الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

اشارة

الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

سيد علي جمال أشرف

تعداد صفحات: 623ص

زبان: عربی

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص: 1

اشارة

الامام الحسین علیه السلام في بحار الانوار

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الكائنات وأشرف الرسل أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والآخرين.

أما بعد :

قد تشكّل الأسانيد والفصول الطويلة غير المقطّعة ولا المبوبة عقبة لا يستهان بها أمام القارى ء المعاصر الذي لا يهتم كثير اهتمام بمثل هذا النمط من التأليف ، ولربّما

كان يجهل تماما من هم رجال السند، فيمرّ عليهم مرور الغريب على الغريب المزعج الذي يزاحمه في المسير، أمّا الذين يعيشون مع رجال السند كما يعيشون مع أحبائهم وأصدقائهم وأقربائهم، وكأنّهم يعاصرونهم ويعاشرونهم، فهم قليل جدا، ونوادر من المتخصصين .

وأمّا مطلق القراء، ولنسميهم القراء غير المتخصصين، فهم يريدون الاسترسال مع مادة الكتاب خصوصا في مواد مثل التاريخ والسيرة وما أشبه .

وكان لهذه المسافة الفاصلة بين القراء وبين كتب المصادر آثار جمّة على حياة الفرد والمجتمع، وصار كلام أهل البيت وسيرتهم لا تتيسر لعامة الناس من أتباعهم، ومن ثم ليس ثمة كثير من الناس من يجلس الى الامام ليستمع له مباشرة، فيما نعلم نحن من النصوص أنّ أهل الببيت كلامهم نور، وهم يكلمون الناس على قدر عقولهم، وهم سادة الفصحاء والبلغاء، ويمكن لكلّ من استمع اليهم أن يفهم كلامهم ويغترف منه بقدر إنائه .

ص: 3

وللمصدر الذي يروى الخبر في هذا الزمان قيمة غير قليلة، ومجرد نسبة الخبر إلى مصدر معروف تورث في نفس السامع أو القارى ء اطمئنانا يتناسب مع وثاقة ذلك المصدر ومستوى الاطمئنان الى مؤلفه .

ويمكن للقارى ء أن يقرأ ما يشاء ثم يراجع المتخصص للاستنارة بعلمه واستخلاص النقي من غيره، والمصادر بالرغم من توفرها إلاّ أنّها ربّما تعسرت على البعض، امّا لغلائها أو ضخامة حجمها أو ندرتها وما شاكل .

وقد رأينا الأعلام من كبار علمائنا الأبرار يؤلفون كتبا كثيرة مجردة عن الأسانيد ومبوبة تبويبا رائعا فيما يؤلفون كتبا مطولة مفصلة تحتوي الأسانيد وكلّ ما يحتاجه المحقق المتخصص ، وربما تضمنت ما لا تتضمنه المختصرات .

وفي محاولة - مهما كانت بسيطة - لتقديم ما يخص حياة الإمام سيد شباب أهل الجنة ، السبط الشهيد أبيّ الضيم الحسين بن علي عليه السلام من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره قمنا بتجريد الجزء 44 والجزء 45 من الأسانيد، ونقل ما ذكره المؤلف تحت عنوان بيان أو توضيح الى الهامش، وأضفنا اليه عناوين كثيرة داخل الأبواب، وتركنا ترقيم الأبواب والأحاديث والأخبار كما هي عليه في أصل الكتاب لتيسير الرجوع اليه وقت الحاجة، ولم نحذف من المتن شيئا إلاّ ما قد لا يتجاوز النصف صفحة من كلّ الكتاب، وقد أشرنا الى ذلك في مواضعه .

وهذه المحاولة إنّما هي مفردة من مشروع مفصل قد يوفقنا الله لانجازه إن شاء الله تعالى قدمناها للأخ الفاضل الحاج محمد صادق الكتبي حفظه الله بمناسبة تشرفه بالحج سنة 1423 راجين من الله القبول .

ونتوسل الى المولى الرؤوف وسيد الشهداء الحسين الحبيب عليه السلام أن يتقبل منّا هذه البضاعة المزجاة، ويعطينا الكثير بهذا الأقل من القليل، ويشملنا ووالدينا وأولادنا وأهلينا وجميع اخواننا المؤمنين بشفاعته، ويتفضل علينا برؤيته، ويجعلنا من خدامه وزواره في الدنيا والآخرة .

قم المقدسة

سيد علي جمال أشرف

ص: 4

أبواب ما يختص

بتاريخ الحسين بن علي صلوات الله عليهما

باب 24 :النص عليه بخصوصه ووصية الحسن إليه صلوات الله عليهما

اشارة

1 - إعلام الورى

: عن هارون بن الجهم قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام

يقول : لما احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين : يا أخي إني أوصيك بوصية : إذا أنا متّ فهيئني ووجهني إلى رسول الله صلى الله عليه و آله لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليهاالسلام ، ثم ردني فادفني بالبقيع .. إلى آخر الخبر .

[ الإمام الحسن ينص على إمامة الحسين عند محمد بن الحنفية ]

2 - إعلام الورى : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى وراء بابك مونا من غير آل محمد ؟

ص: 5

فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي ، قال : فأتيته ، فلما دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير ؟ قلت : أجب أبا محمد ، فعجل عن شسع نعله فلم يسوه ، فخرج معي يعدو .

فلما قام بين يديه سلم ، فقال له الحسن : اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض ، أما علمت أن الله - عزّ وجلّ - جعل ولد إبراهيم أئمة ، وفضل بعضهم على بعض ، وآتى داود زبورا ، وقد علمت بما استأثر الله محمدا صلى الله عليه و آله .

يا محمد بن علي إني لا أخاف عليك الحسد ، وإنما وصف الله - تعالى - به الكافرين فقال : « كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ » ، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا .

يا محمد بن علي ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟ قال : بلى ، قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا .

يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك .

يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي - بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي - إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب الماضي ، وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه وأمه ، علم الله أنكم خير خلقه فاصطفى منكم محمدا ، واختار محمد عليا ، واختارني علي للإمامة ، واخترت أنا الحسين .

فقال له محمد بن علي : أنت إمامي وسيدي ، وأنت وسيلتي إلى محمد ، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ولا تغيره بعد الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم ، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ،

ص: 6

وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ .

الحسين أعلمنا علما ، وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله رحما ، كان إماما قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أن أحدا خير منا ما اصطفى محمدا صلى الله عليه و آله ، فلما اختار محمدا ، واختار محمد عليا إماما ، واختارك علي بعده ، واخترت الحسين بعدك ، سلمنا ورضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات(1) .

ص: 7


1- بيان : قوله : فقال الله : أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى فإنك بعلومك الربانيه أعلم بما أخبرك بعد النظر ويحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر بالقلب بما علموه من ذلك فإنه كان من أصحاب الأسرار فلذا قال : أنت أعلم به مني من هذه الجهة ولعل السؤال لأنه كان يريد أولا أن يبعث غير قنبر لطلب ابن الحنفية فلما لم يجد غيره بعثه . ويحتمل أن يكون أراد بقوله مونا ملك الموت عليه السلام فإنه كان يقف ويستأذن للدخول عليهم فلعله أتاه بصورة بشر فسأل قنبرا عن ذلك ليعلم أنه يراه أم لا فجوابه حينئذ إني لا أرى أحدا وأنت أعلم بما تقول وترى ما لا أرى فلما علم أنه الملك بعث إلى أخيه . فعجل عن شسع نعله أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع النعل قوله عن سماع كلام أي النص على الخليفة فإن السامع إذا أقر فهو حي بعد وفاته وإذا أنكر فهو ميت في حياته أو المعنى أنه سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان وسبب لموت الأحياء بالحياة الظاهرية أو بالحياة المعنوية إن لم يقبلوه وقيل يموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا وهو بعيد . كونوا أوعية العلم تحريص على استماع الوصية وقبولها ونشرها أو على متابعة الإمام والتعلم منه وتعليم الغير قوله عليه السلام فإن ضوء النهار أي لا تستنكفوا عن التعلم وإن كنتم علماء فإن فوق كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أو عن تفضيل بعض الإخوة على بعض . والحاصل أنه قد استقر في نفوس الجهلة بسبب الحسد أن المتشعبين من أصل واحد في الفضل سواء ولذا يستنكف بعض الإخوة والأقارب عن متابعة بعضهم وكان الكفار يقولون للأنبياء « ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا »فأزال عليه السلام تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة فإن كله من الشمس لكن بعضه أضوأ من بعض كأول الفجر وبعد طلوع الشمس وبعد الزوال وهكذا فباختلاف الاستعدادات والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد . وقوله أ ما علمت أن الله تمثيل لما ذكر سابقا وتأكيد له وقوله فجعل ولد إبراهيم أئمة إشارة إلى قوله - تعالى - « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » وقوله وفضل إلخ إشارة إلى قوله سبحانه « وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً » . وقد علمت بما استأثر أي علمت بأي جهة استأثر الله محمدا أي فضله إنما كان لوفور علمه ومكارم أخلاقه لا بنسبه وحسبه وأنت تعلم أن الحسين أفضل منك بجميع هذه الجهات ويحتمل أن تكون ما مصدرية والباء لتقوية التعدية أي علمت استيثار الله إياه قوله إني لا أخاف فيما عندنا من نسخ الكافي إني أخاف ولعل ما هنا أظهر . قوله عليه السلام ولم يجعل الله الظاهر أن المراد قطع عذره في ترك ذلك أي ليس للشيطان عليك سلطان يجبرك على الإنكار ولا ينافي ذلك قوله - تعالى - « إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ » لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله أو السلطان في الآية محمول على ما لا يتحقق معه الجبر أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين . وقد قال - تعالى - : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » ويحتمل أن تكون جملة دعائية . قوله عليه السلام وعند الله في الكافي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلى الله عليه و آلهأضافها الله - عزّ وجلّ - له في وراثة أبيه وأمه صلى الله عليهما فعلم الله أي كونه إماما مثبت عند الله في اللوح أو في القرآن وقد ذكر الله وراثته مع وراثة أبيه وأمه كما سبق في وصية النبي صلى الله عليه و آلهفيكون في بمعنى إلى أو مع ويحتمل أن تكون في سببية كما أن الظاهر مما في الكتاب أن يكون كذلك . قوله ره ألا وإن في رأسي كلاما أي في فضائلك ومناقبك لا تنزفه الدلاء أي لا تفنيه كثرة البيان من قولك نزفت ماء البئر إذا نزحت كله ولا تغيره بعد الرياح كناية عن عذوبته وعدم تكدره بقلة ذكره فإن ما لم تهب عليه الرياح تتغير وفي الكافي نغمة الرياح وإن ذلك أيضا قد يصير سببا للتغير أي لا يتكرر ولا يتكدر بكثرة الذكر ومرور الأزمان أو كنى بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق كما قال - تعالى - : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِوا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ » . قوله كالكتاب المعجم من الإعجام بمعنى الإغلاق يقال أعجمت الكتاب خلاف أعربته وباب معجم كمكرم مقفل كناية عن أنه من الرموز والأسرار أو من التعجيم أو الإعجام بمعنى إزالة العجمة بالنقط والإعراب أشار به إلى إبانته عن المكنونات والرق ويكسر جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء ويقال نمنمه أي زخرفه ورقشه والنبت المنمنم الملتف المجتمع وفي بعض نسخ الكافي المنهم من النهمة بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا أو من قولهم إنهم البرد والشحم أي ذابا كناية عن إغلاقه كأنه قد ذاب ومحي . قوله فأجدني أي كلما أهم أن أذكر من فضائلك شيئا أجده مذكورا في كتاب الله وكتب الأنبياء وقيل أي سبقتني إليه أنت وأخوك لذكره في القرآن . وكتب الأنبياء وعلمها عندكما والظاهر أن سبق مصدر ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا على الاستئناف وعلى التقديرين سبقت على صيغة المجهول وإنه أي ما في رأسي . وفي بعض نسخ الكافي بعد قوله ويد الكاتب حتى لا يجد قلما ويوى بالقرطاس حمما وضمير يجد للكاتب وكذا ضمير يوى أي يكتب حتى تفنى الأقلام وتسود جميع القراطيس والحمم بضم الحاء وفتح الميم جمع الحممة كذلك أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد وضمير يبلغ للكاتب . أعلمنا علما علما تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد كان إماما وفي الكافي كان فقيها قبل أن يخلق أي بدنه الشريف كما مر أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأجسادهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية ومعلمة للملائكة قبل أن ينطق أي بين الناس كما ورد أنه عليه السلام أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم . وفي الكافي في آخر الخبر من بغيره يرضى ومن كنا نسلم به من مشكلات أمرنا فقوله من بغيره يرضى الاستفهام للإنكار والظرف متعلق بما بعده وضمير يرضى راجع إلى من وفي بعض النسخ بالنون وهو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام أي بمن بغيره نرضى وفي بعضها من بعزه نرضى أي هو من بعزه وغلبته نرضى أو الموصول مفعول رضينا ومن كنا نسلم به أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره ونسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على المفعول ويود الأخير فيهما ما هنا .

ص: 8

ص: 9

باب 25 :معجزاته صلوات الله عليه

اشارة

[ الإمام يشفي حبابة الوالبية ]

1 - بصائر الدرجات : عن صالح بن ميثم الأسدي قال : دخلت أنا وعباية بن ربعي على امرأة في بني والبة قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عباية : يا حبابة هذا ابن أخيك ، قالت : وأي أخ ؟ قال : صالح بن ميثم ، قالت : ابن أخي والله حقا ، يا ابن أخي ألا أحدثك سمعته من الحسين بن علي ؟ قال : قلت : بلى يا عمة .

قالت : كنت زوارة الحسين بن علي عليه السلام ، فحدث بين عيني وضح ، فشق ذلك علي واحتبست عليه أياما ، فسأل عني ما فعلت حبابة الوالبية ؟ فقالوا : إنهاحدث بها حدث بين عينيها ، فقال لأصحابه : قوموا إليها ، فجاء مع أصحابه حتى دخل علي وأنا في مسجدي هذا ، فقال : يا حبابة ما أبطأ بك علي ؟ قلت : يا ابن رسول الله حدث هذا بي .

قالت : فكشفت القناع فتفل عليه الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا حبابة أحدثي لله شكرا ، فإن الله قد درأه عنك ، قالت : فخررت ساجدة ، قالت : فقال :

ص: 10

يا حبابة ارفعي رأسك وانظري في مرآتك ، قالت : فرفعت رأسي فلم أحس منه شيئا ، قالت : فحمدت الله .

2 - دعوات الراوندي : ذكر مثله وزاد في آخره : فنظر إلي فقال : يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء .

[ إحياء المرأة الميتة باذن اللّه ]

3 - الخرائج والجرائح : عن يحيى ابن أم الطويل قال : كنا عند الحسين عليه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال له الحسين : ما يبكيك ؟ قال : إن والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ، ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتى أعلمك خبرها .

فقال الحسين عليه السلام : قوموا حتى نصير إلى هذه الحرة ، فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي توفيت فيه المرأة [وهي] مسجاة ، فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيتها ، فأحياها الله ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهد ، ثم نظرت إلى الحسين عليه السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس على مخدة ، ثم قال لها : وصي يرحمك الله ، فقالت : يا ابن رسول الله ، لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لابني هذا ، إن علمت أنه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفافخذه إليك فلا حق للمخالفين في أموال المونين ، ثم سألته أن يصلي عليها ، وأن يتولى أمرها ، ثم صارت المرأة ميتة كما كانت .

[ أما تستحي يا أعرابي تدخل إلى إمامك وأنت جنب ]

4 - الخرائج والجرائح : عن زين العابدين عليه السلام قال : أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحسين عليه السلام لما ذكر له من دلائله ، فلما صار بقرب المدينة خضخض ودخل

ص: 11

المدينة ، فدخل على الحسين ، فقال له أبو عبد الله الحسين عليه السلام : أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب ؟! فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم!! فقال الأعرابي : قد بلغت حاجتي مما جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه ، فسأله عما كان في قلبه(1) .

[ إنّي أدلك على من قتل غلماني فاشدد يدك بهم ]

5 - الخرائج والجرائح : عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : إذا أراد الحسين عليه السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا ، اخرجوا يوم كذا ، فإنكم إن خالفتموني قطع عليكم ، فخالفوه مرة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتصل الخبر إلى الحسين عليه السلام فقال : لقد حذرتهم فلم يقبلوا مني .

ثم قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم ، فقال الحسين عليه السلام : فإني أدلك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، قال : أو تعرفهم يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم كما أعرفك ، وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا ؟ ومن أين تعرف أنيمنهم ؟ فقال له الحسين عليه السلام : إن أنا صدقتك تصدقني ؟ قال : نعم والله لأصدقنك ، فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلهم ، فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من جيشان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدقني أو لأهرقن لحمك بالسياط ، فقال الرجل : والله ما كذب الحسين ، ولصدق ، وكأنه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا ، فأقروا جميعا فضرب أعناقهم .

ص: 12


1- بيان : قال الجزري : الخضخضة الاستمناء وهو استنزال المني في غير الفرج وأصل الخضخضة التحريك .

[ إستشار الإمام في الزواج وخالفه فافتقر ]

6 - الخرائج والجرائح :روي أن رجلا صار إلى الحسين عليه السلام فقال : جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة ، فقال : لا أحب ذلك ، وكانت كثيرة المال ، وكان الرجل أيضا مكثرا ، فخالف الحسين فتزوج بها ، فلم يلبث الرجل حتى افتقر .

فقال له الحسين عليه السلام : قد أشرت إليك فخل سبيلها فإن الله يعوضك خيرا منها ، ثم قال : وعليك بفلانة فتزوجها ، فما مضت سنة حتى كثر ماله وولدت له ذكرا وأنثى ، ورأى منها ما أحب .

[ فطرس الملك يتمسّح بمهد الحسين ]

7 - الخرائج والجرائح : روي أنه لما ولد الحسين عليه السلام أمر الله - تعالى - جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمدا ، فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له «فطرس»، بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه ، فألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد الله سبعمائة عام ، فقال فطرس لجبرئيل : إلى أين ؟ فقال : إلى محمد ، قال : احملني معك لعله يدعو لي .

فلما دخل جبرئيل وأخبر محمدا بحال فطرس قال له النبي : قل : يتمسح بهذا المولود ، فتمسح فطرس بمهد الحسين عليه السلام ، فأعاد الله عليه في الحال جناحه ، ثم ارتفع مع جبرئيل إلى السماء .

[ الحمى تهرب من الحسين ]

8 - المناقب لابن شهرآشوب : زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدث عن آبائه عليهم السلام : أن مريضا شديد الحمى عاده الحسين عليه السلام ، فلما دخل

ص: 13

من باب الدار طارت الحمى عن الرجل ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقا حقا ، والحمى تهرب عنكم ، فقال له الحسين عليه السلام : والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا .

قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبيك ، قال : أليس أمير المونين أمرك أن لا تقربي إلا عدوا أو مذنبا لكي تكوني كفارة لذنوبه ، فما بال هذا ؟ فكان المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي .

[ خلّص يده من يدها ]

10 - تهذيب الأحكام : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن امرأة كانت تطوف وخلفها رجل ، فأخرجت ذراعها ، فقال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فأثبت الله يد الرجل في ذراعها حتى قطع الطواف ، وأرسل إلى الأمير ، واجتمع الناس ، وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : ها هنا أحد من ولد محمد رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن علي عليه السلام

قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان ، فاستقبل الكعبة ورفع يديه ، فمكث طويلا يدعو ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا تعاقبه بما صنع ؟ قال : لا .

[ الإمام يستنطق الغلام الرضيع ]

11 - المناقب لابن شهرآشوب : روى عبد العزيز بن كثير : أن قوما أتواإلى

الحسين عليه السلام وقالوا : حدثنا بفضائلكم ، قال : لا تطيقون ، وانحازوا عني لأشير إلى بعضكم فإن أطاق سأحدثكم ، فتباعدوا عنه ، فكان يتكلم مع أحدهم حتى دهش ووله ، وجعل يهيم ولا يجيب أحدا ، وانصرفوا عنه .

ص: 14

صفوان بن مهران قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : رجلان اختصما في زمن الحسين عليه السلام في امرأة وولدها ، فقال هذا : لي وقال هذا : لي ، فمر بهما الحسين عليه السلام فقال لهما : فيما تمرجان ؟ قال أحدهما : ان الامرأة لي ، وقال الآخر : إن الولد لي ، فقال

للمدعي الأول : اقعد فقعد ، وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين عليه السلام : يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك، فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا ، فقال عليه السلام : يا غلام ما تقول هذه ؟ انطق بإذن الله - تعالى - ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلا راعي لآل فلان ، فأمر عليه السلام برجمها ، قال جعفر عليه السلام : فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها .

[ تريد أن ترى مخاطبة النبي لأبي دون يوم مسجد قبا ]

الأصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين عليه السلام فقلت : سيدي أسألك عن شيء أنا به موقن ، وأنه من سر الله ، وأنت المسرور إليه ذلك السر ، فقال : يا أصبغ أتريد أن ترى

مخاطبة رسول الله لأبي دون يوم مسجد قباء ؟ قال : هذا الذي أردت ، قال : قم فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتد إلى بصري ، فتبسم في وجهي ثم قال : يا أصبغ إن سليمان بن داود أعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر ، وأنا قد أعطيت أكثر مما أعطي سليمان ، فقلت : صدقت والله يا ابن رسول الله ، فقال : نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا؛ لأنا أهل سر الله ، فتبسم في وجهي ، ثم قال : نحن آل الله وورثة رسوله ، فقلت : الحمد لله على ذلك ، قال لي : ادخل ، فدخلت ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه و آلهمحتبئ في المحراب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المونين عليه السلام قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول الله يعض على الأنامل وهو يقول : بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة الله ولعنتي(1) .. الخبر .

ص: 15


1- بيان : لأبي دون أي لأبي بكر عبر به عنه تقية والدون الخسيس والأعسر الشديد أو الشو والمراد به إما أبو بكر أو عمر .

[ أصحاب الحسين لم ينقصوا ولم يزيدوا رجلاً ]

12 - المناقب لابن شهرآشوب : قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي عليه السلام : إنك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك! فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي مكة عرض به .

كتاب التخريج : عن ابن عباس قال : رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة ، وكف جبرئيل في كفه وجبرئيل ينادي : هلموا إلى بيعة الله - عزّ وجلّ - ، وعنف ابن عباس على تركه الحسين عليه السلام فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم .

وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم .

[ إنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره ]

13 - كتاب النجوم : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خرج الحسين بن علي إلى مكة سنة ماشيا فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم ، فقال : كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره منه ولا تماسكه ، فقال له مولاه : بأبي أنت وأمي ما قدامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ، فقال : بلى أمامك دون المنزل ، فسار ميلا فإذا هو بالأسود ، فقال الحسين لمولاه : دونك الرجل فخذ منه الدهن ، فأخذ منه الدهن وأعطاه الثمن ، فقال له الغلام : لمن أردت هذا الدهن ؟ فقال : للحسين بن علي عليه السلام ، فقال : انطلق به إليه ، فصار الأسود نحوه ، فقال : يا ابن رسول الله إني مولاك لا آخذ له ثمنا ، ولكن ادع الله أن يرزقني ولدا ذكرا سويا يحبكم أهل البيت ، فإني خلفت امرأتي تمخض ، فقال : انطلق إلى منزلك ، فإن الله قد وهب لك

ص: 16

ولدا ذكرا سويا ، فولدت غلاما سويا ، ثم رجع الأسود إلى الحسين ودعا له بالخير بولادة الغلام له ، وإن الحسين عليه السلام قد مسح رجليه ، فما قام من موضعه حتى زال ذلك الورم(1) .

[ واللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ]

14 - كتاب النجوم : عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول : والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ، ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك في حياة النبي صلى الله عليه و آله ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ؟ فقال : لا ، فقال : فأتيت النبي فأخبرته ، فقال : علمي علمه ، وعلمه علمي؛ لأنا نعلم بالكائن قبل كينونته .

[ شفاء حبابة من البرص ]

15 - رجال الكشي : عن صالح بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على

حبابة الوالبية ، فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم ، قالت : ابن أخي والله حقا ، ألا أحدثكم بحديث عن الحسين بن علي عليه السلام ، فقلت : بلى ، قالت : دخلت عليه وسلمت فرد السلام ورحب ، ثم قال : ما بطأ بك عن زيارتنا والتسليم علينايا حبابة ؟ قلت : ما بطأني عنك إلا علة عرضت ، قال : وما هي ؟ قالت : فكشفت خماري عن برص .

قالت : فوضع يده على البرص ودعا ، فلم يزل يدعو حتى رفع يده ، وقد كشف الله ذلك البرص ، ثم قال : يا حبابة إنه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا وغير شيعتنا ومن سواهم منها براء .

ص: 17


1- بيان : قد مر هذا في معجزات الحسن عليه السلام وفي الكافي أيضا كذلك وصدوره عنهما واتفاق القصتين من جميع الوجوه لا يخلو من بعد والظاهر أن ما هنا من تصحيف النساخ .

[ استسقاء الحسين لأهل الكوفة ]

16 - عيون المعجزات للمرتضى رحمه الله : عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليه السلام قال : جاء أهل الكوفة إلى علي عليه السلام فشكوا إليه إمساك المطر ، وقالوا له : استسق لنا ، فقال للحسين عليه السلام : قم واستسق ، فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وقال :

اللهم معطي الخيرات ، ومنزل البركات ، أرسل السماء علينا مدرارا ، واسقنا غيثا مغزارا ، واسعا غدقا مجللا سحا سفوحا فجاجا ، تنفس به الضعف من عبادك ، وتحيي به الميت من بلادك ، آمين ربّ العالمين . فما فرغ عليه السلام من دعائه حتى غاث الله - تعالى - غيثا بغتة .

وأقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال : تركت الأودية والآكام يموج بعضها في بعض .

[ اللهم جرّه إلى النار ]

عن عطاء بن السائب عن أخيه قال : شهدت يوم الحسين - صلوات الله عليه - فأقبل رجل من تيم يقال له «عبد الله بن جويرة» فقال : يا حسين! فقال صلوات الله عليه : ما تشاء ؟ فقال : أبشر بالنار!! فقال عليه السلام : كلا إني أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت ؟ قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين حتى رأينا بياض إبطيه ، وقال : اللهم جره إلى النار ، فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه ، فاضطرب به فرسه في جدول ، وتعلق رجله بالركاب ، ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس ، فأخذ يعدو به ويضرب رأسه بكل حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلقا في الركاب ، فصار لعنه الله إلى نار الجحيم .

ص: 18

[ جبرائيل يناغي الحسين في المهد ]

أقول : روي عن طاوس اليماني : أن الحسين بن علي عليه السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله كان كثيرا ما يقبل جبينه ونحره ، وإن جبرئيل عليه السلام نزل يوما فوجد الزهراء عليهاالسلام نائمة

والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسليه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من

يناغيه ، فالتفتت فلم تر أحدا ، فأخبرها النبي صلى الله عليه و آلهأنه كان جبرئيل عليه السلام (1) .

ص: 19


1- وقد مضى بعض معجزاته في الأبواب السابقة وسيأتي كثير منها في الأبواب الآتية لا سيما باب شهادته وباب ما وقع بعد شهادته صلوات الله عليه .

باب 26 :مكارم أخلاقه وجمل أحواله

اشارة

وتاريخه وأحوال أصحابه صلوات الله عليه

[ قد أجبتكم فاجيبوني ]

1 - تفسير العياشي : عن مسعدة قال : مرّ الحسين بن علي عليه السلام بمساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسرا ، فقالوا : هلم يا ابن رسول الله ، فثنى وركه فأكل معهم ، ثم تلا إن الله لا يحب المستكبرين ، ثم قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، قالوا : نعم يا ابن رسول الله ، فقاموا معه حتى أتوا منزله ، فقال للجارية : أخرجي ما كنت تدخرين .

[ لن تموت حتى أقضيها عنك ]

2 - المناقب لابن شهرآشوب : دخل الحسين عليه السلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول : وا غماه! فقال له الحسين عليه السلام : وما غمك يا أخي ؟ قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين : هو عليّ ، قال : إني أخشى أن أموت ، فقال الحسين : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته .

ص: 20

وكان عليه السلام يقول : شر خصال الملوك : الجبن من الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عند الإعطاء .

[ خير مالك ما وقيت به عرضك ]

وفي كتاب أنس المجالس : أن الفرزدق أتى الحسين عليه السلام لما أخرجه مروان من المدينة ، فأعطاه عليه السلام أربعمائة دينار ، فقيل له : إنه شاعر فاسق منتهر ، فقال عليه السلام : إن خير مالك ما وقيت به عرضك ، وقد أثاب رسول الله صلى الله عليه و آله كعب بن زهير ، وقال في عباس بن مرداس : اقطعوا لسانه عني .

[ كيف يأكل التراب جودك ]

وفد أعرابي المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدل على الحسين عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصليا ، فوقف بإزائه وأنشأ :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقة

قال : فسلم الحسين وقال : يا قنبر ، هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها ، قد جاء من هو أحق بها منا ، ثم نزع برديه ولف الدنانير فيها ، وأخرج يده من شق الباب حياء من الأعرابي وأنشأ :

خذها فإني إليك معتذر

واعلم بأني عليك ذوشفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير

والكف مني قليلة النفقة

ص: 21

قال : فأخذها الأعرابي وبكى ، فقال له : لعلك استقللت ما أعطيناك ، قال :لا ولكن كيف يأكل التراب جودك(1) ؟

[ إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ]

3 - المناقب لابن شهرآشوب : شعيب الخزاعي قال : وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف أثر ، فسألوا زين العابدين عليه السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين .

وقيل : إن عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين عليه السلام الحمد ، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني تعليمه ، وأنشد الحسين عليه السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرا قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما تولت

[ قوموا إلى منزلي ]

ومن تواضعه عليه السلام : أنه مرّ بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء ، فسلم عليهم ، فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ، ثم قال : قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم .

ص: 22


1- بيان : قوله : عصا لعل العصا كناية عن الإمارة والحكم قال الجوهري : قولهم لا ترفع عصاك عن أهلك يراد به الأدب وإنه لضعيف العصا أي الترعية ويقال أيضا إنه للين العصا أي رفيق حسن السياسة لما ولي انتهى أي لو كان لنا في سيرنا في هذه الغداة ولاية وحكم أو قوة لامست يد عطائنا عليك صابة والسماء كناية عن يد الجود والعطاء والاندفاق الانصباب وريب الزمان حوادثه وغير الدهر كعنب أحداثه أي حوادث الزمان تغير الأمور قوله كيف يأكل التراب جودك أي كيف تموت وتبيت تحت التراب فتمحى وتذهب جودك .

[ فصر إليّ حتى تترضاني!! ]

وحدث الصولي عن الصادق عليه السلام في خبر : أنه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام ، فكتب ابن الحنفية إلى الحسين عليه السلام : أما بعد؛ يا أخي فإن أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ولو كان مل ء الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك ، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فإنك أحق بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ففعل الحسين عليه السلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(1) .

[ الضيعة لك يا وليد ]

4 - المناقب لابن شهرآشوب : ومن شجاعته عليه السلام : أنه كان بين الحسين عليه السلام وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة ، فتناول الحسين عليه السلام عمامة الوليد عن رأسه وشدها في عنقه وهو يومئذ وال على المدينة ، فقال مروان : بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره! فقال الوليد : والله ما قلت هذا غضبا لي ، ولكنك حسدتني على حلمي عنه ، وإنما كانت الضيعة له ، فقال الحسين : الضيعة لك يا وليد وقام .

[ موت في عزّ خير من حياة في ذلّ ]

وقيل له يوم الطف : أنزل على حكم بني عمك ، قال : لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد ، ثم نادى يا عباد الله « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّيوَرَبِّكُمْ مِنْ

كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُومِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ » .

وقال عليه السلام : موت في عز خير من حياة في ذل ، وأنشأ عليه السلام يوم قتل :

ص: 23


1- بيان : بأمك أي بفضلها .

الموت خير من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

والله ما هذا وهذا جاري

ابن نباتة :

الحسين الذي رأى القتل في العز

حياة والعيش في الذل قتلا

الحلية : لما نزل القوم بالحسين وأيقن أنهم قاتلوه قال لأصحابه : قد نزل ما ترون من الأمر ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت ، حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء ، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المون في لقاء الله ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ، وأنشأ متمثلا لما قصد الطف :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى خيرا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مذموما وخالف مجرما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لنلقى خميسا في الهياج عرمرما

فإن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش فترغما(1)

[ لا يأمن يوم القيامة إلاّ من خاف اللّه ]

5 - المناقب لابن شهرآشوب : ومن زهده عليه السلام : أنه قيل له : ما أعظم خوفك من ربك ؟! قال : لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا .

ص: 24


1- توضيح : الصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء والوبلة بالتحريك الثقل والوخامة وقد وبل المرتع بالضم وبلا وبالا فهو وبيل أي وخيم ذكره الجوهري والبرم بالتحريك السامة والملال والخميس الجيش لأنهم خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساق ويوم الهياج يوم القتال والعرمرم الجيش الكثير وعرام الجيش كثرته .

قال أبو عمير : لقد حج الحسين بن علي عليه السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه .

عيون المحاسن : أنه سائر أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثم قال : اذهب عني ، قال أنس : فاستخفيت عنه ، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا :

يا ربّ يا ربّ أنت مولاه

فارحم عبيدا إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي

طوبى لمن كنت أنت مولاه

طوبى لمن كان خادما أرقا

يشكو إلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم

أكثر من حبه لمولاه

إذا اشتكى بثه وغصته

أجابه الله ثم لباه

إذا ابتلا بالظلام مبتهلا

أكرمه الله ثم أدناه

فنودي :

لبيك عبدي وأنت في كنفي

وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب

فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبت الريح من جوانبه

خر صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب

ولا حساب إني أنا الله(1)

6 - المناقب لابن شهرآشوب :وله عليه السلام :

يا أهل لذة دنيا لا بقاء لها

إن اغترارا بظل زائل حمق

ص: 25


1- بيان: الأرق بكسر الراء من يسهر بالليل قوله قد سفرناه أي حسبك إنا كشفنا السترعنك قوله لو هبت الريح من جوانبه الضمير إما راجع إلى الدعاء كناية عن أنه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من أنوار الجلال ويحتمل إرجاعه إليه عليه السلام على سبيل الالتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت ريح لأسقطته .

ويروى للحسين عليه السلام :

سبقت العالمين إلى المعالي

بحسن خليقة وعلو همه

ولاح بحكمتي نور الهدى في

ليال في الضلالة مدلهمه

يريد الجاحدون ليطفئوه

ويأبى الله إلا أن يتمه

[ أحار الحسين التكبير في السابعة ]

7 - المناقب لابن شهرآشوب : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين ، فكبر رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يحر الحسين التكبير ، ثم كبر رسول الله فلم يحر الحسين التكبير ، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه و آله يكبر ويعالج الحسين التكبير فلم يحر ، حتى أكمل رسول الله صلى الله عليه و آله سبع تكبيرات فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة .

فقال أبو عبد الله عليه السلام فصارت سنة .

[ إدخال السرور في قلب المؤمن ]

وروي عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال : صح عندي قول النبي صلى الله عليه و آله : أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المون بما لا إثم فيه فإني رأيت غلاما يوكل كلبا فقلت له في ذلك فقال : يا ابن رسول الله إني مغموم أطلب سرورا بسروره لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه فأتى الحسين إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له فقال اليهودي : الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له ورددت عليك المال فقال عليه السلام : وأنا قد وهبت لك المال، قال : قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الحسين عليه السلام : أعتقت الغلام ووهبته له جميعا فقالت امرأته : قد أسلمت ووهبت زوجي مهري فقال اليهودي : وأنا أيضا أسلمت وأعطيتها هذه الدار .

ص: 26

[ نور وجه الحسين ]

الترمذي في الجامع : كان ابن زياد يدخل قضيبا في أنف الحسين عليه السلام ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حسنا ، فقال أنس : إنه أشبههم برسول الله صلى الله عليه و آله .

وروي : أن الحسين عليه السلام كان يقعد في المكان المظلم فيهتدي إليه ببياض جبينه ونحره .

[ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ]

8 - كشف الغمة : قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ؟! قال : كذا أدبنا الله قال الله : « وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها » ، وكان أحسن منها عتقها .

[ تحفة الصائم ]

9 - كشف الغمة : ودعاه عبد الله بن الزبير وأصحابه ، فأكلوا ولم يأكل

الحسين عليه السلام ، فقيل له : ألا تأكل ؟ قال

: إني صائم ، ولكن تحفة الصائم ، قيل : وما هي ؟ قال : الدهن والمجمر .

[ واللّه يحبّ المحسنين ]

وجنى غلام له جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب ، فقال : يا مولاي « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » ، قال : خلوا عنه ، فقال : يا مولاي « وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ » ، قال : قد عفوت عنك ، قال : يا مولاي « وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » ، قال : أنت حر لوجه الله ، ولك ضعف ما كنت أعطيك .

ص: 27

[ لقاء الفرزدق والحسين ]

وقال الفرزدق : لقيني الحسين عليه السلام في منصرفي من الكوفة ، فقال : ما وراك يا ابا فراس ؟ قلت : أصدقك ؟ قال : الصدق أريد ، قلت : أما القلوب فمعك ، وأما السيوف فمع بني أمية ، والنصر من عند الله ، قال : ما أراك إلا صدقت الناس عبيد المال ، والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم ، فإذا محصوا للابتلاء قل الديانون .

وقال عليه السلام : من أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخا مستفادا ، ومجالسة العلماء .

وكان عليه السلام يرتجز يوم قتل عليه السلام ويقول :

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

[ كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ]

وقال عليه السلام : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سولك فأكرم وجهك عن رده .

10 - فلاح السائل : ذكر ابن عبد ربّه في كتاب العقد : أنه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة .

[ اللّه أعلم حيث يجعل رسالته ]

11 - أخطب خوارزم في كتاب له في مقتل آل الرسول : أن أعرابيا جاء إلى

الحسين بن علي عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائه ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم الناس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 28

فقال الحسين : يا أخا العرب ، أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل .

فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله أ مثلك يسأل عن مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف ؟ فقال الحسين عليه السلام : بلى سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا لك ، فإن أجبت وإلا تعلمت منك ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ .

فقال الحسين عليه السلام : أي الأعمال أفضل ؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله .

فقال الحسين عليه السلام : فما النجاة من المهلكة ؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله .

فقال الحسين عليه السلام : فما يزين الرجل ؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : مال معه مروءة .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : فقر معه صبر .

فقال الحسين عليه السلام : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه ، فإنه أهل لذلك .

فضحك الحسين عليه السلام ورمى بصرة إليه فيه ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي وقال : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » الآية .

[ يا عمر إنّ البيض يمرقن ]

12 - عن أبي سلمة قال : حججت مع عمر بن الخطاب ، فلما صرنا بالأبطح فإذا بأعرابي قد أقبل علينا ، فقال : يا أمير المونين إني خرجت وأنا حاج محرم ، فأصبت بيض النعام ، فاجتنيت وشويت وأكلت ، فما يجب علي ؟ قال : ما يحضرني في ذلك شيء ، فاجلس لعل الله يفرج عنك ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه و آله .

ص: 29

فإذا أمير المونين عليه السلام قد أقبل والحسين عليه السلام يتلوه ، فقال عمر : يا أعرابي هذا

علي بن أبي طالب عليه السلام فدونك ومسألتك ، فقام الأعرابي وسأله ، فقال علي عليه السلام : يا أعرابي سل هذا الغلام عندك يعني الحسين .

فقال الأعرابي : إنما يحيلني كل واحد منكم على الآخر ، فأشار الناس إليه : ويحك هذا ابن رسول الله فاسأله ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله إني خرجت من بيتي حاجا وقص عليه القصة ، فقال له الحسين : ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : خذ بعدد

البيض الذي أصبت نوقا فاضربها بالفحولة ، فما فصلت فاهدها إلى بيت الله الحرام .

فقال عمر : يا حسين النوق يزلقن ، فقال الحسين : يا عمر إن البيض يمرقن ، فقال : صدقت وبررت ، فقام علي عليه السلام وضمه إلى صدره وقال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » .

[ كلّ الكبر للّه وحده ]

13 - كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة : قال رجل للحسين عليه السلام : إن فيك كبرا فقال : كل الكبر لله وحده ، ولا يكون في غيره ، قال الله - تعالى - : « وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُومِنِينَ » .

[ لم يرضع الحسين من أنثى ]

14 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لم يرضع الحسين من فاطمة عليهاالسلام ولا من أنثى ، كان يوى به النبي صلى الله عليه و آله فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث ، فنبت لحما للحسين عليه السلام من لحم رسول الله ودمه ، ولم يولد لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم والحسين بن علي عليه السلام .

وفي رواية أخرى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : أن النبي كان يوى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه ، فيجتزئ به ولم يرضع من أنثى .

ص: 30

[ تاريخ ولادته عليه السلام ومدة خلافته وذكر بعض من استشهد معه ]

15 - المناقب لابن شهرآشوب : ولد الحسين عليه السلام عام الخندق بالمدينة يوم الخميس ، أو يوم الثلاثاء ، لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما .

وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر .

عاش مع جده ستة سنين وأشهرا ، وقد كمل عمره خمسين ، ويقال : كان عمره سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر ، ويقال : ست وخمسون سنة وخمسة أشهر ، ويقال : ثمان وخمسون .

ومدة خلافته خمس سنين وأشهر ، في آخر ملك معاوية وأول ملك يزيد .

قتله عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، واجتز رأسه سنان بن أنس النخعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، وسلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وأمير الجيش عبيد الله بن زياد ، وجه به يزيد بن معاوية .

ومضى قتيلا يوم عاشوراء ، وهو يوم السبت ، العاشر من المحرم ، قبل الزوال ، ويقال : يوم الجمعة بعد صلاة الظهر ، وقيل : يوم الإثنين بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين بالعراق ، سنة ستين من الهجرة ، ويقال : سنة إحدى وستين .

ودفن بكربلاء من غربي الفرات .

قال الشيخ المفيد : فأما أصحاب الحسين عليه السلام ، فإنهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثا ، والحائر محيط بهم .

وذكر المرتضى في بعض مسائله : أن رأس الحسين عليه السلام رد إلى بدنه بكربلاء من الشام وضم إليه .

وقال الطوسي : ومنه زيارة الأربعين .

ص: 31

وروى الكليني في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : أنه مدفون بجنب أمير المونين ، والأخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق عليه السلام :أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المونين عليه السلام .

ومن أصحابه عبد الله بن يقطر رضيعه ، وكان رسوله ، رمي به من فوق القصر بالكوفة ، وأنس بن الحارث الكاهلي ، وأسعد الشامي عمرو بن ضبيعة رميث بن عمر ، وزيد بن معقل ، عبد الله بن عبد ربّه الخزرجي ، سيف بن مالك ، شبيب بن عبد الله النهشلي ، ضرغامة بن مالك ، عقبة بن سمعان ، عبد الله بن سليمان ، المنهال

بن عمرو الأسدي ، الحجاج بن مالك ، بشر بن غالب ، عمران بن عبد الله الخزاعي .

16 - أقول : قال أبو الفرج في المقاتل : كان مولده عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين ، وله ست وخمسون سنة وشهور ، وقيل : قتل يوم السبت ، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، والذي ذكرناه أولا أصح .

فأما ما تقوله العامة من أنه قتل يوم الإثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية ، وكان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء ، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات ، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الإثنين .

قال أبو الفرج : وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية .

وروى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عليه السلام : أن الحسين بن علي عليه السلام قتل وله ثمان وخمسون سنة .

17 - الإختصاص : أصحاب الحسين عليه السلام جميع من استشهد معه ، ومن أصحاب أمير المونين عليه السلام : حبيب بن مظهر ، ميثم التمار ، رشيد الهجري ، سليم بن قيس الهلالي ، أبو صادق ، أبو سعيد عقيصا .

18 - إعلام الورى : ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، وقيل : لخمس خلون منه ، سنة أربع من الهجرة ، وقيل : ولد آخر

ص: 32

شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وعاش سبعا وخمسين سنة وخمسة أشهر ، كان مع رسول الله صلى الله عليه و آله سبع سنين ، ومع أمير المونين عليه السلام سبعا وثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعا وأربعين سنة ، وكانت مدة خلافته عشر سنين وأشهرا .

