقال: مكان دحض، إذا كان زلقا و مزلّة (لغزنده)
«لا ينكل» لا يضعف و لا يجبن. «النسك» العبادة و الطاعة. «لا مغمز فيه» المغمز مصدر أو اسم مكان من الغمز بمعنى الطعن. «مضطلع بالإمامة» أي قويّ عليها من الضلاعة و هي القوّة. (لاحظ شرح الحديث في المرآة ج 2 ص 376)
ص:114
الآيات
1- فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّابُ اَلرَّحِيمُ. (1)
2- وَ لِلّهِ اَلْأَسْماءُ اَلْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها. . . (2)
الأخبار
1-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ عبدا مكث في النار سبعين خريفا، و الخريف سبعون سنة، ثمّ إنّه سأل اللّه بحقّ محمّد و أهل بيته: لما رحمتني، فأوحى اللّه إلى جبرئيل عليه السّلام أن اهبط إلى عبدي فأخرجه. . . عبدي كم لبثت في النار؟ قال: ما أحصي يا ربّ، فقال له: و عزّتي و جلالي لو لا ما سألتني به لأطلت هوانك (في النار) ، و لكنّي حتمت على نفسي أن لا يسألني عبد بحقّ محمّد و أهل بيته إلاّ غفرت له ما كان بينى و بينه، و قد غفرت لك اليوم. (3)
2-عن ابن عبّاس قال: سألت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن الكلمات التي تلقّاها آدم
ص:115
من ربّه فتاب عليه؟ قال: سأله بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه. (1)
3-عن المفضّل بن عمر، عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: وَ إِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (2)قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، و هو أنّه قال: يا ربّ، أسألك بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه. . . (3)
4-عن الصادق عليه السّلام (في حديث) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه، و لكنّي أقول: إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:
«اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا غفرت لي» فغفرها له.
و إنّ نوحا لمّا ركب السفينة و خاف الغرق قال: «اللهمّ إنّى أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا أنجيتني من الغرق» فأنجاه اللّه منه.
و إنّ إبراهيم لمّا القي في النار قال: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا أنجيتني منها» فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.
و إنّ موسى لمّا ألقى عصاه و أوجس في نفسه خيفة قال: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا أمنتني» فقال له اللّه عزّ و جلّ: لا تخف، إنّك أنت الأعلى. (4)
5-عن ابن عبّاس (في حديث قصّة يوسف) يقول في آخره: هبط جبرئيل على يعقوب فقال: ألا أعلّمك دعاء يردّ اللّه به بصرك و يردّ عليك ابنيك؟ قال:
بلى، قال: فقل ما قاله أبوك آدم فتاب اللّه عليه، و ما قاله نوح فاستوت سفينته على الجوديّ و نجا من الغرق، و ما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين القي
ص:116
في النار فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما.
قال يعقوب: و ما ذلك يا جبرئيل؟ فقال: قل «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام أن تأتيني بيوسف و بنيامين جميعا، و تردّ عليّ عيني» فقاله، فما استتمّ يعقوب هذا الدعاء حتّى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتدّ بصيرا. (1)
6-عن سلمان الفارسي رحمه اللّه قال: سمعت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: يا عبادي، أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلاّ أن يتحمّل عليكم بأحبّ الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليّ و أفضلهم لديّ محمّد و أخوه عليّ و من بعده الأئمّة الذين هم الوسائل إلى اللّه، فليدعني من همّته حاجة يريد نفعها أو دهمته داهية يريد كشف ضرّها بمحمّد و آله الطيّبين الطاهرين أقضها له أحسن ما يقضيها من تستشفعون له بأعزّ الخلق إليه. (2)
7-و عن سماعة قال: قال لي أبو الحسن عليه السّلام: إذا كان لك يا سماعة، عند اللّه حاجة فقل: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و عليّ فإنّ لهما عندك شأنا من الشأن و قدرا من القدر، فبحقّ ذلك الشأن و بحقّ ذلك القدر، أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا» . (3)
8-الحسن بن عليّ العسكريّ عن آبائه عليهم السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ اللّه سبحانه يقول: عبادي، من كانت له إليكم حاجة فسألكم بمن تحبّون، أجبتم دعاءه، ألا فاعلموا أنّ أحبّ عبادي إليّ و أكرمهم لديّ محمّد و عليّ حبيبي و وليّي، فمن كانت له حاجة إليّ فليتوسّل إليّ بهما، فإنّي لا أردّ سؤال سائل
ص:117
يسألني بهما و بالطيّبين من عترتهما، فمن سألني بهم فإنّي لا أردّ دعاءه، و كيف أردّ دعاء من سألني بحبيبي و صفوتي و وليّي و حجّتي و روحي و نوري و آيتي و بابي و رحمتي و وجهي و نعمتي؟ ! ألا و إنّي خلقتهم من نور عظمتي، و جعلتهم أهل كرامتي و ولايتي، فمن سألني بهم عارفا بحقّهم و مقامهم أوجبت له منّي الإجابة، و كان ذلك حقّا عليّ. (1)
9-عن العسكريّ عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: . . . (إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لآدم:) و أنت عصيتني بأكل الشجرة و عظّمتني بالتواضع لمحمّد و آل محمّد فتفلح كلّ الفلاح و تزول عنك و صمة الزلّة فادعني بمحمّد و آله الطيّبين لذلك، فدعا بهم فأفلح كلّ الفلاح لما تمسّك بعروتنا أهل البيت. . . (2)
بيان:
«الوصمة» : العيب و العار.
10-قال الرضا عليه السّلام: إذا نزلت بكم شدّة (شديدة) فاستعينوا بنا على اللّه، و هو قول اللّه: وَ لِلّهِ اَلْأَسْماءُ اَلْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نحن و اللّه الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلاّ بمعرفتنا، قال: فَادْعُوهُ بِها. (3)
11-عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لمّا نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنّة، أتاه جبرئيل فقال: يا آدم، ادع ربّك، فقال: يا حبيبي جبرئيل، بما أدعو؟ قال: قل: ربّ أسألك بحقّ الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان، إلاّ تبت عليّ و رحمتني، فقال له آدم عليه السّلام: يا جبرئيل، سمّهم لي، قال: قل:
«اللهمّ بحقّ محمّد نبيّك و بحقّ عليّ وصيّ نبيّك و بحقّ فاطمة بنت نبيّك و بحقّ الحسن و الحسين سبطي نبيّك، إلاّ تبت عليّ فارحمني» فدعا بهنّ آدم، فتاب اللّه
ص:118
عليه، و ذلك قول اللّه: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ (1)و ما من عبد مكروب يخلص النيّة و يدعو بهنّ، إلاّ استجاب اللّه له. (2)
أقول:
سيأتي ما يدلّ على المقام في باب الدعاء.
12-عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول بعد أن ذكر أنّ آدم و حوا تمنّيا منزلة أهل البيت عليهم السّلام: فلمّا أراد اللّه عزّ و جلّ أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليه السّلام فقال لهما: إنّكما ظلمتما أنفسكما بتمنّى منزلة من فضّل عليكما فجزائكما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار اللّه عزّ و جلّ إلى أرضه، فسلا ربّكما بحقّ الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتّى يتوب عليكما، فقالا: «اللهمّ إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة إلاّ تبت علينا و رحمتنا» فتاب اللّه عليهما إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّابُ اَلرَّحِيمُ. (3)
13-عن الهادي عن آبائه عن الصادق عليهم السّلام قال: إذا عرضت لأحدكم حاجة فليستشر اللّه ربّه، فإن أشار عليه اتّبع، و إن لم يشر عليه توقّف. قال:
فقلت: يا سيّدى، و كيف أعلم ذلك؟ قال: تسجد عقيب المكتوبة و تقول: «اللهمّ خرلي» مائة مرّة، ثمّ تتوسّل بنا و تصلّي علينا و تستشفع بنا، ثمّ تنظر ما يلهمك تفعله، فهو الذى أشار عليك به. (4)
14-عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام قال:
سمعت جابر الأنصاري يقول: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلمان الفارسي رحمه اللّه فقال:
ص:119
سلمان بحر العلم لا يقدر على نزحه. سلمان مخصوص بالعلم الأول و الآخر، أبغض اللّه من أبغض سلمان، و أحبّ من أحبّه. . . فقلت: يا رسول اللّه، فما تقول في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟ فقال: ذاك نفسي. قلت: فما تقول في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟ قال:
هما روحي و فاطمة امّهما ابنتي، يسؤوني ماساءها و يسرّني ما سرّها، اشهد اللّه أنّي حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم، يا جابر، إذا أردت أن تدعو اللّه فيستجيب لك فادعه بأسمائهم فإنّها أحبّ الأسماء إلى اللّه عزّ و جلّ. (1)
15-عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أراد التوسّل إليّ و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي و يدخل السرور عليهم. (2)
16-قال الرضا عليه السّلام: لمّا أشرف نوح عليه السّلام على الغرق دعا اللّه بحقّنا فدفع اللّه عنه الغرق، و لمّا رمي إبراهيم عليه السّلام في النار، دعا اللّه بحقّنا فجعل اللّه النار عليه بردا و سلاما، و إنّ موسى عليه السّلام لمّا ضرب طريقا في البحر، دعا اللّه بحقّنا فجعله يبسا، و إنّ عيسى عليه السّلام لمّا أراد اليهود قتله، دعا اللّه بحقّنا فنجّي من القتل فرفعه إليه. (3)
ص:120
الآيات
1- . . . فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَى اَلْكاذِبِينَ. (1)
2- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اَللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ. (2)
3- وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً. (3)
الأخبار
1-عن إسماعيل بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا إسماعيل، ضع لي في المتوضّأ ماء قال: فقمت فوضعت له، قال: فدخل قال: فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا و كذا و يدخل المتوضّأ يتوضّأ قال: فلم يلبث أن خرج فقال:
ص:121
يا إسماعيل، لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين و قولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا. فقال إسماعيل: و كنت أقول إنّه و أقول و أقول. (1)
بيان:
«إنّه» أي إنّه الربّ، تعالى اللّه عن ذلك.
2-و عن مالك الجهني قال: كنّا بالمدينة حين اجليت الشيعة، و صاروا فرقا فتنحّينا عن المدينة ناحية ثمّ خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم و ما قالت الشيعة، إلى أن خطر ببالنا الربوبيّة، فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد اللّه عليه السّلام واقف على حمار، فلم ندر من أين جاء فقال: يا مالك و يا خالد، متى أحدثتما الكلام في الربوبيّة؟ فقلنا: ما خطر ببالنا إلاّ الساعة فقال: اعلما أنّ لنا ربّا يكلأونا بالليل و النهار نعبده، يا مالك و يا خالد، قولوا فينا ما شئتم و اجعلونا مخلوقين. فكرّرها علينا مرارا و هو واقف على حماره. (2)
3-عن أمير المؤمنين عليه السّلام (في ح الأربعمائة) : إيّاكم و الغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيد مربوبون و قولوا في فضلنا ما شئتم. من أحبّنا فليعمل بعملنا و ليستعن بالورع، فإنّه أفضل ما يستعان به في أمر الدنيا و الآخرة. (3)
4-قال أبو جعفر عليه السّلام: فضل أمير المؤمنين عليه السّلام ما جاء به آخذ به، و ما نهى عنه أنتهى عنه، جرى له من الطاعة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الفضل لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، المتقدّم بين يديه كالمتقدّم بين يدي اللّه و رسوله، و المتفضّل عليه كالمتفضّل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الرادّ عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك باللّه، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه، و سبيله الذي
ص:122
من سلكه وصل إلى اللّه عزّ و جلّ، و كذلك كان أمير المؤمنين عليه السّلام من بعده و جرى للأئمّة عليهم السّلام واحدا بعد واحد، جعلهم اللّه عزّ و جلّ أركان الأرض أن تميد بأهلها و عمد الإسلام و رابطة على سبيل هداه، لا يهتدي هاد إلاّ بهداهم و لا يضلّ خارج من الهدى إلاّ بتقصير عن حقّهم، امناء اللّه على ما أهبط من علم أو عذر أو نذر و الحجّة البالغة على من في الأرض، يجري لآخرهم من اللّه مثل الذي جرى لأوّلهم، و لا يصل أحد إلى ذلك إلاّ بعون اللّه.
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار، لا يدخلها داخل إلاّ على حدّ قسمي و أنا الفاروق الأكبر و أنا الإمام لمن بعدي و المؤدّي عمّن كان قبلي، لا يتقدّمني أحد إلاّ أحمد صلّى اللّه عليه و آله و إنّي و إيّاه لعلى سبيل واحد إلاّ أنّه هو المدعوّ باسمه.
و لقد اعطيت الستّ: علم المنايا، و البلايا، و الوصايا، و فصل الخطاب، و إنّي لصاحب الكرّات و دولة الدول، و إنّي لصاحب العصا و الميسم و الدابّة التي تكلّم الناس. (1)
بيان:
«و الفضل لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله» زاد في ح 1 و 2: على جميع من خلق اللّه.
«أن تميد بأهلها» ماد يميد: تحرّك و زاغ، و المراد بالميد، إمّا ذهاب نظام الأرض و اختلال أحوال أهلها، أو حقيقته بالزلازل الحادثة فيها، فالإمام مانع من أن تميد الأرض بأهلها. «العمد» بفتحتين و ضمّتين: جمع العمود و هو الاسطوانة، و عمد الإسلام أي لا يقوم الإسلام الاّ بإمامتهم. «أو عذر أو نذر» أي محو إساءة أو تخويف، و هما مصدران لعذر إذا محى الإساءة و أنذر إذا خوّف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة، و نذير بمعنى الإنذار. (المرآة ج 2 ص 374)
ص:123
«أنا قسيم اللّه بين الجنّة و النار» أي أهلهما، و في المرآة ج 2 ص 367: الأخبار بذلك متواترة من طريق الخاصّة و العامّة. «المنايا و البلايا» آجال الناس و مصائبهم.
«علم الوصايا» أي العلم بما أوصى به الأنبياء. «فصل الخطاب» أي الخطاب المفصول الغير المشتبة. «لصاحب الكرّات» أي الرجعات إلى الدنيا. «دولة الدول» غلبة الغلبات. «الميسم» : هي الحديدة التي يوسم بها.
و في تفسير القمّيّ رحمه اللّه (ج 2 ص 130-النمل:82) ، قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، إذا كان آخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة و معك ميسم تسم به أعداءك.
5-عن خيثمة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا خيثمة، نحن شجرة النبوّة و بيت الرحمة و مفاتيح الحكمة و معدن العلم و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و موضع سرّ اللّه، و نحن وديعة اللّه في عباده و نحن حرم اللّه الأكبر، و نحن ذمّة اللّه و نحن عهد اللّه، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه و من خفرها فقد خفر ذمّة اللّه و عهده. (1)
بيان:
«شجرة النبوّة» : شبّههم بالشجرة في كثرة المنافع و الثمار و الاستظلال بفيئهم من حرّ شرّ الأشرار. «بيت الرحمة» : لأنّهم منبع كلّ نعمة و رحمة و بواسطتهم تفيض الرحمات على سائر الكائنات. «و مختلف الملائكة» : من الاختلاف بمعنى الذهاب و المجيء مرّة بعد مرّة. «نحن وديعة اللّه» الوديعة: ما تدفعه إلى غيرك ليصونه و يحفظه، و لمّا خلقهم اللّه و جعلهم بين عباده و أمرهم بحفظهم و رعايتهم و عدم التقصير في حقّهم فكأنّهم ودائع اللّه.
«حرم اللّه الأكبر» الحرم و هو ما يجب احترامه و عدم انتهاك حرمته. و قد ورد أنّ حرمات اللّه ثلاث؛ القرآن، و الكعبة، و الإمام. «نحن ذمّة اللّه» أي أهل ذمّة اللّه و هي
ص:124
العهد و الأمان و الضمان و الحرمة. «عهد اللّه» أي أهل عهده فإنّ اللّه أخذ على العباد عهد ولايتهم و حفظهم رعايتهم. «خفرها» الخفر: نقض العهد.
(لاحظ شرح الحديث في المرآة ج 3 ص 8 إلى 10)
6-عن محمّد بن منصور قال: سألت عبدا صالحا (موسى بن جعفر عليهما السّلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ اَلْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ (1)قال: فقال: إنّ القرآن له ظهر و بطن، فجميع ما حرّم اللّه في القرآن هو الظاهر، و الباطن من ذلك أئمّة الجور، و جميع ما أحلّ اللّه تعالى في الكتاب هو الظاهر، و الباطن من ذلك أئمّة الحقّ. (2)
7-عن زرارة قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال له رجل من أهل الكوفة يسأله عن قول أمير المؤمنين عليه السّلام «سلوني عمّا شئتم، فلا تسألوني عن شيء إلاّ أنبأتكم به» قال: إنّه ليس أحد عنده علم شيء إلاّ خرج من عند أمير المؤمنين عليه السّلام، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فو اللّه ليس الأمر إلاّ من ههنا-و أشار بيده إلى بيته-. (3)
8-عن عبد الرحمن بن كثير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: نحن ولاة أمر اللّه و خزنة علم اللّه و عيبة وحي اللّه. (4)
بيان:
«ولاة أمر اللّه» : أي أمر الخلافة و الإمامة. «عيبة وحي اللّه» العيبة: الزنبيل من أدم، و ما تجعل فيه الثياب كالصندوق و في النهاية: العرب تكنّى عن القلوب و الصدور بالعياب، لأنّها مستودع السرائر كما أنّ العياب مستودع الثياب انتهى. فالمراد كلّ
ص:125
وحي نزل من السماء على نبيّ من الأنبياء فقد وصل إليهم و هو محفوظ عندهم.
9-عن سدير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك، ما أنتم؟ قال:
نحن خزّان علم اللّه و نحن تراجمة وحي اللّه و نحن الحجّة البالغة على من دون السماء و من فوق الأرض. (1)
بيان:
«التراجمة» : جمع ترجمان، و المراد هنا مفسّر جميع ما أوحى اللّه تعالى إلى الأنبياء و مبيّنها.
10-عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب اللّه عزّ و جلّ التي يؤتى منها و لولاهم ما عرف اللّه عزّ و جلّ و بهم احتجّ اللّه تبارك و تعالى على خلقه. (2)
أقول:
يأتي في باب التوحيد عن الكافي: قال أبو جعفر عليه السّلام: بنا عبد اللّه و بنا عرف اللّه و بنا وحّد اللّه تبارك و تعالى و محمّد حجاب اللّه تبارك و تعالى.
11-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: هم (يعني آل النبي عليهم السّلام) موضع سرّه، و لجأ أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و جبال دينه، بهم أقام إنحناء ظهره، و أذهب ارتعاد فرائصه.
و منها؛ يعني قوما آخرين: زرعوا الفجور و سقوه الغرور و حصدوا الثبور، لا يقاس بآل محمّد عليهم السّلام من هذه الأمّة أحد، و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين و عماد اليقين، إليهم يفيئ الغالي و بهم يلحق التالي و لهم خصائص حقّ الولاية و فيهم الوصيّة و الوراثة. الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله،
ص:126
و نقل إلى منتقله. (1)
بيان:
«الموئل» : المرجع. «الثبور» : الهلاك.
12-و قال عليه السّلام: نحن شجرة النبوّة و محطّ الرسالة و مختلف الملائكة و معادن العلم و ينابيع الحكم، ناصرنا و محبّنا ينتظر الرحمة و عدوّنا و مبغضنا ينتظر السطوة. (2)
بيان:
يقال: سطا عليه سطوا: قهره و أذلّه و هو البطش بشدّة.
13-و قال عليه السّلام: و إنّما الأئمّة قوّام اللّه على خلقه و عرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلاّ من أنكرهم و أنكروه. (3)
14-عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ذكر اللّه عزّ و جلّ عبادة، و ذكري عبادة، و ذكر عليّ عبادة، و ذكر الأئمّة من ولده عبادة، و الذي بعثني بالنبوّة و جعلني خير البريّة إنّ وصيّي لأفضل الأوصياء و إنّه لحجّة اللّه على عباده و خليفته على خلقه و من ولده الأئمّة الهداة بعدي، بهم يحبس اللّه العذاب عن أهل الأرض، و بهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه و بهم يمسك الجبال أن تميد بهم، و بهم يسقي خلقه الغيث، و بهم يخرج النبات، أولئك أولياء اللّه حقّا و خلفائي صدقا، عدّتهم عدّة الشهور و هي اثنا عشر شهرا و عدّتهم عدّة نقباء موسى بن عمران، ثمّ تلا صلّى اللّه عليه و آله هذه الآية: وَ اَلسَّماءِ ذاتِ اَلْبُرُوجِ.
ص:127
ثمّ قال: أتدري يابن عبّاس، إنّ اللّه يقسم بالسماء ذات البروج، و يعني به السّماء و بروجها؟ قلت: يا رسول اللّه، فما ذاك؟ قال: أمّا السماء فأنا، و أمّا البروج فالأئمّة بعدي، أوّلهم عليّ، و آخرهم المهديّ صلوات اللّه عليهم أجمعين. (1)
15-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا الهادي و المهتدي و أبو اليتامى و زوج الأرامل و المساكين، و أنا ملجأ كلّ ضعيف، و مأمن كلّ خائف، و أنا قائد المؤمنين إلى الجنّة، و أنا حبل اللّه المتين، و أنا عروة اللّه الوثقى و أنا عين اللّه و لسانه الصادق و يده.
و أنا جنب اللّه الذي تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللّهِ (2)و أنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرحمة و المغفرة و أنا باب حطّة، من عرفني و عرف حقّي فقد عرف ربّه، لأنّي وصيّ نبيّه في أرضه و حجّته على خلقه، لا ينكر هذا إلاّ رادّ على اللّه و رسوله. (3)
بيان:
«الأرمل» ج أرامل م أرملة: من ماتت زوجته، من لا أهل له.
16-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: خذوا بحجزة هذا الأنزع، يعني: عليّا فإنّه الصدّيق الأكبر و هو الفاروق يفرق بين الحقّ و الباطل، من أحبّه هداه اللّه و من أبغضه أضلّه اللّه و من تخلّف عنه محقّه اللّه، و منه سبطا امّتي الحسن و الحسين و هما ابناي و من الحسين أئمّة الهدى أعطاهم اللّه فهمي و علمي فأحبّوهم و تولّوهم و لا تتّخذوا وليجة من دونهم فيحلّ عليكم غضب من ربّكم و من يحلل عليه غضب من ربّه فقد هوى و ما الحيوة الدنيا إلاّ متاع
ص:128
الغرور. (1)
أقول:
سيأتي ما بمعناه في باب الحبّ ف 2.
17-عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فأنشأ يقول ابتداء من غير أن يسأل: نحن حجّة اللّه و نحن باب اللّه و نحن لسان اللّه و نحن وجه اللّه و نحن عين اللّه في خلقه و نحن ولاة أمر اللّه في عباده. (2)
18-عن هاشم بن أبي عمّار قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: أنا عين اللّه و أنا يد اللّه و أنا جنب اللّه و أنا باب اللّه. (3)
19-عن خيثمة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: نحن جنب اللّه و نحن صفوته و نحن خيرته و نحن مستودع مواريث الأنبياء و نحن امناؤ اللّه و نحن حجّة اللّه و نحن أركان الإيمان و نحن دعائم الإسلام و نحن من رحمة اللّه على خلقه و نحن الذين بنا يفتح اللّه و بنا يختم، و نحن أئمّة الهدى و نحن مصابيح الدجى و نحن منار الهدى و نحن السابقون و نحن الآخرون و نحن العلم المرفوع للخلق (لأهل الدنيا ف ن) ، من تمسّك بنا لحق و من تخلّف عنّا غرق.
و نحن قادة الغرّ المحجّلين و نحن خيرة اللّه و نحن الطريق و صراط اللّه المستقيم إلى اللّه و نحن من نعمة اللّه على خلقه و نحن المنهاج و نحن معدن النبوّة و نحن موضع الرسالة و نحن الذين إلينا مختلف الملائكة و نحن السراج لمن استضاء بنا و نحن السبيل لمن اقتدى بنا و نحن الهداة إلى الجنّة و نحن عزّ الإسلام و نحن الجسور و القناطر، من مضى عليها سبق، و من تخلّف عنها محق، و نحن السنام الأعظم و نحن الذين بنا تنزل الرحمة و بنا تسقون الغيث و نحن الذين بنا يصرف
ص:129
عنكم العذاب فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و إلينا. (1)
20-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: أنا علم اللّه، و أنا قلب اللّه الواعي و لسان اللّه الناطق، و عين اللّه الناظر، و أنا جنب اللّه، و أنا يد اللّه. (2)
21-عن أبي ذرّ رحمه اللّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجى و من تخلّف عنها غرق، إنّما مثل أهل بيتي فيكم باب حطّة، من دخله غفر له و من لم يدخل لم يغفر له، فإنّها ليست من فئة تبلغ مائة إلى يوم القيامة إلاّ أنا أعرف ناعقها و سايقها، و علم ذلك عند أهل بيتي يعلمه كبيرهم و صغيرهم. (3)
بيان:
نعق الراعي بغنمه: صاح بها و زجرها، و في الخبر: أتباع كلّ ناعق أي يتّبعون كلّ داع.
22-عن كامل التّمار قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام ذات يوم فقال لي:
يا كامل، اجعل لنا ربّا نؤب إليه و قولوا فينا: ما شئتم. قال: قلت: نجعل لكم ربّا تؤبون إليه و نقول فيكم ما شئنا؟ قال: فاستوى جالسا ثمّ قال: و عسى أن نقول:
ما خرج إليكم من علمنا إلاّ ألفا غير معطوفة. (4)
بيان:
«نؤب إليه» أي نرجع إليه مقبلين بقلوبنا و نلزم طاعته.
ص:130
و في البحار: «ألف غير معطوفة» أي نصف حرف، كناية عن نهاية القلّة. . .
23-قال أبو الحسن الثالث عليه السّلام: إنّ اللّه جعل قلوب الأئمّة موردا لإرادته فإذا شاء اللّه شيئا شاؤوه و هو قول اللّه: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اَللّهُ (1). (2)
24-ابن بابويه رحمه اللّه بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل إليه رجل فقال: يا رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ لإبليس أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْعالِينَ (3)من هم يا رسول اللّه، الذين هم أعلى من الملائكة؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنا و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين، كنّا في سرادق العرش نسبّح اللّه فسبّحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام.
فلمّا خلق اللّه آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له و لم يؤمروا بالسجود إلاّ لأجلنا فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلاّ إبليس أبى أن يسجد، فقال اللّه تبارك و تعالى: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْعالِينَ. قال: من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسمائهم في سرادق العرش فنحن باب اللّه الذي يؤتى منه، بنا يهتدي المهتدون، فمن أحبّنا أحبّه اللّه و أسكنه جنّته و من أبغضنا أبغضه اللّه و أسكنه ناره و لا يحبّنا إلاّ من طاب مولده. (4)
25-قال أمير المؤمنين عليه السّلام لسلمان و أبي ذرّ رحمهما اللّه: . . . اعلم يا أباذرّ، أنا عبد اللّه عزّ و جلّ و خليفته على عباده، لا تجعلونا أربابا و قولوا في فضلنا ما شئتم، فإنّكم لا تبلغوا كنه ما فينا و لا نهايته فإنّ اللّه عزّ و جلّ قد أعطانا أكبر و أعظم ما يصفه
ص:131
واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم، فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون. . . (1)
أقول:
قد مرّ صدره في ف 2.
26-عنهم عليهم السّلام أنّهم قالوا: نزّهونا عن الربوبيّة و ارفعوا عنّا حظوظ البشريّة، يعني الحظوظ التي تجوز عليكم، فلا يقاس بنا أحد من الناس، فإنّا نحن الأسرار الإلهيّة المودعة في الهياكل البشريّة، و الكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابيّة، و قولوا بعد ذلك: ما استطعتم فإنّ البحر لا ينزف و عظمة اللّه لا توصف. (2)
27-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، ما عرف اللّه إلاّ أنا و أنت و ما عرفني إلاّ اللّه و أنت و ما عرفك إلاّ اللّه و أنا. (3)
28-عن جابر الجعفيّ عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه، أنّه سبحانه و تعالى قال: لولاك لما خلقت الأفلاك و لو لا عليّ لما خلقتك و لو لا فاطمة لما خلقتكما. (4)
29-قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق أربعة عشر نورا من نور عظمته قبل خلق آدم بأربعة ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يابن رسول اللّه، فمن هؤلاء الأربعة عشر نورا؟ فقال: هو محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم ثمّ عدّهم بأسمائهم.
و قال: نحن و اللّه الأوصياء الخلفاء من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نحن المثاني التي
ص:132
أعطاها اللّه تعالى نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و نحن شجرة النبوّة و منبت الرحمة و معدن الحكمة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و موضع سرّ اللّه و وديعة اللّه في عباده و حرم اللّه الأكبر و عهده المسئول عنه، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه و من خفره فقد خفر ذمّة اللّه و عهده، عرفنا من عرفنا و جهلنا من جهلنا، نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا و نحن و اللّه الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه.
إنّ اللّه خلقنا فأحسن خلقنا و صوّرنا فأحسن صورنا، و جعلنا عينه على عباده و لسانه الناطق في خلقه و يده المبسوطة عليهم بالرأفة و الرحمة، و وجهه الذي يؤتى منه، و بابه الذي يدلّ عليه، و خزّان علمه و تراجمة وحيه و أعلام دينه، و العروة الوثقى و الدليل الواضح لمن اهتدى، و بنا اثمرت الأشجار و اينعت الثمار و جرت الأنهار و نزل الغيث من السماء و نبت عشب الأرض، و بعبادتنا عبد اللّه تعالى، و أيم اللّه لو لا كلمة سبقت و عهد أخذ علينا لقلت قولا يعجب أو يذهل منه الأوّلون و الآخرون. (1)
30-من مناقب الخوارزمي عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لو أنّ الرياض أقلام و البحر مداد و الجنّ حسّاب و الإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. (2)
31-في التوقيع الذي خرج فيمن ارتاب في الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه عن أبي عمر و العمري. . . فورد جواب كتابهم بخطّه عليه السّلام: . . . و نحن صنايع ربّنا و الخلق بعد صنايعنا. . . (3)
32-عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الدنيا تمثّل للإمام
ص:133
في مثل فلقة الجوز فما يعرض لشيء منها و إنّه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء فلا يعزب عنه منها شيء. (1)
بيان:
«الفلقة» : نصف الشيء و قطعة منه.
33-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لحمران بن أعين: يا حمران، إن الدنيا عند الإمام و السماوات و الأرضين إلاّ هكذا-و أشار بيده إلى راحته-يعرف ظاهرها و باطنها و داخلها و خارجها و رطبها و يابسها. (2)
بيان:
«إن الدنيا» : إن نافية.
34-عن المفضّل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو اذن لنا أن نعلم الناس حالنا عند اللّه و منزلتنا منه لما احتملتم، فقال له: في العلم؟ فقال: العلم أيسر من ذلك، إنّ الإمام و كر لإرادة اللّه عزّ و جلّ لا يشاء إلاّ من يشاء اللّه. (3)
بيان:
«الوكر» : عشّ الطائر.
35-إنّ عليّا عليه السّلام ضرب الأرض برجله فتحرّكت فقال: اسكني فلم يأن لك ثمّ قرأ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4). (5)
بيان:
«فلم يأن لك» : أي ليس هذا وقت زلزلتك.
ص:134
36-عن جابر بن يزيد قال: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام: أيّها الناس، إنّ أهل بيت نبيّكم شرّفهم اللّه بكرامته و استحفظهم سرّه و استودعهم علمه، فهم عماد لدينه، شهداء علمه، برأهم قبل خلقه، و أظلّهم تحت عرشه و اصطفاهم فجعلهم علم عباده و دلّهم على صراطه.
فهم الأئمّة المهديّة و القادة البررة و الامّة الوسطى، عصمة لمن لجأ إليهم و نجاة لمن اعتمد عليهم، يغتبط من والاهم و يهلك من عاداهم و يفوز من تمسّك بهم، فيهم نزلت الرسالة و عليهم هبطت الملائكة و إليهم نفث الروح الأمين، و آتاهم اللّه ما لم يؤت أحدا من العالمين.
فهم الفروع الطيّبة و الشجرة المباركة و معدن العلم و موضع الرسالة و مختلف الملائكة، و هم أهل بيت الرحمة و البركة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا. (1)
بيان:
«برأهم» : خلقهم.
37-سئل أمير المؤمنين عليه السّلام كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت و أنا الصدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم، و أنا وصيّ خير البشر، و أنا الأوّل و أنا الآخر، و أنا الباطن و أنا الظاهر، و أنا بكلّ شيء عليم، و أنا عين اللّه، و أنا جنب اللّه، و أنا أمين اللّه على المرسلين، بنا عبد اللّه، و نحن خزّان اللّه في أرضه و سمائه، و أنا أحيي و أنا أميت و أنا حيّ لا أموت،
فتعجّب الأعرابيّ من قوله فقال عليه السّلام: أنا الأوّل، أوّل من آمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا الآخر، آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده، و أنا الظاهر، ظاهر الإسلام و أنا الباطن، بطين من العلم، و أنا بكلّ شيء عليم، فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر اللّه به
ص:135
نبيّه فأخبرني به، فأمّا عين اللّه فأنا عينه على المؤمنين و الكفرة، و أمّا جنب اللّه ف أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللّهِ (1)و من فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه، و لم يجز لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتما من محمّد صلّى اللّه عليه و آله فلذلك سمّي خاتم النبيّين، محمّد سيّد النبيّين و أنا سيّد الوصيّين و أمّا خزّان اللّه في أرضه فقد علمنا ما علّمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقول صادق، و أنا أحيي، أحيي سنّة رسول اللّه و أنا أميت، أميت البدعة و أنا حيّ لا أموت لقوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (2)(3)
38-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا وجه اللّه و أنا جنب اللّه و أنا الأوّل و أنا الآخر و أنا الظاهر و أنا الباطن و أنا وارث الأرض و أنا سبيل اللّه و به عزمت عليه.
فقال معروف بن خرّبوذ: و لها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ. (4)
39-. . . عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يوم خيبر لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: و اللّه ما هبّت صباء لو لا أنّ طائفة من امّتي يقولون فيك ما قالت النصارى في أخي المسيح، لقلت فيك قولا ما مررت على ملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك و الماء من فاضل طهورك فيستشفون به، و لكن حسبك أنّك منّي و أنا منك، ترثني و أرثك و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، و أنّ حربك حربي و سلمك سلمي. (5)
40-عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لو أنّ الغياض أقلام
ص:136
و البحر مداد و الجنّ حسّاب و الإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. (1)
بيان:
«الغيضة» : ج غياض بمعنى الأجمة و مجتمع الشجر في مغيض الماء.
