الامام موسى بن جعفر عليه السلام في بحار الانوار

اشارة

الامام موسى بن جعفر عليه السلام في بحار الانوار

سيد علي جمال أشرف

تعداد صفحات: 494ص

زبان: عربی

ص: 1

اشارة

ص: 2

والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الكائنات وأشرف الرسل أجمعين محمد وأله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .

أما بعد :

قد تشكّل الأسانيد والفصول الطويلة غير المقطّعة ولا المبوبة عقبة لا يستهان بها أمام القارى ء المعاصر الذي لا يهتم كثير اهتمام بمثل هذا النمط من التأليف ، ولربّما

كان يجهل تماما من هم رجال السند ، فيمرّ عليهم مرور الغريب على الغريب المزعج الذي يزاحمه في المسير ، أمّا الذين يعيشون مع رجال السند كما يعيشون مع أحبائهم وأصدقائهم وأقربائهم ، وكأنّهم يعاصرونهم ويعاشرونهم، فهم قليل جدا ، ونوادر من المتخصصين .

وأمّا مطلق القراء ، ولنسميهم القراء غير المتخصصين ، فهم يريدون الاسترسال مع مادة الكتاب خصوصا في مواد مثل التاريخ والسيرة وما أشبه .

وكان لهذه المسافة الفاصلة بين القراء وبين كتب المصادر آثار جمّة على حياة الفرد والمجتمع ، وصار كلام أهل البيت وسيرتهم لا تتيسر لعامة الناس من أتباعهم ، ومن ثم ليس ثمة كثير من الناس من يجلس الى الامام ليستمع له مباشرة ، فيما نعلم

ص: 3

نحن من النصوص أنّ أهل الببيت كلامهم نور ، وهم يكلمون الناس على قدر عقولهم ، وهم سادة الفصحاء والبلغاء ، ويمكن لكلّ من استمع اليهم أن يفهم كلامهم ويغترف منه بقدر إنائه .

وللمصدر الذي يروى الخبر في هذا الزمان قيمة غير قليلة ، ومجرد نسبة الخبر إلى مصدر معروف تورث في نفس السامع أو القارى ء اطمئنانا يتناسب مع وثاقة ذلك المصدر ومستوى الاطمئنان الى مؤلفه .

ويمكن للقارى ء أن يقرأ ما يشاء ثم يراجع المتخصص للاستنارة بعلمه واستخلاص النقي من غيره، والمصادر بالرغم من توفرها إلاّ أنّها ربّما تعسرت على البعض ، امّا لغلائها أو ضخامة حجمها أو ندرتها وما شاكل .

وقد رأينا الأعلام من كبار علمائنا الأبرار يؤلفون كتبا كثيرة مجردة عن الأسانيد ومبوبة تبويبا رائعا فيما يؤلفون كتبا مطولة مفصلة تحتوي الأسانيد وكلّ ما يحتاجه المحقق المتخصص ، وربما تضمنت ما لا تتضمنه المختصرات .

وفي محاولة - مهما كانت بسيطة - لتقديم ما يخص حياة الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره قمنا بتجريد الجزء 48 من الأسانيد، ونقل ما ذكره المؤلف تحت عنوان بيان أو توضيح الى الهامش، وأضفنا اليه عناوين كثيرة داخل الأبواب، ولم نحذف من المتن شيئا ، كما جمعنا ما تيسر لنا مما له علاقة بالموضوع من باقي اجزاء البحار وادرجناه في نهاية مادة الجزء المذكور تحت أبواب وعناوين كانت مشتة متناثرة .

وهذه المحاولة إنّما هي مفردة من مشروع مفصل - قد يوفقنا الله لانجازه إن شاء الله تعالى - أقدمت عليه - متوكّلاً على اللّه تعالى - بتشجيع من أخي الكبير السيد جلال أشرف حفظه اللّه وبطلب من أخي الأُستاذ الفاضل الحاج محمد صادق الكتبي حفظه الله ورعاه الذي سار بسيرة أبيه وجده - رحمهما اللّه - في نشر آثار الطائفة الناجية راجيا من الله القبول .

ص: 4

ونتوسل الى اللّه تبارك وتعالى بالمولى الرؤوف وأبي الطيبة الطاهرة فاطمة المعصومة التي نعيش في جوارها الحصين - عش آل محمد صلى الله عليه و آله - أن يتقبّل منّا هذه البضاعة المزجاة، ويعطينا الكثير بهذا الأقل من القليل ، ويشملنا ووالدينا وأولادنا

وأهلينا وجميع اخواننا المؤمنين بشفاعته ، ويتفضل علينا برؤيته ، ويجعلنا من خدامه وزواره في الدنيا والآخرة .

قم المقدسة

سيد علي جمال أشرف

21 / 4 / 1425

ص: 5

أبواب تاريخ الإمام العليم أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم الحليم

صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الكرام وأولاده الأئمة الأعلام ما تعاقب النور والظلام

باب 1- ولادته عليه السلام وتاريخه وجمل أحواله

1 - اعلام الورى : ولد عليه السلام بالأبواء ، منزل بين مكة والمدينة ، لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقبض عليه السلام ببغداد في حبس سندي بن شاهك ، لخمس بقين من رجب ، وقيل أيضا : لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة .

وأمه أم ولد يقال لها : حميدة البربرية ، ويقال لها : حميدة المصفاة .

وكانت مدة إمامته عليه السلام خمسا وثلاثين سنة ، وقام بالأمر وله عشرون سنة ، وكانت في أيام إمامته بقية ملك المنصور أبي جعفر ، ثم ملك ابنه المهدي عشر سنين وشهرا، ثم ملك

ابنه الهادي موسى بن محمد سنة وشهرا ، ثم ملك هارون بن محمد الملقب بالرشيد .

ص: 6

واستشهد بعد مضي خمس عشرة سنة من ملكه مسموما في حبس السندي بن شاهك ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .

2 - بصائر الدرجات : عن أبي بصير قال : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام ، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد اللّه عليه السلام الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه ، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة : أنّ الطلق قد ضربني وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا ، فقام أبو عبد اللّه فرحا مسرورا ، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه ، فقلنا : أضحك اللّه سنّك وأقر عينك ، ما صنعت حميدة ؟ فقال : وهب اللّه لي غلاما ، وهو خير من برأ اللّه ، ولقد خبرتني عنه بأمر

كنت أعلم به منها ، قلت : جعلت فداك ، وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال : ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمارة الإمام من بعده ، فقلت : جعلت فداك ، وما تلك من علامة الإمام ؟ فقال : إنّه لما كان في الليلة التي علق بجدي فيها أتى آت جدّ أبي وهو راقد ، فأتاه بكأس فيها شربة أرق من الماء وأبيض من اللبن وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج ، فسقاه إياه وأمره بالجماع ، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق فيها بجدي ، ولما كان في الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بالجماع ، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بأبي ، ولما كان في الليلة التي علق بي فيها أتى آت أبي فسقاه وأمره كما أمرهم ، فقام فرحا مسرورا فجامع فعلق بي ، ولما كان في الليلة التي علق فيها بابني هذا أتاني آت كما أتى جد أبي وجدي وأبي فسقاني كما سقاهم وأمرني كما أمرهم ، فقمت فرحا مسرورا بعلم اللّه بما وهب لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود ، فدونكم فهو - واللّه - صاحبكم من بعدي(1) .

ص: 7


1- أقول : تمامه في باب ولادتهم عليهم السلام .

3 - عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال : حججنا مع أبي عبد اللّه في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه السلام ، فلما نزل الأبواء وضع لنا الغداء ، وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثره وأطابه ، قال : فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال : إنّ حميدة تقول لك : إنّي قد أنكرت نفسي ، وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرتني ولادتي ، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابني هذا ، قال : فقام أبو عبد اللّه عليه السلام فانطلق مع الرسول ، فلما انطلق قال له أصحابه : سرك اللّه وجعلنا فداك ، ما صنعت حميدة ؟ قال : قد سلمها اللّه ووهب لي غلاما ، وهو خير من برأ اللّه في خلقه ، وقد أخبرتني حميدة ظنت أني لا أعرفه ، ولقد كنت أعلم به منها ، فقلت : وما أخبرتك به حميدة ؟ قال : ذكرت أنّه لما سقط من بطنها سقط واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمارة الوصي من بعده ، فقلت : وما هذا من علامة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلامة الوصي من بعده ؟ فقال : يا أبا محمد إنّه لما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم وأمرني بمثل الذي أمرهم به ، فقمت بعلم اللّه مسرورا بمعرفتي ما يهب اللّه لي فجامعت فعلق بابني

هذا المولود ، فدونكم فهو - واللّه - صاحبكم من بعدي ، إنّ نطفة الإمام مما أخبرتك ، فإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيه الروح بعث اللّه - تبارك وتعالى - إليه ملكا يقال له « حيوان » فكتب على عضده الأيمن « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ » فإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، فإذا وضع يده على الأرض فإنّ مناديا يناديه من بطنان العرش من قبل ربّ العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه : يا فلان بن فلان أثبت - ثلاثا - لعظيم خلقتك ، أنت صفوتي من خلقي ، وموضع سري ، و عيبة علمي ، وأميني على وحيي ، وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ، ومنحت جناني ، وأحللت جواري ، ثم وعزّتي لأصلين من عاداك أشدّ عذابي ،

ص: 8

وإن وسعت عليهم في الدنيا سعة رزقي ، قال : فإذا انقضى صوت المنادي أجابه هو ، وهو واضع يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، ويقول : « شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » ، قال : فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأول والعلم الآخر ، واستحق زيارة الروح في ليلة القدر ، قلت : الروح ليس هو جبرئيل ؟ قال : لا ، الروح خلق أعظم من جبرئيل ، إنّ جبرئيل من الملائكة وإنّ الروح خلق أعظم من الملائكة ، أليس يقول اللّه - تبارك وتعالى - : « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ »(1) .

4 - عن منهال القصاب قال : خرجت من مكة وأنا أريد المدينة ، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فسبقته إلى المدينة ودخل بعدي بيوم ، فأطعم الناس ثلاثا ، فكنت آكل فيمن يأكل ، فما آكل شيئا إلى الغد حتّى أعود فآكل ، فمكثت بذلك ثلاثا ، أطعم حتّى أرتفق ثم لا أطعم شيئا إلى الغد(2) .

5 - الخرائج والجرائح : روي عن عبد الرحمن قال : دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر ، فكان أبو عبد اللّه عليه السلام قائما عنده ، فقدم إليه عنبا ، فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير أو الصبي الصغير وثلاثة وأربعة من يظن أنه لا يشبع ، فكله حبتين حبتين فإنه يستحب ، فقال لأبي جعفر : لأي شيء لا تزوج أبا عبد اللّه عليه السلام فقد أدرك التزويج ؟ وبين يديه صرة مختومة ، فقال : سيجيء نخاس من أهل بربر ينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرة جارية ، قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر عليه السلام فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد

ص: 9


1- بيان : سقط « علوق الجد والأب وعلوقه عليه السلام » في هذه الرواية ، إما من النساخ أو من البرقي اختصارا كما يدل عليه ما في البصائر والكافي .
2- بيان : قال الفيروزآبادي : ارتفق اتكأ على مرفق يده أو على المخدة وامتلأ .

قدم فاذهبوا واشتروا بهذه الصرة منه جارية ، فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين ، إحداهما أمثل من الأخرى ، قلنا : فأخرجهما حتّى ننظر إليهما ، فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة ؟ قال : بسبعين دينارا ، قلنا : أحسن ؟ قال : لا أنقص من سبعين دينارا ، فقلنا : نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ، وما ندري ما فيها ، فكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية ، قال : فكّوا الخاتم وزنوا ، فقال النخاس : لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من السبعين لم أبايعكم ، قال الشيخ : زنوا ، قال : ففككنا ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا

تزيد ولا تنقص ، فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر عليه السلام ، وجعفر عليه السلام قائم عنده ، فأخبرنا أبا جعفر عليه السلام بما كان ، فحمد اللّه ثم قال لها : ما اسمك ؟ قالت : حميدة ، فقال : حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة ، أخبريني عنك أبكر أم ثيب ؟ قالت : بكر ، قال : كيف ولا يقع في يد النخاسين شيء إلاّ أفسدوه ؟ قالت : كان يجيء فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط اللّه عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ مرارا ، فقال : يا

جعفر خذها إليك ، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر عليه السلام(1) .

6 - الكافي : عن المعلى بن خنيس : أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال : حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتّى أديت إليّ ، كرامة من اللّه لي والحجة من بعدي .

7 - الإرشاد : كان مولده عليه السلام بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ، وأمه أم ولد يقال لها : « حميدة البربرية » .

ص: 10


1- بيان : تماثل العليل قارب البرء ، وأماثل القوم خيارهم ، وقوله « المتماثلة » يحتمل أن يكون مأخوذا من كلّ من المعنيين ، والأول أظهر .

8 - الإرشاد : أمه عليه السلام حميدة المصفاة ابنة صاعد البربري ، ويقال : إنّها أندلسية ، أم ولد ، تكنى « لؤؤة » ، ولد عليه السلام بالأبواء - موضع بين مكة والمدينة - يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة ، وكان في سني إمامته بقية ملك المنصور ، ثم ملك المهدي عشر سنين وشهرا وأياما ، ثم ملك الهادي سنة وخمسة عشر يوما ، ثم ملك الرشيد ثلاث وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما ، وبعد مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد مسموما في حبس الرشيد على يدي السندي بن شاهك ، يوم الجمعة لست بقين من رجب ، وقيل : لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : سنة ست وثمانين ، وكان مقامه مع أبيه عشرين سنة ، ويقال : تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيام إمامته خمسا وثلاثين سنة ، وقام بالأمر وله عشرون سنة ، ودفن ببغداد بالجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التين ، فصارت باب الحوائج ، وعاش أربعا وخمسين سنة .

9 - كشف الغمة : قال كمال الدين محمد بن طلحة : أمّا ولادته عليه السلام فبالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة ، وقيل : تسع وعشرين ومائة ، أمه أم ولد تسمى « حميدة البربرية » ، وقيل غير ذلك ، وأمّا عمره فإنّه مات لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة ، فيكون عمره على القول الأول خمسا وخمسين سنة ، وعلى القول الثاني أربعا وخمسين سنة ، وقبره بالمشهد المعروف ب- « باب التين » من بغداد .

وقال ابن الخشاب : عن محمد بن سنان : ولد موسى بن جعفر بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقبض - وهو ابن أربع وخمسين سنة - في سنة مائة وثلاث وثمانين ، ويقال : خمس وخمسين سنة ، وفي رواية أخرى : كان مولده سنة مائة وتسع وعشرين من الهجرة . وكان مقامه مع أبيه أربع عشرة سنة ،

ص: 11

وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة ، وفي الرواية الأخرى : بل أقام موسى مع أبيه جعفر عشرين سنة(1) ، وقبض موسى - وهو ابن خمس وخمسين سنة - سنة مائة وثلاث وثمانين ، أمه حميدة البربرية ، ويقال : الأندلسية ، أم ولد ، وهي أم إسحاق وفاطمة .

وقال الحافظ عبد العزيز : ذكر الخطيب : أنّه ولد موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة في سنة ثمان وعشرين ، وقيل : تسع وعشرين ومائة ، وأقدمه المهدي بغداد ثم ردّه إلى المدينة ، فأقام بها إلى أيام الرشيد ، فقدم الرشيد المدينة فحمله معه وحبسه ببغداد

إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة .

ومن كتاب دلائل الحميري : عن محمد بن سنان قال : قبض أبو الحسن عليه السلام وهو ابن خمس وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة ، عاش بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة .

10 - اعلام الورى : عن هشام بن أحمر قال : أرسل إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام في يوم شديد الحر فقال لي : اذهب إلى فلان الإفريقي فاعترض جارية عنده من حالها كذاكذا ، ومن صفتها كذا وكذا ، وأتيت الرجل فاعترضت ما عنده فلم أر ما وصف لي فرجعت إليه فأخبرته ، فقال : عد إليه فإنّها عنده ، فرجعت إلى الإفريقي فحلف لي ما عنده شيء إلاّ وقد عرضه عليّ ، ثم قال : عندي وصيفة مريضة محلوقة الرأس ليس مما تعرض ، فقلت له : اعرضها عليّ ، فجاء بها متوكئة على جاريتين تخطّ برجليها الأرض ، فأرانيها فعرفت الصفة ، فقلت : بكم هي ؟ فقال لي : اذهب بها إليه فيحكم فيها ، ثم قال لي : قد واللّه أدرتها منذ ملكتها فما قدرت عليها ، ولقد أخبرني الذي

اشتريتها منه عند ذلك أنّه لم يصل إليها ، وحلفت الجارية أنّها نظرت إلى القمر وقع

ص: 12


1- حدثني بذلك حرب عن أبيه عن الرضا عليه السلام .

في حجرها ، فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بمقالته ، فأعطاني مائتي دينار فذهبت بها إليه ، فقال الرجل : هي حرة لوجه اللّه إن لم يكن بعث إليّ بشرائها من المغرب ، فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بمقالته ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا ابن أحمر ، أما أنّها تلد مولودا ليس بينه وبين اللّه حجاب(1) .

11 - الكافي : ولد عليه السلام بالأبواء سنة ثمان ، وقال بعضهم : تسع وعشرين ومائة ، وأمه أم ولد يقال لها « حميدة » .

12 - روضة الواعظين : ولد عليه السلام يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة .

13 - الدروس : ولد عليه السلام بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقيل : سنة تسع وعشرين ومائة يوم الأحد سابع صفر .

ص: 13


1- فقد روى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الإرشاد مثل هذا الخبر مسندا إلى هشام بن أحمر أيضا إلاّ أنّ فيه : أنّ أبا الحسن موسى عليه السلام أمره ببيع هذه الجارية ، وإنّها كانت أم الرضا عليه السلام .

باب 2- أسماؤه وألقابه وكناه وحليته ونقش خاتمه صلوات اللّه عليه

1 - علل الشرائع ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن ربيع بن عبد الرحمن قال : كان - واللّه - موسى بن جعفر من المتوسمين ، يعلم من يقف عليه بعد موته ويجحد الإمام بعده إمامته ، فكان يكظم غيظه عليهم ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم لذلك .

2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، الأمالي للصدوق : عن الرضا عليه السلام قال : كان نقش خاتم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام « حَسْبِيَ اللّهُ » . قال : بسط الرضا عليه السلام كفّه وخاتم أبيه في إصبعه حتّى أراني النقش .

3 - الكافي : عن الرضا عليه السلام قال : كان نقش خاتم أبي الحسن عليه السلام « حَسْبِيَ اللّهُ » ، وفيه وردة وهلال في أعلاه .

4 - الكافي : عن الرضا عليه السلام قال : كان نقش خاتم أبي « حَسْبِيَ اللّهُ » .

5 - الإرشاد : كان عليه السلام يكنى أبا إبراهيم ، وأبا الحسن ، وأبا علي ، ويعرف بالعبد الصالح ، وينعت أيضا بالكاظم .

ص: 14

6 - المناقب لابن شهرآشوب : كنيته عليه السلام : أبو الحسن الأول ، وأبو الحسن الماضي ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي ، ويعرف بالعبد الصالح ، والنفس الزكية ، وزين المجتهدين ، والوفي ، والصابر ، والأمين ، والزاهر ؛ وسمي بذلك لأنّه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء التام ، وسمي الكاظم ؛ لما كظمه من الغيظ وغض بصره عما فعله الظالمون به حتّى مضى قتيلا في حبسهم ، والكاظم الممتلي خوفا وحزنا ، ومنه كظم قربته إذا شدّ رأسها ، والكاظمة : البئر الضيقة والسقاية المملوة ، وكان عليه السلام أزهر إلاّ في القيظ لحرارة مزاجه ، ربع تمام خضر ، حالك كثّ اللحية(1) .

7 - مطالب السئول : أمّا اسمه فموسى ، وكنيته أبو الحسن ، وقيل : أبو إسماعيل ، وكان له ألقاب متعددة : الكاظم ، وهو أشهرها ، والصابر ، والصالح ، والأمين .

8 - الفصول المهمة : صفته أسمر ، نقش خاتمه « الملك للّه وحده » .

ص: 15


1- بيان : المراد بالأزهر : المشرق المتلألئ لا الأبيض ، وقوله « لحرارة » تعليل لعدم الزهرة في القيظ ، والربع متوسط القامة .

باب 3- النصوص عليه صلوات اللّه عليه

1 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن يزيد بن سليط الزيدي قال : لقينا أبا عبد اللّه عليه السلام في طريق مكة ، ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، أنتم الأئمة المطهرون ، والموت لا يعرى منه أحد ، فأحدث إليّ شيئا ألقيه إلى من يخلفني ، فقال لي : نعم هؤاء ولدي وهذا سيدهم ، وأشار إلى ابنه موسى عليه السلام ، وفيه علم ، الحكم ، والفهم ،

والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق ، وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب اللّه - عزّ وجلّ - ، وفيه أخرى هي خير من هذا كلّه ، فقال له أبي : وما هي بأبي أنت وأمي ؟ قال : يخرج اللّه - تعالى - منه غوث هذه الأمة وغياثها ، وعلمها ، ونورها ، وفهمها ، وحكمها ، خير مولود ، وخير ناشيء ، يحقن اللّه به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلم به الشعث ، ويشعب به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤن به الخائف ، وينزل به القطر ، ويأتمر له العباد ، خير كهل ، وخير ناشئ ، يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه ، قوله حكم ، وصمته علم ، يبين للناس ما يختلفون فيه . قال : فقال أبي : بأبي أنت وأمي ، فيكون له ولد بعده ؟ قال : نعم ، ثم قطع الكلام .

ص: 16

قال يزيد : ثم لقيت أبا الحسن - يعني موسى بن جعفر عليه السلام - بعد ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ، إني أريد أن تخبرني بمثل ما أخبر به أبوك ، قال : فقال : كان أبي عليه السلام في زمن ليس هذا مثله ، قال يزيد : فقلت : من يرضى منك بهذا فعليه لعنة اللّه ، قال : فضحك ثم قال : أخبرك يا أبا عمارة ، أني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني وأشركتهم مع علي ابني وأفردته بوصيتي في الباطن ، ولقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المنام وأمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - معه ، ومعه خاتم وسيف وعصا وكتاب وعمامة ، فقلت له : ما هذا ؟ فقال : أمّا العمامة فسلطان اللّه - عزّ وجلّ - ، أمّا السيف فعزة اللّه - عزّ وجلّ - ، وأمّا الكتاب فنور اللّه - عزّ وجلّ - ، وأمّا العصا فقوة اللّه - عزّ وجلّ - ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأمور، ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : والأمر يخرج إلى علي ابنك .

قال : ثم قال : يا يزيد إنّها وديعة عندك فلا تخبر بها إلاّ عاقلا أو عبدا امتحن اللّه قلبه للإيمان أو صادقا ، ولا تكفر نعم اللّه - تعالى - ، وإن سئلت عن الشهادة فأدّها فإنّ اللّه - تبارك وتعالى - يقول : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها » ، وقال - عزّ وجلّ - : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ » ، فقلت : واللّه ما كنت لأفعل هذا أبدا .

قال : ثم قال أبو الحسن عليه السلام : ثم وصفه لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : علي ابنك الذي ينظر بنور اللّه ، ويسمع بتفهيمه ، وينطق بحكمته ، يصيب ولا يخطئ ، ويعلم ولا يجهل ، قد ملئ حكما وعلما ، وما أقل مقامك معه ، إنّما هو شيء كأن لم يكن ، فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك ، وافرغ مما أردت ، فإنك منتقل عنه ومجاور غيره ، فاجمع ولدك و أشهد اللّه عليهم جميعا « وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً » ، ثم قال : يا يزيد إنّي أؤذ في هذه السنة ، وعلي ابني سمي علي بن أبي طالب عليه السلام

وسمي علي بن الحسين عليه السلام أعطي فهم الأول وعلمه ونصره ورداءه ، وليس له

ص: 17

أن يتكلم إلاّ بعد هارون بأربع سنين ، فإذا مضت أربع سنين فسله عما شئت يجبك إن شاء اللّه - تعالى -(1) .

2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن داود بن كثير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك وقدمني للموت قبلك ، إن كان كون فإلى من ؟ قال : إلى ابني موسى ، فكان ذلك الكون ، فو اللّه ما شككت في موسى عليه السلام طرفة عين قط ، ثم مكثت نحوا من ثلاثين سنة ، ثم أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام فقلت له : جعلت فداك ، إن كان كون فإلى من ؟ قال : فإلى علي ابني ، قال : فكان ذلك الكون ، فو اللّه ما شككت في علي عليه السلام طرفة عين قط .

3 - بصائر الدرجات : عن الفيض بن المختار ، في حديث له طويل في أمر أبي الحسن حتّى قال له : هو صاحبك الذي سألت عنه فقم فأقر له بحقه ، فقمت حتّى قبّلت رأسه ويده ودعوت اللّه له ، قال أبو عبد اللّه : أما إنّه لم يؤن له في ذلك ، فقلت : جعلت فداك ، فأخبر به أحدا ؟ فقال : نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك ، وكان معي أهلي وولدي ، وكان يونس بن ظبيان من رفقائي ، فلمّا أخبرتهم حمدوا اللّه على ذلك ، وقال يونس : لا واللّه حتّى نسمع ذلك منه ، وكانت به عجلة ، فخرج فاتبعته ، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد اللّه يقول له - وقد سبقني - : يا يونس الأمر كما قال لك فيض زرقه ، قال : فقلت : قد فعلت .

والزرقة بالنبطية أي خذه إليك

4 - إكمال الدين : عن المفضل بن عمر قال : دخلت على سيدي جعفر بن محمد عليه السلام فقلت : يا سيدي ، لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك ؟ فقال لي : يا مفضل الإمام من بعدي ابني موسى ، والخلف المأمول المنتظر « م ح م د » بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى .

ص: 18


1- بيان : لمّ اللّه شعثه : أي أصلح وجمع ما تفرّق من أموره ، قاله الجوهري ، وقال : الشعب : الصدع في الشيء ، وإصلاحه أيضا الشعب .

5 - إكمال الدين : عن إبراهيم الكرخي قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر ، وهو غلام ، فقمت إليه فقبّلته وجلست ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا إبراهيم أما إنّه صاحبك من بعدي ، أما ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون ، فلعن اللّه قاتله وضاعف على روحه العذاب ، أما ليخرجن اللّه من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سمي جده ، ووارث علمه وأحكامه وفضائله ، معدن الإمامة ، ورأس الحكمة ، يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسدا له ، ولكن « اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » ، يخرج اللّه من صلبه تمام اثني عشر مهديا ، اختصهم اللّه بكرامته وأحلهم دار قدسه ، المقر بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يذب عنه .

قال : فدخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام ، فعدت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام إحدى عشرة مرة أريد منه أن يستتمّ الكلام فما قدرت على ذلك ، فلمّا كان قابل السنة الثانية دخلت عليه ، وهو جالس ، فقال : يا إبراهيم ، هو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل وجزع وخوف ، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان ، حسبك يا إبراهيم ، فما رجعت بشيء أسر من هذا لقلبي ولا أقرّ لعيني .

6 - إكمال الدين : عن عيسى بن عبد اللّه بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن خاله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : قلت له : إن كان كون ، ولا أراني اللّه يومك ، فبمن أءتم ؟ فأومأ إلى موسى عليه السلام ، فقلت له : فإن مضى فإلى من ؟ قال : فإلى ولده ، قلت : فإن مضى ولده وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أءتم ؟ قال : بولده ، ثم هكذا أبدا ، فقلت : فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع ؟ قال : تقول : اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي فإن ذلك يجزيك .

7 - الإرشاد : فممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد اللّه الصادق على ابنه أبي الحسن موسى عليه السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام وخاصته وبطانته

ص: 19

وثقاته الفقهاء الصالحين - رحمة اللّه عليهم أجمعين - : المفضل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، والفيض بن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان الجمال ، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب ، وقد روى ذلك من إخوته : إسحاق وعلي ابنا جعفر بن محمد ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان .

8 - الإرشاد : عن المفضل بن عمر قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل أبو إبراهيم موسى عليه السلام ، وهو غلام ، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام :استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك .

9 - الإرشاد : روى ثبيت عن معاذ بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت : أسأل اللّه الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد فعل اللّه ذلك ، قلت : من هو ؟ جعلت فداك ، فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد ، فقال : هذا الراقد ، وهو يومئذ غلام .

10 - الإرشاد : روى عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : دخلت على جعفر بن محمد في منزله ، وهو في بيت كذا من داره في مسجد له ، وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر عليه السلام يؤن على دعائه ، فقلت له : جعلني اللّه فداك ، قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك ؟ قال : يا عبد الرحمن ، إنّ موسى قد لبس الدرع فاستوت عليه ، فقلت له ، لا أحتاج بعدها إلى شيء .

11 - الإرشاد : روى عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ قال : فدخل أبو إبراهيم ، وهو يومئذ غلام ، فقال : هذا

صاحبكم فتمسك به .

12 - الإرشاد : روى عن ابن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : بأبي أنت وأمي ، إنّ الأنفس يغدى عليها ويراح ، فإذا كان ذلك فمن ؟ قال أبو عبد اللّه عليه السلام :

ص: 20

إذا كان ذلك فهذا صاحبكم ، وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن ، وهو فيما أعلم يومئذ خماسي ، وعبد اللّه بن جعفر جالس معنا(1) .

13 - الإرشاد : روى عن طاهر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : رأيته يلوم عبد اللّه ولده ويعظه ويقول له : ما يمنعك أن تكون مثل أخيك ؟! فواللّه إنّي لأعرف

النور في وجهه! فقال عبد اللّه : وكيف ؟ أليس أبي وأبوه واحدا وأصلي وأصله واحدا ؟ فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّه من نفسي وأنت ابني .

14 - اعلام الورى ، الإرشاد : روى عن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى ، وهو في المهد ، فجعل يساره طويلا ، فجلست حتّى فرغ ، فقمت إليه ، فقال : ادن إلى مولاك فسلم عليه ، فدنوت فسلمت عليه ، فردّ عليّ بلسان فصيح ، ثم قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنّه اسم يبغضه اللّه ، وكانت ولدت لي بنت وسميتها بالحميراء ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : انته إلى أمره ترشد ، فغيرت اسمها .

15 - الإرشاد : روى عن سليمان بن خالد قال : دعا أبو عبد اللّه عليه السلام أبا الحسن يوما ، ونحن عنده ، فقال لنا : عليكم بهذا بعدي فهو - واللّه - صاحبكم بعدي .

17 - الإرشاد : روى عن صفوان الجمال قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صاحب هذا الأمر ، قال : صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، وأقبل أبو الحسن ، وهو صغير ، ومعه بهمة عناق مكية ويقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبد اللّه عليه السلام وضمه إليه وقال : بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب(2) .

ص: 21


1- بيان : قوله « خماسي » أي كان طوله خمسة أشبار ، وقيل : أي كان له خمس سنين ، والأول هو الموافق لكلام اللغويين .
2- بيان : البهمة : الواحد من أولاد الضأن ، والعناق - كسحاب - : الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة .

16 - اعلام الورى ، الإرشاد : روى عن إسحاق بن جعفر الصادق عليه السلام قال : كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ فقال : إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين ، وهو الطالع عليك من الباب ، فما لبثنا أن طلع علينا كفان آخذتان بالبابين حتّى انفتحتا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو صبي وعليه ثوبان أصفران .

17 - اعلام الورى ، الإرشاد : علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بموسى ابني خيرا ، فإنّه أفضل ولدي ، ومن أخلف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجة للّه - عزّ وجلّ - على كافة خلقه من بعدي .

وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى والانقطاع إليه ، والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه وجوابات رواها سماعا منه .

والأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن تحصى على ما بيناه ووصفناه .

18 - المناقب لابن شهرآشوب : يزيد بن أسباط قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام في مرضته التي مات فيها فقال : يا يزيد أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد عليّ بأنّي أخبرتك أنّ يوسف إنّما كان ذنبه عند إخوته حتّى طرحوه في الجب الحسد له حين أخبرهم أنّه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وهم له ساجدون ، وكذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد ، ثم دعا موسى وعبد اللّه وإسحاق ومحمد والعباس وقال لهم : هذا وصي الأوصياء ، وعالم علم العلماء ، وشهيد على الأموات والأحياء ، ثم قال : يا يزيد « سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ »

19 - الغيبة للنعماني : روي عن زرارة بن أعين أنّه قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وعند يمينه سيد ولده موسى عليه السلام وقدامه مرقد مغطى ، فقال لي :

ص: 22

يا زرارة جئني بداود الرقي ، وحمران ، وأبي بصير ، ودخل عليه المفضل بن عمر ، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره ، ولم تزل الناس يدخلون واحدا أثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا ، فلمّا حشد المجلس قال : يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل ، فكشفت عن وجهه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا داود أحي هو أم ميت ؟ قال داود : يا مولاي هو ميت ، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل حتّى أتى على آخر من في المجلس ، وكلّ يقول : هو ميت يا مولاي ، فقال : اللهم اشهد ، ثم أمر بغسله وحنوطه وإدراجه في أثوابه ، فلمّا فرغ منه قال للمفضل : يا مفضل احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه ، فقال : أحي هو أم ميت ؟ فقال : ميت ، قال : اللهم اشهد عليهم ، ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده قال : يا مفضل ، اكشف عن وجهه ، وقال للجماعة : أحي هو أم ميت ؟ قلنا له : ميت ، فقال : اللهم اشهد واشهدوا ، فإنه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور اللّه بأفواههم ، ثم أومأ إلى موسى « وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ... وَلَوْ كَرِهَ

الْمُشْرِكُونَ » ، ثم حثوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول ، فقال : الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو ؟ قلنا : إسماعيل ، قال : اللهم اشهد ، ثم أخذ بيد موسى عليه السلام وقال : هو حقّ ، والحق معه ومنه ، إلى أن يرث اللّه الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها(1) .

ص: 23


1- ووجدت هذا الحديث عند بعض إخواننا ، فذكر أنّه نسخه من أبي المرجى ابن محمد بن المعمر الثعلبي ، وذكر أنّه حدثه به المعروف بأبي سهل يرويه عن أبي الصلاح ، ورواه بندار القمي عن بندار بن محمد بن صدقة ، ومحمد بن عمرو عن زرارة ، وأنّ أبا المرجى ذكر أنّه عرض هذا الحديث على بعض إخوانه فقال : إنّه حدثه به الحسن بن المنذر بإسناد له عن زرارة وزاد فيه : أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال : واللّه ليظهرن عليكم صاحبكم وليس في عنق أحد له بيعة ، وقال : فلا يظهر صاحبكم حتّى يشكّ فيه أهل اليقين « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ » .

20 - الغيبة للنعماني : عن الوليد بن صبيح قال : كان بيني وبين رجل يقال له « عبد الجليل » صداقة في قدم ، فقال لي : إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام أوصى إلى إسماعيل ، قال : فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ عبد الجليل حدثني بأنّك أوصيت إلى إسماعيل في حياته قبل موته بثلاث سنين ! فقال : يا وليد ، لا واللّه ، فإن كنت فعلت

فإلى فلان - يعني أبا الحسن موسى عليه السلام - وسماه .

21 - الغيبة للنعماني : عن حماد الصائغ قال : سمعت المفضل بن عمر يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام : هل يفرض اللّه طاعة عبد ثم يكنه خبر السماء ؟ فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : اللّه أجلّ وأكرم وأرأف بعباده وأرحم من أن يفرض طاعة عبد ثم يكنه خبر السماء صباحا ومساء ، قال : ثم طلع أبو الحسن موسى عليه السلام ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : يسرك أن تنظر إلى صاحب كتاب علي ؟ فقال له المفضل : وأي شيء يسرني إذا أعظم من ذلك ؟! فقال : هو هذا صاحب كتاب علي ، الكتاب المكنون الذي قال اللّه - عزّ وجلّ - : « لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ » .

22 - الغيبة للنعماني : عن إسحاق قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألته عن صاحب الأمر من بعده ! فقال لي : صاحب البهمة ، وكان موسى عليه السلام في ناحية الدار صبيا ومعه عناق مكية وهو يقول لها : اسجدي للّه الذي خلقك .

23 - الغيبة للنعماني : من مشهور كلام أبي عبد اللّه عليه السلام عند وقوفه على قبر إسماعيل : غلبني لك الحزن عليك ، اللهم وهبت لإسماعيل جميع ما قصر عنه مما افترضت عليه من حقي ، فهب لي جميع ما قصر عنه فيما افترضت عليه من حقك .

24 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن سلمة بن محرز قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ رجلا من العجلية قال لي : كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ ؟ إنّما هو سنة أو سنتين حتّى يهلك ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ألا قلت له : هذا موسى بن جعفر قد أدرك ما يدرك الرجال ، وقد اشترينا له جارية تباح له ، فكأنك به إن شاء اللّه وقد ولد له فقيه خلف .

ص: 24

25 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن نصر بن قابوس قال : قلت لأبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام : إنّي سألت أباك عليه السلام من الذي يكون بعدك فأخبرني أنّك أنت هو ، فلما توفي أبو عبد اللّه عليه السلام ذهب الناس يمينا وشمالا ، وقلت أنا وأصحابي بك ، فأخبرني من الذي يكون بعدك ؟ قال : ابني علي عليه السلام .

26 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن الرضا عليه السلام : أنّ موسى بن جعفر عليه السلام تكلّم يوما بين يدي أبيه عليه السلام فأحسن ، فقال له : يا بني الحمد للّه الذي جعلك خلفا من الآباء وسرورا من الأبناء وعوضا عن الأصدقاء .

27 - قرب الإسناد : عن عيسى شلقان قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب ، فقال لي مبتدئا قبل أن أجلس : يا عيسى ما منعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد ؟! قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح عليه السلام ، وهو قاعد في الكتاب وعلى شفتيه أثر المداد ، فقال لي مبتدئا : يا عيسى إنّ اللّه - تبارك وتعالى - أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها أبدا ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا ، وأعار قوما الإيمان زمانا ثم يسلبهم إياه ، وإنّ أبا الخطاب ممن أعير الإيمان ثم سلبه اللّه - تعالى - ، فضممته إليّ وقبّلت بين عينيه ، ثم قلت ، بأبي أنت وأمي « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » ، ثم رجعت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فقال لي : ما صنعت يا عيسى ؟ قلت له : بأبي أنت وأمي ، أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن جميع ما أردت أن أسأله عنه ، فعلمت - واللّه - عند ذلك أنّه صاحب هذا الأمر ، فقال : يا عيسى ، إنّ ابني هذا الذي رأيت لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم ، ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب ، فعلمت ذلك اليوم أنّه صاحب هذا الأمر .

28 - بصائر الدرجات : عن مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : دخلت عليه وعنده إسماعيل ، قال : ونحن إذ ذاك نأتم به بعد أبيه ، فذكر في حديث طويل أنّه

ص: 25

سمع رجل أبا عبد اللّه عليه السلام خلاف ما ظن فيه ، قال : فأتيت رجلين من أهل الكوفة كانا يقولان به فأخبرتهما ، فقال واحد منهما : سمعت وأطعت ورضيت وسلّمت ، وقال الآخر ، وأهوى بيده إلى جيبه فشقه ، ثم قال : لا واللّه لا سمعت ولا أطعت ولا

رضيت حتّى أسمعه منه ، قال : ثم خرج متوجها إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : وتبعته ، فلمّا كنا بالباب فاستأذنا ، فأذن لي فدخلت قبله ، ثم أذن له فدخل ، فلمّا دخل قال له أبو عبد اللّه عليه السلام : يا فلان أيريد كلّ امرئ منكم « أَنْ يُؤتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً » ، إنّ الذي أخبرك به فلان الحقّ ، قال : جعلت فداك ، إنّي أشتهي أن أسمعه منك ! قال :

إنّ فلانا إمامك وصاحبك من بعدي - يعني أبا الحسن عليه السلام - فلا يدعيها فيما بيني وبينه إلا كالب مفتر ، فالتفت إليّ الكوفي ، وكان يحسن كلام النبطية ، وكان صاحب قبالات ، فقال لي : درفه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إن درفه بالنبطية خذها ، أجل فخذها ، فخرجنا من عنده .

29 - بصائر الدرجات : عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته وطلبت وقضيت إليه أن يجعل هذا الأمر إلى إسماعيل ، فأبى اللّه إلاّ أن يجعله لأبي الحسن موسى

عليه السلام .

30 - بصائر الدرجات : عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد اللّه فذكروا الأوصياء وذكر إسماعيل ، فقال : لا - واللّه - يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلاّ إلى اللّه - عزّ و جلّ - ينزل واحد بعد واحد .

31 - رجال الكشي : عن الفيض قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، ما تقول في الأرض أتقبّلها من السلطان ثم أواجرها آخرين على أنّ ما أخرج اللّه منها من شيء كان لي من ذلك النصف أو الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر ؟ قال : لا بأس ، قال له إسماعيل ابنه : يا أبة لم تحفظ !! قال : فقال : يا بني أوليس كذلك أعامل أكرتي ؟! إنّي كثيرا ما أقول لك الزمني فلا تفعل ، فقام إسماعيل فخرج ، فقلت : جعلت فداك ، وما على إسماعيل أن لا يلزمك إذا كنت أفضيت إليه الأشياء من بعدك

ص: 26

كما أفضيت إليك بعد أبيك ؟ قال : فقال : يا فيض إنّ إسماعيل ليس كأنا من أبي ، قلت : جعلت فداك ، فقد كنّا لا نشكّ أنّ الرحال تنحط إليه من بعدك وقد قلت فيه ما قلت ، فإن كان ما نخاف - وأسأل اللّه العافية - فإلى من ؟ قال : فأمسك عني ، فقبّلت

ركبته وقلت : ارحم سيدي فإنّما هي النار ، وإنّي - واللّه - لو طمعت أن أموت قبلك لما باليت ، ولكني أخاف البقاء بعدك ، فقال لي : مكانك ، ثم قام إلى ستر في البيت فرفعه فدخل ، ثم مكث قليلا ، ثم صاح : يا فيض ادخل ، فدخلت فإذا هو في المسجد قد صلّى فيه وانحرف عن القبلة ، فجلست بين يديه ، فدخل إليه أبو الحسن عليه السلام - وهو يومئذ خماسي وفي يده درة - فأقعده على فخذه فقال له : بأبي

أنت وأمي ، ما هذه المخفقة بيدك ؟ قال : مررت بعلي أخي وهي في يده يضرب بهيمة فانتزعتها من يده ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا فيض إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأفضيت إليه صحف إبراهيم وموسى عليه السلام فائتمن عليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام ، وائتمن عليها

علي الحسن عليه السلام ، وائتمن عليها الحسن عليه السلام الحسين عليه السلام ، وائتمن عليها الحسين عليه السلام

علي بن الحسين عليه السلام ، وائتمن عليها علي بن الحسين عليه السلام محمد بن علي عليه السلام ، و ائتمنني عليها أبي ، فكانت عندي ، ولقد ائتمنت عليها ابني هذا على حداثته وهي عنده ، فعرفت ما أراد ، فقلت له : جعلت فداك ، زدني! قال : يا فيض ، إنّ أبي كان إذا

أراد أن لا ترد له دعوة أقعدني على يمينه فدعا وأمنت ، فلا ترد له دعوة ، وكذلك أصنع بابني هذا ، ولقد ذكرناك أمس بالموقف فذكرناك بخير ، فقلت له : يا سيدي زدني! قال : يا فيض ، إنّ أبي إذا كان سافر وأنا معه فنعس وهو على راحلته أدنيت راحلتي من راحلته فوسدته ذراعي الميل والميلين حتّى يقضي وطره من النوم ، وكذلك يصنع بي ابني هذا ، قال : قلت : جعلت فداك ، زدني! قال : إنّي لأجد بابني هذا ما كان يجد يعقوب بيوسف ، قلت : يا سيدي زدني ! قال : هو صاحبك الذي سألت عنه فأقر له بحقه ، فقمت حتّى قبّلت رأسه ودعوت اللّه له ، فقال أبو

ص: 27

عبد اللّه عليه السلام : أما إنّه لم يؤن له في أمرك منه ، قلت : جعلت فداك ، أخبر به أحدا ؟ قال : نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك ، وكان معي أهلي وولدي ويونس بن ظبيان من رفقائي ، فلمّا أخبرتهم حمدوا اللّه على ذلك كثيرا ، فقال يونس : لا واللّه حتّى أسمع

ذلك منه ، وكانت فيه عجلة ، فخرج فاتبعته ، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام ، وقد سبقني ، فقال : الأمر كما قال لك فيض ، قال : سمعت وأطعت .

32 - الكافي : عن معاذ بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : إنّ الوصية نزلت من السماء على محمد صلى الله عليه و آله كتابا لم ينزل على محمد صلى الله عليه و آله كتاب مختوم إلاّ الوصية ، فقال

جبرئيل عليه السلام : يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أي أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال : نجيب اللّه منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه السلامميراثه لعلي وذريتك من صلبه ، فقال : وكان عليها خواتيم ، قال : ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها ، ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ، فلمّا توفي الحسن ومضى فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث ، فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل ، واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلاّ معك ، قال : ففعل عليه السلام ، فلمّا مضى دفعها إلى علي بن الحسين قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع ، فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم ، فلمّا توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليه السلامففتح الخاتم الخامس ، فوجد فيها أن فسّر كتاب اللّه وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق اللّه - عزّ وجلّ - وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا اللّه ففعل ، ثم دفعها إلى الذي يليه .

قال : قلت له : جعلت فداك ، فأنت هو ؟ قال : فقال : ما بي إلاّ أن تذهب يا معاذ فتروي علي ! قال : فقلت : أسأل اللّه الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات ، قال : قد فعل اللّه ذلك يا معاذ ، قال : فقلت : فمن هو ؟ جعلت فداك ، قال : هذا الراقد ، فأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد .

ص: 28

باب 4- معجزاته واستجابة دعواته ومعالي أموره وغرائب شأنه صلوات اللّه عليه

اشارة

1 - كشف الغمة : حدث عيسى بن محمد بن مغيث القرطي ، وبلغ تسعين سنة ، قال : زرعت بطيخا وقثاء وقرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها « أم عظام » ، فلمّا قرب الخير واستوى الزرع بيتني الجراد وأتى على الزرع كلّه ، وكنت غرمت على الزرع ثمن جملين ومائة وعشرين دينارا ، فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمد عليه السلام فسلم ثم قال : أيش حالك ؟ قلت : أصبحت كالصريم بيتني الجراد فأكل زرعي ! قال : وكم غرمت ؟ قلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين ، قال : فقال : يا عرفة إنّ لأبي الغيث مائة وخمسين دينارا ، فربحك ثلاثون دينارا والجملان ، فقلت : يا مبارك ادع لي فيها بالبركة ، فدخل ودعا وحدثني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : تمسكوا ببقاء المصائب ، ثم علقت عليه الجملين وسقيته ، فجعل اللّه فيه البركة وزكت ، فبعت منها بعشرة آلاف(1) .

ص: 29


1- بيان : قوله صلى الله عليه و آله « تمسكوا » لعل المراد عدم الجزع عند المصائب والاعتناء بشأنها ، فإنّها غالبا من علامات السعادة ، أو تمسكوا باللّه عند بقائها .

2 - كشف الغمة : عن مولى لأبي عبد اللّه عليه السلام قال : كنا مع أبي الحسن عليه السلام حين قدم به البصرة ، فلمّا أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة وخلفنا سفينة فيها امرأة تزف إلى زوجها ، وكانت لهم جلبة ، فقال : ما هذه الجلبة ؟ قلنا : عروس ! فما لبثنا أن سمعنا صيحة ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت ، فقال : احبسوا وقولوا لملاحهم يحبس ، فحبسنا وحبس ملاحهم ، فاتكأ على السفينة وهمس قليلا ، وقال : قولوا لملاحهم يتزر بفوطة وينزل فيتناول السوار ، فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض ، وإذا ماء قليل ، فنزل الملاح فأخذ السوار ، فقال : أعطها وقل لها فلتحمد اللّه ربّها ، ثم سرنا ، فقال له أخوه إسحاق : جعلت فداك ، الدعاء الذي دعوت به علمنيه ؟ قال : نعم ، ولا تعلّمه من ليس له بأهل ، ولا تعلمه إلاّ من كان من شيعتنا ، ثم قال : اكتب ، فأملى عليّ إنشاء :

يا سابق كلّ فوت ، يا سامعا لكلّ صوت قوي أو خفي ، يا محيي النفوس بعد الموت ، لا تغشاك الظلمات الحندسية ، ولا تشابه عليك اللغات المختلفة ، ولا يشغلك شيء عن شيء ، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء ، يا من له عند كلّ شيء من خلقه سمع سامع وبصر نافذ ، يا من لا تغلطه كثرة المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين ، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه وبقائه ، يا من سكن العلى واحتجب عن خلقه بنوره ، يا من أشرقت لنوره دجى الظلم ، أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك صلّ على محمدأهل بيته ، ثم سل حاجتك .

وعن الوشاء عن وصي علي بن السري قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ علي بن السري توفي وأوصى إليّ ، فقال : رحمه اللّه ، فقلت : وإنّ ابنه جعفرا وقع على أم ولد له ، وأمرني أن أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه وإن كان صادقا فسيصيبه خبل ، فرجعت فقدمني إلى أبي يوسف القاضي ، قال له : أصلحك اللّه ، أنا جعفر بن علي بن السري وهذا وصي أبي ، فمره فليدفع إليّ ميراثي

ص: 30

من أبي ، فقال : ما تقول ؟ قلت : نعم ، هذا جعفر وأنا وصي أبيه ، قال : فادفع إليه ماله ، فقلت له : أريد أن أكلمك ، قال : فادنه ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي ، فقلت : هذا وقع على أم ولد أبيه وأمرني أبوه وأوصاني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، قال : فقال : اللّه إنّ أبا الحسن أمرك ؟ قلت : نعم فاستحلفني ثلاثا ، وقال : أنفذ بما أمرت به فالقول قوله ، قال : الوصي فأصابه الخبل

بعد ذلك ، قال الحسن بن علي الوشاء : رأيته على ذلك .

وعن خالد قال : خرجت وأنا أريد أبا الحسن عليه السلام ، فدخلت عليه وهو في عرصة داره جالس ، فسلّمت عليه وجلست ، وقد كنت أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل ، فالتفت إليّ وقال : ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمر يده عليه ويقول : الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به بين الناس ، وإذا أعجبه شيء فلا يكثر ذكره فإن ذلك مما يهدّه ، وإذا كانت لأحدكم إلى أخيه حاجة ووسيلة لا يمكنه قضاؤا فلا يذكره إلاّ بخير فإن اللّه يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته ، قال : فرفعت رأسي وأنا أقول : لا إله إلاّ اللّه ، فالتفت إليّ

فقال : يا خالد ، اعمل ما أمرتك .

لا أرى بشرائها بأسا إن لم يكن في عمرها قلّة

قال هشام بن الحكم : أردت شراء جارية بمنى فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أشاوره ، فلم يرد عليّ جوابا ، فلمّا كان في غد مرّ بي يرمي الجمار على حمار ، فنظر إليّ وإلى الجارية من بين الجواري ، ثم أتاني كتابه لا أرى بشرائها بأسا إن لم

يكن في عمرها قلّة ، قلت : لا واللّه ما قال لي هذا الحرف إلاّ وهاهنا شيء ، لا واللّه

لا اشتريتها ، قال : فما خرجت من مكة حتّى دفنت .

ص: 31

قد قضى اللّه حاجتك فسمه « محمدا »

وعن الوشاء الحسن بن علي قال : حججت أنا وخالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبت إلى أبي الحسن الأول ، وكتب خالي : أنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قتل رجالنا ، وقد خلفت امرأتي حاملا فادع اللّه أن يجعله غلاما وسمه ، فوقّع في الكتاب : قد قضى اللّه حاجتك فسمه « محمدا » ، فقدمنا إلى الكوفة وقد ولد له غلام قبل وصولنا الكوفة بستة أيام ، دخلنا يوم سابعه ، فقال أبو محمد : هو واللّه اليوم

رجل و له أولاد .

كان أبي ممن تكلّم في المهد

وعن زكريا بن آدم قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : كان أبي ممن تكلّم في المهد .

إنّما بعث إلينا وزنا لا عددا

وعن الأصبغ بن موسى قال : بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي إبراهيم عليه السلام بمائة دينار ، وكانت معي بضاعة لنفسي وبضاعة له ، فلمّا دخلت المدينة صببت عليّ الماء وغسلت بضاعتي وبضاعة الرجل ، وذررت عليها مسكا ، ثم إنّي عددت بضاعة الرجل فوجدتها تسعة وتسعين دينارا ، فأعددت عددها وهي كذلك ، فأخذت دينارا آخر لي فغسلته وذررت عليه المسك وأعدتها في صرة كما كانت ، ودخلت عليه في الليل ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّ معي شيئا أتقرّب به إلى اللّه - تعالى - فقال : هات ، فناولته دنانيري وقلت له : جعلت فداك ، إنّ فلانا مولاك بعث إليك معي بشيء ، فقال : هات ، فناولته الصرة ، قال : صبها ، فصببتها ، فنثرها بيده وأخرج ديناري منها ، ثم قال : إنّما بعث إلينا وزنا لا عددا .

ص: 32

إنّ أباك أسرّ إلي سرّا فأخبرني به

وعن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام في السنة التي قبض فيها أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقلت له : كم أتى لك ؟ قال : تسع عشرة سنة ، قال : فقلت : إنّ أباك أسرّ إلي سرّا وحدثني بحديث فأخبرني به ! فقال : قال لك كذا وكذا حتّى نسق على ما أخبرني به أبو عبد اللّه عليه السلام .

إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض

وروى هشام بن أحمر : أنّه ورد تاجر من المغرب ومعه جوار فعرضهن على أبي الحسن عليه السلام فلم يختر منهن شيئا ، وقال : أرنا ! فقال : عندي أخرى ، وهي مريضة ، فقال : ما عليك أن تعرضها ، فأبى فانصرف ، ثم إنّه أرسلني من الغد إليه وقال : قل له : كم غايتك فيها ؟ فقال : ما أنقصها من كذا وكذا ، فقلت : قد أخذتها وهو لك ، فقال : وهي لك ، ولكن من الرجل ؟ فقلت : رجل من بني هاشم ، فقال : من أي بني هاشم ؟ قلت : ما عندي أكثر من هذا ، فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة ، إنّي اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟ فقلت : اشتريتها لنفسيّ فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك ، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، ولا تلبث عنده إلاّ قليلا حتّى تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله ، يدين له شرق الأرض وغربها ، قال : فأتيته بها فلم يلبث إلاّ قليلا حتّى ولدت عليا الرضا عليه السلام .

إنّي أريد شراء هذا البعير فماترى ؟

3 - رجال الكشي : عن هشام بن الحكم قال : كنت في طريق مكة وأنا أريد شراء بعير فمر بي أبو الحسن عليه السلام ، فلمّا نظرت إليه تناولت رقعة فكتبت إليه : جعلت

ص: 33

فداك ، إنّي أريد شراء هذا البعير فماترى ؟ فنظر إليه ، فقال : لا أرى في شراه بأسا ، فإن خفت عليه ضعفا فألقمه ، فاشتريته وحملت عليه ، فلم أر منكرا حتّى إذا كنت قريبا من الكوفة في بعض المنازل وعليه حمل ثقيل رمى بنفسه واضطرب للموت ، فذهب الغلمان ينزعون عنه ، فذكرت الحديث فدعوت بلقم ، فما ألقموه إلاّ سبعا حتّى قام بحمله .

يا إسحاق إنّه إمام ابن إمام وبهذا يعرف الإمام

4 - رجال الكشي : عن ابن البطائني عن أبيه قال : دخلت المدينة وأنا مريض شديد المرض ، وكان أصحابنا يدخلون ولا أعقل بهم؛ وذلك لأنّه أصابني حمى فذهب عقلي ، وأخبرني إسحاق بن عمار أنّه أقام عليّ بالمدينة ثلاثة أيام لا يشكّ أنّه لا يخرج منها حتّى يدفنني ويصلي عليّ ، وخرج إسحاق بن عمار ، وأفقت بعد ما خرج إسحاق ، فقلت لأصحابي : افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة دينار فاقسموها في أصحابنا ، وأرسل إليّ أبو الحسن عليه السلام بقدح فيه ماء ، فقال الرسول : يقول لك أبو الحسن عليه السلام : اشرب هذا الماء فإن فيه شفاك إن شاء اللّه - تعالى - ، ففعلت فأسهل بطني ، فأخرج اللّه ما كنت أجده من بطني من الأذى ، ودخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال : يا علي ، أمّا أجلك قد حضر مرة بعد مرة ، فخرجت إلى مكة فلقيت إسحاق بن عمار فقال : واللّه لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيام ما شككت إلاّ أنّك ستموت ، فأخبرني بقصتك ، فأخبرته بما صنعت وما قال لي أبو الحسن عليه السلام مما انسأ اللّه في عمري مرة بعد مرة من الموت ، وأصابني مثل ما أصاب ، فقلت : يا إسحاق إنّه إمام ابن إمام ، وبهذا يعرف الإمام .

ص: 34

5 - رجال الكشي : عن إسماعيل بن سلام وفلان بن حميد قالا : بعث إلينا علي بن يقطين فقال : اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق ، ودفع إلينا أموالا وكتبا ، حتّى

توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ، ولا يعلم بكما أحد ، قال : فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين وتزودنا زادا وخرجنا نتجنب الطريق حتّى إذا صرنا ببطن الرمة شددنا راحلتنا ووضعنا لها العلف وقعدنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري ، فلمّا قرب منّا فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام ، فقمنا إليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا ، فأخرج من كمّه كتبا فناولنا إياها ، فقال : هذه جوابات كتبكم ، قال : فقلنا : إنّ زادنا قد فني فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة

فزرنا رسول اللّه وتزودنا زادا ، فقال : هاتا ما معكما من الزاد ، فأخرجنا الزاد إليه

فقلّبه بيده ، فقال : هذا يبلغكما إلى الكوفة وأمّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد رأيتما أني صلّيت معهم الفجر وإنّي أريد أن أصلّي معهم الظهر ، انصرفا في حفظ اللّه .

6 - الخرائج والجرائح : ساق الحديث نحو ما مر وزاد في آخره : فرجعنا وكان يكفينا(1) .

7 - رجال الكشي : عن شعيب العقرقوفي قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام مبتدئا من غير أن أسأله عن شيء : يا شعيب غدا يلقاك رجل من أهل المغرب يسألك عني فقل : هو واللّه الإمام الذي قال لنا أبو عبد اللّه عليه السلام ، فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه مني ، فقلت : جعلت فداك ، فما علامته ؟ قال : رجل طويل جسيم يقال له « يعقوب » ، فإذا أتاك فلا عليك أن تجيبه عن جميع ما سألك فإنه واحد قومه ، فإن أحبّ أن تدخله إليّ فأدخله .

ص: 35


1- بيان : الشاكري : معرب چاكر ، قوله « فقد رأيتما » أي قربتم من المدينة ، والقرب في حكم الزيارة . ويحتمل أن يكون المراد : أن رؤتي بمنزلة رؤة الرسول ، كما في بعض النسخ : رأيتماه ، وعلى هذا قوله « إنّي صلّيت » بيان لفضله أو إعجازه مؤدا لكونه بمنزلة الرسول صلى الله عليه و آله في الشرف ، وهذا إنّما يستقيم إذا كانت المسافة بينهم وبين المدينة بعيدة ، والأول أظهر .

قال : فو اللّه إنّي لفي طوافي إذ أقبل إليّ رجل طويل من أجسم ما يكون من الرجال ، فقال لي : أريد أن أسألك عن صاحبك ، فقلت : عن أي صاحب ؟ قال : عن فلان بن فلان ، قلت : ما اسمك ؟ قال : يعقوب ، قلت : ومن أين أنت ؟ قال : رجل من أهل المغرب ، قلت : فمن أين أنت عرفتني ؟ قال : أتاني آت في منامي الق شعيبا فسله عن جميع ما تحتاج إليه ، فسألت عنك فدللت عليك ، فقلت : اجلس في هذا الموضع حتّى أفرغ من طوافي وآتيك إن شاء اللّه - تعالى - ، فطفت ثم أتيته ، فكلّمت رجلا عاقلا ، ثم طلب إليّ أن أدخله على أبي الحسن عليه السلام ، فأخذت بيده فاستأذنت على أبي الحسن عليه السلام فأذن لي .

فلمّا رآه أبو الحسن عليه السلام قال له : يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك شرّ في موضع كذا وكذا حتّى شتم بعضكم بعضا ، وليس هذا ديني ولا دين آبائي ، ولا نأمر بهذا أحدا من الناس ، فاتق اللّه وحده لا شريك له ، فإنّكما ستفترقان بموت ، أما إنّ أخاك سيموت في سفره قبل أن يصل إلى أهله ، وستندم أنت على ما كان منك ، وذلك أنّكما تقاطعتما فبتر اللّه أعماركما ، فقال له الرجل : فأنا ، جعلت فداك ، متى أجلي ؟ فقال : أما إنّ أجلك قد حضر حتّى وصلت عمتك بما وصلتها به في منزل كذا و كذا فزيد في أجلك عشرون ، قال : فأخبرني الرجل ولقيته حاجا أنّ أخاه لم يصل إلى أهله حتّى دفنه في الطريق .

