سرشناسه:موید، علی حیدر
عنوان و نام پديدآور:فضائل اميرالمؤمنين عليه السلام في الذكر المبين/ علی حیدر الموید
مشخصات نشر:
مشخصات ظاهری:ص 633
يادداشت:عربی
موضوع:امیرالمومنین علیه السلام -- فضایل
موضوع:امیرالمومنین علیه السلام -- احادیث
موضوع:امیرالمومنین علیه السلام -- جنبه های قرآنی
ص: 1
ص: 2
فضائل اميرالمؤمنين عليه السلام في الذكر المبين
علی حیدر الموید
ص: 3
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 4
ص: 5
ص: 6
الحمد للّه الأوّل في ديمومته ، الدائم في أزليّته ، العدل في قضيّته ، الرحيم في بريّته ، الواحد في ملكه وبرهانه ، الفرد في صمدانيته وسلطانه ، العالي في دنوّه ، القريب في علوّه ، حمد من يعلم أنّ الحمد فريضة وتركه خطيئة ، وأُؤمن به إيمان من علم أنّه رهين بعمله ، وميّت دون أمله ، وأتوكّل عليه توكّل من ردّ الحول والقوّة إليه .
وصلِّ ياربّ على نبيّك نبي الرحمة ومصباح الأُمّة والمنقذ من الجهالة والعمى والضلالة والردى محمّد بن عبداللّه عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين صلاة لا يُحصى لها عدد ، ولا يتقدّمها أبد ، ولا يأتي بمثلها أحد .
وبعد : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله « أنا سيّد الأوّلين والآخرين ، وأنت ياعلي سيّد الخلائق بعدي ، أوّلنا كآخرنا وآخرنا كأوّلنا »(1).
وقال صلى الله عليه و آله : « إنّ علي بن أبي طالب أفضل خلق اللّه تعالى غيري ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما ، وإنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين ، وإنّ عليا حبيبي ، ولو وجدت لفاطمة خيرا من علي لم
ص: 7
أُزوّجها منه »(1).
ويتّضح من الحديثين الشريفين أنّ شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تمثّل مكان الصدارة بين جميع الشخصيات التي عرفها العالم قديما وحديثا . حيث كان عليه السلام أُعجوبة الدهر ... فكلّ شخصية في تاريخ البشرية تنطوي على بُعد أو بعدين أو ثلاثة أبعاد ، سرعان ما ينتهي الحديث عنها ، إلاّ أنّ شخصية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كانت تنطوي على أبعاد عديدة لا تحصى ، ومن جانب آخر كانت تلك الأبعاد تكاد أن لا تجتمع في إنسان لما بينها من التناقض الظاهر أحيانا فرجل الحرب مثلاً لا يكون عادة رجل فكر ، ورجل الفكر عادةً لا يكون رجل حرب ، ورجل الأدب لا يكون عادة رجل زهد وعبادة ، وصاحب الشجاعة لا يكون عادةً ذا قلب رحيم باليتيم أو الأسير . إلاّ إنّ عليا عليه السلام حطّم بشخصيته هذا الامتناع ، وتفوّق على هذه القاعدة ، فبينما كان رجل المعارك كان الإنسان الرحيم ، وبينا كان الواعظ الناصح المذكّر بالآخرة والموت والحساب إذ هو ذلك العالم الرياضي ، والفلكي والعارف العظيم وصاحب الأقوال الخالدة في شتّى المجالات . ولنعم ما قيل :
جُمعت في صفاتك الأضداد * ولهذا عزّت لك الأنداد
زاهد حاكم حكيم شجاع * فاتك ناسك فقير جواد
ولا غرو فالإمام علي عليه السلام ربيب الوحي ، وتلميذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... لقد تنزّل القرآن على قلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله والتقطه القلب الأمين آية آية ، وحرص على كلّ حرف من حروفه أو حركة من حركاته ، إنّه النبي الأعظم صلى الله عليه و آله تتنزّل عليه الملائكة
ص: 8
بوحي السماء وكلمات اللّه ، فازدهر بيته وتلألأ ولمع لأهل السماء ، كما لمع لأهل الأرض ، إنّه بيت في أحضان مكّة ضمّ أعظم إنسان في العوالم ، إنّه الإنسان الذي اختاره اللّه لمحمّد رسالته فأغدق عليه من بركاته تربيةً وتهذيبا وتأديبا وتعليما وهبطت رسالة السماء على قلبه الزكي صلى الله عليه و آله فكانت مطالعها «اقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاْءِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاْءِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»(1)، هكذا شاء اللّه أن يكون مفتتح هذه الرسالة علما ومعرفة .
وفي ذلك الكنف الطاهر والعبقات النبوية العطرة ، شاء اللّه لإنسان أن يرافق مسيرة النبوّة من خطوتها الأُولى - بل ما قبلها - ويتفتّح قلبه للوحي السماوي يردّده جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله ويلقيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهذا الفتى المتوقّد الذكي قطرة قطرة وجرعة جرعة ، إنّه علي . علي بن أبي طالب الذي أفاض عليه النبي من بركاته ما جعله أولى الناس به وأحقّهم بمنصبه ، لقد فتح أمير المؤمنين علي عليه السلام عينه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك الرسول الأكرم الذي اختاره اللّه تعالى لحمل أعظم أُطروحة سماوية لأهل الأرض إنّه رسول السماء يحمل رسالة الإسلام هذا الدين الشامل الكامل المستوعب لجميع شِعَب الحياة ومتفرّعاتها ، وما تنطوي عليه المفاهيم والقيم ، وما تتمخّض عنه من أحداث ووقائع ، إنّه الرسول النبي صلى الله عليه و آله خلاصة الإنسانية وزبدة العالم ، إنّه الإنسان الرسول الذي مثّل تعاليم اللّه بحذافيرها وقام بها خير قيام ، ولقد كان صلة الوصل بين اللّه والإنسان ، فأنزل اللّه على قلبه أشرف كتاب بأشرف بيان ، إنّه القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إنّه القرآن بما يحويه من
ص: 9
عناصر البقاء والدوام قد سكب في نفس النبي الطاهرة ، وبما فيه من تشريعات وأحكام رسّخت في نفسه حتّى جاء النبي صلى الله عليه و آله كما أراد اللّه لأحبّ رسله وأضفاهم وأعظمهم وأقولهم ، لقد استوعب النبي صلى الله عليه و آله جميع أحكام القرآن وبلّغها إلى الناس .
وقد كان الإمام عليه السلام هو الظلّ الوحيد للنبي صلى الله عليه و آله الذي لا يفارقه ليلاً أو نهارا ، إنّه معه في خلوته ومعه في سفره ومعه حيث حلّ وارتحل . حتّى استوعب مدلول آيات اللّه على يد النبي صلى الله عليه و آله فلم تذكر آية إلاّ وأمير المؤمنين عليه السلام يعرف معناها وفيما نزلت ، وأين نزلت وبمن نزلت ، وفي أي وقت نزلت .
إنّه علي أمير المؤمنين عليه السلام الذي عايش القرآن طيلة عمره ، فيأخذه من مصدره الأصيل دون واسطة أحد ، إنّها المباشرة في أخذ آيات اللّه بحيث دعت الأيّام عليا عليه السلام أن يفصح عن ذلك ويعلن قائلاً : « ما من آية إلاّ وقد علمت فيمن نزلت ، وأين نزلت في سهل أو في جبل ، وإنّ بين جوانحي لعلما جمّا ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّكم إن فقدتموني لم تجدوا من يحدّثكم مثل حديثي »(1).
فقد تربّى أمير المؤمنين عليه السلام في ظلال القرآن ، ونشأ على بيانه ولسانه حتّى أصبح هذا الكتاب هو القبلة التي أثّرت في حياته ، فصاغته صياغة فريدة ، لم يعهد العالم شبيها له ، لقد كان للقرآن في حياة علي عليه السلام أثر كبير ، إذ جعلت منه النموذج الكامل الذي خلقه البيان الإلهي والمدرسة الإسلامية ذات الطابع المميّز والملامح الخاصّة .
ص: 10
إنّ هذه السنين المتطاولة التي عاشها الإمام عليه السلام في كنف النبي صلى الله عليه و آله يغدق عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بحر عطائه وهو يستزيد ويحرص أشدّ الحرص على العلم ، وأن لا تفوته فرصة إلاّ ويستفيد منها حتّى قيل له : مالك أكثر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله حديثا ؟ قال : « إنّي كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت ابتدأني »(1).
فقد صاغه النبي صلى الله عليه و آله كما أحبّ وأراد حتّى جاء صورة مثالية لتطلّعات النبوّة الأمينة ، فمنذ نعومة أظفاره أدّبه وصقل نفسه ودرّبه على الإيثار والمحبّة والعدل والإخاء مع كلّ ما مرّ فيه النبي صلى الله عليه و آله خلال دعوته ، كان فيها الإمام تصهره الأحداث وتجعل منه المؤهّل الوحيد لخلافة النبي صلى الله عليه و آله .
وأضحى حاكيا لوحي اللّه ولرسوله الأمين صلى الله عليه و آله وطبيعي أن يكون من عاش في تلك الظلال القرآنية ، وتلك الأفياء المحمّدية أن يكون في قمّة الكمال والمرتقى الرفيع الذي لا يدانيه إنسان آخر في هذا العالم .
نشأ أمير المؤمنين عليه السلام في حجر النبي الأعظم صلى الله عليه و آله حيث فتح عينيه في كنفه وتحت رعايته وذلك حينما تعرّضت قريش لأزمة اقتصادية خانقة ، وقد كانت وطأتها شديدة على أبي طالب ، إذ كان رجلاً ذا عيال كثيرة ، وكهفا يلوذ به المحتاج والفقير ، بحكم مركزه الاجتماعي في مكّة ... إذ أقبل الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله على عمّه العبّاس وهو أثرى بني هاشم فخاطبه بقوله (... ياعم إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى فانطلق بنا إلى بيته لنخفّف من عياله ، فتأخذ أنت رجلاً
ص: 11
واحداً ، وآخذ أنا رجلاً فنكفلهما عنه ...)(1).
وحظي رأي المصطفى صلى الله عليه و آله بالتأييد والرضا من لدن عمّه العبّاس ، فأسرع إلى أبي طالب ، وخاطبه بالأمر ، فاستجاب لما عرض قائلاً : (إذا تركتما لي عقيلاً وطالب ، فاصنعا ما شئتما ...)(2).
فأخذ العبّاس جعفراً ... .
وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام ، وكان عمره ستّة أعوام(3)، وقد قال صلى الله عليه و آله بعد أن اختار عليا عليه السلام : « قد أخذت من اختاره اللّه لي عليكم - عليا »(4).
وهكذا عاش علي عليه السلام منذ نعومة أظفاره في كنف النبي الكريم صلى الله عليه و آله ونشأ في ظلّه ، وشرب من ينابيع مودّته وحنانه ، وربّاه وعلّمه ، ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ ، حتّى لحق الرسول صلى الله عليه و آله بربّه الأعلى ... .
ولقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ومداها وعمقها وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة ، إذ جاء فيها : « وقد علمتم موضعي من رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل » .
ص: 12
ثمّ قال عليه السلام : « ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل إثر أُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالإقتداء به . ولقد كان يجاور في كلّ سنة (بحراء) ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام ، غير رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخديجة ، وأنا ثالثهما . أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ... »(1).
والذي يتدبّر في هذا النصّ بإمعان ، يتجلّى له أنّ عليا عليه السلام قد حظي برعاية الرسول صلى الله عليه و آله ودربه ، وإيثاره أيّام طفولته ، فكان يمضغ الشيء ثمّ يضعه في فيه ، ويضعه في حجره ، ويضمّه إلى صدره ، ويعامله كما لو كان ولده الحبيب ... .
أمّا في صباه ، وشبابه فقد انصبّ جهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على تكوين شخصيته ، إذ كان صلى الله عليه و آله يأمره بالإقتداء به ، وسلوك سبيله ، وفي كلّ يوم يرفع له من أخلاقه علما وكان علي عليه السلام يتبع أثره ، أوّلاً بأوّل ، كما يصف ذلك في حديثه .
ولهذا وذاك ، فإنّ من ضعف الرأي ، أن لا يعتقد امرؤ أنّ مسألة اختيار علي عليه السلام من لدن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت هادفة ابتداءً لكي يأتي صورة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في فكره ومواقفه وشتّى ألوان سلوكه ، بل حتّى في مشيته .
فلقد كان الإمام عليه السلام من الصفاء الروحي ، والاستقامة الخلقية وفقا لما علّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بحيث كانت تنكشف له الكثير من حجب المستقبل المستور وهو القائل عليه السلام : « ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزول الوحي عليه ، صلوات اللّه عليه ، فقلت يارسول اللّه ما هذه الرنّة فقال : هذا الشيطان قد آيس من عبادته ،
ص: 13
إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبي ، ولكنّك وزير ، وأنّك لعلى خير ... »(1).
وإذا كان الإمام عليه السلام قد عاش ست سنوات ، في أحضان النبوّة ، وكان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله دور بارز في رعايته ، طوال تلك السنوات الندية من عمره عليه السلام . ومنذ تلك السن المبكّرة عاش الإمام عليه السلام كلّ التطوّرات التي اكتنفت حياة الرسول صلى الله عليه و آله . فعلي لم يحظ بالتربية المألوفة ، التي يحظى بها غالبا طفل من لدن أبيه ، أو صغير من لدن أخيه الأكبر ، وإنّما كان إعداده وتربيته من نوع خاص ، وحسبك أنّه كان يتبع النبي محمّدا صلى الله عليه و آله اتّباع الفصيل لأُمّه كما صرّح بذلك(2) وحتّى في ساعات اختلائه في غار حراء ... ويشهد التطوّر الروحي والفكري الذي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمرّ فيه ، كان عليه السلام يعيش التحوّل الروحي الهائل الذي شهدته نفس المصطفى صلى الله عليه و آله حتّى أشرق عليه وحي السماء المبارك .
ولقد كان للمستوى الروحي والخلقي البعيد المدى ، الذي سمت إليه نفس أمير المؤمنين عليه السلام إن شعر بالتحوّل الكبير ، الذي جرى في عالم الغيب ، وشهد إرهاصات النبوّة كما شهدها أُستاذه ومعلّمه الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وعاشها كما عاشها بملئ كيانه ، حين سطع الهدى ، وتلقّى رسول اللّه صلّى الله عليه و آله أوّل بيان ، لتكليفه بحمل الرسالة ، فكان علي عليه السلام أوّل من استقبله بالتصديق واليقين وكذلك فعلت خديجة الكبرى (رضي اللّه عنها) ، فانبثق من أجل ذلك أوّل نواة لمجتمع المتّقين في الأرض .
ص: 14
دلّت الأخبار المستفيضة بل المتواترة على أنّ النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وعترته الطاهرة صلوات اللّه عليهم كانوا أنوارا حول عرش اللّه قبل أن يخلق الخلق جميعا حتّى الملائكة . فعن جابر قال : قلت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله أوّل شيء خلق اللّه تعالى ما هو ؟ فقال صلى الله عليه و آله : « نور نبيّك ياجابر ، فخلقه اللّه ، ثمّ خلق منه كلّ خير »(1).
وعن محمّد بن ثابت قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : « ياعلي إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وإيّاك من نور اللّه الأعظم »(2).
وعن الصادق عليه السلام قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقنا من نور عظمته »(3).
وعن الباقر عليه السلام في تفسير الآية الشريفة : «فَآمِنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا»(4) قال : « النور واللّه الأئمّة من آل محمّد
صلى الله عليه و آله إلى يوم القيامة هم واللّه نور اللّه الذي أُنزل ، هم واللّه نور اللّه في السماوات والأرض »(5).
وسئل الإمام الصادق عليه السلام ما كنتم قبل أن يخلق اللّه السماوات والأرض ؟
قال عليه السلام : « كنّا أنوارا حول عرش اللّه نسبّح اللّه ونقدّسه حتّى خلق اللّه الملائكة فقال لهم سبّحوا فقالوا : ياربّنا لا علم لنا . فقال لنا : سبّحوا ، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، إلاّ أنّ خلقنا من نور اللّه »(6).
ص: 15
من هنا يعلم أنّ القول المشهور بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوّل من أسلم أو أوّل من آمن غير دقيق إذا أُريد منه المعنى الحقيقي لا النسبي لأنّه عليه السلام كان مؤمنا إماما قبل أن يخلق اللّه الخلق وكما أنّ النبي الأعظم صلى الله عليه و آله كان نبيّا قبل أن يخلق اللّه الخلق وهكذا بقيّة الأئمّة عليهم صلوات اللّه وحينما نقول أنّ عليا أوّل المؤمنين ، هو أوّل المؤمنين برسول اللّه صلى الله عليه و آله منذ ذلك العالم ، وحينما خلقه اللّه تعالى على الأرض تجسّد ذلك الإيمان إذ جعلهم اللّه تعالى آيات وحجج على خلقه في الأرض ، فحينما تلقّى الرسول صلى الله عليه و آله الوحي لم يدعُ عليا عليه السلام إلى الإسلام كما دعا غيره فيما بعد ، أبدا ، لأنّ عليا عليه السلام كان مؤمنا قبل أن يخلقه اللّه تعالى ، مسلما على فطرته جلّ وعلا ، لم تصبه الجاهلية بأرجاسها ، ولم يتفاعل مع شيء من سفاسفها .
فأمير المؤمنين عليه السلام لم يفاجأ بأمر الدعوة المباركة ، طالما عاش في كنف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتفيّأ ظلاله ، لذلك حينما أعلن رسول اللّه صلى الله عليه و آله الدعوة الإلهية لبّى النداء بروحه ووعيه وكلّ جوارحه ، دون أن يباغت في الأمر ، وإن كان هناك من جدّة في المسألة ، فإنّما هي في الكيفية ، التطبيقية للرسالة ودرجة المسؤولية الواجب تحمّلها ،
أو تفاصيل الأحكام - على ما يراه البعض - وحين بلّغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة ، بلّغ كذلك أن تنصبّ دعوته أوّلاً على الخاصّة من أهل بيته عليهم السلام وقد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله : (فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذكر ما أنعم اللّه عليه ، وعلى العباد به ، من النبوّة سرّا إلى من يطمئن إليه من أهله ...)(1).
وقد أشار الإمام زين العابدين عليه السلام إلى إيمان أمير المؤمنين عليه السلام باللّه ورسوله
ص: 16
قائلاً: « ... ولقد آمن باللّه تبارك وتعالى وبرسوله صلى الله عليه و آله وسبق الناس كلّهم إلى الإيمان باللّه وبرسوله وإلى الصلاة ثلاث سنين »(1).
ولأسبقيته في حمل الدعوة أشار أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : « ... ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير سول اللّه صلى الله عليه و آله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوّة ... »(2).
وبعد أن تخطّت الدعوة مرحلة دعوة الخاصّة من أهل البيت عليهم السلام جاءت مرحلة دعوة من يتوسّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيهم القبول لدعوته ، فانخرط عدد من الناس في الإسلام حيث كان أغلبهم من الشباب ، وكانت لقاءاتهم من أجل قراءة القرآن الكريم والتعرّف على أحكام دين اللّه تعالى تتمّ بصورة سرّية ... .
وحينما أذن اللّه عزّوجلّ لرسوله صلى الله عليه و آله بإنذار عشيرته الأقربين من بني هاشم في قوله تعالى : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(3)، دخلت الرسالة الإسلامية مرحلة جديدة وكان صوت علي عليه السلام وحده الملبّي للنداء ، والمؤازر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله منذ تلك اللحظة بل كان من قبلها مؤمنا سائرا بخطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحذو حذوه صلى الله عليه و آله ولم يدعه لحظة واحدة طيلة حياته الشريفة وهو يجسّد الإخلاص والتضحية والتفاني بكلّ معانيه من أجل إعلاء كلمة اللّه .
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أُمّة قائمة برأسها لها ملامحها الخاصّة وصفاتها المميّزة ، في
ص: 17
أي الميادين جئت تتحدّث عنه وجدته أروع إنسان وأكمله على امتداد سلسلة الوجود البشري وسعتها . فكيف لا ! وهو نظير رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما قال عنه صلى الله عليه و آله : عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ما من نبي إلاّ وله نظير من أُمّته ، وفي أُمّتي : علي نظيري »(1). نعم .. كان الإمام عليه السلام نظير رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الفضائل والمزايا إلاّ النبوّة ، ويشهد بذلك حديث (سدّ الأبواب في المسجد إلاّ باب علي)(2).
وحديث المنزلة : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى »(3).
فإذا جئت إلى زهده عليه السلام كان مثلاً أعلى في الزهد ، حيث إنّه عليه السلام رسم بزهده للبشرية أحرف مضيئة في سماء المجد ليهون على الفقير ما هو فيه من المسكنة والحاجة ، فالفقير عندما يرى إمام المسلمين في جشوبة عيشه وخشونة ملبسه ، تسكن نفسه ويخفّف ذلك من آلامه ومتاعبه ، إنّها خلاصة زهديات علي عليه السلام عرفها النبي صلى الله عليه و آله بعلم الغيب والشهادة ، فصاغها بأحرف من نور نطق بها لتكون علامة فارقة لإنسان امتاز عن سائر البشر .
وكان لزهده عليه السلام وعزوفه عن الدنيا ورغبته في الآخرة ومواساته للفقراء ، أثر واضح في حياته الشريفة قبل خلافته وبعدها ، ممّا جعله إمام الزهّاد وأرقى العباد .
فعن عمّار بن ياسر رضى الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : « إنّ اللّه عزّوجلّ قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إليه منها وهي زينة الأبرار عند اللّه :
ص: 18
الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ(1) من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ووصب(2) إليك المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماما »(3).
وعنه عليه السلام قال : « ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدى به ، ويستضيء بنور علمه ... ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه ... ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد ، فواللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا »(4).
وعنه عليه السلام : « ولو شئت لأهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ... أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى ... »(5).
وعنه عليه السلام : « واللّه لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها »(6).
لقد وضع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بسيرته هذه أعظم الأُسس التي عليها تشاد
ص: 19
أعظم الأفكار وأعلاها في دنيا الزهد والتقشّف ، وهذا هو الزهد الإسلامي الذييحضّ عليه الشارع خصوصا ممّن كان في مركز القيادة ، وكان قادرا ومبسوط اليد لتناول الطيّبات وما تشتهيه النفس وتلذّه العين .
إنّ زهد أمير المؤمنين عليه السلام هو الباب الواسع والمدخل الرئيسي الذي يستطيع الإنسان أن يحدّد سلوكه من خلاله ، دون أن ينحرف عقائديا أو يضلّ فكريا وسلوكيا ، إنّها دعوة الحدّ من الإسراف في الطيّبات وتوفير بعضها ، إنّها دعوة للاقتصاد في الملبس من أجل غاية أسمى ، إنّها غاية أجلّ وأسمى من الطعام والشراب والملبس ، إنّها غاية من أجل جعل النفس شفّافة تنظر إلى الناس ، خصوصا المعدمين منهم فتلمس نفوسهم ببعض تلك ؟؟؟ وتدقّ على قلوبهم بأوتار المحبّة التي تدفع هذا الإنسان كي يعيش آلامهم ويتحسّس واقعهم فيرفق بهم ما أمكنه ذلك وسمحت له الظروف .
وإذا جئت إلى كرمه فهو سيّد الكرام وإمام الأسخياء ، قدّم نفسه في سبيل اللّه جلّ وعلا فأنزل اللّه فيه : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ ...»(1)
وقدّم طعامه فأنزل فيه وفي أهل بيته : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه ِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْما عَبُوسا قَمْطَرِيرا * فَوَقَاهُمْ اللّه ُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا»(2).
وتصدّق بخاتمه في صلاته ، فأنزل اللّه فيه : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
ص: 20
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
وعن أبي إسحاق قال : (كان لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام أربعة دراهم لم يملك غيرها فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله فقال ياعلي ما حملك على ما صنعت قال إنجاز موعود اللّه فأنزل اللّه : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً» إلى آخر الآيات)(2).
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : (كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر ويستخرج الأرضين وأنّه أعتق ألف مملوك من كدّ يده)(3).
أمّا شجاعته فهو الغني عن التعريف أنّه البطل الذي حمل السيف بيمناه يدفع عن رسالة اللّه ووحي السماء فكم جلى من كرب عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكم دفع من أذى المشركين والمنافقين عنه ، وتلك حروبه في بدر وأُحد وخيبر ، والأحزاب تنطق وتعرب عن شجاعته وفدائه وقوّته وشدّة شكيمته ، إنّه الفارس الذي ما انهزم في واقعة ولا عثر في موضع بل كان النصر دائما حليفه وأعلام الفتح تخفق بين يديه .
والباحث المنصف حين يتناول حياة الإمام علي عليه السلام بالدراسة وفي شطرها الجهادي بالذات يقف مذهولاً أمام بطولاته الفريدة وتضحياته المعطاءة ، لكن البطولة بما هي بطولة ليست هي الميّزة في جهاده عليه السلام وإن كان ميدانها الواسع وشمولها يبقى سمة من سماته عليه السلام ولكن الأهم فيها إنّما هو الإخلاص للّه تعالى والتضحية في سبيله .
فإيمان أمير المؤمنين عليه السلام باللّه تعالى يبقى هو الحافز والمحرّك لتلك البطولات
ص: 21
العظيمة التي سجّلها التاريخ الإسلامي في أنصع صفحاته بشكل لم يسجّل مثلها لسواه .
أمّا في ميادين العلم والمعرفة فتأخذنا أفكار نهجه ، وما يتضمّن من بلاغة وفصاحة إلى القول إنّه أفصح الناس بعد رسول اللّه وأعلمهم ، بل هو باب مدينة علم الرسول وعيبة علمه ، إليه ألقت الشريعة مقاليدها ، فأعطت عن يديه الخيرات والبركات ، فكم من الشبهات قد دفع وكم من المعضلات قد جلى ، وكم من الأُمور الغامضة والألغاز المعمية قد فتق ، إذ نقف أمام كلماته نجدها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق كما قيل .
فعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب »(1).
وعن الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام : « أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ عليا مدينة هدى من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك »(2).
ولا يخفى على أهل الأدب والمعرفة ما في هذه الأحاديث وغيرها من بديع التعبير وغزارة المعنى وجمال اللفظ ، فالنبي الأعظم صلى الله عليه و آله يُشبه علمه الواسع بالمدينة الواسعة الكبيرة التي تضمّ الملايين وهذا في نفس الوقت إشارة إلى علمه صلى الله عليه و آله الغزير الكثير ثمّ يحصر طريق الوصول إلى هذه المدينة العلمية بباب واحد .
أمّا عدله عليه السلام فهو الإمام الذي إن قال فصل ، وإن حكم عدل ، تولّى الخلافة فأعاد الحقّ إلى نصابه ، ردّ المظالم لأصحابها بالسويّة ، وعدل في الرعية حتّى قال بعد
ص: 22
أن عوتب على التسوية في العطاء : (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ، واللّه لا أطور به ما سمر سمير وما أمّ نجم في السماء نجما ولو كان المال لي لسوّيت بينهم ، فكيف وإنّما المال مال اللّه)(1).
وقد كان عدله عليه السلام أهمّ الأُمور التي لم تتحمّلها الفئة المترفة في عهد من سبقه ، فلذا كان أحد أسباب النقمة عليه ، بل أهمّ أسبابها التي أخرجت جماعة منهم لحربه .
وأخيرا وليس آخرا نذكر ما قاله ابن عبّاس عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله : (لو أنّ الغياضي(2) أقلام والبحر مداد(3) والجنّ حساب والإنس كتّاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب)(4).
وهذا حديث عظيم جليل ، لا يكاد يقرأه الإنسان إلاّ وتملكه الدهشة ممّا لأمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل والمناقب ، وإنّ كلّ ما روي في شأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل والمحاسن والمناقب والمواقف والبطولات وغيرها ... ليست إلاّ بعض ما كان له عليه السلام كما اشتهر عن بعض أهل الأدب حينما سئل عن فضائله عليه السلام قال : ماذا أقول في رجل أخفى فضائله أولياؤه خوفا وأعداؤه حسدا ورغم ذا وذا ظهر منها ما يملأ الخافقين .
ص: 23
لم يحظ رجل في الإسلام ما حظيَ به أمير المؤمنين عليه السلام من ثناء وإجلال من لدن الرسالة الإسلامية ، وحثّها المتزايد لأتباعها لا على تقديره فحسب ، وإنّما على التزامه ، وانتهاج سبيله .
وقد انطوى القرآن الكريم والسنّة الشريفة والتاريخ الصحيح على نصوص وروايات تنطق كلّها بالثناء عليه .
فعن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(1)، قام أبو بكر وعمر من مجلسهما فقالا : يارسول اللّه هو التوراة ؟ قال صلى الله عليه و آله : لا ، قالا : فهو الإنجيل ؟ قال صلى الله عليه و آله : لا ، قالا : فهو القرآن ؟ قال صلى الله عليه و آله : لا ، قال فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « هو هذا ، إنّه الإمام الذي أحصى اللّه تبارك وتعالى فيه علم كلّ شيء »(2).
وعن أُمّ سلمة زوجة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله قالت : (لقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(3).
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ياعلي أنت تعلّم الناس تأويل القرآن ممّا لا يعلمون » فقال علي عليه السلام : ما أُبلّغ رسالتك من بعدك يارسول
ص: 24
اللّه ؟ فقال : « تخبر الناس بما يشكل عليهم من تأويل القرآن »(1).
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : « سلوني عن
كتاب اللّه فواللّه ما نزلت آية من كتاب اللّه في ليل ونهار ولا سير ولا مقام إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلّمني تأويلها »(2).
وعن عبّاد بن عبداللّه قال : قال علي عليه السلام : « ما نزلت في القرآن آية إلاّ وقد علمت أين نزلت وفي أي شيء نزلت وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت »(3).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ما نزلت آية إلاّ وأنا عالم متى نزلت وفي مَن نزلت ولو سألتموني عمّا بين اللوحين لحدّثتكم »(4).
كما أنّ أوّل مصحف جمع فيه القرآن هو مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال أبو الفرج محمّد بن إسحاق المعروف بابن النديم في الفهرست ما نصّه :
ترتيب سور القرآن في مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه ، قال ابن ظهير المنادي حدّثني الحسن بن العبّاس قال : أُخبرت عن عبدالرحمن عن أبي حمّاد عن الحكم بن السدوسي عن عبد خير عن علي عليه السلام أنّه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه و آله فأقسم أنّه لا يضع عن ظهره رداه حتّى يجمع القرآن ، فجلس في بيته ثلاثة أيّام حتّى جمع القرآن ، فهو أوّل مصحف جمع فيه
ص: 25
القرآن من قلبه ، وكان المصحف عند أهل جعفر ، ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه الله مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب ، يتوارثه بنو حسن على مرّ الزمان ، وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف(1).
وذكر السيّد الخوئي في كتابه الاجتهاد والتقليد حول جمع القرآن جاء فيه :
(وقد جمع الصحابة كتاب اللّه بتمامه في اضبارة خاصّة أيّام صاحب الدعوة الإلهية بأمر منه صلوات اللّه عليه وآله فإنّ تركه هذا القانون الموصى به إليه في الجرائد والعظام كما عليه المزاعم معرّض للتلف والزيادة والنقصان مع أنّه متكفّل لأنظمة حياة الأُمم وسعادتها فرسول السماء المبعوث للإصلاح لا يستسيغ ترك القرآن متفرّقا بين الصبيان والنساء .
ولم يختلف إثنان في جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام كتاب اللّه على حسب النزول ...)(2).
وقال السيّد الشيرازي :
إنّ أوّل آية من القرآن كان قد نزل بها جبرائيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهي قوله تعالى : (بسم اللّه الرحمن الرحيم ، اقرأ باسم ربّك الذي خلق)(3).
فأوّل آية من القرآن ابتدأ بأوّل يوم من البعثة النبوية الشريفة وآخر آية من آيات القرآن اختتم في الأيّام الأخيرة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وما بينهما من فترة كان نزول ما بين هاتين الآيتين ، وتلك الفترة استغرقت مدّة ثلاث وعشرين سنة ، وهنا ما يلفت
ص: 26
النظر ويجلب الانتباه وهو قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه و آله عند نزوله بالآية الأخيرة ، كما في الرواية : (ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة) .
فإنّه صريح في أنّ اللّه تعالى أمر نبيّه بجمع القرآن وبترتيبه ترتيبا دقيقا حتّى في مثل ترقيم الآيات ، وقد فعل النبي صلى الله عليه و آله ذلك في حياته كما أمره اللّه تعالى ولم يكن صلى الله عليه و آله ليترك القرآن متفرّقا حتّى يجمع من بعده .
وهل يمكن للرسول صلى الله عليه و آله مع كبير إهتمامه وكثير حرصه على حفظ القرآن الكريم أن لا يقوم بجمع القرآن وترتيبه ! وأن يتركه مبعثرا في أيدي المسلمين ويوكل جمعه إليهم مع أنّ الوحي أخبره بقوله : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ»(1).
فهل يصحّ أن يكون صلى الله عليه و آله حريصا على القرآن من جهة حتّى أنّه صلى الله عليه و آله كان يأمر بحفظ القرآن والاهتمام به والتحريض على تلاوته والعمل به وخاصّة في أيّامه الأخيرة ، حيث كان يقول مرارا وبألفاظ مختلفة متقاربة :
« إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا »(2).
وأن لا يجمع القرآن ويتركه مبعثرا من جهة أُخرى ؟
بل أليس القرآن هو دستور الإسلام الخالد ومعجزته الباقية على مرّ القرون والأعصار إلى يوم القيامة ؟
ومعه هل يعقل أن يتركه النبي صلى الله عليه و آله مبعثرا من دون أن يجمعه ؟
أم كيف يأذن اللّه تعالى لنبيّه بأن لا يقوم بجمعه مع أنّه تعالى يقول : «إِنَّ عَلَيْنَا
ص: 27
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»(1).
ويقول سبحانه أيضا : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(2).
فعلى النبي صلى الله عليه و آله إبلاغ القرآن مجموعا ومرتّبا إلى الناس كافّة ، كما جمعه اللّه تعالى ورتّبه .
إذن فهذا القرآن الذي هو بأيدينا على ترتيبه وجمعه ، وترقيم آياته وترتيب سوره وأجزائه ، هو بعينه القرآن الذي رتّبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجمعه للمسلمين في حياته صلى الله عليه و آله وذلك بأمر من اللّه تعالى لم يطرأ عليه أي تغيير وتحريف ، أو تبديل وتعديل ، أو زيادة ونقصان .
ويؤيّده ما روي في تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه أمر عليا عليه السلام بجمع القرآن وقال صلى الله عليه و آله : « ياعلي ، خلف فراشي المصحف في الحرير والقراطيس فخذوه وأجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة » فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثمّ ختم عليه)(3).
وهذه الرواية تدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه و آله أمر بجمع القرآن وعلي عليه السلام هو الذي جمعه بأمر مباشر من الرسول صلى الله عليه و آله وذلك في حياته صلى الله عليه و آله كما يستفاد من ظاهر الرواية(4).
ولا يخفى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد أملى ستّين نوعا من أنواع علوم القرآن ،
ص: 28
وذكر لكلّ نوع مثالاً يخصّه ، وسئل ابن عبّاس أين علمك من علم ابن عمّك ؟ فقال : (كنسبة قطرة من المطر إلى البحر)(1).
وقد علم الناس كافّة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأُصوله(2).
وعن ابن مسعود قال : (إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن وإنّ علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن)(3).
إنّ الحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها ، ولا يمكن تجاهلها هو أنّ عليا عليه السلام وكما أشرنا قد تربّى في حضن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وتأدّب بآدابه ، وتخلّق بأخلاقه ، واختصّ بظلّه وعنايته حتّى كان عيبة علمه ، وكاتم سرّه ، والقائم بأمره ومؤدّي أمانته ، ومن جملة ما اختصّ به عليه السلام ملازمته الدائمة للرسول صلى الله عليه و آله ووقوفه على كلّ ما كان ينزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوّلاً بأوّل ، ولا غرو فأمير المؤمنين عليه السلام كما صرّح الرسول في بدء الدعوة الإسلامية خليفته ووزيره ووصيّه ، حيث أنّه حينما جمع بني عبدالمطّلب فخطبهم وقال صلى الله عليه و آله : « أيّكم يؤازرني على هذا الأمر يكن أخي ووصيّي وخليفتي في أهلي ومنجز وعدي وقاضي دَيني ؟ » فأحجم القوم جميعا إلاّ عليا عليه السلام فقال له النبي صلى الله عليه و آله : « أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي ؟
تنجز عدتي وتقضي دَيني »(4).
ص: 29
ولابدّ للوزير والخليفة والوصي أن يعرف كلّ ذلك ليقوم مقام المستخلف في إدارة الأُمّة ، وتدبير الأُمور ، والحفاظ على الرسالة ، ولهذا كان علم الإمام علي عليه السلام بالكتاب العزيز علما لا يدانيه علم ، والتزامه بالقرآن التزاما لا يضاهيه التزام ولهذا قال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله : « علي مع القرآن والقرآن مع علي »(1) ونستنتج من الحديث الشريف الحقائق التالية :
1 - إنّ أقوال اللّه جلّ وعلا والرسول صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام واحدة من حيث الحجّة ووجوب الاتّباع ، وأنّ أقوال أمير المؤمنين عليه السلام هي بمنزلة القرآن الكريم .
والنتيجة الطبيعية لذلك أنّ عليا عليه السلام هو الوسيلة إلى اللّه ، وحجّته على الخلق ، وأنّ الراد عليه راد على القرآن .
2 - إنّ عليا عالم بحقائق القرآن ودقائقه ، وأنّ عنده علوم القرآن بكاملها ، ولذا لم يفترقا .
3 - إنّ عليّا كالقرآن لا يخطئ ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
4 - إنّه خالد بخلود القرآن ، وإنّ هذا الخلود مستمر إلى يوم يبعثون .
5 - إنّ القرآن مفتقر إلى علي عليه السلام كما أنّ عليا في حاجة إلى القرآن ، لأنّ معنى التلازم بين شيئين هو افتقار كلّ إلى الآخر ، فعلي عليه السلام يرجع إلى القرآن كمصدر للعلم ، والقرآن يفتقر إلى علي عليه السلام للبيان والتفسير ، لذا قال الإمام عليه السلام : « هذا كتاب اللّه الصامت ، وأنا كتاب اللّه الناطق »(2).
إنّه الفارق بين الحقّ والباطل ، ومن أجل هذا قال له النبي صلى الله عليه و آله : « لا يبغضك
ص: 30
مؤمن ولا يحبّك منافق »(1)، ومن أجل هذا أيضا كان عليه السلام قسيما للجنّة والنار كما قال عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « فكذلك أنت قسيم الجنّة والنار تقول لها هذا لي وهذا لك »(2)، أي بحبّه يعرف المؤمنون الذين خلقت لهم الجنّة ، وببغضه يعرف أهل النار من المنافقين - على بعض التفاسير - وبكلمة واحدة إنّ الحديث الشريف يدلّ دلالة واضحة أنّ عليا عليه السلام والقرآن الكريم سواء بسواء ، وإنّ كلّ ما للكتاب من فضل وعظمة فهو لعلي عليه السلام ، لمكان التلازم والعلاقة بين الإثنين .
*
إنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ النبي صلى الله عليه و آله وأهل بيته الطاهرين وعلى الأخصّ منهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في المقام الأرفع والمنزلة الرفيعة والمكانة السامية عند اللّه تعالى التي لم يتوصّل إليها أحد من المخلوقات ، وقد شهدت بذلك الآيات الكريمة وصرّحت به الأحاديث الشريفة المعتبرة ، فمن مثلهم وقد نزل القرآن الكريم في بيوتهم الشريفة ، كما نزل الثناء عليهم وذكر فضائلهم ومزاياهم ، وقد جعلهم اللّه تعالى سادة الخلق والحجّة على البشر بل على الموجودات ، وأوجب جلّ وعلا ولايتهم وطاعتهم ومحبّتهم ، وجعل ولايتهم شرطا في قبول الأعمال والطاعات والعبادات كلّها ، وجعلهم الوسيلة إليه ، والشفعاء لديه وسفن النجاة ، ومصابيح الهدى ، وأركان التُّقى ، والعروة الوثقى ، وحبل اللّه المتين ، وصراطه المستقيم ، والساقون على حوضه ، والحاملون للوائه فهم معصومون مطهّرون ، مكرمون ولهم الوجاهة والكرامة والمنزلة
ص: 31
الرفيعة عنده سبحانه .
إنّ القرآن الكريم الذي نزل على قلب النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وهبطت عليه آياته المباركة تلقّاها أمير المؤمنين عليه السلام من فم النبي الطاهر صلى الله عليه و آله دون واسطة ودون حواجز . ولقد نزلت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة آية بحقّ علي عليه السلام خاطبته بلسان الجمع بقوله سبحانه : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» وهذه الآيات تثبت علوّ مكانته عليه السلام ومنزلته الخاصّة عند اللّه عزّوجلّ ، لأنّه سبحانه خاطب المؤمنين به من خلاله إمّا لأنّه المعني أوّلاً لأنّه أليق بخاطبه سبحانه المباشر أو لأنّه الإمام القدوة للمؤمنين أو لأنّ إيمانه يعدل إيمان المؤمنين طرّا ومن القبيح مخاطبة الناقص مع وجود الكامل ، كما هناك من الآيات الشريفة التي نزلت بحقّه عليه السلام واضحة جلية لا غبار عليها مثل آية المباهلة ، وآية المبيت على الفراش ، وآية الاطاعة ، وآية الولاية ، وآية القربى ، وآية التطهير ، وآية الأحكام ، وآية الشكر ، وآية السلام وغيرها من الآيات ونحن بهذا الكتاب جمعنا كلّ ما جاء في القرآن الكريم وما نزل في حقّ علي عليه السلام وذكرنا أسباب النزول لهذه الآيات الشريفة وما يتعلّق بها من أُمور وكان غرضنا من ذلك بيان الحقيقة التي تشوّشت في أذهان البعض بسبب الفكر المنحرف والإعلام المضلّل .
ودعوة الناس إلى الاقتداء بأمير المؤمنين عليه السلام والتزام طاعته وولايته لأنّها فروض عينية على كلّ العباد .
وإظهارا لمحبّتنا وولاءنا لساحته المقدّسة التي نرجو أن يتقبّلها منّا ويرتضينا في زمرة أصحابه وأنصاره في الدنيا والآخرة آمين ياربّ العالمين .
هذا وقد جاء تبويب الكتاب على حسب تسلسل الآيات الواردة بحسب
ص: 32
تسلسل السور .
أسأل اللّه تعالى أن يتقبّل ذلك منّا بقبول حسن وأن يعفو عن زلاّتنا وأن يدّخر لنا ما بذلناه من جهد في سبيل نصرة أوليائه ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم والحمد للّه ربّ العالمين .
المؤلّف: الشيخ علي حيدر المؤيّد
ص: 33
ص: 34
فضائل أمير المؤمنين عليه السلام في الذكر المبين
ص: 35
ص: 36
«اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ»
سورة الفاتحة
قال أمير المؤمنين عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل ، عن اللّه عزّوجلّ أنّه قال : « ياعبادي كلّكم ضالّ إلاّ من هديته ، فسلوني الهدى أهدكم » .
ومنه : « ياعبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لأُسامحكم وإن قصّرتم فيما سواها ، واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلاّ أُناقشكم في ركوب ما عداها ، فإنّ أعظم الطاعات توحيدي ، وتصديق نبيّي ، والتسليم لمن نصبته بعده وهو علي بن أبي طالب والأئمّة الطاهرون من نسله . وإنّ أعظم المعاصي عندي الكفر بي وبنبيّي ، ومنابذة وليِّ محمّد من بعده علي بن أبي طالب وأوليائه من بعده ، فإن أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الأعلى والشرف الأشرف فلا يكوننّ أحد من عبادي آثر عندكم من محمّد ، وبعده من أخيه عليٍّ ، وبعدهما من أبنائهما القائمين بأُمور عبادي بعدهما ، فإنّ من كانت تلك عقيدته جعلته من أشرف ملوك جنّاتي .
واعلموا أنّ أبغض الخلق إليّ من تمثّل بي وادّعى ربوبيتي ، وأبغضهم إليّ بعده من تمثّل بمحمّد ، ونازعه نبوّته وادّعاها ، وأبغضهم إليّ بعده من تمثّل بوصي محمّد ونازعه محلّه وشرفه وادّعاهما ، وأبغض الخلق إليّ من بعده هؤلاء المدّعين لما به لسخطي يتعرّضون ، من كان لهم على ذلك من المعاونين ، وأبغض الخلق إليّ من بعد هؤلاء من كان بفعلهم من الراضين . وإن لم يكن لهم من المعاونين .
ص: 37
وكذلك أحبُّ الخلق إليّ القوّامون بحقّي ، وأفضلهم لديّ وأكرمهم عليّ محمّد سيّد الورى ، وأكرمهم وأفضلهم بعده علي أخو المصطفى المرتضى ، ثمّ بعدهما القوّامون بالقسط أئمّة الحقّ ، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقّهم ، وأحبّ الخلق إليّ بعدهم من أحبّهم وأبغض أعداءهم وإن لم يمكنه معونتهم .
ومعنى هذا التأويل أنّ النبي والأئمّة عليهم السلام هم الصراط المستقيم لما يأتي بيانه من طريق العامّة عن السدّي ، عن أسباط ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : قوله تعالى : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ» أي قولوا معاشر الناس : « اِهدنا الصراط المستقيم » أي إلى ولاية محمّد وأهل بيته عليهم السلام(1).
حدّثنا أبي رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت ، عن عبداللّه بن الصلت عن يونس بن عبدالرحمن ، عمّن ذكره ، عن عبيداللّه بن الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : الصراط المستقيم أمير المؤمنين علي عليه السلام .
حدّثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هشام رحمه الله قال : حدّثنا أبي ، عن جدّي ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال : هو أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفته ، والدليل على أنّه أمير المؤمنين عليه السلام قوله عزّوجلّ : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(2) وهو أمير المؤمنين عليه السلام
في أُمّ الكتاب في قوله عزّوجلّ : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ»(3).
ص: 38
فقال : في قوله سبحانه : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ» وهو علي [ بن أبي طالب ] عليه السلام .
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن محمّد النوفلي ، عن محمّد بن حمّاد الشاشي(1)، عن الحسين بن أسد الظفاري(2)، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن عبّاس الصايغ ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتّى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان فإذا هو على فراشه(3). فلمّا رأى عليا عليه السلام خفّ له . فقال له علي عليه السلام : لا تّتخذن زيارتنا إيّاك فخرا على قومك . قال : لا ، ياأمير المؤمنين ولكن ذخرا وأجرا . فقال له : واللّه ما كنت علمتك إلاّ خفيف المؤونة كثير المعونة . فقال صعصعة : وأنت واللّه ياأمير المؤمنين إنّك ما علمتك إلاّ باللّه العليم ، وإنّ اللّه في عينك لعظيم ، وإنّك في كتاب اللّه لعلي حكيم ، وإنّك بالمؤمنين [ ل- ] -رؤوف رحيم .
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن واهل بن سليمان ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لمّا صرع(4) زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتّى جلس عند رأسه فقال : رحمك اللّه يازيد ، قد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة ، فرفع زيد رأسه إليه فقال : وأنت جزاك اللّه خيرا ياأمير المؤمنين ،
ص: 39
فواللّه ما علمتك إلاّ باللّه عليما ، وفي أُمّ الكتاب عليّا حكيما ، وإنّ اللّه في صدرك عظيما(1).
وجاء في دعاء يوم الغدير : « وأشهد أنّه الإمام الهادي الرشيد ، أمير المؤمنين الذي ذكرته في كتابك فإنّك قلت : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(2)-(3).
ص: 40
«وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»
سورة البقرة
قال الإمام عليه السلام : ثمّ قال اللّه عزّوجلّ لهؤلاء : «وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» قال : « أقيموا » الصلوات المكتوبات التي جاء بها محمّد وأقيموا أيضا « الصلاة » على محمّد وآل محمّد الطيّبين الطاهرين الذين علي سيّدهم وفاضلهم « وآتوا الزكاة » من أموالكم إذا وجبت ، ومن أبدانكم إذا لزمت ، ومن معونتكم إذا التمست « واركعوا مع الراكعين » أي تواضعوا مع المتواضعين لعظمة اللّه عزّوجلّ في الانقياد لأولياء اللّه لمحمّد نبي اللّه ، ولعلي ولي اللّه ، وللأئمّة بعدهما سادات أصفياء اللّه (1).
روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» « نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي خاصّة ، وهو أوّل من صلّى وركع »(2).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن ابن عبّاس في قوله : «وَارْكَعُوا» قال : « ممّا نزل في القرآن خاصّة في رسول اللّه وعلي بن أبي طالب وأهل بيته من سورة
ص: 41
البقرة : «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» إنّها نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب وهما أوّل من صلّى وركع »(1).
وروى بإسناده عن ابن عفيف الكندي عن أبيه عن جدّه قال : « قدمت مكّة لأبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأويت إلى العبّاس بن عبدالمطّلب وكان رجلاً تاجرا فأنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة وقد طلعت الشمس في السماء وارتفعت إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ، ثمّ قام مستقبل الكعبة ، فلم ألبث إلاّ يسيرا حتّى جاء غلام فقام عن يمينه ، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيرا حتّى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة ، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة فقلت : ياعبّاس أمر عظيم ، فقال العبّاس : نعم أمر عظيم ، تدري من هذا الشاب ؟ قلت : لا . قال : هذا محمّد بن عبداللّه بن عبدالمطّلب هذا ابن أخي هل تدري من هذا الغلام ؟ قلت : لا . قال : هذا علي بن أبي طالب هذا ابن أخي ، أتدري من هذه المرأة ؟ قلت : لا . قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجته ، إنّ ابن أخي هذا أخبر أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا واللّه ما على ظهر الأرض كلّها أحد على هذا الدين الذي هو عليه ، ولا واللّه ما على ظهر الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة »(2).
روى الحبري بإسناده عن ابن عبّاس ، قوله : «وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ» إنّها نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وهما أوّل من صلّى وركع(3).
ص: 42
«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ»
سورة البقرة
قال الإمام عليه السلام : ثمّ قال اللّه عزّوجلّ لسائر الكافرين واليهود والمشركين : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ» أي بالصبر عن الحرام على تأدية الأمانات ، وبالصبر عن الرياسات الباطلة وعلى الاعتراف لمحمّد بنبوّته ولعلي بوصيّته ؛ واستعينوا بالصبر على خدمتهما وخدمة من يأمرانكم بخدمته على استحقاق الرضوان والغفران ، ودائم نعيم الجنان في جوار الرحمن ، ومرافقة خيار المؤمنين ، والتمتّع بالنظر إلى غرّة محمّد(1)
سيّد الأوّلين والآخرين وعلي سيّد الوصيّين والسادة الأخيار المنتجبين فإنّ ذلك أقرّ لعيونكم وأتمّ لسروركم وأكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان .
واستعينوا أيضا بالصلوات الخمس و « الصلاة » على محمّد وآله الطيّبين على قرب الوصول إلى جنّات النعيم . وأيضا إنّ هذه الفعلة من الصلوات الخمس ومن الصلاة على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، والانقياد لأوامرهم ، والإيمان بسرّهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلِمَ وكيف « لكبيرة » عظيمة « إلاّ على الخاشعين »
ص: 43
الخائفين عقاب اللّه في مخالفته في فرائضه(1).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي في كتابه (شواهد التنزيل) قال : حدّثونا عن أبي بكر السبيعي باسناده المذكور عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال :
« الخاشع الذليل في صلاته ، المقبل عليها يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليا »(2).
ص: 44
«وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ وَاللّه ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»
سورة البقرة
روى الثعلبي في تفسيره قال : لمّا أراد النبي صلى الله عليه و آله الهجرة خلّف عليا عليه السلام لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خروجه إلى الغار ، وقد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه ، وقال له : ياعلي اِتّشح ببردي الحضرمي ، ثمّ نم على فراشي ، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء اللّه .
ففعل ما أمره به ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى جبرئيل وميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختار كلّ منهما الحياة ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما ، ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، إهبطا إلى الأرض ، فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا ، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل يقول : بخ بخ من مثلك ياعلي بن أبي طالب ، يُباهي اللّه بك ملائكته ، فأنزل اللّه عزّوجلّ على رسوله صلى الله عليه و آله ، وهو متوجّه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب عليه السلام «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي»الآية(1).
ص: 45
وروى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نزل عليَّ جبرئيل عليه السلام صبيحة يوم الغار فقلت : حبيبي جبرئيل مالي أراك فرحا مستبشراً فقال : يامحمّد وكيف لا أكون كذلك وقد قرّت عيني بما أكرم اللّه به أخاك ووصيّك وإمام أُمّتك علي بن أبي طالب ، فقلت : وبماذا أكرمه اللّه ؟ قال : باهى اللّه بعبادته البارحة ملائكته ، وحملة عرشه وقال : ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي على عبادي بعد نبيّي وقد بذل نفسه وعفّر خدّه في التراب تواضعا لعظمتي ، أُشهدكم بأنّه إمام خلقي ومولى بريّتي(1).
وفي أمالي شيخ الطائفة رحمه الله : بإسناده إلى حكيم بن جبير ، عن علي بن الحسين صلوات اللّه عليه في قول اللّه عزّوجلّ : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» قال : نزلت في علي عليه السلام حين بات على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).
وبإسناده إلى سعيد بن أوس قال : كان أبو عمرو بن العلا إذا قرء «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ»قال : كرّم اللّه عليا عليه السلام فيه نزلت هذه الآية(3).
وبإسناده إلى أنس بن مالك قال : لمّا توجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الغار ومعه أبو بكر أمر النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام أن ينام على فراشه ويتوشّح ببردته ، فبات علي عليه السلام موطّنا نفسه على القتل ، وجاءت رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم ، لا يشكّون أنّه محمّد صلى الله عليه و آله فقالوا :
ص: 46
أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه فلمّا أيقظوه فرأوه عليا تركوه ، فتفرّقوا في طلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنزل اللّه عزّوجلّ «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ وَاللّه ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» قال : ذاك أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعنى « يشري نفسه » يبذلها(2).
وفي مجمع البيان : روى السدي ، عن ابن عبّاس قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبي صلى الله عليه و آله من المشركين إلى الغار ونام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه و آله ، ونزلت الآية بين مكّة والمدينة(3).
وروي أنّه لمّا نام على فراشه قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك ياعلي بن أبي طالب يباهي اللّه تعالى الملائكة بك(4).
وورد في تفسير الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما قال عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : معاشر عباد اللّه عليكم بخدمة من أكرمه اللّه بالإرتضاء واجتباه بالإصطفاء وجعله أفضل أهل الالارض والسماء بعد محمّد صلى الله عليه و آله سيّد الأنبياء علي بن أبي طالب وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، وقضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركائكم ، فإنّ رعاية علي أحسن من
ص: 47
رعاية هؤلاء التجّار الخارجين بصاحبكم الذي ذكرتموه إلى الصين الذي عرّضوه للفناء وأعانوه بالشراء ، أما إنّ من شيعة علي من يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفّة ميزانه من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيّارة ، يقول الخلائق : قد هلك هذا العبد ، فلا يشكّون أنّه من الهالكين وفي عذاب اللّه من الخالدين ، فيأتيه النداء من قبل اللّه تعالى عزّوجلّ ، أيّها العبد الجاني هذه الذنوب الموبقات فهل لك بإزائها حسنات تكافيها ، فتدخل جنّة اللّه برحمة اللّه ، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد اللّه ؟
فيقول العبد : لا أدري ، فيقول منادي ربّنا عزّوجلّ : فإنّ ربّي يقول : ناد في عرصات القيامة : ألا وإنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا ، قد رهنت بسيئاتي كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بازائها ، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يد وعارفة فليغثني بمجازاتي عنها ، فهذا أوان شدّة حاجتي إليها ، فينادي الرجل بذلك ، فأوّل من يجيبه علي بن أبي طالب عليه السلام : لبّيك لبّيك أيّها الممتحن في محبّتي المظلوم بعداوتي .
ثمّ يأتي هو ومعه عدد كثير وجمّ غفير ، وإن كانوا أقلّ عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات .
فيقول ذلك العدد : ياأمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون وقد كان بنا بارّا ولنا مكرما ، وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا ، وقد بذلنا له عن جميع طاعتنا وبذلناها له ، فيقول علي عليه السلام فبماذا تدخلون جنّة ربّكم ؟ فيقولون : برحمة اللّه الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالى وليّك ياأخا رسول اللّه ، فيأتي النداء من قبل اللّه تعالى ياأخا رسول اللّه هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له ، فأنت ماذا تبذل له ،
ص: 48
فإنّي أنا الحكم ، ما بيني وبينه من الذنوب فقد غفرتها له بموالاته إيّاك ، وما بينه وبين عبادي من الظلامات ، فلابدّ من فصل الحكم بينه وبينهم ، فيقول علي عليه السلام : ياربّ أفعل ما تأمرني ، فيقول اللّه تعالى : ياعلي أضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله ، فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك ، ويقول : اقترحوا عليَّ ما شئتم أُعطيكم عوضا عن ظلاماتكم ، فيقولون : ياأخا رسول اللّه تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتك على فراش محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فيقول علي عليه السلام : قد وهبت ذلك لكم ، فيقول اللّه عزّوجلّ فانظروا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي فداءً لصاحبه من ظلاماتكم ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها ، فيكون من ذلك ما يرضي اللّه عزّوجلّ به خصماء أُولئك المؤمنين ثمّ يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فيقولون : ياربّ هل بقي من جنّتك شيء ، إذا كان هذا كلّه لنا فأين محلّ سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين ، ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم ، فيأتي النداء من قبل اللّه تعالى ياعبادي : هذا ثواب نفس من أنفاس علي الذي اقترحتموه عليه جعلته لكم ، فخذوه وانظروا فيبصرونهم ، وهذا المؤمن الذي عوّض علي عليه السلام إلى تلك الجنان ، ثمّ يرون ما يضيفه اللّه عزّوجلّ إلى ممالك علي عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا شاء اللّه عزّوجلّ من الأضعاف التي لا يعرفها غيره ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ»(1) المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
ص: 49
عن أبي القاسم بن السمرقندي ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا أبو العبّاس بن عقدة ، أخبرنا الحسين بن عبدالرحمن بن محمّد الأزدي ، أخبرنا أبي ، أخبرنا عبدالنور بن عبداللّه ، عن محمّد بن المغيرة القرشي ، عن إبراهيم بن عبداللّه بن معبد ، عن ابن عبّاس قال :
بات علي ليلة خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش وفيه نزلت هذه الآية : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» .
عن أبي الأعزّ قراتكين بن الأسعد ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني ، أخبرنا أحمد بن عبدالرحمن بن سراج ، ومحمّد بن أحمد بن الحسن القطواني ، أخبرنا عبّاد بن ثابت ، حدّثني سليمان بن قرم ، حدّثني عبدالرحمن بن ميمون أو عبداللّه ، حدّثني أبي ، عن عبداللّه بن عبّاس أنّه سمعه يقول :
أنام رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا على فراشه ليلة انطلق إلى الغار ، فجاء أبو بكر يطلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبره علي أنّه قد انطلق ، فاتّبعه أبو بكر ، وباتت قريش تنظر عليا ، وجعلوا يرمونه ، فلمّا أصبحوا إذا هم بعلي ، فقالوا : أين محمّد ؟ قال : لا علم لي به ، فقالوا : قد أنكرنا تضرّرك ، كنّا نرمي محمّدا فلا يتضرّر ، وأنت تضرّر ، وفيه نزلت هذه الآية : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» .
عن أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني ، أخبرنا أحمد بن يوسف ، أخبرنا محمّد بن يزيد النخعي ، أخبرنا عبيداللّه بن الحسن ، حدّثني معاوية بن عبداللّه بن عبيداللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي رافع . قال عبيداللّه بن الحسن : وحدّثني محمّد بن عبيداللّه بن علي بن أبي رافع عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي رافع .
ص: 50
أنّ عليا كان يجهّز النبي صلى الله عليه و آله حين كان بالغار ويأتيه بالطعام ، واستأجر له ثلاث رواحل ، للنبي صلى الله عليه و آله ولأبي بكر ودليلهم ابن أُريقط ، وخلّفه النبي صلى الله عليه و آله ، فخرج إليه أهله ، فخرج ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه ، وما كان يؤتمن عليه من مال ، فأدّى أمانته كلّها ، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج ، وقال : « إنّ قريشا لن يفقدوني ما رأوك » ، فاضطجع على فراشه ، فكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه و آله فيرون عليه رجلاً يظنّونه النبي صلى الله عليه و آله، حتّى إذا أصبحوا رأوا عليه عليا ، فقالوا : لو خرج محمّد خرج بعلي معه ، فحبسهم اللّه عزّوجلّ بذلك عن طلب النبي صلى الله عليه و آله حين رأوا عليا ولم يفقدوا النبي صلى الله عليه و آله .
وأمر النبي صلى الله عليه و آله عليا أن يلحقه بالمدينة ، فخرج علي في طلبه بعد ما أخرج إليه أهله يمشي من الليل ويكمن من النهار حتّى قدم المدينة ، فلمّا بلغ النبي صلى الله عليه و آله قدومه قال : « ادعوا لي عليّا » قيل : يارسول اللّه لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه النبي صلى الله عليه و آله اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دما ، فتفل النبي صلى الله عليه و آله في يديه ثمّ مسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية ، فلم يشتكهما علي حتّى استشهد .
عن أبو بكر محمّد بن عبدالباقي ، أخبرنا أبو محمّد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية ، أخبرنا أحمد بن معروف ، أخبرنا الحسين بن فهم ، أخبرنا محمّد بن سعد ، أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبداللّه بن محمّد - يعني ابن عمر بن علي - عن أبيه ، عن عبيداللّه بن أبي رافع ، عن علي قال :
لمّا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أُقيم بعده حتّى أُؤدّي ودائع كانت عنده للناس ، وإنّما كان يسمّى الأمين ، فأقمت ثلاثا ، وكنت أظهر ما
ص: 51
تغيّبت يوما ، ثمّ خرجت فجعلت أتبع طريق رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول اللّه صلى الله عليه و آله مقيم ، فنزلت على كلثوم بن الهِدم ، وهنالك منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
وروى : بات علي كرّم اللّه وجهه على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأوحى اللّه تعالى إلى جبريل وميكائيل عليهماالسلام : إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟ فاختارا كلاهما الحياة وأحباها ؛ فأوحى اللّه عزّوجلّ إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيّي محمّد صلى الله عليه و آله فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبريل عليه السلام يقول : بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب واللّه تعالى يباهي بك الملائكة ! فأنزل اللّه تعالى «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ وَاللّه ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(2).
حدّثنا عبداللّه حدّثني أبي حدّثنا يحيى بن حمّاد حدّثنا أبو عوانة حدّثنا أبو بلج حدّثنا عمرو بن ميمون قال إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا ياأبا عبّاس إمّا أن تقوم معناه وإمّا أن تخلونا هؤلاء قال فقال ابن عبّاس بل أقوم معكم قال وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فابتدؤا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا قال فجاء ينفض ثوبا ويقول أُف وتف وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه و آله لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه اللّه أبدا يحبّ اللّه ورسوله قال فاستشرف لها من استشرف قال أين علي قالوا هو في الرحل يطحن قال وما كان أحدكم ليطحن قال
ص: 52
فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر قال فنفث في عينيه ثمّ هزّ الراية ثلاثا فأعطاها إيّاه فجاء بصفية بنت حيي .
قال ثمّ بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه قال لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه .
قال وقال لبني عمّه أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة قال وعلي معه جالس فأبوا فقال علي أنا أُواليك في الدنيا والآخرة قال أنت وليّي في الدنيا والآخرة قال فتركه ثمّ أقبل على رجل منهم فقال أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا قال فقال علي أنا أُواليك في الدنيا والآخرة فقال أنت وليّي في الدنيا والآخرة .
قال وكان أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة .
قال وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا .
قال وشرى علي نفسه لبس ثوب النبي صلى الله عليه و آله ثمّ نام مكانه قال وكان المشركون يرمون رسول اللّه صلى الله عليه و آله فجاء أبو بكر وعلي نائم ثمّ قال وأبو بكر يحسب أنّه نبي اللّه
قال فقال يانبي اللّه قال فقال له علي إنّ نبي اللّه صلى الله عليه و آله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال وجعل علي يُرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي اللّه وهو لا يتضوّر قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّى أصبح ثمّ كشف عن رأسه فقالوا إنّك اللئيم كان صاحبك نراميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك .
قال وخرج بالناس في غزوة تبوك قال فقال له علي أخرج معك قال فقال له نبي اللّه لا فبكى علي فقال له أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ
ص: 53
أنّك لست بنبي إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي .
قال وقال له رسول اللّه أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي وقال سدّوا أبواب المسجد غير باب علي فقال فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره قال وقال من كنت مولاه فإنّ مولاه علي .
قال وأخبرنا اللّه عزّوجلّ في القرآن إنّه قد رضى عنهم عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم هل حدّثنا إنّه سخط عليهم بعد .
قال وقال نبي اللّه صلى الله عليه و آله لعمر حين قال إئذن لي فلأضرب عنقه قال أوكنت فاعلاً وما يدريك لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم(1).
أنبأنا عبيداللّه بن أحمد بإسناده ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : وأقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله - يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة - ينتظر مجيء جبريل عليه السلام وأمره له أن يخرج من مكّة بإذن اللّه له في الهجرة إلى المدينة ، حتّى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي ، وأرادوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ما أرادوا ، أتاه جبريل عليه السلام
وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ، ويتسجّى ببرد له أخضر ، ففعل ، ثمّ خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله على القول وهم على بابه .
قال ابن إسحاق : وتتابع الناس في الهجرة ، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه علي بن أبي طالب وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخّره بمكّة ، وأمره أن ينام على فراشه وأجله ثلاثا ، وأمره أن يؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه ففعل . ثمّ
ص: 54
لحق برسول اللّه صلى الله عليه و آله .
أنبأنا أبو محمّد بن أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة اللّه الدمشقي إجازة : أنبأنا أُبي أنبأنا أبو الأغر قراتكين بن الأسعد ، حدّثنا أبو محمّد الجوهري ، حدّثنا أبوحفص بن شاهين ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، حدّثنا أحمد بن يزيد النخعي ، حدّثنا عبيداللّه بن الحسن ، حدّثني معاوية بن عبداللّه بن عبيداللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه عن أبي رافع قال عبيداللّه بن الحسن :
وحدّثني محمّد بن عبيداللّه بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي رافع في هجرة النبي صلى الله عليه و آله قال : وخلفه النبي صلى الله عليه و آله - يعني خَلَف عليا - يخرج إليه بأهله ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه ، وما كان يؤتمن عليه من مال ، فأدّى علي أمانته كلّها ، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج ، وقال إنّ قريشا لم يفقدوني ما رأوك . فاضطجع على فراشه ، وكانت قريش تنظر إلى فراش النبي صلى الله عليه و آله فيرون عليه عليا ، فيظنّونه النبي صلى الله عليه و آله ، حتّى إذا أصبحوا رأوا عليه عليا ، فقالوا : لو خرج محمّد لخرج بعلي معه ، فحبسهم اللّه بذلك عن طلب النبي حين رأوا عليا ، وأمر النبي صلى الله عليه و آله عليا أن يلحقه بالمدينة ، فخرج علي في طلبه بعدما أخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمن النهار ، حتّى قدم المدينة . فلمّا بلغ النبي صلى الله عليه و آله قدومه قال : ادعو لي عليا . قيل : يارسول اللّه ، لا يقدر أن يمشي . فأتاه النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه اعتنقه وبكى ، رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دما ، فتفل النبي صلى الله عليه و آله في يديه ، ومسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتّى استشهد رضي اللّه تعالى
ص: 55
عنه(1).
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبدالرزّاق ، قال : أخبرني أبي ، عن عكرمة ، قال : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله وأبو بكر إلى الغار ، أمر علي بن أبي طالب ، فنام في مضجعه ، فبات المشركون يحرسونه . فإذا رأوه نائما حسبوا أنّه النبي صلى الله عليه و آله ، فتركوه . فلمّا أصبحوا ثاروا إليه وهم ؟؟؟ أنّه النبي صلى الله عليه و آله ، فإذا هم بعلي ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . قال : فركبوا الصعب ؟؟؟ في طلبه .
حدّثنا إسحاق ، قال : حدّثنا عبدالرزّاق ، عن معمّر ، قال : أخبرني عثمان الجريري : أنّ مقسما مولى ابن عبّاس أخبره عن ابن عبّاس ، في قوله : «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ» قال : تشاورت قريش ليلة بمكّة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه و آله . وقال بعضهم : بل اقتلوه وقال بعضهم : بل اخرجوه فأطلع اللّه نبيّه على ذلك ، فبات علي رضى الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه و آله تلك الليلة ، وخرج النبي صلى الله عليه و آله حتّى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا ، يحسبون أنّه النبي صلى الله عليه و آله . فلمّا أصبحوا ثاروا إليه ، فلمّا رأوه عليا رضى الله عنه ، ردّ اللّه مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري . فاقتصّوا أثره فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار ، رأوا على بابه نسج العنكبوت ، قالوا : لو دخل ههنا لم يكن نسج على بابه فمكث فيه ثلاثا .
محمّد بن الحسين ، قال : حدّثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدّثنا أسباط ، عن السدي : «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّه ُ وَاللّه ُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» قال : اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في
ص: 56
النبي صلى الله عليه و آله بعدما أسلمت الأنصار وفرّقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه . فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد ، فدخل معهم في دار الندوة فلمّا أنكروه قالوا : من أنت ؟ فواللّه ما كلّ قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا قال : أنا رجل من أهل نجد أسمع من حديثكم وأُشير عليكم . فاستحيوا فخلوا عنه . فقال بعضهم : خذوا محمّدا إذا اصطبح على فراشه ، فاجعلوه في بيت نتربّص به ريب المنون والريب : هو الموت ، والمنون : هو الدهر قال إبليس : بئسما قلت ، تجعلونه في بيت فيأتي أصحابه فيخرجونه فيكون بينكم قتال فقالوا : صدق الشيخ . قال : أخرجوه من قريتكم قال إبليس : بئسما قلت ، تخرجونه من قريتكم وقد أفسد سفهاءكم فيأتي قرية أُخرى فيفسد سفهاءهم فيأتيكم بالخيل والرجال . قالوا : صدق الشيخ . قال أبو جهل ، وكان أولاهم بطاعة إبليس : بل نعمد إلى كلّ بطن من بطون قريش ، فنخرج منهم رجلاً فنعطيهم السلاح ، فيشدّون على محمّد جميعا فيضربونه ضربة رجل واحد ، فلا يستطيح بنو عبدالمطّلب أن يقتلوا قريشا ، فليس لهم إلاّ الدية . قال إبليس : صدق ، وهذا الفتى هو أجودكم رأيا . فقاموا على ذلك ، وأخبر اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ، فنام على الفراش ، وجعلوا عليه العيون . فلمّا كان في بعض الليل ، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار ، ونام علي بن أبي طالب على الفراش ، فذلك حين يقول اللّه : «لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ» والإثبات : هو الحبس والوثاق ، وهو قوله : «وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذا لاَ يَلْبَثُونَ خِلاَفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً» يقول : يهلكهم . فلمّا هاجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة لقيه عمر ، فقال له : ما فعل القوم ؟
وهو يرى أنّهم قد أهلكوا حين خرج النبي صلى الله عليه و آله من بين أظهرهم ، وكذلك كان يصنع
ص: 57
بالأُمم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : « أخِّروا بالقتال »(1).
ولنعم ما قال صاحب بن عبّاد :
قالت : فمن بات مِن فوق الفراش فدى
فقلت : أثبت خلقِ اللّه في الوهل
ص: 58
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»
سورة البقرة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قوله : «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» قال : في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي أمالي شيخ الطائفة : باسناده إلى محمّد بن إبراهيم قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام يقول في قوله تعالى : «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» قال : في ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام«وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» قال : لا تتّبعوا غيره(2).
وفي تفسير العياشي : عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» قال : أتدري ما السلم ؟ قال : قلت : لا أعلم قال : ولاية علي والأئمّة الأوصياء من بعده ، قال : و «خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» واللّه ولاية فلان وفلان(3).
ص: 59
عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكر عترة خاتم النبيين والمرسلين ، وهم باب السلم فادخلوا في السلم ولا تتّبعوا خطوات الشيطان(1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه في أماليه ، عن محمّد بن القطّان بإسناده ، عن علي بن بلال ، عن الإمام علي بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن علي ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي عليهم السلام ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن اللوح ، عن القلم قال : يقول اللّه تبارك وتعالى : ولاية علي بن أبي طالب حصني ومن دخل حصني أمن من ناري(2).
في المناقب : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين عن أمير المؤمنين علي عليهم السلام قال :
ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم عليه السلام وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة خاتم النبيّين ، فأين يتاه بكم وأين تذهبون ؟ وإنّهم فيكم كأصحاب الكهف ، ومثلهم باب حطّة ، وهم باب السلم في قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ»(3).
ولاية المولى تجب علينا
فإنّها سِلم يجب لدينا
ص: 60
«فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّه ِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّه ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»
سورة البقرة
وفي عيون الأخبار : بإسناده إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل اللّه المتين فليوال عليا بعدي وليعاد عدوّه ، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده(1).
وفي باب ما كتبه الرضا عليه السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين ، أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان ، وأنّهم العروة الوثقى وأئمّة الهدى والحجّة على أهل الدنيا إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها(2).
وعنه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يستمسك بالعروة التي لا انفصام لها فليستمسك
ص: 61
بولاية أخي ووصيّي علي بن أبي طالب فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولاّه ولا ينجو من أبغضه وعاداه(1).
وذكر صاحب نهج الإيمان(2) في معنى هذه الآية ما هذا لفظه : روى أبو عبداللّه الحسين بن جبير رحمه الله في كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب(3) حديثا مسندا إلى الرضا عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بحبّ علي بن أبي طالب(4).
أخرج الفقيه الحنفي أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي قال : أنبأني مهذّب الأئمّة أبو المظفّر عبدالملك بن علي بن محمّد الهمداني إجازة بإسناده عن عبدالرحمان بن أبي ليلى(5) عن أبيه : قال : قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب :
ص: 62
« أنت العروة الوثقى التي لا انفصام لها »(1).
وأخرج أيضا في « قتال أهل الشام » خطبة لعلي بن أبي طالب جاء فيها : « أنا مبيد الجبّارين ... والعروة الوثقى التي لا انفصام لها ؟؟؟ سميع عليم »(2).
قلت : العروة الوثقى هي الولاية
عند أُولي الألباب والدراية
ولنعم ما قيل :
همُ العروة الوثقى وهم معدن التُّقى
وخير حبال العالمين وثيقها
ص: 63
«وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ وَتَثْبِيتا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّه ُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»
سورة البقرة
في تفسير العياشي : عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» قال : علي أمير المؤمنين أفضلهم ، وهو ممّن ينفق ماله ابتغاء مرضاة اللّه (1).
أبو النضر العياشي قال : حدّثنا حمدويه قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن الخطّاب قال : حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير :
عن أبي جعفر عليه السلام قال : قوله : «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ» قال نزلت في علي عليه السلام .
ص: 64
وقال : حدّثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني حمران والعمركي ، عن العبيدي ، عن يونس ، عن أيّوب بن حر عن أبي بصير :
عن أبي عبداللّه قال : «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّه ِ» قال : علي أفضلهم وهو كان ممّن ينفق ماله ابتغاء مرضاة اللّه (1).
أفضل مَن ينفق هو العليّ
إنفاقه ابتغائه جليّ
ص: 65
«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»
سورة البقرة
وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله : «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا» قال : الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام(1).
أخبرني أبو القاسم المغربي(2) بقراءتي عليه من أصله ، قال : أخبرنا أبو بكر
ص: 66
بن عبدان الحافظ بالأهواز قال : حدّثني صالح بن أحمد قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة قال : حدّثنا محمّد بن علي الذهبي قال : حدّثنا أحمد بن عمران بن سلمة - وكان عدلاً ثقة مرضيا - قال : أخبرنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة :
عن عبداللّه قال : كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسئل عن علي فقال : قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأُعطي علي تسعة أجزاء وأُعطي الناس جزءا واحدا .
أخبرنا علي بن أحمد ، قال : أخبرنا أحمد بن عتبة ، قال : حدّثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ، قال : حدّثنا يحيى الحماني ، عن أبي مالك الجنبي عن بلال بن أبي مسلم ، عن أبي صالح الحنفي :
عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في
ص: 67
حلمه وإلى نوح في حكمته وإلى يوسف في اجتماعه فلينظر إلى علي بن أبي طالب .
أخبرنا أبو نصر المفسّر بقراءتي عليه من أصل نسخته بخط ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا محمّد بن حميد الرازي قال : حدّثنا حكام عن سفيان قال :
قال الربيع بن خثيم : ما رأيت رجلاً من يحبّه أشدّ حبّا من علي بن أبي طالب ، ولا من يبغضه أشدّ بغضا من علي ثمّ التفت فقال : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا» يعني عليا .
حدّثني أبو القاسم ابن أبي الحسن الفارسي قال : أخبرنا أبي قال : حدّثنا أبو العبّاس ابن عقدة قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة ، قال : حدّثنا عامر بن مفضّل التغلبي قال : حضرت حسن بن صالح غير مرّة أسأله عن المسألة فيقول : قال فيه حكيم الحكماء علي بن أبي طالب .
هكذا بخط أبي الحسن في أصله وهو عندي .
أخبرنا أبو سعد الرمجاري(1) قال : أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال :
أخبرنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا يحيى بن آدم ، قال :
ص: 68
حدّثنا شريك ، عن سعيد بن مسروق ، عن منذر ، عن الربيع بن خثيم أنّهم ذكروا عنده عليا فقال : لم أرهم يجدون عليه في حكمه واللّه تعالى يقول : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا» .
أخبرنا أبو سعد قال : أخبرنا أبو الحسين الكهيلي قال : حدّثنا مطين أبو جعفر قال : حدّثنا منجاب بن الحرث ، قال : أخبرنا شريك ، عن مالك بن مغول :
عن عامر قال : ذكر عند الربيع بن خثيم علي ، فقال : ما رأيت أحدا محبّه أشدّ حبّا له منه ، ولا مبغضه أشدّ بغضا له منه ، وما رأيت أحدا من الناس يجد عليه في الحكم ثمّ قرأ : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا» الآية . فقال الناس : ربيع بن خثيم ترابي . ولم يكونوا يدرون ما هو .