41-عن الصادق عن أبيه عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام قال: نحن أئمّة المسلمين و حجج اللّه على العالمين، و سادة المؤمنين و قادة (قائد ف ن) الغرّ المحجّلين، و موالي المؤمنين و نحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، و نحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، و بنا ينزل الغيث و بنا ينشر الرحمة و يخرج بركات الأرض، و لو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها.
ثمّ قال عليه السّلام: و لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّة للّه فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، و لا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة اللّه فيها، و لولا ذلك لم يعبد اللّه.
قال سليمان: فقلت للصادق عليه السّلام: فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال عليه السّلام: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب. (2)
42-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتى الحسين عليه السّلام اناس فقالوا له: يا أبا عبد اللّه، حدّثنا بفضلكم الذي جعله اللّه لكم، فقال: إنّكم لا تحتملونه و لا تطيقونه فقالوا: بلى نحتمل قال: إن كنتم صادقين فليتنحّ اثنان و احدّث واحدا فإن احتمله حدّثتكم فتنحّى اثنان و حدث واحدا، فقام طاير العقل، و مرّ على وجهه و ذهب فكلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما شيئا و انصرفوا. (3)
ص:137
43-و قال عليه السّلام: أتى رجل الحسين بن عليّ عليهما السّلام فقال: حدّثني بفضلكم الذي جعل اللّه لكم، فقال: إنّك لن تطيق حمله فقال: بلى، حدّثني يابن رسول اللّه، فإنّي أحتمله فحدثّه الحسين عليه السّلام بحديث، فما فرغ الحسين عليه السّلام من حديثه حتّى ابيضّ رأس الرجل و لحيته و أنسى الحديث. فقال الحسين عليه السّلام: أدركته رحمة اللّه حيث أنسى الحديث. (1)
أقول:
الأخبار في باب الإمامة كثيرة جدّا، ذكرنا بعضها تيمّنا، و سيأتي ما يناسب المقام في بابي الحبّ ف 2 و الولاية.
فراجع البحار ج 23 إلى 27 و أبواب تاريخهم عليهم السّلام، و إثبات الهداة للحرّ العامليّ رحمه اللّه و بصائر الدرجات و. . .
و في دعاء الرجبيّة: اللهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك، المأمونون على سرّك. . . لا فرق بينك و بينها إلاّ أنّهم عبادك و خلقك، فتقها و رتقها بيدك. . .
فبهم ملأت سمائك و أرضك حتّى ظهر أن لا إله إلاّ أنت. . . (مفاتيح الجنان)
ص:138
و فيه فصول:
الآيات
1- وَ بَشِّرِ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ. . . (1)
2- . . . فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقى لاَ اِنْفِصامَ لَها وَ اَللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ- اَللّهُ وَلِيُّ اَلَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ اَلظُّلُماتِ إِلَى اَلنُّورِ. . . (2)
3- إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ وَ أَقامُوا اَلصَّلاةَ وَ آتَوُا اَلزَّكاةَ لَهُمْ
ص:139
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. (1)
4- وَ أَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اَللّهُ لا يُحِبُّ اَلظّالِمِينَ. (2)
5- إِنَّ أَوْلَى اَلنّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ (3)
6- وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ. . . (4)
7- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. (5)
8- إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ اَلرَّحْمنُ وُدًّا. (6)
9- إِنَّ اَللّهَ يُدافِعُ عَنِ اَلَّذِينَ آمَنُوا. . . (7)
10- . . . وَ إِنَّ اَللّهَ لَهادِ اَلَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. (8)
11- فَأَمّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ اَلْمُفْلِحِينَ. (9)
ص:140
12- وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ اَلَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ. (1)
13- وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي اَلصّالِحِينَ. (2)
14- فَأَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. (3)
15- فَأَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْمُبِينُ. (4)
16- إِنَّ اَلَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اَللّهُ ثُمَّ اِسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ- أُولئِكَ أَصْحابُ اَلْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. (5)
17- ذلِكَ بِأَنَّ اَللّهَ مَوْلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ اَلْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ. (6)
18- . . . فَأَنْزَلَ اَللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ. . . (7)
19- يَوْمَ تَرَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ اَلْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ. (8)
20- وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ اَلصِّدِّيقُونَ وَ اَلشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ
ص:141
أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ. . . الآيات (1)
21- يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ- تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ. . . الآيات (2)
22- . . . فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً (3)
23- إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ- جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اَللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. (4)
24- وَ اَلْعَصْرِ- إِنَّ اَلْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ- إِلاَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ. (5)
أقول:
الآيات التي تناسب المقام كثيرة، ذكرنا شطرا منها.
الأخبار
1-عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء، لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها. (6)
ص:142
بيان:
«البقاع» : واحدته البقعة و هي قطعة من الأرض. «الثلمة» : الخلل الواقع في الحائط و غيره. «الفقيه» : أي البصير في دينه، فيكون كلّ مؤمن كمل إيمانه فقيها كما سيأتي في ف 3.
2-عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء. (1)
بيان:
«الفناء» : أي الهلاك و الاضمحلال.
3-عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يصيب قرية عذاب و فيها سبعة من المؤمنين. (2)
4-عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين؟ قال: نعم، و لكن يخلصون بعده. (3)
5-عن القاسم الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الإسلام يحقن به الدم و تؤدّي به الأمانة، و تستحلّ به الفروج، و الثواب على الإيمان. (4)
أقول:
بهذا المعنى أخبار كثيرة، في بعضها: «الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان؛ الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام. . .» .
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لأنسبنّ الإسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي. . .
ص:143
إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه و لكن أتاه من ربّه فأخذه. إنّ المؤمن يرى يقينه في عمله و الكافر يرى إنكاره في عمله، فو الذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم فاعتبروا إنكار الكافرين و المنافقين بأعمالهم الخبيثة. (1)
7-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اتّقوا ظنون المؤمنين، فإنّ اللّه جعل الحقّ على ألسنتهم. (2)
8-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمن زعيم أهل بيته شاهد عليهم ولايتهم. (3)
أقول:
و زاد في البحار (ج 67 ص 71) ، و قال عليه السّلام: إنّ المؤمن يخشع له كلّ شيء، حتّى هوامّ الأرض و سباعها و طير السماء.
9-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يعذّب اللّه أهل قرية و فيها مائة من المؤمنين، لا يعذّب اللّه أهل قرية و فيها خمسون من المؤمنين، لا يعذّب اللّه أهل قرية و فيها عشرة من المؤمنين، لا يعذّب اللّه أهل قرية و فيها خمسة من المؤمنين، لا يعذّب اللّه أهل قرية و فيها رجل واحد من المؤمنين. (4)
10-روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نظر إلى الكعبة و قال: مرحبا بالبيت ما أعظمك و ما أعظم حرمتك على اللّه! و اللّه للمؤمن أعظم حرمة منك، لأنّ اللّه حرّم منك واحدة و من المؤمن ثلاثة: ماله و دمه و أن يظنّ به ظنّ السوء. (5)
11-و قال صلّى اللّه عليه و آله: مثل المؤمن كمثل ملك مقرّب، و إنّ المؤمن أعظم حرمة
ص:144
عند اللّه و أكرم عليه من ملك مقرّب، و ليس شيء أحبّ إلى اللّه من مؤمن تائب و مؤمنة تائبة، و إنّ المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله و ولده. (1)
أقول:
روى الصدوق رحمه اللّه في العيون ج 2 ص 28 ب 31 ح 33 مثله، دون قوله صلّى اللّه عليه و آله: و إنّ المؤمن يعرف. . .
12-عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام قال: المؤمن علويّ لأنّه علا في المعرفة، و المؤمن هاشميّ لأنّه هشم الضلالة، و المؤمن قرشيّ لأنّه أقرّ بالشيء المأخوذ عنّا، و المؤمن عجميّ لأنّه استعجم عليه أبواب الشرّ، و المؤمن عربيّ لأنّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله عربيّ و كتابه المنزل بلسان عربيّ مبين، و المؤمن نبطيّ لأنّه استنبط العلم، و المؤمن مهاجريّ لأنّه هجر السيّئات، و المؤمن أنصاريّ لأنّه نصر رسوله و أهل بيت رسول اللّه، و المؤمن مجاهد لأنّه يجاهد أعداء اللّه تعالى في دولة الباطل بالتقيّة و في دولة الحقّ بالسيف. (2)
بيان:
«هشم الضلالة» يقال: هشمت الشيء: كسرته و المراد هنا: كسرها و إبطالها «استعجم» المراد أنّه لا يهتدي إلى الشرّ و لا يأتي منه إلاّ الخير فهو على بناء المجهول و يحتمل المعلوم. (لاحظ شرح الحديث في البحار ج 67 ص 172)
13-عن رميلة قال: و عكت و عكا شديدا في زمان أمير المؤمنين عليه السّلام فوجدت من نفسي خفّة في يوم الجمعة و قلت: لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسى من الماء و أصلّي خلف أمير المؤمنين عليه السّلام ففعلت، ثمّ جئت إلى المسجد فلمّا صعد أمير المؤمنين عليه السّلام المنبر أعاد عليّ ذلك الوعك، فلمّا انصرف
ص:145
أمير المؤمنين عليه السّلام و دخل القصر دخلت معه فقال: يا رميلة، رأيتك و أنت متشبّك بعضك في بعض فقلت: نعم و قصصت عليه القصّة التي كنت فيها و الذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه.
فقال: يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلاّ مرضنا بمرضه، و لا يحزن إلاّ حزّنا بحزنه، و لا يدعو إلاّ أمّنا لدعائه، و لا يسكت إلاّ دعونا له. فقلت له:
يا أمير المؤمنين، جعلني اللّه فداك، هذا لمن معك في القصر أ رأيت من كان في أطراف الأرض؟ قال: يا رميلة، ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض و لا في غربها. (1)
أقول:
سيأتي ما بمعناه في باب الشيعة.
بيان: «الوعك» : شدّة الحمّى و وعكته الحمّى: اشتدّت عليه و آذته. «متشبّك» تشبّك أي اختلط و تداخل بعضه في بعض و تشبّك فلان: إذا تشنّج من البرد.
14-قال الصادق عليه السّلام: . . . و اللّه إنّ المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض.
و قال عليه السّلام: إنّ المؤمن وليّ اللّه يعينه و ينصره و يصنع له و لا يقول عليه إلاّ الحقّ و لا يخاف غيره. (2)
15-. . . و بلغنا أنّه عليه السّلام قال: و اللّه ما عبد اللّه بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن.
و قال عليه السّلام: و اللّه إنّ المؤمن لأعظم حقّا من الكعبة.
و قال عليه السّلام: دعاء المؤمن للمؤمن يدفع عنه البلاء و يدرّ عليه الرزق. (3)
ص:146
16-عن أبي محمّد العسكريّ عن آبائه عن موسى بن جعفر عليهم السّلام قال:
كان قوم من خواصّ الصادق عليه السّلام جلوسا بحضرته في ليلة مقمرة مصحية، فقالوا:
يابن رسول اللّه، ما أحسن أديم هذه السماء، و أنور هذه النجوم و الكواكب؟ فقال الصادق عليه السّلام: إنّكم لتقولون هذا و إنّ المدبّرات الأربعة؛ جبرئيل، و ميكائيل، و إسرافيل، و ملك الموت عليهم السّلام، ينظرون إلى الأرض فيرونكم و إخوانكم في أقطار الأرض، و نوركم إلى السماوات و إليهم أحسن من نور هذه الكواكب، و إنّهم ليقولون كما تقولون: ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين! (1)
بيان:
«المقمرة» : أي ليلة فيها القمر. «المصحية» قال رحمه اللّه: على بناء الإفعال من قولهم:
أصحت السماء: إذا ذهب غيمها. «الأديم» أديم السماء أو الأرض: ما ظهر منهما و النهار: بياضه.
17-عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّما سمّي المؤمن مؤمنا لأنّه يؤمن على اللّه فيجيز أمانه. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار أخر، في بعضها: «ليشفع في مثل ربيعة و مضر» .
بيان: قال رحمه اللّه: «يؤمن على اللّه» أي يدعو و يشفع لغيره في الدنيا و الآخرة، فيستجاب له، و تقبل شفاعته فيه.
18-عن إسحاق بن جعفر عن أخيه الكاظم عن آبائه عليهم السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: يعيّر اللّه عزّ و جلّ عبدا من عباده يوم القيامة، فيقول: عبدي، ما منعك إذ مرضت أن تعودني؟ فيقول: سبحانك سبحانك أنت ربّ العباد لا تألم
ص:147
و لا تمرض، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، و عزّتي و جلالي لو عدته لوجدتني عنده، ثمّ لتكفّلت بحوائجك فقضيتها لك و ذلك من كرامة عبدي المؤمن و أنا الرحمان الرحيم. (1)
19-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا يقدر الخلائق على كنه صفة اللّه عزّ و جلّ، فكما لا يقدر على كنه صفة اللّه عزّ و جلّ، فكذلك لا يقدر على كنه صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كما لا يقدر على كنه صفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فكذلك لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السّلام، و كما لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السّلام كذلك لا يقدر على كنه صفة المؤمن. (2)
20-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ المؤمن إذا دعا اللّه أجابه، فشخص بصري نحوه إعجابا بما قال، فقال: إنّ اللّه واسع لخلقه. (3)
21-قال أبو جعفر عليه السّلام: يقول اللّه عزّ و جلّ: ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي على المؤمن، لأنّي أحبّ لقاءه و يكره الموت فأزويه عنه، و لو لم يكن في الأرض إلاّ مؤمن واحد لأكتفيت به عن جميع خلقي، و جعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج فيه إلى أحد. (4)
بيان:
«فأزويه» يقال: زوى الشيء: نحّاه و منعه، و زوى عنه الشرّ أي صرفه.
و في ح 14: «فأصرفه عنه» .
22-عن ميسّر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن منكم يوم القيامة ليمرّ به الرجل و قد امر به إلى النار، فيقول: يا فلان، أغثني فإنّي كنت أصنع إليك
ص:148
المعروف في دار الدنيا فيقول للملك: خلّ سبيله، فيأمر اللّه. فيخلّي سبيله. (1)
23-عن محمّد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: بؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال له: اذكر و تذكّر، هل لك حسنة؟ فيقول ما لي حسنة غير أنّ فلانا عبدك المؤمن مرّبي فسألني ماء ليتوضّأ به فيصلّي، فأعطيته فيدعى بذلك العبد، فيقول: نعم يا ربّ، فيقول الربّ جلّ ثناؤه: قد غفرت لك، أدخلوا عبدي جنّتي. (2)
24-عن جابر الجعفيّ قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: إنّ المؤمن ليفوّض اللّه إليه يوم القيامة فيصنع ما يشاء، قلت: حدثني في كتاب اللّه أين قال؟ قال: قوله:
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ (3)فمشيّة اللّه مفوّضة إليه، و المزيد من اللّه ما لا يحصى.
ثمّ قال: يا جابر، و لا تستعن بعدوّ لنا في حاجة، و لا تستطعمه و لا تسأله شربة، أما إنّه ليخلد في النار فيمرّ به المؤمن، فيقول: يا مؤمن، أ لست فعلت كذا و كذا؟ فيستحيى منه، فيستنقذه من النار، و إنّما سمّي المؤمن مؤمنا لأنّه يؤمن على اللّه فيجيز اللّه أمانه. (4)
25-قال الباقر عليه السّلام: إنّ اللّه أعطى المؤمن ثلاث خصال؛ العزّ في الدنيا و في دينه، و الفلح في الآخرة، و المهابة في صدور العالمين. (5)
26-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة. (6)
ص:149
27-عن الثماليّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لو كشف الغطاء عن الناس، فنظروا إلى ما وصل ما بين اللّه و بين المؤمن، خضعت للمؤمن رقابهم و تسهّلت له أمورهم، و لانت طاعتهم و لو نظروا إلى مردود الأعمال من السماء، لقالوا: ما يقبل اللّه من أحد عملا. (1)
28-عن سليمان الجعفريّ قال: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام قال: يا سليمان، اتّق فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور اللّه، فسكتّ حتّى أصبت خلوة، فقلت: جعلت فداك، سمعتك تقول: اتّق فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه؟ قال: نعم يا سليمان، إنّ اللّه خلق المؤمن من نوره، و صبّغهم في رحمته و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية، و المؤمن أخ المؤمن لأبيه و امّه، أبوه النور و امّه الرحمة، و إنّما ينظر بذلك النور الذي خلق منه. (2)
بيان:
«صبّغهم» : أي غمسهم أو لوّنهم.
29-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه، ثمّ تلا: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (3). (4)
30-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المؤمن آنس الانس جيّد الجنس، من طينتنا أهل البيت. (5)
31-عن محمّد بن حمران قال: سألت الصادق عليه السّلام: من أيّ شيء خلق اللّه طينة المؤمن؟ قال: من طينة علّيّين، قال: قلت: فمن أىّ شيء خلق المؤمن؟
ص:150
قال: من طينة الأنبياء فلن ينجّسه شيء. (1)
32-عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه، فمن طعن على المؤمن أو ردّ عليه فقد ردّ على اللّه في عرشه، و ليس هو من اللّه في ولاية و إنّما هو شرك شيطان. (2)
33-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
الإيمان أمان. (الغرر ج 1 ص 7 ف 1 ح 90)
الإيمان نجاة-المرء بإيمانه. (ص 11 ح 235 و ص 12 ح 292)
الإيمان واضح الولائج (3). (ص 19 ح 512)
الإيمان شفيع منجح. (ص 22 ح 606)
المؤمنون أعظم أحلاما (4). (ص 23 ح 647)
الإيمان أعلى غاية-الإيمان إخلاص العمل. (ص 30 ح 900 و 923)
النجاة مع الإيمان (ص 31 ح 941)
الإيمان شهاب لا يخبو. (ص 32 ح 991)
الإيمان صبر في البلاء، و شكر في الرخاء. (ص 49 ح 1395)
الإيمان أفضل الأمانتين. (ص 65 ح 1706)
الإيمان قول باللسان و عمل بالأركان. (ص 69 ح 1781)
الإيمان شجرة أصلها اليقين، و فرعها التقى، و نورها الحياء، و ثمرها السخاء.
(ص 71 ح 1811)
ص:151
الإيمان و العمل أخوان توأمان، و رفيقان لا يفترقان، لا يقبل اللّه أحدهما إلاّ بصاحبه. (ص 96 ح 2116)
أقرب الناس من اللّه سبحانه أحسنهم إيمانا. (ص 196 ف 8 ح 369)
بالإيمان يرتقى إلى ذروة السعادة و نهاية الحبور. (ص 336 ف 18 ح 145)
زين الإيمان طهارة السرائر و حسن العمل في الظواهر. (ص 429 ف 37 ح 64)
غاية الدين الإيمان. (ج 2 ص 503 ف 56 ح 1)
ما من شيء يحصل به الآمال (الأمان ف ن) أبلغ من إيمان و إحسان.
(ص 756 ف 79 ح 257)
ملاك النجاة لزوم الإيمان و صدق الإيقان. (ص 768 ف 80 ح 152)
لا شرف أعلى من الإيمان. (ص 838 ف 86 ح 188)
لا نجاة لمن لا إيمان له. (ص 847 ح 344)
لا شيء يدّخره الإنسان كالإيمان باللّه سبحانه و صنائع الإحسان.
(ص 853 ح 425)
يستدلّ على إيمان الرجل بالتسليم و لزوم الطاعة. (ص 863 ف 88 ح 1)
يحتاج الإسلام إلى الإيمان، و يحتاج الإيمان إلى الإيقان، و يحتاج العلم إلى العمل. (ص 874 ف 91 ح 13)
ص:152
الأخبار
1-عن أبي عمرو الزبيريّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: أيّها العالم، أخبرني أىّ الأعمال أفضل عند اللّه؟ قال: ما لا يقبل اللّه شيئا إلاّ به، قلت:
و ما هو؟ قال: الإيمان باللّه الذى لا إله إلاّ هو، أعلى الأعمال درجة و أشرفها منزلة و أسناها حظّا. قال: قلت: ألا تخبرني عن الإيمان؛ أقول هو و عمل، أم قول بلا عمل؟ فقال: الإيمان عمل كلّه و القول بعض ذلك العمل، بفرض من اللّه بيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد له به الكتاب و يدعوه إليه.
قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتّى أفهمه، قال: للإيمان حالات و درجات و طبقات و منازل. فمنه التامّ المنتهى تمامه و منه الناقص البيّن نقصانه و منه الراجح الزائد رجحانه. قلت: إنّ الإيمان ليتمّ و ينقص و يزيد؟ قال: نعم. قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنّ اللّه تبارك و تعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، و قسّمه عليها و فرّقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلاّ و قد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به اختها. . . ففرض على القلب غير ما فرض على السمع و فرض على السمع غير ما فرض على العينين. . .
فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان، فالإقرار و المعرفة و العقد و الرضا و التسليم بأن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة
ص:153
و لا ولدا، و أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، و الإقرار بما جاء من عند اللّه من نبيّ أو كتاب، فذلك ما فرض اللّه على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً (1)و قال: أَلا بِذِكْرِ اَللّهِ تَطْمَئِنُّ اَلْقُلُوبُ (2)و قال: اَلَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (3)و قال: إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اَللّهُ. . . (4)فذلك ما فرض اللّه عزّ و جلّ على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو رأس الإيمان.
و فرض اللّه على اللسان القول و التعبير عن القلب بما عقد عليه و أقرّ به. قال اللّه تبارك و تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً (5)و قال: قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. . . (6)فهذا ما فرض اللّه على اللسان و هو عمله.
و فرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه و أن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللّه عزّ و جلّ عنه و الإصغاء إلى ما أسخط اللّه عزّ و جلّ فقال في ذلك: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اَللّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (7).
ثمّ استثنى اللّه عزّ و جلّ موضع النسيان فقال: وَ إِمّا يُنْسِيَنَّكَ اَلشَّيْطانُ
ص:154
فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ اَلذِّكْرى مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّالِمِينَ (1)و قال: فَبَشِّرْ عِبادِ- اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ اَلَّذِينَ هَداهُمُ اَللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبابِ (2)و قال عزّ و جلّ: قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ- اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اَللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. . . (3)و قال: وَ إِذا سَمِعُوا اَللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ (4)و قال: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (5)فهذا ما فرض على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له و هو عمله و هو من الإيمان.
و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عليه و أن يعرض عمّا نهى اللّه عنه ممّا لا يحلّ له و هو عمله و هو من الإيمان، فقال تبارك و تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (6)فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه أن ينظر إليه و قال: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ (7)من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج اختها و تحفظ فرجها من أن ينظر إليها و قال: كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ هذه الآية فإنّها من النظر. . .
و فرض اللّه على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم اللّه و أن يبطش بهما إلى ما أمر اللّه عزّ و جلّ و فرض عليهما من الصدقة و صلة الرحم و الجهاد في سبيل اللّه
ص:155
و الطهور للصلوة. . .
و فرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي اللّه و فرض عليهما المشي إلى ما يرضى اللّه عزّ و جلّ فقال: وَ لا تَمْشِ فِي اَلْأَرْضِ مَرَحاً. . . (1)
و قال: وَ اِقْصِدْ فِي مَشْيِكَ. . . (2). . .
و فرض على الوجه السجود له بالليل و النهار في مواقيت الصلاة. . . (3)
بيان:
«لا يبطش» البطش: تناول الشيء بصولة و قوّة، و المراد أن لا يأخذ بهما ما حرّم اللّه.
2-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع الإيمان على سبعة أسهم؛ على البرّ، و الصدق، و اليقين، و الرضا، و الوفاء، و العلم، و الحلم، ثمّ قسّم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كامل محتمل، و قسّم لبعض الناس السهم و لبعض السهمين و لبعض الثلاثة حتّى انتهوا إلى السبعة ثمّ قال:
لا تحملوا على صاحب السهم سهمين و لا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهضوهم، ثمّ قال: كذلك حتّى انتهوا إلى السبعة. (4)
بيان:
«فهو كامل» : أي في الإيمان. «محتمل» : لشرائطه و أركانه. «فتبهضوهم» في بعض النسخ: بالظاء، و هما متقاربان معنى، قال في القاموس: بهضني الأمر كمنع و أبهضني: فدحني (أي أثقلني) و بالظاء أكثر، و قال: بهظه الأمر: غلبه و ثقل عليه و بلغ به مشقّة.
ص:156
3-عن عبد العزيز القراطيسيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عبد العزيز! إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد: لست على شيء حتّى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، و إذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفقه إليك برفق و لا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسّره، فإنّ من كسّر مؤمنا فعليه جبره. (1)
أقول:
رواه الصدوق رحمه اللّه في الخصال ج 2 ص 447 باب العشرة ح 48، و زاد في آخره:
و كان المقداد في الثامنة، و أبو ذرّ في التاسعة، و سلمان في العاشرة.
بيان: «فتكسّره» في المرآة ج 7 ص 280: أي تكسّر إيمانه و تضلّه لأنّه يرفع يده عمّا هو فيه، و لا يصل إلى الدرجة الأخرى فيتحيّر في دينه أو يكلّفه من الطاعات ما لا يطيقها فيسوء ظنّه بما كان يعمله فيتركهما جميعا.
«فعليه جبره» قال رحمه اللّه: أي يجب عليه جبره و ربما لا ينجبر و يلزمه إصلاح ما أفسد من إيمانه و ربما لم يصلح.
أقول: أمّا اختلاف درجات الإيمان فكثيرة فوق أن تحصى لأنّ درجات الإيمان و منازله متفاوتة، تارة بحسب الاعتقادات الحقّة كلاّ و بعضا، قوّة وضعفا، و اخرى بحسب الأخلاق الحسنة و ثالثة بحسب الأعمال الصالحة كثرة و قلّة، خالصة و مشوبة، و لا يدخل شيء من ذلك تحت الحصر و العدد كما في المرآة ج 7 ص 277.
و أمّا ذكر عدد السبعة أو العشرة أو غيرهما فلعلّه لبيان أهمّ مراتبه.
4-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المؤمنون على سبع درجات: صاحب درجة
ص:157
منهم في مزيد من اللّه عزّ و جلّ لا يخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة غيره، و منهم شهداء اللّه على خلقه، و منهم النجباء، و منهم الممتحنة، و منهم النجداء، و منهم أهل الصبر، و منهم أهل التقوى، و منهم أهل المغفرة. (1)
بيان:
«النجيد» جمع نجداء: الشجاع.
5-عن الرضا عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الإيمان بضع و سبعون بابا، أكبرها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق. (2)
بيان:
«إماطة الأذى» أماط عن كذا: تنحّى و ابتعد، و المراد هنا رفع الأذى و دفع ما يؤذي الناس عن الطريق.
6-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما أنتم و البراءة يبرأ بعضكم من بعض؟ ! إنّ المؤمنين بعضهم أفضل من بعض، و بعضهم أكثر صلاة من بعض، و بعضهم أنفذ بصيرة من بعض و هي الدرجات. (3)
7-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الإيمان في عشرة: المعرفة و الطاعة و العلم و العمل و الورع و الاجتهاد و الصبر و اليقين و الرضا و التسليم، فأيّها فقد صاحبه بطل نظامه. (4)
ص:158
الآيات
1- إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اَللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ- اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ - أُولئِكَ هُمُ اَلْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. (1)
2- وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اَللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اَللّهُ إِنَّ اَللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. (2)
3- قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ- اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اَللَّغْوِ مُعْرِضُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ- إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ- فَمَنِ اِبْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ اَلعادُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ- وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ- أُولئِكَ هُمُ اَلْوارِثُونَ- اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها
ص:159
خالِدُونَ. (1)
أقول:
تدلّ على المقام الآيات المذكورة في الفصل الأوّل حيث تحوي أكثرها أنّ الإيمان مقرون بالعمل الصالح و. . .
الأخبار
1-عن طاووس بن اليمان قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول:
علامات المؤمن خمس، قلت: و ما هنّ يابن رسول اللّه؟ قال: الورع في الخلوة، و الصدقة في القلّة، و الصبر عند المصيبة، و الحلم عند الغضب، و الصدق عند الخوف. (2)
2-عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ستّة لا تكون في المؤمن: العسر، و النكد، و اللجاجة، و الكذب، و الحسد، و البغي. (3)
أقول:
زاد في المحاسن ص 158: و قال عليه السّلام: لا يكون المؤمن مجازفا (محاربا ف ن) .
بيان: «العسر» : الشدّة في المعاملات، و عدم السهولة. «النكد» : العسر و الخشونة في المعاشرات، و قلّة العطاء و البخل و هو أظهر. «اللجاجة» : الخصومة.
«مجازفا» : الجزاف معرّب"گزاف"و هو بيع الشيء لا يعلم كيله و لا وزنه. قال في المصباح: يقال لمن يرسل كلامه إرسالا من غير قانون: جازف في كلامه فأقيم نهج الصواب مقام الكيل و الوزن. (البحار ج 67 ص 301)
3-عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام أنّ
ص:160
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: في وصيّته له: يا عليّ، سبعة من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان، و أبواب الجنّة مفتّحة له: من أسبغ وضوءه، و أحسن صلاته، و أدّى زكوة ماله، و كفّ غضبه و سجن لسانه، و استغفر لذنبه، و أدّى النصيحة لأهل بيت نبيّه. (1)
أقول:
رواه غير واحد من الخاصّة و العامّة في كتبهم، و المراد بالنصيحة لأهل البيت هي شدّة المحبّة و المتابعة لهم و عدم الشكّ فيهم و. . . و من أراد المزيد فليلاحظ بابها
4-عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام قال: لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى يكون فيه خصال ثلاث: التفقّه في الدين، و حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على الرزايا. (2)
بيان:
«الرزيئة» : ج رزايا و هي المصيبة.
5-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا أنبّئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم و أموالهم. ألا أنبّئكم بالمسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه و يده. و المهاجر من هجر السيّئات و ترك ما حرّم اللّه. و المؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة. (3)
6-عن عبد اللّه بن يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قام رجل يقال له:
همّام-و كان عابدا ناسكا مجتهدا-إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يخطب فقال:
يا أمير المؤمنين، صف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر إليه.
فقال: يا همّام، المؤمن هو الكيّس الفطن، بشره في وجهه، و حزنه في قلبه، أوسع شيء صدرا، و أذلّ شيء نفسا، زاجر عن كلّ فان، حاضّ على كلّ حسن،
ص:161
لا حقود و لا حسود، و لا وثّاب و لا سبّاب و لا عيّاب و لا مغتاب، يكره الرفعة و يشنأ السمعة، طويل الغمّ، بعيد الهمّ، كثير الصمت، وقور ذكور صبور شكور، مغموم بفكره، مسرور بفقره، سهل الخليقة، ليّن العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا متأفّك و لا متهتّك.
إن ضحك لم يخرق، و إن غضب لم ينزق، ضحكه تبسّم، و استفهامه تعلّم، و مراجعته تفهّم، كثير علمه، عظيم حلمه، كثير الرحمة، لا يبخل و لا يعجل و لا يضجر و لا يبطر، و لا يحيف في حكمه، و لا يجور في علمه، نفسه أصلب من الصلد، و مكادحته أحلى من الشهد، لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلّف و لا متعمّق، جميل المنازعة، كريم المراجعة، عدل إن غضب، رفيق إن طلب، لا يتهوّر و لا يتهتّك و لا يتجبّر، خالص الودّ، وثيق العهد، و في العقد، شفيق، وصول حليم خمول، قليل الفضول.
راض عن اللّه عزّ و جلّ، مخالف لهواه، لا يغلظ على من دونه، و لا يخوض فيما لا يعنيه، ناصر للدين، محام عن المؤمنين، كهف للمسلمين، لا يخرق الثناء سمعه، و لا ينكي الطمع قلبه، و لا يصرف اللعب حكمه، و لا يطّلع الجاهل علمه، قوّال عمّال، عالم حازم، لا بفحّاش و لا بطيّاش، وصول في غير عنف، بذول في غير سرف، لا بختّال و لا بغدّار، و لا يقتفي أثرا و لا يحيف بشرا، رفيق بالخلق، ساع في الأرض، عون للضعيف، غوث للملهوف، لا يهتك سترا و لا يكشف سرّا، كثير البلوى، قليل الشكوى، إن رأى خيرا ذكره، و إن عاين شرّا ستره، يستر العيب، و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلّة.
لا يطّلع على نصح فيذره، و لا يدع جنح حيف فيصلحه، أمين رصين تقيّ نقيّ زكيّ رضيّ، يقبل العذر و يجمل الذكر، و يحسن بالناس الظنّ، و يتّهم على العيب نفسه، يحبّ في اللّه بفقه و علم، و يقطع في اللّه بحزم و عزم، لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح، مذكّر للعالم، معلّم للجاهل، لا يتوقّع له بائقة، و لا يخاف له
ص:162
غائلة، كلّ سعي أخلص عنده من سعيه، و كلّ نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعيبه شاغل بغمّه، لا يثق بغير ربّه، غريب وحيد جريد [حزين]، يحبّ في اللّه و يجاهد في اللّه ليتّبع رضاه، و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالي في سخط ربّه، مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق، مؤازر لأهل الحقّ.
عون للغريب، أب لليتيم، بعل للأرملة، حفيّ بأهل المسكنة، مرجوّ لكلّ كريهة، مأمول لكلّ شدّة، هشّاش بشّاش، لا بعبّاس و لا بجسّاس، صليب كظّام بسّام، دقيق النظر، عظيم الحذر، [لا يجهل و إن جهل عليه يحلم]لا يبخل و إن بخل عليه صبر، عقل فاستحيى و قنع فاستغنى، حياؤه يعلو شهوته و ودّه يعلو حسده و عفوه يعلو حقده، لا ينطق بغير صواب، و لا يلبس إلاّ الاقتصاد، مشيه التواضع.