8 - رجال الكشي : عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي قال : حججت فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال لي : اعمل خيرا في سنتك هذه فإن أجلك قد دنا ، قال : فبكيت ، فقال لي : فما يبكيك ؟ قلت : جعلت فداك ، نعيت إليّ نفسي ، قال : أبشر فإنّك من شيعتنا ، وأنت إلى خير ، قال : قال أخطل : فما لبث عبد اللّه بعد ذلك إلاّ

يسيرا حتّى مات .

ص: 36

9 - الكافي : عن محمد بن الحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ لا تصلّ على الزجاج ، وإن حدّثتك نفسك أنّه مما أنبتت الأرض ، ولكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان .

من الآن يا علي بن يقطين فتوض كما أمر اللّه

10 - اعلام الورى ، المناقب لابن شهرآشوب ، الإرشاد : عن محمد بن الفضل

قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء ، هو من الأصابع إلى الكعبين ، أم هو من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه ، فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ثلاثا ، وتخلل شعر لحيتك ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره .

فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب بما رسم فيه مما أجمع العصابة على خلافه ، ثم قال : مولاي أعلم بما ، قال : وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذه الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام ، وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل : إنّه رافضي مخالف لك! فقال الرشيد لبعض خاصته : قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله

ص: 37

إلى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيرا ، وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرف به ، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز مني ، فقيل له : إنّ الرافضة - يا أمير المؤنين - تخالف الجماعة في الوضوء ، فتخففه ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنه - يا أمير المؤنين - من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه ، فقال : أجل إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثم تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء للوضوء ، فتمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وخلل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ، ومسح رأسه وأذينة ، وغسل رجليه ، والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه وقد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثم ناداه : كذب - يا علي بن يقطين - من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام ابتداء : من الآن يا علي بن يقطين فتوض كما أمر اللّه ، واغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك ، والسلام .

أتي بامرأة قد صار وجهها قفاها

11 - تفسير العياشي : عن سليمان بن عبد اللّه قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام قاعدا فأتي بامرأة قد صار وجهها قفاها ، فوضع يده اليمنى في جبينها

ويده اليسرى من خلف ذلك ، ثم عصر وجهها عن اليمين ، ثم قال : « إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ

ص: 38

ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، فرجع وجهها فقال : احذري أن تفعلين كما فعلت ! قالوا : يا ابن رسول اللّه ، وما فعلت ؟ فقال : ذلك مستور إلاّ أن تتكلّم به ، فسألوها

فقالت : كانت لي ضرّة فقمت أصلّي فظننت أن زوجي معها ، فالتفت إليها فرأيتها قاعدة وليس هو معها ، فرجع وجهها على ما كان .

أنت الذي تقول إنّ السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟!

12 - المناقب لابن شهرآشوب : خالد السمان في خبر : أنّه دعا الرشيد رجلا يقال له « علي بن صالح الطالقاني » وقال له : أنت الذي تقول : إنّ السحاب حملتك من بلد الصين إلى طالقان ؟! فقال : نعم ، قال : فحدثنا كيف كان ؟ قال : كسر مركبي في لجج البحر ، فبقيت ثلاثة أيام على لوح تضربني الأمواج ، فألقتني الأمواج إلى البر ، فإذا أنا بأنهار وأشجار ، فنمت تحت ظلّ شجرة ، فبينا أنا نائم إذ سمعت صوتا هائلا ، فانتبهت فزعا مذعورا ، فإذا أنا بدابتين يقتتلان على هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما ، فلمّا بصرا بي دخلتا في البحر ، فبينما أنا كذلك إذ رأيت طائرا عظيم الخلق ، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل ، فقمت مستترا في الشجر حتّى دنوت منه لأتأمّله ، فلمّا رآني طار ، وجعلت أقفو أثره ، فلمّا قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتلاوة قرآن ، ودنوت من الكهف ، فناداني مناد من الكهف : ادخل يا علي بن صالح الطالقاني - رحمك اللّه - ، فدخلت وسلّمت ، فإذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع أعين ، فردّ عليّ السلام وقال : يا علي بن صالح الطالقاني ، أنت من معدن الكنوز ، لقد أقمت ممتحنا بالجوع والعطش والخوف ، لولا أنّ اللّه رحمك في هذا اليوم فأنجاك وسقاك شرابا طيبا ، ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها ، وكم أقمت في البحر ، وحين كسر بك المركب ، وكم لبثت تضربك الأمواج ، وما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت

ص: 39

لعظيم ما نزل بك ، والساعة التي نجوت فيها ، ورؤتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين ، واتباعك للطائر الذي رأيته واقعا ، فلمّا رآك صعد طائرا إلى السماء ، فهلمّ فاقعد رحمك اللّه ، فلمّا سمعت كلامه قلت : سألتك باللّه ما أعلمك بحالي ؟!

فقال : « عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » ، « والَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ » ، ثم قال : أنت جائع ! فتكلّم بكلام تململت به شفتاه ، فإذا بمائدة عليها منديل ، فكشفه وقال : هلمّ إلى ما رزقك اللّه فكل ، فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه ، ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه ولا أعذب ، ثم صلّى ركعتين ، ثم قال : يا علي أتحب الرجوع إلى بلدك ؟ فقلت : ومن لي بذلك ؟! فقال : وكرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك ، ثم دعا بدعوات ورفع يده إلى السماء وقال : الساعة الساعة ، فإذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا ، وكلّما وافت سحابة قالت : سلام عليك يا ولي اللّه وحجته ، فيقول : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ، أيّتها السحابة السامعة المطيعة ، ثم يقول لها : أين تريدين ؟ فتقول : أرض كذا ، فيقول : ألرحمة أو سخط ؟ فتقول : لرحمة أو سخط ، وتمضي حتّى جاءت سحابة حسنة مضيئة ، فقالت : السلام عليك يا ولي اللّه وحجته ، قال : وعليك السلام أيّتها السحابة السامعة المطيعة ، أين تريدين ؟ فقالت : أرض طالقان ، فقال : لرحمة أو سخط ؟ فقالت : لرحمة ، فقال لها : احملي ما حملت مودعا في اللّه ، فقالت : سمعا وطاعة ، قال لها : فاستقري بإذن اللّه على وجه الأرض ، فاستقرت ، فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها ، فعند ذلك قلت له : سألتك باللّه العظيم وبحق محمد خاتم النبيين وعلي سيد الوصيين والأئمة الطاهرين من أنت ؟ فقد أعطيت واللّه أمرا عظيما! فقال : ويحك يا علي بن صالح ، إنّ اللّه لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين ، إمّا باطن وإمّا ظاهر ، أنا حجة اللّه الظاهرة وحجته الباطنة ، أنا حجة اللّه يوم الوقت المعلوم ، أنا المؤي الناطق عن الرسول ،

ص: 40

أنا في وقتي هذا موسى بن جعفر ، فذكرت إمامته وإمامة آبائه ، وأمر السحاب بالطيران ، فطارت فواللّه ما وجدت ألما ولا فزعت ، فما كان بأسرع من طرفة العين حتّى ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي وعقاري سالما في عافية ، فقتله الرشيد وقال : لا يسمع بهذا أحد .

يا أسد اللّه خذ عدو اللّه !

13 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، الأمالي للصدوق : عن علي بن يقطين قال : استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل معزم ، فلمّا أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز ، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ، واستفز هارون الفرح والضحك لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور فقال له : يا أسد اللّه خذ عدو اللّه ! قال : فوثبت

تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع ، فافترست ذلك المعزم ، فخر هارون وندماؤ على وجوههم مغشيا عليهم ، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه ، فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه السلام : أسألك بحقّي عليك لما سألت الصورة أن تردّ الرجل ! فقال : إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل ، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه .

قرطان من ذهب فيهما در

14 - قرب الإسناد : علي بن جعفر قال أخبرتني جارية لأبي الحسن موسى عليه السلام ، وكانت توضئه ، وكانت خادما صادقا ، قالت : وضأته بقديد ، وهو على

ص: 41

منبر وأنا أصب عليه الماء ، فجرى الماء على الميزاب ، فإذا قرطان من ذهب فيهما در ما رأيت أحسن منه ، فرفع رأسه إليّ فقال : هل رأيت ؟ فقلت : نعم ، فقال : خمريه بالتراب ولا تخبرين به أحدا ، قالت : ففعلت ، وما أخبرت به أحدا حتّى مات صلّى اللّه عليه وعلى آبائه والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته .

ليس يولد له ولد إلاّ مات فادع اللّه له

15 - قرب الإسناد : عن عثمان بن عيسى قال : قلت لأبي الحسن الأول : إنّ

الحسن بن محمد له إخوة من أبيه وليس يولد له ولد إلاّ مات ، فادع اللّه له ، فقال :

قضيت حاجته ، فولد له غلامان .

قد قضى اللّه - تعالى - حاجتك وسمه محمدا

16 - قرب الإسناد : عن الوشاء قال : حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس ، فكتبنا إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ، فكتب خالي أنّ لي بنات وليس لي ذكر ، وقد قلّ رجالنا ، وقد خلقت امرأتي وهي حامل ، فادع اللّه أن يجعله غلاما وسمه ، فوقع في الكتاب : قد قضى اللّه - تبارك وتعالى - حاجتك وسمه محمدا ، فقدمنا الكوفة وقد ولد لي غلام قبل دخولي الكوفة بستة أيام ، ودخلنا يوم سابعه ، قال أبو محمد : فهو واللّه اليوم رجل له أولاد .

اطلبوا لي ساجا طرازيا أزرق

17 - قرب الإسناد : عن علي بن جعفر بن ناجية : أنّه كان اشترى طيلسانا طرازيا أزرق بمائة درهم ، وحمله معه إلى أبي الحسن الأول عليه السلام ، ولم يعلم به أحد ،

ص: 42

وكنت أخرج أنا مع عبد الرحمن بن الحجاج ، وكان هو إذ ذاك قيما لأبي الحسن الأول عليه السلام ، فبعث بما كان معه ، فكتب اطلبوا لي ساجا طرازيا أزرق ، فطلبوه بالمدينة فلم يوجد عند أحد ، فقلت له : هو ذا هو معي وما جئت به إلاّ له ، فبعثوا به

إليه وقالوا له : أصبناه مع علي بن جعفر ، ولما كان من قابل اشتريت طيلسانا مثله وحملته معي ، ولم يعلم به أحد ، فلمّا قدمنا المدينة أرسل إليهم اطلبوا لي طيلسانا مثله مع ذلك الرجل ، فسألوني فقلت : هو ذا هو معي ، فبعثوا به إليه(1) .

فأين الستة آلاف درهم ؟

18 - قرب الإسناد : عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : استقرضت من غالب مولى

الربيع ستة آلاف درهم تمت بها بضاعتي ، ودفع إليّ شيئا أدفعه إلى أبي الحسن الأول

عليه السلام وقال : إذا قضيت من الستة آلاف درهم حاجتك فادفعها أيضا إلى أبي الحسن ، فلمّا قدمت المدينة بعثت إليه بما كان معي والذي من قبل غالب ، فأرسل إليّ فأين الستة آلاف

درهم ؟ فقلت : استقرضتها منه وأمرني أن أدفعها إليك ، فإذا بعت متاعي بعثت بها إليك ، فأرسل إليّ عجلّها لنا وإنا نحتاج إليها ، فبعثت بها إليه .

إذا أمرتك بالشيء فاعمله وإلاّ غضبت عليك

19 - قرب الإسناد : عن موسى بن بكر قال : دفع إليّ أبو الحسن الأول عليه السلام رقعة فيها حوائج وقال لي : اعمل بما فيها ، فوضعتها تحت المصلى وتوانيت عنها ، فمررت فإذا الرقعة في يده ، فسألني عن الرقعة ، فقلت : في البيت ، فقال : يا موسى إذا أمرتك بالشيء

فاعمله وإلاّ غضبت عليك ، فعلمت أنّ الذي دفعها إليه بعض صبيان الجن .

ص: 43


1- بيان : قال الفيروزآبادي : الطراز بالكسر : الموضع الذي ينسج فيه الثياب الجيدة ، ومحله بمرو وبأصفهان وبلد قرب أسبيجاب ، وقال : الساج الطيلسان الأخضر أو الأسود .

هذا خير من خلق اللّه في زمانه ويفعل هذا ؟!

20 - قرب الإسناد : عن عثمان بن عيسى قال : رأيت أبا الحسن الماضي

عليه السلام في حوض من حياض ما بين مكة والمدينة عليه إزار وهو في الماء ، فجعل يأخذ الماء في فيه ثم يمجه ، وهو يصفر ، فقلت : هذا خير من خلق اللّه في زمانه ويفعل هذا ؟! ثم دخلت عليه بالمدينة فقال لي : أين نزلت ؟ فقلت له : نزلت أنا ورفيق لي في دار فلان ، فقال : بادروا وحولوا ثيابكم واخرجوا منها الساعة ، قال : فبادرت وأخذت ثيابا وخرجنا ، فلمّا صرنا خارجا من الدار انهارت الدار .

ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه

21 - بصائر الدرجات : عن مرازم قال : دخلت المدينة ، فرأيت جارية في الدار التي نزلتها فعجبتني ، فأردت أن أتمتع منها فأبت أن تزوجني نفسها ، قال : فجئت بعد العتمة فقرعت الباب ، فكانت هي التي فتحت لي ، فوضعت يدي على صدرها ، فبادرتني حتّى دخلت ، فلمّا أصبحت دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال : يا مرازم ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه .

ما كان ليرى بيت اللّه أبدا

22 - قرب الإسناد : عن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول : لا واللّه لا يرى أبو جعفر بيت اللّه أبدا ، فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا ، فلم نلبث أن خرج ، فلمّا بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت : لا واللّه لا يرى بيت اللّه أبدا ، فلمّا صار إلى البستان اجتمعوا أيضا إليّ فقالوا : بقي بعد هذا شيء ؟

ص: 44

قلت : لا واللّه لا يرى بيت اللّه أبدا ، فلمّا نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليه السلام فوجدته في المحراب قد سجد ، فأطال السجود ، ثم رفع رأسه إليّ فقال : اخرج فانظر ما يقول الناس ، فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر ، فرجعت فأخبرته ، قال : اللّه أكبر ما كان ليرى بيت اللّه أبدا .

ما ترون ما حدث في هذه الليلة ؟!

23 - قرب الإسناد : عن عثمان بن عيسى عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : كتب إليّ أبو الحسن عليه السلام - قال عثمان بن عيسى : وكنت حاضرا بالمدينة - : تحوّل عن منزلك ، فاغتم بذلك ، وكان منزله منزلا وسطا بين المسجد والسوق ، فلم يتحول ، فعاد إليه الرسول تحوّل عن منزلك ، فبقي ، ثم عاد إليه الثالثة تحوّل عن منزلك ، فذهب وطلب منزلا ، وكنت في المسجد ولم يجئ إلى المسجد إلاّ عتمة ، فقلت له : ما خلفك ؟ فقال : ما تدري ما أصابني اليوم ؟! قلت : لا ، قال : ذهبت أستقي الماء من

البئر لأتوضأ فخرج الدلو مملوءا خرءا ، وقد عجنا خبزنا بذلك الماء ، فطرحنا خبزنا وغسلنا ثيابنا ، فشغلني عن المجيء ، ونقلت متاعي إلى البيت الذي اكتريته فليس بالمنزل إلاّ الجارية ، الساعة أنصرف وآخذ بيدها ، فقلت : بارك اللّه لك ، ثم افترقنا ، فلمّا كان سحرا خرجنا إلى المسجد فجاء فقال : ما ترون ما حدث في هذه الليلة ؟! قلت : لا ، قال : سقط واللّه منزلي السفلى والعليا .

وقد أمنتم الجراد ؟!

24 - قرب الإسناد : عن عثمان بن عيسى قال : قال أبو الحسن عليه السلام لإبراهيم بن عبد الحميد ، ولقيه سحرا وإبراهيم ذاهب إلى قباء ، وأبو الحسن عليه السلام داخل إلى المدينة ، فقال : يا إبراهيم ! فقلت : لبيك ، قال : إلى أين ؟ قلت : إلى قباء ،

ص: 45

فقال : في أي شيء ؟ فقلت : إنّا كنّا نشتري في كلّ سنة هذا التمر ، فأردت أن آتي رجلا من الأنصار فأشتري منه من الثمار ، فقال : وقد أمنتم الجراد ؟! ثم دخل ، ومضيت أنا فأخبرت أبا العز ، فقال : لا واللّه لا أشتري العام نخلة ، فما مرت بنا خامسة حتّى بعث اللّه جرادا فأكل عامة ما في النخل .

لا تصدق إنّما تفرّ من سوء خلقه

25 - قرب الإسناد : عن عثمان بن عيسى قال : وهب رجل جارية لابنه فولدت

أولادا ، فقالت الجارية بعد ذلك : قد كان أبوك وطئني قبل أن يهبني لك ، فسئل أبو الحسن عليه السلام عنها ، فقال : لا تصدق ، إنّما تفرّ من سوء خلقه ، فقيل ذلك للجارية ، فقالت : صدق واللّه ما هربت إلاّ من سوء خلقه .

بم يعرف الإمام ؟

26 - قرب الإسناد : عن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : دخلت عليه فقلت له : جعلت فداك ، بم يعرف الإمام ؟ فقال : بخصال ، أمّا أولهن فشيء تقدّم من أبيه فيه ، وعرفه الناس ، ونصبه لهم علما حتّى يكون حجة عليهم ؛ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصب عليا عليه السلام علما وعرفه الناس ، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس وينصبونهم لهم حتّى يعرفوه ، ويسأل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدي ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلم الناس بكلّ لسان ، فقال لي : يا أبا محمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن إليها ، فو اللّه ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان ، فتكلّم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية ، فقال له الخراساني : أصلحك اللّه ما منعني أن أكلّمك بكلامي إلاّ

ص: 46

أنّي ظننت أنّك لا تحسن !! فقال : سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟! ثم قال : يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ، ولا طير ، ولا بهيمة ، ولا شيء فيه روح ، بهذا يعرف الإمام ، فإن لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام .

ادع اللّه أن يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج ...

27 - قرب الإسناد : عن حماد بن عيسى قال : دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بالبصرة ، فقلت له : جعلت فداك ، ادع اللّه - تعالى - أن يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كلّ سنة ، قال : فرفع يده ثم قال : اللّهم صلّ على محمد وآل محمد وارزق حماد بن عيسى دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة ، قال حماد : فلمّا اشترط خمسين سنة علمت أنّي لا أحج أكثر من خمسين سنة ، قال حماد : وقد حججت ثماني وأربعين سنة ، وهذه داري قد رزقتها ، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي ، وهذا ابني ، وهذه خادمي ، وقد رزقت كلّ ذلك ، فحجّ بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين ، ثم خرج بعد الخمسين حاجا ، فزامل أبا العباس النوفلي ، فلمّا صار في موضع الإحرام دخل يغتسل ، فجاء الوادي فحمله فغرق ، فمات رحمنا اللّه وإياه قبل أن يحج زيادة على الخمسين ، وقبره بسيالة .

28 - الخرائج والجرائح : عن أمية بن علي القيسي قال : دخلت أنا وحماد بن عيسى على أبي جعفر عليه السلام بالمدينة لنودعه ، فقال لنا : لا تخرجا ، أقيما إلى غد ، قال : فلمّا خرجنا من عنده قال حماد : أنا أخرج فقد خرج ثقلي ! قلت : أمّا أنا فأقيم ، قال : فخرج حماد ، فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه ، وقبره بسيالة .

ص: 47

إنّهم لأطوع لنا منكم يا معشر الإنس

29 - بصائر الدرجات : إبراهيم بن وهب : خرجت وأنا أريد أبا الحسن بالعريض ، فانطلقت حتّى أشرفت على قصر بني سراة ، ثم انحدرت الوادي ، فسمعت صوتا لا أرى شخصه وهو يقول : يا أبا جعفر ، صاحبك خلف القصر عند السدة فأقرئه مني السلام ، فالتفت فلم أر أحدا ، ثم ردّ عليّ الصوت باللفظ الذي كان ، ثم فعل ذلك ثلاثا ، فاقشعر جلدي ، ثم انحدرت في الوادي حتّى أتيت قصد الطريق الذي خلف القصر ، ولم أطأ في القصر ، ثم أتيت السد نحو السمرات ، ثم انطلقت قصد الغدير ، فوجدت خمسين حيات روافع من عند الغدير ، ثم استمعت فسمعت كلاما ومراجعة ، فطفقت بنعلي ليسمع وطئي ، فسمعت أبا الحسن يتنحنح ، وتنحنحت وأجبته ، ثم هجمت فإذا حية متعلقة بساق شجرة ، فقال : لا تخشى ولا ضائر ، فرمت بنفسها ، ثم نهضت على منكبه ، ثم أدخلت رأسها في أذنه فأكثرت من الصفير ، فأجاب : بلى قد فصلت بينكم ، ولا يبغي خلاف ما أقول إلاّ ظالم ، ومن ظلم في دنياه فله عذاب النار في آخرته مع عقاب شديد أعاقبه إياه وآخذ ماله إن كان له حتّى يتوب ، فقلت : بأبي أنت وأمي ألكم عليهم طاعة ؟! فقال : نعم والذي أكرم محمدا صلى الله عليه و آله بالنبوة ، وأعز عليا عليه السلام بالوصية والولاية ، إنّهم لأطوع لنا منكم يا معشر الإنس « وَقَلِيلٌ ما هُمْ »(1) .

ص: 48


1- بيان : روافع - بالفاء والعين المهملة - : أي رافعة رؤوسها ، أو بالغين المعجمة ، من الرفغ : وهو سعة العيش ، أي مطمئنة غير خائفة ، أو بالقاف والمهملة : أي ملونة بألوان مختلفة ، وكأنّه تصحيف « رواتع » بالتاء والمهملة : أي ترتع حول الغدير . فطفقت بنعلي : أي شرعت أضرب به ، والظاهر بالصاد من الصفق : وهو الضرب يسمع له صوت . لا تخشي ولا ضائر : أي لا تخافي فإن الرجل لا يضرك ، وفي بعض النسخ : لا عسى ، وكأنه تصحيف . « وَقَلِيلٌ ما هُمْ » : أي المطيعون من الإنس أو من الجن في جنب غيرهم من المخلوقات .

لا تعد أبدا

30 - بصائر الدرجات : عن خالد الجوان قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام ، وهو في عرصة داره ، وهو يومئذ بالرميلة ، فلمّا نظرت إليه قلت : بأبي أنت وأمي يا سيدي ، مظلوم ، مغصوب ، مضطهد - في نفسي - ، ثم دنوت منه فقبّلت ما بين عينيه وجلست بين يديه ، فالتفت إليّ فقال : يا ابن خالد نحن أعلم بهذا الأمر فلا تتصور هذا في نفسك ، قال : قلت : جعلت فداك ، واللّه ما أردت بهذا شيئا ، قال : فقال : نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا ، لو أردنا أزف إلينا ، وإنّ لهؤاء القوم مدّة وغاية لابد من الانتهاء إليها ، قال : فقلت : لا أعود أصيّر في نفسي شيئا أبدا ، قال : فقال : لا تعد أبدا(1) .

من أهل السد أنت ؟!

31 - قصص الأنبياء عليهم السلام : عن أسود بن رزين القاضي قال : دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام ولم يكن رآني قط فقال : من أهل السد أنت ؟ فقلت : من أهل الباب ، فقال الثانية : من أهل السد ؟ قلت : من أهل الباب ، قال : من أهل السد أنت ؟! قلت : نعم ! قال : ذاك السد الذي عمله ذو القرنين .

إنّ الذي سمعت من البرّ

32 - بصائر الدرجات : عن بعض أصحابنا قال : دخلت على أبي الحسن الماضي عليه السلام وهو محموم ووجهه إلى الحائط ، فتناول بعض أهل بيته يذكره ،

ص: 49


1- بيان : قوله « في نفسي » متعلق بقوله « قلت » أي قلت في نفسي . وفي الخرايج : قلت في نفسي : مظلوم ، وفيه : لو أردناه لرد إلينا .

فقلت في نفسي : هذا خير خلق اللّه في زمانه يوصينا بالبر ويقول في رجل من أهل بيته هذا القول !! قال : فحول وجهه فقال : إنّ الذي سمعت من البرّ إنّي إذا قلت هذا

لم يصدقوا قوله ، وإن لم أقل هذا صدقوا قوله عليّ .

لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولكن إلينا

34 - بصائر الدرجات : عن هشام بن سالم قال : دخلت على عبد اللّه بن جعفر ، وأبو الحسن في المجلس قدّامه مرآة وآلتها ، مردى بالرداء موزرا ، فأقبلت على عبد اللّه ، فلم أزل أسائله حتّى جرى ذكر الزكاة ، فسألته فقال : تسألني عن الزكاة ! من

كانت عنده أربعون درهما ففيها درهم ، قال : فاستشعرته وتعجبت منه ، فقلت له : أصلحك اللّه ، قد عرفت مودّتي لأبيك وانقطاعي إليه ، وقد سمعت منه كتبا فتحب أن آتيك بها ؟ قال : نعم ، بنو أخ ائتنا ، فقمت مستغيثا برسول اللّه ، فأتيت القبر فقلت : يا رسول اللّه ، إلى من ؟ إلى القدرية ! إلى الحرورية ! إلى المرجئة ! إلى الزيدية ؟! قال : فإنّي كذلك ، إذ أتاني غلام صغير دون الخمس ، فجذب ثوبي فقال لي : أجب ، قلت : من ؟ قال : سيدي موسى بن جعفر ، فدخلت إلى صحن الدار ، فإذا هو في بيت وعليه كلّة ، فقال : يا هشام ! قلت : لبيك ، فقال لي : لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ، ولكن إلينا ، ثم دخلت عليه .

يتنوّر الرجل وهو جنب ؟

35 - بصائر الدرجات : عن علي بن يقطين قال : أردت أن أكتب إليه أسأله يتنوّر الرجل وهو جنب ؟ قال : فكتب إليّ ابتداء : النورة تزيد الجنب نظافة ، ولكن لا يجامع الرجل مختضب ،ا ولا تجامع مرأة مختضبة .

ص: 50

أنت صاحبي

36 - بصائر الدرجات : عن هشام بن سالم قال : لما دخلت إلى عبد اللّه بن أبي عبد اللّه فسألته ، فلم أر عنده شيئا ، فدخلني من ذلك ما اللّه به عليم ، وخفت

أن لا يكون أبو عبد اللّه عليه السلام ترك خلفا ! فأتيت قبر النبي صلى الله عليه و آله ، فجلست عند رأسه أدعو اللّه وأستغيث به ، ثم فكرت فقلت : أصير إلى قول الزنادقة ! ثم فكرت فيما يدخل عليهم ، ورأيت قولهم يفسد ، ثم قلت : لا بل قول الخوارج ! فآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأضرب بسيفي حتّى أموت ، ثم فكرت في قولهم وما يدخل عليهم فوجدته يفسد ، ثم قلت : أصير إلى المرجئة ! ثم فكرت فيما يدخل عليهم ، فإذا قولهم يفسد ، فبينا أنا أفكر في نفسي وأمشي ، إذ مرّ بي بعض موالي أبي عبد اللّه عليه السلامفقال لي : أتحبّ أن أستأذن لك على أبي الحسن عليه السلام ؟ فقلت : نعم ، فذهب فلم يلبث أن عاد إليّ فقال : قم وادخل عليه ، فلمّا نظر إليّ أبو الحسن عليه السلامفقال لي مبتدئا : يا هشام ، لا إلى الزنادقة ، ولا إلى الخوارج ، ولا إلى المرجئة ، ولا إلى القدرية ، ولكن إلينا ! قلت : أنت صاحبي ، ثم سألته فأجابني عما أردت .

اذهب واطلب المعرفة

37 - بصائر الدرجات : عن محمد بن فلان الرافعي قال : كان لي ابن عم يقال له « الحسن بن عبد اللّه » ، وكان زاهدا ، وكان من أعبد أهل زمانه ، وكان يلقاه السلطان ، وربما استقبل السلطان بالكلام الصعب ، يعظه ويأمر بالمعروف ، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه ، فلم يزل هذه حاله حتّى كان يوما دخل أبو الحسن موسى عليه السلام المسجد ، فرآه فأدنى إليه ، ثم قال له : يا أبا علي ما أحبّ إليّ ما

ص: 51

أنت فيه وأسرني بك إلاّ أنّه ليست لك معرفة ، فاذهب فاطلب المعرفة ، قال : جعلت فداك ، وما المعرفة ؟ قال له : اذهب وتفقّه واطلب الحديث ، قال : عمن ؟ قال : عن أنس بن مالك وعن فقهاء أهل المدينة ، ثم اعرض الحديث عليّ ، قال : فذهب فتكلّم معهم ، ثم جاءه فقرأه عليه ، فأسقطه كلّه ، ثم قال له : اذهب واطلب المعرفة ، وكان الرجل معنيا بدينه ، فلم يزل يترصد أبا الحسن حتّى خرج إلى ضيعة له ، فتبعه ولحقه في الطريق فقال له : جعلت فداك ، إنّي أحتجّ عليك بين يدي اللّه ، فدلني على المعرفة ، قال : فأخبره بأمير المؤنين عليه السلام وقال له : كان أمير المؤنين بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخبره بأمر أبي بكر وعمر ، فقبل منه ، ثم قال : فمن كان بعد أمير المؤنين عليه السلام

؟ قال : الحسن ، ثم الحسين عليه السلام ، حتّى انتهى إلى نفسه عليه السلام

، ثم سكت ، قال : جعلت فداك ، فمن هو اليوم ؟ قال : إن أخبرتك تقبل ؟ قال : بلى ، جعلت فداك ، فقال : أنا هو ! قال : جعلت فداك ، فشيء أستدل به ! قال : اذهب إلى تلك الشجرة - وأشار إلى أم غيلان - فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي ، قال : فأتيتها ، قال : فرأيتها - واللّه - تجب الأرض جبوبا حتّى وقفت بين يديه ، ثم أشار إليها فرجعت ، قال : فأقرّ به ، ثم لزم السكوت ، فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك ، وكان من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة ويُرى له ، ثم انقطعت عنه الرؤا ، فرأى ليلة أبا عبد اللّه عليه السلام فيما يرى النائم فشكا إليه انقطاع الرؤا ، فقال : لا تغتم فإن المؤن إذا رسخ في الإيمان رفع عنه الرؤا(1) .

ص: 52


1- بيان : معنيا بفتح الميم وسكون العين وتشديد الياء : أي ذا عناية واهتمام بدينه ، قوله « تجب الأرض جبوبا » كذا في البصائر ، وفي سائر الكتب « تخد الأرض خدا » ، والجب : القطع ، والخد : إحداث الحفرة المستطيلة في الأرض .

لا بأس إن لم يكن في عمرها قلّة !

38 - بصائر الدرجات : عن هشام قال : أردت شرى جارية بثمن ، وكتبت إلى

أبي الحسن عليه السلام أستشيره في ذلك ، فأمسك فلم يجبني ، فإنّي من الغد عند مولى الجارية إذ مرّ بي ، وهي جالسة عند جوار ، فصرت بتجربة الجارية ، فنظر إليها ، قال : ثم رجع إلى منزله ، فكتب إليّ : لا بأس إن لم يكن في عمرها قلّة ! قال : فأمسك عن شرائها ، فلم أخرج من مكة حتّى ماتت .

يا عبد الرحمن خرّق الكتاب

39 - بصائر الدرجات : عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : استقرض أبو الحسن عليه السلام عن شهاب بن عبد ربّه ، قال : وكتب كتابا ووضع على يدي عبد الرحمن بن الحجاج وقال : إن حدث بي حدث فخرقه ، قال عبد الرحمن : فخرجت من مكة ، فلقيني أبو الحسن عليه السلام ، فأرسل إليّ بمنى فقال لي : يا عبد الرحمن خرّق الكتاب ، قال : ففعلت ، وقدمت الكوفة ، فسألت عن شهاب ، فإذا هو قد مات في وقت لم يمكن فيه بعث الكتاب .

وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته !

40 - بصائر الدرجات : عن إسحاق بن عمار قال : سمعت العبد الصالح أبا

الحسن عليه السلام ينعى إلى رجل نفسه ، فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ! فقال شبه المغضب : يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا ، فالإمام أولى بذلك .

ص: 53

41 - بصائر الدرجات : عن خالد قال : كنت مع أبي الحسن بمكة فقال : من هاهنا من أصحابكم ؟ فعددت عليه ثمانية أنفس ، فأمر بإخراج أربعة وسكت عن أربعة ، فما كان إلاّ يومه ومن الغد حتّى مات الأربعة فسلموا .

42 - بصائر الدرجات : عن خالد بن نجيح عن أبي الحسن عليه السلام قال : قال لي افرغ فيما بينك وبين من كان له معك عمل - في سنة أربع وسبعين ومائة - حتّى يجيئك كتابي وانظر ما عندك فابعث به إليّ ولا تقبل من أحد شيئا ، وخرج إلى المدينة وبقي خالد بمكة خمسة عشر يوما ثم مات .

43 - بصائر الدرجات: عن إسحاق قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ، ودخل عليه رجل، فقال له أبو الحسن : يا فلان إنّك تموت إلى شهر ، قال : فأضمرت في نفسي كأنّه يعلم آجال

شيعته ؟ ! قال : فقال : يا إسحاق ، وما تنكرون من ذلك ؟ ! وقد كان رشيد الهجري مستضعفا ، وكان يعلم علم المنايا والبلايا ! فالإمام أولى بذلك ! ثم قال : يا إسحاق ، تموت إلى سنتين ، ويتشتت أهلك وولدك وعيالك وأهل بيتك ، ويفلسون إفلاسا شديدا .

44 - بصائر الدرجات : عن عثمان بن عيسى عن الحارث بن المغيرة النضري قال : دخلت على أبي الحسن سنة الموت بمكة ، وهي سنة أربع وسبعين ومائة ، فقال لي : من هاهنا من أصحابكم مريض ؟ فقلت : عثمان بن عيسى من أوجع الناس ، فقال : قل له يخرج ، ثم قال : من هاهنا ؟ فعددت عليه ثمانية ، فأمر بإخراج أربعة وكفّ عن أربعة ، فما أمسينا من غد حتّى دفنّا الأربعة الذين كفّ عن إخراجهم ، فقال عثمان : وخرجت أنا فأصبحت معافى .

هل لك أن أحييها لك ؟ !

45 - بصائر الدرجات : عن علي بن المغيرة قال : مرّ العبد الصالح عليه السلام بامرأة بمنى ، وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون ، وقد ماتت بقرة لها ، فدنا منها ثم قال لها :

ص: 54

ما يبكيك ، يا أمة اللّه ؟ قالت : يا عبد اللّه ، إنّ لي صبيانا أيتاما ، فكانت لي بقرة ، معيشتي ومعيشة صبياني كان منها ، فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ، ولا حيلة لنا ، فقال لها : يا أمة اللّه ، هل لك أن أحييها لك ؟ ! قال : فألهمت أن قالت : نعم ، يا عبد اللّه ، قال : فتنحّى ناحية ، فصلّى ركعتين ، ثم رفع يديه يمنة وحرك شفتيه ، ثم

قال : فمرّ بالبقرة فنخسها نخسا ، أو ضربها برجله ، فاستوت على الأرض قائمة ، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحت : عيسى ابن مريم وربّ الكعبة ، قال : فخالط الناس وصار بينهم ، ومضى بينهم ، صلّى اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين .

تكلّم بعدة لغات

46 - بصائر الدرجات : عن معتب : أنّ أبا الحسن الأول عليه السلام لم يكن يرى له ولد ، فأتاه يوما إسحاق ومحمد أخواه ، وأبو الحسن يتكلّم بلسان ليس بعربي ، فجاء غلام سقلابي فكلمه بلسانه ، فذهب فجاء بعلي ابنه ، فقال لإخوته : هذا علي ابني فضموه إليه واحدا بعد واحد فقبلوه ، ثم كلّم الغلام بلسانه ، فحمله فذهب فجاء بإبراهيم ، فقال : ابني ، ثم كلّمه بكلام ، فحمله فذهب ، فلم يزل يدعو بغلام بعد غلام

ويكلّمهم حتّى جاء خمسة أولاد ، والغلمان مختلفون في أجناسهم وألسنتهم .

إنّ هذا الحمام هدر على هذه الحمامة

47 - بصائر الدرجات : عن علي بن أبي حمزة قال : دخل رجل من موالي أبي الحسن عليه السلام فقال : جعلت فداك ، أحبّ أن تتغدّى عندي ! فقام أبو الحسن عليه السلام

حتّى مضى معه ، فدخل البيت ، فإذا في البيت سرير ، فقعد على السرير ، وتحت السرير زوج حمام ، فهدر الذكر على الأنثى ، وذهب الرجل ليحمل الطعام ،

ص: 55

فرجع وأبو الحسن عليه السلام يضحك ! فقال : أضحك اللّه سنك ، بم ضحكت ؟ فقال : إنّ هذا الحمام هدر على هذه الحمامة ، فقال لها : يا سكني وعرسي ، واللّه ما على وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ، ما خلا هذا القاعد على السرير ! قال : قلت : جعلت فداك ، وتفهم كلام الطير ؟ ! فقال : نعم « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » .

حمحم الفرس ، فضحك عليه السلام وقال اذهب

48 - بصائر الدرجات : عن أحمد بن هارون بن موفق - وكان هارون بن موفق

مولى أبي الحسن - قال : أتيت أبا الحسن لأسلم عليه فقال لي : اركب ندور في أموالنا ، فأتيت فازة لي قد ضربت على جدول ماء كان عنده خضرة ، فاستنزه ذلك ، فضربت له الفازة ، فجلست حتّى أتى على فرس له ، فقبّلت فخذه ، ونزل فأمسكت ركابه ، وأهويت لآخذ العنان ، فأبى وأخذه هو ، وأخرجه من رأس الدابة وعلقه في طنب من أطناب الفازة ، فجلس وسألني عن مجيئي ، وذلك عند المغرب ، فأعلمت بمجيئي من القصر ، إلى أن حمحم الفرس ، فضحك عليه السلام ونطق بالفارسية ، وأخذ بعرفها فقال : اذهب قبل ، فرفع رأسه فنزع العنان ، ومرّ يتخطّى الجداول والزرع إلى براح حتّى بال ورجع ، فنظر إليّ فقال : إنّه لم يعط داود وآل داود شيئا إلاّ وقد أعطي

محمد وآل محمد أكثر منه(1) .

خرج يشكو عسر الولادة على لبوته

49 - المناقب لابن شهرآشوب ، الإرشاد ، الخرائج والجرائح : البطائني قال : خرج موسى بن جعفر عليه السلام في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له ، خارجة عنها ،

ص: 56


1- بيان : الفازة : مظلة بعمودين ، قوله « فاستنزه » أي وجده عليه السلام نزها ، ولعلّه رآه ومضى ثم رجع ، ولا يبعد أن يكون تصحيف « فاستنزهت » ، والحمحمة : صوت البرذون عند الشعير .

فصحبته ، وكان راكبا بغلة وأنا على حمار ، فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد ، فأحجمت خوفا ، وأقدم أبو الحسن غير مكترث به ، فرأيت الأسد يتذلّل لأبي الحسن ويهمهم ، فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته ، ووضع الأسد يده على كفل بغلته ، وخفت من ذلك خوفا عظيما ، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق ، وحول أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ، ثم حرك شفتيه بما لم أفهمه ، ثم أومأ إلى الأسد بيده أن امض ، فهمهم الأسد همهمة طويلة ، وأبو الحسن يقول : آمين آمين ، وانصرف الأسد حتّى غاب عن أعيننا ، ومضى أبو الحسن لوجهه واتبعته ، فلمّا بعدنا عن الموضع لحقته فقلت : جعلت فداك ، ما شأن هذا الأسد ؟ فلقد خفته - واللّه - عليك ، وعجبت من شأنه معك ! قال : إنّه خرج يشكو عسر الولادة على لبوته ، وسألني أن أدعو اللّه ليفرج عنها ، ففعلت ذلك ، وألقي في روعي أنّها ولدت له

ذكرا ، فخبّرته بذلك ، فقال لي : امض في حفظ اللّه فلا سلط اللّه عليك وعلى ذريتك

وعلى أحد من شيعتك شيئا من السباع ، فقلت : آمين(1) .

ما منعك أن تلقى ابني موسى فتسأله ؟

50 - المناقب لابن شهرآشوب : روي عن عيسى شلقان قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطاب ، فقال لي مبتدئا من قبل أن أجلس : ما منعك أن تلقى ابني موسى فتسأله عن جميع ما تريد ؟ قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح عليه السلام ، وهو قاعد في الكتاب وعلى شفتيه أثر المداد ، فقال لي مبتدئا : يا عيسى إنّ اللّه أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلم يتحولوا عنها ، وأخذ

ميثاق الوصيين على الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا ، وإنّ قوما إيمانهم عارية ، وإنّ أبا

الخطاب ممن أعير الإيمان ، فسلبه اللّه إياه ، فضممته إليّ وقبّلت ما بين عينيه وقلت :

ص: 57


1- بيان : أحجم عنه : كفّ ، أو نكص هيبة ، واللبوة : أنثى الأسد .

ذرية بعضها من بعض ، ثم رجعت إلى الصادق عليه السلام فقال : ما صنعت ؟ قلت : أتيته فأخبرني مبتدئا من غير أن أسأله عن جميع ما أردت ، فعلمت عند ذلك أنّه صاحب هذا الأمر ، فقال : يا عيسى إنّ ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم ، ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب .

بحقّي عليك لما كففت عن الأخرس

51 - المناقب لابن شهرآشوب ، الخرائج الجرائح : روي عن أحمد بن عمر الحلال قال : سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر بسوء ، فاشتريت سكينا وقلت في نفسي : واللّه لأقتلنه إذا خرج للمسجد ، فأقمت على ذلك ، وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن قد طلعت عليّ فيها : بحقّي عليك لما كففت عن الأخرس ، فإن اللّه يغني وهو حسبي ، فما بقي أيام إلاّ مات .

سيأتيكم ريح سوداء مظلمة تطرح بعض الإبل

52 - الخرائج والجرائح : روى إسماعيل بن موسى قال : كنّا مع أبي الحسن في عمرة ، فنزلنا بعض قصور الأمراء ، فأمر بالرحلة ، فشدت المحامل ، وركب بعض العيال ، وكان أبو الحسن في بيت ، فخرج فقام على بابه فقال : حطوا ، حطوا ، قال إسماعيل : وهل ترى شيئا ؟ قال : إنّه سيأتيكم ريح سوداء مظلمة تطرح بعض الإبل ، فجاءت ريح سوداء ، فأشهد لقد رأيت جملنا عليه كنيسة ، كنت أركب أنا فيها وأحمد أخي ، ولقد قام ثم سقط على جنبه بالكنيسة .

يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدراعة

53 - الخرائج والجرائح : روى عن ابن يقطين قال : كنت واقفا عند هارون

ص: 58

الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم ، وكان فيها دراعة ديباج سوداء منسوجة بالذهب ، لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها فوهبها لي ، وبعثتها إلى أبي إبراهيم عليه السلام ، ومضت عليها برهة تسعة أشهر ، وانصرفت يوما من عند هارون بعد أن تغديت بين يديه ، فلمّا دخلت داري قام إليّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يده ، وكتاب لطيف ختمه رطب ، فقال : أتاني بهذا رجل الساعة ! فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ، ففضضت الكتاب وإذا به كتاب مولاي أبي إبراهيم عليه السلام ، وفيه : يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدراعة وقد بعثت بها إليك ، فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها و عرفتها ، ودخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤنين ، قلت : أي شيء حدث ؟ قال : لا أدري ، فركبت ودخلت عليه ، وعنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه ، فقال : ما فعلت الدراعة التي وهبتك ؟ قلت : خلع أمير المؤنين عليّ كثيرة من دراريع وغيرها ، فعن أيّها يسألني ؟ قال : دراعة الديباج السوداء الرومية المذهبة ! فقلت : ما عسى أن أصنع بها ؟! ألبسها في أوقات ،

وأصلّي فيها ركعات ، وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤنين الساعة لألبسها ، فنظر إلى عمر بن بزيع فقال : قل يحضرها ، فأرسلت خادمي جاء بها ، فلمّا رآها قال : يا عمر ، ما ينبغي أن تنقل على علي بعد هذا شيئا ! قال : فأمر

لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدراعة إلى داري ، قال علي بن يقطين : وكان الساعي ابن عم لي ، فسود اللّه وجهه وكذبه والحمد للّه .

يا عيسى ارجع إلى متاعك فقد انهدم بيتك

54 - الخرائج والجرائح : روي عن عيسى المدائني قال : خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها ، ثم قلت : أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكة فهو أعظم لثوابي ، فقدمت المدينة ، فنزلت طرف المصلّى إلى جنب دار أبي ذر ، فجعلت أختلف إلى سيدي ،

ص: 59

فأصابنا مطر شديد بالمدينة ، فأتيت أبا الحسن عليه السلام مسلما عليه يوما ، وإنّ السماء تهطل ، فلمّا دخلت ابتدأني فقال لي : وعليك السلام ، يا عيسى ارجع ، فقد انهدم بيتك ، إلى متاعك ، فانصرفت راجعا ، فإذا البيت قد انهار ، واستعملت عملة فاستخرجوا متاعي كلّه ، ولا افتقدته غير سطل كان لي ، فلمّا أتيته بالغد مسلما عليه

قال : هل فقدت من متاعك شيئا فندعو اللّه لك بالخلف ؟ قلت : ما فقدت شيئا ما خلا سطلا كان لي أتوضأ منه فقدته ، فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه إليّ فقال : قد ظننت أنّك أنسيت السطل ، فسل جارية ربّ الدار عنه ، وقل لها : أنت رفعت السطل في الخلأ فردّيه ، فإنّها ستردّه عليك ، فلمّا انصرفت أتيت جارية ربّ الدار فقلت : إنّي

نسيت السطل في الخلأ فردّيه عليّ أتوضأ به ، فردّت عليّ سطلي .

يا جندب أعظم اللّه لك أجرك في أخيك

55 - الخرائج والجرائح : روي أنّ علي بن أبي حمزة قال : كنت عند موسى بن جعفر عليه السلام إذ أتاه رجل من أهل الري ، يقال له « جندب » ، فسلّم عليه وجلس وساءله أبو الحسن عليه السلام ، وأحسن السؤل به ، ثم قال له : يا جندب ، ما فعل أخوك ؟ قال له : بخير ، وهو يقرئك السلام ، فقال : يا جندب ، أعظم اللّه لك أجرك في أخيك ،

فقال : ورد كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوما بالسلامة ، فقال : إنّه - واللّه - مات بعد كتابه بيومين ، ودفع إلى امرأته مالا وقال : ليكن هذا المال عندك ، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه ، وقد أودعته الأرض في البيت الذي كان يكون فيه ، فإذا أنت أتيتها فتلطّف لها وأطمعها في نفسك ، فإنّها ستدفعه إليك . قال علي بن أبي حمزة : وكان جندب رجلا كبيرا جميلا ، قال : فلقيت جندبا بعد ما فقد أبو الحسن عليه السلام ، فسألته عما قال له ؟ فقال : صدق - واللّه - سيدي ، ما زاد ولا نقص لا في الكتاب ولا في المال .

ص: 60

أخرج المرأة التي معك في البيت ولا تمسها

56 - الخرائج والجرائح : روى ابن أبي حمزة قال : كان رجل من موالي أبي

الحسن لي صديقا ، قال : خرجت من منزلي يوما ، فإذا أنا بامرأة حسناء جميلة ، ومعها أخرى ، فتبعتها فقلت لها : تمتعيني نفسك ؟! فالتفتت إليّ وقالت : إن كان لنا عندك جنس فليس فينا مطمع ، وإن لم يكن لك زوجة فامض بنا ! فقلت : لك عندنا جنس ، فانطلقت معي حتّى صرنا إلى باب المنزل ، فدخلت ، فلمّا أن خلعت فرد خف وبقي الخف الآخر تنزعه إذا قارع يقرع الباب ، فخرجت ، فإذا أنا بموفق فقلت له : ما وراك ؟ قال : خير ، يقول أبو الحسن : أخرج هذه المرأة التي معك في البيت ولا تمسها ، فدخلت فقلت لها : البسي خفيك يا هذه واخرجي ، فلبست خفها وخرجت ، فنظرت إلى موفق بالباب فقال : سد الباب ، فسددته ، فو اللّه ما جاءت له غير بعيد ، وأنا وراء الباب أستمع وأتطلع حتّى لقيها رجل مستعر ، فقال لها : ما لك خرجت سريعا ؟ ألست قلت : لا تخرجي ؟! قالت : إنّ رسول الساحر جاء يأمره أن يخرجني فأخرجني ! قال : فسمعته يقول : أولى له ، وإذا القوم طمعوا في مال عندي ، فلمّا كان العشاء عدت إلى أبي الحسن ، قال : لا تعد ، فإنّ تلك امرأة

من بني أمية ، أهل بيت لعنة ، إنّهم كانوا بعثوا أن يأخذوها من منزلك ، فاحمد اللّه

الذي صرفها ، ثم قال لي أبو الحسن : تزوج بابنة فلان ، وهو مولى أبي أيوب البخاري ، فإنّها امرأة قد جمعت كلّ ما تريد من أمر الدنيا والآخرة ، فتزوجت فكان كما قال عليه السلام(1) .

ص: 61


1- بيان : قوله « مستعر » من استعر النار أي التهب ، وهو كناية عن العزم على الشرّ والفساد .

يا عبد اللّه قد حبستني

57 - الخرائج والجرائح : روي أنّ علي بن أبي حمزة قال : بعثني أبو الحسن في حاجة ، فجئت وإذا معتب على الباب ، فقلت : أعلم مولاي بمكاني ، فدخل معتب ، ومرّت بي امرأة ، فقلت : لولا أن معتبا دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتبعت هذه المرأة فتمتعت بها ، فخرج معتب فقال : ادخل ، فدخلت عليه ، وهو على مصلّى تحته مرفقة ، فمد يده وأخرج من تحت المرفقة صرّة فناولنيها وقال : الحق المرأة فإنّها على دكان العلاف [ بالبقيع تنتظرك ، فأخذت الدراهم ، وكنت اذا قال لي شيئا لا اراجعه ، فأتيت البقيع فاذا المرأة على دكان العلاف ] تقول : يا عبد اللّه قد حبستني ، قلت : أنا ؟ ! قالت : نعم ، فذهبت بها وتمتعت بها .

ادفع إلى بكار قيمة ما ذهب من حانوته أربعين دينارا

58 - الخرائج والجرائح : عن بكار القمي قال : حججت أربعين حجة ، فلمّا كان في آخرها أصبت بنفقتي ، فقدمت مكة فأقمت حتّى يصدر الناس ثم أصير إلى المدينة ، فأزور رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنظر إلى سيدي أبي الحسن موسى عليه السلام ، وعسى أن أعمل عملا بيدي فأجمع شيئا ، فأستعين به على طريقي إلى الكوفة ، فخرجت حتّى صرت إلى المدينة ، فأتيت رسول اللّه فسلمت عليه ، ثم جئت إلى المصلّى إلى الموضع الذي يقوم فيه العملة ، فقمت فيه رجاء أن يسبب اللّه لي عملا أعمله ، فبينما

أنا كذلك إذا أنا برجل قد أقبل ، فاجتمع حوله الفعلة ، فجئت فوقفت معهم ، فذهب بجماعة ، فاتبعته فقلت : يا عبد اللّه ، إنّي رجل غريب رأيت أن تذهب بي معهم فتستعملني ، قال : أنت من أهل الكوفة ؟ قلت : نعم ، قال : اذهب ، فانطلقت معه إلى دار كبيرة تبنى جديدة ، فعملت فيها أياما ، وكنّا لا نعطى من أسبوع إلى أسبوع إلاّ يوما واحدا ، وكان العمال لا يعملون ، فقلت للوكيل : استعملني عليهم حتّى

ص: 62

أستعملهم وأعمل معهم ، فقال : قد استعملتك ، فكنت أعمل وأستعملهم ، قال : فإنّي لواقف ذات يوم على السلّم إذ نظرت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قد أقبل ، وأنا في السلّم في الدار ، ثم رفع رأسه إليّ فقال : بكار جئتنا انزل ، فنزلت ، قال : فتنحّى

ناحية فقال لي : ما تصنع هاهنا ؟ فقلت : جعلت فداك ، أصبت بنفقتي بجمع فأقمت إلى صدور الناس ، ثم إنّي صرت إلى المدينة ، فأتيت المصلّى فقلت : أطلب عملا ، فبينما أنا قائم إذ جاء وكيلك فذهب برجال ، فسألته أن يستعملني كما يستعملهم ، فقال لي : قم يومك هذا .

فلمّا كان من الغد ، وكان اليوم الذي يعطون فيه ، جاء فقعد على الباب ، فجعل يدعو الوكيل برجل رجل يعطيه كلّما ذهبت لأدنو قال لي بيده كذا ، حتّى إذا كان في آخرهم قال : إليّ ادن ، فدنوت فدفع إليّ صرّة فيها خمسة عشر دينارا ، قال لي : خذ هذه نفقتك إلى الكوفة ، ثم قال : اخرج غدا ، قلت : نعم ، جعلت فداك ، ولم أستطع أن أردّه ، ثم ذهب وعاد إليّ الرسول فقال : قال أبو الحسن : ائتني غدا قبل أن تذهب ، فلمّا كان من الغد أتيته فقال : اخرج الساعة حتّى تصير إلى فيد ، فإنّك توافق قوما يخرجون إلى الكوفة ، وهاك هذا الكتاب فادفعه إلى علي بن أبي حمزة .

قال : فانطلقت ، فلا واللّه ما تلقاني خلق حتّى صرت إلى فيد ، فإذا قوم قد تهيئوا للخروج إلى الكوفة من الغد ، فاشتريت بعير واصحبتهم إلى الكوفة ، فدخلتها ليلا ، فقلت : أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه ثم أغدو بكتاب مولاي إلى علي بن أبي حمزة ، فأتيت منزلي ، فأخبرت أنّ اللصوص دخلوا حانوتي قبل قدومي بأيام ، فلمّا أن أصبحت صلّيت الفجر ، فبينما أنا جالس متفكّر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع الباب ، فخرجت فإذا علي بن أبي حمزة ، فعانقته وسلّم عليّ ثم قال لي : يا بكار ، هات كتاب سيدي ! قلت : نعم ، كنت على المجيء إليك الساعة ، قال :

ص: 63

هات ، قد علمت أنّك قدمت ممسيا ، فأخرجت الكتاب فدفعته إليه ، فأخذه وقبّله ووضعه على عينيه وبكى ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : شوقا إلى سيدي ، ففكه وقرأه ، ثم رفع رأسه وقال : يا بكار ، دخل عليك اللصوص ؟ قلت : نعم ، [ قال : ]فأخذوا ما في حانوتك ؟ قلت : نعم ، قال : إنّ اللّه قد أخلف عليك ، قد أمرني مولاك ومولاي أن

أخلف عليك ما ذهب منك ، وأعطاني أربعين دينارا .

قال : فقوّمت ما ذهب فإذا قيمته أربعون دينارا ، ففتح علي الكتاب وقال : فيه : ادفع إلى بكار قيمة ما ذهب من حانوته أربعين دينارا .

يسألني أن أكلّفه حاجة وهو ميت في هذه الليلة

59 - الخرائج والجرائح : روي أنّ إسحاق بن عمار قال : لما حبس هارون أبا الحسن موسى عليه السلام دخل عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد الأمرين ، إمّا أن نساويه أو نشكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكّلا من قبل السندي بن شاهك فقال : إن نوبتي قد انقضت ، وأنا على الانصراف ، فإن كان لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة ! فقال : ما لي حاجة ، فلمّا أن خرج قال لأبي يوسف : ما أعجب هذا يسألني أن أكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع وهو ميت في هذه الليلة ! فقاما فقال أحدهما للآخر : إن جئنا لنسأله عن الفرض والسنة وهو الآن جاء بشيء آخر ، كأنّه من علم الغيب ، ثم بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتّى تلزمه وتنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة وتأتينا بخبره من الغد ، فمضى الرجل فنام في مسجد في باب داره ، فلمّا أصبح سمع الواعية ، ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة ، فانصرف إلى أبي يوسف

ص: 64

ومحمد وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن عليه السلام فقالا : قد علمنا أنّك أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك أنّه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا ردّ عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا(1) .

أبو بصير : فقد علم أنّي ميت

60 - الخرائج والجرائح : عن إسحاق بن عمار : أنّ أبا بصير أقبل مع أبي الحسن موسى من مكة يريد المدينة ، فنزل أبو الحسن في الموضع الذي يقال له « زبالة » بمرحلة ، فدعا بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وكان تلميذا لأبي بصير ، فجعل يوصيه بوصية بحضرة أبي بصير ويقول : يا علي ، إذا صرنا إلى الكوفة تقدّم في كذا ، فغضب أبو بصير ، وخرج من عنده فقال : لا واللّه ، ما أعجب ما أرى هذا الرجل أن أصحبه منذ حين ثم تخطاني بحوائجه إلى بعض غلماني ، فلمّا كان من الغد حمّ أبو بصير بزبالة ، فدعا بعلي بن أبي حمزة فقال لي : أستغفر اللّه مما حلّ في صدري من مولاي ، ومن سوء ظني به ، فقد علم أنّي ميت ، وإنّي لا ألحق الكوفة ، فإذا أنا متّ فافعل كذا ، وتقدم في كذا ، فمات أبو بصير في زبالة .

إن كنت صاحب هذا الأمر فهلمّ يدك فأدخلها النار

61 - الخرائج والجرائح : روي أنّ هشام بن الحكم قال : لما مضى أبو عبد اللّه وادعى الإمامة عبد اللّه بن جعفر ، وأنّه أكبر من ولده ، دعاه موسى بن جعفر عليه السلام

ص: 65


1- بيان : نشكله : أي نشبهه وإن لم نكن مثله .

وقال : يا أخي إن كنت صاحب هذا الأمر فهلمّ يدك فأدخلها النار ، وكان حفر حفيرة وألقى فيها حطبا وضربها بنفط ونار ، فلم يفعل عبد اللّه ، وأدخل أبو الحسن يده في تلك الحفيرة ، ولم يخرجها من النار إلاّ بعد احتراق الحطب ، وهو يمسحه .

أنعى إليك نفسي في ليالي هذه

62 - الخرائج والجرائح : روي أنّ علي بن مؤد قال : خرج إليه عن أبي الحسن موسى عليه السلام : سألتني عن أمور كنت منها في تقية ومن كتمانها في سعة ، فلمّا انقضى سلطان الجبابرة ، ودنا سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم ، رأيت أن أفسّر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم ، فاتق اللّه واكتم ذلك إلاّ من أهله ، واحذر أن تكون

سبب بلية على الأوصياء ، أو حارشا عليهم في إفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء اللّه ، إن أول ما أنهي عليك أن أنعى إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قضى اللّه وقدر وحتم ، في كلام كثير ، ثم إنّه عليه السلام مضى في أيامه هذه .

السلطان سلطاننا كرامة من اللّه

63 - الخرائج والجرائح : روي عن صالح بن واقد الطبري قال : دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فقال : يا صالح إنّه يدعوك الطاغية - يعني هارون - فيحبسك في محبسه ، ويسألك عني فقل : إنّي لا أعرفه ، فإذا صرت إلى محبسه فقل : من أردت أن تخرجه فأخرجه بإذن اللّه - تعالى - ، قال صالح : فدعاني هارون

من طبرستان فقال : ما فعل موسى بن جعفر ، فقد بلغني أنّه كان عندك ؟ فقلت : ما يدريني من موسى بن جعفر ، أنت يا أمير المؤنين أعرف به وبمكانه ، فقال :

ص: 66

اذهبوا به إلى الحبس ، فواللّه إنّي لفي بعض الليالي قاعد وأهل الحبس نيام إذا أنا به يقول : يا صالح ، قلت : لبيك ، قال : صرت إلى هاهنا ؟ فقلت : نعم يا سيدي ، قال : قم

فاخرج واتبعني ، فقمت وخرجت ، فلمّا صرنا إلى بعض الطريق قال : يا صالح السلطان سلطاننا كرامة من اللّه أعطاناها ، قلت : يا سيدي فأين أحتجز من هذا الطاغية ؟ ! قال : عليك ببلادك فارجع إليها ، فإنّه لن يصل إليك ، قال صالح : فرجعت

إلى طبرستان ، فواللّه ما سأل عني ولا درى أ حبسني أم لا ؟ !

هاك دينارك إنّما بعث إلينا وزنا لا عددا

64 - الخرائج والجرائح : روي عن الأصبغ بن موسى قال : حملت دنانير إلى

موسى بن جعفر عليه السلام ، بعضها لي وبعضها لإخواني ، فلمّا دخلت المدينة أخرجت الذي لأصحابي فعددته ، فكان تسعة وتسعين دينارا ، فأخرجت من عندي دينارا فأتممتها مائة دينار ، فدخلت فصببتها بين يديه ، فأخذ دينارا من بينها ثم قال : هاك

دينارك إنّما بعث إلينا وزنا لا عددا .

جلس في وسط النار وأقبل يحدّث الناس

65 - الخرائج والجرائح : روي عن المفضل بن عمر قال : لمّا قضى الصادق عليه السلام وكانت وصيته في الإمامة إلى موسى الكاظم ، فادعى أخوه عبد اللّه الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك ، وهو المعروف ب-« الأفطح » ، فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ، ومع موسى جماعة من وجوه الإمامية ، وجلس إليه أخوه عبد اللّه أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب كلّه ، فاحترق كلّه ، ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمرا ، ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار ، وأقبل يحدّث

ص: 67

الناس ساعة ، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس فقال لأخيه عبد اللّه : إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس ، فقالوا : فرأينا عبد اللّه قد تغير

لونه ، فقام يجر رداءه حتّى خرج من دار موسى عليه السلام .

إنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟ !

66 - الخرائج والجرائح : روي عن منصور قال : سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول ناعيا إلى رجل من الشيعة نفسه ، فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟ ! فالتفت إليّ فقال : اصنع ما أنت صانع ، فإنّ عمرك قد فني وقد بقي منه دون سنتين ، وكذلك أخوك ، ولا يمكث بعدك إلاّ شهرا واحدا حتّى يموت ، وكذلك عامة أهل بيتك ، ويتشتت كلّهم ويتفرق جمعهم ، ويشمت بهم أعداؤم ، وهم يصيرون رحمة لإخوانهم ، أكان هذا في صدرك ؟ فقلت : أستغفر اللّه مما في صدري ، فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات ، ومات بعده بشهر أخوه ، ومات عامة أهل بيته ، وأفلس بقيتهم ، وتفرقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصدقة .

67 - الكافي : عن إسحاق بن عمار قال : سمعت العبد الصالح عليه السلام ينعى إلى رجل نفسه . . . إلى قوله : فالتفت إليّ شبه المغضب فقال : يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك ، ثم قال : يا إسحاق اصنع إلى قوله

فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيرا حتّى مات فما أتى عليهم إلا قليل حتّى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا .

لقد أدركت الغلام فكان كما وصف

68 - الخرائج والجرائح : روى واضح عن الرضا قال : قال أبي موسى عليه السلام للحسين بن أبي العلاء : اشتر لي جارية نوبية ، فقال الحسين : أعرف - واللّه -

ص: 68

جارية نوبية نفيسة أحسن ما رأيت من النوبة ، فلولا خصلة لكانت من يأتيك ، فقال : وما تلك الخصلة ؟ قال : لا تعرف كلامك وأنت لا تعرف كلامها ، فتبسم ثم قال :

اذهب حتّى تشتريها ، قال : فلمّا دخلت بها إليه قال لها بلغتها : ما اسمك ؟ قالت : مونسة ، قال : أنت لعمري مونسة ، قد كان لك اسم غير هذا ، كان اسمك قبل هذا حبيبة ! قالت : صدقت . ثم قال : يا ابن أبي العلاء ، إنّها ستلد لي غلاما لا يكون في ولدي أسخى منه ولا أشجع ولا أعبد منه ، قال : فما تسميه حتّى أعرفه ؟ قال : اسمه إبراهيم .

فقال علي بن أبي حمزة : كنت مع موسى عليه السلام بمنى إذ أتاني رسوله فقال : الحق بي بالثعلبية ، فلحقت به ومعه عياله وعمران خادمه فقال : أيّما أحبّ إليك المقام هاهنا أو تلحق بمكة ؟ قلت : أحبّهما إليّ ما أحببته ، قال : مكة خير لك ، ثم بعثني إلى داره بمكة ، وأتيته وقد صلّى المغرب ، فدخلت فقال : اخلع نعليك إنّك بالوادي المقدس ، فخلعت نعلي وجلست معه ، فأتيت بخوان فيه خبيص ، فأكلت أنا وهو ، ثم رفع الخوان ، وكنت أحدّثه ، ثم غشيني النعاس فقال لي : قم فنم حتّى أقوم أنا لصلاة الليل ، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة الليل ، ثم جاءني فنبهني فقال : قم فتوضأ وصل صلاة الليل وخفف ، فلمّا فرغت من الصلاة صلّيت الفجر ، ثم قال لي : يا علي إنّ أم ولدي ضربها الطلق ، فحملتها إلى الثعلبية مخافة أن يسمع الناس صوتها ، فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه وشجاعته ، قال علي : فواللّه لقد أدركت الغلام فكان كما وصف(1) .

عجبت من كلامي إياهم بالحبشية ؟!

69 - الخرائج والجرائح : روي عن ابن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبشة اشتروا له ، فتكلّم غلام منهم

ص: 69


1- بيان : قوله عليه السلام : لا يكون في ولدي أسخى منه : أي سائر أولاده سوى الرضا عليه السلام .

- فكان جميلا - بكلام ، فأجابه موسى عليه السلام بلغته ، فتعجب الغلام ، وتعجبوا جميعا وظنوا أنّه لا يفهم كلامهم ، فقال له موسى : إنّي لأدفع إليك مالا فادفع إلى كلّ منهم

ثلاثين درهما ، فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنّه أفصح منّا بلغاتنا ، وهذه نعمة من اللّه علينا ، قال علي بن أبي حمزة : فلمّا خرجوا قلت : يا ابن رسول اللّه رأيتك تكلّم

هؤاء الحبشيين بلغاتهم ؟! قال : نعم ، قال : وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟! قال : نعم ، أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ، وأن يعطي كلّ واحد منهم في كلّ شهر ثلاثين درهما لأنّه لمّا تكلّم كان أعلمهم ، فإنه من أبناء ملوكهم ، فجعلته

عليهم وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع هذا غلام صدق ، ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياهم بالحبشية ؟! قلت : إي واللّه ، قال : لا تعجب ، فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب ، وما الذي سمعته منّي إلاّ كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة ، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ، والإمام بمنزلة البحر لا ينفد

ما عنده ، وعجائبه أكثر من عجائب البحر .

هذا كلام قوم من أهل الصين

70 - الخرائج والجرائح : قال بدر مولى الرضا عليه السلام : إنّ إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر عليه السلام ، فجلس عنده إذا استأذن رجل خراساني ، فكلّمه بكلام لم يسمع مثله قط ، كأنّه كلام الطير ، قال إسحاق : فأجابه موسى بمثله وبلغته إلى أن

قضى وطره من مساءلته ، فخرج من عنده فقلت : ما سمعت بمثل هذا الكلام ، قال : هذا كلام قوم من أهل الصين مثله ، ثم قال : أتعجب من كلامي بلغته ؟ ! قلت : هو موضع التعجب ! قال عليه السلام : أخبرك بما هو أعجب منه ، إنّ الإمام يعلم منطق الطير ومنطق كلّ ذي روح خلقه اللّه ، وما يخفى على الإمام شيء .

ص: 70

أحيا لي حماري بعد موته !

71 - الخرائج والجرائح : علي بن أبي حمزة قال : أخذ بيدي موسى بن جعفر عليه السلاميوما ، فخرجنا من المدينة إلى الصحراء ، فإذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي ، وبين يديه حمار ميت ورحله مطروح ، فقال له موسى عليه السلام : ما شأنك ؟ قال : كنت مع رفقائي نريد الحج فمات حماري هاهنا وبقيت ومضى أصحابي ، وقد بقيت متحيرا ليس لي شيء أحمل عليه ، فقال موسى : لعله لم يمت ! قال : أما ترحمني حتّى تلهو بي ؟ ! قال : إن عندي رقية جيدة ، قال الرجل : ليس يكفيني ما أنا فيه حتّى تستهزئ بي ، فدنا موسى من الحمار ونطق بشيء لم أسمعه ، وأخذ قضيبا كان مطروحا فضربه وصاح عليه ، فوثب الحمار صحيحا سليما ، فقال : يا مغربي ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء ، الحق بأصحابك ، ومضينا وتركناه ، قال علي بن أبي حمزة : فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكة ، فإذا المغربي هناك ، فلمّا رآني عدا إليّ وقبّل يدي فرحا مسرورا ، فقلت له : ما حال حمارك ؟ فقال : هو واللّه سليم صحيح ، وما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ اللّه به عليّ فأحيا لي حماري بعد موته ! فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته .

إنّ لي عودة ولا أتخلص منهم

72 - الخرائج والجرائح : روي عن أبي خالد الزبالي قال : قدم أبو الحسن موسى عليه السلام زبالة ، ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه إليه ، قال : وأمرني بشراء حوائج ، ونظر إليّ وأنا مغموم ، فقال : يا أبا خالد ما لي أراك مغموما ؟ قلت : هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنك منه ، قال : ليس عليّ منه

ص: 71

بأس ، إذا كان يوم كذا فانتظرني في أول الميل ، قال : فما كانت لي همة إلاّ إحصاء الأيام ، حتّى إذا كان ذلك اليوم وافيت أول الميل فلم أر أحدا ، حتّى كادت الشمس تجب ، فشككت ونظرت بعد إلى شخص قد أقبل فانتظرته ، فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام على بغلة قد تقدّم ، فنظر إليّ فقال : لا تشكن ! فقلت : قد كان ذلك ، ثم قال : إنّ لي عودة ولا أتخلص منهم ، فكان كما قال .

أنّ المفضل قد استراح

73 - الخرائج والجرائح : قال خالد بن نجيح : قلت لموسى عليه السلام : إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة ، وذكروا أنّ المفضل شديد الوجع فادع اللّه له ، قال : قد استراح ،

وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيام .

آجرك اللّه في أبيك

74 - المناقب لابن شهرآشوب : بيان بن نافع التفليسي قال : خلّفت والدي

مع الحرم في الموسم وقصدت موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا أن قربت منه هممت بالسلام عليه ، فأقبل علي بوجهه وقال : برّ حجّك ، يا ابن نافع ، آجرك اللّه في أبيك

فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة ، فارجع فخذ في جهازه ، فبقيت متحيرا عند قوله ، وقد كنت خلّفته وما به علة ، فقال : يا ابن نافع ، أفلا تؤن ؟ فرجعت فإذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن ، فقلت : ما وراكن ؟ قلن : أبوك فارق الدنيا ، قال ابن نافع : فجئت إليه أسأله عما أخفاه وأراني ، فقال لي : أبد ما أخفاه وأراك ! ثم قال : يا ابن نافع إن كان في أمنيتك كذا و كذا أن تسأل عنه ، فأنا جنب اللّه وكلمته الباقية وحجته البالغة .

ص: 72

إنّ لي عودة إليهم لا أتخلص من أيديهم

75 - أبو خالد الزبالي وأبو يعقوب الزبالي قال كلّ واحد منهما : استقبلت

أبا الحسن عليه السلام بالأجفر في المقدمة الأولى على المهدي ، فلمّا خرج ودعته وبكيت ، فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : حملك هؤاء ولا أدري ما يحدث ! قال : فقال لي : لا بأس عليّ منه في وجهي هذا ، ولا هو بصاحبي ، وإنّي لراجع إلى الحجاز ومار عليك في هذا الموضع راجعا ، فانتظرني في يوم كذا وكذا في وقت كذا ، فإنّك تلقاني راجعا ، قلت له : خير البشرى ، لقد خفته عليك ، قال : فلا تخف ، فترصدته ذلك الوقت في ذلك الموضع ، فإذا بالسواد قد أقبل ومناد ينادي من خلفي ، فأتيته فإذا هو أبو الحسن عليه السلام على بغلة له ، فقال لي : إيها أبا خالد ، قلت : لبيك يا ابن رسول اللّه ، الحمد للّه الذي خلصك من أيديهم ، فقال : أما إنّ لي عودة إليهم لا أتخلص من أيديهم .

اذهب فغيّر اسم ابنتك

76 - يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن ، وهو في المهد ، فجعل يساره طويلا ، فقال لي : ادن إلى مولاك ، فدنوت فسلمت عليه ، فردّ عليّ السلام بلسان فصيح ، ثم قال : اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس ، فإنّه اسم يبغضه اللّه ، وكانت ولدت لي ابنة فسميتها بفلانة ، فقال لي

أبو عبد اللّه : انته إلى أمره ترشد ، فغيرت اسمها(1) .

ص: 73


1- بيان : في الكافي : فسميتها بالحميراء .

درهم شطيطة وإزارها

77 - المناقب لابن شهرآشوب : أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل : أنّه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور ، واختاروا محمد بن علي النيسابوري ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار ، وخمسين ألف درهم ، وشقة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح ، وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت : إنّ « اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ » ، قال : فثنيت درهمها ، وجاءوا بجزء فيه مسائل مل ء سبعين ورقة ، في كلّ ورقة مسألة ، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها ، وقد حزمت كلّ ورقتين بثلاث حزم ، وختم عليها بثلاث خواتيم على كلّ حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الإمام ليلة وخذ منه في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة وانظر هل أجاب عن المسائل ، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحق للمال فادفع إليه ، وإلاّ فردّ إلينا أموالنا ، فدخل على الأفطح عبد اللّه بن جعفر وجربه ، وخرج عنه قائلا ربّ اهدني إلى سواء الصراط ، قال : فبينما أنا

واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر ، فلمّا رآني قال لي : لم تقنط يا أبا جعفر ، ولم تفزع إلى اليهود والنصارى ، إليّ فأنا حجة اللّه

ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي ؟ ! وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازوري ، والشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين ، قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلك قبله ، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثم استقبلني وقال : إنّ « اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ » ، يا أبا جعفر ، أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة ، وكانت أربعين درهما ، ثم قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا ، قرية

ص: 74

فاطمة

عليهاالسلام ، وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، ثم قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر ووصول الشقة والدراهم ، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما ، واجعلي أربعا وعشرين صدقة عنك وما يلزم عنك ، وأنا أتولّى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني - يا أبا جعفر - فاكتم عليّ ، فإنه أبقى لنفسك ، ثم قال : واردد الأموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم

عن الجزء وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء ؟ فوجدت الخواتيم صحيحة ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت للّه لأعتقن كلّ مملوك كان في رقّي قديما ، وكان له جماعة من العبيد ؟ الجواب بخطه : ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله - تعالى - : « وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ » الآية ، والحديث من ليس له ستة أشهر .

وفككت الختام الثاني فوجدت ما تحته : ما يقول العالم في رجل قال : واللّه لأتصدقن بمال كثير ، فما يتصدّق ؟ الجواب تحته بخطه : إن كان الذي حلف من أرباب شياه فليتصدق بأربع وثمانين شاة ، وإن كان من أصحاب النعم فليتصدق بأربع وثمانين بعيرا ، وإن كان من أرباب الدراهم فليتصدق بأربع وثمانين درهما ، والدليل عليه قوله - تعالى - : « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ » ، فعددت مواطن

رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا .

فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا : ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن ؟ الجواب بخطه : يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز ، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت ؛ لأنّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح ، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا ... المسألة إلى آخرها .

ص: 75

فلمّا وافى خراسان وجد الذين ردّ عليهم أموالهم ارتدوا إلى الفطحية ، وشطيطة على الحق ، فبلغها سلامه وأعطاها صرته وشقته ، فعاشت كما قال عليه السلام ، فلمّا توفيت شطيطة جاء الإمام على بعير له ، فلمّا فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثنى نحو البرية ، وقال : عرف أصحابك وأقرئهم منّي السلام وقل لهم : إنّي ومن يجري مجراي من الأئمة لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا اللّه في أنفسكم .

قد دفن ناس كثير أحياء

علي بن أبي حمزة قال : كنّا بمكة سنة من السنين ، فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حتّى مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي الحسن عليه السلام ، فقال مبتدئا من غير أن أسأله : يا علي ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا إلى أن يجيء منه ريح يدل على موته ، قلت له : جعلت فداك ، كأنّك تخبرني إذ دفن ناس كثير أحياء ؟ قال : نعم ، يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلاّ في قبورهم .

انتفع بهذه الدراهم فإنّها تكفيك حتّى تموت

علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبو الحسن عليه السلام إلى رجل قدّامه طبق يبيع بفلس فلس وقال : أعطه هذه الثمانية عشر درهما وقل له : يقول لك أبو الحسن : انتفع بهذه الدراهم ، فإنّها تكفيك حتّى تموت ، فلمّا أعطيته بكى ، فقلت : وما يبكيك ؟ قال : ولم لا أبكي وقد نعيت إليّ نفسي ! فقلت : وما عند اللّه خير مما

أنت فيه ، فسكت وقال : من أنت يا عبد اللّه ؟ فقلت : علي بن أبي حمزة ، قال : واللّه لهكذا قال لي سيدي ومولاي : إنّي باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي ، قال علي : فلبثت نحوا من عشرين ليلة ، ثم أتيت إليه وهو مريض فقلت : أوصني بما أحببت أنفذه من مالي ، قال : إذا أنا متّ فزوج ابنتي من رجل دين ، ثم بع داري

ص: 76

وادفع ثمنها إلى أبي الحسن ، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة ، قال : فلمّا دفنته زوجت ابنته من رجل مؤن ، وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام ، فزكاه وترحم عليه وقال : ردّ هذه الدراهم فادفعها إلى ابنته .

يا علي لم لم تشهد جنازته ؟

علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبو الحسن عليه السلام إلى رجل من بني حنيفة وقال : إنّك تجده في ميمنة المسجد ، ورفعت إليه كتابه فقرأه ثم قال : آتني يوم كذا وكذا حتّى أعطيك جوابه ، فأتيته في اليوم الذي كان وعدني فأعطاني جواب الكتاب ، ثم لبثت شهرا فأتيته لأسلّم عليه ، فقيل : إنّ الرجل قد مات ، فلمّا رجعت من قابل إلى مكة فلقيت أبا الحسن وأعطيته جواب كتابه ، فقال : رحمه اللّه ، فقال : يا علي لم لم

تشهد جنازته ؟ قلت : قد فاتت مني .

ردّها فإن صاحبها يحتاج إليها

شعيب العقرقوفي قال : بعثت مباركا مولاي إلى أبي الحسن عليه السلام ومعه مائتا دينار وكتبت معه كتابا ، فذكر لي مبارك أنّه سأل عن أبي الحسن عليه السلام فقيل : قد خرج إلى مكة ، فقلت : لأسير بين مكة والمدينة بالليل ، إذا هاتف يهتف بي : يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي ! فقلت : من أنت يا عبد اللّه ؟ فقال : أنا معتب ، يقول لك أبو الحسن : هات الكتاب الذي معك وواف بالذي معك إلى منى ، فنزلت من محملي ودفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى ، فأدخلت عليه وصببت الدنانير التي معي قدامه ، فجرّ بعضها إليه ودفع بعضها بيده ، ثم قال لي : يا مبارك ادفع هذه الدنانير إلى شعيب وقل له : يقول لك أبو الحسن : ردّها إلى موضعها الذي أخذتها منه فإن صاحبها يحتاج إليها ، فخرجت من عنده وقدمت على سيدي وقلت : ما قصة هذه

ص: 77

الدنانير ؟ قال : إنّي طلبت من فاطمة خمسين دينارا لأتمّ بها هذه الدنانير ، فامتنعت عليّ وقالت : أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان ، فأخذتها منها سرّا ولم ألتفت إلى كلامها ، ثم دعا شعيب بالميزان فوزنها فإذا هي خمسون دينارا .

تلقى أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه

أبو خالد الزبالي قال : نزل أبو الحسن عليه السلام منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به فقال : يا أبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به ! قلت : واللّه ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا ، فقال : كلا يا أبا خالد ، ترى

هذا الفج خذ فيه ، فإنّك تلقى أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه ولا تماكسه ، فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملان حطبا ، فاشتريتهما منه وأتيته بهما ، فاستوقدوا منه يومهم ذلك وأتيته بطرف ما عندنا ، فطعم

منه ثم قال : يا أبا خالد انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتّى نقدم عليك في شهر كذا وكذا ، قال أبو خالد : فكتبت تاريخ ذلك اليوم ، فركبت حماري اليوم الموعود حتّى جئت إلى لزق ميل ونزلت فيه ، فإذا أنا براكب يقبل نحو القطار ، فقصدت إليه فإذا يهتف بي ويقول : يا أبا خالد ، قلت : لبيك جعلت فداك ، قال : أتراك

وفيناك بما وعدناك ؟ ثم قال : يا أبا خالد ما فعلت بالقبتين اللتين كنّا نزلنا فيهما ؟ فقلت : جعلت فداك ، قد هيأتهما لك ، وانطلقت معه حتّى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما ، ثم قال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : قد أصلحناها ، فأتيته بهما فقال : يا أبا خالد سلني حاجتك ، فقلت : جعلت فداك ، أخبرك بما كنت فيه ، كنت زيدي المذهب حتّى قدمت عليّ وسألتني الحطب وذكرت مجيئك في يوم كذا ، فعلمت أنّك الإمام الذي فرض اللّه طاعته ، فقال : يا أبا خالد من مات لا يعرف

إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الإسلام .

ص: 78

سل شقيق البلخي عنه

في كتاب أمثال الصالحين : قال شقيق البلخي : وجدت رجلا عند فيد يملأ الإناء من الرمل ويشربه ، فتعجبت من ذلك ، واستسقيته فسقاني ، فوجدته سويقا وسكرا . . . القصة وقد نظموها .

سل شقيق البلخي عنه بما شاهد منه

وما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاينت شخصا

ناحل الجسم شاحب اللون أسمر

سائرا وحده وليس له زاد

فما زلت دائبا أتفكر

وتوهمت أنّه يسأل الناس

ولم أدر أنّه الحج الأكبر

ثم عاينته ونحن نزول

دون فيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء ويشربه

فناديته وعقلي محير

اسقني شربة فلمّا سقاني

منه عاينته سويقا وسكر

فسألت الحجيج من يك هذا

قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

حياة علي في جيبه

علي بن أبي حمزة قال : كنت معتكفا في مسجد الكوفة ، إذ جاءني أبو جعفر الأحول بكتاب مختوم من أبي الحسن عليه السلام ، فقرأت كتابه فإذا فيه : إذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فاحرزه حتّى أطلبه منك ، فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه في صندوق مقفل في جوف قمطر في جوف حقّ مقفل وباب البيت مقفل ، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرته ، فإذا كان الليل فهي تحت رأسه ، وليس يدخل بيت البز غيره ، فلمّا حضر الموسم خرج إلى مكة وافدا بجميع ما كتب إليه من حوائجه ، فلمّا دخل عليه قال له العبد الصالح : يا علي ما فعل الكتاب

ص: 79

الصغير الذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به ، فحكيته ، قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه ؟ قلت : بلى ، قال : فرفع مصلّى تحته ، فإذا هو أخرجه إليّ ، فقال : احتفظ به ، فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك ! قال : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي ، فأخرجته في دروز جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب حياة علي في جيبه ، فلمّا مات علي قال محمد وحسن ابناه : فلم يكن لنا هم إلاّ الكتاب ، ففقدناه فعلمنا أنّ الكتاب

قد صار إليه(1) .

قصيدة ابن الغار البغدادي

78 - المناقب لابن شهرآشوب : ومن معجزاته ما نظم قصيدة ابن الغار البغدادي :

وله معجز القليب فسل عنه

رواة الحديث بالنقل تخبر

ولدى السجن حين أبدى إلى السجان

قولا في السجن والأمر مشهر

ثم يوم الفصاد حتّى أتى الآس-

-ي إليه فرده وهو يذعر

ثم نادى آمنت باللّه لا غير

وإن الإمام موسى بن جعفر

واذكر الطائر الذي جاء بالص-

-ك إليه من الأمام وبشر

ولقد قدموا إليه طعاما

فيه مستلمح أباه وأنكر

وتجافى عنه وقال حرام

أكل هذا فكيف يعرف منكر

واذكر الفتيان أيضا ففيها

فضله أذهل العقول وأبهر

عند ذاك استقال من مذهب ك-

-ان يوالي أصحابه وتغير

ص: 80


1- بيان : القمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء : ما يصان فيه الكتب .

سل شقيق البلخي عنه

79 - كشف الغمة : قال أبو حاتم قال لي شقيق البلخي : خرجت حاجا في سنة

تسع وأربعين ومائة ، فنزلت القادسية ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم ،

فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان ، وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، واللّه لأمضين إليه ولأوبخنه ، فدنوت منه ، فلمّا رآني مقبلا قال : يا شقيق « اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ

بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ » ، ثم تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إنّ هذا الأمر عظيم قد تكلّم بما في نفسي ، ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ! لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه ، وغاب من عيني ، فلمّا نزلنا واقصة ، وإذا به يصلّي وأعضاؤ تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه ، فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه ، فلمّا رآني مقبلا قال : يا شقيق اتل « وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » ، ثم تركني ومضى ، فقلت : إنّ هذا الفتى لمن الأبدال ؛ لقد تكلّم على سرّي مرتين ! فلمّا نزلنا زبالة إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر ، وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد

رمق السماء ، وسمعته يقول :

أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها .

قال شقيق : فو اللّه لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤا ، فمدّ يده وأخذ الركوة وملأها ماء ، فتوضأ وصلّى أربع ركعات ، ثم مال إلى كثيب رمل ، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ،

فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك ؟ فقال : يا شقيق لم تزل نعمة اللّه

ص: 81

علينا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنّك بربّك ، ثم ناولني الركوة ، فشربت منها فإذا هو سويق وسكر ، فو اللّه ما شربت قط ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت ، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا .

ثم لم أره حتّى دخلنا مكة ، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل ، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ، ثم قام فصلّى الغداة ، وطاف بالبيت أسبوعا وخرج ، فتبعته وإذا له غاشية وموال ، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه : من هذا الفتى ؟ ! فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقلت : قد عجبت أن يكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد ، ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها ، فقال :

سل شقيق البلخي عنه وما عا

ين منه وما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائرا وحده وليس له زاد

فما زلت دائما أتفكر

وتوهمت أنّه يسأل الناس

ولم أدر أنّه الحج الأكبر

ثم عاينته ونحن نزول

دون فيد على الكثيب الأحمر

يضع الرمل في الإناء ويشربه

فناديته وعقلي محير

اسقني شربة فناولني منه

فعاينته سويقا وسكر

فسألت الحجيج من يك هذا

قيل هذا الإمام موسى بن جعفر(1)

ص: 82


1- بيان : قال الفيروزآبادي : الغاشية : السؤل يأتونك ، والزوار والأصدقاء ينتابونك : وحديدة فوق مؤرة الرحل ، وغشاء القلب ، والسرج ، والسيف ، وغيره ما تغشاه. وقال : شحب لونه كجمع ونصر وكرم وعنى شحوبا وشحوبة : تغير من هزال أو جوع أو سفر ، والنحول : الهزال. أقول : رأيت هذه القصة في أصل كتاب محمد بن طلحة « مطالب السئول » ، وفي الفصول المهمة ، وأوردها ابن شهرآشوب أيضا مع اختصار ، وقال صاحب كشف الغمة وصاحب الفصول المهمة : هذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف ، رواها ابن الجوزي في كتابيه « إثارة العزم الساكن إلى أشرف الأماكن » وكتاب « صفة الصفوة » ، والحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتاب « معالم العترة النبوية » ، ورواها الرامهرمزي في كتاب « كرامات الأولياء » . أقول : وذكر محمد بن طلحة في مطالب السئول .

لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم

80 - وروي في كشف الغمة عنه أيضا أنّه قال : ولقد قرع سمعي ذكر واقعة

عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى عليه السلام أشرف منقبة ، وشهدت له بعلو مقامه عند اللّه - تعالى - ، وزلفى منزلته لديه ، وظهرت بها كرامته بعد وفاته ، ولا شكّ أنّ ظهور الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة ، وهي :

أنّ من عظماء الخلفاء - مجدهم اللّه تعالى - من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مدقّه ، وكان ذا سطوة وجبروت ، فلمّا انتقل إلى اللّه - تعالى - اقتضت رعاية الخليفة أن تقدّم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بالمشهد المطهر ، وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف

مشهود له بالصلاح ، كثير التردد والملازمة للضريح والخدمة له ، قائم بوظائفها ، فذكر هذا النقيب أنّه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف ، فرأى في منامه أنّ القبر قد انفتح ، والنار تشتعل فيه ، وقد انتشر منه دخان ، ورائحة

قتار ذلك المدفون فيه إلى أن ملأت المشهد ، وأنّ الإمام موسى عليه السلام واقف ، فصاح لهذا النقيب باسمه وقال له : تقول للخليفة : يا فلان ، وسماه باسمه ، لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم ، وقال كلاما خشنا ، فاستيقظ ذلك النقيب ،

ص: 83

وهو يرعد فرقا وخوفا ، ولم يلبث أن كتب ورقة وسيّرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها ، فلمّا جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه ، واستدعى النقيب ،

ودخلوا الضريح ، وأمر بكشف ذلك القبر ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد ، فلمّا كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق ، ولم يجدوا للميت أثرا(1) .

الحديث أحبّ إليك أم المعاينة ؟

81 - عيون المعجزات : عن داود الرقي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : حدثني عن أعداء أمير المؤنين وأهل بيت النبوة ، فقال : الحديث أحبّ إليك أم المعاينة ؟ قلت : المعاينة ، فقال لأبي إبراهيم موسى عليه السلام : ائتني بالقضيب ، فمضى أحضره إياه ، فقال له : يا موسى اضرب به الأرض وأرهم أعداء أمير المؤنين عليه السلاموأعداءنا ، فضرب به الأرض ضربة ، فانشقت الأرض عن بحر أسود ، ثم ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء ، فضرب الصخرة فانفتح منها باب ، فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرته ،م ووجوههم مسودة ، وأعينهم زرق ، كلّ واحد منهم مصفد مشدود في جانب من الصخرة ، وهم ينادون : يا محمد ، والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمد لكم ولا أنتم له ، فقلت له : جعلت فداك ، من هؤاء ؟ فقال : الجبت ، والطاغوت ، والرجس ، واللعين ابن اللعين ، ولم يزل يعددهم كلّهم من أولهم إلى آخرهم حتّى أتى على أصحاب السقيفة ، وأصحاب الفتنة ، وبني الأزرق ، والأوزاع ، وبني أمية جدد اللّه عليهم العذاب بكرة وأصيلا ، ثم قال عليه السلام للصخرة : انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم(2) .

ص: 84


1- توضيح : القتار بالضم : ريح القدر والشواء والعظم المحرق .
2- بيان : يمكن أن يكون أصحاب الفتنة إشارة إلى طلحة والزبير وأصحابهما ، وبنو الأزرق الروم ، ولا يبعدأن يكون إشارة إلى معاوية وأصحابه ، وبنو زريق حيّ من الأنصار ، والأوزاع الجماعات المختلفة .

حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمال

82 - ومن الكتاب المذكور : عن محمد بن علي الصوفي قال : استأذن إبراهيم

الجمال رضى الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة ، فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي ؟ ! فقال : حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبى اللّه أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال ! فقلت : سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت ، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ ! فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك ، واركب نجيبا هناك مسرجا ، قال : فوافى البقيع وركب النجيب ، ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين ، فقال إبراهيم الجمال : من داخل الدار وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟ ! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ، وآلى عليه أن يأذن له ، فلمّا

دخل قال : يا إبراهيم ، إنّ المولى عليه السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال : يغفر اللّه لك ، فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده ، فامتنع إبراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانيا ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ! ! ثم انصرف وركب النجيب ، وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله .

سألت ربّي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان

83 - الكافي : عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن

ص: 85

موسى عليه السلام إذ أتاه رجل نصراني ، ونحن معه بالعريض ، فقال له النصراني : إنّي أتيتك من بلد بعيد و سفر شاق ، وسألت ربّي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان ، وإلى خير العباد وأعلمهم ، وأتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق ، فانطلقت حتّى أتيته فكلمته ، فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم منّي ، فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك ؟ فإنّي لا أستعظم السفر ولا تبعد عليّ الشقة ، ولقد قرأت الإنجيل كلّها ، ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة ، وقرأت ظاهر القرآن حتّى استوعبته كلّه ، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا

أعلم العرب والعجم بها ، وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شراحيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علم الإسلام ، وعلم التوراة ، وعلم الإنجيل ، والزبور ، وكتاب هود ، وكلّما أنزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما نزل من السماء من خير ، فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد ، فيه تبيان كلّ شيء وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد اللّه به خيرا ، وأنس إلى الحقّ ، فأرشدك إليه فائته ولو ماشيا على رجليك ، فإن لم تقدر فحبوا على ركبتيك ، فإن لم تقدر فزحفا على استك ، فإن لم تقدر فعلى وجهك ! فقلت : لا ، بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، قال : فانطلق من فورك حتّى تأتي يثرب ، فقلت : لا أعرف يثرب ! فقال : فانطلق حتّى تأتي مدينة النبي الذي بعث في العرب ، وهو النبي العربي الهاشمي ، فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار ، وهو عند باب مسجدها ، وأظهر بزة النصرانية وحليتها ، فإن واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول ، وهو ببقيع الزبير ، ثم تسأل عن موسى بن جعفر ، وأين منزله ؟ وأين هو مسافر أم حاضر ؟ فإن كان مسافرا فالحقه ، فإن سفره أقرب مما ضربت إليه ، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني إليك ، وهو يقرئك السلام كثيرا ويقول لك : إنّي لأكثر مناجات ربّي أن يجعل إسلامي على يديك ، فقصّ هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه ، ثم قال : إن أذنت لي يا

ص: 86

سيدي كفرت لك وجلست ، فقال : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفر ، فجلس ثم ألقى عنه برنسه ، ثم قال : جعلت فداك ، تأذن لي في الكلام ، قال : نعم ، ما جئت إلاّ له ، فقال له النصراني : اردد على صاحبي السلام أ وما تردّ السلام ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : على صاحبك ان هداه اللّه ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا ، فقال النصراني : إنّي أسألك أصلحك اللّه ، قال : سل ، قال : أخبرني عن كتاب اللّه

الذي أنزل على محمد ونطق به ثم وصفه بما وصفه به فقال : « حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » ما تفسيرها في الباطن ؟ فقال : أما « حم » فهو محمد ، وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأما « الْكِتابِ الْمُبِينِ » فهو أمير المؤنين علي عليه السلام ، وأما « الليلة » ففاطمة صلوات اللّه عليها ، وأما قوله « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ، ورجل حكيم ، ورجل حكيم .

فقال الرجل : صف لي الأول والآخر من هؤاء الرجال ؟ قال : إنّ الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله وإنّه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم ، إن لم تغيّروا وتحرّفوا وتكفروا ، وقديما ما فعلتم ، فقال له النصراني : إنّي لا أستر عنك ما علمت ، ولا أكذبك ، وأنت تعلم ما أقول وكذبه ، واللّه

لقد أعطاك اللّه من فضله ، وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ، ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحقّ كلّما ذكرت فهو كما ذكرت ، فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : أعجلك أيضا خبرا لا يعرفه إلاّ قليل ممن قرأ الكتب ، أخبرني ما اسم أم مريم ؟ وأي يوم نفخت فيه مريم ؟ ولكم من ساعة من النهار ؟ وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى عليه السلام ؟ ولكم من ساعة من النهار ؟ فقال النصراني : لا أدري ، فقال أبو إبراهيم عليه السلام : أما أم مريم فاسمها « مرثا » ، وهي « وهيبة » بالعربية ، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال ،

ص: 87

وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين ، وليس للمسلمين عيد كان أولى منه عظمه اللّه - تبارك وتعالى - وعظمه محمد صلى الله عليه و آله ، فأمر أن يجعله عيدا ، فهو يوم الجمعة ، وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء ، لأربع ساعات ونصف من النهار ، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى عليه السلام هل تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو الفرات ، وعليه شجر النخل والكرم ، وليس يساوي بالفرات شيء للكروم والنخيل ، فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ، ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه ، وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم ، فقالوا لها ما قص اللّه عليك في كتابه وعلينا في كتابه ، فهل فهمته ؟ فقال : نعم ، وقرأته اليوم الأحدث ، قال : إذا لا تقوم من مجلسك حتّى يهديك اللّه .

قال النصراني : ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية ؟ فقال : كان اسم أمك بالسريانية « عنقالية » ، و« عنقورة » كان اسم جدتك لأبيك ، وأما اسم أمك بالعربية فهو « مية » ، وأما اسم أبيك ف-« عبد المسيح » ، و هو « عبد اللّه » بالعربية ، وليس

للمسيح عبد ، قال : صدقت وبررت ، فما كان اسم جدي ؟ قال : كان اسم جدك « جبرئيل » ، وهو « عبد الرحمن » سميته في مجلسي هذا ، قال : أما إنّه كان مسلما ؟ قال أبو إبراهيم : نعم ، وقتل شهيدا ، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة ، والأجناد من أهل الشام ، قال : فما كان اسمي قبل كنيتي ؟ قال : كان اسمك « عبد الصليب » ، قال : فما تسميني ؟ قال : أسميك « عبد اللّه » ، قال : فإنّي آمنت باللّه

العظيم ، وشهدت أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له فردا صمدا ، ليس كما يصفه النصارى ، وليس كما يصفه اليهود ، ولا جنس من أجناس الشرك ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق ، فأبان به لأهله وعمي المبطلون ، وأنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الناس كافة ، إلى الأحمر والأسود ، كلّ فيه مشترك ، فأبصر من أبصر ، واهتدى من اهتدى ، وعمي المبطلون « وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ » ، وأشهد أنّ وليه نطق بحكمته ، وأنّ من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة ، وتوازروا

ص: 88

على الطاعة للّه ، وفارقوا الباطل وأهله ، والرجس وأهله ، وهجروا سبيل الضلالة ، ونصرهم اللّه بالطاعة له ، وعصمهم من المعصية ، فهم للّه أولياء وللدين أنصار ، يحثّون على الخير ، ويأمرون به ، آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت باللّه - تبارك وتعالى - ربّ العالمين ، ثم قطع زناره وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب ، ثم قال : مرني حتّى أضع صدقتي حيث تأمرني ، فقال عليه السلام : هاهنا أخ لك كان على مثل دينك ، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن أورد عليكما حقكما في الإسلام ، فقال : واللّه - أصلحك اللّه - إنّي لغني ، ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسه ، وتركت ألف بعير ، فحقّك فيها أوفر من حقّي ، فقال له : أنت مولى اللّه ورسوله ، وأنت في حدّ نسبك على حالك ، فحسن إسلامه ، وتزوج امرأة من بني فهر ، وأصدقها أبو إبراهيم خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأخدمه وبوأه ، وأقام حتّى أخرج أبو إبراهيم عليه السلام فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة(1) .

ص: 89


1- بيان : العريض كزبير : واد بالمدينة ، وعليا دمشق بالضم والمد : أعلاها ، والشقة : السفر الطويل ، والسامرة : قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم ، فعلمه أحد : أي غير الإمام ، أو لم يعلم به أحد غيره ، ويحتمل التعميم ، بناء على ما يلقى إلى الإمام من العلوم الدائبة. قوله « فيه تبيان كلّ شيء » الضمير راجع إلى الإمام ، ويحتمل رجوعه إلى ما نزل ، والروح بالفتح : الرحمة ، والاسترواح : طلب الروح ، وتعديته بإلى بتضمين معنى التوجه والإصغاء ، والحبو : المشي باليدين والرجلين ، والزحف : الانسحاب على الاست ، فعلى وجهك : أي بأن تجرّ نفسك على الأرض مكبوبا على وجهك ، « وهو » كأن الضمير راجع إلى مصدر تسأل ، والبزة بالكسر : الهيئة ، والحلية بالكسر : الصفة ، وضمير « عليهم » راجع إلى من يبعثه لطلبه ، وشيعته مما ضربت : أي سافرت من بلدك إليه. ومطران النصارى بالفتح وقد تكسر : لقب للكبير ، والهيم منهم ، والغوطة بالضم : مدينة دمشق ، أو كورتها ، والتكفير : أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره ويتطأطأ له ، وكان إلقاء البرنس للتعظيم كما هو دأبهم اليوم ، « أو ما ترد » الترديد من الراوي ، والهمزة للاستفهام الإنكاري ، والواو للعطف ، وكأنّه أظهر « على صاحبك أن هداه اللّه » الظاهر كون أن بالفتح : أي نرد أو ندعو على صاحبك أن يهديه اللّه إلى الإسلام ، ويمكن أن يقرأ بالكسر : أي نسلّم عليه بشرط الهداية لا مطلقا ، أو بعدها لا في الحال ، ثم وصفه : أي الرب - تعالى - الكتاب بما وصفه به من كونه مبينا ، وكونه منزلا في ليلة مباركة ، وهو في كتاب هود : أي اسمه فيه كذلك ، وهو منقوص الحروف : أي نقص منه حرفان « الميم الأول والدال » ، وأما التعبير عن فاطمة عليهاالسلام بالليلة فباعتبار عفافها ومستوريتها عن الخلائق صورة ورتبة ، يخرج منها بلا واسطة ، وبها خير بالتخفيف أو بالتشديد . أقول : هذا بطن الآية لدلالة الظهر عليه بالالتزام ، إذ نزول القرآن في ليلة القدر إنّما هو لهداية الخلق وإرشادهم إلى شرائع الدين ، وإقامتهم على الحقّ إلى انقضاء الدنيا ، ولا يتأتى ذلك إلاّ بوجود إمام في كلّ عصر يعلم جميع ما يحتاج إليه الخلق ، وتحقق ذلك بنصب أمير المؤنين عليه السلام ، وجعله مخزنا لعلم القرآن لفظا ومعنى ، وظهرا وبطنا ، ليصير مصداقا للكتاب المبين ، ومزاوجته مع سيدة النساء ليخرج منهما الأئمة الهادون إلى يوم الدين ، فظهر أن الظهر والبطن متطابقان ومتلازمان . صف لي : كأن مراده التوصيف بالشمائل ، فإن الصفات تشتبه : أي تتشابه لا تكاد تنتهي إلى شيء تسكن إليه النفس ، ما يخرج من نسله : أي القائم ، أو الجميع ، واستعمل « ما » في موضع « من » ، وقديما : ظرف لفعلتم ، و« ما » للإبهام ، في صدق ما أقول : أي من جهة صدق ما أقول وكذبه ، أو في جملة صادقة وكاذبة . ما لا يخطره الخاطرون ، بتقديم المعجمة على المهملة : أي ما لا يخطر ببال أحد ، لكن في الإسناد توسع ، لأنّ الخاطر هو الذي يخطر بالبال ، ولذا قرأ بعضهم بالعكس : أي لا يمنعه المانعون ، ولا يستره الساترون : أي لا يقدرون على ستره لشدة وضوحه ، ولا يكذب فيه من كذب بالتخفيف فيهما ، أو بالتشديد فيهما ، أو بالتشديد في الأول والتخفيف في الثاني ، أو بالعكس ، والأول أظهر ، فيحتمل وجهين : الأول : أن المعنى من أراد أن يكذب فيما أنعم اللّه عليك وينكره لا يقدر عليه لوضوح الأمر ، ومن أنكر فباللسان دون الجنان ، نظير قوله تعالى : « لا رَيْبَ فِيهِ » أي ليس محلا للريب ، والثاني : أن يكون المراد أنّه كلّ من يزعم أنّه يفرط في مدحك فليس بكاذب بل مقصر عما تستحقه من ذلك ، نفخت على المجهول : أي نفخ فيها فيه ، قال الجوهري : نفخ فيه ونفخه أيضا لغة . قوله : فاسمها مرثا ، وفي بعض الروايات أنّ اسمها « حنة » كما في القاموس فيمكن أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا ، أو يكون أحدهما موافقا للمشهور بين أهل الكتاب ، وهو اليوم الذي هبط : أي إلى مريم للنفخ ، أو إلى الرسول صلى الله عليه و آله للبعثة ، أو أولا إلى الأرض ، حجبت فيه لسانها : أي منعت عن الكلام لصوم الصمت ، اليوم الأحدث : أي هذا اليوم ، فإن الأيام السالفة بالنسبة إليه قديمة ، وبررت : أي في تسميتك إياه بعبد اللّه ، أو صدقت فيما سألت وبررت في إفادة ما لم أسأل ، لأنّه عليه السلام تبرع بذكر اسم جدته وأبيه ، سميته على صيغة المتكلّم : أي كان اسمه جبرئيل وسميته أنا في هذا المجلس عبد الرحمن ، بناء على مرجوحية التسمية باسم الملائكة ، أو بالخطاب بأن يكون اسم جده جبرئيل وسماه في نفسه في هذا المجلس عبد الرحمن طلبا للمعجزة ، والأول أظهر . غيلة بالكسر : أي فجأة ، وبغتة قبل كنيتي : كأنّه كان له اسم قبل الكنية ثم كنى واشتهر بها فسأل عن الاسم المتروك لمزيد اليقين ، فأبان به ضمير « به » للحق والباء لتقوية التعدية ، والأحمر والأسود العجم والعرب ، أو الإنس والجن ، والمراد بوليه أبو الحسن عليه السلام ، أو أمير المؤنين عليه السلام ، أو كلّ أوصيائه ، صدقتي كأن المراد بها الصليب الذي كان في عنقه ، أراد أن يتصدق بذهبه ، ويحتمل الأعم ، وهو في نعمة : أي الهداية إلى الإسلام بعد الكفر ، حقّكما : أي من الصدقات ، والمراد بالطروق هنا : ما بلغ حدّ الطرق ذكرا كان أو أنثى ، فحقّك فيها : أي الخمس ، أو بناء على أنّ الإمام أولى بالمؤنين من أنفسهم ، أنت مولى اللّه ورسوله : أي معتقهما لأنّه بهما أعتق من النار ، ويحتمل أن يكون بمعنى الوارد على قبيلة لم يكن منهم ، أو الناصر ، وأنت في حدّ نسبك : أي لا يضر ذلك في نسبك ومنزلتك .

ص: 90

84 - الكافي : عن يعقوب بن جعفر قال : كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام ، وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة ، فاستأذن لهما الفضل بن سوار ، فقال له : إذا كان غدا فأت بهما عند بئر أم خير ، قال : فوافينا من الغد فوجدنا القوم

قد وافوا ، فأمر بخصفة بواري ثم جلس وجلسوا ، فبدأت الراهبة بالمسائل ، فسألت عن مسائل كثيرة كلّ ذلك يجيبها ، وسألها أبو إبراهيم عليه السلام عن أشياء لم يكن عندها فيه شيء ، ثم أسلمت ، ثم أقبل الراهب يسأله ، فكان يجيبه في كلّ ما يسأله ، فقال الراهب : قد كنت قويا على ديني ، وما خلفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم ، ولقد سمعت برجل في الهند إذا شاء حجّ إلى بيت المقدس في يوم وليلة ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند ، فسألت عنه بأي أرض هو ؟ فقيل لي : إنّه بسندان ، وسألت الذي أخبرني ، فقال : هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبإ ، وهو الذي ذكره اللّه لكم في كتابكم ، ولنا معشر الأديان في كتبنا ، فقال له

ص: 91

أبو إبراهيم عليه السلام : فكم للّه من اسم لا يردّ ؟ فقال الراهب : الأسماء كثيرة ، فأما المحتوم منها الذي لا يردّ سائله فسبعة ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : فأخبرني عما تحفظ منها ، فقال الراهب : لا واللّه الذي أنزل التوراة على موسى ، وجعل عيسى عبرة للعالمين ، وفتنة لشكر أولي الألباب ، وجعل محمدا بركة ورحمة ، وجعل عليا عليه السلام عبرة وبصيرة ، وجعل الأوصياء من نسله ونسل محمد صلى الله عليه و آله ، ما أدري ، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك ولا سألتك ! .

فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : عد إلى حديث الهندي ، فقال له الراهب : سمعت بهذه الأسماء ، ولا أدري ما بطائنها ولا شرائحها ، ولا أدري ما هي ، ولا كيف هي ، ولا بدعائها ، فانطلقت حتّى قدمت سندان الهند ، فسألت عن الرجل ، فقيل لي : إنّه بنى ديرا في جبل فصار لا يخرج ولا يرى إلاّ في كلّ سنة مرتين ، وزعمت الهند أنّ اللّه - تعالى - فجر له عينا في ديره ، وزعمت الهند أنّه يزرع له من غير زرع يلقيه ويحرث له من غير حرث يعمله ، فانتهيت إلى بابه ، فأقمت ثلاثا لا أدق الباب ولا أعالج الباب ، فلمّا كان اليوم الرابع فتح اللّه الباب وجاءت بقرة عليها حطب تجرّ ضرعها ، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن ، فدفعت الباب فانفتح ، فتبعتها ودخلت ، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي ، وينظر إلى الأرض فيبكي ، وينظر إلى الجبال فيبكي ، فقلت : سبحان اللّه ، ما أقلّ ضربك في دهرنا هذا ، فقال لي : واللّه ما أنا إلاّ حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك ! فقلت له : أخبرت أنّ عندك اسما من أسماء اللّه - تعالى - تبلغ به في كلّ يوم وليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك ؟ ! فقال لي : فهل تعرف البيت المقدس ؟ فقلت : لا أعرف إلاّ بيت المقدس الذي بالشام ، فقال : ليس بيت المقدس ، ولكنه البيت المقدس ، وهو بيت آل محمد ، فقلت له : أما ما سمعت به إلى يومي هذا ، فهو بيت المقدس ، فقال لي : تلك محاريب الأنبياء ، وإنّما كان يقال لها « حظيرة المحاريب » حتّى

ص: 92

جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى - صلّى اللّه عليهما - ، وقرب البلاء من أهل الشرك ، وحلت النقمات في دور الشياطين ، فحولوا وبدلوا و نقلوا تلك الأسماء . وهو قول اللّه - تبارك وتعالى - البطن لآل محمد والظهر مثل : « إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤكُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ » ، فقلت له : إنّي قد ضربت إليك من بلد بعيد تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفاأصبحت وأمسيت مؤسا ألاّ أكون ظفرت بحاجتي ، فقال لي : ما أرى أمك حملت بك إلاّ وقد حضرها ملك كريم ، ولا أعلم أنّ أباك حين أراد الوقوع بأمك إلاّ وقد اغتسل وجاءها على طهر ، ولا أزعم إلاّ أنّه كان درس السفر الرابع من سحره ذلك فختم له بخير ، ارجع من حيث جئت ، فانطلق حتّى تنزل مدينة محمد صلى الله عليه و آله التي يقال لها « طيبة » ، وقد كان اسمها في الجاهلية « يثرب » ، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له « البقيع » ، ثم سل عن دار يقال لها « دار مروان » فانزلها ، وأقم ثلاثا ، ثم سل الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري ، وهي في بلادهم اسمها « الخصف » ، فتلطّف بالشيخ وقل له : بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع ، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني ، وسله أين ناديه ؟ وسله أي ساعة يمرّ فيها ؟ فليريكاه ، أو يصفه لك فتعرفه بالصفة ، وسأصفه لك ، قلت : فإذا لقيته فأصنع ما ذا ؟ فقال : سله عما كان ؟ وعما هو كائن ؟ وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي ؟ فقال له أبو إبراهيم عليه السلام : قد نصحك صاحبك

الذي لقيت ، فقال الراهب : ما اسمه جعلت فداك ؟ قال : هو متمم بن فيروز ، وهو من أبناء الفرس ، وهو ممن آمن باللّه وحده لا شريك له ، وعبده بالإخلاص والإيقان ، وفر من قومه لما خالفهم فوهب له ربّه حكما وهداه لسبيل الرشاد ، وجعله من المتقين ، وعرف بينه وبين عباده المخلصين ، وما من سنة إلاّ و هو يزور فيها مكة حاجا ، ويعتمر في رأس كلّ شهر مرّة ، ويجيء من موضعه من الهند إلى

ص: 93

مكة فضلا من اللّه وعونا ، وكذلك نجزي الشاكرين ، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة كلّ ذلك يجيبه فيها ، وسأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء ، فأخبره بها .

ثم إنّ الراهب قال : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت ، فتبين في الأرض منها أربعة ، وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ؟ ومن

يفسرها ؟ قال : ذلك قائمنا ، فينزله اللّه عليه فيفسره ، وينزله عليه ما لم ينزل على

الصديقين والرسل والمهتدين .

ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي ؟ قال : أخبرك بالأربعة كلّها ، أما أولهن : فلا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له باقيا ، والثانية : محمد رسول اللّه مخلصا ، والثالثة : نحن أهل البيت ، والرابعة :

شيعتنا منّا ونحن من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ورسول اللّه من اللّه بسبب ، فقال له الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّ ما جاء به من عند اللّه حقّ ، وأنّكم صفوة اللّه من خلقه ، وأنّ شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة اللّه ،

والحمد للّه رب العالمين ، فدعا أبو إبراهيم عليه السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة فأعطاها إياه ، وصلّى الظهر ، وقال له : اختتن ، فقال : قد اختتنت في سابعي(1) .

ص: 94


1- توضيح : في القاموس : الخصفة : الجلة تعمل من الخوص للتمر ، والثوب الغليظ جدا انتهى ، وكان الإضافة إلى البواري لبيان أنّ المراد بها ما يعمل من الخوص للفرش مكان البارية لا ما يعمل للتمر ، وكان هذا هو المراد بالبواري فيما سيأتي ، وسندان الآن غير معروف ، لا يردّ : أي سائله كما سيأتي ، أو المسئول به ، عبرة بالكسر ، وهي ما يعتبر به : أي ليستدلوا به على كمال قدرة اللّه حيث خلقه من غير أب ، وفتنة : أي امتحانا ليشكروه على نعمة إيجاد عيسى لهم كذلك فيثابوا ، ويمكن أن يقرأ العبرة بالفتح : الاسم من التعبير عما في الضمير كما يقال لعيسى « كلمة اللّه » ، وللأئمة عليهم السلام « كلمات اللّه » فإنّهم يعبرون عن اللّه . قوله « ما أدري » جواب القسم ، والبطائن كأنّه جمع البطانة بالكسر : أي سرائرها ، وشرائحها : أي ما يشرحها ويبينها ، وكأنّه كناية عن ظواهرها ، وفي بعض النسخ « شرائعها » أي طرق تعلمها ، أو ظواهرها ، ولا بدعائها الدراية تتعدى بنفسها وبالباء يقال : « دريته ودريت به » ، ما أقلّ ضربك : أي مثلك ، رجل خلفته : أي موسى عليه السلام . قوله « ليس بيت المقدس » اسم ليس ضمير مستتر للذي بالشام ، وضمير لكنه لبيت المقدس ، والحاصل : أنّه ليس الذي بالشام اسمه بيت المقدس ولكن المسمى ببيت المقدس هو البيت المقدس المطهر ، وهو بيت آل محمد الذين أنزل اللّه فيهم آية التطهير ، فهو بيت المقدس ، ضمير « هو » للذي بالشام ، والجملة جواب أما وخبر ما ، والحاصل : أي ما سمعت إلى الآن غير الذي بالشام مسمى ببيت المقدس ، وتأنيث تلك باعتبار الخبر ، أو بتأويل البقعة نحوها ، والحظيرة في الأصل هي التي تعمل للإبل من شجر ، ثم استعمل في كلّ ما يحيط بالشيء خشبا أو قصبا أو غيرهما . وقرب البلاء : أي الابتلاء ، والافتنان والخذلان ، وهو المراد بحلول النقمات في دور شياطين الإنس ، أو الأعم منهم ومن الجن بسلب ما يوجب هدايتهم عنهم ، وهو قول اللّه : كان الضمير لمصدر نقلوا ، وقوله البطن إلى قوله مثل معترضة . وقوله : إن هي » إلخ : بيان لقول اللّه ، وحاصل الكلام أن آيات الشرك ظاهرها في الأصنام الظاهرة ، وباطنها في خلفاء الجور الذين أشركوا مع أئمة الحق ونصبوا مكانهم ، فقوله سبحانه : « أَفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَالْعُزّى وَمَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى » أريد في بطنها باللات الأول ، وبالعزى الثاني ، وبالمنوة الثالث حيث سموهم بأمير المؤنين و بخليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبالصديق والفاروق وذي النورين ، وأمثال ذلك . وتوضيحه : أنّ اللّه تعالى لم ينزل القرآن لأهل عصر الرسول صلى الله عليه و آلهوالحاضرين في وقت الخطاب فقط ، بل يشمل سائر الخلق إلى انقضاء الدهر ، فإذا نزلت آية في قصة أو واقعة فهي جارية في أمثالها وأشباهها ، فما ورد في عبادة الأصنام والطواغيت في زمان كان الغالب فيه عبادة الأصنام لعدولهم عن الأدلة العقلية والنقلية الدالة على بطلانها ، وعلى وجوب طاعة النبي الناهي عن عبادتها ، فهو يجري في أقوام تركوا طاعة أئمة الحق واتبعوا أئمة الجور لعدولهم عن الأدلة العقلية والنقلية واتباعهم الأهواء ، وعدولهم عن النصوص الجلية ، فهم لكثرتهم وامتداد أزمنتهم كأنّهم الأصل ، وكان ظواهر الآيات مثل فيهم ، فظواهر الآيات أكثرها أمثال وبواطنها هي المقصودة بالإنزال كما قال سبحانه : « وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » . وعلى ما حققنا لا يلزم جريان سائر الآيات الواقعة في ذلك السياق في هذا البطن كقوله سبحانه : « أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثى » ، وإن أمكن أن يكون في بطن الآية إطلاق الأنثى عليهم للأنوثية السارية في أكثرهم لا سيما الثاني كما مر في تأويل قوله تعالى : « إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً » إن كلّ من تسمى بأمير المؤنين ورضي بهذا اللقب غيره عليه السلام فهو مبتلى بالعلة الملعونة ، أو لضعف الإناث بالنسبة إلى الذكور على سبيل الاستعارة ، فإنّ فرارهم في أكثر الحروب ، وعجزهم عن أكثر أمور الخلافة وشرائطها يلحقهم بالإناث ، كما قال عمر : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدرات في الحجال . ثم اعلم : أنّه قرأ بعضهم مثل بضمتين : أي أصنام ، وهو بعيد ، وقرأ بعضهم مثل بالكسر وقال : المراد أنّ الظهر والبطن جميعا لآل محمد في جميع القرآن مثل هذه الآية ، وهو أيضا بعيد . تعرضت إليك : أي متوجها إليك ، مؤسا ألاّ أكون : الظاهر أنّه بالفتح مركبا من « أن ولا » ولا زائدة كما في قوله تعالى : « ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ » . أو يضمن مؤسا معنى الخوف : أي خائفا أن لا أكون ، وقيل : إلاّ بالكسر من قبيل سألتك إلاّ فعلت كذا : أي كنت في جميع الأحوال مؤسا إلاّ وقت الظفر بحاجتي ، والأول أظهر . « ولا أعلم أن أباك » لعل كلمة أن زيدت من النساخ ، وإن أمكن توجيهه ، وكان التخصيص بالسفر الرابع لكونه أفضل أسفار التوراة ، أو لاشتماله على أحوال خاتم النبيين وأوصيائه - صلوات اللّه عليهم - ، وأقم ثلاثا : كأنّه أمره بذلك لئلا يعلم الناس بالتعجيل مطلبه ، وفي القاموس : النزيل : الضيف . « عن فلان بن فلان الفلاني » : عن موسى بن جعفر العلوي مثلا ، والنادي : المجلس ، وأي ساعة يمر : أي يتوجه إلى النادي ، وضمير فيها للساعة ، فليريكاه بفتح اللام والألف للإشباع . و سأصفه : الظاهر أنّه وصف الإمام عليه السلام بحليته له ، ولم يذكر في الخبر ، ومن بقي : أي أمة خاتم الأنبياء ، فإن دينه باق إلى يوم القيامة . ويجيء من موضعه : أي بطي الأرض بإعجازه عليه السلام . فتبين في الأرض : أي ظهرت وعمل بمضمونها ، وكأن البقاء في الهواء كناية عن عدم تبينها في الأرض وعدم العمل بمضمونها لأنّها متعلقة بأحوال من يأتي في آخر الزمان ، أو أنّها نزلت من اللوح إلى بيت المعمور ، أو إلى السماء الدنيا ، أو إلى بعض الصحف ، لكن لم تنزل بعد إلى الأرض وتنزل عليه عليه السلام ، ويؤده قوله : وينزل عليه ، باقيا كأنّه حال عن يقول المقدر في قوله « فلا إله إلا اللّه » : أي فقولي : لا إله إلا اللّه حال كون ذلك القول باقيا أبد الدهر . وكذا قوله : مخلصا ، أو إلها باقيا ، وأرسل حال كونه مخلصا بفتح اللام أو كسرها ، نحن أهل البيت بالرفع على الخبرية : أي نحن المعنيون بآية التطهير ، أو بالبدلية ، أو بالنصب على الاختصاص ، فالمعنى : أنّ الكلمة الثانية نحن ، فإنّهم كلمات اللّه الحسنى كما مر . وقوله : « بسبب » متعلق بالجمل الثلاث : أي شيعتنا متعلقون منا بسبب وهكذا ، والسبب في الأصل هو الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشيء قال تعالى : « وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبابُ » : أي الوصل والمودات ، والمراد هنا : الدين أو الولاية والمحبة والروابط المعنوية ، والمستذلون بفتح المعجمة : أي الذين صيرهم الناس أذلاء ، وفي بعض النسخ « المستبدلون » إشارة إلى قوله تعالى : « يستبدل قوما غيركم » ، ولهم عاقبة اللّه : أي تمكينهم في الأرض في آخر الزمان كما قال تعالى : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » . وفي القاموس : القوهي : ثياب بيض ، وقوهستان بالضم : كورة بين نيسابور وهراة وموضع وبلد بكرمان ، ومنه ثوب قوهي لما ينسج بها أو كلّ ثوب أشبهه يقال له « قوهي » . « في سابعي » : أي سابع ولادتي بأن كان أبوه مؤنا ، أو سبعة أيام قبل ذلك .