وبهذا الاسناد ، عن مطين قال : حدّثنا عبدالرحمان بن صالح الأزدي قال : حدّثنا محمّد بن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن منذر ، عن الربيع بن خثيم قال : إنّ عليا رجل إذا وجدت من يحبّه يحبّه الحب كلّه ، وإذا وجدت من يبغضه يبغضه البغض كلّه ، ثمّ صرف وجهه إليّ فقال : واللّه إن كان لعالما بالقضاء ، وقال اللّه
«وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا»وذكر عليا .
وعن مطين قال : حدّثنا منجاب بن الحرث قال : حدّثنا حصين بن عمر بن الفرات الأحمسي ، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عبداللّه بن عبّاس فجاء أُناس من أبناء المهاجرين فقالوا له : ياابن عبّاس أي رجل كان علي بن أبي طالب ؟ قال : ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة وقرابة من رسول اللّه .
أخبرنا أبو محمّد عبدالرحمان بن أحمد بن عبداللّه العدل قال : أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زياد ، قال : جدّنا أبو نعيم
ص: 69
ضرار بن صُرَد ، قال : حدّثنا ابن فضيل قال : حدّثنا سالم بن أبي حفصة ، عن منذر الثوري :
عن الربيع بن خثيم قال : قال علي العالم بالقضاء ثمّ قال : قال اللّه عزّوجلّ : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ» الآية(1).
وأُوتي الحكمة والخير الكثير
وكيف لا وهو على الناس أمير
ص: 70
«الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»
سورة البقرة
وفي تفسير العياشي : عن أبي إسحاق قال : كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لم يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم ليلاً ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا ، وبدرهم علانية ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله فقال : ياعلي ما حملك على ما صنعت ؟ قال : إنجاز موعد اللّه ، فأنزل اللّه «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً» إلى آخر الآية(1).
وفي من لا يحضره الفقيه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قول اللّه تعالى : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» قال : نزلت في النفقة على الخيل .
قال مصنّف هذا الكتاب : روي أنّها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكان سبب نزولها أنّه كان معه أربعة دراهم فتصدّق بدرهم منها بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في
السرّ ، وبدرهم في العلانية فنزلت هذه الآية ، والآية إذا نزلت في
ص: 71
شيء فهي منزلة في كلّ ما يجري فيه ، فالاعتقاد في تفسيرها إنّها نزلت في أمير المؤمنين وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك انتهى(1).
وفي مجمع البيان : قال ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في علي عليه السلام كانت معه أربعة دراهم فتصدّق بواحد ليلاً وبواحد نهارا وبواحد سرّا وبواحد علانية ، وهوالمروي عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام(2).
مجاهد عن ابن عبّاس قال : كان عند علي بن أبي طالب - كرّم اللّه وجهه - أربعة دراهم لا يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم سرّا ، ودرهم علانية ، ودرهم ليلاً ودرهم نهارا ، فنزلت «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» الآية(3).
وأخرج عبدالرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عبّاس في قوله : «الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً» قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما ، وبالنهار درهما ، وسرّا درهما ، وعلانية درهما(4).
ينفق بالليل وبالنهار
أمواله سرّا وبالإظهار
ص: 72
«... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ إِنَّ اللّه َ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ »
سورة آل عمران
جاء في تأويل هذه الآية الكريمة منقبة جليلة عظيمة من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ومناقب الزهراء ذات الفضل المبين صلّى اللّه عليهما وعلى ذرّيتهما صلاة باقية إلى يوم الدين ، وهو ما نقله الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب مصباح الأنوار بحذف الاسناد قال : روي عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم [ ساغبا (1)] فقال لفاطمة عليهاالسلام : هل عندك شيء نغتذي به ؟ فقالت : لا ، والذي كنت أُوثرك به على نفسي وعلى ابنيّ الحسن والحسين . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يافاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا ؟ فقالت : ياأبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر به .
فخرج علي عليه السلام من عندها واثقا باللّه وحسن الظنّ به ، فاستقرض دينارا فأخذه ليشتري لهم به ما يصلحهم ، فعرض له المقداد بن الأسود رضى الله عنه وكان يوماً
ص: 73
شديد الحرّ وقد لوّحته الشمس(1) من فوقه ، وآذته من تحته . فلمّا رآه أمير المؤمنين عليه السلام أنكر شأنه فقال له : يامقداد ما أزعجك الساعة من رحلك ؟ فقال ياأبا الحسن : خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي . فقال : ياأخي لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك . فقال : ياأبا الحسن رغبت إلى اللّه وإليك أن تخلّي سبيلي ولا تكشفني عن حالتي . فقال : ياأخي لا يسعك أن تكتمني حالك . فقال : ياأبا الحسن أمّا إذا أبيت فوالذي أكرم محمّدا بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد ؛ وقد تركت عيالي جياعا ، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض خرجت مهموما راكبا رأسي(2)؛ هذه حالتي وقصّتي .
قال : فانهملت عينا علي عليه السلام بالبكاء حتّى بلّت دموعه كريمته(3) وقال : أحلف بالذي حلفت به [ أنّ ] ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك ، وقد اقترضت دينارا فهاكه ، آثرك به على نفسي . فدفع إليه الدينار ورجع فدخل المسجد فسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليه السلام وقال : ياأبا الحسن هل عندك عشاء نتعشّاه فنمضي معك ؟ فمكث أمير المؤمنين عليه السلام مطرقا لا يحير جوابا حياءً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . و [ كان ] قد عرّفه اللّه ما كان من أمر الدينار من أين وجهه بوحي من اللّه يأمره أن يتعشّى عند علي تلك الليلة . فلمّا نظر إلى سكوته قال : ياأبا الحسن مالك لا
تقول : لا ، فأنصرف عنك ، أو : نعم فأمضي معك ؟ فقال : حبّا وكرامة ، اذهب بنا .
فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد أمير المؤمنين وانطلقا حتّى دخلا على فاطمة -
ص: 74
صلوات اللّه عليها وعليهم أجمعين - وهي في محرابها قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخّانا . فلمّا سمعت كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرجت مع مصلاّها وسلّمت عليه - وكانت أعزّ الناس عليه - فردّ عليها السلام ومسح يده على رأسها وقال : يابنتاه كيف أمسيت - يرحمك اللّه - ؟ قالت : بخير . قال : عشّينا - رحمك اللّه - وقد فعل(1).
فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول اللّه وعلي - صلوات اللّه عليهما وآلهما - فلمّا نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى الطعام وشمّ ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا . فقالت له فاطمة : سبحان اللّه ما أشحّ نظرك وأشدّه ! فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب به السُّخطة منك ؟ فقال : وأيّ ذنب أعظم من ذنب أصبته اليوم ؟ أليس عهدي بك وأنت تخلفي باللّه مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين(2)؟ قال : فنظرت إلى السماء وقالت : إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه إنّي لم أقل إلاّ حقّا . فقال لها : يافاطمة فأنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشمّ مثل ريحه ولم آكل أطيب منه ؟
قال : فوضع النبي صلى الله عليه و آله كفّه المباركة على كتف أمير المؤمنين علي عليه السلام وهزّها ، ثمّ هزّها ثلاث مرّات ثمّ قال : ياعلي هذا بدل دينارك ، هذا جزاء دينارك(3) من عند اللّه ، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب . ثمّ استعبر باكيا وقال : الحمد للّه الذي أبى
ص: 75
لكما أن يخرجكما من الدنيا حتّى يجريك ياعلي مجرى زكريّا ، ويجريك يافاطمة مجرى مريم بنت عمران ، وهو قوله تعالى : «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَ رِزْقا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ إِنَّ اللّه َ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)-(2).
ص: 76
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»
سورة آل عمران
وفي تفسير علي بن إبراهيم : عن أبي عبداللّه عليه السلام : وأمّا قوله : «فَمَنْ حَاجَّكَ» ، الآية ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فباهلوني ، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم ، وإن كنت كاذبا أُنزلت عليَّ ، فقالوا : أنصفت ، فتواعدوا للمباهلة فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم : السيّد والعاقب والأهتم ، إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنّه ليس بنبي ،وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله ، فإنّه لا يقدّم أهل بيته إلاّ وهو صادق ، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات اللّه عليهم أجمعين) ، فقال النصارى : من هؤلاء ؟ فقيل لهم : إنّ هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابنته فاطمة ، وهذان إبناه الحسن والحسين عليهماالسلامففرّقوا ، وقالوا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعطيك الرضا ، فاعفنا عن المباهلة ، فصالحهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الجزية ، وانصرفوا(1).
ص: 77
وقد صحّ في الخبر أنّه عليه السلام وقد سأله سائل عن بعض أصحابه ، فأجابه عن كلّ بصفته ، فقال : فعلي ؟ فقال صلى الله عليه و آله : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي(1).
وفي كتاب الخصال : في احتجاج علي عليه السلام على أبي بكر قال : فأُنشدك باللّه أبي ردّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك ؟ وبأهلك وولدك ؟ قال : بكم(2).
وفيه أيضا : في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتعدادها ، قال عليه السلام : والرابعة والثلاثون فإنّ النصارى ادّعوا أمرا ، فأنزل اللّه عزّوجلّ فيه : «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» فكانت نفسي نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والنساء فاطمة والأبناء الحسن والحسين ، ثمّ ندم القوم ، فسألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الاعفاء ، فعفى عنهم ، وقال : والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمّد ، لو باهلونا لمسخهم قردة وخنازير(3).
وفي روضة الكافي : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن ظريف ، عن عبدالصمد بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ما يقولون لكم في الحسن والحسين عليهماالسلام قال قال :
ص: 78
ينكرون علينا إنّهما إبنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فأي شيء احتججتم عليهم ياأبا الجارود قلت : احتججنا عليهم بقول اللّه تعالى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).
وفي تفسير العياشي : عن جرير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن فضائله فذكر بعضها ، ثمّ قالوا له : زدنا ، فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه حبران من أحبار اليهود من أهل نجران فتكلّما في أمر عيسى فأنزل هذه الآية «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّه ِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ» إلى آخر الآية ، فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة ، ثمّ خرج ورفع كفّه إلى السماء وفرج بين أصابعه ودعاهم إلى المباهلة قال : وقال أبو جعفر عليه السلام : وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثمّ يرفعهما إلى السماء ، فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه : وإن كان نبيّا لنهلكنّ وإن كان غير نبي كفانا قومه فكفانا وانصرفا(2).
عن أبي جعفر الأحول ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : ما تقول قريش في الخمس ؟ قال : قلت : تزعم أنّه لها ، قال : ما أنصفونا واللّه ولو كان مباهلة ليباهلنّ بنا ، ولئن كان مبارزة ليبارزن بنا ثمّ نكون وهم على سواء(3).
وفي مجمع البيان : وقال عليه السلام : إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة
ص: 79
فإنّي أنا أبوهم(1).
وفي عيون الأخبار في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر عليه السلام مع هارون الرشيد لمّا قال له : كيف تكونون ذرّية رسول اللّه وأنتم أولاد ابنته ؟ حديث طويل يقول فيه عليه السلام لهارون : أُزيد ياأمير المؤمنين ، قال : هات ، قلت : قول اللّه تعالى : «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» ولم يدّع أحد إنّه أدخل النبي صلى الله عليه و آله تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله عزّوجلّ : « أبناءنا » الحسن والحسين و « نساءنا » فاطمة « وأنفسنا » علي بن أبي طالب على أنّ العلماء قد اجتمعوا على أنّ جبرائيل قال يوم أُحد : يامحمّد إنّ هذه لهي المواساة من علي قال :
لأنّه منّي وأنا منه(2).
وفيه في باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والأُمّة حديث طويل ، وفيه قالت العلماء : فأخبرنا هل فسّر اللّه تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟ فقال الرضا عليه السلام : فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر
موطنا وموضعا فأوّل ذلك قوله عزّوجلّ ، إلى أن قال : وأمّا الثالثة حين ميّز اللّه الطاهرين من خلقه فأمر نبيّه صلى الله عليه و آله بالمباهلة بهم في آية المباهلة ، فقال عزّوجلّ :
يامحمّد فمن «حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»
ص: 80
فأبرز النبي صلى الله عليه و آله عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات اللّه عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه هل تدرون ما معنى قوله : « وأنفسنا وأنفسكم » « قالت العلماء : عنى به نفسه ، قال أبو الحسن عليه السلام : غلطتم إنّما عني به علي بن أبي طالب عليه السلام وممّا يدلّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه و آله : لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي ، يعني علي بن أبي طالب عليه السلام وعنى بالأبناء الحسن والحسين عليهماالسلام وعنى بالنساء فاطمة عليهاالسلام فهذه خصوصية لا يتقدّمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يستبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه(1).
وفيه عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل يقول فيه عليه السلام : ياعلي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبّك فقد سبّني لأنّك منّي كنفسي ، وروحك من روحي ، وطينتك من طينتي(2).
وفيه عن المنذر ، قال : حدّثنا علي عليه السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» الآية قال : أخذ بيد علي وفاطمة وابنيهما عليهماالسلام فقال رجل من اليهود : لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه فلم يدعوه(3)-(4).
وروي أنّهم لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : ياعبد المسيح ، ما ترى ؟ فقال واللّه لقد عرفتم يامعشر
ص: 81
النصارى أنّ محمّدا نبي مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، واللّه ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا ، فقال أُسقف نجران : يامعشر النصارى ، إنّي لأرى وجوها لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : ياأبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا قال « فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم » فأبوا . قال : « فإنّي أُناجزكم » فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا ترددنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة : ألف في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك(1) وقال : « والذي نفسي بيده ، إنّ الهلاك قد
ص: 82
تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولأستأصل اللّه نجران وأهله حتّى الطير على رؤس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا ، وعن عائشة ؟؟؟ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ علي ، ثمّ قال(1): «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» .
أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان قال : أخبرنا محمّد بن إسماعيل الورّاق إذنا حدّثنا أبو بكر بن أبي داود حدّثنا يحيى بن حاتم العسكري حدّثنا بشر بن مهران حدّثنا محمّد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر بن عبداللّه قال : قدم وفد نجران على النبي صلى الله عليه و آله : العاقب والطيّب فدعاهما إلى الإسلام فقالا : أسلمنا يامحمّد قبلك ، قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام ؟ قالا : فهات أنبئنا ! قال : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل الخنزير ، فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه أن يغادياه بالغداة ، فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثمّ أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيباه وأقرّا له بالخراج ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحقّ نبيّا لو فعلا لأمطر عليهما الوادي نارا .
قال جابر : فيهم نزلت هذه الآية «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية قال الشعبي أبناءنا : الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي
ص: 83
طالب عليه السلام(1).
وأخرج الحاكم وصحّحه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال « قدم على النبي صلى الله عليه و آله العاقب ، والسيّد ، فدعاهما إلى الإسلام فقالا : أسلمنا يامحمّد قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام . قالا : فهات . قال : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة ، فوعداه إلى الغد ، فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخذ بيد علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه ، وأقرّا له ، فقال : والذي بعثني بالحقّ لو فعلاً
ص: 84
لأُمطر الوادي عليهما نارا .
قال جابر : فيهم نزلت «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ...» الآية . قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي ، وأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس « إنّ وفد نجران من النصارى قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم . منهم السيّد وهو الكبير ، والعاقب وهو الذي يكون بعده ، وصاحب رأيهم ، فقال رسول اللّه لهما : أسلما قالا : أسلمنا . قال : ما أسلمتما . قالا : بلى . قد أسلمنا قبلك . قال : كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما . عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أنّ للّه ولدا . ونزل «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّه ِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ...» الآية . فلمّا قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول . ونزل «فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ»يقول : ما جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن «فَقُلْ تَعَالَوْا» إلى قوله «ثُمَّ نَبْتَهِلْ» يقول : نجتهد في الدعاء إنّ الذي جاء به حمّد هو الحقّ ، وإنّ الذي يقولون هو الباطل فقال لهم : إنّ اللّه
قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أُباهلكم فقالوا : ياأبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثمّ نأتيك . فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيّد للعاقب : قد واللّه علمتم أنّ الرجل نبي مرسل ، ولئن لاعنتموه إنّه ليستأصلكم ، وما لاعن قوم قط نبيّا فبقي كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم . فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم إلاّ إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم . وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج ومعه علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم . فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية » .
ص: 85
وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقّاص قال : لمّا نزلت هذه الآية «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فقال « اللهمّ هؤلاء أهلي » .
وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري قال « لمّا نزلت هذه الآية «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ...» الآية . أرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى علي ، وفاطمة ، وإبنيهما الحسن ، والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير ؟ لا تلاعنوا . فانتهوا »(1).
ولنعم ما قال صاحب بن عبّاد :
قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب
فقلت أحمد خير السادة الرسل
قالت فمن بعد تصفى الولاء له
قلت الوصي الذي أربى على زحل
قالت فمن باهل الطهر النبي به
فقلت تاليه في حلّ مرتحل
ص: 86
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّه ُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
سورة آل عمران
وفي تفسير العياشي : عن ابن يزيد قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله : «وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا» قال : علي بن أبي طالب عليه السلام حبل اللّه المتين(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : وروى الشيخ المفيد رحمه الله في تأويل هذه الآية ، وهو من محاسن التأويل ، عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال علي بن الحسين (صلوات اللّه عليهما) : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم جالسا في المسجد وأصحابه حوله ، فقال لهم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه ، قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر ، فتقدّم وسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس
وقال : يارسول اللّه إنّي سمعت اللّه يقول : «وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا» فما
ص: 87
هذا الحبل الذي أمر اللّه بالاعتصام به ولا نتفرّق عنه ؟ قال : فأطرق ساعة ثمّ رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : هذا حبل اللّه الذي من تمسّك به عصم في دنياه ولم يضلّ في أُخراه ، قال : فوثب الرجل إلى علي بن أبي طالب واحتضنه من وراء ظهره ، وهو يقول : اعتصمت بحبل اللّه وحبل رسوله ، ثمّ قام فولّى وخرج ، فقام رجل من الناس فقال : يارسول اللّه (صلّى اللّه عليك وآلك) الحقه واسأله أن يستغفر لي ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا تجده مرفقا ، قال : فلحقه الرجل وسأله أن يستغفر له ؟
فقال له : هل فهمت ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما قلت له : قال الرجل : نعم ، فقال له : إن كنت متمسّكا بذلك الحبل فغفر اللّه لك ، وإلاّ فلا غفر اللّه لك ، وتركه ومضى(1).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي : قال : حدّثني الحسين بن محمّد ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان بن أعين ، قال : حدّثنا أبو حفص الأعمش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام قال : جاء رجل في صورة أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه بأبي أنت وأُمّي ما معنى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا» فقال له النبي صلى الله عليه و آله : أنا نبي اللّه وعلي بن أبي طالب حبله ، فخرج الأعرابي وهو يقول : آمنت باللّه وبرسوله وبحبله(2).
وقال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاري معنعنا عن جعفر بن محمّد قال بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في جماعة من أصحابه إذ ورد عليه أعرابي فبرك بين يديه فقال : يارسول اللّه إنّي سمعت اللّه يقول في كتابه : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا» فما هذا الحبل الذي أمرنا اللّه بالاعتصام به ما هو ؟ قال : فضرب النبي يده
ص: 88
على كتف علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ولاية علي عليه السلام فقام الأعرابي وضبط بكفّيه واصبعه جميعا ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه وأعتصم بحبل اللّه ، قال وشدّ أصابعه(1).
وقال حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي معنعنا عن جعفر بن محمّد عليهم السلام قال : نحن حبل اللّه الذي قال : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُوا»
وولاية علي التي من استمسك به كان مؤمنا ومن تركها خرج من الآيات(2).
حدّثني أبو الحسن محمّد بن القاسم الفارسي قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي(3) قال : حدّثنا حمزة بن محمّد العلوي قال : أخبرنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد :
عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل اللّه المتين فليوال عليا وليأتمّ بالهداة من ولده .
أخبرنا محمّد بن عبداللّه الصوفي قال : أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، قال : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى بن أحمد الجلودي قال : حدّثني محمّد بن سهل قال : حدّثنا عبدالعزيز بن عمرو ، قال : حدّثنا الحسن بن الحسن ، قال حدّثنا يحيى بن علي
ص: 89
الربعي عن أبان بن تغلب :
عن جعفر بن محمّد قال : نحن حبل اللّه الذي قال اللّه : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعا» الآية فالمستمسك بولاية علي بن أبي طالب المستمسك بالبر فمن تمسّك به كان مؤمنا ، ومن تركه كان خارجا من الإيمان .
وأخبرناه عن أبي بكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي في تفسيره قال : حدّثنا علي بن العبّاس المقانعي قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن حسين قال : حدّثنا حسن بن حسين قال : حدّثنا يحيى بن علي بن سواء إلى قوله : « ولا تفرّقوا » وقوله : ولاية علي ، من استمسك به كان مؤمنا ، ومن تركه خرج من الإيمان .
حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ جملة قال : حدّثني عبدالعزيز بن نصر الأموي قال : حدّثنا سليمان بن أحمد الحصي(1) قال : حدّثنا أبو عمارة البغدادي قال : حدّثنا عمر بن خليفة أخو هوذة قال : حدّثنا عبدالرحمان بن أبي بكر المليكي قال :
ص: 90
حدّثنا محمّد بن شهاب الزهري عن نافع :
عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله قال لي جبرئيل قال اللّه تعالى ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي(1).
ولنعم ما قيل :
ها عليّ بشر كيف بشر
ربّه فيه تجلّى وظهر
هو المبدأ شمس وضياء
هو الواجب نور وقمر
هو حبل اللّه والحِصن الذي
قد نجى مَن كان فيه من شَرَر
ص: 91
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ »
سورة آل عمران
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء الخفاف ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لمّا انهزم الناس يوم أُحد(1) عن النبي صلى الله عليه و آله انصرف إليهم بوجهه وهو يقول : أنا محمّد أنا رسول اللّه لم أُقتل ، ولم أمت ، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا : الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا ، وبقي معه علي
ص: 92
وسماك بن خرشة أبو دجانة(1) فدعاه النبي صلى الله عليه و آله فقال : ياأبا دجانة انصرف وأنت في حلّ من بيعتك ، فأمّا علي فهو أنا وأنا هو ، فتحوّل وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه و آله وبكى ، وقال : لا واللّه ورفع رأسه إلى السماء وقال : لا واللّه لا جعلت نفسي في حلّ من بيعتي إنّي بايعتك(2) فإلى من انصرف يارسول اللّه إلى زوجة تموت ، أو ولد يموت ، أو دار تخرب ، أو مال يفنى ، وأجل قد اقترب ، فرقّ له النبي صلى الله عليه و آله ، فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة ، وهو في وجه وعلي عليه السلام في وجه ، فلمّا سقط احتمله علي عليه السلام فجاء به إلى النبي صلى الله عليه و آله فوضعه عنده ، فقال : يارسول اللّه أوفيت ببيعتي ؟ قال : نعم ، وقال له النبي صلى الله عليه و آله: خيرا ، وكان الناس يحملون على النبي صلى الله عليه و آله الميمنة فيكشفهم علي عليه السلام فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي صلى الله عليه و آله فلم يزل كذلك حتّى تقطّع سيفه بثلاث قطع ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله فطرحه بين يديه فقال : هذا سيفي قد تقطّع ،
ص: 93
فيومئذ أعطاه النبي صلى الله عليه و آله ذو الفقّار ، ولمّا رأى النبي صلى الله عليه و آله اختلاج ساقيه(1) من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي ، وقال : ياربّ وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك ، فأقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال يارسول اللّه : أسمع دويا شديدا ، وأسمع (أقدم حيزوم)(2) وما أهمّ أضرب أحدا إلاّ سقط ميّتا قبل أن أضربه ؟ فقال : هذا جبرئيل عليه السلام وميكائيل وإسرافيل في الملائكة .
ثمّ جاءه جبرئيل عليه السلام فوقف إلى جنب رسول اللّه
صلى الله عليه و آله فقال : يامحمّد إنّ هذه لهي المواساة(3)، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ عليا منّي وأنا منه ، فقال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما(4)، ثمّ انهزم الناس ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي امض بسيفك حتّى
ص: 94
تعارضهم(1)، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل(2) فإنّهم يريدون مكّة ، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة .
فأتاهم علي عليه السلام فكانوا على القلاص ، فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام : ما تريد ؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة ، فانصرف إلى صاحبك .
فاتّبعهم جبرئيل عليه السلام ، فكلّما سمعوا وقع حافر فرسه ، جدّوا في السير ، وكان يتلوهم ، فإذا ارتحلوا قالوا : هو ذا عسكر محمّد صلى الله عليه و آله قد أقبل .
فدخل أبو سفيان مكّة فأخبرهم الخبر ، فجاء الرعاة والحطّابون فدخلوا مكّة ، فقالوا : رأينا عسكر محمّد صلى الله عليه و آله كلّما رحل أبو سفيان نزلوا ، يقدمهم فارس على فرس أشقر(3) يطلب آثارهم ، فأقبل أهل مكّة على أبي سفيان يوبّخونه . ثمّ رحل النبي صلى الله عليه و آله والراية مع علي عليه السلام وهو بين يديه ، فلمّا أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي عليه السلام أيّها الناس هذا محمّد لم يمت ولم يقتل ، فقال صاحب الكلام
ص: 95
الذي قال (الآن يسخر بنا وقد هزمتنا) هذا علي والراية بيده ، حتّى هجم عليهم النبي صلى الله عليه و آله ، ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم ، وخرج الرجال إليه يلوذون به ويثوبون إليه(1)، والنساء ، نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور ، وجززن النواصي ، وخرقن الجيوب ، وخرمن البطون(2) على النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا رأينه قال لهنّ خيرا ، وأمرهنّ أن يستترن ويدخلن منازلهنّ ، وقال : إنّ اللّه عزّوجلّ وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلّها ، وأنزل اللّه على محمّد صلى الله عليه و آله «وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا»(3).
وفي روضة الكافي : خطبة مسندة إلى أمير المؤمنين عليه السلام . وهي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه السلام : حتّى إذا دعا اللّه عزّوجلّ نبيّه ورفعه إليه(4)، لم يك ذلك(5). بعده إلاّ
ص: 96
كلمحة من خفقة(1)، أو وميض من برقة(2)، إلى أن رجعوا على الأعقاب(3)، وانتكصوا على الأدبار(4)، وطلبوا بالأوتار(5)، وأظهروا الكتائب(6)، وردموا
ص: 97
الباب(1)، وفلّوا الديار(2)، وغيّروا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورغبوا عن أحكامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلاً ، اتّخذوه وكانوا ظالمين ، وزعموا أنّ من اختاروا(3) من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّن اختاره الرسول صلى الله عليه و آله لمقامه ، وأنّ مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجر الأنصاري الربّاني ، ناموس هاشم بن عبد مناف(4)-(5).
في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : بإسناده إلى الإمام محمّد بن علي الباقر عليهماالسلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث طويل ، وفيه خطبة الغدير . وفيها : معاشر الناس أنذركم إنّي رسول اللّه إليكم قد خلت من قبلي الرسل أفإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم
ص: 98
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا ، وسيجزي اللّه الشاكرين ، ألا وإنّ عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثمّ من بعده ولدي من صلبه(1).
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي قال : أخبرنا أبو بكر الجرجرائي قال : حدّثنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني محمّد بن زكريا الغلاّبي قال : حدّثنا أيّوب بن سليمان قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن جعفر بن محمّد قال :
قال ابن عبّاس : ولقد شكر اللّه تعالى فعال علي بن أبي طالب(2) في موضعين من القرآن : «وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ»و «سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ»(3).
وفي التفسير العتيق قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الكوفي عن موسى بن قيس ، عن أبي هارون العبدي عن ربيعة بن ناجذ السعدي :
عن حذيفة بن اليمان قال : لمّا التقوا مع رسول اللّه بأُحد وانهزم أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأقبل علي يضرب بسيفه بين يدي رسول اللّه مع أبي دجانة الأنصاري حتّى كشف المشركين عن رسول اللّه ، فأنزل اللّه : «وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن
الْمَوْتَ» - إلى قوله - «وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» . عليا وأبا دجانة(4) وأنزل تبارك
ص: 99
وتعالى : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ»والكثير عشرة آلاف . إلى قوله : «وَاللّه ُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ» عليا وأبا دجانة(1).
مَن ينصر النبي في غزواته
من ينصر الإسلام في جولاته
ولا فتى إنّ علي شاهد
إنّ الفتوّة والعليّ واحد
برهان أنّ السيف ذو الفقار
مَن حارب العليّ ذو افتقار
صفوة خلق اللّه نفس المصطفى
عن كلّ ذنب وخطأ صفى
ص: 100
«الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للّه ِِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ»
سورة آل عمران
في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي : قال : حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا عن ابن عبّاس رضى الله عنه في يوم أُحد في قوله تعالى : «الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للّه ِِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ» يعني الجراحة «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ» نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وتسعة منهم بعثهم رسول اللّه
صلى الله عليه و آله في أثر أبي سفيان حين ارتحل فاستجابوا للّه ولرسوله(1)-(2).
أخبرني الوالد ، عن أبي حفص بن شاهين ، قال : حدّثنا أبو محمّد جعفر بن محمّد بن نصير(3) قال : حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن سليمان ، قال : حدّثنا ضرار بن صرد ، قال : حدّثنا علي بن هاشم عن محمّد بن عبيداللّه بن أبي رافع ، عن عون بن
ص: 101
عبداللّه بن أبي رافع عن أبيه(1).
عن أبي رافع : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث عليا في أُناس من الخزرج حين انصرف المشركون من أُحد ، فجعل لا ينزل المشركون منزلاً إلاّ نزله علي عليه السلام فأنزل اللّه في ذلك «الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للّه ِِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ» يعني الجراحات «الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ» هو نعيم مسعود الأشجعي «إِنَّ النَّاسَ» هو أبو سفيان بن حرب - «قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّه ُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللّه ِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللّه ِ وَاللّه ُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ»(2)-(3).
استجابوا في علي نزلت
لجروح وقروح وردت
ص: 102
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»
سورة النساء
وبإسناده إلى جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : لمّا أنزل اللّه عزّوجلّ على نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قلت : يارسول اللّه عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أُولوا الأمر الذين قرن طاعتهم بطاعته ؟
فقال عليه السلام : هم خلفائي ياجابر ، وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه ياجابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سميّي محمّد وكنيّي حجّة اللّه في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن
ص: 103
اللّه قلبه للإيمان . قال جابر : فقلت له : يارسول اللّه ، فهل لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال عليه السلام : والذي بعثني بالنبوّة أنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاّها سحاب ، ياجابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلاّ عن أهله(1).
وفي تفسير العياشي : عن أبان أنّه قال : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال سألته عن قول اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»؟ فقال : ذلك علي بن أبي طالب ثمّ سكت ، قال : فلمّا طال سكوته قلت : ثمّ مَن ؟ قال : ثمّ الحسن قلت : ثمّ من ؟ قال : ثمّ الحسين ، قلت : ثمّ من ؟ قال : ثمّ علي بن الحسين فلم يزل يسكت عند كلّ واحد حتّى أُعيد المسألة ، فيقول ، حتّى سمّاهم إلى آخرهم صلّى اللّه عليهم(2).
عن عبداللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال : هي في علي عليه السلام وفي الأئمّة ، جعلهم اللّه مواضع الأنبياء غير أنّهم لا يحلّون شيئا ولا يحرّمونه(3).
عن حكيم قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جعلت فداك أخبرني من أُولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم ؟ فقال لي : أُولئك علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر عليهم السلام فاحمدوا اللّه الذي عرّفكم أئمّتكم وقادتكم
ص: 104
حين جحدهم الناس(1).
وفي باب ما كتبه الرضا عليه السلام للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدين : وبإسناده إلى الرضا عليه السلام ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي عليهم السلام قال : أوصى النبي صلى الله عليه و آله إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام ، ثمّ قال في قول اللّه عزّوجلّ : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»قال : الأئمّة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة(2).
وفي أُصول الكافي : أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرت لأبي عبداللّه عليه السلام قولنا في الأوصياء : إنّ طاعتهم مفترضة ؟ فقال : نعم ، الذين قال اللّه عزّوجلّ : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»
وهم الذين قال اللّه عزّوجلّ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»(3)-(4).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن الحسين بن أبي العلا قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام :
ص: 105
الأوصياء طاعتهم مفروضة ؟ قال : نعم ، الذين قال اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وهم الذين قال اللّه تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زياد أبي سعيد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليا وأهل بيته عليهم السلام في كتابه عزّوجلّ ؟ فقال قولوا لهم : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ اللّه لهم ثلاثا ولا أربعا حتّى كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم حتّى كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزل الحجّ ، فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعا حتّى كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»ونزلت في علي والحسن والحسين ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علي . من كنت مولاه فعلي مولاه وقال : أُوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، فإنّي سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك ، وقال : لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، وقال : إنّهم لم يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة ، فلو سكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يبيّن من أهل بيته ، لادّعاها آل فلان وآل فلان ، ولكنّ اللّه عزّوجلّ أنزل في كتابه
ص: 106
تصديقا لنبيّه صلى الله عليه و آله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا» فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام فأدخلهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة ، ثمّ قال : اللهمّ إنّ لكلّ نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك ، فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء ، أهل بيتي وثقلي ، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1)-(2).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى بن السري أبي اليسع قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسدّ عليه دينه ولم يقبل منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه ، وقبل منه عمله ولم يضيّق به ممّا هو فيه لجهل شيء من الأُمور جهله ؟ فقال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والإيمان بأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، وحقّ في الأموال الزكاة ، والولاية التي أمر اللّه عزّوجلّ بها ، ولاية آل محمّد صلى الله عليه و آله قال : فقلت :
ص: 107
فهل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به ؟ قال : نعم ، قال اللّه عزّوجلّ : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة الجاهلية) . وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان علي عليه السلام، وقال الآخرون : وكان معاوية ، ثمّ كان الحسن ثمّ كان الحسين ، وقال الآخرون : يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء ، قال : ثمّ سكت ، ثمّ قال : أزيدك ؟ فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك قال : ثمّ كان علي بن الحسين ، ثمّ كان محمّد بن علي أبا جعفر ، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر وفتح لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم ، حتّى صار الناس يحتاجون إليهم بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس ، فهكذا يكون الأمر ، والأرض لا تكون إلاّ بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه ، إذا بلغت نفسك هذه ، وأهوى بيده إلى حلقه وانقطعت عنك الدنيا ، تقول حينئذ : لقد كنت على أمر حسن(1).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : قال علي عليه السلام في خطبة له : إنّ اللّه ذو الجلال والإكرام لمّا خلق الخلق واختار خيرة من خلقه واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولاً منهم وأنزل عليه كتابه وشرّع له دينه وفرض فرائضه فكانت الجملة قول اللّه (جلّ ذكره) حيث أمر فقال : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم ونقضتم
ص: 108
الأمر منكم ونكثتم العهد ولم يضرّ اللّه شيئا وقد أمركم أن تردّوا الأمر إلى اللّه وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منكم المستنبطين للعلم فأقررتم ثمّ جحدتم(1).
وفي كتاب معاني الأخبار : عن سُليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه سأله : ما أدنى ما يكون به الرجل ضالاً ؟ فقال : أن لا يعرف من أمر اللّه بطاعته وفرض ولايته وجعل حجّته في أرضه وشاهده على خلقه ، قال : فمن هم ياأمير المؤمنين ؟ قال : الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال : فقبّلت رأسه وقلت : أوضحت عنّي وفرّجت وأذهبت كلّ شكّ كان في قلبي(2).
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة : وبإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قد أخبرني ربّي جلّ جلاله أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يارسول اللّه ومن شركائي من بعدي ؟ قال : الذين قرنهم اللّه عزّوجلّ بنفسه وبي فقال : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»فقلت : يارسول اللّه ومن هم ؟ قال : الأوصياء من آلي ، يردون عليّ الحوض كلّهم هاديين مهديين ، لا يضرّهم من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أُمّتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع عنهم البلاء ، وبهم يستجاب دعاؤهم ، قلت : يارسول اللّه سمّهم لي ، قال :
قال : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسين ، ثمّ ابن له يقال له علي ، وسيولد في حياتك فاقرأه منّي السلام ، ثمّ تكمل اثني عشر إماما ، فقلت : يارسول اللّه سمّهم لي
ص: 109
فسمّاهم رجلاً رجلاً ، فقال فمنهم واللّه ياأخا بني هلال مهدي أُمّة محمّد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملأت جورا وظلما ، واللّه إنّي لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم(1).
وبإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : فأُنشدكم اللّه عزّوجلّ أتعلمون حيث نزلت : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وحيث نزلت : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) وحيث نزلت : «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»(3) قال الناس : يارسول اللّه هذه خاصّة
لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم ؟ فأمر اللّه عزّوجلّ نبيّه صلى الله عليه و آله أن يعلّمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ، ثمّ خطب ، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة ، الأهم في المقام وفي آخره قالوا : اللهمّ نعم قد سمعنا ذلك كلّه وشهدنا كما قلت سواء ، وقال بعضهم : قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظ كلّه ، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا بما فضّلنا(4).
ص: 110
وقال : حدّثني أحمد بن القاسم ، معنعنا عن أبي مريم قال : سألت جعفر بن محمّد عليه السلام عن قول اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»
كانت طاعة علي مفترضة ؟ قال : كانت طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّة مفترضة لقول اللّه تعالى : «مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه َ» وكانت طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
وقال : حدّثني عبيداللّه بن كثير ، معنعنا عن سلمان الفارسي رحمه الله قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي من برأ من ولايتك فقد برأ من ولايتي ، ومن برأ من ولايتي فقد برأ من ولاية اللّه ، ياعلي طاعتك طاعتي وطاعتي طاعة اللّه ، فمن أطاعك أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع اللّه ، والذي بعثني بالحقّ نبيّا لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر ومن الياقوت الأحمر ومن الزمرّد ، وقال : أخذ ميثاق محبّنا أهل البيت في أُمّ الكتاب لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة ، وهو قول اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فهو علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
وقال : حدّثني إبراهيم بن سليمان ، معنعنا عن عيسى بن السريّ قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن دعائم الإسلام التي لا يسع أحدا من الناس التقصير عن معرفة شيء منها ، التي من قصّر عن شيء منها فسدّ عليه دينه ولم يقبل منه عمله ، ومن قام بها صلح دينه وقبل عمله ، ولم يضيّق ما هو فيه بجهل شيء جهله ؟ قال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والإيمان برسوله ، والإقرار بما جاء من عند اللّه ،
ص: 111
والصلاة ، والزكاة ، والولاية التي أمر اللّه بها ، ولاية آل محمّد صلى الله عليه و آله ، قلت : هل في الولاية شيء ؟ قال : قول اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وقال : حدّثني علي بن محمّد بن عمر الزهري ، معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام .
وفي نهج البلاغة : في معنى الخوارج لمّا أنكروا تحكيم الرجال : إنّا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن وهذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفّتين لا ينطق بلسان ولابدّ له من ترجمان ، وإنّما ينطق عنه الرجال ، ولمّا دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه سبحانه ، قال اللّه سبحانه : «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ»فردّه إلى اللّه أن نحكم بكتابه ، وردّه إلى الرسول أن نأخذ بسنّته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب اللّه ، فنحن أحقّ الناس به ، وإن حكم بسنّة رسول اللّه فنحن أولاهم به(2).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : وعن أمير المؤمنين
عليه السلام ، حديث طويل :
وقد جعل اللّه للعلم أهلاً وفرض على العباد طاعتهم بقوله : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وبقوله : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ
ص: 112
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(1).
وفيه وقد ذكر عليه السلام الحجج . قال السائل : من هؤلاء الحجج ؟ قال : هم رسول اللّه ومن حلّ محلّه ، وأصفياء اللّه ، وهم ولاة الأمر الذين قال اللّه فيهم «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وقال فيهم : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»قال السائل : ما ذلك الأمر ؟ قال عليه السلام : الذي تنزّل به الملائكة في الليلة التي فرق فيها كلّ أمر حكيم من خلق أو رزق وأجل وعمر وحياة وموت ، وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا ينبغي إلاّ للّه وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه(2).
وممّا ورد من أنّ ولاة الأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله هم الأئمّة الاثني عشر (صلوات اللّه عليهم) :
ما نقله الشيخ أبو علي الطبرسي (قدّس اللّه روحه) في كتابه أعلام الورى بأعلام الهدى ، قال : حدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضّل بن عمرو ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبداللّه الأنصاري يقول : لمّا نزلت : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قلت : يارسول اللّه قد عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أُولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقال صلى الله عليه و آله : هم خلفائي ياجابر وأئمّة
ص: 113
المسلمين بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، وستدركه ياجابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمّد ثمّ الحسن بن علي ثمّ سميّي وكنيّي حجّة اللّه في أرضه وبقيته على عباده ابن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح اللّه عزّوجلّ ذكره ، على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان ، قال جابر : فقلت : يارسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال صلى الله عليه و آله : إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم يستضيؤون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب ، ياجابر هذا من مكنون سرّ اللّه ومخزون علم اللّه فاكتمه إلاّ عن أهله(1).
أخبرنا منصور بن الحسين(2) قال : حدّثنا محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا
ص: 114
إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال : حدّثنا أبي قال : سمعت محمّد بن إسحاق يقول : حدّثني محمّد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه قال :
لمّا نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الجرف لحقه علي بن أبي طالب يحمل سلاحا ؛ فقال : يارسول اللّه خلّفتني عنك ولم أتخلّف عن غزوة قبلها ، وقد أرجف المنافقون بي إنّك خلّفتني لما استثقلتني !!! قال سعد : فسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ياعلي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك(1).
وبه حدّثنا إبراهيم قال : حدّثنا هارون بن عبداللّه البزاز قال : حدّثنا محمّد بن بكير الحضرمي قال : حدّثنا عبداللّه بن بكير الغنوي عن حكيم(2) بن جبير عن الحسن بن سعد مولى علي قال :
حدّثني سعد ، عن علي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أراد أن يغزو غزوة له ، فدعا جعفرا فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال : لا أتخلّف بعدك يارسول اللّه أبدا . قال : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فعزم علي لمّا تخلّفت قبل أن أتكلّم . فبكيت فقال : ما يبكيك ياعلي ؟
ص: 115
قلت : يارسول اللّه يبكيني خصال غير واحدة تقول قريش غدا : ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله ، وتبكيني خصلة أُخرى : كنت أُريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل اللّه لأنّ اللّه يقول : «وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئا يَغِيظُ الْكُفَّارَ» إلى آخر الآية(1) وكنت أُريد أن أتعرّض لفضل اللّه ، وما بي غنىً عن سهم أُصيبه مع المسلمين وأعود به عليَّ وعلى أهل بيتك . فقال صلى الله عليه و آله : أنا مجيب في جميع ما قلت ، أمّا قولك : إنّ قريشا ستقول : ما أسرع ما خذل ابن عمّه . فقد قالوا لي أشدّ من ذلك فقد قالوا : ساحر وكاهن وكذّاب .
وأمّا قولك : أتعرّض للأجر من اللّه (2) أفما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي وأمّا قولك : أتعرض لفضل اللّه فهذا بهار(3) من فلفل جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتّى يأتيكم اللّه من فضله(4).
ص: 116
ورواه جماعة عن عبداللّه بن بكير وتابعه جماعة في الرواية عن حكيم بن جبير ، وأخرجه زيد بن علي في جامعه كذلك .
وهذا هو حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ(1) يقول : خرّجته
ص: 117
بخمسة آلاف إسناد(1)!!!
ورد شأن نزولها في حقّ علي عليه السلام رواه جماعة من القوم فمنهم الحاكم الحسكاني في « شواهد التنزيل » (ج1 ص148 ط بيروت) قال :
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي ، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي ، أخبرنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عمر بن يونس ، قال : حدّثني بشر بن المفضّل النيسابوري عن عيسى بن يوسف الهمداني ، عن أبي الحسن بن يحيى قال : حدّثني أبان بن أبي عيّاش قال :
ص: 118
حدّثني سليم بن قيس الهلالي ، عن علي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : شركائي الذين قرنهم اللّه بنفسه وبي وأنزل فيهم : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» الآية ، فإن خفتم تنازعا في أمر فأرجعوه إلى اللّه والرسول وأُولي الأمر . قلت : يانبي اللّه من هم ؟ قال : أنت أوّلهم .
أخبرنا عقيل بن الحسين ، أخبرنا علي بن الحسين ، أخبرنا محمّد بن عبيداللّه ، أخبرنا محمّد بن عبيد بن إسماعيل الصفّار بالبصرة ، أخبرنا بشر بن موسى ، أخبرنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان ، عن منصور :
عن مجاهد في قوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يعني الذين صدّقوا بالتوحيد «أَطِيعُوا اللّه َ» يعني في فرائضه «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» يعني في سننه «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فقال : نزلت في أمير المؤمنين حين خلّفه رسول اللّه في المدينة قال : تخلّفني على النساء والصبيان فقال :
أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : اخلفني في قومي وأصلح . فقال اللّه : «وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال : علي بن أبي طالب ولاّه اللّه الأمر بعد محمّد في حياته حين خلّفه رسول اللّه بالمدينة ، فأمر اللّه العباد بطاعته وترك
خلافه .
أبو النضر العياشي عن حمدان بن أحمد القلانسي ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ، إنّه سأله عن قول اللّه : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب . قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي عليا وأهل بيته في كتابه فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إنّ اللّه أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ ثلاثاً
ص: 119
وأربعاً حتّى كان رسول اللّه هو الذي يفسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طريق استرعاء حتّى فسّر ذلك لهم رسول اللّه ، وأنزل : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أُوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي إنّي سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ
الحوض فأعطاني ذلك .
ومنهم العلاّمة البدخشي في « مفتاح النجا » (ص38 المخطوط) قال :
أخرج عن عبدالغفّار بن القاسم قال : سألت جعفر بن محمّد رضي اللّه عنهما عن أُولي الأمر في قوله تعالى : «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»فقال : كان واللّه علي منهم .
ومنهم العلاّمة الأمرتسري في « أرجح المطالب » (ص83 ط لاهور) .
روى الحديث عن عبدالغفّار بعين ما تقدّم عن « مفتاح النجا » .
وفي (ص85 ط لاهور) .
روى عن ابن مردويه عن النعمان بن بشير أنّ عليا تلاها : (يعني أُولي الأمر منهم) وقال : أنا منهم .
ولنعم ما قيل :
ومَن أُولوا الأمر في القرآن أنزله
هم الصراط وهُم للخلق ميزان
همُ النجومُ مُضيئا يُستضاء بهم
وللبريّة تبيان وبرهان
ص: 120
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا»
سورة المائدة
في مجمع البيان عنهما عليهماالسلام : إنّما أُنزل بعد أن نصب النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام علما
للأنام يوم غدير خم عند منصرفه عن حجّه الوداع ، قالا : وهي آخر فريضة أنزلها اللّه ، ثمّ لم ينزل بعدها فريضة(1).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول : فرض اللّه عزّوجلّ ... إلى قوله : ثمّ نزلت الولاية وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل اللّه عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال عند ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أُمّتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني : فأتتني عزيمة من اللّه عزّوجلّ بتلة أوعدني إن لم أُبلّغ أن يعذّبني فنزلت : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
ص: 121
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه َ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام فقال : ياأيّها الناس إنّه لم يكن نبي من الأنبياء ممّن كان
قبلي إلاّ وقد عمّره اللّه ثمّ دعاه فأجابه فأُوشك أن أُدعى فأُجيب وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وأدّيت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين ، فقال : اللهمّ اشهد ثلاث مرّات ثمّ قال : يامعشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب(1).
وفي روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه السلام بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه و آله وقوله صلى الله عليه و آله حين تكلّمت طائفة فقالوا : نحن موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجّة الوداع ثمّ صار إلى غدير خم فأمر فأُصلح له شبه المنبر ثمّ علاه وأخذ بعضدي حتّى رؤي بيضا إبطيه رافعا صوته قائلاً في محفله « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » فكانت على ولايتي ولاية اللّه وعلى عداوتي عداوة اللّه ، فأنزل اللّه عزّوجلّ في ذلك : «الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا» فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الربّ جلّ ذكره(2).
وفي أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يوم غدير خم أفضل أعياد أُمّتي وهو اليوم الذي أمرني اللّه تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عليه السلام علَما لأُمّتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل اللّه فيه الدين وأتمّ على أُمّتي فيه النعمة
ص: 122
ورضي لهم الإسلام دينا(1)، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
وفي تهذيب الأحكام في الدعاء بعد صلاة الغدير المسند عن الصادق عليه السلام:
شهادة الإخلاص لك بالوحدانية بأنّك أنت اللّه الذي لا إله إلاّ أنت وأنّ محمّدا عبدك ورسولك وعليا أمير المؤمنين وأنّ الإقرار بولايته تمام توحيدك والإخلاص بوحدانيتك وكمال دينك وتمام نعمتك وفضلك على جميع خلقك وبريّتك فإنّك قلت وقولك الحقّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا» اللهمّ فلك الحمد على ما مننت به علينا من الإخلاص لك بوحدانيتك إذ هديتنا لموالاة وليّك الهادي من بعد نبيّك النبي المنذر ورضيت لنا الإسلام دينا بموالاته(2).
وفي كتاب الخصال ، عن يزداد بن إبراهيم ، عمّن حدّثه من أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن علي عليه السلام حديث طويل يقول في آخره : وأنّ بولايتي أكمل لهذه الأُمّة دينهم وأتمّ عليهم النعمة ورضي إسلامهم إذ يقول يوم الولاية لمحمّد صلى الله عليه و آله : أخبرهم يامحمّد أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم نعمتي ورضيت لهم الإسلام دينا ، كلّ ذلك من منّ اللّه به فله الحمد(3).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا ، عن جعفر عليه السلام : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» قال : بعلي بن
ص: 123
أبي طالب عليه السلام(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى ابن نعيم ، عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى علي يوم غدير خم ، وأمر بقلع ما تحت الشجرة من الشوك ، فقام فدعا عليّا عليه السلام فأخذ بضبعيه حتّى نظر الناس إلى إبطيه وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، ثمّ لم يفترقا حتّى أنزل اللّه عزّوجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا» فقام النبي صلى الله عليه و آله وقال : اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي وبولاية علي من بعدي »(2)-(3).
كتاب المحتضر للحسن بن سليمان ممّا رواه من الأربعين رواية سعد الإربلي يرفعه إلى سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ جاء أعرابي من بني عامر فوقف وسلّم فقال : يارسول اللّه جاء منك رسول يدعونا إلى الإسلام فأسلمنا ، ثمّ إلى الصلاة والصيام والجهاد فرأيناه حسنا ثمّ نهيتنا عن الزنا والسرقة والغيبة والمنكر فانتهينا ، فقال لنا رسولك : علينا أن نحبّ صهرك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما السرّ في ذلك وما نراه عبادة !
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لخمس خصال : أوّلها أنّي كنت يوم بدر جالسا بعد أن غزونا إذ هبط جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول : باهيت اليوم بعلي ملائكتي وهو يجول بين الصفوف ويقول : اللّه أكبر ، والملائكة تكبّر معه ، وعزّتي
ص: 124
وجلالي لا أُلهم حبّه إلاّ من أُحبّه ، ولا أُلهم بغضه إلاّ من أُبغضه .
والثانية أنّي كنت يوم أُحد جالسا وقد فرغنا من جهاز عمّي حمزة إذ أتاني جبرئيل عليه السلام وقال : يامحمّد إنّ اللّه يقول : فرضت الصلاة ووضعتها عن المريض ، وفرضت الصوم ووضعته عن المريض والمسافر ، وفرضت الحجّ ووضعته عن المقلّ المدقع(1)، وفرضت الزكاة ووضعتها عمّن لا يملك النصاب ، وجعلت حبّ علي بن أبي طالب ليس فيه رخصة .
الثالثة أنّه ما أنزل اللّه كتابا ولا خلق خلقا إلاّ جعل له سيّدا ، فالقرآن سيّد الكتب المنزلة ، وجبرئيل سيّد الملائكة - أو قال : إسرافيل - وأنا سيّد الأنبياء وعلي سيّد الأوصياء ولكلّ أمر سيّد ، وحبّي وحبّ علي سيّد ما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم .
الرابعة أنّ اللّه تعالى ألقى في روعي أنّ حبّه شجرة طوبى التي غرسها اللّه تعالى بيده .
الخامسة أنّ جبرئيل عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة نصب لك منبر عن يمين العرش والنبيّون كلّهم عن يسار العرش وبين يديه ، ونصب لعلي عليه السلام كرسي إلى جانبك إكراما له فمن هذه خصائصه يجب عليكم أن تحبّوه ، فقال الأعرابي : سمعا وطاعة(2)-(3).
ص: 125
روى الحمويني بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا دعا الناس إلى علي عليه السلام في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم ، وذلك يوم الخميس فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا»فقال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله : اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله .
فقال حسّان بن ثابت : أتأذن لي يارسول اللّه فأقول في علي عليه السلام أبياتا تسمعها فقال : قل على بركة اللّه ، فقام حسّان بن ثابت فقال : يامعشر مشيخة قريش اسمعوا قولي شهادة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الولاية الثابتة فقال :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمٍّ واسمع بالرسول مناديا
يقول فمن مولاكم ووليّكم
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
اِلهك مولانا وأنت وليّنا
ولن تجدنّ منّا لك اليوم عاصيا
هناك دعا اللهمّ وال وليّه
وكن للذي عادى عليّا معاديا
فقال له قم ياعلي فإنّني
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
قال المؤلّف : هذا حديث الغدير ، وله طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري »(1).
ص: 126
روى ابن عساكر بإسناده عن أبي هريرة قال : من صام ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهرا ، وهو يوم غدير خم لمّا أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد علي فقال : ألست ولي المؤمنين ؟ قالوا : بلى يارسول اللّه ، قال من كنت مولاه فعلي مولاه .
فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك ياابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم فأنزل اللّه : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(1).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا
نزلت عليه هذه الآية قال : اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله »(2).
وروى باسناده عن ابن عبّاس قال : « بينما النبي صلى الله عليه و آله بمكّة أيّام الموسم إذ التفت إلى علي ، فقال : هنيئا لك ياأبا الحسن إنّ اللّه قد أنزل عليَّ آية محكمة غير متشابهة ذكري وإيّاك فيها سواء : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» الآية »(3)-(4).
ولنعم ما قال الأصفهاني :
عيد الغدير أعظم الأعياد
كم فيه للّه من الأيادي
أكلم فيه دينه المبينا
ثمّ ارتضى الإسلام فيه دينا
بنعمة الإمرة والولاية
أقام للدين الحنيف راية
ص: 127
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمْ الْغَالِبُونَ»
سورة المائدة
في أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن محمّد الهاشمي ، عن أبيه ، عن أحمد بن عيسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في تفسير هذه الآية : يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأُموركم وأنفسكم وأموالكم اللّه ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمّة عليهم السلام إلى يوم القيامة ثمّ وصفهم اللّه عزّوجلّ فقال : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلّى ركعتين وهو راكع وعليه حلّة قيمتها ألف دينار ، وكان النبي صلى الله عليه و آله أعطاه إيّاها وكان النجاشي أهداها له ، وجاء سائل فقال : السلام عليك ياولي اللّه وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدّق على مسكين ، فطرح الحلّة إليه وأومأ بيده إليه أن أحملها فأنزل اللّه فيه هذه الآية وصيّر نعمة أولاده بنعمته فكلّ من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدّقون وهم راكعون والسائل الذي سأل أمير المؤمنين هو من الملائكة ، والذين يسألون الأئمّة من أولاده
ص: 128
يكونون من الملائكة(1).
الحسين بن محمّد ، عن علي بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محمّد الهاشمي قال : حدّثني أبي ، عن أحمد بن عيسى قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام في قوله عزّوجلّ «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا» قال : لمّا نزلت «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» اجتمع نفر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية ؟ فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها ، وإن آمنا فإنّ هذا ذلّ حين يسلّط علينا علي بن أبي طالب ، فقالوا : قد علمنا أنّ محمّدا صادق فيما يقول ولكنّا نتولاّه ولا نطيع عليا فيما أمرنا قال : فنزلت هذه الآية «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا» يعرفون يعني ولاية علي وأكثرهم الكافرون
بالولاية(2).
وفيه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أمر اللّه عزّوجلّ رسوله بولاية علي وأنزل عليه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فرض اللّه ولاية أُولي الأمر فلم يدروا ما هي فأمر اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، فلمّا أتاه ذلك من اللّه
ضاق بذلك صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتخوّف عن أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه ،
ص: 129
فضاق صدره وراجع ربّه عزّوجلّ فأوحى اللّه عزّوجلّ إليه «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» فصدع بأمر اللّه تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب ، قال عمر بن أُذينة : قالوا جميعا غير أبي الجارود وقال أبو جعفر : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأُخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل اللّه عزّوجلّ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»
قال أبو جعفر عليه السلام : يقول اللّه عزّوجلّ لا أُنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض(1).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد ، عن المنهال قال : سألت علي بن المحسن وعبداللّه بن محمّد عن قول اللّه تعالى «إِنَّمَا
وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» قال : علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
وقال حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يصلّي ذات يوم في مسجد فمرّ به فقير فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هل تصدّق عليك أحد بشيء ؟ قال : نعم مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه ، وأشار بيده فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فنزلت هذه الآية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هو وليّكم من بعدي(3).
ص: 130
وقال ابن عبّاس : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام خاصّة(1).
وقال : حدّثني زيد بن حمزة بن محمّد بن علي بن زياد القصّار معنعنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه يقول : من أحبّ اللّه أحبّ النبي ، ومن أحبّ النبي أحبّنا ، ومن أحبّنا أحبّ شيعتنا ، فإنّ النبي صلى الله عليه و آله : ونحن وشيعتنا من طينة واحدة ونحن في الجنّة ، ولا يبغض من يحبّنا ولا يحبّ من أبغضنا ، إقروا إن شئتم «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» إلى آخر الآية . قال الحارث : صدق ما نزلت إلاّ فيه(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر أبو علي الطبرسي رحمه اللهبحذف الإسناد ، عن عباية بن ربعي قال : بينما عبداللّه بن عبّاس جالس على شفير زمزم وهو يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ قال ذلك الرجل : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال ابن عبّاس : سألتك باللّه من كنت ؟ فكشف العمامة عن وجهه ، فقال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدوي أبو ذرّ الغفاري سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بهاتين وإلاّ صمتا ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا بقول : علي قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما من الأيّام صلاة
الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل بيده إلى السماء وقال : اللهمّ إنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمنى وكان يختم فيها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من
ص: 131
خنصره وذلك بعين رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلمّا فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» فأنزلت عليه قرآنا ناطقا «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» اللهمّ وأنا محمّد صفيّك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أشدد به أزري ، قال أبو ذرّ : فواللّه ما استتمّ الكلام حتّى نزل عليه جبرئيل من عند اللّه تعالى فقال : يامحمّد اقرأ ، قال : وما أقرأ ؟ قال : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
وبإسناده إلى محمّد بن علي الباقر عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أنزل اللّه تبارك وتعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد اللّه عزّوجلّ في كلّ حال(2).
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : فأُنشدكم اللّه عزّوجلّ أتعلمون حيث نزلت «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»وحيث نزلت «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وحيث
ص: 132
نزلت «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» قال الناس : يارسول اللّه أهذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم ؟ فأمر اللّه عزّوجلّ نبيّهم صلى الله عليه و آله أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم فنصبني للناس بغدير خم ، فقال أيّها الناس أتعلمون أنّ اللّه عزّوجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يارسول اللّه ، قال : قم ياعلي ، فقمت فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، فقام سلمان وقال : يارسول اللّه ولاية كماذا ؟ فقال صلى الله عليه و آله : ولاؤه كولائي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا» فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : اللّه أكبر تمام نبوّتي وتمام ديني دين اللّه عزّوجلّ بولاية علي بعدي ، فقام أبو بكر وعمر فقالا : يارسول اللّه هذه الآيات خاصّة لعلي ؟ قال : بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة ، قالا : يارسول اللّه بيّنهم لنا ، قال : علي أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أُمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي ، ثمّ ابني الحسن ، ثمّ ابني الحسين ، ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ الحوض ، قالوا : اللهمّ نعم ، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء ، وقال بعضهم : وقد حفظنا ما قلت ولم نحفظه كلّه ، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا ، فقال علي عليه السلام : صدقتم ليس كلّ الناس يتساوون في الحفظ(1).
ص: 133
وفي كتاب الخصال في احتجاج علي عليه السلام على أبي بكر قال : فأُنشدك باللّه ألي الولاية من اللّه مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم لك ؟ قال : بل لك(1).
وفيه في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتعدادها قال عليه السلام : وأمّا الخامسة والستّون فإنّي كنت أُصلّي في المسجد فجاء سائل فسأل وأنا راكع فناولته خاتمي من اصبعي فأنزل اللّه بعد فيَّ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلام بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس وعنده قوم من اليهود وفيهم عبداللّه بن سلام إذ نزلت عليه هذه الآية ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المسجد فاستقبله سائل فقال : هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم ذلك المصلّي ، فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا هو أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)(3).
والأخبار ممّا روته العامّة والخاصّة في أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام كثيرة جدّا ، ونقل في مجمع البيان عن جمهور المفسّرين أنّها نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلام حين تصدّق بخاتمه في ركوعه ، وذكر قصّته عن ابن عبّاس وغيره(4)-(5).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى الشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمي ، عن علي بن حاتم ، عن أحمد بن محمّد قال : حدّثنا جعفر بن عبداللّه قال : حدّثنا كثير بن عياش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ»
ص: 134
الآية قال : إنّ رهطا من اليهود أسلموا منهم عبداللّه بن سلام وأسد وثعلبة وابن يامين وابن صوريا فأتوا النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : يانبي اللّه إنّ موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون فمن وصيّك يارسول اللّه ومن وليّنا بعدك ؟ فنزلت هذه الآية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قوموا ، فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج فقال : ياسائل أما أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم هذا الخاتم ، قال : من أعطاكه ؟ قال : أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي ، قال : على أيّ حال أعطاك ؟ قال : كان راكعا ، فكبّر النبي صلى الله عليه و آله وكبّر أهل المسجد ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب وليّكم بعدي ، قالوا : رضينا باللّه ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا وبعلي بن أبي طالب إماما ووليّا ، فأنزل اللّه تعالى «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمْ الْغَالِبُونَ» وروي عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : واللّه لقد تصدّقت بأربعين خاتما وأنا راكع لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل . وفي أمالي الصدوق رحمه الله مثله سواء(1).
روى الطبري بإسناده عن غالب بن عبيداللّه قال : « سمعت مجاهد بقوله ، في قوله «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية قال : نزلت في علي بن أبي طالب تصدّق وهو راكع »(2).
روى ابن المغازلي بإسناده عن ابن عبّاس « في قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» قال نزلت في علي »(3).
ص؟: 135
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن ابن عبّاس في قول اللّه تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» يعني ناصركم اللّه «وَرَسُولُهُ» يعني محمّداً صلى الله عليه و آله ثمّ قال : «وَالَّذِينَ آمَنُوا» فخصّ من بين المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ» يعني يتمّون وضوءها وقراءتها ، وركوعها ، وسجودها . «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى يوما بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبق في المسجد غير علي قائما يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل عليه فقير من فقراء المسلمين ، فلم ير في المسجد أحدا خلا عليا فأقبل نحوه فقال : ياولي اللّه بالذي يصلّى له أن تتصدّق علي بما أمكنك وله خاتم عقيق يماني أحمر كان يلبسه في الصلاة في يمينه فمدّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى وهبط جبرئيل فقال النبي صلى الله عليه و آله لعلي لقد باهى اللّه بك ملائكته اليوم ، اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ»(1).
وروى بإسناده عن ابن جريج قال : لمّا نزلت : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية ، خرج النبي صلى الله عليه و آله وإذا سائل قد خرج من المسجد فقال له هل أعطاك أحد شيئا وهو راكع ؟ قال : نعم رجل لا أدري من هو . قال : ماذا أعطاك ؟ قال : هذا الخاتم . فإذا الرجل علي بن أبي طالب ، والخاتم خاتمه عرفه النبي صلى الله عليه و آله(2).
وروى بإسناده عن زيد بن حسن ، عن جدّه قال : « سمعت عمّار بن ياسر يقول : وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة التطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعلمه ذلك فنزل على النبي صلى الله عليه و آله هذه الآية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ
ص: 136
اللّه ُ وَرَسُولُهُ» إلى آخر الآية ، فقال رسول اللّه : من كنت مولاه فإنّ عليا مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه »(1).
وروى بإسناده عن جابر قال : « جاء عبداللّه بن سلام وأُناس معه يشكون إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مجانبة الناس إيّاهم منذ أسلموا فقال النبي صلى الله عليه و آله ابتغوا إليّ سائلاً ، فدخلنا المسجد فوجدنا فيه مسكينا فأتينا به النبي صلى الله عليه و آله فسأله : هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم مررت برجل يصلّي فأعطاني خاتمه قال : اذهب فأرهم إيّاه . قال جابر فانطلقنا وعلي قائم يصلّي قال : هو هذا فرجعنا وقد نزلت هذه الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية(2).
قال الزرندي : « روى الواحدي في تفسيره عن علي رضى الله عنه، أنّه قال : أُصول الإسلام ثلاثة لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتيها ، الصلاة ، والزكاة ، والموالاة ، قال : وهذا منتزع من الآية ، وذلك أنّ اللّه تعالى أثبت الموالاة بين المؤمنين ، ثمّ لم يصفهم إلاّ بأقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فقال : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فمن والى عليا فقد والى اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله »(3).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن علي قال : « نزلت هذه الآية على رسول اللّه في بيته : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ»فخرج رسول اللّه ودخل المسجد وجاء
ص: 137
الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ، فإذا سائل فقال : ياسائل هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : لا إلاّ ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه »(1).
وروى بإسناده عن المقداد بن الأسود الكندي ، قال : « كنّا جلوسا بين يدي رسول اللّه إذ جاء أعرابي بدوي متنكّب على قوسه - وساق الحديث بطوله حتّى قال - وعلي بن أبي طالب قائم يصلّي في وسط المسجد ركعات بين الظهر والعصر فناوله خاتمه فقال النبي صلى الله عليه و آله بخ بخ بخ وجبت الغرفات ، فأنشأ الأعرابي يقول :
ياولي المؤمنين كلّهم
وسيّد الأوصياء من آدم
قد فزت بالنفل ياأبا حسن
إذ جادت الكفّ منك بالخاتم
فالجود فرع وأنت مغرسه
وأنتم سادة لذا العالم
فعندها هبط جبرئيل بالآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ»(2).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس قال : « أقبل عبداللّه بن سلام ومعه نفر من قومه ممّن قد آمنوا بالنبي فقالوا : يارسول اللّه إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا مستحدث دون هذا المجلس وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا باللّه وبرسوله وصدّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا فشقّ ذلك علينا ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ثمّ إنّ النبي خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر
ص: 138
بسائل فقال له النبي : هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : نعم خاتم من ذهب ، فقال له النبي : من أعطاكه ؟ قال : ذاك القائم وأومى بيده إلى علي ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله على أي حال أعطاك ؟ قال أعطاني وهو راكع : فكبّر النبي صلى الله عليه و آله ثمّ قرأ : «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمْ الْغَالِبُونَ» فأنشأ حسّان بن ثابت يقول في ذلك :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
وكلّ بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي والمحبر ضائعا
وما المدح في جنب الإله بضائع
وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا
زكاتا فدتك النفس ياخير راكع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
فبيّنها مثنى كتاب الشرائع(1)
وقيل في ذلك أيضا :
أوفى الصلاة مع الزكاة فقامها
واللّه يرحم عبده الصبّارا
من ذا بخاتمه تصدّق راكعا
وأسرّه في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمّد
ومحمّد يسرى وينحو الغارا
من كان جبريل يقوم يمينه
فيها وميكال يقوم يسارا
من كان في القرآن سمّي مؤمنا
في تسع آيات جعلن كبارا(2)
ص: 139
روى الخوارزمي بإسناده عن علي بن أبي طالب ، قال « نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودخل المسجد ، والناس يصلّون ما بين راكع وساجد . وإذا سائل . قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله: ياسائل أعطاك أحد شيئا ، قال : لا إلاّ هذا الراكع أعطاني خاتما وأشار إلى علي عليه السلام فكبّر النبي صلى الله عليه و آله وقال : الحمد للّه الذي أنزل الآيات البيّنات في أبي الحسن والحسين(1).
روى ابن البطريق بإسناده عن ابن عبّاس رضى الله عنه في قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» قال إنّ رهطا من مسلمي أهل الكتاب منهم عبداللّه بن سلام وأسد ، وأسيد وثعلبة ، لمّا أمرهم النبي صلى الله عليه و آله أن يقطعوا مودّة اليهود والنصارى فعلوا فقالت بنو قريضة والنضير فما لنا نواد أهل دين محمّد صلى الله عليه و آله ، وقد تبرّؤا من ديننا ومودّتنا فوالذي يحلف به لا يكلّم رجل منّا رجلاً دخل في دين محمّد ، ولا نناكحهم ، ولا نبايعهم ، ولا نجالسهم .
ولا ندخل عليهم ، ولا نأذن لهم في بيوتنا ففعلوا فبلغ ذلك عبداللّه بن سلام وأصحابه ، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند الظهر فدخلوا عليه ، فقالوا يارسول اللّه إنّ بيوتنا قاصية من المسجد فلا نجد متحدّثا دون هذا المسجد ، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا اللّه ورسوله ، وتركناهم ودينهم أظهروا لنا العداوة فأقسموا أن لا يناكحونا ولا يواكلونا ولا يشاربونا ، ولا يجالسونا ، ولا يدخلوا علينا ولا ندخل عليهم ، ولا يخالطونا بشيء ، ولا يكلّمونا . فشقّ ذلك علينا ، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك
ص: 140
لبعد المنازل فبينما هم يشكون لرسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرهم ، إذ نزلت «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فقرأها عليهم ، فقالوا قد رضينا باللّه ورسوله وبالمؤمنين وليا ، وأذّن بلال فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله والناس في المسجد يصلّون من بين قائم في الصلاة وراكع وساجد فإذا هو بمسكين يطوف ويسأل الناس ، فدعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : هل أعطاك أحد شيئا ؟ قال : نعم ؟ قال : ماذا أعطاك ؟ قال : خاتم فضّة ، قال من أعطاكه قال : ذاك الرجل القائم ، فنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، فقال : على أيّ حال أعطاكه ، قال : أعطانيه وهو راكع ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ ...»(1).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس رضى الله عنه ، قال : « مرّ سائل بالنبي صلى الله عليه و آله وفي يده خاتم ، فقال : من أعطاك هذا الخاتم ؟ قال : ذاك الراكع ، وكان علي يصلّي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي جعلها فيَّ وفي أهل بيتي «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية ، وكان على خاتمه الذي تصدّق به سبحان من فخري بأنّي له عبد »(2).
روى الكنجي بإسناده عن أنس بن مالك أنّ سائلاً أتى المسجد وهو يقول : من يقرض الملي الوفي ، وعلي عليه السلام راكع يقول بيده خلفه للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي ، قال رسول اللّه ياعمر وجبت ، قال : بأبي أنت وأُمّي ، يارسول اللّه ما وجبت ؟
قال وجبت له الجنّة واللّه ما خلعه من يده حتّى خلعه اللّه من كلّ ذنب ومن كلّ خطيئة ، قال : فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيل عليه السلام بقوله عزّوجلّ : «إِنَّمَا
ص: 141
وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
روى المتّقي بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : « تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى الله عليه و آله للسائل من أعطاك هذا الخاتم ؟ قال ذاك الراكع ؟ فأنزل اللّه فيه «إِنَّمَا
وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية . وكان في خاتمه مكتوب سبحان من فخري بأنّي له عبد . ثمّ كتب في خاتمه بعد : اللّه الملك »(2).
روى الفخر الرازي عن ابن عبّاس « أنّها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).
روى ابن كثير عن السدي « نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه »(4).
قال الآلوسي : « وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي (كرّم اللّه تعالى وجهه) . فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عبّاس (رضي اللّه تعالى عنهما) بإسناد متّصل قال : أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلى الله عليه و آله فقالوا : يارسول اللّه إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا باللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وصدّقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا ، فشقّ ذلك علينا . فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله : «إِنَّمَا
ص: 142
وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» ثمّ إنّه صلى الله عليه و آله خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل ، فقال : هل أعطاك أحد شيئا فقال : نعم خاتم من فضّة ، فقال من أعطاكه ؟ فقال ذلك القائم وأومأ إلى علي (كرّم اللّه تعالى وجهه) ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : على أي حال أعطاك ؟ فقال : وهو راكع ، فكبّر النبي صلى الله عليه و آله ثمّ تلا هذه الآية ...(1).
قال الفخر الرازي : « روى لنا عبداللّه بن سلام قال : لمّا نزلت هذه الآية قلت : يارسول اللّه أنا رأيت عليا تصدّق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاّه »(2).
روى ابن كثير بإسناده عن ابن عبّاس قال : « خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المسجد والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ، وقاعد ، وإذا مسكين يسأل فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : نعم ، قال : من ؟ قال : ذلك الرجل القائم . قال على أي حال أعطاكه قال وهو راكع ، قال وذلك علي بن أبي طالب ، قال : فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند ذلك وهو يقول : «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّه ِ هُمْ الْغَالِبُونَ» وهذا إسناد لا يقدح به »(3).
ص: 143
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه َ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»
سورة المائدة
في الجوامع عن ابن عبّاس وجابر بن عبداللّه : إنّ اللّه أمر نبيّه أن ينصب عليا عليه السلام للناس ويخبرهم بولايته فتخوّف عليه السلام أن يقولوا حابى ابن عمّه وأن يشقّ
ذلك على جماعة من أصحابه فنزلت هذه الآية ، فأخذ بيده يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه(1).
ورواه في المجمع عن الثعلبي والحسكاني وغيرهما من العامّة(2).
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام وذكر حديثا طويلاً وفيه يقول عليه السلام : ثمّ نزلت الولاية وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل اللّه تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
ص: 144
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) فقال عند ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أُمّتي حديثوا عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ويقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من اللّه بتلة(1) أوعدني إن لم أُبلّغ أن يعذّبني فنزلت «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ»
الآية فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام فقال : ياأيّها الناس إنّه لم يكن نبي من الأنبياء ممّن كان قبلي إلاّ وقد عمّره اللّه ثمّ دعاه فأجابه ، فأُوشك أن أُدعى فأُجيب وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وأدّيت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين ، فقال : اللهمّ اشهد - ثلاث مرّات - ثمّ قال : يامعشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب .
قال أبو جعفر عليه السلام : كان واللّه أمين اللّه على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه(2).
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة والفضل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعاً ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أمر اللّه عزّوجلّ رسوله بولاية علي وأنزل عليه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ» الآية ، وفرض ولاية أُولي الأمر فلم يدروا ما هي ، فأمر اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ فلمّا أتاه ذلك من اللّه ضاق بذلك صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه فضاق صدره وراجع ربّه عزّوجلّ ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليه «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ» الآية ، وصدع بأمر اللّه تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم،
ص: 145
، فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلّغ الشاهد الغائب ، قال عليه السلام : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأُخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل اللّه عزّوجلّ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» قال يقول اللّه عزّوجلّ لا أُنزّل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض(1).
محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبدالكريم بن عمرو ، عن عبدالحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام : فلمّا رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع نزل جبرئيل عليه السلام فقال : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه َ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقمَّ شوكهنّ ثمّ قال صلى الله عليه و آله : ياأيّها الناس من وليّكم أولى بكم من أنفسكم ؟ فقالوا : اللّه ورسوله ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه - ثلاث مرّات - فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا : ما أنزل اللّه جلّ ذكره هذا على محمّد قطّ وما يريد إلاّ أن يرفع بضبع ابن عمّه(2).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله بإسناده إلى محمّد بن علي الباقر عليهماالسلام أنّه قال : حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة وقد بلّغ جميع الشرائع قومه غير الحجّ والولاية ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له : يامحمّد إنّ اللّه عزّوجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني وتأكيد حجّتي وقد بقي
ص: 146
عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغهما قومك : فريضة الحجّ ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإنّي لم أُخل أرضي من حجّة ولن أُخليها أبدا ، فإنّ اللّه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ وتحجّ ويحجّ معك كلّ من استطاع إليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع .
فنادى منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الناس : ألا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يريد الحجّ وأن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله
وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحجّ بهم وبلغ من حجّ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى عليه السلام السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون عليه السلام فنكثوا واتّبعوا العجل والسامري ، وكذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة
على عدد أصحاب موسى عليه السلام فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنّة بسنّة ومثلاً بمثل ، واتّصلت التلبية ما بين مكّة والمدينة . فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن اللّه تعالى فقال : يامحمّد إنّ اللّه عزّوجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : إنّه قد دنا أجلك ومدّتك وأنا مستقدمك على ما لابدّ منه ولا عنه محيص ، فأعهد عهدك وقدّم وصيّتك وأعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء عليهم السلام فسلّمها إلى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمه للناس علَما وجدّد عهده وميثاقه
ص: 147
وبيعته وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي لم أقبض نبيا من الأنبياء إلاّ من بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية
أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي وطاعته وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيّم ليكون حجّة لي على خلقي ف- «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» الآية بولاية وليّي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجّتي البالغة على خلقي ، مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي ومقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي ، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ، جعلته علما بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك ببيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنّة ومن لقيني بعداوته دخل النار ، فأقم يامحمّد عليا علَما وخذ عليهم البيعة وجدّد عليهم عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإنّي قابضك إليّ ومستقدمك عليّ .