خاضع لربّه بطاعته، راض عنه في كلّ حالاته، نيّته خالصة، أعماله ليس فيها غشّ و لا خديعة، نظره عبرة، سكوته فكرة و كلامه حكمة، مناصحا متباذلا متواخيا، ناصح في السرّ و العلانية، لا يهجر أخاه و لا يغتابه و لا يمكر به، و لا يأسف على مافاته، و لا يحزن على ما أصابه، و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء، و لا يفشل في الشدّة، و لا يبطر في الرخاء، يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر، تراه بعيدا كسله دائما نشاطه، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقّعا لأجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربّه، قانعة نفسه، منفيّا جهله، سهلا أمره، حزينا لذنبه، ميّتة شهوته، كظوما غيظه، صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، قانعا بالذي قدّر له، متينا صبره، محكما أمره، كثيرا ذكره.
يخالط الناس ليعلم، و يصمت ليسلم، و يسأل ليفهم، و يتّجر ليغنم، لا ينصت للخبر ليفجر به و لا يتكلّم ليتجبّر به على من سواه، نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه، إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه الذي ينتصر له، بعده ممّن تباعد منه بغض و نزاهة، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة، ليس تباعده تكبّرا و لا عظمة، و لا دنوّه خديعة و لا خلابة، بل يقتدي
ص:163
بمن كان قبله من أهل الخير فهو إمام لمن بعده من أهل البرّ.
قال: فصاح همّام صيحة، ثمّ وقع مغشيّا عليه. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه.
و قال: هكذا تصنع الموعظة البالغة بأهلها، فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين، فقال: إنّ لكلّ أجلا لا يعدوه و سببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنّما نفث على لسانك شيطان. (1)
أقول:
يكفي في الفصل هذا الحديث، كيف و فيه كلّ الصفات و كلّ المواعظ.
و رواه السيّد الرضي رحمه اللّه في نهج البلاغة و الصدوق رحمه اللّه في مجالسه باختلاف.
و سيأتي في باب التقوى ما في نهج البلاغة إن شاء اللّه تعالى و فيه؛ قال: صف لي المتّقين. و يمكن أن يكون السؤال عن صفات المؤمنين و المتّقين معا فاكتفى في بعض الروايات بذكر الأولى و في بعضها بذكر الثانية كما قال المجلسي رحمه اللّه في البحار، و يؤيّده ما في تحف العقول حيث ورد كلاهما في حديث واحد.
بيان: «الكيّس» : الفطن، الحسن الفهم. «البشر» : الطلاقة. «عن كلّ فان» أي من جميع الامور الدنيوية فإنّها في معرض الفناء. «حاضّ» الحضّ: الترغيب و التحريص. «لا وثّاب» : أي لا يثب في وجوه الناس بالمنازعة و المعارضة. «يشنأ السمعة» : يبغضها. «بعيد الهمّ» : أي يهتمّ للامور البعيدة عنه من أمور الآخرة و غيرها أو بمعنى أنّه يتفكّر في العواقب. «ذكور» : أي كثير الذكر للّه تعالى. «مغموم بفكره» : أي بسبب فكره في امور الآخرة. «سهل الخليقة» : أي ليس في طبعه خشونة و غلظة، و قيل: أي سريع الانقياد للحقّ. «ليّن العريكة» : هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكّدة لها، و الخليقة و العريكة بمعنى الطبيعة. «رصين الوفاء» :
ص:164
أي محكم الوفاء بعهود اللّه و عهود الخلق. في القاموس، رصنه: أكمله و أرصنه:
أحكمه و رصن ككرم و كأمير: المحكم الثابت و الحفي بحاجة صاحبه.
«لا متأفّك» : كأنه مبالغة في الإفك بمعنى الكذب. «لا متهتّك» : أي ليس قليل الحياء بحيث لا يبالي أن يهتك ستره، أو لا يهتك ستر الناس. «إن ضحك لم يخرق» :
أي لا يبالغ في الضحك حتّى ينتهي إلى الخرق و السفه بل يقتصر على التبسّم و قيل:
هو من الخرق بمعنى الشقّ أي لم يشقّ فاه و لم يفتحه كثيرا. «لم ينزق» نزق: خفّ و طاش عند الغضب. «لا يبطر» بطر الحقّ: تكبّر عنه و لم يقبله و بطر بطرا: أخذته دهشة و حيرة عند هجوم النعمة و طغى بالنعمة أو عندها فصرفها إلى غير وجهها و بطر النعمة: استخفّها جهلا و تكبّرا فلم يشكرها.
«لا يحيف» الحيف: الجور و الظلم. «نفسه أصلب من الصلد» : كناية عن شدّة تحمّله للمشاقّ، أو عن عدم عدوله عن الحقّ و تزلزله فيه بالشبهات، و عدم ميله إلى الدنيا بالشهوات، و الصلد أي الحجر الصلب الأملس. «مكادحته أحلى من الشهد» يقال: كدح في العمل: سعى و عمل لنفسه، فالمعنى أنّ جهده و عمله من العبادة و غيرها في مذاقه أحلى من العسل أو كدّه في سبيل اللّه من قوله تعالى:
إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً أي تسعى.
«لا جشع» في القاموس، الجشع محرّكة: أشدّ الحرص و أسوءه أو أن تأخذ نصيبك و تطمع في نصيب غيرك. و قال: «الهلع» : أفحش الجزع و كصرد:
الحريص، و الهلوع: من يجزع و يفزع من الشرّ و يحرص و يشحّ على المال، أو الضجور لا يصبر على المصائب. «العنف» مثلّثة العين: ضدّ الرفق. «لا صلف» صلف صلفا: تمدّح بما ليس فيه أو عنده و ادّعى فوق ذلك إعجابا و تكبّرا فهو صلف، و لصاحبه: تكلّم له بما يكره (لاف زدن) .
في القاموس، «المتكلّف» : العريض لما لا يعنيه و نحوه. «لا متعمّق» : أي لا يتعمّق و لا يبالغ في الأمور الدنيويّة، و الأمور الممنوعة، و يحتمل عندي أنّ المراد عدم
ص:165
تعمّقه في بعض الأمور، لكونه دائما في ذكر اللّه تعالى. «جميل المنازعة» : أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن الوجوه. «كريم المراجعة» : أي يأتي بها في غاية الملاينة و حسن الأدب.
«عدل إن غضب» : أي لا يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه. «رفيق إن طلب» : أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق، و يمكن أن يقرء على بناء المجهول أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه برفق، و إن طلب أحد منه حقّه يجيبه برفق «التهوّر» : الإفراط في الشجاعة. «و لا يتجبّر» أي لا يتكبّر على الغير أو لا يعدّ نفسه كبيرا. «خالص الودّ» : أي محبّته خالصة لكلّ من يودّه غير مخلوطة بالخديعة و النفاق. «وثيق العهد» : أي عهده مع اللّه و مع الخلق محكم. «الشفيق» : أي ناصح و مشفق على المؤمنين.
«وصول» : أي للرحم أو الأعمّ منهم و من ساير المؤمنين. «خمول» : أي خامل الذكر، غير مشهور بين الناس. «قليل الفضول» : أي قليل الزوائد من القول و الفعل. «لا يخوض» : لا يدخل. «محام عن المؤمنين» : دافع للضرر عنهم يقال:
حاميت عنه: منعت عنه. «الكهف» : الملجأ. «لا يخرق الثناء سمعه» الخرق: الشقّ، و عدمه كناية عن عدم التأثير فيه كأنّه لم يسمعه. «لا ينكي الطمع قلبه» :
أي لا يؤثّر في قلبه و لا يستقرّ فيه، و فيه إشعار بأنّ الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرء. «لا يصرف اللعب حكمه» : أي حكمته و المعنى؛ لا يلتفت إلى اللعب لحكمته، أو المعنى؛ أنّ الأمور الدنيويّة لا تصير سببا لتغيير حكمه.
«الحزم» : رعاية العواقب، في القاموس، الحزم: ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة «لا بفحّاش» الفحش: عدوان الجواب أو ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال «لا بطيّاش» الطيش: النزق و الخفّة و ذهاب العقل و الطيّاش: من لا يقصد وجها واحدا. «وصول في غير عنف» : أي وصله غير مشوب بالشدّة و المشقّة، و يعاشر
ص:166
الأرحام و المؤمنين برفق. «لا بختّال» : ختله أي خدعه و في بعض النسخ:
"لا بختّار"في القاموس، الختر: الغدر و الخديعة أو أقبح الغدر. «لا يقتفي أثرا» : أي لا يتّبع عيوب الناس أو لا يتّبع أثر من لا يعلم حقّيته. «الملهوف» : المظلوم، المضطرّ يستغيث و يتحسّر. «كثير البلوى» : أي كثير الاختبار و كثير البلاء و المحنة. «يقيل العثرة» : أي يعفو عن الزلّة و الخطيئة و قريب منه يغفر الزلّة. «لا يطّلع على نصح فيذره» : أي لا يطّلع على نصح لأخيه فيتركه بل يذكره له. «لا يدع جنح حيف فيصلحه» الجنح: الجانب و الكنف و الناحية، و المعنى أنّه لا يدع شيئا من الظلم يقع منه أو من غيره على أحد بل يصلحه، أو لا يصدر منه شيء من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه.
«تقيّ» عن المعاصي. «نقيّ» عن ذمائم الأخلاق. «زكيّ» : أي طاهر من العيوب أو نام في الكمالات أو صالح. «رضيّ» : أي راض عن اللّه تعالى و عن الخلق أو مرضيّ عندهما كما قال اللّه تعالى: وَ اِجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي مرضيّا عندك قولا و فعلا.
«يقطع في اللّه بحزم و عزم» : أي يقطع من الأعداء بحزم و رعاية للعاقبة، فإنّه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا و هو عازم على قطعهم، لاكمن يصل من الأعداء يوما و يقطع يوما منهم. «لا يخرق به فرح» : أي لا يصير الفرح سببا لخرقه و سفهه.
«لا يطيش به مرح» المرح: شدّة الفرح و النشاط أي لا يصير شدّة فرحه سببا لخفّته و ذهاب عقله أو عدوله عن الحقّ و ميله إلى الباطل.
«لا يتوقّع له بائقة» توقّع الأمر: انتظر كونه، و البائقة: الداهية و الشرّ و الغائلة أي لا يخاف أن يصدر عنه داهية و شرّ. «كلّ سعي أخلص عنده من سعيه» : أي لحسن ظنّه بالغير و اتّهامه لنفسه سعي كلّ أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه، و قريب منه الفقرة التالية. «شاغل بغمّه» : أي غمّه لآخرته و عيوبه شغلته عن أن يلتفت إلى غيره. «وحيد» : أي يصبر على الوحدة أو فريد لا مثل له. «جريد» :
في بعض النسخ: "حزين". «مؤازر» : أي معاون.
ص:167
في الصحاح، «الأرملة» : أي المرأة التي لا زوج لها و في القاموس: امرأة أرملة:
محتاجة أو مسكينة. أقول: لعلّة وفات زوجها تصير محتاجة مسكينة.
قال الراغب: «الحفىّ» البرّ اللطيف. . . و يقال: حفيت بفلان و تحفّيت به: إذا عنيت بإكرامه، و الحفيّ: العالم بالشيء. «مرجوّ لكلّ كريهة» : أي يرجى لرفع كلّ كريهة.
«مأمول لكلّ شدّة» : أي يأمله الناس لدفع كلّ شدّة. «هشّاش» يقال هشّ الرجل: إذا تبسّم و ارتاح، و هي طلاقة الوجه و كذا بشّاش. «العبّاس» : أي كثير العبوس. «و لا بجسّاس» : أي لا كثير التجسّس لعيوب الناس و غيره. «صليب» :
أي متصلّب شديد في أمور الدين. «كظّام» : يكظم الغيظ كثيرا. «بسّام» : أي كثير التبسّم. «دقيق النظر» : أي نافذ الفكر في دقائق الأمور. «عظيم الحذر» : أي عن الدنيا و مهالكها و فتنها.
«عقل فاستحيى» : أي فهم قبح المعاصي فاستحيى من ارتكابها، أو عقل أنّ اللّه مطّلع عليه في جميع أحواله فاستحيى من أن يعصيه. «لا يفشل في الشدّة» : أي لا يكسل و لا يضطرب. «لا يبطر في الرخاء» : أي لا يطغى في الرخاء و مرّ معنى البطر. «تراه بعيدا كسله» : أي في العبادات و الأمور.
«دائما نشاطه» : أي رغبته في الطاعات. «قريبا أمله» : أي لا يأمل ما يبعد حصوله من أمور الدنيا أو لا يأمل ما يتوقّف حصوله على عمر طويل، بل يعدّ موته قريبا، و الحاصل ليس له طول الأمل. «متوقّعا لأجله» : أي منتظرا له يعدّه قريبا منه.
«سهلا أمره» : أي خفيف المؤنة. «صافيا خلقه» : عن الغلظة و الخشونة. «يتّجر ليغنم» : أي ليحصل الغنيمة و الربح، لا للتفاخر و التكاثر أو المراد بالغنيمة الفوائد الأخرويّة.
«لا ينصت للخبر ليفجر به» : في بعض النسخ: "لا ينصت للخير ليفخر به".
و في بعض النسخ: "لا ينصب للخير ليفجر به"أي لا يقبل المنصب الشرعيّ ليفجر به و يحكم بالفجور. «و لا يتكلّم ليتجبّر به» : أي لا يتكلّم ليتكبّر و يقهر و يتسلّط
ص:168
على من سواه. «بعده ممّن تباعد منه بغض و نزاهة» : أي إنّما يبعد عن مخالفه للبغض في اللّه و النزاهة و البعد عن أعمالهم و أفعالهم، و النزاهة أي التباعد عن كلّ قذر و مكروه. «الخلابة» : الخديعة باللسان و بالقول اللطيف. «أجلا لا يعدوه» : أي لا يتجاوز إلى غيره. «نفث. . .» المراد هنا؛ ألقى الشيطان على لسانك.
(لاحظ شرح الحديث في البحار ج 67 ص 368 و المرآة ج 9 ص 202)
7-عن عبد اللّه بن غالب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال؛ وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء، و لا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة. إنّ العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و الصبر أمير جنوده و الرفق أخوه و اللين والده. (1)
بيان:
«الهزاهز» : أي الفتن و الشدائد التي يهتزّ و يتحرّك فيها الناس. «لا يتحامل للأصدقاء» في المرآة: أي لا يحمل الوزر لأجلهم أو لا يتحمّل عنهم ما لا يطيق الإتيان به من الأمور الشاقّة فيعجز عنها و الأوّل أظهر معنى و الثاني لفظا، في النهاية: تحاملت الشيء: تكلّفته على مشقّة و في القاموس: تحامل في الأمر و به:
تكلّفه على مشقّة، و عليه: كلّفه ما لا يطيق.
8-عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: المؤمن يصمت ليسلم، و ينطق ليغنم، لا يحدّث أمانته الأصدقاء، و لا يكتم شهادته من البعداء، (الأعداء ف ن) و لا يعمل شيئا من الخير رياء، و لا يتركه حياءا، إن زكّي خاف ممّا يقولون، و يستغفر اللّه لما لا يعلمون، لا يغرّه قول من جهله، و يخاف إحصاء ما عمله. (2)
ص:169
بيان:
«لا يكتم شهادته من البعداء» : أي من الأباعد عنه نسبا أو محبّة فكيف الأقارب «لا يغرّه قول من جهله» : أي لا يخدعه ثناء من جهل عيوبه و ذنوبه فيعجب بنفسه.
9-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المؤمن له قوّة في دين، و حزم في لين، و إيمان في يقين، و حرص في فقه، و نشاط في هدى، و برّ في استقامة و علم في حلم، و كيس في رفق، و سخاء في حقّ، و قصد في غنى، و تجمّل في فاقة، و عفو في قدرة، و طاعة للّه في نصيحة، و انتهاء في شهوة، و ورع في رغبة، و حرص في جهاد، و صلاة في شغل، و صبر في شدّة، و في الهزاهز وقور، و في المكاره صبور، و في الرخاء شكور، و لا يغتاب و لا يتكبّر، و لا يقطع الرحم، و ليس بواهن، و لا فظّ و لا غليظ، و لا يسبقه بصره، و لا يفضحه بطنه، و لا يغلبه فرجه، و لا يحسد الناس، يعيّر و لا يعيّر و لا يسرف، ينصر المظلوم و يرحم المسكين، نفسه منه في عناء، و الناس منه في راحة، لا يرغب في عزّ الدنيا، و لا يجزع من ذلّها، للناس همّ قد أقبلوا عليه و له همّ قد شغله، لا يرى في حكمه نقص و لا في رأيه وهن، و لا في دينه ضياع، يرشد من استشاره و يساعد من ساعده، و يكيع عن الخناء و الجهل. (1)
بيان:
«قوّة في دين» : أي قويّ في أمر الدين و أن لا يتطرّق إلى إيمانه الشكوك و الشبهات و. . . «حزم في لين» : أي مع لين. «إيمان في يقين» : أي مع يقين أي بلغ إيمانه حدّ اليقين. «برّ في استقامة» : أي مع الاستقامة في الدين أو المراد به الاستقامة في البرّ أي يضع البرّ في محلّه و موضعه. «كيس في رفق» : أي كياسة مع رفق بالخلق لا كغيره من الأكياس في أمور الدنيا الذين يريدون التسلّط على الخلق و إيذائهم
ص:170
أو المراد الكياسة في الرفق، فيرفق في محلّه و يخشن في موضعه. «سخاء في حقّ» : أي في الحقوق اللازمة لا في الامور الباطلة أو مع رعاية الحقّ بحيث لا ينتهي إلى الإسراف و التبذير.
«تجمّل في فاقة» التجمّل: التزيّن، و الفاقة: الفقر و الحاجة، و المراد أنّه لا يظهر الفقر.
«و طاعة للّه في نصيحة» : أي مع نصيحة للّه و المراد أنّه يخلص في طاعته للّه.
«انتهاء في شهوة» : أي يقبل نهى اللّه في حال الشهوة، و في الصحاح: نهيته عن كذا فانتهى عنه و تناهى أي كفّ. «صلاة في شغل» في الوافي: لعلّ المراد بالصلاة في الشغل ذكر اللّه في أشغاله، أو أنّ المراد أنّه لا يشغله أشغاله عن إتيان الصلاة بل يدع الشغل و يأتي الصلاة ثمّ يعود إليه، و يشملهما قوله سبحانه: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ انتهى. و قال بعض الكمّلين رحمهم اللّه: المراد ذكر اللّه في أشغاله فكأنّه في صلاة حين اشتغاله بالأمور.
«الفظّ» : الخشن الخلق في القول و الفعل. «الغلظة» : غلظة القلب. «و لا يسبقه بصره» : أي يملك بصره و لا ينظر إلى شيء إلاّ بعد علمه بأنّه يحلّ له النظر إليه و لا يضرّه في الدنيا و الآخرة. «للناس همّ» : أي فكر و مقصد من الدنيا و عزّها و فخرها و مالها. «و له همّ» : أي فكر و قصد من أمر الآخرة. «و لا في دينه ضياع» :
أي لا يضيّع دينه بالشكوك و ارتكاب السيّئات و غيره. «يكيع» يقال: كاع عنه:
أي جبن عنه وهابه. «الخناء» : أي الفحش في القول.
10-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من سرّته حسنته (حسنة ف ن) و ساءته سيّئته (سيّئة ف ن) فهو مؤمن (1)
11-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاثة من علامات المؤمن: العلم باللّه و من يحبّ
ص:171
و من يكره. (1)
12-عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقلّ منه و المؤمن لا يستقلّ من دينه شيء. (2)
13-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيّد التدبير لمعيشته، لا يلسع من جحر مرّتين. (3)
بيان:
«المعونة» في المصباح، العون: الظهير على الأمر و استعان به فأعانه. . . و الاسم المعونة و المعانة بالفتح. «الجحر» : ثقب الحيّة و نحوها و هو استعارة هنا أي لا يخدع المؤمن من جهة واحدة مرّتين.
14-قال الرضا عليه السّلام: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه و سنّة من نبيّه و سنّة من وليّه؛ فأمّا السنّة من ربّه فكتمان سرّه قال اللّه عزّ و جلّ: عالِمُ اَلْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً- إِلاّ مَنِ اِرْتَضى مِنْ رَسُولٍ، (4)و أمّا السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ اللّه عزّ و جلّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بمداراة الناس فقال: خُذِ اَلْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ (5)و أمّا السنّة من وليّه فالصبر في البأساء و الضرّاء. (6)
أقول:
رواه الصدوق رحمه اللّه في أماليه م 53 ح 8 و العيون ج 1 ص 200 ب 26 ح 9، و زاد
ص:172
في آخره: فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ اَلصّابِرِينَ فِي اَلْبَأْساءِ وَ اَلضَّرّاءِ و كأنّه سقط من النسّاخ.
15-قال أمير المؤمنين عليه السّلام في صفة المؤمن: المؤمن بشره في وجهه، و حزنه في قلبه، أوسع شيء صدرا، و أذّل شيء نفسا، يكره الرفعة، و يشنأ السمعة، طويل غمّه، بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلّته، سهل الخليقة، ليّن العريكة، نفسه أصلب من الصلد و هو أذلّ من العبد. (1)
بيان:
«يشنأ» : أي يبغض. «السمعة» : أن يعمل الرجل عملا ليسمع الناس به. «بعيد همّه» : أي حزنه أو الهمّ بمعنى القصد و العزم أي همّته عالية مصروفة في الأمور الباقية. «مغمور بفكرته» : أي غريق في فكرته يقال: غمره الماء أي غطّاه. «ضنين بخلّته» الضنين: البخيل و الخلّة: الحاجة أي إذا عرضت له الحاجة ضنّ بها أن يسأل أحدا فيها و يظهرها. «سهل الخليقة» أي طبيعتها خالية عن الفظاظة و الخشونة. «ليّن العريكة» العريكة: النفس و الطبيعة يقال: ليّن العريكة إذا كان مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور منكسر النخوة.
16-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن بيته قصب و طعامه كسر و رأسه شعث و ثيابه خلق و قلبه خاشع و لا يعدل السلامة شيئا (2)
17-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة و ثلاث خصال: فعل و عمل و نيّة و باطن و ظاهر.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا رسول اللّه، ما المائة و ثلاث خصال؟ فقال: يا عليّ، من صفات المؤمن أن يكون جوّال الفكر، جوهريّ الذكر، كثيرا علمه، عظيما
ص:173
حلمه، جميل المنازعة، كريم المراجعة، أوسع الناس صدرا، و أذلّهم نفسا، ضحكه تبسّما، و اجتماعه تعلّما، مذكّر الغافل، معلّم الجاهل، لا يؤذي من يؤذيه، و لا يخوض فيما لا يعنيه، و لا يشمت بمصيبة، و لا يذكر أحدا بغيبة، بريئا من المحرّمات، واقفا عند الشبهات، كثير العطاء، قليل الأذى، عونا للغريب، و أبا لليتيم، بشره في وجهه، و حزنه في قلبه، متبشّرا بفقره.
أحلى من الشهد، و أصلد من الصلد، لا يكشف سرّا، و لا يهتك سترا، لطيف الحركات، حلو المشاهدة، كثير العبادة، حسن الوقار، ليّن الجانب، طويل الصمت، حليما إذا جهل عليه، صبورا على من أساء إليه، يبجّل الكبير و يرحم الصغير، أمينا على الأمانات، بعيدا من الخيانات، إلفه التقى، و حلفه الحياء، كثير الحذر، قليل الزلل، حركاته أدب، و كلامه عجب، مقيل العثرة، و لا يتتبّع العورة، وقورا صبورا رضيّا شكورا.
قليل الكلام، صدوق اللسان، برّا مصونا حليما رفيقا عفيفا شريفا، لا لعّان و لا كذّاب و لا مغتاب و لا سبّاب و لا حسود و لا بخيل، هشّاشا بشّاشا، لا حسّاس و لا جسّاس، يطلب من الأمور أعلاها و من الأخلاق أسناها، مشمولا بحفظ اللّه، مؤيّدا بتوفيق اللّه، ذا قوّة في لين و عزمة في يقين، لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحبّ، صبورا في الشدائد، لا يجور و لا يعتدي، و لا يأتي بما يشتهي، الفقر شعاره، و الصبر دثاره، قليل المؤنة، كثير المعونة، كثير الصيام، طويل القيام، قليل المنام.
قلبه تقيّ و عمله زكيّ، إذا قدر عفا و إذا وعد وفى، يصوم رغبا و يصلّي رهبا و يحسن في عمله كأنّه ناظر إليه، غضّ الطرف، سخيّ الكفّ، لا يردّ سائلا و لا يبخل بنائل، متواصلا إلى الإخوان، مترادفا للإحسان، يزن كلامه و يخرس لسانه، لا يغرق في بغضه و لا يهلك في حبّه، و لا يقبل الباطل من صديقه و لا يردّ الحقّ على عدوّه و لا يتعلّم إلاّ ليعلم و لا يعلم إلاّ ليعمل.
ص:174
قليلا حقده، كثيرا شكره، يطلب النهار معيشته و يبكي الليل على خطيئته، إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم، و إن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم، لا يرضى في كسبه بشبهة و لا يعمل في دينه برخصة، يعطف على أخيه بزلّته و يرعى ما مضى من قديم صحبته. (1)
بيان:
«جوّال الفكر» : أي فكره في الحركة دائما. «جوهريّ الذكر» قال رحمه اللّه: كأنّه كناية عن خلوص ذكره و نفاسته و الظاهر أنّه تصحيف، و في بعض النسخ: "جهوريّ الذكر"، في القاموس: كلام جهوريّ أي عال انتهى. أي يعلن ذكر اللّه، أو ذكره عال في الناس، «يبجّل الكبير» التبجيل: التعظيم.
«لا حسّاس و لا جسّاس» قال رحمه اللّه: في القاموس، الحسّ: الحيلة و القتل و الاستئصال و بالكسر: الصوت. و الحاسوس: الجاسوس، و حسست به بالكسر:
أيقنت و أحسست ظننت و وجدت و أبصرت، و التحسّس: الاستماع لحديث القوم، و طلب خبرهم في الخير و قال: الجسّ: تفحّص الأخبار كالتجسّس و منه الجاسوس. . .
و الحاصل أنّ الحسّاس و الجسّاس متقاربان في المعنى، و كأن الأوّل، إعمال الظنون في الناس و الثاني، تجسّس أحوالهم و يحتمل الأوّل بعض المعاني المتقدّمة. «كأنّه الناظر اليه» : أي يشاهد بعين اليقين، و يحتمل إرجاع الضمير إلى اللّه بقرينة المقام «حلفه الحياء» : المراد أنّ الحياء ملازمه «أسناها» السناء: الرفعة. «يصوم رغبا» :
أي رغبة في الثواب. «يصلّي رهبا» : أي خوفا من العقاب. «النائل» : العطيّة و المعروف. «لا يغرق في بغضه» : من الإغراق و هو المبالغة أو كيفرح: كناية عن الهلاك فكلمة"في"سببيّة.
ص:175
18-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: المؤمن من طاب مكسبه، و حسنت خليقته، و صحّت سريرته، و أنفق الفضل من ماله، و أمسك الفضل من كلامه، و كفى الناس من شرّه و أنصف الناس من نفسه. (1)
19-عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام قال: كان أبي، عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: أربع من كنّ فيه كمل إيمانه، و محصت عنه ذنوبه، و لقي ربّه و هو عنه راض؛ من وفى للّه بما جعل على نفسه للناس، و صدق لسانه مع الناس، و استحيى من كلّ قبيح عند اللّه و عند الناس، و حسن خلقه مع أهله. (2)
20-عن رزين قال: سمعت جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون كامل العقل، و لا يكون كامل العقل حتّى يكون فيه عشر خصال؛ الخير منه مأمول، و الشرّ منه مأمون، يستقلّ كثير الخير من نفسه، و يستكثر قليل الخير من غيره، و يستكثر قليل الشرّ من نفسه، و يستقلّ كثير الشرّ من غيره، لا يتبرّم بطلب الحوائج قبله، و لا يسأم من طلب العلم عمره، الذلّ أحبّ إليه من العزّ و الفقر أحبّ إليه من الغنا، حسبه من الدنيا قوت.
و العاشرة و ما العاشرة؟ لا يلقى أحدا إلاّ قال: هو خير منّي و أتقى. إنّما الناس رجلان: رجل خير منه و أتقى، و آخر شرّ منه و أدنى، فإذا لقي الذي هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به، و إذا لقي الذي هو شرّ منه و أدنى قال: لعلّ شرّ هذا ظاهر و خيره باطن، فإذا فعل ذلك علا و ساد أهل زمانه. (3)
بيان:
«لا يتبرّم» في القاموس: البرم محركّة: السأمة و الضجر و أبرمه فبرم كفرح و تبرّم:
أملّه فملّ. «قبله» : أي عنده.
ص:176
21-عن المفضّل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يكمل إيمان العبد حتّى يكون فيه أربع خصال: يحسن خلقه، و يستخفّ نفسه، و يمسك الفضل من قوله، و يخرج الفضل من ماله. (1)
22-. . . عن صفوان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقّ، و الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و الذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله (ممّا له ف ن) . (2)
23-. . . عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد، إنّ زبر الحديد إذا دخل النار تغيّر، و إنّ المؤمن لو قتل ثمّ نشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه. (3)
24-. . . عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ المؤمن من يخافه كلّ شيء، و ذلك أنّه عزيز في دين اللّه، و لا يخاف من شيء، و هو علامة كلّ مؤمن. (4)
25-. . . و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ المؤمن يخشع له كلّ شيء. ثمّ قال: إذا كان مخلصا للّه قلبه، أخاف اللّه منه كلّ شيء حتّى هوامّ الأرض، و سباعها، و طير السماء. (5)
بيان:
«الهامّة» ج هوامّ: ما كان له سمّ كالحيّة و قد تطلق الهوامّ على ما لا يقتل من الحشرات.
26-. . . قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك
ص:177
و أن تتّقي اللّه في حديث غيرك. (1)
أقول:
«عن علمك» في بعض النسخ: "عن عملك".
27-في كلمات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لا يكمل عبد الإيمان باللّه حتّى يكون فيه خمس خصال: التوكّل على اللّه، و التفويض إلى اللّه، و التسليم لأمر اللّه، و الرضا بقضاء اللّه و الصبر على بلاء اللّه، إنّه من أحبّ في اللّه و أبغض في اللّه و أعطى للّه و منع للّه فقد استكمل الإيمان (2)
28-في مواعظ الصادق عليه السّلام: ثلاثة أشياء لا ترى كاملة في واحد قطّ:
الإيمان و العقل و الاجتهاد. (3)
29-في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لشمعون: و أمّا علامة المؤمن؛ فإنّه يرؤف و يفهم و يستحيي. (4)
30-عن الصادق عليه السّلام: أنّه قيل له: ما بال المؤمن أحدّ شيء؟ قال عليه السّلام:
لأنّ عزّ القرآن في قلبه، و محض الإيمان في قلبه و هو يعبد اللّه عزّ و جلّ، مطيع للّه، و لرسوله مصدّق. قيل: فما بال المؤمن قد يكون أشحّ شيء؟ قال عليه السّلام: لأنّه يكسب الرزق من حلّه و مطلب الحلال عزيز فلا يحبّ أن يفارقه لشدّة ما يعلم من عسر مطلبه و إن سخت نفسه لم يضعه إلاّ في موضعه.
قيل: ما علامات المؤمن؟ قال عليه السّلام: أربعة: نومه كنوم الغرقى، و أكله كأكل المرضى، و بكاؤه كبكاء الثكلى، و قعوده كقعود المواثب.
قيل له: فما بال المؤمن قد يكون أنكح شيء؟ قال عليه السّلام: لحفظه فرجه عن فروج
ص:178
ما لا يحلّ له و لكي لا تميل به شهوته هكذا و لا هكذا و إذا ظفر بالحلال اكتفى به و استغنى به عن غيره.
و قال عليه السّلام: إنّ في المؤمن ثلاث خصال لم تجتمع إلاّ فيه؛ علمه باللّه عزّ و جلّ، و علمه بمن يحبّ و علمه بمن يبغض.
و قال عليه السّلام: إنّ قوّة المؤمن في قلبه ألا ترون أنّكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم و هو يقوم الليل و يصوم النهار.
و قال عليه السّلام: المؤمن في دينه أشدّ من الجبال الراسية و ذلك لأنّ الجبل قد ينحت منه و المؤمن لا يقدر أحد أن ينحت من دينه شيئا و ذلك لضنّه بدينه و شحّه عليه. (1)
أقول:
في جامع الأخبار ص 84 ف 41، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علامات المؤمن أربعة:
أكله كأكل المرضى و نومه كنوم الغرقى و بكاؤه كبكاء الثكلى و قعوده كقعود الواثب.
بيان: «أحدّ شيء» في النهاية ج 1 ص 352، الحدّة: كالنشاط و السرعة في الأمور و المضاء فيها، مأخوذ من حدّ السيف. . . و يقال: حدّ يحدّ: إذا غضب.
«كأكل المريض» : كناية عن قلّة أكل المؤمن و عدم شهوته بالأكل كما يتداوى المريض بأكله. «كنوم الغرقى» : كناية عن قلّة نومه و خفّة نومه و أنّه بين النوم و اليقظة، و المعنى بالفارسيّة: "دل بخواب نمى دهد"كما أنّ الغريق يخاف و لا يرضى بالنوم و لا يتلذّذ به. «كبكاء الثكلى» في كثرة البكاء.
«كقعود الواثب» : أي كقعود الخائف يثب من مكانه أو هو كناية عن تهيّأه لوظائفه و تكاليفه. «ينحت» نحت العود: براه و الجبل: حفره.
ص:179
31-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: المؤمن يكون صادقا في الدنيا، راعي القلب، حافظ الحدود، و عاء العلم، كامل العقل، مأوى الكريم، سليم القلب، ثابت الحلم، عطف اليدين، باذل المال، مفتوح الباب للإحسان، لطيف اللسان، كثير التبسّم، دائم الحزن، كثير التفكّر، قليل النوم، قليل الضحك، طيب الطباع، مميت الطمع، قاتل الهوى، زاهد في الدنيا راغب في الآخرة، يحبّ الضيف، و يكرم اليتيم، و يلطف الصغير، و يرفق الكبير، و يعطي السائل، و يعود المريض، و يشيّع الجنائز، و يعرف حرمة القرآن، و يناجي الربّ، و يبكي على الذنوب.
آمر بالمعروف، ناه عن المنكر، أكله بالجوع و شربه بالعطش، و حركته بالأدب و كلامه بالنصيحة و موعظته بالرفق، لا يخاف إلاّ اللّه و لا يرجو إلاّ إيّاه و لا يشغل إلاّ بالثناء و الحمد، و لا يتهاون و لا يتكبّر، و لا يفتخر بمال الدنيا، مشغول بعيوب نفسه فارغ عن عيوب غيره.