ص: 95

ص: 96

إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا

وروى البرسي في مشارق الأنوار : عن صفوان بن مهران قال : أمرني سيدي أبو عبد اللّه عليه السلام يوما أن أقدّم ناقته إلى باب الدار ، فجئت بها ، فخرج أبو الحسن موسى عليه السلام مسرعا ، و هو ابن ست سنين ، فاستوى على ظهر الناقة ، وأثارها وغاب عن بصري ، قال : فقلت : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، وما أقول لمولاي إذا خرج يريد

الناقة ؟ قال : فلمّا مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنّها شهاب ، وهي ترفض عرقا ، فنزل عنها ودخل الدار ، فخرج الخادم وقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك ، قال : ففعلت ما أمرني فدخلت عليه ، فقال : يا صفوان ، إنّما أمرتك بإحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن ، فقلت في نفسك كذا وكذا ، فهل علمت يا صفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة ؟ إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا مضاعفة ، وأبلغ كلّ مؤن ومؤنة سلامي(1) .

ص: 97


1- أقول : سيأتي الأخبار المتعلقة بهذا الباب في سائر الأبواب الآتية وباب النص على الرضا عليه السلام .

باب 5- عبادته وسيره ومكارم أخلاقه ووفور علمه صلوات عليه عليه

محل عبادته

1 - قرب الإسناد : إبراهيم بن عبد الحميد قال : دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام في بيته الذي كان يصلّي فيه ، فإذا ليس في البيت شيء إلاّ خصفة وسيف معلق ومصحف .

أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله

2 - قرب الإسناد : علي بن جعفر قال : خرجنا مع أخي موسى بن جعفر

عليه السلام في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما ، وأخرى خمسة وعشرين يوما ، وأخرى أربعة وعشرين يوما ، وأخرى أحدا عشرين يوما .

ص: 98

عجبت من كلامي إياهم بالحبشية ؟!

3 - قرب الإسناد : عن علي بن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش ، وقد اشتروهم له ، فكلّم غلاما منهم ، وكان من الحبش جميل ، فكلمه بكلام ساعة حتّى أتى على جميع ما يريد ، وأعطاه درهما فقال : أعط أصحابك هؤاء كلّ غلام منهم كلّ هلال ثلاثين درهما ، ثم خرجوا ، فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلّم هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته ؟ !

قال : أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ، ويعطيهم في كلّ هلال ثلاثين درهما ، وذلك أنّي لما نظرت إليه علمت أنّه غلام عاقل من أبناء ملكهم ، فأوصيته بجميل ما أحتاج إليه فقبل وصيتي ، ومع هذا غلام صدق ، ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية ؟ ! لا تعجب ! فما خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر ، وما هذا من الإمام في علمه إلاّ كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا ؟ ! قال : فإنّ الإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من ذلك ، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا ، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا ولا تنفد عجائبه .

أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفا

4 - إعلام الورى ، الإرشاد : كان أبو الحسن موسى عليه السلام أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا .

وروي أ نّه كان يصلّي نوافل الليل ، ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتّى تطلع الشمس ، ويخرّ للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس، وكان يدعو كثيرا فيقول : اللهم إنّي أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب، ويكرر ذلك ، وكان من دعائه عليه السلام : عظم الذنب من عبدك فليحسن

ص: 99

العفو من عندك ، وكان يبكي من خشية اللّه حتّى تخضل لحيته بالدموع ، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه ، وكان يفتقد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الزبيل فيه العين والورق والأدقة والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو .

ناولني صرّة فيها ثلاثمائة دينار

5 - الإرشاد : عن محمد بن عبد اللّه البكري قال : قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني ، فقلت : لو ذهبت إلى أبي الحسن عليه السلام فشكوت إليه ، فأتيته بنقمي في ضيعته ، فخرج إليّ ومعه غلام ، ومعه منسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره ، فأكل فأكلت معه ، ثم سألني عن حاجتي ، فذكرت له قصتي ، فدخل ولم يقم إلاّ يسيرا حتّى خرج إليّ ، فقال لغلامه : اذهب ، ثمّ مدّ يده إليّ فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار ، ثم قام فولى ، فقمت فركبت دابتي وانصرفت(1) .

إنّي أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم

7 - إعلام الورى ، الإرشاد : إنّ رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤي أبا الحسن موسى عليه السلام ، ويسبّه إذا رآه ويشتم عليا ، فقال له بعض حاشيته يوما : دعنا نقتل هذا الفاجر ، فنهاهم عن ذلك أشد النهي وزجرهم ، وسأل عن العمري ، فذكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه فوجده في مزرعة له ، فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به العمري لا توطئ زرعنا ، فتوطأه عليه السلام بالحمار حتّى وصل إليه ، ونزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه ، وقال له : كم غرمت على زرعك هذا ؟ قال : مائة دينار ، قال : فكم ترجو أن تصيب ؟ قال : لست أعلم الغيب ،

ص: 100


1- بيان : المنسف كمنبر : ما ينفض به الحبّ ، شيء طويل متصوب الصدر ، أعلاه مرتفع ، المجزع : المقطع .

قال له : إنّما قلت : كم ترجو أن يجيئك فيه ؟ قال : أرجو أن يجيء مائتا دينار ، قال : فأخرج له أبو الحسن عليه السلام صرّة فيها ثلاثمائة دينار وقال : هذا زرعك على حاله ، واللّه يرزقك فيه ما ترجو ، قال : فقام العمري فقبل رأسه ، وسأله أن يصفح عن فارطه ، فتبسم إليه أبو الحسن وانصرف ، قال : وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا ، فلمّا نظر إليه قال : اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته ، قال : فوثب أصحابه إليه فقالوا له : ما قضيتك ؟ قد كنت تقول غير هذا ! قال : فقال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن ، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام ، فخاصموه وخاصمهم ، فلمّا رجع أبو الحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري : أيما كان خيرا ما أردتم أم ما أردت ؟ إنّني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم ، وكفيت به شره .

وذكر جماعة من أهل العلم : أنّ أبا الحسن عليه السلام كان يصل بالمائتي دينار إلى الثلاثمائة ، وكان صرار موسى مثلا .

تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلّة العير

وذكر ابن عمارة وغيره من الرواة : أنّه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها ، يقدمهم موسى بن جعفر عليه السلام على بغلة ، فقال له الربيع : ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤنين ؟ وأنت إن تطلب عليها لم تلحق وإن طلبت عليها لم تفت ، فقال : إنّها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلّة العير ، وخير الأمور أوساطها .

السلام عليك يا أبتاه

قالوا : ولما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلى الله عليه و آله ومعه الناس ، فتقدّم الرشيد إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك

ص: 101

يا ابن عم ، مفتخرا بذلك على غيره ! فتقدّم أبو الحسن عليه السلام فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا أبتاه ، فتغير وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه .

كان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين

وقد روى الناس عن أبي الحسن عليه السلام فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه حسب ماقدمناه ، وأحفظهم لكتاب اللّه ، وأحسنهم صوتا بالقرآن ، وكان إذا قرأه يحزن ويبكي السامعون بتلاوته ، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين ، وسمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين ، حتّى مضى قتيلا في حبسهم ووثاقهم صلى الله عليه و آله .

كانت صرار موسى مثلا

أقول : روى أبو الفرج في « مقاتل الطالبين » : عن يحيى بن الحسن قال : كان موسى بن جعفر عليه السلام إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّه دنانير ، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار ، فكانت صرار موسى مثلا .

ما قرأ هكذا إلاّ المسيح

6 - المناقب لابن شهرآشوب : قال موسى بن جعفر لأبرهة النصراني : كيف

علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله ، قال : فابتدأ موسى عليه السلام يقرأ الإنجيل ، فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة ، فأسلم على يديه .

ص: 102

هؤاء أصحاب الأحقاف

حج المهدي ، فلمّا صار في فتق العبادي ضجّ الناس من العطش ، فأمر أن تحفر بئر ، فلمّا بلغوا قريبا من القرار هبت عليهم ريح من البئر ، فوقعت الدلاء ومنعت من

العمل ، فخرجت الفعلة خوفا على أنفسهم ، فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيرا ليحفرا ، فنزلا فأبطآ ، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما ، فسألهما عن الخبر ، فقالا : إنّا رأينا آثارا وأثاثا ورأينا رجالا ونساء ، فكلّما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء ، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون ، فقال موسى بن جعفر عليه السلام : هؤاء أصحاب الأحقاف غضب اللّه عليهم فساخت بهم ديارهم وأموالهم .

الراهب يسأل الامام عليه السلام فى الغار

دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشام متنكرا هاربا ، فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كلّ سنة يوما ، فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة ، فقال : يا هذا أنت غريب ؟ قال : نعم ، قال : منا أو علينا ؟ قال : لست منكم ، قال : أنت من الأمة المرحومة ؟ قال : نعم ، قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال : لست من جهالهم ! فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى ، وعندكم في دار محمد ، وأغصانها في كلّ دار ؟ فقال عليه السلام : الشمس قد وصل ضوؤا إلى كلّ مكان وكلّ موضع ، وهي في السماء ، قال : وفي الجنة لا ينفد طعامها ، وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء ، قال : وفي الجنة ظلّ ممدود ؟ فقال : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظلّ ممدود قوله « أَلَمْ تَرَ إِلى

رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » ، قال : ما يؤل ويشرب في الجنة لا يكون بولا ولا غائطا ؟ قال : الجنين في بطن أمه ، قال : أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟

ص: 103

فقال : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤ ذلك ويفعلون بمراده من غير أمر ، قال : مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنة لسان العبد « لا إله إلاّ اللّه » ، قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه .

أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟

وقال أبو حنيفة : رأيت موسى بن جعفر ، وهو صغير السن ، في دهليز أبيه فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثم قال : يتوارى خلف الجدار ، ويتوقّى أعين الجار ، ويتجنّب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شاء .

قال : فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ، ممن المعصية ؟ فنظر إليّ ثم قال : اجلس حتّى أخبرك ، فجلست فقال : إنّ المعصية لابد أن تكون من العبد ، أو من ربّه ، أو منهما جميعا ! فإن كانت

من اللّه - تعالى - فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ، ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، وإليه توجه النهي ، وله حقّ الثواب والعقا ،ب ووجبت الجنة والنار ، فقلت : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » الآية .

هذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق

وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام لما روى عنه قال : حدثني موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، وهكذا إلى النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق .

ص: 104

أبيات لأبي نؤاس

ولقيه أبو نواس فقال :

إذا أبصرتك العين من غير ريبة

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أنّ ركبا أمموك لقادهم

نسيمك حتّى يستدل بك الركب

جعلتك حسبي في أموري كلّها

وما خاب من أضحى وأنت له حسب

صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب

7 - المناقب لابن شهرآشوب : صفوان الجمال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صاحب هذا الأمر ؟ فقال : صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، فأقبل موسى بن جعفر ، وهو صغير ومعه عناق مكية ، وهو يقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبد اللّه عليه السلام فضمه إليه وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب .

كان عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن

اليوناني : كانت لموسى بن جعفر بضع عشرة سنة كلّ يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، وكان عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن ، وبكى السامعون لتلاوته ، وكان يبكي من خشية اللّه حتّى تخضلّ لحيته بالدموع .

اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك

أحمد بن عبد اللّه عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع ، وهو جالس على سطح ، فقال لي : أشرف على هذا البيت وانظر ماترى ؟ فقلت : ثوبا مطروحا ، فقال :

ص: 105

انظر حسنا ، فتأملت ، فقلت : رجل ساجد ، فقال لي : تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر ، أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على هذه الحالة ، إنّه يصلّي

الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتّى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلّي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر .

وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيرا يقول في دعائه : اللهم إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد .

وكان عليه السلام يقول في سجوده : قبح الذنب من عبدك فليحسن العفوالتجاوز من عندك .

ومن دعائه عليه السلام : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب .

كانت صرار موسى مثلا

وكان عليه السلام يتفقد فقراء أهل المدينة فيحمل إليهم في الليل العين والورق وغير ذلك ، فيوصله إليهم ، وهم لا يعلمون من أي جهة هو .

وكان عليه السلام يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار ، فكانت صرار موسى مثلا .

وشكا محمد البكري إليه فمدّ يده إليه ، فرجع إلى صرة فيها ثلاثمائة دينار .

اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك

وحكي أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتهنية في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه ، فقال عليه السلام : إنّي قد فتشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم أجد لهذا العيد خبرا ، وإنّه سنة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام ، فقال المنصور : إنّما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك

ص: 106

باللّه العظيم إلاّ جلست ، فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنئونه ، ويحملون إليه الهدايا والتحف ، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل ، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن ، فقال له : يا ابن بنت رسول اللّه ، إنّني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ، ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه السلام :

عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج وقد علاك غبار

ولأسهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدك والدموع غزار

ألا تغضغضت السهام وعاقها

عن جسمك الإجلال والإكبار

قال : قبلت هديتك ، اجلس بارك اللّه فيك ، ورفع رأسه إلى الخادم وقال : امض إلى أمير المؤنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به ؟ فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلّها هبة مني له يفعل به ما أراد ، فقال موسى للشيخ : اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك(1) .

تنح عن القبيح و لا ترده

8 - المناقب لابن شهرآشوب : موسى بن جعفر عليه السلام قال : دخلت ذات يوم من المكتب ومعي لوحي ، قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يا بني ، اكتب « تنح عن القبيح و لا ترده » ، ثم قال : أجزه(2) ، فقلت : « ومن أوليته حسنا فزده » ، ثم قال : « ستلقى من عدوك كلّ كيد » ، فقلت : « إذا كاد العدو فلا تكده » ، قال : فقال : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .

ص: 107


1- بيان : فرند السيف بكسر الفاء والراء : جوهره ووشيه ، والتغضغض : الانتقاص .
2- بيان : قال الجوهري : الإجازة أن تتم مصراع غيرك .

اقض حاجة هشام بن إبراهيم

9 - رجال الكشي : عن محمد بن سالم قال : لما حمل سيدي موسى بن جعفر عليه السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي فقال له : يا سيدي قد كتب لي صكّ إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروج أمري ، قال : فركب إليه أبو الحسن عليه السلام ، فدخل عليه حاجبه فقال : يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب ، فقال : فإن كنت صادقا فأنت حرّ ولك كذا وكذا ، فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتّى خرج إليه ، فوقع على قدميه يقبلهما ، ثم سأله أن يدخل ، فدخل فقال له : اقض حاجة هشام بن إبراهيم ، فقضاها ثم قال : يا سيدي ، قد حضر الغداء فتكرمني أن تتغدى عندي ، فقال : هات ، فجاء بالمائدة وعليها البوارد ، فأجال عليه السلاميده في البارد ، ثم قال : البارد تجال اليد فيه ، فلمّا رفع البارد وجاء بالحار ، فقال أبو الحسن عليه السلام : الحار حمى(1) .

أطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات

10 - الكافي : أولم أبو الحسن موسى عليه السلام على بعض ولده فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في الجفان في المساجد والأزقة ، فعابه بذلك بعض أهل المدينة ، فبلغه ذلك فقال عليه السلام : ما آتى اللّه - عزّ وجلّ - نبيا من أنبيائه شيئا إلاّ وقد آتى محمدا صلى الله عليه و آله مثله ، وزاده ما لم يؤهم ، قال لسليمان عليه السلام :« هذا عَطاؤنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » ، وقال لمحمد صلى الله عليه و آله : « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » .

ص: 108


1- بيان : الحار حمى : أي تمنع حرارته عن إجالة اليد فيه ، أو كناية عن استحباب ترك إدخال اليد فيه قبل أن يبرد .

يأكل السكر عند النوم

11 - الكافي : عدة عن سهل عن علي بن حسان عن موسى بن بكر قال كان أبو الحسن الأول عليه السلام كثيرا ما يأكل السكر عند النوم

الوشي على جواري الامام عليه السلام

12 - الكافي : عن يونس بن يعقوب قال : حدثني من أثق به : أنّه رأى على

جواري أبي الحسن موسى عليه السلام الوشي .

إذا أراد دخول الحمام

13 - عن الحسين بن موسى قال : كان أبي موسى بن جعفر عليه السلام إذا أراد دخول الحمام أمر أن يوقد عليه ثلاثا ، فكان لا يمكنه دخوله حتّى يدخله السودان فيلقون له اللبود ، فإذا دخله ، فمرة قاعد ومرة قائم ، فخرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له « كنيد » وبيده أثر حناء ، فقال : ما هذا الأثر بيدك ؟ فقال : أثر حناء ، فقال : ويلك يا كنيد ، حدثني أبي - وكان أعلم أهل زمانه -

عن أبيه عن جده قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من دخل الحمام فاطلى ، ثم أتبعه بالحناء من قرنه إلى قدمه كان أمانا له من الجنون والجذام والبرص والأكلة إلى مثله من النورة .

تمشطوا بالعاج

14 - الكافي : الحسن بن عاصم قال : دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام وفي يده مشط عاج يتمشط به ، فقلت له : جعلت فداك إنّ عندنا بالعراق من يزعم

ص: 109

أنّه لا يحلّ التمشّط بالعاج ، قال : ولم ؟ فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان ، فقال : تمشطوا بالعاج ، فإن العاج يذهب بالوباء .

15 - الكافي : عن موسى بن بكر قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يتمشط بمشط عاج واشتريته له .

كانت قراءته حزنا

16 - الكافي : عن حفص قال : ما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليه السلام ، ولا أرجى للناس منه ، وكانت قراءته حزنا ، فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا .

جمروا مرازما

17 - الكافي : عن مرازم قال : دخلت مع أبي الحسن عليه السلام الحمام ، فلمّا خرج إلى المسلخ دعا بمجمرة فتجمر به ، ثم قال : جمروا مرازما ، قال : قلت : من أراد يأخذ نصيبه يأخذ ؟ قال : نعم .

كن نساء الكاظم عليه السلام إذا تبخّرن أخذن نواة الصيحاني

18 - الكافي : عن أحمد بن أبي خلف مولى أبي الحسن عليه السلام ، وكان اشتراه وأباه وأمه وأخاه فأعتقهم ، واستكتب أحمد وجعله قهرمانه ، قال أحمد : كن نساء أبي الحسن عليه السلام إذا تبخّرن أخذن نواة من نوى الصيحاني ممسوحة من التمر ، منقاة التمر والقشارة ، فألقينها على النار قبل البخور ، فإذا دخنت النواة أدنى دخان رمين النواة

وتبخرن من بعد ، وكن يقلن هو أعبق وأطيب للبخور ، وكن يأمرن بذلك .

ص: 110

كتبا لأبي الحسن عليه السلام متربة

19 - الكافي : عن علي بن عطية : أنّه رأى كتبا لأبي الحسن عليه السلام متربة .

يا خلف سرّ اللّه فلا تذيعوه

20 - الكافي : عن خلف بن حماد الكوفي قال : تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث ، فلمّا افتضها سال الدم ، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، قال : فأروها القوابل ، ومن ظنوا أنّه يبصر ذلك من النساء فاختلفن ، فقال بعض : هذا من دم الحيض ، وقال بعض : هو من دم العذرة ، فسألوا عن ذلك فقهاءهم ، مثل أبي حنيفة وغيره من فقهائهم ، فقالوا : هذا شيء قد أشكل ، والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضأ ولتصل وليمسك عنها زوجها حتّى ترى البياض ، فإن كان دم الحيض لم تضرها الصلاة ، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ، ففعلت الجارية ذلك ، وحججت في تلك السنة ، فلمّا صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّ لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك فأسألك عنها ، فبعث إليّ إذا هدأت الرجل وانقطع الطريق فأقبل إن شاء اللّه ، قال خلف : فرعيت الليل حتّى إذا رأيت الناس قد قلّ اختلافهم بمنى توجهت إلى مضربه ، فلمّا كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق ، فقال : من الرجل ؟ فقلت : رجل من الحاج ، فقال : ما اسمك ؟ قلت : خلف بن حماد ، فقال : ادخل بغير إذن ، فقد أمرني أن أقعد هاهنا فإذا أتيت أذنت لك ، فدخلت فسلمت فردّ عليّ السلام ، وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره ، فلمّا صرت بين يديه سألني وسألته عن حاله ، فقلت له : إنّ رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث ، فلمّا افتضها فافترعها سال الدم ، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، وإن القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهن : دم الحيض ، وقال بعضهن :

ص: 111

دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال : فلتتق اللّه ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة ، فلتتق اللّه ،

ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك ، فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا مما هي حتّى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال : فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ، قال : ثم نهد إليّ فقال : يا خلف سرّ اللّه فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين اللّه ، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال ، قال : ثم عقد بيده اليسرى

تسعين ، ثم قال : تستدخل القطنة ، ثم تدعها مليا ، ثم تخرجها إخراجا رفيقا ، فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض ، قال : خلف فاستخفني الفرح فبكيت ، فلمّا سكن بكائي فقال : ما أبكاك ؟ قلت : جعلت فداك ، من كان يحسن هذا غيرك ؟ ! قال : فرفع يده إلى السماء وقال : واللّه إنّي ما أخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن اللّه عز وجل(1) .

أين يضع الغريب ببلدكم ؟

21 - الكافي : علي بن إبراهيم رفعه قال : خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه ، وأبو الحسن موسى عليه السلام قائم وهو غلام ، فقال له أبو حنيفة : يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال : اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك وضع حيث شئت .

ص: 112


1- بيان : المعصر : الجارية أول ما أدركت وحاضت ، أو هي التي قاربت الحيض . قوله عليه السلام : هدأت الرجل : أي بعد ما يسكن الناس عن المشي والاختلاف . قوله : ثم نهد إليّ : أي نهض ، قوله : ثم عقد بيده اليسرى تسعين : أي وضع رأس ظفر مسبحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها : أي هكذا تدخل إبهامها لإدخال القطنة ، ولعل المراد أنّه عليه السلام عقد عقدا لو كان باليمنى لكان تسعين ، وإلاّ فكلّما في اليمنى موضوع للعشرات ، ففي اليسرى موضوع للمآت ، ويحتمل أن يكون الراوي وهم في التعبير ، أو يكون إشارة إلى اصطلاح آخر سوى ما هو المشهور .

كان إذا اهتم ترك النافلة

22 - الكافي : أن أبا الحسن الأول عليه السلام كان إذا اهتم ترك النافلة .

أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟

23 - الكافي : عن هشام بن الحكم في حديث برية : أنّه لما جاء معه إلى أبي عبد اللّه فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلمّا فرغ قال أبو الحسن لبرية : يا برية كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا به عالم ، ثم قال : كيف

ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه ، قال : فابتدأ أبو الحسن يقرأ الإنجيل ،

فقال برية : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال : فقال : فآمن برية وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة التي كانت معه .

فدخل هشام وبرية والمرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى عليه السلام وبين برية ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » فقال برية : أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرأها كما قرءوها ، ونقولها كما قالوا ، إنّ اللّه لا يجعل

حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري .

اذهب فهي لك

24 - الكافي : عن معتب قال : كان أبو الحسن موسى عليه السلام في حائط له يصرم ، فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط ، فأتيته فأخذته وذهبت به إليه،

فقلت له: جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة ، فقال للغلام: فلان، قال : لبيك ، قال : أتجوع ؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فتعرى ؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فلأي شيء أخذت هذه ؟ قال : اشتهيت ذلك ، قال : اذهب فهي لك ، وقال : خلوا عنه .

ص: 113

قد عمل باليد من هو خير مني

25 - الكافي : عن علي بن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق ، فقلت : جعلت فداك ، أين الرجال ؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي ، فقلت : ومن هو ؟ فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين .

ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة ؟

26 - الكافي : أبو بصير قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام في السنة التي قبض فيها أبو عبد اللّه عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة ؟ فقال : يا أبا محمد ، إنّ نوحا عليه السلام كان في السفينة ، وكان ما شاء اللّه ، وكانت السفينة مأمورة ، فطاف بالبيت ، وهو طواف النساء ، وخلى سبيلها نوح عليه السلام ، فأوحى اللّه - عزّ

وجلّ - إلى الجبال : أنّي واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن ، فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي ، وهو جبل عندكم ، فضربت السفينة بجؤؤا الجبل ، قال : فقال نوح عند ذلك : يا ماوي أتقن ، وهو بالسريانية : ربّ أصلح ، قال : فظننت أنّ أبا الحسن عرض بنفسه .

ذكرت نعمة أنعم اللّه بها عليّ فأحببت أن أشكر ربّي

27 - الكافي : عن هشام بن أحمر قال : كنت أسير مع أبي الحسن عليه السلام في بعض أطراف المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا ، فأطال وأطال ، ثم رفع رأسه وركب دابته ، فقلت : جعلت فداك ، قد أطلت السجود ؟ فقال : إنّني ذكرت نعمة أنعم اللّه بها عليّ فأحببت أن أشكر ربّي .

ص: 114

إنّه نبعة نبوة

28 - الكافي : عن عيسى شلقان قال : كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى عليه السلام ومعه بهيمة ، قال : فقلت : يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك ؟ يأمرنا بالشيء ثم ينهانا عنه ! ! أمرنا أن نتولّى أبا الخطاب ، ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه ! ! فقال أبو الحسن عليه السلام وهو غلام : إنّ اللّه خلق خلقا للإيمان لا زوال له ، وخلق خلقا للكفر لا زوال له ، وخلق خلقا بين ذلك أعارهم اللّه الإيمان ، يسمون المعارين ، إذا شاء سلبهم ، وكان أبو الخطاب ممن أعير الإيمان ، قال : فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته ما قلت لأبي الحسن عليه السلام وما قال لي ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّه نبعة نبوة .

فعمران بن موسى يستدين

29 - الكافي : عن موسى بن بكر قال : ما أحصى ما سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام ينشد :

فإن يك يا أميم عليّ دين

فعمران بن موسى يستدين

إنّ فيه من القمار فقاءه .

30 - الكافي : عن عبد الحميد بن سعيد قال : بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا ، فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها ، فلمّا أتى به أكله ، فقال له مولى له : إنّ فيه من القمار ، قال : فدعا بطشت فتقيأ فقاءه .

نشتري مع المسلمين يوما بيوم

31 - الكافي : عن معتب قال : كان أبو الحسن عليه السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن

نخرجها فنبيعها ، ونشتري مع المسلمين يوما بيوم .

ص: 115

ويحك أنا أحيي وأميت ؟

32 - الغيبة للنعماني: عن معاوية بن وهب قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فرأيت أبا الحسن موسى عليه السلام ، وله يومئذ ثلاث سنين ، ومعه عناق من هذه المكية وهو آخذ بخطامها ، وهو يقول لها : اسجدي ، فلا تفعل ذلك ثلاث مرات ، فقال غلام له صغير : يا

سيدي قل لها تموت ، فقال موسى عليه السلام : ويحك أنا أحيي وأميت اللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ .

كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

33 - مكارم الأخلاق : عن جعفر العاصمي عن أبيه قال : حججت ومعي جماعة من أصحابنا ، فأتيت المدينة فقصدنا مكانا ننزله ، فاستقبلنا أبو الحسن موسى عليه السلام على حمار أخضر يتبعه طعام ، ونزلنا بين النخل ، وجاء ونزل وأتي بالطست والماء والأشنان فبدأ بغسل يديه ، وأدير الطست عن يمينه حتّى بلغ آخرنا ، ثم أعيد إلى من على يساره حتّى أتي إلى آخرنا ، ثم قدم الطعام ، فبدأ بالملح ، ثم قال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، ثم ثنى بالخل ، ثم أتي بكتف مشوي فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فإنّ هذا طعام كان يعجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم أتي بالخل والزيت فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّ هذا طعام كان يعجب فاطمة عليهاالسلام ، ثم أتي بسكباج فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فهذا طعام كان يعجب أمير المؤنين عليه السلام ، ثم أتي بلحم مقلو فيه باذنجان فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإن هذا طعام كان يعجب الحسن بن علي عليه السلام ، ثم أتي بلبن حامض قد ثرد فيه فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّ هذا طعام كان يعجب الحسين بن علي عليه السلام ، ثم أتي بجبن مبزر فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّ هذا طعام كان يعجب محمد بن علي عليه السلام ، ثم أتي بتور فيه بيض كالعجة فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّ هذا طعام كان يعجب أبي جعفرا عليه السلام ، ثم أتي بحلواء فقال : كلوا بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإنّ هذا طعام كان يعجبني ، ورفعت المائدة ، فذهب أحدنا ليلقط ما كان تحتها

ص: 116

فقال

عليه السلام : إنّما ذلك في المنازل تحت السقوف فأما في مثل هذا الموضع فهو لعافية الطير والبهائم ، ثم أتي بالخلال فقال : من حقّ الخلال أن تدير لسانك في فمك ، فما أجابك ابتلعته ، وما امتنع ثم بالخلال تخرجه فتلفظه ، وأتي بالطست والماء ، فابتدأ بأول من على يساره حتّى انتهي إليه ، فغسل ثم غسل من على يمينه حتّى أتي على آخرهم ، ثم قال : يا عاصم كيف أنتم في التواصل والتبار ؟ فقال : على أفضل ما كان عليه أحد ، فقال : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده فيأمر بإخراج كيسه فيخرج ، فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته فلا ينكر عليه ؟ ! قال : لا ، قال : لستم على ما أحبّ من التواصل والضيقة والفقر .

إنّي أستغفر اللّه في كلّ يوم خمسة آلاف مرة

34 - كتاب حسين بن سعيد والنوادر : إبراهيم بن أبي البلاد قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : إنّي أستغفر اللّه في كلّ يوم خمسة آلاف مرة .

صاحب هذا الأمر كلتا يديه يمين

35 - قرب الإسناد : عن الحسين بن أبي العرندس قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام بمنى ، وعليه نقبة ورداء ، وهو متكئ على جواليق سود ، متكئ على يمينه ، فأتاه غلام أسود بصحفة فيها رطب ، فجعل يتناول بيساره فيأكل ، وهو متكئ على يمينه ، فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا ، قال : فقال لي : أنت رأيته يأكل بيساره ؟ قال : قلت : نعم ، قال : أما واللّه لحدثني سليمان بن خالد : أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : صاحب هذا الأمر كلتا يديه يمين(1) .

ص: 117


1- بيان : النقبة بالضم : ثوب كالإزار تجعل له حجزة مطيفة من غير نيفق ، كذا ذكره الفيروزآبادي ، والحجزة : هي التي تجعل فيها التكة ، ونيفق السراويل : الموضع المتسع منها .

كنت أغمز قدم أبي الحسن عليه السلام وهو نائم

36 - قرب الإسناد : عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أمه قالت : كنت أغمز

قدم أبي الحسن عليه السلام وهو نائم مستقبلا في السطح ، فقام مبادرا يجرّ إزاره مسرعا ، فتبعته ، فإذا غلامان له يكلمان جاريتين له وبينهما حائط لا يصلان إليهما ، فتسمّع عليهما ثم التفت إليّ فقال : متى جئت هاهنا ؟ فقلت : حيث قمت من نومك مسرعا فزعت فتبعتك ، قال : لم تسمعي الكلام ؟ قلت : بلى ، فلمّا أصبح بعث الغلامين إلى بلد ، وبعث بالجاريتين إلى بلد آخر فباعهم .

أولئك أصحاب الأحقاف

37 - الخرائج والجرائح : روي : أنّ المهدي أمر بحفر بئر بقرب قبر العبادي

لعطش الحاج هناك ، فحفر أكثر من مائة قامة ، فبينما هم يحفرون إذ خرقوا خرقا ، فإذا تحته هواء لا يدرى قعره ، وهو مظلم وللريح فيه دوي ، فأدخلوا رجلين ، فلمّا خرجا تغيرت ألوانهما ، فقالا : رأينا هواء ، ورأينا بيوتا قائمة ، ورجالا ونساء وإبلا وبقرا وغنما ، كلمّا مسسنا شيئا منها رأيناه هباء ، فسألنا الفقهاء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو ! فقدم أبو الحسن موسى عليه السلام على المهدي فسأله عنه ، فقال : أولئك أصحاب الأحقاف ، هم بقية من قوم عاد ، ساخت بهم منازلهم ، وذكر على مثل قول الرجلين .

ص: 118

باب 6- مناظراته عليه السلام مع خلفاء الجور وما جرى بينه وبينهم وفيه بعض أحوال علي بن يقطين

أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي

1 - الإختصاص : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : لما أمر هارون الرشيد بحملي دخلت عليه فسلمت ، فلم يردّ السلام ، ورأيته مغضبا ، فرمى إليّ بطومار فقال : اقرأه ، فإذا فيه كلام قد علم اللّه - عزّ وجلّ - براءتي منه ، وفيه : أنّ موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بإمامته ، يدينون اللّه بذلك ،

ويزعمون أنّه فرض عليهم إلى أن يرث اللّه الأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها ، ويزعمون أنّه من لم يذهب إليه بالعشر ، ولم يصل بإمامتهم ، ولم يحج بإذنهم ، ويجاهد بأمرهم ، ويحمل الغنيمة إليهم ، ويفضل الأئمة على جميع الخلق ، ويفرض طاعتهم مثل طاعة اللّه وطاعة رسوله ، فهو كافر حلال ماله ودمه ، وفيه كلام شناعة مثل : المتعة بلا شهود ، واستحلال الفروج بأمره ولو بدرهم ، والبراءة من السلف ، ويلعنون عليهم في صلاتهم ، ويزعمون أنّ من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه ،

ص: 119

ومن أخر الوقت فلا صلاة له لقول اللّه - تبارك وتعالى - « أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » ، يزعمون أنّه واد في جهنم ، والكتاب طويل ، وأنا قائم أقرأ ، وهو ساكت ، فرفع رأسه وقال : اكتفيت بما قرأت ؟ ! فكلّم بحجتك بما قرأته ! قلت : يا أمير المؤنين ، والذي بعث محمدا صلى الله عليه و آله بالنبوة ، ما حمل إليّ أحد درهما ولا دينارا من طريق الخراج ، لكنّا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلّها اللّه لنبيه صلى الله عليه و آلهفي قوله : لو أهدي لي كراع لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت ، وقد علم أمير المؤنين ضيق ما نحن فيه ، وكثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب ، فضاق بنا الأمر ، وحرّمت علينا الصدقة ، وعوضنا اللّه - عزّ وجلّ - عنها الخمس ، واضطررنا إلى قبول الهدية ، وكلّ ذلك مما علمه أمير المؤنين ، فلمّا تمّ كلامي سكت ، ثم قلت : إن رأى أمير المؤنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله ، فكأنّه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته .

فقلت : حدثني أبي عن جدّي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و آله : أنّ الرحم إذا مست رحما تحركت واضطربت ، فإن رأيت أن تناولني يدك ، فأشار بيده إليّ ثم قال : ادن ، فدنوت ، فصافحني وجذبني إلى نفسه مليا ، ثم فارقني وقد دمعت عيناه ، فقال لي : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس ، صدقت وصدق جدّك وصدق النبي صلى الله عليه و آله ، لقد تحرك دمي واضطربت عروقي ، واعلم أنّك لحمي ودمي ، وأنّ الذي حدثتني به صحيح ، وإنّي أريد أن أسألك عن مسألة ، فإن أجبتني أعلم أنّك صدقتني ، خليت عنك ووصلتك ، ولم أصدق ما قيل فيك ، فقلت : ما كان علمه عندي أجبتك فيه ، فقال : لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول اللّه وأنتم ولد علي ، وفاطمة

إنّما هي وعاء ، والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم ؟ ! فقلت : إن رأى أمير المؤنين أن يعفيني من هذه المسألة فعل ! فقال : لست أفعل أو أجبت ، فقلت : فأنا في أمانك

ص: 120

أن لا يصيبني من آفة السلطان شيء ؟ فقال : لك الأمان ، قلت : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى » فمن أبو عيسى ؟ فقال : ليس له أب ، إنّما خلق من كلام اللّه - عزّ وجلّ - وروح القدس ، فقلت : إنّما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم ، وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي عليه السلام ، فقال : أحسنت ، أحسنت ، يا موسى زدني من مثله ، فقلت : اجتمعت الأمة - برّها وفاجرها - أنّ حديث النجراني حين دعاه النبي صلى الله عليه و آله إلى المباهلة لم يكن في الكساء

إلاّ النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال اللّه - تبارك وتعالى - : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » ، فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب ، فقال : أحسنت .

ثم قال : أخبرني عن قولكم ليس للعم مع ولد الصلب ميراث ؟ فقلت : أسألك يا أمير المؤنين بحقّ اللّه وبحقّ رسوله صلى الله عليه و آله أن تعفيني من تأويل هذه الآية وكشفها ، وهي عند العلماء مستورة ، فقال : إنّك قد ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك ، ولست أعفيك ، فقلت : فجدد لي الأمان ، فقال : قد أمنتك ، فقلت : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، وإنّ عمّي العباس قدر على الهجرة فلم يهاجر ، وإنّما كان في عدد الأسارى عند النبي صلى الله عليه و آله وجحد أن يكون له الفداء ، فأنزل اللّه - تبارك وتعالى - على النبي صلى الله عليه و آله يخبره بدفين له من ذهب ، فبعث عليا عليه السلام فأخرجه من عند أم الفضل ، وأخبر العباس بما أخبره جبرئيل عن اللّه - تبارك وتعالى - ، فأذن لعلي وأعطاه علامة الذي دفن فيه ، فقال العباس عند ذلك : يا ابن أخي ما فاتني منك أكثر ، وأشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، فلمّا أحضر علي الذهب

ص: 121

فقال العباس : أفقرتني يا ابن أخي ، فأنزل اللّه - تبارك وتعالى - « إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ » ، وقوله « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا » ، ثم قال : « وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ » ، فرأيته قد اغتم .

ثم قال : أخبرني من أين قلتم إنّ الإنسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله ؟ فقلت : أخبرك يا أمير المؤنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد ما دمت حيا ، وعن قريب يفرق اللّه بيننا وبين من ظلمنا ، وهذه مسألة لم يسألها أحدا من السلاطين غير أمير المؤنين ، قال : ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا أحد من آبائنا ؟ قلت : ما سئلت ولا سئل أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عنها ، قال : فإن بلغني عنك أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به رجعت عما أمنتك ، فقلت : لك عليّ ذلك ، فقال : أحببت أن تكتب لي كلاما موجزا له أصول وفروع يفهم تفسيره ، ويكون ذلك سماعك من أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقلت : نعم ، وعلى عيني يا أمير المؤنين ، قال : فإذا فرغت فارفع حوائجك ، وقام ووكل بي من يحفظني ، وبعث إليّ في كلّ يوم بمائدة سرية ، فكتبت :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أمور الدنيا أمران : أمر لا اختلاف فيه ، وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها ، والأخبار المجتمع عليها المعروض عليها شبهة ، والمستنبط منها كلّ حادثة ، وأمر يحتمل الشكّ والإنكار ، وسبيل استنصاح أهله الحجة عليه ، فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنة عن النبي صلى الله عليه و آله لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، ضاق على من استوضح تلك الحجة ردّها ، ووجب عليه قبولها والإقرار والديانة بها ، وما لم يثبت لمنتحليه به حجة ، من كتاب مستجمع على تأويله ، أو سنة عن النبي صلى الله عليه و آله لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ، وسع خاص الأمة وعامها الشكّ فيه والإنكار له ، كذلك ، هذان الأمران من أمر

ص: 122

التوحيد فما دونه إلى أرش الخدش فما دونه ، فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين ، فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عنك ضوؤ نفيته ولا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ

وحَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

فأخبرت الموكّل بي أنّي قد فرغت من حاجته فأخبره ، فخرج وعرضت عليه فقال : أحسنت ، هو كلام موجز جامع ، فارفع حوائجك يا موسى ، فقلت : يا أمير المؤنين أول حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي ، فإنّي تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا ، فقال : مأذون لك ، ازدد ، فقلت : يبقي اللّه

أمير المؤنين لنا معاشر بني عمه ، فقال : ازدد ، فقلت : عليّ عيال كثير ، وأعيننا بعد اللّه ممدودة إلى فضل أمير المؤنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم وكسوة ، وحملني وردّني إلى أهلي مكرما(1) .

2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : موسى بن جعفر عليه السلام قال : لما أدخلت على الرشيد

سلمت عليه ، فردّ عليّ السلام ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج ؟ فقلت : يا أمير المؤنين ، أعيذك باللّه « أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ » وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت أنّه قد كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله بما علم ذلك عندك ، فإن رأيت بقرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : قد أذنت لك ، فقلت : أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ الرحم إذا مست الرحم

ص: 123


1- بيان : قد أثبتنا شرح أجزاء الخبر في المحال المناسبة لها ، وقد مرّ بتغيير في كتاب الاحتجاج ، ورواه في كتاب الاستدراك أيضا عن هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى علي بن أبي حمزة عنه عليه السلامباختصار ، وأدنى تغيير ، وأمّا عدم ذكر الجواب عن الفساد من قبل النساء للعهد الذي جرى بينه عليه السلام وبين الرشيد ، وسيأتي ما يظهر منه الجواب في كتاب الخمس إن شاء اللّه - تعالى - في الاستدراك أنّه أجاب عليه السلام أنّه من جهة الخمس .

تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني اللّه فداك ! فقال : ادن ، فدنوت منه ، فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه ، وعانقني طويلا ثم تركني ، وقال : اجلس يا موسى فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا أنّه قد دمعت عيناه ، فرجعت إلى نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدّك صلى الله عليه و آله لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتّى غلبت عليّ الرقة وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحدا ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ، ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني أنّك لم تكذب قط ، فأصدقني عما أسألك مما في قلبي ، فقلت : ما كان علمه عندي فإنّي مخبرك به ، إن أنت آمنتني ، قال : لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معشر بني فاطمة ، فقلت : ليسأل أمير المؤنين عما شاء ، قال : أخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد ، إنا بنو العباس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عما رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقرابتهما منه سواء ؟ فقلت : نحن أقرب ، قال : وكيف ذلك ؟ قلت : لأنّ عبد اللّه وأبا طالب لأب

وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد اللّه ولا من أم أبي طالب ، قال : فلم ادعيتم

أنّكم ورثتم النبي صلى الله عليه و آله والعم يحجب ابن العم ، وقبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد توفي أبو طالب قبله والعباس عمه حيّ ؟ فقلت له : إن رأى أمير المؤنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كلّ باب سواه يريده ، فقال : لا أو تجيب ، فقلت : فآمني ، قال :

قد آمنتك قبل الكلام ، فقلت : إنّ في قول علي بن أبي طالب عليه السلام إذ ليس مع ولد

الصلب - ذكرا كان أو أنثى - لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلاّ أنّ تيما وعديا وبني أمية قالوا : العم

والد رأيا منهم بلا حقيقة ولا أثر عن النبي صلى الله عليه و آله ، ومن قال بقول علي عليه السلام من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول

علي عليه السلام ، وقد حكم به ، وقد ولاه أمير المؤنين المصرين الكوفة والبصرة ، وقد

ص: 124

قضى به فأنهي إلى أمير المؤنين ، فأمر بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض فشهدوا أنّه قول علي عليه السلام في هذه المسألة ، فقال لهم - فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز - : فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن دراج ؟ فقالوا : جسر نوح وجبنا ، وقد أمضى أمير المؤنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : علي أقضاكم ، وكذلك قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا ، وهو اسم جامع لأنّ جميع ما مدح به النبي صلى الله عليه و آله أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء ، قال : زدني يا موسى ؟ قلت : المجالس بالأمانات ، وخاصة مجلسك ، فقال : لا بأس عليك ، فقلت : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتّى يهاجر ، فقال : ما حجتك فيه ؟ قلت : قول اللّه - تبارك وتعالى - « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا » ، وإنّ عمّي العباس لم يهاجر ، فقال لي : أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا ؟ أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيء ؟ فقلت : اللهم لا ، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤنين .

ثم قال : لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقولون لكم : يا بني رسول اللّه وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبي عليه السلام جدّكم من قبل أمكم ؟ فقلت : يا أمير المؤنين لو أن النبي صلى الله عليه و آلهنشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان اللّه ، ولم لا أجيبه ، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك ، فقلت : لكنه عليه السلام لا يخطب إليّ ولا أزوجه ! فقال : ولم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك ، فقال : أحسنت يا موسى .

ثم قال : كيف قلتم إنّا ذرية النبي والنبي عليه السلام لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى ، وأنتم ولد الابنة ، ولا يكون لها عقب ؟ فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر

ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة ، فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي إليّ ، ولست أعفيك

ص: 125

في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجة من كتاب اللّه ، فأنتم تدعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ و تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله - عزّ وجلّ - « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » ، وقد استغنيتم عن رأي العلماء

وقياسهم ، فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات ، فقلت : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى » من أبو عيسى

يا أمير المؤنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب ، فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام

من طريق مريم عليهاالسلام ، وكذلك ألحقنا بذراري النبي

صلى الله عليه و آله من قبل أمّنا فاطمة عليهاالسلام ، أزيدك يا أمير المؤنين ؟ قال : هات ، قلت : قول اللّه - عزّ وجلّ - : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ » ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي صلى الله عليه و آله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان تأويل قوله - عزّ وجلّ - « أَبْناءَنا » الحسن والحسين « ونِساءَنا »

فاطمة ، « وأَنْفُسَنا » علي بن أبي طالب ، إنّ العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد إنّ هذه لهي المواساة من علي ، قال : لأنّه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول اللّه ، ثم قال : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي » ، فكان كما مدح اللّه - عزّ وجلّ - به خليله عليه السلام إذ يقول : « فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ » ، إنّا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل : إنّه منّا ، فقال : أحسنت ، يا موسى ، ارفع إلينا حوائجك ، فقلت له : أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده عليه السلام وإلى عياله ، فقال : ننظر إن شاء اللّه .

فروي أنّه أنزله عند السندي بن شاهك ، فزعم أنّه توفي عنده ، واللّه أعلم(1) .

ص: 126


1- الإحتجاج مرسلا مثله إلى قوله : ننظر إن شاء اللّه .

المأمون : أتدرون من علّمني التشيع ؟

3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن سفيان بن نزار قال : كنت يوما على رأس المأمون فقال : أتدرون من علّمني التشيع ؟ فقال القوم جميعا : لا واللّه ما نعلم ، قال : علمنيه الرشيد ، قيل له : وكيف ذلك ! والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت ؟ قال : كان يقتلهم على الملك؛ لأنّ الملك عقيم ، ولقد حججت معه سنة ، فلمّا صار إلى المدينة تقدّم إلى حجابه وقال : لا يدخلن عليّ رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم و سائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه ، فكان الرجل إذا دخل عليه قال : أنا فلان بن فلان حتّى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار على قدر شرفه وهجرة آبائه ، فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال : يا أمير المؤنين على الباب رجل زعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه والأمين والمؤمن وسائر القواد فقال : احفظوا على أنفسكم ، ثم قال لآذنه : ائذن له ولا ينزل إلاّ على بساطي ، فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخّد قد أنهكته العبادة ، كأنّه شن بال قد كلم السجود وجهه وأنفه ، فلمّا رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه ، فصاح الرشيد لا واللّه إلاّ على بساطي ، فمنعه الحجاب من الترجّل ، ونظرنا إليه بأجمعنا

بالإجلال والإعظام ، فما زال يسير على حماره حتّى سار إلى البساط ، والحجاب والقواد محدقون به ، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط ، وقبّل وجهه وعينيه ، وأخذ بيده حتّى صيّره في صدر المجلس ، وأجلسه معه فيه ، وجعل يحدّثه ويقبل بوجهه عليه ، ويسأله عن أحواله ، ثم قال : يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ فقال : يزيدون على الخمسمائة ! قال : أولاد كلّهم ؟ قال : لا ، أكثرهم موالي وحشم ،

فأمّا الولد فلي نيف وثلاثون ، الذكران منهم كذا ، والنسوان منهم كذا ، قال :

ص: 127

فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن ؟ قال : اليد تقصر عن ذلك ، قال : فما حال الضيعة ؟ قال : تعطي في وقت وتمنع في آخر ، قال : فهل عليك دين ؟ قال : نعم ، قال : كم ؟ قال : نحو من عشرة آلاف دينار ، فقال الرشيد : يا ابن عم ، أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان ، وتعمر الضياع ، فقال له : وصلتك رحم يا ابن عم ، وشكر اللّه لك هذه النية الجميلة ، والرحم ماسة ، والقرابة واشجة ،

والنسب واحد ، والعباس عمّ النبي صلى الله عليه و آله صنو أبيه وعم علي بن أبي طالب عليه السلام

وصنو أبيه ، وما أبعدك اللّه من أن تفعل ذلك ، وقد بسط يدك ، وأكرم عنصرك ، وأعلى محتدك ، فقال : أفعل ذلك يا أبا الحسن وكرامة ، فقال : يا أمير المؤنين ، إنّ اللّه - عزّ

وجلّ - قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الأمة ، ويقضوا عن الغارمين ، ويؤّوا عن المثقل ، ويكسوا العاري ، ويحسنوا إلى العاني ، وأنت أولى من يفعل ذلك ، فقال : أفعل يا أبا الحسن .

ثم قام ، فقام الرشيد لقيامه ، وقبّل عينيه ووجهه ، ثم أقبل عليّ وعلى الأمين والمؤمن فقال : يا عبد اللّه ، ويا محمد ، ويا إبراهيم ، بين يدي عمّكم وسيّدكم خذوا بركابه ، وسووا عليه ثيابه ، وشيعوه إلى منزله ، فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام سرّا بيني وبينه فبشرني بالخلافة ، وقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي ، ثم انصرفنا ، وكنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلمّا خلا المجلس قلت : يا أمير المؤنين من هذا الرجل الذي قد عظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة اللّه على خلقه ، وخليفته على عباده ، فقلت : يا أمير المؤنين ، أوليست هذه الصفات كلّها لك وفيك ؟ ! فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حقّ ، واللّه يا بني إنّه لأحقّ بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله منّي ومن الخلق جميعا ، وواللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإنّ الملك عقيم .

ص: 128

فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكة ، أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار ،

ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر ، وقل له : يقول لك أمير المؤنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت ، فقمت في صدره فقلت : يا أمير المؤنين ، تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها ، وتعطي موسى بن جعفر ، وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ، أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس ؟ فقال : اسكت ، لا أم لك ، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم ، فلمّا نظر إلى ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ ، فقام إلى الرشيد فقال : يا أمير المؤنين ، قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا ، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضّل أمير المؤنين عليّ ، ومنزلتي عنده ، فأمر له بعشرة آلاف دينار ، فقال له : يا أمير المؤنين ، هذا لأهل المدينة ، وعليّ دين أحتاج أن أقضيه ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى ! فقال له : يا أمير المؤنين ، بناتي أريد

أن أزوّجهن ، وأنا محتاج إلى جهازهن ، فأمر له بعشرة آلاف دينار أخرى ! فقال له : يا أمير المؤنين ، لابد من غلّة تعطينيها تردّ عليّ وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت ، فأمر له بأقطاع ما يبلغ غلّته في السنة عشرة آلاف دينار ، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته ، ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر عليه السلام وقال له : قد وقفت على ما عاملك به هذا الملعون ، وما أمر لك به ، وقد احتلت عليه لك ، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغلّ في السنة عشرة آلاف دينار ، ولا واللّه - يا سيدي - ما أحتاج إلى شيء من ذلك ، وما أخذته إلاّ لك ، وأنا أشهد لك بهذه الأقطاع ، وقد حملت المال إليك ،

ص: 129

فقال : بارك اللّه لك في مالك ، وأحسن جزاك ، ما كنت لآخذ منه درهما واحدا ، ولا من هذه الأقطاع شيئا ، وقد قبلت صلتك وبرّك ، فانصرف راشدا ولا تراجعني في ذلك ، فقبّل يده وانصرف(1)(2) .

4 - الأمالي للصدوق ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الريان بن شبيب قال : سمعت المأمون يقول : ما زلت أحبّ أهل البيت عليهم السلام وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه ، فلمّا حجّ الرشيد ، وكنت أنا ومحمد والقاسم معه ، فلمّا كان بالمدينة استأذن عليه الناس ،

فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليه السلام ، فدخل ، فلمّا نظر إليه الرشيد تحرّك ومدّ بصره وعنقه إليه حتّى دخل البيت الذي كان فيه ، فلمّا قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه ، فقال له : كيف أنت يا أبا الحسن ؟ كيف عيالك وعيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟ ما حالكم ؟ فما زال يسأله عن هذا ، وأبو الحسن عليه السلام يقول : خير ، خير ، فلمّا قام أراد الرشيد أن ينهض ، فأقسم عليه أبو الحسن عليه السلام فقعد ، وعانقه وسلم عليه وودعه .

قال المأمون : وكنت أجرأ ولد أبي عليه ، فلمّا خرج أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قلت لأبي : يا أمير المؤنين ، لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين والأنصار ، ولا ببني هاشم ، فمن هذا الرجل ؟ فقال : يا بني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر بن محمد ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا ! قال المأمون : فحينئذ انغرس في قلبي حبّهم .

ص: 130


1- الإحتجاج : روي أنّ المأمون قال لقومه : أتدرون من علّمني التشيع ؟ إلى قوله : أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم .
2- بيان : قال الفيروز آبادي : الملك عقيم : أي لا ينفع فيه نسب؛ لأنّه يقتل في طلبه الأب والأخ والعم والولد . وقال الجوهري : أصبح فلان مسخّدا إذا أصبح مصفرا ثقيلا مورما . قوله عليه السلام : وصلتك رحم : أي صارت الرحم سببا لصلتك لنا ، أو دعاء له بأن تصله الرحم ، وتعينه ، وتجزيه بما رعى لها ، والأخير أظهر . والواشجة : المشتبكة ، والمحتد : الأصل ، ونعشه : أي رفعه ، والعاني : الأسير .

كتب الامام عليه السلام إلى الخيزران يعزيها بموسى ويهنيها بهارون

5 - قرب الإسناد : أنّه كتب أبو الحسن موسى عليه السلام إلى الخيزران أم أمير المؤنين يعزيها بموسى ابنه ويهنيها بهارون ابنها :

« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، للخيزران أم أمير المؤنين من موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، أما بعد : أصلحك اللّه ، وأمتع بك ، وأكرمك ، وحفظك ، وأتم النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته ، ثم إنّ الأمور - أطال اللّه بقاءك - كلّها بيد اللّه - عّز وجلّ - يمضيها ويقدرها بقدرته فيها والسلطان عليها توكّل بحفظ ماضيها وتمام باقيها ، فلا مقدّم لما أخر منها ، ولا مؤر لما قدّم ، استأثر بالبقاء ، وخلق خلقه للفناء ، أسكنهم دنيا سريعا زوالها ، قليلا بقاؤا ، وجعل لهم مرجعا إلى دار لا زوال لها ولا فناء ، [ وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم أسوة فيه ، عدلا منه عليهم عزيزا ، وقدرة منه عليهم ، لا مدفع لأحد منهم ، ولا محيص له عنه ، حتّى يجمع اللّه - تبارك وتعالى - بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون . بلغنا أطال اللّه بقاك ما كان من قضاء اللّه الغالب فيوفاة أمير المؤنين موسى صلوات اللّه عليه ورحمته ومغفرته ورضوانه ، وإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إعظاما لمصيبته ، وإجلالا لرزئه وفقده ، ثم إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ صبرا لأمر اللّه - عزّ وجلّ - ، وتسليما لقضائه ، ثم إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لشدّة مصيبتك علينا خاصة ، وبلوغها من حرّ قلوبنا ، ونشوز أنفسنا ، نسأل اللّه أن يصلّي على أمير المؤنين ، وأن يرحمه ، ويلحقه بنبيه صلى الله عليه و آله وبصالح سلفه ، وأن يجعل ما نقله إليه خيرا مما أخرجه منه ، ونسأل اللّه أن يعظم أجرك ، أمتع اللّه بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك من المصيبة بأمير المؤنين أفضل ما وعد الصابرين من صلواته ورحمته وهداه ، ونسأل اللّه أن يربط على قلبك ، ويحسن عزاك وسلوتك والخلف عليك ، ولا يريك بعده مكروها في نفسك ، ولا في شيء من نعمته ، وأسأل اللّه أن يهنيك خلافة أمير المؤنين أمتع اللّه به ، وأطال بقاه ، ومدّ في عمره ، وأنسأ في أجله ،

ص: 131

وأن يسوغكما بأتم النعمة ، وأفضل الكرامة ، وأطول العمر ، وأحسن الكفاية ، وأن يمتعك وإيانا خاصة والمسلمين عامة بأمير المؤنين حتّى نبلغ به أفضل الأمل فيه لنفسه ومنك أطال اللّه بقاه ومنا له ] .

لم يكن أطال اللّه بقاك أحد من أهلي وقومك وخاصتك وحرمتك كان أشدّ لمصيبتك إعظاما ، وبها حزنا ، ولك بالأجر عليها دعاء ، وبالنعمة التي أحدث اللّه لأمير المؤنين أطال اللّه بقاه دعاء بتمامها ، ودوامها ، وبقائها ، ودفع المكروه فيها منّي ، والحمد للّه لما جعلني اللّه عليه بمعرفتي بفضلك ، والنعمة عليك ، وبشكري بلاءك ، وعظيم رجائي لك ، أمتع اللّه بك وأحسن جزاك .

إن رأيت - أطال اللّه بقاك - أن تكتبي إليّ بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة ، وسلوتك عنها فعلت ، فإنّي بذلك مهتم ، وإلى ما جاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتمّ اللّه لك أفضل ما عوّدك من نعمته ، واصطنع عندك من كرامته ،

والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . كتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة(1) .

فتقدّم الكاظم عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبة

6 - الإحتجاج : قيل : لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلى الله عليه و آله ومعه الناس ، فتقدّم إلى قبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : السلام عليك يا ابن عم ، مفتخرا بذلك

ص: 132


1- توضيح : المحيص : المهرب ، والرزء : المصيبة ، وقوله « ونشوز أنفسنا » معطوف على « بلوغها من حرّ قلوبنا » ، يقال : نشزت المرأة نشوزا : أي استصعبت على بعلها وأنغصته ، قوله عليه السلام « أن يسوغكما بأتم النعمة » الباء للتعدية ، يقال : ساغ الشراب يسوغ سوغا : أي سهل مدخله في الحلق ، وسغته أنا أسوغه وأسيغه يتعدى ولا يتعدى . أقول : انظر إلى شدّة التقية في زمانه عليه السلام حتّى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يُؤمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ، فهذا يفتح لك من التقية كلّ باب .

على غيره ، فتقدّم أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إلى القبر فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا أبة ، فتغيّر وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه .

7 - كامل الزيارات : الكليني : عن بعض أصحابنا قال : حضرت أبا الحسن الأول ، وهارون الخليفة ، وعيسى بن جعفر ، وجعفر بن يحيى بالمدينة ، وقد جاءوا إلى قبر النبي صلى الله عليه و آله فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدّم هارون فسلّم وقام ناحية ، فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدّم عيسى فسلّم ، ووقف مع هارون ، فقال جعفر لأبي الحسن عليه السلام : تقدّم ، فأبى ، فتقدّم جعفر فسلّم ، ووقف مع هارون ، وتقدّم أبو الحسن عليه السلام فقال : السلام عليك يا أبة ، أسأل اللّه

الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلّي عليك ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال ؟ قال : نعم ، قال هارون : أشهد أنّه أبوه حقّا .

علي بن يقطين

8 - من كتاب حقوق المؤنين لأبي علي بن طاهر قال : استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السلطان ، فلم يأذن له وقال : لا تفعل ، فإنّ لنا بك أنسا ولإخوانك بك عزا ، وعسى أن يجبر اللّه بك كسرا ، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه ، يا علي كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم ، اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثا ، اضمن لي أن لا تلقى أحدا من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته وأكرمته ، وأضمن لك أن لا يظلّك سقف سجن أبدا ، ولا ينالك حدّ سيف أبدا ، ولا يدخل الفقر بيتك أبدا ، يا علي من سرّ مؤنا فباللّه بدأ وبالنبي صلى الله عليه و آله ثنّى وبنا ثلّث .

9 - الخرائج والجرائح : روي أنّ علي بن يقطين كتب إلى موسى بن جعفر عليه السلام : اختلف في المسح على الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت ، فكتب أبو الحسن عليه السلام : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل

ص: 133

وجهك ثلاثا ، وتخلل شعر لحيتك ثلاثا ، وتغسل يديك ثلاثا ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره . فامتثل أمره وعمل عليه ، فقال الرشيد : أحبّ أن أستبرئ أمر علي بن يقطين ، فإنّهم يقولون : إنّه رافضي ، والرافضة يخففون في الوضوء ، فناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، وقد بعث إليه بالماء للوضوء ، فتوضأ كما أمره موسى ، فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنّك رافضي ، فورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر عليه السلام : توضأ من الآن كما أمر اللّه ، اغسل وجهك مرة فريضة والأخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يخاف عليك .