فخشي رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرّقوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي عليه السلام من البغضة ، وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من اللّه جلّ اسمه ، فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف ، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليا للناس ولم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله الذي أراد حتّى أتى كراع الغميم بين مكّة والمدينة فأتاه جبرئيل عليه السلام وأمره بالذي أتاه به من قبل اللّه ولم يأته بالعصمة فقال : ياجبرئيل إنّي أخشى قومي أن
ص: 148
يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في علي ، فرحل فلمّا بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال : يامحمّد إنّ اللّه عزّوجلّ يقرئك السلام ويقول لك : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» - في علي - «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» .
وكان أوائلهم قريبا من الجحفة فأمره بأن يرد من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا للناس ويبلّغهم ما أنزل اللّه تعالى في علي عليه السلام وأخبره بأنّ اللّه عزّوجلّ قد عصمه من الناس ، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر فتنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل عليه السلام عن اللّه عزّوجلّ وفي الموضع سلمات(1) فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يقمَّ ما تحتهنّ(2) وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس ، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فوق تلك الأحجار ثمّ حمد اللّه تعالى وأثنى عليه فقال : الحمد للّه الذي علا في توحّده ، ودنا في تفرّده ، وجلّ في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علما وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل محمودا لا يزال ، بارئ المسموكات(3) وداحي المدحوات وجبّار الأرضين والسماوات ، سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، متفضّل على جميع من
ص: 149
برأه ، متطوّل على من أدناه يلحظ كلّ عين والعيون لا تراه كريم حليم ذو أناة ، قد وسع كلّ شيء برحمته ومنّ عليهم بنعمته ، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه ، قذفهم السرائر وعلم الضمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ، ولا اشتبهت عليه الخفيّات ، له الإحاطة بكلّ شيء ، والغلبة على كلّ شيء ، والقوّة في كلّ شيء ، والقدرة على كلّ شيء ، ليس مثله شيء ، وهو منشئ الشيء حين لا شيء ، دائم قائم بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم ، جلّ من أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، لا يلحق أحد وصفه من معاينة ، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانية إلاّ بما دلّ عزّوجلّ على نفسه .
وأشهد بأنّه اللّه الذي ملأ الدهر قدسه ، والذي يغشي الأبد نوره ، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ، ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير ، صوّر ما أبدع على غير مثال ، وخلق الخلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال ، أنشأها فكانت وبرأها فبانت ، فهو اللّه الذي لا إله إلاّ هو المتقن الصنعة ، الحسن الصنيعة ، العدل الذي لا يجور ، والأكرم الذي ترجع إليه الأُمور .
وأشهد أنّه الذي تواضع كلّ شيء لقدرته ، وخضع كلّ شيء لهيبته ، مالك الأملاك ومفلك الأفلاك ، ومسخّر الشمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمّى ، يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل يطلبه حثيثا ، قاسم كلّ جبّار عنيد ، ومهلك كلّ شيطان مريد ، لم يكن معه ضدّ ولا ندّ ، أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، إله واحد ، وربّ ماجد ، يشاء فيمضي ، ويريد فيقضي ، ويعلم فيحصي ، ويميت ويحيي ، ويفقر ويغني ، ويضحك ويبكي ، ويدنيى ويقصي ، ويمنع ويعطي .
له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير ، يولج الليل في النهار
ص: 150
ويولج النهار في الليل ، لا إله إلاّ هو العزيز الغفّار ، مستجيب الدعاء ، ومجزل العطاء ، محصي الأنفاس ، وربّ الجنّة والناس ، لا يشتكل عليه شيء ، ولا يضجره صراخ المستصرخين ، ولا يبرمه إلحاح الملّحين ، العاصم للصالحين ، والموفّق للمفلحين ، ومولى العالمين ، الذين استحقّ من كلّ من خلق أن يشكره ويحمده على السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء ، وأُؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله ، أسمع أمره وأُطيع وأُبادر إلى كلّ ما يرضاه ، واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته ، لأنّه اللّه الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره ، وأُقرّ له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأُؤدّي ما أُوحي إليّ حذرا من أن لا أفعل فتحلّ بي منه قارعة لا يدفعها عنّي أحد وإن عظمت حيلته ، لا إله إلاّ هو ، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أُبلّغ ما أُنزل إليّ فما بلّغت رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة ، وهو الكافي الكريم ، فأوحى إليّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» - في علي - «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ»معاشر الناس : ما قصّرت في تبليغ ما أنزله وأنا مبيّن لكم سبب هذه الآية : إنّ جبرئيل عليه السلام هبط إليّ مرارا ثلاثا يأمر عن السلام ربّي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأُعلم كلّ أبيض وأسود أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام من بعدي ، الذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ، وهو وليّكم بعد اللّه ورسوله ، وقد أنزل اللّه تبارك وتعالى علي بذلك آية من كتابه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد اللّه عزّوجلّ في كلّ حال ، وسألت جبرئيل عليه السلام أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيّها الناس - لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المنافقين
ص: 151
وإدغال(1) الآثمين وختل(2) المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم اللّه في كتابه بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيّنا وهو عند اللّه عظيم ، وكثرة أذاهم لي غير مرّة حتّى سمّوني أُذنا(3)، وزعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي وإقبالي عليه حتّى أنزل اللّه عزّوجلّ في ذلك «وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ» الآية(4)، ولو شئت أن أُسمّي بأسمائهم لسمّيت ، وأن أُؤمي إليهم بأعيانهم لأومأت ، وأن أدلّ عليهم لدللت ، ولكنّي واللّه في أُمورهم قد تكرّمت ، وكلّ ذلك لا يرضي اللّه منّي إلاّ أن أُبلّغ ما أُنزل إليّ ، ثمّ تلا عليه السلام : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» فاعلموا معاشر الناس أنّ اللّه قد نصبه لكم وليّا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحرّ والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كلّ موحّد ، ماضٍ حكمه جائز قوله نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه ومن صدّقه فقد غفر اللّه له ولمن سمع منه وأطاع له .
معاشر الناس إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربّكم ، وإنّ اللّه عزّوجلّ هو ربّكم ووليّكم وإلهكم ، ثمّ من دونه رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم ، ثمّ من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر اللّه ربّكم ، ثمّ
ص: 152
الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم القيامة إلى يوم تلقون اللّه ورسوله ، لا حلال إلاّ ما أحلّه اللّه ، ولا حرام إلاّ ما حرّمه اللّه ، عرّفني الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه .
معاشر الناس ما من علم إلاّ وقد أحصاه اللّه فيّ ، وكلّ علم علمته فقد أحصيته في علي إمام المتّقين ، ما من علم إلاّ وقد علّمته عليا وهو الإمام المبين .
معاشر الناس لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته ، فهو الذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في اللّه لومة لائم ، ثمّ إنّه أوّل من آمن باللّه ورسوله ، والذي فدى رسول اللّه بنفسه ، والذي كان مع رسول اللّه ولا أحد يعبد اللّه مع رسوله من الرجال غيره .
معاشر الناس فضّلوه فقد فضّله اللّه ، وأقبلوه فقد نصبه اللّه .
معاشر الناس إنّه إمام من اللّه ، ولن يتوب اللّه على أحد أنكر ولايته ، ولن يغفر اللّه له حتما ، على اللّه أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذّبه عذابا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور ، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أُعدّت للكافرين .
أيّها الناس بي واللّه بشّر الأوّلون من النبيين والمرسلين ، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجّة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين ، فمن شكّ في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأُولى ، ومن شكّ في شيء من قولي هذا فقد شكّ في الكل منه ، والشاكّ في الكل فله النار .
معاشر الناس حباني اللّه بهذه الفضيلة منّا منه عليّ وإحسانا منه إليَّ ، ولا إله إلاّ هو له الحمد منّي أبد الآبدين ودهر الداهرين على كلّ حال .
ص: 153
معاشر الناس فضّلوا عليا فإنّه أفضل الناس بعدي من ذكر وأُنثى ، بنا أنزل اللّه الرزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردّ قولي هذا ولم يوافقه ، ألا أنّ جبرئيل خبّرني عن اللّه تعالى بذلك ويقول : من عادى عليا ولم يتولّه فعليه لعنتي وغضبي ، فلتنظر نفس ما قدّمت لغد واتّقوا اللّه أن تخالفوه فتزلّ قدم بعد ثبوتها إنّ اللّه خبير بما تعملون .
معاشر الناس إنّه جنب اللّه نزل في كتابه «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» .
معاشر الناس تدبّروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتّبعوا متشابهه ، فواللّه لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضّح لكم تفسيره إلاّ الذي أنا آخذ بيده ومصعّده إليّ وشائل بعضده ومعلّمكم ، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيّي ، وموالاته من اللّه عزّوجلّ أنزلها عليَّ .
معاشر الناس إنّ علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر ، والقرآن هو الثقل الأكبر ، فكلّ واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، أُمناء اللّه في خلقه ، وحكّامه في أرضه ، ألا وقد أدّيت ، ألا وقد بلّغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، ألا وأنّ اللّه عزّوجلّ قال وأنا قلت عن اللّه عزّوجلّ ،
ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ، ولا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره .
ثمّ ضرب بيده إلى عضده فرفعه ، وكان منذ أوّل ما صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله شال علياً حتّى صارت رجله مع ركبة رسول اللّه ثمّ قال :
معاشر الناس هذا علي أخي ، ووصيّي ، وواعي علمي ، وخليفتي على أُمّتي ، وعلى تفسير كتاب اللّه عزّوجلّ ، والداعي إليه ، والعامل بما يرضاه ، والمحارب
ص: 154
لأعدائه ، والموالي على طاعته ، والناهي عن معصيته ، خليفة رسول اللّه ، وأمير المؤمنين ، والإمام الهادي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر اللّه أقول ما يبدّل القول لديّ بأمر ربّي أقول اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره وأغضب على من جحد حقّه ، اللهمّ إنّك أنزلت عليّ أنّ الإمامة لعلي وليّك عند تبياني ذلك ونصبي إيّاه بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم نعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا فقلت : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلاَمِ دِينا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»اللهمّ إنّي أُشهدك أنّي قد بلّغت .
معاشر الناس إنّما اللّه عزّوجلّ أكمل دينكم بإمامته ، فمن لم يأتمّ به وبمن يقوم مقامه من ولديى من صلبه إلى يوم القيامة والعرضُ على اللّه عزّوجلّ فأُولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ، لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون .
معاشر الناس هذا علي أنصركم لي ، وأحقّكم بي ، وأقربكم إليّ ، وأعزّكم عليَّ ، واللّه عزّوجلّ وأنا عنه راضيان ، وما نزلت آية رضى إلاّ فيه ، وما خاطب اللّه الذين آمنوا إلاّ بدأ به ، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلاّ فيه ، ولا شهد اللّه بالجنّة في «هَلْ أَتَى عَلَى الاْءِنسَانِ» إلاّ له ، ولا أنزلها في سواه ، نبيّكم خير نبي ، ووصيّكم خير وصي ، وبنوه خير الأوصياء .
معاشر الناس ذرّية كلّ نبي من صلبه وذرّيتي من صلب علي .
معاشر الناس إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم ، فإنّ آدم عليه السلام أُهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة اللّه عزّوجلّ فكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء اللّه ، ألا أنّه لا يبغض عليا إلاّ شقي ، ولا يتولّى عليا إلاّ تقي ، ولا يؤمن به إلاّ مؤمن مخلص ، وفي علي واللّه أُنزلت سورة العصر
ص: 155
«بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ»إلى آخره .
معاشر الناس قد استشهدت اللّه وبلّغتكم رسالتي «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ» .
معاشر الناس «اتَّقُوا اللّه َ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» .
معاشر الناس « آمنوا باللّه ورسوله والنور الذي أُنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها » .
معاشر الناس النور من اللّه عزّوجلّ فيَّ مسلوك ثمّ في علي عليه السلام ثمّ في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحقّ اللّه وبكلّ حقّ هو لنا ، لأنّ اللّه عزّوجلّ قد جعلنا
حجّة على المقصّرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين .
معاشر الناس إنّي أُنذركم أنّي رسول اللّه قد خلت من قبلي الرسل فإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا وسيجزي اللّه الشاكرين ، ألا وأنّ عليا الموصوف بالصبر والشكر ، ثمّ من بعده ولي من صلبه .
معاشر الناس لا تمنّوا على اللّه تعالى إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده إنّه لبالمرصاد .
معاشر الناس سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون .
معاشر الناس إنّ اللّه وأنا بريئان منهم .
معاشر الناس إنّهم وأشياعهم وأتباعهم وأنصارهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبّرين ، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته ،
ص: 156
قال : فذهب على الناس إلاّ شرذمة منهم أمر الصحيفة .
معاشر الناس إنّي أدعها إمامة ووراثة في عقبي إلى اليوم القيامة ، وقد بلّغت ما أُمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر وغائب وعلى كلّ أحد ومن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد ، فليبلّغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة وسيجعلونها ملكا واغتصابا ألا لعن اللّه الغاصبين والمغتصبين ، وعندها سنفرغ لكم أيّها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران .
معاشر الناس إنّ اللّه عزّوجلّ لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميّز الخبيث من الطيّب ، وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب .
معاشر الناس إنّه ما من قرية إلاّ واللّه مهلكها بتكذيبها ، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة ، كما ذكر اللّه تعالى ، وهذا إمامكم ووليّكم وهو مواعيد اللّه ، واللّه يصدق ما وعده .
معاشر الناس قد ضلّ قبلكم أكثر الأوّلين ، واللّه لقد أهلك الأوّلين وهو مهلك الآخرين .
معاشر الناس إنّ اللّه قد أمرني ونهاني وقد أمرت عليا ونهيته ، فعلم الأمر والنهي من ربّه عزّوجلّ فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوه تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا إلى مراده ولا تتفرّق بكم السبل عن سبيله .
أنا صراط اللّه المستقيم الذي أمركم باتّباعه ، ثمّ علي من بعدي ، ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، ثمّ قرأ صلى الله عليه و آله : «الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»إلى آخرها وقال : فيَّ نزلت وفيهم نزلت ، ولهم عمّت وإيّاهم خصّت ، أُولئك أولياء اللّه لا
خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ألا أنّ حزب اللّه هم الغالبون ، ألا أنّ أعداء علي هم
ص: 157
أهل الشقاق العادون وإخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .
ألا أنّ أولياءهم المؤمنون الذين ذكرهم اللّه في كتابه فقال عزّوجلّ «لاَ تَجِدُ قَوْما يُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ» الآية ، ألا أنّ أولياءهم الذين وصفهم اللّه عزّوجلّ فقال : «الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» ألا أنّ أولياءهم هم الذين يدخلون الجنّة آمنين وتتلقّاهم الملائكة بالتسليم أن طبتم فادخلوها خالدين .
ألا أنّ أولياءهم الذين قال اللّه عزّوجلّ : «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» .
ألا أنّ أعداءهم الذين يصلون سعيراً .
ألا أنّ أعداءهم الذين يسمعون لجهنّم شهيقا وهي تفور لها زفير «كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» الآية .
ألا أنّ أعداءهم الذين قال اللّه عزّوجلّ : «كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ» الآية .
ألا أنّ أولياءهم «الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» .
معاشر الناس شتّان ما بين السعير والجنّة ، عدوّنا من ذمّه اللّه ولعنه ، ووليّنا من أحبّه اللّه ومدحه .
معاشر الناس ألا وأنّي منذر وعلي هاد .
معاشر الناس إنّي نبي وعلي وصيّي ، ألا وأنّ خاتم الأئمّة منّا القائم المهدي (صلوات اللّه عليه) ، ألا أنّه الظاهر على الدين ، ألا أنّه المنتقم من الظالمين ، ألا أنّه
ص: 158
فاتح الحصون وهادمها ، ألا أنّه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشرك ، ألا أنّه مدرك كل ثار لأولياء اللّه عزّوجلّ ، ألا أنّه ناصر دين اللّه عزّوجلّ ، ألا أنّه الغرّاف من بحر عميق ، ألا أنّه يسمّ كلّ ذي فضل بفضله وكلّ ذي جهله بجهله ، ألا أنّه خيرة اللّه ومختاره ، ألا أنّه وارث كلّ علم والمحيط به ، ألا أنّه المخبر عن ربّه عزّوجلّ والمنبّه بأمر إيمانه ، ألا أنّه الرشيد السديد ، ألا أنّه المفوّض إليه ، ألا أنّه قد بشّر به من سلف بين يديه ، ألا أنّه الباقي حجّة ولا حجّة بعده ، ولا حقّ إلاّ معه ، ولا نور إلاّ عنده ، ألا أنّه لا غالب له ولا منصور عليه ، ألا أنّه ولي اللّه في أرضه ، وحكمه في خلقه ، وأمينه في سرّه وعلانيته .
معاشر الناس قد بيّنت لكم وأفهمتكم ، وهذا علي يفهمكم بعدي ، ألا وأنّي عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته والإقرار به ثمّ مصافقته من بعدي ، ألا وإنّي قد بايعت اللّه وعلي قد بايعني ، وأنا آخذكم بالبيعة له عن اللّه عزّوجلّ «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ» .
معاشر الناس : « إنّ الصفا والمروة والعمرة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر » الآية .
معاشر الناس حجّو البيت ، فما ورده أهل بيت إلاّ استغنوا ، ولا تخلّفوا عنه إلاّ افتقروا .
معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلاّ غفر اللّه له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك ، فإذا انقضت حجّته استأنف عمله .
معاشر الناس الحجّاج معاونون ونفقاتهم مخلفة ، واللّه لا يضيع أجر المحسنين .
معاشر الناس حجّوا البيت بكمال الدين والتفقّه ، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلاّ
ص: 159
بتوبة وإقلاع .
معاشر الناس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم عزّوجلّ ، لئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم فعلي وليّكم ومبيّن لكم ، الذي نصبه اللّه عزّوجلّ بعدي ، ومن
خلفه اللّه منّي ومنه يخبركم بما تسألون عنه ، ويبيّن لكم ما لا تعلمون . ألا أنّ الحلال
والحرام أكثر من أن أُحصيهما وأُعرّفهما ، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فأُمرت أخذ البيعة عليكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن اللّه عزّوجلّ في علي أمير المؤمنين والأئمّة من بعده الذين هم منّي ومنه أُمّة قائمة منهم المهدي إلى يوم
القيامة الذي يقضي بالحقّ .
معاشر الناس وكلّ حلال دللتكم عليه وكلّ حرام نهيتكم عنه فإنّي لم أرجع عن ذلك ولم أُبدل ، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدّلوه ولا تغيّروه ، ألا وإنّي أُجدّد القول : ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وآمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، وأنّ رأس الأمر بالمعروف : أن تنهوا إلى قولي وتبلّغوه من لم يحضره وتأمروه بقبوله ، وتنهوه عن مخالفته ، فإنّه أمر من اللّه عزّوجلّ ومنّي ، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلاّ مع إمام معصوم .
معاشر الناس : القرآن يعرِّفكم أنّ الأئمّة من بعده ولده ، وعرّفتكم أنّه منّي وأنا منه حيث يقول اللّه عزّوجلّ «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ» وقلت : لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما .
معاشر الناس التقوى التقوى إحذروا الساعة كما قال اللّه تعالى : «إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ» . اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين والثواب والعقاب ، فمن جاء بالحسنة أُثيب ، ومن جاء بالسيّئة فليس له في
ص: 160
الجنان نصيب .
معاشر الناس إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكفّ واحدة ، وأمرني اللّه عزّوجلّ أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمّة منّي ومنه على ما أعلمتكم ، أنّ ذرّيتي من صلبه فقولوا بأجمعكم : إنّا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغت عن ربّنا وربّك في أمر علي (صلوات اللّه عليه) وأمر ولده من صلبه من الأئمّة ، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيا ونموت ونبعث ولا نغيّر ولا نبدّل ولا نشكّ ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ؟؟؟ الميثاق ونطيع اللّه ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمّة الذين ذكرتهم من ذرّيتك من صلبه بعد الحسن والحسين الذين قد عرّفتكم مكانهما منّي ومحلّهما عندي ومنزلتهما من ربّي عزّوجلّ فقد أدّيت ذلك إليكم وأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة وإنّهما الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله .
وقولوا : أطعنا اللّه بذلك وإيّاك وعليا والحسن والحسين والأئمّة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما بيده وأقرّ بهما بلسانه لا نبتغي بذلك بدلاً ولا نرى من أنفسنا عنه حولاً أبدا ،
أشهدنا اللّه وكفى باللّه شهيدا وأنت علينا به شهيد ، وكلّ من أطاع ممّن ظهر واستتر وملائكة اللّه وجنوده وعبيده واللّه أكبر من كلّ شهيد .
معاشر الناس ما تقولون فإنّ اللّه يعلم كلّ صوت وخافية كلّ نفس ، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ، ومن بايع فإنّما يبايع اللّه عزّوجلّ ، يد اللّه فوق أيديهم .
معاشر الناس فاتّقوا اللّه وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة
ص: 161
كلمة باقية ، يهلك اللّه من غدر ويرحم اللّه من وفى ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه الآية .
معاشر الناس قولوا الذي قلت لكم وسلِّموا على علي بإمرة المؤمنين ، وقولوا : «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» وقولوا : الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه .
معاشر الناس إنّ فضائل علي بن أبي طالب عند اللّه عزّوجلّ ، وقد أنزلها عليَّ في القرآن أكثر من أن أُحصيها في مكان واحد ، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدّقوه .
معاشر الناس من يطع اللّه ورسوله وعليا والأئمّة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا مبينا .
معاشر الناس السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين أُولئك هم الفائزون في جنّات النعيم .
معاشر الناس قولوا ما يرضى اللّه به عنكم من القول « فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضرّ اللّه شيئا » اللهمّ إغفر للمؤمنين والمؤمنات واغضب على الكافرين والكافرات والحمد للّه ربّ العالمين .
فناداه القوم : سمعنا وأطعنا على أمر اللّه وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا ، وتداكوا على رسول اللّه وعلى علي وصافقوا بأيديهم ، فكان أوّل من صافق رسول اللّه صلى الله عليه و آله الأوّل والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم إلى أن صلِّيت المغرب والعتمة في وقت واحد ، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول كلّما بايع قوم : الحمد للّه الذي فضّلنا على جميع العالمين ، وصارت المصافقة سنّة ورسما وربما يستعملها من ليس له
ص: 162
حقّ فيها(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم قال : نزلت هذه الآية في منصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع ، وحجّ رسول اللّه حجّة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة ، وكان من قوله في خطبته بمنى أن حمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عنّي فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، ثمّ قال : هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة ؟ قال الناس : هذا اليوم ، قال : فأي شهر ؟ قال الناس : هذا الشهر ، قال : وأي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا ، قال : فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلّغت أيّها الناس ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ إشهد ، ثمّ قال : ألا كلّ مأثرة أو بدع كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين ليس أحد أكرم من أحد إلاّ بالتقوى ، ألا هل بلّغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ قال : ألا وكلّ ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأوّل موضوع منه ربا العبّاس بن عبدالمطّلب ، ألا وكلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع وأوّل موضوع منه دم بيعة ، ألا هل بلّغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ قال : ألا وأنّ الشيطان قد يئس أيُعبد بأرضكم هذه ولكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وأنّه إذا أُطيع فقد عُبد ، ألا أيّها الناس أنّ المسلم أخ المسلم حقّا ، ولا يحلّ لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلاّ ما أعطاه بطيبة نفس منه ، وإنّي أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه ،
ص: 163
ألا فهل بلّغت أيّها الناس ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافقهوه تنتعشوا ، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن أنتم فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ، ثمّ التفت عن يمينه وسكت ساعة ثمّ قال : إن شاء اللّه أو علي بن أبي طالب ، ثمّ قال : ألا وإنّي قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلّوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، ألا هل بلّغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهمّ اشهد ، ثمّ قال : ألا وأنّه سيرد عليَّ الحوض منكم رجال فيدفعون عنّي فأقول : ربّ أصحابي ! فيقال : يامحمّد إنّهم قد أحدثوا بعدك وغيّروا سنّتك ، فأقول : سحقا سحقاً .
فلمّا كان آخر يوم من أيّام التشريق أنزل اللّه تعالى «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه ِ وَالْفَتْحُ»
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعيت إليّ نفسي ، ثمّ نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف ،
فاجتمع الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : نصر اللّه امرءا سمع مقالتي فوعاها وبلّغها لمن لم يسمعها ، فربّ حامل فقه غير فقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل للّه والنصيحة لأئمّة المسلمين ولزوم جماعتهم فإنّ دعوته محيطة من ورائهم ، المؤمنون أُخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمّتهم أدناهم وهم يد على من سواهم .
أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين ، قالوا : يارسول اللّه وما الثقلان ؟ فقال : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فإنّه نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض كاصبعيّ هاتين وجمع بين سبّابتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع بين سبّابته
ص: 164
والوسطى فتفضل هذه على هذه ، فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا : يريد محمّد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة نفر إلى مكّة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتابا إن أمات اللّه محمّدا أو قتله أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا ، فأنزل اللّه على نبيّه في ذلك «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله من مكّة يريد المدينة حتّى نزل منزلاً يقال له غدير خمّ وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيّته إذ أنزل اللّه عليه هذه الآية : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآية ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : تهديد ووعيد فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس هل تعلمون من وليّكم ؟ قالوا : نعم اللّه ورسوله ،
قال : ألستم تعلمون إنّي أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهمّ اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل ويقول الناس كذلك ويقول اللهمّ اشهد ، ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام فرفعه حتّى بدا للناس بياض إبطيه ثمّ قال : ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحبّ من أحبّه ثمّ رفع رأسه إلى السماء فقال : اللهمّ اشهد عليهم وأنا من الشاهدين . فاستفهم عمر من بين أصحابه فقال : يارسول اللّه هذا من اللّه أو من رسوله ؟ فقال رسول اللّه : نعم من اللّه ومن رسوله ، إنّه أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ، يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار ، فقال أصحابه الذين ارتدّوا بعده : قد قال محمّد في مسجد الخيف ما قال وقال هاهنا ما قال وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ، فاجتمع أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقعدوا له في العقبة وهي عقبة هرشى بين
ص: 165
الجحفة والأبواء فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا جنّ الليل تقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته فلمّا دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يامحمّد إنّ فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك فنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : من هذا خلفي ؟ فقال حذيفة بن اليمان : أنا حذيفة بن اليمان يارسول اللّه ، قال : سمعت ما سمعت ؟ قال : بلى ، قال : فاكتم ، ثمّ دنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله منهم فناداهم بأسمائهم فلمّا سمعوا نداء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فرّوا ودخلوا في غمار الناس وقد كانوا عقلوا إلى رواحلهم فتركوها ولحق الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله وطلبوهم وانتهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى رواحلهم فعرفهم ، فلمّا نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات اللّه محمّدا أو قتله أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا ، فجاؤوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فحلفوا أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يهمّوا بشيء في رسول اللّه ، فأنزل اللّه : «يَحْلِفُونَ بِاللّه ِ مَا قَالُوا» أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيت رسول اللّه «وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا» من قتل رسول اللّه «وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللّه ُ عَذَابا أَلِيما فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِىٍّ وَلاَ نَصِيرٍ» .
فرجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى المدينة وبقي بها محرّم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ثمّ ابتدأ به الوجع الذي توفّي فيه صلى الله عليه و آله .
فحدّثني أبي ، عن مسلم بن خالد ، عن محمّد بن جابر ، عن ابن مسعود قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا رجع من حجّة الوداع : يابن مسعود قد قرب الأجل ونعيت إليّ نفسي فمن لك بعهدي فأقبلت أعدّ عليه رجلاً رجلاً ، فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ
ص: 166
قال : ثكلتك الثواكل فأين أنت عن علي بن أبي طالب لِمَ لا تقدّمه على الخلق أجمعين ، يابن مسعود إنّه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأُمّة أعلام ، فأوّل الأعلام لوائي الأعظم مع علي بن أبي طالب والناس تحت لوائي ينادي مناد هذا الفضل بابن أبي طالب(1).
وفي تهذيب الأحكام في الدعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصادق عليه السلام : ربّنا إنّنا سمعنا بالنداء وصدّقنا المنادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته به أن يبلّغ ما أنزلت إليه من ولاية ولي أمرك فحذّرته وأنذرته إن لم يبلّغ أن تسخط عليه وأنّه إن بلّغ رسالاتك عصمته من الناس ، فنادى مبلّغا وحيك ورسالاتك : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، ومن كنت وليّه فعلي وليّه ، ومن كنت نبيّه فعلي أميره(2).
وفي أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده إلى النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل يقول فيه لعلي عليه السلام : ولقد أنزل اللّه عزّوجلّ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» - يعني في ولايتك ياعلي - «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» ولو لم أُبلّغ ما أُمرت به من ولايتك لحبط عملي(3).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا عن عبداللّه بن عطا قال : كنت جالسا عند أبي جعفر عليه السلام قال : أوحى اللّه إلى النبي صلى الله عليه و آله قل للناس : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فما بلّغ بذلك وخاف الناس ، فأوحى اللّه إليه : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ
ص: 167
وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الغدير وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى الشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمي رحمه الله في أماليه حديثاً صحيحاً لطيفاً يتضمّن قصّة الغدير مختصرا قال : حدّثني أبي رضى الله عنه قال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن عبداللّه البرقي ، عن أبيه ، عن الخلف بن حمّاد الأسدي عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن عبداللّه بن عبّاس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا أُسري به إلى السماء انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور وهو قول اللّه عزّوجلّ : «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» فلمّا انتهى به إلى ذلك النهر فقال له جبرئيل : يامحمّد اعبر على بركة اللّه عزّوجلّ فقد نوّر اللّه لك بصرك ومدّ لك أمامك ، فإنّ هذا نهر لم يعبره أحد ، لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل غير أنّي في كلّ يوم أغتمس فيه اغتماسة ثمّ أخرج منه فأنفض أجنحتي ، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلاّ خلق اللّه تبارك وتعالى منها ملكا مقرّبا له عشرون ألف وجه وأربعون ألف لسان بكلّ لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر ، فعبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى انتهى إلى الحجب ، والحجب خمسمائة حجاب ، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام ، ثمّ قال له جبرئيل : تقدّم يامحمّد ، فقال له : ياجبرئيل ولِمَ لا تكون معي ؟ قال : ليس لي أن أجوز هذا المكان ، فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما شاء اللّه أن يتقدّم حتّى سمع ما قال الربّ تبارك وتعالى قال : أنا المحمود وأنت محمّد ،
شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته ، انزل إلى عبادي
ص: 168
فأخبرهم بكرامتي إيّاك وإنّي لم أبعث نبيّا إلاّ جعلت له وزيرا ، وإنّك رسولي وأنّ عليا وزيرك ، فهبط رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكره أن يحدّث الناس بشيء كراهة أن يتّهموه لأنّهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية حتّى مضى لذلك ستّة أيّام فأنزل اللّه تبارك وتعالى : «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ»فاحتمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك حتّى كان اليوم الثامن فأنزل اللّه تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ»فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تهديد بعد وعيد لأمضينّ أمر ربّي فإن يتّهموني ويكذبوني فهو أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة ، قال : وسلّم جبرئيل على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين فقال علي عليه السلام : يارسول اللّه أسمع الكلام ولا أحسّ الرؤية ، فقال : ياعلي هذا جبرئيل أتاني من قبل ربّي بتصديق ما وعدني ، ثمّ أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجلاً فرجلاً من أصحابه أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ثمّ قال : يابلال نادِ في الناس أن لا يبقى أحد إلاّ عليل إلاّ خرج إلى غدير خم ، فلمّا كان من الغد خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجماعة أصحابه فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس إنّ اللّه تبارك وتعالى أرسلني إليكم برسالة وإنّي ضقت بها ذرعا مخافة أن تتّهموني وتكذّبوني ، فأنزل اللّه عليّ وعيدا بعد وعيد ، فكان تكذيبكم إيّاي أيسر عليَّ من عقوبة اللّه إيّاي ، إنّ اللّه تبارك وتعالى أسرى بي وأسمعني وقال : يامحمّد أنا المحمود وأنت محمّد ، شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته ومن قطعك بتلته ، إنزل على عبادي فأخبرهم بكرامتي إيّاك وإنّي لم أبعث نبيّا إلاّ جعلت له وزيرا وإنّك رسولي وعليا وزيرك ، ثمّ أخذ عليه السلام بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فرفعها حتّى نظر الناس بياض إبطيهما ولم ير قبل ذلك ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ اللّه تبارك وتعالى مولاي وأنا مولى المؤمنين ،
ص: 169
من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، فقال الشكّاك والمنافقون والذين في قلوبهم مرض : نبرأ إلى اللّه من مقالته ، ليس بحتم ولا نرضى أن يكون علي وزيره ، وهذه منه عصبية ، فقال سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار بن ياسر : واللّه ما برحنا العرصة حتّى نزلت هذه الآية «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا» فكرّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثا ثمّ قال : إنّ كمال الدين وتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي
إليكم وبالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب(1) (صلوات اللّه عليهما) وعلى ذرّيتهما ما دامت المشارق والمغارب وهبّت الجنوب وثارت السحائب(2).
وأخرج الحكيم الترمذي ، في نوادر الأُصول ، والطبراني في الكبير ، كلاهما عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أُسيد(3) رضي اللّه عنهما ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، خطب بغدير خم تحت شجرات ، فقال : ياأيّها الناس إنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإنّي قد يوشك أن أُدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت ، فجزاك اللّه خيرا ، فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث حقّ ، بعد
ص: 170
الموت ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وإنّ اللّه يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك ، قال : اللهمّ أشهد ، ثمّ قال : ياأيّها الناس إنّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ، يعني عليا ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، ثمّ قال : ياأيّها الناس إنّي فرطكم ، وإنّكم واردون على الحوض ، حوض أعرض ممّا بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم أقداح من فضّة وإنّي سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّوجلّ سبب طرفه بيد اللّه ، وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير ، أنّهما لن يفترقا حتّى يرداً عليَّ الحوض(1).
وأخرج أحمد ، عن البراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ؟؟؟ ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لمّا نزل بغدير خم ، أخذ بيد علي فقال : ألستم تعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون إنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا :
بلى ، فقال : اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئا ياابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(2).
ص: 171
وأخرج أحمد ، عن علي ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وعمرو بن مرّة ، وزيد بن أرقم ، وثلاثين رجلاً من الصحابة ، والبراء عن ابن عبّاس ، وعمارة ، وبريدة ، وأبو يعلى ، عن أبي هريرة ، وابن أبي شيبة عنه ، وعن إثنى عشر من الصحابة ، والطبراني عن سعد بن أبي وقّاص ، وعبداللّه بن عمر ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وأبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، ومالك بن الحويرث ، والحاكم ، عن علي ، وطلحة ، وأبو نعيم ، من فضائل الصحابة عن سعد ، والخطيب عن أنس ؟؟؟ ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله
قال : بغدير خم ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه(1).
وفي رواية أُخرى للطبراني ، عن عمرو بن مرّة ، وزيد بن أرقم ، وحبشي بن جنادة ؟؟؟ ، بلفظ : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، وأعن من أعانه(2).
وعند ابن مردويه ، عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما ، اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، واخذل من خذله ، وانصر من نصره ،
ص: 172
وأحب من أحبّه ، وابغض من أبغضه(1).
وفي رواية أُخرى لأبي نعيم من فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ؟؟؟ ، لفظه : ألا أنّ للّه ولي ، وأنا ولي كلّ مؤمن ، من كنت مولاه فعلي مولاه(2).
ولأحمد في رواية أُخرى ، وابن حيّان ، والحاكم ، وسمويه ، عن ابن عبّاس ، عن بريدة ؟؟؟ ، بلفظ : يابريدة ألست أولى المؤمنين من أنفسهم ، من كنت مولاه فعلي مولاه(3).
وعند الطبراني في رواية أُخرى ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم ؟؟؟ ، بلفظ : من كنت أولى به من نفسه ، فعلي وليّه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه(4).
واقتصر الترمذي ، والحاكم ، في روايتهما عن زيد بن أرقم ؟؟؟ ، من كنت
ص: 173
مولاه فعلي مولاه(1).
وهذا حديث صحيح مشهور ، ولم يتكلّم في صحّته إلاّ متعصّب جاحد ، لا اعتبار بقوله ، فإنّ الحديث كثير الطرق جدّا وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد(2)، وقد نصّ الذهبي على كثير من الطرق بالصحّة ، ورواه من الصحابة عدد كثير(3) فقد أخرج أحمد عن أبي الطفيل ، قال : جمع علي كرّم اللّه وجهه الناس في الرحبة ، ثمّ قال : أنشد باللّه كلّ امرئ ، مسلم سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يقول يوم غدير خم : ما قال ، لما قام ، فقام إليه ثلاثون من الناس ، فشهدوا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه(4).
وأخرج الترمذي ، والحاكم ، عن عمران بن حصين ؟؟؟ ، قال : بعث رسول
ص: 174
اللّه صلى الله عليه و آله ، جيشا فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضى في البرية فأصاب جارية فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ، فقالوا : إذا ألقينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أخبرنا بما صنع علي ، وكان المسلمون إذ أرجعوا من سفر بدأوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسلّموا عليه ، ثمّ انصرفوا إلى رحالهم ، فلمّا قدمت السرية سلّموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فقام أحد الأربعة فقال يارسول اللّه : ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا كذا ، فأعرض عنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال الثاني ، فقال : مثل مقالته فأعرض عنه ، ثمّ قام إليه الثالث ، فقال : مثل مقالته فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع ، فقال : مثل ما قالوا فأقبل إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والغضب يعرف في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ إنّ عليا منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي(1).
ولفظه عند أحمد : دعوا عليا ، دعوا عليا ، أنّ عليا منّي وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي(2).
وأخرج البخاري ، عن بريدة ؟؟؟ ، قال : بعث النبي صلى الله عليه و آله عليا إلى خالد ، ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا ، وقد اعتلّ ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ، فلمّا قدمنا على النبي صلى الله عليه و آله ، ذكرت ذلك له ، فقال : يابريدة أتبغض عليا ؟ فقلت : نعم ،
ص: 175
قال : لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك(1).
وأخرج مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، عن زر بن حبيش قال : قال علي كرّم اللّه وجهه ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأُمّي صلى الله عليه و آله ، إلى أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق(2).
وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، والطبراني ، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها مثله(3).
وأخرج الطبراني ، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنهما ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، من أحبّ عليا فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض اللّه (4).
وأخرج الحاكم ، عن أبي ذرّ رضى الله عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، من أطاعني فقد أطاع اللّه عزّوجلّ ، ومن عصاني فقد عصى اللّه ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن
ص: 176
عصى علياً فقد عصاني(1).
وأخرج أيضاً ، عن أبي ذرّ رضى الله عنه ، أنّ النبي صلى الله عليه و آله ، قال : لعلي ، من فارقك ياعلي فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق اللّه (2).
وأخرج الطبراني في الكبير ، عن ابن عمر ؟؟؟ مثله(3).
وأخرج أحمد ، والحاكم ، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنهما ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله، من سبّ عليا فقد سبّني(4)-(5).
ولنعم ما قيل في القصيدة العينية :
عجبت من قوم أتوا أحمدا
بخطبة ليس لها موضع
قالوا له لو شئت أعلمتنا
إلى مَن الغاية والمفزع
إذا تُوفّيت وفارقتنا
فيهم بالملك من يطمع
فقال لو ؟؟؟
كنتم ؟؟؟ فيه أن تصنع
صنيع أهل الجهل إذ فارقوا
هارون ؟؟؟
ص: 177
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
سورة الأنعام
وفي تفسير العياشي ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : تدري ما يعني بصراطي مستقيما ؟ قلت : لا ، قال : ولاية علي والأوصياء ، قال : وتدري ما يعني « فاتّبعوه » ؟ قلت : لا ، قال : يعني علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) قال : وتدري ما يعني «وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ» فتفرّق بكم عن سبيله ؟ قلت : لا ، قال : ولاية فلان وفلان واللّه ، قال : وندري ما يعني «فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» ؟ قلت : لا ، قال : يعني سبيل علي عليه السلام(1).
وفي روضة الواعظين قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ» سألت اللّه أن يجعلها لعلي ففعل(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : وذكر علي بن يوسف بن جبير في كتاب نهج الإيمان قال : الصراط المستقيم هو علي بن أبي طالب عليه السلام في هذه الآية لما رواه إبراهيم
ص: 178
الثقفي في كتابه بإسناده إلى أبي بريدة الأسلمي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» قد سألت اللّه أن يجعلها لعلي ففعل ، فقوله : يجعلها لعلي عليه السلام أي سبيله التي هي الصراط المستقيم وسبيله القويم الهادي إلى جنّات النعيم .
وفي بصائر الدرجات : عمران بن موسى بن جعفر ، عن علي بن أسباط ، عن محمّد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه تبارك وتعالى : «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ» قال : هو واللّه علي ، هو واللّه الميزان والصراط(1).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي بإسناده إلى الإمام محمّد بن علي الباقر عليهماالسلام عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل وفيه خطبة الغدير وفيها : معاشر الناس إنّ اللّه قد أمرني وأنهاني ، وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الأمر والنهي من ربّه ، فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوه تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا إلى مراده ولا تتفرّق بكم السبل عن سبيله ، معاشر الناس أنا الصراط المستقيم الذي أمركم بإتّباعه ثمّ علي من بعدي ، ثمّ ولدي من صلبه أئمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون(2).
فرات ، قال : حدّثني محمّد بن القاسم بن عبيد معنعنا عن حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام في قول اللّه تعالى : «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ» قال : علي بن أبي طالب والأئمّة من ولد فاطمة عليهم السلام هم صراط اللّه فمن أتاه
ص: 179
سلك السبل(1).
روى قتادة عن الحسن البصري في قوله تعالى : «هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما»قال
يقول : هذا طريق علي بن أبي طالب وذرّيته طريق مستقيم ودين مستقيم فاتّبعوه وتمسّكوا به فإنّه واضح لا عوج فيه (كما في غاية المرام ص434 ط طهران) .
ومنهم إبراهيم الثقفي (كما في البحار ج9 ص69 ط أمين الضرب ، نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب) باسناده إلى أبي بردة الأسلمي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»سألت
اللّه أن يجعلها لعلي .
ومنهم العلاّمة الشيخ سليمان البلخي القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص111 ط اسلامبول .
إنّ هذي هداية فاتّبعوها
مستقيما لكم بغير اقتناء
ودعوا كلّ ما تفرّق فيكم
من دُروب الضلال والإغراء
أُنزلت في علي فهو صراط
مستقيم الهدى بغير التواء
ص: 180
«وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ»
سورة الأعراف
وفي أُصول الكافي : الحسن بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن عبداللّه بن عمر الخلاّل ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ» قال : المؤذّن أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي مجمع البيان : روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن محمّد بن الحنفية ، عن علي عليه السلام أنّه قال : أنا ذلك المؤذّن(2).
وفي كتاب معاني الأخبار خطبة لعلي عليه السلام يذكر فيها نعم اللّه عزّوجلّ عليه وفيها يقول عليه السلام : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، وأنا المؤذّن في الدنيا والآخرة قال اللّه عزّوجلّ : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ» أنا ذلك المؤذّن ، وقال : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ» وأنا ذلك
ص: 181
الأذان(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وفي تفسير العياشي ، عن الرضا عليه السلام : الأذان أمير المؤمنين يؤذّن أذانا
يسمع الخلائق(2).
وفي مجمع البيان أيضا بإسناده ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس إنّه قال لعلي عليه السلام : في كتاب اللّه أسماء لا يعرفها الناس قوله تعالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ»فهو
المؤذّن «أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ»(3)-(4).
ورد نزولها في شأن أمير المؤمنين عليه السلام عن جماعة من العامّة :
منهم الحافظ الحسكاني في « شواهد التنزيل » (ج1 ص202 ط بيروت قال :
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي ، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي ، أخبرنا أبو أحمد البصري ، أخبرنا المغيرة بن محمّد ، أخبرنا عبدالغفّار بن محمّد ، أخبرنا مصعب بن سلام ، عن عبدالأعلى التغلبي ، عن محمّد بن الحنفية ، عن علي قال : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ» فأنا ذلك المؤذّن .
قال : فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثني علي بن عتاب ، عن جعفر بن عبداللّه ، عن محمّد بن عمر ، عن يحيى بن راشد ، عن كامل عن صالح كذا ، عن ابن عبّاس قال : إنّ لعلي بن أبي طالب في كتاب اللّه أسماء لا يعرفها الناس قوله : «فَأَذَّنَ
ص: 182
مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ» فهو المؤذّن بينهم يقول : ألا لعنة اللّه على الذين كذّبوا بولايتي واستخفّوا بحقّي .
وروى أبو النضر العياشي ، عن محمّد بن نصير ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن ابن أُذينة في قوله : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ» قال : قال : المؤذّن أمير المؤمنين .
روى جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني العمركي وحمدان ، عن محمّد بن عيسى عن يونس ، عن ابن أُذينة ، عن حمران ، عن أبي جعفر قال : المؤذّن أمير المؤمنين عليه السلام .
ومنهم العلاّمة ابن حسنويه في « در بحر المناقب » (ص85 مخطوط) . روى حديثا طويلاً مشتملاً على ما مرّ .
أورده من حفّاظ القوم ونقلة آثارهم عدّة ونحن نشير إلى من وقفنا عليه حال التحرير فنقول :
« منهم » الحافظ أبو بكر بن مردويه في كتاب « المناقب » (كما في كشف الغمّة ص95) .
روى عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى «فَأَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ»قال : هو علي عليه السلام .
« ومنهم » العلاّمة المير محمّد صالح الكشفي الترمذي الحنفي في مناقب مرتضوي (ص60 ط بمبئى بمطبعة المحمّدي) .
روى عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه علي عليه السلام .
« ومنهم » العلاّمة الآلوسي في روح المعاني (ج8 ص107 ط مصر) أورد عن ابن عبّاس أنّه علي كرّم اللّه وجهه .
ص: 183
« ومنهم » العلاّمة الشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة (ص101 ط النجف)(1).
ولنعم ما قال الفرطوسي :
قال سبحانه وأذّن فيهم
حين جاؤا مؤذّن بنداء
وهو يعني إنّ الوصي عليّا
يلعن المنكرين فرض الولاء
وهم الظالمون بعد جحود
وعمىً عن إمامة الأُمناء
ص: 184
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»
سورة الأعراف
ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره قال : قال الصادق عليه السلام : إنّ اللّه أخذ الميثاق على الناس للّه بالربوبية ، ولرسوله صلى الله عليه و آله بالنبوّة ، ولأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام بالإمامة . ثمّ قال : ألست بربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم والأئمّة الهادون أوليائكم ؟ قالوا : بلى . فمنهم إقرار باللسان ومنهم تصديق بالقلب(1).
وقوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»وقالت الملائكة : بلى . فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم .
وروى الحسين بن جبير رحمه الله صاحب كتاب النُّخب في كتابه حديثا مسندا إلى الباقر عليه السلام قال : سئل الباقر عليه السلام عن قوله تعالى : «فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ
ص: 185
قَبْلِكَ»(1) مَن هؤلاء ؟ فقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا أُسري بي إلى السماء الرابعة أذّن
جبرئيل وأقام وجميع النبيّين والصدّيقين والشهداء والملائكة ، وتقدّمت وصلّيت بهم ، فلمّا انصرفت قال جبرئيل : قل لهم : بم تشهدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ،وأنّك رسول اللّه ، وأنّ عليا أمير المؤمنين .
وروى أخطب خوارزم حديثا مسندا يرفعه إلى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بيته فغدا عليه علي بن أبي طالب عليه السلام بالغداة ، وكان يحبّ أن لا يسبقه إليه أحد . فدخل فإذا النبي صلى الله عليه و آله في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية الكلبي(2). فقال : السلام عليك كيف أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال له دحية : وعليك السلام أصبح بخير ياأخا رسول اللّه . فقال له علي : جزاك اللّه عنّا أهل البيت خيراً .
فقال له دحية : إنّي أُحبّك وإنّ لك عندي مدحة أزفّها إليك : أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، وأنت سيّد ولد آدم ما خلا النبيّين والمرسلين(3)، لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزفّ أنت وشيعتك مع محمّد صلى الله عليه و آله وحزبه إلى الجنان ، قد أفلح من تولاّك ، وخسر من تخلاّك ، محبّو محمّد محبّوك ، ومبغضوه مبغضوك ، لن تنالهم شفاعة محمّد صلى الله عليه و آله . ادن منّي ياصفوة اللّه وخذ رأس ابن عمّك فأنت أحقّ به منّي . فأخذ رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله فانتبه وقال : ما هذه الهمهمة ؟ فأخبره الخبر . فقال : لم يكن
ص: 186
دحية وإنّما كان جبرئيل ، سمّاك باسم سمّاك اللّه به ، وهو الذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين(1).
وروى الشيخ الفقيه محمّد بن جعفر(2) رحمه الله حديثا مسندا عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي طوبى لمن أحبّك ، وويل لمن أبغضك وكذّب بك . ياعلي أنت العلم لهذه الأُمّة ، من أحبّك فاز ، ومن أبغضك هلك . ياعلي أنا المدينة وأنت الباب . ياعلي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين . ياعلي ذكرك في التوراة وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكلّ خير ، وكذلك ذكرهم في الإنجيل وما أعطاك اللّه من علم الكتاب ، فإنّ أهل الإنجيل يعظّمون إليا وشيعته وما يعرفونهم ، وأنت وشيعتك مذكورون في كتبهم . ياعلي خبّر أصحابك أنّ ذكرهم في السماء أفضل وأعظم من ذكرهم في الأرض ، فيفرحوا بذلك ويزدادوا اجتهادا فإنّ شيعتك على منهاج الحقّ والاستقامة - الحديث .
وروى الشيخ الفقيه محمّد بن جعفر رحمه الله حديثا مسندا إلى أنس بن مالك وعبداللّه بن عبّاس قال : قالا جميعا : كنّا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و آله إذ جاء علي بن أبي
طالب عليه السلام فقال : السلام عليك يارسول اللّه . قال : وعليك السلام ياأمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته . فقال علي : وأنت حي يارسول اللّه (3)؟ قال : نعم وأنا حي . إنّك ياعلي مررت بنا أمس يومنا وأنا وجبرئيل في حديث ولم تسلِّم ، فقال جبرئيل : ما
ص: 187
بال أمير المؤمنين مرّ بنا ولم يسلِّم ؟ أما واللّه لو سلّم لسررنا ورددنا عليه(1). فقال علي عليه السلام: يارسول اللّه رأيتك ودحية الكلبي قد استخليتما في حديث فكرهت أن أقطعه عليكما . فقال له النبي صلى الله عليه و آله : إنّه لم يكن دحية وإنّما كان جبرئيل ؛ فقلت : ياجبرئيل كيف سمّيته أمير المؤمنين ؟ فقال : إنّ اللّه عزّوجلّ أوحى إليّ في غزاة بدر أن أهبط إلى محمّد فآمره أن يأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يجول بين الصفّين فإنّ الملائكة يحبّون أن ينظروا إليه وهو يجول بين الصفّين فسمّاه اللّه في السماء أمير المؤمنين ، فأنت ياعلي أمير مَن في السماء وأمير مَن في الأرض وأمير مَن مضى وأمير مَن بقي ، ولا أمير قبلك ولا أمير بعدك ، إنّه لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم من لم يسمّه اللّه تعالى به(2).
وروى أيضا عن سهل بن زياد بإسناده عن سنان بن طريف ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : إنّا أهل بيت نوّه اللّه بأسمائنا لمّا خلق السماوات والأرض ، أمر مناديا ينادي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه - ثلاثا - أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه - ثلاثا - أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين حقّا - ثلاثا(3).
وروى الكراجكي رضى الله عنه في كنز الفوائد حديثا مسندا إلى ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : والذي بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا ما استقرّ الكرسي والعرش ، ولا دار الفلك ، ولا قامت السماوات والأرض إلاّ بأن كتب عليها : « لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، علي أمير المؤمنين » . إنّ اللّه تعالى لمّا عرج بي إلى السماء واختصّني بلطيف
ص: 188
ندائه قال : يامحمّد ، قلت : لبّيك ربّي وسعديك . قال : أنا المحمود وأنت محمّد ، شققت اسمك من اسمي وفضّلتك على جميع بريّتي ، فانصب أخاك عليا علَما لعبادي يهديهم إلى ديني . يامحمّد إنّي قد جعلت عليا أمير المؤمنين فمن تأمّر عليه لعنته ، ومن خالفه عذّبته ، ومن أطاعه قرّبته . يامحمّد إنّي قد جعلت عليا إمام المسلمين فمن تقدّم عليه أخّرته ، ومن عصاه استحقّته . إنّ عليا سيّد الوصيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وحجّتي على الخلائق أجمعين(1).
روى ابن المغازلي بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه « أنّه قرأ عليه الأصبغ بن نباتة : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» قال : فبكى علي عليه السلام وقال : إنّي لأذكر الوقت الذي أخذ اللّه تعالى عليَّ فيه الميثاق »(2).
روى مير سيّد علي الهمداني بإسناده عن أبي هريرة قال : « قيل : يارسول اللّه متى وجبت لك النبوّة ؟ قال : قبل أن يخلق اللّه آدم وينفخ الروح فيه ، وقال : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»
قالت الأرواح : بلى . قال اللّه تعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(3).
وفي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم من الجمهور روى حديثا يرفعه إلى أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : ياأنس اسكب لي وضوءا . ثمّ صلّى ركعتين ثمّ قال :
ص: 189
ياأنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وخاتم الوصيّين . قال أنس : فقلت : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار وكتمته ، إذ جاء علي عليه السلام فقال صلى الله عليه و آله : من هذا ياأنس ؟ قلت : علي . فقام مستبشرا واعتنقه ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق وجه علي عليه السلام بوجهه . فقال علي : يارسول اللّه لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعته بي قبل ؟ قال : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي(1).
روى الجمهور(2): قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير
المؤمنين ما أنكروا فضله سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال عزّوجلّ :
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» ؟ قالت الملائكة بلى ، فقال اللّه تعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم صلى الله عليه و آله وعلي أميركم « انتهى » .
قال الفرطوسي :
جاء جبريل بالبراق إليه
وهو في موكب من الأُمناء
إلى أن قال :
واذا بالنداء أنت حبيبي
في البرايا وسيّد الأنبياء
اتّخذ للورى عليّا وليّا
فهو عندي من أفضل الخلفاء
ص: 190
«وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»
سورة الأنفال
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قاله أبو جهل(1).
وفي روضة الكافي : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالسا وذكر كلاما طويلاً في فضل علي عليه السلام إلى أن قال : فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال : «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» إنّ بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هرقل «فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» فأنزل اللّه عليه مقالة الحارث(2).
وفي مجمع البيان بإسناده إلى سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمّد الصادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : لمّا نصب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، طار ذلك في البلاد ، فقدم على النبي صلى الله عليه و آله النعمان بن الحارث الفهري فقال : أمرتنا من اللّه أن نشهد لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه وأمرتنا بالجهاد
ص: 191
والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه ؟ فقال : واللّه الذي لا إله إلاّ هو أنّ هذا من عند اللّه ، فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول : « اللهمّ ... » الآية فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله(1).
روى السيّد شهاب الدين أحمد عن سفيان بن عيينة « أنّه سئل عن قول اللّه عزّوجلّ : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»(2) فيمن نزلت ؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك ، حدّثني جعفر بن محمّد عن آبائه (رضي اللّه تعالى عنهم) أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وعلى آله وبارك وسلّم) لمّا كان بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ناقة له فنزل بالأطبح عن ناقته وأناخها فقال : يامحمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه فقبلنا منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا ، فقبلنا منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ، تفضّله علينا ، وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أم من اللّه عزّوجلّ فقال له النبي (صلّى اللّه عليه وآله وبارك وسلّم) والذي لا إله إلاّ هو ، إنّ هذا من اللّه عزّوجلّ ، فولّى الحارث بن النعمان ، وهو يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم ، فما وصل إلى راحلته حتّى رماه اللّه عزّوجلّ بحجر فسقط على هامته ،
ص: 192
وخرج من دبره فقتله ، وأنزل اللّه عزّوجلّ «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» رواه الزرندي وقال نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره »(1).
قال الفرطوسي :
سأل اللّه سائل بعذاب
واقع دون دافع البلاء
إلى أن قال :
فرمته حجارة أهلكته
حين وافته من عذاب القضاء
ص: 193
«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه ِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه ِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّه ُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
سورة الأنفال
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن أورمة ومحمّد بن عبداللّه ، عن علي بن حسّان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام
في قول اللّه تعالى : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ» الآية قال : أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام(1).
وفي روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يقول فيها : قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كان في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسول
ص: 194
اللّه صلى الله عليه و آله ، إلى أن قال : إذا لتفرّقوا عنّي ، ثمّ قال عليه السلام: واللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، إلى أن قال : وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال اللّه عزّوجلّ : «إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّه ِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» فنحن واللّه عنى بذلك القربى الذي قرننا اللّه بنفسه وبرسوله صلى الله عليه و آله فقال : فلله «وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» فينا خاصّة(1).
وفي عوالي اللئالي : ونقل عن علي عليه السلام أنّه قيل له : إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : «وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ» ؟ فقال : أيتامنا ومساكيننا(2).
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي قال : أخبرنا أبو بكر الجرجرائي قال : حدّثنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني محمّد بن سهل ، قال : حدّثنا عمرو بن عبدالجبّار بن عمرو ، قال : حدّثنا أبي ، عن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عن علي بن الحسين ، عن أبيه(3).
ص: 195
عن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قول اللّه تعالى : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ» الآية ، قال : لنا خاصّة ، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا ، كرامة أكرم اللّه تعالى نبيّه وآله بها ، وأكرمنا عن أوساخ أيدي المسلمين .
أخبرنا أبو عبداللّه السفياني قراءة ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبداللّه قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق المرجي عبداللّه بن عبيداللّه بن العبّاس ، عن عكرمة :
قال : حدّثنا أبو حميد ، قال : حدّثنا علي بن أبي بكر ، عن قيس بن حسين بن(1) عبداللّه بن عبيداللّه بن العبّاس عن عكرمة :
أنّ فاطمة عليهاالسلام قالت : لمّا اجتمع علي والعبّاس وفاطمة وأُسامة بن زيد ، عند النبي صلى الله عليه و آله فقال : سلوني . فقال العبّاس : أسألك كذا وكذا من المال . قال : هو لك . وقالت فاطمة : أسألك مثل ما سأل عمّي العبّاس . فقال : هو لك . وقال أُسامة :
ص: 196
أسألك أن تردّ عليَّ أرض كذا وكذا ، أرضا كان له انتزعه منه ، فقال : هو لك . فقال لعلي : سل . فقال : أسألك الخمس . فقال هو لك ؛ فأنزل اللّه تعالى : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه ِِ خُمُسَهُ» الآية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : قد نزلت في الخمس كذا كذا . فقال علي : فذاك أوجب لحقّي . فأخرج الرمح الصحيح والرمح المكسر ، والبيضة الصحيحة والبيضة المكسورة فأخذ رسول اللّه أربعة أخماس وترك في يده خمساً .
وأخبرنا منصور بن الحسين ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدّثنا محمّد بن عبيد الطنافسي قال : حدّثنا هاشم بن البريد ، عن حسين بن ميمون ، عن عبداللّه بن عبداللّه مولى بني هاشم قاضي الري :
عن عبدالرحمان بن أبي ليلى قال : سمعت أمير المؤمنين عليا يقول : اجتمعت أنا وفاطمة والعبّاس وزيد بن حارثة عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال العبّاس : يارسول اللّه كبرت سنّي ودقّ عظمي وكثرت مؤنتي فإن رأيت يارسول اللّه أن تأمر لي بكذا وكذا وسقا من الطعام فافعل . فأجابه النبي صلى الله عليه و آله ، فقالت فاطمة : يارسول اللّه إن رأيت أن تأمر لي كما أمرت لعمّك فافعل . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم . ثمّ قال زيد بن حارثة : يارسول اللّه كنت أعطيتني أرضا كانت معيشتي منها ، ثمّ قبضتها فإن رأيت أن تردّها عليّ فافعل . فقال : نعم . فقلت : أنا إن رأيت أن تولّيني هذا الحقّ الذي جعله اللّه لنا في كتابه من هذا الخمس فأُقسّمه في حياتك كي لا ينازعنيه أحد بعدك . فقال النبي صلى الله عليه و آله : فأفعل ، فولاّنيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقسّمته في حياته ، ثمّ ولانّيه أبو بكر فقسّمته في حياته ، ثمّ ولانّيه عمر فقسّمته حتّى كان آخر سنة من سنّي عمر أتاه مال كثير فعزل حقّنا ثمّ أرسل إليّ فقال : هذا حقّكم فخذه . فقلت : بنا عنه غنى العام ،
ص: 197
وبالمسلمين حاجة ، فردّه تلك السنة فلم يدعني إليه أحد بعده حتّى قمت مقامي هذا ، فلقيني العبّاس فقال : ياعلي لقد نزعت اليوم منّا شيئا لا يردّ إلينا أبداً .
رواه جماعة عن هاشم بن تارات(1).
وبه قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا يوسف بن موسى(2).
وبه حدّثنا يوسف قال : حدّثنا عمرو بن حمران ، عن سعيد ، عن قتادة قال :
سهم ذوي القربى طعمة كانت لقرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وحدّثنا يوسف ، قال : حدّثنا حجّاج بن المنهال قال : حدّثنا عبداللّه بن عمر النميري عن يونس بن يزيد الأيلي(3) عن الزهري ، عن يزيد بن هرمز ، عن ابن عبّاس وسئل عن سهم ذوي القربى ؟ فقال : هو لقربى رسول اللّه قسّمه لهم رسول اللّه بينهم(4).
ص: 198
ص: 199
ص: 200
ص: 201
قال الفرطوسي :
أوجب اللّه في الغنائم خمساً
هو حقّ لصفوة الأُمناء
فهو نصف إلى الإمام ونصف
خصّ الفقير من عترة الأصفياء
ص: 202
«وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّه ُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّه َ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللّه ُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»
سورة الأنفال
وفي شرح الآيات الباهرة . وتأويله ما ذكره أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء . بإسناده إلى محمّد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : مكتوب على العرش : لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له محمّد عبدي ورسولي أيّدته بعلي بن أبي طالب وذلك قوله : «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ»
يعني علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
ويؤيّده ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، عن رجاله قال : أخبرنا الشريف أبو نصر محمّد بن محمّد الرس¨ بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن
ص: 203
جبير ، عن أبي النجم خادم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : لمّا أُسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوب : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسولي وصفيّي من خلقي أيّدته بعلي ونصرته به(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء بطريقه وإسناده عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو المعنيّ بقوله : « المؤمنين »(2).
أخبرنا أبو سعد السعدي وأبو إبراهيم الواعظ بقراءتي على كلّ واحد منهما من أصله ، قال : أخبرنا أبو بكر : هلال بن محمّد بن محمّد بالبصرة ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي قال : حدّثنا العبّاس بن بكار ، قال : حدّثنا عبدالواحد بن أبي عمرو الأسدي(3) عن الكلبي عن أبي صالح :
ص: 204
عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رأيت ليلة أُسري بي إلى السماء على العرش مكتوبا : لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ، ومحمّد عبدي ورسولي أيّدته بعلي . فذلك قوله : «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ» .
وورد أيضا في الباب عن أنس :
أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي بقراءتي عليه من أصله العتيق غير مرّة ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبداللّه بن عدي الحافظ بجرجان قال : حدّثنا عيسى بن محمّد بن عبداللّه أبو موسى البغدادي بدمشق سنة ثلاث مائة ، قال : حدّثنا الحسين
ص: 205
بن إبراهيم البابي(1) قال : حدّثنا حميد الطويل :
عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي نصرته بعلي .
ورواه أيضاً ثابت البناني ، عن أنس على لون آخر :
أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد المقري(2) قال : أخبرنا أبي قال : حدّثنا محمّد
ص: 206
بن عبدالأعلى المقرئ قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن عبدالرحمان ، قال : حدّثنا محمّد بن يونس ، قال : حدّثنا عبدالصمد بن عبدالوارث ، قال : حدّثنا أبي ، عن ثابت :
عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه و آله جاع جوعا شديدا ؛ فهبط عليه جبرئيل بلوزة خضراء من الجنّة فقال : افككها ، ففكّها فإذا فيها مكتوب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي ونصرته به .
وورد أيضا في الباب عن جابر بن عبداللّه الأنصاري على لون آخر :
أخبرنا أبو يحيى زكريا بن أحمد الجوري(1) قال : أخبرنا يوسف بن أحمد
ص: 207
العطّار بمكّة ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن عمرو العقيلي قال : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا زكريا بن يحيى الكسائي قال : حدّثنا يحيى بن سالم ، قال : حدّثنا أشعث ابن عمّ حسن بن صالح ، قال : حدّثنا مسعر عن عطيّة العوفي :
عن جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : مكتوب على باب الجنّة قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، أيّدته بعلي(1).
ص: 208
وورد أيضاً في الباب عن أبي الحمراء :
حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ غير مرّة قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيّوب الفقيه قال : أخبرنا إبراهيم بن عبدالسلام ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن البصري قال : حدّثنا ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن سعيد بن جبير :
عن أبي الحمراء قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا أُسري بي رأيت في العرش « لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي » .
ورواه أيضا ثابت بن دينار أبو حمزة الثمالي عن سعيد :
حدّثنا الحاكم ، قال : حدّثنا علي بن عبدالرحمان بن عيسى السبيعي بالكوفة
ص: 209
قال : حدّثنا الحسين بن الحكم قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني أبو إسحاق(1).
ص: 210
ص: 211
قال الحاكم : وأخبرني أبو جعفر محمّد بن علي بن دحيم قال : حدّثنا أحمد بن حازم قال : حدّثنا إبراهيم الصيني قال : حدّثنا عمرو بن ثابت بن أبي المقدام عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير :
عن أبي الحمراء قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا أُسري بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش الأيمن فإذا عليه : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي ونصرته به .
ورواه عن إبراهيم الصيني جماعة .
قال الفرطوسي :
خُطّ بالنور لا إله سواه
إنّ طه رسول ربّ السماء
أنا أيّدت أحمد بعلي
فهو نصر لخاتم الأنبياء
بعلي أيّد اللّه النبي
وهو المؤمن حقّا والوصي
ص: 212
«بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّه ِ وَأَنَّ اللّه َ مُخْزِي الْكَافِرِينَ»
سورة التوبة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» قال : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة ، قال : وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السنة ، وكان سنّة في العرب في الحجّ أنّه من دخل مكّة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها وكانوا يتصدّقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف ، وكان من وافى مكّة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثمّ يردّه ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كراءً ولم يكن له إلاّ ثوب واحد طاف بالبيت عريانا ، فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوبا عارية أو كراءً فلم تجده ، فقالوا لها : إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها فقالت : وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها ؟ فطافت بالبيت عريانة ، وأشرف عليها الناس ، فوضعت إحدى يديها على قبلها والأُخرى على
ص: 213
دبرها وقالت :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه
فما بدا منه فلا أُحلّه
فلمّا فرغت من الطواف فخطبها جماعة ، فقالت : إنّ لي زوجا .
وكانت سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلاّ من قاتله ، ولا يحارب إلاّ من حاربه ، وأراده . وقد كان نزل عليه في ذلك من اللّه عزّوجلّ : «فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً»
وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة ، وأمره اللّه بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلاّ الذين قد كان عاهدهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة إلى مدّة ، منهم : صفوان بن أُميّة ، وسهيل بن عمرو . فقال اللّه عزّوجلّ : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا ، فهذه أشهر السياحة : عشرون من ذي الحجّة الحرام والمحرّم وصفر وربيع الأوّل وعشرة من ربيع الآخر .
فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة دفعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يامحمّد لا يؤدّي عنك إلاّ رجل منك . فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام في طلبه فلحقه بالروحا فأخذ منه الآيات ، فرجع أبو بكر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه أُنزل فيَّ شيء ؟ فقال : لا ، إنّ اللّه أمرني أن لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي(1).
ص: 214
وفي تفسير العياشي ، عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : لا يبلّغ عنك إلاّ علي ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا فأمره أن يركب ناقته العضباء ، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكّة ، فقال أبو بكر : أسخطة ؟ فقال : لا إلاّ أنّه أُنزل عليه أن لا يبلّغ إلاّ رجل منك . فلمّا قدم علي مكّة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحجّ الأكبر قام ثمّ قال : إنّي رسول رسول اللّه إليكم ، فقرأها عليهم : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» عشرين من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشرا من شهر ربيع الآخر ، وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك إلاّ من كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمدّته إلى هذه الأربعة الأشهر(1).
وفي خبر محمّد بن مسلم فقال : ياعلي هل نزل فيَّ شيء منذ شيء فارقت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : لا ، ولكن أبى اللّه أن يبلّغ عن محمّد إلاّ رجل منه . فوافى الموسم فبلّغ عن اللّه وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النحر عند الجمار ، وفي أيّام التشريق كلّها ينادي : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»ولا يطوفنّ بالبيت عريان(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم أيضا قال : فحدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني عن اللّه : أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ،
ص: 215
وقرأ عليهم : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» فأجّل اللّه للمشركين الذين حجّوا تلك السنة أربعة أشهر حتّى رجعوا إلى مأمنم ، ثمّ يُقتلون حيث وجدوا(1).
وفي مجمع البيان : وروى أصحابنا أنّ النبي صلى الله عليه و آله ولّى عليا الموسم وأنّه حين أخذ براءة من أبي بكر رجع أبو بكر(2).
وروي أنّه عليه السلام قام عند جمرة العقبة وقال : ياأيّها الناس إنّي رسول رسول اللّه إليكم ، بأن لا يدخل البيت كافر ، ولا يحجّ البيت مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فله عهده إلى أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فله مدّة بقيّة الأشهر الحرم ، وقرأ عليهم سورة براءة ، وقيل : قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أوّل براءة(3).
وفي كتاب علل الشرائع ، بإسناده إلى جميع بن عمير قال : صلّيت في المسجد الجامع فرأيت ابن عمرو جالسا فجلست إليه ، فقلت : حدّثني عن علي عليه السلام فقالت : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر ببراءة فلمّا أتى بها ذا الحليفة أتبعه عليا عليه السلام فأخذها منه ، قال : أبو بكر : ياعلي مالي أنُزل فيَّ شيء ؟ قال : لا ولكن رسول اللّه قال : لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي ، قال : فرجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه أنُزل فيَّ شيء ؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي . قال
ص: 216
كثير : قلت لجميع أنشهد على ابن عمر بهذا ؟ قال : نعم ، ثلاثا(1).
وبإسناده إلى ابن عبّاس : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر ببراءة ، ثمّ أتبعه عليا عليه السلام فأخذها منه ، فقال أبو بكر : يارسول اللّه خيف فيَّ شيء ؟ قال : لا ، إلاّ أنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو علي . وكان الذي بعث به علي عليه السلام : لا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمن مسلمة ، ولا يحجّ بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله عهد فهو إلى مدّته(2).
وبإسناده إلى الحارث بن مالك قال : خرجت إلى مكّة فلقيت سعد بن مالك ، فقلت له : هل سمعت لعلي عليه السلام منقبة ؟ قال : قد شهدت له أربعة لئن تكون لي إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا أُعمّر فيها عمر نوح ، إحداها : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش فسار بها يوما وليلة . ثمّ قال لعلي : اتبع أبا بكر فبلّغها وردّ أبا بكر ، فقال : يارسول اللّه أنُزل فيَّ شيء ؟ قال : لا ، إلاّ أنّه لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي(3).
وبإسناده إلى أنس بن مالك : أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر ، فبعث عليا عليه السلام وقال : لا يبلّغها إلاّ رجل من أهل بيتي(4).
وفي كتاب الخصال ، عن الحارث بن ثعلبة . قال : قلت لسعد : أشهدت شيئاً
ص: 217
من مناقب علي عليه السلام ؟ قال : نعم شهدت أربع مناقب والخامسة شهدتها ، لئن يكون لي منهنّ واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم ، بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر ببراءة ثمّ أرسل عليا عليه السلام فأخذها منه ، فرجع أبو بكر فقال : يارسول اللّه أنُزل فيَّ شيء ؟ قال : لا ، إلاّ أنّه لا يبلّغ عنّي إلاّ رجل منّي(1).
وفي احتجاج علي عليه السلام يوم الشورى على الناس قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أمر اللّه عزّوجلّ رسوله أن يبعث ببراءة فبعث بها مع أبي بكر فأتاه جبرئيل فقال : يامحمّد إنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فبعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذتها من أبي بكر فمضيت فأدّيتها عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأثبت اللّه على لسان رسول اللّه أنّي منه ، غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا(2).
وفي مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتعدادها قال عليه السلام : وأمّا الخمسون ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بكر فلمّا مضى أتى جبرئيل فقال : يامحمّد لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فوجّهني على ناقته العضباء فلحقته بذي الحليفة فأخذتها منه فخصّني اللّه بذلك(3).
عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام وقد سأله رأس اليهود : كم تمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم ؟ قال : ياأخا اليهود إنّ اللّه امتحنّي في حياة نبيّنا صلى الله عليه و آله في سبعة مواطن فوجدني فيها - من غير تزكية لنفسي -
ص: 218
بنعمة اللّه له مطيعاً ، قال : وفيم وفيم ياأمير المؤمنين ؟ قال : أمّا أوّلهنّ ، إلى أن قال : وأمّا السابعة ياأخا اليهود فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا توجّه إلى فتح مكّة أحبّ أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى اللّه آخرا كما دعاهم أوّلاً ، فكتب إليهم كتاباً يحذّرهم فيه وينذرهم عذاب ربّهم ويعدهم الصفح ويمنّيهم مغفرة ربّهم ، ونسخ لهم في آخر سورة براءة لتقرأ عليهم ، ثمّ عرض على جميع أصحابه المضيّ إليهم ، فكلّ منهم يرى التثاقل فيه ، فلمّا رأى ذلك ندب منهم رجلاً فوجّهه فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يامحمّد إنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فأنبأني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك ، ووجّهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكّة ، فأتيت مكّة وأهلها من قد عرفتم ، ليس منهم أحد إلاّ ولو قدر أن يضع على كلّ جبل منّي إربا لفعل ، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وماله وأهله وولده ، فبلّغتهم رسالة النبي صلى الله عليه و آله وقرأت عليهم كتابه ، فكلّ يلقاني بالتهديد والوعيد ويبدي البغضاء ويظهر لي الشحناء من رجالهم ونسائهم ، فكان منّي في ذلك ما قد رأيتم . ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ فقالوا : بلى ياأمير المؤمنين(1)-(2).
روى الثعلبي : « بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحجّ وبعث معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا وقال : أخرج بهذا القصّة فأذّن بذلك الناس إذا اجتمعوا فخرج علي رضى الله عنه على ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله العضباء حتّى أدرك بذي الحليفة أبا بكر ، فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه بأبي أنت وأُمّي ،
ص: 219
أنزل فيّ شيء ؟ قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي »(1).
وروى بسنده عن جابر « كنت مع علي حين أتبعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر فلمّا كان في الطريق ثوب لصلاة الصبح فلمّا استوى أبو بكر ليكبّر سمع الرغاء فوقف ، وقال : هذه رغاء ناقة رسول اللّه الجدعاء لقد بدا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحجّ ، فإذا عليها علي ، فقال أبو بكر : أمير أم مأمور ؟ قال : بل أرسلني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ببراءة أقرأها على الناس »(2).
وروى عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال : « كنت مع علي حين بعثه النبي صلى الله عليه و آله ينادي ، وكان إذا رفع صوته ناديت ، فقلت : بأي شيء كنتم تنادون ؟ قال : بأربع : لا يطوف بالكعبة عريان ، ومن كان له عند رسول اللّه عهد فعهده إلى مدّته ، ولا يدخل البيت إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يحجّ بعد عامنا مشرك ، فقال المشركون : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمّك إلاّ من الطعن والضرب »(3).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنها) ، « إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر ؟؟؟ وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فأتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخرج أبو بكر فزعا فظنّ أنّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا علي ، فدفع إليه كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أمره على الموسم وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، فقام علي أيّام التشريق ، فنادى : « إنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر » ، لا يحجّن بعد العام مشرك ولا يطوفنّ
ص: 220
بالبيت عريان . ولا يدخل الجنّة إلاّ مؤمن ... »(1).
روى السيوطي بإسناده عن علي رضى الله عنه ، قال : « لمّا نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه و آله ، دعا أبا بكر ؟؟؟ ليقرأها على أهل مكّة ، ثمّ دعاني فقال لي : أدرك أبا بكر ، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه ، ورجع أبو بكر ؟؟؟ ، فقال : يارسول اللّه نزل فيّ شيء ، قال : لا ، ولكن جبرئيل جاءني ، فقال : لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك »(2).
وروى بإسناده عن أنس ؟؟؟ ، قال : « بعث النبي صلى الله عليه و آله ببراءة مع أبي بكر ؟؟؟ ، ثمّ دعاه ، فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلّغ إلاّ رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه إيّاه »(3).
وروى بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص ؟؟؟ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر ؟؟؟ ببراءة إلى أهل مكّة ، ثمّ بعث عليا رضى الله عنه على أثره فأخذها منه ، فكأنّ أبا بكر ؟؟؟ ، وجد في نفسه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ياأبا بكر إنّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي »(4).
وروى بإسناده عن أبي رافع رضى الله عنه ، قال : « بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر ؟؟؟ ببراءة إلى لموسم فأتى جبريل عليه السلام فقال : إنّه لن يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك
ص: 221
، فبعث علياً رضى الله عنه على أثره حتّى لحقه بين مكّة والمدينة . فأخذها فقرأها على الناس في الموسم »(1).
روى الطبري بإسناده عن السدي ، قال : لمّا نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية بعث بهنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مع أبي بكر ، وأمّره على الحجّ ، فلمّا سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة ، أتبعه بعلي ، فأخذها منه ، فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يارسول اللّه بأبي أنت وأُمّي ، أنَزَل في شأني شيء ؟ قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي غيري ، أو رجل منّي . الحديث(2).