الصلاة قرّة عينه، و الصيام حرفته و همّته، و الصدق عادته، و الشكر مركبه، و العقل قائده، و التقوى زاده، و الدنيا حانوته، و الصبر منزله، و الليل و النهار رأس ماله، و الجنّة مأواه، و القرآن حديثه، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله شفيعه، و اللّه جلّ ذكره مونسه. (1)
بيان:
«الحانوت» : الدكّان، و المراد أنّ الدنيا محلّ تجارته للآخرة.
32-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
المؤمن بعمله. (الغرر ج 1 ص 12 ف 1 ح 288)
المؤمنون أعظم أحلاما-الإيمان بريء من الحسد. (ص 23 ح 647 و 660)
المؤمن كيّس عاقل. (ص 26 ح 764)
ص:180
الإيمان بريء من النفاق. (ص 43 ح 1291)
المؤمن منزّه من الزيغ و الشقاق (1). (ص 44 ح 1292)
المؤمن منيب مستغفر توّاب. (ص 46 ح 1334)
المؤمن غريزته النصح، و سجيّته الكظم. (ص 47 ح 1352)
المؤمن مغموم بفكرته، ضنين بخلّته. (ص 50 ح 1415)
المؤمن لا يظلم و لا يتأثّم. (ح 1424)
المؤمن ينصف من لا ينصفه. (ص 52 ح 1451)
المؤمن ألف مألوف متعطّف. (ص 53 ح 1471)
المؤمن هيّن ليّن سهل مؤتمن. (ص 54 ح 1492)
المؤمن كثير العمل قليل الزلل. (ص 55 ح 1509)
المؤمن سيرته القصد و سنّته الرشد (ص 56 ح 1538)
المؤمن يعاف اللهو و يألف الجدّ. (ح 1539)
المؤمن يقظان ينتظر إحدى الحسنيين. (ص 63 ح 1668)
المؤمن عفيف مقتنع متنزّه متورّع. (ص 68 ح 1758)
المؤمن شاكر في السرّاء، صابر في البلاء، خائف في الرخاء. (ص 69 ح 1771)
المؤمن عفيف في الغنى، متنزّه عن الدينا. (ح 1772)
المؤمن من كان حبّه للّه و بغضه للّه و أخذه للّه و تركه للّه. (ح 1769)
المؤمن بين نعمة و خطيئة لا يصلحها إلاّ الشكر و الاستغفار. (ص 71 ح 1801)
المؤمن حذر من ذنوبه، يخاف البلاء و يرجو رحمة ربّه. (ح 1808)
الإيمان شجرة أصلها اليقين، و فرعها التقى، و نورها الحياء، و ثمرها السخاء.
(ح 1811)
ص:181
المؤمن إذا سئل أسعف (1)و إذا سأل خفّف. (ص 74 ح 1850)
المؤمن حييّ غنيّ موقن تقيّ. (ص 76 ح 1875)
المؤمن غرّ كريم، (2)مأمون على نفسه، حذر محزون. (ص 80 ح 1923)
المؤمن دائم الذكر، كثير الفكر، على النعماء شاكر، و في البلاء صابر.
(ص 83 ح 1955)
المؤمن الدنيا مضماره، و العمل همّته، و الموت تحفته، و الجنّة سبقته.
(ص 84 ح 1967)
المؤمن من طهّر قلبه من الدنيّة. (ح 1977)
المؤمن قريب أمره، بعيد همّه، كثير صمته، خالص عمله. (ص 85 ح 1985)
المؤمن على الطاعات حريص، و عن المحارم عفّ. (ص 87 ح 2017)
المؤمن نفسه أصلب من الصلد و هو أذّل من العبد. (ص 92 ح 2087)
المؤمن إذا نظر اعتبر، و إذا سكت تفكّر، و إذا تكلّم ذكر، و إذا أعطي شكر، و إذا ابتلى صبر. (ص 93 ح 2097)
المؤمن إذا وعظ ازدجر، و إذا حذّر حذر، و إذا عبّر اعتبر، و إذا ذكّر ذكر، و إذا ظلم غفر. (ح 2098)
العقل خليل المؤمن، و العلم وزيره، و الصبر أمير جنوده، و العمل قيّمه.
(ص 96 ح 2114)
المؤمن دأبه زهادته، و همّه ديانته، و عزّه قناعته، و جدّه لآخرته، قد كثرت حسناته و علت درجاته و شارف خلاصه و نجاته. (ص 97 ح 2125)
ص:182
المؤمنون لأنفسهم متّهمون، و من فارط زللهم و جلون، و للدنيا عائفون (1)، و إلى الآخرة مشتاقون، و إلى الطاعات مسارعون. (ص 100 ح 2156)
المؤمن من وقى دينه بدنياه. (ص 103 ح 2183)
المؤمن من تحمّل أذى الناس و لا يتأذّى أحد به. (ح 2177)
المؤمن أمين على نفسه، مغالب لهواه و حسّه. (ص 106 ح 2228)
أصل الإيمان حسن التسليم لأمر اللّه. (ص 188 ف 8 ح 261)
أفضل المؤمنين إيمانا من كان للّه سبحانه أخذه و عطاه و سخطه و رضاه.
(ص 204 ح 452)
أفضل الإيمان الإخلاص و الإحسان، و أفضل الشيم التجافي عن العدوان- أفضل الإيمان حسن الإيقان. (ص 208 ح 490 و 491)
إنّ المؤمنين مشفقون-إنّ المؤمنين خائفون. (ص 217 ف 9 ح 40 و 41)
إنّ المؤمنين و جلون. (ص 218 ح 42)
إنّ أفضل الإيمان إنصاف المرء من نفسه. (ص 219 ح 63)
إنّ بشر المؤمن في وجهه، و قوّته في دينه، و حزنه في قلبه.
(ص 221 ح 78)
إنّ المؤمن ليستحيي إذا مضى له عمل في غير ما عقد عليه إيمانه.
(ص 222 ح 87)
إنّ المؤمنين هيّنون ليّنون-إنّ المؤمنين محسنون. (ص 232 ح 158 و 159)
ثمرة الإيمان الرغبة في دار البقاء. (ص 361 ف 23 ح 64)
ثلاث من كنّ فيه فقد كمل إيمانه: العقل و العلم و الحلم. (ص 362 ف 24 ح 1)
ثلاث من كنّ فيه استكمل الإيمان: من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى باطل،
ص:183
و إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حقّ، و إذا قدر لم يأخذ ما ليس له.
(ص 363 ح 11)
ثلاث من كنّ فيه فقد أكمل الإيمان: العدل في الغضب و الرضا، و القصد في الفقر و الغناء، و اعتدال الخوف و الرجاء. (ص 364 ح 14)
ثلاث من كنوز الإيمان: كتمان المصيبة و الصدقة و المرض. (ح 15)
ثلاثة هنّ زينة المؤمن: تقوى اللّه، و صدق الحديث، و أداء الأمانة. (ح 19)
خلّتان لا تجتمعان في مؤمن: سوء الخلق و البخل. (ص 397 ف 30 ح 32)
خفض الصوت و غضّ البصر و مشي القصد من أمارة الإيمان و حسن التديّن.
(ح 36)
غاية الإيمان؛ الموالاة و المعاداة في اللّه، و التباذل في اللّه، و التوكّل على اللّه سبحانه، (و التواصل في اللّه ف ن) . (ج 2 ص 505 ف 56 ح 33)
للمؤمن عقل و فيّ، و حلم مرضيّ، و رغبة في الحسنات، و فرار من السيّئات.
(ص 584 ف 71 ح 48)
للمؤمن ثلاث علامات: الصدق و اليقين و قصر الأمل (ح 53)
للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يخلّي بين نفسه و لذّتها فيما يحلّ و يجمل. (ص 585 ح 55)
لن تلقى المؤمن إلاّ قانعا. (ص 589 ف 72 ح 6)
من أحبّ أن يكمل إيمانه فليكن حبّه للّه و بغضه للّه و رضاه للّه و سخطه للّه.
(ص 693 ف 77 ح 1236)
من أعطى في اللّه سبحانه، و منع في اللّه، و أحبّ في اللّه [و أبغض في اللّه]، فقد استكمل الإيمان. (ص 706 ح 1369)
لا إيمان كالحياء و السخاء. (ص 845 ف 86 ح 317)
لا يفوز بالنجاة إلاّ من قام بشرائط الإيمان. (ح 321)
ص:184
لا يكون الرجل مؤمنا حتّى لا يبالي ما ذا سدّ فورة جوعه، و لا بأيّ ثوبيه ابتذل (1). (ص 848 ح 370)
لا يكمل إيمان المؤمن حتّى يعدّ الرخاء فتنة و البلاء نعمة. (ص 849 ح 375)
لا ينفع الإيمان بغير تقوى. (ص 850 ح 392)
لا تلفي (2)المؤمن حسودا و لا حقودا و لا بخيلا. (ص 851 ح 397)
لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما في يد اللّه أوثق بما في يده.
(ص 852 ح 413)
لا يكون المؤمن إلاّ حليما رحيما. (ص 854 ح 436)
يستدلّ على الإيمان بكثرة التقى، و ملك الشهوة، و غلبة الهوى.
(ص 864 ف 88 ح 14)
يحتاج الإيمان إلى الإخلاص. (ص 874 ف 91 ح 14)
ص:185
الآيات
1- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ اَلَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ اَلْبَأْساءُ وَ اَلضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ اَلرَّسُولُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اَللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اَللّهِ قَرِيبٌ. (1)
2- لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ اَلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ اَلْأُمُورِ. (2)
3- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ اَلضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. الآيات. (3)
الأخبار
1-عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أخذ اللّه ميثاق المؤمن على أن لا تصدّق مقالته، و لا ينتصف من عدوّه، و ما من مؤمن يشفي نفسه إلاّ
ص:186
بفضيحتها لأنّ كل مؤمن ملجم. (1)
بيان:
«لا ينتصف» الانتصاف: الانتقام. «يشفي نفسه» : يستعمل الشفاء في شفاء القلب كما يستعمل في الجسم. و في المرآة ج 9 ص 310: كون شفاء نفسه من غيظ العدوّ موجبا لفضيحتها ظاهر، لأنّ الانتقام من العدوّ مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة و المذلّة و مزيد الإهانة، و الضمير في"بفضيحتها"راجع إلى النفس.
و قال في الوافي: يعني إذا أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوّه افتضح، و ذلك لأنّه ليس بمطلق العنان خليع العذار، يقول ما يشاء و يفعل ما يريد، إذ هو مأمور بالتقيّة و الكتمان و الخوف من العصيان، و الخشية من الرحمن، و لأنّ زمام أمره بيد اللّه سبحانه لأنّه فوّض أمره إليه، فيفعل به ما يشاء ممّا فيه مصلحته.
«ملجم» : أي يلجم فمه و يمنعه من الكلام و يلجم نفسه و يمنعها عمّا ليس فيه مصلحة و ليس بمطلق العنان؛ يقول ما يشاء و يفعل ما يريد.
2-عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع: أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده، فما بقاء المؤمن بعد هذا. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار أخر.
بيان: «أيسرها عليه» في بعض النسخ: "أشدّها عليه". «يقول بقوله» : أي يعتقد مذهبه و يدّعي التشيّع لكنّه ليس بمؤمن كامل بل يغلبه الحسد. «يقفو أثره» : أي
ص:187
يتّبعه ظاهرا و إن كان منافقا، أو يتّبع عيوبه فيذكرها للناس، و هو أظهر.
«يغويه» : أي يريد إغوائه و إضلاله عن سبيل الحقّ بالوساوس الباطلة و إن لم يوفّق. «يرى جهاده» : أي لازما فيضرّه بكلّ وجه يمكنه.
(المرآة ج 9 ص 311)
3-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و لربّما اجتمعت الثلاث عليه: إمّا بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه، أو جار يؤذيه، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه؛ و لو أنّ مؤمنا على قلّة جبل لبعث اللّه عزّ و جلّ إليه شيطانا يؤذيه، و يجعل اللّه له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد. (1)
بيان:
«ما أفلت» : أي ما تخلّص.
أقول: ذكروا لشدّة ابتلاء المؤمن و تسليط الشياطين و الكفرة عليه وجوها من الحكمة ذكرها في المرآة ج 9 ص 313:
الأوّل: أنّه كفّارة لذنوبه.
الثاني: أنّه لاختبار صبره و إدراجه في الصابرين.
الثالث: أنّه لتزهيده في الدنيا لئلاّ يفتتن بها و يطمئنّ إليها فيشقّ عليه الخروج منها.
الرابع: توسّله إلى جناب الحقّ سبحانه في الضرّاء و سلوكه مسلك الدعاء لدفع ما يصيبه من البلاء، فترتفع بذلك درجته.
الخامس: وحشته عن المخلوقين و انسه بربّ العالمين.
السادس: إكرامه برفع الدرجة التي لا يبلغها الإنسان بكسبه لأنّه ممنوع من إيلام
ص:188
نفسه شرعا و طبعا، فإذا سلّط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة مثلا.
السابع: تشديد عقوبة العدوّ في الآخرة فإنّه يوجب سرور المؤمنين به؛ و الغرض من هذا الحديث و أمثاله حثّ المؤمن على الاستعداد لتحمّل النوائب و المصائب و أنواع البلاء بالصبر و الشكر و الرضا بالقضاء.
4-عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل وليّه في الدنيا غرضا لعدوّه. (1)
بيان:
في المرآة، «الغرض» : هدف يرمى فيه أي جعل محبّه في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوّه و حيله و شروره.
5-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المؤمن مكفّر.
و في رواية اخرى: و ذلك أنّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينشر في الناس و الكافر مشكور. (2)
بيان:
«المؤمن مكفّر» : على بناء المفعول أي لا يشكر الناس معروفه، بقرينة تتمّة الخبر و بعض أخبار اخر.
6-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا مات المؤمن خلّي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة و مضر، كانوا مشتغلين به. (3)
بيان:
«ربيعة و مضر» : قبيلتان عظيمتان من العرب، يضرب بهما المثل في الكثرة.
ص:189
7-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما كان و لا يكون و ليس بكائن مؤمن إلاّ و له جار يؤذيه، و لو أنّ مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لا بتعث اللّه له من يؤذيه. (1)
بيان:
كأنّ المراد بالجار هنا أعمّ من جار الدار و الرفيق و المعامل و المصاحب. «لا بتعث اللّه» يقال: بعثه كمعنه: أرسله، كابتعثه فانبعث.
8-عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل. (2)
بيان:
«يلونهم» : أي يقربون منهم و يكونون بعدهم.
«ثمّ الأمثل فالأمثل» في النهاية ج 4 ص 296: أي الأشرف فالأشرف و الأعلى فالأعلى في الرتبة و المنزلة، يقال: هذا أمثل من هذا، أي أفضل و أدنى إلى الخير.
9-عن عبد الرحمن الحجّاج قال: ذكر عند أبي عبد اللّه عليه السّلام البلاء و ما يخصّ اللّه عزّ و جلّ به المؤمن، فقال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أشدّ الناس بلاء في الدنيا؟ فقال: النبيّون ثمّ الأمثل فالأمثل، و يبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه و حسن أعماله، فمن صحّ إيمانه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه و من سخف إيمانه و ضعف عمله قلّ بلاؤه. (3)
بيان:
في النهاية ج 2 ص 350، السخف: الخفّة في العقل و غيره.
10-عن حمّاد عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى إذا
ص:190
أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا و ثجّه بالبلاء ثجّا، فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي، لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، و لئن ادّخرت لك فما ادّخرت لك فهو خير لك. (1)
بيان:
«غتّه بالبلاء» أي غمسه فيه، ("الباء"بمعنى"في") و يحتمل القهر و الغمّ، و في النهاية ج 3 ص 342: «يغتّهم اللّه في العذاب غتّا» أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا.
و في القاموس، غتّه بالأمر: كدّه (كوفتن و رنجانيدن) و في الماء: غطّه، و فلانا: غمّه و خنقه.
في القاموس، «ثجّ الماء» : سال، و ثجّه: أساله. . . و يكون تسييله كناية عن شدّة ألمه و حزنه، كأنّه يذوب من البلاء و يسيل أو عن توجّهه إلى جناب الحقّ سبحانه بالدعاء و التضرّع لدفعه، و قيل: أي أسال دم قلبه بالبلاء؛ و في جامع الأخبار و غيره: "بجّه"و البجّ: الشقّ و الطعن بالرمح. (المرآة ج 9 ص 327)
11-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحبّ اللّه عبدا ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله عند اللّه الرضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط. (2)
12-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه. (3)
13-عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلاّ عرض له أمر يحزنه يذكّر به. (4)
ص:191
14-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلاّ بالابتلاء في جسده. (1)
أقول:
بهذا المعنى أخبار أخر، في بعضها: «. . . فما ينالها إلاّ بإحدى الخصلتين: إمّا بذهاب ماله أو ببليّة في جسده» . و في بعضها: «إنّ العبد لتكون له المنزلة من الجنّة، فلا يبلغها بشيء من البلاء حتّى يدركه الموت و لم يبلغ تلك الدرجة فيشدّ عليه عند الموت فيبلغها» . (لاحظ البحار ج 67 ص 215 ح 23 و ج 82 ص 167)
15-عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام ما ألقى من الأوجاع-و كان مسقاما-فقال لي: يا عبد اللّه، لو يعلم المؤمن ماله من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قرّض بالمقاريض. (2)
بيان:
«مسقاما» : أي كثير السقم و المرض، و ضمير كان عائد إلى ابن أبي يعفور.
16-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: إنّي لأكره للرجل أن يعافى في الدنيا فلا يصيبه شيء من المصائب. (3)
17-عن محمّد بن بهلول العبديّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
لم يؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدنيا و لكنّه آمنه من العمى فيها و الشقاء في الآخرة. (4)
بيان:
«هزاهز الدنيا» : أي الفتن و البلايا التي يهتزّ فيها الناس «العمى» أي عمى القلب.
ص:192
18-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال اللّه عزّ و جلّ: لولا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد، لا يصدّع رأسه أبدا. (1)
19-عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ في كتاب عليّ عليه السّلام: أنّ أشدّ الناس بلاء النبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل، و إنّما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صحّ دينه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر، و من سخف دينه و ضعف عمله قلّ بلاؤه، و إنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقيّ من المطر إلى قرار الأرض. (2)
بيان:
«قرار الأرض» : المطمئنّ منها.
20-قال أمير المؤمنين عليه السّلام (و قد توفّي سهل بن حنيف الأنصاريّ بالكوفة بعد مرجعه من صفّين معه و كان أحبّ الناس إليه) : لو أحبّني جبل لتهافت. (3)
بيان:
في البحار ج 67 ص 247، التهافت: التساقط قطعة قطعة، من هفت كضرب، إذا سقط كذلك، و قيل: هفت أي تطاير لخفّته، و المراد تلاشي الأجزاء و تفرّقها، لعدم الطاقة.
21-في مواعظ موسى بن جعفر عليه السّلام: المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان. (4)
22-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الجزع عند البلاء تمام المحنة. (5)
ص:193
23-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ البلاء للظالم أدبا، و للمؤمن امتحانا، و للأنبياء درجة، و للأولياء كرامة. (1)
24-و قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه يتعاهد وليّه بالبلاء، كما يتعاهد المريض أهله بالدواء، و إنّ اللّه ليحمي عبده الدنيا كما يحمي المريض الطعام. (2)
بيان:
«التعاهد» و التعهّد؛ بمعنى التحفّظ بالشيء. «ليحمى» : حمى الشيء من الناس: منعه عنهم و حماه عن الدنيا: حفظه من مالها و مناصبها و ما يضرّ فيها و حمى المريض ما يضرّه: منعه إيّاه.
25-قال الباقر عليه السّلام: و يبتلى المرء على قدر حبّه. (3)
26-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لا تكون مؤمنا حتّى تعد البلاء نعمة و الرخاء محنة، لأنّ بلاء الدنيا نعمة في الآخرة و رخاء الدنيا محنة في الآخرة. (4)
27-قال أبو الحسن عليه السّلام: المؤمن بعرض كلّ خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له، و لو ولّى شرقها و غربها كان خيرا له. (5)
بيان:
«بعرض كلّ خير» : أي بمعرض كلّ خير. «الأنملة» في المصباح: الأنملة من الأصابع:
العقدة و بعضهم يقول: الأنامل رؤوس الأصابع.
و المراد قطّع جميع بدنه بمقدار الأنملة.
ص:194
28-في مواعظ عليّ عليه السّلام: . . . عند تناهي البلاء يكون الفرج. . . (1)
29-في مواعظ الصادق عليه السّلام: إذا اضيف البلاء كان من البلاء عافية. (2)
30-قال الصادق عليه السّلام: البلاء زين المؤمن و كرامة لمن عقل، لأنّ في مباشرته و الصبر عليه و الثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان.
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: نحن معاشر الأنبياء أشدّ الناس بلاء و المؤمنون الأمثل فالأمثل.
و من ذاق طعم البلاء تحت سرّ حفظ اللّه له، تلذّذ به أكثر من تلذّذه بالنعمة و اشتاق إليه إذا فقده، لأنّ تحت ميزان البلاء و المحنة أنوار النعمة و تحت أنوار النعمة نيران البلاء و المحنة و قد ينجو من البلاء و يهلك في النعمة كثير، و ما أثنى اللّه على عبد من عباده من لدن آدم عليه السّلام إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلاّ بعد ابتلائه و وفاء حقّ العبوديّة فيه، فكرامات اللّه في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء، و من خرج من سكّة البلوى جعل سراج المؤمنين و مونس المقرّبين و دليل القاصدين، و لا خير في عبد شكى من محنة تقدّمها آلاف نعمة و أتبعها آلاف راحة. . . (3)
أقول:
يأتي ما يناسب المقام في أبواب الفقر، الصبر، الحزن و الخوف و. . .
31-عن عليّ عليه السّلام قال:
المكارم بالمكاره. (الغرر ج 1 ص 6 ف 1 ح 63)
الثواب بالمشقّة. (ح 64)
المصائب مفتاح الأجر. (ص 17 ح 454)
البلاء رديف الرخاء (ص 22 ح 634)
ص:195
الثواب عند اللّه سبحانه و تعالى على قدر المصاب (المصائب ف ن) .
(ص 39 ح 1203)
إنّ عظيم الأجر مقارن عظيم البلاء، فإذا أحبّ اللّه سبحانه قوما ابتلاهم.
(ص 228 ف 9 ح 131)
إنّ للّه تعالى في السرّاء نعمة الإفضال و في الضرّاء نعمة التطهير.
(ص 231 ح 152)
إذا رأيت ربّك يوالي عليك البلاء فاشكره (ص 316 ف 17 ح 108)
إذا رأيت ربّك يتابع عليك النعم فاحذره (ح 109)
بالمكاره تنال الجنّة. (ص 330 ف 18 ح 26)
بقدر علوّ الرفعة تكون نكاية الوقعة (ص 336 ح 137)
بالتعب الشديد تدرك الدرجات الرفيعة و الراحة الدائمة.
(ص 337 ح 168)
بلاء الرجل على قدر إيمانه و دينه. (ص 343 ف 21 ح 12)
تنزل المثوبة على قدر المصيبة (ص 347 ف 22 ح 24)
ربّ مرحوم من بلاء هو دواءه. (ص 416 ف 35 ح 51)
على قدر المصيبة تكون المثوبة. (ج 2 ص 487 ف 51 ح 1)
على قدر البلاء يكون الجزاء. (ح 13)
عند تعاقب الشدائد تظهر فضائل الإنسان. (ص 489 ف 52 ح 5)
من لم يتعرّض للنوائب تعرّضت له النوائب. (ص 640 ف 77 ح 542)
من زهد هانت عليه المحن. (ص 649 ح 669)
من زهد في الدنيا استهان بالمصائب. (ص 669 ح 963)
من عظّم صغار المصائب ابتلاه اللّه سبحانه بكبارها. (ص 683 ح 1130)
من أحبّنا فليعدّ للبلاء جلبابا. (ص 708 ح 1385)
ص:196
من تولاّنا أهل البيت فليلبس للمحن إهابا (1). (ح 1386)
لا تفرح بالغنى و الرخاء، و لا تغتمّ بالفقر و البلاء، فإنّ الذهب يجرّب بالنار و المؤمن يجرّب بالبلاء. (ص 823 ف 85 ح 242)
يمتحن المؤمن بالبلاء كما يمتحن بالنار الخلاص (2).
(ص 874 ف 91 ح 15)
أقول:
في أعلام الدين للديلميّ رحمه اللّه ص 278: قال الصادق عليه السّلام لأصحابه: لا تتمنّوا المستحيل، قالوا: و من يتمنّى المستحيل؟ !
فقال: أنتم، أ لستم تمنّون الراحة في الدنيا؟ قالوا: بلى، فقال: الراحة للمؤمن في الدنيا مستحيلة.
ص:197
الآيات
1- . . . وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ. (1)
2- . . . وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ. (2)
3- . . . بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. (3)
4- . . . وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ. (4)
أقول:
تدلّ على المطلوب آيات كثيرة واردة في قلّة أتباع الأنبياء عليهم السّلام.
الأخبار
1-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة
ص:198
أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل. . . (1)
بيان:
«على مائدة» : المراد بها الدنيا، و استعار للدنيا بالمائدة لكونهما مجتمع اللذّات.
و الغرض من الحديث و الآيات ردّ ما في أذهان عامّة الناس من أنّ كثرة أفراد المعتقدين بمذهب و قول دليل على حقّانيّتهما، و قلّتهم دليل البطلان، و لذا يميل أكثر الناس إلى السواد الأعظم، مع أنّ أعداء الدين و مخالفي الحقّ في جميع أعصار الأنبياء و الأوصياء كانوا أكثر من الأولياء، بل إلى زمن ظهور بقيّة اللّه في الأرضين -عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-. و قد ذمّ الكثير و مدح القليل، الربّ الجليل في التنزيل، و اللّه يهدي إلى سواء السبيل.
لمّا كانت و لا تزال العادة جارية أن يستوحش الناس من الوحدة، و قلّة الرفيق في الطريق قال عليه السّلام: لا تستوحشوا في طريق الهدى. . .
2-عن قتيبة الأعشى قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المؤمنة أعزّ من المؤمن و المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر، فمن رأى منكم الكبريت الأحمر؟ (2)
بيان:
«أعزّ» عزّ الشيء: قلّ فلا يكاد يوجد. «الكبريت الأحمر» : الذهب الأحمر، و في المرآة ج 9 ص 285: المشهور أنّ الكبريت الأحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء و هو الإكسير.
3-عن كامل التمّار قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الناس كلّهم بهائم -ثلاثا-إلاّ قليل من المؤمنين، و المؤمن غريب-ثلاث مرّات-. (3)
ص:199
بيان:
«كلّهم بهائم» : أي شبيهة بها في عدم العقل و الحمق و غلبة الشهوات النفسانيّة على القوى العقلانيّة كما قال تعالى: إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (1)«ثلاثا» : أي قاله عليه السّلام ثلاث مرّات. «المؤمن غريب» : لأنّه قلّما يجد مثله فيسكن إليه، فهو بين الناس كالغريب الذي بعد عن أهله و دياره. و في بعض النسخ: "عزيز" مكان غريب.
4-عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي بصير: أما و اللّه لو أنّي أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا. (2)
بيان:
يدلّ الحديث على أنّ المؤمن الكامل الذي يستحقّ أن يكون صاحب أسرارهم و حافظها قليل، و أنّهم كانوا يتّقون من أكثر الشيعة كما يتّقون من المخالفين، لأنّهم كانوا يذيعون أسرارهم أو لا يتحمّلونها.
5-عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: و اللّه ما يسعك القعود فقال: و لم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك، و اللّه لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الشيعة و الأنصار و الموالي ما طمع فيه تيم و لا عديّ. فقال: يا سدير، و كم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ ! قلت: نعم، و مائتي ألف. قال: مائتى ألف؟ ! قلت: نعم و نصف الدنيا، قال:
فسكت عنّي ثمّ قال: يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلت: نعم، فأمر بحمار و بغل أن يسرّجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: يا سدير، أترى أن تؤثرني
ص:200
بالحمار؟ قلت: البغل أزين و أنبل، قال: الحمار أرفق بى، فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلوة فقال: يا سدير، انزل بنا نصلّي، ثمّ قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء.
فقال: و اللّه يا سدير، لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود، و نزلنا و صلّينا فلمّا فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر. (1)
بيان:
«تيم» : قبيلة أبي بكر. «عديّ» : قبيلة عمر. «يخفّ عليك» : أي يسهل و لا يثقل عليك. «ينبع» : من المدينة على سبعة مراحل و هو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السّلام، له حصون و زروع بطريق حاجّ مصر. «أنبل» : أي أكثر ذكاء و نجابة. «فحانت الصلاة» : أي قرب أو دخل وقتها. «السبخة» : أرض ذات نزّ و ملح (شوره زار) «الجدي» : جمع جداء ولد المعز.
6-عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك، ما أقلّنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدّثك بأعجب من ذلك، المهاجرون و الأنصار ذهبوا إلاّ-و أشار بيده-ثلاثة. قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمّار؟ قال: رحم اللّه عمّارا أبا اليقظان، بايع و قتل شهيدا. فقلت في نفسي:
ما شيء أفضل من الشهادة، فنظر إليّ فقال: لعلّك ترى أنّه مثل الثلاثة، أيهات أيهات. (2)
بيان:
«ما أفنيناها» : أي ما نقدر على أكل جميعها. «ثلاثة» : المراد بها سلمان و أبوذرّ
ص:201
و المقداد. «أيهات» : لغة في هيهات أي بعد.
7-عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: ليس كلّ من قال بولايتنا مؤمنا و لكن جعلوا انسا للمؤمنين. (1)
8-عن أحدهما عليهما السّلام قال: ليس تخلو الأرض من أربعة من المؤمنين، و قد يكونون أكثر، و لا يكونون أقلّ من أربعة، و ذلك أنّ الفسطاط لا يقوم إلاّ بأربعة أطناب، و العمود في وسطه. (2)
9-عن المفضّل بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال لي: كم شيعتنا بالكوفة؟ قال: قلت: خمسون ألفا، فما زال يقول إلى أن قال: و اللّه لوددت أن يكون بالكوفة خمسة و عشرون رجلا يعرفون أمرنا الذي نحن عليه، و لا يقولون علينا إلاّ الحقّ. (3)
10-عن الحارث قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام فلم يزل يسأله حتّى قال: فهلك الناس إذا؟ فقال: إي و اللّه يابن أعين، هلك الناس أجمعون، قلت: أهل الشرق و الغرب؟ قال: إنّها فتحت على الضلال، إي و اللّه هلكوا إلاّ ثلاثة نفر: سلمان الفارسي و أبو ذرّ و المقداد و لحقهم عمّار و أبو ساسان الأنصاريّ و حذيفة و أبو عمرة فصاروا سبعة. (4)
11-قال أبو جعفر عليه السّلام: ارتدّ الناس بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلاّ ثلاثة نفر: المقداد بن الأسود و أبو ذرّ الغفاري و سلمان الفارسي، ثمّ إنّ الناس عرفوا و لحقوا بعد. (5)
12-عن عمرو بن ثابت قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:202
لمّا قبض ارتدّ الناس على أعقابهم كفّارا إلاّ ثلاثا: سلمان و المقداد و أبوذرّ الغفاريّ. إنّه لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جاء أربعون رجلا إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقالوا: لا و اللّه لا نعطي أحدا طاعة بعدك أبدا، قال: و لم؟ قالوا: إنّا سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيك يوم غدير خم، قال: و تفعلون؟ قالوا: نعم، قال: فأتوني غدا محلّقين قال: فما أتاه إلاّ هؤلاء الثلاثة.
قال: و جاءه عمّار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره، ثمّ قال له:
مالك أن تستيقظ من نومة الغفلة، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فيكف تطيعوني في قتال جبال الحديد ارجعوا فلا حاجة لي فيكم. (1)
13-عن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة نفر: سلمان و أبوذر و المقداد، قال: فقلت: فعمّار؟ فقال: قد كان جاض جيضة ثمّ رجع ثمّ قال: إن أردت الذي لم يشكّ و لم يدخله شيء فالمقداد.
فأمّا سلمان فإنّه عرض في قلبه عارض أنّ عند ذا-يعني أمير المؤمنين عليه السّلام- اسم اللّه الأعظم لو تكلّم به لأخذتهم الأرض و هو هكذا، فلبّب و وجئت في عنقه حتّى تركت كالسلعة، و مرّ به أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أبا عبد اللّه، هذا من ذاك فبايع، فبايع.
و أمّا أبوذر فأمره أمير المؤمنين عليه السّلام بالسكوت و لم يكن تأخذه في اللّه لومة لائم فأبى إلاّ أن يتكلّم فمرّ به عثمان فأمر به، ثمّ أناب الناس بعد، فكان أوّل من أناب أبو ساسان الأنصاريّ و أبو عمرة و فلان حتّى عقد سبعة و لم يكن يعرف حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام إلاّ هؤلاء السبعة. (2)
ص:203
بيان:
«جاض جيضة» : أي عدل عن الحقّ و مال عنه. «فلبّب» في القاموس: لببه أي جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثمّ جرّه. «و جئت» يقال: و جأ فلانا بالسكّين أو يده:
ضربه في أيّ موضع كان، و جأ عنقه و في عنقه: ضربه. «السلعة» : خراج في البدن أو زيادة فيه كالغدة بين الجلد و اللحم (دمل، غدّه زير پوست. . .) .
أقول: لا يخفى أنّ سلمان مع ذلك كلّه أفضلهم، شهدت به روايات عديدة.
ففي الاختصاص ص 9: عن عيسى بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الحديث الذي جاء في الأربعة، قال: و ما هو؟ قلت: الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنّة قال: نعم منهم سلمان و أبو ذرّ و المقداد و عمّار قلت: فأيّهم أفضل؟ قال: سلمان، ثمّ أطرق ثمّ قال: علم سلمان علما لو علمه أبوذر كفر.
14-عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إرتدّ الناس بعد الحسين عليه السّلام إلاّ ثلاثة: أبو خالد الكابلي و يحيى بن أم الطويل و جبير بن مطعم، ثمّ إنّ الناس لحقوا و كثروا، و كان يحيى بن امّ الطويل يدخل مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يقول: كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اَلْعَداوَةُ وَ اَلْبَغْضاءُ (1)(2).
15-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إذا صعدت روح المؤمن إلى السماء تعجّبت الملائكة و قالت: و اعجبا له كيف نجى من دار فسد فيها خيارنا.