10 - اعلام الورى ، الإرشاد : روى عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها ، وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب ، فأنفذ علي بن يقطين جلّ تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وأنفذ في جملتها تلك الدراعة ، وأضاف إليها مالاً كان أعدّه له ، على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله ، فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن قبل المال والثياب ، ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين ، وكتب إليه أن احتفظ بها ، ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه ، فارتاب علي بن يقطين بردّها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدراعة ، فلمّا كان بعد أيام تغيّر علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه السلام ، ويقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى الرشيد فقال : إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة ، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤنين في وقت كذاكذا ، فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضبا

ص: 134

وقال : لأكشفنّ عن هذه الحال ، فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه ، وأنفذ في الوقت بإحضار علي بن يقطين ، فلمّا مثل بين يديه قال له : ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها ؟ قال : هي يا أمير المؤنين عندي في سفط مختوم فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وقلمّا أصبحت إلاّ وفتحت السفط فنظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك ، فقال : أحضرها الساعة ، قال : نعم يا أمير المؤنين ، واستدعى بعض خدمه وقال له : امض إلى البيت الفلاني من الدار ، فخذ مفتاحه من خازنتي فافتحه ، وافتح الصندوق الفلاني ، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوما ، فوضع بين يدي الرشيد ، فأمر بكسر ختمه وفتحه ، فلمّا فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب ، فسكن الرشيد من غضبه ، ثم قال لعلي بن يقطين : ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا فلن أصدق عليك بعدها ساعيا ، وأمر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدّم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحوا من خمسمائة سوط فمات في ذلك .

هذه دار الفاسقين

11 - تفسير العياشي : عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال : كان مما

قال هارون لأبي الحسن موسى عليه السلام حين أدخل عليه : ما هذه الدار ؟ قال : هذه دار الفاسقين ، قال : وقرأ « سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ

يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً » ، فقال له هارون : فدار من هي ؟ قال : هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة ، قال : فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟ قال : أخذت منه عامرة ، ولا يأخذها إلاّ معمورة(1) .

ص: 135


1- بيان : لعل المعنى : أنّه لا يأخذها إلاّ في وقت يمكنه عمارتها ، وهذا ليس أوانه .

فما تقول فيمن يلعن فاطمة ؟

12 - المناقب لابن شهرآشوب : ابن عبد ربه في العقد : أنّ المهدي رأى في منامه شريكا القاضي مصروفا وجهه عنه ، فلمّا انتبه قصّ رؤاه على الربيع فقال : إنّ شريكا مخالف لك ، فإنّه فاطمي محض ، قال المهدي : عليّ بشريك ، فأتي به ، فلمّا دخل عليه قال : بلغني أنّك فاطمي ؟ قال : أعيذك باللّه أن تكون غير فاطمي إلاّ

أن تعني فاطمة بنت كسرى ، قال : لا ، ولكن أعني فاطمة بنت محمد ! قال : فتلعنها ؟ قال : لا ، معاذ اللّه ، قال : فما تقول فيمن يلعنها ؟ قال : عليه لعنة اللّه ، قال : فالعن هذا ، يعني الربيع ، قال : لا - واللّه - ما ألعنها يا أمير المؤنين ، قال له شريك : يا ماجن ، فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ؟ قال المهدي : فما وجه المنام ؟ قال : إنّ رؤاك ليست برؤا يوسف عليه السلام ، وإنّ الدماء لا تستحل بالأحلام .

وأتي برجل شتم فاطمة إلى الفضل بن الربيع فقال لابن غانم : انظر في أمره ما تقول ؟ قال : يجب عليه الحد ، قال له الفضل : هي ذا أمّك إن حددته ، فأمر بأن يضرب ألف سوط ويصلب في الطريق .

أمر أن يقتل الكاظم عليه السلام

13 - المناقب لابن شهرآشوب : لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال : إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف ، فقال : أفديك بالمال والنفس ، فقال : هذا لسائر الناس ، قال : أفديك بالروح والمال والأهل والولد ، فلم يجبه المهدي ، فقال : أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين ! فقال : للّه درك ، فعاهد على ذلك ، وأمره أن يقتل

ص: 136

الكاظم

عليه السلامفي السحرة بغتة ، فنام فرأى في منامه عليا عليه السلام يشير إليه ويقرأ « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » ، فانتبه مذعورا ، ونهى حميدا عما أمره ، وأكرم الكاظم ووصله(1) .

14 - المناقب لابن شهرآشوب : علي بن أبي حمزة قال : كان يتقدّم الرشيد إلى خدمه : إذا خرج موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه ، فكانوا يهمّون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع ، فلمّا طال ذلك أمر بتمثال من خشب ، وجعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر ، وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين ، وكانوا يفعلون ذلك أبدا ، فلمّا كان في بعض الأيام ، جمعهم في الموضع ، وهم سكارى ، وأخرج سيدي إليهم ، فلمّا بصروا به همّوا به على رسم الصورة ، فلمّا علم منهم ما يريدون كلّمهم بالخزرية والتركية ، فرموا من أيديهم السكاكين ووثبوا إلى قدميه فقبلوهما ، وتضرّعوا إليه ، وتبعوه إلى أن شيعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه ، فسألهم الترجمان عن حالهم ، فقالوا : إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كلّ عام فيقضي أحكامنا ،

ويرضي بعضا من بعض ، ونستسقي به إذا قحط بلدنا ، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه ، فعاهدهم أنّه لا يأمرهم بذلك فرجعوا(2) .

اللهم كما أريته ذلّ معصيته فأره عزّ طاعتي

15 - المناقب لابن شهرآشوب : حكي أنّه مغص بعض الخلفاء ، فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه ، وأخذ جليدا فأذابه بدواء ، ثم أخذ ماء وعقده بدواء وقال : هذا الطبّ إلاّ أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند اللّه يدعو لك ، فقال الخليفة :

ص: 137


1- بيان : السحرة بالضم : السحر .
2- بيان : الزمع بالتحريك : الدهش .

عليّ بموسى بن جعفر ، فأتي به ، فسمع في الطريق أنينه ، فدعا اللّه سبحانه وزال مغص الخليفة ، فقال له : بحقّ جدك المصطفى أن تقول بم دعوت لي ؟ فقال عليه السلام : قلت : اللهم كما أريته ذلّ معصيته فأره عزّ طاعتي ، فشفاه اللّه من ساعته(1) .

ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة

16 - المناقب لابن شهرآشوب : الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا : حجّ هارون الرشيد ، وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت وجعل يطوف معه ، فقال الحاجب : تنحّ يا هذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الأعرابي وقال : إنّ اللّه ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال : « سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ » ، فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلّما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه ، ثم صار الرشيد

إلى المقام ليصلّي فيه فصلّى الأعرابي أمامه ، فلمّا فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي ، فقال الحجاب : أجب أمير المؤنين ، فقال : ما لي إليه حاجة فأقوم إليه ، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إليّ أولى ! قال : صدق ، فمشى إليه وسلّم عليه ، فردّ عليه السلام ، فقال هارون : اجلس يا أعرابي ، فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنّما هو بيت اللّه نصبه لعباده ، فإن أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف ، فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك ، قال : نعم ، وفيّ مستمع ، قال : فإنّي سائلك فإن عجزت آذيتك ! قال :

سؤلك هذا سؤل متعلّم أو سؤل متعنت ؟ قال : بل سؤل متعلّم ، قال : اجلس مكان السائل من المسئول وسل وأنت مسئول ، فقال هارون : أخبرني ما فرضك ؟ قال : إنّ الفرض - رحمك اللّه - واحد وخمسة وسبعة عشر وأربع وثلاثون وأربع وتسعون

ص: 138


1- توضيح : المغص : تقطيع في المعا ووجع ، والجليد : ما يسقط على الأرض من الندى فيجمد .

ومائة وثلاثون وخمسون على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مائتين خمس ، ومن الدهر كلّه واحد ، وواحد بواحد ، قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك وأنت تعدّ عليّ الحساب ! قال : علمت أنّ الدين كلّه حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ اللّه للخلائق حسابا ، ثم قرأ « وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » ، قال : فبيّن لي ما قلت وإلاّ أمرت بقتلك بين الصفا والمروة ! ! فقال الحاجب : تهبه للّه ولهذا المقام ، قال : فضحك

الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت يا أعرابي ؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الأجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر ؟ فقال الرشيد : فسر ما قلت ، قال : أما قولي : الفرض واحد ، فدين الإسلام كلّه واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشرة ركعة ، وأربع وثلاثون سجدة ، وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأما قولي : من اثني عشر واحد ، فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأما قولي : من الأربعين واحد ، فمن ملك أربعين دينارا أوجب اللّه عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة ، فمن

ملك مائتي درهم أوجب اللّه عليه خمسة دراهم ، وأما قولي : فمن الدهر كلّه واحد ، فحجة الإسلام ، وأما قولي : واحد من واحد ، فمن أهرق دما من غير حقّ وجب اهراق دمه ، قال اللّه تعالى : « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » ، فقال الرشيد : للّه درك ، وأعطاه بدرة ، فقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون ، بالكلام أو بالمسألة ؟ قال : بالكلام ، قال : فإنّي سائلك عن مسألة ، فإن أتيت بها كانت البدرة لك تصدّق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدّق بها على فقراء الحي من قومي ، فأمر بإيراد أخرى وقال : سل عما بدا لك ، فقال : أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها ، فحرد هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟ فقال : سمعت ممن سمع من رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل

ص: 139

عن شيء من أمر دينك ومن الفرائض إلاّ أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب ؟ قال هارون : رحمك اللّه ، لا ، فبيّن لي ما قلته وخذ البدرتين ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب ، فقال هارون : واللّه ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه ، فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد عليه السلام ، فأخبر هارون بذلك ، فقال : واللّه لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة(1) .

ألم أقل لك ؟ !

17 - الشريف المرتضى في الغرر ، والديلمي في أعلام الدين : عن أيوب الهاشمي : أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له « نفيع الأنصاري » وحضر موسى بن جعفر عليه السلام على حمار له ، فتلقّاه الحاجب بالإكرام ، وعجّل له بالإذن ، فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر : من هذا الشيخ ؟ قال : شيخ آل أبي طالب ، شيخ آل محمد ، هذا موسى بن جعفر ، قال : ما رأيت أعجز من هؤاء القوم ، يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير ، أما إن خرج لأسوأنه ! فقال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإنّ هؤاء أهل بيت قلّ ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر ، قال : وخرج موسى ، وأخذ نفيع بلجام حماره وقال : من أنت يا هذا ؟ قال : يا هذا ، إن كنت تريد النسب ، أنا ابن محمد حبيب اللّه بن إسماعيل ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه ، وإن كنت تريد البلد ، فهو الذي فرض اللّه

ص: 140


1- قوله عليه السلام : وفيّ مستمع : أي علم يجب أن يستمع إليه .

على المسلمين وعليك - إن كنت منهم - الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة ، فواللّه ما رضوا مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتّى قالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، وإن كنت تريد الصيت والاسم ، فنحن الذين أمر اللّه بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة ، تقول : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، فنحن آل محمد ، خلّ عن الحمار ، فخلّى عنه ويده ترعد ، وانصرف مخزيا ، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك ؟ !

لا آخذ فدك إلاّ بحدودها

18 - المناقب لابن شهرآشوب : في كتاب أخبار الخلفاء : أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر : خذ فدكا حتّى أردّها إليك فيأبى ، حتّى ألحّ عليه ، فقال عليه السلام : لا آخذها إلاّ بحدودها ، قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردّها ! قال : بحقّ

جدّك إلاّ فعلت ، قال : أمّا الحدّ الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد وقال : إيها ، قال : والحد الثاني سمرقند ، فاربد وجهه ، قال : والحد الثالث إفريقية ، فاسود وجهه وقال :

هيه ، قال : والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ، قال الرشيد : فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي ، قال موسى : قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها ، فعند ذلك عزم على قتله .

وفي رواية ابن أسباط أنّه قال : أمّا الحدّ الأول فعريش مصر ، والثاني دومة الجندل ، والثالث أحد ، والرابع سيف البحر ، فقال : هذا كلّه ، هذه الدنيا ، فقال

عليه السلام : هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة ، فأفاءه اللّه على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره اللّه أن يدفعه إلى فاطمة عليهاالسلام(1) .

ص: 141


1- بيان : قال الفيروزآبادي : إيه بكسر الهمزة والهاء وفتحها وتنون المكسورة كلمة استزادة واستنطاق ، وقال : هيه بالكسر كلمة استزادة ، وقال الربدة بالضم : لون إلى الغبرة ، وقد اربد وارباد .

إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم

19 - كتاب النجوم من كتاب نزهة الكرام وبستان العوام(1) : وروي أنّ هارون

الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر عليه السلام فأحضره ، فلمّا حضر عنده قال : إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم ، وأنّ معرفتكم بها معرفة جيدة ، وفقهاء العامة يقولون : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا ، وأمير المؤنين عليه السلام كان أعلم الخلائق

بعلم النجوم ، وأولاده وذريته الذين يقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها ، فقال له

الكاظم صلوات اللّه عليه : هذا حديث ضعيف وإسناده مطعون فيه ، واللّه - تبارك وتعالى - قد مدح النجوم ، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه - عزّ وجلّ - ، والأنبياء عليهم السلام

كانوا عالمين بها ، وقد قال اللّه - تعالى - في حقّ إبراهيم خليل الرحمن صلوات اللّه عليه : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ » ، وقال في موضع آخر : « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ » ، فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها وما قال : إنّي سقيم ، وإدريس عليه السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم ، واللّه - تعالى - قد أقسم بمواقع النجوم « وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ » ، وقال في موضع « وَالنّازِعاتِ غَرْقاً » إلى قوله « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً » يعني بذلك اثني عشر برجا وسبعة سيارات ، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر اللّه - عزّ وجلّ - ، وبعد علم القرآن

ما يكون أشرف من علم النجوم ، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الذين قال اللّه - عزّ وجلّ - :« وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » ،ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره ، فقال له هارون : باللّه عليك يا موسى ، هذا العلم لا تظهره عند الجهال وعوام

ص: 142


1- تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي ، وهذا الكتاب خطه بالعجمية تكلفنا من نقله إلى العربية ، فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من أعربه .

الناس حتّى لا يشنعوا عليك ، وانفس عن العوام به ، وغط هذا العلم ، وارجع إلى حرم جدّك ، ثم قال له هارون : وقد بقي مسألة أخرى ، باللّه عليك أخبرني بها ، قال له : سل ، فقال : بحقّ القبر والمنبر ، وبحقّ قرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبرني ، أنت

تموت قبلي أو أنا أموت قبلك ؟ لأنّك تعرف هذا من علم النجوم ! فقال له موسى عليه السلام : آمني حتّى أخبرك ، فقال : لك الأمان ، فقال : أنا أموت قبلك ، وما كذبت ولا أكذب ، ووفاتي قريب ، فقال له هارون : قد بقي مسألة تخبرني بها ، ولا تضجر ، فقال له : سل ، فقال : خبروني أنّكم تقولون : إنّ جميع المسلمين عبيدنا وجوارينا ، وأنّكم تقولون : من يكون لنا عليه حقّ ولا يوصله إلينا فليس بمسلم ، فقال له موسى عليه السلام : كذب الذين زعموا أننا نقول ذلك ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يصحّ

البيع والشراء عليهم ، ونحن نشتري عبيدا وجواري ونعتقهم ، ونقعد معهم ، ونأكل معهم ، ونشتري المملوك ونقول له : يا بني ، وللجارية : يا بنتي ، ونقعدهم يأكلون معنا

تقربا إلى اللّه - سبحانه - ، فلو أنّهم عبيدنا وجوارينا ما صحّ البيع والشراء ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله لما حضرته الوفاة : اللّه اللّه في الصلاة وما ملكت أيمانكم ، يعني : صلوا وأكرموا مماليككم وجواريكم ، ونحن نعتقهم ، وهذا الذي سمعته غلط من قائله ودعوى باطلة ، ولكن نحن ندّعي أنّ ولاء جميع الخلائق لنا ، يعني ولاء الدين ، وهؤاء الجهال يظنونه ولاء الملك ، حملوا دعواهم على ذلك ، ونحن ندّعي ذلك لقول النبي صلى الله عليه و آله يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وما كان يطلب بذلك إلاّ ولاء الدين ، والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، وأمّا الغنائم والخمس من بعد موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد منعونا ذلك ، ونحن محتاجون إلى ما في يد بني آدم الذين لنا ولاؤم بولاء الدين ، ليس بولاء الملك ، فإن نفذ إلينا أحد هدية ولا يقول إنّها صدقة نقبلها لقول النبي صلى الله عليه و آله : لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو أهدي لي كراع لقبلت ، والكراع اسم

ص: 143

القرية ، والكراع يد الشاة ، وذلك سنة إلى يوم القيامة ، ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنّها زكاة رددناها ، وإن كانت هدية قبلناها .

ثم إنّ هارون أذن له في الانصراف ، فتوجه إلى الرقة ، ثم تقوّلوا عليه أشياء ، فاستعاده هارون وأطعمه السم فتوفي عليه السلام(1) .

لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء

20 - كشف الغمة : عن الفضل بن الربيع أنّه أخبر عن أبيه : أنّ المهدي

لما حبس موسى بن جعفر ، ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب عليه السلاموهو يقول له : يا محمد « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » . قال الربيع : فأرسل إليّ ليلا فراعني وخفت من ذلك ، وجئت إليه ، وإذا هو يقرأ هذه الآية ، وكان أحسن الناس صوتا ، فقال : عليّ الآن بموسى بن جعفر ، فجئته به ، فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال : يا أبا الحسن ، رأيت أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم فقرأ عليّ كذا ، فتؤنني أن تخرج عليّ أو على أحد من ولدي ؟ فقال : واللّه لا فعلت ذلك ، ولا هو من شأني ، قال : صدقت ، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ، وزوده إلى أهله إلى المدينة ، قال الربيع : فأحكمت أمره ليلا ، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق(2) .

ص: 144


1- بيان : إذا ذكرني أصحابي فاسكنوا بالنون : أي فاسكنوا إلى قولهم ، وفي الآخرين : فاسكتوا بالتاء ، إمّا على بناء المجرد ، أو على بناء الإفعال . قوله : وانفس العوام به : أي لا تعلّمهم ، من قولهم : نفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا ، قوله : فكيف يصح البيع والشراء عليهم : أي كيف يصحّ بيع الناس العبيد لنا وشراؤا منهم .
2- ورواه الجنابذي وذكر : أنّه وصله بعشرة آلاف دينار .

وقال الحافظ عبد العزيز : حدّث أحمد بن إسماعيل قال : بعث موسى بن جعفر عليه السلام إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت : أنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتّى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء ، يخسر فيه المبطلون .

كذبت عندنا البينة بأنّه سرج محمد بن علي

21 - الكافي : عن حماد بن عثمان قال : بينا موسى بن عيسى في داره التي

في المسعى ، تشرف على المسعى ، إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة ، فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه : أن يتعلّق بلجامه ويدعي البغلة ، فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة ، فثنى أبو الحسن عليه السلام رجله فنزل عنها ، وقال لغلمانه : خذوا سرجها وادفعوها إليه ، فقال : والسرج أيضا لي ! فقال له أبو الحسن عليه السلام : كذبت عندنا البينة بأنّه سرج محمد بن علي ، وأمّا البغلة فأنا اشتريتها منذ قريب ، وأنت أعلم وما قلت .

يا علي بن يقطين هذه واللّه فتوى هاشمية

22 - الكافي : عن علي بن يقطين قال : سأل المهدي أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب اللّه - عزّ وجلّ - ، فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام : بل هي محرمة في كتاب اللّه - عزّ وجلّ - يا أمير المؤنين ، فقال له : في أي موضع هي محرمة في كتاب اللّه - عزّ وجلّ - يا أبا الحسن ؟ فقال : قول اللّه - عزّ وجلّ - :« إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ » ، فأمّا قوله ما ظهر منها يعني : الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية ، وأما قوله - عزّ وجلّ - : « وَما بَطَنَ »

ص: 145

يعني : ما نكح الآباء ؛ لأنّ الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه و آله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده ، إذا لم تكن أمه ، فحرم اللّه - عزّ وجلّ - ذلك ، وأمّا الإثم ، فإنّها الخمرة بعينها ، وقد قال اللّه - تبارك وتعالى - في موضع آخر « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ » ، فأمّا الإثم في كتاب اللّه ، فهي الخمر

والميسر ، وإثمهما كبير كما قال اللّه - عزّ وجلّ - .

قال : فقال المهدي : يا علي بن يقطين هذه واللّه فتوى هاشمية ، قال : فقلت له : صدقت - واللّه - يا أمير المؤنين ، الحمد للّه الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت ، قال : فواللّه ما صبر المهدي أن قال لي : صدقت يا رافضي .

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

23 - مهج الدعوات : عن أبي وضاح النهشلي عن أبيه قال : سمعت الإمام أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : التحدّث بنعم اللّه شكر وترك ذلك كفر ، فارتبطوا نعم ربّكم - تعالى - بالشكر ، وحصّنوا أموالكم بالزكاة ، وادفعوا البلاء بالدعاء ، فإنّ الدعاء جنة منجية تردّ البلاء وقد أبرم إبراما .

وقال أبو الوضاح وأخبرني أبي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ - وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن - بفخ وتفرق الناس عنه حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي ، فلمّا بصر بهم أنشأ يقول متمثلا :

بني عمنا لا تنقطوا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا

فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا

ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا

وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا

ص: 146

ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤنين علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - ، وأخذ من الطالبيين وجعل ينال منهم ، إلى أن ذكر موسى بن جعفر - صلوات اللّه عليه - فنال منه ، قال : واللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره ، ولا اتبع إلاّ محبّته ؛ لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني اللّه إن أبقيت عليه ! فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، وكان جريئا عليه : يا أمير المؤنين ، أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني اللّه إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه وتفضيله لنبشت قبره ، وأحرقته بالنار إحراقا ! ! ! فقال أبو يوسف : نساؤ

طوالق وعتق جميع ما يملك من الرقيق وتصدّق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه وعليه المشي إلى بيت اللّه الحرام إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، لا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ، ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون ، فقال : وما كان بقي من الزيدية إلاّ هذه العصابة الذين كانوا

قد خرجوا مع حسين ، وقد ظفر أمير المؤنين بهم ، ولم يزل يرفق به حتّى سكن غضبه .

قال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر

عليه السلام بصورة الأمر ، فورد الكتاب ، فلمّا أصبح أحضر أهل بيته وشيعته ، فأطلعهم أبو الحسن عليه السلام على ما ورد عليه من الخبر وقال لهم : ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك اللّه وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ، وتغيب شخصك دونه ، فإنّه لا يؤن

شرّه وعاديته وغشمه ، سيما وقد توعدك وإيانا معك ، فتبسّم موسى عليه السلام ثم تمثل

ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب

ص: 147

ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرخ روعكم ، إنّه لا يرد أول كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي وهلاكه ، فقال : وما ذلك أصلحك اللّه ، قال : قد - وحرمة هذا القبر - مات في يومه هذا ، واللّه « إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ » ، سأخبركم بذلك : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت عيناي ، إذ سنح جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي ، فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى ، فما جعل اللّه لموسى عليك سبيلا ، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك اللّه آنفا عدوك فليحسن للّه شكرك ، قال : ثم استقبل أبو الحسن عليه السلام القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو .

فقال أبو الوضاح فحدثني أبي قال : كان جماعة من خاصة أبي الحسن عليه السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسن عليه السلام بكلمة وأفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ، قال : فسمعناه وهو يقول في دعائه : شكرا للّه جلت عظمته ، ثم ذكر الدعاء .

وقال : ثم أقبل علينا مولانا أبو الحسن عليه السلام ثم قال : سمعت من أبي جعفر بن محمد يحدّث عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه أمير المؤنين عليه السلام أنّه قد سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : اعترفوا بنعمة اللّه ربّكم - عزّ وجلّ - وتوبوا إليه من جميع ذنوبكم ، فإنّ اللّه يحبّ الشاكرين من عباده ، قال : ثم قمنا إلى الصلاة وتفرّق القوم ، فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي والبيعة لهارون الرشيد(1) .

ص: 148


1- بيان : لا تنقطوا الشعر : فيه حذف وإيصال ، أي بالشعر ، ودفن القوافي كناية عن الموت : أي متم وتركتم القوافي ، وصحراء الغميم ، لعل المراد به كراع الغميم ، وهو واد على مرحلتين من مكة ، وفي المناقب : « بصحراء الغوير » ، والغوير كزبير ماء لبني كلاب . قوله : كمن كنتم تصيبون نيله : أي عطاءه ، وفي المناقب : « سلمه » أي مسالمته ومصالحته ، والضيم : الظلم ، وفي المناقب : « فيقبل قيلا » ، ورضى السيف كناية عن المبالغة في القتل. وقوله : لو كان أمرا مدانيا : لو للتمني ، أي ليت محل النزاع بيننا وبينكم كان أمرا قريبا فلا نرضى بقتلكم ، ولكن بين مطلوبنا ومطلوبكم بون بعيد . قوله : ولكن قد أسأنا التقاضيا : أي لم نظلمكم أولا ، بل بدأتم بالظلم وطلبنا منكم الثأر بأقبح وجه ، والتقريظ : مدح الإنسان وهي حي ، والغشم : الظلم ، وأفرح الروع : ذهب ، وهوم الرجل : إذا هز رأسه من النعاس . أقول : رواه في الكتاب العتيق عن أبي المفضل الشيباني إلى آخر السند .

مكانكم حتّى أضحككم من موسى بن جعفر ؟ ! !

24 - الكافي : خرج عبد الصمد بن علي ، ومعه جماعة ، فبصر بأبي الحسن عليه السلام مقبلا راكبا بغلا ، فقال لمن معه : مكانكم حتّى أضحككم من موسى بن جعفر ، فلمّا دنا منه قال له : ما هذه الدابة التي لا تدرك عليها الثأر ولا تصلح عند النزال ؟ ! فقال

له أبو الحسن عليه السلام : تطأطأت عن سمو الخيل ، وتجاوزت قموء العير ، وخير الأمور أوسطها ، فأفحم عبد الصمد فما أحار جوابا(1) .

امض وألقه في بركة السباع

25 - مهج الدعوات : قال الفضل بن الربيع : لمّا اصطبح الرشيد يوما استدعى حاجبه فقال له : امض إلى علي بن موسى العلوي ، وأخرجه من الحبس وألقه في بركة السباع ، فما زلت ألطف به وأرفق ولا يزداد إلاّ غضبا ، وقال : واللّه لئن لم تلقه

إلى السباع لألقينك عوضه ، قال : فمضيت إلى علي بن موسى الرضا فقلت له : إنّ أمير المؤنين أمرني بكذا وبكذا ! قال : افعل ما أمرت به ، فإنّي مستعين باللّه - تعالى - عليه ، وأقبل بهذه العوذة ، وهو يمشي معي إلى أن انتهيت إلى البركة ، ففتحت بابها

ص: 149


1- بيان : القم ء : الذل والصغار ، والعير : الحمار ، وكان عبد الصمد هو ابن علي بن عبد اللّه بن العباس ، وقد عدّ من أصحاب الصادق عليه السلام .

وأدخلته فيها ، وفيها أربعون سبعا ، وعندي من الغم والقلق أن يكون قتل مثله على يدي ، وعدت إلى موضعي ، فلمّا انتصف الليل أتاني خادم فقال لي : إنّ أمير المؤنين يدعوك ، فصرت إليه ، فقال : لعلّي أخطأت البارحة بخطيئة ، أو أتيت منكرا ، فإنّي رأيت البارحة مناما هالني ، وذلك أنّي رأيت جماعة من الرجال دخلوا عليّ وبأيديهم سائر السلاح ، وفي وسطهم رجل كأنّه القمر ، ودخل إلى قلبي هيبته فقال لي قائل : هذا أمير المؤنين علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه وعلى أبنائه - ، فتقدّمت إليه لأقبّل قدميه فصرفني عنه ، فقال : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » ، ثم حوّل وجهه فدخل بابا ، فانتبهت مذعورا لذلك ، فقلت : يا أمير المؤنين ، أمرتني أن ألقي علي بن موسى للسباع ! فقال : ويلك ألقيته ؟ فقلت : إي واللّه ، فقال : امض وانظر ما حاله ، فأخذت الشمع بين يدي وطالعته ، فإذا هو قائم يصلّي والسباع حوله ، فعدت إليه فأخبرته ، فلم يصدّقني ونهض واطلع إليه ، فشاهده في تلك الحال ، فقال : السلام عليك يا ابن عم ، فلم يجبه حتّى فرغ من صلاته ، ثم قال : وعليك السلام يا ابن عم ، قد كنت أرجو أن لا تسلّم عليّ في مثل هذا الموضع ، فقال : أقلني ، فإنّي معتذر إليك ، فقال له : قد نجانا اللّه - تعالى - بلطفه ، فله الحمد ، ثم أمر بإخراجه فأخرج ، فقال : فلا واللّه ما تبعه سبع ، فلمّا حضر بين يدي الرشيد عانقه ، ثم حمله إلى مجلسه ورفعه فوق سريره وقال : يا ابن عم إن أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة ، وقد أمرنا لك ولأهلك بمال وثياب ، فقال له : لا حاجة لي في المال ولا الثياب ، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم ، وذكر له قوله ، فأمر له بصلة وكسوة ، ثم سأله أن يركبه على بغال البريد إلى

الموضع الذي يحبّ فأجابه إلى ذلك ، وقال لي : شيّعه ، فشيعته إلى بعض الطريق وقلت له : يا سيدي ، إن رأيت أن تطول علي بالعوذة ، فقال : منعنا أن ندفع عوذنا وتسبيحنا إلى كلّ أحد ، ولكن لك عليّ حقّ الصحبة والخدمة فاحتفظ بها ،

ص: 150

فكتبتها في دفتر ، وشددتها في منديل في كمي ، فما دخلت إلى أمير المؤنين

إلاّ ضحك إليّ وقضى حوائجي ، ولا سافرت إلاّ كانت حرزا وأمانا من كلّ مخوف ، ولا وقعت في الشدّة إلاّ دعوت بها ففرج عنيثم ذكرها(1) .

هذه دار الفاسقين

26 - الإختصاص : عن محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال : كان مما قال

هارون لأبي الحسن عليه السلام حين أدخل عليه : ما هذه الدار ؟ فقال : هذه دار الفاسقين ، قال اللّه - تعالى - : « سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً » الآية ، فقال له هارون : فدار من هي ؟ قال : هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة ، قال : فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟ فقال : أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلاّ معمورة ، قال : فأين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن عليه السلام « لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ

الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ » ، قال : فقال له : فنحن كفار ؟ قال : لا ، ولكن كما قال اللّه : « الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ » ، فغضب عند ذلك وغلظ عليه ، فقد لقيه أبو الحسن عليه السلام بمثل هذه المقالة وما رهبه ، وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف .

ما بال مظلمتنا لا تردّ ؟

27 - الكافي : عن علي بن أسباط قال : لما ورد أبو الحسن موسى عليه السلام على المهدي رآه يردّ المظالم ، فقال : يا أمير المؤنين ، ما بال مظلمتنا لا تردّ ؟

ص: 151


1- أقول : قال السيد - رحمه اللّه - : لربما كان هذا الحديث عن الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ؛ لأنّه كان محبوسا عند الرشيد ، لكنني ذكرت هذا كما وجدته .

فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - لما فتح على نبيه صلى الله عليه و آله فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فأنزل اللّه على نبيه صلى الله عليه و آله « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ، فلم يدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله من هم ؟ فراجع في ذلك جبرئيل ،

وراجع جبرئيل عليه السلام ربّه ، فأوحى اللّه إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة عليهاالسلام ، فدعاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال لها : يا فاطمة إنّ اللّه أمرني أن أدفع إليك فدك ، فقالت : قد قبلت يا رسول اللّه من اللّه ومنك ، فلم يزل وكلاؤا فيها حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يردّها عليها ، فقال لها : ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك ، فجاءت بأمير المؤنين عليه السلام وأم أيمن فشهدا لها ، فكتب لها بترك التعرض ، فخرجت والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت : كتاب كتب لي ابن أبي قحافة ، قال : أرينيه ، فأبت فانتزعه من يدها ونظر فيه ، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه ، فقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا ، فقال له : المهدي يا أبا الحسن حدّها إليّ ، فقال : حدّ منها جبل أحد ، وحدّ منها عريش مصر ، وحدّ منها سيف البحر ، وحدّ منها دومة الجندل ، فقال له : كلّ هذا ؟ قال : نعم يا أمير المؤنين هذا كلّه ، إنّ هذا مما لم يوجف أهله على رسول اللّه بخيل ولا ركاب ، فقال : كثير وأنظر فيه(1) .

ص: 152


1- بيان : قوله : فضعي الجبال ، في بعض النسخ بالحاء المهملة ، ويحتمل أن يكون حينئذ كناية عن الترافع إلى الحكام ، بأن يكون - لعنه اللّه - قال ذلك تعجيزا لها ، وتحقيرا لشأنها ، أو المعنى : أنّك إذا أعطيت ذلك وضعت الحبال على رقابنا بالعبودية ، أو أنّك إذا حكمت على ما لم يوجف عليها بخيل بأنّها ملكك فاحكمي على رقابنا أيضا بالملكية ، وفي بعض النسخ بالجيم : أي إن قدرت على وضع الجبال على رقابنا جزاء بما صنعنا فافعلي ، ويحتمل أن يكون على هذا كناية عن ثقل الآثام والأوزار .

علي بن يقطين

28 - الكافي : عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : قلت له : إنّي قد أشفقت من دعوة أبي عبد اللّه عليه السلام على بن يقطين وما ولد ، فقال : يا أبا الحسن ليس حيث تذهب ، إنّما المؤن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة يجيء المطر فيغسل اللبنة ، فلا يضر الحصاة شيئا .

29 - الكافي : عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : ما تقول في أعمال هؤاء ؟ قال : إن كنت لابد فاعلا فاتق أموال الشيعة ، قال : فأخبرني على أنّه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السر .

30 - قرب الإسناد : عن علي بن يقطين : أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام : إنّ قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان ، وكان وزيرا لهارون ، فإن أذنت لي - جعلني اللّه فداك - هربت منه ، فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتق اللّه ، أو كما قال .

أتقولون إنّ الخمس لكم ؟

31 - كتاب الاستدراك : عن الكاظم عليه السلام قال : قال لي هارون : أتقولون إنّ الخمس لكم ؟ قلت : نعم ، قال : إنّه لكثير ! قال : قلت : إنّ الذي أعطاناه علم أنّه لنا غير كثير .

ص: 153

باب 7- أحوال عشائره وأصحابه وأهل زمانه وما جرى بينه وبينهم وما جرى من الظلم على عشائره صلوات اللّه عليه

محمد بن عبد اللّه الأرقط

1 - قرب الإسناد: عن إبراهيم بن المفضل قال: سمعت أبا الحسن الأول

عليه السلام وهو يحلف أن لا يكلّم محمد بن عبد اللّه الأرقط أبدا، فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة

ويحلف أن لا يكلّم ابن عمه أبدا ؟! قال: فقال: هذا من برّي به ، هو لا يصبر أن يذكرني

ويعينني ، فإذا علم الناس ألاّ أكلّمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري ، فكان خيرا له .

مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟

2 - تفسير العياشي : عن صفوان قال : سألني أبو الحسن عليه السلام ومحمد بن خلف جالس فقال لي : مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟ فقلت له : نعم ، ومات زرعة ، فقال : كان جعفر عليه السلام يقول : « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » ، فالمستقر قوم يعطون الإيمان ومستقر في قلوبهم ، والمستودع قوم يعطون الإيمان ثم يسلبونه .

ص: 154

جهد بن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نور اللّه

3 - تفسير العياشي : عن أحمد بن محمد قال : وقف عليّ أبو الحسن الثاني عليه السلام في بني زريق فقال لي ، وهو رافع صوته : يا أحمد ؟ قلت : لبيك ، قال : إنّه لما قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله جهد الناس على إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره

بأمير المؤنين عليه السلام ، فلمّا مات أبو الحسن عليه السلام جهد بن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ . . الخبر .

كنت مع الحسين بن زيد ومعه ابنه عليّ

4 - قرب الإسناد : عن ظريف بن ناصح قال : كنت مع الحسين بن زيد ومعه ابنه

عليّ ، إذ مرّ بنا أبو الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه و آله ، فسلم عليه ثم جاز ، فقلت : جعلت

فداك ، يعرف موسى قائم آل محمد ؟ قال : فقال لي : إن يكن أحد يعرفه فهو ، ثم قال : وكيف لا يعرفه ، وعنده خط علي بن أبي طالب عليه السلام وإملاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال علي ابنه : يا أبة ، كيف لم يكن ذاك عند أبي زيد بن علي ؟ فقال : يا بني إنّ علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، سيد الناس وإمامهم ، فلزم يا بني أبوك زيد أخاه فتأدب بأدبه ، وتفقه بفقهه ، قال : فقلت : فإنّه يا أبة إن حدث بموسى حدث يوصي إلى أحد من إخوته ؟ قال : لا واللّه ما يوصي إلاّ إلى ابنه ، أما ترى أي بني هؤاء الخلفاء لا يجعلون الخلافة إلاّ في أولادهم .

محمد بن عبد اللّه الأرقط

5 - بصائر الدرجات : عن عمر بن يزيد قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام فذكر محمد فقال : إنّي جعلت عليّ أن لا يظلني وإياه سقف بيت ، فقلت في نفسي : هذا يأمر بالبرّ

والصلة ويقول هذا لعمه ! قال : فنظر إليّ فقال : هذا من البر والصلة ، إنّه متى يأتيني

ويدخل عليّ فيقول ويصدقه الناس ، وإذا لم يدخل عليّ لم يقبل قوله إذا قال .

ص: 155

الحسين بن علي المقتول بفخ

6 - الكافي : عن عبد اللّه بن المفضل قال : لما خرج الحسين بن علي المقتول

بفخ واحتوى على المدينة دعا موسى بن جعفر عليه السلام إلى البيعة ، فأتاه فقال له : يا ابن عم ، لا تكلّفني ما كلّف ابن عمك عمك أبا عبد اللّه عليه السلام ، فيخرج منّي ما لا أريد كما خرج من أبي عبد اللّه عليه السلام ما لم يكن يريد ، فقال له الحسين : إنّما عرضت عليك أمرا ، فإن أردته دخلت فيه وإن كرهته لم أحملك عليه وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ ، ثم ودعه ، فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام حين ودعه : يا ابن عم ، إنّك مقتول فأجد الضراب ، فإنّ القوم فساق يظهرون إيمانا ويسرون شركا ، وإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، أحتسبكم عند اللّه من عصبة ، ثم خرج الحسين ، وكان من أمره ما كان ، قتلوا كلّهم كما قال عليه السلام(1) .

ص: 156


1- بيان : الفخ بفتح الفاء وتشديد الخاء : بئر بينه وبين مكة فرسخ تقريبا ، والحسين : هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام ، وأمه زينب بنت بنت عبد اللّه بن الحسن ، وخرج في أيام موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين . وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة بعد موت المهدي بمكة وخلافة الهادي ابنه . وروى أبو الفرج الأصبهاني بأسانيده عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري وغيره أنّهم قالوا : كان سبب خروج الحسين أنّ الهادي ولى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم ، وطالبهم بالعرض كلّ يوم في المقصورة ، ووافى أوائل الحاج ، وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا ولقوا حسينا وغيره ، فبلغ ذلك العمري ، وأغلظ أمر العرض وألجأهم إلى الخروج ، فجمع الحسين يحيى وسليمان وإدريس بني عبد اللّه بن الحسن ، وعبد اللّه بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن المثلث ، وعبد اللّه بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن المثنى ، وعبد اللّه بن جعفر الصادق عليه السلام ، ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا ستة وعشرين رجلا من ولد علي عليه السلام وعشرة من الحاج وجماعة من الموالي . فلمّا أذن المؤن الصبح دخلوا المسجد ونادوا : أجد أجد ، وصعد الأفطس المنارة وجبر المؤن على قول « حي على خير العمل » فلمّا سمعه العمري أحسّ بالشرّ ودهش ، ومضى هاربا على وجهه يسعى ويضرط حتّى نجا ، وصلّى الحسين بالناس الصبح ، ولم يتخلّف عنه أحد من الطالبيين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ، وموسى بن جعفر عليه السلام . فخطب بعد الصلاة ، وقال بعد الحمد والثناء : أنا ابن رسول اللّه على منبر رسول اللّه وفي حرم رسول اللّه ، أدعوكم إلى سنة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأيّها الناس ، أتطلبون آثار رسول اللّه في الحجر والعود تمسحون بذلك وتضيعون بضعة منه ؟ قالوا : فأقبل حماد البربري ، وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح ومعه أصحابه حتّى وافوا باب المسجد ، فقصده يحيى بن عبد اللّه وفي يده السيف ، فأراد حماد أن ينزل فبدره يحيى فضربه على جبينه ، وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة ، فقطع ذلك كلّه وأطار قحف رأسه ، وسقط عن دابته ، وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا ، وحجّ في تلك السنة مبارك التركي ، فبدأ بالمدينة ، فبلغه خبر الحسين ، فبعث إليه من الليل أنّي واللّه ما أحبّ أن تبتلى بي ولا أبتلى بك ، فابعث الليلة إليّ نفرا من أصحابك ، ولو عشرة ، يبيتون عسكري حتّى انهزم واعتل بالبيات ، ففعل ذلك الحسين ، ووجه عشرة من أصحابه ، فجعجعوا بمبارك وصبحوا في نواحي عسكره ، فهرب وذهب إلى مكة . وحجّ في تلك السنة العباس بن محمد ، وسليمان بن أبي جعفر ، وموسى بن عيسى ، فصار مبارك معهم واعتل عليهم بالبيات ، وخرج الحسين قاصدا إلى مكة ، ومعه من تبعه من أهله ومواليه وأصحابه ، وهم زهاء ثلاثمائة ، واستخلف رجلا على المدينة ، فلمّا صاروا بفخ تلقتهم الجيوش ، فعرض العباس على الحسين الأمان والعفو والصلة ، فأبى ذلك أشد الإباء ، وكانت قادة الجيوش العباس وموسى وجعفر ومحمد ابنا سليمان ومبارك التركي والحسن الحاجب وحسين بن يقطين ، فالتقوا يوم التروية وقت الصلاة الصبح . فكان أول من بدأهم موسى ، فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا حتّى انحدروا في الوادي ، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم فطحنهم طحنة واحدة حتّى قتل أكثر أصحاب الحسين ، وجعلت المسودة تصيح بالحسين : يا حسين لك الأمان ، فيقول : لا أمان أريد ، ويحمل عليهم حتّى قتل وقتل معه سليمان بن عبد اللّه بن الحسن ، وعبد اللّه بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن ، وأصابت الحسن بن محمد نشابة في عينه فتركها وجعل يقاتل أشد القتال حتّى أمنوه ثم قتلوه ، وجاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس ، وعندهما جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يسألا أحدا منهم إلاّ موسى بن جعفر عليه السلام ، فقالا : هذا رأس حسين ؟ قال : نعم إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، مضى واللّه مسلما ، صالحا ، صواما ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ، فلم يجيبوه بشيء ، وحملت الأسرى إلى الهادي ، فأمر بقتلهم ، ومات في ذلك اليوم . وروي عن جماعة : أنّ محمد بن سليمان لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة وهو يقول : ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن لقيت حسينا يوم فخ ولا الحسن فجعل يردّدها حتّى مات . وروي في عمدة الطالب ومعجم البلدان : عن أبي نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد عليه السلام أنّه قال : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ . قوله : واحتوى على المدينة : أي غلب عليها وأحاط بها . « ما كلف ابن عمك » : أي محمد بن عبد اللّه ، وسمي أبا عبد اللّه عمه مجازا ، « فأجد الضراب » من الإجادة : أي أحسن ، ويمكن أن يقرأ بتشديد الدال : أي اجتهد ، والضراب : القتال ، « فإن القوم » : أي بني العباس وأتباعهم ، « فساق » : أي خارجون من الدين ، « ويسرون شركا » لأنّهم لو كانوا موحدين لما عارضوا إماما نصبه اللّه ورسوله ، « أحتسبكم عند اللّه » : أي أطلب أجر مصيبتكم من اللّه ، وأصبر عليها طلبا للأجر ، أو أظنكم عند اللّه في الدرجات العالية ، « والعصبة » بالتحريك : قرابة الأب ، ويمكن أن يقرأ بضم العين وسكون الصاد كما في قوله تعالى « وَنَحْنُ عُصْبَةٌ » : وهي الجماعة يتعصب بعضها لبعض .

ص: 157

كتب يحيى بن عبد اللّه بن الحسن إلى موسى بن جعفر عليه السلام

7 - الكافي : عن عبد اللّه بن إبراهيم الجعفري قال : كتب يحيى بن عبد اللّه بن الحسن إلى موسى بن جعفر عليه السلام : أمّا بعد : فإنّي أوصي نفسي بتقوى اللّه ، وبها

أوصيك ، فإنّها وصية اللّه في الأولين ووصيته في الآخرين ، خبرني من ورد عليّ من أعوان اللّه على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك ، وقد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلى الله عليه و آله ، وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديما ادعيتم ما ليس لكم ، وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم اللّه ، فاستهويتم وأضللتم ، وأنا محذّرك ما حذّرك اللّه من نفسه . فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : من موسى بن أبي عبد اللّه جعفر ، وعليّ مشتركين في التذلل للّه وطاعته إلى يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ، أما بعد : فإنّي أحذّرك اللّه ونفسي ، وأعلمك أليم عذابه ، وشديد

عقابه ، وتكامل نقماته ، وأوصيك ونفسي بتقوى اللّه ، فإنّها زين الكلام ، وتثبيت النعم ، أتاني كتابك تذكر فيه : أنّي مدع وأبي من قبل ، وما سمعت ذلك منّي ،

ص: 158

وستكتب شهادتهم ويسألون ، ولم يدع حرص الدنيا ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتّى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم ، وذكرت أنّي ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك ، وما منعني من مدخلك الذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة ، ولا قلّة بصيرة بحجة ، ولكن اللّه - تبارك وتعالى - خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز ، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما : ما العترف في بدنك ؟ وما الصهلج في الإنسان ؟ ثم اكتب إليّ بخبر ذلك ، وأنا متقدّم إليك أحذّرك معصية الخليفة ، وأحثّك

على برّه وطاعته ، وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ، ويلزمك الخناق من كلّ مكان ، تتروح إلى النفس من كلّ مكان ولا تجده ، حتّى يمن اللّه عليك بمنه وفضله ، ورقة الخليفة - أبقاه اللّه - فيؤنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى .

قال الجعفري : فبلغني أن كتاب موسى بن جعفر وقع في يدي هارون ، فلمّا قرأه قال : الناس يحملوني على موسى بن جعفر ، وهو بريء مما يرمى به(1) .

ص: 159


1- إيضاح : وصية النفس بالتقوى توطين النفس عليها قبل أمر الغير بها ، « فإنّها وصية اللّه » : إشارة إلى قوله تعالى « وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللّهَ » ، « من تحننك » : أي بلغني إظهار محبتك لي وترحمك عليّ مع عدم نصرتك لي ، وقيل : أي محبّتك للإمامة مع أنّك مخذول ، ولا يخفى ما فيه ، « للرضا » : أي لمن هو مرضي من آل محمد ، يجتمعون عليه ويرتضونه ، لا لنفسي ، ويحتمل أن يريد نفسه ،أو المعنى للعمل بما يرضى به آل محمد . « وقد احتجبتها » لعل فيه حذفا وإيصالا : أي احتجبت بها ، والضمير للمشهورة كناية عما هو مقتضاها من الإجابة إلى البيعة أو للبيعة بقرينة المقام ، « أو للدعوة » : أي إجابتها ، أو المعنى شاورت الناس في الدعوى ، فاحتجبت عن مشاورتي ولم تحضرها فتفرق الناس لذلك عني ، « واحتجبها أبوك » : أي عند دعوة محمد بن عبد اللّه ، « وقديما » ظرف لقوله « ادعيتم » . قوله « فاستهويتم » أي ذهبتم بأهواء الناس وعقولهم ، « ما حذرك اللّه » إشارة إلى قوله تعالى : « وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ » ، قوله « من موسى بن عبد اللّه » في بعض النسخ « عبدي اللّه » وهو الأظهر بأن يكون عليه السلام ذكر في الكتاب انتسابه إلى الوالد الأكبر أيضا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقوله « مشتركين » على صيغة الجمع ، وفي بعض النسخ « أبي عبد اللّه » والمراد ما ذكرنا أيضا ، وكذا على نسخة « عبد اللّه » أيضا بأن يكون الوصف بالعبودية مخصوصا بجعفر عليه السلام . وقيل : كأنّه أشرك أخاه علي بن جعفر معه في المكاتبة ليصرف بذلك عنه ما يصرف عن نفسه ، وقيل : أشرك ابنه الرضا عليه السلام ، وقوله « مشتركين » على صيغة التثنية ، « وتثبيت النعم » أي سبب له ، « أنّي مدع » ظاهره إنكار دعوى الإمامة تقية ، وباطنه إنكار ادعاء ما ليس بحقّ ، كما زعمه ، مع أنّه عليه السلام لم يصرح بالنفي ، بل قال : ما سمعت ذلك منّي ، « ويسألون » أي شهادتهم الزور ، « ومطالبتها » بالرفع عطفا على الحرص ، أو بالجر عطفا على الدنيا ، « في دنياهم » في للظرفية ، أو بمعنى مع ، والحاصل : أنّ حرص الدنيا صار سببا لئلا يخلص لهم شيء للآخرة ، فإذا أرادوا عملا من أعمال الآخرة خلطوه بالأغراض الدنيوية والأعمال الباطلة ، كالأمر بالمعروف الذي أردته ، خلطته بإنكار حقّ أهل الحقّ ومعارضتهم والافتراء عليهم ، فيحتمل أن تكون « في » سببية أيضا ، وقيل : يعني أنّ حرصك على الدنيا ومطالبها صار سببا لفساد آخرتك في دنياك ، « والتثبيط » : التعويق ، « فيما في يديك » أي ادعاء الإمامة ، « ضعف عن سنة » أي عجز عن معرفتها ، بل صار علمي سببا لعدم إظهار الحقّ قبل أوانه . قوله « ولكن اللّه - تبارك وتعالى - خلق الناس » أي جعل للإنسان أجزاء وأعضاء مختلفة ، « فأخبرني عن هذين العضوين » أو المعنى : أنّ اللّه خلقهم ذوي غرائب وشئون متفاوتة ، وأي غريبة أغرب من دعواك الإمامة مع جهلك وسكوتي مع علمي ، ويقال : تقدّم إليه في كذا إذا أمره وأوصاه به ، والمراد بالخليفة خليفة الجور ظاهرا تقية ، وخليفة الحقّ يعني نفسه عليه السلام واقعا ، مع أنّه يجب طاعة خلفاء الجور عند التقية ، وإنّما كتب عليه السلام ذلك لعلمه بأنّه سيقع في يد الملعون ، دفعا لضرره عن نفسه وعشيرته وشيعته ، « قبل أن تأخذك الأظفار » كناية عن الأسر تشبيها بطائر اصطاده بعض الجوارح . « ويلزمك الخناق » بالفتح مصدر خنقه إذا عصر حلقه ، أو بالكسر ، وهو الحبل الذي يخنق به ، أو بالضم ، وهو الداء الذي يمنع نفوذ النفس إلى الرية والقلب ، « فتروح » من باب التفعل بحذف إحدى التاءين : أي تطلب الروح بالفتح ، وهو النسيم إلى النفس : أي للتنفس ، « من كلّ مكان » متعلّق ب- « تروح فلا تجده » أي الروح أو النفس ، « ورقة الخليفة » عطف على منّه ، « يحملوني » : أي يغرونني . أقول : وروى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب « مقاتل الطالبيين » بأسانيده عن عنيزة القصباني قال : رأيت موسى بن جعفر عليه السلام بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ فانكب عليه شبه الركوع وقال : أحبّ أن تجعلني في سعة وحلّ من تخلفي عنك ، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ، ثم رفع رأسه إليه فقال : أنت في سعة . وبأسانيد أخرى قال : قال الحسين لموسى بن جعفر عليه السلام في الخروج ، فقال له : إنّك مقتول ، فأجد الضراب ، فإن القوم فساق ، يظهرون إيمانا ويضمرون نفاقا وشكا فإِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، وعند اللّه - جلّ وعزّ - أحتسبكم من عصبة . وبإسناده عن سليمان بن عباد قال : لما أن لقي الحسين المسودة أقعد رجلا على جمل ، معه سيف يلوح به ، والحسين يملي عليه حرفا حرفا ، يقول : ناد ، فنادى : يا معشر الناس ، يا معشر المسودة ، هذا الحسين ابن رسول اللّه وابن عمه ، يدعوكم إلى كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وبإسناده إلى أرطاة قال : لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال : أبايعكم على كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعلى أن يطاع اللّه ولا يعصى ، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعلى أن يعمل فيكم بكتاب اللّه وسنة نبيه صلى الله عليه و آله ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، وعلى أن تقيموا معنا ، وتجاهدوا عدونا ، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم . وبإسناده عن أبي صالح الفزاري قال : سمع على مياه غطفان كلّها ليلة قتل الحسين صاحب فخ هاتفا يهتف يقول : ألا يا لقوم للسواد المصبح ومقتل أولاد النبي ببلدحليبك حسينا كلّ كهل وأمرد من الجن إن لم يبك من الإنس نوحوإنّي لجنّي وإنّ معرسي لبالبرقة السوداء من دون زحزح فسمعها الناس لا يدرون ما الخبر حتّى أتاهم قتل الحسين . وبإسناده عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : مرّ النبي صلى الله عليه و آله بفخ ، فنزل فصلّى ركعة ، فلمّا صلّى الثانية بكى وهو في الصلاة ، فلما رأى الناس النبي صلى الله عليه و آله يبكي بكوا ، فلمّا انصرف قال : ما يبكيكم ؟ قالوا : لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول اللّه ؟ قال : نزل عليّ جبرئيل لما صلّيت الركعة الأولى فقال لي : يا محمد إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين . وبإسناده عن النضر بن قرواش قال : أكريت جعفر بن محمد عليه السلام من المدينة ، فلمّا رحلنا من بطن مر قال لي : يا نصر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني ، قلت : أولست تعرفه ؟ قال : بلى ، ولكن أخشى أن تغلبني عيني ، فلمّا انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل ، فإذا هو نائم ، فتنحنحت فلم ينتبه ، فحركت المحمل فجلس ، فقلت : قد بلغت ، فقال : حلّ محملي ، ثم قال : صل القطار ، فوصلته ، ثم تنحيت به عن الجادة فأنخت بعيره ، فقال : ناولني الإداوة والركوة ، فتوضأ وصلّى ثم ركب ، فقلت له : جعلت فداك ، رأيتك قد صنعت شيئا ، أفهو من مناسك الحج ؟ قال : لا ، ولكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة .

ص: 160

ص: 161

دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام

8 - الكافي : عن محمد بن مسلم قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له : رأيت ابنك موسى يصلّي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم ، وفيه ما فيه ! فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ادعوا لي موسى ، فدعي ، فقال له : يا بني إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي والناس يمرون بين يديك فلم تنههم ؟ فقال : نعم يا أبت إنّ الذي كنت أصلّي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول اللّه - عزّ وجلّ - : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ، قال : فضمه أبو عبد اللّه عليه السلام إلى نفسه ثم قال : بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار .

يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسك

9 - الكافي : عن جعفر بن المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل قال : قال لي محمد : ألا أسرك يا ابن المثنى ؟ قال : قلت : بلى ، وقمت إليه ، قال : دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن الكاظم ، ثم أقبل عليه فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم ، أيستظل على المحمل ؟ فقال له : لا ، قال : فيستظل في الخباء ؟ فقال له : نعم ، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن ، فما فرق بين هذا وهذا ؟ فقال : يا أبا يوسف إنّ الدين ليس بقياس كقياسك ، أنتم تلعبون بالدين ، إنّا صنعنا كما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقلنا كما قال رسول اللّه

صلى الله عليه و آله ، كان رسول اللّه يركب راحلته

فلا يستظل عليها ، وتؤيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء ، وفي البيت ، وفي الجدار .

ص: 162

رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف

10 - الكافي : علي بن إبراهيم عن أبيه قال : رأيت عبد اللّه بن جندب بالموقف ، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ، ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّه حتّى تبلغ الأرض ، فلمّا انصرف الناس قلت له : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قطّ أحسن من موقفك ! قال : واللّه ما دعوت إلاّ لإخواني ، وذلك أنّ أبا الحسن

موسى بن جعفر عليه السلام أخبرني : أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ها ولك مائة ألف ضعف مثله ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا .

لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه

11 - الكافي : عن عبد اللّه بن جندب قال : كنت في الموقف ، فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه ، وكان مصابا بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنّها علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك ، وأنا واللّه مشفق على الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلا ، فقال : لا واللّه يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة ، فقلت : لمن دعوت ؟ قال : دعوت لإخواني ؛ لأنّي سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : من دعا لأخيه بظهر الغيب وكّل اللّه به ملكا يقول : ولك مثلاه ، فأردت أن أكون إنّما أدعو لإخواني ويكون الملك يدعو لي ، لأنّي في شكّ من دعائي لنفسي ، ولست في شكّ من دعاء الملك .

يا زياد بن أبي سلمة إنّك لتعمل عمل السلطان ؟

12 - الكافي : عن زياد بن أبي سلمة قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي : يا زياد إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت : أجل ، قال لي : ولم ؟

ص: 163

قلت : أنا رجل لي مروة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء ، فقال لي : يا زياد لأن أسقط من حالق فأنقطع قطعة قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم ، إلاّ ، لماذا ؟ قلت : لا أدري ، جعلت فداك ، قال : إلاّ لتفريج كربة

عن مؤن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه ، يا زياد ، إنّ أهون ما يصنع اللّه بمن تولّى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه من حساب الخلائق ، يا زياد ، فإن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك ، فواحدة بواحدة ، واللّه من وراء ذلك ، يا زياد أيّما رجل منكم تولّى لأحد منهم عملا ثم ساوى بينكم وبينهم ، فقولوا له : أنت منتحل كذاب ، يا زياد ، إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة اللّه عليك غدا ، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء ما أتيت إليهم عليك(1) .

كان بالمدينة رجل يكنى « أبا القمقام » وكان محارفا

13 - الكافي : عن رجل من الجعفريين قال : كان بالمدينة عندنا رجل يكنى « أبا القمقام » ، وكان محارفا ، فأتى أبا الحسن عليه السلام فشكا إليه حرفته ، وأخبره أنّه لا يتوجّه في حاجة له فتقضى له ! فقال له أبو الحسن عليه السلام : قل في آخر دعائك من صلاة الفجر : سبحان اللّه العظيم وبحمده أستغفر اللّه وأتوب إليه وأسأله من فضله ، عشر مرات ، قال أبو القمقام : فلزمت ذلك ، فواللّه ما لبثت إلاّ قليلا حتّى ورد عليّ قوم من البادية ، فأخبروني أنّ رجلا من قومي مات ولم يعرف له وارث غيري ، فانطلقت فقبضت ميراثه وأنا مستغن .

شاعره السيد الحميري وبوابه محمد بن الفضل

14 - الفصول المهمة : شاعره السيد الحميري ، بوابه محمد بن الفضل .

ص: 164


1- بيان : « واللّه من وراء ذلك » أي عفوه وغفرانه ، أو حسابه وحقه - تعالى - لما خالفت أمره .

قضاء حاجة المؤمن

15 - من كتاب قضاء حقوق المؤنين لأبي علي بن طاهر الصوري : عن رجل من أهل الري قال : ولي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد ، وكان عليّ بقايا يطالبني بها ، وخفت من إلزامي إياها خروجا عن نعمتي ، وقيل لي : إنّه ينتحل هذا المذهب ، فخفت أن أمضي إليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحبّ ، فاجتمع رأيي على أنّي هربت إلى اللّه - تعالى - وحججت ، ولقيت مولاي الصابر ، يعني موسى بن جعفر عليه السلام ، فشكوت حالي إليه ، فأصحبني مكتوبا نسخته : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، اعلم أنّ للّه تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروفا ، أو نفّس عنه كربة ، أو

أدخل على قلبه سرورا ، وهذا أخوك ، والسلام .

قال : فعدت من الحج إلى بلدي ، ومضيت إلى الرجل ليلا ، واستأذنت عليه وقلت رسول الصابر عليه السلام : فخرج إليّ حافيا ماشيا ، ففتح لي بابه وقبّلني وضمني إليه ، وجعل يقبل بين عيني ، ويكرر ذلك كلّما سألني عن رؤته عليه السلام ، وكلّما أخبرته بسلامته وصلاح أحواله استبشر وشكر اللّه ، ثم أدخلني داره ، وصدّرني في مجلسه ، وجلس بين يدي ، فأخرجت إليه كتابه عليه السلام فقبله قائما وقرأه ، ثم استدعى بماله وثيابه فقاسمني دينارا دينارا ، ودرهما درهما ، وثوبا ثوبا ، وأعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته ، وفي كلّ شيء من ذلك يقول : يا أخي ، هل سررتك ؟ فأقول : إي واللّه ، وزدت على السرور ، ثم استدعى العمل فأسقط ما كان باسمي ، وأعطاني براءة مما يتوجه عليّ منه ، وودعته وانصرفت عنه ، فقلت : لا أقدر على مكافاة هذا الرجل إلاّ بأن أحجّ في قابل وأدعو له ، وألقى الصابر عليه السلام وأعرفه فعله ، ففعلت ، ولقيت مولاي الصابر عليه السلام ، وجعلت أحدثه ووجهه يتهلل فرحا ، فقلت : يا مولاي هل سرك ذلك ؟ فقال : إي واللّه ، لقد سرني وسر أمير المؤنين ، واللّه لقد سرّ جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولقد سر اللّه تعالى .