قال الفرطوسي في الملحمة ص78 ج1 :
والأحاديث في براءة جاءت
عند تبليغها لرهط الشقاء
لا يؤدّي عنك التباليغ إلاّ
أنت أو حيدر بوقت الأداء
ص: 222
«وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّه َ بَرِى ءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّه ِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»
سورة التوبة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن حكيم بن جبير ، عن علي بن الحسين عليهماالسلام في قوله : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ» قال : الأذان أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي حديث آخر قال أمير المؤمنين عليه السلام كنت أنا الأذان في الناس(2).
وفي أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلى عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي ، قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام في كلام طويل : أنت الذي أنزل اللّه فيه : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»(3).
ص: 223
في شرح الآيات الباهرة روى الحسن الديلمي بإسناده عن رجاله إلى عبداللّه بن سنان ، قال : قال الصادق عليه السلام إنّ لأمير المؤمنين عليه السلام أسماء لا يعلمها إلاّ العاملون ،
وأنّ منها الأذان من اللّه ورسوله ، وهو الأذان(1).
وفي كتاب الخصال في احتجاج علي عليه السلام على أبي بكر قال : فأُنشدك باللّه أنا الأذان من اللّه ورسوله لأهل الموسم ولجميع الأُمّة بسورة براءة أم أنت ؟ قال : بل أنت(2).
وفي كتاب معاني الأخبار : خطبة لعلي عليه السلام يذكر فيها نعم اللّه عزّوجلّ وفيها يقول عليه السلام : ألا وأنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، أنا المؤذّن في الدنيا والآخرة ، قال اللّه تعالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ» أنا ذلك المؤذّن وقال : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ» وأنا ذلك الأذان(3).
حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن الحارث بن المغيرة بن النصري ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» ؟ فقال :
ص: 224
اسم نحله اللّه عزّوجلّ علياً عليه السلام من السماء ، لأنّه الذي أدّى عن رسوله براءة ، وقد كان بعث بها مع أبي بكر أوّلاً فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : يامحمّد إنّ اللّه يقول لك ! لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند ذلك عليا عليه السلام ، فلحق أبابكر وأخذ الصحيفة من يده ومضى إلى مكّة ، فسمّاه اللّه تعالى : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ» إنّه اسم نحله اللّه تعالى من السماء لعلي عليه السلام(1).
وفي عيون الأخبار بإسناده عن الرضا عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل يقول فيه صلى الله عليه و آله: وقال عزّوجلّ : «وَأَذَانٌ
مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أنا الأذان في الناس ، قلت : فما معنى هذا اللفظة : « الحجّ الأكبر » ؟ قال : إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة(2).
وفي كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي رحمه الله قال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الحجّ الأكبر ؟ فقال : عندك فيه شيء ؟ فقلت : نعم كان ابن عبّاس يقول : الحجّ الأكبر يوم عرفة ، يعني أنّه من أدرك يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحجّ ، ومن فاته ذلك فاته الحجّ ، فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما بعدها ، والدليل على ذلك أنّ من أدرك ليلة النحر إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه من عرفة ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : قال أمير المؤمنين : الحجّ الأكبر يوم النحر ، واحتجّ بقول اللّه عزّوجلّ : «فَسِيحُوافِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»
ص: 225
فهي عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر ، ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة لكان السيح أربعة أشهر ويوما ، واحتجّ بقول اللّه عزّوجلّ : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» وكنت أنا الأذان في
الناس . فقلت له : فما معنى هذه اللفظة : «الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» ؟ فقال : إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة(1).
أخبرنا أبو عبدالرحمان محمّد بن أحمد القاضي(2) بقراءتي عليه في داري من أصله ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمّد بن جعفر بن النجّار بالكوفة ، قال : أخبرنا أبو العبّاس إسحاق بن محمّد بن مروان بن زياد القطّان(3) قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا إسحاق بن يزيد ، عن حكيم بن جبير :
ص: 226
عن علي بن الحسين قال : إنّ لعلي أسماء في كتاب اللّه لا يعلمه الناس . قلت : وما هو ؟ قال : «وَأَذَانٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ»علي واللّه هو الأذان يوم الحجّ الأكبر(1).
ورواه عن حكيم قيس بن الربيع وحسين الأشقر ، وأبو الجارود .
ورواه ابن أبي أبي ذيب عن الزهري عن زين العابدين مثله(2)، والأخبار متظاهرة بأنّ هذا المبلّغ هو علي بن أبي طالب عليه السلام .
أخبرنا الحاكم الوالد أبو محمّد رحمه الله ، قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد ببغداد ، قال : حدّثنا عثمان بن أحمد ، قال : حدّثنا الحسن بن علي قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا المسيّب ، عن الكلبي عن أبي صالح :
ص: 227
عن ابن عبّاس قال : كان بين نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله وبين قبائل من العرب عهد ، فأمر اللّه نبيّه أن ينبذ إلى كلّ ذي عهد عهده إلاّ من أقام الصلاة المكتوبة والزكاة المفروضة ،فبعث علي بن أبي طالب بتسع آيات متواليات من أوّل براءة ، وأمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن ينادي بهنّ يوم النحر ، وهو يوم الحجّ الأكبر ، وأن يبرّئ ذمّة رسول اللّه من أهل كلّ عهد ، فقام علي بن أبي طالب يوم النحر عند الجمرة الكبرى فنادى بهؤلاء الآيات .
أخبرنا جدّي الشيخ أبو نصر رحمه الله ، قال : حدّثنا أبو عمرو المزكّي قال : حدّثنا أبو خليفة البصري قال : حدّثنا محمّد بن عبداللّه الخزاعي قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة عن سمّاك بن حرب :
عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه وقال : لا يذهب به إلاّ رجل من أهل بيتي فبعث عليا .
رواه جماعة عن حمّاد بن سلمة كذلك(1).
ص: 228
أخبرنا أبو عبداللّه الجرجاني قال : أخبرنا أبو طاهر السلمي(1) قال : أخبرنا
ص: 229
أبو بكر جدّي قال : حدّثنا محمّد بن بشّار ، قال : حدّثنا عفّان بن مسلم وعبدالصمد قالا : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن سمّاك :
عن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه و آله ببراءة مع أبي بكر الصديق ، ثمّ دعاه فقال : لا ينبغي أن يبلّغ هذا إلاّ رجل منّي من أهلي . فدعا عليا فأعطاه إيّاها .
أخبرناه علي بن أحمد ، قال : أخبرنا أحمد بن عبيدة ، قال : حدّثنا تمتام ، قال : حدّثنا عفّان بن مسلم أبو عثمان الصفّار ، قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن سمّاك :
عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا أدبر ، دعاه وأرسل عليا وقال : لا يبلّغها إلاّ رجل من قومي .
حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ قراءة وأملاه قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن عقبة الشيباني بالكوفة قال : حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري قال : حدّثنا عفّان .
وأخبرنا أبو علي السجستاني قال : أخبرنا أبو علي الرفا ، قال : أخبرنا علي بن عبدالعزيز بمكّة ، قال : حدّثنا عفّان بن مسلم قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن سمّاك :
عن أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث براءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا أن قفاه دعاه فبعث عليا وقال : لا يبلّغها إلاّ رجل من أهلي .
ص: 230
وساقاه لفظاً واحداً إلاّ ما غيّرت .
قال الحاكم : تفرّد به حمّاد عن سمّاك وعنه ضويمرة .
أخبرناه محمّد بن موسى بن الفضل(1) قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثنا عفّان ، قال : حدّثنا حمّاد ، عن سمّاك بن حرب :
عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، ثمّ دعاه فبعث عليا فقال : لا يبلّغها إلاّ رجل من أهلي .
وقال عفّان : أحسبه قال : أخبرنا سمّاك قال : سمعت أنس بن مالك .
حدّثني الأُستاذ أبو طاهر الزيادي قال : أخبرنا أبو طاهر المحمّد آبادي قال : حدّثنا أبو قلابة الرقاشي قال : حدّثنا عبدالصمد وموسى بن إسماعيل قالا : حدّثنا حمّاد بن سلمة عن سمّاك بن حرب :
عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث سورة براءة مع أبي بكر ثمّ أرسل إليه
ص: 231
فأخذها ودفعها إلى علي وقال : لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي .
أخبرنا أبو عبداللّه الجرجاني قال : أخبرنا أبو طاهر السلمي قال : أخبرنا جدّي أبو بكر ، قال : حدّثنا عبدالوارث بن عبدالصمد ، قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا حمّاد ، عن سمّاك :
عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث ببراءة مع أبي بكر ، فلمّا بلغ ذا الحليفة قال : لا يؤذّن بها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي . فبعث بها علياً .
أخبرناه أبو عبدالرحمان محمّد بن عبدالبالوي قال : أخبرنا أبو سعيد عبداللّه بن محمّد القرشي قال : حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن عاصم الرازي قال : حدّثنا أبو عبداللّه محمّد بن أبي بكر المقدمي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالصمد(1) قال : حدّثنا حمّاد ، عن سمّاك :
عن أنس قال : بعث رسول اللّه بسورة براءة مع أبي بكر فلمّا بلغ ذا الحليفة أرسل إليه فردّه وأخذها منه فدفعها إلى علي وقال : لا يقيم بها إلاّ أنا أو رجل من أهل بيتي .
أخبرنا أبو القاسم منصور بن خلف المقري(2) قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن
ص: 232
عبدان ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى قال : حدّثنا إسماعيل بن يحيى قال : حدّثنا الكرماني بن عمرو(1) قال : حدّثنا حمّاد عن سمّاك :
عن أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث بالبراءة مع أبي بكر ، ثمّ قال : لا يخطب بها إلاّ أنا أو رجل من أهلي . فبعث بها مع علي عليه السلام .
وروي في الباب عن أمير المؤمنين عليه السلام .
أخبرنيه الحاكم الوالد أبو محمّد ؟؟؟ قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن أحمد الواعظ ببغداد ، قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا العبّاس بن محمّد ، قال : حدّثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة قال : حدّثنا أسباط بن نصر ، عن سمّاك :
عن حنش(2) عن علي بن أبي طالب أنّ النبي صلى الله عليه و آله حين بعثه ببراءة قال : يانبي اللّه إنّي لست باللسن ولا بالخطيب . قال : مابدّ من أن أذهب بها أنا أو تذهب بها
ص: 233
أنت . قال : فإن كان لابدّ فسأذهب أنا . فقال : انطلق فإنّ اللّه عزّوجلّ يثبت لسانك ويهدي قلبك . ثمّ وضع يده على فمي وقال : انطلق فاقرأها على الناس(1).
ص: 234
أخبرنا الهيثم بن أبي الهيثم الإمام(1) قال : أخبرنا بشر بن أحمد ، قال : أخبرنا ابن ناجية ، قال : حدّثنا عبداللّه بن عمر قال : حدّثنا ابن فضيل ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي :
عن علي قال : لمّا بعثه رسول اللّه حين أذّن في الناس بالحجّ الأكبر ، قال : علي
ص: 235
ألا لا يحجّ بعد هذا العام مشرك ألا ولا يطوف بالبيت عريان ، ألا ولا يدخل الجنّة إلاّ مسلم ومن كانت بينه وبين محمّد ذمّة فأجله إلى مدّته ، واللّه بريء من المشركين ورسوله .
أخبرنا علي بن أحمد بن عبيد أخبرنا موسى بن محمّد بن سعدان العصفري قال : حدّثنا حميد بن مخلّد بن زنجويه قال : حدّثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الشيباني ، عن الشعبي :
أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد قال : أخبرنا محمّد بن الفضل بن محمّد ، قال : أخبرنا محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثنا محمّد بن سليمان الواسطي قال : حدّثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدّثنا عباد ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم :
إنّ علي بن أبي طالب
هو الأذان في حديث جالب
رواه في التفسير عن أبان
وهو على التحقيق بن عثمان
ص: 236
«قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللّه ُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّه ُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّه ُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»
سورة التوبة
وفي تفسير العياشي ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال : دخلت أنا والمعلّى على أبي عبداللّه عليه السلام فقال : إبشروا أنتم على إحدى الحسنيين ، شفى اللّه صدوركم وأذهب غيظ قلوبكم ، وأنالكم على عدوّكم ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» . وإن مضيتم قبل أن يروا ذلك مضيتم على دين اللّه الذي رضيه لنبيّه صلى الله عليه و آله ولعلي عليه السلام(1).
عن أبي الأعزّ اليمني قال : كنت واقفا يوم صفّين إذ نظرت إلى العبّاس بن ربيعة
ص: 237
بن الحارث بن عبدالمطّلب وهو شاكّ في السلاح ، على رأسه مغفر وبيده صفيحة يمانية وهو على فرس أدهم ، إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عوار بن أدهم : ياعبّاس هلمّ إلى البراز ، قال : ثمّ تكافح بسيفهما مليّا من نهارهما ، لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته ، إلى أن لاحظ العبّاس وهيا في درع الشامي ، فأهوى إليه بالسيف فانتظم به جوانح الشامي ، وخرّ الشامي صريعا ، وكبّر الناس تكبيرة إرتجّت لها الأرض فسمعت قائلاً يقول : «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللّه ُ بِأَيْدِيكُمْ ...» الآية فالتفت فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام(1). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان ، فأنشدكم اللّه عزّوجلّ أتعلمون حيث نزلت : «يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وحيث نزلت : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وحيث نزلت : «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»
، قال الناس : يارسول اللّه هذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم فأمر اللّه عزّوجلّ نبيّه صلى الله عليه و آله أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم . إلى قوله : فقام أبو بكر وعمر فقالا : يارسول اللّه هذه الآيات خاصّة لعلي ؟ قال : بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة ،
ص: 238
قالا : يارسول اللّه بيّنهم لنا ؟ قال : علي أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أُمّتي وولي كلّ مؤمن من بعدي ، ثمّ ابني الحسن ، ثمّ ابني الحسين ، ثمّ تسعة من ولد الحسين ، واحد بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليَّ حوضي . قالوا : اللهمّ نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء(1)
والحديث بتمامه مذكور في النساء والمائدة عند الآيتين .
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن مثنّى ، عن عبداللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» يعني أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام لم يتّخذوا الولائج من دونهم(2).
جوامع فضائل متلألئة الأنوار ولوامع مآثر لمعة الآثار :
أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي رحمه الله ، قال : أنبأنا والدي السيّد شمس الدين شيخ الشرف فخار الموسوي رحمه الله ، إجازة بروايته عن شاذان بن جبرئيل القمي عن جعفر بن محمّد الدوريستي عن أبيه عن أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي(3) قال : حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن
ص: 239
رضي اللّه عنهما ، قالا : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى عن عمر بن أُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش :
عن سليم بن قيس الهلالي(1) قال : رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في خلافة عثمان ؟؟؟ وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والفقه ، فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الفضل مثل قوله : الأئمّة من قريش . وقوله : الناس تبع لقريش وقريش أئمّة العرب . وقوله لا تسبّوا قريشا . وقوله : إنّ للقرشي قوّة رجلين من غيرهم . وقوله : من أبغض قريشا أبغضه اللّه . وقوله : من أراد هوان قريش أهانه اللّه .
وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى اللّه عليهم في كتابه وما قال فيهم النبي صلى الله عليه و آله وذكروا ما قال في سعد بن عبادة ، وغسيل الملائكة ، فلم يدعوا شيئاً من فضلهم حتّى قال : كل حي : منّا فلان وفلان .
وقالت قريش : منّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومنّا حمزة ومنّا جعفر ومنّا عبيدة بن الحرث ، وزيد بن حارثة ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وابن عوف .
فلم يدعوا من الحيّين أحدا من أهل السابقة إلاّ سمّوه !! وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل فيهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبدالرحمان بن عوف ، وطلحة والزبير والمقداد وأبو ذرّ ، وهاشم بن عتبة ، وابن عمر ، والحسن والحسين عليهماالسلام وابن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر ، وعبداللّه بن جعفر .
ص: 240
وكان في الحلقة من الأنصار أُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو أيّوب الأنصاري وأبو الهيثم ابن التيّهان ، ومحمّد بن مسلمة ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وجابر بن عبداللّه ، وأنس بن مالك ، وزيد بن أرقم وعبداللّه بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبدالرحمان قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد ، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة .
قال سليم : فجعلت أنظر إليه وإلى عبدالرحمان بن أبي ليلى فلا أدري أيّهما أجمل غير أنّ الحسن أعظمهما وأطولهما .
فأكثر القوم وذلك من بكرة إلى حين الزوال ، وعثمان في داره لا يعلم بشيء ممّا هم فيه ، وعلي بن أبي طالب ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته .
فأقبل القوم عليه فقالوا : ياأبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم ؟ فقال : ما من الحيّين إلاّ وقد ذكر فضلاً وقال حقّا ، فأنا أسألكم يامعشر قريش والأنصار بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل ؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم ؟ قالوا : بل أعطانا اللّه ومنّ علينا بمحمّد صلى الله عليه و آله وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا . قال : صدقتم يامعشر قريش والأنصار ألستم تعلمون أنّ الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منّا أهل البيت خاصّة دون غيرهم ؟ وأنّ ابن عمّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : « إنّي وأهل بيتي كنّا نورا يسعى بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق اللّه تعالى آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف سنة ، فلمّا خلق اللّه تعالى آدم عليه السلام وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح عليه السلام ، ثمّ قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السلام ، ثمّ لم يزل اللّه تعالى عزّوجلّ ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ، ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأُمّهات ، لم يلق
ص: 241
واحد منهم على سفاح قط » . فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أُحد : نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ثمّ قال علي عليه السلام : أُنشدكم اللّه أتعلمون أنّ عزّوجلّ فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية وأنّي لم يسبقني إلى اللّه عزّوجلّ وإلى رسوله صلى الله عليه و آله أحد من هذه الأُمّة ؟ قالوا : اللهمّ نعم . قال : فأُنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت : «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ»(1) «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(2) سئل عنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : أنزلها اللّه تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم فأنا أفضل أنبياء اللّه ورسله وعلي بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء . قالوا : اللهمّ نعم .
قال : فأُنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3) وحيث نزلت : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(4) وحيث نزلت : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»(5) قال الناس : يارسول اللّه خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم ؟ فأمر اللّه عزّوجلّ نبيّه صلى الله عليه و آله أن يعلّمهم ولاة أمرهم وأن
ص: 242
يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجّهم . فينصبني للناس بغدير خم ثمّ خطب وقال :
أيّها الناس إنّ اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أنّ الناس مكذّبي فأوعدني لأُبلّغها أو ليعذّبني !!! ثمّ أمر فنودي بالصلاة جامعة ثمّ خطب فقال : أيّها الناس أتعلمون أنّ اللّه عزّوجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟
قالوا : بلى يارسول اللّه . قال : قم ياعلي . فقمت فقال : من كنت مولاه فعلي هذا مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه .
فقام سلمان فقال : يارسول اللّه ولاء كماذا ؟ فقال : ولاء كولايتي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه . فأنزل اللّه تعالى ذكره : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْءِسْلاَمَ دِينا»(1) فكبّر النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّه أكبر تمام نبوّتي وتمام دين اللّه ولاية علي بعدي .
فقام أبو بكر وعمر فقالا : يارسول اللّه هؤلاء الآيات خاصّة في علي ؟ قال بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة . قالا : يارسول اللّه بيّنهم لنا . قال : علي أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أُمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي . ثمّ ابني الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ الحوض .
فقالوا كلّهم : اللهمّ نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء . وقال بعضهم : قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظه كلّه ، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا .
ص: 243
فقال علي عليه السلام : صدقتم ليس كلّ الناس يستوون في الحفظ ، أُنشد اللّه عزّوجلّ من حفظ ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما قام فأخبر به .
فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، وسلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار فقالوا : نشهد له لقد حفظنا قول النبي صلى الله عليه و آله وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول : ياأيّها الناس إنّ اللّه عزّوجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم(1).
جوامع الفضائل لعلي عليه السلام
جمعت في صفاتك الأضداد
ولهذا عزّت لك الأنداد
زاهد ، حاكم ، حكيم ، شجاع
فاتك ، ناسك ، فقير جواد
شِيَم ما جمعن في بشر قطّ
ولا حاز مثلهنّ العباد
ص: 244
«أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه ِ وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»
سورة التوبة
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله ، عن أمير المؤمنين
عليه السلام حديث طويل يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه تعالى فيه : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّه ِ» غيري ؟ قالوا : لا(2).
أخبرنا أبو نصر المفسّر ، قال : حدّثنا أبو عمرو بن مطر ، قال : حدّثنا أبو إسحاق المفسّر ، قال : حدّثنا ابن زنجويه قال : حدّثنا عبدالرزّاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل :
ص: 245
عن الشعبي قال : نزلت في علي والعبّاس تكلّما في ذلك .
وقال أيضا : وحدّثنا عقبة بن مكرم ، قال : حدّثنا ابن أبي عدي عن شعبة ، عن إسماعيل :
عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية ، في علي والعبّاس(1).
ص: 246
أخبرنا ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبيداللّه بن أحمد بن منصور الكسائي قال : حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة(1) قال : حدّثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد :
ص: 247
عن الشعبي في قوله تعالى : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» قال : نزلت في العبّاس وعلي رضي اللّه عنهما .
ورواه أيضا أبو بكر عن مروان بن معاوية ، عن إسماعيل مثله .
أخبرنا منصور بن الحسين ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا أُميّة بن خالد ، قال : حدّثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة :
عن الشعبي في قوله : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية قال : نزلت في علي والعبّاس(1).
حدّثنا عثمان بن محمّد ، قال : حدّثنا جعفر ، قال : حدّثنا يحيى عن أبي عبدالرحمان المسعودي عن أبي قتيبة التميمي - واسمه ثابت بن سليم - عن محمّد بن سيرين قال في قول اللّه : «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب .
قال الفرطوسي :
أجعلتم سقاية الحاج فضلاً
لرجال قد كرّموا بالرواء
فعل مَن صدّق الرسول وأبلى
في جهاد الكفّار خير بلاء
ص: 248
«وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِىَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»
سورة التوبة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : هم النقباء وأبو ذرّ والمقداد وسلمان وعمّار ومن آمن وصدّق وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي مجمع البيان : واختلف في أوّل من أسلم من المهاجرين فقيل : إنّ أوّل من أسلم خديجة بنت خويلد ثمّ علي بن أبي طالب ، وهو قول ابن عبّاس وجابر بن عبداللّه وأنس وزيد بن أرقم ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وغيرهم ، قال أنس : بُعث النبي صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وصلّى علي وأسلم يوم الثلاثاء ، وقال مجاهد وابن إسحاق : إنّه أسلم وهو ابن عشر سنين وكان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذه من أبي طالب وضمّه إلى نفسه يربّيه في حجره وكان معه حتّى بعث نبيّا(2).
ص: 249
وروى عبداللّه بن موسى ، عن العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبداللّه قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا عبد اللّه وأخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين(1).
وفي مسند السيّد أبي طالب الهروي مرفوعا إلى أبي أيّوب ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : صلّت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنّه لم يصلّ فيها أحد غيري وغيره(2).
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده مرفوعاً إلى عبدالرحمن بن عوف في قوله سبحانه : «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ»قال : هم عشرة من قريش ، أوّلهم إسلاماً علي بن أبي طالب(3)-(4).
أخبرنا أبو يحيى زكريا بن أحمد(5) بقراءتي عليه في الجامع من أصله العتيق ،
ص: 250
قال : أخبرنا يوسف بن أحمد العطّار بمكّة ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن عمرو الحافظ(1)
قال : أخبرنا محمّد بن عبدوس بن كامل(2)، قال : حدّثنا إسماعيل بن موسى قال : حدّثنا الحسن بن علي الهمداني عن حميد بن القاسم بن حميد بن عبدالرحمان بن عوف عن أبيه :
عن جدّه : عن عبدالرحمان بن عوف(3) في قوله تعالى : «وَالسَّابِقُونَ
ص: 251
الْأَوَّلُونَ» قال : هم ستّة من قريش أوّلهم إسلاماً علي بن أبي طالب(1).
والسابقون الأوّلون علي وسلمان(2).
ص: 252
ص: 253
روى فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثني جعفر بن محمّد بن هشام ، عن عبادة بن زياد ، حدّثنا أبو معمّر ، عن سعيد بن خيثم ، عن محمّد بن خالد الضبي وعبداللّه بن شريك العامري ، عن سليم بن قيس ، عن الحسن بن علي عليهماالسلامأنّه حمد اللّه وأثنى عليه وقال : «السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ» الآية ، فكما أنّ للسابقين فضلهم على من بعدهم كذلك لأبي علي بن أبي طالب فضيلة على السابقين بسبقه السابقين . في كلام طويل .
أخبرنا عقيل ، أخبرنا علي ، أخبرنا محمّد ، أخبرنا أبو عمر عبدالملك بن علي
ص: 254
بكازرون ، أخبرنا أبو مسلم الكشي القعنبي ، عن مالك ، عن سمّى كذا عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ» قال : نزلت في علي سبق الناس كلّهم بالإيمان باللّه وبرسوله وصلّى القبلتين وبايع البيعتين وهاجر الهجرتين ففيه نزلت
هذه الآية .
قال الفرطوسي :
جاء في السابقين ؟؟؟ منهم
وهم الأوّلون حُسن الثناء
وأبو السبط أوّل القوم سبقا
عند تصديق خاتم الأُمناء
ص: 255
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»
سورة التوبة
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : أسألكم باللّه أتعلمون أنّ اللّه عزّوجلّ لمّا أنزل : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلى قوله : «مَعَ الصَّادِقِينَ» فقال سلمان : يارسول اللّه عامّة هذه الآية أو خاصّة ؟ فقال عليه السلام : أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة ، قالوا : اللهمّ نعم(1).
وفي كتاب معاني الأخبار ، خطبة لعلي عليه السلام يذكر فيها نعم اللّه عزّوجلّ وفيها يقول عليه السلام ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء إحذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، يقول اللّه عزّوجلّ : « إنّ اللّه مع الصادقين » أنا ذلك الصادق(2).
وفي أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : «يَا
ص: 256
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» قال : مع علي بن أبي طالب(1).
وفي تهذيب الأحكام : في الدعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصادق عليه السلام: ربّنا إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك وأمرتنا أن نكون مع الصادقين فقلت : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وقلت : «اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»
فسمعنا وأطعنا ربّنا فثبّت أقدامنا وتوفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك «لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(2).
وفي تفسير العياشي ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : أصلحك اللّه أي شيء إذا عملته استكملت حقيقة الإيمان ؟ قال : توالي أولياء اللّه ونعادي أعداء اللّه وتكون مع الصادقين كما أمرك اللّه ، قال : قلت ومن أولياء اللّه ؟
ومن أعداء اللّه ؟ فقال : أولياء اللّه محمّد رسول اللّه وعلي والحسن والحسين وعلي بن
الحسين ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ، ثمّ ابني جعفر وأومأ إلى جعفر وهو جالس ، فمن والى هؤلاء فقد والى اللّه وكان مع الصادقين كما أمره اللّه (3) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
أخبرنا أبو الحسن الفارسي قال : أخبرنا أبو بكر ابن الجعابي(4) قال : حدّثنا
ص: 257
محمّد بن الحرث ، قال : حدّثنا أحمد بن حجّاج ، قال : حدّثنا محمّد بن الصلت قال : حدّثني أبي :
عن جعفر بن محمّد ، في قوله : «اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» قال : يعني مع محمّد وعلي .
أخبرونا عن أبي بكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي قال : حدّثنا علي بن محمّد الدهان ، والحسين بن إبراهيم الجصّاص قالا : حدّثنا حسين بن الحكم ، قال : حدّثنا حسين بن حسين ، عن حبّان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح :
عن ابن عبّاس في قوله : «اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب خاصّة(1).
ص: 258
ورواه(1) بإسناد آخر عن الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس ، في هذه الآية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» . قال : مع علي وأصحاب علي .
الصادقون المتّقون وليّنا
هم أوصياء المصطفى المختار
ص: 259
«قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللّه ُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»
سورة يونس
وفي كشف المحجّة لابن طاوس رحمه الله ، عن أمير المؤمنين
عليه السلام حديث طويل وفيه يقول عليه السلام : اسمعوا قولي يهديكم اللّه إذا قلت ، وأطيعوا أمري إذا أمرت ، فواللّه لئن
أطعتموني لا تغووا وإن عصيتموني لا ترشدوا قال اللّه تعالى : «أَفَمَنْ يَهْدِي ...»
الآية(1).
وفي الكافي : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبداللّه ، عن عمر بن عثمان ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لقد قضى أمير المؤمنين عليه السلام بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكانت أوّل قضية قضى بها بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأفضى الأمر إلى أبي بكر أُتي برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر ؟ فقال الرجل : نعم ، فقال : ولِمَ شربتها وهي محرّمة ؟ فقال : إنّي أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر
ص: 260
ويستحلّونها ولو أعلم أنّه حرام اجتنبتها ، قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول ياأبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبو الحسن لها ، فقال أبو بكر : ياغلام أُدع لنا عليا ، فقال عمر : بل يؤتى الحكم في منزله ، فأتوه ومعهم سلمان الفارسي فأخبروه بقضية الرجل ، فاقتصّ عليه قصّته فقال علي عليه السلام لأبي بكر : إبعث من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، ففعل أبو بكر ما قال علي عليه السلام فلم يشهد عليه أحد فخلّى سبيله ، فقال سلمان لعلي عليه السلام : لقد أرشدتهم ؟ فقال علي عليه السلام : إنّما أردت أن أُجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم : «أَفَمَنْ يَهْدِي ...»الآية(1).
قال في التفسير العتيق : حدّثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاك :
عن ابن عبّاس قال : اختصم قوم إلى النبي صلى الله عليه و آله فأمر بعض أصحابه أن يحكم بينهم فحكم فلم يرضوا به ، فأمر عليا أن يحكم بينهم فحكم بينهم فرضوا به ، فقال لهم بعض المنافقين : حكم عليكم فلان فلم ترضوا به ، وحكم عليكم علي فرضيتم به بئس القوم أنتم . فأنزل اللّه تعالى في علي : «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ»إلى آخر الآية ، وذلك إنّ عليا كان يوفّق لحقيقة القضاء ، من غير أن يُعلّم .
أفمن الرشاد والحقّ يهدي
باتّباع منكم له واقتداء
هو أولى عند الحقيقة ممّن
لا يهدّي له بدون اهتداء
ص: 261
«فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللّه ُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»
سورة هود
وفي روضة الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان عن عمارة بن سويد قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في هذه الآية : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا نزل غديرا قال لعلي عليه السلام : إنّي سألت ربّي أن يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي ففعل ، فقال رجلان من قريش : واللّه لصاع من تمر في شنّ بال أحبّ إلينا ممّا سأل محمّد ربّه ، فهلاّ سأل ربّه ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغني به عن فاقته ، واللّه ما دعاه إلى حقّ ولا باطل إلاّ أجابه إليه ، فأنزل اللّه إليه : «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ ...» الآية(1).
وفي تفسير العياشي ، عن جابر بن أرقم ، عن أخيه زيد بن أرقم قال : إنّ جبرئيل الروح الأمين نزل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله بولاية علي بن أبي طالب عشيّة
ص: 262
عرفة ، فضاق بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخافة تكذيب أهل الإفك والنفاق ، فدعا قوما أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم ، فلم ندر ما نقول له ، وبكى صلى الله عليه و آله فقال له جبرئيل : يامحمّد أجزعت من أمر اللّه ؟ فقال : كلاّ ياجبرئيل ، ولكن قد علم ربّيما لقيت من قريش إذ لم يقرّوا لي بالرسالة حتّى أمرني بجهادهم وأهبط إليّ جنودا من السماء فنصروني ، فكيف يقرّون لعلي من بعدي ! فانصرف عنه جبرئيل ، فنزل عليه : «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ ...» الآية(1).
أبو النضر العياشي في تفسيره قال : حدّثنا محمّد بن يزداد ، قال : حدّثني محمّد بن علي الحدّاد ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، وليث بن سعد المصري(2):
عن جابر بن أرقم ، عن أخيه زيد بن أرقم قال : إنّ جبرئيل الروح الأمين نزل على رسول اللّه بولاية علي بن أبي طالب عشيّة عرفة فضاق بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخافة تكذيب أهل الإفك والنفاق فدعا قوما أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم فلم ندر ما نقول له ، فبكى النبي صلى الله عليه و آله فقال له جبرئيل : يامحمّد أجزعت من أمر اللّه ؟ فقال : كلاّ ياجبرئيل ولكن قد علم ربّي ما لقيت من قريش إذ لم يقرّوا لي بالرسالة حتّى أمرني بجهادهم وأهبط إليّ جنودا من السماء فنصروني فكيف يقرّون لعلي من بعدي فانصرف عنه جبرئيل فنزل عليه «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ» .
ص: 263
حدّثنا أبو الفضل علي بن الحسين الحافظ(1) عن القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن النصيبي ، وقال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي قال : أخبرنا علي بن جعفر بن موسى قال : حدّثنا جندل بن والق قال : حدّثنا محمّد بن عمر ، عن عبادة ، عن جعفر بن محمّد : عن أبيه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سألت ربّي خلاص قلب علي وموازرته ومرافقته ؛ فأُعطيت ذلك ، فقال رجل من قريش : لو سأل محمّد ربّه شنّا فيه صاع من تمر كان خيرا له ممّا سأله ، فبلغ ذلك النبي فشقّ عليه فأنزل اللّه تعالى : «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ»(2).
(الوصاية والولاء والمؤاخاة)
قال صاحب بن عبّاد :
قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب
فقلت أحمد خير السادة الرسل
قالت فمن بعده تصفى الولاء له
قلت : الوصي الذي أربى على زحل
قالت فمن ذا الذي آخاه عن ؟؟؟
فقلت أثبت خلق اللّه في الوهل
ص: 264
«أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاما وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ»
سورة هود
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن عمر الحلال قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» . فقال : أمير المؤمنين عليه السلام الشاهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله على بيّنة من ربّه(1).
وفي مجمع البيان ، عن الباقر والرضا عليهماالسلام إنّ الشاهد منه علي بن أبي طالب يشهد للنبي ، وهو منه(2).
ص: 265
وفي تفسير العياشي ، عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : الذي على بيّنة من ربّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد(1).
عن جابر ، عن عبداللّه بن يحيى قال : سمعت عليا عليه السلام وهو يقول : ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزل فيه آية وآيتان من كتاب اللّه ، فقال رجل من القوم : فما نزل فيك ياأمير المؤمنين ؟ فقال : أما تقرأ الآية التي في هود «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» محمّد على بيّنة من ربّه وأنا الشاهد(2).
وفي بصائر الدرجات : محمّد بن الحسين ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام واللّه ما نزلت آية في كتاب اللّه في ليل أو نهار إلاّ وقد علمت فيمن أُنزلت ، ولا ممّن مرّ على رأسه الموسى من قريش إلاّ وقد نزلت فيه آية من كتاب اللّه تسوقه إلى الجنّة أو إلى النار ، فقال له رجل : ياأمير المؤمنين ما الآية التي نزلت فيك ؟ قال له : أما سمعت اللّه يقول : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ» إلى قوله : «شَاهِدٌ مِنْهُ» فرسول اللّه صلى الله عليه و آله على بيّنة من ربّه وأنا شاهد له فيه وأتلوه منه(3).
وفي كتاب الاحتجاج : قال سليم بن قيس : سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال وأنا أسمع : أخبرني بأفضل منقبة لك ، قال : ما أنزل اللّه في كتابه ، أو قال ما
ص: 266
أنزل اللّه فيك أنّه سأل عن أفضل منقبة له فتلا هذه الآية ، وقال : أنا الشاهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
وفي أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر فقال : والذي خلق الحبّة وبرأ النسمة ما من رجل من قريش جرت بعلمه المواثيق إلاّ وقد نزلت فيه آية من كتاب اللّه عزّوجلّ أعرفها كما أعرفه . فقام إليه رجل فقال : ياأمير المؤمنين ما آيتك التي أُنزلت فيك ؟ فقال : إذا سألت فافهم ولا عليك ألاّ تسأل عنها غيري ، أقرأت سورة هود ؟ قال : نعم ياأمير المؤمنين ، قال : أفسمعت اللّه يقول : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» ؟ قال : نعم ، قال : ما الذي على بيّنة من ربّه محمّد صلى الله عليه و آله ، «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»أنا الشاهد وأنا منه(2).
وفي تفسير العياشي ، عن الصادق عليه السلام من ولاية علي(3).
روى الطبري باسناده عن جابر عن عبداللّه بن يحيى قال : « قال علي رضى الله عنه : ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان ، فقال رجل : فأنت فأي شيء نزل فيك ؟ فقال علي : أما تقرأ الآية التي نزلت في هود : «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»(4).
قال الخوارزمي : قوله تعالى : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ
ص: 267
مِنْهُ» قال ابن عبّاس : إنّه هو علي عليه السلام أوّل من شهد للنبي صلى الله عليه و آله وهو منه(1).
روى الزرندي بإسناده عن ابن عبّاس (رضي اللّه تعالى عنهما) ، قال : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» رسول اللّه صلى الله عليه و آله«وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» علي بن أبي طالب خاصّة(2).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن عباد بن عبداللّه قال : « كنّا مع علي في الرحبة فقام إليه رجل فقال : ياأمير المؤمنين أرأيت قول اللّه تعالى : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» فقال علي : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما جرت المواسي على رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه من كتاب اللّه آية أو آيتان ولأن يعلموا ما فرض اللّه لنا على لسان النبي الأُمّي أحبّ إليّ من مل ء الأرض فضّة وإنّي لأعلم أنّ القلم قد جرى بما هو كائن ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّ مثلنا فيكم كمثل سفينة نوح في قومه ، ومثل باب حطّة في بني اسرائيل ، أتقرأ سورة هود «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»فرسول اللّه على بيّنة من ربّه وأنا أتلوه ، والشاهد(3).
وروى بإسناده عن أنس بن مالك في قوله عزّوجلّ : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» قال : هو محمّد «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» قال : هو علي بن أبي طالب ، كان واللّه
ص: 268
لسان رسول اللّه إلى أهل مكّة في نقض عهدهم مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
وروى بإسناده عن زاذان قال : « سمعت عليا يقول : لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، بقضاء يزهر يصعد إلى اللّه واللّه ما نزلت آية في ليل أو نهار ولا سهل ولا جبل ولا برّ ولا بحر إلاّ وقد عرفت أي ساعة نزلت ، وفيمن نزلت ، وما من قريش رجل جرى عليه المواسي إلاّ وقد نزلت فيه آية من كتاب اللّه تسوقه إلى جنّة أو تقوده إلى نار ، فقال قائل : فما نزل فيك ياأمير المؤمنين ؟ قال : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» . فمحمّد صلى الله عليه و آله على بيّنة من ربّه وأنا الشاهد منه أتلو آثاره(2).
وروى بإسناده عن علي قال : « ما من رجل من قريش إلاّ نزل فيه طائفة من القرآن فقال رجل : ما نزل فيك ؟ قال : أما تقرأ سورة هود «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» رسول اللّه صلى الله عليه و آله على بيّنة من ربّه وأنا الشاهد منه »(3).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن بسّام بن عبداللّه ، عن أبي الطفيل قال : « خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة ، فقام إليه ابن الكوّا فقال : هل أنزلت فيك آية لم يشاركك فيها أحد ؟ قال : نعم أما تقرأ : «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ
ص: 269
وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» فالنبي صلى الله عليه و آله كان على بيّنة من ربّه وأنا الشاهد منه »(1).
روى ابن أبي الحديد عن عبداللّه بن الحرث قال : « قال علي عليه السلام على المنبر : ما أحد جرت عليه المواسي إلاّ وقد أنزل اللّه فيه قرآنا فقام إليه رجل من مبغضيه فقال له : فما أنزل اللّه تعالى فيك ؟ فقام الناس إليه يضربونه ، فقال : دعوه ، أتقرأ سورة هود ؟ قال : نعم ، قال : فقرأ عليه السلام «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» ثمّ قال : الذي كان على بيّنة من ربّه محمّد صلى الله عليه و آله والشاهد الذي يتلوه أنا »(2).
روى الكنحي بإسناده عن علي عليه السلام قال : « رسول اللّه صلى الله عليه و آله على بيّنة من ربّه ، وأنا الشاهد منه »(3).
قال الفرطوسي في ملحمة أهل البيت ج1 ص48 :
أفمن كان هاديا وهو طه
ودليلاً لمنهج الاهتداء
وهو من ربّه على بيّنات
سطعت بالمحجّة ال
وعلي يتلوه شاهد صدق
وهو منه وأفضل الشهداء
آية أُوحيت من اللّه نصّا
بعلي وخاتم الأنبياء
ص: 270
«قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّه ِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّه ِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»
سورة يوسف
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الأحول ، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام قال : ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من بعدهم(1).
علي بن إبراهيم ، عن أبيه قال : قال علي بن حسّان لأبي جعفر الجواد : ياسيّدي إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك قال : وما ينكرون قول اللّه عزّوجلّ ! لقد قال لنبيّه : «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ...» الآية فواللّه ما تبعه إلاّ علي عليه السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين(2).
وفي روضة الواعظين : قال الباقر عليه السلام : «قُلْ هَذِهِ» إلى قوله : «وَمَنْ اتَّبَعَنِي»
قال : علي اتّبعه(3).
ص: 271
وفي تفسير علي بن إبراهيم ، وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : «قُلْ هَذِهِ» إلى قوله : «وَمَنْ اتَّبَعَنِي»يعني نفسه ومن تبعه علي بن أبي طالب وآل محمّد (صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين)(1).
وفي تهذيب الأحكام ، في الدعاء بعد صلاة يوم الغدير المسند إلى الصادق عليه السلام ربّنا آمنّا ، واتّبعنا مولانا ، ووليّنا ، وهادينا ، وداعينا ، وداعي الأنام ، وصراطك المستقيم السويّ ، وحجّتك وسبيلك الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتّبعه ، وسبحان اللّه عمّا يشركون بولايته وبما يلحدون باتّخاذ الولائج دونه(2).
أبو القاسم عبدالرحمان بن محمّد الحسني قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثني الحسن بن علي بن يزيد ، قال : حدّثني الجعفري . قال : حدّثني سعيد بن الحسن بن مالك ، قال : حدّثنا بكار ، قال : حدّثنا إسماعيل بن أُميّة ، قال : حدّثنا غورك عن عبدالحميد :
عن أبي جعفر قال : لا نالتني شفاعة جدّي إن لم يكن هذه الآية نزلت في علي خاصّة «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّه ِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّه ِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ» لفظا واحد .
فرات(3) قال : حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن
ص: 272
أبي الخطّاب عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن نجم :
عن أبي جعفر قال : سألته عن قول اللّه تعالى : «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّه ِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي» قال : «وَمَنْ اتَّبَعَنِي» علي بن أبي طالب .
فرات قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن تسنيم قال : حدّثنا الحجال(1) عن ثعلبة ، عن عمر بن حميد :
عن أبي جعفر قال : سألته عن قول اللّه : «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّه ِ»(2) قال : «َمَنْ اتَّبَعَنِي» علي بن أبي طالب .
فرات(3) قال : حدّثني أحمد بن القاسم ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عمر بن حرب بن الحسن ، ومحمّد بن حفص بن راشد ، قالا : أخبرنا شاذان الطحّان ، عن كَهمس بن الحسن ، عن سلم الحذّاء :
عن جعفر بن محمّد في هذه الآية : «أَدْعُو إِلَى اللّه ِ عَلَى بَصِيرَةٍ» قال : هي واللّه ولايتنا أهل البيت لا ينكره أحد إلاّ ضالّ ، ولا ينتقص عليا إلاّ ضال(4).
سبيل النبي صراط جليّ
ومن يتبّع ليس إلاّ علي
ص: 273
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»
سورة الرعد
وفي مجمع البيان ، عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي ياعلي بك يهتدي المهتدون(1).
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن أبي بردة الأسلمي قال : دعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالطهور وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام بعد ما تطهّر فألزمها بصدره ثمّ قال : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ»
يعني نفسه - ثمّ ردّها إلى صدر علي ثمّ قال : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ثمّ قال : إنّك منارة الأنام ، وغاية الهدى ، وأمير القرى ، وأشهد على ذلك إنّك كذلك(2).
وفي أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده إلى عبّاد بن عبداللّه قال : قال علي عليه السلام : ما نزلت من القرآن آية إلاّ وقد علمت أين نزلت وفيمن نزلت وفي سهل نزلت أو في جبل قيل : فما نزل فيك ، فقال : لولا إنّكم سألتموني ما أخبرتكم نزلت فيّ هذه الآية :
ص: 274
«إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فرسول اللّه
صلى الله عليه و آله المنذر وأنا الهادي إلى جاء به(1).
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»
فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنذر ولكلّ زمان إمام منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي
اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ الهداة من بعده علي ثمّ الأوصياء واحد بعد واحد(2).
الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنذر وعلي الهادي ياأبا محمّد هل من هاد اليوم ؟ قلت : بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد من بعد هاد حتّى دفعت إليك . فقال : رحمك اللّه ياأبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرجل ، ماتت الآية ، مات الكتاب ولكنّه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى(3).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن عبدالرحيم القصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنذر وعلي الهادي ، أما واللّه ما ذهبت منّا وما زالت فينا إلى الساعة(4).
ص: 275
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي عن حمّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : المنذر رسول اللّه صلى الله عليه و آله والهادي أمير المؤمنين عليه السلام وبعده الأئمّة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) وهو قوله : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1).
وفي تفسير العياشي ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : فينا نزلت هذه الآية : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وأنت الهادي ياعلي فمنّا الهادي والنجاة والسعادة إلى يوم القيامة(2).
عن عبدالرحيم القصير قال : كنت يوما من الأيّام عند أبي جعفر عليه السلام فقال : ياعبدالرحيم قلت : لبّيك . قال : قول اللّه : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» إذ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا المنذر وعلي الهادي ومن الهادي اليوم ؟ قال فسكت طويلاً ثمّ رفعت رأسي فقلت : جعلت فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتّى انتهت إليك ، فأنت جعلت فداك الهاد ؟ قال : صدقت ياعبدالرحيم إنّ القرآن حي لا يموت والآية حيّة لا تموت فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن ، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين . وقال عبدالرحيم : قال أبو عبداللّه عليه السلام إنّ القرآن لم يمت وأنّه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا(3).
عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول في قول
ص: 276
اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أنا المنذر وعلي الهادي وكلّ إمام هاد للقرن الذي هو فيه(1).
جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعلي الهادي إلى أمري(2).
قال الحافظ ابن شهر آشوب في عنوان : « إنّه النور والهدى والهادي » من مناقب آل أبي طالب : ج2 ص280 : وقد صنّف أحمد بن محمّد بن سعيد كتابا في قوله تعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام.
ورواه عنه البحراني في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان : ج2 ص282 .
عن أبي حفص بن شاهين ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال : حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي وإبراهيم بن خيرويه ، قالا : حدّثنا حسن بن حسين .
وأخبرنا أبو بكر محمّد بن عبدالعزيز الجوري(3) قال : أخبرنا الحسن بن رشيق المصري قال : حدّثنا عمر بن علي بن سليمان الدينوري : قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن ازداد الدينوري قال : حدّثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال : حدّثنا معاذ بن مسلم(4) عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير :
ص: 277
عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي وضرب بيده إلى صدر علي فقال : « أنت الهادي بعدي ياعلي بك يهتدي المهتدون »(1).
ص: 278
أخبرنا أبو يحيى الحيكاني(1) قال : أخبرنا أبو الطيّب محمّد بن الحسين بالكوفة قال : حدّثنا علي بن العبّاس بن الوليد ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن
ص: 279
الحسين قال : حدّثنا حسن بن حسين ، قال : حدّثنا معاذ بن مسلم الفراء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت : «إِنَّمَا
أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» أشار رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده إلى صدره فقال :أنا المنذر «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» ثمّ أشار بيده إلى علي فقال : ياعلي بك يهتدي المهتدون بعدي .
أخبرنا أبو بكر ابن أبي الحسن الهاروني قال : أخبرنا أبو العبّاس ابن أبي بكر الأنماطي المروزي أنّ عبداللّه بن محمّد بن علي بن طرخان حدّثهم قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبدالأعلى بن واصل قال : حدّثنا الحسن الأنصاري - وكان ثقة معروفا يعرف بالعرني - قال : حدّثنا معاذ بن مسلم بيّاع الهروي - قال عبدالأعلى : وهذا شيخ روى عنه المحاربي - عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس في قوله : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ» قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعلي الهادي ثمّ قال : ياعلي بك يهتدي المهتدون بعدي(1).
حدّثني أبو القاسم بن أبي الحسن الفارسي قال : أخبرنا أبي قال : أخبرنا محمّد بن القاسم المحاربي قال : حدّثنا القاسم بن هشام بن يونس قال : حدّثني حسن بن حسين قال : حدّثنا معاذ بن مسلم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ» ووضع يده على صدره ، ثمّ قال : «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»وأومأ بيده إلى منكب علي ثمّ قال : ياعلي بك يهتدي المهتدون .
ص: 280
حدّثني أبو سعد السعدي قال : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر الحافظ ببغداد ، قال : أخبرنا أبو محمّد جعفر بن محمّد بن القاسم ، قال : حدّثنا إسماعيل بن محمّد المزني قال : حدّثنا حسن بن حسين بن سواء ، قال :
لمّا نزلت «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ» قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا ياعلي المنذر ، وأنت الهادي ، بك يهتدي المهتدون بعدي .
وأخبرنا أبو سعد قال : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر الحافظ ببغداد قال : حدّثني أبو بكر محمّد بن الفتح الخيّاط ، قال : حدّثنا أحمد بن عبداللّه بن يزيد المؤدّب ، قال : حدّثني أحمد بن داود ، ابن أُخت عبدالرزّاق ، قال : حدّثني أبو صالح ، قال : حدّثني بعض رواة ليث ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ليلة أُسري بي ما سألت ربّي شيئا إلاّ أعطانيه ، وسمعت مناديا من خلفي يقول : يامحمّد إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد .
قلت : أنا المنذر فمن الهادي ؟ قال : علي الهادي المهتدي ، القائد أُمّتك إلى جنّتي غرّاءمحجّلين برحمتي(1).
روى الحاكم النيسابوري بإسناده عن علي «إِنَّمَاأَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»
قال علي : « رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، المنذر ، وأنا الهادي ، هذا حديث صحيح الإسناد »(2).
روى الطبري بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : « لمّا نزلت «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وضع صلى الله عليه و آله يده على صدره ، فقال : أنا المنذر ولكلّ قوم هاد ، وأومأ
ص: 281
بيده إلى منكب علي ، فقال : أنت الهادي ياعلي ؛ بك يهتدي المهتدون بعدي »(1).
روى السيّد شهاب الدين أحمد بإسناده عن ابن عبّاس (رضي اللّه تعالى عنهما) في قوله تعالى : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» « قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وبارك وسلّم) : أنا النذير ، الهادي : علي بن أبي طالب(2).
روى الزرندي بإسناده عن أبي برزة الأسلمي ؟؟؟ قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرأ : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ» ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على يد علي وهو يقرأ «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(3).
وقال : قال ابن عبّاس رضى الله عنه : « لمّا نزلت : «إِنَّمَا
أَنْتَ مُنذِرٌ» قال النبي صلى الله عليه و آله : أنا المنذر وعلي الهادي وبك ياعلي يهتدي المهتدون من بعدي »(4).
وروى بإسناده عن عبداللّه بن عامر ، قال أزعجت الزرقاء الكوفية إلى معاوية فلمّا أُدخلت عليه . قال لها معاوية : ما تقولين في مولى المؤمنين علي ؟ فأنشأت تقول :
صلّى الإله على قبر تضمّنه
نور فأصبح فيه العدل مدفونا
من حالف العدل والإيمان مقترنا
فصار بالعدل والإيمان مقرونا
ص: 282
فقال لها معاوية : كيف غررت فيه هذه الغريرة ؟ فقالت : سمعت اللّه يقول في كتابه لنبيّه : «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» المنذر رسول اللّه والهادي علي ولي
اللّه (1).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص41 :
إنّما أنت منذر للبرايا
ولكلّ هاد من الأصفياء
فهو بالحقّ منذر وعلي
خير هاد لمنهج الاهتداء
آية أُنزلت من اللّه نصّا
في علي وخاتم الأنبياء
ص: 283
«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»
سورة الرعد
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رياب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : طوبى شجرة في الجنّة في دار أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) ، وليس أحد من شيعته إلاّ وفي داره غصن من أغصانها ، وورقة من أوراقها تستظلّ تحتها أُمّة من الأُمم(1).
وبإسناده إلى الرضا عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم السلامقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي أنت المظلوم بعدي ، وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنّة أصلها في دارك وأغصانها في دار شيعتك ومحبّيك(2). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
وفي احتجاج علي عليه السلام يوم الشورى على الناس قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي إنّ اللّه خصّك بأمر وأعطاكه ، ليس من الأعمال
ص: 284
شيء أحبّ إليه ولا أفضل منه عنده : الزهد في الدنيا فليس تنال منها شيئا ولا تناله منك ، وهي زينة الأبرار عند اللّه عزّوجلّ يوم القيامة فطوبى لمن أحبّك وصدّق عليك وويل لمن أبغضك وكذّب عليك غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . كما قال لي : إنّ طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار علي ليس مؤمن إلاّ في داره غصن من أغصانها غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا(1).
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى مروان بن مسلم ، عن أبي بصير قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام طوبى لمن تمسّك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية فقلت له : جعلت فداك وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنّة أصلها في دار علي بن أبي طالب عليه السلام وليس مؤمن إلاّ وفي داره غصن من أغصانها ، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»(2).
وفي تفسير العياشي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمّد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس ذات يوم ، إذ دخلت أُمّ أيمن في ملحفتها شيء . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياأُمّ أيمن أي شيء في ملحفتك ؟ فقالت : يارسول اللّه فلانة بنت فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها شيئا ، ثمّ إنّ أُمّ أيمن بكت فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما يبكيك ؟ فقالت فاطمة زوّجتها فلم ينثر عليها شيئا ، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تبكين فوالذي بعثني بالحقّ نبيّا
ص: 285
بشيراً ونذيراً لقد شهد أملاك فاطمة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في أُلوف من الملائكة ، ولقد أمر اللّه طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها واستبرقها ودرّها وزمرّدها وياقوتها وعطرها ، فأخذوا منه حتّى ما دروا ما يصنعون به ولقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة ، فهي في دار علي بن أبي طالب(1).
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ المؤمن إذا لقى أخاه وتصافحا لم تزل الذنوب تتحاط عنهما ما داما متصافحين كتحات الورق عن الشجر ، فإذا افترقا قال ملكاهما : جزاكما اللّه خيرا عن أنفسكما ، فإن التزم كلّ واحد منهما صاحبه ناداهما مناد : طوبى لكما وحسن مآب ، وطوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار أمير المؤمنين وفرعها في منازل أهل الجنّة ، فإذا افترقا ناداهما ملكان كريمان ابشرا ياولي اللّه بكرامة اللّه والجنّة
من ورائكما(2).
وفي مجمع البيان : وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن طوبى في دار علي فقيل له : في ذلك فقال : إنّ داري ودار علي في الجنّة بمكان واحد(3)-(4).
أخبرنا علي بن الحسين بن الطيّب إذنا حدّثنا أبو علي الحسن بن شاذان الواسطي حدّثنا أبو محمّد جعفر بن محمّد بن نصير الخُلدي حدّثنا عبيد بن خلف البزّار حدّثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم البلخي حدّثنا علي بن ثابت القرشي
ص: 286
حدّثنا أبو قتيبة تميم بن ثابت عن محمّد بن سيرين في قوله تعالى : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» قال : طوبى شجرة في الجنّة أصلها في حجرة علي بن أبي طالب ليس في الجنّة حجرة إلاّ فيها غصن من أغصانها(1)-(2).
أورد نزولها في شأن علي عليه السلام جماعة من القوم .
فمنهم الحافظ الحسين الحبري في « تنزيل الآيات » (ص15 مخطوط) قال :
حدّثنا علي بن محمّد قال : حدّثني الحبري قال : حدّثنا حسن بن حسين قال : حدّثنا حبّان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنّة في دار كلّ مؤمن منها غصن يقال لها شجرة طوبى ، وحسن مآب حسن المرجع(3).
حدّثني الحاكم الوالد أبو محمّد رحمه الله قال : أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ ببغداد ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال : حدّثنا أحمد بن الحسين
ص: 287
الخزّاز ، قال : أخبرنا أبي قال : حدّثنا أبي حصين بن مخارق :
عن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن آبائه قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن طوبى قال : هي شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنّة . ثمّ سئل عنها مرّة أُخرى فقال : هي في دار علي . فقيل له في ذلك ؟ فقال : إنّ داري ودار علي في الجنّة بمكان واحد(1).
ص: 288
ومثله ورد أيضاً في التفسير العتيق .
حدّثنا أبو سعد المعاذي(1) قال : أخبرنا أبو الحسين الكهيلي قال : أخبرنا أبو جعفر الحضرمي قال : حدّثنا جندل بن والق قال : أخبرنا إسماعيل بن أُميّة القرشي عن داود بن عبدالجبّار - أظنّه عن جابر - :
عن أبي جعفر قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» قال : هي شجرة في الجنّة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنّة . ثمّ سئل عنها مرّةً أُخرى قال : هي شجرة في الجنّة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنّة .
فقيل له : سألناك عنها يارسول اللّه فقلت : أصلها في داري ثمّ سألناك عنها مرّة أُخرى فقلت : شجرة في الجنّة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنّة . فقال : إنّ داري ودار علي واحدة .
وفي التفسير العتيق : قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الكوفي ، عن إسماعيل به سواء .
وقال أيضاً : حدّثنا جندل بن والق عن محمّد القرشي عن داود به سواء .
ص: 289
أخبرنا عقيل قال : أخبرنا علي بن الحسين قال : حدّثنا محمّد بن عبيداللّه قال : حدّثنا محمّد بن خرزاد بالأهواز ، قال : حدّثنا بشر بن سليمان بن مطر ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن شهاب عن الأعرج :
عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه يوما لعمر بن الخطّاب : إنّ في الجنّة لشجرة ما في الجنّة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلاّ وفيه غصن من أغصان تلك الشجرة وأصل تلك الشجرة في داري .
ثمّ مضى على ذلك ثلاثة أيّام ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعمر إنّ في الجنّة لشجرة ما في الجنّة قصر ولا دار ولا منزل ولا مجلس إلاّ وفيه غصن من أغصان تلك الشجرة ، أصلها في دار علي بن أبي طالب . قال عمر : يارسول اللّه قلت ذلك اليوم : إنّ أصل تلك الشجرة في داري واليوم قلت : إنّ أصل تلك الشجرة في دار علي ؟! فقال رسول اللّه : أما علمت أنّ منزلي ومنزل علي في الجنّة واحدة ، وقصري وقصر علي في الجنّة واحد ، وسريري وسرير علي في الجنّة واحد(1)-(2).
ص: 290
روى القندوزي الحنفي بإسناده عن الباقر عليه السلام قال : « سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» فقال : هي شجرة في الجنّة أصلها في داري ، وفرعها على أهل الجنّة ، فقيل له : يارسول اللّه سألناك عنها فقلت : إنّ داري ودار علي وفاطمة واحدة غدا في مكان واحد ، وهي شجرة غرسها اللّه تبارك وتعالى بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإنّ أغصانها لترى من وراء سور الجنّة »(1).
روى الحبري الكوفي بإسناده عن ابن عبّاس : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» شجرة أصلها في دار علي عليه السلام في الجنّة في دار كلّ مؤمن منها غصن ، يقال لها شجرة طوبى «وَحُسْنُ مَآبٍ» حسن المرجع(2).
روى السيوطي وابن المغازلي عن ابن سيرين قال : « طوبى شجرة في الجنّة أصلها في حجرة علي بن أبي طالب ليس في الجنّة حجرة إلاّ فيها غصن من أغصانها »(3).
ص: 291
ولنعم ما قيل :
ياحبّذا دوحة في الخلد نابتة
ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة
ثمّ اللقاح علي سيّد البشر
والهاشميّان سبطاه له ثمر
ص: 292
والشيعة الورق الملتفّ بالثمر
«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»
سورة الرعد
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : محمّد بن أبي عمير الكوفي ، عن عبداللّه بن الوليد السمّان قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : ما يقول الناس في أُولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : قلت : ما يقدّمون على أُولي العزم أحدا . فقال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ اللّه تبارك وتعالى قال لموسى : «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً»ولم يقل : كلّ شيء . وقال عن عيسى
عليه السلام : «وَلاِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ»ولم يقل : كلّ الذي تختلفون فيه ، وقال عن صاحبكم أمير المؤمنين : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» وقال عزّوجلّ : «وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» وعلم هذا الكتاب عنده(1).
عن سليم بن قيس قال : سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له وأنا أسمع : أخبرني بأفضل منقبة لك ؟ قال : ما أنزل اللّه في كتابه . قال : وما أنزل اللّه فيك ؟ قال : قوله : «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً» إلى قوله : «بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ
ص: 293
الْكِتَابِ» إيّاي عنى بمن عنده علم الكتاب(1).
وفي أُصول الكافي : علي بن إبراهيم : عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عمّن ذكره جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : إيّانا عنى ، وعلي أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه و آله(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : الذي عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين عليه السلام ، وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم الكتاب ؟ فقال : ما كان علم الذي كان عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلاّ بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر . وقال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) : إلاّ أنّ العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة خاتم النبيين(3).
وفي أمالي الصدوق رحمه الله ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قول اللّه عزّوجلّ ثناؤه : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب(4).
وفي تفسير العياشي ، عن عبداللّه بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : هذا ابن
ص: 294
عبداللّه بن سلام يزعم أنّ أباه الذي يقول اللّه : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» ! قال : كذب ، هو علي بن أبي طالب(1).
عن عبداللّه بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قوله : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ ...» ، فقال : نزلت في علي بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي الأئمّة بعده ، وعلي عنده علم الكتاب(2).
عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»قال : نزل في علي عليه السلام أنّه عالم هذه الأُمّة بعد النبي صلى الله عليه و آله(3).
وفي روضة الواعظين للمفيد رحمه الله : قال الباقر عليه السلام : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»علي بن أبي طالب عنده علم الكتاب الأوّل والآخر(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر الشيخ محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : إيّانا عنى ، وعلي أوّلنا وخيرنا وأفضلنا بعد النبي صلى الله عليه و آله(5).
وروى أيضا عن رجاله بإسناده إلى جابر بن عبداللّه قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه
ص: 295
وحفظه كما أنزل اللّه إلاّ علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام(1).
وروى الشيخ المفيد رحمه الله عن رجاله حديثا مسندا إلى سلمان الفارسي رضى الله عنهقال : قال لي أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) : الويل كلّ الويل لمن لا يعرف لنا حقّ معرفتنا فأنكر فضلنا ، ياسلمان أيّما أفضل محمّد صلى الله عليه و آله أو سليمان بن داود ؟ قال سلمان :
فقلت : بل محمّد صلى الله عليه و آله فقال : ياسلمان هذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من سبأ إلى فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا أقدر أنا وعندي علم ألف كتاب : أنزل اللّه منها على شيث بن آدم خمسين صحيفة ، وعلى إدريس النبي ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم الخليل عشرين صحيفة ، وعلم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ؟! قلت : صدقت ياسيّدي . فقال : اعلم ياسلمان إنّ الشاكّ في أُمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض اللّه طاعتنا وولايتنا في كتابه في غير موضع ، وبيّن فيه ما وجب العمل به وهو مكشوف(2)-(3).
حدّثني أبو الحسن الفارسي وأبو بكر المعمري قالا : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الفقيه إملاءً(4) قال : حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن
ص: 296
راشد ، عن عمرو بن مفلّس ، عن خلف ، عن عطية العوفي :
عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قول اللّه تعالى : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب .
هذا لفظ أبي الحسن الفارسي وزاد المعمّري عمّا رواه أبو الحسن الفارسي(1).
أخبرنا أبو عبداللّه الفارسي قال : أخبرنا أبو بكر المفيد ، قال : حدّثنا أبو أحمد الجلودي قال : حدّثني محمّد بن سهل قال : حدّثنا زيد بن إسماعيل قال : حدّثنا داود بن المحبّر قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال هو علي بن أبي طالب .
وأخبرونا عن أبي بكر السبيعي قال : حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن منصور بن الجنيد الرازي قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أشكاب قال : حدّثنا أحمد بن مفضّل قال : حدّثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سليمان(2):
ص: 297
عن أبي عمر زاذان ، عن ابن الحنفية في قوله تعالى : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : هو علي بن أبي طالب .
أخبرونا عن أبي بكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي قال : حدّثني الحسين بن إبراهيم بن الحسين الجصّاص قال : أخبرنا حسين بن حكم الحبري قال : حدّثنا سعيد بن عثمان ، عن أبي مريم قال : حدّثني عبداللّه بن عطاء قال : كنت جالسا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابنا لعبداللّه بن سلام(1) جالساً في ناحية فقلت لأبي
ص: 298
جعفر : زعموا أنّ أبا هذا عنده علم الكتاب (يعني) عبداللّه بن سلام . قال : لا إنّما ذاك علي بن أبي طالب . ورواه عن أبي مريم - واسمه عبدالغفّار بن القاسم - أبو نعيم الملاّئي كما في التفسير العتيق .
أخبرنا عمر بن محمّد بن أحمد العدل(1) قال : أخبرنا زاهر بن أحمد قال
ص: 299
أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي قال : حدّثنا إبراهيم بن فهد ، قال : حدّثنا محمّد بن عقبة ، قال : حدّثنا الحسن بن حسين قال : حدّثنا قيس ، عن إسماعيل بن أبي خالد(1) عن أبي صالح في قوله عزّوجلّ : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» قال : قال رجل من قريش : هو علي ولكنّا لا نسمّيه .
أخبرنا عقيل بن الحسين قال : أخبرنا علي بن الحسين قال :
حدّثنا محمّد بن عبيداللّه ، قال : حدّثنا عمرو بن محمّد الجمحي قال : حدّثنا عبداللّه بن داود الخُريبي قال : حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش : عن أبي صالح في قوله تعالى : «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»قال علي بن أبي طالب كان عالما بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام .
قال أبو صالح : سمعت ابن عبّاس مرّة يقول : هو عبداللّه بن سلام(2) وسمعته في آخر عمره يقول : لا واللّه ما هو إلاّ علي بن أبي طالب(3).
ومن عنده علم الكتاب أُنزل
هو الشهيد للنبي المرسل
وبعده الشاهد للمختار
من ولده الأئمّة الأطهار
ص: 300
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه ِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّه َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»
سورة النحل
وفي تفسير العياشي ، عن زيد بن الجهم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : لمّا سلّموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للأوّل : قم فسلّم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين . فقال : أمن اللّه ومن رسوله ؟ قال : نعم من اللّه ومن رسوله . ثمّ قال لصاحبه : قم فسلّم على علي بإمرة المؤمنين فقال : من اللّه ومن رسوله ؟ قال : نعم من اللّه ومن رسوله . ثمّ قال : يامقداد قم فسلّم على علي بإمرة المؤمنين ، قال : فلم يقل ما قال صاحباه . ثمّ قال : قم ياأبا ذرّ فسلّم على علي بإمرة المؤمنين ، فقام وسلّم . ثمّ قال : ياسلمان قم وسلّم على علي بإمرة المؤمنين ، فقام وسلّم حتّى إذا خرجا وهما يقولان : لا واللّه لا نسلّم له ، ما قال اللّه . فأنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيّه : «وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً»
بقولكم : من اللّه ومن رسوله ؟ «إِنَّ اللّه َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : إنّه حدّثني أبي رفعه قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام: لمّا
ص: 301
نزلت الولاية ، وكان من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله بغدير خم سلّموا على علي بإمرة المؤمنين . فقالا : من اللّه ومن رسوله ؟ فقال لهما : اللهمّ نعم حقّا من اللّه ومن رسوله ، إنّه أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين يقعده اللّه يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة ويدخل أعداءه النار وأنزل اللّه عزّوجلّ : «وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّه َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» يعني قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله من اللّه ومن رسوله(1).
ص: 302
«وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارا»
سورة الإسراء
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : بإسناده إلى محمّد بن علي الباقر حديث طويل يذكر فيه خطبة الرسول صلى الله عليه و آله يوم الغدير وفيها : معاشر الناس لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في معنى تأويله حديثا بإسناده عن رجاله ، عن نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم الثقفي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : انطلق بي رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى أتى إلى الكعبة ، فصعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على منكبي فقال لي : انهض فنهضت ، فلمّا رأى منّي ضعفا قال : اجلس ، فنزل ثمّ قال لي : ياعلي اصعد على منكبي ، فصعدت على منكبه ثمّ نهض بي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخيّل لي أن لو شئت لنلت أُفق السماء ، فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول
ص: 303
اللّه صلى الله عليه و آله وقال لي : ألق صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : عالجه فعالجته ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا» فلم أزل أُعالجه حتّى استمكنت منه ، فقال لي : اقذفه ، فقذفته فتكسّر ، فنزلت من فوق الكعبة ، وانطلقت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله وخشيت أن يرانا أحد من قريش وغيرهم(1).
حدّثنا أبو بكر محمّد بن عبدالرزّاق بالبصرة(2) قال : حدّثنا أبو داود السجستاني قال : حدّثنا مسدّد ، قال : حدّثنا شعبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيّب .
عن أبي هريرة قال : قال لي جابر بن عبداللّه : دخلنا مع النبي صلى الله عليه و آله مكّة وفي البيت وحوله ثلاث مائة وستّون صنما يُعبد من دون اللّه ، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فألقيت كلّها لوجهها ، وكان على البيت صنم طويل يقال له : هُبل ، فنظر رسول اللّه إلى أمير المؤمنين وقال له : ياعلي تركب عليَّ أو أركب عليك لأُلقي هبل عن ظهر الكعبة . قلت : يارسول اللّه بل تركبني . فلمّا جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة ، فقلت : يارسول اللّه بل أركبك ، فضحك ونزل فطأطأ لي ظهره واستويت عليه ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسّ السماء لمسستها بيدي فألقيت هبل عن ظهر الكعبة فأنزل اللّه تعالى : «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ»يعني قول : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه «وَزَهَقَ الْبَاطِلُ» يعني وذهب عبادة الأصنام «إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
ص: 304
زَهُوقا» يعني ذاهبا . ثمّ دخل البيت فصلّى فيه ركعتين(1).
ص: 305
يوم الغدير أعظم الأيّام
كم فيه للّه من الإنعام
مقالة التوحيد كانت فائقا
عبادة الأصنام صارت زاهقا
ص: 306
«وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورا »
سورة الإسراء
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس ، حدّثنا علي بن عبداللّه بن أسد ، عن إبراهيم الثقفي ، عن علي بن هلال الأحمسي ، عن الحسن بن وهب ، عن ابن بحيرة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورا» قال : نزلت الآية في ولاية علي
عليه السلام .
قرأت في التفسير العتيق قال : حدّثنا العبّاس بن الفضل ، عن محمّد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثمالي :
عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين في قوله تعالى : «فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورا» قال : بولاية علي يوم أقامه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فرات بن إبراهيم(1) قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاري قال : حدّثنا أحمد بن الحسين ، عن محمّد بن حاتم ، عن أبي حمزة الثمالي قال :
سألت أبا جعفر عن قول اللّه : «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا» قال : يعني ولقد ذكرنا عليا في كلّ القرآن وهو الذكر ، «وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورا» .
ص: 307
فرات قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم قال : حدّثنا جعفر بن عبداللّه ، قال : حدّثنا محمّد بن عمر قال : حدّثنا المازني ، عن عبّاد بن صهيب(1):
عن جابر قال : قال أبو جعفر : قال اللّه : «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ» يعني لقد ذكرنا عليا في كلّ آية ، فأبوا ولاية علي «وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورا»(2).
ص: 308
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا»
سورة مريم
علي بن إبراهيم قال : روى فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»قال : آمنوا بأمير المؤمنين عليه السلام وعملوا الصالحات بعد المعرفة معناه بعد المعرفة باللّه وبرسوله والأئمّة (صلوات اللّه عليهم)(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : في الحديث السابق متّصلاً بقوله : واحدا واحدا ، قلت : قوله عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» قال : ولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي الودّ الذي ذكره اللّه عزّوجلّ(2).
وفي أُصول الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام مثله إلاّ أنّ فيه : هي الودّ الذي
ص: 309
قال اللّه (1).
وفي تفسير العياشي : عن عمّار بن سويد قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في هذه الآية : «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ» وذكر حديثا طويلاً في آخره : ودعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام في آخر صلاته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول : اللهمّ هب لعلي المودّة في صدور المؤمنين ، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل اللّه تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...» الآية(2) وفي الحديث تتمّة يأتي عند قوله :
«قَوْما لُدّا» . وفي مجمع البيان : وفي تفسير أبي حمزة الثمالي : حدّثني أبو جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي : قل : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل في قلوب المؤمنين ودّا . فقال : فنزلت هذه الآية(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال : الصادق عليه السلام : كان سبب نزول هذه الآية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له : قل ياعلي : اللهمّ اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا ، فأنزل اللّه الآية(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله ، حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن زكريا ، عن يعقوب بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبداللّه بن
ص: 310
العبّاس ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في هذه الآية ، قال : نزلت في علي عليه السلام فما آمن مؤمن إلاّ وفي قلبه حبّ لعلي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه وعلى ذرّيته الطيّبين)(1).
روى الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عبدالرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» قال : ولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي الودّ الذي قال اللّه عزّوجلّ . قلت : قوله : «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا» قال : إنّما يسّره اللّه على لسانه حين أقام أمير المؤمنين عليه السلام علما فبشّر به المؤمنين وأنذر به الكافرين وهم الذين ذكرهم اللّه في كتابه « لدّا » أي كفّارا(2).
وفي روضة الواعظين للفتال النيسابوري : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» هو علي عليه السلام و «إِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا» قال : بني أُميّة قوما ظلمة(3).
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عبدالرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ثمّ قال : قلت : قوله تبارك وتعالى : «فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا» ، قال : إنّما يسّره اللّه عزّوجلّ على لسانه صلى الله عليه و آله حين أقام أمير المؤمنين عليه السلام علَما
ص: 311
فبشّر به المؤمنين ، وأنذر به الكافرين ، وهم الذين ذكرهم اللّه تعالى : «قَوْما لُدّا» أي كفّارا(1)
وفي تفسير علي بن إبراهيم : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام مثله(2)-(3).
روى الكنجي بإسناده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : لقيني رجل ، فقال : ياأبا الحسن ، أما واللّه إنّي أُحبّك في اللّه . فرجعت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته بقول الرجل ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي لعلّك اصطنعت إليه معروفا ، قال واللّه ما اصطنعت إليه معروفا . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودّة قال : فنزل قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا»(4).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب : ياعلي ، قل ربّ اقذف لي المودّة في قلوب المؤمنين ، ربّ اجعل لي عندك عهدا ، ربّ اجعل لي عندك ودّا ، فأنزل اللّه تعالى :
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» فلا تلقى مؤمنا ولا مؤمنة إلاّ وفي قلبه ودّ لأهل البيت »(5).
ص: 312
روى ابن المغازلي بإسناده عن البراء بن عازب . قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب : ياعلي قل : اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة ، فأنزل اللّه : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا»نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
روى السيوطي بإسناده عن ابن عبّاس قال : « نزلت في علي بن أبي طالب «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» قال : محبّة في قلوب المؤمنين »(2).
روى الزرندي بإسناده ، عن عطا عن ابن عبّاس : « أنّها نزلت في علي ما من مسلم إلاّ ولعلي في قلبه محبّة ، قال : وروي عن علي رضى الله عنه أنّه قال : أُصول الإسلام ثلاثة لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها : الصلاة والزكاة والموالاة ، قال : وهذا منتزع من قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وذلك إنّ اللّه تعالى أثبت الموالاة بين المؤمنين ثمّ لم يصفهم إلاّ بأقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال : الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، فمن والى عليا فقد والى اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله »(3).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن محمّد بن عبيداللّه بن أبي رافع عن أبيه عن
ص: 313
جدّه قال : « قال رسول اللّه : ياعلي قل : اللهمّ ثبّت لي الودّ في قلوب المؤمنين واجعل لي عندك ودّا وعهدا ، فقال علي ذلك ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ثبتت وربّ الكعبة ثمّ نزلت : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» - إلى قوله - «قَوْما لُدّا» فقال رسول اللّه قد نزلت هذه الآية فيمن كان مخالفا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولعلي(1).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس في قوله : «سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» قال : « محبّة لعلي لا تلقى مؤمنا إلاّ وفي قلبه محبّة لعلي »(2).
روى الحضرمي بإسناده عن محمّد بن الحنفية رضى الله عنه في قوله تعالى : «سَيَجْعَلُ
لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّا» قال : لا يبقى مؤمن إلاّ في قلبه ودّ لعلي وأهل بيته(3).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال أخبرنا الحسن بن علي الجوهري بإسناده المذكور عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ» . قال : نزلت في علي خاصّة . «وَتُنذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا» نزلت في بني أُميّة وبني المغيرة(4).
يعرف إيمان امرئٍ بودّه
والعمل الصالح رمز حبّه
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص51 :
قال يوما محمّد لعلي
قل ينجوى لصفوة الأصفياء
ربّي اجعل لي منك ؟؟؟ وودّا
في صدور الأبرار والأتقياء
؟؟؟ سيجعل اللّه ودّا
لعلي في أنفس الأزكياء
ص: 314
«وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى»
سورة طه
وفي مجمع البيان : عن ابن عبّاس ، عن أبي ذرّ الغفاري قال : صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما من الأيّام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي عليه السلام راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانا
ص: 315
فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا» اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك ، اللهمّ فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليا أخي ، أُشدد به ظهري ، قال أبو ذرّ : فواللّه ما استتمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الكلمة حتّى نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند اللّه فقال : يامحمّد اقرأ ، قال : وما أقرأ ؟ قال : اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
وفي قرب الإسناد للحميري : وبإسناده إلى جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : وقف النبي صلى الله عليه و آله بمعرج(2) ثمّ قال : اللهمّ إنّ عبدك موسى دعاك فاستجبت له ، وألقيت عليه محبّة منك ، وطلب منك أن تشرح له صدره وتيسّر له أمره وتجعل له وزيرا من أهله وتحلّ العقدة في لسانه ، وأنا أسألك بما سألك به عبدك موسى عليه السلام أن تشرح لي صدري وتيسّر أمري ، وتجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي(3).