(الغرر ج 1 ص 317 ف 17 ح 117)
بيان:
«خيارنا» : قال مترجم الكتاب رحمه اللّه: كذا في تمام النسخ، و الصحيح"خيارها".
أقول: سيأتي ما يناسب المقام في باب الشيعة ف 2 إن شاء اللّه.
ص:204
1-عن مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما عبد اللّه بشىء أفضل من أداء حقّ المؤمن. (1)
2-عن أبي المأمون الحارثيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟ قال: إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره، و المواساة له في ماله، و الخلف له في أهله، و النصرة له على من ظلمه، و إن كان نافلة في المسلمين و كان غائبا أخذ له بنصيبه، و إذا مات الزيارة إلى قبره، و أن لا يظلمه، و أن لا يغشّه، و أن لا يخونه، و أن لا يخذله، و أن لا يكذّبه، و أن لا يقول له: أفّ، و إذا قال له: أفّ فليس بينهما ولاية، و إذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، و إذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء. (2)
أقول:
الأخبار بهذا المعنى كثيرة.
بيان: «النافلة» هي الغنيمة و العطيّة من بيت المال و الزكاة و غيرهما.
«فليس بينهما ولاية» في المرآة ج 9 ص 35: أي المحبّة التي أمروا بها. أقول: و لعلّ
ص:205
المعنى أدقّ منها.
«فقد كفر» : المراد هو الكفر المقابل للإيمان الكامل كما ورد في الأخبار، أو المراد به كفران النعمة، لأنّ اللّه تعالى ألّف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا، فمن لم يعرفها فقد كفرها.
3-عن معلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن حقّ المؤمن، فقال: سبعون حقّا لا اخبرك إلاّ بسبعة فإنّي عليك مشفق أخشى ألاّ تحتمل، فقلت: بلى إن شاء اللّه، فقال: لا تشبع و يجوع، و لا تكتسي و يعرى، و تكون دليله و قميصه الذي يلبسه، و لسانه الذي يتكلّم به و تحبّ له ما تحبّ لنفسك، و إن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه، و تسعى في حوائجه بالليل و النهار، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا و ولايتنا بولاية اللّه عزّ و جلّ. (1)
بيان:
«قميصه الذي يلبسه» في المرآة: أي تكون محرم أسراره و مختصّا به غاية الاختصاص، و هذه استعارة شايعة بين العرب و العجم، أو المعنى تكون ساتر عيوبه، و قيل: تدفع الأذى عنه كما يدفع القميص عنه الحرّ و البرد و هو بعيد.
4-عن أبي حمزة الثماليّ قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من سرّ مؤمنا فقد سرّني و من سرّني فقد سرّ اللّه. (2)
5-عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى داود عليه السّلام؛ أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي، فقال داود: يا ربّ، و ما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا و لو بتمرة، قال داود: يا ربّ، حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك. (3)
ص:206
بيان:
في المرآة، «فأبيحه جنّتي» : أي جعلت الجنّة مباحة له. . . أو يتبوّء منها حيث يشاء. . .
6-عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ إدخال السرور على المؤمن، شبعة مسلم أو قضاء دينه. (1)
7-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة و خير من حملان ألف فرس في سبيل اللّه. (2)
بيان:
في القاموس، «الحملان» : ما يحمل عليه من الدوابّ في الهبة خاصّة، انتهى. و المراد هنا المصدر بمعنى حمل الغير على الفرس و بعثه إلى الجهاد أو الأعمّ منه و من الحجّ و الزيارات. (المرآة ج 9 ص 103)
8-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لقضاء حاجة امرء مؤمن أحبّ إلى اللّه من عشرين حجّة، كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف. (3)
9-عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من طاف بالبيت اسبوعا كتب اللّه عزّ و جلّ له ستّة آلاف حسنة و محا عنه ستّة آلاف سيّئة و رفع له ستّة آلاف درجة-قال: و زاد فيه إسحاق بن عمّار-و قضى له ستّة آلاف حاجة، قال: ثمّ قال: و قضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف حتّى عدّ عشرا. (4)
10-عن عليّ بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من أتاه أخوه
ص:207
المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه تبارك و تعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا و هو موصول بولاية اللّه، و إن ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفورا له أو معذّبا، فإن عذّره الطالب كان أسوء حالا. (1)
بيان:
«الشجاع» : نوع من الحيّة. «أسوء حالا» : لأنّ العاذر لحسن خلقه و كرمه أحقّ بقضاء الحاجة ممّن لا يعذر فردّ حاجته أشنع، و الندم عليه أدوم.
11-عن معمّر بن خلاّد قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: إنّ للّه عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، و من أدخل على مؤمن سرورا فرّح اللّه (فرج اللّه ف ن) قلبه يوم القيامة. (2)
12-عن ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: قال اللّه عزّ و جلّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم و أسعاهم في حوائجهم. (3)
13-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أعان مؤمنا نفّس اللّه عزّ و جلّ عنه ثلاثا و سبعين كربة، واحدة في الدنيا و ثنتين و سبعين كربة عند كربته العظمى، قال: حيث يتشاغل الناس بأنفسهم. (4)
بيان:
«الكربة» : الحزن و المشقّة، يقال: كربه الأمر: شقّ عليه و الكربة اسم منه.
14-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنّة، و من أشبع
ص:208
كافرا كان حقّا على اللّه أن يملأ جوفه من الزقّوم، مؤمنا كان أو كافرا. (1)
بيان:
«مؤمنا كان أو كافرا» : أي سواء كان المطعم مؤمنا أو كافرا.
15-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لأن اطعم رجلا من المسلمين أحبّ إلىّ من أن اطعم أفقا من الناس، قلت: و ما الأفق؟ قال: مائة ألف أو يزيدون. (2)
16-عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقّا على اللّه أن يكسوه من ثياب الجنّة و أن يهوّن عليه سكرات الموت و أن يوسّع عليه في قبره و أن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، و هو قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: وَ تَتَلَقّاهُمُ اَلْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ اَلَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. (3)(4)
بيان:
«سكرات الموت» : أي شدائده.
17-عن المعلّى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟ قال: سبعة حقوق واجبات ما فيها حقّ إلاّ و هو واجب عليه، و إن خالفه خرج من ولاية اللّه و ترك طاعته و لم يكن للّه عزّ و جلّ فيه نصيب، قال: قلت: جعلت فداك حدّثني ماهي؟ قال: و يحك يا معلّى، إنّي شفيق عليك أخشى أن تضيّع و لا تحفظ، و تعلم و لا تعمل، قلت: لا قوّة إلاّ باللّه.
قال: أيسر منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، و تكره له ما تكره لنفسك.
ص:209
و الحقّ الثاني: أن تمشي في حاجته و تبتغي رضاه و لا تخالف قوله.
و الحقّ الثالث: أن تصله بنفسك و مالك و يدك و رجلك و لسانك.
و الحقّ الرابع: أن تكون عينه و دليله و مرآته و قميصه.
و الحقّ الخامس: أن لا تشبع و يجوع، و لا تلبس و يعرى، و لا تروي و يظمأ.
و الحقّ السادس: إن يكون لك امرأة و خادم و ليس لأخيك امرأة و لا خادم أن تبعث خادمك، فيغسل ثيابه و يصنع طعامه و يمهّد فراشه، فإنّ ذلك كلّه إنّما جعل بينك و بينه.
و الحقّ السابع: أن تبرّ قسمه و تجيب دعوته و تشهد جنازته و تعوده في مرضه، و تشخص بدنك في قضاء حاجته، و لا تحوجه إلى أن يسألك و لكن تبادر إلى قضاء حوائجه، فإذا فعلت ذلك به وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولاية اللّه عزّ و جلّ. (1)
بيان:
«تبرّ قسمه» إبرار القسم: العمل بما ناشده عليه أو تصديقه فيما أقسم عليه، و في النهاية: "برّ اللّه قسمه و أبرّه"أي صدّقه، و في الوافي: برّ القسم و إبراره؛ إمضاؤه على الصدق.
18-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يستقيم قضاء الحوائج إلاّ بثلاث:
باستصغارها لتعظم، و باستكتامها لتظهر، و بتعجيلها لتهنأ. (2)
بيان:
«لتعظم» أي عند اللّه.
19-قال الصادق عليه السّلام: قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة
ص:210
بمناسكها، و عتق ألف رقبة لوجه اللّه، و حملان ألف فرس في سبيل اللّه بسرجها و لجمها. (1)
20-عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: من قضى لمؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة أدناهنّ الجنّة. (2)
21-قال الحسين بن عليّ عليهما السّلام: إنّ حوائج الناس إليكم من نعم اللّه عليكم، فلا تملّوا النعم. (3)
22-عن عليّ عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: للمسلم على أخيه ثلاثون حقّا لابراءة له منها إلاّ بالأداء أو العفو: يغفر زلّته، و يرحم عبرته و يستر عورته، و يقيل عثرته، و يقبل معذرته، و يردّ غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلّته، و يرعي ذمّته، و يعود مرضته، و يشهد ميّته، و يجيب دعوته، و يقبل هديّته، و يكافئ صلته، و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته.
و يقضي حاجته، و يشفّع مسألته، و يسمّت عطسته، و يرشد ضالّته، و يردّ سلامه، و يطيّب كلامه، و يبرّ إنعامه، و يصدّق أقسامه، و يوالي وليّه و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما: فأمّا نصرته ظالما فيردّه عن ظلمه، و أمّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه، و لا يسلّمه و لا يخذله، و يحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه و يكره له من الشرّ ما يكره لنفسه.
ثمّ قال عليه السّلام: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له و عليه. (4)
ص:211
أقول:
الأخبار في هذا الفصل كثيرة، لاحظ بابي الأخوّة (ف 3) و الإحسان.
ص:212
قال اللّه تعالى: و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا. (1)
الأخبار
1-عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال اللّه عزّ و جلّ: ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن؛ و لو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق و المغرب إلاّ مؤمن واحد مع إمام عادل لأستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي و لقامت سبع سموات و أرضين بهما، و لجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى انس سواهما. (2)
بيان:
«ليأذن» : أي ليعلم.
2-عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا كان يوم القيامة
ص:213
نادى مناد: أين الصدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال:
هؤلاء الذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم و عاندوهم و عنّفوهم في دينهم ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم. (1)
بيان:
«أين الصدود لأوليائي» في المصباح: صددته عن كذا صدّا من باب قتل: منعته و صرفته، و صددت عنه: أعرضت، و صدّ من كذا من باب ضرب: ضحك.
و في النهاية ج 3 ص 15، الصدّ: الصرف و المنع. . . و الصدّ: الهجران، و منه الحديث "فيصدّ هذا و يصدّ هذا"أي يعرض بوجهه عنه. و في المرآة: أكثر المعاني مناسبة لكن بتضمين معنى التعرّض و نحوه للتعدية باللام، فالصدود: جمع صادّ، و في بعض النسخ: "أين المؤذون لأوليائي"فلا يحتاج إلى تكلّف. «نصبوا لهم» نصبت لفلان نصبا: إذا عاديته «عنّفوهم» التعنيف: التعيير و اللوم.
3-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من حقّر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين لم يزل اللّه عزّ و جلّ حاقرا له ماقتا، حتّى يرجع عن محقرته إيّاه. (2)
4-عن معلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: من أهان لي وليّا فقد أرصد لمحاربتي، و أنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. (3)
بيان:
في الوافى، «الإرصاد» : المراقبة و الإعداد للشيء.
5-عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا أسري بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
يا ربّ، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمّد من أهان لي وليّا فقد بارزني
ص:214
بالمحاربة و أنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، و ما تردّدت عن شيء أنا فاعله كتردّدي عن وفاة المؤمن، يكره الموت و أكره مساءته، و إنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلاّ الغنى و لو صرفته إلى غير ذلك لهلك، و إنّ من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلاّ الفقر و لو صرفته إلى غير ذلك لهلك، و ما يتقرّب إليّ عبد من عبادي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه و إنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى احبّه، فإذا أحببته كنت إذا سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته و إن سألني أعطيته. (1)
أقول:
هذا الحديث صحيح السند و هو من الأحاديث المشهورة بين الخاصّة و العامّة، و قد روته في صحاحهم بأدنى تغيير كما قال الشيخ البهائي رحمه اللّه. و قد بسط أصحابنا رحمهم اللّه الكلام في شرحه.
بيان: «بارزني بالمحاربة» : أي أظهرها و تصدّى لها. «ما تردّدت» : نسبة التردّد إلى اللّه سبحانه يحتاج إلى التأويل و فيه وجوه: منها، أنّ في الكلام إضمارا، و التقدير لو جاز عليّ التردّد ما تردّدت في شيء كتردّدي في وفاة المؤمن.
منها، أنّه يصحّ أن يعبّر عن توقير الشخص و احترامه بالتردّد و عن إذلاله و احتقاره بعدمه، و المراد ليس من مخلوقاتي عندي قدر و حرمة كقدر عبدي المؤمن، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيليّة.
منها، أنّه أضاف سبحانه التردّد إلى نفسه تعظيما لعبده المؤمن كما جاء في الأخبار مرضت فلم تعدني فيقول كيف تمرض و أنت ربّ العالمين فيقول مرض عبدي فلان، إلى غير ذلك من الوجوه. فراجع المرآة ج 10 ص 384 و البحار و الوافي و الأربعين للشيخ البهائي.
ص:215
في الوافي، المراد ب «النافلة» : كلّ ما يفعل لوجه اللّه، ممّا لم يفترض و تخصيصها بالصلوات المندوبة عرف طار.
6-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من استذلّ مؤمنا و استحقره لقلّة ذات يده و لفقره شهّره اللّه يوم القيامة على رؤوس الخلائق. (1)
بيان:
في المرآة ج 10 ص 397، «شهره اللّه» على بناء المجرّد أو التفعيل، أي جعل له علامة سوء يعرفه جميع الخلائق بها أنّه من أهل العقوبة، فيفتضح بذلك في المحشر، و يذلّ كما أذّل المؤمن في الدنيا. في القاموس، استذلّه: رآه ذليلا، و قال: الشهرة:
ظهور الشيء في شنعة. . .
«على رؤوس الخلائق» : أي على وجه يطّلع عليه جميع الخلائق كأنّه فوق رؤوسهم.
7-عن زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته و زلاّته ليعنّفه بها يوما ما. (2)
بيان:
في المرآة، «العثرة» : الكبوة في المشي (ليز خوردن و لغزيدن) استعير للذنب مطلقا أو الخطأ منه، و قريب منه الزلّة، و يمكن تخصيص إحداهما بالذنوب و الأخرى بمخالفة العادات و الآداب.
«التعنيف» التعيير و اللوم، و هذا من أعظم الخيانة في الصداقة و الأخوّة.
8-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تطلبوا عثرات
ص:216
المؤمنين، فإنّ من تتبّع عثرات أخيه تتّبع اللّه عثراته، و من تتبّع اللّه عثراته يفضحه و لو في جوف بيته. (1)
9-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما مؤمن منع مؤمنا شيئا ممّا يحتاج إليه و هو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه اللّه يوم القيامة مسودّا وجهه، مزرقّة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان اللّه و رسوله، ثمّ يؤمر به إلى النار. (2)
بيان:
«مزرقّة عيناه» : من الزرقة، قال اللّه تعالى: وَ نَحْشُرُ اَلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً قال البيضاوي: أي زرق العيون، وصفوا بذلك لأنّ الزرقة أسوء ألوان العين و أبغضها إلى العرب، لأنّ الروم كانوا أعدى أعدائهم و هم زرق. . .
10-عن مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها، قال اللّه عزّ و جلّ: يا ملائكتي، أبخل عبدي على عبدي بسكنى الدار الدنيا، و عزّتي و جلالي لا يسكن جناني أبدا. (3)
11-عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللّه عزّ و جلّ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه. (4)
بيان:
في المرآة ج 11 ص 54، المراد بالظلّ: الكنف أي لا ملجأ و لا مفزع إلاّ إليه.
12-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، و من روّع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو
ص:217
مع فرعون و آل فرعون في النار. (1)
بيان:
الروع: الفزع، و روّعه: أفزعه.
13-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمتي. (2)
بيان:
«بشطر كلمة» الشطر: النصف أو الجزء، و يحتمل أن يكون كناية عن قلّة الكلام.
14-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من آذى مؤمنا فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه عزّ و جلّ و من آذى اللّه فهو ملعون في التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان. (3)
15-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من مؤمن يخذل أخاه و هو يقدر على نصرته إلاّ خذله اللّه في الدنيا و الآخرة. (4)
16-عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سأله أخوه المؤمن حاجة من ضرّه فمنعه من سعة و هو يقدر عليها من عنده أو من عند غيره، حشره اللّه يوم القيامة مقرونة يده إلى عنقه حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلق. (5)
17-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها، أخافه اللّه تعالى يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، و حشره في صورة الذرّ بلحمه و جسمه و جميع أعضائه
ص:218
و روحه حتّى يورده مورده. (1)
18-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من أحزن مؤمنا ثمّ أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفّارته و لم يؤجر عليه. (2)
19-عن المفضّل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه، فمن طعن على المؤمن أو ردّ عليه فقد ردّ على اللّه في عرشه، و ليس هو من اللّه في ولاية، و إنّما هو شرك شيطان. (3)
أقول:
«ليس هو من اللّه في ولاية» بدلها في ح 13: "ليس من اللّه في شيء".
بيان: في مجمع البحرين (شرك) ، «هو شرك الشيطان» قيل: المصدر بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل أي مشاركا فيه مع الشيطان.
20-عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال اللّه عزّ و جلّ:
ليأذن بحرب منّي من أذلّ عبدي المؤمن، و ليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن. (4)
21-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلاّ مات بشرّ ميتة، و كان يتمنّى أن يرجع إلى خير. (5)
بيان:
«في عين مؤمن» : أي يواجهه بالطعن و العيب و يذكره بمحضره.
22-عن مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من روى على مؤمن
ص:219
رواية يريد بها شينه و هدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه اللّه من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان. (1)
بيان:
قال رحمه اللّه: «من روى على مؤمن» بأن ينقل عنه كلاما يدلّ على ضعف عقله و سخافة رأيه، على ما ذكره الأكثر، و يحتمل شموله لرواية الفعل أيضا.
«شينه» أي عيبه، في القاموس، شانه يشينه: ضدّ زانه يزينه.
23-عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا يونس، من حبس حقّ المؤمن أقامه اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه، يسيل عرقه أودية، و ينادي مناد من عند اللّه تعالى: هذا الظالم الذي حبس عن اللّه حقّه، قال: فيوبّخ أربعين يوما ثمّ يؤمر به إلى النار. (2)
بيان:
قال رحمه اللّه: المراد بحقّ المؤمن الديون، و الحقوق اللازمة، أو الأعمّ منها و ممّا يلزمه أداؤه من جهة الإيمان على سياق سائر الأخبار. . . و فيه دلالة على أنّ حقّ المؤمن حقّ اللّه عزّ و جلّ، لكمال قربه منه أو لأمره تعالى به.
24-عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما مؤمن كان بينه و بين مؤمن حجاب ضرب اللّه عزّ و جلّ بينه و بين الجنّة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام. (3)
بيان:
قال رحمه اللّه: «بينه و بين مؤمن حجاب» أي مانع من الدخول عليه، إمّا بإغلاق الباب دونه أو إقامة بوّاب على بابه يمنعه من الدخول عليه.
ص:220
قال الراغب: «الضرب» إيقاع شيء على شيء و لتصوّر اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد و العصا و نحوها. . .
«ألف عام» : أي من أعوام الدنيا و يحتمل الآخرة، ثمّ الظاهر منه إرادة هذا العدد حقيقة، و يمكن حمله على المجاز و المبالغة في بعده عن الرحمة و الجنّة، أو على أنّه لا يدخلها إلاّ بعد زمان طويل تقطع فيه تلك المسافة، و على التقادير لعلّه محمول على ما إذا كان الاحتجاب للتكبّر و الاستهانة بالمؤمن و تحقيره، و عدم الاعتناء بشأنه، لأنّه معلوم أنّه لا بدّ للمرء من ساعات في اليوم و الليلة يشتغل فيها الإنسان بإصلاح امور نفسه و معاشه و معاده. . . (المرآة ج 11 ص 45)
«السور» : الحائط.
ص:221
ص:222
الآيات
1- يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اَللّهَ وَ اَلرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. (1)
2- وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ. (2)
الأخبار
1-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يبعث نبيّا إلاّ بصدق الحديث و أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر. (3)
2-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تغترّوا بصلاتهم و لا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة و الصوم حتّى لو تركه استوحش، و لكن اختبروهم عند صدق الحديث و أداء الأمانة. (4)
ص:223
بيان:
«لا تغترّوا» قال الجوهري: اغترّ بالشيء خدع به، و قال: اللهج بالشيء: الولوع به، و قد لهج به يلهج لهجا: إذا أغري به فثابر عليه.
3-عن أبي كهمس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عبد اللّه بن أبي يعفور يقرئك السّلام، قال: عليك و عليه السّلام، إذا أتيت عبد اللّه فأقرأه السّلام و قل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: انظر ما بلغ به عليّ عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالزمه، فإنّ عليّا عليه السّلام إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بصدق الحديث و أداء الأمانة. (1)
4-قال الصادق عليه السّلام: أدّوا الأمانة إلى البرّ و الفاجر، فلو أنّ قاتل عليّ عليه السّلام ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه.
و قال: أدّوا الأمانة و لو إلى قاتل الحسين بن عليّ عليهما السّلام. (2)
5-قال الصادق عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى أوجب عليكم حبّنا و موالاتنا، و فرض عليكم طاعتنا، ألا فمن كان منّا فليقتد بنا، و إنّ من شأننا الورع و الاجتهاد و أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر، و صلة الرحم، و اقراء الضيف، و العفو عن المسيء، و من لم يقتد بنا فليس منّا.
و قال: لا تسفّهوا فإنّ أئمّتكم ليسوا بسفهاء. (3)
6-عن الحسن بن محبوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم. قال: قلت: فيكون جبانا؟ قال: نعم، قلت: فيكون كذّابا؟ قال: لا و لا [خائنا]ثمّ قال: يجبل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة و الكذب. (4)
ص:224
7-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لشمعون: و أمّا علامة الخائن فأربعة: عصيان الرحمن، و أذى الجيران، و بغض الأقران، و القرب إلى الطغيان. (1)
8-في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل رحمه اللّه: يا كميل، افهم و اعلم، أنّا لا نرخّص في ترك أداء الأمانة لأحد من الخلق، فمن روى عنّي في ذلك رخصة فقد أبطل و أثم و جزاؤه النار بما كذب. أقسم لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا: يا أبا الحسن، أدّ (أداء) الأمانة إلى البرّ و الفاجر فيما جلّ و قلّ حتّى (في) الخيط و المخيط. (2)
9-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: . . . و من لم يختلف سرّه و علانيته و فعله و مقالته فقد أدّى الأمانة و أخلص العبادة. . . و من استهان بالأمانة و رتع في الخيانة و لم ينزّه نفسه و دينه عنها، فقد أحلّ بنفسه في الدنيا الذلّ و الخزي و هو في الآخرة أذلّ و أخزى، و إنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة، و أفظع الغشّ غشّ الأئمّة. (3)
10-عن الثماليّ عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: سمعته يقول لشيعته:
عليكم بأداء الأمانة، فو الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا لو أنّ قاتل أبي الحسين بن عليّ عليه السّلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدّيته إليه. (4)
11-عن الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السّلام قال: سمعته يقول: أحبّ العباد إلى اللّه عزّ و جلّ رجل صدوق في حديثه، محافظ على صلواته و ما افترض اللّه عليه مع أداء الأمانة، ثمّ قال عليه السّلام: من اؤتمن على أمانة فأدّاها فقد حلّ ألف عقدة من عنقه من عقد النار، فبادروا بأداء الأمانة، فإنّ من اؤتمن على أمانة
ص:225
و كلّ به إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلّوه و يوسوسوا إليه حتّى يهلكوه إلاّ من عصم اللّه عزّ و جلّ. (1)
بيان:
«المردة» واحدها المارد، و في مجمع البحرين، «و شيطان مارد» أي خارج عن الطاعة متمكّن من ذلك، و المارد: العاند الشديد. و في المفردات: المارد و المريد من شياطين الجنّ و الإنس: المتعرّي من الخيرات من قولهم شجر أمرد: إذا تعرّى من الورق. . . و منه الأمرد لتجرّده عن الشعر.
12-عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الأمانة تجلب الغناء و الخيانة تجلب الفقر. (2)
13-قال أمير المؤمنين عليه السّلام (في ح الأربعمائة) : أدّوا الأمانة و لو إلى قتلة أولاد الأنبياء عليهم السّلام. (3)
14-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أبو ذرّ: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم و الأمانة، فإذا مرّ عليه الوصول للرحم، المؤدّي للأمانة لم يتكفّأ به في النار. (4)
بيان:
«الحافة» : الجانب و الطرف، يقال: حافتا الوادي و نحوه: جانباه.
«لم يتكفّأ» يقال: كفأ الإناء و اكتفأه: أماله و قلبه ليصبّ ما فيه، و تكفّأ في مشيته:
ماد و تمايل.
15-عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
ص:226
لا إيمان لن لا أمانة له. (1)
16-عن عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام قال: كان فيما ناجى موسى ربّه: إلهي ما جزاء من ترك الخيانة حياء منك؟ قال: يا موسى، له الأمان يوم القيامة. (2)
17-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (في خبر المناهي) : . . . من خان أمانة في الدنيا و لم يردّها إلى أهلها ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي، و يلقى اللّه و هو عليه غضبان، و قال: من اشترى خيانة و هو يعلم فهو كالذي خانه. (3)
18-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: استعمال الأمانة يزيد في الرزق. (4)
19-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليس منّا من يحقّر الأمانة حتّى يستهلكها إذا استودعها، و ليس منّا من خان مسلما في أهله و ماله. (5)
20-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليس منّا من خان بالأمانة. (6)
21-عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أربع لا تدخل بيتا واحدة منهنّ إلاّ خرب، و لم يعمر بالبركة: الخيانة و السرقة و شرب الخمر و الزنا. (7)
22-عن الكاظم عليه السّلام قال: إنّ أهل الأرض لمرحومون، ما تحابّوا و أدّوا
ص:227
الأمانة و عملوا بالحقّ. (1)
23-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاثة لا بدّ من أدائهنّ على كلّ حال: الأمانة إلى البرّ و الفاجر، و الوفاء بالعهد للبرّ و الفاجر، و برّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار أخر راجع الوسائل ج 19 ص 71 ب 2 من أحكام الوديعة و يأتي بعضها في باب الوالدين.
24-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من ائتمن شارب الخمر على أمانة بعد علمه فليس له على اللّه ضمان و لا أجر له و لا خلف. (3)
25-قال أبو جعفر عليه السّلام (في حديث) : من ائتمن غير مؤمن فلا حجّة له على اللّه عزّ و جلّ. (4)
26-قال لقمان لابنه: . . . أدّ الأمانة تسلم لك دنياك و آخرتك، و كن أمينا تكن غنيّا. (5)
27-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: علامة المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا ائتمن خان. (6)
28-عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
ص:228
لا تخن من خانك، فتكون مثله. (1)
29-عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:
الأمانة إيمان (الغرر ج 1 ص 6 ف 1 ح 33)
الخيانة غدر (ص 9 ح 148)
الأمانة صيانة-الإذاعة خيانة (ح 156 و 157)
الخيانة أخو الكذب (ص 14 ح 332)
الخيانة صنو (2)الإفك (ص 27 ح 788)
الخائن لا وفاء له (ص 31 ح 938)
الخيانة رأس النفاق (ص 33 ح 1012)
الأمانة فوز لمن رعاها. (ص 37 ح 1170)
الخيانة دليل على قلّة الورع و عدم الديانة (ص 53 ح 1470)
الكذب و الخيانة ليسا من أخلاق الكرام (ص 57 ح 1544)
الأمانة تؤدّي إلى الصدق (ص 60 ح 1618)
الأمانة و الوفاء صدق الأفعال، و الكذب و الافتراء خيانة الأقوال.
(ص 94 ح 2105)
إيّاك و الخيانة فإنّها شرّ معصية، و إنّ الخائن لمعذّب بالنار على خيانته.
(ص 150 ف 5 ح 37)
أفضل الإيمان الأمانة-أقبح الأخلاق الخيانة (ص 177 ف 8 ح 77 و 78)
أعظم الخيانة خيانة الأمّة. (ص 179 ح 113)
إذا ائتمنت فلا تستخن-إذا ائتمنت فلا تخن. (ص 310 ف 17 ح 26 و 27)
ص:229
إذا ظهرت الخيانات ارتفعت البركات (ص 312 ح 57)
إذا قويت الأمانة كثر الصدق (ص 314 ح 79)
إذا أحبّ اللّه سبحانه عبدا حبّب إليه الأمانة (ص 315 ح 99)
توخّ الصدق و الأمانة، و لا تكذب من كذّبك، و لا تخن من خانك.
(ص 354 ف 22 ح 86)
ثلاثة هنّ شين الدين: الفجور و الغدر و الخيانة (ص 364 ف 24 ح 20)
جانبوا الخيانة فإنّها مجانبة الإسلام (ص 370 ف 26 ح 26)
رأس النفاق الخيانة (ص 411 ف 34 ح 6)
رأس الكفر الخيانة (ص 413 ح 38)
رأس الإيمان الأمانة (ح 39)
غاية الخيانة خيانة الخلّ الودود و نقض العهود. (ج 2 ص 505 ف 56 ح 29)
من لا أمانة له لا إيمان له (ص 624 ف 77 ح 287)
من استهان في الأمانة (بالأمانة ف ن) وقع في الخيانة. (ص 668 ح 953)
من عمل بالأمانة فقد أكمل الديانة-من عمل بالخيانة فقد ظلم الأمانة.
(ص 714 ح 1453 و 1454)
من علامات الخذلان ايتمان الخوّان. (ص 726 ف 78 ح 31)
من أفحش الخيانة خيانة الودائع (ص 728 ح 61)
لا تخن من ائتمنك و إن خانك، و لا تشن عدوّك و إن شانك.
(ص 827 ف 85 ح 266)
أقول:
سيأتي ما يناسب المقام في أبواب الصدق، الوالدين، و التهمة.
ص:230
الآيات
1- وَ لا يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ وَ لِلّهِ مِيراثُ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اَللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. (1)
2- اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ اَلنّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اَللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (2)
3- . . . وَ اَلصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ اَلْأَنْفُسُ اَلشُّحَّ. . . (3)
4- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ اَلْإِنْفاقِ وَ كانَ اَلْإِنْسانُ قَتُوراً (4)
5- أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ اَلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ اَلْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ اَلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى اَلْخَيْرِ
ص:231
أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اَللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اَللّهِ يَسِيراً. (1)
6- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اَللّهُ اَلْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ اَلْفُقَراءُ وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ. (2)
7- اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ اَلنّاسَ بِالْبُخْلِ وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اَللّهَ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ. (3)
8- . . . وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ. (4)
9- مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. (5)
الأخبار
1-قال الصادق عليه السّلام: . . . و إن كان الخلف من اللّه عزّ و جلّ حقّا فالبخل لماذا؟ . . . (6)
بيان:
«البخل» هو الإمساك حيث ينبغي البذل.
و في مجمع البحرين، الشحّ: البخل مع حرص، فهو أشدّ من البخل، لأنّ البخل في المال و هو في مال و معروف انتهى. و قال الثعالبي في فقه اللغة: رجل بخيل ثمّ مسيك ثمّ لحز ثمّ شحيح إذا كان مع شدّة بخله حريصا انتهى.
ص:232
البخل و الشحّ إمّا من أجل ضعف الاعتقاد و عدم الإيمان باللّه تعالى و أنّه الرازق و انّه هو المالك، يؤتي من يشاء و ينزع ممّن يشاء، كما يستفاد عن بعض الروايات، و إمّا لأجل حبّ الدنيا و الحرص عليها فلذا يحبّ أن يجمع المال.
و لا يخفى أنّ الإمساك و الشحّ إمّا في حقّ اللّه تعالى و الحقوق الواجبة كترك الزكاة و الخمس و ترك الإنفاق على العيال، فهو حرام يوجب العقاب و تاركها أشدّ عذابا و أقبح حالا من غيره، و إمّا في غير الحقوق الواجبة كترك الصدقات و. . . فهذا أيضا مذموم.
2-عن الصادق عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: . . .
و أقلّ الناس راحة البخيل و أبخل الناس من بخل بما افترض اللّه عزّ و جلّ عليه. . . (1)
3-عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إنّ صلاح أوّل هذه الأمّة بالزهد و اليقين، و هلاك آخرها بالشحّ و الأمل. (2)
4-عن جعفر، عن آبائه عليهم السّلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سمع رجلا يقول: إنّ الشحيح أعذر من الظالم، فقال له: كذبت، إنّ الظالم قد يتوب و يستغفر و يردّ الظلامة على أهلها، و الشحيح إذا شحّ منع الزكوة و الصدقة، و صلة الرحم، و قرى الضيف، و النفقة في سبيل اللّه، و أبواب البرّ، و حرام على الجنّة أن يدخلها شحيح. (3)
5-عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: البخيل من بخل بما افترض اللّه عليه. (4)
6-قال الصادق عليه السّلام: في قول اللّه عزّ و جلّ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اَللّهُ أَعْمالَهُمْ
ص:233
حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ (1)قال: هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة اللّه عزّ و جلّ بخلا، ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة اللّه أو بمعصية اللّه، فإن عمل فيه بطاعة اللّه رآه في ميزان غيره فرآه حسرة و قد كان المال له، و إن كان عمل به في معصية اللّه قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معصية اللّه عزّ و جلّ. (2)
7-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا لم يكن للّه عزّ و جلّ في العبد حاجة ابتلاه بالبخل. (3)
8-فيما سأل عليّ عليه السّلام ابنه الحسن عليه السّلام أنّه قال له: ما الشحّ؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفا، و ما أنفقت تلفا. (4)
9-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل، و سوء الخلق. (5)
10-عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا يجتمع الشحّ و الإيمان في قلب عبد أبدا. (6)
11-عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال: لا يؤمن رجل فيه الشحّ و الحسد و الجبن، و لا يكون المؤمن جبانا و لا حريصا و لا شحيحا. (7)
12-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ثلاث درجات، و ثلاث كفّارات، و ثلاث موبقات، و ثلاث منجيات، . . . و أمّا الثلاث الموبقات: فشحّ مطاع، و هوى متّبع، و اعجاب المرء بنفسه. . . (8)
ص:234
بيان:
«ثلاث موبقات» في ح 18 بدلها: "ثلاث مهلكات".