19- كشف الغمة : قال كمال الدين بن طلحة : ولد عليه السلام بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، علقت البتول عليهاالسلام به بعد أن ولدت أخاه الحسن عليه السلام

بخمسين ليلة ، وكذلك قال الحافظ الجنابذي .

وقال كمال الدين : كان انتقاله إلى دار الآخرة في سنة إحدى وستين من الهجرة ، فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا ، كان منها مع جده رسول الله صلى الله عليه و آلهست سنين وشهورا ، وكان مع أبيه أمير المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه عليه السلام عشر سنين ، وبقي بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام إلى وقت مقتله عشر سنين .

وقال ابن الخشاب : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : مضى أبو عبد الله الحسين بن علي ، أمه فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين ، وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء ، كان مقامه مع جده رسول الله صلى الله عليه و آله سبع سنين إلا ما كان بينه وبين أبي محمد ، وهو سبعة أشهر وعشرة أيام ، وأقام مع أبيه عليه السلام ثلاثين سنة ، وأقام مع أبي محمد عشر سنين ، وأقام بعد مضي أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين ، فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه وبين أخيه من الحمل ، وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين ، ويقال : في يوم عاشوراء يوم الإثنين ، وكان بقاو بعد أخيه الحسن عليه السلام إحدى عشرة سنة .

وقال الحافظ عبد العزيز : الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر .

ص: 33

أقول : الأشهر في ولادته صلوات الله عليه أنه ولد لثلاث خلون من شعبان؛ لما

رواه الشيخ في المصباح : أنه خرج إلى القاسم بن العلا الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام : أن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصم وادع فيه بهذا الدعاء ، وذكر الدعاء.

ثم قال رحمه الله بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين : قال ابن عياش : سمعت الحسين بن علي البزوفري يقول : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يدعو به في هذا اليوم ، وقال : هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان ، وهو مولد الحسين عليه السلام .

وقيل : إنه عليه السلام ولد لخمس ليال خلون من شعبان ، لما رواه الشيخ أيضا في المصباح ، عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : ولد الحسين بن علي عليه السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع خلون من الهجرة .

وقال رحمه الله في التهذيب : ولد عليه السلام آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة.

وقال الكليني قدس الله روحه : ولد

عليه السلام سنة ثلاث.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس : ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان.

وقال المفيد : لخمس خلون من شعبان سنة أربع.

وقال الشيخ ابن نما في مثير الأحزان : ولد عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، وقيل : الثالث منه ، وقيل : أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث ، وقيل : لخمس خلون من جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة ، وكانت مدة حمله ستة أشهر ، ولم يولد لستة سواه وعيسى ، وقيل : يحيى عليه السلام .

وأقول : إنما اختار الشيخ رحمه الله كون ولادته

عليه السلام في آخر شهر ربيع الأول مع مخالفته لما رواه من الروايتين السالفتين اللتين تدلان على الثالث ، والرواية الأخرى

التي تدل على الخامس من شعبان؛ ليوافق ما ثبت عنده واشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن عليه السلام في منتصف شهر رمضان ، وما مر في الرواية الصحيحة في

ص: 34

باب ولادتهما عليهماالسلام من أن بين ولادتيهما لم يكن إلا ستة أشهر وعشرا ، لكن مع ورود هذه الأخبار يمكن عدم القول بكون ولادة الحسن عليه السلام في شهر رمضان لعدم استناده إلى خبر على ما عثرنا عليه ، والله يعلم .

[ الحسين يصلّي على منافق ويلعنه ]

20 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات ، فخرج الحسين

بن علي عليه السلام يمشي معه ، فلقيه مولى له ، فقال له الحسين : أين تذهب يا فلان ؟ قال : فقال له مولاه : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها ، فقال له الحسين عليه السلام : انظر أن تقوم على يميني ، فما تسمعني أقول فقل مثله .

فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مولفة غير مختلفة ، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك .

[ الحسين يبيّن سنّة النبي ]

21 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين بن علي عليه السلام جالسا ، فمرت عليه جنازة ، فقام الناس حين طلعت الجنازة ، فقال الحسين عليه السلام : مرت جنازة يهودي فكان رسول الله صلى الله عليه و آله على طريقها جالسا ، فكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك .

[ خرج الحسين معتمرا فمرض ]

22 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي صلوات الله عليه

رج معتمرا فمرض في الطريق ، فبلغ عليا عليه السلام ذلك وهو في المدينة ، فخرج في

ص: 35

طلبه فأدركه بالسقيا ، وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي ؟ فقال : أشتكي رأسي ، فدعا علي عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برأ من وجعه اعتمر .

[ قتل الحسين وهو مختضب ]

23 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خضب الحسين عليه السلام بالحناء والكتم .

24 - الكافي : قال أبو عبد الله عليه السلام : قتل الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة .

ص: 36

باب 27 :احتجاجه صلوات الله عليه على معاوية وأوليائه لعنهم الله

اشارة

وما جرى بينه وبينهم

[ خطبة الحسين أمام معاوية ]

1 - المناقب لابن شهرآشوب والإحتجاج : عن موسى بن عقبة أنه قال : لقد قيل لمعاوية : إن الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين عليه السلام ، فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخطب فإن فيه حصرا وفي لسانه كلالة ، فقال لهم معاوية : قد ظننا ذلك بالحسن ، فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا ، فلم يزالوا به حتى قال للحسين عليه السلام : يا با عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت .

فصعد الحسين عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم صلى على النبي صلى الله عليه و آله ، فسمع رجلا يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فقال الحسين عليه السلام :

نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون ،وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله - تبارك وتعالى - الذي فيه تفصيل كل شيء « لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » ، والمعول علينا في تفسيره ، ولا يبطئنا تأويله ، بل نتبع حقائقه .

ص: 37

فأطيعونا ، فإن طاعتنا مفروضة ، إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة ، قال الله - عزّ وجلّ - : « أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ » ، وقال : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه ِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً » .

واحذركم الاصغاء إلى هتوف الشيطان بكم ، فإنه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : « لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ » ، فتلقون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، ولسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس إيمانها « لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً » .

قال معاوية : حسبك يا أبا عبد الله فقد أبلغت(1) .

[ الإمام يواجه مروان ]

2 - المناقب لابن شهرآشوب والإحتجاج : قال مروان بن الحكم يوما للحسين

بن علي عليه السلام : لو لا فخركم بفاطمة بما كنتم تفتخرون علينا ؟ فوثب الحسين عليه السلام ، وكان عليه السلام شديد القبضة ، فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه ، وأقبل الحسين عليه السلام على جماعة من قريش فقال : أنشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت ، أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله مني ومن أخي ؟ أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي ؟ قالوا : لا قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون بن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 38


1- بيان : الضرب بالتحريك المضروب والورد بالتحريك أي ما ترد عليه الرماح وقد مر مثله في خطبة الحسن عليه السلام .

والله ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداو عن منكبك .

قال: فو الله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب، فانتقض وسقط رداؤه عن عاتقه.

3 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخل مروان بن الحكم المدينة ، فاستلقى على السرير ، وثم مولى للحسين عليه السلام ، فقال « رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ » ، قال : فقال الحسين لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل ؟ قال : استلقى على السرير فقرأ « رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ » إلى قوله « الْحاسِبِينَ » .

قال : فقال الحسين عليه السلام : نعم والله رددت أنا وأصحابي إلى الجنة ، ورد هو وأصحابه إلى النار .

4 - المناقب لابن شهرآشوب : خطب الحسن عليه السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : أزوجها عبد الله بن الزبير .

ثم إن معاوية كتب إلى مروان ، وهو عامله على الحجاز ، يأمره أن يخطب أُم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، فأتى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك ، فقال عبد الله : إن أمرها ليس إليّ إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه السلام ، وهو خالها ، فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله - تعالى - ، اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .

فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام وعنده من الجلة وقال : إن أمير المونين أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها

حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم أن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفو من لا كفو له ، وبوجهه يستسقى الغمام ، فرد خيرا يا أبا عبد الله .

فقال الحسين عليه السلام : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .. إلى آخر كلامه .

ص: 39

ثم قال : يا مروان ، قد قلت فسمعنا ، أما قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه و آله في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو

ثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما ، وأما قولك مع قضاء دين أبيها ، فمتى كن نساوا يقضين عنا ديوننا ، وأما صلح ما بين هذين الحيين فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيا النسب فكيف السبب ، وأما قولك العجب ليزيد كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أبي يزيد ومن جد يزيد ، وأما قولك إن يزيد كفو من لا كفو له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ، وأما قولك بوجهه يستسقى الغمام ، فإنما كان ذلك بوجه رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأما قولك من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل .

ثم قال بعد كلام : فاشهدوا جميعا أني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة - أو قال : أرضي بالعقيق - وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ،

ففيها لهما غنى إن شاء الله .

قال : فتغير وجه مروان وقال : غدرا يا بني هاشم تأبون إلا العداوة ، فذكره الحسين عليه السلام خطبة الحسن عائشة وفعله ، ثم قال : فأين موضع الغدر يا مروان ، فقال مروان : أردنا صهركم لنجد ودا قد أخلقه به حدث الزمان ، فلما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنآن .

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم : أماط الله منهم كل رجس وطهرهم بذلك فيالمثاني فما لهم سواهم من نظير ولا كفو هناك ولا مداني أتجعل كل جبار عنيد إلى الأخيار من أهل الجنان .

ثم إنه كان الحسين عليه السلام تزوج بعائشة بنت عثمان(1) .

ص: 40


1- بيان : قال الجوهري : مشيخة جلة أي مسان وقال : باح بسره أظهره والشنآن بفتح النون وسكونها العداوة .

[ الإمام يرد على عمرو بن العاص ]

5 - المناقب لابن شهرآشوب : قال عمرو بن العاص للحسين عليه السلام : ما بال أولادنا أكثر من أولادكم ؟ فقال عليه السلام :

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأم الصقر مقلات نزور

فقال : ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم ؟

فقال عليه السلام : إن نساءكم نساء بخرة ، فإذا دنا أحدكم من امرأته نهكنه في وجهه فشاب منه شاربه .

فقال : ما بال لحائكم أوفر من لحائنا ؟

فقال عليه السلام :« وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً » .

فقال معاوية : بحقي عليك إلا سكت فإنه ابن علي بن أبي طالب .

فقال عليه السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت

أن لا لها دنيا ولا آخرة(1)

ص: 41


1- إيضاح : قال الجوهري ابن السكيت البغاث طائر أبغث إلى الغبرة دوين الرخمة بطيء الطيران وقال الفراء بغاث الطير شرارها وما لا يصيد منها وبغاث وبغاث وبغاث ثلاث لغات . قوله مقلات لعله من القلى بمعنى البغض أي لا تحب الولد ولا تحب زوجها لتكثر الولد أو من قولهم قلا العير أتنه يقلوها قلوا إذا طردها والصواب أنه من قلت قال الجوهري المقلات من النوق التي تضع واحدا ثم لا تحمل بعدها والمقلات من النساء التي لا يعيش لها ولد . وقال النزور المرأة القليلة الولد ثم استشهد بهذا الشعر . ويقال نهكته الحمى إذا جهدته وأضنته ونهكه أي بالغ في عقوبته والأصوب نكهته قال الجوهري استنكهت الرجل فنكه في وجهي ينكه وينكه نكها إذا أمرته بأن ينكه لتعلم أم شارب هو أم غير شارب .

[ يا معاوية أعطيتني من حق الحسين ]

6 - المناقب لابن شهر آشوب : يقال : دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة ، فأمسك وتشاغل بالحسين عليه السلام ، فقال الأعرابي لبعض من حضر : من هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي ، فقال الأعرابي للحسين عليه السلام : أسألك يا ابن بنت رسول الله لما كلمته في حاجتي ، فكلمه الحسين عليه السلام في ذلك فقضى حاجته .

فقال الأعرابي :

أتيت العبشمي فلم يجد لي

إلى أن هزه ابن الرسول

هو ابن المصطفى كرما وجودا

ومن بطن المطهرة البتول

وإن لهاشم فضلا عليكم

كما فضل الربيع على المحول

فقال معاوية : يا أعرابي أعطيك وتمدحه ؟ فقال الأعرابي : يا معاوية أعطيتنيمن حقه وقضيت حاجتي بقوله .

[ معاوية يستشير مروان وسعيد في أمر الحسين ]

العقد عن الأندلسي : دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر علي في الحسين ، فقال : أرى أن تخرجه معك إلى الشام وتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، فقال : أردت والله أن تستريح منه وتبتليني به ، فإن صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وإن أسأت إليه قطعت رحمه ، فأقامه وبعث إلى سعيد بن العاص ، فقال له : يا أبا عثمان أشر علي في الحسين ، فقال : إنك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك ، وإنك لتخلف له قرنا إن صارعه ليصرعنه ، وإن سابقه ليسبقنه ، فذر الحسين بمنبت النخلة يشرب الماء ويصعد في الهواء ولا يبلغ إلى السماء(1) .

ص: 42


1- بيان : قوله يشرب الماء الظاهر أنه صفة النخلة أي كما أن النخلة في تلك البلاد تشرب الماء وتصعد في الهواء وكلما صعدت لا تبلغ السماء فكذلك هو كلما تمنى وطلب الرفعة لا يصل إلى شيء ويحتمل أن يكون الضمائر راجعة إليه صلوات الله عليه .

[ الحسين يواجه مروان ]

7 - تفسير فرات : لما كان مروان على المدينة خطب الناس ، فوقع في أمير

المونين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما نزل عن المنبر أتى الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام ، فقيل له : إن مروان قد وقع في علي ...

قال : فقام الحسين مغضبا حتى دخل على مروان فقال له : يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة القمل ، أنت الواقع في علي ؟! قال له مروان : إنك صبي لا عقل لك ، قال : فقال

له الحسين : ألا أخبرك بما فيك وفي أصحابك ، وفي علي ، فإن الله - تعالى - يقول : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » فذلك لعلي وشيعته « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ » ، فبشر بذلك النبي العربي لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام . 0

8 - الكافي : عن عبد الرحمن العرزمي قال : استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : فأتيته ، فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن الحسين ، فقال : ما اسم أخيك ؟ فقلت : علي ، فقال : علي وعلي ، ما يريد أبوك أن يدع أحدا من ولده إلاّ سماه عليا ؟! .

ثم فرض لي ، فرجعت إلى أبي عليه السلام فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمي أحدا منهم إلا عليا(1) .

ص: 43


1- بيان : ويلي على ابن الزرقاء أي ويل وعذاب وشدة مني عليه قال الجوهري : ويل كلمة مثل ويح إلا أنها كلمة عذاب يقال : ويله ووليك وويلي وفي الندبة ويلاه قال الأعشى : ويلي عليك وويلي منك يا رجل .

[ الحسين يكتب إلى معاوية يردّ عليه ويفضحه ]

9 - رجال الكشي : روي أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية ، وهو عامله

على المدينة :

أما بعد؛ فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي ، وذكر أنه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك ، فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إلي برأيك في هذا ، والسلام .

فكتب إليه معاوية : أما بعد؛ فقد بلغني وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فإياك أن تعرض للحسين في شيء ، واترك حسينا ما تركك ، فإنا لا نريد أن نعرض له في شيء ما وفى بيعتنا ، ولم ينازعنا سلطاننا ، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته ، والسلام .

وكتب معاوية إلى الحسين بن علي عليه السلام : أما بعد؛ فقد انتهت إلي أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة ، فدعها ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، فإن كان الذي بلغني باطلا فإنك أنت أعزل الناس لذلك ، وعظ نفسك فاذكر وبعهد الله أوف ، فإنك متى ما تنكرني أنكرك ، ومتى ما تكدني أكدك ، فاتق شق عصا هذه الأمة ، وأن يردهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ، ولا يستخفنك السفهاء والذين لا يعلمون .

فلما وصل الكتاب إلى الحسين صلوات الله عليه كتب إليه : أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله .

وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وايم الله إني لخائف لله في ترك ذلك ،

وما أظن الله راضيا بترك ذلك ،ولا عاذرا بدون الإعذار فيه إليك ، وفي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين .

ص: 44

ألست القاتل حجرا أخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع « وَلا يَخافُونَ في الله لَوْمَةَ لائِمٍ » ، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المودة ، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة تجدها في نفسك .

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله العبد الصالح الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه وصفرت لونه ، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد .

أو لست المدعي زياد ابن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله ، ثم سلطته على العراقين يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك ؟

أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه ، فكتبت إليه أن اقتل كل من كان على دين علي ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ، ودين علي عليه السلام والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين .

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ، واتق شق عصا هذه الأمة ، وأن تردهم إلى فتنة ، وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه و آلهعلينا أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقه لإرشاد أمري .

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني فكدني ، ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك في ، وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك؛

ص: 45

لأنك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هواء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم

فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا .

فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أن لله - تعالى - كتابا « لا

يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها » ، وليس الله بناس لأخذك بالظنة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب ، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخزيت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي لأجلهم ، والسلام .

فلما قرأ معاوية الكتاب قال : لقد كان في نفسه ضب ما أشعر به ، فقال يزيد :يا أمير المونين أجبه جوابا يصغر إليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشر فعله .

قال : ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين ؟ قال : وما هو ؟ قال : فأقرئه الكتاب ، فقال : وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر

إليه نفسه ، وإنما قال ذلك في هوى معاوية ، فقال يزيد : كيف رأيت يا أمير المونين رأيي ، فضحك معاوية فقال : أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك ، قال عبد الله : فقد أصاب يزيد ، فقال معاوية : أخطأتما أرأيتما لو إني ذهبت لعيب علي محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف!! ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه ، ولا يراه الناس شيئا وكذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا ، وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ، ثم رأيت أن لا أفعل ولا أمحكه .

ص: 46

باب 28 :الآيات المولة لشهادته صلوات الله عليه

وأنه يطلب الله بثأره

1 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الآية « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أَيْدِيَكُمْ » مع الحسن « وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ... فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ »

مع الحسين « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » إلى خروج القائم عليه السلام فإن معه النصر والظفر قال الله : « قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ

خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى » الآية .

2 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : والله الذي صنعه الحسن بن علي عليه السلام كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » إنما هي طاعة الإمام فطلبوا القتال « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ » مع الحسين « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ » وقوله « رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ

دَعْوَتَك وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ » أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه السلام .

3 - تفسير العياشي : الحلبي عنه عليه السلام « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » قال : يعني ألسنتكم .

ص: 47

وفي رواية العطار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ »قال : نزلت في الحسن بن علي عليه السلام أمره الله بالكف .

قال : قلت : « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ » قال : نزلت في الحسين بن علي ، كتب الله

عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه .

4 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو قاتل معه أهل الأرض لقتلوا كلهم .

5 - تفسير العياشي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : قتل النفس التي حرم الله ، فقد قتلوا الحسين في أهل بيته .

6 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في الحسين « وَمَنْ

قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قاتل الحسين « إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » قال : الحسين عليه السلام .

7 - تفسير العياشي : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً » قال : هو الحسين بن علي عليه السلام قتل مظلوما ونحن أولياو ، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين عليه السلام فيقتل حتى يقال : قد أسرف في القتل .

وقال : المقتول الحسين ووليه القائم والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله « إِنَّهُ

كانَ مَنْصُوراً » ، فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله عليهم

الصلاة والسلام يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .

8 - كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة : قال أبو عبد الله عليه السلام : اقرو سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي عليه السلام ، وارغبوا فيها رحمكم الله - تعالى - .

فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس : وكيف صارت هذه السورة للحسين عليه السلام

خاصة ؟ فقال : ألا تسمع إلى قوله - تعالى - « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ »الآية إنما يعني

الحسين بن علي عليه السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية وأصحابه من

ص: 48

آل محمد صلى الله عليه و آلههم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راض عنهم ، وهذه السورة في الحسين بن علي عليه السلام وشيعته وشيعة آل محمد خاصة ، من أدمن قراءة والفجر كان مع الحسين بن علي عليه السلام في درجته في الجنة « إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » .

9 - تفسير فرات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله « الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ » قال : نزل في علي وجعفر وحمزة وجرت في

الحسين بن علي عليه السلام والتحية والإكرام .

10 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » قال : نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا(1) .

11 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي » يعني الحسين بن علي عليه السلام .

12 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله - عزّ وجلّ - « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » قال : حسب فرأى ما يحل بالحسين عليه السلام فقال : إني سقيم لما يحل بالحسين عليه السلام .

13 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله - عزّ وجلّ - « وَإِذَا الْمَوْودَهُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » قال : نزلت في الحسين بن علي عليه السلام .

14 - كتاب النوادر : عن الحسن بن زياد العطار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ » قال : نزلت في الحسن بن علي عليه السلام أمره الله بالكف .

ص: 49


1- بيان : فيه إيماء إلى أنه كان في قراءتهم عليهم السلام « فَلا يُسْرِفْ » بالضم ويحتمل أن يكون المعنى أن السرف ليس من جهة الكثرة فلو شرك جميع أهل الأرض في دمه أو رضوا به لم يكن قتلهم سرفا وإنما السرف أن يقتل من لم يكن كذلك وإنما نهي عن ذلك .

قال : قلت : « فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ »قال : نزلت في الحسين بن علي عليه السلام كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه .

ورواه بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام وقال : لو قاتل معه أهل الأرض كلهم لقتلوا كلهم(1) .

ص: 50


1- أقول : سيأتي الأخبار المناسبة للباب في باب علة تأخير العذاب عن قتلته عليه السلام .

باب 29 :ما عوضه الله صلوات الله عليه بشهادته

1 - الأمالي للطوسي: عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد عليهماالسلام

يقولان: إن الله - تعالى - عوض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره .

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : هذه الخلال تنال بالحسين عليه السلام ، فما له في نفسه ؟ قال : إن الله - تعالى - ألحقه بالنبي فكان معه في درجته ومنزلته ، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » الآية .

2 - إكمال الدين : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام

أخبرها أبوها صلى الله عليه و آله أن أمته ستقتله من بعده ، قالت : فلا حاجة لي فيه ، فقال :إن الله - عزّ وجلّ - قد أخبرني أنه يجعل الأئمة من ولده ، قالت : قد رضيت يا رسول الله .

3 - إكمال الدين : قال أبو عبد الله عليه السلام : لما أن علقت فاطمة بالحسين عليه السلام قال لهارسول الله صلى الله عليه و آله : إن الله - عزّ وجلّ - وهب لك غلاما اسمه الحسين يقتله أمتي ، قالت : لا حاجة لي فيه ، فقال : إن الله - عزّ وجلّ - قد وعدني فيه عدة ، قالت : وما وعدك ؟ قال : وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده ، فقالت : رضيت(1) .

ص: 51


1- أقول : الأخبار في ذلك موردة في غير هذا الباب لا سيما باب ولادته عليه الصلاة والسلام .

باب 30 :إخبار الله - تعالى - أنبياءه ونبينا صلى الله عليه و آله بشهادته

اشارة

[ تأويل كهيعص وبكاء زكريا على الحسين ]

1 - الإحتجاج : سعد بن عبد الله قال : سألت القائم عليه السلام عن تأويل « كهيعص »

قال عليه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد عليه وآله السلام وذلك أن زكريا سأل الله ربّه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليه السلام

سري عنه همه وانجلى كربه وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال عليه السلام ذات يوم إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله - تبارك وتعالى - عن قصته فقال « كهيعص » فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه والصاد صبره .

فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟

إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ .

ص: 52

ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده فرزقه الله يحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك الخبر(1) .

[ إخبار كعب الاحبار ]

2 - الأمالي للصدوق : عن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين ، فمر بنا الحسن عليه السلام ، فقلنا : هو هذا ؟ قال : لا ، فمر بنا الحسين ، فقلنا : هو هذا ؟ قال : نعم .

[ كتب هذا قبل أن يبعث النبي بثلاثمائة سنة ]

3 - الأمالي للصدوق : عن إمام لبني سليم عن أشياخ لهم قالوا : غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم ، فوجدنا فيها مكتوبا :

أيرجو معشر قتلوا حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم ؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام .

4 - قال جعفر بن نما في مثير الأحزان : روى عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر! فسألته

عن السبب ، فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلاء على دير للنصارى ، والرأس

ص: 53


1- بيان : سري عنه همه بضم السين وكسر الراء المشددة انكشف والبهرة بالضم تتابع النفس وزفر أخرج نفسه بعد مده إياه والزفرة ويضم التنفس كذلك .

مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل ، إذا بكف على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت ، فعاد أصحابي .

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت :

وذكر في كتاب الياقوت : قال عبد الله بن الصفار : غزونا غزاة وسبينا سبيا وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ، فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفرا قبل أن يبعث محمد العربي بثلاثمائة سنة ، فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند هذا البيت :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

والمسند كلام أولاد شيث عليه السلام .

[ تربة الحسين أمانة عند أم سلمة ]

5 - الأمالي للصدوق : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان النبي صلى الله عليه و آلهفي بيت أم سلمة فقال لها : لا يدخل على أحد ، فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل ، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي ، فدخلت أم سلمة على أثره ، فإذا الحسين على صدره ، وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شيء يقلبه .

فقال النبي يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك ، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله سل الله أن يدفع ذلك عنه ، قال : قد فعلت ، فأوحى الله - عزّ وجلّ -

ص: 54

إلي أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون ، وأن المهدي من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين ، وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة .

[ بكاء إبراهيم على الحسين ]

6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الفضل قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : لما أمر الله - عزّ وجلّ - إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده ، وأنه لم يور بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده ، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب .

فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه : يا إبراهيم ، من أحب خلقي إليك ؟ فقال : يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد ، فأوحى الله إليه : أفهو أحب إليك أم نفسك ؟ قال : بل هو أحب إلي من نفسي ، قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي .

قال : يا إبراهيم ، فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم لذلك وتوجع قلبه ، وأقبل يبكي ، فأوحى الله - عزّ وجلّ - : يا إبراهيم ، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، وذلك قول الله - عزّ وجلّ -« وَفَدَيْناهُ

بِذِبْحٍ عَظِيمٍ »(1) .

ص: 55


1- بيان : أقول : قد أورد على هذا الخبر إعضال وهو أنه إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين عليه السلام لا يكون المفدى عنه أجل رتبة من المفدى به فإن أئمتنا صلوات الله عليهم أشرف من أولي العزم عليه السلام فكيف من غيرهم مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف. وأجيب بأن الحسين عليه السلام لما كان من أولاد إسماعيل فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا وكذا سائر الأئمة وسائر الأنبياء عليهم السلام من ولد إسماعيل عليه السلام فإذا عوض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين عليه السلام فكأنه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه ولا شك في أن مرتبة كل السلسلة أعظم وأجل من مرتبة الجزء بخصوصه. وأقول : ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه على الحسين عليه السلام وظاهر أن الفداء على هذا ليس على معناه بل المراد التعويض ولما كان أسفه على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه عوضه الله بما هو أجل وأشرف وأكثر ثوابا وهو الجزع على الحسين عليه السلام . والحاصل : أن شهادة الحسين عليه السلام كان أمرا مقررا ولم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الإشكال وعلى ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين الأول أن يقدر مضاف أي فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن والثاني أن يكون الباء سببية أي فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه وعلى التقديرين لا بد من تقدير مضاف أو تجوز في إسناد في قوله « فَدَيْناهُ »والله يعلم .

[ إسماعيل صادق الوعد يواسي الحسين ]

7 - علل الشرائع : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن إسماعيل الذي قال الله - عزّ وجلّ - في كتابه : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولا نَبِيًّا » لم يكن إسماعيل بن إبراهيم ، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله - عزّ وجلّ - إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فأتاه ملك فقال : إن الله - جل جلاله - بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال لي : أسوة بما يصنع بالحسين عليه السلام .

8 - علل الشرائع : عن أبي عبد الله عليه السلام : إنّ إسماعيل كان رسولا نبيا سلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه ، فأتاه رسول من ربّ العالمين فقال له : ربك يقرئك السلام ويقول : قد رأيت ما صنع بك ، وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت ، فقال : يكون لي بالحسين بن علي أسوة .

ص: 56

[ جبرائيل يخبر النبي بمقتل الحسين ويريه تربته ]

9 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : بينا الحسين عند رسول الله صلى الله عليه و آله إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد ، أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، فحزن رسول الله لذلك حزنا شديدا ، فقال جبرئيل : أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : نعم ، قال : فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلاء حتى التقت القطعتان هكذا - وجمع بين السبابتين - فتناول بجناحيه من التربة ، فناولها رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين ، فقال رسول الله : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك(1) .

10 - الأمالي للطوسي : عن أنس بن مالك : أن عظيما من عظماء الملائكة استأذن ربّه - عزّ وجلّ - في زيارة النبي فأذن له ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين فقبله النبي وأجلسه في حجره ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : أجل أشد الحبّ إنّه ابني ، قال له : إنّ أمّتك ستقتله ، قال : أمّتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم ، وإن شئت أريتك

من التربة التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه تربة حمراء طيبة الريح ، فقال : إذا

صارت هذه التربة دما عبيطا فهو علامة قتل ابنك هذا .

قال سالم بن أبي الجعد : أخبرت أن الملك كان ميكائيل عليه السلام .

11 - الأمالي للطوسي : عن زيد مولى زينب بنت جحش قالت : كان رسول الله ذات يوم عندي نائما ، فجاء الحسين ، فجعلت أعلله مخافة أن يوقظ النبي ، فغفلت عنه ، فدخل واتبعته ، فوجدته وقد قعد على بطن النبي صلى الله عليه و آله ...

فأردت أن آخذه عنه فقال رسول الله دعي ابني يا زينب ، فلما فرغ توضأ النبي صلى الله عليه و آله وقام يصلي ، فلما سجد ارتحله الحسين فلبث النبي صلى الله عليه و آله حتى نزل ، فلما قام عاد الحسين فحمله حتى فرغ من صلاته .

ص: 57


1- بيان : أقول : قد بينت معنى التقاء القطعتين في باب أحوال بلقيس في كتاب النبوة .

فبسط النبي يده وجعل يقول : أرني أرني يا جبرئيل! فقلت : يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته قط ، قال : نعم جاءني جبرئيل فعزاني في ابني الحسين ، وأخبرني أن أمتي تقتله ، وأتاني بتربة حمراء .

12 - الخرائج والجرائح : عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال : لما أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج ، فلما شقها لم يدر ما يصنع بها .

فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار ، فأشرق بيده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير نوح ، فأنطق الله المسمار بلسان طلق ذلق : أنا على اسم خير الأنبياء

محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله .

فهبط جبرئيل فقال له : يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟فقال : هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد الله ، أسمره على أولها على جانب السفينة الأيمن .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان ، فأشرق وأنار ، فقال نوح : وما هذا المسمار ؟فقال : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب ، فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث ، فزهر وأشرق وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار فاطمة ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع ، فزهر وأنار ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسن ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس ، فزهر وأنار وأظهر النداوة ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسين ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، فقال نوح : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال : هذا الدم ، فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الأمة به ، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله .

ص: 58

13 - الأمالي للطوسي : عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و آله أجلس حسينا على فخذه وجعل يقبله ، فقال جبرئيل : أتحب ابنك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك

فدمعت عينا رسول الله ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه جبرئيل ترابا من تراب الأرض التي يقتل عليها وقال : تدعى الطف .

14 - الأمالي للطوسي عن أنس : أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه و آله لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته ، فوثب حتى دخل ، فجعل يثب على منكبي رسول الله صلى الله عليه و آله ويقعد عليهما .

فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فمد يده ، فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصيرتهاإلى طرف خمارها .

قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلاء .

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : لما أن هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله بقتل الحسين أخذ بيد علي ، فخلا به مليا من النهار ، فغلبتهما عبرة ، فلم يتفرقا حتى هبط عليهما جبرئيل - أو قال : رسول ربّ العالمين - فقال لهما : ربّكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما ، قال : فصبرا .

16 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام

جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال : إنّ فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك ، فلما حملت فاطمة الحسين كرهت حمله ، وحين وضعته كرهت وضعه ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : هل رأيتم في الدنيا أمّا تلد غلاما فتكرهه ؟! ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل ، قال : وفيه نزلت هذه الآية « وَوَصَّيْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً »(1) .

ص: 59


1- بيان : قوله عليه السلام لما حملت لعل المعنى قرب حملها أو المراد بقوله جاء جبرئيل مجيئه قبل ذلك أو بقوله حملت ثانيا شعرت به ولعله على هذا التأويل الباء في قوله بوالديه للسببية وحسنا مفعول وصينا وفي بعض القراءات حسنا بالتحريك فهو صفة لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بقوله « وَصَّيْنَا » جعلناه وصيا قال في مجمع البيان : قرأ أهل الكوفة إحسانا والباقون حسنا وروي عن علي عليه السلام وأبي عبد الرحمن السلمي حسنا بفتح الحاء والسين انتهى والوالدان رسول الله وأمير المونين كما في سائر الأخبار ويحتمل الظاهر أيضا .

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : أن جبرئيل نزل على محمد صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد إنّ الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليهاالسلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربّي السلام ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل ثم هبط ، فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ، ويبشرك أنّه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فقال : قد رضيت .

ثم أرسل إلى فاطمة : أنّ الله يبّشرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي ،فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك ، فأرسل إليها أن الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فأرسلت إليه أني قد رضيت فحملته كرها « وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمتك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي » ، فلو أنه قال : أصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة .

ولم يرضع الحسين عليه السلام من فاطمة ولا من أنثى ، ولكنه كان يوى به النبيفيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فينبت لحم الحسين من لحم رسول الله ودمه ، ولم يولد مولود لستة أشهر إلا عيسى ابن مريم والحسين بن علي عليهماالسلام .

ص: 60

18 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : أتى جبرئيل رسول الله فقال له : السلام عليك يا محمد ، ألا أبشرك بغلام تقتله أمتك من بعدك ؟ فقال : لا حاجة لي فيه ، قال : فانقض إلى السماء ثم عاد إليه الثانية ، فقال مثل ذلك ، فقال : لا حاجة لي فيه ، فانعرج إلى السماء ثم انقض عليه الثالثة ، فقال له مثل ذلك ، فقال : لا حاجة لي

فيه ، فقال : إن ربّك جاعل الوصية في عقبه ، فقال : نعم .

ثم قام رسول الله فدخل على فاطمة ، فقال لها : إنّ جبرئيل أتاني فبشرني بغلام تقتله أمتي من بعدي ، فقالت : لا حاجة لي فيه ، فقال لها : إن ربي جاعل الوصية في عقبه ، فقالت : نعم إذن .

قال : فأنزل الله - تبارك وتعالى - عند ذلك هذه الآية فيه « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ

كُرْهاً » لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله ، فحملته كرها بأنه مقتول ، ووضعته كرها لأنّه مقتول .

19 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه و آلهوعيناه تدمع ، فسألته ما لك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسينا ، فجزعت وشق عليها ، فأخبرها بمن يملك من ولدها ، فطابت نفسها وسكنت .

20 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المونين عليه السلام : زارنا رسول الله صلى الله عليه و آله وقد أهدت لنا أم أيمن لبنا وزبدا وتمرا ، فقدمنا منه ، فأكل ثم قام إلى زاوية البيت فصلى ركعات ، فلما كان في آخر سجوده بكى بكاء شديدا ، فلم يسأله أحد منا إجلالا وإعظاما له .

فقام الحسين في حجره وقال له : يا أبة لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ثم بكيت بكاء غمنا ، فما أبكاك ؟ فقال : يا بني أتاني جبرئيل عليه السلام آنفا فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فقال : يا أبة فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟ فقال : يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة ، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ، ويسكنهم الله الجنة .

ص: 61

21 - كامل الزيارات : عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : زارنا رسول الله ذات يوم فقدمنا إليه طعاما ، وأهدت إلينا أم أيمن صحفة من تمر وقعبا من لبن وزبد ، فقدمنا إليه ، فأكل منه ، فلما فرغ قمت فسكبت على يديه ماء ، فلما غسل يده مسح وجهه ولحيته ببلة يديه ، ثم قام إلى مسجد في جانب البيت فخر ساجدا فبكى ، فأطال البكاء ، ثم رفع رأسه ، فما اجترأ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء .

فقام الحسين يدرج حتى يصعد على فخذي رسول الله ، فأخذ برأسه إلى صدره ووضع ذقنه على رأس رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال : يا أبة ما يبكيك ؟ فقال : يا بني إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم مثله قط ، فهبط إلي جبرئيل فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فحمدت الله على ذلك وسألته لكم الخيرة .

فقال له : يا أبة فمن يزور قبورنا ويتعاهدها على تشتتها ؟ قال : طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي ، أتعاهدهم في الموقف ، وآخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن جبرئيل أتى رسول الله والحسين يلعب بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله ، فأخبره أن أمته ستقتله قال : فجزع رسول الله صلى الله عليه و آله فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان فأخذ منها ، ودحيت في أسرع من طرفة العين ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل حولك .

قال : وكذلك صنع صاحب سليمان ، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان ، فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين .

23 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نعى جبرئيل عليه السلام الحسين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه و آله في بيت أم سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده ، فقال : إن

ص: 62

هذا تقتله أمتك ، فقال رسول الله : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة ، فإذا هي تربة حمراء .

24 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد فيه : فلم تزل عند أم سلمة حتى ماتت رحمها الله .

25 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام : إن رسول الله كان في بيت أم سلمة وعنده جبرئيل ، فدخل عليه الحسين ، فقال له جبرئيل : إن أمتك تقتل ابنك هذا ألا أريك من تربة الأرض التي يقتل فيها ؟ فقال رسول الله : نعم ، فأهوى جبرئيل بيده وقبض قبضة منها فأراها النبي صلى الله عليه و آله .

26 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاءجبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ، فضرب بجناحه ، فأخرج من تربة كربلاء فأراها إياه ، ثم قال : هذه التربة التي يقتل عليها .

27 - كامل الزيارات : عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله يعزيه في ولده الحسين ، ويخبره بثواب الله إياه ، ويحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا ، فقال رسول الله : اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، واذبح من ذبحه ، ولا تمتعه بما طلب .

قال عبد الرحمن : فو الله لقد عوجل الملعون يزيد ولم يتمتع بعد قتله ، ولقد أخذ مغافصة بات سكران وأصبح ميتا متغيرا كأنه مطلي بقار أخذ على أسف ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلا أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله .

28 - كامل الزيارات : عن ابن عباس قال : الملك الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه و آله يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل الروح الأمين ، منشور الأجنحة باكيا صارخا ، قد حمل من تربته وهو يفوح كالمسك ، فقال رسول الله : وتفلح أمة تقتل فرخي - أو قال : فرخ ابنتي - قال : جبرئيل يضربها الله بالاختلاف فيختلف قلوبهم .

ص: 63

[ قصة إسماعيل صادق الوعد ]

29 - كامل الزيارات : عن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا » أكان إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم .

فقال عليه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن إبراهيم كان حجة لله قائداصاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ قلت : فمن كان جعلت فداك قال : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه ، فكذبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم له ، فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له : يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني ربّ العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت ، فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل .

فأوحى الله إليه ، فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل : يا ربّ إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية ، وأخبرت خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليه السلام من بعد نبيها ، وإنك وعدت الحسين أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكر الحسين ، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك ، فهو يكر مع الحسين بن علي عليه السلام .

[ رؤيا أم الفضل بنت الحارث ]

30 - الإرشاد : عن أم الفضل بنت الحارث : أنّها دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حلما منكرا! قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري! فقال رسول الله : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك .

ص: 64

فولدت فاطمة عليهاالسلام الحسين عليه السلام قالت : وكان في حجري كما قال رسول الله : فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك ؟ قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتل ابني هذا وأتاني بتربة حمراء من تربته .

[ جبرئيل يعزي رسول اللّه ]

31 - الإرشاد : عن أم سلمة قالت : بينا رسول الله ذات يوم جالسا والحسين

جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك قال : جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أنّ طائفة من أمتي تقتله لا أنالها الله شفاعتي .

وروي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : خرج رسول الله من عندنا ذات ليلة ، فغاب عنا طويلا ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ما لي أراك شعثا مغبرا ؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له «كربلاء» فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم ، فها هو في يدي وبسطها إليّ فقال : خذيها فاحفظي بها ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها .

فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة وأشمها وأنظر إليها ، ثم أبكي لمصابه ، فلما كان في اليوم العاشر من

المحرم ، وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثم عدت إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط ، فصحت في بيتي وبكيت ، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداوم بالمدينة فيتسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت .

ص: 65

32 - المناقب لابن شهرآشوب : قال سعد بن أبي وقاص : أن قس بن ساعده الأيادي قال قبل مبعث النبي :

تخلف المقدار منهم عصبة

ثاروا بصفين وفي يوم الجمل

والتزم الثار الحسين بعده

واحتشدوا على ابنه حتى قتل(1)

33 - تفسير فرات : عن النبي صلى الله عليه و آله قال : لما أسري بي أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور ، فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة .

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه ، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت علي منها حوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور ، فقلت : لمن أنت ؟ فبكت وقال : لابنك المقتول ظلما الحسين بن علي بن أبي طالب .

ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها ، فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة(2) .

34 - وروي عن أم سلمة قالت : جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال : إن أمتك تقتله

- يعني الحسين - بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربته ؟ قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله في قارورة ، فلما كان ليلة قتل الحسين .

ص: 66


1- بيان : تخلف المقدار أي جازوا قدرهم وتعدوا طورهم أو كثروا حتى لا يحيط بهم مقدار وعدد قوله ثاروا من الثوران أو من الثأر من قولهم ثأرت القتيل أي قتلت قاتله فإنهم كانوا يدعون طلب دم عثمان ومن قتل منهم في غزوات الرسول صلى الله عليه و آله ويوده قوله والتزم الثأر أي طلبوا الثأر بعد ذلك من الحسين عليه السلام لأجل من قتل منهم في الجمل وصفين وغير ذلك أو المعنى أنهم قتلوه حتى لزم ثأره .
2- أقول : قد مضى كثير من الأخبار في ذلك في باب ولادته صلوات الله عليه .

قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان داود

وموسى وصاحب الإنجيل

قالت : فبكيت ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم .

35 - وروي عن أم سلمة قالت : دخل رسول الله ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين عليهماالسلام وجلسا إلى جانبيه ، فأخذ الحسن على ركبته اليمنى والحسين على ركبته اليسرى ، وجعل يقبل هذا تارة وهذا أخرى ، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال : يا رسول الله إنك لتحب الحسن والحسين! فقال : وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرتا عيني .

فقال جبرئيل : يا نبي الله إن الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له ، فقال : وما هو يا أخي ؟ فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموما ، وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحا ، وإن لكل نبي دعوة مستجابة ، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين ، فادع الله أن يسلمهما من السم والقتل ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : يا جبرئيل أنا راض بحكم ربي لا أريد إلا ما يريده ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي ، ويقضي الله في ولدي ما يشاء .

36 - وروي : أن رسول الله كان يوما مع جماعة من أصحابه مارا في بعض الطريق وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق ، فجلس النبي صلى الله عليه و آله عند صبي منهم وجعل يقبل ما بين عينيه ويلاطفه ثم أقعده على حجره ، وكان يكثر تقبيله ، فسئل عن علة ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إني رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين ، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه ، فأنا أحبه لحبه لولدي الحسين ، ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء .

ص: 67

[ آدم يواسي الحسين ]

37 - وروي : أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حواء ، فصار يطوف الأرض في طلبها ، فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به ؟ فإني طفت جميع الأرض وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض .

فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه ، فقال آدم : يا ربّ أيكون الحسين نبيا ؟ قال : لا ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض ، فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرئيل ؟ فقال : العنه يا آدم ، فلعنه أربع مرات ، ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك .

[ جبرئيل يخبر نوح ]

38 - وروي : أنّ نوحا لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا ، فلمامرت

بكربلاء أخذته الأرض ، وخاف نوح الغرق ، فدعا ربّه وقال : إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل له يا جبرئيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين ، فلعنه نوح أربع مرات ، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .

[ إبراهيم يواسي الحسين ويلعن قاتله ]

39 - وروي : أنّ إبراهيم عليه السلام مر في أرض كربلاء ، وهو راكب فرسا ، فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أي شيء

ص: 68

حدث مني ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه .

قال : يا جبرئيل ومن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السماوات والأرضين ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه ، فأوحى الله - تعالى - إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن .

فرفع إبراهيم عليه السلام يديه ولعن يزيد لعنا كثيرا ، وأمن فرسه بلسان فصيح ، فقال إبراهيم لفرسه : أي شيء عرفت حتى تون على دعائي فقال : يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي ، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله - تعالى - .

[ إسماعيل يلعن قاتل الحسين ]

40 - وروي : أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات ، فأخبره الراعي أنها

لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما ، فسأل ربّه عن سبب ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : يا إسماعيل سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك ، فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أن ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد يقتل هنا عطشانا ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه ، فسألها عن قاتله ، فقالت : يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين ، فقال إسماعيل : اللهم العن قاتل الحسين عليه السلام .

[ موسى يلعن قاتل الحسين ]

41 - وروي : أنّ موسى كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون ، فلما جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ، ودخل الخسك في رجليه وسال دمه ، فقال : إلهي أي شيء حدث مني ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك

ص: 69

دمه ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال : ربّ ومن يكون الحسين ؟ فقيل له هو سبط محمد المصطفى وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله ؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار والوحوش في القفار والطير في الهواء ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه .

[ سليمان يلعن قاتل الحسين ]

42 - وروي : أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء ، فمر ذات

يوم وهو سائر في أرض كربلاء ، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط ، فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء .

فقال سليمان للريح : لم سكنتي ؟ فقالت : إنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام ، فقال : ومن يكون الحسين ؟ فقالت : هو سبط محمد المختار وابن علي الكرار ، فقال : ومن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد ، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه ، وأمن على دعائه الإنس والجن ، فهبت الريح وسار البساط .

[ عيسى يلعن قاتل الحسين ]

43 - وروي : أن عيسى كان سائحا في البراري ومعه الحواريون ، فمروا بكربلاء

فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد فقال له : لم جلست في هذا الطريق ؟ وقال : لا تدعنا نمر فيه ، فقال الأسد بلسان فصيح : إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام ، فقال عيسى عليه السلام : ومن يكون الحسين ؟ قال : هو سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله ؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع ، خصوصا أيام عاشوراء ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم .

ص: 70

[ آدم يبكي على الحسين ]

44 - وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله - تعالى - « فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » : أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام ، فلقنه جبرئيل قل :يا حميد بحق محمد ، يا عالي بحق علي ، يا فاطر بحق فاطمة ، يا محسن بحق الحسن والحسين ، ومنك الإحسان .

فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه وقال : يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي! قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، فقال : يا أخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ليس له ناصر ولا معين ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : وا عطشاه وا قلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلا بالسيوف وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب رحله أعداو ، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم الواحد المنان ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى .

[ جبرئيل والنبي يبكيان لما اختار الحسنان ألوان ثوبيهما ]

45 - وروي : أن الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا يوم عيد إلى حجرة جدهمارسول الله صلى الله عليه و آله فقالا : يا جداه اليوم يوم العيد ، وقد تزين أولاد العرب بألوان اللباس ولبسوا جديد الثياب وليس لنا ثوب جديد وقد توجهنا لذلك إليك ، فتأمل النبي حالهما وبكى ، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما ، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما ، فدعا ربّه وقال : إلهي اجبر قلبهما وقلب أمهما .

فنزل جبرئيل ومعه حلتان بيضاوان من حلل الجنة ، فسر النبي صلى الله عليه و آله وقال لهما : يا سيديّ شباب أهل الجنة خذا أثوابا خاطها خياط القدرة على قدر طولكما ، فلما رأيا الخلع بيضا قالا : يا جداه كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ؟ فأطرق النبي ساعة متفكرا في أمرهما .

ص: 71

فقال جبرئيل : يا محمد طب نفسا وقر عينا ، إن صابغ صبغة الله - عزّ وجلّ - يقضي لهما هذا الأمر ويفرح قلوبهما بأي لون شاءا ، فأمر يا محمد بإحضار الطست والإبريق ، فأحضرا ، فقال جبرئيل : يا رسول الله أنا أصبّ الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك ، فتصبغ لهما بأي لون شاءا .

فوضع النبي حلة الحسن في الطست ، فأخذ جبرئيل يصب الماء ، ثم أقبل النبي على الحسن وقال له : يا قرة عيني بأي لون تريد حلتك ؟ فقال : أريدها خضراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء ، فأخذت بقدرة الله لونا أخضر فائقا كالزبرجد الأخضر ، فأخرجها النبي وأعطاها الحسن فلبسها .

ثم وضع حلة الحسين في الطست وأخذ جبرئيل يصبّ الماء ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ، وكان له من العمر خمس سنين ، وقال له : يا قرة عيني أي لون تريد حلتك ؟ فقال الحسين : يا جد أريدها حمراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء ، فصارت حمراء كالياقوت الأحمر ، فلبسها الحسين ، فسر النبي بذلك وتوجه الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين .

فبكى جبرئيل عليه السلام لما شاهد تلك الحال ، فقال النبي : يا أخي جبرئيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلا ما أخبرتني ، فقال جبرئيل : اعلم يا رسول الله أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون ، فلا بد للحسن أن يسقوه السم ويخضر لون جسده من عظم السم ، ولا بد للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه ، فبكى النبي وزاد حزنه لذلك .

[ الملائكة يعزون النبي ]

46 - وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان بإسناده عن زوجة العباس بن عبد المطلب ، وهي أم الفضل لبابة بنت الحارث ، قالت :

رأيت في النوم قبل مولد الحسين عليه السلام كأنّ قطعة من لحم رسول الله قطعت ووضعت في حجري ، فقصصت الروا على رسول الله .

ص: 72

فقال : إن صدقت رواك ، فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه ، فجرى الأمر على ذلك ، فجئت به يوما فوضعته في حجري فبال فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه و آله فقرصته فبكى .

فقال كالمغضب : مهلا يا أم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني .

قالت : فتركته ومضيت لآتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه و آله يبكي ، فقلت : مم بكاو يا رسول الله ؟

فقال : إن جبرئيل أتاني وأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا .

وقال أصحاب الحديث : فلما أتت على الحسين سنة كاملة هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة ، أحدهم على صورة بني آدم يعزونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، ولم يبق ملك إلا نزل إلى النبي يعزونه ، والنبي يقول : اللهم اخذل خاذله واقتل قاتله ولا تمتعه بما طلبه .

وعن أنس بن أبي سحيم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آلهيقول : إنّ ابني هذا يقتل بأرض العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره ، فحضر أنس مع الحسين كربلاء وقتل معه .

وعن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي وهو غلام يدرج فقال : أي عائشه ألا أعجبك ؟ لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة ، فأخرجته يوم قتل وهو دم .

[ بكاء أمير المؤمنين وخطبة النبي وهو يحمل الحسنين ويذكر مصائبهم ]

وعن عبد الله بن يحيى قال : دخلنا مع علي إلى صفين ، فلما حاذى نينوى نادى : صبرا ياعبد الله ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان .

ص: 73

فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان أغضبك أحد ؟

قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم .

فمد يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلاء .

فلما أتت عليه سنتان خرج النبي إلى سفر ، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ، فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها « كربلاء » يقتل فيها ولدي الحسين ، وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها ، وكأني أنظر على السبايا على أقتاب المطايا ، وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد - لعنه الله - ، فو الله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاّ خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذابا أليما .

ثم رجع النبي من سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا ، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس .

فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال : اللهم إن محمدا عبدك ورسولك ، وهذان أطايب عترتي وخيار أرومتي وأفضل ذريتي ومن أخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسم والآخر شهيد مضرج بالدم ، اللهم فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حر نارك واحشره في أسفل درك الجحيم .

قال : فضج الناس بالبكاء والعويل ، فقال لهم النبي : أيها الناس أتبكونه ولا تنصرونه ؟ اللهم فكن أنت له وليا وناصرا .

ثم قال : يا قوم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فودي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وإني لا أسألكم في

ص: 74

ذلك ، إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه ، أسألكم عن المودة في القربى ، واحذروا أن تلقوني غدا على الحوض ، وقد آذيتم عترتي ، وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم ، ألا أنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة ، فتقف علي فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول لهم : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمتك ، فأقول : كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلما أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية أخرى أشدّ سوادا من الأولى فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب الله وعترتي ؟ فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزقناهم كلّ ممزق ، فأقول : إليكم عني ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا وحللنا حلاله وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا ، فأنا نبيكم محمد ،

ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثم أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مرويين مستبشرين ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين .

ص: 75

باب 31 :ما أخبر به الرسول وأمير المونين والحسين صلوات الله عليهم

اشارة

بشهادته صلوات الله عليه

[ يا أبا عبد اللّه عزيز عليّ ]

1 - الأمالي للطوسي عن علي بن الحسين عليه السلام قال : حدثني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت : قبلت جدتك فاطمة بنت رسول الله بالحسن والحسين .

فلما ولدت الحسن جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا أسماء هاتي ابني .

قالت : فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ، ودعا بخرقة بيضاء فلفه بها ، ثم أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ، وقال لعلي عليه السلام : بما سميت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله . قال : وأنا ما كنت لأسبق ربي - عزّ وجلّ - .

قال : فهبط جبرئيل قال : إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، فسم ابنك باسم ابن هارون . قال النبي صلى الله عليه و آله : وما اسم ابن هارون ؟ قال جبرئيل : شبر . قال : وما شبر ؟ قال : الحسن . قالت أسماء : فسماه الحسن .

ص: 76

قالت أسماء : فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفستها به فجاءني النبي فقال : هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن . قالت : وبكى

رسول الله ، ثم قال : إنه سيكون لك حديث ، اللهم إلعن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك .

قالت أسماء : فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي فقال : هلمي ابني فأتيته به ففعل به كما فعل بالحسن وعق عنه كما عق عن الحسن كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا ، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا ، وخلق رأسه بالخلوق ، وقال : إن الدم من فعل الجاهلية .

قالت : ثم وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبد الله عزيز علي ، ثم بكى .

فقلت : بأبي أنت وأمي ، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو ؟

قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم .

ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما مل ء السماء والأرض(1) .

[ رؤيا أمير المؤمنين يقصها على ابن عباس ]

2 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المونين عليه السلام في خرجته إلى صفين ، فلما نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى صوته : يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المونين . فقال عليه السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي .

ص: 77


1- بيان : نفستها به لعل المعنى كنت قابلتها وإن لم يرد بهذا المعنى فيما عندنا من اللغة ويحتمل أن يكون من نفس به بالكسر بمعنى ضن أي ضننت به وأخذته منها وخلقه تخليقا طيبة. قوله صلى الله عليه و آلهعزيز علي أي قتلك ، قال الجزري : عز علي يعز أن أراك بحال سيئة أي يشتد ويشق علي .

قال : فبكى طويلا حتى أخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره وبكينا معا وهو يقول : أوه أوه ما لي ولآل أبي سفيان ، ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر صبرا ، يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم ، ثم دعا بماء فتوضأ

وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله أن يصلي ، ثم ذكر نحو كلامه الأول إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال : يا ابن عباس ؟ فقلت : ها أنا ذا . فقال : ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ . فقلت : نامت عيناك ورأيت خيرا يا أمير المونين . قال : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبيط ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث ، وكان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون : يا

أبا الحسن أبشر فقد أقر الله به عينك « يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ » ،ثم انتبهت هكذا ، والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم صلى الله عليه و آله أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا ، وهذه أرض كرب وبلاء يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة ، وإنها لفي السماوات معروفة تذكر أرض «كرب وبلاء» كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس .

ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران .

قال ابن عباس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة ، فناديته يا أمير المونين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي .

فقال علي عليه السلام : صدق الله ورسوله ، ثم قام عليه السلام يهرول إليها فحملها وشمها وقال : هي هي بعينها ، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم ،

ص: 78

وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة ، وهي تبكي ، فجلس عيسى وجلس الحواريون معه ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه و آله وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك؛ لأنّها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، فهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض ، ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمها وقال : هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها ، اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة .

قال : فبقيت إلى يوم الناس هذا ، وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء .

ثم قال بأعلى صوته : يا ربّ عيسى ابن مريم لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له ، ثم بكى بكاء طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا ، ثم أفاق ، فأخذ البعر فصره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك .

ثم قال : يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا ويسيل منها دم عبيط فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها ودفن .

قال ابن عباس : فو الله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله - عزّ وجلّ - علي وأنا لا أحلها من طرف كمي ، فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا ، فجلست وأنا باك وقلت : قد قتل والله الحسين ، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ، ولا أخبرني بشيء قط أنّه يكون إلا كان كذلك؛ لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ، ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا

ص: 79

يستبين منها أثر عين ، ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك ، فقلت : قد قتل والله الحسين ، وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول :

اصبروا آل الرسول

قتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين

ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت .

فأثبت عندي تلك الساعة ، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري ما هو فكنا نرى أنه الخضر عليه السلام (1) .

[ واهالك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .. ]

4 - الأمالي للصدوق : عن هرثمة بن أبي مسلم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ، فلما انصرفنا نزل بكربلاء فصلى بها الغداة ، ثم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ

الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ

ص: 80


1- بيان : قال الجوهري : قولهم عند الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا أوه من كذا وقال : المضغة قطعة لحم وقلب الإنسان مضغة من جسده . قوله عليه السلام ولا كذبت على بناء المجهول من قولهم كذب الرجل أي أخبر بالكذب أي ما أخبرني رسول الله بكذب قط ويحتمل أن يكون على بناء التفعيل أي ما أظهر أحد كذبي والأول أظهر والضباب بالفتح ندى كالغيم أو صحاب رقيق كالدخان قوله أثر عين أي من الأعيان الموجودة في الخارج والنحول من النحل بالضم بمعنى الهزال .

حِسابٍ ، فرجع هرثمة إلى زوجته ، وكانت شيعة لعلي عليه السلام ، فقال : ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن نزل بكربلاء فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال : واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسابٍ .

قالت : أيها الرجل فإن أمير المونين عليه السلام لم يقل إلا حقّا .

فلما قدم الحسين عليه السلام قال هرثمة : كنت في البعث الذين بعثهم عبيد الله بن زياد لعنهم الله ، فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث ، فجلست على بعيري ثم صرت إلى الحسين عليه السلام فسلمت عليه وأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين . فقال : معنا أنت أم علينا ؟ فقلت : لا معك ولا عليك ، خلفت صبية أخاف عليهم عبيد الله بن زياد . قال : فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ولا تسمع لنا صوتا ، فو الذي نفس حسين بيده ، لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلا كبّه

الله لوجهه في نار جهنم(1) .

[ وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني ]

5 - الأمالي للصدوق : عن أصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المونين عليه السلام يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلا نبأتكم به . فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المونين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟

فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه و آلهأنك ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه .

ص: 81


1- بيان : قال الجوهري : إذا تعجبت من طيب الشيء قلت : واها له ما أطيبه . أقول : لعل المراد أن مع سماع الواعية وترك النصرة العذاب أشد وإلا فالظاهر وجوب نصرتهم على أي حال .

6 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلي ويمسك قضيبا غرسه ربي - عزّ وجلّ - ثم قال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، إلى الله أشكو أعداءهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، وايم الله ليقتلن ابني بعدي الحسين لا أنالهم الله شفاعتي .

7 - الإرشاد والإحتجاج : جاء في الآثار أن أمير المونين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة . فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم

في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟

فقال أمير المونين : والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه و آله بما سألت عنه وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملك يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزك ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ، وآية ذلك مصداق ما خبرتك به ، ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون .

وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو . فلما كان من أمر الحسين ما كان تولى قتله كما قال أمير المونين(1) عليه السلام .

[ ليقتلن ابني الحسين بعدي ]

8 - قرب الإسناد :عن الباقر عليه السلام قال : مرّ علي بكربلاء في اثنين من أصحابه

قال : فلما مرّ بها ترقرقت عيناه للبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وهاهنا تهراق دماوم ، طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبة .

ص: 82


1- بيان : استنفزه أي استخفه وأزعجه .

9 - بصائر الدرجات : قال رسول الله : من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة ربي التي وعدني جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربي - تبارك وتعالى - بيده فقال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب والأوصياء من ذريته إنهم الأئمة من بعدي هم عترتي من لحمي ودمي رزقهم الله فضلي وعلمي ، وويل للمنكرين فضلهم من أمتي القاطعين صلتي ، والله ليقتلن ابني لا أنالهم الله شفاعتي(1) .

10 - بصائر الدرجات : عن الباقر عليه السلام : أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة ربي جنة عدن غرسه ربي فليتول عليا وليعاد عدوه وليأتم بالأوصياء من بعده ، فإنهم أئمة الهدى من بعدي أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي إلى الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، وايم الله ليقتلن ابني يعني الحسين لا أنالهم الله شفاعتي .

[ لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز ]

11 - بصائر الدرجات : عن سويد بن غفلة قال : أنا عند أمير المونين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المونين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة . فقال له أمير المونين : إنه لم يمت ، فأعادها عليه . فقال له علي عليه السلام : لم يمت ، والذي نفسي بيده لا يموت . فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان الله أخبرك أنه مات وتقول : لم يمت . فقال له علي عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، يحمل رايته حبيب بن جماز .

قال : فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المونين ، فقال له : أناشدك في وإني لك شيعة وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي .

ص: 83


1- بيان : قوله : قضيب أي فيها قضيب .

فقال له علي عليه السلام : إن كنت حبيب بن جماز فتحملنها ، فولى حبيب بن جماز وقال : إن كنت حبيب ابن جماز لتحملنها .

قال أبو حمزة : فو الله ما مات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب صاحب رايته .

12- الإرشاد : مثله وزاد في آخره : وسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .

[ أما إن أمتي ستقتله ]

كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه و آله يلاعبه ويضاحكه فقالت : عائشة يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟ فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ؟! وهو ثمرة فودي وقرة عيني ، أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي . قالت : يا رسول الله حجة من حججك ؟ قال : نعم ، وحجتين من حججي . قالت : يا رسول الله حجتين من حججك ؟ قال : نعم ، وأربعة . قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه و آله بأعمارها .

13 - كامل الزيارات : عن محمد بن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنتي جنة عدن غرسها ربي بيده فليتول عليا ويعرف فضله والأوصياء من بعده ويتبرأ من عدوي أعطاهم الله فهمي وعلمي هم عترتي من لحمي ودمي ، أشكو إليك ربي عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي والله ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي .

[ يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي ]

14 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا دخل الحسين عليه السلام اجتذبه إليه ثم يقول لأمير المونين عليه السلام : امسكه ، ثم يقع عليه فيقبله

ص: 84

ويبكي

، فيقول : يا أبة لم تبكي ؟ فيقول : يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي . قال : يا أبة وأقتل ؟ قال : إي والله وأبوك وأخوك وأنت . قال : يا أبة فمصارعنا شتى ؟ قال : نعم يا بني . قال : فمن يزورنا من أمتك ؟ قال : لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلا الصديقون من أمتي .

[ إني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها ]

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أمير المونين عليه السلام والحسين إلى جنبه ، فضرب بيده على كتف الحسين ثم قال : إن هذا يقتل ولا ينصره أحد . قال : قلت : يا أمير المونين والله إن تلك لحياة سوء! قال : إن ذلك لكائن .

16 - كامل الزيارات : عن علي عليه السلام قال : ليقتل الحسين قتلا ، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريبا من النهرين .

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال علي للحسين : يا أبا عبد الله أسوة أنت قدما . فقال : جعلت فداك ما حالي ؟

قال : علمت ما جهلوا وسينتفع عالم بما علم ، يا بني اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ، ليسفكن بنو أمية دمك ثم لا يريدونك عن دينك ولا ينسونك ذكر ربك .

فقال الحسين عليه السلام : والذي نفسي بيده ، حسبي وأقررت بما أنزل الله وأصدق نبي الله ولا أكذب قول أبي(1) .

ص: 85


1- بيان : الأسوة ويضم القدوة وما يأتسي به الحزين أي ثبت قديما أنك أسوة الخلق يقتدون بك أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين. قوله عليه السلام لا يريدونك أي لا يريدون صرفك عن دينك والأصوب لا يردونك .

18 - الإرشاد : عن إسماعيل بن زياد قال : إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره .

فلما قتل الحسين عليه السلام كان البراء بن عازب يقول : صدق والله علي بن أبي طالب قتل الحسين ولم أنصره ، ثم يظهر على ذلك الحسرة والندم .

[ إذا دخل عمر بن سعد قالوا :هذا قاتل الحسين ]

19 - كشف الغمة والإرشاد : روى عبد الله بن شريك العامري قال : كنت أسمع

أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل .

20 - كشف الغمة والإرشاد : قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك . فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء ، أما إنه يقر عيني أن لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا .

[ رؤيا هند ]

21 - المناقب لابن شهرآشوب : ابن عباس سألت هند عائشة أن تسأل النبي

تعبير روا ، فقال قولي لها فلتقصص رواها .

فقالت : رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي وكان كوكبا خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسود الأفق لابتلاعها ، ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الأرض إلا إن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان .

فاكتحلت عين رسول الله صلى الله عليه و آلهبدموعه ثم قال : هي هند اخرجي يا عدوة الله - مرتين - فقد جددت علي أحزاني ونعيت إلي أحبابي . فلما خرجت قال : اللهم العنها والعن نسلها .

ص: 86

فسئل عن تفسيرها فقال عليه السلام : أما الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، والكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد لله ، وتلك الظلمة التي زعمت ورأت كوكبا يخرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسودت ، فذلك ابني الحسين عليه السلام يقتله ابن معاوية فتسود الشمس ويظلم الأفق ، وأما الكواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كل مكان فتلك بنو أمية .

[ يا أبة فيقتل ؟ ]

22 - تفسير فرات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي صلى الله عليه و آله وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك وحكم الله بيني وبين من أعان عليك .

قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟

قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم .

قالت : يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف ؟

قال : موضع يقال له « كربلاء » وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي لو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار .

قالت : يا أبة فيقتل ؟

قال : نعم يا بنتاه وما قتل قتلته أحد كان قبله ويبكيه السماوات والأرضون والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال ، ولو يون لها ما بقي على الأرض

متنفس ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ،

ص: 87

وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض وبهم ينزل الغيث .

فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : يا أبة إنا لله وبكت .

فقال لها : يا بنتاه إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا « أَنْفُسَهُمْ

وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا »فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل فسوف يموت .

يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن تأمرين غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك ، إذا أفلجت حجته على الخلائق وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك وتأسف عليه كل شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيدا ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟

ص: 88

قالت : يا أبة سلمت ورضيت وتوكلت على الله .

فمسح على قلبها ومسح عينيها وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك ويفرح قلبك(1) .

[ ما يبكيك يا علي وهذا أول فتح ببركة الحسين ]

23 - عن عبد الله بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المونين عليه السلام في صفين وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس ، فشكا المسلمون العطش ، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين فضاق صدره ، فقال له ولده الحسين عليه السلام : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي ، فمضى مع فوارس ، فهزم أبا أيوب عن الماء وبنى خيمته وحط فوارسه وأتى إلى أبيه وأخبره ، فبكى علي عليه السلام .

فقيل له : ما يبكيك يا أمير المونين وهذا أول فتح ببركة الحسين عليه السلام ؟

فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلاء حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول :

الظليمة الظليمة لأُمة قتلت ابن بنت نبيها

[ أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله ]

24 - وروى ابن نما

رحمه الله في مثير الأحزان : عن ابن عباس قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه و آله مرضه الذي مات فيه ضم الحسين عليه السلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول : ما لي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ،

ص: 89


1- بيان : قوله يتهادون إلى القتل إما من الهدية كأنه يهدي بعضهم بعضا إلى القتل أو من قولهم تهادت المرأة تمايلت في مشيتها أو من قولهم هداه أي تقدمه أي يتسابقون وعلى التقديرات كناية عن فرحهم وسرورهم بذلك والذود الطرد والدفع. أقول : قد مر بعض الأخبار في باب الولادة .

ثم غشي عليه طويلا وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول : أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله - عزّ وجلّ - .

[ من الشعر المنسوب للامام علي مخاطبا الحسين ]

25 - في الديوان المنسوب إلى أمير المونين عليه السلام :

حسين إذا كنت في بلدة

غريبا فعاشر بآدابها

فلا تفخرن فيهم بالنهى

فكل قبيل بألبابها

ولو عمل ابن أبي طالب

بهذا الأمور كأسبابها

ولكنه اعتام أمر الإله

فأحرق فيهم بأنيابها

عذيرك من ثقة بالذي

ينليك دنياك من طابها

فلا تمرحن لأوزارها

ولا تضجرن لأوصابها

قس الغد بالأمس كي تستريح

فلا تبتغي سعي رغابها

كأني بنفسي وأعقابها

وبالكربلاء ومحرابها

فتخضب منا اللحى بالدما

ء خضاب العروس بأثوابها

أراها ولم يك رأي العيان

وأوتيت مفتاح أبوابها

مصائب تأباك من أن ترد

فأعدد لها قبل منتابها

سقى الله قائمنا صاحب

القيامة والناس في دأبها

هو المدرك الثأر لي يا حسين

بل لك فاصبر لأتعابها

لكل دم ألف ألف وما

يقصر في قتل أحزابها

هنالك لا ينفع الظالمين

قول بعذر وإعتابها

حسين فلا تضجرن للفراق

فديناك أضحت لتخرابها

سل الدور تخبر وأفصح بها

بأن لا بقاء لأربابها

ص: 90

أنا الدين لا شك للمونين

بآيات وحي وإيجابها

لنا سمة الفخر في حكمها

فصلت علينا بإعرابها

فصل على جدك المصطفى

وسلم عليه لطلابها(1)

ص: 91


1- بيان : ولو عمل لو للتمني وقال الجوهري: العيمة بالكسر خيار المال واعتام الرجل إذا أخذ العيمة وقال: حرقت الشيء حرقا بردته وحككت بعضه ببعض ومنه قولهم حرق نابه يحرقه ويحرقه أي سحقه حتى سمع له صريف . وقال : عذيرك من فلان أي هلم من يعذرك منه بل يلومه ولا يلومك . وقال الرضي: معنى من فلان من أجل الإساءة إليه وإيذائه أي أنت ذوعذر فيما تعامله به من المكروه وإضافة الدنيا إلى المخاطب للإشعار بأن لا علاقة بينه عليه السلام وبين الدنيا . وقال الجوهري : الطاب الطيب ، وقال : المرح شدة الفرح ، وقال : الوصب المرض . وقوله : سعي إما مفعول به لقوله لا تبتغي أو مفعول مطلق من غير اللفظ ، والمحراب محل الحرب، والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ، والمنتاب مصدر ميمي من قولهم انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى. ووصف القائم عليه السلام بصاحب القيامة لاتصال زمانه بها أو لرجعة بعض الأموات في زمانه والدأب مصدر دأب في عمله أي جد وتعب أو العادة والشأن ، والأتعاب بالفتح جمع التعب والإعتاب الإرضاء ، والتخراب بالفتح مبالغة في الخراب، وتخبر على بناء الفاعل أو المفعول وأفصح بها للتعجب ، والحمل في أنا الدين للمبالغة ، وإشارة إلى قوله - تعالى - «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»وإلى أن الإسلام لا يتم إلا بولايته لقوله - تعالى - «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الاْءِسْلامُ» . وقوله عليه السلام : للمونين متعلق بالنسبة بين أنا والدين أو خبر لا وبآيات متعلق بالنسبة أو بالمونين قوله وإيجابها أي إيجاب الآيات طاعتي وولايتي على الناس، والمصراع بعده إشارة إلى ما نزل في شأن أهل البيت عليهم السلام عموما وإسناد الصلاة إلى الآيات مجاز والإعراب الإظهار والبيان . وقال شارح الديوان: المصراع الذي بعده إشارة إلى قراءة نافع وابن عامر ويعقوب « آل ياسين » بالإضافة، وإلى ما روي أن « يس » اسم محمد صلى الله عليه و آله أو إلى_ قوله - تعالى - «وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى» ولطف إعرابها على التوجيه الأول غير خفي انتهى . أقول: لا وجه للتخصيص غير التعصب بل ربع القرآن نازل فيهم عليهم السلام كما عرفت وستعرفه .

باب 32 :أن مصيبته صلوات الله عليه كان أعظم المصائب

وذل الناس بقتله

وردّ قول من قال : إنه عليه السلام لم يقتل ولكن شبه لهم

1 - علل الشرائع : عن عبد الله بن الفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه و آله واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليهاالسلام واليوم الذي قتل فيه أمير المونين عليه السلام واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسم ؟

فقال : إن يوم قتل الحسين عليه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام؛ وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي بقي أمير المونين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ، فلما مضت فاطمة عليهاالسلام كان في أمير المونين والحسن والحسين عليهم السلام

للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى منهم أمير المونين كان للناس في الحسن والحسين عليهماالسلام عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عزاء وسلوة ، فلما قتل الحسين صلى الله عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس

ص: 92

فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقاو كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .

قال عبد الله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله فلم لم يكن للناس في علي بن الحسين عليه السلام عزاء وسلوة مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السلام ؟

فقال : بلى إن علي بن الحسين كان سيد العابدين وإماما وحجة على الخلق بعد آبائه الماضين ، ولكنه لم يلق رسول الله صلى الله عليه و آلهولم يسمع منه وكان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آله ، وكان أمير المونين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قد

شاهدهم الناس مع رسول الله صلى الله عليه و آله في أحوال تتوالى ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكروا حاله من رسول الله صلى الله عليه و آله وقول رسول الله صلى الله عليه و آلهله وفيه ، فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على الله - عزّ وجلّ - ولم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلا في فقد الحسين عليه السلام ؛ لأنه مضى في آخرهم فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة .

قال عبد الله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف سمت العامة يوم عاشوراء يوم بركة ؟

فبكى عليه السلام ثم قال : لما قتل الحسين عليه السلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار وأخذوا عليها الجوائز من الأموال ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم وأنه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرك والاستعداد فيه ، حكم الله بيننا وبينهم .

ثم قال عليه السلام : يا ابن عم وإن ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام وأهله مما وضعه قوم انتحلوا مودتنا وزعموا أنهم يدينون بموالاتنا ويقولون بإمامتنا ، زعموا أن الحسين عليه السلام لم يقتل وأنه شبه للناس أمره كعيسى ابن مريم ، فلا لائمة إذا على بني أمية ولا عتب على زعمهم ، يا ابن عم من زعم أن الحسين لم يقتل فقد كذب رسول الله وعليا وكذب من بعده من الأئمة عليهم السلام في إخبارهم بقتله ومن كذبهم فهو كافر بالله العظيم ودمه مباح لكل من سمع ذلك منه .

ص: 93

قال عبد الله بن الفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به ؟

فقال عليه السلام : ما هواء من شيعتي وأنا بريء منهم .

قال : فقلت : فقول الله - عزّ وجلّ - « وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ » ؟

قال : إن أولئك مسخوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا ، وإن القردة اليوم مثل أولئك وكذلك الخنزير وسائر المسوخ ما وجد منها اليوم من شيء فهو مثله لا يحل أن يول لحمه .

ثم قال عليه السلام : لعن الله الغلاة والمفوضة فإنهم صغروا عصيان الله وكفروا به وأشركوا وضلوا وأضلوا فرارا من إقامة الفرائض وأداء الحقوق .

2 - الخصال : عن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال : حين قتل الحسين بن علي عليه السلام وادعي زياد وقتل حجر بن عدي .

3 - الإحتجاج : عن إسحاق بن يعقوب قال : ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام عليّ على يد محمد بن عثمان العمري بخطه عليه السلام : أما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال .

4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام :... يا ابن رسول الله وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي لم يقتل ، وأنه ألقي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويحتجون بهذه الآية « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُومِنِينَ سَبِيلاً » ؟

فقال : كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم لنبي الله في إخباره بأن الحسين بن علي عليه السلام سيقتل ، والله لقد قتل الحسين وقتل من كان خيرا

من الحسين أمير المونين والحسن بن علي وما منا إلا مقتول ، وأنا والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله أخبره به

ص: 94

جبرئيل عن ربّ العالمين ، وأما قول الله - عزّ وجلّ - « وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُومِنِينَ سَبِيلاً »فإنه يقول : ولن يجعل الله لكافر على مون حجة ، ولقد أخبر الله - عزّ وجلّ - من كفار قتلوا النبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة(1) .

ص: 95


1- أقول : قد مضى كلام من الصدوق رحمه الله في باب علامات الإمام في ذلك لا نعيده .

باب 33 :العلة التي من أجلها لم يكف الله قتلة الأئمة

عليهم السلام

ومن ظلمهم عن قتلهم وظلمهم

وعلة ابتلائهم صلوات الله عليهم أجمعين

1 - إكمال الدين والإحتجاج وعلل الشرائع : محمد بن إبراهيم قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أريد أن أسألك عن شيء . فقال له : سل عما بدا لك . فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام أهو ولي الله ؟ قال : نعم . قال : أخبرني عن قاتله أهو عدو الله ؟ قال : نعم . قال الرجل : فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه ؟

فقال له أبو القاسم قدس الله روحه : إفهم عني ما أقول لك : إعلم أن الله - عزّ وجلّ - لا يخاطب الناس بشهادة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنه - عزّ وجلّ - بعث إليهم رسولا

من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون « الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ » قالوا لهم : أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه فجعل الله - عزّ وجلّ -

ص: 96

لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا ف- « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله - عزّ وجلّ -وأنبأهم

بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلّمه البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك .

فلما أتوا بمثل هذه المعجزات وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله - عزّ وجلّ - ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين ، ولو جعلهم - عزّ وجلّ - في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله - عزّ وجلّ - ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنه - عزّ وجلّ - جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله - تعالى - ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل و « لِيهلك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ » .

قال محمد بن إبراهيم: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي : يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أحب إلي من أن أقول في دين الله - تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة صلوات الله عليه(1) .

ص: 97


1- بيان : فتخطفني أي تأخذني بسرعة والسحيق البعيد .

2 - قرب الإسناد : عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » ؟ فقال هو : « ويعفو عن كثير » . قلت له : ما أصاب عليا وأشباهه من أهل بيته من ذلك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و آلهكان يتوب إلى الله - عزّ وجلّ - كل يوم سبعين مرة من غير ذنب .

3 - الخصال : عن الباقر عليه السلام قال : إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب ، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا .

وقال عليه السلام : إن أيوب عليه السلام من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله - عزّ وجلّ - بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره بجهلهم بما له عند ربّه - تعالى ذكره - من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه الله - عزّ وجلّ - بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس؛ لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه - تعالى - متى شاهدوه؛ ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله - تعالى ذكره - على ضربين استحقاق واختصاص ، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء ، وهو - عزّ وجلّ - في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلاّ به .

4 - معاني الأخبار : عن ابن رئاب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله - عزّ وجلّ - « وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون ؟

ص: 98

فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يتوب إلى الله - عزّ وجلّ - ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إنّ الله - عزّ وجلّ - يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب(1) .

5 - بصائر الدرجات : عن ضريس قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وأناس من أصحابه حوله : وأعجب من قوم يتولوننا ويجعلوننا أئمة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقصون حقّنا ويعيبون بذلك علينا من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا أترون أن الله - تبارك وتعالى - افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ؟

فقال له حمران : جعلت فداك يا أبا جعفر أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين وخروجهم وقيامهم بدين الله وما أصيبوا به من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا أو غلبوا ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله - تبارك وتعالى - قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه ، فبتقدم علم من رسول الله إليهم في ذلك قام علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وبعلم صمت من صمت منا ، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله دفع ذلك عنهم ، وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد .

وما كان الذي أصابهم من ذلك - يا حمران - لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبن فيهم المذاهب .

ص: 99


1- بيان : أي كما أن الاستغفار يكون في غالب الناس لحط الذنوب وفي الأنبياء لرفع الدرجات فكذلك المصائب .

باب 34 :ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة عليهم السلام

اشارة

وفيه أدب المأتم يوم عاشوراء

[ أيّما مون دمعت عيناه ]

1 - الأمالي للصدوق : قال الرضا عليه السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان

معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .

3 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .

4 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله .

ثم قال أبو عبد الله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب .

5 - كامل الزيارات : عن ابن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السلام وعلى قاتله لعنة الله ، فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا ، ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مون إلا بكى ... .

ص: 100

6 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين بن علي : أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط إلا رده الله أو أقلبه إلى أهله مسرورا(1) .

7 - الأمالي للطوسي : عن محمد الكوفي قال : سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقصناه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوأه الله - تعالى - بها في الجنة حقبا .

8 - المجالس للمفيد والأمالي للطوسي : عن أحمد الأودي عن مخول بن إبراهيم عن الربيع عن أبيه عن الحسين بن علي عليه السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا .

قال أحمد الأودي : فرأيت الحسين بن علي عليه السلام في المنام فقلت : حدثني مخول بن إبراهيم عن الربيع بن المنذر عن أبيه عنك أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا . قال : نعم . قلت : سقط الإسناد بيني وبينك(2) .

9 - الأمالي للطوسي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام .

10 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نظر أمير المونين

إلى_الحسين عليه السلام فقال : يا عبرة كل مون . فقال : أنا يا أبتاه ؟ فقال : نعم يا بني .

ص: 101


1- بيان : قوله أنا قتيل العبرة أي قتيل منسوب إلى العبرة والبكاء وسبب لها أو أقتل مع العبرة والحزن وشدة الحال والأول أظهر .
2- بيان : الحقب كناية عن الدوام قال الفيروزآبادي : الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا وقت لها والسنة والجمع كعنب وحبوب والحقب بالضم وبضمتين ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة والسنون والجمع أحقاب وأحقب .

11 - كامل الزيارات : عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله في يوم قط فرئي أبو عبد الله عليه السلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقول : الحسين عبرة كل مون .

12 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة .

13 - الأمالي للطوسي : عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله يقول : إن الحسين بن علي عند ربّه - عزّ وجلّ - ينظر إلى معسكره ومن حله من الشهداء معه وينظر إلى زواره ، وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله - عزّ وجلّ - من أحدكم بولده ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإن زائره لينقلب وما عليه من ذنب .

13 - تفسير القمي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليه السلام يقول : أيّما مون دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيّما مون دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق في الجنة ، وأيما مون مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .

14 - قرب الإسناد : عن الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لفضيل : تجلسون وتحدثون ؟ قال : نعم جعلت فداك . قال : إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا - يا فضيل - فرحم الله من أحيا أمرنا . يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر .

ص: 102

[ من أنشد في الحسين شعرا ]

15 - الأمالي للصدوق : عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي : يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي . قال : فأنشدته فبكى ، ثم أنشدته فبكى ، فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار .

قال : فقال : يا با عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعرا فأبكى خمسين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى واحدا فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى فله الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة .

16 - رجال الكشي : عن زيد الشحام قال : كنا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله عليه السلام فقربه وأدناه ثم قال :يا جعفر ، قال : لبيك جعلني الله فداك . قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد . فقال له : نعم جعلني الله فداك . قال : قل ، فأنشده صلى الله عليه فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ، ولقد أوجب الله - تعالى - لك - يا جعفر - في ساعته الجنة بأسرها وغفر الله لك .

فقال : يا جعفر ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي . قال : ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له .

[ من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء ]

17 - الأمالي للصدوق : عن إبراهيم قال : قال الرضا عليه السلام : إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماوا وهتكت فيه حرمتنا وسبي

ص: 103

فيه ذرارينا ونساوا وأضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا ، أن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام .

ثم قال عليه السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه .

18 - الأمالي للصدوق : عن الرضا عليه السلام قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله - عزّ وجلّ - يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ، ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار .

19 - الأمالي للصدوق : عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مون إلا استعبر .

20 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .

21 - كامل الزيارات : عن أبي جعفر عليه السلام قال : أيّما مون دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار .

[ يا ابن شبيب ]

23 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الريان بن شبيب قال :

ص: 104

دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم فقال لي : يا ابن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت : لا . فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربّه - عزّ وجلّ - فقال : « رَبِّ

هَبْ لِي مِنْ لَدُنك ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنك سَمِيعُ الدُّعاءِ » فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا « وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُك بِيَحْيى » ، فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله - عزّ وجلّ - استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام .

ثم قال : يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا .

يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره ، وشعارهم يا لثارات الحسين .

يا ابن شبيب لقد حدثني أبي عن أبيه عن جده : أنه لما قتل جدي الحسين أمطرت السماء دما وترابا أحمر .

يا ابن شبيب إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيرا كان أو كبيرا ، قليلا كان أو كثيرا .

يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى الله - عزّ وجلّ - ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام .

يا ابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلى الله عليه و آله فالعن قتلة الحسين .

يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً .

ص: 105

يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ، فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة .

[ أنشدني كما تنشدون ]

24 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن غالب قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي عليه السلام ، فلما انتهيت إلى هذا الموضع :

لبلية تسقوا حسينا

بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر يا أبتاه .

25 - كامل الزيارات : عن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره ، فأنشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية

قال : فلما بكى أمسكت أنا ، فقال : مر فمررت ، قال : ثم قال : زدني زدني ، قال : فأنشدته :

يا مريم قومي واندبي مولاك

وعلى الحسين فأسعدي ببكاك

قال : فبكى وتهايج النساء ، فلما أن سكتن قال لي : يا با هارون من أنشدفي الحسين فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد ، فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ، ثم قال : من ذكره فبكى فله الجنة .

وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لكل سر ثواب إلا الدمعة فينا(1) .

ص: 106


1- بيان : لعل المعنى أن أسرار كل مصيبة والصبر عليها موجب للثواب إلا البكاء عليهم ، ويحتمل أن يكون تصحيف شيء أي لكل شيء من الطاعة ثواب مقدر إلا الدمعة فيهم فإنه لا تقدير لثوابها .

26 - الخصال : قال أمير المونين عليه السلام إن الله - تبارك وتعالى - اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منا وإلينا .

27 - الأمالي للصدوق : عن ابن عباس قال : قال علي لرسول الله صلى الله عليه و آله : يا رسول الله إنك لتحب عقيلا! قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حبا له وحبا لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المونين وتصلي عليه الملائكة المقربون . ثم بكى رسول الله حتى جرت دموعه على صدره ، ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي .

قال ابن طاوس : روي عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحدا فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة .

28 - ثواب الأعمال : عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام . قال : فأنشدته ، فقال لي : أنشدني كما تنشدون ، - يعني بالرقة - ، قال : فأنشدته شعر :

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية

قال : فبكى ، ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الأخرى ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر .

قال : فلما فرغت قال : يا با هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى واحدا كتبت لهما الجنة ، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب

ص: 107

كان ثوابه على الله - عزّ وجلّ - ولم يرض له بدون الجنة(1) .

29 - ثواب الأعمال : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتا فبكى - وأظنه قال : أو تباكى - فله الجنة .

30 - المحاسن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ، ولو كان مثل زبد البحر .

[ يا مسمع رحم الله دمعتك ]

31 - كامل الزيارات : عن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبد الله : يا مسمع أنت من أهل العراق ، أما تأتي قبر الحسين ؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصره وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وأعداوا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا علي حالي عند ولد سليمان فيمثلون علي . قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : بلى . قال : فتجزع ؟ قلت : إي والله وأستعبر لذلك

حتى يرى أهلي أثر ذلك علي ، فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي .

قال : رحم الله دمعتك ، أما إنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا ، أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقر به عينك قبل الموت ، فملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها .

ص: 108


1- بيان : الرقة بالفتح بلدة على الفرات واسطة ديار ربيعة وآخر غربي بغداد وقرية أسفل منها بفرسخ ذكره الفيروزآبادي .

قال : ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة .

يا مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المونين رحمة لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه ، فإذا سال دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه .

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ولم يشق بعدها أبدا ، وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل أحلى من العسل وألين من الزبد وأصفى من الدمع وأذكى من العنبر يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان تجري على رضراض الدر والياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة ، يقول الشارب منه : ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا ولا عنه تحويلا .

أما إنك يا كردين ممن تروى منه .

وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه ، من أحبنا فإن الشارب منه ليعطى من اللذة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا ، وإن على الكوثر أمير المونين عليه السلام وفي يده عصا من عوسج يحطم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إني أشهد الشهادتين! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك . فيقول : يتبرأ مني إمامي الذي تذكره . فيقول : ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاه وتقدمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإن خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع . فيقول : إني أهلك عطشا . فيقول : زادك الله

ظمأ وزادك الله عطشا .

ص: 109

قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟

قال : ورع عن أشياء قبيحة وكف عن شتمنا إذا ذكرنا وترك أشياء اجترأ عليها غيره ، وليس ذلك لحبنا ولا لهوى منه ، ولكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته وتدينه ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس ، فأما قلبه فمنافق ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين وتقدمه لهما على كل أحد(1) .

32 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليه السلام فإنه فيه مأجور .

33 - كامل الزيارات : قال أبو عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - : ومن ذكرالحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله - عزّ وجلّ - ولم يرض له بدون الجنة .

34 - كامل الزيارات : عن المنذر قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول : من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة بوأه الله بها في الجنة حقبا .

35 - كامل الزيارات : عن عبد الله بن بكير قال : حججت مع أبي عبد الله عليه السلام - في حديث طويل - فقلت : يا ابن رسول الله لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السلام هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير ما أعظم مسائلك ، إن الحسين بن علي عليه السلام مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه و آلهومعه يرزقون ويحبرون ، وإنه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يا ربّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنه لينظر إلى زواره ، فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيها الباكي لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة .

ص: 110


1- بيان : الرضراض الحصا أو صغارها قوله عليه السلام وسقيت إسناد السقي إليها مجازي لسببيتها لذلك .

[ كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين ]

37 - أقول : روي أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا وقالت : يا أبة متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي ، فاشتد بكاوا وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبي : يا فاطمة أن نساء أمتي يبكون على

نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة ، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة .

يافاطمة كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين فإنها « ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ » بنعيم الجنة(1) .

[ قصة فاطمة عليهاالسلام مع الرجل الذي اعترض على البكاء على الحسين ]

38 - حكي عن السيد علي الحسيني قال : كنت مجاورا في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام مع جماعة من المونين ، فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السلام ، فوردت رواية عن الباقر عليه السلام أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وكان في المجلس معنا جاهل مركب يدعي العلم ولا يعرفه فقال : ليس هذا بصحيح والعقل لا يعتقده ، وكثر البحث بيننا وافترقنا عن ذلك المجلس وهو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث .

ص: 111


1- أقول : سيأتي بعض الأخبار في ذلك في باب بكاء السماء والأرض عليه عليه السلام .

فنام ذلك الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت وحشر الناس في صعيد صفصف « لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً » وقد نصبت الموازين وامتد الصراط ووضع الحساب ونشرت الكتب وأسعرت النيران وزخرفت الجنان واشتد الحر عليه ، وإذا هو قد عطش عطشا شديدا وبقي يطلب الماء فلا يجده ، فالتفت يمينا وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر ، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج وأحلى من العذب ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق على الخلائق ، ومع ذلك لبسهم السواد ، وهم باكون محزونون ، فقلت : من هواء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى ، وهذا الإمام علي المرتضى ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء . فقلت : ما لي أراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين ؟ ، فقيل لي : أليس هذا يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين ؟! فهم محزونون لأجل ذلك ، قال : فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة وقلت لها : يا بنت رسول الله إني عطشان ، فنظرت إلي شزرا وقالت لي : أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين ومهجة قلبي وقرة عيني الشهيد المقتول ظلما وعدوانا لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء .

قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا ، واستغفرت الله كثيرا ، وندمت على ما كان مني ، وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم وخبرت برواي وتبت إلى الله - عزّ وجلّ - .

ص: 112

باب 35 :فضل الشهداء معه وعلة عدم مبالاتهم بالقتل

وبيان أنه صلوات الله عليه كان فرحا لا يبالي بما يجري عليه

1 - علل الشرائع : عن ابن عمارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين وإقدامهم على الموت ؟ فقال : إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة .

2 - معاني الأخبار : قال علي بن الحسين عليه السلام : لما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم؛ لأنهم كلما اشتد الأمر تغيرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم ، وكان الحسين عليه السلام وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت! فقال لهم الحسين عليه السلام : صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البو والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، إن أبي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه و آله :

ص: 113

أن الدنيا سجن المون وجنة الكافر ،والموت جسر هواء إلى جنانهم وجسر هواء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كذبت .

3 - الخرائج والجرائح : قال علي بن الحسين عليه السلام : كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه : هذا الليل فاتخذوه جنة ، فإن القوم إنما يريدونني ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم وأنتم في حل وسعة ، فقالوا : والله لا يكون هذا أبدا .

فقال : إنكم تقتلون غدا كلكم ولا يفلت منكم رجل . قالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك .

ثم دعا فقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنة .

4 - الخصال والأمالي للصدوق : عن ثابت الثمالي قال : نظر علي بن الحسين سيد العابدين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله صلى الله عليه و آلهمن يوم أحد قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم موة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال عليه السلام : ولا يوم كيوم الحسين ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله - عزّ وجلّ - بدمه ، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا .

ثم قال عليه السلام : رحم الله العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدل الله - عزّ وجلّ - بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب عليه السلام وإن للعباس عند الله - عزّ وجلّ - منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة .

5 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من شهيد إلا وهو يحب لو أن الحسين بن علي عليه السلام حي حتى يدخلون الجنة معه .

ص: 114

باب 36 :كفر قتلته عليه السلام وثواب اللعن عليهم وشدة عذابهم

اشارة

وما ينبغي أن يقال عند ذكره صلوات الله عليه

1 - عيون أخبار الرضا عليه السلام والأمالي للصدوق : عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام قال : يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله فالعن قتلة الحسين عليه السلام ، يا ابن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً .. الخبر .

2 - أقول : قد أوردنا في باب ما وقع في الشام عن الرضا عليه السلام قال : من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد يمحو الله - عزّ وجلّ - بذلك ذنوبه ، ولو كانت كعدد النجوم .

3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إنّ قاتل الحسين بن علي عليه السلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا وقد شدّ

يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم ، وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع

ص: 115

جميع من شايع على قتله ، كلما نضجت جلودهم بدل الله - عزّ وجلّ - عليهم الجلود غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم « لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ » ساعة ويسقون من حميم جهنم ، فالويل لهم من عذاب النار .

4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إن موسى بن عمران عليه السلام سأل ربّه - عزّ وجلّ - فقال : يا ربّ إن أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى الله - عزّ وجلّ - إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي فإني أنتقم له من قاتله .

5 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : يقتل الحسين شر الأمة ويتبرأ من ولده من يكفر بي .

6 - الخصال : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبروت ليذلّ من أعزه الله ويعز من أذله الله ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له .

7 - الأمالي للطوسي : عن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إني أذكر الحسين بن علي عليه السلام فأي شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلى الله عليك يا أبا عبد الله ، تكررها ثلاثا.. الخبر .

8 - ثواب الأعمال : عن عيص بن القاسم قال : ذكر عند أبي عبد الله قاتل الحسين بن علي عليه السلام فقال بعض أصحابه : كنت أشتهي أن ينتقم الله منه في الدنيا ، فقال : كأنك تستقل له عذاب الله ، وما عند الله أشد عذابا وأشد نكالا .

9 - ثواب الأعمال : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : إن في النار منزلة لم يكن يستحقها أحد من الناس إلا بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا عليهماالسلام .

10 - كامل الزيارات : عن خالد الربعي قال : حدثني من سمع كعبا يقول : أول من لعن قاتل الحسين بن علي عليه السلام إبراهيم خليل الرحمن وأمره ولده بذلك وأخذ عليهم

ص: 116

العهد والميثاق ، ثم لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك ، ثم لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل العنوا قاتله ، وإن

أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه ، فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر ،

وكأني أنظر إلى بقعته ، وما من نبي إلا وقد زار كربلاء ووقف عليها ، وقال : إنك لبقعة

كثيرة الخير فيك يدفن القمر الأزهر(1) .

11 - كامل الزيارات : عمر بن هبيرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله والحسن والحسين في حجره يقبل هذا مرة ويقبل هذا مرة ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك .

12 - كامل الزيارات : قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن قضيب غرسه ربي بيده فليتول عليا والأوصياء من بعده ، وليسلم لفضلهم ، فإنهم الهداة المرضيون أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى الله أشكو عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي ، والله ليقتلن ابني لا نالتهم شفاعتي .

13 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وكان قاتل الحسين عليه السلام ولد زنا ، ولم تبك السماء إلا عليهما .

14 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان قاتل الحسين بن علي عليه السلام

ولد زنا ، وقاتل يحيى بن زكريا ولد زنا .

15 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قاتل الحسين بن علي عليه السلام

ولد زنا .

16 - كامل الزيارات : عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذا

استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي : يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه السلام ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله

ص: 117


1- بيان : قوله مقبل الأصوب مقبلا أي كشهيد استشهد معهم حال كونه مقبلا على القتال غير مدبر وعلى ما في النسخ صفة لقوله كالشهيد لأنه في قوة النكرة .

إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحط عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفود .

17 - تفسير الإمام عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله : لما نزلت « وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ » الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : قوم من أمتي ينتحلون أنهم من أهل ملتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإن الله يلعنهم وكما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ، ألا ولعن الله قتلة الحسين عليه السلام ومحبيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم ، ألا وصلى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا ، ألا وإن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته ، ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله ، إن الله ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين إلى الخزان في الجنان فيمزجوها بماء الحيوان فتزيد عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين يتلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فيزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم .

[ اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين ]

18 - الكافي : عن داود بن فرقد قال : كنت جالسا في بيت أبي عبد

الله عليه السلام فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر ، فنظر إلي أبو عبد الله عليه السلام فقال : يا داود أتدري ما يقول هذا الطير ؟ قلت : لا والله جعلت فداك ، قال : يدعو على قتلة الحسين عليه السلام فاتخذوا في منازلكم .

ص: 118

19 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولعن الله قاتله .

[ كامل يحكي لعمر بن سعد قصة الراهب الذي ذكر قاتل الحسين ]

أقول : وجدت في بعض موفات المعاصرين : أنه لما جمع ابن زياد لعنه الله قومه لحرب الحسين عليه السلام كانوا سبعين ألف فارس ، فقال ابن زياد : أيها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين وله ولاية أي بلد شاء ، فلم يجبه أحد منهم ، فاستدعى بعمر بن سعد لعنه الله وقال له : يا عمر أريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك ، فقال له : اعفني من ذلك ، فقال ابن زياد : قد أعفيتك يا عمر فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الري ، فقال عمر : أمهلنا الليلة ، فقال له : قد أمهلتك.

فانصرف عمر بن سعد إلى منزله وجعل يستشير قومه وإخوانه ومن يثق به من أصحابه ، فلم يشر عليه أحد بذلك ، وكان عند عمر بن سعد رجل من أهل الخير يقال له « كامل » وكان صديقا لأبيه من قبله ، فقال له : يا عمر ما لي أراك بهيئة وحركة فما الذي أنت عازم عليه ؟ وكان كامل - كاسمه - ذا رأي وعقل ودين كامل.

فقال له ابن سعد لعنه الله : إني قد وليت أمر هذا الجيش في حرب الحسين وإنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة آكل أو كشربة ماء ، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري .

فقال له كامل : أف لك - يا عمر بن سعد - تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله ، أف لك ولدينك ، يا عمر أ سفهت الحق وضللت الهدى أما تعلم إلى حرب من تخرج ولمن تقاتل ؟ « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » . والله لو أعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من أمة محمد لما فعلت ، فكيف تريد تقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ وما الذي تقول غدا لرسول الله إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فوده وابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين ،

وهو سيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين ، وإنه في زماننا هذا بمنزلة جده

ص: 119

في زمانه ، وطاعته فرض علينا كطاعته ، وإنه باب الجنة والنار ؟ فاختر لنفسك ما أنت مختار وإني أشهد بالله إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا .

فقال له عمر بن سعد : فبالموت تخوفني وإني إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس وأتولى ملك الري .

فقال له كامل : إني أحدثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفقت لقبوله .

اعلم أني سافرت مع أبيك سعد إلى الشام فانقطعت بي مطيتي عن أصحابي وتهت وعطشت فلاح لي دير راهب ، فملت إليه ونزلت عن فرسي وأتيت إلى باب الدير لأشرب ماء ، فأشرف علي راهب من ذلك الدير وقال : ما تريد ؟ فقلت له : إني عطشان ، فقال لي : أنت من أمة هذا النبي الذين يقتل بعضهم بعضا على حب الدنيا مكالبة ويتنافسون فيها على حطامها ؟ فقلت له : أنا من الأمة المرحومة أمة محمد صلى الله عليه و آله .

فقال : إنكم أشرّ أمة ، فالويل لكم يوم القيامة وقد غدوتم إلى عترة نبيكم وتسبون نساءه وتنهبون أمواله .

فقلت له : يا راهب نحن نفعل ذلك ؟

قال : نعم ، وإنكم إذا فعلتم ذلك عجت السماوات والأرضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والأطيار باللعنة على قاتله ، ثم لا يلبث قاتله في الدنيا

إلا قليلا ، ثم يظهر رجل يطلب بثأره فلا يدع أحدا شرك في دمه إلا قتله وعجل الله بروحه إلى النار .

ثم قال الراهب : إني لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب ، والله إنيلو أدركت أيامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف ، فقلت : يا راهب إني أعيذ نفسي أن أكون ممن يقاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله .

ص: 120

فقال : إن لم تكن أنت فرجل قريب منك وإن قاتله عليه نصف عذاب أهل النار ، وإن عذابه أشد من عذاب فرعون وهامان ، ثم ردم الباب في وجهي ودخل يعبد الله - تعالى - ، وأبى أن يسقيني الماء .

قال كامل : فركبت فرسي ولحقت أصحابي فقال لي أبوك سعد : ما بطأك عنا يا كامل ؟ فحدثته بما سمعته من الراهب فقال لي صدقت.

ثم إن سعدا أخبرني أنه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فأخبره أنه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول الله ، فخاف أبوك سعد من ذلك وخشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه وأقصاك ، فاحذر يا عمر أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار .

قال : فبلغ الخبر ابن زياد لعنه الله فاستدعى بكامل وقطع لسانه ، فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه الله .

قال : وحكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا وقد كسته الصفرة واعترى بدنه الضعف وحكم بفرائصه الرجف وقد اقشعر جسمه وغارت عيناه ونحف؛ لأنه كان إذا دعاه ربّه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة الله - تعالى - فعرفه الإسرائيلي وهو ممن آمن به فقال له : يا نبي الله أذنبت ذنبا عظيما فاسأل ربك أن يعفو عني ، فأنعم وسار.

فلما ناجى ربّه قال له : يا ربّ العالمين أسألك وأنت العالم قبل نطقي به ، فقال - تعالى - : يا موسى ما تسألني أعطيك وما تريد أبلغك ، قال : ربّ إن فلانا عبدك الإسرائيلي أذنب ذنبا ويسألك العفو ، قال : يا موسى أعفو عمن استغفرني إلا قاتل الحسين .

قال موسى : يا ربّ ومن الحسين ؟ قال له : الذي مر ذكره عليك بجانب الطور ، قال : يا ربّ ومن يقتله ؟ قال : يقتله أمة جده الباغية الطاغية في أرض كربلاء وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل وتقول في صهيلها : « الظليمة الظليمة من أمة قتلت

ص: 121

ابن بنت نبيها » فيبقى ملقى على الرمال من غير غسل ولا كفن وينهب رحله ويسبى نساو في البلدان ويقتل ناصره وتشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح ، يا موسى صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر .

قال : فبكى موسى عليه السلام وقال : يا ربّ وما لقاتليه من العذاب ؟ قال : يا موسى عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار ، لا تنالهم رحمتي ولا شفاعة جده ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض .

قال موسى : برئت إليك اللهم منهم وممن رضي بفعالهم ، فقال سبحانه : يا موسى كتبت رحمة لتابعيه من عبادي ، واعلم أنه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار .

تذنيب

[ يزيد وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد أبناء زنا ]

قال موف كتاب إلزام النواصب وغيره : أن ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها عن نفسها فحملت يزيد لعنه الله ، وإلى هذا أشار النسابة الكلبي بقوله :

فإن يكن الزمان أتى علينا

بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب

بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيد الله بن زياد لعنه الله فإن أباه زياد ابن سمية كانت أمه سمية مشهورة بالزنا ، وولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بأم زياد فأولدها زيادا وإنه أخوه ، فصار

ص: 122

اسمه الدعي ، وكانت عائشة تسميه زياد ابن أبيه؛ لأنّه ليس له أب معروف ، ومراده بعبد كلب يزيد بن معاوية ؛ لأنّه من عبد بجدل الكلبي .

وأما عمر بن سعد لعنه الله فقد نسبوا أباه سعدا إلى غير أبيه ، وإنه من رجل من بني عذرة كان خدنا لأمه ، ويشهد بذلك قول معاوية لعنه الله حين قال سعد لمعاوية : أنا أحق بهذا الأمر منك ، فقال له معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة وضرط له ، روى ذلك النوفلي بن سليمان من علماء السنة ، ويدل على ذلك قول السيد الحميري :

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم

لو لا خمول بني سعد لما سادوا

ص: 123

باب 37 :ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته

اشارة

صلوات الله عليه ولعنة الله على ظالميه وقاتليه والراضين بقتله والموزرين عليه

[ مصادر أخبار المقتل ]

أقول : بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله

ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في « الإرشاد » ورواية السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب « الملهوف » ، ورواية الشيخ جعفر بن محمد بن نما في كتاب « مثير الأحزان » ورواية أبي الفرج الأصفهاني في كتاب « مقاتل الطالبيين » ورواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله عليه السلام ، ورواية صاحب كتاب « المناقب » الذي ألفه بعض القدماء من الكتب المعتبرة وذكر أسانيده إليها وموفه ، إما من الإمامية أو من الزيدية وعندي منه نسخه قديمة مصححة ، ورواية المسعودي في كتاب « مروج الذهب » وهو من علمائنا الإمامية ، ورواية ابن شهرآشوب في « المناقب » ، ورواية صاحب « كشف الغمة » وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ، ثم نختم الباب بإيراد الأخبار المتفرقة .

ص: 124

[ رواية الصدوق ]

1 - الأمالي للصدوق : عن عبد الله بن منصور قال : سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال : حدثني أبي عن أبيه عليه السلام قال :

[ وصية معاوية ليزيد ]

لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه ، فقال له : يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ووطدت لك البلاد ، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم ، وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير ، والحسين بن علي ، فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه ، وأما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو

لك كما يجثو الأسد لفريسته ويوربك موربة الثعلب للكلب ، وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ولا توخذه بفعله ، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحما ، وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها .

[ يزيد يطالب واليه على المدينة بأخذ البيعة له من الحسين ]

قال : فلما هلك معاوية وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان ، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام فقال : إن

ص: 125

أمير المونين أمرك أن تبايع له ، فقال الحسين عليه السلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت

الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحق الذين أودعه الله - عزّ وجلّ - قلوبنا وأنطق به ألسنتنا ، فنطقت بإذن الله - عزّ وجلّ - ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ؟

فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عبد الله يزيد أمير المونين من عتبة بن أبي سفيان أما بعد : فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام .

فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة : أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي .

[ خروج الحسين من المدينة ]

فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهمّ بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق ، فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه و آلهليودع القبر ، فلما وصل إلى القبر سطع له نور من القبر ، فعاد إلى موضعه ، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر ، فقام يصلي

فأطال فنعس وهو ساجد ، فجاءه النبي وهو في منامه ، فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ويقول : بأبي أنت ، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ، ما لهم عند الله من خلاق ، يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك ، وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة ، فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا ، فأتى أهل بيته فأخبرهم بالروا وودعهم وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام ، ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبو بكر بن علي ومحمد بن علي وعثمان بن علي والعباس بن علي وعبد الله بن مسلم بن عقيل وعلي بن الحسين الأكبر وعلي بن الحسين الأصغر .

ص: 126

[ عبدالله بن عمر يعارض الحسين عليه السلام ]

وسمع عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال : أين تريد يا ابن رسول الله ؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع إلى

حرم جدّك ، فأبى الحسين عليه .

فلما رأى ابن عمر إباءه قال : يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه و آلهيقبله منك ، فكشف الحسين عليه السلام عن سرته ، فقبلها ابن عمر ثلاثا

وبكى وقال : أستودعك الله يا با عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا .

[ في الثعلبية ]

فسار الحسين عليه السلام وأصحابه، فلما نزلوا ثعلبية ورد عليه رجل يقال له «بشر بن غالب» فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله - عزّ وجلّ - « يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ » ؟ قال : إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هواء في الجنة وهواء في النار ، وهو قوله - عزّ وجلّ - « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ » .

[ رؤيا الحسين في العذيب ]

ثم سار حتى نزل العذيب ، فقال فيها قائلة الظهيرة ، ثم انتبه من نومه باكيا ، فقال له ابنه : ما يبكيك يا أبة ؟ فقال : يا بني إنها ساعة لا تكذب الروا فيها ، وإنه عرض لي في منام عارض فقال : تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة .

[ لقاء الحر في الرهيمة ]

ثم سار حتى نزل الرهيمة ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى « أبا هرم » فقال : يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة ؟ فقال : ويحك يا أبا هرم ،

ص: 127

شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم .

قال : وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر ، وإن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة ، فأسري إليه حر بن يزيد في ألف فارس .

قال الحر : فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة ، فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : ثكلت الحر أمه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه و آلهويبشر بالجنة ؟! فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين ، فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسين : وعليك السلام من أنت يا عبد الله ؟ فقال : أنا الحر بن يزيد ، فقال : يا حر أعلينا أم لنا ؟ فقال الحر : والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلى عنقي وأكب على حر وجهي في النار ، يا ابن رسول الله أين تذهب ؟ ارجع إلى حرم جدك فإنك مقتول ، فقال الحسين عليه السلام :

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما

[ لقاء عبد اللّه بن الحر في القطقطانة ]

ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة ، فنظر إلى فسطاط مضروب فقال : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبد الله بن الحر الحنفي ، فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال : أيهاالرجل إنك مذنب خاطئ ، وإن الله - عزّ وجلّ - آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله - تبارك وتعالى - في ساعتك هذه ، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي

الله - تبارك وتعالى - ، فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين

ص: 128

يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ولا أرادني أحد إلا نجوت عليه فدونك فخذه ، فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبّه الله على وجهه في نار جهنم .

[ في كربلاء ]

ثم سار حتى نزل بكربلاء ، فقال : أي موضع هذا ؟ فقيل : هذا كربلاء يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال عليه السلام : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماوا ويباح فيه حريمنا .

فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له « عمر بن سعد » قائده في أربعة آلاف فارس ، وأقبل عبد الله بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس ، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه .

فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين عليه السلام ويحدثه ويكره قتاله ، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد :إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار .

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى : أنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم ، فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه .

[ الحسين يأذن لأصحابه وأهل بيته بالإنصراف ]

فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال : اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى

ص: 129

ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي ، وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حلّ من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري .

فقام عليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام وابن نبينا سيد الأنبياء لم نضرب معه بسيف ولم نقاتل معه برمح ؟ لا والله أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا .

وقام إليه رجل يقال له « زهير بن القين البجلي » فقال : يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت ، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولأصحابه : جزيتم خيرا .

ثم إنّ الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق ، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء ، وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك في الإشراق والأصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل

وكل حي سالك سبيلي

[ يوم العاشر ]

ثم قال لأصحابه : قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضئوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ، ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبئة الحرب ، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد .

ص: 130

[ دعاء الحسين على ابن أبي جويرية ]

وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له « ابن أبي جويرية المزني » فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى : يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل ؟ فقيل : ابن أبي جويرية المزني ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق .

[ دعاء الحسين على تميم الفزاري ]

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له «تميم بن حصين الفزاري» فنادى: يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا ، فقال الحسين عليه السلام : من الرجل؟ فقيل : تميم بن حصين ، فقال الحسين : هذا وأبوه من أهل النار ، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم ، قال : فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات .

[ دعاء الحسين على محمد بن أشعث ]

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له « محمد بن أشعث بن قيس الكندي » فقال : يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك ؟ فتلا الحسين هذه الآية « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً » الآية ، ثم قال : والله إن محمدا لمن آل إبراهيم ، وإن العترة الهادية لمن آل محمد ، من الرجل ؟ فقيل : محمد بن أشعث بن قيس الكندي ، فرفع الحسين عليه السلام

ص: 131

رأسه إلى السماء فقال : اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا ، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغته ، فمات بادي العورة .

[ كلام يزيد بن الحصين الهمداني ]

فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له « يزيد بن الحصين الهمداني » فقال : يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم ، فأذن له فخرج إليهم فقال : يا معشر الناس إن الله - عزّ وجلّ - بعث

محمدا « بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً » وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف ، فو الله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين عليه السلام : اقعد يا يزيد .

[ مناشدة الحسين ]

ثم وثب الحسين عليه السلام متوكئا على سيفه فنادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله هل تعرفوني ؟ قالوا : نعم ، أنت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسبطه .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي ؟ قالوا : اللهم نعم .

ص: 132

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلم ،ا وأنه ولي كل مون ومونة ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فبم تستحلون دمي ، وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة ؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا .

فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال : اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ، واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ، واشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله ، واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم ، واشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم .

[ توبة الحر ]

قال : فضرب الحر بن يزيد فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده على رأسه وهو يقول : اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك ، يا ابن رسول الله هل لي من توبة ؟ قال : نعم تاب الله عليك ، قال : يا ابن رسول الله ائذن لي فأقاتل عنك ، فأذن له ، فبرز وهو يقول :

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف

ص: 133

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل ، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب فقال : بخ بخ يا حر ، أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة ، ثم أنشأ الحسين يقول :

لنعم الحر حر بني رياح

ونعم الحر مختلف الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح

[ أصحاب الحسين يبرزون للقتال ]

ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام :

اليوم نلقى جدك النبيا

وحسنا والمرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذبكم بالسيف عن حسين

ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الأسدي وهو يقول :

أنا حبيب وأبي مطهر

لنحن أزكى منكم وأطهر

ننصر خير الناس حين يذكر

فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

ثم برز من بعده عبد الله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول :

قد علمت حقا بنو غفار

أني أذب في طلاب الثار

بالمشرفي والقنا الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله .

ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول :

أنا بدير وأبي حفير

لا خير فيمن ليس فيه خير

ص: 134

فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلها ودودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي قصم الأقران

يا قوم كونوا كأسود الجان

آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول :

أنا زياد وأبي مهاصر

أشجع من ليث العرين الخادر

يا ربّ إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك مهاجر

فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو وأمه فاتبعوه إلى كربلاء ، فركب فرسا وتناول بيده عود الفسطاط فقاتل ، وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ، ثم استور ، فأتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه ، فضربت عنقه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، وأخذت أمه سيفه وبرزت ، فقال لها الحسين : يا أم وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء ، إنك وابنك مع جدي محمد صلى الله عليه و آله في الجنة .

ثم برز من بعده هلال بن حجاج وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأنشأ يقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وقد وجدت الموت شيئا مرا

أكره أن أدعى جبانا فرا

إن الجبان من عصى وفرا

ص: 135

فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه .

وبرز من بعده علي بن الحسين عليه السلام ، فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم ابن رسولك وأشبه الناس وجها وسمتا به ، فجعل يرتجز وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

أما ترون كيف أحمي عن أبي

فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى أبيه فقال : يا أبة العطش ؟ فقال له الحسين عليه السلام : صبرا يا بني يسقيك جدك بالكأس الأوفى ، فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ثم قتل صلى الله عليه .

وبرز من بعده القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول :

لا تجزعي نفسي فكل فان

اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه .

[ مقتل الحسين ]

ونظر الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ولا يرى أحدا ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك ، وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ، ورمي بسهم فوقع في نحره وخر عن فرسه ، فأخذ السهم فرمى به ، فجعل يتلقى الدم بكفه ، فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ويقول : ألقى الله - عزّ وجلّ - وأنا مظلوم متلطخ بدمي ثم خر على خده الأيسر صريعا .

وأقبل عدو الله سنان الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام ، فقال بعضهم لبعض :

ص: 136

ما تنتظرون أريحوا الرجل ، فنزل سنان بن الأنس الإيادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول : والله إني لأجتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا وأما .

وأقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين وجعل يركض ويصهل ، فسمعت بنات النبي صهيله ، فخرجن فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسينا قد قتل ، وخرجت أم كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب وتقول : وا محمداه ، هذا الحسين بالعراء ، قد سلب العمامة والرداء .

وأقبل سنان حتى أدخل رأس حسين بن علي عليه السلام على عبيد الله بن زياد وهو يقول :

املأ ركابي فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عبيد الله بن زياد : ويحك فإن علمت أنه خير الناس أبا وأما لم قتلته إذا ، فأمر به فضربت عنقه ، وعجل الله بروحه إلى النار .

وأرسل ابن زياد قاصدا إلى أم كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها : الحمد لله الذي قتل رجالكم ، فكيف ترون ما فعل بكم ؟ فقالت : يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده صلى الله عليه و آلهبه وكان يقبله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه ، يا ابن زياد أعدّ لجده جوابا فإنه خصمك غدا(1) .

ص: 137


1- بيان : وطدت الشيء أطده وطدا أي أثبته وثقلته والتوطيد مثله والإرب بالكسر العضو وجثا كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ورملة بالدم فترمل وارتمل أي تلطخ والخلاق النصيب والظهيرة شدة الحر نصف النهار والإسراء السير بالليل ويقال طلبت فلانا حتى رهقته أي حتى دنوت منه فربما أخذه وربما لم يأخذه وحر الوجه ما بدا من الوجنة والثبور الهلاك والخسران والواعية الصراخ والصوت والمسامرة الحديث بالليل ويقال أخذت بكظمه بالتحريك أي بمخرج نفسه. وقال الجزري يقال للرجل إذا أسرى ليله جمعاء أو أحياها بالصلاة أو غيرها من العبادات اتخذ الليل جملا كأنه ركبه ولم ينم فيه انتهى وشرقت الشمس أي طلعت وأشرقت أي أضاءت والأصيل بعد العصر إلى المغرب والبديل البدل وسنبك الدابة هو طرف حافرها والبراز بالفتح الفضاء الواسع وتبرز الرجل أي خرج إلى البراز للحاجة والذود الطرد والدفع. وقال الجوهري المشرفية سيوف قال أبو عبيد نسبت إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف يقال سيف مشرفي والقنا بالكسر جمع قناة وهي الرمح ورمح خطار ذواهتزاز ويقال خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه للطعن والكاهل أبو قبيلة من أسد وكذا دودان أبو قبيلة منهم وخندف في الأصل لقب ليلى بنت عمران سميت به القبيلة وقيس أبو قبيلة من مضر وهو قيس عيلان والعرين مأوى الأسد الذي يألفه وفي بعض النسخ العريز وكأنه من المعارزة بمعنى المعاندة والخدر الستر وأسد خادر أي داخل الخدر ورجل فر أي فرار ويقال ملك محجب أي محتجب عن الناس .

[ رواية الشيخ المفيد وغيره ]

2 - أقول : قال الشيخ المفيد في « الإرشاد » روى أصحاب السيرة : لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية والبيعه له ، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة ، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

[ يزيد يطلب البيعة من الحسين ]

فلما مات معاوية ، وذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان على المدينة من قبل معاوية : أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ولا يرخص له في التأخير عن ذلك .

فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه ، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : إن الوليد قد استدعاني

ص: 138

في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني .

فصار الحسين عليه السلام إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد معاوية ، فاسترجع الحسين ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له .

فقال الحسين عليه السلام : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس . فقال له الوليد : أجل . فقال الحسين : فتصبح وترى رأيك في ذلك . فقال له الوليد : انصرف على اسم الله - تعالى - حتى تأتينا مع جماعة الناس .

فقال له مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك وقال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت ، وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

قال السيد : كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها ، وخاصة على الحسين عليه السلام ويقول : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه ، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين ، فقال : إنه لا يقبل ولو كنت مكانك ضربت عنقه ، فقال الوليد : ليتني لم أك شيئا مذكورا ، ثم بعث إلى الحسين عليه السلام فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه .. وساق الكلام إلى أن قال :

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله وأثمت .

ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالبيعة والخلافة ، ثم خرج عليه السلام .

ص: 139

وقال ابن شهرآشوب : كتب إلى الوليد بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن يأبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه ، فشاور في ذلك مروان فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .

فوجه في طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبد الرحمن وعبد الله : ندخل دورنا ونغلق أبوابنا ، وقال ابن الزبير : والله ما أبايع يزيد أبدا ، وقال الحسين : أنا لا بد لي من الدخول على الوليد .. وذكر قريبا مما مر .

قال المفيد : فقال مروان للوليد عصيتني ، لا والله ، لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ،فقال الوليد : ويح غيرك يا مروان ، إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي ،

والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإني قتلت حسينا ، سبحان الله أقتل حسينا أن قال : لا أبايع ، والله إني لأظن أن امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة .

فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه .

[ مروان ينصح الحسين بالبيعة ليزيد!! ]

قال السيد : فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له : يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد ، فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع ، فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المونين ، فإنه خير لك في دينك ودنياك ، فقال الحسين عليه السلام : « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » وعلى الإسلام السلام ؛ إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ، وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان .

ص: 140

فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة.

[ خروج ابن الزبير إلى مكة ]

قال المفيد رحمه الله : فقام الحسين في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة ، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال ، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا ، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا .

[ نصيحة محمد بن الحنفية ]

فلما كان آخر نهار السبت بعث الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية ، فقال لهم الحسين : أصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه ، فخرج عليه السلام من تحت ليلة ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ، متوجها نحو مكة ، ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية رحمه الله فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه ، فقال له : يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك ، وأنت أحق بها ، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس ، ثم ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون إذا لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا .

ص: 141

فقال له الحسين عليه السلام : فأين أنزل يا أخي ؟ قال : انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فستنل ذلك ، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا .

فقال عليه السلام : يا أخي قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا .

[ الحسين يودع جده وأمه ]

وقال محمد بن أبي طالب الموسوي : لما ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه ، ثم قال : والله لا يراني الله أقتل ابن نبيه ، ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها .

قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده صلى الله عليه و آلهفقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلفتني في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله إنهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك ، ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا .

وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله فقال : الحمد لله الذي خرج ولم يبتلني بدمه .

قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح .

فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى .

ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر

ص: 142

فأغفى ، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة .

فجعل الحسين عليه السلام - في منامه - ينظر إلى جده ويقول : يا جداه لا حاجة لي فيالرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك .

فقال له رسول الله : لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة .

فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا ، فقص رواه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّا من أهل بيت رسول الله ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم .

قال : وتهيأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ، ثم رجع إلى منزله وقت الصبح .

[ محمد بن الحنفية يعاود النصيحة ]

فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية وقال : يا أخي أنت أحب الخلق إلي وأعزهم عليّ ، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحق بها منك ؛لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجب طاعته في عنقي ؛ لأن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة .. وساق الحديث كما مر إلى أن قال :

ص: 143

تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا ، فإن اطمأنت بك الدار وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم الله بينا وبين القوم الفاسقين .

فقال الحسين عليه السلام : يا أخي والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة ، ثم قال : يا أخي جزاك الله خيرا ، فقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم.

[ وصية الحسين لمحمد بن الحنفية ]

ثم دعا الحسين بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق « وَأَنَّ

السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه و آله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق « وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ »وهذه وصيتي يا أخي إليك « وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » .

ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل .

ص: 144

[ سئل الصادق عن تخلف ابن الحنفية ]

وقال محمد بن أبي طالب :روي عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا : إن الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم أما بعد : فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام .

[ الملائكة والجن يعلنون للحسين استعدادهم لنصرته ]

وقال شيخنا المفيد : بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : لما سار أبو عبد الله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله سبحانه أمد جدك بنا فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ، وإن الله أمدك بنا ، فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني ، فقالوا : يا حجة الله

مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟ فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي .

وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا : يا سيدنا نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بأمرك وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك ، فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أ وما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله « أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ » وقال سبحانه « لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ » وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس ؟ وبماذا يختبرون ؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ؟ وقد اختارها الله يوم دحا

ص: 145

الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ويكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة ، ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله .

فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لو لا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك .

فقال صلوات الله عليه لهم : نحن - والله - أقدر عليهم منكم ، ولكن « لِيهلك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(1) .

[ أم سلمة تودّع الحسين ]

ووجدت في بعض الكتب أنه عليه السلام : لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضي الله عنها فقالت : يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها « كربلاء » ، فقال لها : يا أماه وأنا والله أعلم ذلك ، وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد ، وإني والله لأعرف

اليوم الذي أقتل فيه ، وأعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي أدفن فيها ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي .

ثم أشار عليه السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمره إلى الله ، فقال لها : يا أماه قد شاء الله - عزّ وجلّ - أن يراني مقتولا مذبوحا ظلماوعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا .

ص: 146


1- انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.

وفي رواية أخرى : قالت أم سلمة : وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة ، فقال : والله إني مقتول كذلك وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا .

ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال : اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت .

[ دخول الحسين إلى مكة ]

ثم قال المفيد : فسار الحسين إلى مكة وهو يقرأ « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ » ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض .

ولما دخل الحسين

عليه السلام مكة كان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، دخلها وهو يقرأ « وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ » .

ثم نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها ويطوف ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة ، وهو عليه السلام أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين في البلد ، وإن الحسين أطوع في الناس منه وأجل .

[ كتب أهل الكوفة ]

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد ، وعرفوا خبر الحسين وامتناعه من بيعته وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك وخروجهما إلى مكة ، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا الله وأثنوا عليه .

ص: 147

فقال سليمان : إن معاوية قد هلك ، وإن حسينا قد نقض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه ، فإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه . قالوا : لا بل

نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فاكتبوا إليه .

فكتبوا إليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المونين والمسلمين من أهل الكوفة ، سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد :

فالحمد الله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله .

ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وائل وأمروهما بالنجا ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان .

ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله وعبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الأرحبي وعمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة .

وقال السيد : وهو مع ذلك يتأبى ولا يجيبهم ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب .

ص: 148

وقال المفيد : ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكتبوا إليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الحسين بن علي من شيعته من المونين والمسلمين أما بعد :

فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل والسلام .

ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن حجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التيمي : أما بعد ، فقد أخضر الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك .

وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس ، ثم كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرسل :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى الملإ من المونين والمسلمين أما بعد : فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم؛ أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين

الحق الحابس نفسه على ذلك لله والسلام .

[ الحسين يبعث مسلم إلى الكوفة ]

ودعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك .

ص: 149

فأقبل مسلم رحمه الله حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله وودع من أحب من أهله واستأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق وأصابهما عطش شديد ، فعجزا عن السير ، فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك ، فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا ، فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر : أما بعد؛ فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش ، فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء ، فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان

يدعى « المضيق » من بطن الخبت ، وقد تطيرت من توجهي هذا ، فإن رأيت أعفيتني عنه وبعثت غيري ، والسلام .

فكتب إليه الحسين عليه السلام : أما بعد؛ فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه ، والسلام .

فلما قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فأقبل حتى مربماء لطيئ فنزل به ، ثم ارتحل عنه فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم بن عقيل : نقتل عدونا إن شاء الله.

[ مسلم في الكوفة ]

ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة ، وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رحمه الله حتى علم بمكانه .

ص: 150

فبلغ النعمان بشير ذلك ، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فاتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال ، إني لا أقاتل من لا يقاتلني ، ولا آتي على من لم يأت علي ، ولا أنبه نائمكم ، ولا أتحرش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن لي منكم ناصر ، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم ، وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين .

فقال له النعمان : إن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل .

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا : أما بعد؛ فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف .

ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك ، فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرحون مولى معاوية فقال : ما رأيك أن الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ ، فمن ترى أن أستعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد ، فقال له سرحون : أرأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه ؟ قال : بلى ، فأخرج سرحون عهد عبيد الله على الكوفة وقال : هذا رأي معاوية ،

ص: 151

مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضم المصرين إلى عبيد الله ، فقال له يزيد : أفعل ، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه .

ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه : أما بعد ؛ فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة ويخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام .

وسلّم إليه عهده على الكوفة ، فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله البصرة وأوصل إليه العهد والكتاب ، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيو إلى الكوفة من الغد ، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان .

وقال ابن نما رحمه الله : أن أهل الكوفة كتبوا إليه : أنا معك مائة ألف ، و عن الشعبي قال :بايع الحسين عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم ، فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول ويعدهم بسرعة الوصول وبعث مسلم بن عقيل .

[ الحسين يراسل أهل البصرة ]

وقال السيد رحمه الله بعد ذلك : وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولى له اسمه « سليمان » ويكنى « أبا رزين » يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته منهم : يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي ، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا . قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : إنما والله نمنحك النصيحة ونحمد لك الرأي فقل نسمع .

ص: 152

فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم ، مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطأ قدمه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ذوالشرف الأصيل ، والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمته

وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة ،ولا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته ، والله يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده ،

والقلة في عشيرته ، وها أنا قد لبست للحرب لأمتها ، وادرعت لها بدرعها ، من لم يقتل

يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب .

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا إذا شئت .

وتكلمت بنو سعد بن زيد فقالوا : أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا .

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاو ، لا نرضى إن غضبت ، ولا نقطن إن ظعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ، ومرنا نطعك ، والأمر لك إذا شئت .

فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم .

ص: 153

ثم كتب إلى الحسين صلوات الله عليه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد ؛ فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له ، من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك ، وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير ، أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ، فقد ذللت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع .

فلما قرأ الحسين الكتاب قال : ما لك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش .

فلما تجهّز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه .

وأما المنذر بن جارود ، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد ؛ لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ، ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف ، ثم بات تلك الليلة ، فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد وأسرع هو إلى قصد الكوفة .

وقال ابن نما : كتب الحسين عليه السلام كتابا إلى وجوه أهل البصرة منهم : الأحنف بن قيس وقيس بن الهيثم والمنذر بن الجارود ويزيد بن مسعود النهشلي ، وبعث الكتاب مع زراع السدوسي ، وقيل : مع سليمان المكنى بأبي رزين ، فيه : إني أدعوكم إلى الله

وإلى نبيه ، فإن السنة قد أميتت ، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ .

فكتب الأحنف إليه : أما بعد؛ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ .

ثم ذكر أمر الرجلين مثل ما ذكره السيد رحمه الله إلى أن قال :

ص: 154

[ ابن زياد يصل إلى الكوفة ]

فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ليلا ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام ، ودخلها مما يلي النجف ، فقالت امرأة : الله أكبر ابن رسول الله وربّ الكعبة ، فتصايح الناس ، قالوا : إنا معك أكثر من أربعين ألفا ، وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته ، وظنهم أنه الحسين ، فحسر اللثام وقال : إنا عبيد الله ، فتساقط القوم ووطئ بعضهم بعضا ، ودخل دار الإمارة وعليه عمامة سوداء .

فلما أصبح قام خاطبا ، وعليهم عاتبا ، ولروائهم موبا ، ووعدهم بالإحسان على لزوم طاعته وبالإساءة على معصيته والخروج عن حوزته ، ثم قال :

يا أهل الكوفة إن أمير المونين يزيد ولاني بلدكم ، واستعملني على مصركم ، وأمرني بقسمة فيئكم بينكم ، وإنصاف مظلومكم من ظالمكم ، وأخذ الحق لضعيفكم من قويكم ، والإحسان للسامع المطيع ، والتشديد على المريب ، فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي ، ونزل ، يعني بالهاشمي مسلم بن عقيل رضي الله عنه .

وقال المفيد : وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه ، فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين عليه السلام ، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا : مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا : تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد .

وسار حتى وافى القصر بالليل ، ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين عليه السلام ، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته ، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النعمان ، وهو يظنه الحسين ، فقال : أنشدك الله إلا تنحيت ، والله ما أنا بمسلم إليك أمانتي ، وما لي في قتالك من إرب ، فجعل لا يكلمه ،

ثم إنه دنا وتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه ، فقال : افتح ، لا فتحت ،

ص: 155

فقد طال ليلك ، وسمعها إنسان خلفه ، فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين عليه السلام فقال : يا قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره ففتح له النعمان ، فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا .

وأصبح فنادى في الناس : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد؛ فإن أمير المونين يزيد ولاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليتق امروعلى نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ، ثم نزل .

وأخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا ، فقال : اكتبوا إلى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المونين ومن فيكم من أهل الحرورية وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ، فمن يجيء لنا بهم فبرئ ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ، أن لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله ، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المونين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء .

[ معقل اللعين يكتشف مكان مسلم ]

ولما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله مجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها ، وما أخذ به العرفاء والناس ، خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة فدخلها ، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر واستخفاء من عبيد الله ، وتواصوا بالكتمان ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » فقال : خذ

ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم وقل لهم : استعينوا بها على حرب

ص: 156

عدوكم ، وأعلمهم أنك منهم ، فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئا من أمورهم وأخبارهم ، ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه .

ففعل ذلك وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي ، فسمع قوما يقولون : هذا يبايع للحسين ، فجاء وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال : يا عبد الله إني امرومن أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم وتباكى له وقال : معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آلهفكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا أعرف مكانه ، فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المونين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال وتدخلني على صاحبك فإني أخ من إخوانك وثقة عليك وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه .

فقال له ابن عوسجة : أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب ولينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام ، ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية وسطوته ، فقال له معقل : لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي ، فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن ، فأعطاه من ذلك ما رضي به ، ثم قال له : اختلف إلي أياما في منزلي فإني طالب لك الإذن على صاحبك ، وأخذ يختلف مع الناس ، فطلب له الإذن فأذن له ، وأخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح ، وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا .

ص: 157

[ الإيمان قيد الفتك ]

وقال ابن شهرآشوب : لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب ، فبايعه اثنا عشر ألف رجل ، فلما دخل ابن زياد انتقل من دار سالم إلى دار هانئ في جوف الليل ودخل في أمانه ، وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون ألف رجل ، فعزم على الخروج فقال : هانئ لا تعجل ، وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد فمرض ، فنزل دار هانئ أياما ، ثم قال لمسلم : إن عبيد الله يعودني وإني مطاوله الحديث ، فاخرج إليه بسيفك فاقتله ، وعلامتك أن أقول : اسقوني ماء ، ونهاه هانئ عن ذلك .

فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سوله ورأى أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول :

ما الانتظار بسلمى أن تحييها

كأس المنية بالتعجيل اسقوها

فتوهم ابن زياد وخرج .

فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر ، فإذا فيه للحسين بن علي عليه السلام : أما بعد؛ فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا ، فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل ، فإن الناس كلهم معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى ، فأمر ابن زياد بقتله .

وقال ابن نما : فلما خرج ابن زياد دخل مسلم والسيف في كفه قال له شريك : ما منعك من الأمر ؟ قال مسلم : هممت بالخروج ، فتعلقت بي امرأة وقالت : نشدتك الله إن قتلت ابن زياد في دارنا ، وبكت في وجهي ، فرميت السيف وجلست ، قال هانئ : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها ، والذي فررت منه وقعت فيه .

وقال أبو الفرج في «المقاتل» : قال هانئ لمسلم : إني لا أحب أن يقتل في داري ، فلما خرج مسلم قال له شريك : ما منعك من قتله ؟ قال : خصلتان : أما إحداهما

ص: 158

فكراهية هانئ أن يقتل في داره ، وأما الأخرى فحديث حدثنيه الناس

عن النبي صلى الله عليه و آله : أن الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مون ، فقال له هانئ : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا .

[ إعتقال هانى ء ]

ثم قال المفيد : وخاف هانئ بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئا ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة ، وهي أم يحيى بن هانئ ، فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري ، وقد قيل : إنه يشتكي ، قال : قد بلغني أنه قد برئ وهو يجلس على باب داره ، فألقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب .

فأتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟ فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ، فقال لهم : الشكوى تمنعني ، فقالوا : قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك ، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمل السلطان ، أقسمنا عليك لما ركبت معنا ، فدعا بثيابه فلبسها ، ثم دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا ابن الأخ إني والله لهذا الرجل لخائف ، فماترى ؟ فقال : يا عم والله ما أتخوف عليك شيئا ، ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم في أي شيء بعث إليه عبيد الله .

فجاء هانئ حتى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم ، فلما طلع قال عبيد الله : أتتك بحائن رجلاه .

فلما دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه فقال :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خلليك من مراد

ص: 159

وقد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا ، فقال له هانئ : وما ذاك أيها الأمير ؟ قال : إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المونين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أن ذلك يخفى علي ؟! قال : ما فعلت ذلك وما مسلم عندي ، قال : بلى قد فعلت ، فلما كثر بينهما وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وفق بين يديه وقال : أتعرف هذا ؟ قال : نعم ، وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم ، وأنه قد أتاه بأخبارهم ،

فأسقط في يده ساعة .

ثم راجعته نفسه فقال : اسمع مني وصدق مقاتلي ، فو الله ما كذبت ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول ، فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام ، فضيفته وآويته وقد كان من أمره ما بلغك ، فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا ولا غائلة ولآتينك حتى أضع يدي في يدك ، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره .

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به ، قال : لا والله لا أجيئك به أبدا ، أجيئك بضيفي تقتله ؟! قال : والله لتأتيني به ، قال : والله لا آتيك به ، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال : أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان .

فقال له مسلم : يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك ، وأن تدخل البلاء في عشيرتك ؟ فو الله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليهم ، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنما تدفعه

ص: 160

إلى السلطان ، فقال هانئ : والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حي صحيح أسمع وأرى ، شديد الساعد كثير الأعوان ، والله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه إليه أبدا .

فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال : ادنوه مني ، فأدنوه منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هانئ : إذا والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد :وا لهفاه عليك أبالبارقة تخوفني ، وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه ، ثم قال : ادنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه .

فقال عبيد الله : أحروري سائرا اليوم ، قد حل دمك جروه ، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه ، فقال : اجعلوا عليه حرسا ، ففعل ذلك به ، فقام إليه حسان بن أسماء فقال : أرسل غدر سائر اليوم ؟ أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله ، فقال له عبيد الله : وإنك لهاهنا ، فأمر به فلهز وتعتع وأجلس ناحية ، فقال محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا ، إنما الأمير موب .

وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل ، فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصرومعه جمع عظيم وقال : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع ولم نفارق جماعة ، وقد بلغهم أن صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك ، فقيل لعبيد الله بن زياد : وهذه فرسان مذحج بالباب ، فقال لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل ، فدخل شريح فنظر إليه ، فقال هانئ لما رأى شريحا : يا لله يا للمسلمين!! أهلكت عشيرتي ؟ أين أهل الدين ؟ أين أهل المصر ؟ والدماء تسيل على لحيته ، إذ سمع الضجة على باب القصر ، فقال : إني لأظنها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني .

ص: 161

فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم ، فقال لهم : إن الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه ، فأتيته فنظرت إليه ، فأمرني أن ألقاكم وأعرفكم أنه حي وأن الذي بلغكم من قتله باطل ، فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : أما إذ لم يقتل فالحمد لله ، ثم انصرفوا .

فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه فقال : أما بعد؛ أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا وتقتلوا وتجفوا وتحرموا ، إن أخاك من صدقك ، وقد أعذر من أنذر ، والسلام .

[ هجوم مسلم على القصر ]

ثم ذهب لينزل ، فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون : قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق أبوابه .

فقال عبد الله بن حازم : أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ ، فلما ضرب وحبس ركبت فرسي ، فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر ، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين : يا عبرتاه ، يا ثكلاه ، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر ، فأمرني أن أنادي في أصحابه ، وقد ملأ بهم الدور حوله كانوا فيها أربعة آلاف رجل ، فقال ناد : «يا منصور أمت» فناديت ، فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه .

فعقد مسلم رحمه اللهلرؤوس الأرباع كندة ومذحج وتميم وأسد ومضر وهمدان ، وتداعى الناس واجتمعوا ، فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يتوثبون حتى المساء ، فضاق بعبيد الله أمره ، وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر ، وليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته وخاصته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف

ص: 162

الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي الدار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم ، وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه .

فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري ، وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس .

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم ، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة ، فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني ، فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه ، وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن ثور الذهلي وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان ، حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين ودخل القوم معهم .

فقال كثير بن شهاب : أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك فأخرج بنا إليهم ، فأبى عبيد الله وعقد لشبث بن ربعي لواء وأخرجه ، وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد ، فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ، ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم .

وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال : أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ، فإن هذه جنود أمير المونين

ص: 163

يزيد قد أقبلت وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ، ويفرق مقاتليكم في مفازي الشام ، وأن يأخذ البريء منكم بالسقيم والشاهد بالغائب ، حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها ، وتكلّم الأشراف بنحو من ذلك .

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه ويقول : غداتأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟ انصرف ، فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد .

فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كندة ، فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه منهم عشرة ، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدله ، فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ، ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو ، فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة ، لا يدري أين يذهب ، حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة .

[ على باب طوعة ]

فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها «طوعة» أم ولد كانت للأشعث بن قيس وأعتقها وتزوجها أسيد الحضرمي ، فولدت له «بلالا» ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره.

فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام ، فقال لها : يا أمة الله اسقيني ماء ، فسقته وجلس ، ودخلت ثم خرجت فقالت : يا عبد الله ألم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب إلى أهلك ، فسكت ، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت في الثالثة : سبحان الله ، يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك ، فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة ،

ص: 164

فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد الله وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبني هواء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .

فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها ، فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال لها : والله إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ، إن لك لشأنا ، قالت له : يا بني اله عن هذا ، قال : والله لتخبريني ، قالت

له : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء ، فألح عليها ، فقالت : يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم ، فأخذت عليه الأيمان ، فحلف لها ، فأخبرته فاضطجع وسكت .

[ ابن زياد يخرج إلى المسجد ]

ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله طال على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك ، فقال لأصحابه : أشرفوافانظروا هل ترون منهم أحدا ؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ، قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، فنزعوا تخاتج المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون ، وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء لهم كما يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم .

ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه ، وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة ، وأمر عمر بن نافع فنادى : ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد ، فلم يكن إلا

ص: 165

ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة ، وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله وصلى بالناس .

ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد؛ فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله والزموا الطاعة وبيعتكم ، ولا تجعلوا

على أنفسكم سبيلا .

يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة ، فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرئ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، وكان الحصين بن نمير على شرطه وهو من بني تميم ، ثم دخل ابن زياد القصر ، وقد عقد لعمروبن حريث راية وأمره على الناس .

[ مسلم يقاتل وحده في الكوفة ]

فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه وأقبل محمد بن الأشعث فقال : مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده إلى جنبه ، وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه ، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه : قم فأتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل .

فبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه

قد أتى ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار ، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك ، فاختلف هو وبكر بن حمران

ص: 166

الأحمري ضربتين ، فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه ، وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه .

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت ، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة ، فقال محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

ويخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امرئ يوما ملاق شرا

أخاف أن أكذب أو أغرا

فقال له محمد بن الأشعث : إنك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال ، فانتهز واستند ظهره إلى جنب تلك الدار ، فأعاد ابن الأشعث عليه القول : لك الأمان ، فقال : آمن أنا ؟ قال : نعم ، فقال للقوم الذين معه : إلي الأمان ؟ قال القوم له : نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، ثم تنحى.

فقال مسلم : أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فأتي ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه ، وكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت عيناه ثم قال : هذا أول الغدر ، فقال له محمد بن الأشعث : أرجو أن لا يكون عليك بأس ، قال : وما هو إلا الرجاء ، أين أمانكم إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وبكى ، فقال له عبيد الله بن العباس : إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك! قال : والله إني ما لنفسي بكيت ، ولا لها من القتل أرثي ، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني أبكي لأهلي المقبلين ، إني أبكي للحسين وآل الحسين عليه السلام .

ص: 167

ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبد الله إني أراك والله ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا وقد خرج اليوم أو خارج غدا وأهل بيته ويقول له : إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك : ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي ، فقال ابن الأشعث : والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك.

وقال محمد بن شهرآشوب : أنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي ومحمد بن الأشعث في سبعين رجلا حتى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع

فأنت لكأس الموت لا شك جارع

فصبر لأمر الله جل جلاله

فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

فقتل منهم أحدا وأربعين رجلا .

وقال محمد بن أبي طالب : لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة وبلغ ذلك ابن زياد أرسل إلى محمد بن الأشعث يقول : بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة ، فكيف إذا أرسلناك إلى غيره ، فأرسل ابن الأشعث : أيها الأمير أتظن أنك بعثتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو إلى جرمقاني من جرامقة الحيرة! أو لم تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الأنام ؟ فأرسل إليه ابن زياد : أن أعطه الأمان ، فإنك لا تقدر عليه إلا به .

أقول : روي في بعض كتب المناقب : عن عمرو بن دينار قال : أرسل الحسين عليه السلام

مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد .

قال عمرو وغيره : لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت .

ص: 168

[ مسلم بن عقيل في القصر ]

رجعنا إلى كلام المفيد رحمه الله قال : وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر واستأذن ، فأذن له ، فدخل على عبيد الله بن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه له ، فقال له عبيد الله : وما أنت والأمان ؟ كأنا أرسلناك

لتونه ، إنما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث ، وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن ، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب ، وإذا قلة باردة موضوعة على الباب.

فقال مسلم : اسقوني من هذا الماء ، فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها ؟ لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له ابن عقيل :

ويحك من أنت ؟ فقال : أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وأطاعه إذ خالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأقطعك وأقسى قلبك ، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني .

ثم جلس فتساند إلى حائط وبعث غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له : اشرب ، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه ، ولا يقدر أن يشرب ، ففعل ذلك مرتين ، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح ، فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته ، وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه .

فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة ، فقال له الحرسي : ألا تسلم على الأمير ؟ فقال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه... ، فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلن ، قال : كذلك ؟ قال : نعم ، قال : فدعني أوصي إلى بعض قومي ، قال : افعل ، فنظر مسلم إلى

ص: 169

جلساء عبيد الله بن زياد ، وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا عمر إن بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي ، وهي سر ، فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له عبيد الله بن زياد : لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد ، فقال له : إن علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم ، فبع سيفي ودرعي فاقضها عني ، وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسين عليه السلام من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلا .

فقال عمر لابن زياد : أ تدري أيها الأمير ما قال لي ؟ إنه ذكر كذا وكذا ، فقال ابن زياد : إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يومن الخائن ، أما ماله فهو له ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحب ، وأما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها ، وأما حسين فإنه إن

لم يردنا لم نرده .

ثم قال ابن زياد : إيه ابن عقيل أتيت الناس وهم جمع فشتت بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض ؟ قال : كلا لست لذلك أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى الكتاب ، فقال له ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟!!! قال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟! أما والله

إن الله ليعلم أنك غير صادق ، وأنك قد قلت بغير علم ، وإني لست كما ذكرت ، وإنك أحق بشرب الخمر مني ، وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا ، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ، ويسفك الدم الذي حرم الله على الغصب والعداوة وسوء الظن ، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا .

فقال له ابن زياد : يا فاسق إن نفسك منتك ما حال الله دونه ولم يرك الله له أهلا ، فقال مسلم : فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله ؟ فقال ابن زياد : أمير المونين يزيد ، فقال مسلم : الحمد لله على كل حال ، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم ، فقال له

ص: 170

ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس ، فقال له مسلم : أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن ، وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولو الغلبة لا أحد أولى بها منك ، فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا وأخذ مسلم لا يكلمه .

[ مقتل مسلم بن عقيل عقيل ]

ثم قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ، فقال مسلم رحمه الله : والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ؟ فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له : اصعدفليكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه و آله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا.

وأشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضرب عنقه وأتبع رأسه جثته.

وقال السيد : ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمد بن الأشعث : يا مسلم لك الأمان ، فقال مسلم : وأي أمان للغدرة الفجرة ، ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن :

أقسمت لا أقتل إلا حرا

إلى آخر الأبيات.. فنادى إليه : أنك لا تكذب ولا تغر. فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض ، فأخذ أسيرا .

فلما دخل على عبيد الله لم يسلم عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير ، فقال له : اسكت يا ويحك والله ما هو لي بأمير ، فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول ، فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو

ص: 171

خير مني ، ثم قال ابن زياد : يا عاق ويا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة ، فقال مسلم : كذبت يا ابن زياد ، إنما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد ، عبد بني علاج

من ثقيف ، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته.

ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر : فضرب عنقه ونزل مذعورا ، فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟ فقال : أيها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيئ الوجه حذائي عاضا على إصبعه - أو قال : شفتيه - ففزعت فزعا لم أفزعه قط ، فقال ابن زياد : لعلك دهشت .

وقال المسعودي : دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال : أقتلته ؟ قال : نعم ، قال : فما كان يقول وأنتم تصعدون به لتقتلوه ؟ قال : كان يكبر ويسبح ويهلل ويستغفر الله ، فلما أدنيناه لنضرب عنقه قال : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ثم خذلونا وقتلونا ، فقلت له : الحمد لله الذي أقادني منك ، وضربته ضربة لم تعمل شيئا ، فقال لي : أو ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد ؟ قال ابن زياد : وفخرا عند الموت ؟! قال : وضربته الثانية فقتلته.

[ مقتل هانى ء بن عروة ]

وقال المفيد : فقام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال : إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه إني وصاحبي سقناه إليك ، وأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده أن يفعل ، ثم بدا له وأمر بهانئ في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه ، فأخرج هانئ حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه ، يا مذحجاه ، أين مذحج ؟

ص: 172

فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال : أ ما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ؟ ووثبوا إليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له : امدد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخي ، وما أنا بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له «رشيد» بالسيف ، فلم يصنع شيئا ، فقال له هانئ : إلى الله المعاد ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه أخرى فقتله.

وفي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رحمهما الله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل

أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسدا قد غيرت الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

فتى كان أحيا من فتاة حيية

وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طالبته مذحج بذحول

تطيف حواليه مراد وكلهم

على رقبة من سائل ومسئول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل

[ ابن زياد يبعث برأس مسلم وهانى ء إلى يزيد ]

ولما قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهانئ ، فكتب الكاتب وهو عمرو بن نافع ، فأطال فيه ، وكان أول من أطال في الكتب ، فلما نظر فيه عبيد الله كرهه وقال :

ما هذا التطويل وهذه الفضول ؟ اكتب : أما بعد؛ فالحمد الله الذي أخذ لأمير المونين

ص: 173

بحقه وكفاه مئونة عدوه ، أخبر أمير المونين أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإني جعلت عليهما المراصد والعيون ، ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتى أخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدمتهما وضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسألهما أمير المونين عما أحب من أمرهما فإن عندهما علما وورعا وصدقا والسلام .

فكتب إليه يزيد : أما بعد؛ فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم ،وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، وقد أغنيت وكفيت ، وصدقت ظني بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك وسألتهما وناجيتهما ، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيرا ، وإنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح ، واحترس ، واحبس على الظنة ، واقتل على التهمة ، واكتب إلي في كل يوم ما يحدث من خبر إن شاء الله .

وقال ابن نما : كتب يزيد إلى ابن زياد : قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وابتليت به من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد(1) .

ص: 174


1- إيضاح : قوله ويح غيرك قال هذا تعظيما له أي لا أقول لك ويحك بل أقول لغيرك والسلام بالكسر الحجر ذكره الجوهري وقال نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه وقال الشعفة بالتحريك رأس الجبل والجمع شعف وشعوف وشعاف وشعفات وهي رءوس الجبال. قوله عليه السلام ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح أي لا يتيسر له فتح وفلاح في الدنيا أو في الآخرة أو الأعم وهذا إما تعليل بأن ابن الحنفية إنما لم يلحق لأنه علم أنه يقتل إن ذهب بإخباره عليه السلام أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة أو لأنه لا عذر له في ذلك لأنه عليه السلام أعلمه وأمثاله بذلك. قوله نحمد إليك الله أي نحمد الله منهيا إليك والتنزي والانتزاء التوثب والتسرع وابتززت الشيء استلبته والنجاء الإسراع وقال الجوهري يقال حيهلا الثريد فتحت ياو لاجتماع الساكنين وبنيت حي مع هل اسما واحدا مثل خمسة عشر وسمي به الفعل وإذا وقفت عليه قلت حيهلا وقال الجناب بالفتح الفناء وما قرب من محلة القوم يقال أخصب جناب القوم والحشاشة بالضم بقية الروح في المريض قال الجزري فيه فانفلتت البقرة بحشاشة نفسها أي برمق بقية الحياة والروح والتحريش والإغراء بين القوم والقرف التهمة والغشم الظلم. طلب الخرزة كأنه كناية عن شدة الطلب فإن من يطلب الخرزة يفتشها في كل مكان وثقبة وثقفه صادفه قوله فرطا أي تقدما كثيرا من قولهم فرطت القوم أي سبقتهم أو هو حال فإن الفرط بالتحريك من يتقدم الواردة إلى الماء والكلاء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه. قوله فأهون به صيغة تعجب أي ما أهونه والأثيل الأصيل والتسكع التمادي في الباطل وقطن بالمكان كنصر أقام وظعن أي سار. قوله لئن فعلتموها أي المخالفة والخمس بالكسر من إظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع والمزنة السحابة البيضاء والجمع المزن ذكره الجوهري وقال الفيروزآبادي المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذوالماء. قوله لا فتحت دعاء عليه أي لا فتحت على نفسك بابا من الخير فقد طال لليك أي كثر وامتد همك أو انتظارك وفي مروج الذهب فقد طال نومك أي غفلتك وضربوا الباب أي أغلقوه. قوله فإن الصدق ينبي عنك قال الزمخشري في المستقصى الصدق ينبي عنك لا الوعيد غير مهموز من أنباه إذا جعله نابيا أي إنما يبعد عنك العدو ويرده أن تصدقه القتال لا التهدد يضرب للجبان يتوعد ثم لا يفعل وقال الجوهري في المثل الصدق ينبي عنك لا الوعيد أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد قال أبو عبيد هو ينبي غير مهموز ويقال أصله الهمز من الإنباء أي إن الفعل يخبر عن حقيقتك لا القول انتهى. وفي بعض النسخ عليك أي عند ما يتحقق ما أقول تطلع على فوائد ما أقول لك وتندم على ما فات لا مجرد وعيدي يقال نبأت على القوم طلعت عليهم والظاهر أنه تصحيف والعريف النقيب وهو دون الرئيس. قوله ولم تجعل على نفسك الجملة حالية وقال الجزري في حديث علي عليه السلام قال وهو ينظر إلى ابن ملجم عذيرك من خلليك من مراد يقال عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه فعيل بمعنى فاعل قوله إيه أي اسكت والشائع فيه أيها. وقال الفيروزآبادي ربص بفلان ربصا انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتربص ويقال سقط في يديه أي ندم وجوز أسقط في يديه والذمام الحق والحرمة وأذم فلانا أجاره ويقال أخذتني منه مذمة أي رقة وعار من ترك حرمته والغائلة الداهية ونفس به بالكسر أي ضن به والبارقة السيوف والحروري الخارجي أي أنت كنت أو تكون خارجيا في جميع الأيام أو في بقية اليوم. وقال الجوهري ومن أمثالهم في اليأس عن الحاجة أ سائر اليوم وقد زال الظهر أي أتطمع فيما بعد وقد تبين لك اليأس لأن من كان حاجته اليوم بأسره وقد زال الظهر وجب أن ييأس منه بغروب الشمس انتهى والظاهر أن هذا المعنى لا يناسب المقام. واللهز الضرب بجمع اليد في الصدور ولهزه بالرمح طعنه في صدره وتعتعه حركه بعنف وأقلقه قوله استيحاشا إليهم يقال استوحش أي وجد الوحشة وفيه تضمين معنى الانضمام والمتلدد المتحير الذي يلتفت يمينا وشمالا والتخاتج لعله جمع تختج معرب تخته أي نزعوا الأخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم وإن لم يرد بهذا المعنى في اللغة والمنكب هو رأس العرفاء والاستبراء الاختبار والاستعلام. قوله وجس خلالها من قولهم فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تخللوها فطلبوا ما فيها قوله فانتهز أي اغتنم الأمان قوله لا ناقة لي في هذا قال الزمخشري في مستقصى الأمثال أي لا خير لي فيه ولا شر وأصله أن الصدوف بنت حليس كانت تحت زيد بن الأخنس وله بنت من غيرها تسمى الفارعة كانت تسكن بمعزل منها في خباء آخر فغاب زيد غيبة فلهج بالفارعة رجل عدوي يدعى شبثا وطاوعته فكانت تركب على عشية جملا لأبيها وتنطلق معه إلى متيهة يبيتان فيها ورجع زيد عن وجهه فعرج على كاهنة اسمها طريفة فأخبرته بريبة في أهله فأقبل سائرا لا يلوي على أحد وإنما تخوف على امرأته حتى دخل عليها فلما رأته عرفت الشر في وجهه فقالت لا تعجل واقف الأثر لا ناقة لي في ذا ولا جمل يضرب في التبري عن الشيء قال الراعي :وما هجرتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل وقال الفيروزآبادي الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام الواحد جرمقاني والضرغام بالكسر الأسد والهمام كغراب الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع قوله عليه السلام من يلغ من ولوغ الكلب وقال الجوهري طمار المكان المرتفع وقال الأصمعي انصب عليه من طمار مثل قطام قال الشاعر فإن كنت إلى آخر البيتين وكان ابن زياد أمر برمي مسلم بن عقيل من سطح انتهى. قوله أحاديث من يسري أي صارا بحيث يذكر قصتهما كل من يسير بالليل في السبل وشفرة السيف حده أي من سلاح مصقول يقطع من الجانبين والصقيل السيف أيضا والهماليج جمع الهملاج وهو نوع من البراذين وأسماء هو أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهانئ إلى ابن زياد والرقبة بالفتح الارتقاب والانتظار وبالكسر التحفظ قوله فكونوا بغايا أي زواني وفي بعض النسخ أيامى.

ص: 175

ص: 176

[ خروج الحسين إلى العراق ]

قال المفيد رحمه الله فصل : وكان خروج مسلم بن عقيل رحمه اللهبالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين ، وقتله رحمه الله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة ، وكان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة ، وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين ، وكان قد اجتمع إلى الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه.

ولما أراد الحسين التوجه إلى العراق بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة؛ لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية ، فخرج عليه السلام مبادرا بأهله وولده ومن انضم إليه من شيعته ، ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه .

وقال السيد رضى الله عنه : روى عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين بن علي عليه السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله - تعالى - ، فقال عليه السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهواء ، ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلا ولدي علي .

ورويت : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له : يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي قد خفت أن

ص: 177

يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت .

فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ

راجِعُونَ ، فما معنى حملك هواء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال لي صلى الله عليه و آله : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ، فسلم عليه ومضى .

قال: وجاءه عبدالله بن العباس وعبدالله بن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال لهما: إن رسول الله قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه ، فخرج ابن العباس وهو يقول : وا حسيناه .

ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال ، وحذره من القتل والقتال ، فقال : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله - تعالى - أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ؟ أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ؟ اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي .

ثم قال المفيد رحمه الله وروي عن الفرزدق أنه قال : حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي عليه السلام ، فأتيته وسلمت عليه وقلت له : أعطاك الله سوك وأملك فيما تحب ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج ؟ قال : لو لم أعجل لأخذت ، ثم قال لي : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، ولا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك .

ص: 178

ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ؟ فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء واللّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ، قال : صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هُوَ فِي شَأْنٍ ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا .

وكان الحسين بن علي عليه السلام لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد ، فقالوا له : انصرف أين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، فامتنع الحسين عليه السلام وأصحابه منهم امتناعا قويا ، وسار حتى أتى التنعيم ، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه وقال لأصحابها : من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون .

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد وكتب على أيديهما كتابا يقول فيه : أما بعد ؛ فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ورجاء المونين ، ولا تعجل بالسير ، فإني في أثر كتابي والسلام .

وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين عليه السلام أمانا

ويمنيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة ويونه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت

ص: 179

رسول الله صلى الله عليه و آله في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الروا ؟ فقال : ما حدثت أحدا بها ولا أنا محدث بها أحدا حتى ألقى ربي - عزّ وجلّ - ، فلما يئس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة .

وتوجه الحسين عليه السلام إلى العراق مغذا لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق .

وقال السيد رحمه الله توجه الحسين عليه السلام من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين ، قبل أن يعلم بقتل مسلم؛ لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه .

[ خطبة الحسين لمّا عزم على الخروج إلى العراق ]

وروي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضي الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه وتنجز لهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله(1) .

ص: 180


1- أقول : روي هذه الخطبة في «كشف الغمة» عن كمال الدين بن طلحة .

[ في طريق الكوفة ]

قال السيد وابن نما رحمهما الله : ثم سار حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعليها الورس والحلل ، فأخذها عليه السلام ؛ لأن حكم أمور المسلمين إليه ، وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى بقدر ما قطع من الطريق ، فمضى قوم وامتنع آخرون .

ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق فلقي بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها ، فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية ، فقال : صدق أخو بني أسد إِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ .

قال : ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ، ثم استيقظ فقال : قد رأيت هاتفا يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة ، فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟ فقال : بلى يا بني والذي إليه مرجع العباد ، فقال : يا أبة إذن لا نبالي بالموت ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والد ، ثم بات عليه السلام في الموضع.

فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول الله ، ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه و آله ؟ فقال الحسين عليه السلام : ويحك أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبإ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم.

وقال محمد بن أبي طالب : واتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه إلى العراق ، فكتب إلى ابن زياد : أما بعد؛ فإن الحسين قد توجه

ص: 181

إلى العراق وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله ، فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا ، قال : فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد.

وروى الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال : حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسف الطريق وحدي ، فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية وفساطيط ، فانطلقت نحوها حتى أتيت أدناها ، فقلت : لمن هذه الأبنية ؟ فقالوا : للحسين عليه السلام ، قلت : ابن علي وابن فاطمة عليهاالسلام ؟ قالوا : نعم ، قلت : في أيها هو ؟ قالوا : في ذلك الفسطاط ، فانطلقت نحوه ، فإذا الحسين عليه السلام متك على باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه ، فسلمت فردّ عليّ ، فقلت : يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمي ، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعه ؟ قال : إن هواء أخافوني وهذه كتب أهل الكوفة ، وهم قاتلي ، فإذا فعلوا ذلك ، ولم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من قوم الأمة.

وقال ابن نما : حدث عقبة بن سمعان قال : خرج الحسين عليه السلام من مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ليردوه ، فأبى عليهم وتضاربوا بالسياط ، ومضى عليه السلام على وجهه فبادروه وقالوا : يا حسين ألا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ؟ فقال : لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ .

ورويت : أن الطرماح بن حكم قال : لقيت حسينا وقد امترت لأهلي ميرة فقلت : أذكرك في نفسك ، لا يغرنك أهل الكوفة ، فو الله لئن دخلتها لتقتلن ، وإني لأخاف أن لا تصل إليها ، فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل أجأ ، فإنه جبل منيع ، والله ما نالنا

فيه ذل قط ، وعشيرتي يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما أقمت فيهم ، فقال : إن بيني وبين القوم موعدا أكره أن أخلفهم ، فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء الله.

ص: 182

ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم بأمورهم وخرجت أريد الحسين عليه السلام ، فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت.

[ مقتل قيس بن مسهر الصيداوي ]

وقال المفيد رحمه الله : ولما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلى_ الكوفة بعث الحصين بن نمير ، صاحب شرطه ، حتى نزل القادسية ، ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة ، وقال للناس : هذا الحسين يريد العراق .

ولما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي ويقال : إنه بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة ولم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم بن عقيل رحمه الله وكتب معه إليهم.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى إخوانه المونين والمسلمين سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإن كتاب مسلم بن

عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة ، وكتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف ولا تتأخر .

فأقبل قيس بن مسهر بكتاب الحسين عليه السلام حتى إذا انتهى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، فقال له عبيد الله بن زياد : اصعد

فسب الكذاب الحسين بن علي .

ص: 183

وقال السيد : فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج قيس الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد ، فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المونين علي بن أبي طالب وابنه عليه السلام ، قال :فلماذا خرقت الكتاب ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه ، قال : وممن الكتاب وإلى من ؟ قال : من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد فقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هواء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إربا إربا فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعنة الحسين وأبيه وأخيه فأفعل .

فصعد المنبر ، وحمد الله وصلى على النبي ، وأكثر من الترحم على عليوولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم ، ثم قال : أنا رسول الحسين إليكم وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه .

ثم قال المفيد رحمه الله فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمى من فوق القصر ، فرمي به فتقطع .

وروي : أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له «عبد الملك بن عمير اللخمي» فذبحه ، فقيل له في ذلك وعيب عليه! فقال : أردت أن أريحه .

[ مع عبد اللّه بن مطيع العدوي ]

ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق فانتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلما رآه الحسين قام إليه فقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أقدمك ؟ واحتمله وأنزله ، فقال له الحسين عليه السلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك وكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم .

ص: 184

فقال له عبد الله بن مطيع : أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الإسلام أن تنهتك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، والله إنها

لحرمة الإسلام تنهتك وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية ، فأبى الحسين عليه السلام إلا أن يمضي .

وكان عبيد الله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام وإلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج ، فأقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب فسألهم ، فقالوا : لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج ، فسار تلقاء وجهه عليه السلام .

[ إلتحاق زهير بن القين بالركب الحسيني ]

وحدث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة ، وكنا نساير الحسين عليه السلام ، فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل ، وإذا سار الحسين عليه السلام فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله ، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم ثم دخل فقال : يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير ، فقالت له امرأته(1) : سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت .

فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير .

ص: 185


1- قال السيد : وهي ديلم بنت عمرو .

وزاد السيد : وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها ، فقامت إليه وبكت وودعته وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام .

وقال المفيد : ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا : إنا غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان رحمه اللهأفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ فقلنا : نعم ، فقال : إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم ، فأما أنا فأستودعكم الله ، قالوا : ثم والله ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمه الله .

[ في الخزيمية ]

وفي المناقب : ولما نزل عليه السلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت : يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة ؟ فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ فقالت : خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهد

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين عليه السلام : يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن.

[ وصول خبر مقتل مسلم ]

وقال المفيد رحمه الله : وروى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا : لما قضينا حجتنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه إذا نحن

ص: 186

برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتى رأى الحسين عليه السلام ، فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده ، ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة ، فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فقال : وعليكما السلام ، قلنا ممن الرجل ؟ قال : أسدي ، قلنا له : ونحن أسديان ، فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان ، فانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس

وراءك ؟ قال : نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق .

فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين ، فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا ، فجئناه حين نزل فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، فقلنا له : يرحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية وإن شئت سرا ، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال : ما دون هواء سر ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس ؟ فقال : نعم قد أردت مسألته ، فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرو منا ، ذو رأي وصدق وعقل ، وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران في السوق بأرجلهما ، فقال : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

رحمة الله عليهما ، يردد ذلك مرارا .

فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا ، وإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوف أن يكونوا عليك ، فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم ؟ فقالوا : والله ما نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه السلام فقال : لا خير في العيش بعد هواء ، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا له : خار الله لك ، فقال : يرحمكم الله ،

فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك ، فسكت .

وقال السيد : أتاه خبر مسلم في زبالة ، ثم إنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول الله ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك

ص: 187

مسلم بن عقيل وشيعته ؟ قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما إنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحر يبخل

[ وصول خبر مقتل عبد اللّه بن يقطر ]

وقال المفيد : ثم انتظر حتى إذا كان السحر فقال لفتيانه وغلمانه : أكثروامن الماء ، فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحلوا ، فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر.

وقال السيد : فاستعبر باكيا ثم قال : اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إِنك عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

[ تفرق الناس عن الحسين في الطريق ]

وقال المفيد رحمه الله : فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد : فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام .

فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها ، فكره

أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون.

ص: 188

[ مع شيخ من بني عكرمة في بطن العقبة ]

فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له «عمر بن لوذان» قال له : أين تريد ؟ قال له الحسين : الكوفة ، فقال له الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت ، فو الله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هواء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل ، فقال له : يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله - تعالى - لا يغلب على أمره .

ثم قال عليه السلام : والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .

[ الحر يعترض الركب الحسيني ]

ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ، ثم سار حتى انتصف النهار ، فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه ، فقال له الحسين عليه السلام : الله أكبر ، لم كبرت ؟ فقال : رأيت النخل ، قال جماعة ممن صحبه : والله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط! فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه ؟ قالوا : والله نراه أسنة الرماح وآذان الخيل ، فقال : وأنا والله أرى ذلك.

ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد ؟ فقلنا له : بلى ، هذا ذو جشم إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد ، فأخذ إليه ذات اليسار ، وملنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا

هوادي الخيل ، فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم

ص: 189

إليه ، وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم .

فقال الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها.

فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية - والراوية عندي السقاء - ثم قال : يا ابن الأخ أنخ الجمل فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين : اخنث السقاء أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي.

وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية ، وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام ، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يون .

فلما حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم .

فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة ، فقال للمون : أقم ، فأقام الصلاة ، فقال للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؟ فقال الحر : لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم الحسين عليه السلام ، ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه ، وانصرف الحر إلى

ص: 190

مكانه الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه ، وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها .

فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد : أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا

الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هواء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلا الكراهة لنا والجهل بحقنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم .

فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي ، فأخرج خرجين مملوءين صحفا ، فنثرت بين يديه ، فقال له الحر : لسنا من هواء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفه على عبيد الله بن زياد .

فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثم قال لأصحابه : فقوموا فاركبوا ، فركبوا ، وانتظر حتى ركبت نساو ، فقال لأصحابه : انصرفوا ، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه السلام للحر : ثكلتك أمك ما تريد ؟ فقال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله ما لي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه .

فقال له الحسين عليه السلام : فما تريد ؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فقال : إذا والله لا أتبعك ، فقال : إذا والله لا أدعك ، فتردا القول ثلاث مرات ،

ص: 191

فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر : إني لم أومر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك ، فخذ ها هنا .

فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين عليه السلام وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له : يا حسين إني أذكرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوفني ، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه و آله فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فإنك مقتول ؟ فقال :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذ ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودع مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

أقول : وزاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت :

أقدم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما

ثم قال : ثم أقبل الحسين عليه السلام على أصحابه وقال : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة ؟ فقال الطرماح : نعم يا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق ، فقال الحسين عليه السلام : سر بين أيدينا ، فسار الطرماح واتبعه الحسين عليه السلام وأصحابه وجعل الطرماح يرتجز ويقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

حتى تحلي بكريم الفخر

ص: 192

الماجد الجد رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر

عمره الله بقاء الدهر

يا مالك النفع معا والنصر

أيد حسينا سيدي بالنصر

على الطغاة من باقيا الكفر

على اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر

وابن زياد عهر بن العهر

وقال المفيد رحمه الله : فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه السلام في ناحية حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، ثم مضى الحسين عليه السلام

حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل ، فنزل به وإذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، قال : ادعوه إلي ، فلما أتاه الرسول قال له :هذا الحسين بن علي عليه السلام يدعوك ، فقال عبيد الله : إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني .

فأتاه الرسول فأخبره ، فقام إليه الحسين فجاء حتى دخل عليه وسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : فإن لم تكن تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك ، فقال له : أما هذا فلا يكون

أبدا إن شاء الله ، ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتى دخل رحله .

ولما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل .

فقال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال : مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بني إني خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا

ص: 193

تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له : يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على

الحق ؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه ، فقال : فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين ، فقال له الحسين عليه السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده .

فلما أصبح نزل وصلى بهم الغداة ، ثم عجل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم ، فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه ، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى ، بالمكان الذي نزل به الحسين عليه السلام ، فإذا راكب على نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه ، ودفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد لعنه الله ، فإذا فيه : أما بعد؛ فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام .

فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذه أمره فيكم ، فنظر يزيد بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين عليه السلام إلى رسول ابن زيادفعرفه فقال له : ثكلتك أمك ، ما ذا جئت فيه ؟ قال : أطعت إمامي ووفيت ببيعتي ، فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسيت العار والنار ، وبئس الإمام إمامك ، قال الله - عزّ وجلّ - : « وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ » ، فإمامك منهم .

[ النزول في كربلاء ]

وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين عليه السلام : دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه - يعني نينوى والغاضرية - أو هذه

ص: 194

- يعني شفية - ، قال : لا والله ما أستطيع ذلك ؟ هذا رجل قد بعث إلي عينا علي ، فقال له زهير بن القين : إني والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون ، يا ابن رسول الله إن قتال هواء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال ، ثم نزل ، وذلك اليوم يوم الخميس ، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .

وقال السيد رحمه الله فقام الحسين خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه؛ ليرغب المون في لقاء ربّه حقا حقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .

فقام زهير بن القين فقال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

ووثب هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتناوبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

وقام برير بن خضير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فيقطع فيك أعضاوا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة .

ثم إن الحسين عليه السلام ركب وسار ، كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء ، وكان ذلك في اليوم الثامن من المحرم .

وفي المناقب : فقال له زهير فسر بنا حتى ننزل بكربلاء فإنها على شاطئ الفرات فنكون هنالك ، فإن قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم ، قال : فدمعت عينا الحسين عليه السلام ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ونزل الحسين في موضعه ذلك ونزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس .

ص: 195

[ كتاب الحسين إلى أشراف الكوفة ]

ودعا الحسين بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وعبد الله بن وال وجماعة المونين أما بعد : فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و آله قد قال في حياته : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول

ولا فعل كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله ، وقد علمتم أن هواء القوم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آلهوقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم فلكم بي أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم وخلعتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وسيغني الله عنكم والسلام .

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي.. وساق الحديث كما مر ثم قال :

ولما بلغ الحسين قتل قيس استعبر باكيا ثم قال : اللهم اجعل لنا ولشيعتنا عندك منزلا كريما ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك إِنك عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

قال : فوثب إلى الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له «هلال بن نافع البجلي» فقال : يا ابن رسول الله ، أنت تعلم أن جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس

ص: 196

محبته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمر من الحنظل ، حتى قبضه الله إليه ، وأن أباك عليا رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا

على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه ، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلا نفسه والله مغن عنه ، فسر بنا راشدا معافا مشرقا إن شئت ، وإن شئت مغربا ، فو الله ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال : والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيه أعضاوا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا ، لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، أف لهم غدا ، ما ذا يلاقون ؟ ينادون

بالويل والثبور في نار جهنم.

قال : فجمع الحسين عليه السلام ولده وإخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال : اللهم إنا عترة نبيك محمد وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين.

قال : فرحل من موضعه حتى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء ، وذلك في الثاني من المحرم سنة إحدى وستين.

ثم أقبل على أصحابه فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

ثم قال : أهذه كربلاء ؟ فقالوا : نعم يا ابن رسول الله ، فقال : هذا موضع كرب وبلاء ، هاهنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا .

قال : فنزل القوم وأقبل الحر حتى نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ، ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء.

ص: 197

[ كتاب ابن زياد إلى الحسين ]

وكتب ابن زياد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه : أما بعد؛ يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء وقد كتب إلي أمير المونين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام .

فلما ورد كتابه على الحسين عليه السلام وقرأه رماه من يده ثم قال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : جواب الكتاب أبا عبد الله ؟ فقال : ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب .

[ عمر بن سعد يتولّى حرب الحسين ]

فرجع الرسول إليه فخبره بذلك ، فغضب عدوالله من ذلك أشد الغضب والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين ، وقد كان ولاه الري قبل ذلك ، فاستعفى عمر من ذلك ، فقال ابن زياد : فاردد إلينا عهدنا ، فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري.