ص: 165

الكتاب الذي أخرجه عبد اللّه بن المغيرة

16 - الإختصاص : ابن الوليد قال : حمل إلى محمد بن موسى بن المتوكل رقعة من أبي الحسن الأسدي قال : حدثني سهل بن زياد الآدمي : لما أن صنف عبد اللّه بن المغيرة كتابه ، وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من زوايا مسجد الكوفة ، وكان له أخ مخالف ، فلمّا أن حضروا لاستماع الكتاب جاء الأخ وقعد ، قال : فقال لهم : انصرفوا اليوم ، فقال الأخ : أين ينصرفون ، فإنّي أيضا جئت لما جاءوا ، قال : فقال له : لما جاءوا ؟ قال : يا أخي أريت فيما يرى النائم أنّ الملائكة تنزل من السماء ، فقلت : لماذا ينزلون هؤاء ؟ فقال قائل : ينزلون يستمعون الكتاب الذي يخرجه عبد اللّه بن المغيرة ، فأنا أيضا جئت

لهذا ، وأنا تائب إلى اللّه ، قال : فسرّ عبد اللّه بن المغيرة بذلك .

أبو حنيفة : ما تقول في أفعال العباد ممن هي ؟

17 - أعلام الدين للديلمي : روي عن أبي حنيفة أنّه قال : أتيت الصادق عليه السلام لأسأله عن مسائل ، فقيل لي : إنّه نائم ، فجلست أنتظر انتباهه ، فرأيت غلاما خماسيا

أو سداسيا جميل المنظر ، ذا هيبة وحسن سمت ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا موسى بن جعفر ، فسلّمت عليه وقلت له : يا ابن رسول اللّه ، ما تقول في أفعال العباد ممن هي ؟ فجلس ، ثم تربع وجعل كمه الأيمن على الأيسر ، وقال : يا نعمان قد سألت فاسمع ، وإذا سمعت فعه ، وإذا وعيت فاعمل ، إنّ أفعال العباد لا تعدو من ثلاث خصال : إمّا من اللّه على انفراده ، أو من اللّه والعبد شركة ، أو من العبد بانفراده ، فإن كانت من اللّه على انفراده فما باله سبحانه يعذب عبده على ما لم يفعله ، مع عدله ورحمته وحكمته ؟ وإن كانت من اللّه والعبد شركة فما بال الشريك القوي يعذّب شريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه ؟ قال : استحال الوجهان يا نعمان ، فقال : نعم ، فقال له : فلم يبق إلاّ أن يكون من العبد على انفراده ، ثم أنشأ يقول :

ص: 166

لم تخل أفعالنا التي نذم بها

إحدى ثلاث خصال حين نبديها

إما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنّا حين نأتيها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما كان يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها

ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها

ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم

18 - الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة : قال : قال نفيع الأنصاري لموسى بن جعفر عليه السلام ، وكان مع عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فمنعه من كلامه فأبى : من أنت ؟ فقال : إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب اللّه بن إسماعيل ذبيح اللّه بن

إبراهيم خليل اللّه ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه على المسلمين وعليك إن كنت منهم الحج إليه ، وإن كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حين قالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، فانصرف مخزيا .

تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلّة العير

وقال لقي عليه السلام الرشيد حين قدومه إلى المدينة على بغلته ، فاعترض عليه في ذلك فقال : تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة العير ، وخير الأمور أوسطها .

حميد بن قحطبة : قتلت ستين نفسا من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله !

19 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن عبيد اللّه البزاز النيسابوري ، وكان مسنا ، قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة ، فرحلت إليه في بعض

ص: 167

الأيام فبلغه خبر قدومي ، فاستحضرني للوقت ، وعليّ ثياب السفر لم أغيرها ، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر ، فلمّا دخلت إليه رأيته في بيت يجري فيه الماء ، فسلمت عليه وجلست ، فأتي بطست وإبريق ، فغسل يديه ، ثم أمرني فغسلت يدي ، وأحضرت المائدة ، وذهب عنّي أنّي صائم ، وأنّي في شهر رمضان ، ثم ذكرت فأمسكت يدي ، فقال لي حميد : ما لك لا تأكل ؟ فقلت : أيّها الأمير هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار ، ولعل الأمير له عذر في ذلك ، أو علة توجب الإفطار ! فقال : ما بي علّة توجب الإفطار ، وإنّي لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى ، فقلت له بعد ما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيها الأمير ؟ فقال : أنفذ إليّ

هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل : أن أجب ، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتّقد وسيفا أحضر مسلولا ، وبين يديه خادم واقف ، فلمّا قمت بين يديه رفع رأسه إليّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤنين ؟ فقلت : بالنفس والمال ، فأطرق ، ثم أذن لي في الانصراف ، فلم ألبث في منزلي حتّى عاد الرسول إليّ وقال : أجب أمير المؤنين ، فقلت في نفسي : إنا للّه ، أخاف أن يكون قد عزم على قتلي وإنّه لما رآني استحيا مني ، فعدت إلى بين يديه ، فرفع رأسه إليّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد ، فتبسم ضاحكا ، ثم أذن لي في الانصراف ، فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول إليّ فقال : أجب أمير المؤنين ، فحضرت بين يديه ، وهو على حاله ، فرفع رأسه إليّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين ، فضحك ، ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم ، قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه ، وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ، ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبان ، مقيدون ، فقال لي : إنّ أمير المؤنين يأمرك بقتل هؤاء ، وكانوا كلّهم علوية من ولد علي وفاطمة عليهاالسلام ، فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد

ص: 168

فأضرب عنقه ، حتّى أتيت على آخرهم ، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر ، ثم فتح باب بيت آخر ، فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية من ولد علي وفاطمة عليهاالسلام مقيدون ، فقال لي : إنّ أمير المؤنين يأمرك بقتل هؤاء ، فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتّى أتيت على آخرهم ، ثم فتح باب البيت الثالث ، فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد علي و فاطمة مقيدون ، عليهم الشعور والذوائب ، فقال لي : إنّ أمير المؤنين يأمرك أن تقتل هؤاء أيضا ، فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر ، حتّى أتيت على تسع عشرة نفسا منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر ، فقال لي : تبا لك يا مشوم ، أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم علي وفاطمة عليهماالسلام ، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي ، فنظر إليّ الخادم مغضبا وزبرني ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفسا من ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فما ينفعني صومي وصلاتي ! وأنا لا أشكّ أنّي مخلد في النار ؟

من أصحابه عليه السلام

20 - الإختصاص : من أصحابه عليه السلام : علي بن يقطين ، علي بن سويد السائي ،

وساية قرية من سواد المدينة ، محمد بن سنان ، محمد بن أبي عمير الأزدي .

أبو حنيفة :أي شيء كان أحبّ إلى أبيك العود أم الطنبور ؟ !

21 - الإختصاص : قال أبو حنيفة يوما لموسى بن جعفر عليه السلام : أخبرني : أي شيء كان أحبّ إلى أبيك ، العود أم الطنبور ؟ ! ! ! قال : لا بل العود ، فسئل عن ذلك ، فقال : يحبّ عود البخور ويبغض الطنبور .

ص: 169

حماد بن عيسى الجهني البصري

22 - الإختصاص : حماد بن عيسى الجهني البصري ، كان أصله كوفيا ومسكنه

البصرة ، وعاش نيفا وتسعين سنة ، روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومات بوادي قباء بالمدينة ، وهو واد يسيل من الشجرة إلى المدينة ، ومات سنة تسع ومائتين .

عن حماد بن عيسى قال : دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام فقلت له : جعلت فداك ، ادع اللّه لي أن يرزقني دارا ، وزوجة ، وولدا ، وخادما ، والحج في كلّ سنة ،

فقال : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة ، قال حماد : فلمّا اشترط خمسين سنة علمت أنّي لا أحج أكثر من خمسين سنة ، قال حماد : وحججت ثمان وأربعين حجة ، وهذه داري قد رزقتها ، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي ، وهذا ابني ، وهذه خادمتي ، قد رزقت كلّ ذلك ، فحجّ بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين .

ثم خرج بعد الخمسين حاجا ، فزامل أبا العباس النوفلي القصير ، فلمّا صار في موضع الإحرام دخل يغتسل في الوادي ، فحمله فغرقه الماء - رحمه اللّه وأباه - قبل أن يحج زيادة على خمسين ، عاش إلى وقت الرضا عليه السلام ، توفي سنة تسع ومائتين ، وكان من جهينة .

يحيى بن عبد اللّه بن الحسن

23 - عمدة الطالب : يحيى صاحب الديلم ابن عبد اللّه المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قد هرب إلى بلاد الديلم ، وظهر هناك واجتمع عليه الناس ، وبايعه أهل تلك الأعمال ، وعظم أمره ، وخاف الرشيد لذلك ، وأهمه وانزعج منه غاية الانزعاج ، فكتب إلى الفضل بن يحيى البرمكي : أنّ يحيى بن

ص: 170

عبد اللّه قذاة في عيني ، فأعطه ما شاء واكفني أمره ، فسار إليه الفضل في جيش كثيف ، وأرسل إليه بالرفق والتحذير والترغيب والترهيب ، فرغب يحيى في الأمان ، فكتب له الفضل أمانا مؤدا ، وأخذ يحيى وجاء به إلى الرشيد ، ويقال : إنّه صار إلى الديلم مستجيرا ، فباعه صاحب الديلم من الفضل بن يحيى بمائة ألف درهم ، ومضى يحيى إلى المدينة فأقام بها ، إلى أن سعى به عبد اللّه بن الزبير إلى الرشيد .

أنا ابن منى والمشعرين وزمزم

24 - كتاب المقتضب لابن عياش : عن ذي النون المصري قال : خرجت في بعض سياحتي حتى كنت ببطن السماوة ، فأفضى لي المسير إلى تدمر ، فرأيت بقربها أبنية عادية قديمة ، فساورتها فإذا هي من حجارة ، منقورة فيها بيوت وغرف من حجارة ، وأبوابها كذلك بغير ملاط ، وأرضها كذلك حجارة صلدة ، فبينا أجول فيها إذ بصرت بكتابة غريبة على حائط منها ، فقرأته فإذا هو :

أنا ابن منى والمشعرين وزمزم

ومكة والبيت العتيق المعظم

وجدي النبي المصطفى وأبي الذي

ولايته فرض على كلّ مسلم

وأمي البتول المستضاء بنورها

إذا ما عددناها عديلة مريم

وسبطا رسول اللّه عمي ووالدي

وأولاده الأطهار تسعة أنجم

متى تعتلق منهم بحبل ولاية

تفز يوم يجزى الفائزون وتنعم

أئمة هذا الخلق بعد نبيهم

فإن كنت لم تعلم بذلك فاعلم

أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمى

به الخوف والأيام بالمرء ترتمي

فضاقت بي الأرض الفضاء برحبها

ولم أستطع نيل السماء بسلم

فألممت بالدار التي أنا كاتب عليها

بشعري فاقرأ إن شئت وألمم

وسلم لأمر اللّه في كلّ حالة

فليس أخو الإسلام من لم يسلم

ص: 171

قال ذو النون : فعلمت أنّه علوي قد هرب ، وذلك في خلافة هارون ووقع إلى ما هناك ، فسألت من ثم من سكان هذه الدار ، وكانوا من بقايا القبط الأول : هل تعرفون من كتب هذا الكتاب ؟ قالوا : لا واللّه ما عرفناه إلاّ يوما واحدا ، فإنّه نزل بنا فأنزلناه ، فلمّا كان صبيحة ليلته غدا فكتب هذا الكتاب ومضى ، قلت : أي رجل كان ؟ قالوا : رجل عليه أطمار رثة ، تعلوه هيبة وجلالة ، وبين عينيه نور شديد ، لم يزل ليلته قائما وراكعا وساجدا إلى أن انبلج له الفجر ، فكتب وانصرف(1) .

يحيى بن عبد اللّه بن الحسن

25 - مقاتل الطالبيين : إنّ يحيى بن عبد اللّه بن الحسن لمّا قتل أصحاب فخ كان في قبلهم ، فاستتر مدّة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي ، فأمره بالانتقال عنه ، وقصد الديلم ، وكتب له منشورا لا يعرض له أحد ، فمضى متنكّرا حتّى ورد الديلم ، وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق ، فولّى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلمّا علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه : إنّي أريد أن أحدث بك عهدا ، وأخشى أن تبتلى بي وأبتلى بك ، فكاتب صاحب الديلم فإن ،ي قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به ، ففعل ذلك يحيى ، وكان صحبه جماعة من أهل الكوفة ، وفيهم الحسن بن صالح بن حي ، كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ويفسد أصحابه ، فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل جميع كور المشرق وخراسان ، وأمره بقصد يحيى ، والجد به ، وبذل الأمان والصلة له إن قبل ذلك ، فمضى الفضل فيمن ندب معه ، وراسل يحيى ،

ص: 172


1- أقول : لا يبعد كونه الكاظم عليه السلام ذهب وكتب لإتمام الحجة عليهم .

فأجابه إلى قبوله لما رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه ، وكثرة خلافهم عليه ، إلاّ أنّه لم يرض الشرائط التي شرطت له ، ولا الشهود الذين شهدوا له ، وبعث بالكتاب إلى الفضل ، فبعث به إلى الرشيد ، فكتب له على ما أراد وشهد له من التمس ، فلمّا ورد كتاب الرشيد على الفضل ، وقد كتب الأمان على ما رسم يحيى ، وأشهد الشهود الذين التمسهم ، وجعل الأمان على نسختين : إحداهما مع يحيى ، والأخرى معه ، شخص يحيى مع الفضل حتّى وافى بغداد ، ودخلها معادله في عمارية على بغل ، فلمّا قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية ، يقال : إنّ مبلغها مائتا ألف دينار ، وغير ذلك من الخلع والحملان ، فأقام على ذلك مدّة ، وفي نفسه الحيلة على يحيى والتتبع له ، وطلب العلل عليه وعلى أصحابه ، ثم إنّ نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى ، وهم عبد اللّه بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري ، وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك ، واحتالوا إلى أن أمكنهم ذكره له ، وأشخصه الرشيد إليه ، وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الأيام يدعوه ويناظره إلى أن مات في حبسه .

واختلف كيف كانت وفاته ، فقيل : إنّه دعاه يوما ، وجمع بينه وبين ابن مصعب ليناظره فيما رفع إليه ، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال : إنّ هذا دعاني إلى بيعته ، فقال يحيى : يا أمير المؤنين ، أتصدّق هذا عليّ وتستنصحه ، وهو ابن عبد اللّه بن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب ، وأضرم عليهم النار حتّى تخلصهم أبو عبد اللّه الجدلي صاحب علي عليه السلام ، وهو الذي بقي أربعين يوما لا يصلّي على النبي صلى الله عليه و آلهفي خطبته حتّى التاث عليه الناس ، فقال : إنّ له أهل بيت سوء إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك ، فلا أحبّ أن أقرّ أعينهم بذلك ، وهو الذي فعل بعبد اللّه بن العباس ما لا خفاء به عليك ، وطال الكلام بينهما حتّى قال يحيى : ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك ، وقال في ذلك أبياتا منها :

ص: 173

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

قال : فتغيّر وجه الرشيد عند سماع الأبيات ، فابتدأ ابن مصعب يحلف باللّه الذي لا إله إلاّ هو ، وبأيمان البيعة ، أنّ هذا الشعر ليس له ، فقال يحيى : واللّه يا أمير

المؤنين ما قاله غيره ، وما حلفت باللّه كاذبا ولا صادقا قبل هذا ، وإنّ اللّه إذا مجده العبد في يمينه استحيا أن يعاقبه ، فدعني أحلّفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلاّ

عوجل ، قال : حلفه ، قال : قل : برئت من حول اللّه وقوته واعتصمت بحولي وقوتي ، وتقلّدت الحول والقوة من دون اللّه استكبارا على اللّه واستغناء عنه واستعلاء عليه إن كنت قلت هذا الشعر ، فامتنع عبد اللّه منه ، فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : هنا شيء ، ما له لا يحلف إن كان صادقا ؟ فرفس الفضل عبد اللّه برجله وصاح به : احلف ويحك ، وكان له فيه هوى ، فحلف باليمين ووجهه متغير ، وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال : يا ابن مصعب ، قطعت واللّه عمرك ، واللّه لا تفلح بعدها ، فما برح من موضعه حتّى أصابه الجذام ، فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ، ومشى معها ومشى الناس معه ، فلمّا وضعوه في لحده ، وجعلوا اللبن فوقه انخسف القبر به ، وخرجت منه غبرة عظيمة ، فصاح الفضل : التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ، فدعا بأحمال شوك وطرحها ، فهوت ، فأمر حينئذ بالقبر فسقف بخشب وأصلحه ، وانصرف منكسرا ، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل يحيى من ابن مصعب ، ثم جمع له الرشيد الفقهاء ، وفيهم محمد بن الحسن صاحب أبي يوسف ، والحسن بن زياد اللؤؤ ، وأبو البختري ، فجمعوا في مجلس ، فخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان .

فبدأ بمحمد بن الحسن ، فنظر فيه ، فقال : هذا أمان مؤد لا حيلة فيه ، فصاح عليه مسرور : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد ، فقال بصوت ضعيف : هو أمان ، فاستلبه أبو البختري وقال : هذا باطل منتقض ، قد شقّ العصا وسفك الدم ، فاقتله ودمه في عنقي ، فدخل مسرور إلى الرشيد وأخبره ، فقال : اذهب وقل له : خرقه إن

ص: 174

كان باطلا بيدك ، فجاء مسرور فقال له ذلك ، فقال : شقه أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا ، فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد ، حتّى صيره سيورا ، فأدخله مسرور على الرشيد ، فوثب فأخذه من يده ، وهو فرح ، ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف وولاه قضاء القضاة ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدّة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى .

فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت منه قريبا ، فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال ، وقد مضى من الليل هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له ، فوقف ثم قال : أين هذا - يعني يحيى - ؟ قالوا : في هذا البيت ، قال : عليّ به ، فأدني إليه ، فجعل هارون يكلّمه بشيء

لم أفهمه ، فقال : خذوه ، فأخذ فضربه مائة عصا ، ويحيى يناشده اللّه والرحم والقرابة

من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقول : بقرابتي منك ، فيقول : ما بيني وبينك قرابة ! ثم حمل فردّ إلى موضعه ، فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء ، قال :

اجعلوه على النصف ، ثم خرج ومكث ليالي ، ثم سمعنا وقعا ، فإذا نحن به حتّى دخل ، فوقف موقفه فقال : عليّ به ، فأخرج ، ففعل به مثل فعله ذلك ، وضربه مائة عصا أخرى ، ويحيى يناشده ، فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء ، قال : اجعلوه على النصف ! ثم خرج ، وعاود الثالثة وقد مرض يحيى وثقل ، فلمّا دخل قال : عليّ به ، قالوا : هو عليل مدنف لما به ، قال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء ! قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج ، فلم يلبث يحيى أن مات ، فأخرج إلى الناس فدفن .

وعن إبراهيم بن رياح : أنّه بنى عليه أسطوانة بالرافقة وهو حي .

وعن علي بن محمد بن سليمان : أنّه دسّ إليه في الليل من خنقه حتّى تلف ، قال : بلغني أنّه سقاه سما .

وعن محمد بن أبي الحسناء : أنّه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته .

ص: 175

وعن عبد اللّه بن عمر العمري قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبد اللّه بحضرة الرشيد ، فجعل يقول له : يا يحيى اتق اللّه وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك ، وأقبل علينا فقال : إنّ هذا لم يسم أصحابه ، فكلّما أردت أخذ إنسان يبلغني عنه شيء أكرهه ذكر أنّه ممن أمنت ، فقال يحيى : يا أمير المؤنين ، أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان ؟ أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي ؟ لا يحلّ

لي هذا ، قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ، ودعانا له يوما آخر فرأيته أصفر اللون متغيرا ،

فجعل الرشيد يكلّمه فلا يجيبه ، فقال : ألا ترون إليه لا يجيبني ؟ فأخرج إلينا لسانه

قد صار أسود مثل الحممة ، يرينا أنّه لا يقدر على الكلام ، فاستشاط الرشيد وقال : إنّه يريكم أنّي سقيته السم ، وواللّه لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا ، ثم خرجنا من عنده ، فما صرنا في وسط الدار حتّى سقط على وجهه لآخر ما به .

وعن إدريس بن محمد بن يحيى كان يقول : قتل جدّي بالجوع والعطش في الحبس .

وعن الزبير بن بكار عن عمه : أن يحيى لما أخذ من الرشيد المائتي الألف الدينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ ، وكان الحسين خلف مائتي ألف دينار دينا ، وقال : خرج مع يحيى عامر بن كثير السراج ، وسهل بن عامر البجلي ، ويحيى بن عبد اللّه بن يحيى بن مساور ، وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد ، وعبد اللّه بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعا هارون في المطبق ، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة(1) .

ص: 176


1- أقول : أوردت أحوال كثير من عشائره وأصحابه في باب معجزاته ، وباب مكارم أخلاقه ، وباب مناظراته ، وما جرى بينه وبين خلفاء زمانه ، وباب شهادته عليه السلام ، وباب إبطال مذهب الواقفة .

باب 8- احتجاجات هشام بن الحكم في الإمامة وبدو أمره وما آل إليه أمره إلى وفاته صلوات اللّه عليه

وجد يحيى البرمكي على هشام لطعنه على الفلاسفة

1 - رجال الكشي : عن يونس بن عبد الرحمن قال : كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة ، وأحبّ أن يغري به هارون ، ونصرته على القتل ، قال : وكان هارون لما بلغه عن هشام مال إليه ، وذلك أنّ هشاما تكلّم يوما بكلام عند يحيى بن خالد في إرث النبي صلى الله عليه و آله ، فنقل إلى هارون فأعجبه ، وقد كان قبل ذلك يحيى يسترق أمره عند هارون ، ويردّه عن أشياء كان يعزم عليها من أذاه ، فكان ميل هارون إلى هشام أحد ما غير قلب يحيى على هشام ، فشيعه عنده وقال له : يا أمير المؤنين إنّي قد استبطنت أمر هشام ، فإذا هو يزعم أنّ للّه في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة ! قال : سبحان اللّه ، قال : نعم ، ويزعم أنّه لو أمره بالخروج لخرج ، وإنّما كنّا نرى أنّه ممن يرى الإلباد بالأرض ، فقال هارون ليحيى : فاجمع عندك المتكلّمين وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم ،

ص: 177

لئلا يفطنوا بي ، ولا يمتنع كلّ واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي ، قال : فوجّه يحيى فأشحن المجلس من المتكلّمين ، وكان فيهم ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد اللّه بن يزيد الإباضي ، ومؤد بن مؤد ، ورأس الجالوت ، قال : فتساءلوا ، فتكافئوا وتناظروا وتقاطعوا ، وتناهوا إلى شاذ من مشاذ الكلام ، كلّ يقول لصاحبه : لم تجب ، ويقول : قد أجبت ، وكان ذلك عن يحيى حيلة على هشام ، إذ لم يعلم بذلك المجلس ، واغتنم ذلك لعلّه كان أصابها هشام بن الحكم ، فلمّا تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد : أترضون فيما بينكم هشاما حكما ؟ قالوا : قد رضينا أيّها الوزير ، فأنّى لنا به وهو عليل ؟ فقال يحيى : فأنا أوجه إليه ، فأرسله أن يتجشم المشي ، فوجه إليه فأخبره بحضورهم ، وأنّه إنّما منعه أن يحضروه أول المجلس إبقاء عليه من العلة ، وأنّ القوم قد اختلفوا في المسائل والأجوبة ، وتراضوا

بك حكما بينهم ، فإن رأيت أن تتفضل وتحمل على نفسك فافعل ، فلمّا صار الرسول إلى هشام قال لي : يا يونس قلبي ينكر هذا القول ولست آمن أن يكون هاهنا أمرا لا أقف عليه ؛ لأنّ هذا الملعون يحيى بن خالد قد تغيّر عليّ لأمور شتى ،

وقد كنت عزمت إن من اللّه عليّ بالخروج من هذه العلة أن أشخص إلى الكوفة وأحرم الكلام بتة ، وألزم المسجد ليقطع عنّي مشاهدة هذا الملعون ، يعني يحيى بن خالد ، قال : قلت : جعلت فداك ، لا يكون إلاّ خيرا فتحرز ما أمكنك ، فقال لي : يا يونس أترى التحرز عن أمر يريد اللّه إظهاره على لسانه أنّى يكون ذلك ؟ ولكن قم بنا على حول اللّه وقوته ، فركب هشام بغلا كان مع رسوله ، وركبت أنا حمارا كان لهشام ، قال : فدخلنا المجلس فإذا هو مشحون بالمتكلّمين ، قال : فمضى هشام نحو يحيى ، فسلم عليه وسلم على القوم ، وجلس قريبا منه ، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس ، قال : فأقبل يحيى على هشام بعد ساعة فقال : إنّ القوم حضروا ، وكنّا مع حضورهم نحبّ أن تحضر ، لا لأن تناظر ، بل لأن نأنس بحضورك ، إن كانت العلة تقطعك عن المناظرة ، وأنت بحمد اللّه صالح ، وليست علتك بقاطعة من المناظرة ،

ص: 178

وهؤاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم ، قال : فقال هشام : ما الموضع الذي تناهت به المناظرة ؟ فأخبره كلّ فريق منهم بموضع مقطعه ، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض ، فكان من المحكومين عليه : سليمان بن جرير ، فحقدها على هشام .

قال : ثم إنّ يحيى بن خالد قال لهشام : إنا قد أعرضنا عن المناظرة والمجادلة منذ اليوم ، ولكن إن رأيت أن تبيّن عن فساد اختيار الناس الإمام ، وأن الإمامة في آل بيت الرسول دون غيرهم ، قال هشام : أيّها الوزير ، العلّة تقطعني عن ذلك ، ولعل معترضا يعترض فيكتسب المناظرة والخصومة ، قال : إن اعترض معترض قبل أن تبلغ مرادك وغرضك فليس ذلك له ، بل عليه أن يحفظ المواضع التي له فيها مطعن فيقفها إلى فراغك ولا يقطع عليك كلامك .

فبدأ هشام وساق الذكر لذلك ، وأطال واختصرنا منه موضع الحاجة ، فلمّا فرغ مما قد ابتدأ فيه من الكلام في فساد اختيار الناس الإمام ، قال يحيى لسليمان بن جرير : سل أبا محمد عن شيء من هذا الباب ، قال سليمان لهشام : أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام مفروض الطاعة ؟ فقال هشام : نعم ، قال : فإن أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه ؟ فقال هشام : لا يأمرني ، قال : ولم إذا كانت طاعته مفروضة عليك وعليك أن تطيعه ؟ فقال هشام : عد عن هذا ، فقد تبين فيه الجواب ، قال سليمان : فلم يأمرك في حال تطيعه ، وفي حال لا تطيعه ؟ فقال هشام : ويحك ، لم أقل لك إنّي لا أطيعه فتقول : إنّ طاعته مفروضة ، إنّما قلت لك : لا

يأمرني ، قال سليمان : ليس أسألك إلاّ على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب أنّه لا يأمرك ؟ فقال هشام : كم تحول حول الحمى ؟ هل هو إلاّ أن أقول لك إن أمرني فعلت فتنقطع أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب قولي وما إليه يئول جوابي ! قال : فتغير وجه هارون ، وقال هارون : قد أفصح .

وقام الناس ، واغتنمها هشام ، فخرج على وجهه إلى المدائن ، قال : فبلغنا أنّ هارون قال ليحيى : شدّ يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه السلام

ص: 179

فحبسه ، فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب ، وإنّما أراد يحيى أن يهرب هشام ، فيموت مخفيا ما دام لهارون سلطان ، قال : ثم صار هشام إلى الكوفة ، وهو يعقب عليه ، ومات في دار ابن شرف بالكوفة رحمه اللّه .

قال : فبلغ هذا المجلس محمد بن سليمان النوفلي ، وابن ميثم ، وهما في حبس هارون ، فقال النوفلي : أرى هشاما ما استطاع أن يعتل ، فقال ابن ميثم : بأي شيء يستطيع أن يعتل ؟ وقد أوجب أنّ طاعته مفروضة من اللّه ، قال : يعتل بأن يقول : الشرط عليّ في إمامته أن لا يدعو أحدا إلى الخروج حتّى ينادي مناد من السماء ، فمن دعاني ممن يدعي الإمامة قبل ذلك الوقت علمت أنّه ليس بإمام ، وطلبت من أهل هذا البيت من لا يقول إنّه يخرج ولا يأمر بذلك ، حتّى ينادي مناد من السماء فأعلم أنّه صادق ، فقال ابن ميثم : هذا من أخبث الخرافة ، ومتى كان هذا في عقد الإمامة ، إنّما يروى هذا في صفة القائم عليه السلام ، وهشام أجدل من أن يحتج بهذا ، على أنّه لم يفصح بهذا الإفصاح الذي قد شرطته أنت ، إنّما قال : إن أمرني المفروض الطاعة بعد علي عليه السلام فعلت ، ولم يسم فلان دون فلان كما تقول ، إن قال لي طلبت غيره ، فلو قال هارون له ، وكان المناظر له : من المفروض الطاعة ؟ فقال له : أنت ، لم

يكن أن يقول له : فإن أمرتك بالخروج بالسيف تقاتل أعدائي تطلب غيري وتنتظر المنادي من السماء ؟ هذا لا يتكلّم به مثل هذا ، لعلك لو كنت أنت تكلّمت به .

قال : ثم قال علي بن إسماعيل الميثمي : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، على ما يمضي من العلم إن قتل ، ولقد كان عضدنا وشيخنا والمنظور إليه فينا(1) .

ص: 180


1- بيان : قوله « فشيعه عنده » أي نسب يحيى هشاما إلى التشيع عند هارون ، و« الإلباد بالأرض » الإلصاق بها ، كناية عن ترك الخروج وعدم الرضا به ، قوله « إذ لم يعلمه بذلك » أي لم يعلمه أولا واغتنم تلك المناظرة وحيرتهم لتكون وسيلة إلى إحضار هشام بحيث لا يشعر بالحيلة ، قوله « على ما يمضي من العلم إن قتل » أي إن قتل يمضي مع علوم كثيرة .

كان هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية

2 - رجال الكشي : روي عن عمر بن يزيد قال : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية ، خبيثا فيهم ، فسألني أن أدخله على أبي عبد اللّه عليه السلامليناظره ، فأعلمته أنّي لا أفعل ما لم أستأذنه ، فدخلت على أبي عبد اللّه فاستأذنته في إدخال

هشام عليه ، فأذن لي فيه ، فقمت من عنده ، وخطوت خطوات فذكرت رداءته وخبثه ، فانصرفت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فحدثته رداءته وخبثه ، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا عمر تتخوّف عليّ ؟ فخجلت من قولي ، وعلمت أنّي قد عثرت ، فخرجت مستحييا إلى هشام فسألته تأخير دخوله ، وأعلمته أنّه قد أذن له بالدخول ، فبادر هشام فاستأذن ودخل ، فدخلت معه ، فلمّا تمكّن في مجلسه سأله أبو عبد اللّه عليه السلامعن مسألة ، فحار فيها هشام وبقي ، فسأله هشام أن يؤله فيها ، فأجله أبو عبد اللّه عليه السلام ، فذهب هشام ، فاضطرب في طلب الجواب أياما ، فلم يقف عليه ، فرجع إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، فأخبره أبو عبد اللّه عليه السلام بها ، وسأله عن مسائل أخرى فيها فساد أصله وعقد مذهبه ، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا ، قال : فبقيت أياما لا أفيق من حيرتي ! قال عمر بن يزيد : فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبد اللّه عليه السلامثالثا ، فدخلت على أبي عبد اللّه فاستأذنت له ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلاملينظرني في موضع سماه بالحيرة لألتقي معه فيه غدا إن شاء اللّه إذا راح إليها ، فقال عمر : فخرجت إلى هشام فأخبرته بمقالته وأمره ، فسرّ بذلك هشام واستبشر ، وسبقه إلى الموضع الذي سماه ، ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما بينهما ، فأخبرني أنّه سبق أبا عبد اللّه عليه السلام إلى الموضع الذي كان سماه له ، فبينا هو إذا بأبي عبد اللّه عليه السلام قد أقبل على بغلة له ، فلمّا بصرت به وقرب مني هالني منظره وأرعبني ، حتّى بقيت لا أجد شيئا أتفّوه به ، ولا انطلق لساني لما أردت من مناطقته ، ووقف عليّ أبو عبد اللّه مليّا ينتظر ما أكلمه ، وكان وقوفه عليّ لا يزيدني إلاّ تهيبا وتحيرا ،

ص: 181

فلمّا رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتّى دخل بعض السكك في الحيرة ، وتيقنت أنّ ما أصابني من هيبته لم يكن إلاّ من قبل اللّه - عزّ وجلّ - من عظم موقعه ومكانه من الربّ الجليل ، قال عمر : فانصرف هشام إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وترك مذهبه ودان بدين الحق ، وفاق أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام كلّهم والحمد للّه .

قال : واعتلّ هشام بن الحكم علّته التي قبض فيها ، فامتنع من الاستعانة بالأطباء ، فسألوه أن يفعل ذلك ، فجاءوا بهم إليه ، فأدخل عليه جماعة من الأطباء ، فكان إذا دخل الطبيب عليه وأمره بشيء سأله فقال : يا هذا ، هل وقفت على علّتي ؟ فمن بين قائل يقول : لا ، ومن قائل يقول : نعم ، فإن استوصف ممن يقول : نعم وصفها ، فإذا أخبره كذبه ويقول : علتي غير هذه ، فيسأل عن علّته فيقول : علّتي فزع القلب مما أصابني من الخوف ، وقد كان قدم ليضرب عنقه ففزع قلبه لذلك حتّى مات رحمه اللّه .

كففت عن الكلام حتّى مات المهدي

3 - رجال الكشي : عن يونس قال : قلت لهشام : إنّهم يزعمون أنّ أبا الحسن عليه السلام بعث إليك عبد الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم ، فأبيت أن تقبل رسالته ، فأخبرني كيف كان سبب هذا ؟ وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام أو لا ؟ وهل تكلّمت بعد نهيه إياك ؟ فقال هشام : إنّه لما كان أيام المهدي شدّد على أصحاب الأهواء ، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق ، صنفا صنفا ، ثم قرأ الكتاب على الناس ، فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرة أخرى بمدينة الوضاح ، فقال : إنّ ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق ، فرقة فرقة ، حتّى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم « الزرارية » ، وفرقة يقال لهم « العمارية » أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم « اليعفورية » ،

ص: 182

ومنهم فرقة أصحاب سليمان الأقطع ، وفرقة يقال لهم « الجواليقية » ، قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا أصحابه ، فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن عليه السلام بعث إليه فقال له : كفّ هذه الأيام عن الكلام ، فإن الأمر شديد ، قال هشام : فكففت عن الكلام حتّى مات المهدي وسكن الأمر ، فهذا الأمر الذي كان من أمره وانتهائي إلى قوله .

هذا تفسير أمر هشام

و عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشاء حيث أتاه مسلم - صاحب بيت الحكم - فقال له : إنّ يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت على الرفضة دينهم ؛ لأنّهم يزعمون أنّ الدين لا يقوم إلاّ بإمام حيّ ، وهم لا يدرون إمامهم اليوم

حيّ أو ميت ! فقال هشام عند ذلك : إنّما علينا أن ندين بحياة الإمام أنّه حيّ حاضرا

عندنا ، أو متواريا عنّا حتّى يأتينا موته ، فما لم يأتنا موته فنحن مقيمون على حياته ، ومثّل مثالا فقال : الرجل إذا جامع أهله وسافر إلى مكة أو توارى عنه ببعض الحيطان ، فعلينا أن نقيم على حياته حتّى يأتينا خلاف ذلك ، فانصرف سالم ابن عم يونس بهذا الكلام فقصه على يحيى بن خالد ، فقال يحيى : ما ترى ما صنعنا شيئا ؟ ! فدخل يحيى على هارون فأخبره ، فأرسل من الغد فطلبه ، فطلب في منزله فلم يوجد ، وبلغه الخبر ، فلم يلبث إلاّ شهرين أو أكثر حتّى مات في منزل محمد وحسين الحناطين ، فهذا تفسير أمر هشام .

وزعم يونس أنّ دخول هشام على يحيى بن خالد ، وكلامه مع سليمان بن جرير بعد أن أخذ أبو الحسن عليه السلام بدهر ، إذ كان في زمن المهدي ، ودخوله إلى يحيى بن خالد في زمن الرشيد .

ص: 183

أترى اللّه يغفر له ما ركب منا

4 - قرب الإسناد : عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال : أ ما كان لكم في أبي الحسن صلى الله عليه و آله عظة ؟ ما ترى حال هشام هو الذي صنع بأبي الحسن عليه السلام ما صنع ! وقال لهم وأخبرهم : أترى اللّه يغفر له ما ركب منا .

رحم اللّه هشام ما كان أذبه عن هذه الناحية

5 - الأمالي للشيخ الطوسي : عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر

محمد بن علي الثاني عليه السلام : ما تقول - جعلت فداك - في هشام بن الحكم ؟ فقال : رحمه اللّه ما كان أذبه عن هذه الناحية .

ما لكم ولقول هشام ؟ !

6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، التوحيد : عن الصقر بن دلف قال : سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد ، وقلت له : إنّي أقول بقول هشام بن الحكم ، فغضب عليه السلام ثم قال : ما لكم ولقول هشام ؟ ! إنّه ليس منّا ، من زعم أنّ اللّه - عزّ وجلّ - جسم ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة .

مثل هشام حيّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة

7 - إكمال الدين : عن علي الأسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلّمون من كلّ فرقة وملّة يوم الأحد ، فيتناظرون في أديانهم ، ويحتج بعضهم على بعض ، فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد : يا عباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون ؟ فقال : يا أمير المؤنين

ص: 184

ما شيء مما رفعني به أمير المؤنين ، وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس ، فإنّه يحضره كلّ قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ، ويعرف المحق منهم ، ويتبيّن لنا فساد كلّ مذهب من مذاهبهم ، قال له الرشيد : فأنا أحبّ أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم ، من غير أن يعلموا بحضوري فيحتشمون ، ولا يظهرون مذاهبهم ، قال : ذلك إلى أمير المؤنين متى شاء ، قال : فضع يدك على رأسي ولا تعلمهم بحضوري ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا فيما بينهم ، وعزموا أن لا يكلّموا هشاما إلاّ في الإمامة لعلمهم

بمذهب الرشيد ، وإنكاره على من قال بالإمامة ، قال : فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبد اللّه بن يزيد الإباضي ، وكان من أصدق الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة ، فلمّا دخل هشام سلّم على عبد اللّه بن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد اللّه بن يزيد : يا عبد اللّه ، كلّم هشاما فيما اختلفتم فيه من

الإمامة ، فقال هشام : أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة ، هؤاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحقّ ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا ، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب ، فقال بيان ، وكان من الحرورية : أنا أسألك يا هشام ، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين ، أكانوا مؤنين أم كافرين ؟

قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف : صنف مؤنون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال ، فأمّا المؤنون فمن قال مثل قولي ، الذين قالوا : إنّ عليا إمام من عند اللّه ومعاوية لا يصلح لها ، فآمنوا بما قال اللّه - عزّ وجلّ - في علي ، وأقروا به ، وأما المشركون ، فقوم قالوا : علي إمام ومعاوية يصلح لها ، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي ، وأمّا الضلال ، فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر ، لم يعرفوا

شيئا من هذا ، وهم جهال .

ص: 185

قال : وأصحاب معاوية ما كانوا ؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال ، فأمّا الكافرون ، فالذين قالوا : إنّ معاوية إمام وعلي لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين ، أن جحدوا إماما من اللّه ، ونصبوا إماما ليس

من اللّه ، وأمّا المشركون ، فقوم قالوا : معاوية إمام وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية

مع علي عليه السلام ، وأمّا الضلال ، فعلى سبيل أولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر ، فانقطع بيان عند ذلك .

فقال ضرار : فأنا أسألك - يا هشام - في هذا ، فقال هشام : أخطأت ، قال : ولم ؟ قال : لأنّكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألة ، وليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليّ حتّى أسألك - يا ضرار - عن مذهب في هذا الباب ، قال ضرار : فسل ، قال : أتقول إنّ اللّه عدل لا يجور ؟ قال : نعم ، هو عدل

لا يجور - تبارك وتعالى - ، قال : فلو كلف اللّه المقعد المشي إلى المساجد ، والجهاد في سبيل اللّه ، وكلّف الأعمى قراءة المصاحف والكتب ، أتراه كان عادلا أم جائرا ؟ قال

ضرار : ما كان اللّه ليفعل ذلك ، قال هشام : قد علمنا أنّ اللّه لا يفعل ذلك ، ولكن على سبيل الجدل والخصومة ، أن لو فعل ذلك ، أليس كان في فعله جائرا ، وكلّفه تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه ؟ قال : لو فعل ذلك لكان جائرا ، قال : فأخبرني

عن اللّه - عزّ

وجلّ - كلّف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه ، لا يقبل منهم إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم ؟ قال : بلى ، قال : فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين ، أو كلّفهم ما لا

دليل على وجوده ، فيكون بمنزلة من كلّف الأعمى قراءة الكتب ، والمقعد المشي إلى المساجد والجهاد ؟ قال : فسكت ضرار ساعة ، ثم قال : لابد من دليل ، وليس بصاحبك ، قال : فضحك هشام وقال : تشيع شطرك وصرت إلى الحقّ ضرورة ، ولا خلاف بيني وبينك إلاّ في التسمية .

قال ضرار : فإنّي أرجع إليك في هذا القول ، قال : هات ، قال ضرار : كيف تعقد الإمامة ؟ قال هشام : كما عقد اللّه النبوة ، قال : فإذا هو نبي ؟ ! قال هشام : لا ، لأن

ص: 186

النبوة يعقدها أهل السماء ، والإمامة يعقدها أهل الأرض ، فعقد النبوة بالملائكة ، وعقد الإمامة بالنبي ، والعقدان جميعا بإذن اللّه - عزّ وجلّ - ، قال : فما الدليل على ذلك ؟ قال هشام : الاضطرار في هذا ، قال ضرار : وكيف ذلك ؟ قال هشام : لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه : إمّا أن يكون اللّه - عزّ وجلّ - رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه و آله ، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم ، وصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها ، أفتقول هذا يا ضرار : إنّ التكليف عن الناس مرفوع بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : لا أقول هذا ، قال هشام : فالوجه الثاني : ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول علماء في مثل حدّ الرسول في العلم حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد ، فيكونوا كلّهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحقّ الذي لا اختلاف فيه ، أفتقول هذا : أنّ الناس قد استحالوا علماء حتّى صاروا في مثل حدّ الرسول في العلم حتّى لا يحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق ؟ قال : لا أقول هذا ، ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم ، قال : فبقي الوجه الثالث ، لأنّه لا بد لهم من علم يقيمه الرسول لهم ، لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرأ من الخطايا ، يحتاج إليه ولا يحتاج إلى أحد ، قال : فما الدليل عليه ؟ قال هشام : ثمان دلالات : أربع في نعت نسبه ، وأربع في نعت نفسه .

فأما الأربع التي في نعت نسبه : بأن يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة ، معروف البيت ، وأن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب ، الذين منهم صاحب الملة والدعوة ، الذي ينادى باسمه في كلّ يوم خمس مرات على الصوامع : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه » فتصل دعوته إلى كلّ برّ وفاجر ، وعالم وجاهل ، ومقر ومنكر ، في شرق الأرض وغربها ، ولو جاز أن يكون الحجّة من اللّه على هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده ، ولو جاز أن يطلبه في

ص: 187

أجناس هذا الخلق من العجم وغيرهم لكان من حيث أراد اللّه أن يكون صلاحا يكون فسادا ، ولا يجوز هذا في حكم اللّه - تبارك وتعالى - وعدله ، أن يفرض على الناس فريضة لا توجد ، فلمّا لم يجز ذلك لم يجز إلاّ أن يكون إلاّ في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة والدعوة ، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة ، لقرب نسبها من صاحب الملة ، وهي قريش ، ولمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلاّ في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلاّ في هذا البيت ، لقرب نسبه من صاحب الملة والدعوة ، ولمّا كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الإمامة لعلوّها وشرفها ، ادعاها كلّ واحد منهم ، فلم يجز إلاّ أن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة بعينه واسمه ونسبه ، لئلا يطمع فيها غيره .

وأمّا الأربع التي في نعت نفسه : أن يكون أعلم الناس كلّهم بفرائض اللّه وسننه وأحكامه حتّى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن يكون معصوما من الذنوب كلّها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس .

قال : من أين قلت : إنّه أعلم الناس ؟ قال : لأنّه إن لم يكن عالما بجميع حدود اللّه

وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حدّه ، ومن وجب عليه الحدّ قطعه ، فلا يقيم للّه حدّا على ما أمر به ، فيكون من حيث

أراد اللّه صلاحا يقع فسادا .

قال : فمن أين قلت : إنّه معصوم من الذنوب ؟ قال : لأنّه إن لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ ، فلا يؤن أن يكتم على نفسه ، ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتجّ اللّه - عزّ وجلّ - بمثل هذا على خلقه .

قال : فمن أين قلت : إنّه أشجع الناس ؟ قال : لأنّه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحروب ، وقال اللّه - عزّ وجلّ - : « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ » ، فإن لم يكن شجاعا فر ، فيبوء بغضب من

اللّه ، فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من اللّه حجّة للّه على خلقه .

ص: 188

قال : فمن أين قلت : إنّه أسخى الناس ؟ قال : لأنّه خازن المسلمين ، فإن لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها ، فكان خائنا ، ولا يجوز أن يحتجّ اللّه

على خلقه بخائن .

فقال عند ذلك ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت ؟ فقال : صاحب العصر ، أمير المؤنين ، وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كلّه ، فقال عند ذلك : أعطانا واللّه من جراب النورة ، ويحك يا جعفر ، وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر ، من يعني بهذا ؟ قال : يا أمير المؤنين ، يعني موسى بن جعفر ، قال : ما عنى بها غير أهلها ! ثم عضّ على شفته وقال : مثل هذا حيّ ويبقى لي ملكي ساعة واحدة ، فواللّه للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف ، وعلم يحيى أن هشاما قد أتى ، فدخل الستر فقال : ويحك يا عباسي من هذا الرجل ؟ فقال : يا أمير المؤنين تكفى تكفى ، ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنّه قد أتى ، فقام يريهم أنّه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسل ، ومر ببنيه وأمرهم بالتواري ، وهرب ومرّ من فوره نحو الكوفة ، ونزل على بشير النبال ، وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبره الخبر ، ثم اعتلّ علّة شديدة ، فقال له بشير : آتيك بطبيب ؟ قال : لا ، أنا ميت ، فلمّا حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة ، واكتب رقعة وقل : هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤنين ، مات حتف أنفه ، وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به ، فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي ، وصاحب المعونة ، والعامل ، والمعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك ، فقال : الحمد للّه الذي كفانا أمره ، فخلى عمن كان أخذ به(1) .

ص: 189


1- بيان : « قد أتى » على المجهول : أي هلك ، من قولهم : أتى عليه ، أي أهلكه ، وقوله « تكفى » على المجهول : أي تكفى شرّه ونقتله .

يا هشام مثلك فليكلّم الناس

8 - إعلام الورى ، الإرشاد : عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلامفورد عليه رجل من أهل الشام ، فقال له : إنّي رجل صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : كلامك هذا من كلام رسول اللّه أو من عندك ؟ فقال : من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعضه ، ومن عندي بعضه ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : فأنت إذا شريك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : لا ، قال : فسمعت الوحي عن اللّه - تعالى - ؟ قال : لا ، قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : لا ، قال : فالتفت أبو عبد اللّه عليه السلام إليّ وقال لي : يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم ، قال : يا يونس لو كنت تحسن الكلام لكلمته ، قال يونس : فيا لها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون ، ثم قال : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله ، قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ، وكان يحسن الكلام ، ومحمد بن النعمان الأحول ، وكان متكلّما ، وهشام بن سالم ، وقيس الماصر ، وكانا متكلّمين ، فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقر بنا المجلس ، وكنّا في

خيمة لأبي عبد اللّه عليه السلام على طرف جبل في طرف الحرم ، وذلك قبل الحج بأيام ، أخرج أبو عبد اللّه عليه السلام رأسه من الخيمة ، فإذا هو ببعير يخبّ فقال : هشام وربّ الكعبة ، فظننا أنّ هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فإذا هشام بن الحكم قد ورد ، وهو أول ما اختطت لحيته ، وليس فينا إلاّ من هو أكبر منه سنا ، قال : فوسع إليه أبو عبد اللّه عليه السلام وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه ويده .

ثم قال لحمران : كلّم الرجل - يعني الشامي - ، فتكلّم حمران فظهر عليه .

ص: 190

ثم قال : يا طاقي كلّمه ، فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان .

ثم قال : يا هشام بن سالم كلّمه فتعارفا .

ثم قال لقيس الماصر : كلّمه ، فكلّمه ، وأقبل أبو عبد اللّه عليه السلام فتبسم من كلامهما ، وقد استخذل الشامي في يده .

ثم قال للشامي : كلّم هذا الغلام ، يعني هشام بن الحكم ، فقال : نعم ، ثم قال الشامي لهشام : يا غلام سلني في إمامة هذا - يعني أبا عبد اللّه عليه السلام - ، فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثم قال : أخبرني - يا هذا - أربك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ فقال الشامي : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال : كلّفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال هشام : فبعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله من ؟ قال : الكتاب والسنة ، قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتّى رفع عنّا الاختلاف ومكننا من الاتفاق ؟ قال الشامي : نعم ، فقال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت ، وجئت لنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أنّ

الرأي طريق الدين ، وأنت مقرّ بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ، فسكت الشامي كالمفكر .

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما لك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت إنّ الكتاب والسنة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، لكن لي عليه مثل ذلك ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : سله تجده مليا .

فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ربّهم أم أنفسهم ؟ فقال هشام : بل ربّهم أنظر لهم ، فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال هشام : نعم ، قال الشامي : من هو ؟ قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول اللّه ، وأما بعد النبي فغيره ، فقال الشامي : ومن هو غير النبي القائم

ص: 191

مقامه في حجته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا ، قال هشام : هذا الجالس ، يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ، الذي تشدّ إليه الرحال ، ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ ، فقال الشامي : وكيف لي بعلم ذلك ؟ قال هشام : سله عما بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري فعلي السؤل .

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : أنا أكفيك المسألة - يا شامي - أخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت في يوم كذا وكذا ، وكان طريقك من كذا ، ومررت على كذا ، ومر بك كذا ، فأقبل الشامي كلّما وصف له شيئا من أمره يقول : صدقت واللّه ، ثم قال له الشامي : أسلمت للّه الساعة ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : بل آمنت باللّه الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون ، قال الشامي : صدقت ، فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه

صلى الله عليه و آله ، وأنّك وصي الأنبياء .

قال : فأقبل أبو عبد اللّه عليه السلام على حمران بن أعين فقال : يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : تريد الأثر ولا تعرف ، ثم التفت إلى الأحول فقال : قيّاس روّاغ تكسر باطلا بباطل ، لكن باطلك أظهر ، ثم التفت إلى قيس الماصر فقال : يتكلّم وأقرب ما يكون من الخبر عن الرسول عليه السلامأبعد ما يكون منه ، يمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفازان حاذقان ، قال يونس بن يعقوب : وظننت - واللّه - أنّه يقول لهشام قريبا مما قال لهما ، فقال : يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلة والشفاعة من ورائك(1) .

ص: 192


1- أقول : إنّما أوردنا أحوال هشام في أبواب أحواله عليه السلام لاشتمالها على بعض أحواله عليه السلام ، وقد مضى كثير من احتجاجات هشام في كتاب الاحتجاجات .

باب 9- أحواله عليه السلام في الحبس إلى شهادته وتاريخ وفاته ومدفنه صلوات اللّه عليه ولعنة اللّه على من ظلمه

تاريخ وفاته ومدفنه

1 - المصباحين : في الخامس والعشرون من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام .

2 - الكافي : قبض عليه السلام لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة ، وقبض عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحجّ وحمله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي عليه السلام في حبسه ، ودفن ببغداد في مقبرة قريش .

ص: 193

3 - الكافي : عن أبي بصير قال : قبض موسى بن جعفر عليه السلام وهو ابن أربع وخمسين سنة ، في عام ثلاث وثمانين ومائة ، وعاش بعد جعفر عليه السلام خمسا وثلاثين سنة .

4 - روضة الواعظين : وفاته عليه السلام كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب ، وقيل : لخمس خلون سنة ثلاث وثمانين ومائة .

5 - إقبال الأعمال : علي بن إسماعيل بن يسار قال : لما حمل موسى عليه السلام إلى بغداد ، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين ومائة ، دعا بهذا الدعاء ، كان ذلك يوم السابع والعشرين منه ، يوم المبعث .

6 - الدروس : قبض عليه السلام مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة .

السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه السلام إلى بغداد

7 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن صالح بن علي بن عطية قال : كان السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه السلام إلى بغداد أنّ هارون الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا ، فاختار منهم ثلاثة : محمد بن زبيدة ، وجعله ولي عهده ، وعبد اللّه المأمون ، وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة ، والقاسم

المؤمن ، وجعل الأمر له بعد المأمون ، فأراد أن يحكم الأمر في ذلك ، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام ، فحج في سنة تسع وسبعين ومائة ، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة .

ص: 194

قال علي بن محمد النوفلي فحدثني أبي : أنّه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث ، فساء ذلك يحيى وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدي ، وتحوّل الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع ، فأظهر له أنّه على مذهبه ، فسرّ به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره ، وذكر له ما هو عليه في موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد ، فكان الرشيد يرعى له موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة ، فكان يقدّم في أمره ويؤر ، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما ، وجرى بينهما كلام متّ به جعفر بحرمته وحرمة أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار ، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتّى أمسى ثم قال للرشيد : يا أمير المؤنين قد كنت أخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهاهنا أمر فيه الفيصل ، قال : وما هو ؟ قال : إنّه لا يصل إليه مال من

جهة من الجهات إلاّ أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشكّ أنّه قد فعل ذلك في العشرين الألف الدينار التي أمرت بها له ! فقال هارون : إنّ في هذا لفيصلا ، فأرسل إلى جعفر ليلا ، وقد كان عرف سعاية يحيى به ، فتباينا وأظهر كلّ واحد فيهما لصاحبه العداوة ، فلمّا طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى ، وأنّه إنّما دعاه ليقتله ، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس بردة فوق ثيابه ، وأقبل إلى الرشيد ، فلمّا وقعت عليه عينه وشمّ رائحة الكافور ورأى البردة عليه قال : يا جعفر ما هذا ؟ فقال : يا أمير المؤنين قد علمت أنّه قد سعي بي عندك ، فلمّا جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك ما يقال عليّ ، فأرسلت إليّ لتقتلني ، فقال : كلا ، ولكن قد خبرت أنّك تبعث إلى موسى بن جعفر من كلّ ما يصير إليك بخمسه ،

ص: 195

وأ نّك قد فعلت ذلك في العشرين الألف الدينار ، فأحببت أن أعلم ذلك ، فقال جعفر : اللّه أكبر يا أمير المؤنين ، تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ، فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به حتّى تأتيني بهذا المال ، وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال ، فدفعت إليه البدر بخواتيمها ، فأتى بها الرشيد فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك ، قال : صدقت يا جعفر انصرف آمنا ، فإنّي لا أقبل فيك قول أحد ، قال : وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر .

قال النوفلي فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه ، وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة ، قال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك ؟ ما لك لا تدبر أمر الوزير ؟ فقد أرسل إليّ فعادلته ، وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أنّ يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلّني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها ؟ قال : بلى أدلّك على رجل بهذه الصفة ، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأرسل إليه يحيى فقال : أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه ؟ فقال له : عندي الخبر ، فسعى بعمه ، فكان في سعايته أن قال : إنّ من كثرة المال عنده أنّه اشترى ضيعة تسمى « البشرية » بثلاثين ألف دينار ، فلمّا أحضر المال قال البائع : لا أريد هذا النقد أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة . قال النوفلي : قال أبي : وكان موسى بن جعفر عليه السلام يأمر لعلي بن إسماعيل بالمال ويثق به حتّى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ، ثم استوحش منه فلمّا أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه السلام أنّ عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق ، فأرسل إليه ما لك والخروج مع السلطان ؟

ص: 196

قال : لأنّ عليّ دينا ! فقال : دينك عليّ ، قال : وتدبير عيالي ! قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلاّ الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال : اجعل هذا في جهازك ولا توتم ولدي(1) ! !

ممن سعى بموسى بن جعفر عليه السلام يعقوب بن داود

8 - عيون أخبار الرضا عليه السلام عن علي بن جعفر قال : جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد وذكر لي : أنّ محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد ، فسلم عليه بالخلافة ثم قال له : ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة ، وكان ممن سعى بموسى بن جعفر عليه السلام يعقوب بن داود ، وكان يرى رأي الزيدية .

كانت خضرة وسط راحته تدلّ على أنّه سم

9 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، الأمالي للصدوق : عن أحمد بن عبد اللّه القروي عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع ، وهو جالس على سطح ، فقال لي : ادن مني ، فدنوت حتّى حاذيته ، ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار فأشرفت ، فقال : ما ترى في البيت ؟ قلت : ثوبا مطروحا ! فقال : انظر حسنا ، فتأملت ونظرت فتيقنت ، فقلت : رجل ساجد ، فقال لي : تعرفه ؟ قلت : لا ، قال : هذا مولاك ! قلت :

ص: 197


1- توضيح : قوله « أن يخطب عليه » في أكثر النسخ بالخاء المعجمة : أي ينشئ الخطب ، « مغريا عليه » أي يحسن الكلام ويحبره في ذمه ، وفي بعضها بالمهملة ، قال الفيروزآبادي : حطب به : سعى ، وقال الجزري : المت : التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك ، قوله « قد قدح في قلبك » أي أثر من قولهم قدحت النار ، قوله « فعادلته » أي ركبت معه في المحمل . أقول : قد مضى سبب تشيع جعفر بن محمد بن الأشعث في باب معجزات الصادق عليه السلام .

ومن مولاي ؟ فقال : تتجاهل عليّ ؟ فقلت : ما أتجاهل ، ولكني لا أعرف لي مولى ، فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ، إنّي أتفقّده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها ، أنّه يصلّي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتّى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يثب ، فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا ، فأعلم أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلّى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس ، وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثا ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة ، فإذا صلّى العتمة أفطر على شوي يؤى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام : إنّ الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حوّل إليّ ! فقلت : اتق اللّه ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال

النعمة ، فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلاّ كانت نعمته زائلة ، فقال :

قد أرسلوا إليّ في غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أنّي لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني ، فلمّا كان بعد ذلك حوّل إلى الفضل بن يحيى البرمكي فحبس عنده أياما ، فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كلّ ليلة مائدة ، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره ، فكان لا يأكل ولا يفطر إلاّ على المائدة التي يؤى بها حتّى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها ، فلمّا كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة للفضل بن يحيى ، قال : ورفع عليه السلام يده إلى السماء فقال : يا ربّ إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت

ص: 198

على نفسي ، قال : فأكل فمرض ، فلمّا كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلة ! فقال له الطبيب : ما حالك ؟ فتغافل عنه ، فلمّا أكثر عليه أخرج إليه راحته

فأراها الطبيب ، ثم قال : هذه علّتي ، وكانت خضرة وسط راحته تدلّ على أنّه سم ، فاجتمع في ذلك الموضع ، قال : فانصرف الطبيب إليهم وقال : واللّه لهو أعلم بما فعلتم به منكم ، ثم توفي عليه السلام .

إنّي قد سقيت السم في تسع تمرات

10 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، الأمالي للصدوق : عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله ، قال : قال لي : قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله ! قال : قلت : من وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ، ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر ، فقال لنا السندي : يا هؤاء انظروا إلى هذا الرجل ، هل حدث به حدث ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فعل مكروه به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤنين سوءا ، وإنّما ينتظره أن يقدم فيناظره أمير المؤنين ، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه ، قال : ونحن ليس لنا همّ إلاّ النظر إلى الرجل ، وإلى فضله وسمته ، فقال : أمّا ما ذكر من التوسعة

وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر ، غير أنّي أخبركم أيّها النفر : أنّي قد سقيت السم في

تسع تمرات ، وأنّي أخضر غدا ، وبعد غد أموت ، قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ، قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صديق مقبول القول ، ثقة ، ثقة جدا عند الناس .

ص: 199

إنّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه

11 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : كان يعقوب بن داود يخبرني أنّه قد قال بالإمامة ، فدخلت إليه بالمدينة في الليلة التي أخذ فيها موسى بن جعفر عليه السلام في صبيحتها ، فقال لي : كنت عند الوزير الساعة ، يعني يحيى بن خالد ، فحدثني أنّه سمع الرشيد يقول عند رسول اللّه صلى الله عليه و آلهكالمخاطب له : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، إنّي أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإنّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ؛ لأنّي قد خشيت أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤم ، وأنا أحسب أنّه سيأخذه غدا ، فلمّا كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع ، وهو قائم يصلّي في مقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأمر بالقبض عليه وحبسه .

صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر

12 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الفضل بن الربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري ، فلمّا كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة ، فراعني ذلك ، فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلاّ يسير حتّى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح ، وإذا مسرور الكبير قد دخل عليّ فقال لي : أجب الأمير ، ولم يسلّم عليّ ، فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ودخل إليّ بلا إذن ولم يسلم ، ما هو إلاّ القتل ، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتّى أغتسل ، فقالت لي الجارية لما رأت تحيري وتبلدي : ثق باللّه - عزّ وجلّ - وانهض ، فنهضت

ولبست ثيابي ، وخرجت معه حتّى أتيت الدار ، فسلّمت على أمير المؤنين ، وهو في مرقده ، فردّ عليّ السلام ، فسقطت ، فقال : تداخلك رعب ؟ قلت : نعم

ص: 200

يا أمير المؤنين ، فتركني ساعة حتّى سكنت ، ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر بن محمد ، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحبّ ، فقلت : يا أمير المؤنين تأمر بإطلاق موسى بن جعفر ؟ قال : نعم ، فكررت ذلك عليه ثلاث مرات ، فقال لي : نعم ، ويلك أتريد أن أنكث العهد ؟ ! فقلت : يا أمير المؤنين وما العهد ؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود ، ما رأيت من السودان أعظم منه ، فقعد على صدري ، وقبض على حلقي ، وقال لي : حبست موسى بن جعفر ظالما له ، فقلت : فأنا أطلقه وأهب له وأخلع عليه ، فأخذ عليّ عهد اللّه - عزّ وجلّ - وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج ،

فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو في حبسه ، فرأيته قائما يصلّي ، فجلست حتّى سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤنين ، وأعلمته بالذي أمرني به في أمره ، وأنّي قد أحضرت ما وصله به ، فقال : إن كنت أمرت بشيء غير هذا فافعله ، فقلت : لا ، وحقّ جدّك رسول اللّه ما أمرت إلاّ بهذا ، فقال : لا حاجة لي

في الخلع والحملان والمال ، إذ كانت فيه حقوق الأمة ، فقلت : ناشدتك باللّه أن لا تردّه فيغتاظ ، فقال : اعمل به ما أحببت ، وأخذت بيده عليه السلام وأخرجته من السجن ، ثم قلت له : يا ابن رسول اللّه أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل ؟ فقد وجب حقّي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه اللّه - عزّ وجلّ - على يدي من هذا الأمر ، فقال عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه و آله ليلة الأربعاء في النوم فقال لي : يا موسى أنت محبوس مظلوم ؟ فقلت : نعم يا رسول اللّه محبوس مظلوم ، فكرر عليّ ذلك ثلاثا ثم قال : « وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » ، أصبح غدا صائما ، وأتبعه بصيام الخمسين والجمعة ، فإذا كان وقت الإفطار فصلّ اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة الحمد واثنتي عشرة مرّة « قل هو اللّه أحد » ،

ص: 201

فاذا صلّيت منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : يا سامع كلّ صوت يا محيي العظام وهي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلّي على محمد عبدك ورسولك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج ممّا أنا فيه ، ففعلت ، فكان الذي رأيت(1)(2) .

لن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء اللّه

13 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الفضل قال : كنت أحجب للرشيد ، فأقبل عليّ يوما غضبان وبيده سيف يقلّبه ، فقال لي : يا فضل بقرابتي من رسول اللّه ! لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك ! فقلت : بمن أجيئك ؟ فقال : بهذا الحجازي ! قلت : وأيّ الحجازيين ؟ قال : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ! ! قال الفضل : فخفت من اللّه - عزّ وجلّ - إن جئت به إليه ، ثم فكرت في النقمة ! ! ! فقلت له : أفعل ، فقال : ائتني بسواطين وهبنازين وجلادين ، قال : فأتيته بذلك ، ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر ، فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل ، فإذا أنا بغلام أسود ، فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك اللّه ، فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بواب ، فولجت إليه ، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده ، فقلت له : السلام عليك يا ابن رسول اللّه ، أجب الرشيد ، فقال : ما للرشيد وما لي أما

تشغله نعمته عني ؟ ثم قام مسرعا وهو يقول : لو لا أنّي سمعت في خبر عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ما جئت ، فقلت له : استعد

ص: 202


1- بيان : ساوره : واثبه .
2- 15 - الإختصاص : عن عبيد اللّه بن صالح مثله وفيه : فسرت إليه مرعوبا فقال لي : يا فضل أطلق موسى بن جعفر الساعة ، وهب له ثمانين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على خمسة من الظهر .

للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك اللّه ! فقال عليه السلام : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة ؟ ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء اللّه ، قال الفضل بن الربيع : فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات ، فدخلت إلى الرشيد ، فإذا هو كأنّه امرأة ثكلى قائم حيران ، فلمّا رآني

قال لي : يا فضل ، فقلت : لبيك ، فقال : جئتني بابن عمي ؟ قلت : نعم ، قال : لا تكون

أزعجته ، فقلت : لا ، قال : لا تكون أعلمته أنّي عليه غضبان ، فإنّي قد هيجت على نفسي

ما لم أرده ، ائذن له بالدخول ، فأذنت له ، فلمّا رآه وثب إليه قائما وعانقه ، وقال له : مرحبا بابن عمي وأخي ووارث نعمتي ، ثم أجلسه على فخذه ! وقال له : ما الذي قطعك عن زيارتنا ؟ فقال : سعة ملكك وحبّك للدنيا ، فقال : ايتوني بحقّه الغالية ، فأتي بها ، فغلفه بيده ، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير ، فقال موسى بن جعفر عليه السلام : واللّه لولا أنّي أرى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها ، ثم تولّى عليه السلام وهو يقول : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فقال الفضل : يا أمير المؤنين ، أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ؟ فقال لي : يا فضل إنّك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون : إن آذى ابن رسول اللّه خسفنا به ، وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه ! فتبعته عليه السلام فقلت له : ما الذي قلت حتّى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال : دعاء جدّي علي بن أبي طالب عليه السلام ، كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلاّ هزمه ، ولا إلى فارس إلاّ قهره ، وهو دعاء كفاية البلاء ، قلت : وما هو ؟ قال : قلت : اللهم بك أساور وبك أحاول وبك أحاور وبك

أصول وبك أنتصر وبك أموت وبك أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم اللهم إنّك خلقتني ورزقتني وسترتني وعن العباد

بلطف ما خولتني أغنيتني وإذا هويت رددتني وإذا عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني(1) .

ص: 203


1- بيان : الكوخ بالضم : بيت من قصب بلا كوة ، ولوح الرجل بثوبه وبسيفه : لمع به وحركه .

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

14 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن علي بن يقطين قال : أنهي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، وعنده جماعة من أهل بيته ، بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره فقال لأهل بيته : ما تشيرون ؟ قالوا : نرى أن تتباعد عنه وأن تغيب شخصك منه ، فإنّه لا يؤن شرّه ، فتبسم أبو الحسن عليه السلام ثم قال :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

وليغلبن مغلب الغلاب

ثم رفع عليه السلام يده إلى السماء فقال : اللهم كم من عدو شحذ لي ظبة مديته وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه ولم تنم عني عين حراسته فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح وعجزي من ملمات الجوائح صرفت عنّي ذلك بحولك وقوتك لا بحولي وقوتي فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته

فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه بعزّتك وافلل حدّه عنّي بقدرتك واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاء ومن حقّي عليه وفاء وصل اللهم دعائي بالإجابة وانظم شكايتي بالتغيير وعرّفه عما قليل ما وعدت الظالمين وعرّفني ما وعدت في إجابة المضطرين إنّك ذو الفضل العظيم والمن الكريم ، قال : ثم تفرّق القوم ، فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدي ، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى عليه السلام من أهل بيته :

وسارية لم تسر في الأرض تبتغي

محلا ولم يقطع بها البعد قاطع

سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ

لورد ولم يقصر لها البعد مانع

تمر وراء الليل والليل ضارب

بجثمانه فيه سمير وهاجع

ص: 204

تفتح أبواب السماء ودونها

إذا قرع الأبواب منهن قارع

إذا وردت لم يردد اللّه وفدها

على أهلها واللّه راء وسامع

وإنّي لأرجو اللّه حتّى كأنّما

أرى بجميل الظن ما اللّه صانع(1)

اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر

15 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : لما حبس الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام جنّ عليه الليل ، فخاف ناحية هارون أن يقتله ، فجدد موسى عليه السلام طهوره واستقبل بوجهه القبلة ، وصلّى للّه - عزّ وجلّ - أربع ركعات ، ثم دعا بهذه الدعوات فقال : يا سيدي نجني

من حبس هارون وخلصني من يده يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين وماء ويا مخلّص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلّصني من يدي هارون ، قال : فلمّا دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده

سيف قد سلّه ، فوقف على رأس هارون وهو يقول : يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلاّ ضربت علاوتك بسيفي هذا ، فخاف هارون من هيبته ، ثم دعا الحاجب ، فجاء الحاجب فقال له : اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر ، قال : فخرج الحاجب فقرع باب السجن ، فأجابه صاحب السجن ، فقال : من ذا ؟ قال : إنّ الخليفة

ص: 205


1- بيان : « وسارية » أي وربّ سارية ، من السرى ، وهو السير بالليل : أي ربّ دعوة لم تجر في الأرض تطلب محلا بل صعدت إلى السماء ، ولم يقطعها قاطع لبعد المسافة ، « جرت حيث لم تحد الركاب » من حدي الإبل ، « ولم تنخ » من إناخة الإبل ، « لورد » أي ورود على الماء ، قوله « تمر وراء الليل » أي تمر هذه الدعوة وراء ستر الليل بحيث لا يطلع عليها أحد . قوله « والليل ضارب بجثمانه » أي ضرب بجسده الأرض وسكن واستقر فيها ، وقال الجوهري : الضارب الليل الذي ذهبت يمينا وشمالا ، وملأت الدنيا ، قوله « لم يردد اللّه وفدها » أي لم يرددها وافدة .

يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك وأطلق عنه ، فصاح السجان : يا موسى إنّ الخليفة يدعوك ، فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا ، وهو يقول : لا يدعوني في جوف هذا الليل إلاّ لشرّ يريد بي ، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته ، فجاء إلى هارون ، وهو ترتعد فرائصه ! ! ! فقال : سلام على هارون ، فردّ عليه السلام ثم قال له

هارون : ناشدتك باللّه هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات ؟ فقال : نعم ، قال : وما هن ؟ قال : جددت طهورا وصلّيت للّه - عزّ وجلّ - أربع ركعات ورفعت طرفي إلى السماء وقلت : يا سيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره ، وذكر له ما كان من دعائه ، فقال هارون : قد استجاب اللّه دعوتك ، يا حاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا ، وحمله على فرسه وأكرمه ، وصيره نديما لنفسه ! ! ثم قال : هات الكلمات ، فعلمه ، فأطلق عنه وسلّمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه ، فصار موسى بن جعفر عليه السلامكريما شريفا عند هارون ، وكان يدخل عليه في كلّ خميس إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتّى سلّمه إلى السندي بن شاهك ، وقتله بالسم(1)(2) .

إنّ هذا من رهبان بني هاشم

16 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : الثوباني قال : كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بضع عشرة سنة كلّ يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، قال : فكان هارون ربّما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه

ص: 206


1- 23 - المناقب لابن شهرآشوب مرسلا مثله مع اختصار ، ثم قال : وفي رواية الفضل بن الربيع : أنّه قال : صر إلى حبسنا وأخرج موسى بن جعفر ، وادفع إليه ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره إمّا المقام معنا أو الرحيل إلى أي البلاد أحب ، فلمّا عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها .
2- بيان : العلاوة بالكسر : أعلى الرأس .

أبا الحسن عليه السلام ، فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا ، فقال للربيع : ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع ؟ قال : يا أمير المؤنين ما ذاك بثوب وإنّما هو موسى بن جعفر ، له كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال ، قال الربيع : فقال لي هارون : أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم ، قلت : فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ؟ قال : هيهات لا بد من ذلك .

بعث إليه الرشيد بسمّ في رطب

17 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن علي بن محمد النوفلي قال : سمعت أبي يقول : لمّا قبض الرشيد على موسى بن جعفر عليه السلام وهو عند رأس النبي صلى الله عليه و آله قائما يصلّي ، فقطع عليه صلاته ، وحمل وهو يبكي ويقول : إليك أشكو يا رسول اللّه ما ألقى ، وأقبل الناس من كلّ جانب يبكون ويضجون ، فلمّا حمل إلى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه ، فلمّا جنّ عليه الليل أمر ببيتين فهيئا له ، فحمل موسى بن جعفر عليه السلام إلى أحدهما في خفاء ، ودفعه إلى حسان السروي ، وأمره أن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر ، وهو أميرها ، ووجه قبة أخرى علانية نهارا إلى الكوفة معها جماعة ، ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر عليه السلام ، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم ، فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهارا علانية حتّى عرف ذلك وشاع أمره ، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه ، وأقفل عليه ، وشغله عنه العيد ، فكان لا يفتح عنه الباب إلاّ في حالتين : حال يخرج فيها إلى الطهور ، وحال يدخل إليه فيها الطعام .

قال أبي : فقال لي الفيض بن أبي صالح ، وكان نصرانيا ثم أظهر الإسلام ، وكان زنديقا ، وكان يكتب لعيسى بن جعفر ، وكان بي خاصا ، فقال : يا أبا عبد اللّه

ص: 207

لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب

الفواحش والمناكير ما أعلم ولا شك أنّه لم يخطر بباله ، قال أبي : وسعي بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس بن ربيعة في رقعة دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى ، قال : وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم ، وكان أكبرهم سنا ، وكان مع سنه يشرب الشراب ، ويدعو أحمد بن أسيد إلى منزله فيحتفل له ، ويأتيه بالمغنين والمغنيات ، ويطمع في أن يذكره لعيسى ، فكان في رقعته التي دفعها إليه : إنّك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك وإكرامك ، وتخصه بالمسك ، وفينا من هو أسن منه ، وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك ! قال أبي : فإنّي لقائل في يوم قائظ إذ حركت حلقة الباب عليّ ، فقلت : ما هذا ؟ فقال لي الغلام : قعنب بن يحيى على الباب يقول : لابد من لقائك الساعة ، فقلت : ما جاء إلاّ لأمر ، ائذنوا له ، فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي

صالح بهذه القصة والرقعة ، وقد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني : لا تخبر أبا عبد اللّه فتخوفه ، فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغا ، وقد قلت للأمير : أفي نفسك

من هذا شيء حتّى أخبر أبا عبد اللّه فيأتيك فيحلف على كذبه ؟ فقال : لا تخبره فتغمه ، فإنّ ابن عمه إنّما حمله على هذا لحسد له ، فقلت له : أيّها الأمير أنت تعلم

أنّك لا تخلو بأحد خلوتك به ، فهل حملك على أحد قط ؟ قال : معاذ اللّه ، قلت : فلو

كان له مذهب يخالف فيه الناس لأحبّ أن يحملك عليه ، قال : أجل ، ومعرفتي به أكثر ، قال أبي : فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض من ساعتي ، فصرت إليه ومعي قعنب في الظهيرة ، فاستأذنت عليه ، فأرسل إليّ : جعلت فداك ، قد جلست مجلسا أرفع قدرك عنه ، وإذا هو جالس على شرابه ، فأرسلت إليه لابد من لقائك ، فخرج إليّ في قميص دقيق وإزار مورد ، فأخبرته بما بلغني ، فقال لقعنب : لا جزيت خيرا ، ألم أتقدّم إليك أن لا تخبر أبا عبد اللّه فتغمه ، ثم قال : لا بأس ، فليس في قلب الأمير

ص: 208

من ذلك شيء ، قال : فما مضت بعد ذلك إلاّ أيام يسيرة حتّى حمل موسى بن جعفر عليه السلامسرّا إلى بغداد وحبس ، ثم أطلق ، ثم حبس ، وسلّم إلى السندي بن شاهك ، فحبسه وضيق عليه ، ثم بعث إليه الرشيد بسمّ في رطب ، وأمره أن يقدّمه إليه ويحتّم عليه في تناوله منه ، ففعل ، فمات صلوات اللّه عليه(1) .

اعلم أنّي راحل إلى اللّه في ثالث هذا اليوم

18 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن عمر بن واقد قال : إنّ هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر عليه السلام ، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته ، واختلافهم في السر إليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه ، ففكر في قتله بالسم ، فدعا برطب فأكل منه ، ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة ، وأخذ سلكان ، فعركه في السم وأدخله في سمّ الخياط ، وأخذ رطبة من ذلك الرطب ، فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط حتّى علم أنّه قد حصل السم فيها ، فاستكثر منه ، ثم ردّها في ذلك الرطب ، وقال لخادم له : احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر وقل له : إنّ أمير المؤنين أكل من هذا الرطب وتنغص لك به ، وهو يقسم عليك بحقّه لما أكلتها عن آخر رطبة ، فإنّي اخترتها لك بيدي ، ولا تتركه يبقي منها شيئا ، ولا يطعم منها أحدا ، فأتاه بها الخادم وأبلغه الرسالة ، فقال له : ائتني

بخلال ، فناوله خلالا ، وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب ، وكانت للرشيد كلبة تعزّ عليه ، فجذبت نفسها ، وخرجت تجرّ سلاسلها من ذهب وجوهر حتّى حاذت موسى بن جعفر عليه السلام ، فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة ، فأكلتها ، فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وعوت وتهرت قطعة قطعة ، واستوفى عليه السلام باقي الرطب ، وحمل الغلام الصينية حتّى صار بها إلى الرشيد ، فقال

ص: 209


1- إيضاح : احتفل القوم : اجتمعوا ، وما احتفل به : ما بالي .

له : قد أكل الرطب عن آخره ؟ قال : نعم يا أمير المؤنين ، قال : فكيف رأيته ؟ قال : ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤنين ، قال : ثم ورد عليه خبر الكلبة ، وأنّها قد تهرت وماتت ، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا واستعظمه ، ووقف على الكلبة فوجدها متهرئة بالسم ، فأحضر الخادم ودعا له بسيف ونطع وقال له : لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك ؟ فقال : يا أمير المؤنين ، إنّي حملت الرطب إلى موسى بن جعفر وأبلغته سلامك ، وقمت بإزائه ، فطلب منّي خلالا فدفعته إليه ، فأقبل يغرز في الرطبة

بعد الرطبة ويأكلها حتّى مرّت الكلبة ، فغرز الخلال في رطبة من ذلك الرطب فرمى به ،ا فأكلتها الكلبة ، وأكل هو باقي الرطب ، فكان ما ترى يا أمير المؤنين ، فقال الرشيد : ما ربحنا من موسى إلاّ أنّا أطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا ، وقتل كلبتنا ،

ما في موسى حيلة ، ثم إنّ سيدنا موسى عليه السلام دعا بالمسيب ، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام ، وكان موكلا به ، فقال له : يا مسيب ، فقال : لبيك يا مولاي ، قال : إنّي ظاعن في هذه الليلة إلى المدينة ، مدينة جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأعهد إلى علي ابني ما عهده إليّ أبي ، وأجعله وصيي وخليفتي ، وآمره بأمري ، قال المسيب : فقلت : يا مولاي ، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب وأقفالها والحرس معي على الأبواب ؟ فقال : يا مسيب ضعف يقينك في اللّه - عزّ وجلّ - وفينا ؟ فقلت : لا يا سيدي ، قال : فمه ؟ قلت : يا سيدي ادع اللّه أن يثبتني ، فقال : اللهم ثبّته ، ثم قال : إنّي أدعو اللّه - عزّ وجلّ - باسمه العظيم الذي دعا به آصف حتّى جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه إليه حتّى يجمع بيني وبين ابني علي بالمدينة ، قال المسيب : فسمعته عليه السلام يدعو ، ففقدته عن مصلاه ، فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيته قد عاد إلى مكانه ، وأعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت للّه ساجدا لوجهي شكرا على ما أنعم به عليّ من معرفته ، فقال لي : ارفع رأسك يا مسيب ، واعلم أنّي راحل إلى اللّه - عزّ وجلّ - في ثالث هذا اليوم ، قال : فبكيت ، فقال لي : لا تبك يا مسيب ، فإنّ عليا ابني هو إمامك ومولاك بعدي ، فاستمسك بولايته ، فإنّك لا تضلّ ما لزمته ، فقلت :

ص: 210

الحمد للّه ، قال : ثم إنّ سيدي عليه السلام دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي : إنّي على ما عرفتك من الرحيل إلى اللّه - عزّ وجلّ - ، فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي ، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحدا ، ولا على من عندي إلا بعد وفاتي ، قال المسيب بن زهير : فلم أزل أرقب وعده حتّى دعا عليه السلام بالشربة فشربها ، ثم دعاني فقال لي : يا مسبب إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنّه يتولّى غسلي ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا ، فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش ، فألحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به ، فإنّ كلّ تربة لنا محرمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي عليه السلام ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ، قال : ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به عليه السلام جالسا إلى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا عليه السلام ، وهو غلام ، فأردت سؤله ، فصاح بي سيدي موسى عليه السلام وقال لي : أليس قد نهيتك يا مسيب ، فلم أزل صابرا حتّى مضى وغاب الشخص ، ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد ، فوافى السندي بن شاهك ، فو اللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنّهم يغسلونه ، فلا تصل أيديهم إليه ، ويظنون أنّهم يحنطونه ويكفنونه ، وأراهم لا يصنعون به شيئا ،

ورأيت ذلك الشخص يتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يظهر المعاونة لهم ، وهم لا يعرفونه ، فلمّا فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص : يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكنّ فيّ ، فإنّي إمامك ومولاك وحجة اللّه عليك بعد أبي ، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق عليه السلام ، ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا عليه « فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ » ، ثم حمل عليه السلام حتّى دفن في مقابر قريش ، ولم يرفع قبره أكثر مما أمر به ، ثم رفعوا قبره بعد ذلك وبنوا عليه(1) .

ص: 211


1- بيان : العرك : الدلك ، وتنغصت عيشه : أي تكدرت ، وهرأت اللحم وهرأته تهرئة : إذا أجدت إنضاجه ، فتهرأ حتّى سقط عن العظم .

كيف يقولون : إنّه حي وأنا دفنته ؟

19 - إكمال الدين ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن عمر بن واقد قال : أرسل إليّ السندي بن شاهك في بعض الليل - وأنا ببغداد - يستحضرني ، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي ، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، ثم ركبت إليه ، فلمّا رآني مقبلا قال : يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت : نعم ، قال : فليس هنا إلاّ خير ، قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري ، فقال : نعم ، ثم قال : يا أبا حفص ، أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت : لا ، فقال : أتعرف موسى بن جعفر ؟ فقلت : إي واللّه إنّي لأعرفه ، وبيني وبينه صداقة

منذ دهر ، فقال : من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواما ، ووقع في

نفسي أنّه عليه السلام قد مات ، قال : فبعث وجاء بهم كما جاء بي ، فقال : هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسموا له قوما ، فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر عليه السلام وقد صحبه ، قال : ثم قام فدخل ، وصلّينا ، فخرج كاتبه ومعه طومار ، فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ، ثم دخل إلى السندي ، قال : فخرج السندي فضرب يده إليّ فقال لي : قم يا أبا حفص ، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا ، فقال لي : يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر ، فكشفته فرأيته ميتا ، فبكيت واسترجعت ، ثم قال للقوم : انظروا إليه ، فدنا واحد بعد واحد ، فنظروا إليه ثم قال : تشهدون كلّكم أنّ هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ فقلنا : نعم ، نشهد أنّه موسى بن جعفر بن محمد عليه السلام ، ثم قال : يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه ، قال : ففعل ، فقال : أترون به أثرا تنكرونه ؟ فقلنا : لا ، ما نرى به شيئا ، ولا نراه إلاّ ميتا ! قال : فلا تبرحوا حتّى تغسلوه وأكفنه

وأدفنه ، قال : فلم نبرح حتّى غسل وكفن وحمل ، فصلّى عليه السندي بن شاهك ودفناه ورجعناه ، فكان عمر بن واقد يقول : ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر عليه السلام مني ، كيف يقولون : إنّه حي وأنا دفنته .

ص: 212

سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس

20 - عن جماعة عن مشايخ أهل المدينة قالوا : لما مضى خمس عشرة سنة من

ملك الرشيد استشهد ولي اللّه موسى بن جعفر عليه السلام مسموما ، سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة ، وفيه السدرة .

ومضى عليه السلام إلى رضوان اللّه وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة ، وقد تمّ عمره أربعا وخمسين سنة ، وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربي بباب التين في المقبرة المعروفة بمقابر قريش .

ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج

21 - إكمال الدين ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن الحسن بن عبد اللّه الصيرفي عن أبيه قال : توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي السندي بن شاهك ، فحمل على نعش ونودي عليه : هذا إمام الرافضة فاعرفوه ، فلمّا أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا : ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج ! ! ! وخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط ، فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه : ما هذا ؟ قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش ، فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي ، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد ، فلمّا عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم ، وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ، ووضعوه في مفرق أربعة طرق ، وأقام المنادين ينادون : ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج ، وحضر الخلق ، وغسل وحنط بحنوط فاخر ، وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار ،

ص: 213

عليها القرآن كلّه ، واحتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه السلامهناك ، وكتب بخبره إلى الرشيد ، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر : وصلتك رحم يا عم وأحسن اللّه جزاءك ، واللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا(1) .

تاريخ ال قبض عليه وفاته

22 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن سليمان بن حفص قال : إنّ هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر عليه السلام سنة تسع وسبعين مائة ، وتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهو ابن سبع وأربعين سنة ، ودفن في مقابر قريش ، وكانت إمامته خمسا وثلاثين سنة وأشهرا ، وأمه أم ولد يقال لها « حميدة » ، وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابني جعفر ، ونص على ابنه علي بن موسى الرضا عليه السلام بالإمامة بعده(2) .

هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ! !

23 - إكمال الدين ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن محمد بن صدقة العنبري قال : لمّا توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية ، وبني العباس ، وسائر أهل المملكة والحكام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر اللّه

ص: 214


1- بيان : شرط السلطان : نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده ، والضوضاء : أصوات الناس وغلبتهم ، والسلب : خلع لباس الزينة ولبس أثواب المصيبة .
2- بيان : لعل في لفظ الأربعين تصحيفا .

منه في أمره ، يعني في قتله ، فانظروا إليه ، فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته ، فنظروا إلى موسى بن جعفر وليس به أثر جراحة ولا خنق ، وكان في رجله أثر الحناء ، فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولّى غسله وتكفينه ، وتحفى وتحسر في جنازته .

إنّ لي إليهم عودة لا أتخلّص منهم

24 - قرب الإسناد : عن أبي خالد الزباني قال : قدم أبو الحسن موسى

عليه السلام زبالة ، ومعه جماعة من أصحاب المهدي ، بعثهم المهدي في إشخاصه إليه ، وأمرني بشراء حوائج له ، ونظر إليّ وأنا مغموم ، فقال : يا أبا خالد ما لي أراك مغموما ؟ قلت : جعلت فداك هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنه عليك ، فقال : يا أبا خالد ليس عليّ منه بأس ، إذا كانت سنة كذا وكذا ، وشهر كذا وكذا ، ويوم كذا وكذا ، فانتظرني في أول الميل ، فإنّي أوافيك إن شاء اللّه ، قال : فما كانت لي همة إلاّ إحصاء الشهور والأيام ، فغدوت إلى أول الميل في اليوم الذي وعدني ، فلم أزل أنتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب ، فلم أر أحدا ، فشككت فوقع في قلبي أمر عظيم ، فنظرت قرب الليل فإذا سواد قد رفع ، قال : فانتظرته ، فوافاني أبو الحسن عليه السلام أمام القطار على بغلة له ، فقال : إيهن يا أبا خالد ، قلت : لبيك جعلت فداك ، قال : لا تشكن ، ودّ واللّه الشيطان أنّك شككت ، قلت : قد كان - واللّه - ذلك جعلت فداك ، قال : فسررت بتخليصه ، وقلت : الحمد للّه الذي خلصك من الطاغية ، فقال : يا أبا خالد إنّ لي إليهم عودة لا أتخلّص منهم .

ص: 215

إنّ أول ما أنعى إليك نفسي

25 - قرب الإسناد : عن علي بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن

الأول عليه السلام في كتاب : أنّ أول ما أنعى إليك نفسي في لياليّ هذه غير جازع و لا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قضى اللّه وحتم ، فاستمسك بعروة الدين ، آل محمد ، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي ، والمسالمة والرضا بما قالوا .

اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه

26 - الغيبة للشيخ الطوسي : يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم عليه السلام ، فلمّا وضع على شفير القبر إذا رسول من السندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته ، وكان مع الجنازة ، أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتّى يروه صحيحا لم يحدث به حدث ، قال : فكشف عن وجه مولاي حتّى رأيته وعرفته ، ثم غطى وجهه ، وأدخل قبره صلى اللّه عليه .

أنّه مات كما يموت الناس

27 - الغيبة للشيخ الطوسي : عن سعيد مولاه ، وكان يخدمه في الحبس ، ويختلف في حوائجه : أنّه حضر حين مات كما يموت الناس من قوة إلى ضعف إلى أن قضى عليه السلام .

بقي من أجلي أسبوع

28 - المناقب لابن شهرآشوب ، الغيبة للشيخ الطوسي : عن محمد بن غياث المهلبي قال : لمّا حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه السلام ، وأظهر الدلائل

ص: 216

والمعجزات وهو في الحبس ، تحيّر الرشيد ، فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا علي ، أ ما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه ؟ فقال له يحيى بن خالد : الذي أراه لك يا أمير المؤنين أن تمتن عليه وتصل رحمه ، فقد واللّه أفسد علينا قلوب شيعتنا ، وكان يحيى يتولاه وهارون لا يعلم ذلك ، فقال هارون : انطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عني السلام ، وقل له : يقول لك ابن عمك : أنّه قد سبق مني فيك يمين أنّي لا أخليك حتّى تقرّ لي بالإساءة ، وتسألني العفو عما سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة ، وهذا يحيى بن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري ، فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا ، قال محمد بن غياث : فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد أنّ أبا إبراهيم قال ليحيى : يا أبا علي ، أنا ميت وإنّما بقي من أجلي أسبوع ، اكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال ، وصلّ عليّ أنت وأوليائي فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه لنفسك ، فإنّي رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنّه يأتي عليكم فاحذروه ، ثم قال : يا أبا علي أبلغه عنّي :يقول لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بماترى ، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي اللّه من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام ، فخرج يحيى من عنده واحمرت عيناه من البكاء حتّى دخل على هارون ، فأخبره بقصته وما ورد عليه ، فقال هارون : إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا ، فلمّا كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم عليه السلام ، وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك ، فأخرج إلى الناس حتّى نظروا إليه ثم دفن عليه السلام ، ورجع الناس ، فافترقوا فرقتين : فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول : لم يمت .

ص: 217

السبب في أخذ موسى بن جعفر عليه السلام

29 - الغيبة للطوسي : كان السبب في أخذ موسى بن جعفر عليه السلام : أنّ الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث ، فحسده يحيى بن خالد البرمكي وقال : إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ودولة ولدي ، فاحتال على جعفر بن محمد ، وكان يقول بالإمامة ، حتّى داخله وآنس إليه ، وكان يكثر غشيانه في منزله ، فيقف على أمره ، فيرفعه إلى الرشيد ، ويزيد عليه بما يقدح في قلبه ، ثم قال يوما لبعض ثقاته : أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه ؟ فدلّ على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فحمل إليه يحيى بن خالد مالا ، وكان موسى يأنس إليه ويصله ، وربما أفضى إليه بأسراره كلّها ، فكتب ليشخص به ، فأحسّ موسى بذلك ، فدعاه فقال : إلى أين يا ابن أخي ؟ قال : إلى بغداد ، قال : وما تصنع ؟ قال : عليّ دين وأنا مملق ، قال : فأنا أقضي دينك وأفعل بك

وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك ، فقال له : انظر يا ابن أخي لا تؤم أولادي ، وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فلمّا قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى عليه السلاملمن حضره : واللّه ليسعين في دمي ويؤمن أولادي ، فقالوا له : جعلنا اللّه فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله ؟ ! فقال لهم : نعم ، حدثني أبي عن آبائه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنّ الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها اللّه ، فخرج علي بن إسماعيل حتّى أتى إلى يحيى بن خالد ، فتعرّف منه خبر موسى بن جعفر ، ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه ، وقال له : إنّ الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب ، وإنّ له

بيوت أموال ، وإنّه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار ، فسماها « اليسيرة » ، وقال له صاحبها وقد أحضر المال : لا آخذ هذا النقد ولا آخذ إلاّ نقد كذا ، فأمر بذلك المال فردّ ، وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه ، فرفع ذلك كلّه إلى الرشيد ،

ص: 218

فأمر له بمائتي ألف درهم يسبب له على بعض النواحي فاختار كور المشرق ، ومضت رسله ليقبض المال ، ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء ، فزحر زحرة خرجت منها حشوته كلّها ، فسقط وجهدوا في ردّها فلم يقدروا ، فوقع لما به ، وجاءه المال وهو ينزع ، فقال : ما أصنع به وأنا في الموت .

وحجّ الرشيد في تلك السنة ، فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، إنّي أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله ، أريد أن احبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها ، ثم أمر به فأخذ من المسجد ، فأدخل إليه فقيّده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان ، هو في إحداهما ، ووجه مع كلّ واحدة منهما خيلا ، فأخذ بواحدة على طريق البصرة والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ ، فمضى به فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلاّ خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك حتّى أنّي لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه ، يسأل الرحمة والمغفرة ، فوجه من تسلّمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدّة طويلة ، وأراده الرشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنّه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة ، فأنفذ مسرور الخادم إلى بغداد على البريد ، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر فيعرف خبره ، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد ، وأمره بامتثاله ، وأوصل منه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس ، فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل على موسى بن جعفر عليه السلامفوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد

ص: 219

والسندي فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى ، فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتّى دخل على العباس ، فدعا بسياط وعقابين فوجه ذلك إلى السندي ، وأمر بالفضل فجرد ، ثم ضربه مائة سوط وخرج متغير اللون خلاف ما دخل ، فأذهبت نخوته ، فجعل يسلّم على الناس يمينا وشمالا ، وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد ، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك ، وجلس مجلسا حافلا وقال : أيها الناس إنّ الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ، ورأيت أن ألعنه فالعنوه ، فلعنه الناس من كلّ ناحية حتّى ارتج البيت والدار بلعنه ، وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرشيد ، ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتّى جاءه من خلفه ، وهو لا يشعر ، ثم قال : التفت إليّ يا أمير المؤنين ، فأصغى إليه فزعا ، فقال له : إنّ الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، فانطلق وجهه وسر ، وأقبل على الناس فقال : إنّ الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا له : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه ، ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتّى أتى بغداد ، فماج الناس وأرجفوا بكلّ شيء ، فأظهر أنّه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك ، ودعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ، وسأل موسى عليه السلام السندي عند وفاته أن يحضره مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد

في أصحاب القصب ليغسله ، ففعل ذلك ، قال : وسألته أن يأذن لي أن أكفنه فأبى ، وقال : إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طهرة أموالنا ، وعندي كفني ، فلمّا مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به وشهدوا على ذلك ، وأخرج فوضع على الجسر ببغداد ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو عليه السلام ميت ، وحدث رجل من بعض الطالبيين : أنّه نودي عليه :

ص: 220

هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت ، فانظروا إليه ، فنظروا إليه ، وحمل فدفن في مقابر قريش ، فوقع قبره إلى جانب رجل من النوفليين يقال له « عيسى بن عبد اللّه »(1) .

إنّي طلقت أم فروة

30 - بصائر الدرجات : عن أحمد بن عمر قال : سمعته يقول - يعني أبا الحسن

الرضا عليه السلام - : إنّي طلقت أم فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي بيوم ، قلت له : جعلت فداك ، طلقتها وقد علمت موت أبي الحسن ؟ قال : نعم(2) .

جاءني سعيد بما قد كنت علمته قبل مجيئه

31 - بصائر الدرجات : عن صفوان قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : رووا عنك في موت أبي الحسن أنّ رجلا قال لك علمت ذلك بقول سعيد ؟ فقال : جاءني سعيد بما قد كنت علمته قبل مجيئه .

ص: 221


1- بيان : الإملاق : الافتقار ، قوله « يسبب له » أي يكتب له ، فإنّ الكتاب سبب لتحصيل المال ، وشده الرجل شدها فهو مشدوه : أي دهش ، قوله « حافلا » أي ممتلئا ، قوله « فماج الناس » أي اضطربوا .
2- بيان : قيل : الطلاق بعد الموت مبني على أنّ العلم الذي هو مناط الأحكام الشرعية هو العلم الظاهر على الوجه المتعارف . أقول : يمكن أن يكون هذا من خصائصهم عليهم السلام لإزالة الشرف الذي حصل لهن بسبب الزواج كما طلّق أمير المؤنين عليه السلام عائشة يوم الجمل ، أو أراد تطليقها ، لتخرج من عداد أمهات المؤنين ، ولعله عليه السلام إنّما طلقها لعلمه بأنّها ستريد التزويج ولا يمكنه عليه السلام منعها عن ذلك تقية فطلقها ليجوز لها ذلك ، ويحتمل وجهين آخرين : الأول : أن يكون التطليق بالمعنى اللغوي ، أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شاءت ، الثاني : أن يكون عليه السلام علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتد عدّة الوفاة وطلقها ظاهرا لعدم تشنيع العامة في ذلك .

أنساه لينفذ فيه الحكم

32 - منتخب البصائر ، بصائر الدرجات : عن بعض أصحابنا قال : قلت للرضا : الإمام يعلم إذا مات ؟ قال : نعم يعلم بالتعليم حتّى يتقدّم في الأمر ، قلت : علم أبو

الحسن عليه السلام بالرطب والريحان المسمومين اللذين بعث إليه يحيى بن خالد ؟ قال : نعم ، قلت : فأكله وهو يعلم ؟ قال : أنساه لينفذ فيه الحكم .

33 - منتخب البصائر ، بصائر الدرجات : عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت : الإمام يعلم متى يموت ؟ قال : نعم ، قلت : حيث ما بعث إليه يحيى بن خالد برطب وريحان مسمومين علم به ؟ قال : نعم ، قلت : فأكله وهو يعلم فيكون معينا على نفسه ؟ فقال : لا يعلم قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج إليه ، فإذا جاء الوقت ألقى اللّه على

قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم(1) .

واللّه لتخرجنني أو لأخرجن

34 - الغيبة للطوسي : عن داود بن زربي قال : بعث إليّ العبد الصالح عليه السلام ، وهو في الحبس ، فقال : ائت هذا الرجل - يعني يحيى بن خالد - فقل له : يقول لك

ص: 222


1- بيان : ما ذكر في هذين الخبرين أحد الوجوه في الجمع بين ما دلّ على علمهم بما يئول إليه أمرهم وبالأسباب التي يترتب عليها هلاكهم مع تعرضهم لها ، وبين عدم جواز إلقاء النفس إلى التهلكة ، ويمكن أن يقال ، مع قطع النظر عن الخبر : أنّ التحرّز عن أمثال تلك الأمور إنّما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية ، وإلاّ فيلزم أن لا يجري عليهم شيء من التقديرات المكروهة ، وهذا مما لا يكون . والحاصل : أن أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرة لا بالعلوم الإلهامية ، وكما أنّ أحوالهم في كثير من الأمور مباينة لأحوالنا ، فكذا تكاليفهم مغايرة لتكاليفنا ، على أنّه يمكن أن يقال : لعلهم علموا أنّهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر الأمرين ، والعلم بعصمتهم وجلالتهم ، وكون جميع أفعالهم جارية على قانون الحقّ والصواب كاف لعدم التعرض لبيان الحكمة في خصوصيات أحوالهم لأولي الألباب ، وقد مرّ بعض الكلام في ذلك في باب شهادة أمير المؤنين ، وباب شهادة الحسن ، وباب شهادة الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين .

أبو فلان : ما حملك على ما صنعت ، أخرجتني من بلادي وفرقت بيني وبين عيالي ؟ فأتيته فأخبرته ، فقال : زبيدة طالق ، وعليه أغلظ الأيمان ، لوددت أنّه غرم

الساعة ألفي ألف وأنت خرجت ، فرجعت إليه فأبلغته ، فقال : ارجع إليه فقل له : يقول لك : واللّه لتخرجنني أو لأخرجن .

تاريخ وفاته ومدة امامته

35 - الإرشاد : قبض الكاظم - صلوات اللّه عليه - ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة ، وكانت مدة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه عليه السلام خمسا وثلاثين سنة .

36 - المناقب لابن شهرآشوب : أبو الأزهر ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل : أنّه جمعني مسجد بإزاء دار السندي بن شاهك وابن السكيت ، فتفاوضنا في العربية ، ومعنا رجل لا نعرفه فقال : يا هؤاء أنتم إلى إقامة دينكم أحوج منكم إلى إقامة ألسنتكم ، وساق الكلام إلى إمام الوقت وقال : ليس بينكم وبينه غير هذا الجدار ، قلنا : تعني هذا المحبوس موسى ؟ قال : نعم ، قلنا : سترنا عليك فقم من عندنا خيفة أن يراك أحد جليسنا فنؤذ بك ، قال : واللّه لا يفعلون ذلك أبدا ، واللّه ما قلت لكم إلاّ بأمره ، وإنّه ليرانا ويسمع كلامنا ، ولو شاء أن يكون ثالثنا لكان ، قلنا : فقد شئنا فادعه إلينا ، فإذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا كادت لرؤته العقول أن تذهل ، فعلمنا أنّه موسى بن جعفر عليه السلام ، ثم قال : أنا هذا الرجل ، وتركنا وخرجنا من المسجد مبادرا ، فسمعنا وجيبا شديدا ، وإذا السندي بن شاهك يعدو داخلا إلى المسجد معه جماعة ، فقلنا : كان معنا رجل فدعانا إلى كذا وكذا ، ودخل هذا الرجل المصلّي وخرج ذاك الرجل ولم نره ، فأمر بنا فأمسكنا ، ثم تقدّم إلى موسى وهو قائم في المحراب ، فأتاه من قبل وجهه ونحن نسمع ، فقال : يا ويحك

ص: 223

كم تخرج بسحرك هذا ، وحيلتك من وراء الأبواب والأغلاق والأقفال وأردك ، فلو كنت هربت كان أحبّ إليّ من وقوفك هاهنا ، أتريد يا موسى أن يقتلني الخليفة ؟ قال : فقال موسى : ونحن واللّه نسمع كلامه ، كيف أهرب وللّه في أيديكم موقت لي يسوق إليها أقداره وكرامتي على أيديكم ، في كلام له ، قال : فأخذ السندي بيده ومشى ، ثم قال للقوم : دعوا هذين واخرجوا إلى الطريق فامنعوا أحدا يمرّ من الناس حتّى أتمّ أنا وهذا إلى الدار .

يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتّى ندخل عليه

وفي كتاب الأنوار : قال العامري : إنّ هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن ، فقال : قل له : « بَلْ أَنْتُمْ

بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ » لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : فاستطار هارون غضبا ، وقال : ارجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخذناك ، واترك الجارية عنده وانصرف ، قال : فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها ، فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول : قدوس سبحانك سبحانك ، فقال هارون : سحرها واللّه موسى بن جعفر بسحره عليّ بها ، فأتي بها ، وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع ، إنّي كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره ، فلمّا انصرف عن صلاته بوجهه ، وهو يسبح اللّه ويقدسه ، قلت : يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ؟ قلت : إنّي أدخلت عليك لحوائجك ، قال : فما بال هؤاء ؟ قالت : فالتفت ، فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصائف لم أر مثل وجوههم حسنا ، ولا مثل لباسهم لباسا ، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدر

ص: 224

والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ، ومن كلّ الطعام ، فخررت ساجدة حتّى أقامني هذا الخادم ، فرأيت نفسي حيث كنت ، قال : فقال هارون : يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك ، قالت : لا واللّه يا سيدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك ، فقال الرشيد : اقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد ، فأقبلت في الصلاة ، فإذا قيل لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح عليه السلام ، فسئلت عن قولها ، قالت : إنّي لما عاينت من الأمر نادتني الجواري : يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتّى ندخل عليه ، فنحن له دونك ، فما زالت كذلك حتّى ماتت ، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة .

كان وفاته في مسجد هارون الرشيد

37 - المناقب لابن شهرآشوب : كان وفاته في مسجد هارون الرشيد ، وهو المعروف بمسجد المسيب ، وهو في الجانب الغربي باب الكوفة ، لأنّه نقل إليه من دار تعرف ب-« دار عمرويه » ، وكان بين وفاة موسى عليه السلام إلى وقت حرق مقابر قريش مائتان وستون سنة .

ممن سعى بموسى بن جعفر عليه السلام

38 - رجال الكشي : عن علي بن جعفر بن محمد قال : جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى عليه السلام أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصية ، قال : فتجنب حتّى دخل المتوضأ وخرج ، وهو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه ، قال : فلمّا خرج قلت له : إنّ ابن أخيك محمد بن إسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن توصيه ، فأذن له عليه السلام ، فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل وقال : يا عم

ص: 225

أحبّ أن توصيني ؟ فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي ! فقال : لعن اللّه من يسعى في دمك ، ثم قال : يا عم أوصني ؟ فقال : أوصيك أن تتقي اللّه في دمي ! قال : ثم ناوله

أبو الحسن عليه السلام صرّة فيها مائة وخمسون دينارا ، فقبضها محمد ، ثم ناوله أخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها ، ثم أعطاه صرّة أخرى فيها مائة وخمسون دينارا فقبضها ، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك ولاستكثرته ، فقال : هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته .

قال : فخرج إلى العراق ، فلمّا ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب : قل لأمير المؤنين إنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب ، فقال الحاجب : انزل أولا وغيّر ثياب طريقك وعد لأدخلك إليه بغير إذن ، فقد نام أمير المؤنين في هذا الوقت ، فقال : أعلم أمير المؤنين أنّي حضرت ولم تأذن لي ، فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله فدخل ، قال : يا أمير المؤنين خليفتان في الأرض ، موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج ! ! فقال : واللّه ؟ ! فقال : واللّه ! قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلمّا قبضها وحمل إلى منزله أخذته

الريحة في جوف ليلته فمات ، وحوّل من الغد المال الذي حمل إليه(1) .

يا بشار امض إلى سجن القنطرة فادع لي هند

39 - رجال الكشي : عن بشار مولى السندي بن شاهك قال : كنت من أشدّ الناس بغضا لآل أبي طالب ، فدعاني السندي بن شاهك يوما فقال لي : يا بشار إنّي

ص: 226


1- بيان : روى في الكافي قريبا من ذلك عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر ، وفيه : فرماه اللّه بالذبحة ، وهي كهمزة وعنبة وكسرة و صبرة ، وجع في الحلق أو دم يخنق فيقتل ، ثم إنّ في بعض الروايات محمد بن إسماعيل ، وفي بعضها علي بن إسماعيل ، ويمكن أن يكون فعل كلّ منهما ما نسب إليه ، و سيأتي ذمهما في باب أحوال عشائره عليه السلام .

أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني عليه هارون ، قلت : إذن لا أبقي فيه غاية ، فقال : هذا موسى بن جعفر قد دفعه إليّ وقد وكّلتك بحفظه ، فجعله في دار دون حرمه ووكلني عليه ، فكنت أقفل عليه عدّة أقفال ، فإذا مضيت في حاجة وكّلت امرأتي بالباب ، فلا تفارقه حتّى أرجع ، قال بشار : فحوّل اللّه ما كان في قلبي من البغض حبّا ، قال : فدعاني عليه السلام يوما فقال : يا بشار امض إلى سجن القنطرة فادع لي هند بن الحجاج ، وقل له : أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه ، فإنّه سينهرك ويصيح عليك ، فإذا فعل ذلك ، فقل له : أنا قد قلت لك وأبلغت رسالته ، فإن شئت فافعل ما أمرني ، وإن شئت فلا تفعل ، واتركه وانصرف ، قال : ففعلت ما أمرني ، وأقفلت الأبواب كما كنت أقفل ، وأقعدت امرأتي على الباب وقلت لها : لا تبرحي حتّى آتيك ، وقصدت إلى سجن القنطرة ، فدخلت إلى هند بن الحجاج فقلت : أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه ، قال : فصاح عليّ وانتهرني ، فقلت له : أنا قد أبلغتك وقلت لك ، فإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل ، وانصرفت وتركته ، وجئت إلى أبي الحسن عليه السلام فوجدت امرأتي قاعدة على الباب ، والأبواب مغلقة ، فلم أزل أفتح واحدا واحدا منها حتّى انتهيت إليه فوجدته وأعلمته الخبر ، فقال : نعم قد جاءني وانصرف ، فخرجت إلى امرأتي فقلت لها : جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب ؟ فقالت : لا واللّه ما فارقت الباب ، ولا

فتحت الأقفال حتّى جئت .

قال : وروى علي بن محمد بن الحسن الأنباري - أخو صندل - قال : بلغني من جهة أخرى أنّه لما صار إليه هند بن الحجاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه : إن شئت رجعت إلى موضعك ولك الجنة ، وإن شئت انصرفت إلى منزلك ، فقال : أرجع إلى موضعي إلى السجن ، رحمه اللّه .

قال : وحدثني علي بن محمد بن صالح الصيمري : أنّ هند بن الحجاج رضى الله عنه كان من أهل الصيمرة ، وإنّ قصره لبين .

ص: 227

نعم سمه في ثلاثين رطبة

40 - رجال الكشي : عن عبد اللّه بن طاوس قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ يحيى بن خالد سمّ أباك موسى بن جعفر - صلوات اللّه عليهما - ؟ قال : نعم سمه في ثلاثين رطبة ، قلت له : فما كان يعلم أنّها مسمومة ؟ قال : غاب عنه المحدّث ، قلت : ومن المحدّث ؟ قال : ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو مع الأئمة عليهم السلام ، وليس كلّما طلب وجد ، ثم قال : إنّك ستعمّر ، فعاش مائة سنة .

كتبت إلى الامام عليه السلام وهو في الحبس أسأله فاجابني

41 - الكافي : عن علي بن سويد قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ، وهو في الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فاحتبس الجواب عليّ ، ثم أجابني بجواب هذه نسخته : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة ، بالأعمال المختلفة ، والأديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتد ، وسميع وأصم ، وبصير وأعمى حيران ، فالحمد للّه الذي عرف ووصف دينه محمدا صلى الله عليه و آله .

أما بعد : فإنّك امرؤأنزلك اللّه من آل محمد بمنزلة خاصة ، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه ، وما ألهمك من رشدك ، وبصرك من أمر دينك ، وبتفضيلك إياهم وبردّك الأمور إليهم ، كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية ، ومن كتمانها في سعة ، فلمّا انقضى سلطان الجبابرة ، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم ، بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها ، العتاة على خالقهم ، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم ، فاتق اللّه - جلّ ذكره - ،

ص: 228

وخصّ بذلك الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية الأوصياء ، أو حارشا عليهم بإفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء اللّه .

إنّ أول ما أنهي إليك : أنّي أنعى إليك نفسي في ليالي هذه ، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قد قضى اللّه - جلّ وعزّ - حتم ، فاستمسك بعروة الدين : آل محمد ، والعروة الوثقى : الوصي بعد الوصي ، والمسالمة لهم ، والرضا بما قالوا ، ولا

تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبّن دينهم ، فإنّهم الخائنون الذين خانوا اللّه

ورسوله ، وخانوا أماناتهم ، وتدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه وبدلوه ، ودلوا على ولاة الأمر منهم ، فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم « اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ » .

وسألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل اللّه ، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتّى حملاه إياه كرها فوق رقبته إلى منزلهما ، فلمّا أحرزاه توليا إنفاقه ، أيبلغان بذلك كفرا ؟ فلعمري

لقد نافقا قبل ذلك وردا على اللّه - جلّ وعزّ - كلامه ، وهزءا برسوله صلى الله عليه و آله ، وهما الكافران عليهما لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ ، واللّه ما دخل قلب أحد منهما شيء من

الإيمان منذ خروجهما من حالتيهما ، وما ازدادا إلاّ شكا ، كانا خداعين مرتابين منافقين ، حتّى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام .

وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر ، فأولئك أهل الردّة الأولى ، ومن هذه الأمة فعليهم لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ

وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ .

وسألت عن مبلغ علمنا ، وهو على ثلاثة وجوه : ماض و غابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسر ، وأمّا الغابر فمكتوب ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه و آله .

ص: 229

وسألت عن أمهات أولادهم ، فهن عواهر إلى يوم القيامة ، نكاح بغير ولي وطلاق لغير عدة ، وأمّا من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه .

وسألت عن الزكاة فيهم ، فما كان من الزكوات فأنتم أحقّ به ، لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان .

وسألت عن الضعفاء ، فالضعيف من لم ترفع إليه حجة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف .

وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة للّه - عزّ وجلّ - ولو على نفسك أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ فيما بينك وبينهم ، فإن خفت على أخيك ضيما فلا وادع إلى شرائط اللّه - عزّ

ذكره - بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحضر حصن زنا ، ووال آل محمد ، ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل ، وإن كنت تعرف منا خلافه ، فإنّك لا تدري لما قلناه ؟ وعلى أي وجه وصفناه ؟ آمن بما أخبرك ، ولا تفش ما استكتمناك من خبرك ، إنّ من واجب حقّ أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ليس من أخلاق المؤنين الغش ، ولا الأذى ، ولا الخيانة ، ولا الكبر ، ولا الخنا ، ولا الفحش ، ولا الأمر به ، فإذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤنين ، فإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل اللّه - عزّ وجلّ - بالمجرمين ، فقد فسرت لك جملا جملا ، وصلّى اللّه على محمد وآله الأخيار(1) .

ص: 230


1- بيان : الخبر مفسر في كتاب الروضة من هذا الكتاب ، وفي شرح روضة الكافي .

يا هارون أمرتك أن تطلق موسى بن جعفر فلم تفعل ؟ !

42 - مهج الدعوات : عن عبد اللّه بن مالك الخزاعي قال : دعاني هارون الرشيد فقال : يا أبا عبد اللّه ، كيف أنت ؟ وموضع السر منك ؟ فقلت : يا أمير المؤنين ما أنا إلاّ عبد من عبيدك ! فقال : امض إلى تلك الحجرة وخذ من فيها واحتفظ به إلى أن أسألك عنه ، قال : فدخلت فوجدت موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا رآني سلّمت عليه ، وحملته على دابتي إلى منزلي ، فأدخلته داري وجعلته مع حرمي ، وقفلت عليه والمفتاح معي ، وكنت أتولّى خدمته ، ومضت الأيام فلم أشعر إلاّ برسول الرشيد يقول : أجب أمير المؤنين ، فنهضت ودخلت عليه وهو جالس ، وعن يمينه فراش ، وعن يساره فراش ، فسلّمت عليه فلم يرد غير أنه قال : ما فعلت بالوديعة ؟ فكأنّي لم أفهم ما قال ، فقال : ما فعل صاحبك ؟ فقلت : صالح ، فقال : امض إليه وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم واصرفه إلى منزله وأهله ، فقمت وهممت بالانصراف ، فقال لي : أتدري ما السبب في ذلك ؟ وما هو ؟ قلت : لا يا أمير المؤنين ، قال : نمت على الفراش الذي عن يميني ، فرأيت في منامي قائلا يقول لي : يا هارون أطلق موسى بن جعفر ، فانتبهت فقلت : لعلها لما في نفسي منه ، فقمت إلى هذا الفراش الآخر ، فرأيت ذلك الشخص بعينه وهو يقول : يا هارون أمرتك أن تطلق موسى بن جعفر فلم تفعل ؟ ! فانتبهت وتعوذت من الشيطان ! ! ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه ، وإذا بذلك الشخص بعينه وبيده حربة كان أولها بالمشرق وآخرها بالمغرب ، وقد أومأ إليّ وهو يقول : واللّه يا هارون لئن لم تطلق موسى بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك وأطلعها من ظهرك ، فأرسلت إليك ، فامض فيما أمرتك به ولا تظهره إلى أحد فأقتلك ، فانظر لنفسك ، قال : فرجعت إلى منزلي ، وفتحت الحجرة ودخلت على موسى بن جعفر عليه السلام ، فوجدته قد نام في سجوده ، فجلست حتّى استيقظ ورفع رأسه وقال : يا أبا عبد اللّه افعل ما أمرت به ، فقلت له : يا مولاي

ص: 231

سألتك باللّه وبحقّ جدّك رسول اللّه ، هل دعوت اللّه - عزّ وجلّ - في يومك هذا بالفرج ؟ فقال : أجل إنّي صلّيت المفروضة وسجدت وغفوت في سجودي ، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا موسى أتحبّ أن تطلق ؟ فقلت : نعم يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ادع بهذه الدعاء ، ثم ذكر الدعاء ، فلقد دعوت به ورسول اللّه يلقنيه حتّى سمعتك ، فقلت : قد استجاب اللّه فيك ، ثم قلت له : ما أمرني به الرشيد وأعطيته ذلك .

هاتي الذي أودعك أبي

43 - الكافي : عن مسافر قال : أمر أبو إبراهيم عليه السلام حين أخرج به أبا الحسن أن ينام على بابه في كلّ ليلة ، أبدا ما كان حيّا ، إلى أن يأتيه خبره ، قال : فكنّا في كلّ ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثم يأتي بعد العشاء فينام ، فإذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلمّا كان ليلة من الليالي أبطأ عنّا ، وفرش له فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلمّا كان من الغد أتى الدار ، ودخل إلى العيال وقصد إلى أم أحمد فقال لها : هاتي الذي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت : مات واللّه سيدي ، فكفّها وقال لها : لا تكلّمي بشيء ولا تظهريه حتّى يجيء الخبر إلى الوالي ، فأخرجت إليه سفطا وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت : إنّه قال لي فيما بيني وبينه ، وكانت أثيرة عنده : احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتّى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها إليه ، واعلمي أنّي قد متّ ، وقد جاءتني - واللّه - علامة سيدي ، فقبض ذلك منها ، وأمرهم بالإمساك جميعا إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد بشيء من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلاّ أياما يسيرة حتّى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام ، وتفقدنا الوقت ، فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن عليه السلام ما فعل ، من تخلّفه عن المبيت ، وقبضه لما قبض .

ص: 232

44 - الكافي : عن طلحة قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ الإمام لا يغسله إلاّ الإمام ؟ فقال : أما تدرون من حضر يغسله ؟ قد حضره خير ممن غاب عنه ، الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته(1) .

متى يعلم الإمام أنّه إمام ؟

45 - الكافي : عن صفوان قال : قلت للرضا عليه السلام : أخبرني عن الإمام متى يعلم أنّه إمام ؟ حين يبلغه أنّ صاحبه قد مضى ؟ أو حين يمضي ، مثل أبي الحسن عليه السلامقبض ببغداد وأنت هاهنا ؟ قال : يعلم ذلك حين يمضي صاحبه ، قلت : بأي شيء ؟ قال : يلهمه اللّه .

اشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام

46 - عيون المعجزات : في كتاب الوصايا لأبي الحسن علي بن محمد الصيمري : وروي من جهات صحيحة : أنّ السندي بن شاهك حضر بعد ما كان بين يديه السمّ في الرطب ، وأنّه عليه السلام أكل منها عشر رطبات ، فقال له السندي : تزداد ؟ فقال عليه السلام له : حسبك قد بلغت ما يحتاج إليه فيما أمرت به ، ثم إنّه أحضر القضاة

والعدول قبل وفاته بأيام ، وأخرجه إليهم وقال : إنّ الناس يقولون : إنّ أبا الحسن موسى في ضنك وضرّ ، وها هو ذا لا علّة به ولا مرض ولا ضر ، فالتفت عليه السلام فقال لهم : اشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام ، اشهدوا أنّي صحيح الظاهر لكني

مسموم ، وسأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة ، وأصفر غدا صفرة

ص: 233


1- بيان : ظاهره تقية ، إمّا من المخالفين بقرينة الراوي ، أو من نواقص العقول من الشيعة ، وباطنه حقّ ، إذ كان عليه السلام حاضرا ، وهو خير ممن غاب ، وحضرت الملائكة أيضا .

شديدة ، وأبيض بعد غد ، وأمضي إلى رحمة اللّه ورضوانه ، فمضى عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث في سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة ، وكان سنه عليه السلام أربعا وخمسين سنة ، أقام منها مع أبي عبد اللّه عليه السلام عشرين سنة ، ومنفردا بالإمامة أربعا وثلاثين سنة .

صفة الامام وكيفية استشهاده

47 - عمدة الطالب : كان موسى الكاظم عليه السلام أسود اللون ، عظيم الفضل ، رابط الجأش ، واسع العطاء ، وكان يضرب المثل بصرار موسى ، وكان أهله يقولون : عجبا لمن جاءته صرّة موسى فشكا القلّة ، قبض عليه موسى الهادي وحبسه ، فرأى أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نومه يقول : يا موسى فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ

أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ، فانتبه من نومه وقد عرف أنّه المراد ، فأمر بإطلاقه ، ثم تنكّر له من بعد ، فهلك قبل أن يوصل إلى الكاظم عليه السلامأذى ، ولما ولي هارون الرشيد الخلافة أكرمه وعظمه ، ثم قبض عليه وحبسه عند الفضل بن يحيى ، ثم أخرجه من عنده فسلّمه إلى السندي بن شاهك ، ومضى الرشيد إلى الشام ، فأمر يحيى بن خالد السندي بقتله ، فقيل : إنّه سم ، وقيل : بل لفّ في بساط وغمز حتّى مات ، ثم أخرج للناس وعمل محضرا بأنّه مات حتف أنفه ، وتركه ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر إليه ثم يكتب في المحضر .