وفي إرشاد المفيد رحمه الله : أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا أراد الخروج إلى غزوة تبوك إستخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجره ، فقال له : ياعلي إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك ، فحسده أهل النفاق ، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النبي صلى الله عليه و آله ، وعلموا أنّها تتحرّس به ولا يكون للعدو فيها مطمع ، فساءهم ذلك لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاف عند خروج النبي صلى الله عليه و آله عنها ، فأرجفوا به عليه السلام وقالوا : لم يستخلفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إكراما له ولا إجلالاً ومودّة ، وإنّما استخلفه استثقالاً له ، فلمّا بلغ أمير المؤمنين عليه السلام إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار
ص: 316
فضيحتهم ، فلحق بالنبي صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتني استثقالاً ومقتا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إرجع ياأخي إلى مكانك فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك ، وأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله ، حدّثنا محمّد بن الحسن الخثعمي ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن علي بن هاشم ، عن عمرو بن حريث ، عن عمران بن سليمان ، عن حصين الثعلبي ، عن أسماء بنت عميس قالت : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإزاء ثبير وهو يقول : أشرق ثبيرا أشرق ثبيرا ، اللهمّ إنّي أسألك ما سألك أخي موسى عليه السلام أن تشرح لي صدري ، وأن تيسّر لي أمري ، وأن تحلّل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، وأن تجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أُشدد به أُزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيرا ، ونذكرك كثيرا ، إنّك كنت بنا بصيرا(2).
وفيه : روى أبو نعيم الحافظ بإسناده عن رجاله ، عن ابن عبّاس قال : أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وبيدي ونحن بمكّة ، وصلّى أربع ركعات ، ثمّ رفع يديه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّ نبيّك موسى بن عمران سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ...» الآية وأنا محمّد نبيّك أسألك ربّ اشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليا أُشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، قال ابن عبّاس : فسمعت مناديا ينادي : قد
ص: 317
أُوتيت ما سألت(1).
وفيه وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله ، عن رجاله مسندا إلى الفضل بن شاذان ، يرفعه إلى بريدة الأسلمي قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي إنّ اللّه تعالى أُشهدك معي سبعة مواطن : أمّا أوّلهنّ فليلة أُسري بي إلى السماء ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك ؟ قلت : ودّعته خلفي ، قال : فادع اللّه فليأتك به ، فدعوت اللّه فإذا أنت معي وإذا الملائكة صفوف وقوف ، فقلت : من هؤلاء ياجبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الملائكة يباهيهم اللّه بك ، فأذن لي فنطقت بمنطق لم ينطق الخلائق بمثله ، نطقت بما خلق اللّه وبما هو خالق إلى يوم القيامة .
والموطن الثاني : أتاني جبرئيل فأسرى بي إلى السماء ، فقال لي : أين أخوك ؟ قلت : ودّعته خلفي ، قال : فادع اللّه فليأتك به ، فدعوت اللّه عزّوجلّ فإذا أنت معي ، فكشط اللّه لي عن السماوات السبع والأرضين السبع حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها ، فلم أرَ من ذلك شيئا إلاّ وقد رأيته .
والموطن الثالث : ذهبت إلى لجنّ ولست معي ، فقال جبرئيل : أين أخوك قلت : ودّعته خلفي ، فقال : فادع اللّه فيأتك به ، فدعوت اللّه عزّوجلّ فإذا أنت معي ، فلم أقل لهم شيئا ولم يردّوا عليَّ شيئا إلاّ وقد سمعته وعلمته .
والموطن الرابع : إنّي لم أسأل اللّه شيئا إلاّ أعطانيه فيك إلاّ النبوّة فإنّه قال : يامحمّد خصّصتك بها .
والموطن الخامس : خُصصنا بليلة القدر وليست لغيرنا .
ص: 318
والموطن السادس : أتاني جبرئيل فأسرى بي إلى السماء ، فقال لي : أين أخوك ؟ قلت : ودّعته خلفي ، قال : فادع اللّه عزّوجلّ فليأتك به ، فدعوت اللّه عزّوجلّ فإذا أنت معي .
فأذّن جبرئيل فصلّيت بأهل السماوات جميعا وأنت معي .
والموطن السابع : إنّا نبقى حين لا يبقى أحد ، وهلاك الأحزاب بأيدينا .
حدّثني أبو عبداللّه الحسين بن محمّد الحلبي قال : حدّثنا عبداللّه بن إبراهيم بن علي قال : حدّثنا محمّد بن عمرو بن حمدويه بن مهران التمّار ، قال : حدّثنا أحمد بن كثير الواسطي قال : حدّثنا نصر بن منصور قال : حدّثنا مهدي بن عمران ، عن أبي الطفيل :
عن حذيفة بن أسيد قال : أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد علي بن أبي طالب فقال : أبشر وأبشر ، إنّ موسى دعا ربّه أن يجعل له وزيرا من أهله هارون ، وإنّي أدعو ربّي أن يجعل لي وزيرا من أهلي علي أخي أشدد به ظهري وأشركه في أمري(1).
رواية الصحابية أسماء بنت عميس :
أخبرنا عبدالرحمان بن الحسن قال : أخبرنا محمّد بن إبراهيم المؤدّب ، قال :
ص: 319
حدّثنا مطين قال : حدّثنا عبّاد بن يعقوب قال : أخبرنا علي بن عابس ، عن الحارث بن حصيرة عن القاسم بن جندب - قال مطين : هو أبو جندب ، وكذا قال عبّاد - قال : سمعت رجلاً من خثعم يقول : سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أُشدد به أزري وأشركه في أمري - إلى قوله : - بصيرا »(1).
ورواه أيضاً الصباح بن يحيى المزني عن الحرث كما في كتاب العياشي وكتاب
ص: 320
فرات(1).
ص: 321
ورواه أيضاً حصين بن يزيد عن أسماء(1).
حدّثني علي بن موسى بن إسحاق ، عن محمّد بن مسعود بن محمّد المفسّر قال : حدّثنا نصر بن محمّد البغدادي قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبدالملك بن أبي
ص: 322
الزاهرية الكوفي(1) قال : حدّثنا أحمد بن المفضّل قال : حدّثنا جعفر الأحمر ، عن عمران بن سليمان(2) عن حصين :
عن أسماء بنت عميس قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أقول كما قال أخي موسى : «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي» عليا أخي .
أخبرنا عقيل بن الحسين قال : أخبرنا علي بن الحسين ، قال : حدّثنا محمّد بن عبيداللّه قال : حدّثنا عبدويه بن محمّد بشيراز ، قال : حدّثنا سهل بن نوح بن يحيى ،
ص: 323
أنبأنا يوسف بن موسى القطّان(1) عن وكيع ، عن سفيان ، عن الحرث بن حصيرة ، عن القاسم بن جندب ، قال : سمعت عطاء يقول : سمعت ابن عبّاس يقول : سمعت أسماء بنت عميس تقول :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : اللهمّ إنّي أقول كما قال موسى بن عمران اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أُشدد به أزري - يعني ظهري - وأشركه في أمري ويكون لي صهرا وختنا(2).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص223 :
قال إنّي دعوت ربّي
فاستجاب الرحمن منّي دعائي
ربّي اجعل من أهل بيتي كموسى
لي وزيرا من خيرة الوزراء
فحباني ربّي وقد شدّ أزري
بعلي فكان خير حباء
ص: 324
«وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى»
سورة طه
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياأيّها الناس اتّبعوا هدى اللّه تهتدوا وترشدوا ، وهو هداي ، وهداي وهدى علي بن أبي طالب ، فمن اتّبع هداه في حياتي وبعد موتي فقد اتّبع هداي ، ومن اتّبع هداي فقد اتّبع هدى اللّه ، ومن اتّبع هدى اللّه فلا يضلّ ولايشقى .
قال : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ» في عداوة آل محمّد «وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى» . ثمّ قال اللّه عزّوجلّ : «أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاِوْلِي النُّهَى» وهم الأئمّة من آل محمّد ؛ وما كان في القرآن مثلها . ويقول اللّه عزّوجلّ :
ص: 325
«وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاما وَأَجَلٌ مُسَمّىً * فَاصْبِرْ»يامحمّد نفسك وذرّيتك «عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» .
وروي أيضا عن محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسين بن عبدالرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا» قال : يعني به ولاية أمير المؤمنين عليه السلام . قال : قلت : «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» قال : أعمى البصر في الآخرة وأعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهو متحيّر في الآخرة يقول : «رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى» يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمّة ولم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم . وقال : قلت : «وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ» قال : من أسرف في عداوة أمير المؤمنين واتّبع غيره ، وترك ولايته وولاية الأئمّة معاندة ، ولم يتّبع آثارهم ولم يتولّهم(1)-(2).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن علي قال : قال رسول اللّه للمهاجرين والأنصار « أحبّوا عليا لحبّي وأكرموه لكرامتي ، واللّه ما قلت لكم هذا من قبلي ولكن اللّه تعالى أمرني بذلك ، ويامعشر العرب من أبغض عليا من بعدي حشره اللّه يوم القيامة أعمى ليس له حجّة »(3).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس في قول اللّه تعالى : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
ص: 326
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» « إنّ من ترك ولاية علي أعماه اللّه وأصمّه »(1).
إنّ من أعرضوا عن الحقّ ذكري
وهو صدق يضلّه وجفاء
فلهم عندنا معيشة ضنك
وعمىً في صعيد يوم الجزاء
آية أُنزلت عليّ بحقّ
فهي نصّ في سيّد الأوصياء
ص: 327
«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»
سورة الأنبياء
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه اللهحدّثنا حميد بن زياد بإسناده يرفعه إلى أبي جميلة ، عن عمر بن رشيد ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في حديث أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله: قال : إنّ عليا وشيعته يوم القيامة على كثبان(1) المسك الأزفر يفزع الناس ولا يفزعون ، ويحزن الناس ولا يحزنون ، وهو قول اللّه عزّوجلّ :
«لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» .
وروى الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه رحمه الله ، عن أبيه قال : حدّثني سعد بن عبداللّه بإسناده يرفعه إلى أبي بصير ، عن أبي عبداللّه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين
ص: 328
(صلوات اللّه عليهم أجمعين) قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي بشّر إخوانك بأنّ اللّه قد رضي عنهم ، إذ رضيتك لهم قائدا ورضوا بك وليا ، ياعلي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ، ياعلي شيعتك المنتجبون ، ولولا أنت وشيعتك ما قام للّه دين ، ولولا من الأرض منكم لما أنزلت السماء قطرها ، ياعلي إنّ بيوتنا كثيرة لك في الجنّة وأنت ذو قرنيها وشيعتك تعرف بحزب اللّه ، ياعلي أنت وشيعتك القائمون بالقسط وخيرة اللّه من خلقه ، ياعلي أنا أوّل من ينفض التراب عن رأسه وأنت معي ثمّ سائر الخلائق ، ياعلي أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظلّ العرش ، يفزع الناس ولا تفزعون ، ويحزن الناس ولا تحزنون ، وفيكم نزلت هذه الآيات : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(1)-(2).
قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا أبو جعفر الحسن بن علي بن الوليد الفسويّ(3) بإسناده عن النعمان بن بشير قال : كنّا ذات ليلة عند علي بن أبي طالب عليه السلام سُمّارا(4) إذ قرأ هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى»
فقال : أنا منهم . وأُقيمت الصلاة فوثب ودخل المسجد وهو يقول : «لاَيَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ
ص: 329
فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ» ثمّ كبّر للصلاة .
وقال أيضا : حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن سهل النيسابوري حدّيثا يرفعه بإسناده إلى ربيع بن بزيع قال : كنّا عند عبداللّه بن عمر فقال له رجل من بني تيم اللّه يقال له حسّان بن رابصة : ياأبا عبدالرحمان لقد رأيت رجلين ذكرا عليا وعثمان فنالا منهما . فقال ابن عمر : إن كانا لعناهما فلعنهما اللّه تعالى . ثمّ قال : ويلكم ياأهل العراق كيف تسبّون رجلاً هذا منزله من منزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله - وأشار بيده إلى بيت علي عليه السلام
في المسجد وقال : فوربّ هذه الحرمة إنّه من الذين سبقت لهم منّا الحسنى ما لها مردود - يعني بذلك عليا عليه السلام -(1).
روى الحافظ الحسكاني الحنفي قال : حدّثني أبو الحسن الفارسي بإسناده المذكور عن علي بن أبي طالب قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
ياعلي فيكم نزلت هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ»(2).
روى السيّد شهاب الدين أحمد بإسناده عن أبي سعيد (رضي اللّه تعالى عنه) « في قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى» قال علي بن أبي طالب عليه السلام : أنا منهم(3).
وروى هو أيضا قال : حدّثونا عن أبي بكر السبيعي (بإسناده المذكور) عن أبي عمر النعمان بن بشير - وكان من سمار علي .
ص: 330
أنّ عليا قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي فيكم نزلت : «لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا»(1).
وروى هو أيضا عن أبي الحسن الفارسي ، بإسناده المذكور عن علي أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
ياعلي فيكم نزلت : «لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» .
الناس يطلبون في الموقف ، وأنتم في الجنان تتنعّمون(2).
في علي وحزبه نزلت
آيةُ السبق في سورة الأنبياء
وهو الآمنون يومئذ
رويت هكذا عن الأصفياء
ص: 331
«إِنَّ اللّه َ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُو وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ»
سورة الحجّ
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن أورمة ، عن علي بن حسّان ، عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله :
«وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ» فإنّ ذلك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذرّ والمقداد بن الأسود وعمّار ، هدوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : إنّ قوله تعالى : «هَذَانِ خَصْمَانِ»
- إلى قوله - «الْحَرِيقِ» نزلت في شيبة وعتبة والوليد من أهل بدر على ما يأتي بيانه ، وقوله : «إِنَّ اللّه َ يُدْخِلُ الَّذِينَ»- إلى قوله - «صِرَاطِ الْحَمِيدِ» نزلت في علي عليه السلام وحمزة وعبيدة يوم بدر على ما يأتي تأويله ، وهو ما رواه محمّد بن العبّاس رحمه الله ، عن إبراهيم بن
ص: 332
عبداللّه بن مسلم ، عن حجّاج بن المنهال بإسناده ، عن قيس بن عبّاد ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال : أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي الرحمان وقال قيس : وفيهم نزلت هذه الآية : «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» وهم الذين تبارزوا يوم بدر علي عليه السلام وحمزة وعبيدة وشيبة وعتبة والوليد(1).
وروى محمّد بن يعقوب رحمه الله ، عن علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا» بولاية علي والأئمّة «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ»(2)-(3).
أخبرنا محمّد بن عبداللّه الصوفي قال : أخبرنا محمّد بن أحمد الحافظ ، قال : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى بن أحمد قال : حدّثني محمّد بن عبدالرحمان بن الفضل قال : حدّثنا جعفر بن الحسين الكوفي قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا محمّد بن يزيد مولى أبي جعفر : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه في قوله تعالى : «إِنَّ اللّه َ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا» - إلى قوله - «صِرَاطِ الْحَمِيدِ»قال : ذلك علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وسلمان وأبو ذرّ ، والمقداد(4).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص346 :
ص: 333
يدخل المؤمنين جنّات تجري
كلّ أنهارها أعذب ماء
وهداهم نصيب القول منه
وهداهم إلى صراط ؟؟؟
في علي وفي ؟؟؟ شعّث
بناها وسيّد الشهداء
؟؟؟
خيرة الأولياء
ص: 334
«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمْ اللّه ُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّه ُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»
سورة النور
أنّه سئل عن النبي صلى الله عليه و آله لمّا قرأ الآية أي بيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء فقام أبو بكر فقال : يارسول اللّه هذا البيت منها لبيت علي وفاطمة ؟ قال : نعم من أفاضلها .
ويعضد هذا القول قوله : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا» وقوله : «رَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» والأحاديث الآتية والتنكير في البيوت للتعظيم(1).
ص: 335
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن همام قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال : حدّثنا القاسم بن الربيع ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» قال : هي بيوت الأنبياء وبيت علي منها(1).
وفي عيون الأخبار في الزيارة الجامعة لجميع الأئمّة عليهم السلامالمنقولة عن الجواد عليه السلام : خلقكم اللّه أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتّى منّ علينا بكم فجعلكم اللّه في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : قال محمّد بن الحسن بن علي ، عن أبيه قال : حدّثنا أبي ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن محمّد بن الفضيل قال :
سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» قال : بيوت محمّد رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ثمّ بيوت علي عليه السلام فيها(3).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا محمّد بن همام ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عيسى بن داود قال : حدّثنا الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام في قول اللّه عزّوجلّ : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ» قال : بيوت آل محمّد علي عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر عليهم السلام قلت : «بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ» ؟ قال : الصلاة في أوقاتها ، فقال : ثمّ وصفهم اللّه تعالى : «رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقَامِ
ص: 336
الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» قال : هم الرجال لم يخلط اللّه معهم غيرهم ، ثمّ قال : «لِيَجْزِيَهُمْ اللّه ُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» قال : اختصّهم به من المودّة والطاعة المفروضة وصيّر مأواهم الجنّة واللّه يرزق من يشاء بغير حساب(1)-(2).
حدّثني أبو بكر ابن أبي الحسن الحافظ أنّ عمر بن الحسن بن علي بن مالك أخبرهم قال : حدّثنا أحمد بن الحسن الخزّاز قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا حصين بن مخارق ، عن بحر المسلي ، عن أبي داود :
عن أبي برزة(3) قال : قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ» وقال : هي بيوت النبي صلى الله عليه و آله . قيل : يارسول اللّه أبيت علي وفاطمة منها ؟ قال : من أفضلها .
حدّثني أبو عبداللّه الدينوري قال : حدّثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني قال : حدّثنا المنذر بن محمّد القابوسي قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عمّي قال : حدّثنا الحسين بن سعيد ،
قال : حدّثني أبي ، عن أبان بن تغلب ، عن نُفَيع بن الحارث :
عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا : قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذه الآية : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ» - إلى قوله - «وَالْأَبْصَارُ» فقام رجل فقال : أيّ بيوت هذه
ص: 337
يارسول اللّه ؟ فقال : بيوت الأنبياء . فقام إليه أبو بكر فقال : يارسول اللّه هذا البيت منها ؟ - لبيت علي وفاطمة - قال : نعم من أفضلها(1).
حدّثني أبو الحسن الصيدلاني وأبو القاسم بن أبي الوفاء العدناني ، قالا : حدّثنا أبو محمّد بن أبي حامد الشيباني قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي دارم بالكوفة
ص: 338
قال : حدّثنا المنذر بن محمّد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عمّي عن أبان بن تغلب ، عن نُفَيع بن الحرث :
عن أنس بن مالك ، وعن بريدة قالا : قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذه الآية : «فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ» - إلى قوله «وَالْأَبْصَارُ» فقام إليه رجل فقال : يارسول اللّه أي بيوت
هذه ؟ قال : بيوت الأنبياء . فقام إليه أبو بكر فقال : يارسول اللّه هذا البيت منها ؟ - لبيت علي وفاطمة - قال : نعم من أفاضلها .
لفظ أبي القاسم ما أصلحت وكتبته من أصل سماعه بخط أبي حاتم(1).
قال الفرطوسي ج1 ص157 :
؟؟؟ المرويّات عنهم
أربع صرّحت بغير خفاء
في بيوت يذكر فيها
بفم الذكر أفضل الأسماء
إنّ خير البيوت بيت علي
وهي تعزى لصفوة الأنبياء
ص: 339
«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرا»
سورة الفرقان
وفي كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : الأواني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تقلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، أنا الصهر بقول اللّه عزّوجلّ : «هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا»(1). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
في أمالي شيخ الطائفة قدس سره : بإسناده إلى أنس بن مالك قال : ركب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم بغلته فانطلق إلى جبل آل فلان فنزل وقال : ياأنس خذ هذه البغلة وانطلق إلى موضع كذا وكذا تجد عليا جالسا يسبّح بالحصى فاقرأه منّي السلام واحمله على البغلة وأت به إليّ قال : أنس : فذهبت فوجدت عليا عليه السلام قال : فحملته على البغلة وأتيت به إليه ، فلمّا بصر برسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : السلام عليك يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : وعليك السلام ياأبا الحسن اجلس ، فإنّ هذا مكان جلس فيه سبعون
ص: 340
مرسلاً ما جلس فيه أحد من الأنبياء إلاّ وأنا خير منه ، وقد جلس في موضع كلّ نبي أخ له ما جلس من الأُخوة أحد إلاّ وأنت خير منه ، قال أنس : فنظر إلى سحابة قد أظلّتهما ، ودنت من رؤوسهما فمدّ النبي صلى الله عليه و آله يده إلى السحابة فتناول منها عنقود عنب ، فجعله بينه وبين علي ، وقال : كل ياأخي هذه هدية من اللّه تعالى إليّ ثمّ إليك ، قال أنس : قلت : يارسول اللّه علي أخوك ؟ قال : نعم علي أخي ، فقلت : يارسول اللّه صف لي كيف علي أخوك ؟ قال : إنّ اللّه عزّوجلّ خلق ماءً تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام ، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم ، فلمّا خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه اللّه تعالى ، ثمّ نقله إلى صلب شيث ، فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر إلى ظهر حتّى صار في عبدالمطّلب ، ثمّ شقّه عزّوجلّ نصفين فصار نصفه في عبداللّه بن عبدالمطّلب ونصف في أبي طالب ، فأنا من نصف الماء وعلي من النصف الآخر ، فعلي أخي في الدنيا والآخرة ، ثمّ قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرا»(1).
ص: 341
وفي روضة الواعظين للفتال النيسابوري : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خلق اللّه عزّوجلّ نطفة مكنونة ، فنقلها من صلب إلى صلب حتّى نقلت النطفة إلى صلب عبدالمطّلب ، فجعل نصفين فصار نصفها في عبداللّه ونصفها في أبي طالب ، فأنا من عبداللّه وعلي من أبي طالب ، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرا»(1).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : وخطب النبي صلى الله عليه و آله على المنبر في تزويج فاطمة خطبة رواها يحيى بن معين في أماليه وابن بطّة في الابانة بإسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا ورويناها عن الرضا عليه السلام فقال : الحمد للّه المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع في سلطانه ، المرغوب إليه فيما عنده ، المرهوب من عذابه ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الذي خلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه تعالى جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا معترضا ، وشجّ به الأرحام وألزمها الأنام ، قال اللّه تعالى : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا» ، ثمّ إنّ اللّه تعالى أمرني أن أُزوّج فاطمة من علي وقد زوّجتها إيّاه على أربعمائة مثقال فضّة أرضيت ياعلي ؟ قال : رضيت يارسول اللّه (2).
وفي مجمع البيان : قال ابن سيرين : نزلت في النبي صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، زوّج فاطمة عليا فهو ابن عمّه ، وزوّج ابنته فكان نسبا وصهرا(3).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا علي بن عبداللّه بن أسد ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن أحمد بن معمّر الأسدي ، عن الحسن بن محمّد الأسدي ، عن الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس قال : قوله عزّوجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا»نزلت في النبي وعلي (صلّى اللّه عليهما) زوّج النبي صلى الله عليه و آله عليا ابنته وهو ابن عمّه فكان له نسبا وصهرا(4).
ص: 342
وقال أيضاً : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى قال : حدّثنا المغيرة بن محمّد ، عن رجاء بن سلمة ، عن نائل بن نجيح ، عن معمّر بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس في هذه الآية قال : خلق اللّه آدم وخلق نطفة من الماء فمزجها بنوره ، ثمّ أودعها آدم ، ثمّ أودعها ابنه شيث ، ثمّ انونش ، ثمّ قينان ثمّ أبا فأبا حتّى أودعها إبراهيم عليه السلام ، ثمّ أودعها إسماعيل عليه السلام ، ثمّ أُما فأُما وأبا فأبا من طاهر الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام حتّى صارت إلى عبدالمطّلب ، فانفرق ذلك النور فرقتين : فرقة إلى عبداللّه فولد محمّدا صلى الله عليه و آله ، وفرقة إلى أبي طالب فولد عليا عليه السلام ، ثمّ ألف اللّه النكاح بينهما فزوّج اللّه عليا بفاطمة عليهماالسلام ، فذلك قوله عزّوجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرا»(1)-(2).
أخبرونا عن ابن عقدة قال : حدّثنا محمّد بن منصور ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدالرحمان قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن فرقد الأسدي قال : حدّثنا الحكم بن ظهير قال : حدّثنا السدي في قوله : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرا»قال : نزلت في النبي صلى الله عليه و آله وعلي ، زوّج فاطمة عليا وهو ابن عمّه وزوّج ابنته ، كان نسبا وكان صهرا .
وأخبرونا عن أبي بكر السبيعي قال : حدّثنا علي بن العبّاس المقانعي قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسين قال : حدّثنا محمّد بن عمرو قال : حدّثنا حسين الأشقر قال : حدّثنا أبو قتيبة التيمي(3) قال :
ص: 343
سمعت ابن سيرين يقول : «فَجَعَلَهُ نَسَبا وَصِهْرا» قال : هو علي بن أبي طالب(1)-(2).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص164 :
نسب طاهر وصهر زكي
هو زوج الزكيّة الزهراء
آية أُنزلت من اللّه فيه
فهي نصّ لأكرم الأصفياء
وعلي الكرّار صهر كريم
وابن عمّ لخاتم الأنبياء
قد أفاضت من الروايات عنهم
أربع للضما خير رواء
ص: 344
«وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما»
سورة الفرقان
حدّثني محمّد بن أحمد قال حدّثنا الحسن بن أحمد ، عن حمّاد ، عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» ؟ قال : نحن هم أهل البيت(1).
وروى غيره أنّ « أزواجنا » خديجة « وذرّياتنا » فاطمة عليهاالسلام « وقرّة أعين » الحسن والحسين عليهماالسلام « واجعلنا للمتّقين إماما » علي بن أبي طالب والأئمّة (صلوات
اللّه عليهم) انتهى(2).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : أبو الفضل بن دكين ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ...» الآية قال : هذه الآية واللّه خاصّة في أمير
ص: 345
المؤمنين علي عليه السلام ، قال : كان أكثر دعائه يقول : «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا»يعني فاطمة عليهاالسلام «وَذُرِّيَّاتِنَا» الحسن والحسين عليهماالسلام «قُرَّةَ أَعْيُنٍ» قال أمير المؤمنين : واللّه ما سألت ربّي ولدا نظير الوجه ولا سألته ولدا حسن القامة ، ولكن سألت ربّي ولدا مطيعين خائفين وجلين منه حتّى إذا نظرت إليه وهو مطيع للّه قرّت به عيني قال : «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» قال : نقتدي بمن قبلنا من المتّقين فيقتدي المتّقون بنا من
بعدنا(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه اللهحدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن حريث بن محمّد الحارثي ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس قال : قوله : «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا ...» الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام(2).
وقال أيضا محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا محمّد بن القاسم بن سلام ، عن عبيد بن كثير ، عن الحسين بن مزاحم ، عن علي بن زيد الخراساني ، عن عبداللّه بن وهب الكوفي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري في قول اللّه عزّوجلّ : «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما»قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لجبرئيل عليه السلام : من «أَزْوَاجِنَا» ؟ قال : خديجة ، قال : «وَذُرِّيَّاتِنَا»
؟ قال : فاطمة (صلوات اللّه عليها) ، قال : «قُرَّةَ أَعْيُنٍ»
؟ قال : الحسن والحسين عليهماالسلام ، قال : «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» ؟ قال : علي بن أبي طالب (صلّى اللّه عليهم أجمعين) صلاة
ص: 346
فرات قال : حدّثني علي بن حمدون قال : حدّثنا علي بن محمّد بن مروان قال : حدّثنا علي بن يزيد ، عن جرير ، عن عبداللّه بن وهب ، عن أبي هارون :
عن أبي سعيد في قوله تعالى : «هَبْ لَنَا» الآية قال : قال النبي صلى الله عليه و آله قلت : ياجبرئيل من أزواجنا ؟ قال : خديجة . قال : ومن ذرّياتنا ؟ قال : فاطمة . وقرّة أعين ؟ قال : الحسن والحسين . قال «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» ؟ قال : علي
عليه السلام(3).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص212 :
هب لنا في العطاء قرّة عين
من خيار الأزواج والأبناء
آية قد تنزّلت في علي
حينما قد دعا بهذا الدعاء
ص: 347
«وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ»
سورة الشعراء
وفي شرح الآيات الباهرة : روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه أراد به النبي صلى الله عليه و آله وروي عنه عليه السلام أنّه أراد به عليا عليه السلام قال : إنّه عرضت على إبراهيم ولاية علي بن أبي طالب قال : اللهمّ اجعله من ذرّيتي ففعل اللّه ذلك(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله : في قوله عزّوجلّ : «وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاْخِرِينَ» قال : هو أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه)(2).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل في آخره بيان ما جرى منه عليه السلام أيّام تزويج فاطمة عليهاالسلام من علي عليه السلام وفيه : وسأل عليا كيف وجدت أهلك ؟ قال : نعم العون على طاعة اللّه ، وسأل فاطمة فقالت : خير بعل فقال : اللهمّ اجمع شملهما وألّف بين قلوبهما واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة
ص: 348
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص201 :
ربّي اجعل لسان صدق عليّا
لي في الآخرين من أوليائي
جاء إنّ اللسان فيها علي
لخليل الرحمن عند الدعاء
ص: 349
وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
سورة الشعراء
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قال : نزلت : « ورهطك منهم المخلصين » ، قال : نزلت بمكّة ، فجمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني هاشم وهم أربعون رجلاً كلّ واحد منهم يأكل الجذع ويشرب القربة فاتّخذ لهم طعاما يسيرا بحسب ما أمكن فأكلوا حتّى شبعوا ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: من يكون وصيّي ووزيري وخليفتي ؟ فقال أبو لهب : جزما سحركم محمّد فتفرّقوا ، فلمّا كان اليوم الثاني أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ففعل بهم مثل ذلك ، ثمّ سقاهم اللبن حتّى رووا ، فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وخليفتي ؟ فقال أبو لهب : جزما سحركم محمّد فتفرّقوا ، فلمّا كان اليوم الثالث أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ففعل لهم مثل ذلك ، ثمّ سقاهم اللبن ، فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وينجز عداتي ويقضي دَيني ؟ فقام علي (صلوات اللّه عليه) وكان أصغرهم سنّا وأحمشهم ساقا وأقلّهم مالاً ، فقال : أنا يارسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت هو(1).
وفي كتاب علل الشرائع : بإسناده إلى عبداللّه بن الحارث بن نوفل ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : لمّا نزلت : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» أي رهطك المخلصين
ص: 350
دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني عبدالمطّلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً يزيدون رجلاً وينقصون رجلاً ، فقال : أيّكم أخي ووارثي ووزيري ووصيّي وخليفتي فيكم بعدي ؟ فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً كلّهم يأبى ذلك حتّى أتى علي ، فقلت : أنا يارسول اللّه ، فقال النبي لبني عبدالمطّلب : هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ، فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا الغلام(1).
وفي مجمع البيان : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» وفي الخبر المأثور عن البراء بن عازب أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني عبدالمطّلب وهم يومئذ أربعون رجلاً الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس(2)، فأمر عليا عليه السلام برجل شاة فأدمها ، قال : ادنوا بسم اللّه فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتّى صدروا ، ثمّ دعا بقعب(3) من لبن فجرع منه جرعة ، ثمّ قال : لهم اشربوا بسم اللّه فشربوا حتّى رووا ، فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما سحركم به الرجل ، فسكت صلى الله عليه و آله يومئذ ولم يتكلّم ، ثمّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ، ثمّ أنذرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يابني عبدالمطّلب إنّي أنا النذير إليكم من اللّه عزّوجلّ والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا ، ثمّ قال : من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيّي من بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي دَيني ؟ فسكت القوم فأعادها ثلاثا كلّ ذلك سكت القوم ، ويقول علي عليه السلام أنا ، فقال : في المرّة الثالثة أنت ، فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع
ص: 351
ابنك فقد أُمّر عليك(1).
وأورده الثعلبي في تفسيره ، وروى عن أبي رافع هذه القصّة وأنّه جمعهم في الشعب ، فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتّى تضلّعوا وسقاهم عسا فشربوا كلّهم حتّى رووا ، ثمّ قال : إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم عشيرتي ورهطي ، وإنّ اللّه لم يبعث نبيا إلاّ جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيّا وخليفة في أهله ،فأيّكم يقوم ويبايعني على أنّه أخي ووارثي ووزيري ووصيّي ، ويكون منّي بمنزلة هارون من موسى فقال علي عليه السلام : أنا ، فقال : ادن منّي دنا منه ففتح فاه ومجّ في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه ، فقال أبو لهب : فبئس ما حبوت به(2) أين عمّك إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا ، فقال صلى الله عليه و آله : ملأته حكمة وعلما(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله : « ورهطك منهم المخلصين » قال : علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) وحمزة وجعفر والحسن والحسين والأئمّة من آل محمّد (صلوات اللّه عليهم)(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس رحمه الله ، عن محمّد بن الحسين الخثعمي ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن الحسن بن حمّاد ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّوجلّ : « ورهطك منهم المخلصين »(5) قال : علي وحمزة وجعفر
ص: 352
والحسن والحسين وآل محمّد (صلوات اللّه عليهم) خاصّة(1)-(2). (3)حدّثني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمّد بن علي بن عبداللّه ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري(4) قال : حدّثنا عبّاد بن يعقوب قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن صباح بن يحيى المزني ، عن زكريا بن ميسرة ، عن أبي
ص: 353
إسحاق :
عن البراء قال : لمّا نزلت : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني عبدالمطّلب وهم يومئذ أربعون رجلاً ، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العسّ ، فأمر عليا برجل شاة فآدمها ثمّ قال : ادنوا بسم اللّه . فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتّى صدروا ، ثمّ دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثمّ قال لهم : اشربوا ببسم اللّه .
فشرب القوم حتّى رووا فبدرهم أبو لهب فقال : هذا ما أسحركم به الرجل(1)!!! فسكت النبي صلى الله عليه و آله يومئذ فلم يتكلّم ، ثمّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثمّ أنذرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يابني عبدالمطّلب إنّي أنا النذير إليكم من اللّه عزّوجلّ ، والبشير بما لم يجيء به أحد(2) جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا
ص: 354
وأطيعوني تهتدوا ، ومن يؤاخيني منكم ويؤازرني ؟ ويكون وليّي ووصيّي بعدي
ص: 355
وخليفتي في أهلي ويقضي دَيني ؟ فسكت القوم ، وأعاد ذلك ثلاثا كلّ ذلك يسكت القوم ويقول علي : أنا . فقال : أنت . فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمّره عليك !!!
أقول : ما بين المعقوفين قد أسقطه المبطلون من النسخة الظاهرية - وهو موجود في الأزهرية والحديث رواه أيضا بسنده عن أبي رافع محمّد بن العبّاس بن الماهيار كما في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان : ج3 ص190 .
وقريبا من حديث أبي رافع هذا رواه أيضا الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي عليه السلام تحت الرقم : (137) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج1 ص99 ط2 .
وأشار إليه أيضا البخاري في ترجمة عبّاد بن عبداللّه الأسدي .
وقال ابن عدي في ترجمة عبّاد بن عبداللّه من كتاب الكامل : ج4 ص1649 ، ط بيروت :
وهذا الحديث الذي ذكره البخاري لعبّاد هذا سمع من المنهال بن عمرو ، عن علي عليه السلام : لمّا نزلت : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» .
وأيضا قال ابن عساكر : أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر ، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد بن بندار ، أنبأنا أبو الحسن العتيقي أنبأنا أبو الحسن الدارقطني ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، أنبأنا جعفر بن عبداللّه بن جعفر المحمّدي أنبأنا عمر بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن الحسين :
عن أبي رافع قال : قاعدا بعد ما بايع الناس أبا بكر ، فسمعت أبا بكر يقول
ص: 356
للعبّاس : أُنشدك اللّه هل تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جمع بني عبدالمطّلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعكم دون قريش ؛ فقال : يابني عبدالمطّلب إنّه لم يبعث اللّه نبيّا إلاّ جعل له من أهله أخا ووزيرا ووصيّا وخليفة في أهله ، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي ؟! فلم يقم منكم أحد ، فقال : يابني عبدالمطّلب كونوا في الإسلام رؤوسا ولا تكونوا أذنابا ، واللّه ليقومنّ قائمكم أو لتكوننّ في غيركم ثمّ لتندمنّ ؟! فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعا إليه ، أتعلم هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم !!!
وقال النسائي - في الحديث : (66) من كتاب الخصائص ص86 وفي ط بيروت ص33 :
أخبرنا الفضل بن سهل ، قال : حدّثني عفّان بن مسلم ، قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق :
عن ربيعة بن ناجذ : أنّ رجلاً قال لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه : ياأمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون أعمامك ؟! قال : جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني عبدالمطّلب فصنع لهم مدّا من الطعام فأكلوا حتّى شبعوا وبقيالطعام كما هو كأنّه لم يمسّ ثمّ دعا بغمر فشربوا حتّى رووا وبقي الشراب كأنّه لم يمسّ أو لم يشرب ، فقال : يابني عبدالمطّلب إنّي بعثت إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم وأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟ فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال : إجلس حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ثمّ قال علي فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي .
أقول : ورواه أيضا الطبري في عنوان : « أوّل من آمن برسول اللّه » من تاريخ
ص: 357
ج1 / 1173 / وفي ط الحديث : ج2 ص321 عن زكريا بن يحيى الضرير ، عن عفّان بن مسلم - إلى آخر ما مرّ عن النسائي - ولكن ما في تاريخ الطبري أتمّ وأشمل .
ونقله المتّقي عن الطبري في كنز العمّال تحت الرقم (286) من فضائل علي : ج15 / 100 ، ولكن حذف صدره ؟! وذكره أيضا تحت الرقم (323) باختصار عن أحمد وابن جرير - وصحّحه - والطحاوي وص . وفي ص115 ، تحت الرقم : (334) عن ابن جرير ، ومردويه وأبي حاتم وأبي نعيم والبيهقي في السنن الكبرى ودلائل النبوّة بصورة تفصيلية ، وذكره في ص130 ، تحت الرقم (380) بأخصر منه ، عن ابن مردويه . ورواه أيضا البحراني في الباب : (31) من كتاب غاية المرام ص329 .
ورواه أيضا محمّد بن العبّاس في تفسير الآية الكريمة في كتابه : « ما نزل في علي من القرآن » كما في أواسط الباب الثاني من كتاب سعد السعود : ص104 ط1 قال :
حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري قال : حدّثنا محمّد بن جرير ، قال : حدّثني زكريا بن يحيى قال : حدّثني عفّان بن مسلم .
وحدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب قال : حدّثني جدّي قالوا أخبرنا عفّان .
وحدّثنا عبدالعزيز بن يحيى قال : حدّثنا موسى بن زكريا ، حدّثنا عبدالواحد بن غياث قالا حدّثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد :
أنّ رجلاً قال لعلي : ياأمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك العبّاس ؟ قال علي : هاؤم قالها ثلاث مرّات حتّى اشرأبّ الناس ونشروا آذانهم ثمّ قال :
جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله - أو دعا رسول اللّه - بني عبدالمطّلب كلّهم يأكل الجذعة
ص: 358
ويشرب الفرق فصنع لهم مدّا من طعام فأكلوا حتّى شبعوا وبقى الطعام كما هو كأنّه لم يمسّ ثمّ دعا بغمر فشربوا منه حتّى رووا وبقي الشراب كأنّه لم يمسّ ولم يشرب منه فقال : يابني عبدالمطّلب إنّي بعثت إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيت فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه - وكنت أصغر القوم سنّا - فقال : اجلس . قال : ثمّ قال ثلاث مرّات كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس حتّى كانت الثالثة ضرب يده على يدي فقال : أنت . فقال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي(1)!!
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص40 :
قال طه غداة أُوحي إليه
قم وأنذر عشيرة الأقرباء
من وصيّي منكم وقاضي ديوني
وعداتي من سائر الغرماء
وهو يمسي في جنّة الخلد صنوي
وهو بعدي من أفضل الخلفاء
فغداهم ؟؟؟ طويل وكانوا
أربعينا من خيرة العظماء
وهو نودي بعد المقال ثلاثا
بثلاث من سيّد الأوصياء
أنا للأمر ضامن ووليّ
ووصي ياخاتم الأنبياء
وردتنا من الروايا خمس
عنهم في ثبوت عهد الولاء
ص: 359
«وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ»
سورة النمل
تأويله : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا جعفر بن محمّد الحلبي ، عن عبداللّه بن محمّد الزيّات ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن مفضّل بن صالح ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه الجدليّ قال : دخلت على علي عليه السلام يوما فقال : أنا دابّة الأرض .
وقال : حدّثنا علي بن أحمد بن حاتم ، عن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، عن خالد بن مخلّد ، عن عبدالكريم بن يعقوب الجعفي ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه الجدلي قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ألا أُحدّثك ثلاثا قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل ؟ قلت : بلى . قال : أنا عبداللّه ، وأنا دابّة الأرض صدقها وعدلها ، وأخو نبيّها . ألا أُخبرك بأنف المهدي وعينيه ؟ قال : قلت : بلى . قال : فضرب بيده إلى صدره وقال : أنا .
وقال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن الفقيه ، عن أحمد بن عبيد بن ناصح ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : دخلت على
ص: 360
أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزا وخلاًّ وزيتا . فقلت : ياأمير المؤمنين قال اللّه عزّوجلّ : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ» فما هذه الدابّة ؟ قال : هي دابّة تأكل خبزا وخلاًّ وزيتا .
وقال أيضا : حدّثنا الحسن بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن سماعة بن مهران ، عن المفضّل بن مزيد ، عن الأصبغ بن نباتة قال : قال لي معاوية : يامعشر الشيعة تزعمون أنّ عليا دابّة الأرض ؟ فقلت : نحن نقول ، واليهود يقولون . قال : فأرسل إلى رأس الجالوت فقال له : كيف - ويحك - تجدون دابّة الأرض عندكم مكتوبة ؟ فقال : نعم . فقال : فما هي ؟ أتدري ما اسمها ؟ قال : نعم ، اسمها إيليا . قال : فالتفت إليّ فقال : ويحك ياأصبغ ما أقرب إيليا من عليّا .
وقال علي بن إبراهيم رحمه الله : وأمّا قوله «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ» فإنّه روي في الخبر أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام . فروي في الخبر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله انتهى إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو راقد في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحرّكه رسول اللّه صلى الله عليه و آله برجله وقال : قم يادابّة الأرض . فقال رجل من أصحابه : يارسول اللّه أيسمّي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال : لا ، واللّه ما هي إلاّ له خاصّة ، وهو الدابّة التي ذكرها اللّه في كتابه ، وهو قوله عزّوجلّ : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ» . ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي إذا كان آخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة ومعك ميسم فتسمّ به أعداءك(1). فليس
ص: 361
هذا الاسم إلاّ لعلي .
وهذا التأويل : يدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يرجع إلى الدنيا إمّا عند ظهور القائم عليه السلام أو قبله أو بعده . وقد ورد بذلك أخبار ودلّت عليه آثار ؛ ويدلّ على الرجعة وصحّتها قوله سبحانه(1).
ص: 362
«أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ»
سورة القصص
قال محمّد بن العبّاس رحمه الله حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن هشام بن علي ، عن إسماعيل بن علي المعلِّم ، عن بدل بن المحبّر ، عن شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن مجاهد قال : قوله عزّوجلّ : «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاَقِيهِ» نزلت في علي وحمزة عليهماالسلام .
ويؤيّده ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي رحمه اللهبإسناده عن رجاله إلى محمّد بن علي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاَقِيهِ» قال : الموعود علي بن أبي طالب عليه السلام وعده اللّه أن ينتقم له من أعدائه فيالدنيا ، ووعده الجنّة له ولأوليائه في الآخرة .
وذكر أبو علي الطبرسي رحمه الله ما يؤيّد الحديث الأوّل في سبب النزول . قال : وقيل : إنّها نزلت في حمزة وفي علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
روى الزرندي بإسناده عن مجاهد في قوله تعالى : «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدا حَسَنا
ص: 363
فَهُوَ لاَقِيهِ» قال : « نزلت في علي وحمزة » «كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» أبو جهل(1).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن عبداللّه بن عبّاس في قول اللّه تعالى «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ» قال : « نزلت في حمزة وجعفر وعلي ، وذلك أنّ اللّه وعدهم في الدنيا الجنّة على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله فهؤلاء يلقون ما وعدهم اللّه في الآخرة . ثمّ قال : «كَمَنْ
مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» وهو أبو جهل بن هشام «ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الُْمحْضَرِينَ» يقول : من المعذّبين(2).
أخرج محمّد بن جرير الطبري في تفسيره الكبير عن مجاهد في هذه الآية الكريمة قال : « نزلت في حمزة وعلي بن أبي طالب وأبي جهل »(3).
ورواه أيضا الواحدي في أسباب النزول(4).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص188 :
أفمن نحن قد وعدناه وعدا
فهو لاقيه عند يوم الجزاء
مثل من قد ؟؟؟ بضلال
من خسيس الدنيا بغير ؟؟؟
ولظى النار في المعاد مصير
لهم دائم بغير انتهاء
وردتنا في حمزة وعلي
وهما خير صفوة الأولياء
وأبي جهل وهو ؟؟؟
وأخبث اللعناء
ص: 364
«الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ»
سورة العنكبوت
قال علي بن إبراهيم رحمه الله : حدّثني أبي ، عن محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا
وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ»قال : جاء العبّاس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : امش حتّى نبايع لك الناس . فقال له : أتراهم فاعلين ؟ قال : نعم . قال : فأين قول اللّه : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ» .
وقال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن حصين بن مخارق ، عن عبداللّه بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن علي ، عن أبيه - صلوات اللّه عليهم - قال : لمّا نزلت «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ» قال : قلت : يارسول اللّه ما هذه الفتنة ؟ قال : ياعلي إنّك مبتلى بك وإنّك مخاصم فأعدّ للخصومة .
وقال أيضا : حدّثنا جعفر بن محمّد الحسني ، عن إدريس بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : فسّر لي عن قوله
ص: 365
عزّوجلّ لنبيّه صلى الله عليه و آله : «لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَىْ ءٌ»(1) فقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان حريصا على أن يكون علي بن أبي طالب عليه السلام من بعده على الناس خليفة ، وكان عند اللّه خلاف ذلك ، فقال - وعنى بذلك قوله عزّوجلّ - : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» قال : فرضي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأمر اللّه عزّوجلّ .
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن سماعة بن مهران قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كان ذات ليلة في المسجد فلمّا كان قرب الصبح دخل أمير المؤمنين عليه السلام فناداه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : ياعلي . قال : لبّيك . قال : هلمّ إليّ . فلمّا دنا منه قال : ياعلي بتُّ الليلة حيث تراني فقد سألت ربّي
ألف حاجة فقضيها لي ، وسألت لك مثلها فقضيها لك ، وسألت لك ربّي أن يجمع لك أُمّتي من بعدي فأبى عليَّ ربّي فقال : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّاوَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ» .
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن الحسين الخثعمي ، عن عيسى بن مهران ، عن الحسن بن الحسين العربي ، عن علي بن أحمد بن حاتم ، عن حسن بن عبدالواحد ، عن حسن بن حسين بن يحيى ، عن علي بن أسباط ، عن السُّدِّي في وقله عزّوجلّ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا» قال : علي وأصحابه «وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»أعداؤه(2).
ص: 366
روى العلاّمة الهندي عبيداللّه بسمل عن ابن مردويه بسنده عن علي - كرّم اللّه وجهه - في قوله تعالى :
«الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ» .
قال قلت : يارسول اللّه ما هذه الفتنة ؟ قال : ياعلي بك وأنت تخاصم فأعد للخصومة(1).
ورواه بهذا المعنى العلاّمة الشافعي ابن حجر الهيثمي وقال : أخرجه البخاري في (صحيحه) في باب (قتل أبي جهل)(2).
وروى العلاّمة البحراني ، عن ابن شهر آشوب عن أبي طالب الهروي بإسناده عن علقمة(3) وأبي أيّوب : أنّه لمّا نزل : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ» الآيات .
ص: 367
ص: 368
قال النبي صلى الله عليه و آله لعمّار : أنّه سيكون من بعدي هناة حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضا ، وحتّى يتبرّأ بعضهم من بعض . فإذا رأيت فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي علي بن أبي طالب وخلّ عن الناس .
ياعمّار : إنّ عليا لا يردّك عن هدى ولا يردّك إلى ردى .
ياعمّار : طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة اللّه (1).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص164 :
قال عن فتنة الورى لعلي
حين ناجاه خاتم الأنبياء
إنّهم يفتنون فيك إختبارا
عند ؟؟؟ بعهد الولاء
ص: 369
«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدا وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدا لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدا»
سورة مريم
وفي حديث آخر : قال : إنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنّة ، عليها رحائل الذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت ، وجلالها(1) الاستبرق والسندس ، وخطامها جدل الأرجوان(2)، وأزمّتهم من زبرجد ، فتطير بهم إلى المحشر ، مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قدّامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم ، وعلى باب الجنّة شجرة ، الورقة منها يستظلّ تحتها مائة ألف من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية فيسقون منها شربة فيطهّر اللّه عزّوجلّ قلوبهم من الحسد ويسقط عن أبشارهم الشعر ، وذلك قوله عزّوجلّ : «وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابا طَهُورا» من تلك العين المطهّرة ، ثمّ يرجعون إلى عين أُخرى عن يسار الشجرة
ص: 370
فيغتسلون منها ، وهي عين الحياة ، فلا يموتون أبدا . ثمّ يوقف بهم قدّام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحرّ والبرد .
قال : فيقول الجبّار (جلّ ذكره) للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنّة ولا تقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضائي عنهم ووجبت لهم رحمتي ، فكيف أُريد أن أُوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيّئات ! فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة ، فإذا انتهوا إلى باب الجنّة الأعظم ضربوا الملائكة الحلقة ضربة فتصرّ صريرا فيبلغ صوت صريرها كلّ حوراء خلقها اللّه عزّوجلّ وأعدّها لأوليائه ، فيتباشرون إذ سمعن صرير الحلقة ويقول بعضهم لبعض قد جاءنا أولياء اللّه ، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنّة ، فيشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن : مرحبا بكم فما كان أشدّ شوقنا إليكم ، ويقول لهنّ أولياء اللّه مثل ذلك .
فقال علي عليه السلام : من هؤلاء يارسول اللّه ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي هؤلاء شيعتك المخلصون في ولائك وأنت إمامهم ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدا»(1).
وفي روضة الكافي : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن إسحاق المدني ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سئل عن هذه الآية فقال : ياعلي إنّ الوفد لا يكون إلاّ ركبانا ، وذكر نحو ما في تفسير علي بن إبراهيم إلى قوله :
ويقول لهم أولياء اللّه مثل ذلك(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبداللّه بن شريك
ص: 371
العامري ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي يخرج يوم القيامة أقوام من قبورهم ، بياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن ، عليهم نعال الذهب شراكها من اللؤلؤ يتلألأ ، فيؤتون بنوق من نور عليها رحائل من ذهب مكلّل بالدرّ والياقوت ، فيركبون عليها حتّى ينتهون إلى الرحمن والناس في حساب يهيمون ويقيمون وهؤلاء يأكلون ويشربون فرحون ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : من هؤلاء يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : ياعلي هم شيعتك وأنت إمامهم ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ
إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدا» على الرحائل «وَنَسُوقُ الُْمجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدا» وهم أعدائك يساقون إلى النار بلا حساب(1).
في أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عبدالرحمن ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت : قوله : «لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدا» ؟ قال : إلاّ من دان اللّه بولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده ، فهو العهد عند اللّه (2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد ، عن عبداللّه بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في هذه الآية قال : لا يشفع لهم ولا يشفعون «إِلاَّ مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدا» إلاّ من أُذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده (صلوات اللّه عليهم) فهو العهد عند
ص: 372
أترجو أُمّة قتلت حسينا
شفاعة جدّه يوم الحساب
فلا واللّه ليس لهم شفيع
وهم يوم القيامة في العذاب
ص: 373
«تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفا وَطَمَعا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»
سورة السجدة
وفي كتاب علل الشرائع : بإسناده إلى أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفا وَطَمَعا» لعلّك ترى أنّ القوم لم يكونوا ينامون ؟ قال : قلت : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : فقال :
لابدّ لهذا البدن من أن تريحه حتّى يخرج نفسه ، فإذا خرج النفس استراح البدن ورجع الروح فيه قوّة على العمل ، فإنّما ذكرهم «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفا وَطَمَعا» نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأتباعه من شيعتنا ، ينامون في أوّل الليل ، فإذا ذهب ثلثا الليل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربّهم راغبين مرهبين طامعين فيما عنده ، فذكرهم اللّه في كتابه ، فأخبرك بما أعطاهم اللّه ، أنّه أسكنهم فيجواره ، وأدخلهم جنّته ، وآمن خوفهم ، وأذهب رعبهم . قال : قلت : جعلت فداك إن أنا قمت في آخر الليل أيّ شيء أقول إذا قمت ؟ قال : قل : الحمد للّه رّ العالمين وآله المرسلين ، والحمد للّه الذي يحيي الموتى ويبعث من في القبور ، فإنّك إذا قلتها ذهب
ص: 374
عنك رجز الشيطان ووسواسه إن شاء اللّه (1).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : كلام طويل في تزويج فاطمة عليهاالسلام من علي عليه السلام ، وفيه : وباتت عندها أسماء بنت عميس أُسبوعا بوصيّة خديجة إليها ، فدعا لها النبي صلى الله عليه و آله في دنياها وآخرتها ، ثمّ أتاها في صبيحتها وقال : السلام عليكم أدخل رحمكم اللّه . ففتحت له أسماء الباب ، وكانا نائمين تحت كساء ، فقال : على حالكما ، فأدخل رجليه بين أرجلهما فأخبر اللّه عن وردهما «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ ...» الآية فسأل عليا عليه السلام كيف وجدت أهلك ؟ قال : نِعمَ العون على طاعة اللّه ، وسأل فاطمة فقالت : خير بعل . فقال : اللهمّ اجمع شملهما ، وألّف بين قلوبهما ،
واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّية طاهرة طيّبة مباركة ، واجعل في ذرّيتهما البركة ، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرك إلى طاعتك ، ويأمرون بما يرضيك . ثمّ أمر بخروج أسماء وقال : جزاك اللّه خيرا ، ثمّ خلا بها بإشارة الرسول صلى الله عليه و آله(2).
وفي محاسن البرقي : عنه ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن علي بن النعمان ، عن الحارث بن محمّد الأحول ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي : ياعلي إنّه لمّا أُسري بي رأيت في الجنّة نهرا أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأشدّ استقامة من السهم ، فيه أباريق عدد النجوم ، على شاطئه قباب الياقوت الأحمر والدرّ الأبيض ، فضرب جبرئيل بجناحيه فإذا هو مسكة ذفرة ، ثمّ قال : والذي نفس محمّد بيده أنّ في الجنّة أشجارا تتصفّق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأوّلون والآخرون بمثله ، يثمر ثمرا كالرمّان ، يلقى ثمره إلى
ص: 375
الرجل فيشقّها عن سبعين حلّة ، والمؤمنون على كراسي من نور ، وهم الغرّ المحجّلون ، أنت إمامهم يوم القيامة ، على الرجل منهم نعلان شراكهما من نور يضيء أمامه حيث شاء من الجنّة ، فبينا هم كذلك إذ أشرفت عليه امرأة من فوقه تقول : سبحان اللّه ياعبداللّه أما لنا منك دولة . فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من اللواتي قال اللّه : «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» ، ثمّ قال : والذي نفس محمّد بيده أنّه ليجيئه كلّ يوم سبعون ألف ملك يسمّونه باسمه واسم أبيه(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن الحارث بن محمّد الأحول ، عن أبي عبداللّه ، عن أبي جعفر عليهماالسلام بأدنى تغيير ، ثمّ قال : وسبب ذلك ما ذكره الطوسي رحمه الله في أماليه بإسناده عن جابر بن عبداللّه رضى الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي ألا أُبشرك ألا أمنحك ؟ قال : بلى يارسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّي خُلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت منها فضلة ، فخلق اللّه منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة يدعى الناس بأُمّهاتهم إلاّ شيعتك فإنّهم يدعون بآبائهم لطيب ولادتهم(2).
تتجافى جنوبهم صفة
اغربت عن مودّة وولاء
بشّر المصطفى أخاه عليا
أنت للمؤمنين الغرّ إمام
طيّب طاهر ولادتهم
وبآبائهم يثقون
ص: 376
«النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورا»
سورة الأحزاب
وفي كتاب سعد السعود لابن طاووس
رحمه الله : روي عنه (صلوات اللّه عليه) : أنا وعلي أبوا هذه الأُمّة(1).
وفي كتاب علل الشرائع : بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه قال : سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت له : لِمّ كُنّي النبي صلى الله عليه و آله بأبي القاسم ؟ فقال : لأنّه كان له ابن يقال له قاسم فكُنّي به . قال : فقلت : يابن رسول اللّه فهل تراني أهلاً للزيادة ؟ فقال : نعم ، أما علمت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أنا وعلي أبوا هذه الأُمّة ؟ قلت : بلى . قال : أما علمت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أب لجميع أُمّته وعلي عليه السلام فيهم بمنزلته ؟ فقلت : بلى . قال : أما علمت أنّ عليا عليه السلام قاسم الجنّة والنار ؟ قلت : بلى . قال : فقيل له أبو
ص: 377
القاسم لأنّه أبو قسيم الجنّة والنار . فقلت : وما معنى ذلك ؟ فقال : إنّ شفقة النبي صلى الله عليه و آله على أُمّته كشفقة الآباء على الأولاد ، وأفضل أُمّته علي عليه السلام ، وشفقته عليهم كشفقته صلى الله عليه و آله ، لأنّه وصيّه وخليفته والإمام بعده ، فلذلك قال : أنا وعلي أبوا هذه الأُمّة . وصعد النبي صلى الله عليه و آله المنبر فقال : من ترك دَينا أو ضياعا فعليّ وإليّ ، ومن ترك مالاً فلورثته . فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأُمّهاتهم ، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم ، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده ، جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة وعلي بن محمّد ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن ابن أبي عياش ، عن سليم بن قيس قال : سمعت عبداللّه بن جعفر الطيّار يقول : كنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين عليهماالسلام وعبداللّه بن عبّاس وعمر بن أُمّ سلمة وأُسامة بن زيد ، فجرى بيني وبين معاوية كلام ، فقلت لمعاوية : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد علي عليه السلام فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد عليه السلام فابنه علي بن الحسين عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه ياعلي ، ثمّ ابنه محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه ياحسين ، ثمّ تكملة اثنا
ص: 378
عشر إماما ، تسعة من ولد الحسين . قال عبداللّه بن جعفر : واستشهدت الحسن والحسين وعبداللّه بن عبّاس وعمر بن أُمّ سلمة وأُسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية . قال سليم : وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذرّ والمقداد ، ذكروا أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1).
علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمان قال : حدّثنا حمّاد بن عبدالأعلى قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول العامّة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية . قال : الحقّ واللّه . قلت : فإنّ إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك . قال : لا يسعه أنّ الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيّه على من هو معه في البلد ، وحقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم ، أنّ اللّه عزّوجلّ يقول : «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» قلت : فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم . قال : إنّ اللّه عزّوجلّ يقول : «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إِلَى اللّه ِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّه ِ» . قلت : فبلغ البلد بعضهم فوجدك مغلقا عليك بابك ، ومرخى عليك سترك ، لا تدعوهم إلى نفسك ، ولا يكون من يدلّهم عليك ، فبما يعرفون ذلك ؟ قال : بكتاب اللّه المنزل . قلت : فيقول اللّه جلّ وعزّ كيف ؟ قال : أراك قد تكلّمت في هذا قبل اليوم . قلت :
أجل . قال : فذكر ما أنزل اللّه في علي عليه السلام ، وما قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حسن وحسين عليهماالسلام ، وما خصّ اللّه به عليا عليه السلام ، وما قال فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من وصيّته إليه
ص: 379
ونصبه إيّاه وما يصيبهم وإقرار الحسن والحسين بذلك ، ووصيّته إلى الحسن وتسليم الحسين له ، يقول اللّه : «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ»(1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ، وعلي أولى به من بعدي . فقيل له : ما معنى ذلك ؟ فقال : قول النبي صلى الله عليه و آله : من ترك دَينا أو ضياعا فعليَّ ، ومن ترك مالاً فلورثته ، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال ، وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة ، والنبي وأمير المؤمنين ومن بعدهما (سلام اللّه عليهم) ألزمهم هذا ، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم ، وما كان سبب إسلام عامّة اليهود إلاّ من بعد هذا القول من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنّهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم(2).
وفي روضة الكافي : بإسناده إلى أبي عبداللّه عليه السلام حديث طويل وفي آخره يقول عليه السلام : كان علي أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأولى الناس بالناس حتّى قالها ثلاثا(3).
ص: 380
وفي نهج البلاغة : قال عليه السلام : فواللّه إنّي لأولى الناس بالناس(1).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : عن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب حديث طويل وفيه : قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، من كنت أولى به من نفسه فأنت ياأخي أولى به من نفسه ، وعلي بين يديه عليهماالسلام في البيت(2).
ص: 381
«مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»
سورة الأحزاب
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي من أحبّك ثمّ مات فقد قضى نحبه ، ومن أحبّك ولم يمت فهو ينتظر ، وما طلعت شمس ولا غربت إلاّ طلعت عليه برزق وإيمان(1).
وفي كتاب الخصال : عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ، عن أمير المؤمنين عليهماالسلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام : لقد كنت عاهدت اللّه تعالى ورسوله أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر وابن عمّي عبيدة على أمر وفينا به للّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه و آله فتقدّمني أصحابي وتخلّفت بعدهم لما أراد اللّه تعالى ، فأنزل اللّه فينا : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» حمزة وجعفر وعبيدة ، وأنا واللّه المنتظر ياأخا اليهود وما بدّلت تبديلاً(2).
ص: 382
وفي مجمع البيان : وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن علي عليه السلام قال : فينا نزلت «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ»
وأنا واللّه المنتظر ، ما بدّلت تبديلاً(1).
وفي كتاب سعد السعود لابن طاووس رحمه الله : فصل فيما نذكره من مجلّد غالي الثمن عتيق عليه مكتوب : الأوّل من تفسير أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين (صلوات اللّه عليهم) رواية أبي الجارود عنه وقال بعد هذا : فصل فيما نذكره من الجزء الثالث من تفسير الباقر عليه السلام من وجهة ثانية من ثاني سطره بلفظه : وأمّا قوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» يقول : كونوا مع علي بن أبي طالب وآل محمّد عليهم السلامقال اللّه تعالى : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» وهو حمزة بن عبدالمطّلب «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» وهو علي بن أبي طالب يقول اللّه «وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» ، وقال اللّه تعالى : «اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»وهم هاهنا آل محمّد(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن زكريا ، عن أحمد بن محمّد بن يزيد ، عن سهل بن عامر البجلي ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي إسحاق ، عن جابر ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام ، عن محمّد بن الحنفية رضى الله عنه قال : قال علي (صلوات اللّه عليه) : كنت عاهدت اللّه عزّوجلّ ورسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر وعمّي عبيدة بن الحارث على أمر وفينا به للّه ولرسوله ، فتقدّمني أصحابي وخُلّفت بعدهم لما أراد
ص: 383
عزّوجلّ فأنزل اللّه سبحانه فينا : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(1).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبداللّه بن أسد ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن يحيى بن صالح ، عن مالك بن خالد الأسدي ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن جدّه ، عن عبداللّه بن الحسن ، عن آبائه عليهم السلام : وعاهد اللّه علي بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطّلب وجعفر بن أبي طالب أن لا يفرّوا في زحف أبدا ، فتمّوا كلّهم ، فأنزل اللّه عزّوجلّ : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ»
حمزة استشهد يوم أُحد ، وجعفر استشهد يوم مؤتة ، «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» يعني علي بن أبي طالب عليه السلام ، «وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» يعني الذي عاهدوا عليه(2).
قال الخوارزمي : « قال اللّه تعالى «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» قيل نزل قوله : «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» في حمزة وأصحابه كانوا عاهدوا اللّه تعالى لا يولّون الأدبار فجاهدوا مقبلين حتّى قتلوا «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» علي بن أبي طالب عليه السلام مضى على الجهاد ولم يبدّل ولم يغيّر الآثار »(3).
روى السيّد شهاب الدين أحمد بإسناده عن أبي جعفر (رضي اللّه تعالى عنه) ، قال : «رِجَالٌ صَدَقُوا»حمزة وعلي وجعفر ، «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» : أي عهده
ص: 384
وهو حمزة وجعفر ، «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» قال : علي بن أبي طالب »(1).
قال ابن حجر : « وسئل علي عليه السلام وهو على المنبر بالكوفة عن قوله تعالى : «مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» فقال : اللهمّ غفرا هذه الآية نزلت فيّ وفي عمّي حمزة ، وفي ابن عمّي عبيدة بن الحرث بن عبدالمطّلب ، فأمّا عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر ، وحمزة قضى نحبه شهيدا يوم أُحد ، وأمّا أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه ، وأشار بيده إلى لحيته ورأسه عهد عهده إليّ حبيبي أبو القاسم صلى الله عليه و آله(2).
قال الحافظ الكنجي : « قيل : نزل قوله «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ» في حمزة وأصحابه ، كانوا عاهدوا أن لا يولّوا الأدبار فجاهدوا مقبلين حتّى قتلوا ، «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» علي بن أبي طالب مضى على الجهاد ، ولم يبدّل ولم يغيّر »(3).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي إسحاق عن علي عليه السلام قال : فينا نزلت : «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ»الآية : « فأنا واللّه المنتظر وما بدّلت تبديلاً »(4).
وروى بإسناده عن عبداللّه بن عبّاس في قول اللّه تعالى : «مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ»يعني عليا وحمزة وجعفر «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ»يعني حمزة وجعفر «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» يعني عليا عليه السلام كان ينتظر أجله والوفاء للّه بالعهد
ص: 385
والشهادة في سبيل اللّه ، فواللّه لقد رزق الشهادة(1).
وروى بإسناده عن حذيفة ، قال : « لمّا كان يوم الخندق عبر عمرو بن عبد ودّ حتّى جاء فوقع على عسكر النبي فنادى : البراز ، فقال رسول اللّه : أيّكم يقوم إلى عمرو ؟ فلم يقم أحد إلاّ علي بن أبي طالب فإنّه قام فقال له النبي : اجلس ، ثمّ قال النبي صلى الله عليه و آله أيّكم يقوم إلى عمرو ؟ فلم يقم أحد ، فقام إليه علي فقال : أنا له فقال النبي اجلس ، ثمّ قال النبي صلى الله عليه و آله لأصحابه أيّكم يقوم إلى عمرو فلم يقم أحد ، فقام علي ، فقال أنا له ، فدعاه النبي صلى الله عليه و آله فقال : إنّه عمرو بن عبد ود ، قال : وأنا علي بن أبي طالب فألبسه درعه ذات الفضول وأعطاه سيفه ذا الفقّار وعمّمه بعمامته السحاب على رأسه تسعة أكوار ، ثمّ قال له : تقدّم فقال النبي صلى الله عليه و آله لمّا ولّى : اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ، فجاء حتّى وقف على عمرو ، فقال : من أنت ، فقال عمرو ما ظننت أنّي أقف موقفا أجهل فيه ، أنا عمرو بن عبد ودّ ، فمن أنت قال : أنا علي بن أبي طالب فقال : الغلام الذي كنت أراك في حجر أبي طالب ؟ قال : نعم ، قال : إنّ أباك كان لي صديقا وأنا أكره أن أقتلك فقال له علي : لكنّي لا أكره أن أقتلك ، بلغني أنّك تعلّقت بأستار الكعبة وعاهدت اللّه عزّوجلّ أن لا يخيّرك رجل بين ثلاث خلال إلاّ اخترت منها خلّة ؟ قال : صدقوا قال : إمّا أن ترجع من حيث جئت ، قال : لا تحدّث بها قريش قال : أو تدخل في ديننا فيكون لك ما لنا وعليك ما علينا ، قال ولا هذه فقال له علي : فأنت فارس وأنا راجل فنزل عن فرسه ، وقال : ما لقيت من أحد ما لقيت من هذا الغلام ، ثمّ ضرب
ص: 386
وجه فرسه فأدبرت ، ثمّ أقبل إلى علي وكان رجلاً طويلاً - يداوي دبر البعيرة وهو قائم - وكان علي في تراب دق ولا يثبت قدماه عليه فجعل علي ينكص إلى ورائه يطلب جلدا من الأرض يثبت قدميه ويعلوه عمرو بالسيف ، فكان في درع عمرو قصر ، فلمّا تشاكّ بالضربة تلقّاها علي بالترس فلحق ذباب السيف في رأس علي وتسيّف على رجليه بالسيف من أسفل ، فوقع على قفاه فثارت بينهما عجاجة ، فسمع علي يكبّر ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قتله ، والذي نفسي بيده فكان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطّاب فإذا علي يمسح سيفه بدرع عمرو فكبّر عمر بن الخطّاب فقال : يارسول اللّه قتله ، فحزّ علي رأسه ، ثمّ أقبل يخطر في مشيته ، فقال له رسول اللّه ياعلي إنّ هذه مشية يكرهها اللّه عزّوجلّ إلاّ في هذا الموضع ، فقال رسول اللّه لعلي : ما منعك من سلبه ، وكان ذو سلب ، فقال : يارسول اللّه إنّه تلقّاني بعورته ، فقال النبي صلى الله عليه و آله أبشر ياعلي فلو وزن اليوم عملك بعمل أُمّة محمّد لرجح عملك بعملهم وذلك أنّه لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلاّ وقد دخله عزّ بقتل عمرو »(1).
وروى بإسناده عن علي قال : « خرج عمرو بن عبد ودّ يوم الخندق معلّما مع جماعة من قريش فأتوا نقرة من نقر الخندق فأقحموا خيلهم فعبروه وأتوا النبي صلى الله عليه و آله
ودعا عمرو البراز فنهضت إليه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي إنّه عمرو ، قلت يارسول اللّه وإنّي علي ، فخرجت إليه ودعوت بدعاء علّمنيه رسول اللّه قال : قل : بك أصول ، وبك أحول وإيّاك أدرأ في نحره ، فنازلته وثار العجاج فضربني ضربة في رأسي فعملت ، فضربته فجدلته وولّت خيله منهزمة »(2).
ص: 387
روى الحاكم النيسابوري بإسناده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل
من أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة(1).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص188 :
ومن المؤمنين خير رجال
أولياء لربّهم أُمناء
صدقوا ربّهم بما عاهدوه
حين برّوا عهودهم بالوفاء
منهم صابر إنتظارا ومنهم
من قضى نحبه من الشهداء
وردتنا في حمزة وعلي
واستقلّت في سيّد الأوصياء
ص: 388
«وَرَدَّ اللّه ُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرا وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّه ُ قَوِيّا عَزِيزا»
سورة الأحزاب
تأويله : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا علي بن العبّاس ، عن أبي سعيد(1)
عن عبّاد بن يعقوب ، عن فضل بن قاسم البزّاز ، عن سفيان الثوري ، عن زبيد اليامي ، عن مرّة ، عن عبداللّه بن مسعود أنّه كان يقرأ «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» بعلي «وَكَانَ
اللّه ُ قَوِيّا عَزِيزا» .
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن يونس بن مبارك ، عن يحيى بن عبدالحميد الجماني ، عن يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن محمّد بن عمّار بن زريق ، عن أبي إسحاق ، عن أبي زياد بن مطرف قال : كان عبداللّه بن مسعود يقرأ «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ»بعلي . قال أبو زياد : وهي في مصحفه كذا رأيتها .
وسبب نزول هذه الآية وأنّ المؤمنين كفوا القتال بعلي عليه السلام أنّ المشركين تحزّبوا واجتمعوا في غزاة الخندق . والقصّة مشهورة غير أنّا نحكي طرفا منها وهو : أنّ عمرو بن عبد ودّ كان فارس قريش المشهور يعدّ بألف فارس ، وكان قد شهد بدراً
ص: 389
ولم يشهد أُحدا ، فلمّا كان يوم الخندق خرج معلّما ليرى الناس مقامه . فلمّا رأى الخندق قال : مكيدة لم نعرفها من قبل . وحمل فرسه عليه فعطفه ووقف بإزاء المسلمين ونادى : هل من مبارز ؟ فلم يجبه أحد ، فقام علي عليه السلام وقال : أنا يارسول اللّه . فقال له : إنّه عمرو ، اجلس . فنادى ثانية فلم يجبه أحد ، فقام علي عليه السلام وقال : أنا يارسول اللّه . فقال له : إنّه عمرو ، اجلس . فنادى ثالثة فلم يجبه أحد ، فقام علي عليه السلام وقال : أنا يارسول اللّه . فقال له : إنّه عمرو ، فقال : وإن كان عمرا . فاستأذن النبي صلى الله عليه و آله في برازه فأذن له .
قال حذيفة رضى الله عنه : فألبسه رسول اللّه صلى الله عليه و آله درعه الفضول ، وأعطاه ذا الفقار ، وعمّمه عمامته السحاب(1) على رأسه تسعة أدوار ، وقال له : تقدّم . فلمّا ولّى قال النبي صلى الله عليه و آله : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه ، اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه . فلمّا رآه عمرو قال له : من أنت ؟ قال أنا علي قال : ابن عبد مناف ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال : غيرك يابن أخي من أعمامك أسنّ منك فإنّي أكره أن أُهرق دمك . فقال له علي عليه السلام : لكنّي واللّه لا أكره أن أُهرق دمك . قال : فغضب عمرو ونزل عن فرسه وعقرها وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار . ثمّ أقبل نحو علي عليه السلام ، فاستقبله علي عليه السلام بدرقته(2) فقدّها وأثبت
ص: 390
فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه . ثمّ إنّ عليا عليه السلام ضربه على حبل(1) عاتقه فسقط إلى الأرض وثارت بينهما عجاجة(2)، فسمعنا تكبير علي عليه السلام ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قتله والذي نفسي بيده . قال : وحزّ رأسه وأقبل نحو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووجهه يتهلّل . فقال له النبي صلى الله عليه و آله : أبشر ياعلي فلو وزن اليوم عملك بعمل أُمّة محمّد لرجح عملك بعملهم وذلك لأنّه لم يبق بيت من المشركين إلاّ ودخله وهن ، ولا بيت من المسلمين إلاّ دخل عليهم عزّ .
قال : ولمّا قتل عمرو وخذل الأحزاب وأرسل اللّه عليهم ريحا وجنودا من الملائكة فولّوا مدبرين بغير قتال ، وسببه قتل عمرو . فمن ذلك قال سبحانه : «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ»بعلي . وأحقّ من قيل فيه هذان البيتان : يافارس الإسلام حين ترجّلت
فرسانه وتخاذلت عن نصره(3)
والصارم الذكر(4) الذي افتضّت بهمن ستر النقع عذرة بكره(5)
وروى الحافظ أبو منصور بن شهردار بن شيرويه بإسناده إلى ابن عبّاس قال : لمّا قتل علي عليه السلام عمرا دخل على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيفه يقطر دما فلمّا رآه كبّر وكبّر المسلمون ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : اللهمّ أعط عليا فضيلة لم تعطها أحدا قبله ولم تعطها أحدا بعده . قال : فهبط جبرائيل عليه السلام ومعه من الجنّة أتُرجة . فقال لرسول
ص: 391
اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه عزّوجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك : حيَّ بهذه علي بن أبي طالب قال : فدفعها إلى علي عليه السلام فانفلقت في يده فلقتين فإذا منه حريرة خضراء فيها مكتوب سطران بخضرة : تحفة من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب(1)-(2).
ولنعم ما قال صاحب بن عبّاد في قصيدته اللامية :
قالت فمن أسد الأحزاب يفرسها فقلت قاتل عمرو الضيغم البطل
قال ابن أبي الحديد : « ما وجدناه في السير والأخبار ، من إشفاق رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحذره عليه . ودعائه له بالحفظ والسلامة ، قال صلى الله عليه و آله يوم الخندق ، وقد برز علي إلى عمرو ورفع يديه إلى السماء ، بمحضر من أصحابه ، اللهمّ إنّك أخذت منّي حمزة يوم أُحد وعبيدة يوم بدر ، فاحفظ اليوم عليَّ عليا : «رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ»(3) ولذلك ضنّ به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مرارا ، في كلّها يحجمون ويقدم علي ، فيسأل الإذن له في البراز حتّى قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّه عمرو ! » فقال : « وأنا علي » فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامته ، وخرج معه خطوات كالمودّع له . القلق لحاله ، المنتظر لما يكون منه ، ثمّ لم يزل صلى الله عليه و آله رافعا يديه إلى السماء مستقبلاً لها بوجهه ، والمسلمون صموت حوله ، كأنّما على رؤوسهم الطير ، حتّى ثارت الغبرة ، وسمعوا التكبير من تحتها ، فعلموا أنّ عليا قتل عمرا ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكبّر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين ، ولذلك قال حذيفة بن اليمان : لو قسّمت فضيلة علي عليه السلام بقتل
ص: 392
عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم وقال ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» قال : بعلي بن أبي طالب »(1).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن عبداللّه « أنّه كان يقرأ «وَكَفَى اللّه ُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» بعلي بن أبي طالب »(2).
ص: 393
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللّه َ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْءِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً»
سورة الأحزاب
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَمَنْ يُطِعْ اللّه َ وَرَسُولَهُ» في ولاية علي والأئمّة من بعده «فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما» ، هكذا نزلت(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله ، عن أحمد بن القاسم ، عن أحمد بن محمّد السيّاري ، عن محمّد بن علي بن أسباط ، عن أبي حمزة ، عن أبي
ص: 394
بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : ومن يطع اللّه ورسوله في ولاية علي والأئمّة من بعده فقد فاز فوزا عظيما(1).