13-عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: الشحّ المطاع سوء الظنّ باللّه. (1)
14-في مواعظ عليّ عليه السّلام قال: . . . النظر إلى البخيل يقسي القلب. . . (2)
15-عن الفضيل بن عياض قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أتدري من الشحيح؟ فقلت: هو البخيل، فقال عليه السّلام: الشحيح أشدّ من البخيل، إنّ البخيل يبخل بما في يديه، و إنّ الشحيح يشحّ بما في أيدى الناس و على ما في يديه، حتّى لا يرى في أيدى الناس شيئا إلاّ تمنّى أن يكون له بالحلّ و الحرام و لا يشبع و لا يقنع بما رزقه اللّه تعالى. (3)
16-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ البخيل من كسب مالا من غير حلّه و أنفقه في غير حقّه. (4)
17-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليس البخيل من يؤدّي-أو الذي يؤدّى-الزكاة المفروضة من ماله و يعطي البائنة في قومه، و إنّما البخيل حقّ البخيل الذي يمنع الزكاة المفروضة من ماله و يمنع البائنة في قومه و هو في ما سوى ذلك يبذّر. (5)
بيان:
في الوافي، «البائنة» : أي العطيّة سمّيت بها لأنّها أبينت من المال.
و في النهاية ج 1 ص 175 في حديث النعمان: «هل أبنت كلّ واحد منهم مثل الذي
ص:235
أبنت هذا» أي هل أعطيتهم مثله مالا تبينه به، أي تفرده و الاسم البائنة. . .
18-عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّما الشحيح من منع حقّ اللّه و أنفق في غير حقّ اللّه عزّ و جلّ. (1)
19-عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: البخيل من بخل بالسلام. (2)
20-عن عبد اللّه بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البخيل حقّا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ. (3)
21-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: البخل عار، و الجبن منقصة. . . (4)
22-و قال عليه السّلام: عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، و يفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، و يحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. . . (5)
23-و قال عليه السّلام: البخل جامع لمساوى العيوب، و هو زمام يقاد به إلى كلّ سوء. (6)
24-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (في خبر مناهي) : قال اللّه عزّ و جلّ: حرّمت الجنّة على المنّان و البخيل و القتّات. (7)
25-عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما محق الإيمان محق
ص:236
الشحّ شيء.
ثمّ قال: إنّ لهذا الشحّ دبيبا كدبيب النمل و شعبا كشعب الشرك. (1)
بيان:
في الوافي، «الدبيب» : أي المشي على هنيئة.
«الشرك» في الوافي: في نسخة اخرى: "الشوك".
26-قال الصادق عليه السّلام: حسب البخيل من بخله سوء الظنّ بربّه، من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة. (2)
بيان:
«الخلف» أي العوض. في مجمع البحرين، و في الدعاء: «اللهمّ أعط كلّ منفق خلفا» أي عوضا عاجلا مالا أو دفع سوء، و آجلا ثوابا، فكم من منفق قلّ ما يقع له الخلف المالي.
27-عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: السخيّ قريب من اللّه، قريب من الناس، قريب من الجنّة، و البخيل بعيد من اللّه، بعيد من الناس، قريب من النار. (3)
28-. . . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما يمحق الإيمان شيء كتمحيق البخل له. . .
و قال صلّى اللّه عليه و آله (في حديث) : و البخل و عبوس الوجه يكسبان البغاضة، و يباعدان من اللّه و يدخلان النار. (4)
29-عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ على امرأة و هي تبكي على ولدها، و هي تقول: الحمد للّه، مات
ص:237
شهيدا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كفّي أيّتها الامرءة فلعلّه كان يبخل بما لا يضرّه، و يقول فيما لا يعنيه. (1)
30-عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتعوّذ من البخل؟ فقال: نعم يا أبا محمّد، في كلّ صباح و مساء! و نحن نتعوّذ باللّه من البخل، اللّه يقول: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ و ساخبرك عن عاقبة البخل. . . (2)
31-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: ما رأيت شيئا هو أضرّ في دين المسلم من الشحّ. (3)
32-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنا أديب اللّه، و عليّ عليه السّلام أديبي، أمرني ربّي بالسخاء و البرّ، و نهاني عن البخل و الجفاء، و ما شيء أبغض إلى اللّه عزّ و جلّ من البخل و سوء الخلق، و أنّه ليفسد العمل كما يفسد الطين (الخلّ م) العسل. (4)
33-عن عليّ عليه السّلام قال: الشحّ أضرّ على الإنسان من الفقر، لأنّ الفقير إذا وجد اتّسع، و الشحيح لا يتّسع و إن وجد. (5)
أقول:
سيأتي ما يناسب المقام في باب السخاء و. . .
34-عن عليّ عليه السّلام قال:
البخل فقر (الغرر ج 1 ص 9 ف 1 ح 147)
الشحّ يكسب المسبّة (ص 14 ح 358)
ص:238
البخل يزري بصاحبه (ص 18 ح 481)
البخل يكسب الذمّ-البخيل خازن لورثته (ص 19 ح 529 و 519)
البخيل متعجّل الفقر (ص 25 ح 742)
البخل ينتج البغضاء (ص 28 ح 830)
البخيل أبدا ذليل (ح 831)
البخل بالموجود سوء الظنّ بالمعبود (ص 44 ح 1305)
البخيل متحجّج بالمعاذير و التعاليل (ص 45 ح 1322)
البخل يذلّ مصاحبه و يعزّ مجانبه (ص 52 ح 1450)
البخيل ذليل بين أعزّته (ص 53 ح 1480)
البخل أحد الفقرين (ص 63 ح 1660)
البخل يكسب العار و يدخل النار (ص 66 ح 1735)
البخيل في الدنيا مذموم و في الآخرة معذّب ملوم (ص 68 ح 1761)
الجبن و الحرص و البخل غرائز سوء يجمعها سوء الظنّ باللّه. (ص 74 ح 1845)
البخيل يبخل على نفسه باليسير من دنياه و يسمح لوارثه بكلّها.
(ص 79 ح 1905)
البخل بإخراج ما افترضه اللّه سبحانه من الأموال أقبح البخل.
(ص 90 ح 2060)
البخيل يسمح من عرضه بأكثر ممّا أمسك من عرضه، و يضيّع من دينه أضعاف ما حفظ من نشبه (1)(ص 94 ح 2106)
أربع تشين الرجل: البخل، و الكذب، و الشره، و سوء الخلق.
(ص 102 ح 2165)
ص:239
إيّاك و الشحّ فإنّه جلباب المسكنة و زمام يقاد به إلى كلّ دناءة.
(ص 149 ف 5 ح 28)
أقبح البخل منع الأموال عن مستحقّها (ص 193 ف 8 ح 332)
أبعد الخلائق من اللّه تعالى البخيل الغنيّ (ص 194 ح 340)
تجنّبوا البخل و النفاق، فهما من أذّم الأخلاق. (ص 353 ف 22 ح 78)
ليس لبخيل حبيب (ج 2 ص 594 ف 73 ح 23)
لو رأيتم البخل رجلا لرأيتموه مشوّها يغضّ عنه كلّ بصر و ينصرف عنه كلّ قلب (ص 605 ف 75 ح 31)
من لزم الشحّ عدم النصيح (ص 635 ف 77 ح 451)
من بخل على نفسه كان على غيره أبخل. (ص 669 ح 962)
من بخل بما لا يملكه فقد بالغ في الرذيلة. (ص 687 ح 1184)
من بخل بماله على نفسه جاد به على بعل عرسه. (شوهر زن)
(ص 712 ح 1426)
من بخل على المحتاج بما لديه سخط اللّه عليه. (ص 713 ح 1446)
من أقبح الخلائق الشحّ. (ص 733 ف 78 ح 131)
ما عقد إيمانه من بخل بإحسانه. (ص 743 ف 79 ح 118)
ما اجتلب سخط اللّه سبحانه بمثل البخل. (ح 123)
ما عقل من بخل بإحسانه. (ح 136)
لا مروّة لبخيل (ص 829 ف 86 ح 3)
لا سوءة أسوء من البخل. (ص 846 ح 328)
ص:240
الأخبار 1-عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السّلام الناس فقال: أيّها الناس، إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اللّه، يتولّى فيها رجال رجالا، فلو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، و لو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجى الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى. (1)
بيان:
في المرآة ج 1 ص 185، «الفتنة» : الامتحان و الاختبار، ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه، ثمّ كثر استعماله بمعنى الضلال و الكفر و القتال. «الأهواء» : جمع الهوى و هو بالقصر: الحبّ المفرط في الخير و الشرّ و إرادة النفس. «الحجى» : العقل.
«الضغث» : القطعة من الحشيش المختلط رطبه باليابس.
2-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه، فمن
ص:241
لم يفعل فعليه لعنة اللّه. (1)
بيان:
«فليظهر. . .» في المرآة: مع التمكّن و عدم الخوف على نفسه أو على المؤمنين.
في مجمع البحرين، «البدع» جمع بدعة: الحدث في الدين، و ما ليس له أصل في كتاب و لا سنّة، و إنّما سمّيت بدعة لأنّ قائلها ابتدعها عن نفسه.
و فى المرآة ج 11 ص 78 و البحار ج 74 ص 202: البدعة في عرف الشرع ما حدث بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لم يرد فيه نصّ على الخصوص، و لا يكون داخلا في بعض العمومات، أو ورد نهي عنه خصوصا أو عموما، فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات. . .
3-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أبى اللّه لصاحب البدعة بالتوبة، قيل: يا رسول اللّه، و كيف ذلك؟ قال: إنّه قد أشرب قلبه حبّها. (2)
بيان:
«أشرب» : على بناء المجهول أي خالط.
4-عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و ابن محبوب رفعه عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: إنّ من أبغض الخلق إلى اللّه عزّ و جلّ لرجلين: رجل وكله اللّه إلى نفسه، فهو جائر (حائر ف ن) عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم و الصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضالّ عن هدي من كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته و بعد موته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته، و رجل قمش جهلا في جهّال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سماّه أشباه الناس عالما و لم يغن فيه يوما سالما. . . (3)(لاحظ تمام الحديث في المصدر)
ص:242
بيان:
«جائر. . .» في بعض النسخ: "حائر"و المعنى متقاربة أي مائل و متجاوز عن السبيل المستقيم أو حيران فيه «مشعوف» في المرآة، في بعض النسخ: بالغين المعجمة و في بعضها بالمهملة و على الأوّل: معناه دخل حبّ كلام البدعة شغاف قلبه أي حجابه، و قيل: سويداءه، و على الثاني: غلبه حبّه و أحرقه فإنّ الشعف بالمهملة شدّة الحبّ و إحراقه القلب «القمش» جمع الشيء من ههنا و ههنا.
«بأغباش» الغبش: ظلمة الليل. «لم يغن فيه يوما سالما» في النهاية: من قولك غنيت بالمكان أغنى: إذا قمت به، و في الوافي: أي لم يلبث في العلم يوما تامّا و لم يغش.
5-عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار. (1)
6-عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحلال و الحرام، فقال:
حلال محمّد صلّى اللّه عليه و آله حلال أبدا إلى يوم القيامة و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره و لا يجيء غيره.
و قال: قال عليّ عليه السّلام: ما أحد ابتدع بدعة إلاّ ترك بها سنّة. (2)
7-عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:
اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اَللّهِ (3)فقال: أما و اللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، و لو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم و لكن أحلّوا لهم
ص:243
حراما و حرّموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون. (1)
8-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم؛ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المرء على دين خليله و قرينه. (2)
9-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلّموا من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة. (3)
بيان:
ذلك مع التمكّن و عدم الخوف على نفسه و على المؤمنين. «القول فيهم» : أي قول الشرّ و الذمّ فيهم. «الوقيعة في الناس» : الغيبة.
«باهتوهم» في المرآة ج 11 ص 81: الظاهر أنّ المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة و جعلهم متحيّرين لا يحيرون جوابا كما قال تعالى: فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ (4)و يحتمل أن يكون من البهتان للمصلحة فإنّ كثيرا من المساوي يعدّها أكثر الناس محاسن خصوصا العقائد الباطلة، و الأوّل أظهر. قال الجوهري: . . .
و بهت الرجل بالكسر: إذا دهش و تحيّر. . .
10-عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام قال: من مشى إلى صاحب
ص:244
بدعة فوقّره فقد مشى في هدم الإسلام. (1)
11-عن أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما أدنى النصب؟ قال:
أن يبتدع الرجل رأيا (شيئا ع) فيحبّ عليه و يبغض عليه. (2)
12-عن يونس بن عبد الرحمن (في حديث) قال: روينا عن الصادقين عليهم السّلام أنّهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان. (3)
13-. . . قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من تبسّم في وجه مبتدع، فقد أعان على هدم الإسلام.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: من أحدث في الإسلام أو آوى محدثا، فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين. (4)
14-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و ما أحدثت بدعة إلاّ ترك بها سنّة، فاتّقوا البدع و الزموا المهيع، إنّ عوازم الأمور أفضلها و إنّ محدثاتها شرارها. (5)
بيان:
«المهيع» : أي الطريق الواسع الواضح. «عوازم الأمور» : ما تقادم منها و كانت عليه ناشئة الدين، من قولهم: ناقة عوزم، و المراد هي الأمور الثابتة بالكتاب و السنّة.
(لاحظ مجمع البحرين و غيره)
ص:245
15-في مواعظ الصادق عليه السّلام: من دعا الناس إلى نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضالّ. (1)
16-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: عمل قليل في سنّة خير من عمل كثير في بدعة. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، و سيأتي ما يناسب المقام في باب الأخذ بالسنّة.
17-جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: أخبرني عن السنّة و البدعة، و عن الجماعة و عن الفرقة. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: السنّة ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و البدعة ما احدث من بعده، و الجماعة أهل الحقّ و إن كانوا قليلا، و الفرقة أهل الباطل و إن كانوا كثيرا. (3)
18-عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من عمل في بدعة خلاّه الشيطان و العبادة، و ألقى عليه الخشوع و البكاء. (4)
أقول:
في البحار ج 77 ص 274 في وصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل رحمه اللّه: يا كميل، أقسم باللّه لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ الشيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزنى و شرب الخمر و الربا، و ما أشبه ذلك من الخنى و المأثم، حبّب إليهم العبادة الشديدة و الخشوع و الركوع و الخضوع و السجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمّة الذين يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون.
و يأتي ما يناسب المقام في باب الطمع و. . .
ص:246
الآيات
1- . . . وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ. (1)
2- . . . وَ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ. (2)
3- . . . وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً- إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ اَلشَّياطِينِ وَ كانَ اَلشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً. (3)
4- وَ اَلَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. (4)
الأخبار
1-عن داود الرقّيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ القصد أمر يحبّه اللّه عزّ و جلّ، و إنّ السرف أمر يبغضه اللّه عزّ و جلّ حتّى طرحك النواة فإنّها تصلح
ص:247
لشيء و حتّى صبّك فضل شرابك. (1)
بيان:
«القصد» في مجمع البحرين، الاقتصاد في المعيشة: هو التوسّط بين التبذير و التقتير.
و في المرآة ج 12 ص 175، الاقتصاد: التوسّط بين الإسراف و التقتير.
«السرف» في المفردات، السرف: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر. . . و يقال تارة: اعتبارا بالقدر و تارة: بالكيفيّة.
و في المرآة ج 12 ص 175، الإسراف: صرف المال زايدا على القدر الجايز شرعا و عقلا.
أقول: سيأتي في الأخبار موارد السرف.
2-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: القصد مثراة و السرف متواة. (2)
بيان:
«المثراة» : اسم آلة من الثروة أي مكثرة للمال. «المتواة» توى المال: هلك، و التوى:
الضياع و الخسارة، و المتواة: ما يسبّب التوى. و في مجمع البحرين (توا) : أي فقر و قلّة، و التوى، مقصورا و يمدّ: هلاك المال.
3-عن مدرك بن الهزهاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر. (3)
4-عن عبيد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عبيد، إنّ السرف يورث الفقر، و إنّ القصد يورث الغنى. (4)
5-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من اقتصد في معيشته
ص:248
رزقه اللّه، و من بذّر حرّمه اللّه. (1)
بيان:
في المفردات، التبذير: التفريق و أصله إلقاء البذر و طرحه، فاستعير لكلّ مضيّع لماله. . . و في المرآة ج 8 ص 247 باب التواضع: التبذير في الأصل: التفريق، و يستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعيّة إسرافا و إتلافا و صرفا في المحرّم.
و في مجمع البحرين (بذر) : . . . و قد فرّق بين التبذير و الإسراف؛ في أنّ التبذير الإنفاق فيما لا ينبغي، و الإسراف الصرف زيادة على ما ينبغي.
أقول: التبذير يكون من البذر أي كما يبذر الحبّ كذلك يبذر المال، و يصرف في غير مورده و يفسد المال و النعمة، و يعبّر بالفارسيّة"ريخت و پاش كردن"و لكن السرف، تجاوز الحدّ و اتلاف النعمة و المال، حيث لكلّ شيء فائدة ينبغي أن يستفاد منه، فعلى هذا يشمل الإسراف المراتب الوضيعة من الإتلاف كإهراق فضل الماء و طرح النواة، و التبذير يكون أقبح و أشدّ ذمّا من الإسراف.
و سيأتي في باب الذنب؛ أنّ الإسراف و التبذير من الكبائر.
6-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ مع الإسراف قلّة البركة. (2)
7-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أربعة لا يستجاب لهم: «أحدهم» كان له مال فأفسده يقول: يا ربّ، ارزقني فيقول: ألم آمرك بالاقتصاد؟ ! (3)
8-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: السرف في ثلاث: ابتذالك ثوب صونك، و إلقائك النوى يمينا و شمالا، و إهراقك فضلة الماء، و قال: ليس في الطعام سرف. (4)
ص:249
أقول:
سيأتي في باب اللبس و الملابس ما يناسب المقام، و معنى ابتذال الثوب.
و لا يخفى أنّ السرف و التبذير إتلاف النعمة و المال مع أنّ لها فائدة، فطرح النواة مثلا يكون من الإسراف في زمانهم عليهم السّلام إذ لها فائدة كأكل الحيوانات لها و غيره و لكن في بلدنا لا يكون إسرافا إذ لا فائدة لها.
9-عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: للمسرف ثلاث علامات: يأكل ما ليس له، و يلبس ما ليس له، و يشتري ما ليس له. (1)
10-في خبر شمعون عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: و أمّا علامة المسرف فأربعة: الفخر بالباطل و يأكل ما ليس عنده و يزهد في اصطناع المعروف و ينكر من لا ينتفع بشيء منه. (2)
11-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء و ابتذال ثوب الصون و إلقاء النوى. (3)
12-قال الصادق عليه السّلام: إنّما الإسراف فيما أتلف المال و أضرّ بالبدن. قيل:
فما الإقتار؟ قال: أكل الخبز و الملح و أنت تقدر على غيره. (4)
13-قال الصادق عليه السّلام: من شرب من ماء الفرات و ألقى بقيّة الكوز خارج الماء فقد أسرف. (5)
14-نظر الصادق عليه السّلام إلى فاكهة قد رميت من داره لم يستقص أكلها، فغضب و قال: ما هذا! إن كنتم شبعتم فإنّ كثيرا من الناس لم يشبعوا، فأطعموه
ص:250
من يحتاج إليه. (1)
15-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع صاحبه في الدنيا و يضعه في الآخرة، و يكرمه في الناس و يهينه عند اللّه. (2)
16-عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام قال: لا يذوق المرء من حقيقة الإيمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال: الفقه في الدين، و الصبر على المصائب، و حسن التقدير في المعاش. (3)
17-عن محمّد بن عمرو عن بعض أصحابه قال: سمعت العبّاسي و هو يقول: استأذنت الرضا عليه السّلام في النفقة على العيال، فقال: بين المكروهين قال: فقلت:
جعلت فداك، لا و اللّه ما أعرف المكروهين.
قال: فقال لي: يرحمك اللّه أما تعرف أنّ اللّه عزّ و جلّ كره الإسراف و كره الإقتار؟ فقال: وَ اَلَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. (4)
بيان:
«الإقتار» : التضييق على الإنسان في الرزق، و يقال: قتر و أقتر على عياله: ضيّق عليهم في النفقة.
18-سئل الحسن عليه السّلام عن المروّة؟ فقال: العفاف في الدين، و حسن التقدير في المعيشة، و الصبر على النائبة. (5)
ص:251
بيان:
في مجمع البحرين، النائبة: ما ينوب الإنسان أي تنزل به من المهمّات و الحوادث.
19-عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً قال: من أنفق شيئا في غير طاعة اللّه فهو مبذّر، و من أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد. (1)
20-عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله: لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً قال: بذر الرجل ماله و يقعد ليس له مال قال: فيكون تبذير في حلال؟ قال: نعم. (2)
21-عن بشر بن مروان قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فدعا برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى، قال: و أمسك أبو عبد اللّه عليه السّلام يده فقال: لا تفعل إنّ هذا من التبذير، و اللّه لا يحبّ الفساد. (3)
22-في مواعظ أبي محمّد العسكري عليه السّلام: إنّ للسخاء مقدارا فإن زاد عليه فهو سرف، و للحزم مقدارا فإن زاد عليه فهو جبن، و للاقتصاد مقدارا فإن زاد عليه فهو بخل، و للشجاعة مقدارا فإن زاد عليه فهو تهوّر، كفاك أدبا تجنّبك ما تكره من غيرك. . . (4)
23-عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: ليس في طاعة اللّه تبذير. (5)
ص:252
24-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
الاقتصاد ينمي القليل (الغرر ج 1 ص 15 ف 1 ح 389)
الإسراف يفني الجزيل (ح 390)
الاقتصاد ينمي اليسير-الإسراف يفني الكثير. (ص 21 ح 567 و 568)
الاقتصاد نصف المؤنة (ص 22 ح 615)
التبذير عنوان الفاقة (ص 31 ح 940)
التبذير قرين مفلس (ص 35 ح 1085)
الحازم من تجنّب التبذير و عاف السرف (ص 57 ح 1543)
الإسراف مذموم في كلّ شيء إلاّ في أفعال البرّ (ص 83 ح 1960)
العقل أنّك تقتصد فلا تسرف، و تعد فلا تخلف، و إذا غضبت حلمت.
(ص 99 ح 2152)
ألا إنّ إعطاء هذا المال في غير حقّه تبذير و إسراف. (ص 161 ف 6 ح 9)
أقبح البذل السرف (ص 175 ف 8 ح 28)
إنّ منع المقتصد أحسن من عطاء المبذّر (ص 217 ف 9 ح 31)
إذا أراد اللّه بعبد خيرا ألهمه الاقتصاد و حسن التدبير، و جنّبه سوء التدبير و الإسراف (ص 322 ف 17 ح 164)
حلّوا أنفسكم بالعفاف و تجنّبوا التبذير و الإسراف. (ص 387 ف 28 ح 82)
ذر السرف فإنّ المسرف لا يحمد جوده و لا يرحم فقره.
(ص 406 ف 32 ح 28)
سبب الفقر الإسراف (ص 431 ف 38 ح 20)
غاية الاقتصاد القناعة (ج 2 ص 504 ف 56 ح 19)
في كلّ شيء يذمّ السرف إلاّ في صنائع المعروف و المبالغة في الطاعة.
(ص 515 ف 58 ح 85)
ص:253
كلّ ما زاد على الاقتصاد إسراف. (ص 547 ف 62 ح 73)
من لم يحسن الاقتصاد أهلكه الإسراف. (ص 641 ف 77 ح 551)
من اقتصد خفّت عليه المؤن. (ص 649 ح 670)
من لبس الكبر و السرف خلع الفضل و الشرف. (ص 678 ح 1074)
من قصد في الغنى و الفقر فقد استعدّ لنوائب الدهر. (ص 708 ح 1383)
من افتخر بالتبذير احتقر بالإفلاس. (ص 709 ح 1395)
من صحب الاقتصاد دامت صحبة الغنى له وجبر الاقتصاد فقره و خلله.
(ص 718 ح 1463)
من العقل مجانبة التبذير و حسن التدبير. (ص 728 ف 78 ح 71)
من أشرف الشرف الكفّ عن التبذير و السرف. (ص 734 ح 138)
من المروّة أن تقصد فلا تسرف و تعد فلا تخلف. (ح 140)
ما فوق الكفاف إسراف (ص 737 ف 79 ح 13)
ويح المسرف، ما أبعده عن صلاح نفسه و استدراك أمره!
(ص 782 ف 83 ح 31)
لا جهل كالتبذير. (ص 829 ف 86 ح 12)
لا هلاك مع اقتصاد. (ص 834 ح 102)
لا غناء مع إسراف. (ح 104)
ص:254
الآيات
1- وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ. (1)
2- وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. الآيات (2)
أقول:
سترى في الأخبار ما يدلّ على أنّ ذلك في القبر.
3- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ- فَأَمَّا اَلَّذِينَ شَقُوا فَفِي اَلنّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ اَلسَّماواتُ وَ اَلْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ- وَ أَمَّا اَلَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي اَلْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ اَلسَّماواتُ وَ اَلْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ. (3)
أقول:
هذه الجنّة ليست جنّة الخلد التي في الآخرة بقرينة قوله: ما دامَتِ اَلسَّماواتُ
ص:255
وَ اَلْأَرْضِ، و في تفسير القميّ ج 1 ص 338: ما دامَتِ اَلسَّماواتُ وَ اَلْأَرْضُ فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السموات و الأرض و قوله:
وَ أَمَّا اَلَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي اَلْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها يعني في جنّات الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين ما دامَتِ اَلسَّماواتُ وَ اَلْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنّة يكون متصلا به، و هو ردّ على من ينكر عذاب القبر و الثواب و العقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة.
4- لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا- تِلْكَ اَلْجَنَّةُ اَلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا. (1)
بيان:
في تفسير القميّ ج 2 ص 52 قال: ذلك في جنّات الدنيا قبل القيامة و الدليل على ذلك قوله: بُكْرَةً وَ عَشِيًّا فالبكرة و العشيّ لا تكون في الآخرة في جنّات الخلد و إنّما يكون الغدوّ و العشيّ في جنّات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين و تطلع فيها الشمس و القمر.
5- يُثَبِّتُ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ اَلثّابِتِ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَ فِي اَلْآخِرَةِ. . . (2)
بيان:
في مجمع البيان ج 6 ص 314: قال أكثر المفسّرين: إنّ المراد بقوله: فِي اَلْآخِرَةِ في القبر و الآية وردت في سؤال القبر، و هو قول ابن عبّاس و ابن مسعود، و هو المرويّ عن أئمّتنا عليهم السّلام.
أقول: لاحظ تفسير القميّ ج 1 ص 369 و نور الثقلين ج 2 ص 538 ايضا.
6- حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ- لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً
ص:256
فِيما تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. (1)
بيان:
في تفسير القميّ ج 2 ص 94 قال: البرزخ هو أمر بين أمرين، و هو الثواب و العقاب بين الدنيا و الآخرة، و هو ردّ على من أنكر عذاب القبر و الثواب و العقاب قبل القيامة، و هو قول الصادق عليه السّلام: و اللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.
7- اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذابِ. (2)
بيان:
في تفسير القميّ ج 2 ص 258 قال: ذلك في الدنيا قبل القيامة و ذلك أنّ في القيامة لا يكون غدوّا و لا عشيّا، لأنّ الغدوّ و العشيّ إنّما يكون في الشمس و القمر ليس في جنان الخلد و نيرانها شمس و لا قمر. قال: و قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في قول اللّه عزّ و جلّ: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما يقول الناس فيها؟ فقال: يقولون: إنّها في نار الخلد و هم لا يعذّبون فيما بين ذلك.
فقال عليه السّلام: فهم من السعداء؟ فقيل له: جعلت فداك فكيف هذا؟ فقال: إنّما هذا في الدنيا و أمّا في نار الخلد فهو قوله وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذابِ.
8- فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ- فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ . . . وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُكَذِّبِينَ اَلضّالِّينَ- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ- وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ. (3)
ص:257
بيان:
يكون ذلك في القبر كما تدلّ عليه أخبار كثيرة راجع تفسير نور الثقلين و غيره.
و في تفسير القميّ ج 2 ص 350، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ- فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ قال: في قبره. وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ قال: في الآخرة وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُكَذِّبِينَ اَلضّالِّينَ- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ في قبره. وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ في الآخرة.
الأخبار
1-قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام: من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج و المسائلة في القبر و الشفاعة. (1)
بيان:
في الوافي، البرزخ: هي الحالة التي تكون بين الموت و البعث، و هي مدّة مفارقة الروح لهذا البدن المحسوس إلى وقت العود إليه أعني زمان القبر، و يكون الروح في هذه المدّة في بدنها المثاليّ الذي يرى الإنسان نفسه فيه في النوم، و في الحديث النبويّ: «النوم أخ الموت» . و في القرآن: اَللّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ اَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ اَلَّتِي قَضى عَلَيْهَا اَلْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ اَلْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى (2). . .
و في البحار ج 6 ص 270: اعلم أنّ الذي ظهر من الآيات الكثيرة و الأخبار المستفيضة و البراهين القاطعة هو أنّ النفس باقية بعد الموت، إمّا معذّبة إن كان ممّن محض الكفر، أو منعّمة إن كان ممّن محض الإيمان، أو يلهى عنه إن كان
ص:258
من المستضعفين، و يردّ إليه الحياة في القبر إمّا كاملا أو إلى بعض بدنه كما مرّ في بعض الأخبار، و يسأل بعضهم عن بعض العقائد و بعض الأعمال، و يثاب و يعاقب بحسب ذلك، و تضغط أجساد بعضهم و إنّما السؤال و الضغطة في الأجساد الأصليّة و قد يرتفعان عن بعض المؤمنين كمن لقّن كما سيأتي، أو مات في ليلة الجمعة أو يومها أو غير ذلك ممّا مرّ و سيأتي في تضاعيف أخبار هذا الكتاب.
ثمّ تتعلّق الروح بالأجساد المثاليّة اللطيفة الشبيهة بأجسام الجنّ و الملائكة المضاهية في الصورة للأبدان الأصليّة فينعّم و يعذّب فيها، و لا يبعد أن يصل إليه الآلام ببعض ما يقع على الأبدان الأصليّة لسبق تعلّقه بها، و بذلك يستقيم جميع ما ورد في ثواب القبر و عذابه و اتّساع القبر و ضيقه، و حركة الروح و طيرانه في الهواء و زيارته لأهله، و رؤية الأئمّة عليهم السّلام بأشكالهم، و مشاهدة أعدائهم معذّبين، و سائر ما ورد في أمثال ذلك ممّا مرّ و سيأتي، فالمراد بالقبر في أكثر الأخبار ما يكون الروح فيه في عالم البرزخ. . .
ثمّ اعلم أنّ عذاب البرزخ و ثوابه ممّا اتّفقت عليه الأمّة سلفا و خلفا، و قال به أكثر أهل الملل و لم ينكره من المسلمين إلاّ شرذمة قليلة لا عبرة بهم و قد انعقد الإجماع على خلافهم سابقا و لا حقا، و الأحاديث الواردة فيه من طرق العامّة و الخاصّة متواترة المضمون و كذا بقاء النفوس بعد خراب الأبدان مذهب أكثر العقلاء من المليّين و الفلاسفة و لم ينكره إلاّ فرقة قليلة. . .
و فى حقّ اليقين لشبّر رحمه اللّه (ج 2 ص 68) «الفائدة الثانية» : اعلم أنّ عذاب البرزخ و ثوابه قد انعقد عليه إجماع المسلمين بل لعلّه من ضروريّات الدين و منكره كافر و لم ينكره إلاّ شرذمة قليلة ممّن يدّعى الإسلام و قد انعقد الإجماع على خلافهم سابقا و لا حقا و كذا بقاء النفوس بعد الموت. . .
2-عن سماعة بن مهران عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام أنّه قال: إنّ العبد إذا كثرت ذنوبه و لم يجد ما يكفّرها به ابتلاه اللّه عزّ و جلّ بالحزن في الدنيا ليكفّرها
ص:259
به، فإن فعل ذلك به و إلاّ اسقم بدنه ليكفّرها به، فإن فعل ذلك به و إلاّ شدّد عليه عند موته ليكفّرها به، فإن فعل ذلك به و إلاّ عذّبه في قبره ليلقى اللّه عزّ و جلّ يوم يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من ذنوبه. (1)
3-عن جابر عن أبي جعفر عن عليّ بن الحسين عن أبيه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حبّي و حبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن، أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة و في القبر و عند النشور و عند الكتاب و عند الحساب و عند الميزان و عند الصراط. (2)
4-عن أبان بن تغلب عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام أنّه قال: من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه اللّه من ضغطة القبر. (3)
بيان:
في المصباح: ضغطه ضغطا من باب نفع: زحمه إلى حائط و عصره، و منه: «ضغطة القبر» لأنّه يضيق على الميّت، و الضغطة: الشدّة.
5-عن موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال: إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره، فإذا أدخل قبره أتاه منكر و نكير فيقعدانه و يقولان له: من ربّك و ما دينك و من نبيّك؟ فيقول: ربّي اللّه و محمّد نبيّي و الإسلام ديني فيفسحان له في قبره مدّ بصره و يأتيانه بالطعام من الجنّة و يدخلان عليه الروح و الريحان و ذلك قوله عزّ و جلّ: فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ - فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ يعني في قبره وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ يعني في الآخرة.
ثمّ قال عليه السّلام: إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره و أنّه
ص:260
ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شيء إلاّ الثقلان و يقول: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ اَلْمُحْسِنِينَ (1)و يقول: اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ فتجيبه الزبانية كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها (2)و يناديهم ملك لو ردّ لعاد لما نهي عنه، فإذا أدخل قبره و فارقه الناس أتاه منكر و نكير في أهول صورة فيقيمانه ثمّ يقولان له: من ربّك و ما دينك و من نبيّك؟ فيتلجلج لسانه و لا يقدر على الجواب فيضربانه ضربة من عذاب اللّه يذعر لها كلّ شيء، ثمّ يقولان له: من ربّك و ما دينك و من نبيّك؟ فيقول: لا أدرى. فيقولان له: لا دريت و لا هديت و لا أفلحت، ثمّ يفتحان له بابا إلى النار و ينزلان إليه الحميم من جهنّم و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أَمّا إِنْ كانَ مِنَ اَلْمُكَذِّبِينَ اَلضّالِّينَ- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ يعني في القبر وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ يعني في الآخرة. (3)
بيان:
«فيفسحان له» فسح له في المجلس: وسّع له، فسح المكان وسع، و الفسحة: السعة «الزبانية» أي الملائكة الموكّلون بالنار. «في أهول صورة» : هاله الشيء يهوله هولا:
أفزعه. «يتلجلج» : أي يثقل لسانه و يتردّد في كلامه. «يذعر» : ذعره أي أفزعه و ذعر أي خاف و دهش. «الحميم» : أي الماء الشديد الحرارة، يسقى منه أهل النار أو يصبّ على أبدانهم، و الأنسب بالنزل السقي.