وقال المفيد رحمه الله : فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى ، فبعث إلى الحسين عليه السلام عروة بن قيس الأحمسي فقال له : ائته فسله ما الذي جاء بك ؟ وما تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرواء الذين كاتبوه ، وكلهم أبى ذلك وكرهه.

[ عمر بن سعد يبعث رسله إلى الحسين ]

فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال له : أنا أذهب إليه ووالله لئن شئت لأفتكن به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك

ص: 198

به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به ؟ فأقبل كثير إليه ، فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرو

على دم وأفتكهم ، وقام إليه فقال له : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة ، إنما أنا

رسول ، إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم ، قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك ، قال : لا والله لا تمسه ، فقال له : أخبرني بما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر ، فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك الق حسينا فسله ما جاء به ؟ وما ذا يريد ؟ فأتاه قرة فلما رآه الحسين مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر : هذا رجل من حنظلة تميم ، وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين عليه السلام : كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ، فقال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة أين تذهب إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر ، فقال عمر بن سعد : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

[ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد ]

وكتب إلى عبيد الله بن زياد : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد؛ فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وما ذا يطلب فقال كتب : إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم إليهم ففعلت ، فأما إذا كرهتموني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.

ص: 199

قال حسان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيد الله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ

وكتب إلى عمر بن سعد : أما بعد؛ فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو جميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام .

فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال : قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية.

وقال محمد بن أبي طالب : فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنه علم أن الحسين لا يبايع يزيد أبدا .

[ ابن زياد يحرّض على قتال الحسين ويرسل الجيوش والمدد إلى كربلاء ]

قال : ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ثم خرج فصعد المنبر ثم قال : أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون ، وهذا أمير المونين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا.

ثم نزل عن المنبر ووفر الناس العطاء وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ويكونوا عونا لابن سعد على حربه ، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف ، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، وفلانا المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفا .

ص: 200

ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنا نريد أن نوجه بك إلى حرب الحسين ، فتمارض شبث وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه : أما بعد؛ فإن رسولي أخبرني بتمارضك وأخاف أن تكون من الذين إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا

وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِونَ ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا .

فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة ، فلما دخل رحب به وقرب مجلسه وقال : أحب أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه ، فقال : أفعل أيها الأمير .

فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس وراجل ، ثم كتب إليه ابن زياد : إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا أصبح ولا أمسي إلا وخبرك عندي غدوة وعشية ، وكان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.

[ حبيب بن مظاهر يستنصر بني أسد ]

وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا ، أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى الله أن يدفع بهم عنك ؟ قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنه من بني أسد ، فقالوا : ما حاجتك ؟ فقال : إني قد أتيتكم بخير ما

أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم ، فإنه في عصابة من المونين ، الرجل منهم خير من ألف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه أبدا ، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ، فإني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله

مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه و آله في عليين .

ص: 201

قال : فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له «عبد الله بن بشر» فقال : أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول

قد علم القوم إذا تواكلوا

وأحجم الفرسان إذ تناقلوا

إني شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين باسل

ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ،فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له «الأزرق» فضم إليه أربعمائة فارس ووجه نحو حي بني أسد ، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات وبينهم وبين عسكر الحسين اليسير ، فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالا شديدا ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق وليك ما لك وما لنا ؟ انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك ، فأبى الأزرق أن يرجع ، وعلمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم ، ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فخبره بذلك ، فقال عليه السلام : لا حول ولا قوة إلا بالله.

[ الحسين يحفر بئرا في كربلاء ]

قال : ورجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات ، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وأضر العطش بالحسين وأصحابه ، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء ، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب ، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم وملئوا أسقيتهم ، ثم غارت العين فلم ير لها أثر .

ص: 202

وبلغ ذلك ابن زياد ، فأرسل إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه ، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيق عليهم ولا تدعهم يذوقوا الماء ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

[ العباس يستقي الماء ]

فلما اشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين راكبا وبعث معه عشرين قربة ، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات ، فقال عمروبن الحجاج : من أنتم ؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له «هلال بن نافع البجلي» : ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء ، فقال عمرو : اشرب هنيئا ، فقال هلال : ويحك تأمرني أن أشرب والحسين بن علي ومن معه يموتون عطشا ؟ فقال عمرو : صدقت ولكن أمرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه ، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات ، وصاح عمرو بالناس ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فكان قوم يقاتلون وقوم يملئون حتى ملئوها ، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ، ثم رجع القوم إلى معسكرهم ، فشرب الحسين ومن كان معه ، ولذلك سمي العباس عليه السلام السقاء.

[ لقاء الحسين وعمر بن سعد ]

ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله : إني أريد أن أكلمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين ، وخرج إليه الحسين في مثل ذلك ، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ، وأمر عمر بن سعد وأصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له .

ص: 203

فقال له الحسين عليه السلام : وليك يا ابن سعد أ ما تتقي الله الذي إليه معادك ؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت ؟ ذر هواء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله - تعالى - ، فقال عمر بن سعد : أخاف أن يهدم داري! فقال الحسين عليه السلام : أنا أبنيها لك ، فقال :أخاف أن توذ ضيعتي! فقال الحسين عليه السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فقال : لي عيال وأخاف عليهم! ثم سكت ولم يجبه إلى شيء ، فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول : ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك ، فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا ، فقال ابن سعد : في الشعير كفاية عن البر ، مستهزئا بذلك القول.

[ شمر يحرّض على الحسين ]

رجعنا إلى سياقة حديث المفيد قال : وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد : أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان ، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ومنعوهم أن يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.

ونادى عبد الله بن حصين الأزدي وكان عداده في بجيلة قال بأعلى صوته : يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء ، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا .

قال حميد بن مسلم : والله لعدته في مرضه بعد ذلك ، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويصيح العطش العطش ، ثم يعود ويشرب حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه.

ولما رأى الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد : أنني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلى

ص: 204

مكانه ، وكتب إلى عبيد الله بن زياد : أما بعد؛ فإن الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أوأن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أوأن يأتي أمير المونين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضى وللأمة صلاح .

فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمربن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وأتى جنبك ، والله لئن رحل بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة ، وإن عفوت كان ذلك لك .

فقال ابن زياد : نعم ما رأيت ، الرأي رأيك ، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما ، وإن هم أبوا فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له وأطع ، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش ، فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.

وكتب إلى عمر بن سعد : لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلام ة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شفيعا ، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عات ظلوم ، ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلته هذا به ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام .

ص: 205

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلما قدم عليه وقرأه قال له عمر : ما لك وليك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي ، والله إني لأظنك نهيته عما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله حسين ، إن نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع ؟ أ تمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر ؟ قال : لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولى ذلك ، فدونك فكن أنت على الرجالة.

[ ليلة العاشر من المحرم ]

ونهض عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرم ، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين وقال : أين بنو أختنا ؟ فخرج إليه جعفر والعباس وعبد الله وعثمان بنو علي عليه السلام ، فقالوا : ما تريد ؟ فقال : أنتم يا بني أختي آمنون ، فقال له الفئة : لعنك الله ولعن أمانك أتوننا وابن رسول الله لا أمان له ؟.

ثم نادى عمر : يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبئ بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها وقالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ، فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال : إني رأيت رسول الله الساعة في المنام وهو يقول لي : إنك تروح إلينا ، فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : ليس لك الويل يا أخته اسكتي رحمك الله .

وفي رواية السيد : قال : يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب(1) .

ص: 206


1- وفي بعض الروايات : غدا .

قال : فلطمت زينب عليهاالسلام على وجهها وصاحت ، فقال لها الحسين عليه السلام : مهلا لا تشمتي القوم بنا.

قال المفيد : فقال له العباس بن علي عليه السلام : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : اركب أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم ؟ وما بدا لكم ؟ وتسألهم عما جاء بهم ، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم ؟ وما تريدون ؟ قالوا : قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أونناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا فقالوا : القه وأعلمه ثم القنا بمايقول لك . فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين.

فجاء العباس إلى الحسين عليه السلام وأخبره بما قال القوم ، فقال : ارجع إليهم فإن استطعت أن تورهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار .

فمضى العباس إلى القوم ، ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول : إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى عبيد الله بن زياد ، وإن

أبيتم فلسنا بتاركيكم ، فانصرف وجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء .

قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه : أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلمتنا القرآن ، وفقهتنا

في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين .

أما بعد : فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا ، ألا وإني لأظن يوما لنا من هواء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم حرج مني ولا ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا .

ص: 207

فقال له إخوته وأبناو وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبدا ، بدأهم بهذا القول العباس بن علي ، وأتبعته الجماعة

عليه فتكلموا بمثله ونحوه .

فقال الحسين عليه السلام : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم ، فقالوا : سبحان الله ، ما يقول الناس نقول إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ؟! لا والله ما نفعل ذلك ، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلي عنك ؟ وبما نعتذر إلى الله فيأداء حقك ؟ لا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك ، أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ؟ ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا .

وقام زهير بن القين فقال : والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هواء الفتيان من أهل بيتك .

وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد ، فجزاهم الحسين خيرا وانصرف إلى مضربه .

وقال السيد : وقيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال : قد أسر ابنك بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما أحب أن يور وأنا أبقى بعده ، فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ،

ص: 208

فقال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك ، قال : فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال : وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا .

2 - فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثم دخل ليطلي .

[ أصحاب الحسين يستبشرون بما يصريون إليه ]

فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا برير أ تضحك ؟! ما هذه ساعة باطل . فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا ، وإنّما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه ، فو الله ما هو إلا أن نلقى هواء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة ثم نعانق الحور العين.

[ الحسين ينعى نفسه ]

رجعنا إلى رواية المفيد : قال علي بن الحسين عليه السلام إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خباء له وعنده فلان مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول :

يا دهر أف لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وإنما الأمر إلى الجليل

وكلّ حي سالك سبيلي

ص: 209

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعلمت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرق والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه وقالت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي .

فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها : يا أخته لا يذهبن حلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع ، وقال : لو ترك القطا ليلا لنام .

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغتصب نفسك إغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم لطمت وجهها ، وهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت مغشيّة عليها .

فقام إليها الحسين عليه السلام فصبّ على وجهها الماء ، وقال لها : يا أختاه إتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، وإعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ

شيء هالك إلاّ وجه الله - تعالى - الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده ، وأبي خير منّي ، وأمي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة ، فعزاها بهذا ونحوه . وقال لها : يا أختاه إنّي أقسمت عليك فأبري قسمي ، لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت .

ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ، ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد ، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم . ورجع عليه السلام إلى مكانه فقام ليلته كلّها يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرّع ، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون .

ص: 210

[ رؤيا الحسين ليلة العاشر ]

وقال في المناقب : فلما كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ثم استيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟ فقالوا : وما الذي رأيت يا ابن رسول الله ؟ فقال : رأيت كأن كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّهاعليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجل أبرص من بين هواء القوم ، ثم إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله صلى الله عليه و آله ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي : يا بنيأنت شهيد آل محمد وقد إستبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجّل ولا تور ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت وقد أزف الأمر واقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شكّ في ذلك .

[ بين الضحاك وبرير ]

وقال المفيد : قال الضحاك بن عبد الله : ومرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإن حسينا عليه السلام ليقرأ « وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُومِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له « عبد الله ابن سمير » وكان مضحاكا ، وكان شجاعا بطلا فارسا شريفا!!! فاتكا فقال : نحن ورب الطيبون ميزنا بكم . فقال له برير بن الخضير : يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين . قال له : من أنت ويلك . قال : أنا برير بن الخضير فتسابا .

ص: 211

[ يوم العاشر ]

[ إصطفاف الجيشين ]

وأصبح الحسين فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه إثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا .

وقال محمد بن أبي طالب : وفي رواية أخرى إثنان وثمانون راجلا .

وقال السيد : روي عن الباقر عليه السلام : أنّهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل ، وكذا قال ابن نما .

وقال المفيد : فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة ، وقيل : يوم السبت ، فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه .

وقال محمد بن أبي طالب : وكانوا نيفا على اثنين وعشرين ألفا .

وفي رواية عن الصادق عليه السلام : ثلاثين ألفا .

[ دعاء الحسين ]

قال المفيد : وروي عن علي بن الحسين أنه قال : لما أصبحت الخيل تقبل على الحسين عليه السلام رفع يديه وقال : اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب ورجائي في كلّ شدة

ص: 212

وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه الفود وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة .

قال : فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة .

فقال الحسين عليه السلام :من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا : نعم . فقال له : يا ابن راعية المعزى أنت « أَوْلى بِها صِلِيّا » .

ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسين عليه السلام : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال .

[ الحسين وأصحابه يعظون القوم ]

وقال محمد بن أبي طالب : وركب أصحاب عمر بن سعد فقرب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام : كلم القوم .

[ برير يكلم القوم ]

فتقدم برير فقال : يا قوم اتقوا الله فإنّ ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم ، هواء ذريته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟

فقالوا : نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم .

ص: 213

فقال لهم برير : أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ، ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها ؟ يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات ؟ بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ، ما لكم لا ؟! سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم .

فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ما تقول ؟

فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهم إني أبرأ إليك من فعال هواء القوم ، اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، فجعل القوم يرمونه بالسهام ، فرجع برير إلى ورائه.

[ الحسين عليه السلام يكلم القوم ويعظهم ]

وتقدم الحسين عليه السلام حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته ، والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلى الله عليه و آله ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون « إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » هواء قوم « كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ ».

فقال عمر : ويلكم كلّموه فإنه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر ، فكلّموه .

فتقدم شمر لعنه الله فقال : يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم ؟

ص: 214

فقال : أقول اتقوا الله ربّكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتيفإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة...إلى آخر ما سيأتي برواية المفيد.

وقال المفيد : ودعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته : يا أهل العراق - وجلهم يسمعون - فقال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى أعذر عليكم ، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم « ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ ».

ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله وصلى على النبي وعلى ملائكته وعلى أنبيائه ، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ منه في منطق.

ثم قال : أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوهم ، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول مون مصدق لرسول الله صلى الله عليه و آله بما جاء به من عند ربّه ؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي ؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلى الله عليه و آله لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول - وهو الحق - والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، اسألوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه و آلهلي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟!

فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ؟!

فقال له حبيب بن مظاهر : والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ص: 215

ثم قال لهم الحسين عليه السلام : فإن كنتم في شكّ من هذا أفتشكون أني ابن بنت نبيكم ؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟! أو مال لكم استهلكته ؟! أو بقصاص من جراحة ؟!

فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى : يا شبث بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إلي : أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجند ؟

فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلا ما تحب .

فقال لهم الحسين عليه السلام : لا - والله - لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد .

ثم نادى : يا عباد الله « إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وأعوذ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُومِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ » .

ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان بعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه.

وفي المناقب : لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليه السلام ورتبهم مراتبهم وأقام الرايات في مواضعها وعبأ أصحاب الميمنة والميسرة فقال لأصحاب القلب : اثبتوا.

وأحاطوا بالحسين من كلّ جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج عليه السلام حتى أتى الناس فاستنصتهم ، فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم : ويلكم ما عليكم أن تنصتوا إلي فتسمعوا قولي وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ، ويلكم ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟

فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : أنصتوا له.

فقام الحسين عليه السلام ثم قال : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا ، أفحين استصرختموناولهين متحيرين فأصرختكم موين مستعدين سللتم علينا سيفا في

ص: 216

رقابنا وحششتم علينا نار الفتن خبأها عدوكم وعدونا ، فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث كان منا لا رأي تفيل لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف لم يشهر والجأش طامن والرأي لم يستحصف ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب وتداعيتم كتداعي الفراش ، فقبحا لكم ، فإنما أنتم من طواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئ السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيري عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب وموي المونين وصراخ أئمة المستهزءين « الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ».

وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون وإيانا تخاذلون ، أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث شيء سنخا للناصب وأكلة للغاصب ، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون « الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » فأنتم والله هم .

ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين القلة والذلة ، وهيهات ما آخذ الدنية ، أبى الله ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تور مصارع اللئام على مصارع الكرام ، ألا قد أعذرت وأنذرت ، ألا إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العتاد وخذلة الأصحاب ، ثم أنشأ يقول :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

ألا ثم لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم الرحى ، عهد عهده إلي أبي عن جدي « فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ جميعا فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي ورَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » ، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط

ص: 217

عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتله قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا « عَلَيْكَ

تَوَكَّلْنا وإِلَيْكَ أَنَبْنا وإِلَيْكَ الْمَصِيرُ » .

ثم قال : أين عمر بن سعد ؟ ادعوا لي عمر ، فدعي له وكان كارها لا يحب أن يأتيه ، فقال : يا عمر أنت تقتلني تزعم أن يوليك الدعي بن الدعي بلاد الري وجرجان ، والله لا تتهنأ بذلك أبدا ، عهدا معهودا ، فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح

بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم.

فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه : ما تنتظرون به ، احملوا بأجمعكم إنّما هي أكلة واحدة ، ثم إن الحسين دعا بفرس رسول الله « المرتجز » فركبه وعبأ أصحابه.

[ توبة الحر وإلتحاقه بركب الحسين ]

ثم قال المفيد رحمه الله : فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد : أي عمر أمقاتل أنت هذا الرجل ؟!

قال : إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي .

قال : أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى ؟

قال عمر : أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى .

فأقبل الحرّ حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له « قرة بن قيس » فقال له : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال : لا . قال : فما تريد أن تسقيه ؟ قال قرة : فظننت والله أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال فكره أن أراه حين

يصنع ذلك ، فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه ، فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه ، فو الله لو أنه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.

ص: 218

فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا ، فقال له مهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه ، فأخذه مثل الأفكل - وهي الرعدة - فقال له المهاجر : إن أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ؟ لما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك ؟!

فقال له الحر : إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو الله لا أختار على الجنة

شيئا ولو قطعت وأحرقت.

ثم ضرب فرسه فلحق الحسين عليه السلام فقال له : جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان ، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت ، وأنا تائب إلى الله مما صنعت فترى لي من ذلك توبة ؟

فقال له الحسين عليه السلام : نعم يتوب الله عليك فانزل .

فقال : أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري .

فقال له الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.

فاستقدم أمام الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكلكله وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد الله العريضة ، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم ، وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ.

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام .

ص: 219

[ بدء القتال ]

ونادى عمر بن سعد : يا دريد أدن رايتك فأدناها ، ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى وقال : اشهدوا أني أول من رمى الناس.

وقال محمد بن أبي طالب : فرمى أصحابه كلّهم ، فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام إلا أصابه من سهامهم .

قيل : فلما رموهم هذه الرمية قلّ أصحاب الحسين عليه السلام ، وقتل في هذه الحملة خمسون رجلا .

وقال السيد : فقال عليه السلام لأصحابه : قوموا - رحمكم الله - إلى الموت الذي لا بد منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حمله وحمله حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة .

قال : فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته وجعل يقول : اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله - تعالى - وأنا مخضب بدمي.

وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : سمعت أبي عليه السلام يقول : لما التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب أنزل النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ، ثم خيّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله - تعالى - فاختار لقاء الله - تعالى - .

قال الراوي : ثم صاح عليه السلام : أما من مغيث يغيثنا لوجه الله ؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟

[ بين يسار مولى زياد وعبد اللّه بن عمير ]

وقال المفيد رحمه الله : وتبارزوا فبرز يسار مولى زياد بن أبي سفيان وبرز إليه

ص: 220

عبد الله بن عمير ، فقال له يسار : من أنت ؟ فانتسب له ، فقال : لست أعرفك حتى يخرج إليّ زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر . فقال عبد الله بن عمير : يا ابن الفاعلة

وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ، ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد ، وإنه لمشغول بضربة إذ شدّ عليه سالم مولى عبيد الله بن زياد ، فصاحوا به قد رهقك العبد ، فلم يشعر حتى غشيه ، فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ، ثم شدّ عليه فضربه حتى قتله ، وأقبل وقد قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

أنا امروذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب

[ حملة على ميمنة الحسين ]

وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة ، فلما دنا من الحسين عليه السلام جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم ، فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل ، فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين .

[ ابن خوزة إلى النار ]

وجاء رجل من بني تميم يقال له « عبد الله بن خوزة » فأقدم على عسكر الحسين عليه السلام فناداه القوم : إلى أين ثكلتك أمك . فقال : إني أقدم على ربّ رحيم وشفيع مطاع . فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : من هذا ؟ فقيل له : هذا ابن خوزة التميمي . فقال : اللهم جره إلى النار ، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى ، وشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فأطارت ، وعدا به فرسه فضرب برأسه كلّ حجر وكلّ شجر حتى مات وعجل الله بروحه إلى النار ، ونشب القتال فقتل من الجميع جماعة.

ص: 221

[ مقتل الحر ]

وقال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب وابن الأثير في الكامل ورواياتهم متقاربة : أنّ الحر أتى الحسين عليه السلام فقال : يا ابن رسول الله كنت أول خارج عليك فائذن لي لأكون أول قتيل بين يديك وأول من يصافح جدك غدا وإنما قال الحر لأكون أول قتيل بين يديك . فكان أول من تقدم إلى براز القوم وجعل ينشد ويقول :

إني أنا الحر ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بأرض الخيف

أضربكم ولا أرى من حيف

وروي أن الحر لما لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم يقال له « يزيد بن سفيان » : أما والله لو لحقته لأتبعته السنان ، فبينما هو يقاتل وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وإن الدماء لتسيل إذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه ، قال : نعم ، فخرج إليه ، فما لبث الحر أن قتله وقتل أربعين فارسا وراجلا ، فلم يزل يقاتل حتى عرقب فرسه وبقي راجلا وهو يقول :

إني أنا الحر ونجل الحر

أشجع من ذي لبد هزبر

ولست بالجبان عند الكر

لكنني الوقاف عند الفر

ثم لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله ، فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام وبه رمق ، فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول : أنت الحر كما سمتك أمك ، وأنت الحر في الدنيا ، وأنت الحر في الآخرة .

ورثاه رجل من أصحاب الحسين عليه السلام ، وقيل : بل رثاه علي بن الحسين عليه السلام .

لنعم الحر حر بني رياح

صبور عند مختلف الرماح

ونعم الحر إذ نادى حسينا

فجاد بنفسه عند الصياح

فيا ربي أضفه في جنان

وزوجه مع الحور الملاح

ص: 222

وروي : أن الحر كان يقول :

آليت لا أقتل حتى أقتلا

أضربهم بالسيف ضربا معضلا

لا ناقل عنهم ولا معللا

لا عاجز عنهم ولا مبدلا

أحمي الحسين الماجد المولا

قال المفيد رحمه اللهفاشترك في قتله أيوب بن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة (انتهى كلامه) .

وقال ابن شهرآشوب : قتل نيفا وأربعين رجلا منهم .

وقال ابن نما : ورويت بإسنادي أنه قال للحسين عليه السلام : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير ، فالتفت فلم أر أحدا فقلت : والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين ، وما أحدث نفسي باتباعك . فقال عليه السلام : لقد أصبت أجرا وخيرا.

ثم قالوا : وكان كلّ من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ويقرأ عليه السلام « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » .

[ برير بن خضير ]

ثم برز برير بن خضير الهمداني بعد الحر ، وكان من عباد الله الصالحين فبرز وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

ليث يروع الأسد عند الزئر

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

كذاك فعل الخير من برير

وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا مني يا قتلة المونين ، اقتربوا مني

ص: 223

يا قتلة أولاد البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذريته الباقين ، وكان برير أقرأ أهل زمانه ، فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا ، فبرز إليه رجل يقال له « يزيد بن معقل » فقال لبرير : أشهد أنك من المضلين ، فقال له برير : هلم فلندع الله أن يلعن الكاذب منا وأن يقتل المحق منا المبطل ، فتصاولا ، فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئا وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت إلى دماغه ، فسقط قتيلا ، فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا رحمه الله ، وكان يقال لقاتله «بحير بن أوس الضبي» فجال في ميدان الحرب وجعل يقول :

سلي تخبري عني وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم آت أقصى ما كرهت ولم يحل

غداة الوغى والروع ما أنا صانع

معي مزني لم تخنه كعوبه

وأبيض مشحوذ الغرارين قاطع

فجردته في عصبة ليس دينهم

كديني وإني بعد ذاك لقانع

وقد صبروا للطعن والضرب حسرا

وقد جالدوا لو أن ذلك نافع

فأبلغ عبيد الله إذ ما لقيته

بأني مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثم جلت لهمة

غداة الوغى لما دعا من يقارع

ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين وجاءه ابن عم له وقال : ويحك يا بحير قتلت برير بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا ؟! فندم الشقي وأنشأ يقول :

فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جائر

لقد كان ذا عارا علي وسبة

يعير بها الأبناء عند المعاشر

فيا ليت أني كنت في الرحم حيضة

ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فيا سوأتا ما ذا أقول لخالقي

وما حجتي يوم الحساب القماطر

ص: 224

[ وهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي ]

ثم برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي وقد كانت معه أمه يومئذ فقالت : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله ، فقال : أفعل يا أماه ولا أقصر ، فبرز وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الكلب

سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب

أدرك ثأري بعد ثأر صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب

ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمه وامرأته فوقف عليهما فقال : يا أماه أرضيت ؟ فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام فقالت امرأته : بالله لا تفجعني في نفسك . فقالت : أمه يا بني لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين

يدي ابن رسول الله فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي الله ،فرجع قائلا :

إني زعيم لك أم وهب

بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مون بالرب

حتى يذيق القوم مر الحرب

إني امروذو مرة وعصب

ولست بالخوار عند النكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا واثني عشر راجلا ، ثم قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله ، فأقبل كي يردها إلى النساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معك ، فقال الحسين : جزيتم من أهل بيتي خيرا ، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت ، وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ، فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ، وهي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين.

ص: 225

ورأيت حديثا : أن وهب هذا كان نصرانيا فأسلم هو وأمه على يدي الحسين فقتل في المبارزة أربعة وعشرين راجلا واثني عشر فارسا ، ثم أخذ أسيرا فأتي به عمر بن سعد ، فقال : ما أشد صولتك ، ثم أمر فضربت عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام فأخذت أمه الرأس فقبله ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته ، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين ، فقال لها الحسين : ارجعي يا أم وهب أنت وابنك مع رسول الله ، فإن الجهاد مرفوع عن النساء ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي . فقال لها الحسين عليه السلام : لا يقطع الله رجاك يا أُم وهب .

[ عمرو بن خالد الأزدي ]

ثم برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي وهو يقول :

إليك يا نفس إلى الرحمن

فأبشري بالروح والريحان

اليوم تجزين على الإحسان

قد كان منك غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان

لا تجرعي فكل حي فان

والصبر أحظى لك بالأماني

يا معشر الأزد بني قحطان

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله .

وفي المناقب : ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو وهو يرتجز ويقول :

صبرا على الموت بني قحطان

كي ما تكونوا في رضي الرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان

وذي العلى والطول والإحسان

يا أبتا قد صرت في الجنان

في قصر رب حسن البنيان

ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه .

ص: 226

[ سعد بن حنظلة التميمي ]

وقال محمد بن أبي طالب : ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنة

صبرا عليها لدخول الجنة

وحور عين ناعمات هنه

لمن يريد الفوز لا بالظنة

يا نفس للراحة فاجهدنه

وفي طلاب الخير فارغبنه

ثم حمل وقاتل قتالا شديدا ثم قتل رضوان الله عليه .

[ عمير بن عبد اللّه المذحجي ]

وخرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي وهو يرتجز ويقول :

قد علمت سعد وحي مذحج

أني لدى الهيجاء ليث محرج

أعلو بسيفي هامة المدجج

وأترك القرن لدى التعرج

فريسة الضبع الأزل الأعرج

ولم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي .

[ مسلم بن عوسجة ]

ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة رحمة الله وهو يرتجز :

إن تسألوا عني فإني ذو لبد

من فرع قوم من ذرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد

وكافر بدين جبار صمد

ثم قاتل قتالا شديدا .

ص: 227

[ نافع بن هلال البجلي ]

وقال المفيد وصاحب المناقب بعد ذلك : وكان نافع بن هلال البجلي يقاتل قتالا شديدا ويرتجز ويقول :

أنا ابن هلال البجلي

أنا على دين علي

ودينه دين النبي

فبرز إليه رجل من بني قطيعة - وقال المفيد - هو مزاحم بن حريث فقال : أنا على دين عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، فحمل عليه نافع فقتله .

فصاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقى أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما مستميتين ، لا يبرز منكم إليهم أحد إلا قتلوه على قتلتهم ، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم .

فقال له عمر بن سعد لعنه الله : الرأي ما رأيت ، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ، وقال : لو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم مبارزة.

ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام . فقال الحسين عليه السلام : يا ابن الحجاج أ علي تحرض الناس أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتم عليه ، والله لتعلمن أينا المارق من الدين ومن هو أولى بصلى النار.

[ مصرع مسلم بن عوسجة ]

ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات فاضطربواساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة وانصرف عمرو وأصحابه وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع .

وقال محمد بن أبي طالب : فسقط إلى الأرض وبه رمق فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين عليه السلام : رحمك الله يا مسلم « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ

ص: 228

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » ، ثم دنا منه حبيب فقال : يعز علي مصرعك

يا مسلم أبشر بالجنة ، فقال له قولا ضعيفا : بشرك الله بخير ، فقال له حبيب : لو لا

أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك ، فقال مسلم : فإني أوصيك بهذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام ، فقاتل دونه حتى تموت ، فقال حبيب : لأنعمتك عينا ، ثم مات رضوان الله عليه .

قال : وصاحت جارية له : يا سيداه يا ابن عوسجتاه ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون عزكم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ، أما والذي أسلمت له ، لربّ موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين.

[ حملة في الميسرة ]

ثم حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة ، فثبتوا له وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا ، وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا ، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلاّ كشفوهم ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة ، فاقتبلوا حتى دنوا من الحسين وأصحابه فرشقوهم بالنبل ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وقاتلوهم حتى انتصف النهار .

[ إحراق خيام الحسين ونهبها في حياته ]

واشتد القتال ولم يقدروا أن يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون ، فيشدون على الرجل يعرض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه .

ص: 229

فقال ابن سعد : أحرقوها بالنار فأضرموا فيها ، فقال الحسين عليه السلام : دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم ، فكان كما قال عليه السلام وقيل : أتاه شبث بن ربعي وقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمك ، فاستحيا!! وأخذوا لا يقاتلونهم إلا من وجه واحد ، وشدّ أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر ، فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.

[ إقامة صلاة الخوف ظهر عاشوراء ]

فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام :يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء ، هواء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين ، نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ، فقال الحصين بن نمير : إنها لا تقبل ، فقال حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختار ، فحمل عليه حصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين ، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه ، فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله : تقدما أمامي حتى أصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف .

[ مقتل سعيد بن عبد اللّه الحنفي ]

وروي : أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا وشمالا قام بين يديه فما زال يرمي به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ

ص: 230

نبيك السلام عني وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك، ثم مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

وقال ابن نما : وقيل : صلى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء .

[ عبد الرحمن بن عبد الله اليزني ]

ثم قالوا : ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني وهو يقول :

أنا ابن عبد الله من آل يزن

ديني على دين حسين وحسن

أضربكم ضرب فتى من اليمن

أرجو بذاك الفوز عند المومن

ثم حمل فقاتل حتى قتل .

[ عمرو بن قرظة الأنصاري ]

وقال السيد : فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء ، وبالغ في خدمة سلطان السماء ، حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين سهم إلا اتقاه بيده ، ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت إلى الحسين وقال : يا ابن رسول الله أوفيت ؟ قال : نعم أنت أمامي في الجنة فأقرئ رسول الله مني السلام وأعلمه أني في الأثر ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

وفي المناقب : أنه كان يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أن سوف أحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري

دون حسين مهجتي وداري

ص: 231

[ جون مولى أبي ذر الغفاري ]

وقال السيد : ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري وكان عبدا أسود ، فقال له الحسين : أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا ، فقال : يا ابن رسول الله أنا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .

وقال محمد بن أبي طالب : ثم برز للقتال وهو ينشد ويقول :

كيف يرى الكفار ضرب الأسود

بالسيف ضربا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو به الجنة يوم المورد

ثم قاتل حتى قتل ، فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد.

وروي عن الباقر عليه السلام عن علي بن الحسين عليه السلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه .

وقال صاحب المناقب : كان رجزه هكذا :

كيف يرى الفجار ضرب الأسود

بالمشرفي القاطع المهند

بالسيف صلتا عن بني محمد

أذب عنهم باللسان واليد

أرجو بذلك الفوز عند المورد

من الإله الأحد الموحد

إذ لا شفيع عنده كأحمد

ص: 232

[ عمرو بن خالد الصيداوي ]

وقال السيد : ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا فقال له الحسين : تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.

[ حنظلة بن سعد الشبامي ]

وجاء حنظلة بن سعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، وأخذ ينادي « يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ويا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ » يا قوم لا تقتلوا حسينا « فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى » .

وفي المناقب : فقال له الحسين : يا ابن سعد إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين. قال: صدقت جعلت فداك أفلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا؟ فقال له : رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وجمع بيننا وبينك في جنته ، قال : آمين آمين ، ثم استقدم فقاتل قتالا شديدا ، فحملوا عليه فقتلوه رضوان الله عليه .

[ سويد بن عمرو بن أبي المطاع ]

وقال السيد : فتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ،

ص: 233

فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل.

[ يحيى بن سليم المازني ]

وقال صاحب المناقب : فخرج يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول :

لأضربن القوم ضربا فيصلا

ضربا شديدا في العداة معجلا

لا عاجزا فيها ولا مولولا

ولا أخاف اليوم موتا مقبلا

لكنني كالليث أحمي أشبلا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ قرة بن أبي قرة الغفاري ]

ثم خرج من بعده قرة بن أبي قرة الغفاري وهو يرتجز ويقول :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

بأني الليث لدى الغيار

لأضربن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار

ضربا وجيعا عن بني الأخيار

رهط النبي السادة الأبرار

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ مالك بن أنس المالكي ]

وخرج من بعده مالك بن أنس المالكي وهو يرتجز ويقول :

ص: 234

قد علمت مالكها والدودان

والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي آفة الأقران

لدى الوغى وسادة الفرسان

مباشرو الموت بطعن آن

لسنا نرى العجز عن الطعان

آل علي شيعة الرحمن

آل زياد شيعة الشيطان

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ أنس بن حارث الكاهلي ]

وقال ابن نما : اسمه أنس بن حارث الكاهلي .

وفي المناقب : ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي هو يقول :

أنا ابن جعف وأبي مطاع

وفي يميني مرهف قطاع

وأسمر في رأسه لماع

يرى له من ضوئه شعاع

اليوم قد طاب لنا القراع

دون حسين الضرب والسطاع

يرجى بذاك الفوز والدفاع

عن حر نار حين لا انتفاع

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ الحجاج بن مسروق ]

وقالوا : ثم خرج الحجاج بن مسروق وهو مون الحسين عليه السلام ويقول :

أقدم حسين هاديا مهديا

اليوم تلقى جدك النبيا

ثم أباك ذا الندا عليا

ذاك الذي نعرفه وصيا

والحسن الخير الرضي الوليا

وذا الجناحين الفتى الكميا

وأسد الله الشهيد الحيا

ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.

ص: 235

[ زهير بن القين ]

ثم خرج من بعده زهير بن القين رضي الله عنه وهو يرتجز ويقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودكم بالسيف عن حسين

إن حسينا أحد السبطين

من عترة البر التقي الزين

ذاك رسول الله غير المين

أضربكم ولا أرى من شين

يا ليت نفسي قسمت قسمين

وقال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل مائة وعشرين رجلا ، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.

[ سعيد بن عبد الله الحنفي ]

ثم خرج سعيد بن عبد الله الحنفي وهو يرتجز :

أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا

وشيخك الحبر عليا ذا الندا

وحسنا كالبدر وافى الأسعدا

وعمك القوم الهمام الأرشدا

حمزة ليث الله يدعى أسدا

وذا الجناحين تبوأ مقعدا

في جنة الفردوس يعلو صعدا

وقال في المناقب : وقيل : بل القائل لهذه الأبيات هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، فلم يزل يقاتل حتى قتل.

[ حبيب بن مظاهر الأسدي ]

ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول :

ص: 236

أنا حبيب وأبي مظهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

وأنتم عند العديد أكثر

ونحن أعلى حجة وأظهر

وأنتم عند الوفاء أغدر

ونحن أوفى منكم وأصبر

حقا وأنمى منكم وأعذر

وقاتل قتالا شديدا ، وقال أيضا :

أقسم لو كنا لكم أعدادا

أو شطركم وليتم الأكتادا

يا شر قوم حسبا وآدا

وشرهم قد علموا أندادا

ثم حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع ونزل التميمي فاجتز رأسه ، فهد مقتله الحسين عليه السلام فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي .

وقيل : بل قتله رجل يقال له « بديل بن صريم » وأخذ رأسه فعلقه في عنق فرسه ، فلما دخل مكة رآه ابن حبيب وهو غلام غير مراهق ، فوثب إليه فقتله وأخذ رأسه .

وقال محمد بن أبي طالب : فقتل اثنين وستين رجلا ، فقتله الحصين بن نمير وعلق رأسه في عنق فرسه .

[ هلال بن نافع البجلي ]

ثم برز هلال بن نافع البجلي وهو يقول :

أرمي بها معلمة أفواقها

والنفس لا ينفعها إشفاقها

مسمومة تجري بها أخفاقها

ليملأن أرضها رشاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده إلى سيفه فاستله وجعل يقول :

ص: 237

أنا الغلام اليمني البجلي

ديني على دين حسين وعلي

إن أقتل اليوم فهذا أملي

فذاك رأيي وألاقي عملي

فقتل ثلاثة عشر رجلا فكسروا عضديه وأخذ أسيرا ، فقام إليه شمر فضرب عنقه.

[ شاب قتل أبوه ]

ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة وكانت أمه معه فقالت له أمه : اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فخرج ، فقال الحسين : هذا شاب قتل أبوه ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور فود البشير النذير

علي وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى

له غرة مثل بدر منير

[ شهادة إمرأة عجوز ]

وقاتل حتى قتل وجز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فحملت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها .

[ جنادة بن الحارث الأنصاري ]

وفي المناقب : ثم خرج جنادة بن الحارث الأنصاري وهو يقول :

ص: 238

أنا جناد وأنا ابن الحارث

لست بخوار ولا بناكث

عن بيعتي حتى يرثني وارث

اليوم شلوي في الصعيد ماكث

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله .

[ عمرو بن جنادة ]

ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة وهو يقول :

أضق الخناق من ابن هند وارمه

من عامه بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضبين رماحهم

تحت العجاجة من دم الكفار

خضبت على عهد النبي محمد

فاليوم تخضب من دم الفجار

واليوم تخضب من دماء أراذل

رفضوا القرآن لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا

بالمرهفات وبالقنا الخطار

والله ربي لا أزال مضاربا

في الفاسقين بمرهف بتار

هذا على الأزدي حق واجب

في كلّ يوم تعانق وكرار

[ عبد الرحمن بن عروة ]

ثم خرج عبد الرحمن بن عروة فقال :

قد علمت حقا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضر بن معشر الفجار

بكل عضب ذكر بتار

يا قوم ذودوا عن بني الأخيار

بالمشرفي والقنا الخطار

ثم قاتل حتى قتل رحمه الله .

ص: 239

[ عابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذب مولى شاكر ]

وقال محمد بن أبي طالب : وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولى شاكر وقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ؟ أقاتل حتى أقتل ، قال : ذاك الظن بك ، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.

فتقدم فسلم على الحسين عليه السلام وقال : يا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك ، ثم مضى بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم : فلما رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي ، وكان أشجع الناس ، فقلت : أيها الناس هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي ألا رجل ألا رجل.

فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كلّ جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شد على الناس ، فو الله لقد رأيت يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم إنهم تعطفوا عليه من كلّ جانب ، فقتل ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك ، فقال عمر بن سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القوم.

[ عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان ]

ثم جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان فقالا : يا أبا عبد الله ، السلام عليك إنه جئنا لنقتل بين يديك وندفع عنك ، فقال : مرحبا بكما ، ادنوا مني ، فدنوا منه وهما

ص: 240

يبكيان ، فقال : يا ابني أخي ما يبكيكما ؟ فو الله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين ، فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما ، أحسن جزاء المتقين ، ثم استقدما وقالا : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ،

فقاتلا حتى قتلا .

[ الغلام تركي ]

ثم خرج غلام تركي كان للحسين عليه السلام وكان قارئا للقرآن فجعل يقاتل ويرتجز ويقول :

البحر من طعني وضربي يصطلي

والجو من سهمي ونبلي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي

ينشق قلب الحاسد المبجل

فقتل جماعة ثم سقط صريعا ، فجاءه الحسين عليه السلام فبكى ووضع خده على خده ، ففتح عينه فرأى الحسين عليه السلام ، فتبسم ثم صار إلى ربّه رضي الله عنه.

[ يزيد بن زياد بن الشعثاء ]

ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلّما رمى قال الحسين عليه السلام : اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة ، فحملوا عليه فقتلوه .

وقال ابن نما : حدث مهران مولى بني كاهل قال : شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام

فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا شديدا لا يحمل على قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام ويرتجز ويقول :

أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا

في جنة الفردوس تعلو صعدا

ص: 241

[ أبو عمرو النهشلي ]

فقلت : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرو النهشلي وقيل : الخثعمي ، فاعترضه عامر بن نهشل ، أحد بني اللات من ثعلبة فقتله واجتز رأسه ، وكان أبو عمرو هذا متهجدا كثير الصلاة .

[ يزيد بن مهاجر ]

وخرج يزيد بن مهاجر ، فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب وصار مع الحسين عليه السلام وهو يقول :

أنا يزيد وأبي المهاجر

كأنني ليث بغيل خادر

يا رب إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وكان يكنى أبا الشعشاء من بني بهدلة من كندة .

[ محمد بن الأشعث إلى النار ]

وجاء رجل فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار تردهاالساعة ، قال : بل أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا محمد بن الأشعث ، قال : اللهم إن كان عبدك كاذبا فخذه إلى النار واجعله اليوم آية لأصحابه ، فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه فرمى به وثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه ووقعت مذاكيره في الأرض ، فو الله لقد عجبت من سرعة دعائه .

[ شمر الكلب الأبقع ]

ثم جاء آخر فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار ، قال : أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا شمر بن ذي الجوشن ،

ص: 242

قال الحسين عليه السلام : الله أكبر ، قال رسول الله

صلى الله عليه و آله : رأيت كأن كلبا أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ، وقال الحسين : رأيت كأن كلابا تنهشني وكأن فيها كلبا أبقع كان أشدهم علي ، وهو أنت ، وكان أبرص.

ونقلت من الترمذي قيل للصادق عليه السلام : كم تتأخر الروا ؟ فذكر منام رسول الله صلى الله عليه و آله ، فكان التأويل بعد ستين سنة .

[ سيف ومالك الجابريان ]

وتقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان بطن من همدان يقال لهم « بنو جابر » أمام الحسين عليه السلام ثم التقيا فقالا : عليك السلام يا ابن رسول الله ، فقال : عليكما السلام ، ثم قاتلا حتى قتلا.

ثم قال محمد بن أبي طالب وغيره : وكان يأتي الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه الحسين ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ولم يبق مع الحسين إلا أهل بيته.

وهكذا يكون المون يور دينه على دنياه وموته على حياته في سبيل الله ، وينصر الحق وإن قتل ، قال سبحانه : « ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » .

[ أهل البيت يتقدّمون إلى الشهادة ]

ولما وقف رسول الله صلى الله عليه و آلهعلى شهداء أحد وفيهم حمزة رضوان الله عليه وقال : أنا شهيد على هواء القوم زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، فاللون لون الدم والريح ريح المسك.

ص: 243

ولما قتل أصحاب الحسين ولم يبق إلا أهل بيته وهم ولد علي وولد جعفر وولد عقيل وولد الحسن وولده عليه السلام اجتمعوا يودع بعضهم بعضا وعزموا على الحرب .

[ عبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب ]

فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول :

اليوم ألقى مسلما وهو أبي

وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب

وقال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك.

وقال أبو الفرج : عبد الله بن مسلم ، أمه رقية بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، قتله عمرو بن صبيح فيما ذكرناه عن المدائني وعن حميد بن مسلم ، وذكر أن السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته .

ومحمد بن مسلم بن عقيل أمه أم ولد ، قتله أبو جرهم الأزدي ولقيط بن أياس الجهني .

[ جعفر بن عقيل ]

وقال محمد بن أبي طالب وغيره : ثم خرج من بعده جعفر بن عقيل وهو يرتجز ويقول :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ص: 244

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين أطيب الأطايب

من عترة البر التقي العاقب

فقتل خمسة عشر فارسا ، وقيل : قتل رجلين ، ثم قتله بشر بن سوط الهمداني .

وقال أبو الفرج : أمه أم الثغر بنت عامر العامري ، قتله عروة بن عبد الله الخثعمي.

[ عبد الرحمن بن عقيل ]

وقالوا : ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل وهو يقول :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم إخواني

كهول صدق سادة الأقران

هذا حسين شامخ البنيان

وسيد الشيب مع الشبان

فقتل سبعة عشر فارسا ، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني.

وقال أبو الفرج : وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب أمه أم ولد ، وقتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني وبشر بن حوط القابضي.

[ محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول ]

ثم قال : ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول ، وأمه أم ولد ، قتله لقيط بن ياسر الجهني ، رماه بسهم .

[ جعفر بن محمد بن عقيل ]

وذكر محمد بن علي بن حمزة : أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل ، ووصف أنه قد سمع أيضا من يذكر أنه قد قتل يوم الحر.

ص: 245

وقال أبو الفرج : ما رأيت في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا ، وذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب : أن علي بن عقيل وأمه أم ولد ، قتل يومئذ .

[ محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ]

ثم قالوا : وخرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو يقول :

نشكو إلى الله من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس ، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.

[ عون بن عبد الله بن جعفر ]

ثم خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

ثم قاتل حتى قتل من القوم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا ، ثم قتله عبد الله بن بطة الطائي .

قال أبو الفرج بعد ذكر قتل محمد وعون : وإن عونا قتله عبد الله بن قطنه التيهاني ، وعبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ذكر يحيى بن الحسن فيما أخبرني به أحمد بن سعيد عنه أنه قتل مع الحسين عليه السلام بالطف.

ص: 246

[ القاسم وعبد الله ابنا الحسن بن علي بن أبي طالب ]

ثم قال أبو الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهما : ثم خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وفي أكثر الروايات أنه القاسم بن الحسن عليه السلام وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلما نظر الحسين إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، ثم استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفى والمومن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلا .

قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما - ما أنسى أنه كان اليسرى - فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدن عليه ، فقلت : سبحان الله ، وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هواء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : والله لأفعلن ، فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ونادى : يا عماه .

قال : فجاء الحسين كالصقر المنقض ، فتخلل الصفوف وشد شدة الليث الحرب ، فضرب عمرا قاتله بالسيف فاتقاه بيده فأطنها من المرفق ، فصاح ثم تنحى عنه ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين فاستقبلته بصدورها وجرحته بحوافرها ووطئته حتى مات الغلام ، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجله ، فقال الحسين : يعز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك أو يعينك فلا يغني عنك ، بعد القوم قتلوك .

ص: 247

ثم احتمله ، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع ؟ فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

ثم قال : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا ، صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي ، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا .

ثم خرج عبد الله بن الحسن(1) وهو يقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

فقتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي فاسود وجهه .

قال أبو الفرج : كان أبو جعفر الباقر عليه السلام يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله .

وروي عن هانئ بن ثبيت القابضي : أن رجلا منهم قتله.

ثم قال : وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه أم ولد ، ذكر المدائني : أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله ، وفي حديث عن أبي جعفر عليه السلام : أن عقبة الغنوي قتله .

[ أخوة الحسين ]

قالوا : ثم تقدمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه .

[ أبو بكر بن علي ]

فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي ، واسمه عبيد الله ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية ، فتقدم وهو يرتجز :

ص: 248


1- الذي ذكرناه أولا وهو الأصح أنه برز بعد القاسم .

شيخي علي ذوالفخار الأطول

من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسين بن النبي المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي ، وقيل : عبيد الله بن عقبة الغنوي .

قال أبو الفرج : لا يعرف اسمه ، وذكر أبو جعفر الباقر عليه السلام : أن رجلا من همدان قتله ، وذكر المدائني : أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدرى من قتله.

[ عمر بن علي ]

قالوا : ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي وهو يقول :

أضربكم ولا أرى فيكم زحر

ذاك الشقي بالنبي قد كفر

يا زحر يا زحر تدان من عمر

لعلك اليوم تبوأ من سقر

شر مكان في حريق وسعر

لأنك الجاحد يا شر البشر

ثم حمل على زحر قاتل أخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول :

خلوا عداه الله خلوا عن عمر

خلوا عن الليث العبوس المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر

وليس فيها كالجبان المنجحر

فلم يزل يقاتل حتى قتل.

[ عثمان بن علي ]

ثم برز من بعده أخوه عثمان بن علي ، وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب وهو يقول :

ص: 249

إني أنا عثمان ذوالمفاخر

شيخي علي ذوالفعال الظاهر

وابن عم للنبي الطاهر

أخي حسين خيرة الأخاير

وسيد الكبار والأصاغر

بعد الرسول والوصي الناصر

فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وجز رأسه رجل من بني أبان بن حازم(1) .

[ جعفر بن علي ]

قالوا : ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي ، وأمه أم البنين أيضا ، وهو يقول :

إني أنا جعفر ذوالمعالي

ابن علي الخير ذو النوال

حسبي بعمي شرفا وخالي

أحمي حسينا ذي الندى المفضال

ثم قاتل فرماه خولي الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينه.

[ عبد الله بن علي ]

ثم برز أخوه عبد الله بن علي وهو يقول :

أنا ابن ذي النجدة والإفضال

ذاك علي الخير ذوالفعال

سيف رسول الله ذوالنكال

في كلّ قوم ظاهر الأهوال

ص: 250


1- قال أبو الفرج : قال يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن وعبد الله بن العباس قالا قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة وقال الضحاك بإسناده إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأسقطه وشد عليه رجل من بني أبان دارم وأخذ رأسه . وروي عن علي عليه السلام أنه قال إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون . أقول ولم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ .

فقتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

روى أبو الفرج باسناده : قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن خمس وعشرين سنة ولا عقب له ، وقتل جعفر بن علي وهو ابن تسع عشر سنة .

وروى أيضا عن ضحاك المشرقي قال : قال العباس بن علي لأخيه من أبيه وأمه عبد الله بن علي : تقدّم بين يدي حتى أراك وأحتسبك فإنه لا ولد لك ، فتقدم بين يديه وشد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله .

وبهذا الإسناد : أن العباس بن علي قدم أخاه جعفرا بين يديه فشد عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله .

وروى نصر بن مزاحم عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام : أن خولي بن يزيد الأصبحي قتل جعفر بن علي عليه السلام .

ثم قال : ومحمد الأصغر بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد ، روي عن أبي جعفر عليه السلام والمدائني : أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه.

[ إبراهيم بن علي بن أبي طالب ]

قال : وقد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم ولد ، وما سمعت بهذا عن غيره ، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكرا .

وذكر يحيى بن الحسن عن أبيه : أن عبيد الله بن علي قتل مع الحسين ، وهذا خطأ ، وإنما قتل عبيد الله يوم المذار ، قتله أصحاب المختار ، وقد رأيته بالمذار.

[ مقتل العباس ]

وقال : كان العباس بن علي يكنى أبا الفضل ، وأمه أم البنين أيضا ، وهو أكبر ولدها ، وهو آخر من قتل من إخوته لأبيه وأمه ، فحاز مواريثهم ، ثم تقدم

ص: 251

فقتل ، فورثهم وإياه عبيد الله ، ونازعه في ذلك عمه عمرو بن علي فصولح على شيء أرضي به .

وكان العباس رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض ، وكان يقال له «قمر بني هاشم» وكان لواء الحسين عليه السلام معه .

روي عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : عبأ الحسين بن علي أصحابه فأعطى رايته أخاه العباس .

وروي عن أبي جعفر عليه السلام : أن زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي عليه السلام .

وكانت أم البنين أم هواء الأربعة الإخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .

قالوا : وكان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام وهو أكبر الإخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم وجعل يقول :

لا أرهب الموت إذا الموت رقا

حتى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا

إني أنا العباس أغدوبالسقا

ولا أخاف الشر يوم الملتقى

ففرقهم ، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه ، فأخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز :

والله إن قطعتم يميني

إني أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين

فقاتل حتى ضعف ، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال :

ص: 252

يا نفس لا تخشى من الكفار

وأبشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا رب حر النار

فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله .

فلما رآه الحسين عليه السلام صريعا على شاطئ الفرات بكى وأنشأ يقول :

تعديتم يا شر قوم ببغيكم

وخالفتم دين النبي محمد

أما كان خير الرسل أوصاكم بنا

أما نحن من نجل النبي المسدد

أما كانت الزهراء أمي دونكم

أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم وأخزيتم بما قد جنيتم

فسوف تلاقوا حر نار توقد

أقول : وفي بعض تأليفات أصحابنا :

أن العباس لما رأى وحدته عليه السلام أتى أخاه وقال : يا أخي هل من رخصة ، فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري ، فقال العباس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هواء المنافقين.

فقال الحسين عليه السلام : فاطلب لهواء الأطفال قليلا من الماء فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم ، فرجع إلى أخيه فأخبره ، فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال ، فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء.

فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلّ جانب ، فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر ، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ،

ص: 253

فحمل القربة بأسنانه ، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماوا ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين أدركني ، فلما أتاه رآه صريعا فبكى وحمله إلى الخيمة.

ثم قالوا : ولما قتل العباس قال الحسين عليه السلام : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.

قال ابن شهرآشوب : ثم برز القاسم بن الحسين وهو يرتجز ويقول :

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

وذكر هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقا وفيه غرابة.

[ علي بن الحسين ]

قالوا : ثم تقدم علي بن الحسين عليه السلام .

وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وقال ابن شهرآشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة.

قالوا : ورفع الحسين سبابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هواء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ، اللهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.

ثم صاح الحسين بعمر بن سعد ما لك قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آله ، ثم رفع الحسين عليه السلام صوته وتلا « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ».

ص: 254

ثم حمل علي بن الحسين على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

من عصبة جد أبيهم النبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم .

وروي : أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبة العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين عليه السلام وقال : يا بني يعز على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعلي أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بني هات لسانك فأخذ بلسانه فمصه ودفع إليه خاتمه وقال : امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ، فرجع إلى القتال وهو يقول :

الحرب قد بانت لها الحقائق

وظهرت من بعدها مصادق

والله رب العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق

فلم يزل قتل تمام المائتين ، ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.

فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته : يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا ، وهو يقول : العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين عليه السلام وقال : قتل الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا .

ص: 255

قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس

الطالعة تنادي بالويل والثبور وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فوداه ، يا نور عيناه ، فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت علي عليهاالسلام ، وجاءت وانكبت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط ، وأقبل عليه السلام بفتيانه وقال : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .

[ عبد الله بن مسلم بن عقيل ]

وقال المفيد وابن نما بعد ذلك : ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له «عمرو بن صبيح» عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهة فسمرها به ، فلم يستطع تحريكها ، ثم انحنى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

[ عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ]

وحمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله .

وحمل عامر بن نهشل التميمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله .

[ عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ]

وشد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتله.

ص: 256

[ علي الأكبر أول شهيد من أهل البيت ]

وقال أبو الفرج في المقاتل : روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام : أن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي .

وروي عن سعيد بن ثابت قال : لما برز علي بن الحسين إليهم أرخى الحسين عليه السلام عينيه فبكى ثم قال : اللهم فكن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه و آله ، فجعل يشد عليهم ، ثم يرجع إلى أبيه فيقول : يا أبة العطش فيقول له الحسين : اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله بكأسه ، وجعل يكر كرة بعد كرة حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه ، وأقبل يتقلب في دمه ، ثم نادى : يا أبتاه عليك السلام ، هذا جدي رسول الله يقرئك السلام ويقول : عجل القدوم علينا ، وشهق شهقة فارق الدنيا .

قال أبو الفرج : علي بن الحسين هذا هو الأكبر ولا عقب له ، ويكنى أبا الحسن ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو أول من قتل في الوقعة ، وإياه عنى معاوية في الخبر الذي روي عن مغيرة قال : قال معاوية : من أحق الناس بهذا الأمر ؟ قالوا : أنت ، قال : لا أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي ،

جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف(1).

[ غلام من بني هاشم يذبّ عن الحسين ]

ثم قالوا : وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور ،

فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله ، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة.

ص: 257


1- وقال يحيى بن الحسن العلوي : وأصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد وأن الذي أمه ليلى هو جدهم وولد في خلافة عثمان.

[ زين العابدين يعزم على الذبّ عن الحسين ]

ثم التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال ، والتفت عن يساره فلم ير أحدا ، فخرج علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وكان مريضا لا يقدر أن يقل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني ارجع ، فقال : يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فقال الحسين عليه السلام : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى الله عليه و آله .

[ مقتل الرضيع ]

ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل .

فتقدم عليه السلام إلى باب الخيمة فقال : ناولوني عليا ابني الطفل حتى أودعه فناولوه الصبي .

وقال المفيد : دعا ابنه عبد الله قالوا : فجعل يقبله وهو يقول : ويل لهواء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم ، والصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين ، فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به إلى السماء.

وقال السيد : ثم قال : هون علي ما نزل بي إنه بعين الله .

قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض .

قالوا : ثم قال : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا.

أقول : وفي بعض الكتب : أن الحسين لما نظر إلى اثنين وسبعين رجلا من أهل

ص: 258

بيته صرعى التفت إلى الخيمة ونادى : يا سكينة ، يا فاطمة ، يا زينب ، يا أم كلثوم ، عليكن مني السلام ، فنادته سكينة : يا أبة استسلمت للموت ؟ فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين ؟ فقالت : يا أبة ردنا إلى حرم جدنا ، فقال : هيهات لو ترك القطا لنام ، فتصارخن النساء ، فسكتهن الحسين وحمل على القوم.

وقال أبو الفرج : وعبد الله بن الحسين وأمه الرباب بنت إمرئ القيس ، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين :

لعمرك إنني لأحب دارا

تكون بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وسكينة التي ذكرها ابنته من الرباب ، واسم سكينة أمينة ، وإنما غلب عليها سكينة وليس باسمها .

وكان عبد الله يوم قتل صغيرا ، جاءه نشابة وهو في حجر أبيه فذبحته روي عن حميد بن مسلم قال : دعا الحسين بغلام فأقعده في حجره ، فرماه عقبة بن بشر فذبحه .

وروي عمن شهد الحسين قال : كان معه ابن له صغير ، فجاء سهم فوقع في نحره ، فجعل الحسين يمسح الدم من نحر لبته فيرمي به إلى السماء ، فما رجع منه شيء ويقول : اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.

ثم قالوا : ثم قام الحسين عليه السلام وركب فرسه وتقدم إلى القتال وهو يقول :

كفر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين

قتلوا القوم عليا وابنه

حسن الخير كريم الأبوين

حنقا منهم وقالوا أجمعوا

احشروا الناس إلى حرب الحسين

يا لقوم من أناس رذل

جمع الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم

باجتياحي لرضاء الملحدين

ص: 259

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الكافرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني قبل ذا

غير فخري بضياء النيرين

بعلي الخير من بعد النبي

والنبي القرشي الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي

ثم أمي فأنا ابن الخيرين

فضة قد خلصت من ذهب

فأنا الفضة وابن الذهبين

من له جد كجدي في الورى

أو كشيخي فأنا ابن العلمين

فاطم الزهراء أمي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنين

عبد الله غلاما يافعا

وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزى معا

وعلي كان صلى القبلتين

فأبي شمس وأمي قمر

فأنا الكوكب وابن القمرين

وله في يوم أحد وقعة

شفت الغل بفض العسكرين

ثم في الأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل الفيلقين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا بالعترين

عترة البر النبي المصطفى

وعلي الورد يوم الجحفلين

[ مبارزة الحسين ]

ثم وقف عليه السلام قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول :

أنا ابن علي الطهر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مضى

ونحن سراج الله في الخلق نزهر

وفاطم أمي من سلالة أحمد

وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر

ص: 260

وفينا كتاب الله أنزل صادقا

وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان الله للناس كلّهم

نسر بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الناس أكرم شيعة

ومبغضنا يوم القيامة يخسر

أقول روي في الإحتجاج : أنه لما بقي فردا ليس معه إلا ابنه علي بن الحسين عليه السلام وابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله أخذ الطفل ليودعه ، فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله ، فنزل عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه ورمله بدمه ودفنه ، ثم وثب قائما وهو يقول : إلى آخر الأبيات.

وقال محمد بن أبي طالب ، وذكر أبو علي السلام ي في تاريخه : أن هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه ، وقال : ليس لأحد مثلها :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فإن ثواب الله أعلى وأنبل

وإن يكن الأبدان للموت أنشأت

فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

وإن يكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة سعي المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

ثم إنه دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثم حمل عليه السلام على الميمنة وقال: «الموت خير من ركوب العار».

ثم على الميسرة وهو يقول :

أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي

أمضي على دين النبي

قال المفيد والسيد وابن نما رحمهم الله : واشتد العطش بالحسين عليه السلام ، فركب المسناة يريد الفرات والعباس أخوه بين يديه ، فاعترضه خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع عليه السلام السهم وبسط يده

ص: 261

تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ، ثم رمى به وقال : اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ، ثم اقتطعوا العباس عنه ، وأحاطوا به من كلّ جانب حتى قتلوه ، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، فبكى الحسين لقتله بكاء شديدا.

قال السيد : ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :

القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من دخول النار

قال بعض الرواة : فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشا منه ، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقال ابن شهرآشوب ومحمد بن أبي طالب : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين .

فقال عمرو بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب ، فاحملوا عليه من كلّ جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله.

وقال ابن أبي طالب وصاحب المناقب والسيد : فصاح بهم ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم ،

وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعرابا ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة ، قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفو كريم .

ص: 262

قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء ، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلوه عنه.

وقال ابن شهرآشوب : وروى أبو مخنف عن الجلودي : أن الحسين عليه السلام حمل

على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة وأقحم الفرس على الفرات ، فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام : أنت عطشان وأنا عطشان والله لا ذقت الماء حتى تشرب ، فلما سمع الفرس كلام الحسين عليه السلام شال رأسه ولم يشرب كأنه فهم الكلام ، فقال الحسين عليه السلام : فأنا أشرب ، فمد الحسين عليه السلام يده فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك ، فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة .

قال أبو الفرج : وجعل الحسين عليه السلام يطلب الماء وشمر يقول له : والله لا ترده أو ترد النار ، فقال له رجل : ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحيتان ، والله لا

تذوقه أو تموت عطشا ، فقال الحسين عليه السلام : اللهم أمته عطشا .

قال : والله لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء ، فيوى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه ، ثم يقول : اسقوني قتلني العطش ، فلم يزل كذلك حتى مات.

فقالوا : ثم رماه رجل من القوم يكنى أبا الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال عليه السلام : اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هواء العصاة ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ولا تغفر لهم أبدا.

ثم حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحدا إلا بعجة بسيفه فقتله ، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتقيها بنحره وصدره ويقول : يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته ، أما إنكم لن تقلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وايم الله إني لأرجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .

ص: 263

قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال : يا ابن فاطمة وبما ذا ينتقم لك منا ؟ قال : يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب الأليم ، ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة.

وقال صاحب المناقب والسيد : حتى أصابته اثنتان وسبعون جراحة .

وقال ابن شهرآشوب : عن جعفر بن محمد بن علي عليه السلام قال : وجدنا بالحسين ثلاثا وثلاثين طعنة وأربعا وثلاثين ضربة .

وقال الباقر عليه السلام : أصيب الحسين

عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم .

وروي : ثلاثمائة وستون جراحة .

وقيل : ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام .

وقيل : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وروي : أنها كانت كلّها في مقدمه.

قالوا : فوقف عليه السلام يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره ، وفي بعض الروايات : على قلبه ، فقال الحسين عليه السلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء ، ثم وضع يده ثانيا ، فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان.

ثم ضعف عن القتال فوقف ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له «مالك بن اليسر» فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على

ص: 264

رأسه وعليه برنس فامتلأ دما ، فقال له الحسين عليه السلام : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين ، ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها ، وقد أعيا وجاء الكندي ، وأخذ البرنس وكان من خز ، فلما قدم بعد الوقعة على امرأته ، فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله اخرج عني حشى الله قبرك نارا ، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال ، ويبست يداه وكانتا في الشتاء ينضحان دما ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان.

وقال المفيد والسيد : فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به.

[ عبد الله بن الحسن بن علي ]

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب بنت علي عليهاالسلام لتحبسه ، فقال الحسين عليه السلام : احبسيه يا أختي ، فأبى وامتنع امتناعا شديدا وقال : لا والله لا أفارق عمي وأهوى أبجر بن كعب ، وقيل : حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها

إلى الجلد : فإذا هي معلقة ، فنادى الغلام : يا أماه ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه ، وقال : يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين .

قال السيد : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه السلام .

[ مقتل الحسين ]

ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين عليه السلام فطعنه بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه ، فقال له الحسين عليه السلام : يا ابن ذي الجوشن أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي أحرقك الله بالنار ، وجاء شبث فوبخه فاستحيا وانصرف .

ص: 265

قال : وقال الحسين عليه السلام : ابعثوا إلي ثوبا لا يرغب فيه اجعله تحت ثيابي لئلا أجرد ، فأتي بتبان ، فقال : لا ، ذاك لباس من ضربت عليه بالذلة ، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه ، ثم استدعى الحسين عليه السلام بسراويل من حبرة ففزرها ولبسها ، وإنما فزرها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها أبجر بن كعب وتركه عليه السلام مجردا ، فكانت يد أبجر بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان ويترطبان في الشتاء فينضحان دما وقيحا إلى أن أهلكه الله - تعالى -.

قال : ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه .

قال : وخرجت زينب من الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل .

وقال : وصاح الشمر ما تنتظرون بالرجل ؟ فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه ، وضرب الحسين زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه ، وكان قد أعيا ، وجعل عليه السلام ينوء

ويكبو ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثم انتزع الرمح ، فطعنه في بواني صدره ، ثم رماه سنان أيضا بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط عليه السلام وجلس قاعدا ،فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعا وكلما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا حتى ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا على حقي.

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه ، فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ليجتز رأسه فأرعد ، فنزل إليه سنان بن أنس النخعي ، فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأجتز رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا وأما ، ثم اجتز رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه وسلم وكرم .

ص: 266

وروي : أن سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ، ثم قطع يديه ورجليه وأغلى له قدرا فيها زيت ورماه فيها وهو يضطرب.

وقال صاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : ولما ضعف عليه السلام نادى شمر ما وقوفكم ؟ وما تنتظرون بالرجل ؟ قد أثخنته الجراح والسهام ، احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فرماه الحصين بن تميم في فيه ، وأبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه ، وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه ، وكان قد طعنه سنان بن أنس النخعي في صدره ، وطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته ، فوقع عليه السلام إلى الأرض على خده الأيمن ثم استوى جالسا ، ونزع السهم من حلقه ، ثم دنا عمر بن سعد من الحسين عليه السلام .

قال حميد : وخرجت زينب بنت علي عليهاالسلام وقرطاها يجولان بين أذنيها ، وهي تقول : ليت السماء انطبقت على الأرض ، يا عمر بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ، ودموع عمر تسيل على خديه ولحيته وهو يصرف وجهه عنها ، والحسين عليه السلام جالس وعليه جبة خز وقد تحاماه الناس ، فنادى شمر : ويلكم ما تنتظرون به ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، فضربه زرعة بن شريك فأبان كفه اليسرى ، ثم ضربه على عاتقه ، ثم انصرفوا عنه وهو يكبو مرة ويقوم أخرى .

فحمل عليه سنان في تلك الحال ، فطعنه بالرمح فصرعه وقال لخولي بن يزيد : اجتز رأسه ، فضعف وارتعدت يده ، فقال له سنان : فت الله عضدك وأبان يدك ، فنزل إليه شمر لعنه الله ، وكان اللعين أبرص ، فضربه برجله فألقاه على قفاه ثم أخذ بلحيته ، فقال الحسين عليه السلام : أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي ، فقال : أتشبهني بالكلاب ، ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام وهو يقول :

أقتلك اليوم ونفسي تعلم

علما يقينا ليس فيه مزعم

ولا مجال لا ولا تكتم

إن أباك خير من تكلم

ص: 267

وروى في المناقب : عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنا مع الحسين بنهر كربلاء ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرص ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، صَدَقَ اللّهُ ورَسُولُهُ ، قال رسول الله : كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دم أهل بيتي.

ثم قال : فغضب عمر بن سعد لعنه الله ثم قال لرجل عن يمينه : انزل ويحك إلى الحسين فأرحه ، فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فاجتز رأسه .

وقيل : بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش ويطلب الماء ، فرفسه شمر لعنه الله برجله وقال : يا ابن أبي تراب ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ، ثم قال لسنان : اجتز رأسه قفاء ، فقال سنان : والله لا أفعل فيكون جده محمد صلى الله عليه وآله خصمي.

فغضب شمر لعنه الله وجلس على صدر الحسين وقبض على لحيته وهم بقتله ، فضحك الحسين عليه السلام فقال له : أتقتلني ولا تعلم من أنا ؟ فقال : أعرفك حق المعرفة أمك فاطمة الزهراء وأبوك علي المرتضى وجدك محمد المصطفى وخصمك العلي الأعلى ، أقتلك ولا أبالي ، فضربه بسيفه أثنتا عشرة ضربة ، ثم جز رأسه صلوات الله وسلامه عليه ولعن الله قاتله ومقاتله والسائرين إليه بجموعهم.

[ فرس الحسين ]

وقال ابن شهرآشوب : روى أبو مخنف عن الجلودي أنه كان صرع الحسين عليه السلام فجعل فرسه يحامي عنه ، ويثب على الفارس فيخبطه عن سرجه ويدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلا ، ثم تمرغ في دم الحسين عليه السلام وقصد نحو الخيمة وله صهيل عال ويضرب بيديه الأرض.

وقال السيد رضى الله عنه : فلما قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين ولا أثر حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.

ص: 268

وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين .

قال : فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وإنه ليجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتله ، فاستسقى في تلك الحالة ماء ، فسمعت رجلا يقول : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه و آلهوأسكن معه في داره فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ، وأشرب مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وأشكو إليه ما ركبتم مني وفعلتم بي .

قال : فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا ، فاجتزوا رأسه وإنه ليكلمهم فتعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبدا.

[ سلب الحسين ]

قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره .

وروي : أنه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة .

وقال الصادق عليه السلام : وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربعة وثلاثون ضربة .

وأخذ سراويله أبجر بن كعب التيمي ، وروي : أنه صار زمنا مقعدا من رجليه .

وأخذ عمامته أخنس بن مرسد بن علقمة الحضرمي ، وقيل : جابر بن يزيد الأودي فاعتم بها فصار معتوها ، وفي غير رواية السيد : فصار مجذوما .

وأخذ درعه مالك بن بشير الكندي فصار معتوها.

فقال السيد : وأخذ نعليه الأسود بن خالد .

وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي فقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك .

ص: 269

وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خز قيس بن الأشعث .

وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد ، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة قاتله .

وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي ، ويقال : رجل من بني تميم يقال له «الأسود بن حنظلة» ، وفي رواية ابن سعد : أنه أخذ سيفه القلافس النهشلي ، وزاد محمد بن زكريا : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل ، وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار ، وإن ذلك كان مذخورا ومصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه.

قال : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل . قالت الجارية : فأسرعت إلى سيدتي وأنا أصيح ، فقمن في وجهي وصحن .

قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرجن بنات الرسول وحرمه يتساعدن على البكاء ، ويندبن لفراق الحماة والأحباء.

وروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليه السلام فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط فقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله ، لا حكم إلا لله ، يا ثارات رسول الله ، فأخذها زوجها وردها إلى رحله .

[ إحراق الخيام ]

قال : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة وقلن : بحق الله إلا ما مررت بنا على مصرع الحسين ، فلما نظرت النسوة إلى القتلى صحن ويضربن وجوههن.

ص: 270

قال : فو الله لا أنسى زينب بنت علي عليهاالسلام وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى حمزة سيد الشهداء ، وا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، يسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدي رسول الله ، يا أصحاب محمداه ، هواء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا.

وفي بعض الروايات : يا محمداه ، بناتك سبايا وذريتك مقتلة ، تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا هو غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبته تقطر بالدماء ، بأبي من جده رسول إله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى.

قال : فأبكت والله كلّ عدو وصديق .

ثم إن سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السلام فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه .

[ رضّ صدر الحسين ]

قال : ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره ، فانتدب منهم عشرة ، وهم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن الطفيل السنبسي ، وعمرو بن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وواحظ بن ناعم ، وصالح بن وهب الجعفي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي ، وأسيد بن مالك ، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره.

ص: 271

قال : وجاء هواء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة شعر :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر

بكل يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة.

قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هواء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا ، وهواء أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .

أقول : المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك.

وقال صاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : قتل الحسين عليه السلام باتفاق الروايات

يوم عاشوراء ، عاشر المحرم سنة إحدى وستين ، وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف .

[ الهجوم على بنات الوحي ]

قالا : وأقبل فرس الحسين عليه السلام وقد عدا من بين أيديهم أن لا يوذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه السلام ، ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتى مات ، فلما نظر أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد ، رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جداه ، وا نبياه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، ثم غشي عليها.

فأقبل أعداء الله لعنهم الله حتى أحدقوا بالخيمة ومعهم شمر فقال : ادخلوا فاسلبوا بزتهن ، فدخل القوم لعنهم الله ، فأخذوا ما كان في الخيمة حتى أفضوا إلى قرط كان في

ص: 272

أذن أم كلثوم أخت الحسين عليه السلام فأخذوه ، وخرموا أذنها حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تغلب عليه ، وأخذ قيس بن الأشعث لعنه الله قطيفة الحسين عليه السلام فكان يسمى قيس القطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له «الأسود» ، ثم مال الناس على الورس والحلي والحلل والإبل فانتهبوها.

أقول : رأيت في بعض الكتب : أن فاطمة الصغرى قالت : كنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي مجزرين كالأضاحي على الرمال والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أويأسروننا ، فإذا برجل

على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة وهن يصحن : وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه ، أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا ، قالت : فطار فودي وارتعدت فرائصي ، فجعلت أجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني.

فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ، ففررت منهزمة وأنا أظن أني أسلم منه وإذا به قد تبعني ، فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي ، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي وترك الدماء تسيل على خدي ورأسي تصهره الشمس ، وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي علي ، وإذا أنا بعمتي عندي تبكي وهي تقول : قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل فقمت وقلت : يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار ؟ فقالت : يا بنتاه وعمتك مثلك ، فرأيت رأسها مكشوفة ومتنها قد أسود من الضرب ، فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نهبت وما فيها وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا.

وقال المفيد رحمه الله : قال حميد بن مسلم : فانتهينا إلى علي بن الحسين وهو منبسط على فراش ، وهو شديد المرض ، ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له : ألا نقتل هذا العليل ؟ فقلت : سبحان الله ، أتقتل الصبيان ، إنما هذا صبي وإنه لما به ، فلم أزل حتى دفعتهم عنه .

ص: 273

وجاء عمر بن سعد : فصاحت النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هواء النساء ، ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به ، فقال : من أخذ من متاعهم شيئا فليرده ، فوالله ما رد أحد منهم شيئا ، فوكلّ بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممن كان معه وقال : احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد ولا يساء إليهم.

[ تسريح الرؤوس ]

وقال محمد بن أبي طالب : ثم إن عمر بن سعد سرح برأس الحسين عليه السلام يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم إلى ابن زياد ، ثم أمر برؤوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطعت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة ، وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال ، فجمع قتلاه فصلى عليهم ودفنهم وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء ، فلما ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد ، فصلوا عليهم ودفنوهم .

وقال ابن شهرآشوب : وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا ويرون طيورا بيضا.

وقال محمد بن أبي طالب : وروي : أن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأسا ، واقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بعشرين ، وصاحبهم شمر لعنه الله ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بتسعة عشر ، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهرآشوب : بتسعة رؤوس ، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس ، وجاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأسا ، وقال ابن شهرآشوب : وجاء سائر الجيش بتسعة رؤوس ، ولم يذكر مذحج ، قال : فذلك سبعون رأسا .

ثم قال : وجاءوا بالحرم أسارى إلا شهربانويه فإنها أتلفت نفسها في الفرات.

ص: 274

[ عدد الشهداء من أهل البيت ]

وقال ابن شهرآشوب وصاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت عليهم السلام فالأكثرون على أنهم كانوا سبعة وعشرين :

سبعة من بني عقيل : مسلم المقتول بالكوفة ، وجعفر ، وعبد الرحمن ابنا عقيل ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الله بن مسلم ، وجعفر بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ، وزاد ابن شهرآشوب : عونا ومحمدا ابني عقيل .

وثلاثة من ولد جعفر بن أبي طالب : محمد بن عبد الله بن جعفر ، وعون الأكبر بن عبد الله ، وعبيد الله بن عبد الله .

ومن ولد علي عليه السلام تسعة : الحسين عليه السلام ، والعباس ، ويقال : وابنه محمد بن العباس ، وعمر بن علي ، وعثمان بن علي ، وجعفر بن علي ، وإبراهيم بن علي ، وعبد الله بن علي الأصغر ، ومحمد بن علي الأصغر ، وأبو بكر ، شك في قتله .

وأربعة من بني الحسن : أبو بكر ، وعبد الله ، والقاسم ، وقيل : بشر ، وقيل : عمر وكان صغيرا .

وستة من بني الحسين مع اختلاف فيه : علي الأكبر ، وإبراهيم ، وعبد الله ، ومحمد ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، وعمر ، وزيد ، وذبح عبد الله في حجره ، ولم يذكر صاحب المناقب إلا عليا وعبد الله ، وأسقط ابن أبي طالب حمزة وإبراهيم وزيدا وعمر.

وقال ابن شهرآشوب : ويقال : لم يقتل محمد الأصغر بن علي عليه السلام لمرضه ، ويقال : رماه رجل من بني دارم فقتله .

وقال أبو الفرج : جميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلا .

وقال ابن نما رحمه الله : قالت الرواة : كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي الباقر عليه السلام قتل

الحسين عليه السلام قال : قتلوا سبعة عشر إنسانا كلّهم ارتكض في بطن فاطمة ، يعني بنت أسد أم علي عليه السلام .

ص: 275

3 - أقول : روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللووالمتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله مم بكاو ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أوفي غفلة أنت ؟ أما علمت أن الحسين بن علي عليه السلام أصيب في مثل هذا اليوم ؟ قلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه و آله وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعز على رسول الله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزى بهم .

قال : وبكى أبو عبد الله عليه السلام حتى أخضلت لحيته بدموعه ، ثم قال : إن الله عز وجل لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره في أول يوم من شهر رمضان ، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء في مثل ذلك اليوم ، يعني العاشر من شهر المحرم ، في تقديره ، وجعل لكل منهما شِرْعَةً ومِنْهاجاً.. إلى آخر الخبر .

وروى صاحب المناقب : عن الحسن البصري قال : قتل مع الحسين بن علي عليه السلام ستة عشر من أهل بيته ما كان لهم على وجه الأرض شبيه .

وروي عن الحسن بإسناد آخر سبعة عشر من أهل بيته .

[ الشهداء من أصحاب الحسين ]

وقال ابن شهرآشوب : المقتولون من أصحاب الحسين عليه السلام في الحملة الأولى :

نعيم بن عجلان ، وعمران بن كعب بن حارث الأشجعي ، وحنظلة بن عمرو الشيباني ، وقاسط بن زهير ، وكنانة بن عتيق ، وعمرو بن مشيعة ، وضرغامة بن مالك ، وعامر بن مسلم ، وسيف بن مالك النميري ، وعبد الرحمن الأرحبي ، ومجمع

ص: 276

العائذي ، وحباب بن الحارث ، وعمرو الجندي ، والجلاس بن عمرو الراسبي ، وسوار بن أبي حمير الفهمي ، وعمار بن أبي سلامة الدالاني ، والنعمان بن عمرو الراسبي ، وزاهر بن عمرو مولى ابن الحمق ، وجبلة بن علي ، ومسعود بن الحجاج ، وعبد الله بن عروة الغفاري ، وزهير بن بشير الخثعمي ، وعمار بن حسان ، وعبد الله بن عمير ، ومسلم بن كثير ، وزهير بن سليم ، وعبد الله وعبيد الله ابنا زيد البصري ،

وعشرة من موالي الحسين عليه السلام ، واثنان من موالي أمير المونين عليه السلام .

[ زيارة تشتمل على أسماء الشهداء

وبع-ض أحوالهم وأسم-اء قاتليهم ]

ولنذكر هنا زيارة أوردها السيد في كتاب الإقبال يشتمل على أسماء الشهداء وبعض أحوالهم رضوان الله عليهم ، وأسماء قاتليهم لعنهم الله :

قال روينا بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي عن محمد بن أحمد بن عياش عن الشيخ الصالح أبي منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي رحمهم الله قال :

خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي رحمه الله وكنت حديث السن وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله عليه السلام وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم .

فخرج إلي منه : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فقف عند رجلي الحسين عليه السلام وهو قبر علي بن الحسين عليه السلام فاستقبل القبلة بوجهك فإن هناك حومة الشهداء وأومئ وأشر إلى علي بن الحسين عليه السلام وقل :

السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك : قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم

ص: 277

على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا كأني بك بين يديك ماثلا وللكافرين قاتلا قائلا :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي عربي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك ولقيت ربك أشهد أنك أولى بالله وبرسوله وأنك ابن رسوله وحجته وأمينه وابن حجته وأمينه حكم الله على قاتلك مرة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه الله وأخزاه ومن شركه في قتلك وكانوا عليك ظهيرا أصلاهم الله جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً وجعلنا الله من ملاقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة وأبرأ إلى الله من أعدائك أولي الجحود والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .

السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع المتشحط دما المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه .

السلام على عبد الله بن أمير المونين مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء المضروب مقبلا ومدبرا لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المونين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتله يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي .

السلام على جعفر بن أمير المونين الصابر بنفسه محتسبا والنائي عن الأوطان مغتربا المستسلم للقتال المستقدم للنزال المكثور بالرجال لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي .

ص: 278

السلام على عثمان بن أمير المونين سمي عثمان بن مظعون لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الإيادي والأباني الداري .

السلام على محمد بن أمير المونين قتيل الأباني الداري لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم وصلى الله عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين .

السلام على أبي بكر بن الحسن بن علي الزكي الولي المرمي بالسهم الردي لعن الله قاتله عبد الله بن عقبة الغنوي .

السلام على عبد الله بن الحسن الزكي لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي .

السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته المسلوب لامته حين نادى الحسين عمه فجلى عليه عمه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك ثم قال : عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره جعلني الله معكما يوم جمعكما وبوأني مبوأكما ولعن الله قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيما وأعد له عذابا أليما .

السلام على عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني والقرآن لعن الله قاتله عبد الله بن قطبة النبهاني .

السلام على محمد بن عبد الله بن جعفر الشاهد مكان أبيه والتالي لأخيه وواقيه ببدنه لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي .

السلام على جعفر بن عقيل لعن الله قاتله وراميه بشر بن حوط الهمداني .

السلام على عبد الرحمن بن عقيل لعن الله قاتله وراميه عثمان بن خالد بن أشيم الجهني .

ص: 279

السلام على القتيل بن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله عامر بن صعصعة وقيل : أسد بن مالك .

السلام على أبي عبيد الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله وراميه عمرو بن صبيح الصيداوي .

السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ولعن الله قاتله لقيط بن ناشر الجهني .

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المونين ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي .

السلام على قارب مولى الحسين بن علي .

السلام على منجح مولى الحسين بن علي .

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف : أنحن نخلي عنك ؟ وبم نعتذر عند الله من أداء حقك ؟ لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت معك وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد شهد لله وقضى نحبه ففزت ورب الكعبة شكر الله استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة وقرأ « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً »لعن الله المشتركين في قتلك عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي ومسلم بن عبد الله الضبابي .

السلام على سعد بن عبد الله الحنفي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف لا والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه و آله فيك والله لوأعلم أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة أو قتلة واحدة ثم هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا ؟ فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة حشرنا الله معكم في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلى عليين .

ص: 280

السلام على بشر بن عمر الحضرمي شكر الله لك قولك للحسين وقد أذن لك في الانصراف أكلتني - إذن - السباع حيا إن فارقتك وأسأل عنك الركبان وأخذلك مع قلة الأعوان لا يكون هذا أبدا .

السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرقي القاري المجدل بالمشرفي .

السلام على عمر بن كعب الأنصاري .

السلام على نعيم بن عجلان الأنصاري .

السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف : لا والله لا يكون ذلك أبدا أترك ابن رسول الله أسيرا في يد الأعداء وأنجو ؟ لا أراني

الله ذلك اليوم .

السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري .

السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي .

السلام على الحر بن يزيد الرياحي .

السلام على عبد الله بن عمير الكلبي .

السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي .

السلام على أنس بن كاهل الأسدي .

السلام على قيس بن مسهر الصيداوي.

السلام على عبد الله وعبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين .

السلام على جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري .

السلام على شبيب بن عبد الله النهشلي .

السلام على الحجاج بن زيد السعدي .

السلام على قاسط وكرش ابني ظهير التغلبيين .

السلام على كنانة بن عتيق .

ص: 281

السلام على ضرغامة بن مالك .

السلام على حوى بن مالك الضبعي .

السلام على عمرو بن ضبيعة الضبعي .

السلام على زيد بن ثبيت القيسي .

السلام على عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيت القيسي .

السلام على عامر بن مسلم .

السلام على قعنب بن عمرو التمري .

السلام على سالم مولى عامر بن مسلم .

السلام على سيف بن مالك .

السلام على زهير بن بشر الخثعمي .

السلام على زيد بن معقل الجعفي .

السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي .

السلام على مسعود بن الحجاج وابنه .

السلام على مجمع بن عبد الله العائذي .

السلام على عمار بن حسان بن شريح الطائي .

السلام على حباب بن الحارث السلماني الأزدي .

السلام على جندب بن حجر الخولاني .

السلام على عمر بن خالد الصيداوي .

السلام على سعيد مولاه .

السلام على يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي .

السلام على زاهد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي .

السلام على جبلة بن علي الشيباني .

ص: 282

السلام على سالم مولى بني المدنية الكلبي .

السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج .

السلام على زهير بن سليم الأزدي .

السلام على قاسم بن حبيب الأزدي .

السلام على عمر بن جندب الحضرمي .

السلام على أبي ثمامة عمر بن عبد الله الصائدي .

السلام على حنظلة بن سعد الشبامي .

السلام على عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدر الأرحبي .

السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني .

السلام على عابس بن أبي شبيب الشاكري .

السلام على شوذب مولى شاكر .

السلام على شبيب بن الحارث بن سريع .

السلام على مالك بن عبد بن سريع .

السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني .

السلام على المرتب معه عمرو بن عبد الله الجندعي .

السلام عليكم يا خير أنصار السلام عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ

بوأكم الله مبوأ الأبرار .

أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ومهد لكم الوطاء وأجزل لكم العطاء وكنتم عن الحق غير بطاء وأنتم لنا فرطاء ونحن لكم خلطاء في دار البقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أقول : قوله : «وقيل» لعله من السيد أو من بعض الرواة .