وفي كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام ، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم فقال اللّه تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمّة بريّتي ، ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منهم ، لهم ولمن تولاّهم خلقت جنّتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادّعى منزلتهم منّي ومحلّهم من عظمتي عذّبته عذابا لا أُعذّبه أحدا من العالمين ، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري ، ومن أقرّ بولايتهم ولم يدّع منزلتهم منّي ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جنّاتي ، وكان لهم فيها ما يشاؤون عندي ، وأبحتهم كرامتي ، وأحللتهم جواري ، وشفّعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه دون خيرتي فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّها ، فلمّا أسكن اللّه عزّوجلّ آدم وزوجته الجنّة قال لهما : «كُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» يعني شجرة الحنطة «فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ» فنظرا إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام بعدهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة
ص: 395
فقالا : ربّنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال اللّه جلّ جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق العرش ، فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام مكتوبة إلى ساق العرش بنور من نور اللّه الجبّار (جلّ جلاله) فقالا : ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك ؟ وما أحبّهم إليك ؟ وما أشرفهم لديك ؟ فقال اللّه جلّ جلاله :
لولاهم ما خلقتكما ، هؤلاء خزنة علمي وأُمنائي على سرّي ، إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد ، وتتمنّيا منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي فتدخلان بذلك في نهيّي وعصياني فتكونا من الظالمين . قالا : ربّنا ومن الظالمون ؟ قال : المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ . قالا : ربّنا فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتّى نراها كما رأينا منزلتهم في جنّتك فأمر اللّه تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب وقال عزّوجلّ : مكان الظالمين لهم المدّعين منزلتهم في أسفل درك منها ، كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها ، وكلّما نضجت جلودهم بدّلناهم سواها ليذوقوا العذاب ، ياآدم وياحوّاء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأُهبطكما عن جواري وأحلّ بكما هواني . «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُورِىَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ»وحملهما إلى تمنّي منزلتهم ، فنظر إليهم بعين الحسد فخذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ، فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه ، وأصل الشعير كلّه ممّا عاد مكان ماأكلاه ، فلمّا أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل من أجسادهما وبقيا عريانين «وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا
ص: 396
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ» قال : إهبطا من جواري فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني ، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلمّا أراد اللّه عزّوجلّ أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل عليه السلام فقال لهما : إنّكما إنّما ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فضّل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار اللّه إلى أرضه ، فاسألا ربّكما بحقّ الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتّى يتوب عليكما . فقالا : اللهمّ إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة إلاّ تبت علينا ورحمتنا . فتاب اللّه عليهما إنّه هو التوّاب الرحيم . فلم تزل أنبياء اللّه بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أُمّتهم فيأبون حملها ويشفقون من ادّعائها وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كلّ ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْءِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً»(1).
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْءِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً» قال : هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقال علي بن إبراهيم : في قوله عزّوجلّ : «إِنَّا
ص: 397
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا» قال : الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي ، والدليل على أنّ الأمانة هي الإمامة قوله عزّوجلّ للأئمّة (صلوات اللّه عليهم) : «إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» يعني الإمامة ، والأمانة هي الإمامة «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا»قال : أبين أن يدّعوها أو يغصبوها أهلها «وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْءِنْسَانُ» أي الأوّل : «إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً»(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس رحمه الله ، عن الحسين بن عامر ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاْءِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً»قال : يعني بها ولاية علي بن أبي طالب(2).
ويؤيّده ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله بطريق آخر ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار في قوله عزّوجلّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ» إلى آخر الآية قال : هي الولاية لأمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه وعلى ذرّيته الطيّبين ، صلوات باقية دائمة إلى يوم الدين)(3).
روى العلاّمة الشافعي محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي في كتابه كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بسنده عن ابن عبّاس قال : قال رسول
ص: 398
اللّه صلى الله عليه و آله : « ما في القرآن آية فيها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعلي رأسها وأميرها »(1).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص53 :
قال في ذكره المبارك إنّا
قد عرضنا أمانة الأُمناء
وهي كانت ولاية الحقّ منه
لعلي والعترة الأزكياء
فأبت حملها السماوات خوفا
من وقوع التقصير عند الأداء
ص: 399
«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا»
سورة الأحزاب
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا» قال : نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين عليه السلام حقّه وأخذ حقّ فاطمة عليهاالسلام وآذاها ، وقد قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ ...» الآية(1).
وفي مجمع البيان : حدّثنا السيّد أبو الحمد ، قال : حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني ، قال : حدّثنا أبو عبداللّه الحافظ ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد أبي دارم الحافظ ، قال : حدّثنا علي بن أحمد العجلي ، قال : حدّثنا عبّاد بن يعقوب ، قال : حدّثنا إرطأة بن حبيب ، قال : حدّثني أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره ، قال :
حدّثني زيد بن علي بن الحسين وهو آخر بشعره ، قال : حدّثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره ، قال :
ص: 400
حدّثني علي بن أبي طالب عليه السلام وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بشعره فقال : ياعلي من آذى شعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فعليه لعنة اللّه (1).
قيل : نزلت في المنافقين يؤذون عليا عليه السلام(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله عزّوجلّ : «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» يعني عليا وفاطمة عليهماالسلام «بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا» وهي جارية في الناس كلّهم(3).
وفي شرح الآيات الباهرة : في تفسير الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث جيشا وأمّر عليهم عليا عليه السلام وما بعث جيشا قط وفيهم علي عليه السلام إلاّ جعله أميرهم ، فلمّا غنموا رغب علي عليه السلام أن يشتري من جملة الغنائم جارية وجعل ثمنها في جملة الغنائم ، فكايده فيها خاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسمي وزايداه ، فلمّا نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر إلى أن بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك ، فلمّا رجعوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تواطئا على أن يقولا ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوقف بريدة قدّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : يارسول اللّه ألم تر إلى ابن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين ، فأعرض عنه ، فجاء عن يمينه فقالها
ص: 401
فأعرض عنه ، فجاءه عن يساره فقالها فأعرض عنه ، قال : فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله غضبا لم ير قبله ولا بعده غضبا مثله وتغيّر لونه وتربّد وانتفخت أوداجه وارتعدت أعضاؤه وقال : ما لك يابريدة آذيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله منذ اليوم ، أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا» فقال بريدة : ما علمت إنّي قصدتك بأذى . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أوتظنّ يابريدة أنّه لا يؤذيني إلاّ من قصد ذات نفسي ، أما علمت أنّ عليا منّي وأنا منه ، وإنّ من آذى عليا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فحقّ على
اللّه أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنّم ، يابريدة أنت أعلم أم اللّه عزّوجلّ ؟ وأنت أعلم أم قرّاء اللوح المحفوظ ؟ وأنت أعلم أم ملك الأرحام ؟ فقال بريدة : بل اللّه أعلم ، وقرّاء اللوح المحفوظ أعلم ، وملك الأرحام أعلم . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : وأنت أعلم يابريدة أم حفظة علي بن أبي طالب ؟ قال : بل حفظة علي بن أبي طالب . فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فكيف تخطّئه وتلومه وتوبّخه وتشنّع عليه في فعله ، وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظته على أنّهم لم يكتبوا عليه قط خطيئة منذ ولد ، وهذا ملك الأرحام حدّثني أنّه كتب قبل أن يولد حين استحكم في بطن أُمّه أنّه لا يكون منه خطيئة أبدا ،وهؤلاء قرّاء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أُسري بي أنّهم وجدوا في اللوح المحفوظ مكتوبا : علي المعصوم من كلّ خطأ وزلل ، فكيف تخطّئه أنت يابريدة وقد صوّبه ربّ العالمين والملائكة المقرّبين ، يابريدة لا تعرض لعلي بخلاف الحسن الجميل فإنّه أمير المؤمنين وسيّد الصالحين وفارس المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وقسيم الجنّة والنار يقول : هذا لي وهذا لك ، ثمّ قال : يابريدة أترى ليس لعلي من الحقّ عليكم معاشر
ص: 402
المسلمين أن لا تكايدوه ولا تعاندوه ولا تزايدوه ، هيهات هيهات أنّ قدر علي عند اللّه أعظم من قدره عندكم ، أوَ لا أُخبركم ؟ قالوا : بلى يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه سبحانه وتعالى يبعث يوم القيامة أقواما تمتلئ من جهة السيّئات موازينهم ، فيقال لهم : هذه السيّئات فأين الحسنات ، وإلاّ فقد عطبتم ؟ فيقولون : ياربّنا ما نعرف لنا حسنات ، فإذا النداء من قبل اللّه عزّوجلّ إن لم تعرفوا لأنفسكم من حسنات فإنّي أُعرّفها لكم وأوفرها عليكم ، ثمّ تأتي الريح برقعة صغيرة تطرحها في كفّة حسناتهم فترجّح بسيئاتهم بأكثر ما بين السماء والأرض ، فيقال لأحدهم خذ بيد أبيك وأُمّك واخوانك وأخواتك وخاصّتك وقراباتك وأخدانك ومعارفك فأدخلهم الجنّة ، فيقول أهل المحشر : ياربّنا أمّا الذنوب فقد عرفناها فما كانت حسناتهم ؟ فيقول اللّه عزّوجلّ : ياعبادي إنّ أحدهم مشى ببقية دين عليه لأخيه إلى أخيه فقال له : خذها فإنّي أُحبّك بحبّك لعلي بن أبي طالب ، فقال له الآخر : إنّي قد تركتها لك بحبّك لعلي بن أبي طالب ولك من مالي ما شئت ، فشكر اللّه تعالى لهما فحطّ به خطاياهما ، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما وأوجب لهما ولوالديهما الجنّة ، قال : يابريدة إنّ من يدخل النار ببغض علي أكثر من الخزف الذي ترمى عند الجمرات فإيّاك أن تكون منهم(1)-(2).
حدّثنا الأُستاذ أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب(3) أخبرنا أبو القاسم
ص: 403
عبداللّه بن المأمون ، حدّثنا أبو ياسر عمّار بن عبدالمجيد حدّثنا أحمد بن عبداللّه ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم التغلبي عن مقاتل بن سليمان البلخي(1) بتفسيره وفيه : «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا» - يعني بغير جرم - «فَقَدِ
احْتَمَلُوا بُهْتَانا» - وهو ما لم يكن - «وَإِثْما مُبِينا»يعني بيّنا ، يقال : نزلت في علي بن أبي طالب ، وذلك إنّ نفرا من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه ، وإنّ عمر بن الخطّاب في خلافته قال لأُبي بن كعب : إنّي قرأت هذه الآية فوقعت منّي كلّ موقع ، واللّه إنّي لأضربهم وأُعاقبهم . فقال له أُبي : إنّك لست منهم إنّك مؤدّب معلّم .
فإن ثبت النزول فيه خاصّة فقد ثبت ، وإلاّ فالاية متناولة له بالأخبار المتظاهرة عن النبي صلى الله عليه و آله على الخصوص :
منها الحديث المسلسل ، وفي بعض رواياته : « من آذى شعرة منك » - فهو خاصّ له - وفي بعضها : « شعرة منّي »(2) وهي متناولة له لقوله صلى الله عليه و آله في عدّة أخبار :
ص: 404
ص: 406
ص: 407
ص: 408
ص: 409
عبّاس ؛ وأبي هريرة ؛ وأبي سعيد ؛ وعمرو بن شاس .
حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي دارم الحافظ ، حدّثنا علي بن أحمد العجلي حدّثنا عبّاد بن يعقوب(1) حدّثنا أرطاة بن حبيب [ حدّثني عبيد بن ذكوان (2)] قال : حدّثني أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره ،
ص: 410
قال : حدّثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره قال : حدّثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره ، قال :
حدّثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره ، قال : حدّثني رسول اللّه وهو آخذ بشعره فقال : من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فعليه لعنة اللّه (1).
ص: 411
أخبرنا أبو بكر التميمي ؛ قال : أخبرنا أبو الشيخ قال : حدّثنا جعفر بن محمّد العلوي قال : حدّثني علي بن الحسين بالبصرة ، قال : حدّثني الحسن بن جعفر بن سليمان الضبعي قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني سيّدي جعفر بن محمّد ، عن أبيه(1).
ص: 412
عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول لعلي : من آذاك فقد آذاني(1).
ص: 413
أخبرنا أبو عمرو البسطامي أخبرنا أبو أحمد ابن عدي الجرجاني قال : حدّثنا جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بمصر ، سنة خمس وثلاث مائة حدّثنا حسّان بن غالب حدّثنا عبداللّه بن لهيعة ؛ قال : حدّثني محمّد بن عبيداللّه بن أبي رافع ، عن
سلمة بن عبداللّه بن أبي سلمة ، عن أبيه :
عن أُمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله قالت : قد سمعت رسول اللّه يقول لعلي بن أبي طالب : أنت أخي وحبيبي من آذاك فقد آذاني .
وورد أيضا في الباب عن عمر ، وسعد ، وعمرو بن شاس ، وأبي هريرة وابن عبّاس وأبي سعيد الخدري والمسوّر بن مخرمة .
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص390 :
ص: 414
قال إنّ الذين يؤذون طه
في علي يؤذون ربّ السماء
قد أُعدّ العذاب منه أليما
بعد ؟؟؟ لهم يوم الجزاء
آية أُنزلت بقوم أساءوا
لعلي ؟؟؟ والإيذاء
ص: 415
«إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمَنَِ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»
سورة يس
وفي أُصول الكافي : متّصلاً بآخر ما نقلناه عنه سابقا ، أعني قوله عليه السلام : في نار جهنّم مقمحون ، ثمّ قال : يامحمّد «وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ» باللّه وبولاية علي ومن بعده ، ثمّ قال : «إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ»يعني أمير المؤمنين عليه السلام «وَخَشِىَ الرَّحْمَنَِ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ»(1).
وفي أُصول الكافي : الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحرث بن جعفر ، عن علي بن إسماعيل بن يقطين ، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير ، قال : حدّثني موسى بن جعفر عليهماالسلامقال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصيّة ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله المملي
ص: 416
عليه ، وجبرئيل والملائكة المقرّبون شهود ؟ قال : فأطرق طويلاً ثمّ قال : ياأبا الحسن عليه السلام قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول اللّه صلى الله عليه و آله الأمر نزلت الوصية من عند اللّه كتابا مسجّلاً ، نزّله جبرائيل مع أُمناء اللّه تبارك وتعالى من الملائكة ، فقلت لأبي الحسن : بأبي أنت وأُمّي ألا تذكر ما كان ؟ فقال : سُنن اللّه وسنن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : أكان في الوصية توثّبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال : نعم واللّه شيئا شيئا وحرفا حرفا ، أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
وفي كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى أبي الجارود ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عليه السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» قام أبو بكر وعمر من مجلسهما وقالا : يارسول اللّه هو التوراة ؟ قال : لا ، فهو الإنجيل ؟ قال : لا ، قالا : فهو القرآن ؟ قال : لا ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هو هذا ، إنّه الإمام الذي أحصى اللّه فيه تبارك وتعالى علم كلّ شيء(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» أي في كتاب مبين ، وهو محكم ، وذكر ابن عبّاس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : أنا واللّه
ص: 417
الإمام المبيّن ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللّه (1).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رضى الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل يقول فيه : معاشر الناس ما من علم إلاّ علّمنيه ربّي ، وأنا علّمته عليا عليه السلام ، وقد أحصاه اللّه فيَّ ، وكلّ علم علمت فقد أحصيته في إمام المتّقين ، وما من علم إلاّ علّمته عليا(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رضى الله عنه : حدّثنا عبداللّه بن أبي العلاء ، عن محمّد بن الحسن بن شمعون ، عن عبداللّه بن عبدالرحمان الأصم ، عن عبداللّه بن القاسم ، عن صالح بن سهل قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» ، قال : في أمير المؤمنين عليه السلام(3).
قال : ويؤيّد هذا التأويل ما رواه الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن
الطوسي رضى الله عنه في كتاب مصباح الأنوار : بإسناده إلى رجاله ، مرفوعا إلى المفضّل بن عمر قال : دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم ، فقال لي : يامفضّل هل عرفت محمّدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم ؟ قلت : ياسيّدي وما كنه معرفتهم ؟ قال : يامفضّل تعلم أنّهم في جملة الخلائق بحيث يسكنون الروضة الخضرة ، فمن عرفهم كنه معرفتهم كان في السنام الأعلى . قال : قلت : عرّفني ذلك ياسيّدي . قال : يامفضّل تعلم أنّهم علموا ما خلق اللّه عزّوجلّ وذرأه وبرأه وأنّهم كلمة التقوى وخزّان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار ، وعرفوا كم في السماء نجم ، وملك ، ووزن الجبال ، وكيل ماء البحار ، وأنهارها ، وعيونها ، وما تسقط
ص: 418
من ورقة إلاّ علموها ، ولا حبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين ، فهو في علمهم ، ولقد علموا ذلك . فقلت : ياسيّدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت . قال : نعم يامفضّل ، نعم يامكرّم ، نعم يامحبور ، نعم ياطيّب ، طبت وطابت لك الجنّة ولكلّ مؤمن بها(1).
وروى الشيخ الطوسي رضى الله عنه في كتاب مصباح الأنوار : قال : ومن عجائب آياته ومعجزاته ما رواه أبو ذرّ الغفاري قال : كنت سائرا في أغراض مع أمير المؤمنين عليه السلام إذ مررنا بواد ، والنملة كالسيل سارٍ ، فذهلت ممّا رأيت ، فقلت : اللّه أكبر جلّ محصيه ،فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تقل ذلك ياأبا ذرّ ، ولكنّ قل : جلّ باريه ، فوالذي صوّرك إنّي أُحصي عددهم ، وأعلم الذكر منهم والأُنثى بإذن اللّه عزّوجلّ(2)-(3).
عن عمّار بن ياسر رضي اللّه عنهما قال : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام سائرا فمررنا بواد مملوّة نملاً فقلت : ياأمير المؤمنين ترى أحد من خلق اللّه يعلم عدد هذا النمل قال : نعم ياعمّار أنا أعرف رجلاً يعلم عدده وكم فيه ذكر وكم فيه أُنثى فقلت :
من ذلك الرجل ؟ فقال : ياعمّار ما قرأت في سورة « يس » «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» فقلت : بلى يامولاي فقال : أنا ذلك الإمام المبين(4).
وفي المناقب بالسند عن أبي الجارود عن محمّد الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين عليهم السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية «وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»قالوا :
ص: 419
يارسول اللّه هو التوراة أو الانجيل أو القرآن قال : لا فأقبل إليه أبي عليه السلام فقال صلى الله عليه و آله : هو هذا الإمام الذي أحصى اللّه فيه علم كلّ شيء(1).
قال الفرطوسي ج1 ص388 :
قال طه لمعشر سألوه
في حديث عن سيّد الشهداء
قال جاء في الذكر آية صدق
أذهبت باليقين كلّ إفتراء
كلّ شيء لدى إمام مبين
لكم أحصيناه دون خفاء
أهو يعني التوراة فيه أم الا
نجيل أم ذكر خاتم الأنبياء
قلت كلاّ لكن أراد عليا
حين وافاه سيّد الأوصياء
ص: 420
«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ يَتَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ »
سورة الصافات
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقال علي بن إبراهيم رحمه الله في قوله عزّوجلّ : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي أمالي شيخ الطائفة قدس سره : بإسناده إلى أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنّم لم يجز عليه إلاّ من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذلك قوله تعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» يعني عن ولاية علي بن أبي طالب(2).
وفي عيون الأخبار : في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار المتفرّقة حديث طويل وفي آخره : ثمّ قال عليه السلام وقد ذكر علي عليه السلام حاكيا عن النبي صلى الله عليه و آله : وعزّة ربّي إنّ جميع أُمّتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قوله تعالى :
«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : عن ولاية علي عليه السلام(3).
ص: 421
وفي شرح الآيات الباهرة : روى أبو عبداللّه بن العبّاس رحمه الله ، عن صالح بن أحمد ، عن أبي مقاتل ، عن حسين بن حسن ، عن حسين بن نصر بن مزاحم ، عن القاسم بن الغفّار ، عن أبي الأحوص ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن ابن عبّاس في قول اللّه عزّوجلّ : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
ويعضده ما رواه محمّد بن مؤمن ، عن الشيرازي رحمه الله في كتابه حديثا يرفعه بإسناده إلى ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا
أن يسعّر النيران السبع ، ويأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمان ، ويقول : ياميكائيل هزّ الصراط على متن جهنّم ، ويقول : ياجبرئيل انصب ميزان العدل تحت العرش ، ويقول : يامحمّد قرّب أُمّتك للحساب ، ثمّ يأمر اللّه عزّوجلّ أن يعقد على الصراط سبع قناطر ، طول كلّ قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك يسألون هذه الأُمّة نساءهم ورجالهم على القنطرة الأُولى عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وحبّ أهل البيت ، فمن أُتي به جاز على القنطرة الأُولى كالبرق الخاطف ، ومن لا يحبّ أهل البيت سقط على أُمّ رأسه في قعر جهنّم ، ولو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا(2).
وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مصباح الأنوار حديثا يرفعه بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ونصب الصراط على شفير جهنّم ، فلم يجز عليه إلاّ من
ص: 422
كانت معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وذكر أيضا في الكتاب المذكور حديثا يرفعه بإسناده عن عبداللّه بن عبّاس رضى الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعلي على الصراط ، بيد كلّ واحد منّا سيف ، فلا يمرّ أحد من خلق اللّه إلاّ سألناه عن ولاية علي عليه السلام ، فمن كان معه شيء منها نجا وفاز وإلاّ نضرب عنقه وألقيناه في النار ، ثمّ تلا : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ يَتَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ»(2).
روى الخوارزمي بإسناده عن أبي إسحاق في قوله تعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : « يعني عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام إنّه لا يجوز أحد الصراط إلاّ وبيده براءة بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).
روى ابن حجر بإسناده عن أبي سعيد الخدري « إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن ولاية علي ، وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روى في قوله تعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ اللّه أمرنبيّه صلى الله عليه و آله أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى أنّهم يسألون : هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه و آله أو أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة »(4).
ص: 423
قال الزرندي : « وروى عن ولاية علي رضى الله عنه ، والمعنى أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه و آله أو أضاعوها وأهملوها »(1).
روى القندوزي بإسناده عن جعفر الصادق عن آبائه عن علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنهم) عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « إذا جمع الأوّلين والآخرين يوم القيامة نصب الصراط على جهنّم لم يجز عنها أحد إلاّ من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب »(2).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : « عن إمامة علي بن أبي طالب »(3).
وروى بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «وَقِفُوهُمْإِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» قال : « عن ولاية علي بن أبي طالب » .
وروى بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كان يوم القيامة أُوقف أنا وعلي على الصراط ، فما يمرّ بنا أحد إلاّ سألناه عن ولاية علي فمن كانت معه وإلاّ ألقيناه في النار ، وذلك قوله : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(4).
وروى الحبري بسنده عن ابن عبّاس عن قوله : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»
ص: 424
قال : « عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام »(1).
روى السيّد شهاب الدين أحمد بإسناده عن أبي برزة ؟؟؟ ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم ونحن حوله : والذي نفس محمّد بيده لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت ، قال : فقال عمر ؟؟؟ : يانبي اللّه وما آية حبّكم من بعدك ؟ فوضع صلى الله عليه و آله يده على رأس علي عليه السلام وهو على جنبه فقال : آية حبّنا من بعدي حبّ هذا وأولاده »(2).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص59 :
وقفوهم إنّ الولاية صكّ
وجواز على صراط سويّ
إنّهم مسؤولون فردا ففردا
عن موالاة سيّد الأوصياء
لا يجاز الصراط إلاّ بصكّ
من علي موقّع بالولاء
ص: 425
«وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَءِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»
سورة الصافات
وروي عن مولانا الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّه قال : قوله عزّوجلّ : «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَءِبْرَاهِيمَ» أي أنّ إبراهيم عليه السلام من شيعة علي (صلوات اللّه وسلامه عليه) ، والخبران متوافقان ، لأنّ كلّ من كان من شيعة النبي صلى الله عليه و آله فهو من شيعة علي عليه السلام ، وكلّ من كان من شيعة علي فهو من شيعة النبي (صلّى اللّه عليهما وعلى ذرّيتهما الطاهرين)(1).
ويؤيّد هذا التأويل ما رواه الشيخ محمّد بن الحسين رحمه الله ، عن محمّد بن وهبان ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن رحيم ، عن العبّاس بن محمّد ، قال : حدّثني أبي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، قال : حدّثني أبي ، عن أبي بصير يحيى بن القاسم قال : سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَءِبْرَاهِيمَ» فقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه لمّا خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش فقال : إلهي ما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور محمّد صلى الله عليه و آله صفوتي من خلقي ، ورأى نورا إلى جنبه فقال : إلهي وما هذا النور ؟ فقيل
ص: 426
له : هذا نور علي بن أبي طالب عليه السلام ناصر ديني ، ورأى إلى جنبيهم ثلاثة أنوار فقال : إلهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة فطمت محبّيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : إلهي وأرى تسعة أنوار قد أحدقوا بهم ، قيل : ياإبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولد علي وفاطمة ، فقال إبراهيم : إلهي بحقّ هؤلاء الخمسة إلاّ عرّفتني من التسعة ؟ قيل : ياإبراهيم أوّلهم علي بن الحسين وابنه محمّد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمّد وابنه علي وابنه الحسن والحجّة القائم ابنه ، فقال إبراهيم : إلهي وسيّدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يُحصي عددهم إلاّ أنت ، قيل : ياإبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال إبراهيم : وبما تعرف شيعته ؟ قال : بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختّم في اليمين ، فعند ذلك قال إبراهيم : اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام قال : فأخبر اللّه تعالى في كتابه فقال : «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَءِبْرَاهِيمَ»(1).
ص: 427
سورة الصافات
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن أحمد بن عمر بن يونس الحنفي اليمامي ، عن داود بن سليمان المروزي ، عن الربيع بن عبداللّه الهاشمي ، عن أشياخ من آل علي بن أبي طالب عليه السلام قالوا : قال علي عليه السلام في بعض خطبته : إنّا آل محمّد كنّا أنوارا حول العرش فأمرنا اللّه بالتسبيح فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، ثمّ أهبطنا إلى الأرض فأمرنا اللّه بالتسبيح فسبّحنا فسبّحت أهل الأرض بتسبيحنا ، فإنّا لنحن الصافّون ، وإنّا لنحن المسبّحون(1).
وكذلك ما روي مرفوعا إلى محمّد بن زياد قال : سأل ابن مهران عبداللّه بن العبّاس رحمه الله عن تفسير قوله تعالى : «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» فقال ابن عبّاس : إنّا كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا رآه النبي تبسّم في وجهه وقال : مرحبا بمن خلقه اللّه قبل آدم بأربعين ألف عام ، فقلت :
يارسول اللّه أكان الإبن قبل الأب ؟ قال : نعم إنّ اللّه تعالى خلقني وخلق عليا قبل أن يخلق آدم بهذه المدّة ، خلق نورا فقسّمه نصفين ، فخلقني من نصفه وخلق عليا من
ص: 428
النصف الآخر قبل الأشياء كلّها ، ثمّ خلق الأشياء فكانت مظلمة ، فنورها من نوري ونور علي ، ثمّ جعلنا عن يمين العرش ، ثمّ خلق الملائكة فسبّحنا فسبّحت الملائكة ، وهلّلنا وهلّلت الملائكة ، وكبّرنا فكبّرت الملائكة ، فكان ذلك من تعليمي وتعليم علي عليه السلام ، وكان ذلك في علمه السابق أن لا يدخل النار محبّ لي ولعلي عليه السلام ، ولا يدخل الجنّة مبغض لي ولعلي ، ألا وإنّ اللّه عزّوجلّ خلق الملائكة بأيديهم أباريق اللجين مملوءة من ماء الحياة من الفردوس ، فما أحد من شيعة علي عليه السلام إلاّ وهو طاهر الوالدين تقي نقي مؤمن باللّه ، فإذا أراد واحدهم أن يواقع أهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيديهم أباريق ماء الجنّة فيطرح من ذلك الماء في آنيته التي يشرب منها فيشرب من ذلك الماء فينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع ، فهم على بيّنة من ربّهم ومن نبيّهم ومن وصيّه علي بن أبي طالب عليه السلام ومن ابنتي الزهراء ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين ، فقلت : يارسول اللّه ومن هم الأئمّة ؟ قال : أحد عشر منّي
وأبوهم علي بن أبي طالب عليه السلام ثمّ قال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد للّه الذي جعل محبّة علي والإيمان سببين ، يعني سببا لدخول الجنّة وسببا للنجاة من النار(1).
ص: 429
«وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ»
سورة ص
وفي عيون الأخبار : بإسناده إلى أبي الصلت الهروي قال : كان الرضا عليه السلام يكلّم الناس بلغاتهم ، وكان واللّه أفصح الناس وأعلمهم بكلّ لسان ولغة ، فقلت له يوما : يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ؟ فقال له : ياأبا الصلت أنا حجّة اللّه على خلقه ، وما كان اللّه ليتّخذ حجّة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أوَ ما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : أُوتينا فصل الخطاب ، فهل فصل الخطاب إلاّ معرفة اللغات(1)؟!
وفيه : في الزيارة الجامعة لجميع الأئمّة المنقولة عن الجواد عليه السلام : وفصل الخطاب عندكم(2).
وفي كتاب الخصال : بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سمعته يقول : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله علّمني ألف باب من الحلال والحرام وممّا كان وممّا يكون إلى يوم القيامة ، كلّ باب منها يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب حتّى
ص: 430
علمت المنايا وفصل الخطاب(1).
عن يزداد بن إبراهيم ، عمّن حدّثه من أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : واللّه لقد أعطاني اللّه تبارك وتعالى تسعة أشياء لم يعطها أحدا قبلي خلا النبي صلى الله عليه و آله : لقد فُتحت لي السبل وعُلّمت الأنساب ، وأُجري لي السحاب ، وعُلّمت المنايا والبلايا وفصل الخطاب(2) الحديث .
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة : بإسناده إلى سلمان الفارسي ، عن النبي صلى الله عليه و آله حديث طويل قال فيه - وقد ذكر علي بن أبي طالب عليه السلام وفضائله - مخاطبا لفاطمة عليهاالسلام : وإنّك يابنيّة زوجته ، وابناه سبطاي حسن وحسين ، وهما سبطا أُمّتي ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وأنّ اللّه عزّوجلّ آتاه الحكمة وفصل الخطاب(3).
وفي أُصول الكافي : أحمد بن مهران ، عن محمّد بن علي ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن الفضل بن عمر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ولقد أُعطيت خصالاً ما سبقني إليها أحد قبلي ، عُلّمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب(4).
وبإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ولقد أُعطيت الست : علم المنايا والبلايا ، والوصايا ، والأنساب ، وفصل الخطاب ، وإنّي لصاحب الكرّات
ص: 431
ودولة الدول ، وأنّي لصاحب العصا والميسم والدابّة التي تكلّم الناس(1). وهذا الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
وفي بصائر الدرجات : بإسناده إلى سلمان الفارسي قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب وفصل الخطاب(2).
وعندهم فصل الخطاب والحكم
علم الوصايا والمنايا والألم
ص: 432
«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»
سورة الزمر
تأويله : ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن رجاله ، عن عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَإِذَا مَسَّ الاْءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» الآية قال : نزلت في أبي فضيل ، وذلك أنّه كان عنده أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساحر فإذا مسّه الضرّ يعني السقم «دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ»يعني تائبا إليه من قوله في رسول اللّه صلى الله عليه و آله «ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ» يعني العافية «نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ» يعني التوبة ممّا كان يقول في رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأنّه ساحر ولذلك قال له عزّوجلّ : «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»يعني بإمرتك على الناس بغير حقّ من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله . ثمّ قال أبو عبداللّه
عليه السلام : ثمّ إنّه سبحانه عطف القول على علي عليه السلام مخبرا بحاله وفضله عنده فقال : «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» أنّ محمّدا رسول اللّه «وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» أنّ محمّدا رسول اللّه بل يقولون إنّه ساحر كذّاب «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
ص: 433
أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» وهم شيعتنا . ثمّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : هذا تأويله ياعمّار(1).
ويؤيّد أنّ قوله تعالى : «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» الآية أنّها في أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه المعني بها ما رواه أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلمي رحمه الله عن رجاله مسندا ، عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب . أخبر اللّه سبحانه بفضله وعبادته وعلمه وعمله وعظيم منزلته عنده .
ثمّ قال سبحانه مخبرا عن علمه وعلم أولاده وجهل أعدائه وأضداده وأنّ شيعتهم أُولوا الألباب فقال عزّوجلّ(2).
«وَإِذَا مَسَّ الاْءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» إلى قوله «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»فممّن ذكره النيسابوري في روضة الواعظين أنّه قال عروة بن الزبير سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت في علي عليه السلام «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ»
الآية ، قال الرجل فأتيت عليا وقت المغرب فوجدته يصلّي ويقرأ إلى أن طلع الفجر ، ثمّ جدّد وضوئه وخرج إلى المسجد وصلّى بالناس صلاة الفجر ثمّ قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ثمّ قصده الناس فجعل يقضصي بينهم إلى أن قام صلاة الظهر ثمّ قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ثمّ كان يحكم بين الناس ويفتيهم(3).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص؟؟؟ :
ص: 434
أفمن كان قانتا بخشوع
ساجدا قائما لربّ السماء
وهو يخشى يوم المعاد ويرجو
رحمة اللّه عند يوم بقاء
أفهل يستوي ؟؟؟ وفضلاً
زمرة العالمين والجهلاء
آية أُوحيت من اللّه نصّا
واختصاصا بسيّد الأوصياء
ص: 435
«أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه ُ صَدْرَهُ للاِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه ِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ»
سورة الزمر
وفي تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله : وقوله عزّوجلّ : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه ُ صَدْرَهُ للاِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» قال : نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : وروى الواحدي في أسباب النزول قال : قال عطاء في تفسيره : أنّها نزلت في علي وحمزة عليهماالسلام(2).
وفي روضة الواعظين : وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله قرأ : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه ُ صَدْرَهُ للاِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» فقال : إنّ النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح ، قالوا : يارسول اللّه فهل لذلك علامة يعرف بها ؟ قال : التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت(3).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص180 :
ص: 436
أفمن لليقين والدين حقّا
شرح اللّه صدره بصفاء
فهو يهدي بنوره وسواه
تائه في ضلالة الأهواء
آية أُوحيت على صدر طه
لعلي وسيّد الشهداء
قد أتانا فيها حديث طريف
عنهم من بدائع الأنباء
ص: 437
«ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للّه ِِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»
سورة الزمر
علي بن إبراهيم رحمه الله قال : قوله عزّوجلّ : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» فإنّ هذا المثل لأعداء أمير المؤمنين عليه السلام . وشركاؤه المتشاكسون أعداؤه الذين ظلموه وغصبوه حقّه لقوله «شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» أي متباغضون له . ثمّ قال : «وَرَجُلاً سَلَما» يعني أمير المؤمنين عليه السلام «لِرَجُلٍ» يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله«هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للّه ِِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»(1).
قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن عمرو بن محمّد بن تركي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن محمّد بن شعيب ، عن قيس بن الربيع ، عن منذر الثوري ، عن محمّد ابن الحنفية ، عن أبيه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» قال : أنا ذلك الرجل السالم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال عن أبي بكير ، عن حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
ص: 438
في قول اللّه عزّوجلّ : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَما» هو علي عليه السلام «لِرَجُلٍ» هو النبي صلى الله عليه و آله . وشركاء متشاكسون أي مختلفون . وأصحاب علي عليه السلام مجتمعون على ولايته .
وقال أيضا : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن عبدالرحمن بن سلاّم ، عن أحمد بن عبداللّه بن عيسى بن مصقلة القمّي ، عن بكير بن الفضل ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» قال : الرجل السالم لرجل علي عليه السلام وشيعته .
ويؤيّده ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قوله عزّوجلّ : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للّه ِِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»أمّا الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون فلان الأوّل يجمع المتفرّقون ولايته وهم في ذلك يلعن بعضهم بعضا ويتبرّأ بعضهم من بعض . وأمّا الرجل السالم الرجل فإنّه أمير المؤمنين حقّا وشيعته(1)-(2).
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي حدّثنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني عمرو بن محمّد بن تركي(3) حدّثنا محمّد بن الفضل ، حدّثنا
ص: 439
محمّد بن شعيب ، عن قيس بن الربيع ، عن منذر الثوري :
عن محمّد بن الحنفية عن علي عليه السلام في قوله تعالى : «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ»قال : أنا ذلك الرجل السليم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وبه حدّثنا أبو أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالرحمان بن بسطام ، حدّثنا أحمد بن عبداللّه بن عيسى بن مصقلة القمي ؛ قال : حدّثني بكير بن الفضيل(1) عن أبي خالد الكابلي :
عن أبي جعفر قال : الرجل السالم لرجل علي وشيعته .
أخبرنا عقيل بن الحسين ، أخبرنا علي بن الحسين ، حدّثنا محمّد بن عبيداللّه ، حدّثنا عبدويه بن محمّد بشيراز ، حدّثنا أبو الحسن سهل بن نوح بن يحيى الجنابي حدّثنا يوسف بن موسى القطّان قال : حدّثني عمرو بن حمران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن عطاء :
عن عبداللّه بن عبّاس في قول اللّه تعالى : «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ»
فالرجل هو أبو جهل ، والشركاء آلهتهم التي يعبدونها ، كلّهم يدّعيها يزعم أنّه أولى بها «وَرَجُلاً» يعني عليا «سَلَما» يعني سلما دينه للّه يعبده وحده لا يعبد غيره «هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً» في الطاعة والثواب(2).
قال الفرطوسي ج1 ص180 :
ضرب اللّه حكمة واعتبارا
مثلاً في الكتاب للعقلاء
ص: 440
لا يساوي بمن له شركاء
رجل خالص من الشركاء
جاء أنّ المقصود فيها علي
حين خصّت بسيّد الأوصياء
فهو للمصطفى محمّد أضحى
سلما دون سائر الرفقاء
ص: 441
«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ»
سورة الزمر
وفي كتاب التوحيد : بإسناده إلى أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : أنا الهادي ، وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كلّ ضعيف ومأمن كلّ خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنّة ، وأنا حبل اللّه المتين ، وأنا عروة اللّه الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين اللّه ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب اللّه الذي يقول : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» ، وأنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطّة من
عرفني وعرف حقّي فقد عرف ربّه لأنّي وصيّي نبيّه في أرضه وحجّته على خلقه ، لا ينكر هذا إلاّ رادّ على اللّه ورسوله(1).
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة : بإسناده إلى خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : نحن جنب اللّه (2) والحديث طويل أخذت منه موضع
ص: 442
الحاجة .
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن أبي نصر ، عن حسّان الجمّال قال : حدّثني هاشم بن أبي عمارة الجنبيّ قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أنا عين اللّه ، وأنا يد اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا باب اللّه (1).
محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» قال : جنب اللّه أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : نحن جنب اللّه (3).
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه : وقد زاد جلّ ذكره في التبيان وإثبات الحجّة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم السلام : «أَنْ
تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» تعريفا للخليقة قربهم ، ألا ترى أنّك تقول : فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه ، وإنّما جعل اللّه تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأُمّة ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم
ص: 443
في تركها وترك غيرها من الخطاب الدالّ على ما أحدثوه فيه(1).
وفي مجمع البيان وروى العياشي بالإسناد ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : نحن جنب اللّه (2).
وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب : أبو ذرّ في خبر عن النبي صلى الله عليه و آله : ياأبا ذرّ يؤتى بجاحد علي يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ينادي : «يَا
حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» . وفي عنقه طوق من النار(3).
وروى العياشي : بإسناده إلى أبي الجارود عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : «مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» قال : نحن جنب اللّه (4).
وفي محاسن البرقي : عنه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن يزيد الصائغ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : يايزيد إنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل
ثمّ خالفوه ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ»(5).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا أحمد بن هوذة الباهلي ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن حمران بن أعين ، عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام وفي قول اللّه عزّوجلّ :
ص: 444
«يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» قال : خلقنا اللّه جزءا من جنب اللّه ، وذلك قوله عزّوجلّ : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ»يعني في ولاية علي عليه السلام(1).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن العبّاس ، عن حسن بن محمّد ، عن حسين بن علي بن بهليس ، عن موسى بن أبي الغدير ، عن عطاء الهمداني ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» قال : قال علي عليه السلام : أنا جنب اللّه وأنا حسرة الناس يوم القيامة(2).
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حمزة بن بزيع ، عن علي النباني ، عن أبي الحسن عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» قال : جنب اللّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وكذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع حتّى ينتهي الأمر إلى آخرهم ، واللّه أعلم بما هو كائن بعده(3).
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : وقد سأله رجل عن قول اللّه عزّوجلّ : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ» فقال أبو عبداللّه عليه السلام : نحن واللّه خلقنا من نور جنب اللّه ، وذلك قول الكافر إذا استقرّت به الدار : «يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ»يعني
ولاية محمّد وآل محمّد (صلوات اللّه عليهم
ص: 445
أجمعين)(1).
«وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ» المستهزئين بأهله ، ومحل «وَإِنْ كُنْتُ» نصب على الحال كأنّه قال : فرّطت وأنا ساخر .
وفي كتاب الخصال : فيما علّم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه : نحن الخزّان لدين اللّه ، ونحن مصابيح العلم ، إذا مضى منّا علم بدا علم ، لا يضلّ من اتّبعنا ، ولا يهتدي من أنكرنا ، ولا ينجو من أعان علينا عدوّنا ، ولا يعان من أسلمنا ، فلا تتخلّفوا عنّا لطمع دنيا وحطام زائل عنكم وأنتم تزولون عنه ، فإنّ من آثر الدنيا على الآخرة واختارها علينا عظمت حسرته غدا ، وذلك قول اللّه تعالى : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ»(2).
وفي بصائر الدرجات : أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن القسم بن يزيد ، عن مالك الجهني ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : أنا شجرة من جنب اللّه ، فمن وصلنا وصله اللّه ثمّ تلا هذه الآية : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ»(3)-(4).
روى العلاّمة البحراني عن صاحب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) قال :
يروى عن أبي بكر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب :
ص: 446
خلقت أنا وأنت ياعلي من جنب اللّه تعالى .
فقال : يارسول اللّه ما جنب اللّه تعالى ؟
قال صلى الله عليه و آله : سرّ مكنون ، وعلم مخزون ، لم يخلق اللّه منه سوانا ، فمن أحبّنا وفى بعهد اللّه ، ومن أبغضنا فإنّه يقول في آخر نفس :
«يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ»(1).
وأخرج الحافظ سليمان القندوزي الحنفي قال : في المناقب عن أبي بصير عن جعفر الصادق رضى الله عنه قال : قال أمير المؤمنين علي سلام اللّه عليه في خطبته - وسرد بعد الخطبة إلى أن قال - :
قال علي : وأنا جنب اللّه الذي يقول اللّه تعالى فيه : «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ»(2).
قال الفرطوسي في الملحمة ج1 ص45 :
يوم حزنا تقول وا حسرتاه
كلّ نفس قد فرّطت بالولاء
وردتنا ثلاثة عن صحاح
أسندوها لخاتم الأنبياء
نحن جنب اللّه الذي هو سرّ
مودع منه في ضمير الخفاء
نحن مخزون علمه في البرايا
آل طه وصفوة الأصفياء
ص: 447
«وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاْءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللّه ِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللّه ِ تَصِيرُ الْأُمُورُ »
سورة الشورى
وفي تفسير علي بن إبراهيم : ثمّ كنّى عن أمير المؤمنين عليه السلام فقال : «وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا» ، والدليل على أنّ النور أمير المؤمنين عليه السلام قوله عزّوجلّ : «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ...» الآية(1).
وفي بصائر الدرجات : عبداللّه بن عامر ، عن أبي عبداللّه البرقي ، عن الحسين بن عثمان ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالاْءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ» قال : تفسيرها في بطن القرآن يعني من يكفر بولاية علي وعلي هو
ص: 448
الإيمان - إلى قوله : - وأمّا قوله : «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»يعني إنّك لتأمر بولاية علي عليه السلام وتدعو إليها وعلي هو الصراط المستقيم(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد قال : حدّثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم قال : حدّثنا محمّد بن علي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ لنبيّه صلى الله عليه و آله : «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاْءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا» يعني : عليا وعلي (صلوات اللّه عليه) هو النور ، فقال : «نَهْدِي
بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا» يعني : عليا يهدي به من هدى من خلقه ، قال : وقال اللّه عزّوجلّ لنبيّه صلى الله عليه و آله: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» يعني : إنّك لتأمر بولاية علي عليه السلام وتدعو إليها وعلي هو الصراط المستقيم(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه اللهحدّثنا علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن علي بن هلال ، عن الحسن بن وهب العبسي ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا» قال : ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام وفي قوله : «إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» قال : إلى ولاية علي بن أبي طالب عليه وعلى ذرّيته الأماجد الكرام ، الصفوة من الأنام ، وخيرة الملك العلاّم ، سلام دائم مستمرّ الدوام على مرّ الشهور والأعوام ، ما سبّح الرعد في الغمام ، ونسخ الضياء الظلام(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : متّصلاً بقوله : وعلي هو الصراط المستقيم
ص: 449
«صِرَاطِ اللّه ِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني : عليا أنّه جعل خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه(1)-(2).
ولايته صراط مستقيم
علي دائم نور قويم
ص: 450
«حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»
سورة الزخرف
وفي تفسير علي بن إبراهيم رحمه الله : وقوله عزّوجلّ : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا
لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» يعني أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) مكتوب في الفاتحة في قوله عزّوجلّ : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال أبو عبداللّه عليه السلام : هو أمير المؤمنين عليه السلام(1).
وفي تهذيب الأحكام : في الدعاء المنقول بعد صلاة يوم الغدير عن أبي عبداللّه عليه السلام ربّنا آمنّا واتّبعنا مولانا ووليّنا وهادينا وداعينا وداعي الأنام وصراطك المستقيم السوي وحجّتك وسبيلك الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتّبعه ، وسبحان اللّه عمّا يشركون بولايته وبما يلحدون باتّخاذ الولائج دونه ، فاشهد ياإلهي أنّه الإمام الهادي المرشد الرشيد علي أمير المؤمنين عليه السلام الذي ذكرته في كتابك ، فقلت : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» لا أُشرك معه إماما ولا اتّخذ من دونه وليجة(2).
وفي كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله قال :
ص: 451
حدّثنا أبي ، عن جدّي ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال : هو أمير المؤمنين عليه السلام ، ومعرفته والدليل على أنّه أمير المؤمنين عليه السلام قوله عزّوجلّ : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» وهو أمير المؤمنين عليه السلام في أُمّ الكتاب في قوله : «اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ»(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى الحسن بن الحسن الديلمي رحمه الله بإسناده عن رجاله إلى حمّاد السندي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام وقد سأله سائل عن قول اللّه عزّوجلّ :
«وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» قال : هو أمير المؤمنين عليه السلام(2).
وروى محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن إدريس ، عن عبداللّه بن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن القاسم ، عن محمّد بن علي بن جعفر قال : سمعت الرضا عليهم السلام وهو يقول : قال أبي عليه السلام : وقد تلا هذه الآية : «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ» قال : علي بن أبي طالب عليه السلام(3).
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن محمّد النوفلي ، عن محمّد بن حمّاد الشاشي ، عن الحسين بن أسد الظفاري ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن عبّاس الصائغ ، عن سعد الاسكاف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السلام حتّى انتهينا إلى صعصعة بن صوحان فإذا هو على فراشه ، فلمّا رأى عليا خفّ له ، فقال له علي عليه السلام : لا تتّخذنّ زيارتنا إيّاك فخرا على قومك ، قال : لا ياأمير المؤمنين ولكن زخرا وأجرا ، فقال له : واللّه ما كنت علمتك إلاّ خفيف المؤونة كثير المعونة ، فقال :
ص: 452
صعصعة : وأنت واللّه ياأمير المؤمنين إنّك ما علمتك إلاّ باللّه العليم ، وإنّ اللّه في عينك
لعظيم ، وإنّك في كتاب اللّه لعلي حكيم ، وإنّك بالمؤمنين رؤوف رحيم(1).
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن واهل بن سليمان ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لمّا صرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام
حتّى جلس عند رأسه فقال : رحمك اللّه يازيد قد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة ، فرفع زيد رأسه إليه فقال : وأنت جزاك اللّه خيرا ياأمير المؤمنين ، فواللّه ما علمتك إلاّ
باللّه عليما ، وفي أُمّ الكتاب عليّا حكيما ، وإنّ اللّه في صدرك عظيما(2).
الصراط المستقيم المنجلي
هو في أُمّ الكتاب لعلي
ص: 453
«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»
سورة الزخرف
حدّثني أبي ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ» يامحمّد إلى المدينة ، فإنّا رادّوك إليها منتقمون منهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وروى جابر بن عبداللّه الأنصاري أنّي لأدناهم من رسول اللّه
صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع بمنى حتّى قال : لألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم اللّه لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة التي تضاربكم ، ثمّ التفت إلى خلفه ، فقال :
ص: 454
أو علي أو علي ثلاث مرّات فرأينا أنّ جبرائيل غمزه ، فأنزل اللّه على أثر ذلك : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ»بعلي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم : قال : حدّثنا أبو القاسم العلوي قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال : حدّثنا الفضل بن يوسف القصباني قال : حدّثني إبراهيم بن الحكم بن ظهير قال : حدّثنا أبي السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال : بعلي بن أبي طالب عليه السلام(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى النوفلي ، عن عيسى بن مهران ، عن يحيى بن حسن بن فرات بإسناده إلى حرب بن أبي الأسود الديلمي ، عن عمّه أنّه قال : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا نزلت : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» أي بعلي ، كذلك حدّثني جبرئيل
عليه السلام(3).
وقال أيضا : حدّثني الحسين بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبدالرحمان بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال : واللّه انتقم بعلي عليه السلام يوم البصرة ، وهو اليوم الذي وعد اللّه ورسوله(4).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن علي بن هلال ،
ص: 455
عن محمّد بن الربيع قال : قرأت على يوسف الأزرق حتّى انتهيت في الزخرف «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال : يامحمّد أمسك ، فأمسكت ، فقال يوسف :
قرأت على الأعمش ، فلمّا انتهيت إلى هذه الآية قال : يايوسف أتدري فيمن نزلت ؟ قلت : اللّه أعلم ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ»
بعلي «مُنْتَقِمُونَ»فمحيت واللّه من القرآن ، واختلست واللّه من القرآن(1).
وفي الكافي : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن مارد ، عن محمّد بن الفضل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أوحى اللّه إلى نبيّه صلى الله عليه و آله«إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» قال : إنّك على ولاية علي عليه السلام وعلي هو الصراط المستقيم(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : حدّثنا علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن علي بن هلال ، عن الحسن بن وهب ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه تبارك وتعالى : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِىَ إِلَيْكَ» فقال : في علي بن أبي طالب عليه السلام(3).
وروى الشيخ محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب بإسناده إلى محمّد بن الفضل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أوحى اللّه إلى نبيّه صلى الله عليه و آله «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ» في
ص: 456
ولاية علي عليه السلام «عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : حدّثنا محمّد بن القاسم ، عن الحسين بن الحكم ، عن حسين بن أبي نصر ، عن أبيه ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، عن علي عليه السلام قال : قوله : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» فنحن قومه ونحن المسؤولون(2).
وروي عن محمّد بن خالد البرقي ، عن الحسين بن يوسف ، عن أبيه ، عن ابني قاسم بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» قال : قوله : «وَلِقَوْمِكَ» يعني عليا أمير المؤمنين عليه السلام«وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» عن ولايته(3).
وفي شرح الآيات الباهرة : روي عن طريق العامّة أبو نعيم الحافظ أنّ النبي صلى الله عليه و آله ليلة أُسري به إلى السماء جمع اللّه بينه وبين الأنبياء ، ثمّ قال : سلهم يامحمّد على ماذا بعثتم ؟ فقالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والإقرار بنبوّتك ،
والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام(4).
محمّد بن العبّاس ، عن جعفر بن محمّد الحسني ، عن علي بن إبراهيم القطّان ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن محمّد بن فضيل ، عن محمّد بن سوقة ، عن علقمة ، عن عبداللّه بن مسعود ، قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : في حديث الإسراء فإذا ملك قد
ص: 457
أتاني ، فقال : يامحمّد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ماذا بعثتم ؟ فقلت : لهم معاشر الرسل والنبيين على ماذا بعثكم اللّه قبلي ؟ قالوا : على ولايتك يامحمّد وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده ، عن رجاله إلى محمّد بن مروان قال : حدّثنا التائب بإسناده إلى ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لمّا عرج بي إلى السماء انتهى بي المسير مع جبرئيل إلى السماء الرابعة فرأيت بيتا من ياقوت أحمر ، فقال لي جبرئيل : يامحمّد هذا البيت المعمور خلقه اللّه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام ، فصلّ فيه فقمت للصلاة وجمع اللّه النبيّين والمرسلين فصفّهم جبرئيل صفّا فصلّيت بهم ، فلمّا سلّمت أتاني آت من عند ربّي فقال : يامحمّد ربّك يقرئك السلام ويقول : لك سل الرسل على ماذا أُرسلتم من قبل ؟ فقلت : معاشر الرسل والأنبياء على ماذا بعثكم ربّي قبلي ؟ قالوا : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، وذلك قوله : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ...» الآية(2).
ومن طريق العامّة عن أبي نعيم الحافظ ، عن محمّد بن حميد يرفعه ، عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا جمع اللّه بيني وبين الأنبياء ليلة الإسراء قال اللّه تعالى : سلهم يامحمّد على ما بعثتم ؟ قالوا : بعثنا اللّه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والإقرار بنبوّتك ، وعلى الولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام(3).
ص: 458
ومن طريق الخاصّة وروى الشيخ محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن قال : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث اللّه رسولاً إلاّ بنبوّة محمّد ووصيّه علي عليه السلام(1).
وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في أماليه ، عن محمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه السلام عن أبيه ، عن جدّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما قبض اللّه نبيّا حتّى أمره أن يوصي إلى أفضل عترته من عصبته ، وأمرني أن أُوصي ، فقلت : إلى من ياربّ ؟ فقال : أوص يامحمّد إلى ابن عمّك علي بن أبي طالب عليه السلام فإنّي قد أُثبّته في الكتب السالفة ، وكتبت فيها أنّه وصيّك ، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي ، أخذت مواثيقهم لي بالربوبية ، ولك يامحمّد بالنبوّة ولعلي بالولاية(2).
وروى مسندا مرفوعا عن جابر بن عبداللّه قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياجابر أيّ الأُخوة أفضل ؟ قال : قلت : البنون من الأب والأُمّ ، فقال : إنّا معاشر الأنبياء إخوة وأنا أفضلهم ، وأحبّ الأُخوة إليّ علي بن أبي طالب عليه السلام فهو عندي أفضل من الأنبياء ، فمن زعم أنّ الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلّهم ، ومن جعلني أقلّهم فقد كفر ، لأنّي لم أتّخذ عليا عليه السلام أخا ألا لما علمت من فضله وأمرني ربّي بذلك(3).
وفي الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : عن أمير المؤمنين
عليه السلام حديث طويل يقول فيه :
ص: 459
وأمّا قوله : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» فهذا من براهين نبيّنا صلى الله عليه و آله التي أتاه اللّه إيّاها ، وأوجب به الحجّة على سائر خلقه ، لأنّه لمّا ختم الأنبياء عليهم السلام وجعله اللّه رسولاً إلى جميع الأُمم وسائر الملل خصّه بالارتقاء إلى السماء عند المعراج ، وجمع له يومئذ الأنبياء ، فعلم منهم ما أُرسلوا به ، وحملوا من عزائم اللّه وآياته وبراهينه ،
فأقرّ الأجمعون بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده ، وفضل شيعة وصيّه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلّموا لأهل الفضل فضلهم ، ولم يستكبروا عن أمرهم ، وعرف من أطاعهم وعصاهم من أُممهم وسائر من مضى ومن غبر أو تقدّم أو تأخّر(1)-(2).
أخبرنا عبدالرحمان بن علي بن محمّد البزّاز ، أخبرنا هلال بن محمّد بن جعفر بن سعدان ببغداد ، حدّثنا أبو القاسم إسماعيل بن علي الخزاعي بواسط ، حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا ، حدّثنا أبي موسى حدّثنا أبي جعفر ، حدّثنا أبي محمّد بن علي الباقر :
ورواه أيضا أبو صالح عن جابر :
أخبرنا عمرو بن محمّد أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي حدّثنا المغيرة بن محمّد .
وأخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي حدّثنا أبو أحمد البصري ، قال : حدّثني المغيرة بن محمّد ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد بن عبدالرحمان الأزدي الكوفي حدّثنا أبو بكر ابن عيّاش ، عن الكلبي :
ص: 460
عن أبي صالح ، عن جابر بن عبداللّه في قول اللّه تعالى : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال : بعلي بن أبي طالب عليه السلام .
روياه لفظا سواءً إلاّ ما عبرت .
والحديث الأوّل الموجود هنا ، ذكر أيضا في أحاديث أبي المفضّل من أمالي الطوسي ص116 .
ورواه ابن المغازلي في الحديث : (321) من مناقبه : ص274 قال :
أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى الغندجاني ، حدّثنا هلال بن محمّد الحفّار ، حدّثنا إسماعيل بن علي الخزاعي أخي دعبل حدّثنا أبي علي ، قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا قال : حدّثنا أبي موسى بن جعفر قال : حدّثنا أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثنا أبي محمّد بن علي الباقر ، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : إنّي لأدناهم برسول اللّه في حجّة الوداع ب- « منى » حين قال : لا ألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم اللّه إن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة التي تضارّ بكم . ثمّ التفت إلى خلفه فقال : أو علي - ثلاثا - فرأينا أنّ جبرئيل غمزه ، وأنزل اللّه على أثر ذلك «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» بعلي بن أبي طالب «أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ» ثمّ نزلت «قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ *رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ثمّ نزلت «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» عن ولاية علي بن أبي طالب .
أقول : ورواه عنه البحراني في الباب التاسع والثمانون من غاية المرام : ص383 .
ص: 461
ثمّ روى قوله : «فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» بعلي بن أبي طالب عن أبي نعيم بإسناده إلى حذيفة ، ثمّ عن فضائل السمعاني عن ابن عبّاس .
ورواه أيضاً أبو الزبير(1) عن جابر :(2)
ص: 462
أخبرنا أبو نصر محمّد بن عبدالواحد بن أحمد القروي قراءة ، وأبو القاسم
ص: 463
القرشي - وهو بخطّه عندي - قالا : أخبرنا أبو سعيد عبداللّه بن محمّد القرشي أخبرنا يوسف بن عاصم بن عبداللّه الرازي حدّثنا أحمد بن صبيح ، حدّثنا يحيى بن يعلى ، عن عمر بن موسى :
عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبداللّه قال : لمّا نزلت على النبي صلى الله عليه و آله : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال : بعلي بن أبي طالب .
أخبرنا عبدالرحمان بن الحسن ، أخبرنا محمّد بن إبراهيم ، حدّثنا مطين ، حدّثنا زريق بن مرزوق ، حدّثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» قال بعلي .
ورواه جماعة عن الحكم ، منهم ابنه إبراهيم ورفعه إلى ابن عبّاس :
فرات بن إبراهيم(1) قال : حدّثني الفضل بن يوسف القصباني حدّثني إبراهيم
ص: 464
ص: 465
بن الحكم بن ظهير ، حدّثنا أبي ، عن السدي :
عن أبي مالك عن ابن عبّاس في قوله : «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ»
قال : بعلي(1).
خليفة ربّ العالمين محمّد
بسيف علي النبي مؤيّد
ص: 466
«وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ»
سورة الزخرف
وفي تهذيب الأحكام : في الدعاء المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام بعد ركعتي صلاة الغدير : ربّنا فقد أجبنا داعيك النذير المنذر محمّدا صلى الله عليه و آله عبدك ورسولك إلى علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أنعمت عليه ، وجعلته مثلاً لبني إسرائيل إنّه أمير المؤمنين ومولاهم ووليّهم إلى يوم القيامة يوم الدين ، فإنّك قلت : «إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»(1).
وفي روضة الكافي : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم جالسا إذ أقبل
ص: 467
علي عليه السلام فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم ، ولولا أن تقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة ، قال : فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم ، فقالوا : ما رضى أن يضرب لابن عمّه مثلاً إلاّ عيسى بن مريم ، فأنزل اللّه على نبيّه : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...»الآية الحديث(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق ، عن أبي الأعزّ ، عن سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في أصحابه إذ قال : إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم ، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليكون هو الداخل فدخل علي عليه السلام ، فقال الرجل لبعض أصحابه : أما يرضى محمّد أن فضّل عليا علينا حتّى يشبّهه بعيسى بن مريم ، واللّه لآلهتنا التي كنّا نعبدها في الجاهلية أفضل منه ، فأنزل اللّه في ذلك
المجلس : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية إلى قوله : «إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ ...» الآية فمحي اسمه عن هذا الموضع(2).
وفي مجمع البيان : وقوله : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...»الآية اختلف في المراد على وجوه - إلى قوله : - ورابعها : ما رواه سادة أهل البيت ، عن علي عليه السلام قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه و آله يوما فوجدته في ملأ ، من قريش ، فنظر إليّ ثمّ قال : ياعلي عليه السلام إنّما مثلك في هذه الأُمّة كمثل عيسى بن مريم أحبّه قوم فأفرطوا في حبّه فهلكوا ، وأبغضه
ص: 468
قوم فأفرطوا في بغضه ، فهلكوا ، واقتصد فيه قوم فنجوا فعظم ذلك عليهم ، وضحكوا وقالوا : يشبه الأنبياء والرسل ، فنزلت هذه الآية(1).
وفي المناقب لابن شهر آشوب : وقال النبي صلى الله عليه و آله : يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى ، فدخل علي عليه السلام فضحكوا من هذا القول فنزل : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...»الآية(2).
وفي الخصال : في احتجاج علي عليه السلام على الناس يوم الشورى قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : احفظ الباب ، فإنّ زوّارا من الملائكة يزورني فلا تأذن لأحد منهم ، فجاء عمر فرددته ثلاث مرّات وأخبرته أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله محتجب وعنده زوّار من الملائكة وعدّتهم كذا وكذا ، ثمّ أذنت له فدخل فقال : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي قد جئتك ثلاث مرّات كلّ ذلك يردّني علي ويقول : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله محتجب وعنده زوّار من الملائكة وعدّتهم كذا وكذا ، فكيف علم بالعدّة أعاينهم ؟ فقال : ياعلي قد صدق كيف علمت بعدّتهم ؟ قال : اختلف علي التحيّات وسمعت الأصوات فأحصيت العدد ، قال : صدقت ، فإنّ فيك شبها من أخي عيسى ، فخرج عمر وهو يقول ضربه لابن مريم مثلاً ، فأنزل اللّه : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا(3).
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي : قال : حدّثنا الحسين بن سعيد قال : حدّثنا إسماعيل يعني ابن إسحاق قال : حدّثنا يحيى بن سالم ، عن صباح ، عن
ص: 469
الحارث بن حضيرة ، عن أبي صادق ، عن القاسم أخشبة بن جندب قال : قال : بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام إلى شعب فأعظم فيه النبأ ، فأتاه جبرئيل
فأخبره عنه ، فلمّا رجع قام إليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقبّله وجعل يمسح عرق وجه علي عليه السلام وهو يقول : قد بلغني نبأك ، والذي صنعت فأنا عنك راض ، قال : فبكى علي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما يبكيك ياعلي أفرح أم حزن ؟ قال : بل فرح ومالي لا أفرح وإنّك تخبرني يارسول اللّه أنّك عنّي راض ، قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ وملائكته وميكائيل وجبرئيل عنك راضون ، أما واللّه لولا أن يقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ منهم قلّوا أو كثروا إلاّ قاموا إليك ويأخذون التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة فقالت قريش : أما رضى حتّى جعله مثلاً لابن مريم ، فأنزل اللّه : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية وقوله : «يَصُدُّونَ» قال : يضجّون(1).
وقال : حدّثني علي بن محمّد بن هند الجعفي قال : حدّثني أحمد بن سليمان الفرقاني قال لنا ابن المبارك الصوري : لِمَ قال النبي صلى الله عليه و آله لأبي ذرّ : ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ؟ ألم يكن النبي صلى الله عليه و آله أصدق من أبي ذرّ ؟ قال : بلى ، قال : فما القصّة ياأبا عبداللّه في ذلك ؟ قال : كان النبي صلى الله عليه و آله في نفر من قريش إذ قال يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يشبه عيسى بن مريم ، فاستشرقت قريش للموضوع فلم يطلع أحد ، فقام النبي صلى الله عليه و آله لبعض حاجته إذ طلع من ذلك الفجّ علي عليه السلام فلمّا رأوه قالوا : الإرتداد وعبادة الأوثان أيسر علينا ممّا يشبّه ابن عمّه
ص: 470
بنبي صلى الله عليه و آله فقال أبو ذرّ : يارسول اللّه إنّهم قالوا كذا وكذا ، فقالوا بأجمعهم : كذب وخلفوا على ذلك ، فوجل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أبي ذرّ فما برح حتّى نزل عليه الوحي : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن زكريا ، عن يخدع بن عمير الحنفي ، عن عمرو بن قائد ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : بينما النبي صلى الله عليه و آله في نفر من أصحابه إذ قال : الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في أُمّتي ، فدخل أبو بكر فقالوا : هو هذا ، فقال : لا ، فدخل عمر فقالوا : هو هذا ، فقال : لا ، فدخل علي عليه السلام فقالوا : هو هذا ، فقال : نعم ، فقال قوم : لعبادة اللات والعزّى أهون من هذا ، فأنزل اللّه : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية(2).
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن سهل العطّار قال : حدّثنا أحمد بن عمرو الدهقان ، عن محمّد بن كثير الكوفي ، عن محمّد بن ثابت ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : يامحمّد إنّ عيسى بن مريم كان يحيي الموتى فأحي لنا الموتى ، فقال لهم : من تريدون ؟ فقالوا : فلان وإنّه قريب عهد بالموت ، فدعا عليا عليه السلام فأصغى إليه بشيء لا نعرفه ، ثمّ قال : انطلق معهم إلى الميّت فادعه باسمه واسم أبيه ، فمضى معهم حتّى وقف على قبر الرجل ، ثمّ ناداه يافلان بن فلان ، فقام الميّت فسألوه ، ثمّ اضطجع في لحده فانصرفوا وهم يقولون : إنّ هذا من
ص: 471
أعاجيب بني عبدالمطّلب أو نحوها ، فأنزل اللّه «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية(1).
وقال أيضا : حدّثنا عبداللّه بن عبدالعزيز ، عن عبداللّه بن عمر ، عن عبداللّه بن نمير ، عن شريك ، عن عثمان بن عمير البجلي ، عن عبدالرحمان بن أبي ليلى قال : قال علي عليه السلام : مثلي في هذه الأُمّة مثل عيسى بن مريم أحبّه قوم فغالوا في حبّه فهلكوا ، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا واقتصد فيه قوم فنجوا(2).
روى العلاّمة البحراني عن الحافظ أبي نعيم في كتابه الموسوم (بنزول القرآن في علي) قال : قوله تعالى : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» . عن ربيعة بن تاجر قال : سمعت عليا يقول : فيّ نزلت هذه الآية(3).
وروى هو أيضا عن محمّد بن العبّاس (بإسناده المذكور) عن ابن عبّاس قال : بينما النبي في نفر من أصحابه إذ قال صلى الله عليه و آله : « الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في أُمّتي » : فدخل أبو بكر الصديق فقالوا : هو هذا ؟ فقال صلى الله عليه و آله : لا . فدخل عمر ، فقالوا : هو هذا ؟ فقال صلى الله عليه و آله : لا . فدخل علي فقالوا : هو هذا ؟ فقال صلى الله عليه و آله : نعم . فقال قوم : لعبادة اللات والعزّى أهون من هذا . فأنزل اللّه عزّوجلّ : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ ...»الآيات(4).
وأخرج السيّد هاشم البحراني قدس سره في كتابه الصغير عن مناقب أحمد بن موسى بن مردويه عن أمير المؤمنين قال : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ فيك مثلاً من عيسى
ص: 472
أحبّه قوم (أي : حبّا مفرطا حتّى جعلوه إلها) فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فهلكوا فيه ، فقال المنافقون : ما رضي له مثلاً إلاّ عيسى فنزل (قوله تعالى) : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» . أي : من ذلك المثل يعرضون(1).
وأخرج نحوا منه عدد من علماء المذاهب .
(منهم) عالم الأحناف الحافظ سليمان القندوزي(2).
(ومنهم) عالم الشافعية الحافظ محبّ الدين الطبري(3).
(ومنهم) أخطب خطباء خوارزم الموفّق الحنفي في كتابه عن فضائل علي بن أبي طالب(4). وآخرون .
ولنعم ما قال ابن أبي الحديد في القصائد السبعة :
يابرق إن جئت الغريّ فقل له
أتراك تعلم من بأرضك مودع
فيك ابن عمران الكليم وبعده
عيسى يقفّيه وأحمد يتبع
بل فيك نور اللّه جلّ جلاله
لذوي البصائر يستشفّ ويلمع
لي فيك معتقد سأكشف سرّه
فليصغ أرباب النهى وليسمع
واللّه لولا حيدر ما كانت الدنيا
ولا جمع البرية مجمع
بل فيك جبريل وميكال واسرافيل
الملأ المقدّس أجمع
ص: 473
«وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلاُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللّه َ وَأَطِيعُونِ»
سورة الزخرف
وفي تفسير علي بن إبراهيم : «وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» يعني عليا عليه السلام(1).
وجاء في تفسير أهل البيت : إنّ الضمير في « أنّه » يعود إلى علي عليه السلام لما روي بحذف الإسناد عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه : «وَإِنَّهُ
لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» قال : عنى بذلك عليا عليه السلام ، وقال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي أنت علم هذه الأُمّة ، فمن تبعك نجى ، ومن تخلّف عنك هلك وهوى .
ولا منافاة في اختلاف التأويل بين علي عليه السلام وعيسى عليه السلام في أن يكون كلّ واحد
ص: 474
منهما علما للساعة لما تقدّم من أنّ مثل علي عليه السلام في هذه الأُمّة مثل عيسى في بني إسرائيل ، وإنّ عيسى ينزل عند قيام القائم عليه السلام وكلاهما علم الساعة ، وإذا كان القائم عليه السلام علما للساعة ، وهو ابن أمير المؤمنين ، فصحّ أن يكون أبوه علما للساعة وهو المطلوب وجاء في تأويل الساعة أنّها ساعة ظهور القائم عليه السلام(1).
وفي الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : محمّد بن أبي عمير الكوفي ، عن عبداللّه بن الوليد السمّان قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : ما يقول الناس في أُولي العزم وصاحبكم علي عليه السلام ؟ قال : قلت : ما يقدمون على أُولي العزم أحدا ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام:
قال اللّه لموسى : «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً» ولم يقل كلّ شيء ، وقال لعيسى : «وَلاُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ» ولم يقل كلّ شيء ، وقال لصاحبكم علي عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»
وقال تعالى : «وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» وعلم هذا الكتاب
ص: 475
«يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ»
سورة الزخرف
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي : قال : حدّثني الحسين بن سعيد قال : حدّثني محمّد بن مروان قال : حدّثنا عبدالفضل الثوري ، عن جعفر ، عن أبيه عليه السلام قال : ينادي مناد يوم القيامة أين المحبّون لعلي عليه السلام ؟ فيقومون من كلّ فجّ عميق ، فيقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن المحبّون لعلي عليه السلام الخالصون له حبّا ، قال : فتشركون في حبّه أحدا من الناس ، فيقولون : لا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنّة أنتم وأزواجكم تحبرون(1).
وقال : حدّثني الحسين بن سعيد قال : حدّثنا علي بن السحب قال : حدّثنا الحسن بن الحسين بن أحمد قال : حدّثنا أحمد بن سعيد الأنماطي ، عن عبداللّه بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك ياعلي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أين
ص: 476
محبّي علي عليه السلام وشيعته ، ومن يحبّه أين المتحابّون في اللّه ، أين المتباذلون في اللّه ، أين المؤثرون على أنفسهم ، أين الذين جفّت ألسنتهم من العطش ، أين الذين يصلّون بالليل والناس نيام ، أين الذين يبكون من خشية اللّه «لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ» أين رفقاء نبي محمّد صلى الله عليه و آله «الَّذِينَ آمَنُوا» وقرّوا عينا «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ»(1).
وقال : حدّثني الحسين بن سعيد قال : حدّثنا عبداللّه بن الوضّاح اللؤلؤي قال : حدّثنا إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد من السماء أين ابن أبي طالب ؟ قال : فأقوم ، فيقال لي : أنت علي ، فأقول : أنا ابن عمّ النبي صلى الله عليه و آله ووارثه فيقال لي : صدقت ادخل الجنّة فقد غفر اللّه لك ولشيعتك وقد آمنك اللّه وآمنهم معك من الفزع الأكبر ، ادخلوا الجنّة آمنين «لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ»(2).
ص: 477
«وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»
سورة الزخرف
وفي تفسير علي بن إبراهيم : ثمّ حكى نداء أهل النار ، فقال : «وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ» قال : أي نموت ، فيقول مالك : «إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ» ثمّ قال تعالى : «لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ» يعني بولاية علي عليه السلام «وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ»يعني
بولاية علي عليه السلام والدليل على أنّ الحقّ ولاية علي
عليه السلام قوله تعالى : «وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ» يعني ولاية علي عليه السلام «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ» يعني ظالمي آل محمّد صلى الله عليه و آله «نَارا» ، ثمّ ذكر تعالى على أثر هذا خبرهم وما تعاهدوا عليه في الكعبة ألاّ يردّوا الأمر في أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : «أَمْ أَبْرَمُوا» إلى قوله : «يَكْتُبُونَ»(1).
ص: 478
فلان وفلان ارتدّوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، قلت : قوله : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» قال : نزلت واللّه فيهما وفي أتباعهما ، وهو قول اللّه الذي نزل به جبرئيل على محمّد صلى الله عليه و آله : «ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ» في علي «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» قالوا : دعوا بني أُميّة إلى ميثاقهم ألاّ يصيّروا الأمر فينا بعد النبي صلى الله عليه و آله ولا يعطونا من الخمس شيئا ، وقالوا : إن أعطيناهم لم يحتاجوا إلى شيء ، ولم يبالوا إلاّ أن يكون الأمر فيهم ، فقالوا : سنطيعكم في بعض الأمر الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ، ألاّ نعطيهم منه شيئا ، وقوله : «كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ» والذي نزّل اللّه ما افترض على خلقه من ولاية
علي عليه السلام وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم ، فأنزل اللّه : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ...»الآية(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : حدّثنا أحمد بن محمّد النوفلي ، عن محمّد بن حمّاد الشامي ، عن الحسين بن أسد الطفاوي ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن مفضّل بن الزبير ، عن أبي داود ، عن بريدة الأسلمي أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لبعض أصحابه : سلّموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، فقال رجل من القوم : لا واللّه لا تجتمع النبوّة والخلافة في أهل بيت أبدا ، فأنزل اللّه : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا ...»الآية(2).
وروي عن عبداللّه بن العبّاس قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ عليهم الميثاق مرّتين لأمير المؤمنين عليه السلام : الأوّل : حين قال : أتدرون من وليّكم من بعدي ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : صالح المؤمنين وأشار بيده إلى علي عليه السلام ، وقال : هذا وليّكم
ص: 479
من بعدي . والثانية : يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وكانوا قد أسرّوا في أنفسهم وتعاقدوا ألاّ نرجع إلى أهل البيت هذا الأمر ولا نعطيهم الخمس ، فأطلع اللّه نبيّه على أمرهم ، وأنزل : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا»(1)-(2).
ص: 480
«حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»
سورة الدخّان
وبإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال : يامعشر الشيعة خاصموا بسورة «إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ» تفلحوا ، فواللّه أنّها لحجّة اللّه على الخلق بعد رسول اللّه ، وأنّها لسيّدة دينكم ، وإنّها لغاية علمنا ، يامعشر الشيعة خاصموا ب- «حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ» فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يامعشر الشيعة يقول اللّه : «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ» قيل ياأبا جعفر : نذيرها محمّد صلى الله عليه و آله قال : صدقت فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الأرض ، فقال السائل : لا ، قال أبو جعفر عليه السلام : أرأيت بعيثه أليس نذيره كما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعثته من اللّه نذير ؟ فقال : بلى ، قال : فكذلك لم يمت محمّد إلاّ وله بعيث نذير ، قال : فإن قلت : لا فقد ضيّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من في أصلاب الرجال من أُمّته ، قال : وما يكفيهم القرآن ؟ قال : بلى إن وجدوا له مفسّرا ، قال : وما فسّره رسول اللّه ؟ قال : بلى قد فسّره لرجل واحد وفسّر للأُمّة بيان ذلك الرجل وهو
ص: 481
علي عليه السلام . الحديث(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ» يعني القرآن «فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ»وهي ليلة القدر أنزل اللّه القرآن فيها إلى بيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول اللّه صلى الله عليه و آله في طول عشرين سنة «فِيهَا يُفْرَقُ» أي في ليلة القدر «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يقدر اللّه كلّ أمر من الحقّ والباطل ، وما يكون في تلك السنة ، وله فيه البداء والمشيئة ، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ، ويزيد فيه ما يشاء وينقص ما يشاء ، ويلقيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى علي ويلقيه علي عليه السلام إلى الأئمّة حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان ، ويشترط له ما فيه البداء والمشيئة والتقديم والتأخير(2).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعلي بن محمّد ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا قبض علي عليه السلام قام الحسن بن علي عليه السلام في مسجد الكوفة فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون ، واللّه لقد قبض في الليلة التي قبض فيها وصي موسى يوشع بن نون ، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، والليلة التي نزل فيها القرآن . الحديث(3).