«تصلية جحيم» في البحار ج 6 ص 228، التصلية: التلويح على النار. «لا دريت و لا هديت» في الوافي: دعاء منهما عليه يعني لم تزل جاهلا غير دار شيئا ضالاّ غير مهتد إلى شيء.
ص:261
6-عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال: عذاب القبر يكون من النميمة، و البول، و عزب الرجل عن أهله. (1)
7-عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم. (2)
8- يُثَبِّتُ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ اَلثّابِتِ قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا و أوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له أهله و ماله و ولده و عمله، فيلتفت إلى ماله فيقول: و اللّه إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا فما عندك؟ فيقول: خذ منّي كفنك. ثمّ يلتفت إلى ولده فيقول: و اللّه إنّي كنت لكم لمحبّا و إنّي كنت عليكم لمحاميا فما ذا عندكم؟ فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك و نواريك فيها، ثمّ يلتفت إلى عمله فيقول: و اللّه إنّي كنت فيك لزاهدا و إنّك كنت عليّ لثقيلا فما ذا عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك و يوم حشرك حتّى أعرض أنا و أنت على ربّك.
فإن كان للّه وليّا أتاه أطيب الناس ريحا و أحسنهم منظرا و أزينهم رياشا فيقول: أبشر بروح من اللّه و ريحان و جنّة نعيم و قد قدمت خير مقدم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح ارتحل من الدنيا إلى الجنّة، و إنّه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يعجّله. . .
و إذا كان لربّه عدوّا فإنّه يأتيه أقبح خلق اللّه رياشا و انتنه ريحا فيقول له: من أنت؟ فيقول له: أنا عملك أبشر فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ و إنّه ليعرف غاسله و يناشد حامله أن يحبسه، فإذا ادخل قبره اتياه مفتحيا القبر فالقيا أكفانه ثمّ قالا له: من ربّك و من نبيّك و ما دينك؟ فيقول: لا أدري فيقولان له: لا دريت
ص:262
و لا هديت، فيضربانه بمرزبة ضربة ما خلق اللّه دابّة إلاّ و تذعر لها ما خلا الثقلين، ثمّ يفتحان له بابا إلى النار، ثمّ يقولان له: نم بشرّ حال، فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزجّ حتّى أنّ دماغه يخرج ممّا بين ظفره و لحمه و يسلّط عليه حيّات الأرض و عقاربها و هوامّها فتنهشه حتّى يبعثه اللّه من قبره، و إنّه ليتمنّى قيام الساعة ممّا هو فيه من الشرّ. (1)
بيان:
«الرياش» : اللباس الفاخر. «المرزبة» : عصيّة من حديد. «الثقلين» : الإنس و الجنّ، و في الوافي: و إنّما سمّيا بالثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى ما في الأرض من الحيوانات. «القنا» : يقال بالفارسيّة: نيزه. «الزجّ» يقال بالفارسيّة: آهن بن نيزه.
9- وَ لا تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّهِ أَمْواتاً عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: هم و اللّه شيعتنا إذا دخلوا الجنّة و استقبلوا الكرامة من اللّه استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين في الدنيا.
أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ و هو ردّ على من يبطل الثواب و العقاب بعد الموت. (2)
بيان:
«هو ردّ على من. . .» أي في البرزخ، و أمّا الثواب و العقاب في الآخرة فلا ينكرهما أحد من المسلمين.
10- وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ: . . . قال الصادق عليه السّلام: و اللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم.
ص:263
و قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: إنّ القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران. (1)
11-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و بادروا الموت و غمراته، و امهدوا له قبل حلوله و أعدّوا له قبل نزوله، فإنّ الغاية القيامة، و كفى بذلك واعظا لمن عقل، و معتبرا لمن جهل، و قبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الأرماس و شدّة الإبلاس و هول المطّلع و روعات الفزع و اختلاف الأضلاع و استكاك الأسماع و ظلمة اللحد و خيفة الوعد و غمّ الضريح و ردم الصفيح. (2)
بيان:
«الغمرة» : جمع غمرات و هي الشدّة و غمرات الموت؛ مكارهه و شدائده.
«الرمس» : جمع أرماس و هو القبر. «الإبلاس» : اليأس و الانكسار و الحزن.
«هول المطّلع» : المراد هنا ما يشرف عليه الإنسان من أمر الآخرة عقيب الموت و منزلة البرزخ. «اختلاف الأضلاع» : كناية عن ضغطة القبر، إذ يحصل بسببها تداخل الأضلاع و اختلافها. «استكاك الأسماع» : صممها من التراب أو الأصوات الهائلة. «الضريح» : القبر. «الردم» : السدّ. «الصفيح» : الحجر العريض و المراد ما يسدّ به القبر. (البحار ج 6 ص 244 و صبحي ص 648)
12-في حكم موسى بن جعفر عليه السّلام، قال عليه السّلام عند قبر حضره: إنّ شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوّله، و إنّ شيئا هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره. (3)
13-عن داود الرقّي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من أحبّ أن يخفّف اللّه عزّ و جلّ عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولا و بوالديه بارّا، فإذا كان
ص:264
كذلك هوّن اللّه عزّ و جلّ عليه سكرات الموت و لم يصبه في حياته فقر أبدا. (1)
14-عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: دخل عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام مقبرة و معه أصحابه فنادى: يا أهل التربة، و يا أهل الغربة، و يا أهل الخمود، و يا أهل الهمود، أمّا أخبار ما عندنا؛ فأمّا أموالكم قد قسّمت و نساؤكم قد نكحت و دوركم قد سكنت، فما خبر ما عندكم؟ ثمّ التفت إلى أصحابه و قال: أما و اللّه لو يؤذن لهم في الكلام لقالوا: لم يتزوّد مثل التقوى زاد، خير الزاد التقوى. (2)
أقول:
و يأتي في باب القبر عن نهج البلاغة باختلاف يسير.
بيان: «أهل الخمود» في البحار ج 102 ص 296، خمود النار: سكون لهبها و يقال:
أخمد إذا سكن و سكت، و الهمود: الموت، و طفؤ النار أو ذهاب حرارتها و الهامد:
البالي المسوّد المتغيّر.
15-عن الزهري قال: قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، و الساعة التي يقوم فيها من قبره، و الساعة التي يقف فيها بين يدي اللّه تبارك و تعالى، فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى النار.
ثمّ قال: إن نجوت يا ابن آدم، عند الموت فأنت أنت و إلاّ هلكت، و إن نجوت يابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت و إلاّ هلكت، و إن نجوت حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت و إلاّ هلكت، و إن نجوت حين يقوم الناس لربّ العالمين فأنت أنت و إلاّ هلكت.
ص:265
ثمّ تلا وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال: هو القبر و إنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا، و اللّه إنّ القبر لروضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار.
ثمّ أقبل على رجل من جلسائه فقال له: لقد علم ساكن السماء ساكن الجنّة من ساكن النار، فأيّ الرجلين أنت، و أيّ الدارين دارك؟ (1)
بيان:
«الضنك» : الضيّق من كلّ شيء.
16-قال أبو بصير: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا ماتت، قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبرها، فرفع يده تلقاء السماء و دمعت عيناه، فقالوا له: يا رسول اللّه، إنّا قد رأيناك رفعت رأسك إلى السماء و دمعت عيناك، فقال: إنّي سألت ربّي أن يهب لي رقيّة من ضمّة القبر. (2)
بيان:
«ضمّة القبر» : شدّته و عصرته.
17-فيما كتب أمير المؤمنين عليه السّلام لمحمّد بن أبي بكر: يا عباد اللّه، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشدّ من الموت، القبر فاحذروا ضيقه و ضنكه و ظلمته و غربته، إنّ القبر يقول كلّ يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود و الهوامّ، و القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران.
إنّ العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض: مرحبا و أهلا، قد كنت ممّن أحبّ أن تمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فيتّسع له مدّ البصر.
و إنّ الكافر إذا دفن قالت له الأرض: لا مرحبا و لا أهلا، لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري، فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتضمّه حتّى تلتقي
ص:266
أضلاعه.
و إنّ المعيشة الضنك التي حذّر اللّه منها عدوّه عذاب القبر، إنّه يسلّط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنّينا فينهشن لحمه و يكسرن عظمه، يتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أنّ تنّينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا.
يا عباد اللّه، إنّ أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم و أنفسكم ممّا لا طاقة لكم به و لا صبر لكم عليه، فاعملوا بما أحبّ اللّه و اتركوا ما كره اللّه. (1)
بيان:
«وليتك» : إمّا من ولى فلانا: دنا منه و قرب أو من ولى يلي ولاية الشيء: قام به و ملك أمره. «التنّين» : حيّة عظيمة، و في الوافي: تسلّط التنّين على روح الكافر بهذا العدد المخصوص، ممّا رواه العامّة أيضا.
قيل: لعلّ عددها بإزاء عدد الصفات المذمومة من الكبر و الرياء و الحسد و نحوها، فإنّ كلاّ منها ينقلب تنّينا في تلك النشأة.
«الضلع» : جمع أضلاع، و المعنى بالفارسيّة: استخوان پهلو. و تلتقي الأضلاع؛ كناية عن شدّة ضغطة القبر. «الناعمة» يقال بالفارسيّة: ناز پرورده.
18-عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:
إنّ سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد و هو قائم على عضادة الباب، فلمّا أن حنّط و كفّن و حمل على سريرة تبعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلا حذاء و لا رداء، ثمّ كان يأخذ يمنة السرير مرّة و يسرة السرير مرّة حتّى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى لحّده و سوّى اللبن عليه و جعل يقول: ناولوني حجرا، ناولوني ترابا رطبا؛ يسدّ به ما بين اللبن، فلمّا
ص:267
أن فرغ وحثا التراب عليه و سوّى قبره، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّي لأعلم أنّه سيبلى و يصل البلى إليه، و لكنّ اللّه يحبّ عبدا إذا عمل عملا أحكمه.
فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت امّ سعد: يا سعد، هنيئا لك الجنّة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا امّ سعد، مه لا تجزمي على ربّك فإنّ سعدا قد أصابته ضمّة؛ قال:
فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و رجع الناس.
فقالوا له: يا رسول اللّه، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنّك تبعت جنازته بلارداء و لا حذاء، فقال صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الملائكة كانت بلا رداء و لاحذاء فتأسّيت بها، قالوا: و كنت تأخذ يمنة السرير مرّة، و يسرة السرير مرّة، قال: كانت يدى في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله و صلّيت على جنازته و لحّدته في قبره ثمّ قلت: إنّ سعدا قد أصابته ضمّة! قال: فقال صلّى اللّه عليه و آله:
نعم إنّه كان في خلقه مع أهله سوء. (1)
بيان:
«عضادتا الباب» : خشبتاه من جانبيه. «الحذاء» : النعل. «اللبن» : المضروب من الطين مربّعا للبناء (خشت) .
19-عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مرّ عيسى بن مريم عليه السّلام بقبر يعذّب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب فقال:
يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب، ثمّ مررت به العام فإذا هو ليس يعذّب؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا روح اللّه، إنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا و آوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه. (2)
20-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اقعد رجل من الأخيار في قبره، فقيل له: إنّا
ص:268
جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه، فقال: لا اطيقها، فلم يزالوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة فقالوا: ليس منها بدّ، قال: فبما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك لأنّك صلّيت يوما بغير وضوء، و مررت على ضعيف فلم تنصره؛ قال: فجلدوه جلدة من عذاب اللّه عزّ و جلّ فامتلأ قبره نارا. (1)
21-عن بشير النبّال قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: خاطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبر سعد فمسحه بيده و اختلج بين كتفيه، فقيل له: يا رسول اللّه، رأيناك خاطبت و اختلج بين كتفيك و قلت: سعد يفعل به هذا! فقال: إنّه ليس من مؤمن إلاّ و له ضمّة. (2)
بيان:
«اختلج» : انتقض (تكان خورد) و في المصباح، اختلج العضو: اضطرب.
22-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه و الزكاة عن يساره، و البرّ مطلّ عليه، و يتنحّى الصبر ناحية؛ قال: فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة و الزكاة و البرّ: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه. (3)
بيان:
قال رحمه اللّه: أطلّ عليه: أشرف، و في بعض النسخ: بالظاء المعجمة.
في المرآة ج 8 ص 133: و البرّ يطلق على مطلق أعمال الخير و على مطلق الإحسان إلى الغير و على الإحسان إلى الوالدين أو إليهما و إلى ذوي الأرحام و المراد هنا أحد المعاني سوى المعنى الأوّل «دونكم» اسم فعل بمعنى خذوا.
23-قال أبو جعفر عليه السّلام: بلغني أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: من مات يوم الجمعة أو
ص:269
ليلة الجمعة رفع عنه عذاب القبر. (1)
24-عن زرّبن حبيش قال: سمعت عليّا عليه السّلام يقول: إنّ العبد إذا أدخل حفرته أتاه ملكان اسمهما منكر و نكير، فأوّل من يسألانه عن ربّه ثمّ عن نبيّه ثمّ عن وليّه، فإن أجاب نجا و إن عجز عذّباه.
فقال له رجل: ما لمن عرف ربّه و نبيّه و لم يعرف وليّه؟ فقال: مذبذب لا إلى هؤلاء، و لا إلى هؤلاء وَ مَنْ يُضْلِلِ اَللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (2)ذلك لا سبيل له. . . (3)
بيان:
«المذبذب» : المتحيّر و المتردّد بين أمرين.
25-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ جلّ عذاب القبر في البول. (4)
26-عن إبراهيم بن إسحاق قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أين أرواح المؤمنين؟ فقال: أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة، يأكلون من طعامها، و يشربون من شرابها، و يتزاورون فيها، و يقولون: ربّنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا. قال: قلت: فأين أرواح الكفّار؟ فقال: في حجرات النار، يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يتزاورون فيها، و يقولون: ربّنا لا تقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا. (5)
27-عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يسأل في القبر إلاّ
ص:270
من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، فقلت له: فسائر الناس؟ فقال: يلهى عنهم. (1)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، راجع فروع الكافي و غيره،
و المراد باللهو عنهم عدم التعرّض لهم بسؤال، و المعنى لا يسأل في القبر إلاّ المؤمن الخالص و الكافر الخالص.
28-لمّا ماتت فاطمة بنت أسد امّ أمير المؤمنين عليه السّلام أقبل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام باكيا فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ما يبكيك؟ لا أبكى اللّه عينك. قال: توفّت والدتي يا رسول اللّه، قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: بل و والدتي يا عليّ، فلقد كانت تجوّع أولادها و تشبعني و تشعّث أولادها و تدهنني، و اللّه لقد كان في دار أبي طالب نخلة، فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط، ثمّ تجنيه رضي اللّه عنها فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك.
ثمّ نهض عليه السّلام فأخذ في جهازها و كفّنها بقميصه صلّى اللّه عليه و آله، و كان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما و يتأنّى في رفع الآخر و هو حافي القدم، فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة، ثمّ لحّدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها، و لقّنها الشهادة، فلمّا اهيل عليها التراب و أراد الناس الانصراف، جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لها: ابنك ابنك ابنك: لا جعفر و لا عقيل، ابنك ابنك: عليّ بن أبي طالب.
قالوا: يا رسول اللّه، فعلت فعلا ما رأينا مثله قطّ؛ مشيك حافي القدم و كبّرت سبعين تكبيرة و نومك في لحدها و قميصك عليها و قولك لها: ابنك ابنك لا جعفر و لا عقيل؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: أمّا التأنّي في وضع أقدامي و رفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة، و أمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّها صلّى عليها سبعون
ص:271
صفّا من الملائكة، و أمّا نومي في لحدها فإنّي ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت: و اضعفاه، فنمت في لحدها لأجل ذلك حتّى كفيتها ذلك، و أمّا تكفيني لها بقميصي فإنّي ذكرت لها في حياتها القيامة و حشر الناس عراة فقالت: و اسوأتاه، فكفّنتها به لتقوم يوم القيامة مستورة.
و أمّا قولي لها: ابنك ابنك، لا جعفر و لا عقيل فإنّها لمّا نزل عليها الملكان و سألاها عن ربّها فقالت: اللّه ربّي، و قالا: من نبيّك؟ قالت: محمّد نبيّي، فقالا:
من وليّك و إمامك؟ فاستحيت أن تقول ولدي، فقلت لها: قولي: ابنك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأقرّ اللّه بذلك عينها. (1)
بيان:
التقط الشيء: جمعه من هنا إلى ههنا. «تجنيه» جنى الثمر: تناوله من شجرته.
«اهيل عليها» : أي صبّ عليها.
29-روى أصحابنا أنّ أبا الحسن الرضا عليه السّلام قال بعد موت ابن أبي حمزة:
إنّه اقعد في قبره فسئل عن الأئمّة عليهم السّلام فأخبر بأسمائهم حتّى انتهى إليّ، فسئل فوقف، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا. (2)
أقول:
علي بن أبي حمزة البطائني: روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السّلام، ثمّ وقف على الرضا عليه السّلام و هو أحد عمد الواقفة، و قيل: كان هو أحد قوام أبي الحسن الموسى عليه السّلام و كان عنده ثلاثون ألف دينار، و لم يردّ المال إلى الرضا عليه السّلام و كان ذلك سبب وقوفه و جهوده.
30-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ القبر أوّل منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده
ص:272
أيسر منه، و إن لم ينج منه فما بعده ليس أقلّ منه. (1)
31-قال أبو جعفر عليه السّلام: من أتمّ ركوعه لم يدخله وحشة القبر.
و روى ابن عباس: عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث للغيبة و ثلث للنميمة و ثلث للبول. (2)
32-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن و لا كافر إلاّ و هو يأتي أهله عند زوال الشمس، فإذا رأى أهله يعملون بالصالحات حمد اللّه على ذلك، و إذا رأى الكافر أهله يعملون بالصالحات كانت عليه حسرة. (3)
33-عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: سألته عن الميّت يزور أهله؟ قال: نعم فقلت: في كم يزور؟ قال: في الجمعة و في الشهر و في السنة على قدر منزلته، فقلت: في أيّ صورة يأتيهم؟ قال: في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم و يشرف عليهم، فإن رأهم بخير فرح، و إن رآهم بشرّ و حاجة و حزن اغتمّ. (4)
34-عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السّلام: يزور المؤمن أهله؟ فقال: نعم، فقلت: في كم؟ قال: على قدر فضائلهم، منهم من يزور في كلّ يوم، و منهم من يزور في كلّ يومين، و منهم من يزور في كلّ ثلاثة أيّام.
قال: ثمّ رأيت في مجرى كلامه أنّه يقول: أدناهم منزلة يزور كلّ جمعة، قال: قلت: في أيّ ساعة؟ قال: عند زوال الشمس و مثل ذلك. قال: قلت:
في أىّ صورة؟ قال: في صورة العصفور أو أصغر من ذلك، يبعث اللّه عزّ و جلّ معه ملكا فيريه ما يسرّه و يستر عنه ما يكره فيرى ما يسرّه و يرجع إلى قرّة
ص:273
عين. (1)
35-عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال: نعوذ باللّه منها، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر! إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه و قال للناس: إنّي ذكرت هذه و ما لقيت، فرققت لها و استوهبتها من ضغطة القبر.
قال: فقال: اللهمّ هب لي رقيّة من ضغطة القبر فوهبها اللّه له.
قال: و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج في جنازة سعد و قد شيّعه سبعون ألف ملك فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه إلى السماء ثمّ قال: مثل سعد يضمّ؟ قال: قلت: جعلت فداك، إنّا نحدّث أنّه كان يستخفّ بالبول، فقال: معاذ اللّه إنّما كان من زعارة في خلقه على أهله. قال: فقالت امّ سعد: هنيئا لك يا سعد، قال: فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا امّ سعد، لا تحتمي على اللّه. (2)
بيان:
«يفلت» الإفلات: الخلاص. «الزعارة» : سوء الخلق. «لا تحتمي» حتمت عليه الشيء: أوجبت. (المرآة ج 14 ص 208)
36-قال أبو الحسن موسى عليه السّلام: يقال للمؤمن في قبره: من ربّك؟ قال:
فيقول: أللّه، فيقال له: ما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيقال: من نبيّك؟ فيقول: محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فيقال: من إمامك؟ فيقول فلان. فيقال: كيف علمت بذلك؟ فيقول: أمر هداني اللّه له و ثبّتني عليه، فيقال له: نم نومة لا حلم فيها نومة العروس، ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيدخل إليه من روحها و ريحانها، فيقول: يا ربّ، عجّل قيام الساعة لعليّ أرجع إلى أهلي و مالي.
ص:274
و يقال للكافر: من ربّك؟ فيقول: اللّه، فيقال: من نبيّك؟ فيقول: محمّد، فيقال:
ما دينك؟ فيقول: الإسلام، فيقال: من أين علمت ذلك؟ فيقول: سمعت الناس يقولون فقلت. فيضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها الثقلان-الإنس و الجنّ- لم يطيقوها. قال: فيذوب كما يذوب الرصاص، ثمّ يعيدان فيه الروح فيوضع قلبه بين لوحين من نار فيقول: يا ربّ، أخّر قيام الساعة. (1)
بيان:
«لا حلم فيها» في النهاية ج 1 ص 434: الرؤيا و الحلم عبارة عمّا يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير و الشيء الحسن، و غلب الحلم على ما يراه من الشرّ و القبيح.
فالمراد بنفيه؛ نفي ما يكره من النوم. قال الفيض رحمه اللّه: و يمكن نفي النوم مطلقا لأنّه نوع من الموت المشعر بقلّة الحيوة. . . فالنوم بمعنى الاستراحة و الإطمينان و التمدّد كما يطلق في العرف.
«نومة العروس» قال الجوهري: العروس نعت يستوي فيه الرجل و المرأة ما داما في إعراسهما. و فى مجمع البحرين (عرس) : إنما ضرب المثل بنومة العروس لأنّ الإنسان أعزّ ما يكون في أهله و ذويه و أرغد و أنعم إذا كان في ليلة الأعراس، حتّى أنّ من أمثالهم"كاد العروس أن يكون أميرا".
و قال العلاّمة المجلسيّ رحمه اللّه: هذا الخبر يدلّ على أنّ إسلام المخالفين لعدم توسّلهم بأئمّة الهدى عليهم السّلام ظنّي تقليديّ لم يهدهم اللّه للرسوخ فيه، و إنّما الهداية و اليقين مع متابعتهم عليهم السّلام.
37-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يسأل الميّت في قبره عن خمس: عن صلاته و زكاته و حجّه و صيامه و ولايته إيّانا أهل البيت، فتقول الولاية عن جانب القبر
ص:275
للأربع: ما دخل فيكنّ من نقص فعليّ تمامه. (1)
38-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انّ للقبر كلاما في كلّ يوم، يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار. (2)
39-عن عمرو بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي سمعتك و أنت تقول: كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم، قال: صدّقتك، كلّهم و اللّه في الجنّة، قال: قلت: جعلت فداك، إنّ الذنوب كثيرة كبائر، فقال: أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبيّ المطاع أو وصيّ النبيّ، و لكنّي و اللّه أتخوّف عليكم في البرزخ، قلت: و ما البرزخ؟ قال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة. (3)
40-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّ أخي ببغداد و أخاف أن يموت بها، فقال: ما تبالي حيثما مات، أما إنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض و غربها إلاّ حشر اللّه روحه إلى وادي السّلام، فقلت له: و أين وادي السّلام؟ قال: ظهر الكوفة، أما إنّي كأنّي بهم حلق حلق قعود يتحدّثون. (4)
أقول:
بهذا المعنى أخبار عديدة تدلّ على أنّ جنّة الدنيا في وادي السّلام بالنجف، و أرواح المؤمنين يتنعّمون فيها.
41-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا مات الميّت اجتمعوا عنده يسألونه عمّن مضى و عمّن بقي، فإن كان مات و لم يرد عليهم قالوا: قد هوى هوى،
ص:276
و يقول بعضهم لبعض: دعوه حتّى يسكن ممّا مرّ عليه من الموت. (1)
بيان:
«هوى» أي هلك و يقال: هوى أي سقط من علوّ إلى أسفل، و المعنى سقط إلى دركات الجحيم.
42-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ من وراء اليمن واديا يقال له: وادي برهوت، و لا يجاور ذلك الوادي إلاّ الحيّات السود و البوم من الطير، في ذلك الوادي بئر يقال لها: بلهوت، يغدي و يراح إليها بأرواح المشركين، يسقون من ماء الصديد. (2)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، مدلولها: إنّ جهنّم الدنيا وادي برهوت في حضرموت باليمن و أرواح الكفّار و المشركين يعذّبون فيه.
43-. . . قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أكثروا الصلاة عليّ، فإنّ الصلاة عليّ نور في القبر، و نور على الصراط، و نور في الجنّة.
و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من قرء سورة «ن» في فريضة أو نافلة أعاذه اللّه من ضمّة القبر.
و أوحى اللّه إلى موسى عليه السّلام: قم في ظلمة الليل، أجعل قبرك روضة من رياض الجنّة.
. . . و قال أبو جعفر عليه السّلام: من أتمّ ركوعه لم يدخله وحشة في القبر. (3)
أقول:
في سفينة البحار ج 2 ص 397(قبر) : قال الرضا عليه السّلام: عليكم بصلاة الليل، فما
ص:277
من عبد يقوم آخر الليل فيصلّي ثمان ركعات و ركعتي الشفع و ركعة الوتر و استغفر اللّه في قنوته سبعين مرة إلاّ اجير من عذاب القبر، و من عذاب النار، و مدّ له في عمره و وسّع عليه في معيشته.
ص:278
و فيه فصلان:
الآيات
1- وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى اَلرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ اَلدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ اَلْحَقِّ. . . (1)
2- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. (2)
3- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً. (3)
4- . . . إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ اَلرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا. (4)
ص:279
5- أَ فَمِنْ هذَا اَلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ- وَ تَضْحَكُونَ وَ لا تَبْكُونَ. (1)
الأخبار
1-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما من عين إلاّ و هي باكية يوم القيامة إلاّ عينا بكت من خوف اللّه، و ما اغر و رقت عين بمائها من خشية اللّه عزّ و جلّ إلاّ حرّم اللّه عزّ و جلّ سائر جسده على النار، و لا فاضت على خدّه فرهق ذلك الوجه قتر و لاذلّة، و ما من شيء إلاّ و له كيل و وزن إلاّ الدمعة، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يطفئ باليسير منها البحار من النار، فلو أنّ عبدا بكى في امّة لرحم اللّه عزّ و جلّ تلك الامّة ببكاء ذلك العبد. (2)
بيان:
في القاموس، «اغر و رقت عيناه» : دمعتا كأنّها غرقت في دمعها.
و المراد هنا إمتلاء العين بالماء قبل أن يجري على الوجه.
«رهق» قال الجوهري: رهقه أي غشيه. «القتر» الغبار. و قال الراغب: قوله تعالى:
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (3)نحو غبرة و ذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكرب.
2-عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ما من قطرة أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من اللّه لا يراد بها غيره. (4)
3-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثة: عين غضّت عن محارم اللّه و عين سهرت في طاعة اللّه و عين بكت في جوف الليل من خشية
ص:280
اللّه. (1)
بيان:
في القاموس، غضّ طرفه: أي خفضه و احتمل المكروه (چشم پوشيدن) .
في المرآة ج 12 ص 53، «عين سهرت» أي تركت النوم قدرا معتدّا به زيادة عن العادة في طاعة اللّه كالصلاة و التلاوة و الدعاء و مطالعة العلوم الدينيّة و في طريق الجهاد و الحجّ و الزيارات و كلّ طاعة للّه سبحانه.
«جوف الليل» : وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم فيه.
4-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى موسى عليه السّلام: أنّ عبادي لم يتقرّبوا إليّ بشيء أحبّ إليّ من ثلاث خصال، قال موسى: يا ربّ، و ما هنّ؟ قال: يا موسى، الزهد في الدنيا و الورع عن المعاصي و البكاء من خشيتي. قال موسى: يا ربّ، فما لمن صنع ذا؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا موسى، أمّا الزاهدون في الدنيا ففي الجنّة، و أمّا البكّاؤون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد، و أمّا الورعون عن معاصيّ فإنّي افتّش الناس و لا افتّشهم. (2)
بيان:
«الرفيع الأعلى» : هو المكان الرفيع الذي هو أرفع المنازل في الجنّة و هو مسكن الأنبياء و الأولياء. «التفتيش» : الطلب و الفحص عن أحوال الناس، و المراد بعدم التفتيش إدخالهم الجنّة بغير حساب.
5-عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أكون أدعو فأشتهي البكاء و لا يجيئني، و ربّما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقّ و أبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم فتذكّرهم فإذا رققت فابك و ادع ربّك تبارك و تعالى. (3)
ص:281
6-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخّ بخّ. (1)
بيان:
في النهاية: «بخّ بخّ» هي كلمة تقال عند المدح و الرضى بالشيء، و تكرّر للمبالغة، . . . و معناها تعظيم الأمر و تفخيمه.
7-قال أبو الحسن الأوّل عليه السّلام: كان يحيى بن زكريّا عليهما السّلام يبكي و لا يضحك، و كان عيسى بن مريم عليهما السّلام يضحك و يبكي، و كان الذي يصنع عيسى عليه السّلام أفضل من الذي كان يصنع يحيى عليه السّلام. (2)
8-عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام قال: أوحى اللّه إلى عيسى بن مريم: يا عيسى، هب لي من عينيك الدموع و من قلبك الخشوع و اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطّالون، و قم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلّك تأخذ موعظتك منهم، و قل: إنّي لاحق في اللاحقين. (3)
بيان:
«البطّالون» يقال بالفارسيّة: بيهوده كاران.
9-عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال: قال الصادق عليه السّلام: كم ممّن كثر ضحكه لاعبا يكثر يوم القيامة بكاؤه، و كم ممّن كثر بكاؤه على ذنبه خائفا يكثر يوم القيامة في الجنّة سروره و ضحكه. (4)
10-عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من علامات الشقاء جمود العين و قسوة القلب و شدّة الحرص في طلب
ص:282
الرزق (الدنيا ف ن) و الإصرار على الذنب. (1)
11-عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: طوبى لمن كان صمته فكرا، و نظره عبرا، و وسعه بيته، و بكى على خطيئته و سلم الناس من يده و لسانه. (2)
بيان:
«وسعه بيته» : كناية عن ملازمة العبد لبيته و عدم ضيق البيت عليه.
12-عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سبعة في ظلّ عرش اللّه عزّ و جلّ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه (و عدّ صلّى اللّه عليه و آله منها) : و رجل ذكر اللّه عزّ و جلّ خاليا ففاضت عيناه من خشية اللّه عزّ و جلّ. (3)
بيان:
في المقائيس (خلو) : أصل واحد يدلّ على تعرّى الشيء من الشيء انتهى. و المراد خالصا من أيّ شائبة.
13-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: بكى شعيب عليه السّلام من حبّ اللّه عزّ و جلّ حتّى عمي، فردّ اللّه عزّ و جلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي، فردّ اللّه عليه بصره، ثمّ بكى حتّى عمي، فردّ اللّه عليه بصره، فلمّا كانت الرابعة أوحى اللّه إليه: يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبدا منك، إن يكن هذا خوفا من النار فقد آجرتك و إن يكن شوقا إلى الجنّة فقد أبحتك. قال: إلهي و سيّدي، أنت تعلم أنّي ما بكيت خوفا من نارك و لا شوقا إلى جنّتك و لكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك.
فأوحى اللّه جلّ جلاله إليه: أمّا إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك
ص:283
كليمي موسى بن عمران عليه السّلام. (1)
بيان:
«آجرتك» : أي انقذتك. «أو أراك» : كلمة"أو"بمعنى"إلى أن"أو"إلاّ أن"و المعنى إلى أن يحصل لي غاية العرفان و الإيقان المعبّر عنها بالرؤية و هي رؤية القلب لا البصر، و الحاصل طلب كمال المعرفة، و قيل: يمكن أن يكون كناية عن الموت أي أبكي إلى أن أموت. (راجع البحار ج 12 ص 381)
14-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بكاء العيون و خشية القلوب من رحمة اللّه تعالى، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، و لو أنّ عبدا بكى في امّة لرحم اللّه تعالى تلك الامّة لبكاء ذلك العبد. (2)
15-و روي أنّ الكاظم عليه السّلام كان يبكي من خشية اللّه حتّى تخضل لحيته بالدموع. (3)
16-عن المفضّل بن عمر قال: قال الصادق عليه السّلام: حدّثني أبي عن أبيه عليهما السّلام: أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان أعبد الناس في زمانه و أزهدهم و أفضلهم، و كان إذا حجّ حجّ ماشيا و ربما مشى حافيا، و كان إذا ذكر الموت بكى، و إذا ذكر القبر بكى، و إذا ذكر البعث و النشور بكى، و إذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، و إذا ذكر العرض على اللّه-تعالى ذكره-شهق شهقة يغشى عليه منها، و كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ و جلّ، و كان إذا ذكر الجنّة و النار اضطرب اضطراب السليم، و يسأل اللّه الجنّة و تعوّذ به من النار. . . (4)
ص:284
أقول:
الأخبار في كثرة بكائهم عليهم السّلام كثيرة، لاحظ البحار و. . .