ص: 283

[ رواية المسعودي ]

4 - وقال المسعودي في كتاب مروج الذهب : فعدل الحسين إلى كربلاء وهو

في مقدار ألف فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل ، فلم يزل يقاتل حتى قتل صلوات الله عليه ، وكان الذي تولى قتله رجلا من مذحج ، وقتل وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل : ابن تسع وخمسين سنة ، وقيل غير ذلك ، ووجد به عليه السلام يوم قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة ، وضرب زرعة بن شريك التميمي لعنه الله كفه اليسرى ، وطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله ، ثم نزل واجتز رأسه ، وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة لم يحضرهم شامي ، وكان جميع من قتل معه سبعا وثمانين ، وكان عدة من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسين عليه السلام ثمانية وثمانين رجلا(1) .

ص: 284


1- أقول : ولنوضح بعض مشكلات ما تقدم في هذا الباب . قوله عليه السلام لو لا تقارب الأشياء أي قرب الآجال أو إناطة الأشياء بالأسباب بحسب المصالح أو أنه يصير سببا لتقارب الفرج وغلبة أهل الحق ولما يأت أوانه وفي بعض النسخ لو لا تفاوت الأشياء أي في الفضل والثواب. قوله عليه السلام فلم يبعد أي من الخير والنجاح والفلاح وقد شاع قولهم بعدا له وأبعده الله والإغذاذ في السير الإسراع وقال الجزري في حديث أبي قتادة فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد أي لا يلتفت ولا يعطف عليه وألوى برأسه ولواه إذا أماله من جانب إلى جانب انتهى. والوله الحيرة وذهاب العقل حزنا والمراد هنا شدة الشوق وقال الفيروزآبادي عسل الذئب أو الفرس يعسل عسلانا اضطرب في عدوه وهز رأسه والعسل الناقة السريعة وأبو عسلة بالكسر الذئب انتهى أي يتقطعها الذئاب الكثيرة العدو السريعة أو الأعم منه ومن سائر السباع والكرش من الحيوانات كالمعدة من الإنسان والأجربة جمع الجراب وهو الهميان أطلق على بطونها على الاستعارة ولعل المعنى أني أصير بحيث يزعم الناس أني أصير كذلك بقرينة . قوله عليه السلام وهو مجموعة له في حظيرة القدس فيكون استعارة تمثيلية أو يقال نسب إلى نفسه المقدسة ما يعرض لأصحابه أو يقال إنها تصير ابتداء إلى أجوافها لشدة الابتلاء ثم تنتزع منها وتجتمع في حظيرة القدس ويقال انكمش أي أسرع. قوله كأنما على رءوسنا الطير أي بقينا متحيرين لا نتحرك قال الجزري في صفة الصحابة كأنما على رءوسهم الطير وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن انتهى. والتقويض نقض من غير هدم أو هو نزع الأعواد والأطناب والإرقال ضرب من الخبب وهو ضرب من العدو . وهوادي الخيل أعناقها. قوله كأنّ أسنتهم اليعاسيب هو جمع يعسوب أمير النحل شبهها في كثرتها بأن كلا منها كأنه أمير النحل اجتمع عليه عسكره قال الجزري في حديث الدجال فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل جمع يعسوب أي تظهر له وتجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعاسيبها انتهى وكذا تشبيه الرايات بأجنحة الطير إنما هو في الكثرة واتصال بعضها ببعض. وقال الجوهري وقولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة . قوله عليه السلام ورشفوا الخيل أي اسقوهم قليلا قال الجوهري الرشف المص وفي المثل الرشف أنقع أي إذا ترشفت الماء قليلا قليلا كان أسكن للعطش والطساس بالكسر جمع الطس وهو لغة في الطست ولا تغفل عن كرمه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بسقي رجال المخالفين ودوابهم. قوله والراوية عندي السقاية أي كنت أظن أن مراده عليه السلام بالراوية المزادة التي يسقى به ولم أعرف أنها تطلق على البعير فصرح عليه السلام بذكر الجمل قال الفيروزآبادي الراوية المزادة فيها الماء والبعير والبغل والحمار يستقي عليه وقال الجزري فيه نهي عن اختناث الأسقية خنثت السقاء إذا ثنيت فمه إلى خارج وشربت منه وقبعته إذا ثنيته إلى داخل والخميس الجيش والوغى الحرب والعرمرم الجيش الكثير والباتر السيف القاطع وقال الجوهري الجعجعة الحبس وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن جعجع بحسين عليه السلام قال الأصمعي يعني احبسه وقال ابن الأعرابي يعني ضيق عليه وقال العراء بالمد الفضاء لا ستر به قال الله - تعالى - لَنُبِذَ بِالْعَراءِ . ويقال ما لي به قبل بكسر القاف أي طاقة والصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء . وقال الجوهري الوبلة بالتحريك الثقل والوخامة وقد وبل المرتع وبلا ووبالا فهو وبيل أي وخيم والبرم بالتحريك ما يوجب السأمة والضجر والوثير الفراش الوطيء اللين والخمير الخبز البائت والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله . وقال البيضاوي في قوله وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ أي ليس الحين حين مناص ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين وقيل هي النافية للجنس أي ولا حين مناص لهم وقيل للفعل والنصب بإضماره أي ولا أرى حين مناص والمناص المنجى. قوله قد خشيت أي ظننت أو علمت وكبد السماء وسطها والبغر بالتحريك داء وعطش قال الأصمعي هو عطش يأخذ الإبل فتشرب فلا تروى وتمرض عنه فتموت تقول منه بغر بالكسر والزحف المشي والمناجزة المبارزة والمقاتلة والثمال بالكسر الغياث يقال فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم ويقال حلأت الإبل عن الماء تحلئة إذا طردتها عنه ومنعتها أن ترده قاله الجوهري وقال تقول تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا والترح بالتحريك ضد الفرح والمستصرخ المستغيث وحششت النار أحشها حشا أوقدتها. قوله جناها أي أخذها وجمع حطبها وفي رواية السيد فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوكم وعدونا.وقال الجوهري ألبت الجيش إذا جمعته وتألبوا تجمعوا وهم ألب وإلب إذا كانوا مجتمعين وتفيل رأيه أخطأ وضعف والجأش رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع ونفس الإنسان وقد لا يهمز. قوله عليه السلام طامن أي ساكن مطمئن واستحصف الشيء استحكم وشذاذ الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم. قوله عليه السلام ونفثة الشيطان أي ينفث فيهم الشيطان بالوساوس أو أنهم شرك شيطان قال الفيروزآبادي نفث ينفث وينفث وهو كالنفخ ونفث الشيطان الشعر والنفاثة ككناسة ما ينفثه المصدور من فيه والشطيبة من السواك تبقى في الفم فتنفث وفي تحف العقول بقية الشيطان. قوله عليه السلام جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قال الجوهري هو من عضوته أي فرقته لأن المشركين فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا وقيل أصله عضهة لأن العضة والعضين في لغة قريش السحر. قوله عليه السلام قد ركز أي أقامنا بين الأمرين من قولهم ركز الرمح أي غرزه في الأرض وفي رواية السيد والتحف ركن بالنون أي مال وسكن إلينا بهذين والأظهر تركني كما في الإحتجاج والقلة قلة العدد بالقتل وفي رواية السيد والإحتجاج السلة وهي بالفتح والكسر اعتلال السيوف وهو أظهر. قوله فغير مهزمينا على صيغة المفعول أي إن أرادوا أن يهزمونا فلا نهزم أو إن هزمونا وأبعدونا فليس على وجه الهزيمة بل على جهة المصلحة والأول أظهر والطب بالكسر العادة والحاصل أنا لم نقتل بسبب الجبن فإنه ليس من عادتنا ولكن بسبب أن حضر وقت منايانا ودولة الآخرين. قوله عليه السلام إلا ريثما يركب أي إلا قدر ما يركب وطاح يطوح ويطيح هلك وسقط والهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته والكلكل الصدر وفي بعض النسخ بكظمه وهو بالتحريك مخرج النفس وهو أظهر والزئير صوت الأسد في صدره. قوله لعنه الله مزني أي رمح مزني وكعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب وعدم خيانتها كناية عن كثرة نفوذها وعدم كلالها والغراران شفرتا السيف والحاسر الذي لا مغفر عليه ولا درع ويوم قماطر بالضم شديد قوله هنه الهاء للسكت وكذا في قوله فاجهدنه وفارغبنه ورجل مدجج أي شاك في السلاح ويقال عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه وأقام وكذلك التعرج ذكره الجوهري وقال قال أبو عمرو الأزل الخفيف الوركين والسمع الأزل الذئب الأرسح يتولد بين الذئب والضبع وهذه الصفة لازمة له كما يقال الضبع العرجاء وفي المثل هو أسمع من الذئب الأزل واللبد بكسر اللام وفتح الباء جمع اللبدة وهي الشعر المتراكب بين كتفي الأسد ويقال للأسد ذو لبد. قوله لأنعمتك عينا أي نعم أفعل ذلك إكراما لك وإنعاما لعينك وشب الفرس يشب ويشب شبابا وشبيبا إذا قمص ولعب وأشببته أنا إذا هيجته واحتوش القوم على فلان أي جعلوه وسطهم. وقال الجوهري قولهم فلان حامي الذمار أي إذا ذمر وغضب حمي وفلان أمنع ذمارا من فلان ويقال الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه قوله شاري أي شرى نفسه وباعها بالجنة والمهند السيف المطبوع من حديد الهند وأصلت سيفه أي جرده من غمده فهو مصلت وضربه بالسيف صلتا وصلتا إذا ضربه به وهو مصلت والباسل البطل الشجاع والفيصل الحاكم والقضاء بين الحق والباطل والولولة الإعوال والأشبل جمع الشبل ولد الأسد والغيار بالكسر من الغيرة أو الغارة وقد يكون بمعنى الدخول في الشيء والعضب بالفتح السيف القاطع. وقال الجوهري سيف ذكر ومذكر أي ذوماء قال أبو عبيد هي سيوف شفراتها حديد ذكر ومتونها أنيث قال ويقول الناس إنها من عمل الجن ودودان بن أسد أبو قبيلة قوله بطعن آن أي حار شديد الحرارة ويقال أرهفت سيفي أي رققته فهو مرهف والأسمر الرمح والسطاع لعله من سطوع الغبار والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمي نفسه أي سترها بالدرع والبيضة. والقرم السيد والأكتاد جمع الكتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر والآد القوة والأخفاق لعله جمع الخفق بمعنى الاضطراب أو الخفق بمعنى ضربك الشيء بدرة أو عريض أو صوت النعل أو من أخفق الطائر ضرب بجناحيه والرشق الرمي بالنبل وغيره وبالكسر الاسم والخور الضعف والجبن والشلو بالكسر العضو من أعضاء اللحم وأشلاء الإنسان أعضاو بعد البلى والتفرق. قوله من عامه أي متحير ضال ولعله بيان لابن هند والعجاجة الغبار والذوائب جمع الذوبة وهي من العز والشرف وكلّ شيء أعلاه والصوب نزول المطر والمزن جمع المزنة وهي السحابة البيضاء والفلقة بالكسر القطعة وأسد حرب بكسر الراء أي شديد الغضب. قوله فأطنها أي قطعها والضرغام بالكسر الأسد وقال الجزري فيه واقتلهم بددا يروى بكسر الباء جمع بدة وهي الحصة والنصيب أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه ويروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد انتهى والقسورة العزيز والأسد والرماة من الصيادين ويقال أجحرته أي ألجأته إلى أن دخل جحره فانجحر. قوله عليه السلام إذا الموت رقا أي صعد كناية عن الكثرة أو القرب والإشراف وفي بعض النسخ زقا بالزاء المعجمة أي صالح والمصاليت جمع المصلات وهو الرجل الماضي في الأمور واللقا بالفتح الشيء الملقى لهوانه وقال الجوهري القدة الطريقة والفرقة من الناس إذا كان هوى كلّ واحد على حدة يقال كُنّا طَرائِقَ قِدَداً . وقال الجوهري العفاء بالفتح والمد التراب وقال صفوان بن محرز إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء وقال أبو عبيدة العفاء الدروس والهلاك قال وهذا كقولهم عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع والتذبذب التحرك والوكوف القطرات والهطل تتابع المطر والفيلق بفتح الفاء واللام الجيش والورد بالفتح الأسد والجحفل الجيش ونفحه بالسيف تناوله من بعيد وفي بعض النسخ بعجة من قولهم بعج بطنه بالسكين إذا شقه. وقال الجوهري البقع في الطير والكلاب بمنزلة البلق في الدواب والرفس الضرب بالرجل وسفت الريح التراب تسفيه سفيا أذرته واليعبوب الفرس الكثير الجري وشددنا أسره أي خلقه والجناجن عظام الصدر .

ص: 285

ص: 286

ص: 287

ص: 288

[ فضل أصحاب الحسين وشيعته ]

5 - الغيبة للنعماني : عن الباقر عليه السلام أنه قال : المونون يبتلون ، ثم يميزهم الله عنده ، إن الله لم يون المونين من بلاء الدنيا ومرائرها ، ولكن آمنهم من العمى والشقاء في الآخرة ، ثم قال : كان الحسين بن علي عليه السلام يضع قتلاه بعضهم على بعض ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين .

6 - الخرائج والجرائح : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال لي : يا بني إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين ، وهي أرض تدعى عمورا ، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا يجدون ألم مس الحديد وتلا « قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ » ، يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم ، فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا .

قال : ثم أمكث ما شاء الله ، فأكون أول من ينشق الأرض عنه ، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المونين وقيام قائمنا ، وحياة رسول الله صلى الله عليه و آله ثم لينزلن على وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلن إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب ، جمال من نور لم يركبها مخلوق ، ثم ليهزن محمد صلى الله عليه و آله لواءه وليدفعه إلى قائمنا مع سيفه ، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء الله ، ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من ماء وعينا من لبن ، ثم إن أمير المونين يدفع إلي سيف رسول الله صلى الله عليه و آله ويبعثني إلى المشرق والمغرب فلا آتي على عدو لله إلا أهرقت دمه ، ولا أدع صنما إلا أحرقته حتى أقع إلى الهند فأفتحها ، وإن دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المونين عليه السلام يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم ، ويبعث بعثا إلى الروم فيفتح الله لهم ، ثم لأقتلن كلّ دابة حرم الله لحمها

ص: 289

حتى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولأخيرنهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ومن كره الإسلام أهرق الله دمه ، ولا يبقى رجل من شيعتنا إلا أنزل الله إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة ، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت ، ولينزلن البركة من السماء إلى

الأرض حتى أن الشجرة لتقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة ، ولتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف وثمرة الصيف في الشتاء ، وذلك قوله عز وجل« وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » ، ثم إن الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها حتى أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون(1) .

[ جراح الحسين ]

7 - الأمالي للصدوق : عن الباقر عليه السلام قال : أصيب الحسين بن علي عليه السلام ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم .

فروي : أنها كانت كلّها في مقدمه لأنه عليه السلام كان لا يولي .

8 - الأمالي للطوسي : عن معاذ بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : وجد بالحسين بن علي عليه السلام نيف وسبعون طعنة ونيف وسبعون ضربة بالسيف صلوات الله عليه.

9 - الأمالي للصدوق : عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قال : دخلت العامة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفي رجلي خلخالان من ذهب ، فجعل رجل يفض

ص: 290


1- بيان : لتقصف أي تنكسر أغصانها لكثرة ما حملت من الثمرة .

الخلخالين من رجلي وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك يا عدو الله ؟ فقال : كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله ؟ فقلت : لا تسلبني ، قال : أخاف أن يجيء غيري فيأخذه .

قالت : وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا .

[ خطبة الحسين يوم العاشر ]

10 - الإحتجاج : عن مصعب بن عبد الله قال : لما استكف الناس بالحسين عليه السلام ركب فرسه واستنصت الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

تبا لكم أيتها الجماعة وترحا وبوا لكم وتعسا حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا ، وحششتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألبا على أوليائكم ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منا إليكم ، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم يستحصف ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبى ، وتهافتم إليها كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها سفها

وضلة ، بعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب ومطفئ السنن ومواخي المستهزءين الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وعصاة الأمم وملحق العهرة بالنسب لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ، أفهواء تعضدون وعنا تتخاذلون ؟ أجل والله الخذل فيكم معروف ، نبتت عليه أصولكم وتأزرت عليه عروقكم ، فكنتم أخبث شجر للناظر وأكلة للغاصب أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ الناكثين الذين ينقضون الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً .

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك ، هيهات مني الذلة ، أبى الله ذلك ورسوله والمونون وجدود طهرت وحجور طابت ، أن نور

طاعة اللئام على مصارع الكرام .

ص: 291

ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر ، ثم تمثل فقال(1) :

فإن نهزم فهزامون قدما

وإن نهزم فغير مهزمينا

[ بين المنهال والسجاد ]

11 - تفسير القمي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقي المنهال بن عمرو علي بن الحسين بن علي عليه السلام فقال له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال : ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت ؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر ، وأصبح عدونا يعطى المال والشرف ، وأصبح من يحبنا محقورا منقوصا حقه ، وكذلك لم يزل المونون ، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا كان منها ، وأصبحنا أهل بيت محمد لا يعرف لنا حق ، فهكذا أصبحنا .

[ من سمع واعيتنا ولم يغثنا كان حقّا على اللّه أن يكبه في النار ]

12 - ثواب الأعمال : عن عمرو بن قيس المشرقي قال : دخلت على الحسين صلوات الله عليه أنا وابن عم لي وهو في قصر بني مقاتل ، فسلمنا عليه فقال له

ابن عمي : يا أبا عبد الله هذا الذي أرى خضاب أو شعرك ؟ فقال : خضاب والشيب إلينا بني هاشم يعجل ، ثم أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتي ؟ فقلت : إني رجل كبير السن كثير الدين كثير العيال وفي يدي بضائع للناس ولا أدري ما يكون ، وأكره أن

ص: 292


1- بيان : يقال شمت السيف أغمدته وشمته سللته وهو من الأضداد .

أضيع أمانتي ، وقال له ابن عمي مثل ذلك ، قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سوادا ، فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا كان حقا

على الله عز وجل أن يكبه على منخريه في النار .

[ لِمَ تخلّف ابن الحنفية ؟ ]

13 - بصائر الدرجات : عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه ، قال : قال أبو عبد الله : يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا : إن الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى بني هاشم أما بعد : فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام .

[ خروج الحسين من مكة ]

14 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي عليه السلام خرج قبل التروية بيوم إلى العراق وقد كان دخل معتمرا .

15 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ، وقد اعتمر الحسين في ذي الحجة ، ثم راح يوم التروية إلى العراق ، والناس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج .

16 - كامل الزيارات : عن أبي سعيد عقيصا قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام

وخلا به عبد الله بن الزبير فناجاه طويلا قال : ثم أقبل الحسين عليه السلام بوجهه إليهم وقال : إن هذا يقول لي : كن حماما من حمام الحرم ، ولأن أقتل وبيني وبين الحرم باع أحب إلي من أن أقتل وبيني وبينه شبر ، ولأن أقتل بالطف أحب إلي من أن أقتل بالحرم .

ص: 293

17 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال عبد الله بن الزبير للحسين بن علي عليه السلام : لو جئت إلى مكة فكنت بالحرم ؟ فقال الحسين بن علي عليه السلام : لا نستحلها ولا تستحل بنا ، ولأن أقتل على تل أعفر أحب إلي من أن أقتل بها(1) .

18 - كامل الزيارات : عن الباقر عليه السلام قال : إن الحسين عليه السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم ، فشيعه عبد الله بن الزبير فقال : يا أبا عبد الله قد حضر الحج وتدعه

وتأتي العراق ؟ فقال : يا ابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحب إلي من أن أدفن بفناء الكعبة .

[ بين الحسين وأصحابه ]

19 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين بن علي عليه السلام قال لأصحابه يوم أصيبوا : أشهد أنه قد أذن في قتلكم فاتقوا الله واصبروا .

20 - كامل الزيارات : عن الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الحسين عليه السلام صلى بأصحابه الغداة ثم التفت إليهم فقال : إن الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(2) .

21 - كامل الزيارات : عن حسين بن أبي العلا قال : قال : والذي رفع إليه العرش لقد حدثني أبوك بأصحاب الحسين لا ينقصون رجلا ولا يزيدون رجلا تعتدي بهم هذه الأمة كما اعتدت بنو إسرائيل وقتل يوم السبت يوم عاشوراء(3) .

22 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الحسين صلى بأصحابه يوم أصيبوا ثم قال : أشهد أنه قد أذن في قتلكم يا قوم فاتقوا الله واصبروا .

ص: 294


1- بيان : قال الجوهري الأعفر الرمل الأحمر والأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض انتهى وقال المسعودي تل أعفر موضع من بلاد ديار ربيعة .
2- بيان : أي قدر قتلكم في علمه - تعالى - .
3- أقول : هكذا وجدنا الخبر ولعله سقط منه شيء .

23 - كامل الزيارات : عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي عليه السلام من مكة إلى محمد بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد : فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام .

قال محمد بن عمرو : عن أبي جعفر عليه السلام قال : كتب الحسين بن علي إلى محمد بن علي من كربلاء : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أما بعد : فكأن الدنيا لم تكن وكان الآخرة لم تزل والسلام .

24 - كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لما صعد الحسين بن علي عليه السلام عقبة البطن قال لأصحابه : ما أراني إلا مقتولا ، قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله قال : روا رأيتها في المنام ، قالوا : وما هي ؟ قال : رأيت كلابا تنهشني أشدها علي كلب أبقع .

25 - كامل الزيارات : عن الحسين بن علي عليه السلام قال : والذي نفس حسين بيده لا يهنئ بني أمية ملكهم حتى يقتلوني ، وهم قاتلي ، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعا أبدا ، ولم يأخذوا عطاء في سبيل الله جميعا أبدا ، إن أول قتيل هذه الأمة أنا وأهل بيتي ، والذي نفس حسين بيده لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرف(1) .

[ نساء بني هاشم يندب الحسين قبل الخروج ]

26 - كامل الزيارات : عن محمد بن علي عليه السلام قال : لما هم الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين عليه السلام فقال : أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، قالت له

ص: 295


1- بيان : لعل المعنى : لم يوفق الناس للصلاة جماعة مع إمام الحق ولا أخذ الزكاة وحقوق اللّه إلى قيام القائم عليه السلام ، وآخر الخبر إشارة إلى ما يصيب بني هاشم من الفتن في آخر الزمان .

نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ؟ فهو عندنا كيوم مات رسول الله صلى الله عليه و آلهوعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم ، فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت ، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقبلت بعض عماته تبكي وتقول : أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون :

وإن قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت

حبيب رسول الله لم يك فاحشا

أبانت مصيبتك الأنوف وجلت

وقلن أيضا :

بكوا حسينا سيدا

ولقتله شاب الشعر

ولقتله زلزلتم

ولقتله انكسف القمر

واحمرت آفاق السماء

من العشية والسحر

وتغيرت شمس البلاد بهم

وأظلمت الكور

ذاك ابن فاطمة المصاب

به الخلائق والبشر

أورثتنا ذلا به

جدع الأنوف مع الغرر

[ من معجزاته ]

[ الحسين يعطي من تربته لام سلمة ]

27 - الخرائج والجرائح : من معجزاته صلوات الله عليه : أنه لما أراد العراق قالت له أم سلمة : لا تخرج إلى العراق فقد سمعت رسول الله يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق ، وعندي تربة دفعها إلي في قارورة ، فقال : إني والله مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ، وإن أحببت أن أراك مضجعي ومصرع أصحابي ، ثم مسح بيده على وجهها ففسح الله عن بصرها حتى رأيا ذلك كلّه ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقال عليه السلام : إذا فاضت دما فاعلمي أني قتلت .

ص: 296

فقالت أم سلمة : فلما كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما ، فصاحت ، ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلا وجد تحته دم عبيط .

[ الحسين يخبر أصحابه أنهم يقتلون جميعا ]

ومنها ما روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال : لما كانت الليلة التي قتل الحسين في صبيحتها قام في أصحابه فقال عليه السلام : إن هواء يريدوني دونكم ولو قتلوني لم يصلوا إليكم ، فالنجاء النجاء ، وأنتم في حلّ ، فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم ، فقالوا : لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك ، فقال عليه السلام : إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم أحد ، فكان كما قال عليه السلام .

[ ما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا ]

28 - الإرشاد : عن علي بن الحسين عليه السلام قال : خرجنا مع الحسين ، فما نزل منزلا وما ارتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل .

[ تاريخ شهادته عليه السلام كما في الارشاد ]

ومضى الحسين عليه السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه ، قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا ، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة ، أقام بها مع جده سبع سنين ومع أبيه أمير المونين ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين ، وكانت مدة خلافته بعد أخيه أحد عشر سنة ، وكان عليه السلام يخضب بالحناء والكتم ، وقتل عليه السلام وقد نصل الخضاب من عارضيه .

ص: 297

[ اعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة ]

29 - تفسير الإمام عليه السلام : قال الإمام عليه السلام : ولما امتحن الحسين عليه السلام ومن معه بالعسكر الذين قتلوه وحملوا رأسه قال لعسكره : أنتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم ، وقال لأهل بيته : قد جعلتكم في حل من مفارقتي ، فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم وما المقصود غيري فدعوني والقوم ، فإن الله عز وجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيبين .

فأما عسكره ففارقوه ، وأما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك ويصيبنا ما يصيبك وأنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك ، فقال لهم : فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه ، فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره ، وأن الله وإن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات ، فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله - تعالى - ، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة ، والفائز من فاز فيها والشقي من شقي فيها(1) .

[ الباقر عليه السلام يروي ماشاهده يوم الطف ]

30 - كتاب النوادر لعلي بن أسباط : قال : إن أبا جعفر عليه السلام قال : كان أبي مبطونا يوم قتل أبوه صلوات الله عليهما ، وكان في الخيمة وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه يتبعونه بالماء ، يشد على الميمنة مرة وعلى الميسرة مرة ، وعلى القلب مرة ، ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن يقتل بها الكلاب ، لقد قتل بالسيف والسنان وبالحجارة وبالخشب وبالعصا ، ولقد أوطئوه الخيل بعد ذلك .

ص: 298


1- أقول : تمامه في أبواب أحوال آدم عليه السلام .

[ سرّ رائحة التفاح عند قبر الحسين ]

31 - المناقب لابن شهرآشوب : الحسن البصري وأم سلمة : أن الحسن والحسين

دخلا على رسول الله صلى الله عليه و آله وبين يديه جبرئيل ، فجعلا يدوران حوله يشبهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يومئ بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة ، فناولهما وتهللت وجوههما ، وسعيا إلى جدهما ، فأخذ منهما فشمها ثم قال : صيرا إلى أمكما بما معكما وبدوكما بأبيكما أعجب ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلون حتى صار النبي إليهم ، فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلما أكلّ منه عاد إلى ما كان

حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و آله .

قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفيت ، فلما توفيت فقدنا الرمان وبقي التفاح والسفرجل أيام أبي ، فلما استشهد أمير المونين فقد السفرجل وبقي التفاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمه وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلما اشتد علي العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .

قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة ، فلما قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالتمست فلم ير لها أثر ، فبقي ريحها بعد الحسين عليه السلام ولقد زرت قبره فوجدت ريحها يفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر فإنه يجده إذا كان مخلصا .

[ قصيدة للإمام يوم الطف ]

32 - المناقب لابن شهرآشوب : أنشأ صلوات الله عليه يوم الطف : «كفر القوم وقدما رغبوا» إلى آخر ما مر من الأبيات ، وزاد فيما بينها :

فاطم الزهراء أمي وأبي

وارث الرسل مولى الثقلين

ص: 299

طحن الأبطال لما برزوا

يوم بدر وبأحد وحنين

وأخو خيبر إذ بارزهم

بحسام صارم ذي شفرتين

والذي أردى جيوشا أقبلوا

يطلبون الوتر في يوم حنين

من له عم كعمي جعفر

وهب الله له أجنحتين

جدي المرسل مصباح الهدى

وأبي الموفي له بالبيعتين

بطل قرم هزبر ضيغم

ماجد سمح قوي الساعدين

عروة الدين علي ذاكم

صاحب الحوض مصلي القبلتين

مع رسول الله سبعا كاملا

ما على الأرض مصل غير ذين

ترك الأوثان لم يسجد لها

مع قريش مذ نشا طرفة عين

وأبي كان هزبرا ضيغما

يأخذ الرمح فيطعن طعنتين

كتمشي الأسد بغيا فسقوا

كأس حتف من نجيع الحنظلين

[ بين ميثم وحبيب ]

33 - رجال الكشي : عن فضيل بن الزبير قال : مر ميثم التمار على فرس له

فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب أهل بيت نبيه عليهم السلام ويبقر بطنه على الخشبة ، فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر ، له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه ويقتل ويجال برأسه بالكوفة ، ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أحدا أكذب من هذين .

قال : فلم يفترق أهل المجلس حتى أقبل رشيد الهجري فطلبهما ، فسأل أهل المجلس عنهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا! فقال رشيد : رحم الله ميثما نسي : ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ، ثم أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم .

ص: 300

فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتى رأيناه مصلوبا على باب دار عمرو بن حريث ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين ، ورأينا كلّ ما قالوا .

وكان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون فيقولون : لا عذر لنا عند رسول الله إن قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله .

ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي فقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان يقال له سيد القراء : يا أخي ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأي موضع أحق من هذا بالسرور ، والله ما هو إلا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين(1) .

[ أثر جبرئيل في دار الحسين ]

34 - الكافي : عن الحكم بن عتيبة قال : لقي رجل الحسين بن علي عليه السلام بالثعلبية وهو يريد كربلاء ، فدخل عليه فسلم عليه ، فقال له الحسين عليه السلام : من أي البلاد أنت ؟ قال : من أهل الكوفة ، قال : أما والله يا أخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل عليه السلام من دارنا ونزوله بالوحي على جدي ، يا أخا أهل الكوفة أفمستقي الناس العلم من عندنا فعلموا وجهلنا هذا ما لا يكون .

ص: 301


1- قال الكشي : هذه الكلمة مستخرجة من كتاب مفاخرة الكوفة والبصرة. توضيح : قوله اختلفت أعناق فرسيهما أي كانت تجيء وتذهب وتتقدم وتتأخر كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف وهو يمتنع أو المعنى حاذى عنقاهما على الخلاف والبقر الشق والضفيرة العقيصة يقال ضفرت المرأة شعرها .

[ أصيب الحسين وعليه جبّة خز وهو مختضب ]

35 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أصيب الحسين وعليه جبة خز .

36 - الكافي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قتل الحسين بن علي عليه السلام وعليه جبة خز دكناء ، فوجدوا فيها ثلاثة وستين من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم .

37 - الكافي : عن يعقوب بن سالم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : قتل الحسين عليه السلام

وهو مختضب بالوسمة .

38 - الكافي : عن أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخضاب بالوسمة فقال : لا بأس ، قد قتل الحسين عليه السلام وهو مختضب بالوسمة .

[ صوم يوم عاشورا ]

39 - الكافي : عن جعفر بن عيسى قال : سألت الرضا عليه السلام عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه ؟ فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام ، وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه و آله ويتشاءم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الإثنين يوم

نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه ، وما أصيب آل محمد إلا في يوم الإثنين فتشاءمنا به ، وتتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل الحسين عليه السلام وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد ، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما .

40 - الكافي : عن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعا وعاشوراء من شهر المحرم ؟ فقال : تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب .

ص: 302

ثم قال : وأما يوم عاشوراء ، فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعا بين أصحابه وأصحابه حوله صرعى عراة ، أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم ، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المونين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم ، وذلك يوم بكت جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ، ومن اذخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله - تعالى - نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك .

41 - الأمالي للطوسي : عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : ذاك يوم قتل الحسين عليه السلام ، فإن كنت شامتا فصم .

ثم قال : إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام وسلم من خرج إلى الحسين وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم في الناس واقتدى بهم الناس جميعا لذلك ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم.. الخبر .

[ خبث عائلة الأشعث ]

42 - الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المونين عليه السلام ، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام ، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام .

ص: 303

تذنيب

[ أسئلة وردود حول ثورة الحسين عليه السلام ]

قال السيد رحمه اللهفي كتاب «تنزيه الأنبياء» فإن قيل : ما العذر في خروجه صلوات الله عليه من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولي عليها أعداو والمتأمر فيها من قبل يزيد اللعين يتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه صلوات الله عليهما ، وأنهم غادرون خوانون ؟

وكيف خالف ظنه ظن جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس رحمه اللهيشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودعه عليه السلام يقول له : أستودعك الله من قتيل.. إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب ؟

ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل ، وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة ؟

ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة ؟

ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه ولم ألقى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية ؟ فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة ؟

الجواب :

قلنا : قد علمنا أن الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا الكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود وبعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين ، وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد

ص: 304

الصلح الواقع بينه وبين الحسن عليه السلام ، فدفعهم وقال في الجواب ما وجب ، ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام ومعاوية باق فوعدهم ومناهم ، وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.

فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة وبذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى عليه السلام من قوتهم على ما كان يليهم في الحال من قبل يزيد وتسلطهم عليه وضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب ، ولم يكن في حسبانه عليه السلام أن القوم يغدر بعضهم ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق ما اتفق من الأمور الغريبة ، فإن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها. ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هانئ بن عروة المرادي على ما شرح في السيرة وحصل شريك بن الأعور بها جاء ابن زياد عائدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك وأمكنه ذلك وتيسر له فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك وأن النبي صلى الله عليه و آلهقال إن الإيمان قيد الفتك ولو كان

فعل مسلم من قتل ابن زياد ما تمكن منه ووافقه شريك عليه لبطل الأمر ودخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها وحسر كلّ أحد قناعه في نصرته واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه. وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانئا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة حتى حضره في قصره وأخذ بكظمه وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كلّ وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن نصرة ابن عقيل فتقاعدوا وتفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة وانصرف وكان من أمره ما كان.

وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة وأن الاتفاق السيئ عكس الأمر إلى ما يروون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.

ص: 305

فأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن عليه السلام فواضح صحيح لأن أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ورأى من أسباب قوة نصار الحق وضعف نصار الباطل ما وجب معه عليه الطلب والخروج ، فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه عليه السلام فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه .

فالحالان متفقان إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه عليه السلام ولم يجب إلى الموادعة وطلبت نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتى مضى كريما

إلى جنة الله - تعالى - ورضوانه وهذا واضح لمتأمله انتهى.

أقول : قد مضى في كتاب الإمامة وكتاب الفتن أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهم عليهماالسلام كان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول صلى الله عليه و آلهفهم كانوا يعملون بها ، ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا ، وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياء عليهم السلام وإن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى على ألوف من الكفرة ويسبون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار وغير ذلك لا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كلّ ما يصدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه عليه السلام فدى نفسه المقدسة دين جده ، ولم يتزلزل أركان دول بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته ، ولو كان عليه السلام يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه عليه السلام هرب من المدينة خوفا من القتل إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله حتى لم يتيسر له

ص: 306

- فداه نفسي وأبي وأمي وولدي - أن يتم حجة فتحلل وخرج مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ وقد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار ، ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة : أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلّهم ، وكان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة ، ثم إنه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين عليه السلام على أي حال اتفق ، فلما علم الحسين عليه السلام بذلك حل من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد : أنه لما منعه عليه السلام محمد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة قال : والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني.

بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة ، وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك ، ألا ترى إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه ، وكان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا ، ألا ترى كيف أمنوا مسلما ثم قتلوه.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهم السلام كان ذا دهاء ونكراء حزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على أي حال ، ولذا صالحه الحسن عليه السلام ولم يتعرض له الحسين ، ولذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين عليه السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.

اللهم العن كلّ من ظلم أهل بيت نبيك وقتلهم وأعان عليهم ورضي بما جرى عليهم من الظلم والجور لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما ، واجعلنا من خيار شيعة آل محمد وأنصارهم والطالبين بثأرهم مع قائمهم صلوات الله عليهم أجمعين .

ص: 307

باب 38 :شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما

اشارة

1 - الأمالي للصدوق : عن أبي محمد شيخ لأهل الكوفة قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام أسر من معسكره غلامان صغيران ، فأتي بهما عبيد الله بن زياد ، فدعا سجانا له فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما ، ومن البارد فلا تسقهما ، وضيق عليهما سجنهما وكان الغلامان يصومان النهار فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة قال أحدهما لصاحبه : يا أخي قد طال بنا مكثنا ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا ، وتقرب إليه بمحمد صلى الله عليه و آلهلعله يوسع علينا في طعامنا ويزيدنا في شرابنا .

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح فقال له الغلام الصغير : يا شيخ أتعرف محمد ؟ا قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو نبيي ، قال : أفتعرف جعفر بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف جعفرا وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء ، قال : أفتعرف علي بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي ، قال له : يا شيخ فنحن من عترة

ص: 308

نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب بيدك أسارى ، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد ضيقت علينا سجننا ، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح فخذا أي طريق شئتما .

فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح ووقفهما على الطريق وقال لهما : سيرا يا حبيبي الليل واكمنا النهار حتى يجعل الله عز وجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا ، ففعل الغلامان ذلك .

فلما جنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب فقالا لها : يا عجوز إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق ، فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبي ، فقد شممت

الروائح كلّها فما شممت رائحة هي أطيب من رائحتكما ، فقالا لها : يا عجوز نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آلههربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، قالت العجوز : يا حبيبي إن لي ختنا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيد الله بن زياد أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما ، قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق فقالت : سآتيكما

بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا ، فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير : يا أخي إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه ، فتعال حتى أعانقك وتعانقني ، وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا ، ففعل الغلامان ذلك واعتنقا وناما .

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا ، فقالت العجوز : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، قالت : ما الذي أطرقك هذه الساعة وليس هذا لك بوقت ؟ قال : ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي جهد البلاء قد نزل بي ، قالت : ويحك ما الذي نزل بك ؟ قال : هرب غلامان صغيران من عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره من جاء برأس

ص: 309

واحد منهما فله ألف درهم ، ومن جاء برأسهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شيء ، فقالت العجوز : يا ختني احذر أن يكون محمد خصمك في القيامة ، قال لها : ويحك إن الدنيا محرص عليها ، فقالت : وما تصنع بالدنيا وليس معها آخره ؟ قال : إني لأراك تحامين عنهما ، كان عندك من طلب الأمير شيء فقومي فإن الأمير يدعوك ، قالت : وما يصنع الأمير بي وإنما أنا عجوز في هذه البرية ؟ قال : إنما لي الطلب افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما ، ففتحت له الباب وأتته بطعام وشراب ، فأكلّ وشرب .

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت ، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا ؟ قال : أما أنا فصاحب المنزل فمن أنتما ؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول : قم يا حبيبي فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره ، قال لهما : من أنتما ؟ قالا له : يا شيخ إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟ قال : نعم ، قالا : أمان الله وأمان رسوله وذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، قالا : ومحمد بن عبد الله على ذلك من الشاهدين ؟ قال : نعم ، قالا : وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ وشهيد ؟ قال : نعم ، قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، فقال لهما : من الموت هربتما وإلى الموت وقعتما ، الحمد لله الذي أظفرني بكما ، فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين .

فلما انفجر عمود الصبح دعا غلاما له أسود يقال له «فليح» فقال له : خذ هذين الغلامين فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات واضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، فحمل الغلام السيف ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا أسود ما أشبه سوادك

ص: 310

بسواد بلال مون رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما ؟ قالا له : يا أسود نحن من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل ، أضافتنا عجوزكم هذه ويريد مولاك قتلنا ، فانكب الأسود على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما الفداء ووجهي لوجهكما الوقاء يا عترة نبي الله المصطفى ، والله لا يكون محمد خصمي في القيامة ، ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر إلى الجانب الآخر ، فصاح به مولاه : يا غلام عصيتني ؟ فقال : يا مولاي إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك بريء في الدنيا والآخرة .

فدعا ابنه فقال : يا بني إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات فاضرب أعناقهما وائتني برؤوسهما لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، فأخذ الغلام السيف ومشى أمام الغلامين ، فما مضيا إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين : يا شاب ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم ؟ فقال : يا حبيبي فمن أنتما ؟ قالا : من عترة نبيك محمد صلى الله عليه و آله ، يريد والدك قتلتا ، فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما ويقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر ، فصاح به أبوه : يا بني عصيتني ؟ قال : لأن أطيع الله وأعصيك أحب إلي من أن أعصي الله وأطيعك ، قال الشيخ : لا يلي قتلكما أحد غيري ، أخذ السيف ومشى أمامهما .

فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف عن جفنه ، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما وقالا له : يا شيخ انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ولا ترد أن يكون محمد خصمك في القيامة غدا ، فقال : لا ولكن أقتلكما وأذهب برؤوسكما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفين ، فقالا له : يا شيخ أما تحفظ قرابتنا من رسول الله ؟ فقال : ما لكما من رسول الله

ص: 311

قرابة ، قالا له : يا شيخ فأت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره ، قال : ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما ، قالا له : يا شيخ أما ترحم صغر سننا ؟ قال : ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا ، قالا : يا شيخ إن كان ولا بد فدعنا نصلي ركعات ، قال : فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا : يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق .

فقام إلى الأكبر فضرب عنقه وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة ، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه وهو يقول : حتى ألقى رسول الله وأنا مختضب بدم أخي ، فقال : لا عليك سوف ألحقك بأخيك ، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة ، ورمى ببدنهما في الماء ، وهما يقطران دما ، ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد ، وهو قاعد على كرسي له وبيده قضيب خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه .

فلما نظر إليهما قام ثم قعد ، ثم قام ثم قعد ، ثلاثا ، ثم قال : الويل لك أين ظفرت بهما ؟ قال : أضافتهما عجوز لنا ، قال : فما عرفت لهما حق الضيافة ؟ قال : لا ، قال : فأي شيء قالا لك ؟ قال : قالا : يا شيخ اذهب بنا إلى السوق فبعنا فانتفع بأثماننا ولا

ترد أن يكون محمد خصمك في القيامة ، قال : فأي شيء قلت لهما ؟ قال : قلت : لا ولكن أقتلكما وأنطلق برؤوسكما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم ، قال : فأي شيء قالا لك ؟ قال : قالا : ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا

بأمره ، قال : فأي شيء قلت ؟ قال : قلت : ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما ، قال : أفلا جئتني بهما حيين فكنت أضعف لك الجائزة وأجعلها أربعة آلاف درهم ؟ قال : ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما ، قال : فأي شيء قالا لك أيضا ؟ قال : قالا لي : يا شيخ احفظ قرابتنا من رسول الله ، قال : فأي شيء قلت لهما ؟ قال : قلت لهما : ما لكما من رسول الله قرابة ، قال : ويلك فأي شيء

ص: 312

قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : يا شيخ ارحم صغر سننا ، قال : فما رحمتهما ؟ قال : قلت : ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا ، قال : ويلك فأي شيء قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : دعنا نصلي ركعات ، فقلت : فصليا ما شئتما أن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات .

قال : فأي شيء قالا في آخر صلاتهما ؟ قال : رفعا طرفيهما إلى السماء وقالا : يا حي يا حليم يا أحكم الحاكمين احكم بيننا وبينه بالحق .

قال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم من للفاسق .

قال : فانتدب له رجل من أهل الشام فقال : أنا له ، قال : فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين فاضرب عنقه ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه ، ففعل الرجل ذلك وجاء برأسه فنصبه على قناة ، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة ، وهم يقولون : هذا قاتل ذرية رسول الله(1) صلى الله عليه و آله .

[ رواية أخرى في شهادة ولدي مسلم ]

أقول : روي في المناقب القديم هذه القصة مع تغيير قال : عن محمد بن يحيى الذهلي قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء هرب غلامان من عسكر عبيد الله بن زياد ، أحدهما يقال له «إبراهيم» والآخر يقال له «محمد» وكانا من ولد

جعفر الطيار ، فإذا هما بامرأة تستقي ، فنظرت إلى الغلامين وإلى حسنهما وجمالهما فقالت لهما : من أنتما ؟ فقالا : نحن من ولد جعفر الطيار في الجنة ، هربنا من عسكر عبيد الله بن زياد ، فقالت المرأة : إن زوجي في عسكر عبيد الله بن زياد ، ولو لا أني أخشى أن يجيء الليلة وإلا ضيفتكما وأحسنت ضيافتكما ، فقالا لها : أيتها المرأة انطلقي بنا فنرجو أن لا يأتينا زوجك الليلة .

ص: 313