أحمد بن مهران وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمّد بن علي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى إذ أتاه
ص: 482
رجل نصراني فقال : إنّي أسألك - أصلحك اللّه - فقال : سل ، فقال : أخبرني عن كتاب اللّه الذي أُنزل على محمّد صلى الله عليه و آله ونطق به ثمّ وصفه بما وصفه فقال : «حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ» ما تفسيرها في الباطن ؟ فقال : أمّا «حم» فهو محمّد صلى الله عليه و آله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف وأمّا «الْكِتَابِ الْمُبِينِ» فهو أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّا الليلة ففاطمة ، وأمّا قوله : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم فقال له الرجل : صف لي الأوّل والآخر من هؤلاء والرجال ، فقال : إنّ الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وأنّه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيّروا وتحرّفوا وتكفروا وقديما ما فعلتم ، قال له النصراني : إنّي لا أسرّ عنك ما علمت ولا أُكذّبك وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه ، واللّه لقد أعطاك اللّه من فضله ، وقسّم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحقّ كلّما ذكرت فهو كما ذكرت . الحديث(1).
ص: 483
«إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللّه ُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ»
سورة محمّد
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد الكندي قال : حدّثنا عبداللّه بن عبدالفارس ، عن محمّد بن علي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ» عن الإيمان بتركهم ولاية علي عليه السلام «الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ» يعني الثاني «وَأَمْلَى لَهُمْ»(1).
وفي الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن ؟؟؟ وعلي بن عبداللّه ، عن علي بن حسّان ، عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى»فلان وفلان ارتدّوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قلت : قوله : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
ص: 484
قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ» قال : نزلت فيهما وفي أتباعهما ، وهو قول اللّه عزّوجلّ الذي نزّل به جبرئيل على محمّد صلى الله عليه و آله : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ»في
علي عليه السلام «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» قال : دعوا بني أُميّة إلى ميثاقهم ألاّ يصير الأمر إلينا بعد النبي صلى الله عليه و آله ولا يعطونا من الخمس شيئا ، وقالوا : إذ أعطيناهم إيّاه لم يحتاجوا إلى شيء ولم يبالوا أن يكون الأمر فيهم ، فقالوا : سنطيعكم في بعض الأمر الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ألاّ نعطيهم منه شيئا ، وقوله : «كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ»
والذي نزّل اللّه ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام كان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم ، فأنزل اللّه «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ...» الآية(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : متّصلاً بآخر ما نقلنا عنه سابقا أعني قوله : «وَأَمْلَى لَهُمْ» قوله : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللّه ُ» هو ما افترض اللّه على خلقه من ولاية علي «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» قال : دعوا بني أُميّة إلى ميثاقهم ألاّ يصيّروا لنا الأمر بعد النبي صلى الله عليه و آله ولا يعطونا من الخمس شيئا ، قالوا : إن أعطيناهم الخمس استغنوا به ، فقالوا : «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» أي لا تعطوهم من الخمس شيئا ، فأنزل اللّه على نبيّه صلى الله عليه و آله : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرا ...» الآية(2).
وفي مجمع البيان : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ» والمروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبداللّه عليه السلام أنّهم بني أُميّة كرهوا ما أنزل اللّه في ولاية
ص: 485
روى الفقيه الشافعي السيوطي في تفسيره قال : وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنهما) : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ» إلى «إِسْرَارَهُمْ» هم أهل النفاق .
قال : وأخرج ابن المنذر عن مجاهد ؟؟؟ في قوله : «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ» قال : يضربون وجوههم وأستاهم ولكن اللّه كريم يكنّى .
ثمّ أكّد السيوطي على أنّ المقصود بهذه الآيات من المنافقين هم مبغضوا علي بن أبي طالب عليهماالسلام فقال - بعد هاتين الروايتين - :
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب(3).
ص: 486
«وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيَماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللّه ُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ»
سورة محمّد
قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا محمّد بن حريز ، عن عبداللّه بن عمر ، عن الحمّامي ، عن محمّد بن مالك ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قوله عزّوجلّ : «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» قال : بغضهم لعلي عليه السلام .
وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره في تأويل هذه السورة قال : حدّثني أبي ، عن إسماعيل بن مرار ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ» وقوله تعالى : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللّه ُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ» قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا أخذ الميثاق لأمير المؤمنين قال : أتدرون من وليّكم من بعدي ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم . فقال : إنّ اللّه يقول : «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»(1) يعني عليا ، هو وليّكم من بعدي . هذه الأُولى . وأمّا المرّة الثانية لمّا أشهدهم يوم غدير خمّ وقد كانوا يقولون : لئن قبض اللّه محمّدا لا
ص: 487
نرجع هذا الأمر في آل محمّد ولا نعطيهم من الخمس شيئا ، فأطلع اللّه نبيّه على ذلك وأنزل عليه : «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(1) وقال أيضا فيهم : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا * إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى» والهدى سبيل المؤمنين «الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ» .
قال : وقرأ أبو عبداللّه عليه السلام هذه الآية هكذا : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ»
وسلّطتم وملكتم «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» نزلت في بني عمّنا بني عبّاس وبني أُميّة ، وفيهم يقول اللّه : «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ» فيقضوا ما عليهم من الحقّ «أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» . وقال أبو عبداللّه عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله - وكان يدعو أصحابه - : من أراد اللّه به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ، ومن أراد به سوءا طبع اللّه على قلبه فلا
يسمع ولا يعقل ، وهو قول اللّه عزّوجلّ : «حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّه ُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ» .
وقال عليه السلام : لا يخرج من شيعتنا أحد إلاّ أبدلنا اللّه به من هو خير منه ، وذلك لأنّ اللّه يقول : «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ»(2).
ومنه ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن أُرومة ، عن علي بن عبداللّه ، عن علي بن حسّان ، عن
ص: 488
عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى» فلان وفلان وفلان ، ارتدّوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام . قال : قلت : قوله «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» ؟ قال : نزلت واللّه فيهما وفي أتباعهما ، وهو قول اللّه عزّوجلّ الذي نزل به جبرئيل على محمّد صلى الله عليه و آله ، وذلك لمّا دعوا بني أُميّة إلى ميثاقهم الذي عقدوه ألاّ يصيّروا الأمر فينا بعد النبي صلى الله عليه و آله ولا يعطونا من الخمس شيئا وقالوا : إن أعطيناهم إيّاه لم يحتاجوا إلى شيء ولم يبالوا أن لا يكون الأمر فيهم ، فقال
لبني أُميّة : «سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ» الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ولا نعطيهم شيئا . وقوله : «كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه ُ»فالذي نزّل اللّه عزّوجلّ ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين . وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم فأنزل اللّه عزّوجلّ : «أَمْ
أَبْرَمُوا أَمْرا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(1).
ومنه ما رواه مرفوعا عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عيسى ، عن محمّد الحلبي قال : قرأ أبو عبداللّه عليه السلام : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ» وسلّطتم وملكتم «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» . ثمّ قال : نزلت هذه الآية في بني عمّنا بني العبّاس وبني أُميّة . ثمّ قرأ : «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ»عن الدين «وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» عن الوصي » ثمّ قرأ : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ» بعد ولاية علي «مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ» ثمّ قرأ : «وَالَّذِينَ
ص: 489
اهْتَدَوْا» بولاية علي «زَادَهُمْ هُدىً» حيث عرّفهم الأئمّة من بعده والقائم «وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ» أي ثواب تقواهم أمانا من النار .
وقال عليه السلام : وقوله عزّوجلّ : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» وهم علي عليه السلام وأصحابه «وَالْمُؤْمِنَاتِ» وهنّ خديجة وصويحباتها .
وقال عليه السلام : وقوله : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» في علي «وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ» ثمّ قال : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا»بولاية علي «يَتَمَتَّعُونَ» بدنياهم «وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ» ثمّ قال عليه السلام : «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ» وهم آل محمّد وأشياعهم . ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : أمّا قوله : «فِيهَا أَنْهَارٌ» فالأنهار رجال . فقوله «مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ»فهو علي عليه السلام في الباطن . وقوله «وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ» فإنّه الإمام . وأمّا قوله «وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» فإنّه عملهم يتلذّذ منه شيعتهم .
وإنّما كنّى عن الرجال بالأنهار على سبيل المجاز أي أصحاب الأنهار ، ومثله «وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ»(1). فالأئمّة - صلوات اللّه عليهم - هم أصحاب الجنّة وملاّكها . ثمّ قال عليه السلام : وأمّا قوله «وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ» فإنّها ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، أي من والى أمير المؤمنين مغفرة له فذلك قوله «وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ» .
ثمّ قال عليه السلام : وأمّا قوله «كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ» أي إنّ المتّقين كمن هو خالد داخل في ولاية عدوّ آل محمّد . وولاية عدوّ آل محمّد هي في النار ، من دخلها فقد
ص: 490
دخل النار . ثمّ أخبر سبحانه عنهم وقال : «وَسُقُوا مَاءً حَمِيما فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» قال جابر : ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : نزل جبرئيل بهذه الآية على محمّد صلى الله عليه و آله هكذا : «ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللّه ُ» في علي «فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ» . وقال جابر : سألت أبو جعفر عليه السلام : عن قول اللّه عزّوجلّ : «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ»فقرأ أبو جعفر عليه السلام
«الَّذِينَ كَفَرُوا» حتّى بلغ إلى «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» ثمّ قال : هل لك في رجل يسير بك فيبلغ بك من المطلع إلى المغرب في يوم واحد ؟ قال : فقلت : يابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك ومن لي بهذا ؟ فقال : ذاك أمير المؤمنين ، ألم تسمع قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لتبلغنّ الأسباب ، واللّه لتركبنّ السحاب ، واللّه لتؤتنّ عصا موسى ، واللّه لتعطنّ خاتم سليمان . ثمّ قال : هذا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الطيّبين صلاةً
باقية إلى يوم الدين(1).
أخبرنا أبو الحسن الجار قراءةً غير مرّة ، حدّثنا أبو الحسن الصفّار ، أخبرنا تمتام ، حدّثنا زكريا بن يحيى ، حدّثنا علي بن القاسم ، عن أبي هارون العبدي :
عن أبي سعيد الخدريى في قوله جلّ وعزّ «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» قال : ببغضهم علي بن أبي طالب . (2)فقد أخبرنا أبو سعد المعاذي أخبرنا أبو الحسين الكهيلي حدّثنا أبو جعفر
ص: 491
الحضرمي حدّثنا محمّد بن مرزوق ، حدّثنا حسين الأشقر ، حدّثنا علي بن القاسم الكندي عن أبي الحسن المدائني ، عن أبي هارون العبدي :
عن أبي سعيد الخدري في قوله عزّوجلّ «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» قال : ببغضهم علي بن أبي طالب(1).
ص: 492
وكذلك قاله أبو رجاء السنجي ، عن أبي وهزانة ، عن الحمّاني ، عن علي بن القاسم ، عن أبي الحسن .
وأخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي حدّثنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني محمّد بن سهل ، حدّثنا عمرو بن عبدالجبّار(1)، حدّثنا أبي حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» قال : ببغضهم علي بن أبي طالب
عليه السلام .
ص: 493
«فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللّه ُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيما»
سورة الفتح
وفي أمالي الصدوق : بإسناده إلى النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ اللّه عهد إليّ في علي بن أبي طالب عليه السلام عهدا ، قلت : ياربّ بيّنه لي ، قال : اسمع ، قلت : قد سمعت ، قال : إنّ عليا راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أطاعه أطاعني(1).
وفي التوحيد : بإسناده إلى أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : أنا عروة اللّه الوثقى وكلمة التقوى . الحديث(2).
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة : بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود ، عن
ص: 495
الرضا عليه السلام حديث طويل وفيه : ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده ، عن رجاله ، عن مالك بن عبداللّه قال : قلت لمولاي الرضا : قوله : «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا»قال : هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فالمعنى أنّ الملزومين بها هم شيعته ، وكانوا أحقّ بها وأهلها(2).
وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره قال : قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا عرج بي ربّي إلى السماء فسح في بصري غلوة(3) كما يرى الراكب خرق الإبرة من مسيرة يوم ، فعهد إليّ ربّي في علي كلمات ، فقال : اسمع يامحمّد إنّ عليا إمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ويعسوب المؤمنين - والمال يعسوب الظلمة - وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين وكانوا أحقّ بها وأهلها ، فبشّره بذلك ، قال : فبشّره رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك ، فألقي علي عليه السلام ساجدا شكر اللّه ، ثمّ قال : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله وإنّي لأذكر هناك ، قال : نعم ، إنّ اللّه ليعرّفك هناك ، وإنّك لتذكر في الرفيق الأعلى(4).
وروى محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن محمّد بن هارون ، عن محمّد بن مالك ، عن نعمة بن فضيل ، عن غالب الجهني ، عن محمّد بن علي ، عن جدّه علي عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : لمّا أُسري بي إلى السماء ثمّ إلى سدرة المنتهى وقفت بين يدي ربّي ، فقال لي : يامحمّد ، فقلت : لبّيك ربّي وسعديك ، قال : قد بلوت
ص: 496
خلقي فأيّهم وجدت أطوع لك ؟ قلت : ربّي عليا ، قال : صدقت يامحمّد ، فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال : قلت : لا ، فاختر لي فإنّ خيرتك خير لي ، قال : قد اخترت لك عليا فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّا ، وقد نحلته علمي وحلمي ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام حقّا ، لم ينلها أحد قبله وليست لأحد من بعده ، يامحمّد علي راية الهدى وإمام من أطاعني ونور أوليائي ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني فبشّره بذلك يامحمّد ، قال : فبشّره بذلك ، فقال علي عليه السلام : أنا عبد اللّه وفي قبضته ، أن يعاقبني فبذنبي لم يظلمني ، وإن يتمّ لي ما وعدني فاللّه أولى بي ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللهمّ أجل قلبه ، واجعل ربيعه الإيمان بك ، قال اللّه تعالى : قد فعلت ذلك له يامحمّد غير أنّي مختصّه من البلاء بما لا أختصّ به أحدا من أوليائي ، قال : قلت : ربّي أخي وصاحبي ، قال : إنّه سبق في علمي أنّه مبتلى ومبتلى به ، ولولا علي لم تعرف أوليائي ولا أولياء رسولي(1).
وقال أيضا : حدّثنا فضل ، عن أبي داود ، عن أبي بردة قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ اللّه عهد إلي في علي عهدا ، فقلت : اللهمّ بيّن لي ، فقال لي : اسمع ، فقلت : اللهمّ قد سمعت ، فقال اللّه : أخبر عليا بأنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وأولى الناس والكلمة التي ألزمتها المتّقين . فيكون المراد بالمتّقين شيعته الذين ألزمهم كلمته وفرض عليهم ولايته فقبلوها ، ووالوا بولاية ذرّيته الذين أكمل بهم دينه ، وأتمّ نعمته ومنحهم فضله ، وجعل عليهم صلواته وسلامه وتحيّته وبركاته التامّة
ص: 497
العامّة ورحمته(1).
أخرج العلاّمة الخوارزمي ، موفّق بن أحمد الحنفي قال - في حديث - عن علي بن أبي طالب : « واللّه ولي الإحسان إليهم والمثال على أهل بيتي بما أسلفوا من الصالحات ، وقد أنزل اللّه تعالى في كتابه فضلهم يوم حنين فقال : «فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» : وإنّما عنانا بذلك دون غيرنا »(2).
وأخرج العلاّمة الشافعي محمّد بن طلحة القرشي - المتوفّى سنة (652) هجرية - في كتاب (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) بسنده المذكور عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأبي برزة وأنا أسمع : ياأبا برزة : إنّ اللّه عهد إليّ في علي بن أبي طالب إنّه راية الهدى .. وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين »(3) وأخرجه أيضا علاّمة الهند (بسمل) عن ابن مردويه(4).
ص: 498
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ»
سورة الحجرات
وفي شرح الآيات الباهرة : علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن حفص بن غياث ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن ابن عبّاس أنّه قال : في قوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ» - إلى قوله - : «هُمْ الصَّادِقُونَ»قال ابن عبّاس : ذهب علي عليه السلام بشرفها وفضلها(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم وقوله : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ...»الآية قال نزلت في علي عليه السلام(2).
رواه القوم : منهم الحاكم الحسكاني النيشابوري الحنفي المذهب من أعلام القرن الخامس في « شواهد التنزيل » (ج2 ص186 ط بيروت) .
ص: 499
أخبرنا عقيل بن الحسين ، أخبرنا علي بن الحسين ، أخبرنا محمّد بن عبيداللّه ، قال : حدّثنا عبدويه بن محمّد بشيراز ، حدّثنا سهل بن نوح بن يحيى ، حدّثنا يوسف بن موسى القطّان ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء :
عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا» قال : يعني صدقوا باللّه ورسوله ثمّ لم يشكّوا في إيمانهم . نزلت في علي بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطّلب وجعفر الطيّار . ثمّ قال : «وَجَاهَدُوا» الأعداء في سبيل اللّه في طاعته «بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ» «أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ» يعني في إيمانهم فشهد اللّه لهم بالصدوق والوفاء .
ص: 500
«وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّه ِ إِلَها آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ»
سورة ق
وفي تفسير علي بن إبراهيم : «وَقَالَ قَرِينُهُ» أي شيطانه وهو الثاني «هَذَا مَا لَدَىَّ» - إلى قوله : - «عَنِيدٍ» مخاطبة للنبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلام ، وذلك قول الصادق عليه السلام : علي قسيم الجنّة والنار(1).
وبإسناده إلى عبيد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام في قوله : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ»قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إنّ اللّه إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد كنت أنا وأنت
ص: 501
يومئذ عن يمين العرش ثمّ يقول اللّه لي ولك : قوما فالقيا من أبغضكما وكذّبكما في النار(1).
وحدّثني أبي ، عن عبداللّه بن المغيرة الخزاز ، عن ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إذا سألتم اللّه فاسألوه الوسيلة وذكر الوسيلة وصفتها ، وهو حديث طويل وفي آخره : فبينما أنا كذلك إذا ملكين قد أقبلا إليّ أمّا أحدهما : فرضوان خازن الجنّة ، وأمّا الآخر : فمالك خازن النار فيدنو إليّ رضوان ويسلّم عليّ فيقول : السلام عليك يارسول اللّه فأردّ عليه السلام وأقول : أيّها الملك الطيّب الريح الحسن الوجه الكريم على ربّه من أنت ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنّة أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة فخذها يامحمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من اللّه ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب عليه السلام ، فيدفعها إلى علي عليه السلام ويرجع رضوان ، ثمّ يدنو مالك خازن النار فيسلّم عليَّ ويقول : السلام عليك ياحبيب اللّه ، فأقول له : وعليك السلام أيّها الملك ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك من أنت ؟ فيقول : أنا مالك خازن النار أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النار ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليَّ وفضّلني به ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب عليه السلام فيدفعها إليه ، ثمّ يرجع ويقبل علي عليه السلام ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّى يقعد على شفير جهنّم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها واشتدّ حرّها وكثر شرارها ، فتنادي جهنّم ياعلي جزني فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي : قرّي ياجهنّم ذري هذا لي وخذي هذا عدوّي ، فلجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة
ص: 502
لعلي عليه السلام من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهب به يمنة وإن شاء يذهب به يسرة ، ولجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي عليه السلام فيما يأمرها به من جميع الخلائق ، وذلك أنّ عليا عليه السلام يومئذ قسيم الجنّة والنار(1).
وفي مجمع البيان : وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد ، عن الأعمس أنّه قال : حدّثنا أبو المتوكّل التاجر ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يقول اللّه لي ولعلي عليه السلام : ألقيا في النار من أبغضكما وأدخلا الجنّة من أحبّكما ، وذلك قوله : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ»(2).
وفي أمالي شيخ الطائفة : بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يقول اللّه يوم القيامة لي ولعلي عليه السلام : أدخلا الجنّة من أحبّكما وأدخلا النار
من أبغضكما ، وذلك قوله تعالى : «أَلْقِيَا ...» الآية(3).
بإسناده قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : في قوله تعالى : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» قال : نزلت فيّ وفي علي عليه السلام ، وذلك أنّه إذا كان يوم القيامة شفعني ربّي وشفّعك ياعلي وكساني وكساك ياعلي ، ثمّ قال لي ولك ياعلي : ألقيا في جهنّم من أبغضكما وأدخلا في الجنّة من أحبّكما ، فإنّ ذلك هو المؤمن(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : روي بحذف الأسناد عن محمّد بن حمران قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه تعالى : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ»فقال : إذا
ص: 503
كان يوم القيامة وقف محمّد وعلي الصراط فلا يجوز عليه إلاّ من كان معه براءة ، قلت : وما براءته ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة عليهم السلاممن ولده ، وينادي مناد يامحمّد ياعلي «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ» لنبوّتك «عَنِيدٍ»لعلي بن أبي طالب عليه السلام وولده(1).
وروى محمّد بن العبّاس ، عن أحمد بن هوذة الباهلي ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن شريك قال : بعث إلينا الأعمش وهو شديد المرض فأتيناه قد اجتمع عنده أهل الكوفة وفيهم أبو حنيفة وابن قيس الماصر ، فقال لابنه : يابني اجلسني فأجلسه ، فقال : ياأهل الكوفة إنّ أبا حنيفة وابن قيس الماصر أتياني فقالا :
إنّك قد حدّثت في علي عليه السلام أحاديث فارجع عنها ، فإنّ التوبة مقبولة ما دامت الروح في البدن ، فقلت لهما : مثلكما يقول لمثلي هذا ؟ أُشهدكم ياأهل الكوفة ، فإنّي في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة ، إنّي سمعت عطاء بن رياح يقول : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قول اللّه تعالى «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا وعلي نلقي في جهنّم كلّ من عادانا ، فقال أبو حنيفة لابن قيس : قم بنا لا يجيء بنا ما هو أعظم من هذا ، فقاما وانصرفا(2).
وروي بحذف الإسناد عن عبداللّه بن مسعود أنّه قال : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسلّمت وقلت : يارسول اللّه أرني الحقّ أنظر إليه ، فقال : ياابن مسعود لج المخدع فانظر ماذا ترى ، قال : فدخلت فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام راكعا ساجدا وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول : اللهمّ بحقّ محمّد نبيّك إلاّ ما غفرت للمذنبين من
ص: 504
شيعتي ، فخرجت لأُخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك فوجدته راكعا وساجدا وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول : اللهمّ بحقّ علي وليّك إلاّ ما غفرت للمذنبين من أُمّتي فأخذني الهلع ، فأوجز صلى الله عليه و آله في صلاته وقال : ياابن مسعود أكفرا بعد إيمان ؟ فقلت : لا وعيشك يارسول اللّه غير أنّي نظرت إلى علي عليه السلام وهو يسأل اللّه بجاهك ونظرت إليك وأنت تسأل اللّه بجاهه فلا أعلم أيّكما أوجه عند اللّه من الآخر ، فقال : ياابن مسعود إنّ اللّه خلقني وخلق عليا والحسن والحسين عليهم السلام من نور قدسه ، فلمّا أراد أن ينشئ الصنعة فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض ، وأنا واللّه أجلّ من السماوات والأرض ، وفتق نور علي عليه السلام وخلق منه العرش والكرسي ، وعلي واللّه أجلّ من العرش والكرسي ، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة ، والحسن واللّه أجلّ من الحور العين والملائكة ، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم ، والحسين واللّه أجلّ من اللوح والقلم ، فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب ، فضجّت الملائكة ونادت : إلهنا وسيّدنا بحقّ الأشباح التي خلقتها إلاّ ما فرّجت عنّا هذه الظلمة ، فعند ذلك تكلّم اللّه بكلمة أُخرى فخلق منها روحا ، فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة ، فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب ، فلأجل ذلك سمّيت الزهراء . فقال : يابن مسعود إذا كان يوم القيامة يقول اللّه لي ولعلي عليه السلام : أدخلا الجنّة من أحببتما وألقيا في جهنّم من أبغضتما ، والدليل على ذلك قوله : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» ، فقلت : يارسول اللّه من الكفّار العنيد ؟ قال : الكفّار من كفر بنبوّتي ، والعنيد من عاند علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
ص: 505
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال : المنّاع الثاني ، والخير ولاية علي عليه السلام وحقوق آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ولمّا كتب الأوّل كتاب فدك يردّها على فاطمة عليهاالسلام شقّه الثاني فهو «مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّه ِ إِلَها آخَرَ» قال : ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس(1)-(2).
ما رواه جماعة من أعلام القوم : منهم العلاّمة الخوارزمي في « جامع مسانيد أبي حنيفة » (ج2 ص284) قال :
أبو حنيفة دخل على سليمان بن مهران الأعمش ومعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة في مرضه الذي مات فيه فقال له أبو حنيفة : ياأبا محمّد إنّك في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدنيا فقد كنت تحدّث عن علي بن أبي طالب أحاديث ان سكت عنها كان خيرا فقال الأعمش : ألمثلي يقال هذا اسندوني اسندوني حدّثني أبو المتوكّل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة يقول اللّه تبارك وتعالى لي ولعلي : أدخلا الجنّة من أحبّكما وأدخلا النار من
أبغضكما وذلك قوله تعالى : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ»الآية فقال أبو حنيفة قوموا لا يجيء بأعظم من هذا .
ابن العوّام ، حدّثنا يحيى بن عبدالحميد ، عن شريك ، عن الأعمش قال : حدّثني أبو المتوكّل الناجي .
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى لمحمّد وعلي : أدخلا الجنّة من أحبّكما وأدخلا النار من أبغضكما ، فيجلس علي
ص: 506
على شفير جهنّم فيقول لها : هذا لي وهذا لك ، وهو قوله : «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» .
ومنهم العلاّمة الشيخ أبو محمّد عبدالقادر المصري في « الجواهر المضيئة » (ج2 ص50 ط حيدر آباد) قال :
وذكر الغزنوي عن شريك بن عبداللّه قال : كنّا عند الأعمش في مرضه الذي توفّى فيه ، فدخل عليه أبو حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وكان الإمام أكبرهم ، فبدأ الكلام وقال : اتّق اللّه فإنّك في أوّل يوم من الآخرة وقد كنت تحدّث عن علي
رضى الله عنه بأحاديث لو أمسكتها لكان خيرا لك ، فقال الأعمش : اسندوني لمثلي يقال هذا ، حدّثني فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن « جامع المسانيد » وفي آخره قال الإمام : قوموا حتّى لا يجيء بأعظم من هذا قال : فواللّه ما جزنا الباب حتّى مات وكما يعيشون يموتون وكما يموتون يحشرون وقد قال تعالى : «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» .
ومنهم العلاّمة القندوزي في « ينابيع المودّة » (ص85 ط اسلامبول) قال :
أخرج صاحب الأربعين عن إسحاق بن محمّد النخعي أنّ بعض الفقهاء من أهل الكوفة جاءوا عند الأعمش في مرضه وقالوا له : إنّك كنت تحدّث فضائل علي فلا تحدّثها من بعد فذكر الحديث بعين ما تقدّم عن « جامع المسانيد » .
ص: 507
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ سورة ق
وفي كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، أنا ذو القلب يقول اللّه تعالى : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» ، الحديث(1). وهو ما نقله ابن شهر آشوب في كتابه مرفوعا عن رجاله ، عن ابن عبّاس أنّه قال : أهدى رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ناقتين عظيمتين سمينتين ، فقال للصحابة : هل فيكم أحد يصلّي ركعتين بوضوئهما وقيامهما وركوعهما وسجودهما وخشوعهما ولم يهتمّ فيهما بشيء من أمر الدنيا ولا يحدّث قلبه بفكر الدنيا أُهدي إليه إحدى هاتين الناقتين ؟ فقالها مرّة ومرّتين وثلاثا فلم يجبه أحد من أصحابه ، فقام إليه أمير المؤمنين فقال : أنا يارسول اللّه أُصلّي ركعتين أُكبّر تكبيرة الأُولى إلى أن أُسلّم منهما لا أُحدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا ، فقال : ياعلي صلّي صلّى اللّه عليك وآلك ، قال :
فكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ودخل في الصلاة ، فلمّا سلّم من الركعتين هبط جبرئيل على
ص: 508
النبي صلى الله عليه و آله فقال : يامحمّد إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : إعطه إحدى الناقتين ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا شارطته على أن يصلّي ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه بشيء من أمر الدنيا أن أعطيه إحدى الناقتين إن صلاّهما ، وأنّه جلس في التشهّد فتفكّر في نفسه أيّهما يأخذ ؟ فقال جبرئيل : يامحمّد إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك تفكّر أيّهما يأخذ أحسنهما وأعظمهما فينحرها في سبيل اللّه ويتصدّق بها لوجه اللّه وكان تفكّره للّه لا لنفسه ولا للدنيا ، فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأعطاه كلتيهما فنحرهما وتصدّق بهما ، فأنزل اللّه فيه : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» يعني أمير المؤمنين عليه السلام(1). فإنّه خاطب نفسه في صلاته للّه لم يتفكّر فيها بشيء من أمر الدنيا ، وهذا هو سبيل الإخلاص والعصمة ، ولم يتّفق هاتان الخصلتان في أحد من الصحابة والقرابة إلاّ فيه وفي المعصومين من بنيه .
رواه القوم :
منهم الحاكم الحسكاني في « شواهد التنزيل » (ج2 ص192 ط بيروت) .
أخبرنا محمّد بن عبداللّه ، أخبرنا محمّد بن أحمد الحافظ ، أخبرنا عبدالعزيز بن يحيى بن أحمد ، قال : حدّثني عمرو بن محمّد ، حدّثني محمّد بن الفضل ، حدّثني محمّد بن شعيب اللخمي ، عن قيس بن الربيع ، عن منذر الثوري .
عن محمّد بن الحنفية ، عن علي في قوله تعالى : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» قال : أنا ذو القلب الذي عنى اللّه بهذا .
وبه أي بالسند السالف عن علي قال : أنا ذلك الذكرى .
ص: 509
حدّثنا أبو الحسن بن ماهان الخورني بخور ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن مكرم البزاز ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الذورقي ، حدّثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السدي .
عن عطاء ، عن ابن عبّاس قال : أُهدي إلى رسول اللّه ناقتان عظيمتان ، فنظر إلى أصحابه وقال : هل فيكم أحد يصلّي ركعتين لا يهتمّ فيهما من أمر الدنيا بشيء ولا يحدّث قلبه بفكر الدنيا كي أعطيت إحدى الناقتين له .
فقام علي ودخل في الصلاة ، فلمّا سلّم هبط جبرئيل فقال : أعطه إحداهما فقال رسول اللّه : إنّه جلس في التشهّد فتفكّر أيّهما يأخذ . فقال جبرئيل : تفكّر أن يأخذ أسمنهما فينحرها ويتصدّق بها لوجه اللّه ، فكان تفكّره للّه لا لنفسه ولا للدنيا . فأعطاه رسول اللّه كلتاهما وأنزل اللّه «إِنَّ فِي ذَلِكَ» أي في صلاة علي لعظة لمن كان له قلب أي عقل أو ألقى السمع يعني استمع بأُذنيه إلى ما تلاه بلسانه ، وهو شهيد يعني حاضر القلب للّه عزّوجلّ . قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما من عبد صلّى للّه ركعتين لا يتفكّر فيهما من أُمور الدنيا بشيء إلاّ رضي اللّه عنه وغفر له ذنوبه .
ص: 510
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ
سورة القمر
وفي شرح الآيات الباهرة : قال أبو جعفر الطوسي : روينا بالإسناد إلى جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : ياعلي من أحبّك وتولاّك أسكنه اللّه معنا في الجنّة ، ثمّ تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ ...» الآية(1).
محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عمر بن أبي شيبة ، عن زكريا بن يحيى ، عن عمر بن ثابت ، عن أبيه عاصم بن ضمرة قال : إنّ جابر بن عبداللّه رحمه الله قال : كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد فذكر بعض أصحابه الجنّة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ أوّل أهل الجنّة دخولاً إليها علي بن أبي طالب عليه السلام فقال أبو دجانة الأنصاري : يارسول اللّه أخبرتنا إنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى تدخلها وعلى الأُمم حتّى تدخلها أُمّتك ؟
فقال : بلى ياأبا دجانة أما علمت أنّ للّه لواء من نور عمودا من نور خلقهما اللّه قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام مكتوب على ذلك اللواء لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، خير البرية آل محمّد ، صاحب اللواء علي وهو إمام القوم ، فقال علي عليه السلام : الحمد للّه الذي هدانا بك يارسول اللّه وشرّفنا ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : أبشر ياعلي ما من عبد
ص: 511
ينتحل مودّتك إلاّ بعثه اللّه معنا يوم القيامة وجاء في رواية أُخرى ياعلي أما علمت أنّه من أحبّنا فانتحل مودّتنا أسكنه اللّه معنا ، وتلا هذه الآية : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»(1).
أخرج الفقيه الحنفي موفّق بن أحمد الخوارزمي في مناقبه (بإسناده المذكور) عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي رضى الله عنه : « إنّ من أحبّك وتولاّك أسكنه اللّه الجنّة معنا » .
ثمّ تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ»(2).
ورواه بمعناه فقيه الشافعية الحافظ محبّ الدين أحمد بن الطبري في ذخائر العقبى(3).
وأخرجه أيضا بنصّه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي في مناقبه(4).
وأخرجه آخرون أيضا .
ص: 512
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
سورة الواقعة
ما ورد من طريق العامّة والخاصّة ، فأمّا العامّة فهو ما رواه أبو نعيم الحافظ عن رجاله مرفوعا إلى ابن عبّاس رضى الله عنه قال : إنّ سابق هذه الأُمّة علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وأمّا ما ورد عن الخاصّة فهو ما رواه محمّد بن العبّاس رحمه اللهعن أحمد بن محمّد الكاتب ، عن حميد بن الربيع ، عن حسين بن حسن الأشقر ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي نجيح ، عن عامر ، عن ابن عبّاس قال : أسبق الناس ثلاثة : يوشع صاحب موسى إلى موسى ، وصاحب ياسين إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب إلى النبي صلوات اللّه عليهم أجمعين .
وقال أيضا : حدّثنا الحسين بن علي المقري ، عن أبي بكر محمّد بن إبراهيم الجوابيّ ، عن محمّد بن عمر الكوفي ، عن حسين الأشقر ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاووس ، عن ابن عبّاس قال : السبّاق ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون إلى موسى ، وحبيب صاحب ياسين إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب إلى
ص: 513
محمّد ، وهو أفضلهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد بإسناده عن رجاله ، عن سليم بن قيس ، عن الحسن بن علي عليهماالسلام في قوله عزّوجلّ : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» قال : أبي أسبق السابقين إلى اللّه وإلى رسوله ، وأقرب الأقربين إلى اللّه وإلى رسوله .
وروى الشيخ المفيد رحمه الله قال : أخبرنا علي بن الحسين بإسناده إلى داود الرقيّ قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جعلت فداك أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» فقال : نطق اللّه بهذا يوم ذرأ الخلق في الميثاق قبل أن يخلق الخلق بألفي عام . فقلت : فسّر لي ذلك . فقال : إنّ اللّه عزّوجلّ :
لمّا أراد أن يخلق الخلق خلقهم من طين ، ورفع لهم نارا وقال : ادخلوها ؛ فكان أوّل من دخلها محمّد وأمير المؤمنين والحسن والحسين وتسعة الأئمّة إمام بعد إمام ، ثمّ اتّبعتهم شيعتهم ، فهم واللّه السابقون(1).
وفي أمالي الشيخ عن ابن عبّاس قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» فقال : قال لي جبرائيل : ذاك علي وشيعته ، هم السابقون إلى الجنّة المقرّبون من اللّه بكرامته لهم(2)-(3).
أخرج العلاّمة الكشفي المير محمّد صالح الترمذي الحنفي في مناقبه عن ابن عبّاس أنّه قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن هذه الآية من هم ؟ فقال صلى الله عليه و آله : هم علي
ص: 514
وشيعته فإنّهم السابقون المقرّبون إلى اللّه ، وهم في جنّات النعيم(1).
وروى العلاّمة البحراني عن العالم الشافعي الحمويني بإسناده المذكور إلى سليم بن قيس الهلالي : أنّ عليا رضى الله عنه قال - بمحضر أكثر من مائتين من المهاجرين والأنصار - فيما قال : فأنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت : «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ» .
«وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» سئل عنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : أنزلها اللّه تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم ، وأنا أفضل أنبياء اللّه ورسله ، وعلي بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء ؟ قالوا : اللهمّ نعم(2).
وروى الطبري ابن جرير في تاريخه ، بإسناده عن محمّد بن المنكدر ، وربيعة بن أبي عبدالرحمان ، وأبي حازم المدني ، والكلبي قالوا : « علي أوّل من أسلم »(3).
وفي مسند الإمام أبي حنيفة بإسناده المذكور عن حبّة ، قال : سمعت عليا رضى الله عنه يقول : « أنا أوّل من أسلم وصلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله »(4).
وأخرج الخطيب البغدادي في مناقبه عن ابن عبّاس قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»الآية .
فقال صلى الله عليه و آله قال لي جبرئيل : ذلك علي وشيعته السابقون إلى الجنّة ، المقرّبون من
ص: 515
اللّه بكرامته لهم(1).
وقال أخطب خطباء خوارزم الموفّق الحنفي : قوله تعالى : «وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» قيل : هم الذين صلّوا إلى القبلتين وقيل السابقون إلى الطاعة وقيل إلى الهجرة وقيل إلى الإسلام وإجابة الرسول صلى الله عليه و آله وكلّ ذلك موجود في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب »(2).
وأخرج نحوا من ذلك بأسانيد مختلفة وعبارات شتّى مجتمعة في بيان معنى واحد .. الكثيرون المحدّثين والحفّاظ والمفسّرين والمؤرّخين .
(منهم) العلاّمة ابن كثير (الشافعي) الدمشقي في بدايته(3).
وهو أيضا في تفسيره المطبوع بهامش (فتح البيان)(4).
(ومنهم) العلاّمة الذهبي (الشافعي) في ميزان الاعتدال(5).
(ومنهم) العلاّمة الهيثمي (الشافعي) في مجمع الزوائد(6).
وآخرون عديدون ... .
وأخرج علاّمة الهند عبيداللّه بسمل عن ابن مردويه بسنده عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن قوله تعالى : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ» ؟ فقال صلى الله عليه و آله :
ص: 516
قال لي جبرائيل : ذلك علي(1).
وأخرج العلاّمة الذهبي في تاريخ الإسلام عن ابن عبّاس قال : « وثبت عن ابن عبّاس أنّه قال : أوّل من أسلم علي »(2).
وأخرج نحوا منه أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده(3).
والترمذي في سننه(4).
والإمام الطبري في تاريخه(5).
وأخرج أيضا نحوا منه بتعبير آخر ومعنى واحد عن حبّة العرني ، عن علي بن أبي طالب كلّ من :
أبي محمّد عبداللّه بن مسلم الدينوري المعروف ب- (ابن قتيبة) في كتاب (المعارف)(6).
وأبي الحجّاج المزي (الشافعي) في تهذيب(7) الكمال وآخرون .. وآخرون ... .
روى الذهبي بإسناده عن ابن عبّاس مرفوعا : « السبق ثلاثة يوشع إلى موسى ، ويس إلى عيسى ، وعلي إليّ »(8).
ص: 517
روى السيّد شهاب الدين أحمد بإسناده عن ابن عبّاس (رضي اللّه تعالى عنه) في هذه الآية : « يوشع بن نون سبق إلى موسى بن عمران ، ومؤمن آل ياسين ، سبق إلى عيسى بن مريم ، وعلي بن أبي طالب سبق إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وبارك وسلّم) ، وكلّ رجل منهم سابق أُمّته وعلي أفضلهم »(1).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن ابن عبّاس قال : « السبّاق ثلاثة : سبق يوشع بن نون إلى موسى ، وسبق صاحب ياسين إلى عيسى ، وسبق علي إلى النبي »(2).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس قال : « السبق ثلاثة ، فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى ، مؤمن آل ياسين ، والسابق إلى النبي علي »(3).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس قال : « سألت رسول اللّه عن قول اللّه «السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» قال : حدّثني جبرئيل بتفسيرها قال : ذاك علي وشيعته إلى الجنّة »(4).
ص: 518
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ
سورة الواقعة
وفي شرح الآيات الباهرة : جاء في تأويل أهل البيت الباطن في حديث أحمد بن إبراهيم عنهم عليهم السلام «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ» أي شكركم النعمة التي رزقكم اللّه وما منّ عليكم بمحمّد وآل محمّد «أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» بوصيّه «فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ *
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ» إلى وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام يبشّر وليّه بالجنّة وعدوّه بالنار «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ» يعني أقرب إلى أمير المؤمنين عليه السلام منكم «وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ» أي لا تعرفون(1).
ويؤيّد هذا التأويل ما جاء في تأويل الإمام العسكري عليه السلام قال : فقيل له : يابن رسول اللّه ففي القبر نعيم وعذاب ؟ قال : إي والذي بعث محمّدا نبيّا ، وجعله زكيّا هاديا مهديّا ، وجعل أخاه عليا عليه السلام بالعهد وفيّا ، ولدى اللّه مرضيّا ، وإلى الجهاد سابقا ، وللّه في أحواله موافقا ، وللمكارم حائزا ، وبنصر اللّه على أعدائه فائزا ، وللعلوم حافيا ، ولأولياء اللّه مواليا ، ولأعدائه مناديا وبالخيرات ناهضا ، وللقبائح
ص: 519
رافضا ، وللشيطان مخزيا ، وللفسقة المردة مقصيا ، ولمحمّد صلى الله عليه و آله نفسا ، وبين يديه لدى المكاره جُنّة وترسا . آمنت به وهو أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، عبد ربّ الأرباب المفضّل على أُولي الألباب ، الحاوي لعلوم الكتاب ، زين من يوافي في يوم القيامة عرصات الحساب ، بعد محمّد صفي الكريم العزيز الوهّاب ، إنّ في القبر نعيما يوفّر اللّه به حظوظ أوليائه ، وإنّ في القبر عذابا يشدّد اللّه به شقاء أعدائه ، إنّ المؤمنين الموالي لمحمّد وآله الطيّبين - المتّخذ لعلي عليه السلام بعد محمّد إمامه الذي يحتذي مثاله ، وسيّده الذي يصدق أقواله ويصوّب أفعاله ، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذرّيته لأُمور الدين وسياسته - إذا حضره من أمر اللّه ما لا يردّ ، ونزل به من قضائه ما لا يصدّ وحضره ملك الموت وأعوانه عند رأسه محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومن جانب آخر علي بن أبي طالب سيّد الوصيّين ، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سيّد المرسلين ، ومن جانب آخر سيّد الشهداء أجمعين ، وحواليه بعدهم خيار خواصّهم ومحبّيهم الذين هم سادة هذه الأُمّة بعد ساداتهم من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، فينظر إليهم العليل المؤمن فيخاطبهم بحيث يحجب اللّه صوته عن أسماع حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصّنا عن عيونهم ليكون إيمانهم بذلك أعظم صوابا لشدّة المحنة .
فيقول المؤمن : بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه ربّ العزّة ، بأبي أنت وأُمّي ياوصيّ ربّ الرحمة ، بأبي أنتما وأُمّي ياشبلا محمّد وضرغاماه ، ياولد وسبطاه ، وياسيّدا شباب أهل الجنّة المقرّبين من الرحمة والرضوان ، مرحبا بكم خيار أصحاب محمّد وعلي وولديه ، ما كان أعظم شوقي إليكم ، وأشدّ الآن سروري بلقائكم ، يارسول اللّه هذا ملك الموت قد حضرني ، ولا أشكّ في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك منّي ، فيقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كذلك هو ثمّ ، يقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على
ص: 520
ملك الموت فيقول : ياملك الموت استوص بوصيّة اللّه في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبّنا ومؤثرنا ، فيقول ملك الموت : مره يارسول اللّه أن ينظر إلى ما أعدّه له في الجنان ، فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : انظر إلى العلو ، فينظر إلى ما لا تحيط به الألباب ، ولا يأتي عليه العدد والحساب ، فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه ، وهذا محمّد صلى الله عليه و آله وأعزّته زوّاره يارسول اللّه لولا أنّ اللّه جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلاّ من قطعها لما تناولت روحه ، ولكن لخادمك ومحبّك هذا أُسوة بك وبسائر أنبياء اللّه ورسوله وأوليائه الذين أُذيقوا الموت لحكم اللّه ، ثمّ يقول محمّد صلى الله عليه و آله : ياملك الموت هاك أخانا قد أسلمناه إليك فاستوص به خيرا ، ثمّ يرتفع هو ومن معه إلى رياض الجنان وقد كشف الحجاب لعين ذلك المؤمن العليل ، فيراهم هناك بعد ما كانوا حول فراشه فيقول : ياملك الموت الوحي الوحي تناول روحي ولا تلبثني هاهنا ، فلا صبر لي عن محمّد وأعزّته ، وألحقني بهم ، وعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلّها كما يسلّ الشعر من الدقيق ، وإن كنتم ترون أنّه هو في شدّة بل هو في رخاء ولذّة ، فإذا دخل قبره وجد جماعتنا هناك ، فإذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للآخر : هذا محمّد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام وخيار صحابتهم بحفرة صاحبنا فليتضعضع لهم فيأتيان فيسلّمان على محمّد سلاما مفردا ، ثمّ يسلّمان على علي سلاما مفردا ، ثمّ يسلّمان على الحسن والحسين يجمعانهما فيه ، ثمّ يسلّمان على سائر من معنا من أصحابنا ، ثمّ يقولان : قد علمنا يارسول اللّه زيارتك في خاصّتك لخادمك ومولاك ، ولولا أنّ اللّه يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم لما سألناه ، ولكن أمر اللّه لابدّ من امتثاله ، ثمّ يسألانه فيقولان : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك ؟ وما قبلتك ؟ ومن
ص: 521
اخوانك ؟ فيقول : اللّه ربّي ، والإسلام ديني ، ومحمّد نبيّي ، وعلي وصي محمّد إمامي ، والكعبة قبلتي ، والموالون لمحمّد وعلي وأوليائهما والمعادون لأعدائهما إخواني ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ أخاه عليا ولي اللّه ، وإنّ من نصبهم للإمامة من أطائب عترته وخيار ذرّيته خلفاء الأُمّة وولاة الحقّ والقوّامون بالصدق ، فيقولان : على هذا حييت ، وعلى هذا متّ ، وعلى هذا تبعث ، إن شاء اللّه ، وتكون مع من تولاّه في دار كرامة اللّه تعالى ومستقرّ رحمته ،
قال : وإن كان لأوليائنا معاديا ، ولأعدائنا مواليا ، ولأضدادنا بألقابنا ملقّبا ، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثّل اللّه عزّوجلّ لذلك الفاجر سادته الذين اتّخذهم أربابا من دون اللّه وعليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه ، فلا يزال يصل إليه من حرّ عذابهم ما لا طاقة له به ، فيقول له الملك : ياأيّها الفاجر الكافر تركت أولياء اللّه وملت إلى أعدائه ، فاليوم لا يغنون عنك شيئا ، ولا تجد إلى مناص سبيلاً فيرد عليه من العذاب ما لو قسّم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم . ثمّ إذا دلي فيقبره رأى بابا من الجنّة مفتوحا إلى قبره يرى منها خيراتها ، فيقول له منكر ونكير :
انظر إلى ما حرمته من تلك الخيرات ، ثمّ يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه عذابها فيقول : ياربّ لا تقم الساعة(1).
ويعضده ما رواه الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت معه فيمن دخل ، فجعل الحارث يتأوّد(2) في
ص: 522
مشيته ويخبط(1) الأرض بمحجنه(2) وكان مريضا ، فأقبل عليه أمير المؤمنين عليه السلام
- وكانت له منزلة - وقال : كيف تجدك ياحارث ؟ قال : نال الدهر منّي وزادني أودا(3) وغليلاً(4) اختصام أصحابك ببابك ، قال : فيم ؟ قال : في شأنك والبلية من قبلك ، فمن مفرط غال ، ومبغض قال : ومن متردّد مرتاب ، فلا يدري أيقدم أم يحجم ، قال : فحسبك ياأخا همدان ، ألا أنّ خير شيعتي النمط الأوسط ، إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي ، قال : لو كشفت فداك أبي وأُمّي الريب عن قلوبنا ، وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال : قدك فإنّه امرئ ملبوس عليك ، إنّ دين اللّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحقّ - والآية العلامة - فاعرف الحقّ تعرف أهله ، ياحارث إنّ الحقّ أحسن الحديث والصادع به مجاهد وبالحقّ أُخبرك فأرعني سمعك ، ثمّ خبّر به من كانت له خصاصة من أصحابك ، ألا أنّي عبد اللّه وأخو رسوله وصدّيقه الأوّل ، صدّقته وآدم بين الروح والجسد ، ثمّ إنّي صدّيقه الأوّل في أُمّتكم حقّا ، فنحن الأوّلون ونحن الآخرون ، ألا وأنا خاصّته - ياحارث - وخالصته وصفوته ، ووصيّه ووليّه ، وصاحب نجواه وسرّه ، أُوتيت فيهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب ، واستودعت ألف مفتاح يفتح كلّ مفتاح ألف باب ، يقضي كلّ باب إلى ألف ألف عهد ، وأيّدت - أو قال : امددت - بليلة القدر نفلاً ، وإنّ ذلك ليجري لي ولمن استحفظ من ذرّيتي ما جرى الليل والنهار حتّى يرث اللّه الأرض
ص:523
ومن عليها ، وأُبشّرك ياحارث ليعرفني - والذي فلق الحبّة وبرئ النسمة - وليّي وعدوّي في مواطن شتّى : عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة ، قال : وما المقاسمة ؟ قال : مقاسمة النار أُقاسمها صحاحا ، أقول : هذا وليّي ، وهذا عدوّي . ثمّ
أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث وقال : ياحارث أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال لي - وقد اشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين - : إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة من ذي العرش وأخذت ياعلي بحجزتي وأخذت ذرّيتك بحجزتك وأخذت شيعتكم بحجزكم ، فماذا يصنع اللّه بنيّه ؟ وماذا يصنع نبيّه بوصيّه ؟ وماذا يصنع وصيّه بأهل بيته وشيعتهم ؟ خذها إليك ياحارث قصيرة من طويلة ، أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت - قالها ثلاثا - فقال الحارث - وقام يجرّ رداءه جذلاً - : ما أُبالي وربّي بعد هذا ألقيت الموت أو لقيني(1)-(2).
ص: 524
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ
سورة الواقعة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله : «وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ»يعني من كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام«فَسَلاَمٌ لَكَ» يامحمّد من أصحاب اليمين ألاّ يعذّبوا(1).
وفي روضة الكافي : الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النهدي ، عن معاوية بن حكيم ، عن بعض رجاله ، عن عنبسة بن بجار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : «وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الَْيمِينِ ...» الآية فقال : قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام هم شيعتك فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : وأمّا تأويله حدّثنا علي بن العبّاس ، عن جعفر بن محمّد ، عن موسى بن زياد ، عن عقبة بن العابد ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ» قال : هم الشيعة ، قال اللّه لنبيّه : «فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ» يعني تسلم منهم إنّهم لا يقتلون
ص: 525
ولدك(1).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن محمّد بن حمران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ * فَسَلاَمٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيمِينِ»
قال أبو جعفر عليه السلام هم : شيعتنا ومحبّونا(2).
وما رواه محمّد بن العبّاس قال : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن عبدالرحمان بن المفضّل ، عن جعفر بن الحسين ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : «فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ» فقال : هذا في أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من بعده (صلوات اللّه عليه)(3).
ص: 526
«شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ»
سورة الشورى
وفي بصائر الدرجات : عبداللّه بن عامر ، عن عبدالرحمان بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه السلام رسالة وأقرأنيها قال : قال : علي بن الحسين عليه السلام أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله كان أمين اللّه في أرضه ، فلمّا قبض محمّد
صلى الله عليه و آله كنّا أهل بيت ورثته ، فنحن أُمناء اللّه في أرضه - إلى قوله : - ونحن الذين شرع لنا دينه ، فقال في كتابه : «شَرَعَ لَكُمْ»ياآل محمّد «مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا»قد وصّانا بما وصّى به نوحا «وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» يامحمّد «وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ» وإسماعيل وإسحاق ويعقوب «وَمُوسَى وَعِيسَى» فقد علمنا وبلّغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ورثة أُولوا العزم من الرسل «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ» ياآل محمّد «وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» وكونوا على جماعة «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»من أشرك بولاية
ص: 527
علي عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من ولاية علي عليه السلام إنّ «اللّه ُ» يامحمّد «يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» ومن يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس رحمه اللهحدّثنا جعفر بن محمّد الحسيني ، عن إدريس بن زياد الحنّاط ، عن أحمد بن عبدالرحمان الخراساني ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن أبي حبيب النباجي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه محمّد ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال - في تفسيره هذه الآية - : نحن الذين شرع اللّه لنا دينه في كتابه ، وذلك قوله عزّوجلّ : «شَرَعَ لَكُمْ» ياآل محمّد «مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ»
ياآل محمّد «وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من ولاية علي عليه السلام «اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» أي من يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام(2).
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن همام ، عن عبداللّه بن القصباني ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه السلام إلى أبي عبداللّه بن جندب وأقرأنيها رسالة قال علي بن الحسين عليه السلام : نحن أولى الناس باللّه عزّوجلّ ، ونحن أولى بكتاب اللّه ، ونحن أولى الناس بدين اللّه ، ونحن الذين شرع اللّه لنا دينه ، فقال في كتابه : «شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ» ياآل محمّد «مَا وَصَّى بِهِ نُوحا»فقد وصّانا بما وصّى به نوحا «وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» يامحمّد «وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ» وإسماعيل وإسحاق ويعقوب «وَمُوسَى وَعِيسَى» فقد علمنا وبلّغنا علم ما علّمنا واستودعنا ، فنحن
ص: 528
ورثة الأنبياء ، ونحن ورثة أُولوا العزم من الرسل «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ» ياآل محمّد «وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» وكونوا على جماعة «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من ولاية علي عليه السلام إنّ «اللّه ُ» يامحمّد «يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» من يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام(1).
وفي أُصول الكافي : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالعزيز بن المهتدي ، عن عبداللّه بن جندب أنّه كتب إليه الرضا عليه السلام : نحن الذين شرع اللّه لنا دينه ، فقال في كتابه : «شَرَعَ لَكُمْ» ياآل محمّد صلى الله عليه و آله «مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ» يامحمّد صلى الله عليه و آله «وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى» فقد علمنا وبلّغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة أُولي العزم من الرسل «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ»ياآل محمّد «وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» وكونوا على جماعة «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» من أشرك بولاية علي عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من ولاية علي أنّ «اللّه ُ»يامحمّد «يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» من يجيبك إلى ولاية علي عليه السلام(2) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عبداللّه بن إدريس ، عن محمّد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» يامحمّد من ولاية علي عليه السلام هكذا في الكتاب مخطوطة(3).
وفي كتاب التوحيد : بإسناده إلى عبدالعظيم بن عبداللّه الحسني قال : دخلت على سيّدي علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن
ص: 529
علي بن أبي طالب عليهم السلام فلمّا بصر بي قال لي : مرحبا بك ياأبا القاسم أنت وليّنا حقّا قال : فقلت له : يابن رسول اللّه إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيّا أثبت عليه حتّى ألقى اللّه عزّوجلّ ، فقال : هاتها ياأبا القاسم ، فقلت : إنّي أقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وإنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإنّ محمّدا صلى الله عليه و آله عبده ورسوله خاتم النبيّين ، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة ، وأقول : إنّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمّد بن علي ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ أنت يامولاي ، فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف بالناس للخلف من بعده ، قال : فقلت : وكيف ذاك يامولاي ؟ قال : لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا ، قال : فقلت : أقررت ، وأقول : إنّ وليّهم ولي اللّه ، وعدوّهم عدوّ اللّه ، وطاعتهم طاعة اللّه ، ومعصيتهم معصية اللّه ، وأقول : إنّ المعراج حقّ والمساءلة في القبر حقّ ، وإنّ الجنّة حقّ ، وأنّ النار حقّ والصراط حقّ والميزان حقّ ، وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وإنّ اللّه يبعث من في القبور ، وأقول : إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال علي بن محمّد عليه السلام : ياأبا القاسم هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه
ص: 530
لعباده ، فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة(1).
علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عمرو بن حريث قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام وهو في منزل أخيه عبداللّه بن محمّد ، فقلت له : جعلت فداك ما حوّلك إلى هذا المنزل ؟ قال : طلب النزهة(2)، فقلت : جعلت فداك ألا أقصّ عليك ديني ؟ فقال : بلى ، قلت : أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والولاية لعلي أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين عليهماالسلام والولاية لمحمّد بن علي عليه السلام ولك من بعده (صلوات اللّه عليهم أجمعين) ، وأنّكم أئمّتي ، عليه أحيى وعليه أموت وأدين اللّه به ، فقال : ياعمرو هذا واللّه دين اللّه ودين آبائي الذي أدين اللّه به في السرّ والعلانية ، فاتّق اللّه وكفّ لسانك إلاّ من خير ، ولا تقل إنّي هديت نفسي بل اللّه هداك فأشكر ما أنعم اللّه عزّوجلّ به عليك ، ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه ، وإذا أدبر طعن في قفاه ، ولا تحمل الناس على كاهلك ، فإنّك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن علي بن مهزيار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه : «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ» قال : الإمام «وَلاَ
ص: 531
تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ قال : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» من أمر ولاية علي عليه السلام «اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ» كناية عن علي (صلوات اللّه عليه) «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ»(1)-(2).
ص: 532
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّه ُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللّه َ وَرَسُولَهُ وَاللّه ُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»
سورة المجادلة
وعن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ ...»الآية فكنت أنا الذي قدّم الصدقة غيري ؟ قالوا : لا(1).
وفي الخصال : في مناقب علي عليه السلام وتعدادها قال
عليه السلام : وأمّا الرابع والعشرون فإنّ اللّه أنزل على رسوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...»الآية فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتصدّق قبل ذلك بدرهم ، وواللّه
ص: 533
ما فعل هذا أحد من أصحابه قبلي ولا بعدي ، فأنزل اللّه : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا» فهل تكون التوبة إلاّ من ذنب كان(1).
وفيه في احتجاج علي عليه السلام على أبي بكر قال : فأنشدك باللّه أنت الذي قدّم بين يدي نجوى رسول اللّه صلى الله عليه و آله صدقة فناجاه ، وعاتب اللّه عزّوجلّ قوما ، فقال : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...» الآية أم أنا ؟ قال : بل أنت(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...» الآية قال : إذا سألتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاجة فتصدّقوا بين يدي حاجتكم ليكون أقضى لحوائجكم فلم يفعل ذلك أحد إلاّ علي عليه السلام فإنّه تصدّق بدينار وناجى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشر مرّات(3).
حدّثنا أحمد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...» الآية قال : قدّم علي بن أبي طالب بين يدي نجواه صدقة ، ثمّ نسختها بقوله : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...» الآية(4).
وبإسناده إلى مجاهد قال : قال علي عليه السلام : إنّ في كتاب اللّه لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية النجوى إنّه كان لي دينار ، فبعته بعشرة دراهم فجعلت أُقدّم بين يدي كلّ نجوى أُناجيها النبي صلى الله عليه و آله درهما قال : فنسخها
ص: 534
قوله : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...» الآية(1).
وفي مجمع البيان : قال : بي خفّف اللّه عن هذه الأُمّة ، ولم تنزل في أحد قبلي ، ولن تنزل في أحد بعدي(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس رحمه الله ، عن علي بن عتبة ومحمّد بن القاسم قالا : حدّثنا الحسين بن الحكم ، عن حسن بن حسين ، عن حنان بن علي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...» الآية قال : نزلت في علي عليه السلام خاصّة كان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلّما ناجاه قدّم درهما حتّى ناجاه عشر مرّات ، ثمّ نسخت ولم يعمل بها أحد قبله ولا بعده(3).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبّاس ، عن محمّد بن مروان ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي عليه السلام قال : كنت أوّل من ناجى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كان عندي دينار فصرّفته بعشرة دراهم وكلّمت رسول اللّه عشر مرّات ، كلّما أردت أن أُناجيه تصدّقت بدرهم ، فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال المنافقون : ما باله ما يبخس لابن عمّه حتّى نسخها اللّه تعالى فقال : «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...» الآية ، ثمّ قال عليه السلام : فكنت أوّل من عمل بهذه الآية وآخر من عمل بها ، فلم يعمل بها أحد قبلي ولا بعدي(4).
ص: 535
وقال أيضاً : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن زكريا ، عن أيّوب بن سليمان ، عن محمّد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...» الآية قال : إنّه حرّم كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ رخص لهم في كلامه بالصدقة ، فكان إذا أراد الرجل أن يكلّمه تصدّق بدرهم ثمّ كلّمه بما يريد ، قال : فكفّ الناس عن كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه ، فتصدّق علي عليه السلام بدينار كان له ، فباعه بعشرة دراهم في عشر كلمات سألهنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره ، وبخل أهل الميسرة أن يفعلوا ذلك ، فقال المنافقون : ما صنع علي بن أبي طالب الذي صنع من الصدقة إلاّ أنّه إذا أراد أن يتزوّج لابن عمّه ، فأنزل اللّه تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ ...»الآية «ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ» من إمساكها «وَأَطْهَرُ» يقول : وأزكى لكم من المعصية «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا» الصدقة «فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ» يقول الحكيم : أأشفقتم ياأهل الميسرة «أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ» يقول : قدّام نجواكم يعني كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله«صَدَقَاتٍ» على الفقراء «فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا» ياأهل الميسرة «وَتَابَ اللّه ُ عَلَيْكُمْ»يعني تجاوز عنكم إذا لم تفعلوا «فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ» ، يقول : أقيموا الصلوات الخمس «وَآتُوا الزَّكَاةَ» يعني أعطوا الزكاة يقول : تصدّقوا ، فنسخت ما أُمروا عند المناجات بإتمام الصلاة وإيتاء الزكاة «وَأَطِيعُوا اللّه َ وَرَسُولَهُ» بالصدقة في الفريضة والتطوّع «وَاللّه ُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» أي تنفقون خيرا(1).
وفيه : ونقلت من مؤلّف شيخنا أبي جعفر الطوسي هذا الحديث ذكره أنّه في
ص: 536
جامع الترمذي وفي تفسير الثعلبي بإسناده عن علقمة الأنماري يرفعه إلى علي عليه السلام أنّه قال : بي خفّف اللّه عن هذه الأُمّة ، لأنّ اللّه امتحن الصحابة بهذه الآية فتقاعسوا عن
مناجات الرسول صلى الله عليه و آله وكان قد احتجب في منزله من مناجات كلّ أحد إلاّ من تصدّق بصدقة ، وكان معي دينار فتصدّقت به ، فكنت أنا سبب التوبة من اللّه على المسلمين حيث عملت بهذه الآية ، ولو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب لامتناع الكلّ عن العمل بها ، ثمّ قال : صدق صلى الله عليه و آله ، لأنّه ما زال سببا لامتناع لكلّ خير يعزى إليه ، وإنّ اللّه سبحانه أراد أن ينوّه بفضله ويجعل هذه الآية منقبة له دون غيره ، إذ لم يجعل للصدقة مقدارا معيّنا ، ولو جعل لأمكن أكثر الناس أن يتصدّقوا ، ففي ترك عملهم بها ونسخها دليل على أنّها كانت منقبة له خاصّة ، لأنّه تعالى عالم بما يكون قبل كونه وعلم صدقات علي عليه السلام وتقاعس غيره عنها ، فأراد اللّه سبحانه إظهار فضله عند تقاعس غيره ، «ذَلِكَ فَضْلُ اللّه ِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّه ُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(1)-(2).
روى الحافظ الحسكاني الحنفي قال : الحبري بإسناده المذكور عن مجاهد ، قال : قال علي رضى الله عنه :
آية في القرآن لم يعمل بها أحد قبلي ، ولم يعمل بها أحد بعدي ، أُنزلت آية النجوى ، فكان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت إذا أردت أن أُناجي النبي صلى الله عليه و آله تصدّقت بدرهم ، حتّى فنيت ، ثمّ نسخته الآية التي بعدها(3).
وروى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، في تفسيره روايات عديدة في ذلك ،
ص: 537
(ومنها) عن مجاهد في قوله تعالى : «فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» .
قال : نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه و آله حتّى يتصدّقوا ، فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب ، قدّم دينارا فتصدّق به(1).
وروى العلاّمة البحراني ، عن العالم الشافعي (محمّد بن إبراهيم الحمويني) بإسناده المذكور عن الإمام حسام الدين محمّد بن عثمان بن محمّد ، قال : روي عن علي رضى الله عنه عشر مرّات بعشر كلمات ، قدّمها عشر صدقات - وهي الكلمات التي ناجى بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
1 - فسأل (في الأُولى) ما الوفاء ؟
قال صلى الله عليه و آله : التوحيد وشهادة أن لا إله إلاّ اللّه .
2 - ثمّ قال : وما الفساد ؟
قال صلى الله عليه و آله : الكفر والشرك باللّه عزّوجلّ .
3 - قال : وما الحقّ ؟
قال صلى الله عليه و آله : الإسلام ، والقرآن ، والولاية إذ انتهت إليك .
4 - قال : وما الحيلة ؟
قال صلى الله عليه و آله : ترك الحيلة .
5 - قال : وما علي ؟
قال صلى الله عليه و آله : طاعة اللّه ، وطاعة رسوله(2).
ص: 538
6 - قال : وكيف أدعو اللّه تعالى ؟
قال صلى الله عليه و آله : بالصدق واليقين .
7 - قال : وماذا أسأل اللّه تعالى ؟
قال صلى الله عليه و آله : العافية .
8 - قال : وماذا أصنع لنجاة نفسي ؟
قال صلى الله عليه و آله : كل حلالاً ، وقل صدقا .
9 - قال : وما السرور ؟
قال صلى الله عليه و آله : الجنّة .
10 - قال : وما الراحة ؟
قال صلى الله عليه و آله : لقاء اللّه تعالى .
فلمّا فرغ نسخ حكم الآية(1).
وروى الحافظ الحسكاني الحنفي قال : أخبرنا أبو بكر السكري بإسناده المذكور عن علي قال : لمّا نزلت : «فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» .
دعاني رسول اللّه فقال : ما تقول ؟ دينار ؟ قلت : لا يطيقونه . قال صلى الله عليه و آله : فكم : قلت أدي شعيرة . قال صلى الله عليه و آله : إنّك لزهيد . فنزلت : «أَأَشْفَقْتُمْ» الآية . قال عليه السلام: فبي
ص: 539
خفّف اللّه عن هذه الأُمّة(1).
وأخرج هذه الأحاديث وأشباهها معظم علماء التفسير والحديث والتاريخ ، كالفقيه الشافعي جلال الدين السيوطي في تفسيره ، وفي كتابه لباب النقول(2).
وكالفقيه الحنفي أخطب خطباء خوارزم الموفّق بن أحمد في مناقب علي بن أبي طالب(3).
والفقيه الشافعي أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه(4).
(والحافظ) النسائي في خصائص أمير المؤمنين(5).
(والحافظ) الترمذي في جامعه الصحيح(6).
(والحافظ) الذهبي في ميزان الاعتدال(7).
(والحافظ) الكنجي في كفاية الطالب(8).
(والحافظ) الدمشقي ابن كثير الشافعي في تفسيره(9).
ص: 540
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالاْءِيمَانَ «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالاْءِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
سورة الحشر
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا سهل بن محمّد بن العطّار ، عن أحمد بن عمرو الدهقان ، عن محمّد بن كثير ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : إنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله فشكى إليه الجوع ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا إلاّ الماء ، فقال صلى الله عليه و آله : من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال علي عليه السلام : أنا يارسول اللّه فأتى فاطمة فأعلمها ، فقال : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا ، فقال علي عليه السلام : نوّمي الصبية واطفئي السراج ، فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنزلت هذه الآية : «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...»الآية(1).
ص: 542
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن كليب بن معاوية الأسدي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...» الآية قال : بينا علي عليه السلام عند فاطمة عليهاالسلام إذ قالت : اذهب إلى أبي فأبغنا منه شيئا ، فقال : نعم فأتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله
فأعطاه دينار وقال : ياعلي إذهب فابتع لأهلك طعاما ، فخرج من عنده فلقيه المقداد بن الأسود وقاما ما شاء اللّه أن يقوما وذكر له حاجته فأعطاه الدينار ، وانطلق إلى المسجد فوضع رأسه فنام ، فانتظره رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يأت ثمّ انتظره فلم يأت ، فخرج يدور في المسجد فإذا هو بعلي عليه السلام نائم في المسجد فحرّكه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقعد ، فقال له : ياعلي ما صنعت ؟ فقال : يارسول اللّه خرجت من عندك فلقيني المقداد بن الأسود فذكر لي ما شاء اللّه أن يذكر فأعطيته الدينار ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ جبرئيل عليه السلام قد أنبأني بذلك ، وقد أنزل اللّه فيك كتابا : «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...»الآية(1).
قال أيضا : حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت ، عن القاسم بن إسماعيل ، عن محمّد بن سنان ، عن سماعة بن مهران ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام أُوتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمال وحلل وأصحابه حوله جلوس ، فقسّمه عليهم حتّى لم يبق منه حلّة ولا دينار ، فلمّا فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين - وكان غائبا - فلمّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أيّكم يعطي هذا نصيبه ويؤثره على نفسه ، فسمعه علي عليه السلام فقال : نصيبي فأعطاه إيّاه ، فأخذه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعطاه الرجل ، ثمّ قال : ياعلي إنّ اللّه
ص: 543
جعلك سبّاقا للخير ، سخّاءً بنفسك عن المال ، أنت يعسوب الدين ، والمال يعسوب الظلمة ، والظلمة هم الذين يحسدونك ويبغون عليك ويمنعونك حقّك بعدي(1).
وبالاسناد عن القاسم بن إسماعيل ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس ذات يوم وأصحابه جلوس حوله فجاء علي عليه السلام وعليه سمل ثوب منخرق عن بعض جسده ، فجلس قريبا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فنظر إليه ساعة ثمّ قرأ ، «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ...» الآية ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : أما إنّك رأس الذين نزلت فيهم هذه الآية وسيّدهم وإمامهم ، ثمّ قال صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : أين حلّتك التي كسوتكها ياعلي ؟ فقال : يارسول اللّه إنّ بعض أصحابك أتاني يشكوا عريه وعري أهل بيته فرحمته فآثرته بها على نفسي وعرفت إنّ اللّه سيكسوني خيرا منها ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : صدقت أما أنّ جبرئيل قد أتاني يحدّثني إنّ اللّه اتّخذ لك مكانها في الجنّة حلّة خضراء من استبرق وصبغتها من ياقوت وزبرجد ، فنعم الجواز جواز ربّك بسخاوة نفسك وصبرك على سملتك هذه المنخرقة ، فابشر ياعلي ، فانصرف فرحا مستبشرا بما أخبره به رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال : أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي بإسناده المذكور عن أبي هريرة قال :
إنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله فشكا إليه الجوع فبعث إلى بيوت أزواجه فقلن ما عندنا إلاّ الماء ، فقال صلى الله عليه و آله : من لهذه الليلة ؟
ص: 544
فقال علي : أنا يارسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فأتى فاطمة فأعلمها ، فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا . فقال علي : نومي الصبية ، وأنا أطفئ للضيف السراج . ففعلت ، وعشّى الضيف ، فلمّا أصبح أنزل اللّه عليهم هذه الآية : «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ»الآية(1).
وروى هو أيضا قال : أخبرنا عقيل بإسناده المذكور عن ابن عبّاس في قول اللّه : «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» قال : نزلت في علي وفاطمة ، والحسن ، والحسين(2).
ص: 545
لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ
سورة الحشر
ما رواه أصحابنا بحذف الإسناد مرفوعا عن أمير المؤمنين عليه السلام إنّه قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تلا هذه الآية : «لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ» - إلى آخرها ، وقال : أصحاب الجنّة من أطاعني وسلّم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقرّ بولايته ؛ وأصحاب النار من أنكر الولاية ونقض العهد من بعدي(1).
وذكر الشيخ في أمالي عن مجروح بن زيد الذهلي - وكان في وفد قومه إلى النبي صلى الله عليه و آله فتلا هذه الآية : «لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ» .
قال : فقلنا : يارسول اللّه من أصحاب الجنّة ؟ قال : من أطاعني وسلّم لهذا من بعدي . قال : وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكفّ علي عليه السلام - وهو يومئذ إلى جنبه - فرفعها وقال : ألا إنّ عليا منّي وأنا منه ، فمن حادّه فقد حادّني ، ومن حادّني فقد أسخط اللّه عزّوجلّ . ثمّ قال : ياعلي حربك حربي ، وسلمك سلمي ، وأنت العلم بيني وبين
ص: 546
روى العالم الحنفي موفّق بن أحمد من أعيان العلماء عن سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي بإسناده المذكور عن أبي الزبير عن جابر قال : كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله فأقبل علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : قد أتاكم أخي ثمّ التفت إلى الكعبة فقبض منها بيده ثمّ قال : « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة »(3).
ص: 547
إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ
سورة الصف
وفي الكافي : حديث مالك بن أعين قال : حرّض أمير المؤمنين الناس بصفّين فقال : إنّ اللّه - إلى أن قال تعالى : - «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ ...» الآية فسوّوا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، فقدّموا الدارع(1) وأخّروا الحاسر(2) وعضّوا على النواجذ(3)، فإنّه أنبأ للسيوف على الهام ، والتووا على أطراف الرماح فإنّه أُمور للأسنّة ، وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش ، وأسكن للقلوب ، وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل وأولى بالوقار ، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلاّ مع شجعانكم ، فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ ، الحديث(4).
وفي مصباح شيخ الطائفة : خطبة لأمير المؤمنين خطب بها يوم الغدير يقول فيها : واعلموا أيّها المؤمنون إنّ اللّه قال : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ ...» الآية أتدرون ما
ص: 548
سبيل اللّه ومن سبيله ومن صراط اللّه ومن طريقه ؟ أنا صراط اللّه الذي من لم يسلكه بطاعة اللّه فيه هوي به إلى النار ، وأنا سبيل اللّه الذي نصبني للاتّباع بعد نبيّه
صلى الله عليه و آله(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا علي بن عبيد ومحمّد بن القاسم قالا جميعا : حدّثنا حسين بن الحكم ، عن حسين بن حسين ، عن حيّان بن علي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ ...» الآية قال : نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وسحل بن حنيف والحارث بن الصمّة وأبي دجانة(2).
وقال أيضا : حدّثنا الحسين بن محمّد ، عن حجّاج بن يوسف ، عن بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ ...» الآية قال : قلت له : من هؤلاء ؟ قال : علي بن أبي طالب وحمزة أسد اللّه وأسد رسوله وعبيدة بن الحارث والمقداد بن الأسود(3).
وقال أيضا : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن ميسرة بن محمّد ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن ابن فضيل ، عن حيّان بن عبيداللّه ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن ابن عبّاس قال : علي عليه السلام إذا صفّ إلى القتال كأنّه بنيان مرصوص يتبع ما قال اللّه فيه ، فمدحه اللّه وما قتل المشركين كقتله يوم أُحد(4).
ص: 549
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
سورة الصف
وفي الكافي : علي بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ ...»الآية قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم ، قلت : «وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ» قال : واللّه متمّ الإمامة لقوله : «فَآمِنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا» فالنور هو الإمام(1).
أحمد بن إدريس ، عن الحسن بن عبيد ، عن محمّد بن الحسن وموسى بن عمر ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن قال : سألته عن قول اللّه : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ ...» الآية قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير
المؤمنين عليه السلام بأفواههم ، قوله : «وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ» قال : واللّه متمّ الإمامة والإمامة هي النور ، وذلك قوله تعالى : «فَآمِنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا»قال : النور هو الإمام(2).
ص: 550
وفي هذا المعنى ما رواه محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن رهبان ، عن أحمد بن جعفر الصولي ، عن علي بن الحسين ، عن حميد بن الربيع ، عن هشيم بن بشير ، عن أبي إسحاق الحارث بن عبداللّه الحاسدي ، عن علي عليه السلام قال : صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنبر فقال : إنّ اللّه نظر إلى أهل الأرض نظرة فاختارني منهم ، ثمّ نظر ثانية فاختار عليا أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أُمّتي وولي كلّ مؤمن بعدي ، من تولاّه تولّى اللّه ، ومن عاداه عاد اللّه ، ومن أحبّه أحبّه اللّه ، ومن أبغضه أبغضه اللّه ، واللّه لا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ كافر ، وهو نور الأرض بعدي وركنها ، وهو كلمة اللّه التقوى والعروة الوثقى ، ثمّ تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا ...» الآية ياأيها الناس ليبلّغ مقالتي هذه شاهدكم غائبكم اللهمّ إنّي أُشهدك عليهم أيّها الناس وإنّ اللّه نظر ثالثة واختار بعدي وبعد أخي علي أحد عشر إماما واحدا بعد واحد ، كلّما هلك واحد قام واحد مثلهم كمثل نجوم السماء ، كلّما غاب نجم طلع نجم ، هداة مهديّون لا يضرّهم كيد من كادهم وخذلهم ، هم حجّة اللّه في أرضه ، وشهداؤه في خلقه ، ومن أطاعهم أطاع اللّه ، ومن عصاهم عصى اللّه ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم حتّى يردوا عليَّ الحوض(1).
ص: 551
«إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّه ِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارا»
سورة التحريم
وفي تفسير علي بن إبراهيم : عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن عبداللّه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «إِنْ تَتُوبَا» - إلى قوله : - «صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» قال : صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب(1).
وفي مجمع البيان : وعن ابن عبّاس قال : قلت لعمر بن الخطّاب : من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : عائشة وحفصة ، أورده البخاري في
ص: 552
الصحيح ، ووردت الرواية من طريق العامّة والخاصّة أنّ المراد بصالح المؤمنين علي بن أبي طالب(1).
وفي كتاب شواهد التنزيل : بالإسناد عن سدير الصيرفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لقد عرف رسول اللّه أصحابه مرّتين : أمّا مرّة فحيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وأمّا الثانية فحيث نزلت هذه الآية : «فَإِنَّ اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ ...»الآية أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي وقال : ياأيّها الناس هذا صالح المؤمنين(2).
وقالت أسماء بنت عميس ، سمعت أنّ النبي صلى الله عليه و آله يقول : وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام(3).