17-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البكاء من خشية اللّه يطفىء بحارا من غضب اللّه. (1)
18-قال الحسين عليه السّلام: ما دخلت على أبي قطّ إلاّ وجدته باكيا. (2)
19-قال (النبيّ) صلّى اللّه عليه و آله: من بكى من ذنب غفر [اللّه]له، و من بكى خوف النار أعاذه اللّه منها، و من بكى شوقا إلى الجنّة أسكنه اللّه فيها و كتب له أمانا من الفزع الأكبر، و من بكى من خشية اللّه حشره اللّه مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا. (3)
20-و قال صلّى اللّه عليه و آله: البكاء من خشية اللّه مفتاح الرحمة و علامة القبول و باب الإجابة. (4)
21-و قال صلّى اللّه عليه و آله: إذا بكى العبد من خشية اللّه تعالى تتحاتّ عنه الذنوب كما يتحاتّ الورق، فيبقي كيوم ولدته امّه. (5)
بيان:
«تتحاتّ. . .» : أي يمحو اللّه تعالى عنه الذنوب. يقال: تحاتّ الورق عن الشجر تناثر و تساقط.
22-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اسم نوح عبد الملك، و إنّما سمّي نوحا لأنّه
ص:285
بكى خمسمأة سنة. (1)
23-عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ عليهم السّلام (في خبر طويل) : و كان (النبيّ) صلّى اللّه عليه و آله يبكي حتّى يبتلّ مصلاّه، خشية من اللّه عزّ و جلّ من غير جرم. (2)
24-قال عليّ عليه السّلام: العبوديّة خمسة أشياء: خلاء البطن و قرائة القرآن و قيام الليل و التضرّع عند الصبح و البكاء من خشية اللّه. (3)
25-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حرمت النار على عين بكت من خشية اللّه. (4)
26-قال الحسين بن عليّ عليهما السّلام: البكاء من خشية اللّه نجاة من النار.
و قال عليه السّلام: بكاء العيون و خشية القلوب رحمة من اللّه. (5)
27-عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: طوبى لصورة نظر اللّه إليها تبكي على ذنب من خشية اللّه عزّ و جلّ، لم يطّلع على ذلك الذنب غيره. (6)
28-من خطّ الشهيد رحمه اللّه نقلا من كتاب زهد الصادق عليه السّلام عنه عليه السّلام قال:
بكى يحيى بن زكريّا عليهما السّلام حتّى ذهب لحم خدّيه من الدموع، فوضع على العظم لبودا يجري عليها الدموع، فقال له أبوه: يا بنيّ، إنّي سألت اللّه تعالى أن يهبك لي لتقرّ عيني بك، فقال: يا أبه، إنّ على نيران ربّنا معاثر، لا يجوزها إلاّ البكّاؤون من خشية اللّه عزّ و جلّ، و أتخوّف أن آتيها فأزلّ منها، فبكى زكريّا حتّى غشي
ص:286
عليه من البكاء. (1)
بيان:
اللبد: ج لبود يقال بالفارسيّة: نمد. «المعاثر» : واحده المعثر، و هو موضع العثرة أي السقطة (لغزشگاه) .
29-. . . فيما أوحى إلى عيسى عليه السّلام: يا عيسى بن البكر البتول، أبك على نفسك بكاء من قد ودّع الأهل، و قلى الدنيا و تركها لأهلها، و صارت رغبته فيما عند إلهه. (2)
بيان:
«قلى الدنيا» : أي أبغضها و تركها.
30-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عليّ بن عبد العزيز، لا يغرّنّك بكاؤهم، فإنّ التقوى في القلب. (3)
31-عن المفضّل قال: سألت جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن الطفل يضحك من غير عجب و يبكي من غير ألم، فقال: يا مفضّل، ما من طفل إلاّ و هو يرى الإمام و يناجيه، فبكاؤه لغيبة الإمام عنه، و ضحكه إذا أقبل إليه، حتّى إذا اطلق لسانه اغلق ذلك الباب عنه و ضرب على قلبه بالنسيان. (4)
32-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و أربعة أشهر الصلاة على النبيّ و آله، و أربعة أشهر الدعاء لوالديه. (5)
ص:287
33-عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
البكاء من خشية اللّه ينير القلب و يعصم من معاودة الذنب.
(الغرر ج 1 ص 89 ف 1 ح 2037)
البكاء من خشية اللّه مفتاح الرحمة. (ص 91 ح 2073)
أقول:
ذكرنا أهمّ الأخبار في الباب، و سيأتي ما يناسب المقام في باب الدعاء و غيره.
و في دعاء الكميل رحمه اللّه: «يا من اسمه دواء و ذكره شفاء و طاعته غنى، ارحم من رأس ماله الرجاء و سلاحه البكاء» .
و في دعاء أبي حمزة الثماليّ: «و ما لي لا أبكي و لا أدري إلى ما يكون مصيري و أرى نفسي تخادعني و أيّامي تخاتلني و قد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، فمالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر و نكير إيّاى، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا. . .» .
ص:288
الأخبار
1-عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ عليه السّلام دمعة حتّى تسيل على خدّه، بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفا يسكنها أحقابا، و أيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه اللّه بها في الجنّة مبوّأ صدق، و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى، و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار. (1)
بيان:
«يسكنها أحقابا» : أي زمانا كثيرا، و في البحار ج 44 ص 280: كناية عن الدوام.
قال الفيروزآبادي: الحقبة بالكسر من الدهر: مدّة لا وقت لها و السنة و الجمع كعنب و حبوب، و [الحقب]بالضمّ و بضمّتين: ثمانون سنة أو أكثر و الدهر و السنة و السنون و الجمع أحقاب و أحقب. «المضاضة» : وجع المصيبة.
2-عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إنّ البكاء
ص:289
و الجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء و الجزع على الحسين بن عليّ عليه السّلام فإنّه فيه مأجور. (1)
3-عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام (في حديث طويل له) :
و من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على اللّه عزّ و جلّ، و لم يرض له بدون الجنّة. (2)
4-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح بعوضة (الذباب ف ن) غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر. (3)
5-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه، حرّم اللّه وجهه على النار. (4)
6-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا. (5)
بيان:
أي لا يحصى ثوابها لكثرته.
7-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: بكى عليّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليّ عليهما السّلام عشرين سنة أو أربعين سنة، و ما وضع بين يديه طعاما إلاّ بكى على الحسين حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يابن رسول اللّه، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة لذلك. (6)
ص:290
8-أشرف مولى لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له: يا مولاي يا عليّ بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي، فرفع رأسه إليه و قال:
و يلك أو ثكلتك أمّك، و اللّه لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ممّا رأيت حتّى قال:
يا أسفى على يوسف، إنّه فقد ابنا واحدا، و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي.
قال: و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر، فقال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام فأرقّ لهم. (1)
9-عن أبي عمارة المنشد قال: ما ذكر الحسين عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم قطّ فرئي أبو عبد اللّه عليه السّلام متبسّما في ذلك اليوم إلى الليل.
و كان عليه السّلام يقول: الحسين عليه السّلام عبرة كلّ مؤمن. (2)
10-عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كنّا عنده فذكرنا الحسين عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه، فبكى أبو عبد اللّه عليه السّلام و بكينا، قال: ثمّ رفع رأسه فقال: قال الحسين عليه السّلام: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى و ذكر الحديث. (3)
أقول:
بهذا المعنى أخبار اخر، و في ح 3: «أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر» .
و لاحظ حديث مسمع بن عبد الملك كردين البصريّ بطوله في ص 101.
11-قال الرضا عليه السّلام: من تذكّر مصابنا فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، و من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت
ص:291
القلوب. (1)
أقول:
في أمالي الصدوق رحمه اللّه ص 73 م 17 ح 4 مثله، و زاد في صدره: «من تذكّر مصابنا و بكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة» .
12-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال للفضيل: تجلسون و تتحدّثون؟ فقال:
نعم، فقال: إنّ تلك المجالس احبّها، فأحيوا أمرنا، فرحم اللّه من أحيى أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت أكثر من زبد البحر. (2)
13-عن الريّان بن شبيب، عن الرضا عليه السّلام (في حديث) أنّه قال له: يابن شبيب، إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن عليّ عليهما السّلام، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون، و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله. . .
يابن شبيب، إن بكيت على الحسين عليه السّلام حتّى تصير دموعك على خدّيك، غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته، صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا.
يابن شبيب، إن سرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام.
يابن شبيب، إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله عليهم السّلام فالعن قتلة الحسين.
يابن شبيب، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين، فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
يابن شبيب، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن
ص:292
لحزننا، و افرح لفرحنا، و عليك بولايتنا، فلو أنّ رجلا أحبّ حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة. (1)
14-قال الرضا عليه السّلام (في حديث) : فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.
ثمّ قال عليه السّلام: كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا، و كانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه، و يقول: هو اليوم الذى قتل فيه الحسين عليه السّلام. (2)
15-عن جعفر بن محمّد عليه السّلام قال: من دمعت عيناه فينا دمعة لدم سفك لنا، أو حقّ لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا، بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقبا. (3)
16-عن الصادق عليه السّلام قال (في حديث) : إنّ أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام لمّا قضى بكت عليه السموات السبع و الأرضون السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ، و من يتقلّب في الجنّة و النار من خلق ربّنا و ما يرى و ما لا يرى، بكى على أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام إلاّ ثلاثة أشياء لم تبك عليه، قلت: و ما هذه الثلاثة الأشياء؟ قال: لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان (زياد ف ن) عليهم لعنة اللّه. (4)
17-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث طويل يذكر فيه حال الحسين عليه السّلام) قال:
و إنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الاستغفار له، و يقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ اللّه لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، و إنّه ليستغفر له من كلّ
ص:293
ذنب و خطيئة. (1)
بيان:
«و إنّه لينظر» : الضمير راجع إلى الحسين عليه السّلام.
لاحظ تمام الحديث بطوله في كامل الزيارات ص 326 إلى 329.
18-عن الفضل قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم عليه السّلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و إنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب.
فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا إبراهيم، من أحبّ خلقي إليك؟ فقال: يا ربّ، ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد، فأوحى اللّه إليه: أفهو أحبّ إليك أم نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي، قال: فولده أحبّ إليك أم ولدك؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا ربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.
قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم لذلك و توجّع قلبه و أقبل يبكي، فأوحى اللّه عزّ و جلّ: يا إبراهيم، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل-لو ذبحته بيدك-بجزعك على الحسين و قتله، و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. (2)
ص:294
19-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: نفس المهموم لظلمنا تسبيح، و همّه لنا عبادة، و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه.
ثمّ قال أبو عبد اللّه: يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب. (1)
20-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نظر أمير المؤمنين إلى الحسين عليهما السّلام فقال: يا عبرة كلّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم، يا بنيّ. (2)
21-قال أمير المؤمنين عليه السّلام (في ح الأربعمأة) : إنّ اللّه تبارك و تعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، و اختار لنا شيعة ينصروننا، و يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا، و يبذلون أموالهم و أنفسهم فينا، أولئك منّا و إلينا. (3)
أقول:
و قال عليه السّلام (في ح الأربعمأة) أيضا: كلّ عين يوم القيامة باكية و كلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلاّ عين من اختصّه اللّه بكرامته، و بكى على ما ينتهك من الحسين و آل محمّد عليهم السّلام. (الخصال ج 2 ص 625)
22-روي أنّه لمّا أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين و ما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاءا شديدا و قالت: يا أبت، متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي و منك و من عليّ، فاشتدّ بكاؤها و قالت: يا أبت، فمن يبكي عليه؟ و من يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) : يا فاطمة، إنّ نساء امّتي يبكون على نساء أهل بيتي، و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرجال، و كلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة.
ص:295
يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة، إلاّ عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة. (1)
بيان:
«جيلا بعد جيل» : المراد نسلا بعد نسل.
23-عن ابن عبّاس قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام، فلمّا رآه بكى ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى. . .
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: و أمّا الحسن فإنّه ابني و ولدي و منّي و قرّة عيني و ضياء قلبي و ثمرة فؤادي، و هو سيّد شباب أهل الجنّة و حجّة اللّه على الامّة، أمره أمري و قوله قولي، من تبعه فإنّه منّي و من عصاه فليس منّي، و إنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما و عدوانا، فعند ذلك تبكي الملائكة و السبع الشداد لموته، و يبكيه كلّ شيء حتّى الطير في جوّ السماء و الحيتان في جوف الماء.
فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، و من زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام. (2)
24-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: . . . ألا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة، و اللاعنين لأعدائهم و الممتلئين عليهم غيظا و حنقا.
ألا و إنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته، ألا و إنّ قتلته و أعوانهم و أشياعهم و المقتدين بهم براء من دين اللّه.
ص:296
إنّ اللّه ليأمر ملائكته المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين عليه السّلام إلى الخزّان في الجنان، فيمزجوها بماء الحيوان، فتزيد عذوبتها و طيبها ألف ضعفها. . . (1)
25-عن أبي جعفر عليه السّلام (في حديث زيارة الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء المعروفة) قال: ثمّ ليندب الحسين عليه السّلام و يبكيه و يأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، و يقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، و ليعزّ بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين عليه السّلام، و أنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه تعالى جميع ذلك (يعني ثواب ألفي حجّة، و ألفي عمرة، و ألفي غزوة) .
قلت: جعلت فداك، أنت الضامن ذلك لهم و الزعيم؟ قال: أنا الضامن و أنا الزعيم لمن فعل ذلك.
قلت: فكيف يعزّي بعضنا بعضا؟ قال: تقولون: أعظم اللّه أجورنا و أجوركم بمصابنا بالحسين عليه السّلام، و جعلنا و إيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السّلام، و إن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا يقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها، و لم يرفيها رشدا، و لا يدّخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئا، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئا لم يبارك له فيما ادّخر، و لم يبارك له في أهله، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه تعالى لهم ثواب ألف حجّة و ألف عمرة و ألف غزوة كلّها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان له أجر و ثواب مصيبة كلّ نبيّ و رسول و وصيّ و صدّيق و شهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة.
قال علقمة: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: علّمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته. . . فقال لي: يا علقمة، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تؤمى إليه بالسلام،
ص:297
فقل بعد الإيماء إليه من بعد التكبير: هذا القول، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة، و كتب اللّه لك مأة ألف ألف درجة و كتبت كمن استشهد مع الحسين عليه السّلام حتّى تشاركهم في درجاتهم، ثمّ لا تعرف إلاّ في الشهداء الذين استشهدوا معه، و كتب لك ثواب زيارة كلّ نبيّ و كلّ رسول و زيارة كلّ من زار الحسين عليه السّلام منذ يوم قتل عليه السّلام و على أهل بيته. (1)
26-عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال: نظر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى الحسين بن عليّ عليهما السّلام و هو مقبل، فأجلسه في حجره و قال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا.
ثمّ قال عليه السّلام: بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: و ما قتيل كلّ عبرة يابن رسول اللّه؟ قال: لا يذكره مؤمن إلاّ بكى. (2)
27-و في حديث مناجاة موسى عليه السّلام و قد قال: يا ربّ، لم فضّلت امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله على سائر الامم؟ فقال اللّه تعالى: فضّلتهم لعشر خصال، قال موسى:
و ما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بنى إسرائيل يعملونها؟ قال اللّه تعالى:
الصلاة و الزكوة و الصوم و الحجّ و الجهاد و الجمعة و الجماعة و القرآن و العلم و العاشوراء.
قال موسى عليه السّلام: يا ربّ و ما العاشوراء؟ قال: البكاء و التباكي على سبط محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و المرثيّة و العزاء على مصيبة ولد المصطفى.
يا موسى، ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى و تعزّي على ولد المصطفى صلّى اللّه عليه و آله إلاّ و كانت له الجنّة ثابتا فيها، و ما من عبد أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه طعاما و غير ذلك درهما (أو دينارا م) إلاّ و باركت له في دار الدنيا
ص:298
الدرهم بسبعين درهما و كان معافا في الجنّة و غفرت له ذنوبه، و عزّتي و جلالي، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء و غيره قطرة واحدة إلاّ و كتب له أجر مأة شهيد. (1)
أقول:
سيأتي ما يناسب المقام في باب الشعر.
الأحاديث الواردة في باب البكاء على سيّد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام كثيرة جدّا، بحيث إذا لم نقل أنّها متواترة لفظا، فلا ريب في أنّها متواترة معنى.
و لقد حثّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة الأطهار عليهم السّلام شيعتهم على البكاء و الإبكاء على السبط الشهيد الحسين بن عليّ عليهما السّلام.
و لكن مع الأسف الكثير قد أنكر بعض الجهّال هذه الأحاديث، أو أوّلوها بما لا يلائم تلك الأحاديث الشريفة، و زعموا أنّ هذه الأحاديث لو صحّت سينجرّ باقتراف المعاصي و تعطيل الأحكام.
غير خفيّ على من ألقى السمع و تدبّر، أنّ هذه المزاعم الفاسدة و الأقوال الكاسدة، ناشئة من عدم التدبّر في الروايات الواردة في هذا الباب، إذا لم نقل أنّها في خدمة الاستعمار و في طريق ترويج الأفكار السخيفة الوهّابيّة.
عجبا كيف يتفوّه أنسان بهذه الكلمات الباردة مع العلم بأنّ البكاء على سيد الشهداء عليه السّلام من أعظم القربات و أهمّ الموجبات لإفاقة العاصين و توبتهم و هدايتهم إلى سواء الطريق. و ما أكثر الحكايات التي شاهدناها أو نقلت إلينا من القصص الدالّة على توبة عدد غير يسير من الفاسقين الذين لا يتورّعون عن ارتكاب الذنوب، فتابوا و انطووا في عداد الصالحين، أو أفاقوا عن غفلتهم و شرعوا في التفكّر في إصلاح أنفسهم.
ص:299
أضف إلى ذلك أنّ أحدا من العقلاء ما قال: اذنب و أبك لتغسل ذنبك! فإذا قال واحد مثلا: «إذا أصبت بالزكام فإن القرص الفلاني يعالجه» ليس معناه: اذهب لتصاب بالزكام!
فمن أهمّ ما يجب على العلماء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و صدّ الناس عن المعاصي، و حيث إنّ اليأس من روح اللّه يعدّ من الذنوب الكبيرة، و لما جاء في الحديث: «الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة اللّه. . .» ، فإنّهم يثيرون الأمل في قلوب العاصين من هذا الطريق كي يعالجونهم.
و من الواضح أنّ تعطيل مجالس العزاء مخافة اغترار الناس بأهل البيت عليهم السّلام كتعطيل المستشفيات مخافة اغترار الناس بدواعي الأمراض البدنيّة.
فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يبعّد الناس عن الذنوب، كما يبعّدهم نشر مراكز الصحّة عن الأمراض، فإذا ظهر أثار الأمراض في المجتمع، يكون ايجاد المستشفيات من الضروريّات، و هذا بعينه يصدق في قضيّة البكاء و العزاء على السبط الشهيد.
و هكذا وردت في الشريعة السهلة السمحة، آيات و أحاديث كثيرة، تأمر بالتوبة و الاستغفار، فهل هناك أحد يدّعي أنّها يورث ارتكاب الذنوب و اقتراف المعصية؟ بل يقولون: إنّ الشريعة تنادى بأعلى صوتها بالتحذير عن المعصية، و لكن إذا أذنب أحد هل يجب تقنيطه أو الجاءه إلى التوبة و الاستغفار؟
إن البكاء على سيد الشهداء عليه السّلام من بواعث التوبة و من موجبات انسلاك الإنسان في مسلك تسعه رحمة اللّه الواسعة و تشمله عناية اللّه غير المتناهية.
و طائفة أخرى زعموا أن ليست الغاية المستفادة من هذه الأحاديث هي البكاء و ما يترتّب عليه من الأجر و الثواب، بل إنّ ذكر الإمام الحسين عليه السّلام و البكاء عليه هو إنكار المنكر و محاربة أعداء الدين و الظلمة الموجودين في كلّ عصر و مصر، خاصّة حكّام بني أميّة و استنكار سيرتهم، و بتعبير آخر: إنّ الثواب
ص:300
مترتّب على ما هو الداعيّ للثورة و الجهاد.
فهم قد غفلوا أنّ الذي يستفاد من هذه الأخبار هو: أنّ البكاء على السبط الشهيد عليه السّلام من أهمّ العبادات و القربات، و هو أقرب السبل إلى معرفة الحقّ عزّ و علا. فما قالوه متحصّل أيضا و لكنّه ليس هو المقصود بالأصالة، كما زعموا.
البكاء المطلوب عمل القلب، و القلب مكان الحبّ، و الدمع ينبعث عن القلب، و كلّما كثر البكاء ازدادت المحبّة، و هل الدين إلاّ الحبّ؟ !
إنّ الجهاد ضدّ أعداء الدين و إن كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يجدي نفعا إلاّ إذا كان منبعثا عن الحبّ و الإخلاص، كما قال عليه السّلام: «المرء مع من أحبّ» .
لقد سئل حبيب بن مظاهر-الذي ضحى بنفسه في سبيل الحسين عليه السّلام- في المنام في قصّة طويلة: «أتحبّ أن ترجع إلى الدنيا؟ قال: نعم أحبّ أن أرجع حتّى أبكي على سيدي الحسين عليه السّلام» . (1)
إنّ البكاء على المظلوم شفاء لقلب المظلوم و سهم في قلب الظالم الغاشم.
البكاء يؤدّي إلى تضاعف حبّ أهل البيت عليهم السّلام و بغض أعدائهم-عليهم لعائن اللّه-لأنّه ليس من المعقول أن يبكي شخص على من لا يحبّه، أو يبكي على من يحبّه و لا يتنفّر عن عدوّه.
و كلّما تعمّقت المحبّة تعمّقت الطاعة، كما أشار إليه صادق آل محمّد عليهم السّلام: «إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع» .
و من الطبيعيّ أنّ من يبكي الإمام الحسين عليه السّلام يصطبغ بصبغته، و تلك صبغة ربّانيّة، كما قال اللّه عزّ من قائل: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللّهِ صِبْغَةً.
فمن بكى عليه سيكون من سنخه و يقترب منه شيئا فشيئا، حتّى ينسلك في سلكه و يستقرّ في زمرته.
ص:301
فالبكاء أفضل الطرق للوصول إلى الكمال و السموّ و العبوديّة للّه تعالى.
و بإمكان الإنسان أن يصل من خلال بكائه على درجات من السموّ و الكمال، و يستجلب رعاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّ البكاء على فرخ الرسول من حقوق الرسول و من وسائل مؤازرته.
و الباكي يتأسّى بالأنبياء العظام و الملائكة المقرّبين و العباد الصالحين، حيث الأنبياء من آدم عليه السّلام حتّى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله كانوا من الباكين عليه، و الملائكة يشهدون مجالس عزائه.
و قد مرّ آنفا: «يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة، إلاّ عين بكت على مصاب الحسين عليه السّلام، فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة» .
إنّ الأئمّة عليهم السّلام كلّهم سفن النجاة و لكن سفينة الحسين أسرع، حتّى في الأمواج المهلكة و مرساها يهدي إلى شاطئ النجاة، و هم كلّهم أبواب الهدى و لكن باب الحسين أوسع.
و في الختام: أنّ البكاء على سيد الشهداء يضمن حفظ الشريعة المحمّديّة، و بقاء مذهب أهل البيت عليهم السّلام.
و ما أجمل ما قاله بعض الأعاظم: «إنّ الإسلام محمّديّ الحدوث و حسينيّ البقاء» .
فإنّ الأمّة في المجالس الحسينيّة تعلّموا الجهاد و الكفاح و مكارم الأخلاق كالوفاء و السخاء و الشجاعة و البطولة و العفّة و الغيرة و الصبر و الاستقامة و عدم الانقياد للحاكم الجائر.
و المجالس الحسينيّة الطريقة الوحيدة لتربية المجتمع ضدّ الجور و العدوان، و تمهيد الأجيال للثورات و الانتفاضات.
ص:302
الآيات
1- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ. . . (1)
2- . . . قالُوا إِنَّمَا اَلْبَيْعُ مِثْلُ اَلرِّبا وَ أَحَلَّ اَللّهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبا. . . (2)
3- يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ. . . (3)
4- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ وَ إِقامِ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءِ اَلزَّكاةِ. . . (4)
5- وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً اِنْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اَللّهِ خَيْرٌ مِنَ اَللَّهْوِ وَ مِنَ اَلتِّجارَةِ وَ اَللّهُ خَيْرُ اَلرّازِقِينَ. (5)
6- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ- اَلَّذِينَ إِذَا اِكْتالُوا عَلَى اَلنّاسِ يَسْتَوْفُونَ- وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ
ص:303
وزنوهم يخسرون-الآيات (1)
الأخبار
1-قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ثلاثة يدخلهم اللّه الجنّة بغير حساب و ثلاثة يدخلهم اللّه النار بغير حساب، فأمّا الذين يدخلهم اللّه الجنّة بغير حساب؛ فإمام عادل و تاجر صدوق و شيخ أفنى عمره في طاعة اللّه عزّ و جلّ. و أمّا الثلاثة الذين يدخلهم اللّه النار بغير حساب؛ فإمام جائر و تاجر كذوب و شيخ زان. (2)
2-عن الحسين بن زيد عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
إذا التاجران صدقا و برّا بورك لهما، و إذا كذبا و خانا لم يبارك لهما، و هما بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا فالقول قول ربّ السلعة أو يتتاركا. (3)
بيان:
«التاجران» : أي المتعاملان. «ربّ السلعة» يقال بالفارسيّة: صاحب كالا.
3-عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من باع و اشترى فليجتنب خمس خصال و إلاّ فلا يبيعنّ و لا يشترينّ: الربا و الحلف و كتمان العيب و المدح إذا باع و الذمّ إذا اشترى. (4)
4-عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البركة عشرة أجزاء؛ تسعة أعشارها في التجارة، و العشر الباقي في الجلود. (5)
ص:304
بيان:
قال رحمه اللّه: «الجلود» : أي الغنم. و في حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «تسعة أعشار الرزق في التجارة و الجزء الباقي في السابياء» يعني الغنم.
5-عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال (في ح الأربعمائة) : تعرّضوا للتجارة فإنّ فيها غنى لكم عمّا في أيدي الناس، و إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ العبد المحترف الأمين. (1)
و قال عليه السّلام: أكثروا ذكر اللّه عزّ و جلّ إذا دخلتم الأسواق و عند اشتغال الناس فإنّه كفّارة للذنوب و زيادة في الحسنات و لا تكتبوا من (في ف ن) الغافلين. (2)
بيان:
«المحترف» : أي صاحب الحرفة.
6-قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا. (3)
بيان:
«ارتطم» : أي سقط في الوحل (أي الطين) أو في أمر يتعسّر الخروج منه.
7-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: التجارة تزيد في العقل. (4)
8-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ترك التجارة ينقص العقل. (5)
9-قال معاذ بن كثير لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي قد أيسرت فأدع التجارة؟ فقال: إنّك إن فعلت قلّ عقلك، أو نحوه. (6)
ص:305
10-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ قال: كانوا أصحاب تجارة، فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة، و انطلقوا إلى الصلاة، و هم أعظم أجرا ممّن لم يتّجر. (1)
11-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أظنّ (أرى ف ن) أنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام يدع خلقا أفضل منه، حتّى رأيت ابنه محمّد بن عليّ، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك؟ فقال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام و كان رجلا بادنا ثقيلا، و هو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة، على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا، أما لأعظنّه، فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ عليّ بنهر، (ببهر ف ن) و هو يتصابّ عرقا.
فقلت: أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! أ رأيت لو جاء أجلك و أنت على هذه الحال (ما كنت تصنع؟ م) فقال: لو جاءني الموت و أنا على هذه الحال، جاءني و أنا في طاعة من طاعة اللّه (طاعات اللّه م) عزّ و جلّ، أكفّ بها نفسي و عيالي عنك و عن الناس، و إنّما كنت أخاف لو أن جاءني الموت و أنا على معصية من معاصي اللّه، فقلت: صدقت يرحمك اللّه، أردت أن أعظك فوعظتني. (2)
بيان:
«البادن» : أى الجسيم و السمين. «موليين» في المرآة ج 19 ص 439: قال المطرزيّ في المغرب: إنّ الموالي بمعنى العتقاء لمّا كانت غير عرب في الأكثر غلبت على العجم
ص:306
حتّى قالوا: الموالي أكفاء بعضها لبعض، و العرب أكفاء بعضها لبعض. . .
و في الوافي: أكثر إطلاق المولى على غير العربيّ الصريح و النزيل و التابع.
«ببهر» بمعنى تتابع النفس (نفس زنان) و في بعض النسخ: بالنون أي بزجر و انتهار، إمّا للإعياء و النصب، أو لما علم من سوء حال السائل و سوء ارادته.
12-عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد اللّه عليه السّلام في بعض طرق المدينة، في يوم صائف شديد الحرّ فقلت: جعلت فداك حالك عند اللّه عزّ و جلّ، و قرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنت تجهد نفسك (لنفسك ف ن) في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا عبد الأعلى، خرجت في طلب الرزق، لأستغني عن مثلك. (1)
بيان:
في القاموس، يوم صائف: أي حارّ.
13-عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: العبادة سبعون جزء و أفضلها جزء طلب الحلال. (2)
14-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أعتق ألف مملوك من كدّ يده. (3)
15-عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: أوحى اللّه إلى داود عليه السّلام: إنّك نعم العبد، لولا أنّك تأكل من بيت المال، و لا تعمل بيدك شيئا، قال:
فبكى داود عليه السّلام أربعين صباحا، فأوحى اللّه إلى الحديد: أن لن لعبدي داود، فألان اللّه عزّ و جلّ له الحديد، فكان يعمل في كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة و ستّين درعا، فباعها بثلاثمائة و ستّين ألفا و استغنى عن بيت
ص:307
المال. (1)
16-عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول:
من وجد ماء و ترابا ثمّ افتقر فأبعده اللّه. (2)
17-عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّي لأبغض الرجل-أو أبغض للرجل-أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، و من كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل. (3)
18-عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الكادّ على عياله (من حلال م) كالمجاهد في سبيل اللّه. (4)
19-عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول على المنبر:
يا معشر التجّار، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، و اللّه للرّبا في هذه الامّة أخفى من دبيب النمل على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق، التاجر فاجر، و الفاجر في النار إلاّ من أخذ الحقّ و أعطى الحقّ. (5)
بيان:
«الفقه» : أي اطلبوا الفقه أوّلا. «المتجر» هو مصدر ميمي بمعنى التجارة. «للربا» بفتح اللام: للتاكيد. «شوبوا أيمانكم بالصدق» : أي لا تحلفوا كاذبين، و في الفقيه ج 3 ص 121: "شوبوا أموالكم بالصدقة".
20-قال الصادق عليه السّلام: من أراد التجارة فليتفقّه في دينه، ليعلم بذلك
ص:308
ما يحلّ له ممّا يحرّم عليه، و من لم يتفقّه في دينه ثمّ اتّجر تورّط الشبهات. (1)
بيان:
«تورّط» : أي وقع في الورطة و الهلكة و ما لا يمكن الخلاص منه.
21-عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام عندكم بالكوفة، يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرّة على عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمّى السبينة (السبيبة ف ن) فيقف على أهل كلّ سوق فينادي: يا معشر التجّار، اتّقوا اللّه، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم و ارعوا إليه بقلوبهم، و سمعوا بآذانهم.
فيقول: قدّموا الاستخارة، و تبرّكوا بالسهولة، و اقتربوا من المبتاعين، و تزيّنوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، و أوفوا الكيل و الميزان، وَ لا تَبْخَسُوا اَلنّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي اَلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، فيطوف في جميع أسواق الكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس. (2)
أقول:
رواه الصدوق رحمه اللّه في الأمالي (م 75 ح 6) مع اختلاف يسير، و زاد في آخره: يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول هذا ثمّ يقول:
تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها من الحرام و يبقى الإثم و العار
تبقى عواقب سوء في مغبّتها لا خير في لذّة من بعدها النار
بيان: «الدرّة» : السوط الذي يضرب به. «عاتقه» في المصباح: يقال لما بين المنكب و العنق: عاتق و هو موضع الرداء «ارعوا إليه» قال الجوهري: أرعيته
ص:309
سمعي أي أصغيت إليه. «الاستخارة» : طلب الخير منه تعالى.
«تبرّكوا بالسهولة» : أي اطلبوا البركة منه تعالى بالتساهل في البيع و الشراء.
«اقتربوا من المبتاعين» : أي لا تغالوا في الثمن فينفروا أو بالكلام الحسن و البشاشة و حسن الخلق. «جانبوا الكذب» : أي تباعدوا عن الكذب. «تجافوا» : أي تباعدوا. «لا تبخسوا الناس» : أي لا تنقصوهم. «لا تعثوا» : أي لا تفسدوا من عثا في الأرض يعثو إذا فسد. (لاحظ المرآة ج 19 ص 133)
22-قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أربع من كنّ فيه طاب مكسبه: إذا اشترى لم يعب، و إذا باع لم يحمد، و لا يدلّس، و فيما بين ذلك لا يحلف. (1)
23-قال عليه السّلام: يا معشر التجّار، صونوا أموالكم بالصدقة، تكفّر عنكم ذنوبكم و أيمانكم التي تحلفون فيها تطيب لكم تجارتكم. (2)
24-قال الصادق عليه السّلام: من ذكر اللّه عزّ و جلّ في الأسواق غفر (اللّه) له بعدد أهلها. (3)
25-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من دخل السوق فقال: «لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كلّ شيء قدير» كتب اللّه له ألف ألف حسنة و محا عنه ألف ألف سيّئة و حطّ عنه ألف ألف خطيئة. (4)
26-قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: طلب الحلال فريضة على كلّ مسلم و مسلمة. (5)
27-و قال صلّى اللّه عليه و آله: العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال. (6)
ص:310
28-عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، قال: سقط من عيني، قيل: و كيف ذلك يا رسول اللّه؟ قال: لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه. (1)
29-و قال صلّى اللّه عليه و آله: من أكل من كدّ يده مرّ على الصراط كالبرق الخاطف. (2)
30-و قال صلّى اللّه عليه و آله: من أكل من كدّ يده حلالا فتح له أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء. (3)
31-و قال صلّى اللّه عليه و آله: من أكل من كدّ يده، نظر اللّه إليه بالرحمة، ثمّ لا يعذّبه أبدا. (4)
32-و قال صلّى اللّه عليه و آله: من أكل من كدّ يده كان يوم القيامة في عداد الأنبياء و يأخذ ثواب الأنبياء. (5)
33-و قال: من طلب الدنيا حلالا، استعفافا عن المسألة، و تعطّفا على جاره لقى اللّه تعالى و وجهه كالقمر ليلة البدر. (6)
34-عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من كسب مالا من غير حلّ سلّط اللّه عليه البناء و الماء و الطين. (7)
ص:311