وفي كتاب سعد السعود لابن طاووس رحمه الله : فقد روى من يعتمد عليه من رجال المخالف والمؤالف أنّ المراد بصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد ذكرنا بعض الروايات في كتاب الطرائف(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : سبب نزول هذه الآية : أنّ النبي
صلى الله عليه و آله أسرّ إلى عائشة وحفصة حديثا وهو : أنّ أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده بالقهر والغلبة ، فلمّا أسرّ إليهما ذلك عرّفت كلّ واحدة أباها وأفشت سرّ رسول اللّه ، فأنزل اللّه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخبره بما فعلا ، ويعرّفهما بأنّهما إن تابا ممّا فعلاه «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» أي مالت عن الهوى وعدلت إلى الرشاد «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ» أي على النبي
صلى الله عليه و آله«فَإِنَّ
ص: 553
اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ» أي ناصره ومؤيّده ، وكذلك «جِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» صلّى اللّه عليهما «وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ» ، وصالح المؤمنين أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه محمّد بن عبّاس من طريق العامّة والخاصّة ، أورده في تفسيره المنقول اثنين وخمسين حديثا اخترنا منها بعضها . قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسيني ، عن عيسى بن مهران ، عن مخلّد بن إبراهيم ، عن عبدالرحمان بن الأسود ، عن محمّد بن عبداللّه بن أبي نافع قال : لمّا كان اليوم الذي توفّى فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله غشي عليه ، ثمّ أفاق وأنا أبكي وأُقبّل يديه وأقول : من لي ولولدي بعدك يارسول اللّه ؟ قال : لك اللّه بعدي ووصيّي صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن سهل القطّان ، عن عبداللّه بن محمّد البلوي ، عن إبراهيم بن عبيداللّه القلا ، عن سعد بن يربوع ، عن أبيه ، عن عمّار بن ياسر قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : دعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : ألا أُبشّرك ؟ قلت : بلى يارسول اللّه ، وما زلت مبشّرا بالخير ، قال : لقد أنزل اللّه فيك قرآنا قال : قلت : وما هو يارسول اللّه ؟ قال : قرنت بجبرائيل ، ثمّ قرأ : «وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ» فأنت والمؤمنون من بنيك الصالحون(2).
وقال أيضا : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عرّف أصحابه أمير المؤمنين مرّتين ، وذلك أنّه قال لهم : أتدرون من وليّكم بعدي ؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم قال : فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد قال : «فَإِنَّ اللّه َ هُوَ
ص: 554
مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» يعني أمير المؤمنين وهو وليّكم بعدي ، والمرّة الثانية بغدير خمّ حين قال : من كنت مولاه فعلي مولاه(1).
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبيد ومحمّد بن القاسم قالا : حدّثنا حسين بن الحكم ، عن حسن بن حسين ، عن حبّان بن علي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «فَإِنَّ اللّه َ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» قال : نزلت في علي عليه السلام خاصّة ، وإنّما أفرد جبرئيل من بين الملائكة وأمير المؤمنين من بين الناس لعلوّ شأنهما ، فأمّا جبرئيل فعطف الملائكة عليه ، وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فلم يشرك معه أحدا من الناس ، فتلك فضيلة لم يسبق إليها ولا قدر أحد من البشر عليها ، وهذا مثل قوله : «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ»والمؤمنون عبارة عنه ، لأنّه أميرهم وكما قيل :
الناس ألف منهم بواحد
وواحد كالآلاف إن امرئ عنّا
وقال الآخر :
وليس على اللّه بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد(2)
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة : بإسناده إلى سعد بن عبداللّه القمّي قال : دخلت على أبي محمّد صلى الله عليه و آله بسرّ من رأى فوجدت على فخذه الأيمن مولانا القائم (صلوات اللّه عليه) وهو غلام ، وقد كنت اتّخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا ، فقال : ما جاء بك ياسعد ؟ فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا ، قال : فما المسائل التي أردت أن تسأله
ص: 555
عنها ؟ فقلت : على حالها يامولاي ، قال : فسل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام - فقال لي الغلام سل عمّا بدا لك منها ؟ فقلت له : مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة أنّك قد أرهجت(1) على الإسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنّي غربك وإلاّ طلّقتك ، ونساء رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد كان طلاقهنّ وفاته ، قال : ما الطلاق ؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد خليت لهنّ السبيل فلِمَ لا يحلّ لهنّ الأزواج ؟ قلت : لأنّ اللّه تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ ، قال : كيف وقد خلّى الموت سبيلهنّ ؟ قلت : فأخبرني يابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول اللّه صلى الله عليه و آله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال : إنّ اللّه عظّم شأن نساء النبي صلى الله عليه و آله فخصّهنّ بشرف الأُمّهات ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياأبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن على الطاعة ، فأيّتهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أُمومة المؤمنين(2). الحديث .
وفي الاحتجاج للطبرسي رحمه الله : عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيه للقوم لمّا مات عمر بن الخطّاب : قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد جعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله طلاق نسائه بيده غيري ؟ قالوا : لا(3)-(4).
ص: 556
روى جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي في تفسيره قال : وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس :
سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول في قوله تعالى : «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» قال صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب(1).
وروى هو أيضا عن ابن عساكر ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» قال : هو علي بن أبي طالب(2).
وأخرج الثعلبي النيشابوري في تفسيره (الكشف والبيان) المخطوط بسنده المذكور عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»
علي بن أبي طالب رضى الله عنه(3).
وأخرج مفتي العراقين أبو عبداللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي في كفاية الطالب عن ابن عبّاس قال في قوله تعالى : «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : صالح المؤمنين علي بن أبي طالب(4).
وأخرج هذا المعنى بتعبيرات مختلفة في بعض ألفاظها الكثير من أئمّة الحديث ، والحفّاظ ، والمؤرّخين والمفسّرين في كتبهم .
(منهم) المتّقي الهندي الحنفي في كنز العمّال(5).
ص: 557
(ومنهم) ابن حجر الشافعي في صواعقه(1) وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد(2).
(ومنهم) ابن حجر الشافعي العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري(3).
(ومنهم) الحافظ أبو الحسن ابن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب(4).
(ومنهم) الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره وكلاهما روى ذلك بسندهما عن ليث عن مجاهد(5).
(ومنهم) العلاّمة الأندلسي أبو حيّان في تفسيره (البحر المحيط)(6).
وآخرون كثيرون ... .
ص: 558
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
سورة الملك
الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن محمّد بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» قال :
إنّ اللّه سبحانه ضرب مثل من حاد عن ولاية علي عليه السلام كمن يمشي مكبّا على وجهه لا يهتدي لأمره ، وجعل من تبعه كمن يمشي سويّا على صراط مستقيم ؛ والصراط أمير المؤمنين(1).
ويؤيّده ما رواه محمّد بن العبّاس ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صالح بن خالد بن ميثم ، عن منصور ، عن حريز ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : تلا هذه الآية وهو ينظر إلى الناس : «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»يعني واللّه عليا والأوصياء عليهم السلام .
ص: 559
ويعضده ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن علي بن الحسن ، عن منصور ، عن حريز بن عبداللّه بن الفضيل قال :
دخلت مع أبي جعفر عليه السلام المسجد الحرام وهو متّكي عليَّ ، فنظر إلى الناس - ونحن على باب بني شيبة - فقال :
يافضيل هكذا كانوا يطوّفون في الجاهلية ، لا يعرفون حقّا ولا يدينون دينا .
يافضيل انظر إليهم فإنّهم منكبّون على وجوههم ، لعنهم اللّه من خلق ممسوخ بهم منكبّين على وجوههم .
ثمّ تلا هذه الآية : «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» يعني واللّه عليا عليه السلام والأوصياء من ولده .
ثمّ تلا هذه الآية : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ»(1) أمير المؤمنين .
يافضيل لم يتسمّ بهذا الاسم غير علي عليه السلام إلاّ مفترٍ كذّاب إلى يوم القيامة .
أما واللّه يافضيل ما للّه حاجّ غيركم ، ولا يغفر الذنوب إلاّ لكم ، ولا يتقبّل إلاّ منكم ، وإنّكم لأهل هذه الآية : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيما»(2).
يافضيل أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا أيديكم وألسنتكم
وتدخلوا الجنّة ؟ ثمّ قرأ : «أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ
ص: 560
وَآتُوا الزَّكَاةَ»(1) أنتم واللّه أهل هذه الآية(2).
روى العلاّمة البحراني مرسلاً عن عبداللّه بن عمر أنّه قال : إنّي أتبع هذا الأصلع علي بن أبي طالب فإنّه أوّل الناس إسلاما والحقّ معه ، فإنّي سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول - في قوله تعالى : «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» : فالناس مكبّون على الوجه غيره(3).
ص: 561
«فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللّه ُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ»
سورة الملك
وفي روضة الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن محمّد ، عن جميل بن صالح ، عن يوسف بن أبي سعيد قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام ذات يوم فقال لي : إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه تبارك وتعالى الخلائق كان نوح عليه السلام أوّل من يدعى به ، فيقال له : هل بلّغت ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : من يشهد لك ؟ فيقول : محمّد بن عبداللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فيخرج نوح عليه السلام فيتخطّا الناس حتّى يجيء إلى محمّد صلى الله عليه و آله وهو على كثيب المسك ومعه علي عليه السلام وهو قول اللّه عزّوجلّ : «فَلَمَّا رَأَوْهُ»الحديث(1).
ص: 562
وفيه في الحديث السابق متّصلاً بقوله : والأوصياء ، ثمّ تلا هذه الآية : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ...» الآية هو أمير المؤمنين عليه السلام يافضيل لم يتسمّ بهذا الاسم غير علي عليه السلام
إلاّ مفتر كذّاب إلى يوم القيامة هذا ، أما واللّه يافضيل ما للّه حاجّ غيركم ولا يغفر الذنوب إلاّ لكم ، ولا يتقبّل اللّه إلاّ منكم(1).
وفي مجمع البيان : وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالأسانيد الصحيحة عن شريك بن الأعمش قال : لمّا رأوا ما لعلي بن أبي طالب عليه السلام عند اللّه من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام فلمّا رأوا مكان علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله سيئت وجوه الذين كفروا يعني : الذين كذّبوا بفضله(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال : إذا كان يوم القيامة ونظر أعداء أمير المؤمنين عليه السلام إليه وإلى ما أعطاه اللّه من الكرامة والمنزلة الشريفة العظيمة ، وبيده لواء الحمد وهو على الحوض يسقي ويمنع تسودّ وجوه أعداءه ، فيقال لهم : «هَذَا
الَّذِي ...»الآية أي تدّعون منزلته وموضعه واسمه(4).
وفي الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن إسماعيل بن مهران ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي السفاتج ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ ...» الآية ، قال : نزلت هذه في أمير المؤمنين
ص: 563
وأصحابه الذين عملوا ما عملوا ، يرون أمير المؤمنين عليه السلام في أغبط الأماكن فيسيء وجوههم ، فيقال لهم : «هَذَا الَّذِي ...»الآية الذي انتحلتم اسمه(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : وروى محمّد بن العبّاس ، عن الحسن بن محمّد ، عن محمّد بن علي الكناني ، عن حسين بن وهب الأسدي ، عن عيسى بن هاشم ، عن داود بن سرحان قال : سألت جعفر بن محمّد عليهماالسلام عن قوله عزّوجلّ : «فَلَمَّا
رَأَوْهُ ...» الآية قال : ذلك علي عليه السلام إذا رأوا منزلته ومكانه من اللّه أكلوا أكفّهم على ما فرّطوا في ولايته(2).
وقال أيضا : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن زكريا بن يحيى السياحي ، عن عبداللّه بن الحسين الأشعري ، عن ربيعة الخيّاط ، عن شريك ، عن الأعمش في قوله عزّوجلّ : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ...» الآية قال : لمّا رأوا ما لعلي بن أبي طالب عليه السلام من النبي صلى الله عليه و آله من قرب المنزلة سيئت وجوه الذين كفروا(3).
وفي الكافي : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «فَسَتَعْلَمُونَ ...» الآية يامعشر المكذّبين حيث أُنبئكم رسالة ربّي في ولاية علي عليه السلام والأئمّة عليهم السلاممن بعده من هو في ضلال مبين كذا نزلت الحديث(4)-(5).
ص: 564
روى الحافظ الحسكاني الحنفي قال : أخبرنا ابن فنجويه بإسناده المذكور عن الأعمش في قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» قال : لمّا رأوا ما لعلي بن أبي طالب عند اللّه من الزلفى سيئت وجوه الذين كفروا(1).
وروى هو أيضا بإسناده المذكور عن سهل بن عامر ، عن الأعمش أنّه قال هذه الآية : نزلت في علي بن أبي طالب(2).
وروى هو أيضا عن التفسير العتيق بإسناده المذكور عن عمرو بن أبي بكار التميمي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي في قوله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً»قال : فلمّا رأوا مكان علي من النبي صلى الله عليه و آله «سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» يعني : الذين كذّبوا بفضله(3).
ص: 565
«ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»
سورة القلم
وفي شرح الآيات الباهرة : تأويله إنّ اللّه تعالى أقسم بنون والقلم ونون اسم للنبي ، والقلم اسم لعلي عليه السلام ، وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، عن رجاله بإسناده يرفعه إلى محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه تعالى : «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» فالنون اسم لرسول اللّه ، والقلم اسم لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا موافق لما جاء من أسمائه في القرآن مثل « طه » و « يس » و « ص » و « ق » وغير ذلك ، وسمّي أمير المؤمنين عليه السلام بالقلم لما في القلم من المنافع للخلق ، إذ هو أحد أسامي الإنسان يؤدّي عنه ما في جنانه ويبلّغ البعيد عنه ما يبلّغ القريب بلسانه ، وبه تحفظ أحكام الدين وتستقيم أُمور العالمين وكذلك أمير المؤمنين ،
وقيل : إنّ قوام الدنيا والدين بشيئين : القلم والسيف والسيف يخدم القلم ، وقد نظمه بعض الشعراء فأحسن فيما قال :
إن يخدم القلم السيف الذي خضعت
له الرقاب ودانت حذرة الأُمم
فالموت والموت لا شيء يغالبه
ما زال يتبع ما يجري به القلم
ص: 566
وإن شئت جعلت تسميته به مجازا أي صاحب القلم وصاحب السيف اللذين بهما قوام الدين والدنيا كما تقدّم ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام كذلك(1).
روى العلاّمة البحراني ، عن الطبرسي ، بإسناده عن بعض علماء الحنفية عن الضحّاك بن مزاحم(2). قال :
ص: 567
لمّا رأت قريش تقديم النبي صلى الله عليه و آله عليا وإعظامه له نالوا من علي وقالوا قد افتتن به محمّد ، فأنزل اللّه تعالى : «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» قسم أقسم اللّه به . «مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ»(1).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال : أخبرنا أبو النصر في تفسيره باسناده المذكور عن جعفر بن محمّد الخزاعي عن أبيه ، قال : سمعت أبا عبداللّه يقول :
نزل : «وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ» في تبليغك في علي ما بلّغت(2).
ص: 568
«وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ»
سورة القلم
وفي الكافي : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحجّال ، عن عبدالصمد بن بشير ، عن حسّان الجمّال قال : حملت أبا عبداللّه عليه السلام من المدينة إلى
مكّة ، فلمّا انتهى إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ثمّ نظر إلى الجانب الآخر
فقال : ذلك فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجرّاح ، فلمّا أن رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينه تدور كأنّهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية : «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ» - إلى قوله : - «إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ»(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله : «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...» الآية قال : لمّا أخبرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بفضل أمير المؤمنين «وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمجْنُونٌ» فقال اللّه :
ص: 569
«وَمَا هُوَ» يعني أمير المؤمنين عليه السلام «إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ»(1).
وفي روضة الكافي : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن سليمان ، عن عبداللّه بن محمّد اليماني ، عن مسمع بن الحجّاج ، عن صباح الحذّا ، عن صباح المزني ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
لمّا أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في برّ ولا بحر إلاّ أتاه ، فقالوا :
ياسيّدهم ومولاهم ماذا دهاك فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه ؟ فقال لهم :
فعل هذا النبي فعلاً إن تمّ لم يعص اللّه أبدا ، فقالوا :
ياسيّدهم أنت كنت لآدم ؟ فلمّا قال المنافقون : إنّه ينطق عن الهوى ، وقال أحدهما لصاحبه :
أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون - يعنون رسول اللّه صلى الله عليه و آله - صرخ إبليس صرخة بطرب فجمع أولياءه فقال : أما علمتم أنّي كنت لآدم من قبل ؟ قالوا : نعم ، قال :
آدم نقض العهد ولم يكفر بالربّ وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول . الحديث(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : الحسين بن أحمد المالكي ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمان ، عن عبداللّه بن سنان ، عن الحسين الجمّال قال : حملت أبا
ص: 570
عبداللّه عليه السلام من المدينة إلى مكّة ، فلمّا بلغ غدير خم نظر إليّ وقال : هذا موضع قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أخذ بيد علي عليه السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وكان عن يمين الفسطاط أربعة نفر من قريش سمّاهم لي ، فلمّا نظروا إليه وقد رفع يده حتّى بان بياض إبطيه ، قالوا : انظروا إلى عينيه قد انقلبتا كأنّهما عينا مجنون ، فأتاه جبرئيل فقال : اقرأ : «وَإِنْ يَكَادُ ...» الآية والذكر علي عليه السلام ، فقلت : الحمد للّه الذين أسمعني
هذا منك ، فقال : لولا أنّك جمّالي لما حدّثتك بهذا ، لأنّك لا تصدّق إذا رويت عنّي(1).
ص: 571
سورة الحاقّة
وفي معاني الأخبار : خطبة لعلي عليه السلام يذكر فيها نعم اللّه عليه وفيها يقول : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم - إلى قوله : - الأُذن الواعية يقول اللّه عزّوجلّ : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(1).
وفي عيون الأخبار : في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار المجموعة وباسناده عن علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «وَتَعِيَهَا
أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»
قال : دعوت اللّه أن يجعلها أُذنك ياعلي(2).
وفي مجمع البيان : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» وروى الطبري بإسناده ، عن مكحول أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه و آله : اللهمّ اجعلها أُذن علي عليه السلام ، ثمّ قال علي عليه السلام : فما سمعت شيئا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فنسيته(3).
وروي بإسناده عن عكرمة ، عن بريدة الأسلمي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال
ص: 572
لعلي عليه السلام : ياعلي إنّ اللّه تعالى أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك ، وأن أُعلّمك وأن تعي وحقّ على اللّه أن تعي ، فنزل : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(1).
وأخبرني فيما كتب بخطّه إليّ المفيد أبو الوفاء عبدالجبّار - إلى قوله : - قال : سمعت أبا عمر وعثمان بن الخطّاب المعمّر - المعروف بأبي الدنيا الأشيح - قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : لمّا نزلت «وَتَعِيَهَا ...» الآية قال النبي
صلى الله عليه و آله : سألت اللّه عزّوجلّ أن يجعلها أُذنك ياعلي(2).
وفي جوامع الجامع : وعن النبي
صلى الله عليه و آله أنّه قال لعلي عليه السلام عند نزول هذه الآية : سألت اللّه عزّوجلّ أن يجعلها أُذنك ياعلي قال : فما نسيت شيئا بعد ، وما كان لي أن أنسى(3).
وفي كتاب سعد السعود لابن طاووس رحمه الله : بعد أن ذكر عليا فإنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّه المراد بقوله تعالى : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(4).
وفي بصائر الدرجات : محمّد بن عيسى ، عن أبي محمّد الأنصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن حصيرة المزني ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي عليه السلام أنّه قال في حديث طويل : أنا الذي أنزل اللّه فيّ : «وَتَعِيَهَا ...» الآية ، فإنّا كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا : ماذا قال آنفا(5).
ص: 573
وفي الكافي : بإسناده إلى يحيى بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لمّا نزلت : «وَتَعِيَهَا ...» الآية قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هي أُذنك ياعلي(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : أورد فيه محمّد بن العبّاس ثلاثين حديثا عن الخاصّ والعام فممّا اخترناه ما رواه محمّد بن سهل القطّان ، عن أحمد بن عمر الدهقان ، عن محمّد بن كثير ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أبي داود ، عن أبي بريدة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي سألت اللّه ربّي أن يجعل لعلي أُذنا واعية ، فقيل لي : قد فعل ذلك به(2).
ومنها ما رواه محمّد بن جرير الطبري ، عن عبداللّه بن أحمد المروزي ، عن يحيى بن صالح ، عن علي الجوشب الفزاري ، عن مكحول في قوله تعالى : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سألت اللّه أن يجعلها أُذن علي ، قال : وكان علي عليه السلام يقول : ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئا إلاّ وقد حفظته ولم أنسه(3).
ومنها ما رواه عن الحسين بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمان ، عن سالم الأشل ، عن سالم بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» قال : الأُذن الواعية أُذن علي عليه السلام ، وقال رسول
اللّه صلى الله عليه و آله : هو حجّة اللّه على خلقه من أطاعه فقد أطاع اللّه ، ومن عصاه فقد عصى اللّه (4).
ص: 574
ومنها ما رواه أيضا عن علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إسماعيل بن بشّار ، عن علي بن جعفر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام وهو في منزله فقال : ياعلي نزلت عليَّ الليلة هذه الآية : «وَتَعِيَهَا ...» الآية وإنّي سألت ربّي أن يجعلها أُذنك وقلت : اللهمّ اجعلها أُذن
علي ، اللهمّ اجعلها أُذن علي ففعل(1).
روى المؤرّخ الشهير البلاذري قال : حدّثني مظفّر بن مرجا بإسناده المذكور عن علي بن حوشب قال : سمعت مكحولاً يقول : قرأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» فقال : يالعي سألت اللّه أن يجعلها أُذنك .
قال علي : فما نسيت حديثا أو شيئا سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).
وأخرج نحوا منه الكثير من أئمّة الحديث والتفسير والتاريخ بتعبيرات مختلفة في بعض الألفاظ ولكنّها كلّها متّفقة في المعنى .
(منهم) ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير بأسانيد عديدة(3).
(ومنهم) أبو القاسم محمّد بن عمر الخوارزمي الزمخشري في تفسيره (الكشّاف)(4).
(ومنهم) الهيثمي في مجمعه(5).
ص: 575
(ومنهم) أبو نعيم في الحلية(1).
(ومنهم) السيوطي في تفسيره(2).
(ومنهم) المتّقيى في كنزه(3).
(ومنهم) ابن عساكر في تاريخه(4).
(ومنهم) الخطيب الخوارزمي موفّق بن أحمد في كتابه في فضائل علي بن أبي طالب(5).
(ومنهم) الواحدي في أسبابه(6).
(ومنهم) الحافظ الكنجي الشافعي في كفايته(7).
(ومنهم) الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره(8).
(وكذلك) السيوطي في لبابه أيضا(9).
وآخرون كثيرون ... .
ص: 576
«فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيه فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ»
سورة الحاقة
وفي شرح الآيات الباهرة : عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن عبداللّه المحمّدي ، عن كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ...» الآية نزلت في علي عليه السلام وجرت لأهل الإيمان مثلاً(1).
ويؤيّده ما رواه أيضا عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن عمر بن عثمان ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ...» الآية قال : هذا أمير المؤمنين عليه السلام ومعنى قوله : «هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه» هذا أمر منه للملائكة معناه هاؤكم : أي خذوا كتابي اقرأوه ، فإنّكم لا ترون فيها شيئا غير الطاعات(2).
ص: 577
ويؤيّده ما ذكره الطوسي بإسناده يرفعه إلى محمّد بن عمّار بن ثابت ، عن أبيه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ حافظي علي عليه السلام ليفتخران على سائر الحفظة لكونهما مع علي ، ولأنّهما لا يصعدان إلى اللّه بشيء يسخطه(1).
روى العلاّمة البحراني مرسلاً عن ابن مردويه ، عن رجاله عن ابن عبّاس (رضي اللّه عنهما) قال - في قوله عزّوجلّ - : «فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ» إلى قوله تعالى : «فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ» قال : هو علي بن أبي طالب(2).
ونقل قريبا منه المير محمّد صالح الترمذي الحنفي في مناقبه(3).
ص: 578
«تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»
سورة الحاقّة
وفي الكافي : علي بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي قال : قلت : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ»قال : يعني جبرئيل عن اللّه في ولاية علي عليه السلام قال : قلت : «وَمَاهُوَ» إلى قوله : «مَا
تُؤْمِنُونَ»
قال : قالوا : إنّ محمّدا كذّاب على ربّه وما أمره اللّه بهذا في علي عليه السلام، فأنزل اللّه بذلك قرآنا ، فقال : إنّ ولاية علي عليه السلام «تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا» محمّد «بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ»-إلى قوله : - «الْوَتِينَ» ثمّ عطف القول فقال : «إِنَّهُ»
ولاية علي عليه السلام «لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» للعالمين «وَإِنَّا
لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ»«وَإِنَّهُ» علياً
ص: 579
«لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ»ولايته «لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ»يامحمّد ... يقول : اشكر ربّك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل . الحديث(1).
وفي تفسير العياشي عن زيد بن الجهم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال لي : لمّا أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام وأظهر ولايته ، قالوا جميعا : ما هذا من تلقاء اللّه ولا هذا إلاّ شيء أراد أن يشرف به ابن عمّه ، فأنزل اللّه : «لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ» - إلى قوله : - «أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ» فلانا وفلانا «وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ» يعني عليا عليه السلام «وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ» يعني عليا(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر محمّد بن العبّاس في تأويل «فَسَبِّحْ بِسْمِ ...» الآية تأويلاً حسنا ، وهو ما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبداللّه بن يحيى ، عن عبداللّه بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي المقدام ، عن جويرية بن مسهر قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتل الخوارج حتّى إذا صرنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال عليه السلام: أيّها الناس إنّ هذه أرض ملعونة وقد عذّبت من الدهر ثلاث مرّات ، وهي إحدى المؤتفكات ، وهي أوّل أرض عبد فيها وثن أنّه لا يحلّ لنبي ولا وصي نبي أن يصلّي بها ، فأمر الناس فمالوا إلى جنب الطريق يصلّون ، وركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمضى عليها ، قال جويرية : فقلت : واللّه لأتبعنّ أمير المؤمنين ولأُقلّدنّه صلاتي اليوم ، قال : فمضيت خلفه واللّه ما جزنا جسر سورا حتّى غابت الشمس ، قال : فسببته أو هممت أن أسبّه ، قال : فالتفت إليّ وقال : ياجويرية ،
ص: 580
قلت : نعم ياأمير المؤمنين ، قال : فنزل ناحية فتوضّأ ، ثمّ قام فنطق بكلام لا أحسبه إلاّ بالعبرانية ، ثمّ نادى بالصلاة ، قال : فنظرت واللّه إلى الشمس قد خرجت من جبلين لها صرير ، فصلّى العصر وصلّيت معه ، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان ، فالتفت إليّ فقال : ياجويرية إنّ اللّه يقول : «فَسَبِّحْ ...» الآية وإنّي سألت اللّه باسمه الأعظم فردّ عليّ الشمس(1).
ص: 581
«سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ اللّه ِ ذِي الْمَعَارِجِ»
سورة المعارج
في مجمع البيان : أخبرنا السيّد أبو الحمد إلى قوله : عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : لمّا نصب رسول اللّه عليا عليه السلام يوم غدير خم قال : من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه طار ذلك في البلاد ، فقدم على النبي صلى الله عليه و آله النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وإنّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثمّ لم ترض حتّى نصّبت هذا الغلام ، فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه ؟ فقال : واللّه الذي لا إله إلاّ هو أنّ هذا من اللّه فولّى النعمان بن الحرث وهو يقول : اللهمّ إن كان هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله وأنزل اللّه «سَأَلَ ...»الآية(1).
وفي الكافي : عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «سَأَلَ ...»الآية للكافرين بولاية علي عليه السلام «لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» ، ثمّ قال : هكذا واللّه نزل بها
ص: 582
جبرئيل على محمّد(1).
وفي روضة الكافي : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : بينا رسول اللّه ذات يوم جالسا إذ أقبل علي عليه السلام فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم ، إلى قوله : فغضب الحرث بن عمرو الفهري فقال : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هرقل فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فأنزل اللّه عليه مقالة الحرث ونزلت هذه الآية : «وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» ثمّ قال له : ياعمرو إمّا تبت وإمّا رحلت ، فقال : يامحمّد بل تجعل لسائر قريش شيئا ممّا في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ليس ذلك إليّ ذلك إلى اللّه ، فقال : يامحمّد قلبي ما يتابعني على التوبة ولكن أرحل عنك ، فدعا براحلة فركبها ، فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضخت هامته ، ثمّ أتى الوحي إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : «سَأَلَ ...»
الآية للكافرين بولاية علي عليه السلام «لَيْسَ ...»الآية قال : قلت : جعلت فداك إنّا لا نقرؤها هكذا فقال : هكذا أنزل اللّه على محمّد وهكذا هو واللّه مثبت في مصحف فاطمة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمن حوله من المنافقين : انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به(2) الحديث .
أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي حدّثنا أبو أحمد البصري قال : حدّثني محمّد بن سهل حدّثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري حدّثنا
ص: 583
محمّد بن أيّوب الواسطي ، عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمّد عن أبيه(1):
عن علي(2) قال : لمّا نصب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا يوم غدير خم فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . طار ذلك في البلاد ، فقدم على رسول اللّه النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّك رسول اللّه ، وأمرتنا بالجهاد
والحجّ والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك ، ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فهذا مولاه . فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه ؟ قال : أمر من عند اللّه . قال : اللّه الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه ؟ قال : اللّه الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه . قال : فولّى النعمان وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله فأنزل اللّه تعالى «سَأَلَ سَائِلٌ» .
حدّثونا عن أبي بكر السبيعي حدّثنا أحمد بن محمّد بن نصر أبو جعفر
ص: 584
الضبعي(1) قال : حدّثني زيد بن إسماعيل بن سنان حدّثنا شريح بن النعمان حدّثنا
سفيان بن عيينة ، عن جعفر ، عن أبيه :
عن علي بن الحسين قال : نصب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه . فطار ذلك في البلاد .
الحديث به سواء معنى .
ورواه أيضا في التفسير العتيق قال : حدّثنا إبراهيم بن محمّد الكوفي قال : حدّثني نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن محمّد بن علي قال :
أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : إنّك أتيتنا بخبر السماء فصدّقناك وقبلنا منك .
فذكر مثله إلى قوله : فارتحل الحارث فلمّا صار ببطحاء مكّة أتته جندلة من
ص: 585
السماء فشدخت رأسه ، فأنزل اللّه «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ»بولاية علي عليه السلام .
وورد أيضا في الباب عن حذيفة ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبي هريرة ، وابن عبّاس(1).
حدّثني أبو الحسن الفارسي حدّثنا أبو الحسن محمّد بن إسماعيل الحسني(2)
حدّثنا عبدالرحمان بن الحسن الأسدي حدّثنا إبراهيم .
وأخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد البغدادي(3) حدّثنا أبو محمّد عبداللّه بن أحمد
ص: 586
بن جعفر الشيباني(1) حدّثنا عبدالرحمان بن الحسن الأسدي حدّثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا سفيان بن سعيد حدّثنا منصور ، عن ربعي :
عن حذيفة بن اليمان قال : لمّا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي : من كنت مولاه فهذا مولاه . قام النعمان بن المنذر الفهري فقال : هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربّك ؟ قال : لا بل أمرني به ربّي . فقال : اللهمّ أنزل علينا حجارة من السماء . فما بلغ رحله حتّى جاءه حجر فأدماه فخرّ ميّتا فأنزل اللّه تعالى «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» .
والطريقان لفظهما واحد .
وأخبرنا عثمان أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي(2) قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن مصعب البجلي قال : حدّثنا أبو عمارة محمّد بن أحمد المهدي حدّثنا محمّد بن أبي معشر المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال :
ص: 587
أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعضد علي بن أبي طالب يوم غدير خمّ ثمّ قال : من كنت مولاه فهذا مولاه . فقام إليه أعرابي فقال : دعوتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّك رسول اللّه فصدّقناك وأمرتنا بالصلاة والصيام فصلّينا وصمنا ، وبالزكاة فأدّينا فلم تقنعك إلاّ أن تفعل هذا ؟! فهذا عن اللّه أم عنك ؟! قال : عن اللّه لا عنّي . قال : اللّه الذي لا إله إلاّ هو لهذا عن اللّه لا عنك ؟!! قال : نعم ثلاثا فقام الأعرابي مسرعا إلى بعيره وهو يقول : «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» الآية ، فما استتمّ الكلمات حتّى نزلت نار من السماء فأحرقته وأنزل اللّه في عقب ذلك «سَأَلَ سَائِلٌ» إلى قوله : «دَافِعٌ»(1).
ص: 588
«وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا»
سورة الجنّ
وفي تفسير علي بن إبراهيم : بإسناده إلى عبّاد بن صهيب ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه في قوله تعالى : «فَمَنْ أَسْلَمَ ...»الآية أي الذين أقرّوا بولايتنا «فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ...» الآية معاوية وأصحابه «وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا ...»
الآية قال : الطريقة ولاية علي عليه السلام(1).
وفي الكافي : أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم بن عبداللّه الحسني ، عن موسى بن محمّد ، عن يونس بن يعقوب ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا ...»الآية قال : يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم السلام وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم «لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا» يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي ولاية علي والأوصياء(2).
ص: 589
وأيضا عنه ، عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا ...» الآية قال : يعني لو استقاموا على ولاية علي والأوصياء عليهم السلام من ولده وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم «لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا» يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي الإيمان بولاية علي عليه السلام والأوصياء .
وروي أيضا عن علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن إسماعيل بن يسار ، عن علي بن جعفر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا ...» الآية قال : قال اللّه لجعلنا أظلّتهم في الماء العذب «لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ»
وفتنتهم في علي عليه السلام ، وما فتنوا فيه وكفروا إلاّ بما نزل في ولايته(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : عن علي بن عبداللّه بالإسناد المتقدّم عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : «وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ» قال : من أعرض عن علي عليه السلام«يَسْلُكْهُ» العذاب الصّعد وهو أشدّ العذاب(2).
رواه القوم : منهم الحاكم الحسكاني في « شواهد التنزيل » (ج2 ص290 ط بيروت) .
فرات بن إبراهيم قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاري قال : حدّثني محمّد بن أحمد المدائني قال : حدّثني هارون بن مسلم ، عن الحسين بن علوان ، عن علي بن غراب ، عن الكلبي ، عن أبي صالح :
عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ» قال : ذكر ربّه ولاية علي بن أبي طالب عليه وعلى أولاده السلام .
ص: 590
«عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ»
سورة النبأ
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمر أو غيره ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ...» الآية قال : ذلك إليّ إن شئت أُخبرهم وإن شئت لم أُخبرهم ، قال : لكنّي أُخبرك بتفسيرها ، فقال : هي في أمير المؤمنين يقول عليه السلام : ما للّه آية هي أكبر منّي وما للّه من نبأ أعظم منّي(1).
وفي روضة الكافي : خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهي خطبة الوسيلة قال فيها : وإنّي النبأ العظيم(2).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن الحسين بن خالد ، عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى : «عَنْ
النَّبَإِ الْعَظِيمِ» قال : قال علي عليه السلام : ما للّه نبأ أعظم منّي ، ولا للّه آية أكبر منّي ، ولقد عرض فضلي على الأُمم الماضية على اختلاف
ص: 591
ألسنتها فلم تقرّ بفضلي(1).
وفي عيون الأخبار : بإسناده إلى ياسر الخادم ، عن الرضا عليه السلام عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي أنت حجّة اللّه ، إلى قوله : وأنت النبأ العظيم(2) الحديث .
وفي تهذيب الأحكام : في الدعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصادق عليه السلام:
شهدنا بمنّك ولطفك بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت ربّنا ، ومحمّد عبدك ورسولك نبيّنا ، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام والحجّة العظمى وآيتك الكبرى والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون(3).
وفي شرح الآيات الباهرة : عن أحمد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن أبان بن تغلب قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوله : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ...» الآية فقال : هو علي لأنّ رسول اللّه ليس فيه خلاف(4).
وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر صاحب كتاب النخب حديثا مسندا عن محمّد بن مؤمن الشيرازي بإسناده إلى السدّي في تفسير قوله : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يامحمّد هذا الأمر بعدك لمن ؟ قال : ياصخر الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل اللّه «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ» إلى قوله : «مُخْتَلِفُونَ»يعني أهل مكّة يتساءلون عن خلافة علي بن أبي
ص: 592
طالب عليه السلام هو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون منهم المصدّق بولايته وخلافته ومنهم المكذّب بها ، ثمّ قال : «كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» بعدك أنّ ولايته حقّ ، ثمّ قال توكيدا : «ثُمَّ
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» أنّ ولايته حقّ إذا سئلوا عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في مشرق ولا مغرب ولا برّ ولا بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بعد الموت ، يقولان للميّت : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك(1)؟
وذكر أيضا حديثا طويلاً بإسناده إلى علقمة أنّه قال : خرج يوم صفّين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح وفوقه مصحف وهو يقرأ : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»فأردت
البراز إليه فقال لي علي عليه السلام : مكانك ، وخرج بنفسه فقال له : أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ؟ قال : لا ، فقال علي عليه السلام : أنا واللّه النبأ العظيم الذي فيّ اختلفتم ، وعلى ولايتي تنازعتم ، ومن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم ، وببغيكم هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم ، ويوم الغدير قد علمتم ، ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ، ثمّ علاه بسيفه فرمى برأسه ويده(2).
وفي رواية الأصبغ بن نباتة أنّ عليا عليه السلام قال : أنا واللّه النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلاّ سيعلمون ثمّ كلاّ سيعلمون حين أقف بين الجنّة والنار وأقول : هذا لي وهذا لك(3)-(4).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال : أخبرنا عقيل بن الحسين بإسناده
ص: 593
المذكور عن عبد خير ، عن علي بن أبي طالب قال : أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول اللّه فقال : الأمر بعدك لمن ؟ قال صلى الله عليه و آله : لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى . فأنزل اللّه : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ» يعني : يسألك أهل مكّة عن خلافة علي . «عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ»فمنهم المصدّق ومنهم المكذّب بولايته . «كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» وهو ردّ عليهم سيعرفون خلافته أنّها حقّ إذ يسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا برّ ولا بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه ، يقولان للميّت : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك(1).
ص: 594
«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابا ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبا إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابا قَرِيبا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابا»
سورة النبأ
وفي شرح الآيات الباهرة : عن أحمد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبداللّه بن حمّاد ، عن أبي خالد القمّاط ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه قال :
إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الخلق من الأوّلين والآخرين في صعيد واحد خلع قول لا إله إلاّ اللّه من جميع الخلائق إلاّ من أقرّ بولاية علي عليه السلام وهو قوله تعالى : «يَوْمَ
يَقُومُ الرُّوحُ ...» الآية(1).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قال : في النار ، وقوله : «يَا لَيْتَنِي ...» الآية أي علويا .
ص: 595
وقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : المكنّى أمير المؤمنين أبو تراب(1).
وفي علل الشرائع : بإسناده إلى عناية بن ربعي قال : قلت لعبداللّه بن عبّاس : لِمَ كنّى رسول اللّه عليا أبا تراب ؟
قال : لأنّه صاحب الأرض وحجّة اللّه على أهلها بعده ، وله بقاؤها وإليه سكونها .
ولقد سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدّ اللّه لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال : «يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابا» أي من شيعة علي عليه السلام .
وذلك قوله تعالى : «وَيَقُولُ الْكَافِرُ»الآية(2).
وفي شرح الآيات الباهرة : الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمان ، عن يونس بن يعقوب ، عن خلف بن حمّاد ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن سعد السمّان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :
قوله «يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ»إلى قوله : «كُنتُ تُرَابا» يعني علويا يوالي أبا تراب(3).
علي بن محمّد بن عمر الزهري قال : حدّثني محمّد بن العبّاس بن عيسى ، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة ، عن صالح بن سهل ، عن أبي الجارود قال :
قال أبو جعفر في قوله تعالى : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ
ص: 596
إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ» .
قال : إذا كان يوم القيامة خطف قول : لا إله إلاّ اللّه عن قلوب العباد في الموقف إلاّ من أقرّ بولاية علي وهو قوله : «إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ»يعني من أهل ولاية علي ، فهم الذين يؤذن لهم بقول : لا إله إلاّ اللّه (1).
ص: 597
«كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ»
سورة المطفّفين
وفي شرح الآيات الباهرة : روى ابن بابويه في كتاب المعراج مرفوعا عن عبداللّه بن العبّاس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يخاطب عليا عليه السلام يقول : ياعلي إنّ اللّه كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله ، وكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح اللّه ونقدّسه ونحمده ونهلّله وذلك قبل أن خلق السماوات والأرضين ، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينة علّيين ، وعجننا بذلك النور ، وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنّة ثمّ خلق آدم واستودع عليه تلك الطينة والنور ، فلمّا خلقه استخرج ذرّيته من ظهره فاستنطقهم ونوّرهم بربوبيته ، فأوّل
ص: 598
خلق أقرّ له بالربوبية أنا وأنت والنبيّون على قدر منازلهم وقربهم من اللّه ، فقال اللّه : صدقتما وأقررتما يامحمّد وياعلي وسبقتما خلقي إلى طاعتي وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما ، فأنتما صفوتي من خلقي والأئمّة من ذرّيتكما وشيعتكما وكذلك خلقتكم .
ثمّ قال النبي صلى الله عليه و آله : ياعلي فكانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه ، فما زال ذلك النور ينتقل بين أعين النبيّين والمنتجبين حتّى وصل النور والطينة إلى صلب عبدالمطّلب فافترق نصفين ، فخلقني اللّه من نصفه واتّخذني نبيّا ورسولاً ، وخلقك من النصف الآخر فاتّخذك خليفة ووصيّا ووليّا ، فلمّا كنت من عظمة ربّي كقاب قوسين قال لي : يامحمّد من أطوع خلقي لك ؟ فقلت : علي عليه السلام ، فقال : فاتّخذه خليفة ووصيّا فقد اتّخذته صفيّا ووليّا ، يامحمّد كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق محبّة منّي لكما ولمن أحبّكما وتولاّكما وأطاعكما ، فمن أحبّكما وأطاعكما وتولاّكما كان عندي من المقرّبين ، ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الضالّين .
ثمّ قال صلى الله عليه و آله : ياعلي فمن ذا يلج بيني وبينك ، أنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة ، فأنت أحقّ الناس لي في الدنيا والآخرة ، وولدك ولدي وشيعتك شيعتي وأولياؤك أوليائي ، وأنت معي غدا في الجنّة(1).
ورواه أبو طاهر المقلّد بن غالب ، عن رجاله بإسناده متّصل إلى علي بن شعبة الوائلي ، عن الحارث الهمداني قال : دخلت على علي عليه السلام وهو ساجد يبكي علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء ، فقلنا : ياأمير المؤمنين لقد أمرضنا بكاك وأمضّنا وأشجانا وما
ص: 599
رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قطّ ، فقال : كنت ساجدا أدعو ربّي بدعاء الخيرة في سجدتي فغلبتني عيني فرأيت رؤيا هالتني وأقطعتني ، رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائما وهو يقول : ياأبا الحسن طالت غيبتك عنّي وقد اشتقت إلى رؤيتك وقد أنجز لي ربّي ما وعدني فيك ، فقلت : يارسول اللّه صلى الله عليه و آله وما الذي أنجز لك فيّ ؟ قال : أنجز لي فيك وفي زوجتك وفي إبنيك وذرّيتك في الدرجات العلى في علّيين ، قلت : بأبي أنت وأُمّي يارسول اللّه صلى الله عليه و آله وشيعتنا ، قال صلى الله عليه و آله : شيعتنا معنا وقصورهم بحذاء قصورنا ومنازلهم مقابل منازلنا ، فقلت : يارسول اللّه فما لشيعتنا في الدنيا ؟ قال : الأمن والعافية ، قلت : فما لهم عند الموت ؟ قال : يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك بطاعته ، وأيّ موتة شاء ماتها ، وأنّ شيعتنا ليموتون على قدر حبّهم لنا ، قلت : فما لذلك حدّ يعرف ؟ قال : بلى إنّ أشدّ شيعتنا حبّا يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في اليوم الصائف الماء الذي ينتفع منه القلب ، وإنّ سائرهم ليموت كما يغطّ أحدكم على فراشه كأقرّ ما كانت عينه بموته(1).
وفي شرح الآيات الباهرة : أحمد بن محمّد مولى بني هاشم ، عن جعفر بن عيينة ، عن جعفر بن محمّد ، عن الحسن بن بكر ، عن عبداللّه بن محمّد بن عقيل ، عن جابر بن عبداللّه قال : قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذ بضبعي علي بن أبي طالب عليه السلام حتّى رُئي بياض إبطيه وقال له : إنّ اللّه ابتدأني فيك بسبع خصال إلى أن قال : وأنا أوّل من يُسقى من الرحيق المختوم وعلي معي(2).
روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال : حدّثنا الحاكم أبو عبداللّه الحافظ
ص: 600
بإسناده المذكور عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري(1): أنّ النبي صلى الله عليه و آله في
ص: 601
غزوة الطائف دعا عليا فانتجاه ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّكم تقولون : إنّي انتجيت عليا ، ما أنا انتجيته إنّ اللّه انتجاه .
ثمّ قال صلى الله عليه و آله : «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ»(1).
ص: 602
«إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»
سورة المطفّفين
ما رواه محمّد بن العبّاس رحمه الله عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن حصين بن مخارق ، عن يعقوب بن شعيب ، عن عمران بن ميثم ، عن عباية بن ربعي ، عن علي عليه السلام إنّه كان يمرّ بالنفر من قريش فيقولون : انظروا إلى هذا الذي اصطفاه محمّد واختاره من بين أهله ، ويتغامزون . فنزلت هذه الآيات «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ» إلى آخر السورة .
ص: 603
وقال أيضا : حدّثنا علي بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن الحكم بن سليمان ، عن محمّد بن كثير ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» قال : ذاك هو الحارث
بن قيس وأُناس معه ، كانوا إذا مرّ بهم علي عليه السلام قالوا : انظروا إلى هذا الذي اصطفاه محمّد واختاره من بين أهل بيته ؛ فكانوا يسخرون ويضحكون . فإذا كان يوم القيامة فتح بين الجنّة والنار باب فعلي عليه السلام يومئذ على الأرائك متكئ ويقول لهم : هلمّ لكم . فإذا جاؤوا سدّ بينهم الباب ، فهو كذلك يسخر منهم ويضحك ، وهو قوله تعالى : «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» .
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن محمّد الواسطي بإسناده إلى مجاهد في قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» قال : إنّ نفرا من قريش كانوا يقعدون بفناء الكعبة فيتغامزون بأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويسخرون منهم ، فمرّ بهم يوما علي عليه السلام في نفر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فضحكوا منهم وتغامزوا عليهم وقالوا : هذا أخو محمّد ! فأنزل اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» . فإذا كان يوم القيامة أدخل علي عليه السلام من كان معه الجنّة فأشرفوا على هؤلاء الكفّار ونظروا إليهم فسخروا منهم وضحكوا ، وذلك قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ».
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ «إِنَّ
الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» إلى آخر السورة نزلت في علي عليه السلام وفي الذين استهزؤا به من بني أُميّة ،
ص: 604
وذلك أنّ عليا عليه السلام مرّ على قوم من بني أُميّة والمنافقين فسخروا منه .
وأحسن ما قيل في هذا التأويل ما رواه أيضا عن محمّد بن القاسم ، عن أبيه بإسناده عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : إذا كان يوم القيامة أُخرجت أريكتان من الجنّة فبسطتا على شفير جهنّم ، ثمّ يجيء علي عليه السلام حتّى يقعد عليهما ، فإذا قعد ضحك ، وإذا ضحك انقلبت جهنّم فصار عاليها سافلها . ثمّ يخرجان(1) فيوقفان بين يديه فيقولان ياأمير المؤمنين ياوصي رسول اللّه ألا ترحمنا ، ألا تشفع لنا عند ربّك ؟ قال : فيضحك منهما ثمّ يقوم فيدخل الأريكتان ، ويعادان إلى موضعهما . فذلك قوله عزّوجلّ «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ»
«عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»(2).
روى الحاكم الحسكاني الحنفي قال : في تفسير مقاتل رواية إسحاق عنه «إِنَّ
الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» وذلك : أنّ علي بن أبي طالب انطلق في نفر إلى النبي صلى الله عليه و آله فسخر منهم المنافقون وضحكوا ، وقالوا : «إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ» يعني : يأتون محمّدا يرون أنّهم على شيء .
فنزلت هذه الآية قبل أن يصلّي علي ومن معه إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا» يعني : المنافقين .
«كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا» يعني : عليا وأصحابه .
«يَضْحَكُونَ» إلى آخرها (يعني إلى آخر الآيات ، وإلى آخر السورة ، وكلاهما
ص: 605
واحد)(1).
وروى هو أيضا ، قال : روى سعيد بن أبي سعيد البلخي بإسناده المذكور عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا» قال : هم بنو عبد شمس مرّ بهم علي بن أبي طالب ، ومعه نفر فتغامزوا به ، وقالوا هؤلاء الضلاّل ، فأخبر اللّه تعالى ما للفريقين عنده جميعا يوم القيامة ، قال : «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا»
علي وأصحابه «مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ
مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ»بتغامزهم ، وضحكهم ، وتضليلهم عليا وأصحابه .
فبشّر النبي صلى الله عليه و آله عليا وأصحابه الذين كانوا معه ، أنّكم ستنظرون إليهم وهم يعذّبون في النار(2).
ص: 606
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»
سورة البيّنة
وفي تفسير علي بن إبراهيم : قوله : «دِينُ الْقَيِّمَةِ» أي دين قيّم «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ» قال : أنزل اللّه عليهم القرآن فارتدّوا فكفروا وعصوا أمير المؤمنين عليه السلام وقوله : «هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال : نزلت في آل محمّد(1).
وفي مجمع البيان : وفي كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبو القاسم الحسكاني : قال : أخبرنا أبو عبداللّه الحافظ بالاسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه السلام قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : قبض رسول اللّه
صلى الله عليه و آله وأنا مسنده إلى صدري ، فقال : ياعلي ألم تسمع قول اللّه تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» هم شيعتك وموعدي وموعدكم الحوض ، إذ اجتمعت الأُمم للحساب يدعون غرّا محجّلين(2).
وفي أمالي شيخ الطائفة : بإسناده إلى جابر بن عبداللّه قال : كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله
ص: 607
فأقبل علي عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه و آله : قد أتاكم أخي ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثمّ قال : إنّه أوّلكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقومكم بأمر اللّه ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند اللّه مزية ، قال : فنزلت : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال : فكان أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي عليه السلام قالوا : جاء خير البرية(1).
وبإسناده إلى يعقوب بن ميثم التمّار مولى علي بن الحسين عليهماالسلام قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : جعلت فداك يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّي وجدت في كتب أبي أنّ عليا عليه السلام قال لأبي ميثم : أحبب حبيب آل محمّد صلى الله عليه و آله وإن كان فاسقا زانيا ، وأبغض مبغض آل محمّد صلى الله عليه و آله وإن كان صوّاما قوّاما ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يقول : «إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» ثمّ التفت إليّ وقال : هم واللّه أنت وشيعتك ياعلي ، وميعادك وميعادهما الحوض غدا غرّا محجّلين مكتحلين متوّجين ، فقال أبو جعفر : هكذا هو عيانا في كتاب علي عليه السلام(2).
وفي روضة الواعظين للمفيد رحمه الله : وقال الباقر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام مبتدئا : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» هم أنت وشيعتك ، وميعادكم الحوض إذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك شباعا مرويين غرّا محجّلين(3).
ص: 608
وفي كتاب سعد السعود لابن طاوس رحمه الله : من كتاب محمّد بن العبّاس بن مروان في تفسير قوله تعالى : «أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» وأنّها في مولانا علي عليه السلام وشيعته ، رواه مصنّف الكتاب من نحو ستّة وعشرين طريقا أكثرها رجال الجمهور ، ونحن نذكر منها طريقا واحدا بلفظها .
حدّثنا أحمد بن محمّد المحذور ، عن الحسن بن عبيد بن عبدالرحمن الكندري ، عن محمّد بن سليمان ، عن خالد بن السري الأودي ، عن النضر بن الياس ، عن عامر بن وائلة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة وهواجيرات مجصّص ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وذكر اللّه لما هو أهله وصلّى على نبيّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال : ياأيّها الناس سلوني سلوني فواللّه لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ حدّثتكم عنها بمن نزلت بليل أو نهار أو في مقام أو في سهل أو في جبل ، وفيمن نزلت أفي مؤمن أو منافق ، وما عنى بها أخاصّ أم عامّ ، ولئن فقدتموني لا يحدّثكم أحد حديثي ، فقام إليه ابن الكوّا فلمّا بصر به قال متعنّتا : لا تسأل تعلّما هات سل ، فإذا سألت فأعقل ما تسأل عنه ، فقال ياأمير المؤمنين : أخبرني عن قوله : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فسكت أمير المؤمنين عليه السلام فأعادها
عليه ابن الكوّا فسكت فأعادها ثلاثا ، فقال علي عليه السلام ورفع صوته : ويحك يابن الكوّا أُولئك نحن وأتباعنا يوم القيامة غرّ المحجّلين رواء مرويين يعرفون بسيماهم(1).
عن عبداللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أبي رافع أنّ عليا عليه السلام قال لأهل الشورى : أُنشدكم باللّه هل تعلمون يوم أتيتكم وأنتم جلوس مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 609
فقال : هذا أخي قد أتاكم ، ثمّ التفت إلى الكعبة وقال : وربّ الكعبة المبنية إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثمّ أقبل عليكم وقال : أما إنّه أوّلكم إيمانا ، وأقومكم بأمر اللّه ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقضاكم بحكم اللّه ، وأعدلكم في الرعية ،
وأقومكم وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند اللّه مزية ، فأنزل اللّه : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» إلى قوله : «هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فكبّر النبي صلى الله عليه و آله وكبّرتم وهنّأتموني بأجمعكم فهل تعلمون أنّ ذلك كذلك ؟ قالوا : اللهمّ نعم(1)-(2).
روى الحاكم الحسكاني بإسناده عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي ، قال : « سمعت عليا يقول : حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا مسنده إلى صدري فقال : ياعلي أما تسمع قول اللّه عزّوجلّ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» هم أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الأُمم للحساب تدعون غرّا محجّلين »(3).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس قال : « لمّا نزلت هذه الآية «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي : هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوّك غضابا مقمحين قال علي : يارسول اللّه ومن عدوّي ؟ قال : من تبرّأ منك ولعنك ثمّ قال رسول اللّه : من
ص: 610
قال : رحم اللّه عليا يرحمه اللّه »(1).
وروى بإسناده عن أبي برزة قال : « تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»وقال : هم أنت وشيعتك ياعلي وميعاد ما بيني وبينك الحوض »(2).
وروى بإسناده عن ابن بريدة عن أبيه قال : « تلا النبي هذه الآية «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فوضع يده على كتف علي وقال : هو أنت وشيعتك ، ياعلي ترد أنت وشيعتك يوم القيامة رواءً مرويين ، ويرد عدوّك عطاشا مقمحين »(3).
وروى بإسناده عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : « كنّا جلوسا عند رسول اللّه إذ أقبل علي بن أبي طالب ، فلمّا نظر إليه النبي قال : قد أتاكم أخي ، ثمّ التفت إلى الكعبة فقال : وربّ هذه البنية إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : أما وللّه أنّه أوّلكم إيمانا باللّه وأقومكم بأمر اللّه ، وأوفاكم بعهد اللّه وأقضاكم بحكم اللّه وأقسمكم بالسوية وأعدلكم في الرعية وأعظمكم عند اللّه مزية ، قال جابر : فأنزل اللّه «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»
فكان علي إذا أقبل قال أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله : قد أتاكم خير البرية بعد رسول
ص: 611
اللّه »(1).
وروى بإسناده عن معاذ في قوله تعالى : «إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال : هو علي بن أبي طالب ما يختلف فيها أحد(2).
وروى بإسناده عن ابن عبّاس « في قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال : هم علي وشيعته »(3).
روى ابن حجر بإسناده عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما « أنّ هذه الآية لمّا نزلت قال صلى الله عليه و آله لعلي : هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضابا مقمحين ، قال : ومن عدوّي ؟ قال : من تبرّأ منك ولعنك . وخير : السابقون إلى ظلّ العرش يوم القيامة ، طوبى لهم . قيل : ومن هم يارسول اللّه ؟ قال : شيعتك ياعلي ومحبّوك »(4).
روى الكنجي بإسناده عن جابر ، وقد سئل عن علي عليه السلام، فقال : « ذاك خير البرية لا يبغضه إلاّ كافر »(5).
روى ابن عساكر بإسناده عن جابر بن عبداللّه ، قال : « كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله فأقبل علي بن أبي طالب . فقال النبي صلى الله عليه و آله : قد أتاكم أخي ، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ثمّ
ص: 612
قال : إنّه أوّلكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد اللّه ، وأقومكم بأمر اللّه وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند اللّه مزية ، قال : ونزلت «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال : فكان أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية »(1).
روى السيوطي بإسناده عنه قال : لمّا نزلت «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين(2).
خير البريّة بعد أحمد حيدر
والناس أرض والوصي سماء
نُسب إلى معاوية .
ص: 613
سورة التكاثر
وفي روضة الواعظين للمفيد رحمه الله : متّصلاً بآخر ما نقلنا عنه سابقا - أعني جسري جهنّم - «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ ...» الآية قال : عن خمس عن شبع البطون ، وبارد الشراب ، ولذّة النوم ، وظلال المساكين ، واعتدال الخلق ، وروي في أخبارنا أنّ النعيم ولاية علي عليه السلام(1).
وفي تهذيب الأحكام : في الدعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصادق عليه السلام: اللهمّ وكما كان من شأنك ياصادق الوعد ، يامن لا يخلف الميعاد ، يامن هو كلّ يوم في شأن ، أن أنعمت علينا بموالاة أوليائك المسؤول عنها عبادك ، فإنّك قلت وقولك الحقّ «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» ، وقلت : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(2).
وفي عيون الأخبار : بإسناده إلى إبراهيم بن عبّاس الصولي الكاتب قال : كنّا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : ليس في الدنيا نعيم حقيقي ، فقال له بعض الفقهاء ممّن يحضره : فيقول اللّه عزّوجلّ : «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ»أمّا هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد فقال له الرضا عليه السلام وعلا صوته : كذا فسّرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب فقالت طائفة : هو الماء البارد وقال غيرهم : هو الطعام
ص: 614
الطيّب ، وقال آخرون : هو النوم الطيّب ، ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ أقوالكم هذه ذكرت عنده في قوله : «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ ...»الآية فغضب فقال : إنّ اللّه لا يسأل عباده عمّا تفضّل عليهم به ، ولا يمنّ بذلك عليهم ، والامتنان بالأنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلى الخالق ما لا يرضى المخلوق به ؟ ولكنّ النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا يسأل اللّه عباده عنه بعد التوحيد والنبوّة ، لأنّ العبد إذا وفى بذلك أدّاه إلى نعيم الجنّة الذي لا يزول ولقد حدّثني بذلك أبي ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهماالسلام ، عن أبيه عليه السلام أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ، وأنّك ولي المؤمنين بما جعله اللّه وجعلته لك ، فمن أقرّ بذلك وكان معتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له(1)-(2).
أبو نعيم الحافظ : بسنده عن جعفر الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : النعيم ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرّم اللّه وجهه) .
أيضا الحاكم بن أحمد البيهقي قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الصوفي ، قال : حدّثنا أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل ، قال : حدّثني إبراهيم بن العبّاس الصولي الكاتب بالأهواز سنة سبع وعشرين ومائتين قال : كنّا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا (رضي اللّه عنهما) قال له بعض الفقهاء : إنّ النعيم في هذه الآية هو الماء البارد .
فقال له بارتفاع صوته : كذا فسّرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب ، فقالت
ص: 615
طائفة : هو الماء البارد ، وقال آخرون : هو النوم ، وقال غيرهم : هو الطعام الطيّب . ولقد حدّثني أبي عن أبيه جعفر بن محمّد عليهم السلام إذ أقوالكم هذه ذكرت عنده فغضب وقال :
إنّ اللّه عزّوجلّ لا يسأل عباده عمّا تفضّل عليهم به ولا يمنّ بذلك عليهم ، وهو مستقبح من المخلوقين كيف يضاف إلى الخالق - جلّت عظمته - ما لا يرضى للمخلوقين ، ولكن النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا ، يسأل اللّه عنه بعد التوحيد للّه
ونبوّة رسوله صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ العبد إذا وافى بذلك أدّاه إلى نعيم الجنّة الذي لا يزول .
قال أبي موسى : لقد حدّثني أبي جعفر عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعلي إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة « أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه وأنّك ولي المؤمنين » بما جعله اللّه وجعلته لك ، فمن أقرّ بذلك وكان معتقده صار إلى النعيم الذي لا زوال له(1).
ولنعم ما قيل :
حبّه جنّة خلد ونعيم
بغضه منشأ نار وسقر
ص: 616
سورة العصر
قال محمّد بن العبّاس رحمه الله : حدّثنا محمّد بن القاسم بن سلمة عن جعفر بن عبداللّه المحمّدي ، عن أبي صالح الحسني بن إسماعيل ، عن عمران بن عبداللّه المشرقاني - عن عبداللّه بن عبيد ، عن محمّد بن علي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله عزّوجلّ : «إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» قال : استثنى اللّه سبحانه أهل صفوته من خلقه حيث قال : «إِنَّ الاْءِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ»بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، وعملوا الصالحات أي أدّوا الفرائض ، وتواصوا بالحقّ أي بالولاية وتواصوا بالصبر أي وصّوا ذراريهم ومن خلّفوا من بعدهم بها وبالصبر عليها(1).
قال إنّ الإنسان في الخسر إلاّ
معشر آمنوا بربّ السماء
إنّ الإنسان في العصر رمز
لأبي جهل أخبث الأشقياء
ورجال الإيمان سلمان صدقا
ويقينا وسيّد الأوصياء
وتواصوا بالصبر وهو علي
وتواصوا بالحقّ عهد الولاء
ملحمة أهل البيت ج1 ص167 .
ص: 617
ص: 618
ص: 619
ص: 620
أخبرنا أبو الحسن المعاذي بقراءتي عليه من أصله ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الفقيه قال : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال : حدّثنا عبدالرحمان بن أبي حاتم قال : حدّثنا هارون بن إسحاق قال : حدّثني عبدة بن سليمان قال : حدّثنا كامل بن العلاء قال : حدّثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير :
عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب : أنت الطريق الواضح وأنت الصراط المستقيم ، وأنت يعسوب المؤمنين .
وأخبرنا أبو أبو جعفر عن محمّد بن علي العلوي عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي الزبير :
عن جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه جعل عليا وزوجته وأبناءه حجج اللّه على خلقه وهم أبواب العلم في أُمّتي من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم .
أخبرني أبو بكر محمّد بن أحمد بن علي المعمّري ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين الفقيه قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العبّاس بن معروف ، عن الحسين بن زيد ، عن اليعقوبي ، عن عيسى بن عبداللّه العلوي عن أبيه :
عن أبي جعفر الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله : من سرّه من أراد أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنّة بغير حساب فليتولّ وليّي ووصيّي وصاحبي وخليفتي على أهلي علي بن أبي طالب ، ومن سرّه أن يلج النار فليترك ولايته فوعزّة ربّي وجلاله إنّه لباب اللّه الذي لا يؤتى إلاّ منه ، وأنّه الصراط
ص: 621
المستقيم وأنّه الذي يسأل اللّه عن ولايته يوم القيامة .
أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن عبداللّه بن أحمد الفسوي بقراءتي عليه من أصله قال : حدّثنا أبو يعقوب بن يوسف بن مكّي الزنجاني بهمذان ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن سليمان ببغداد ، قال : قرئ على هلال بن العلاء الرقي وأنا أسمع ، قال : حدّثني أبي ، عن الدراوردي عن مكحول ، عن محمّد بن المنكدر :
عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: اهتدوا بالشمس ، فإذا غاب الشمس فاهتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة ، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين .
فقيل : يارسول اللّه ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان ؟ قال : الشمس أنا ، والقمر علي والزهرة فاطمة ، والفرقدان الحسن والحسين عليهم السلام .
حدّثني أبو بكر النجّار عنه قال : حدّثنا أبو القاسم عبدالرحمان بن محمّد بن عبدالرحمان الحسني قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال : حدّثني الحسين بن سعيد قال : حدّثنا عبدالرحمان بن سراج قال : حدّثنا يحيى بن مساور ، عن إسماعيل بن زياد :
عن سلام بن المستنير الجعفي قال : دخلت على أبي جعفر - يعني الباقر - فقلت : جعلني اللّه فداك إنّي أكره أن أشقّ عليك فإن أذنت لي أسألك ؟ فقال : سلني عمّا شئت فقلت : أسألك عن القرآن ؟ قال : نعم . قلت قول اللّه تعالى في كتابه : «هَذَا
صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ»(1) قال : صراط علي بن أبي طالب . فقلت : صراط علي بن
ص: 622
أبي طالب ؟ فقال : صراط علي بن أبي طالب .
وحدّثني علي بن موسى بن إسحاق عن محمّد بن مسعود بن محمّد ، قال : حدّثنا علي بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم عن ربيع المسلي :
عن عبداللّه بن سليمان قال : قلت لأبي عبداللّه : «قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ»(1) قال : البرهان محمّد ، والنور علي ، والصراط المستقيم علي .
حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، عن محمّد بن عبداللّه ، عن محمّد بن بكير بن عبداللّه الواسطي عن أبيه قال :
حدّثني أبو بصير ، عن أبي عبداللّه قال : الصراط الذي قال إبليس : «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ»(2) فهو علي .
حدّثنا الحسين قال : أخبرنا محمّد بن علي الصيرفي ، عن أبي جميلة قال : حدّثنا عبداللّه بن أبي جعفر قال : حدّثني أخي عن قوله : «هَذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ» قال : هو أمير المؤمنين .
قال : أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان ، أخبرنا محمّد بن العبّاس بن حيويه إذنا ، حدّثنا أبو عبداللّه الدهان حدّثنا محمّد بن عبيد الكندي حدّثنا أبو هاشم محمّد بن علي ، حدّثنا أحمد بن عمران بن سلمة بن عجلان ، عن سفيان بن سعيد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة : عن عبداللّه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله فسئل عن علي عليه السلام فقال : قسّمت الحكمة عشرة
ص: 623
أجزاء فأُعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا .
وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه : فقال المنافقون : هل بقي لربّك علينا شيء آخر يفترضه ولتسكن أنفسنا إلى أنّه لم يبق غيره ؟ فأنزل اللّه تعالى في ذلك «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ» يعني الولاية . وأنزل اللّه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وليس بين الأُمّة خلاف أنّه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد منهم وهو راكع ، ولو ذكر اسمه في الكتاب لأُسقط مع ما أُسقط(1).
وفي تفسير العياشي عن صفوان قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام: لقد حضر الغدير إثنا عشر ألف رجل يشهدون لعلي بن أبي طالب عليه السلام فما قدر على أخذ حقّه ، وإنّ أحدكم يكون له المال وله شاهدان فيأخذ حقّه ، فإنّ حزب اللّه هم الغالبون في علي عليه السلام(2)-(3).
وروى بإسناده عن عباية بن ربعي قال : بينما عبداللّه بن عبّاس جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة فجعل ابن عبّاس لا يقول : « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ قال الرجل : قال رسول اللّه
صلى الله عليه و آله فقال ابن عبّاس : سألتك باللّه من أنت ؟ فكشف العمامة عن وجهه وقال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري ، سمعت النبي صلى الله عليه و آله بهاتين وإلاّ فصمّتا ، ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا وهو يقول : علي قائد البررة
ص: 624
وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه يوما من الأيّام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول اللّه فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختّم فيها فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي فلمّا فرغ النبي صلى الله عليه و آله من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ» اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك اللهم فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي أُشدد به أزري ، قال : فواللّه ما استتمّ رسول اللّه الكلام حتّى نزل عليه جبرئيل من عند اللّه وقال يامحمّد هنيئا لك ما وهب لك في أخيك ، قال : وماذا ياجبرئيل قال : أمر اللّه أُمّتك بموالاته إلى يوم القيامة وأنزل عليك : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
فرات ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا عن أبي جعفر قال : حدّثنا أبو برزة قال : بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ قال وأشار بيده إلى علي بن أبي
ص: 625
طالب عليه السلام : «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ»إلى آخر الآية فقال رجل : أليس إنّما يعني اللّه فضّل هذا الصراط على ما سواه ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : هذا جفاءك يافلان ، أمّا قولك فضّل الإسلام على ما سواه كذلك وأمّا قول اللّه : هذا صراطي علي مستقيم فإنّي قلت لربّي مقبل من غزوة تبوك الأُولى : اللهمّ إنّي جعلت عليا منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة له من بعدي فصدّق كلامي وأنجز وعدي واذكر عليا بالقلب كأذكر هارون فإنّك قد ذكرت إسمي في القرآن فقرأ آية ، فأنزل تصديق قولي فرسخ حسده من أهل هذه القبلة وتكذيب المشركين حتّى شكّوا في منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام فنزل : هذا صراطي علي مستقيم وهو هذا جالس عندي فاقبلوا لنصيحته واتّبعوا قوله فإنّه من يسبّني يسبّ اللّه ومن سبّ عليا فقد سبّني(1)-(2).
وروى الشيخ محمّد بن يعقوب رحمه الله عن علي بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزّاز ، عن جابر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : لِمَ سُمّي علي عليه السلام أمير المؤمنين ؟ قال : اللّه سمّاه ، وهكذا أنزل اللّه في كتابه وهو قوله عزّوجلّ : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» (وأنّ محمّدا نبيّكم رسولي ، وأنّ عليا أمير المؤمنين) «قَالُوا بَلَى»(3).
أخبرنا أبو بكر التاجر(4) أخبرنا الحسن بن رشيق ، أخبرنا رزيق ، عن
ص: 626
جامع ، قال : حدّثنا سفيان بن بشر الأسدي قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن إبراهيم بن حيّان :
«وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»
سورة النحل
وفي تفسير علي بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام : إن تكون أئمّة هي أزكى من أئمّتكم ، فقيل : يابن رسول اللّه نحن نقرأ : «هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ» قال : ويحك وما أربى ؟ وأومى بيده فطرحها وقال : «إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللّه ُ بِهِ» يعني بعلي بن أبي طالب يختبركم «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ» إلى قوله : «لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً» وزاد هو وقال : على مذهب واحد وأمر واحد «وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ» قال : يعذّب بنقض العهد «وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» قال : يثبت «وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» قوله : «وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ» قال : هو مثل لأمير المؤمنين عليه السلام «فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا»يعني مقالة النبي صلى الله عليه و آله فيه «وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ» يعني عن علي «وَلَكُمْ عَذَابٌ
ص: 627
عَظِيمٌ»(1).
وفي أُصول الكافي : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن زيد بن الجهم الهلالي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : لمّا نزلت ولاية علي بن أبي طالب وكان من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله للناس : سلّموا على علي بإمرة المؤمنين ، فكان ممّا أكّد اللّه سبحانه عليهما في ذلك اليوم بأزيد
قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهما : قوما فسلّما عليه بإمرة المؤمنين . فقالا : أمن اللّه أو من رسوله يارسول اللّه ؟ فقال لهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من اللّه ورسوله ، فأنزل اللّه عزّوجلّ : «وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّه َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» يعني به قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهما وقولهما : أمن اللّه أو من رسوله «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ» أئمّة هي أزكى من أئمّتكم . قال : قلت : جعلت فداك أئمّة ؟ قال : إي واللّه أئمّة . قلت : فإنّا نقرأ : أربى . قال : ما أربى ؟ وأومأ بيده فطرحها «إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللّه ُ بِهِ»
يعني بعلي عليه السلام «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا» يعني بعد مقالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علي عليه السلام «وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ» يعني به عليا عليه السلام «وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2).
ص: 628
وفي أُصول الكافي : أحمد بن عبدالعظيم ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا : فأبى أكثر الناس بولاية علي عليه السلام إلاّ كفورا(1).
وقال أيضا : أحمد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، عن عبداللّه بن حمّاد الأنصاري ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : فأبى أكثر الناس بولاية علي عليه السلام إلاّ كفورا(2). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(3).
وفي تفسير علي بن إبراهيم : وقوله عزّوجلّ : «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ»قال نزلت وهو أب لهم و «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» ، فجعل اللّه عزّوجلّ المؤمنين أولاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أباهم لمن لم يقدر أن يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية ، فجعل اللّه تبارك وتعالى لنبيّه الولاية على المؤمنين من أنفسهم ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله بغدير خم : أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، ثمّ أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام ما أوجبه لنفسه عليهم من الولاية ، فقال : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، فلمّا جعل اللّه عزّوجلّ النبي أبا للمؤمنين ألزمه مؤنتهم وتربية أيتامهم ، فعند ذلك صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنبر فقال : من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك دَينا أو ضياعا فعليَّ وإليَّ ، وألزم اللّه عزّوجلّ نبيّه للمؤمنين ما يلزم الوالد ، وألزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد
ص: 629
للوالد ، فكذلك ألزم أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) ما ألزمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بعد ذلك ، وبعده الأئمّة (صلوات اللّه عليهم) واحدا واحدا ، والدليل على أنّ رسول اللّه
صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام هما والدان قوله : «وَاعْبُدُوا اللّه َ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا»فالوالدان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، وقال الصادق عليه السلام : فكان إسلام عامّة اليهود بهذا السبب ، لأنّهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم(1).
وقال أيضا : حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، عن محمّد بن عبدالرحمان بن الفضل ، عن جعفر بن الحسين الكوفي ، عن أبيه ، عن محمّد بن زيد مولى أبي جعفر عليه السلام قال :
سألت مولاي فقلت : قوله عزّوجلّ : «وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ» قال : هو علي عليه السلام ، معناه أنّه رحم النبي صلى الله عليه و آله فيكون أولى به من المؤمنين والمهاجرين(2)-(3).
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) عن الحافظ أبي بكر بن مردويه في كتاب (المناقب) في قوله تعالى :
«وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ» من المؤمنين والمهاجرين .
إنّه قيل : ذلك علي ، لأنّه كان مؤمنا ، مهاجرا ، ذا رحم(4).
وذكر ذلك جمع من المؤرخين القدامى والمحدّثين :
ص: 630
(منهم) أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح(1).
(ومنهم) شهاب الدين النويري في كتابه الكبير (نهاية الإرب)(2).
(ومنهم) أبو العبّاس القلقشندي في موسوعة (صبح الأعشى)(3).
كلّ هؤلاء نقلوا ذلك ضمن رسالة مطوّلة جوابية من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان جاء فيها :
« وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله سبحانه وتعالى : «وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ» وهو علي عليه السلام ، لأنّه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم(4).
« فمنهم » المير محمّد صالح الكشفي الترمذي الحنفي في « مناقب مرتضوي » (ص62 ط بمبئى بمطبعة محمّدي) نقل اتّفاق المفسّرين على أنّ الآية نزلت في علي لأنّه الذي كان مؤمنا ومهاجرا وابن عمّه .
« ومنهم » الحافظ أبو بكر ابن مردويه في كتاب « المناقب » (كما في كشف الغمّة ص95) .
قال في قوله تعالى : «وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ»الآية . قيل ذلك علي عليه السلام لأنّه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم .
ثمّ قال : وممّا يدلّ على أنّ إبراهيم وجميع الأنبياء والرسل من شيعة أهل البيت
ص: 631
عليهم السلام ما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : ليس إلاّ اللّه ورسوله ونحن وشيعتنا والباقي في النار ، فتعيّن أنّ جميع أهل الإيمان من الأنبياء والرسل وأتباعهم من شيعتهم ، ولقول النبي صلى الله عليه و آله : لو اجتمع الخلق على حبّ علي لم يخلق النار(1).
وقال أيضا : حدّثني عبدالعزيز بن يحيى ، عن المغيرة بن محمّد ، عن عبدالغفّار بن محمّد ، عن منصور بن أبي الأسود ، عن زياد بن المنذر ، عن عدي بن ثابت قال : سمعت ابن عبّاس يقول : ما حسدت قريش عليا عليه السلام بشيء ممّا سبق له أشدّ ممّا وجدت يوما ونحن عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : كيف أنتم معشر قريش لو قد كفرتم من بعدي فرأيتموني في كتيبة أضرب وجوهكم بالسيف ؟ فهبط عليه جبرئيل فقال : قل : إن شاء اللّه أو علي ، فقال : إن شاء اللّه أو علي عليه السلام(2).
عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال : إنّي لأدناهم من رسول اللّه في حجّة الوداع ب- « منى » حين قال : لا ألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم اللّه لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة التي تضاربكم . ثمّ التفت إلى خلفه فقال : أو علي أو علي - ثلاثا - فرأينا أنّ جبرئيل غمزه ، وأنزل اللّه على أثر ذلك :
«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» بعلي بن أبي طالب «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِىَ إِلَيْكَ» من أمر علي «إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» وإنّ عليا لعلم للساعة ، وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون عن محبّة علي بن أبي طالب .
وقال أيضا : حدّثنا محمّد بن مخلّد الدهّان ، عن علي بن أحمد العريض بالرقّة ، عن إبراهيم بن علي بن جناح ، عن الحسن بن علي بن محمّد بن جعفر بن محمّد ، عن
ص: 632
أبيه ، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نظر إلى علي عليه السلام وأصحابه حوله وهو مقبل ، فقال : أما إنّ فيك لشبها من عيسى بن مريم ، ولولا مخافة أن يقول فيك طوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا من تحت قدميك التراب يبتغون به البركة ، فغضب من كان حوله وتشاوروا فيما بينهم ، وقالوا : لم يرض إلاّ أن جعل ابن عمّه مثلاً لبني إسرائيل ، فأنزل اللّه : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ ...» الآية إلى قوله : «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» قال : فقلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ليس في القرآن بني هاشم قال : محيت واللّه فيما محي ، ولقد قال عمرو بن العاص على منبر مصر محي من كتاب اللّه ألف حرف وحرّف منه بألف حرف وأُعطيت مائتي ألف درهم على أن أمحي «إِنَّ
شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»فقالوا : لا يجوز ذلك ، قلت : فكيف جاز ذلك لهم ولم يجز لي ، فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه : قد بلغني ما قلت على منبر ولست هناك(1)-(2).
ص: 633