التمسوا قوما لا يعرفون اللّه ورسوله أستعين بهم على قتل الامام

أقول : رأيت في بعض مؤفات أصحابنا : روي أنّ الرشيد - لعنه اللّه - لما أراد أن يقتل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عرض قتله على سائر جنده وفرسانه فلم يقبله

ص: 234

أحد منهم ، فأرسل إلى عماله في بلاد الأفرنج يقول لهم : التمسوا لي قوما لا يعرفون اللّه ورسوله ، فإني أريد أن أستعين بهم على أمر ، فأرسلوا إليه قوما لا يعرفون من

الإسلام ولا من لغة العرب شيئا ، وكانوا خمسين رجلا ، فلمّا دخلوا إليه أكرمهم ، وسألهم من ربّكم ؟ ومن نبيكم ؟ فقالوا : لا نعرف لنا ربّا ولا نبيا أبدا ، فأدخلهم البيت

الذي فيه الإمام عليه السلام ليقتلوه ، والرشيد ينظر إليهم من روزنة البيت ، فلمّا رأوه رموا أسلحتهم ، وارتعدت فرائصهم ، وخرّوا سجدا يبكون رحمة له ، فجعل الإمام يمرّ يده على رؤوسهم ويخاطبهم بلغتهم ، وهم يبكون ، فلمّا رأى الرشيد خشي الفتنة وصاح بوزيره : أخرجهم ، فخرجوا وهم يمشون القهقرى إجلالا له ، وركبوا خيولهم ومضوا نحو بلادهم من غير استئذان .

أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك ؟

48 - الكافي : عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال : في حديث طويل : فلولا أنّ اللّه يدافع عن أوليائه وينتقم لأوليائه من أعدائه ، أما رأيت ما صنع اللّه بآل برمك ؟ وما

انتقم اللّه لأبي الحسن عليه السلام ؟ وقد كان بنو الأشعث على خطر عظيم ، فدفع اللّه عنهم بولايتهم لأبي الحسن عليه السلام(1) .

ص: 235


1- بيان : جزاء الشرط في قوله « فلولا أن اللّه » محذوف أي : لاستؤلوا ، ونحوه .

باب 10- ردّ مذهب الواقفية والسبب الذي لأجله قيل بالوقف على موسى عليه السلام

اشارة

1 - الغيبة للطوسي : أمّا الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام وقالوا : إنّه المهدي ، فقولهم باطل بما ظهر من موته عليه السلام

واشتهر واستفاض ، كما اشتهر موت أبيه وجدّه ومن تقدمه من آبائه عليهم السلام ، ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة الذين خالفوا في موت من تقدم من آبائه عليهم السلام ، على أنّ موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه عليهم السلام ؛ لأنّه أظهر وأحضروا القضاة والشهود ، ونودي عليه ببغداد على الجسر ، وقيل : هذا الذي تزعم الرافضة أنّه حي لا يموت مات حتف أنفه ، وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه .

أقول : ثم نقل الأخبار الدالة على وفاته عليه السلام على ما نقلنا عنه في باب شهادته عليه السلام ، ثم قال : فموته عليه السلام أشهر من أن يحتاج إلى ذكر الرواية به لأنّ المخالف في ذلك يدفع الضرورات ، والشك في ذلك يؤي إلى الشك في موت كلّ واحد من آبائه وغيرهم ، فلا يوثق بموت أحد ، على أنّ المشهور عنه عليه السلام أنّه وصى

ص: 236

إلى ابنه علي بن موسى عليه السلام ، وأسند إليه أمره بعد موته ، والأخبار بذلك أكثر من أن تحصى ، نذكر منها طرفا ، ولو كان حيّا باقيا لما احتاج إليه .

أقول : ثم ذكر ما سنورده من النصوص على الرضا عليه السلام ، ثم قال : والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى ، وهي موجودة في كتب الإمامية معروفة مشهورة من أرادها وقف عليها من هناك ، وفي هذا القدر هاهنا كفاية إن شاء اللّه تعالى .

فإن قيل : كيف تعولون على هذه الأخبار وتدعون العلم بموته ، والواقفة تروي أخبارا كثيرة يتضمن أنّه لم يمت ، وأنّه القائم المشار إليه ، وهي موجودة في كتبهم وكتب أصحابكم ؟ فكيف تجمعون بينها ؟ وكيف تدعون العلم بموته مع ذلك ؟

قلنا : لم نذكر هذه الأخبار إلاّ على جهة الاستظهار والتبرع ، لا لأنّا احتجنا إليها

في العلم بموته ، لأنّ العلم بموته حاصل لا يشكّ فيه ، كالعلم بموت آبائه ، والمشكك في موته كالمشكك في موتهم ، وموت كلّ من علمنا بموته ، وإنّما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيدا لهذا العلم ، كما نروي أخبارا كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك ، فنذكر في ذلك أخبارا على وجه التأكيد . فأما ما ترويه الواقفة فكلّها أخبار آحاد لا يعضدها حجة ، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها ، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم لا يوثق بقولهم ورواياتهم ، وبعد هذا كلّه فهي متأولة . ثم ذكر - رحمه اللّه - بعض أخبارهم الموضوعة وأولها ، ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع إلى كتابه .

السبب الذي دعا قوما إلى القول بالوقف

ثم قال : وقد روي السبب الذي دعا قوما إلى القول بالوقف ، فروى الثقات : أنّ أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ،

ص: 237

وعثمان بن عيسى الرواسي ، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام

الخثعمي ، وأمثالهم ، فروى عن يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو إبراهيم عليه السلام وليس من قوامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعا في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، فلمّا رأيت ذلك وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ما علمت تكلّمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إليّ وقالا : ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ! وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي : كفّ ، فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادقين عليهم السلام : أنّهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر اللّه على كلّ حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة .

2 - الغيبة للطوسي : مضى أبو إبراهيم وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار ، وخمس جوار ، ومسكنه بمصر ، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام : أن احملوا ما قبلكم من المال ، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإنّي وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوراثه قبلكم ، أو كلام يشبه هذا ، فأمّا ابن أبي حمزة فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي ، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إليه : أنّ أباك - صلوات اللّه عليه - لم يمت ، وهو حي قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأمّا الجواري فقد أعتقتهن وتزوجت بهن .

3 - علل الشرائع ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن أحمد بن حماد قال : كان أحد القوام عثمان بن عيسى ، وكان يكون بمصر ، وكان عنده مال كثير ، وست جواري ،

ص: 238

قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام فيهن وفي المال ، قال : فكتب إليه : أنّ أباك لم يمت ، قال : فكتب إليه : أنّ أبي قد مات ، وقد اقتسمنا ميراثه ، وقد صحّت الأخبار بموته ، واحتج عليه فيه ، قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن .

قال الصدوق قدس سره

قال الصدوق رحمه الله : لم يكن موسى بن جعفر عليه السلام ممن يجمع المال ، ولكنه قد حصل

في وقت الرشيد ، وكثر أعداؤ ، ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاّ على القليل ممن يثق بهم في كتمان السرّ ، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك ، وأراد أن لا يحقّق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد ويقول : إنّه تحمل إليه الأموال ، وتعتقد له الإمامة ، ويحمل على الخروج عليه ، ولولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال ، على أنّها لم تكن أموال الفقراء وإنّما كانت أمواله يصل بها مواليه لتكون له إكراما

منهم له وبرا منهم به عليه السلام .

أقول : قال الصدوق رحمه الله في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام بعد ذكر الأخبار الدالة على وفاته عليه السلام ما نقلنا عنه في باب شهادته : إنّما أوردت هذه الأخبار في هذا الكتاب ردّا على الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام ، فإنّهم يزعمون أنّه حي ، وينكرون إمامة الرضا وإمامة من بعده من الأئمة عليهم السلام ، وفي صحّة وفاة موسى عليه السلام

إبطال مذهبهم ، ولهم في هذه الأخبار كلام ، يقولون : إنّ الصادق عليه السلامقال : الإمام لا

يغسّله إلاّ إمام ، فلو كان الرضا عليه السلام إماما لما ذكرتم في هذه الأخبار : أنّ موسى عليه السلام

غسله غيره ، ولا حجة لهم علينا في ذلك ؛ لأنّ الصادق عليه السلام إنّما نهى أن يغسل الإمام إلاّ من يكون إماما ، فإن دخل من يغسل الإمام في نهيه فغسله لم تبطل بذلك إمامة الإمام بعده ، ولم يقل عليه السلام : إنّ الإمام لا يكون إلاّ الذي يغسل من قبله من الأئمة عليهم السلام ،

ص: 239

فبطل تعلّقهم علينا بذلك . على أنّا قد روينا في بعض هذه الأخبار : أنّ الرضا عليه السلام غسل أباه موسى بن جعفر عليه السلام من حيث خفي على الحاضرين لغسله ، غير من اطلع عليه ، ولا تنكر الواقفة أنّ الإمام يجوز أن يطوي اللّه له البعد حتّى يقطع المسافة

البعيدة في المدة اليسيرة .

واللّه واللّه لقد مات موسى بن جعفر عليه السلام

4 - إكمال الدين ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن علي بن رباط قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام : إنّ عندنا رجلا يذكر أنّ أباك عليه السلام حيّ وأنت تعلم من ذلك ما يعلم ؟ فقال عليه السلام : سبحان اللّه مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يمت موسى بن جعفر عليه السلام ؟ بلى - واللّه واللّه - لقد مات ، وقسمت أمواله ، ونكحت جواريه .

كان موسى عليه السلام من المتوسمين يعلم من يقف عليه

8 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن ربيع بن عبد الرحمن قال : كان - واللّه - موسى بن جعفر عليه السلام من المتوسمين يعلم من يقف عليه بعد موته ، ويجحد الإمام بعده إمامته ، فكان يكظم غيظه عليهم ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم لذلك .

ما روي من الطعن على رواة الواقفة

5 - الغيبة للطوسي : عن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال : كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخا من أهل بغداد ، وكان يهازل عمي ، فقال له يوما : ليس في الدنيا شرّ منكم يا معشر الشيعة ، أو قال : الرافضة ! فقال له عمي : ولم لعنك اللّه ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن بشر السراج قال لي لما حضرته الوفاة : أنّه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر ، فدفعت

ص: 240

ابنه عنها بعد موته ، وشهدت أنّه لم يمت ، فاللّه اللّه خلصوني من النار وسلّموها إلى الرضا عليه السلام ، فو اللّه ما أخرجنا حبّة ، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم .

قال الشيخ رحمه الله : وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤاء كيف يوثق برواياتهم أو يعول عليها ؟ وأمّا ما روي من الطعن على رواة الواقفة فأكثر من أن يحصى ، وهو موجود في كتب أصحابنا ، نحن نذكر طرفا منه .

روى الأشعري عن أبي داود قال : كنت أنا وعيينة - بياع القصب - عند علي بن أبي حمزة البطائني ، وكان رئيس الواقفة ، فسمعته يقول : قال أبو إبراهيم عليه السلام : إنّما أنت وأصحابك - يا علي - أشباه الحمير ، فقال لي عيينة : أسمعت ؟ قلت : إي واللّه لقد سمعت ، فقال : لا واللّه لا أنقل إليه قدمي ما حييت .

وروى ابن عقدة عن محمد بن عمر بن يزيد وعلي بن أسباط جميعا قالا : قال لنا عثمان بن عيسى الرواسي : حدثني زياد القندي وابن مسكان قالا : كنّا عند أبي إبراهيم عليه السلام إذ قال : يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض ، فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام ، وهو صبي ، فقلنا : خير أهل الأرض ؟ ! ثم دنا فضمه إليه فقبله وقال : يا بني تدري ما قال ذان ؟ قال : نعم يا سيدي هذان يشكّان فيّ ، قال علي بن أسباط : فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب فقال : بتر الحديث ، لا ، ولكن حدثني علي بن رئاب : أنّ أبا إبراهيم قال لهما : إن جحدتماه حقّه أو خنتماه فعليكما لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ ، يا زياد ، ولا تنجب أنت وأصحابك أبدا ، قال علي بن رئاب : فلقيت زياد القندي فقلت له : بلغني أنّ أبا إبراهيم قال لك كذا وكذا ؟ فقال :

أحسبك قد خولطت ، فمرّ وتركني ، فلم أكلّمه ولا مررت به ، قال الحسن بن محبوب : فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم عليه السلام حتّى ظهر منه أيام الرضا عليه السلامما ظهر ومات زنديقا(1) .

ص: 241


1- بيان : بتر الحديث : أي جعله أبتر وترك آخره ، ثم ذكر ما حذفه الراوي .

6 - الغيبة للطوسي : عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد قال : قال الرضا عليه السلام : ما فعل الشقي حمزة بن بزيع ؟ قلت : هو ذا ، هو قد قدم ، فقال : يزعم أنّ أبي حيّ ، هم اليوم شكاك ولا يموتون غدا إلاّ على الزندقة ، قال صفوان : فقلت فيما بيني وبين نفسي : شكاك قد عرفتهم ، فكيف يموتون على الزندقة ؟ فما لبثنا إلاّ قليلا حتّى بلغنا عن رجل منهم أنّه قال عند موته : هو كافر بربّ أماته ، قال صفوان : فقلت : هذا تصديق الحديث(1) .

7 - الغيبة للطوسي : عن علي بن رباح قال : قلت للقاسم بن إسماعيل القرشي ، وكان ممطورا : أي شيء سمعت من محمد بن أبي حمزة ؟ قال : ما سمعت منه إلاّ حديثا واحدا ، قال ابن رباح : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عن محمد بن أبي حمزة ! قال ابن رباح : وسألت القاسم هذا : كم سمعت من حنان ؟ فقال : أربعة أحاديث أو خمسة ، قال : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عنه .

وروى عن أحمد بن عمر قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الذي يروي أنّ رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني ؟ وقال : إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر ، فما استبان لهم كذبه ؟

وروى عن محمد بن سنان قال : ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا عليه السلام فلعنه ثم قال : إنّ علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد اللّه في سمائه وأرضه فأبى اللّه إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ولو كره اللعين المشرك ، قلت : المشرك ؟ قال : نعم واللّه رغم أنفه ، كذلك هو في كتاب اللّه يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وقد جرت فيه وفي أمثاله ، أنّه أراد أن يطفئ نور اللّه (2) .

ص: 242


1- بيان : الضمير في قوله « أماته » راجع إلى الكاظم عليه السلام .
2- بيان : والطعون على هذه الطائفة أكثر من أن تحصى لا نطول بذكرها الكتاب ، فكيف يوثق بروايات هؤاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم ؟ ولولا معاندة من تعلّق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أن يصغى إلى من يذكرها ؛ لأنّا قد بينا من النصوص على الرضا عليه السلام ما فيه كفاية ويبطل قولهم ، ويبطل ذلك أيضا ما ظهر من المعجزات على يد الرضا الدالة على صحة إمامته ، وهي مذكورة في الكتب ، ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف مثل : عبد الرحمن بن الحجاج ورفاعة بن موسى ويونس يعقوب وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وغيرهم ، وهؤاء من أصحاب أبيه الذين شكوا فيه ثم رجعوا ، وكذلك من كان في عصره مثل أحمد بن محمد بن أبي نصر والحسن بن علي الوشاء وغيرهم ممن قال في الوقف ، فالتزموا الحجة وقالوا بإمامته وإمامة من بعده من ولده .

إنّ أناسا يزعمون أن أباك عليه السلام حيّ ؟

8 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن جعفر بن محمد النوفلي قال : أتيت الرضا عليه السلام ، وهو بقنطرة إبريق ، فسلّمت عليه ثم جلست وقلت : جعلت فداك إنّ أناسا يزعمون أن أباك عليه السلام حيّ ؟ فقال : كذبوا لعنهم اللّه ، لو كان حيّا ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤ ، ولكنّه واللّه ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فقلت له : ما تأمرني ؟ قال : عليك بابني محمد من بعدي ، وأمّا أنا فإنّي ذاهب في وجه لا أرجع ، بورك قبر بطوس وقبران ببغداد ، قال : قلت : جعلت فداك عرفنا واحدا فما الثاني ؟ قال : ستعرفونه ، ثم قال عليه السلام : قبري وقبر هارون هكذا وضمّ إصبعيه .

صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر عليه السلام

9 - رجال الكشي : عن داود الرقي قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جعلت فداك إنّه واللّه ما يلج في صدري من أمرك شيء إلاّ حديثا سمعته من ذريح يرويه عن أبي جعفر عليه السلام ، قال لي : وما هو ؟ قال : سمعته يقول : سابعنا قائمنا إن شاء اللّه ، قال : صدقت وصدق ذريح وصدق أبو جعفر عليه السلام ، فازددت واللّه شكّا ، ثم قال لي : يا داود بن أبي كلدة ، أما واللّه لو لا أن موسى قال للعالم : سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ صابِراً ما سأله عن شيء ، وكذلك أبو جعفر عليه السلام لولا أن قال : إن شاء اللّه ، لكان كما قال ، فقطعت عليه .

ص: 243

أما استبان لكم كذبه ؟

10 - رجال الكشي : عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك ، إنّي خلّفت ابن أبي حمزة وابن مهران وابن أبي سعيد أشدّ أهل الدنيا عداوة للّه - تعالى - ، قال : فقال لي : ما ضرّك من ضلّ إذا اهتديت ؟ إنّهم كذبوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكذبوا فلانا وفلانا ، وكذبوا جعفرا وموسى عليه السلام ، ولي بآبائي أسوة ، فقلت : جعلت فداك ، إنّا نروي أنّك قلت لابن مهران : أذهب اللّه نور قلبك وأدخل الفقر بيتك ؟ فقال : كيف حاله وحال بره ؟ فقلت : يا سيدي أشدّ حال ، هم مكروبون ببغداد ، لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة ، فسكت وسمعته يقول في ابن أبي حمزة : أما استبان لكم كذبه ؟ أليس هو الذي روى أن رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى وهو صاحب السفياني ؟ وقال : إنّ أبا الحسن عليه السلام يعود إلى ثمانية أشهر .

جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه

11 - رجال الكشي : عن أحمد بن محمد قال : وقف عليّ أبو الحسن في بني

زريق فقال لي - وهو رافع صوته - : يا أحمد ، قلت : لبيك ، قال : إنّه لما قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله جهد الناس في إطفاء نور اللّه فأبى اللّه إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ بأمير المؤنين عليه السلام ،

فلمّا توفي أبو الحسن عليه السلام جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في إطفاء نور اللّه فأبى اللّه إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ، وإنّ أهل الحقّ إذا دخل عليهم داخل سروا به وإذا خرج عنهم خارج لم يجزعوا عليه ، وذلك أنّهم على يقين من أمرهم ، وإنّ أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه ، وذلك أنّهم على شكّ من أمرهم ، إنّ اللّه - جلّ جلاله - يقول : « فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » ، قال : ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام : المستقر الثابت والمستودع المعار .

ص: 244

إنّ تركة صاحبنا عندك

12 - رجال الكشي : عن الحسين بن عمر قال : قلت له : إنّ أبي أخبرني أنّه

دخل على أبيك فقال له : إنّي أحتج عليك عند الجبار أنّك أمرتني بترك عبد اللّه ، وأنّك قلت : أنا إمام ، فقال : نعم ، فما كان من إثم ففي عنقي ، فقال : وإنّي أحتج عليك

بمثل حجة أبي على أبيك ، فإنّك أخبرتني أنّ أباك قد مضى وأنّك صاحب هذا الأمر من بعده ، فقال : نعم ، فقلت له : إنّي لم أخرج من مكة حتّى كاد يتبين لي الأمر ، وذلك أنّ فلانا أقرأني كتابك يذكر أنّ تركة صاحبنا عندك ، فقال : صدقت وصدق ، أما واللّه ما فعلت ذلك حتّى لم أجد بدا ، ولقد قلته على مثل جدع أنفي ، ولكنّي خفت الضلال والفرقة(1) .

قال حسين : فجزمت على موت أبيه وإمامته

13 - رجال الكشي : عن الحسين بن بشار قال : لما مات موسى بن جعفر عليه السلام خرجت إلى علي بن موسى عليه السلام غير مؤن بموت موسى ، ولا مقرا بإمامة علي عليه السلام

إلاّ أنّ في نفسي أن أسأله وأصدقه ، فلمّا صرت إلى المدينة انتهيت إليه وهو بالصوار ، فاستأذنت عليه ودخلت فأدناني وألطفني ، وأردت أن أسأله عن أبيه عليه السلام ، فبادرني فقال لي : يا حسين إن أردت أن ينظر اللّه إليك من غير حجاب ، وتنظر إلى اللّه من غير حجاب فوال آل محمد ، ووال ولي الأمر منهم ، قال : قلت : أنظر إلى اللّه - عزّ وجلّ - ؟ قال : إي واللّه ، قال حسين : فجزمت على موت أبيه وإمامته ،

ص: 245


1- بيان : تركة صاحبنا : أي ما تركه علي عليه السلام من علامات الإمامة كالسلاح والجفر وغير ذلك ، ويحتمل القائم عليه السلام على الإضافة إلى المفعول ، قوله عليه السلام « على مثل جدع أنفي » الجدع قطع الأنف : أي كان يشق ذكر ذلك عليّ كجدع الأنف للتقية ، ولكن قلته لئلا يضلوا .

ثم قال لي : ما أردت أن آذن لك لشدّة الأمر و ضيقه ، ولكني علمت الأمر الذي أنت عليه ، ثم سكت قليلا ، ثم قال : خبرت بأمرك ؟ قال : قلت له : أجل(1) .

الواقفة كفار ملعونون يعيشون حيارى ويموتون زنادقة

14 - رجال الكشي : عن علي بن عبد اللّه الزبيري قال : كتبت إلى أبي

الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة ؟ فكتب : الواقف حائد عن الحقّ ، ومقيم على سيئة ، إن مات بها كانت جهنم مأواه وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .

عن الرضا عليه السلام قال : سئل عن الواقفة ؟ فقال : يعيشون حيارى ويموتون زنادقة .

15 - رجال الكشي : عن يوسف بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : أعطي هؤاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئا ؟ قال : لا تعطهم فإنّهم كفار مشركون زنادقة .

16 - رجال الكشي : عدة من أصحابنا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعناه يقول : يعيشون شكاكا ويموتون زنادقة ، قال : فقال بعضنا : أمّا الشكاك فقد علمنا فكيف يموتون زنادقة ؟ قال : فقال : حضرت رجلا منهم وقد احتضر ، قال : فسمعته يقول : هو كافر إنّ مات موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : فقلت : هو هذا .

17 - رجال الكشي : عن بكر بن صالح قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ما تقول الناس في هذه الآية ؟ قلت : جعلت فداك فأي آية ؟ قال : قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ » ، قلت : اختلفوا فيها ، قال أبو الحسن عليه السلام : ولكنّي أقول : نزلت في الواقفة ، أنّهم قالوا : لا إمام بعد موسى فردّ اللّه عليهم « بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ » ، واليد هو الإمام في باطن الكتاب ، وإنّما عنى بقولهم لا إمام بعد موسى بن جعفر .

ص: 246


1- بيان : قد مرّ تأويل النظر إلى اللّه - تعالى - في كتاب التوحيد .

18 - رجال الكشي : عن محمد بن عاصم قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : يا محمد بن عاصم بلغني أنّك تجالس الواقفة ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، أجالسهم وأنا مخالف لهم ، قال : لا تجالسهم ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » ، يعني بالآيات : الأوصياء الذين كفروا بها الواقفة .

19 - رجال الكشي : عن سليمان بن الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة ، فسأله عن الواقفة ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ

وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً » ، واللّه إنّ اللّه لا يبدلها حتّى يقتلوا عن آخرهم(1) .

20 - رجال الكشي : عن الحكم بن عيص قال : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : يا سليمان من هذا الغلام ؟ فقال : ابن أختي ، فقال : هل يعرف هذا الأمر ؟ فقال : نعم ، فقال : الحمد للّه الذي لم يخلقه شيطانا ، ثم قال : يا سليمان عوّذ باللّه ولدك من فتنة شيعتنا ، فقلت : جعلت فداك ، وما تلك الفتنة ؟ قال : إنكارهم الأئمة عليهم السلام ووقوفهم على ابني موسى ، قال : ينكرون موته ويزعمون أنّ لا إمام بعده ، أولئك شرّ الخلق .

21 - رجال الكشي : عن رجل من أصحابنا قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنّه لم يمت ؟ قال : كذبوا وهم كفار بما أنزل اللّه - جلّ

وعزّ - على محمد

صلى الله عليه و آله ، ولو كان اللّه يمدّ في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمدّ اللّه في أجل رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2) .

ص: 247


1- بيان : لعل المراد قتلهم في الرجعة .
2- بيان : لعلهم كانوا يستدلون على عدم موته عليه السلام بحاجة الخلق إليه فأجابهم بالنقض برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلا ينافي المدّ في أجل القائم عليه السلام لمصالح أخر ، أو يكون المراد المدّ بعد حضور الأجل المقدر .

22 - رجال الكشي : عن محمد بن الفضيل قال : قلت للرضا عليه السلام : ما حال قوم وقفوا على أبيك موسى عليه السلام ؟ قال : لعنهم اللّه ما أشدّ كذبهم ، أما إنّهم يزعمون أنّي عقيم ، وينكرون من يلي هذا الأمر من ولدي .

23 - رجال الكشي : عن عمر بن يزيد قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فحدثني مليا في فضائل الشيعة ، ثم قال : إنّ من الشيعة بعدنا من هم شرّ من النصاب ، قلت : جعلت فداك ، أليس ينتحلون حبّكم ويتولّونكم ويتبرؤون من عدوكم ؟ قال : نعم ، قال : قلت : جعلت فداك ، بيّن لنا نعرفهم ، فلسنا منهم ؟ قال :

كلا يا عمر ما أنت منهم ، إنّما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى .

عن علي بن جعفر قال : رجل أتى أخي عليه السلام فقال له : جعلت فداك ، من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : أما إنّهم يفتنون بعد موتي فيقولون : هو القائم ، وما القائم إلاّ بعدي بسنين .

عن الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد عن عمه قال : كان بدع الواقفة أنّه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم ، وما كان يجب عليهم فيها ، فحملوا إلى وكيلين لموسى عليه السلام بالكوفة : أحدهما حيان السراج ، والآخر كان معه ، وكان موسى عليه السلام في الحبس ، فاتخذوا بذلك دورا وعقدوا العقود واشتروا الغلات ، فلمّا مات موسى عليه السلام فانتهى الخبر إليهما أنكرا موته ، وأذاعا في الشيعة أنّه لا يموت لأنّه هو القائم ، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة ، وانتشر قولهما في الناس حتّى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه السلام ، واستبان للشيعة أنّهما قالا ذلك حرصا على المال .

عن محمد بن علي الرضا عليه السلام أنّه قال : الواقفة هم حمير الشيعة ، ثم تلا هذه الآية « إِنْ هُمْ إِلاّ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » .

عن أبي علي قال : حكى منصور عن الصادق محمد بن علي الرضا عليه السلام : أنّ الزيدية والواقفية والنصاب عنده بمنزلة واحدة .

ص: 248

عن ابن أبي عمير عمن حدّثه قال : سألت محمد بن علي الرضا عليه السلام عن هذه الآية « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ » ؟ قال : نزلت في النصاب والزيدية ، والواقفة من النصاب .

عن إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى العسكري عليه السلام : جعلت فداك ، قد عرفت هؤاء الممطورة فأقنت عليهم في صلواتي ؟ قال : نعم ، اقنت عليهم في صلواتك(1) .

24 - رجال الكشي : عن عمرو بن فرات قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الواقفة ؟ قال : يعيشون حيارى ويموتون زنادقة .

عن جعفر بن محمد بن يونس قال : جاءني جماعة من أصحابنا معهم رقاع فيها جوابات المسائل إلاّ رقعة الواقف قد رجعت على حالها لم يوقع فيها شيء .

عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : ذكرت الممطورة وشكهم ؟ فقال : يعيشون ما عاشوا على شكّ ثم يموتون زنادقة .

عن يحيى بن المبارك قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام بمسائل فأجابني ، وذكرت في آخر الكتاب قول اللّه - عزّ وجلّ - : « مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤلاءِ وَلا إِلى هؤلاءِ » ؟ فقال : نزلت في الواقفة ، ووجدت الجواب كلّه بخطّه : ليس هم من المؤنين ولا من المسلمين ، هم ممن كذب بآيات اللّه ، ونحن أشهر معلومات فلا جدال فينا ولا رفث ولا فسوق فينا ، انصب لهم يا يحيى من العداوة ما استطعت .

عن ابن أبي يعفور قال : كنت عند الصادق عليه السلام إذ دخل موسى عليه السلام فجلس فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا ابن أبي يعفور هذا خير ولدي وأحبّهم إليّ غير أنّ اللّه - جلّ وعزّ - يضلّ قوما من شيعتنا ، فاعلم أنّهم قوم « لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ... يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ » ، قلت : جعلت فداك ،

ص: 249


1- بيان : كانوا يسمونهم وأضرابهم من فرق الشيعة ، سوى الفرقة المحقّة ، الكلاب الممطورة لسراية خبثهم إلى من يقرب منهم .

قد أزغت قلبي عن هؤاء ، قال : يضلّ به قوم من شيعتنا بعد موته جزعا عليه فيقولون : لم يمت وينكرون الأئمة عليهم السلام من بعده ، ويدعون الشيعة إلى ضلالتهم ، وفي ذلك إبطال حقوقنا وهدم دين اللّه ، يا ابن أبي يعفور ، فاللّه ورسوله منهم بريء ، ونحن منهم براء .

أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة ؟

عن حمزة الزيات قال : سمعت حمران بن أعين يقول : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أمن شيعتكم أنا ؟ قال : إي واللّه في الدنيا والآخرة ، وما أحد من شيعتنا إلاّ وهو مكتوب

عندنا اسمه واسم أبيه ، إلاّ من يتولّى منهم عنّا ، قال : قلت : جعلت فداك ، أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة ؟ قال : يا حمران نعم ، وأنت لا تدركهم ، قال حمزة : فتناظرنا في هذا الحديث ، قال : فكتبنا به إلى الرضا عليه السلام نسأله عمن استثنى به أبو جعفر ، فكتب : هم الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام .

25 - رجال الكشي : عن إسماعيل بن سهل قال : حدثنا بعض أصحابنا - وسألني أن أكتم اسمه - قال : كنت عند الرضا عليه السلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السراج وابن المكاري ، فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟ قال : مضى ، قال : مضى موتا ؟ قال : فقال : نعم ، قال : فقال : إلى من عهد ؟ قال : إليّ ، قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من اللّه ؟ قال : نعم .

قال ابن السراج وابن المكاري : قد واللّه أمكنك من نفسه ، قال عليه السلام : ويلك وبما أمكنت ؟ أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : إنّي إمام مفترض طاعتي ؟ واللّه ما ذاك

عليّ ، وإنّما قلت ذلك لكم عند ما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتت أمركم لئلا يصير سرّكم في يد عدوكم ، قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلّم به ! قال : بلى واللّه لقد تكلّم به خير آبائي رسول اللّه صلى الله عليه و آله

ص: 250

لما أمره اللّه أن ينذر عشيرته الأقربين ، جمع من أهل بيته أربعين رجلا وقال لهم : إنّي رسول اللّه إليكم ، فكان أشدّهم تكذيبا وتأليبا عليه عمّه أبو لهب ، فقال لهم

النبي صلى الله عليه و آله : إن خدشني خدش فلست بنبي ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة ، وأنا أقول إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة ، قال له علي : إنّا روينا عن آبائك عليهم السلام أنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ إمام مثله ، فقال له أبو الحسن : فأخبرني عن الحسين بن علي عليه السلام كان إماما أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين ، قال : وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوسا في يد عبيد اللّه بن زياد ، قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون

حتّى ولى أمر أبيه ثم انصرف ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : إنّ هذا أمكن علي بن الحسين عليه السلامأن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف ، وليس في حبس ولا في إسار ، قال له علي : إنّا روينا أنّ الإمام لا يمضي حتّى يرى عقبه ، قال : فقال أبو الحسن عليه السلام : أما رويتم في هذا غير هذا الحديث ؟ قال : لا ، قال : بلى واللّه لقد رويتم إلاّ القائم ، وأنتم لا تدرون ما معناه ؟ ولم قيل ؟ قال : فقال له علي : بلى واللّه إنّ هذا لفي الحديث ، قال له أبو

الحسن عليه السلام : ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ؟ ثم قال : يا شيخ اتق اللّه ولا تكن من الذين يصدون عن دين اللّه تعالى(1) .

ما إخالك تسمع مني ولست من غنمي

26 - رجال الكشي : عن ابن أبي سعيد المكاري قال : دخل على الرضا عليه السلامفقال له : فتحت بابك للناس وقعدت تفتيهم ، ولم يكن أبوك يفعل هذا ؟ قال : فقال : ليس عليّ من هارون بأس ، فقال له : أطفأ اللّه نور قلبك وأدخل الفقر بيتك ، ويلك أما

ص: 251


1- بيان : التأليب : التحريض والإفساد .

علمت أنّ اللّه - تعالى - أوحى إلى مريم : أنّ في بطنك نبيا ، فولدت مريم عيسى ، فمريم من عيسى وعيسى من مريم ، وأنا من أبي وأبي مني ، قال : فقال له : أسألك عن مسألة ، فقال له : ما إخالك تسمع مني ولست من غنمي ، سل ، فقال له : رجل حضرته الوفاة فقال : ما ملكته قديما فهو حر ، وما لم يملكه بقديم فليس بحر ؟ قال : ويلك أما تقرأ هذه الآية « وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ » ، فما ملك قبل الستة الأشهر فهو قديم ، وما ملك بعد الستة الأشهر فليس بقديم ، قال : فقال : فخرج من عنده ، قال : فنزل به من الفقر والبلاء ما اللّه به عليم(1) .

27 - رجال الكشي : دخل ابن المكاري على الرضا عليه السلام فقال له : بلغ اللّه من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك ؟ ! ! ! فقال له : مالك أطفأ اللّه نورك ، وأدخل بيتك من الفقر ، أما علمت أنّ اللّه - جلّ وعلا - أوحى إلى عمران : أنّي أهب لك ذكرا ،

فوهب له مريم ، فوهب لمريم عيسى ، وعيسى من مريم ، ثم ذكر مثله ، وذكر فيه : أنا وأبي شيء واحد(2) .

هذا ابني علي قوله قولي وفعله فعلي

28 - رجال الكشي : عن محمد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزيات قال : كنت مع زياد القندي حاجا ، ولم نكن نفترق ،ليلا ولا نهارا ، في طريق مكة وبمكة وفي الطواف ، ثم قصدته ذات ليلة فلم أره حتّى طلع الفجر ، فقلت له : غمّني إبطاؤ فأي شيء كانت الحال ؟ قال : ما زلت بالأبطح مع أبي الحسن عليه السلام - يعني أبا إبراهيم -

ص: 252


1- بيان : « ما إخالك » : أي ما أظنك من قولهم : خلته كذا ، « ولست من غنمي » أي ممن يقول بإمامتي ، فإنّ الإمام كالراعي لشيعته .
2- بيان : لعلهم لما تمسكوا في نفي إمامته بما رووا عن الصادق عليه السلام : أنّ من ولدي القائم ، أو أنّ موسى عليه السلام هو القائم ، فبيّن عليه السلام بأنّ المعنى : أنّه يكون منه القائم ، لا أنّه هو القائم .

وعلي ابنه عليه السلام على يمينه ، فقال : يا أبا الفضل - أو يا زياد - هذا ابني علي قوله قولي وفعله فعلي ، فإن كانت لك حاجة فأنزلها به ، واقبل قوله فإنّه لا يقول على اللّه إلاّ

الحقّ ، قال ابن أبي سعيد : فمكثنا ما شاء اللّه حتّى حدث من أمر البرامكة ما حدث ،

فكتب زياد إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يسأله عن ظهور هذا الحديث والاستتار ، فكتب إليه أبو الحسن : أظهر فلا بأس عليك منهم ، فظهر زياد ، فلمّا حدث الحديث قلت له : يا أبا الفضل أي شيء يعدل بهذا الأمر ؟ فقال لي : ليس هذا أوان الكلام فيه ، قال : فلمّا ألححت عليه بالكلام بالكوفة وبغداد ، وكلّ ذلك يقول لي مثل ذلك ، إلى أن قال لي في آخر كلامه : ويحك فتبطل هذه الأحاديث التي رويناها(1) .

قد أجاب اللّه دعوتك وهداك لدينك

29 - رجال الكشي : قال عبد اللّه بن المغيرة : كنت واقفا ، فحججت على تلك الحالة ، فلمّا صرت في مكة خلج في صدري شيء ، فتعلقت بالملتزم ثم قلت : اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام ، فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام : قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب ، فسمعت نداءه : ادخل يا عبد اللّه بن المغيرة ، فدخلت ، فلمّا نظر إليّ

قال : قد أجاب اللّه دعوتك وهداك لدينك ، فقلت : أشهد أنّك حجة اللّه وأمينه على خلقه .

ص: 253


1- توضيح : قوله « عن ظهور هذا الحديث » أي إظهار النص عليه ، ولعل الأظهر ظهوره لهذا الحديث بأن يكون السؤل لظهوره بنفسه أو استتاره خوفا من الفتنة ، قوله « فلمّا حدث الحديث » أي الأمر الحادث ، وهو مذهب الواقفة ، قوله « أي شيء تعدل بهذا الأمر » أي لا يعدل بإظهار أمر الإمام وترويجه وإظهار النص عليه شيء في الفضل فلم لا تتكلّم فيه ، فاعتذر أولا بالتقية ، ثم تمسك بمفتريات الواقفية .

30 - رجال الكشي : عن يزيد بن إسحاق شعر ، وكان من أدفع الناس لهذا الأمر قال : خاصمني مرّة أخي محمد ، وكان مستويا ، قال : فقلت له لما طال الكلام بيني وبينه : إن كان صاحبك بالمنزلة التي تقول فاسأله أن يدعو اللّه لي حتّى أرجع إلى قولكم ، قال : قال لي محمد : فدخلت على الرضا عليه السلام فقلت له : جعلت فداك ، إنّ لي أخا ، وهو أسن مني ، وهو يقول بحياة أبيك وأنا كثيرا ما أناظره ، فقال لي يوما من الأيام : سل صاحبك إن كان بالمنزلة التي ذكرت أن يدعو اللّه لي حتّى أصير إلى قولكم ، فأنا أحبّ أن تدعو اللّه له ، قال : فالتفت أبو الحسن عليه السلام نحو القبلة فذكر ما شاء اللّه أن يذكر ، ثم قال : اللهم خذ بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتّى تردّه إلى الحقّ ، قال : كان يقول هذا وهو رافع يده اليمنى ، قال : فلمّا قدم أخبرني بما كان فواللّه ما لبثت إلاّ يسيرا حتّى قلت بالحقّ .

31 - رجال الكشي : عن أبي خالد السجستاني : أنّه لما مضى أبو الحسن عليه السلام وقف عليه ، ثم نظر في نجومه زعم أنّه قد مات ، فقطع على موته وخالف أصحابه .

إنّي ما رأيت مقاتل ولكنّه آمن وصدق فاستوص به

32 - رجال الكشي : عن حسين بن عمر بن يزيد قال : دخلت على الرضا عليه السلام ، وأنا شاك في إمامته ، وكان زميلي في طريقي رجل يقال له « مقاتل بن مقاتل » ، وكان قد مضى على إمامته بالكوفة ، فقلت له : عجلت ، فقال : عندي في ذلك برهان وعلم ، قال الحسين : فقلت للرضا عليه السلام : مضى أبوك ؟ قال : إي واللّه ، وإنّي لفي الدرجة التي فيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام ، ومن كان أسعد ببقاء أبي مني ؟ ثم قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - يقول : « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » العارف للإمامة حين يظهر الإمام ، ثم قال : ما فعل صاحبك ؟ فقلت : من ؟

ص: 254

قال : مقاتل بن مقاتل ، المسنون الوجه ، الطويل اللحية ، الأقنى الأنف ! وقال : أما إنّي

ما رأيته ولا دخل عليّ ، ولكنّه آمن وصدق فاستوص به ! ! قال : فانصرفت من عنده إلى رحلي ، فإذا مقاتل راقد ، فحركته ثم قلت : لك بشارة عندي لا أخبرك بها حتّى تحمد اللّه مائة مرة ، ففعل ، ثم أخبرته بما كان(1) .

ص: 255


1- بيان : أقول : قد ثبت بطلان مذهبهم زائدا على ما مرّ في سائر مجلدات الحجة وما سنثبت فيما سيأتي منها بانقراض أهل هذا المذهب ، ولو كان ذلك حقّا لما جاز انقراضهم بالبراهين المحقّقة في مظانها ، وإنّما أوردنا هذا الباب متصلا بباب شهادته عليه السلام لشدّة ارتباطهما ، واحتياج كلّ منهما إلى الآخر .

باب 11- وصاياه وصدقاته صلوات اللّه عليه

1 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : إنّ أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام أشهد على وصيته إسحاق بن جعفر بن محمد ، وإبراهيم بن محمد الجعفري ، وجعفر بن صالح ، ومعاوية الجعفريين ، ويحيى بن الحسين بن زيد ، وسعد بن عمران الأنصاري ، ومحمد بن الحارث الأنصاري ، ويزيد بن سليط الأنصاري ، ومحمد بن جعفر الأسلمي ، بعد أن أشهدهم أنّه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا

عبده ورسوله وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وأن البعث بعد الموت حقّ ، وأن الحساب والقصاص حقّ ، وأن الوقوف بين يدي اللّه - عزّ وجلّ - حقّ ، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه و آله حقّ حقّ حقّ ، وأن ما نزل به الروح الأمين حقّ على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء اللّه ، أشهدهم أنّ هذه وصيتي بخطي ، وقد نسخت وصية جدّي أمير المؤنين عليه السلام ، ووصايا الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ووصية محمد بن علي ، ووصية جعفر بن محمد عليه السلام قبل ذلك حرفا بحرف ، وأوصيت بها إلى علي ابني وبني بعده إن شاء وآنس منهم رشدا وأحبّ إقرارهم فذلك له ، وإن كرههم وأحبّ أن يخرجهم فذلك له ،

ص: 256

ولا أمر لهم معه ، وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وصبياني الذين خلفت وولدي ، وإلى إبراهيم والعباس وإسماعيل وأحمد وأم أحمد ، وإلى علي أمر نسائي دونهم ، وثلث صدقة أبي وأهل بيتي يضعه حيث يرى ، ويجعل منه ما يجعل ذو المال في ماله إن أحبّ أن يجيز ما ذكرت في عيالي فذاك إليه ، وإن كره فذاك إليه ، وإن أحبّ أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدّق على غير ما وصيته فذاك إليه ، وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي ، وإن رأى أن يقر إخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم ، وإن كره فله أن يخرجهم غير مردود عليه ، وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلاّ بإذنه وأمره ، وأي سلطان كشفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي فقد برئ من اللّه - تعالى - ومن رسوله ، واللّه ورسوله منه بريئان ، وعليه لعنة اللّه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين

والمرسلين أجمعين وجماعة المؤنين ، وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة ، ولا لأحد من ولدي ، ولي عنده مال ، وهو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل وأكثر ، فهو الصادق ، وإنّما أردت بإدخال الذين أدخلت معه من ولدي التنويه بأسمائهم ، وأولادي الأصاغر وأمهات أولادي من أقام منهن في منزلها وفي حجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن أراد ذلك ، ومن خرج منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع حزانتي إلاّ أن يرى علي ذلك ، ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن ومن أمهاتهن ، ولا سلطان ولا عمل لهن إلاّ برأيه ومشورته ، فإن فعلوا ذلك فقد خالفوا اللّه - تعالى - ورسوله صلى الله عليه و آلهوحادوه في ملكه ، وهو أعرف بمناكح قومه إن أراد أن يزوج زوج ، وإن أراد أن يترك ترك ، قد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في صدر كتابي ، وأشهد اللّه عليهن .

وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهي على ما ذكرت وسميت ، فمن أساء فعليه ، ومن أحسن فلنفسه « وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ » ، و ليس لأحد

ص: 257

من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي الذي ختمت عليه أسفل ، فمن فعل ذلك فعليه لعنة اللّه وغضبه وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ وجماعة المسلمين والمؤنين ، وختم موسى بن جعفر والشهود .

قال عبد اللّه بن محمد الجعفري : قال العباس بن موسى عليه السلام لابن عمران القاضي الطلحي : إنّ أسفل هذا الكتاب كنز لنا وجوهر يريد أن يحتجزه دوننا ، ولم يدع أبونا شيئا إلاّ جعله له وتركنا عالة ، فوثب عليه إبراهيم بن محمد الجعفري فأسمعه ، ووثب إليه إسحاق بن جعفر ففعل به مثل ذلك ، فقال العباس للقاضي : أصلحك اللّه فض الخاتم واقرأ ما تحته ، فقال : لا أفضه لا يلعنني أبوك ، فقال العباس : أنا أفضه ، قال : ذلك إليك ، ففض العباس الخاتم ، فإذا فيه إخراجهم من الوصية وإقرار علي وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا أو صاروا كالأيتام في حجره ، وأخرجهم من حدّ الصدقة وذكرها ، ثم التفت علي بن موسى عليه السلام إلى العباس فقال : يا أخي إنّي لأعلم أنّه إنّما حملكم على هذا الغرام والديون التي عليكم ، فانطلق يا سعد فتعين لي ما عليهم واقضه عنهم ، واقبض ذكر حقوقهم ، وخذ لهم البراءة ، فلا واللّه لا أدع مواساتكم وبرّكم ما أصبحت وأمشي على ظهر الأرض فقولوا ما شئتم ، فقال العباس : ما تعطينا إلاّ من فضول أموالنا ومالنا عندك أكثر ، فقال : قولوا ما شئتم ، فالعرض عرضكم : اللهم أصلحهم وأصلح بهم واخسأ عنا وعنهم الشيطان وأعنهم على طاعتك وَاللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ ، قال العباس : ما أعرفني بلسانك ، وليس لمسحاتك عندي طين ، ثم إنّ القوم افترقوا .

2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤنين عليه السلام ، وبعث إلي بصدقة أبيه مع أبي إسماعيل مصادف ، وذكر صدقة جعفر بن محمد عليه السلام وصدقة نفسه :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر ، تصدّق بأرضه مكان كذا وكذا ، وحدود الأرض كذا وكذا ، كلّها ، نخلها ، وأرضها ، ومائها ، وأرجائها ،

ص: 258

وحقوقها ، وشربها من الماء ، وكلّ حقّ هو لها في مرفع أو مظهر أو عنصر أو مرفق أو ساحة أو مسيل أو عامر أو غامر ، تصدق بجميع حقّه من ذلك على ولده من صلبه الرجال والنساء يقسم - وإليها ما أخرج اللّه - عزّ وجلّ - من غلّتها بعد الذي يكفيها في عمارتها ومرافقها ، وبعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين أهل القرية - بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتّى ترجع إليها بغير زوج ، فإن رجعت كانت لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى ، ومن توفي من ولد موسى وله ولد فولده على سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه ، ومن توفي من ولد موسى ولم يترك ولدا ردّ حقّه على أهل الصدقة ، وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حقّ إلاّ أن يكون آباؤم من ولدي ، وليس لأحد في صدقتي حقّ مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد ، فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد ما شرطت بين ولدي وعقبي ، فإن انقرض ولد أبي من أمي وأولادهم فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد ، فإن لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى حتّى يرث اللّه الذي ورثها وهو خير الوارثين ، تصدّق موسى بن جعفر بصدقته هذه ، وهو صحيح ، صدقة حبيسا بتا بتلا لا مثنوية فيها ولا ردّ أبدا ابتغاء وجه اللّه - تعالى - والدار الآخرة ، ولا يحلّ لمؤن يؤن باللّه واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو يهبها أو ينحلها أو يغير شيئا مما وضعتها عليه حتّى يرث اللّه الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها ، وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم ، فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي مكانه ، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما ، فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه ، فإن لم يبق من ولدي إلاّ واحد فهو الذي يقوم به .

ص: 259

قال : وقال أبو الحسن عليه السلام : إنّ أباه قدم إسماعيل في صدقته على العباس وهو أصغر منه(1) .

3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن بكر بن صالح قال : قلت لإبراهيم بن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : ما قولك في أبيك ؟ قال : هو حي ، قلت : فما قولك في أخيك أبي الحسن عليه السلام ؟ قال : ثقة صدوق ، قلت : فإنّه يقول : إنّ أباك قد مضى ، قال : هو أعلم بما يقول ، فأعدت عليه فأعاد عليّ ، قلت : فأوصى أبوك ؟ قال : نعم ، قلت : إلى من أوصى ؟ قال : إلى خمسة منّا ، وجعل عليا عليه السلام المقدم علينا .

ص: 260


1- بيان : المرفع : إمّا المكان المرتفع ، أو من قولهم : رفعوا الزرع : أي حملوه بعد الحصاد إلى البيدر ، والمظهر : المصعد ، والعنصر : الأصل ، وفي بعض النسخ مكانه « أو غيض » وهو بالكسر الشجر الكثير الملتف ، وأصول الشجر ، ومرافق الدار مصاب الماء ونحوها ، والغامر : الخراب ، قوله « لا مثنوية فيها » أي لا استثناء .

باب 12- أحوال أولاده وأزواجه صلوات اللّه عليه

اشارة

1 - الإرشاد : كان لأبي الحسن عليه السلام سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى ، منهم علي بن موسى الرضا وإبراهيم والعباس والقاسم لأمهات أولاد ، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن لأم ولد ، وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد ، وعبد اللّه وإسحاق وعبيد اللّه وزيد والحسين والفضل وسليمان لأمهات أولاد ، وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية وحكيمة وأم أبيها ورقية الصغرى وكلثم وأم جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم ، وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى عليه السلامأنبههم وأعظمهم قدرا وأجمعهم فضلا أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وكان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ، ويقال : إنّ أحمد بن موسى رضى الله عنه أعتق ألف مملوك .

2 - الإرشاد : محمد بن يحيى عن جده قال : سمعت إسماعيل بن موسى يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة - وسمّى ذلك المال إلاّ أنّ أبا الحسين

ص: 261

يحيى نسي الاسم - قال : فكنّا في ذلك المكان ، فكان مع أحمد بن موسى عشرون من خدم أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا معه ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ببصره لا يغفل عنه ، فما انقلبنا حتّى انشج أحمد بن موسى بيننا ، وكان محمد بن موسى من أهل الفضل والصلاح .

3 - الإرشاد : أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن جده قال : حدثتني هاشمية مولاة رقية بنت موسى قالت : كان محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كلّه يتوضأ ويصلّي ويسمع سكب الماء ، ثم يصلّي ليلا ، ثم يهدأ ساعة فيرقد فيقوم ويسمع سكب الماء والوضوء ، ثم يصلّي ليلا ، ثم يرقد سويعة ، ثم يقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ، ثم يصلّي ، ولا يزال ليله كذلك حتّى يصبح ، وما رأيته إلاّ ذكرت قول اللّه - عزّ وجلّ - « كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ » ، وكان إبراهيم بن موسى سخيا كريما ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، فأخذ له الأمان

من المأمون .

ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى عليه السلام فضل ومنقبة مشهورة ، وكان الرضا عليه السلام المقدّم عليهم في الفضل على حسب ما ذكرناه .

4 - المناقب لابن شهرآشوب : أولاده ثلاثون فقط ، ويقال : سبعة وثلاثون ، فأبناؤ ثمانية عشر : علي الإمام وإبراهيم والعباس والقاسم وعبد اللّه وإسحاق وعبيد اللّه وزيد والحسن والفضل من أمهات أولاد ، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن من أم ولد ، وأحمد ومحمد وحمزة من أم ولد ، ويحيى وعقيل وعبد الرحمن .

المعقبون منهم ثلاثة عشر :علي الرضا عليه السلام وإبراهيم والعباس وإسماعيل ومحمد وعبد اللّه والحسن وجعفر وإسحاق وحمزة .

ص: 262

وبناته تسع عشرة : خديجة وأم فروة وأم أبيها وعلية و فاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ونزيهة وكلثم وأم كلثوم زينب وأم القاسم وحكيمة ورقية الصغرى وأم وحية وأم سلمة وأم جعفر ولبابة وأسماء وأمامة وميمونة من أمهات أولاد .

5 - كشف الغمة : قال ابن الخشاب : ولد له عشرون ابنا وثمانية عشر بنتا .

أسماء بنيه : علي الرضا الإمام وزيد وإبراهيم وعقيل وهارون والحسن والحسين وعبد اللّه وإسماعيل وعبيد اللّه وعمر وأحمد وجعفر ويحيى وإسحاق والعباس وحمزة وعبد الرحمن والقاسم وجعفر الأصغر ، ويقال : موضع عمر محمد .

وأسماء البنات : خديجة وأم فروة وأسماء وعلية وفاطمة وفاطمة وأم كلثوم وأم كلثوم وآمنة وزينب وأم عبد اللّه وزينب الصغرى وأم القاسم وحكيمة وأسماء الصغرى ومحمودة وأمامة وميمونة .

القاسم

6 - الكافي : عن سليمان الجوهري قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك « وَالصَّافّاتِ صَفًّا » حتّى تستتمها ، فقرأ ، فلمّا بلغ « أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا » قضى الفتى ، فلمّا سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنّا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده « يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » فصرت تأمرنا بالصافات ؟ فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلاّ عجّل اللّه راحته .

ماتت له ابنة بفيد

7 - الكافي : عن يونس بن يعقوب قال : لمّا رجع أبو الحسن موسى عليه السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها ، وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر .

ص: 263

المعقبون من ولده

8 - عمدة الطالب : ولد عليه السلام ستين ولدا ، سبعا وثلاثين بنتا ، وثلاث وعشرين ابنا ، درج منهم خمسة لم يعقبوا بغير خلاف ، وهم : عبد الرحمن وعقيل والقاسم ويحيى وداود ، ومنهم ثلاثة لهم إناث وليس لأحد منهم ولد ذكر ، وهم : سليمان والفضل وأحمد ، ومنهم خمسة في أعقابهم خلاف ، وهم : الحسين وإبراهيم الأكبر وهارون وزيدالحسن ، ومنهم عشرة أعقبوا بغير خلاف ، وهم : علي وإبراهيم الأصغر والعباس وإسماعيل ومحمد وإسحاق وحمزة وعبد اللّه وعبيد اللّه وجعفر ، هكذا قال شيخنا أبو نصر البخاري .

وقال النقيب تاج الدين : أعقب موسى الكاظم من ثلاثة عشر رجلا ، أربعة منهم مكثرون ، وهم : علي الرضا وإبراهيم المرتضى ومحمد العابد وجعفر ، وأربعة متوسطون ، وهم : زيد النار وعبد اللّه وعبيد اللّه وحمزة ، وخمسة مقلّون ، وهم : العباس وهارون وإسحاق وإسماعيل والحسن ، وقد كان الحسين بن الكاظم أعقب في قول شيخنا أبي الحسن العمري ثم انقرض .

فاطمة المعصومة عليهاالسلام بنت الامام موسى بن جعفر

9 - تاريخ قم للحسن بن محمد القمي : قال : أخبرني مشايخ قم عن آبائهم : أنّه لمّا أخرج المأمون الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة مائتين من الهجرة خرجت فاطمة أخته تقصده في سنة إحدى ومائتين ، فلمّا وصلت إلى ساوة مرضت ، فسألت كم بينها وبين قم ، قالوا : عشرة فراسخ ، فقالت : احملوني إليها ، فحملوها إلى قم ، وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري .

ص: 264

قال : وفي أصح الروايات : أنّه لما وصل خبرها إلى قم استقبلها أشراف قم وتقدّمهم موسى بن الخزرج ، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله وكانت في داره سبعة عشر يوما ثم توفيت رضي اللّه عنها ، فأمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البواري إلى أن بنت زينب بنت محمد بن علي الجواد عليه السلام عليها قبة .

قال : وأخبرني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أنّه لمّا توفيت فاطمة رضي اللّه عنها وغسلت وكفنت حملوها إلى مقبرة بابلان ، ووضعوها على سرداب حفر لها ، فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب ، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له « قادر » ، فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها

فيه ، ثم خرجا ، ولم يكلما أحدا وركبا وذهبا ، ولم يدر أحد من هما ؟ وقال : المحراب الذي كانت فاطمة رضي اللّه عنها تصلّي فيه موجود إلى الآن في دار موسى ، ويزوره الناس(1) .

ص: 265


1- أقول : أوردنا بعض أحوالهم في باب وصية موسى عليه السلام ، وباب أحوال عشائر الرضا عليه السلام ، وسيأتي بعض أحوال عبد اللّه بن موسى في باب مكارم أخلاق أبي جعفر الجواد عليه السلام .

شذرات في ما يتعلّق بأحوال إخوانه وأولاده عليه السلام

اشارة

اقتبسناها

من كتاب « تحفة العالم في شرح خطبة المعالم »

تأليف

العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي

فيما يتعلّق بأحوال إخوانه وأخواته عليه الصلاة والسلام

كان له عليه السلام ستة إخوة وثلاثة أخوات وهم : إسماعيل وعبد اللّه الأفطح وأم فروة - اسمها عالية - أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام ، ونقل عن ابن إدريس رحمه الله أنّه قال : أمّ إسماعيل فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن أبي طالب عليه السلام ، وإسحاق لأم ولد ، والعباس وعلي ومحمد وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى . وكان إسماعيل أكبر أولاد الصادق عليه السلام ، وهو جد الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر ، ومصر الجديد من بنائهم .

ص: 266

إسماعيل بن الصادق عليه السلام

وفي بغداد قبران مذمومان : أحدهما علي بن إسماعيل بن الصادق عليه السلام ، ويعرف عند البغداديين بالسيد سلطان علي ، والآخر أخوه محمد بن إسماعيل جدّ الفاطميين ، ويعرف عندهم بالفضل ، والمحلّة التي فيها محلّة الفضل .

وكان الإمام الصادق عليه السلام شديد المحبة لإسماعيل والبر به والإشفاق عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنّه القائم بعد أبيه ، والخليفة له لما ذكرنا من كبر سنه وميل

أبيه إليه وإكرامه له ، ولما كان عليه من الجمال والكمال الصوريالمعنوي ، توفي في حياة أبيه ، وحين ما حمل إلى البقيع للدفن كان أبوه الصادق عليه السلام يضع جنازته على الأرض ويرفع عن وجهه الكفن بحيث يراه الناس ، فعل ذلك في أثناء الطريق ثلاث مرات ليري الناس موته ، وأنّه لم يغب كما كان يظن به ذلك ، ولما تحقّق موته رجع الأكثرون عن القول بإمامته وفرض طاعته . وقال قوم : إنّه لم يمت وإنّما لبس على الناس في أمره ، وقالت فرقة : إنّه مات ولكن نص على ابنه محمد ، وهو الإمام بعد جعفر ، وهم المسمّون بالقرامطة والمباركة ، وذهب جماعة إلى أنّه نصّ على محمد جدّه الصادق دون إسماعيل ، ثم يسحبون الإمامة في ولده إلى آخر الزمان . قال جدّي الأمجد السيد محمد جدّ جدّنا بحر العلوم : وسخافة مذهبهم وبطلانه أظهر من أن يبين ، مع أنّه مبين بما لا مزيد عليه في محلّهّ.

وقبر إسماعيل ليس في البقيع نفسه ، بل هو في الطرف الغربي من قبة العباس في خارج البقيع ، وتلك البقعة ركن سور المدينة من جهة القبلة والمشرق ، وبابه من داخل المدينة ، وبناء تلك البقعة قبل بناء السور فاتصل السور به ، وهو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر(1) .

ص: 267


1- وقبر المقداد بن أسود الكندي في البقيع أيضا ، فإنّه مات بالجرف يبعد عن المدينة بفرسخ ، وحمل إلى المدينة ، فما عليه سواد أهل شهروان من أنّ فيه قبر مقداد بن أسود هذا اشتباه، ومن المحتمل قويا كما في « الروضات » أنّ المشهد الذي في شهروان هو للشيخ الجليل الفاضل المقداد صاحب المصنفات من أجل علماء الشيعة . وذكر علماء السير والتواريخ فيما يتعلّق بتاريخ المدينة المنورة : أنّ أكثر أصحاب النبي دفنوا في البقيع ، وذكر القاضي عياض في « المدارك » : أنّ المدفونين من أصحاب النبي هناك عشرة آلاف ، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عينا ، وجهة وسبب ذلك : أنّ السابقين لم يعلموا القبور بالكتابة والبناء مضافا إلى أنّ تمادى الأيام يوجب زوال الآثار . نعم إنّ من يعرف مرقده من بني هاشم عينا وجهة قبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه و آله في بقعة قريبة من البقيع ، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة ، وهو أول من دفن في البقيع . وفيه أيضا قبر أسعد بن زرارة ، وابن مسعود ، ورقية ، وأم كلثوم بنات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي الروايات من العامة والخاصة أنّه لمّا توفيت رقية ودفنها صلى الله عليه و آله قال : الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون . قال السمهودي : إنّ الظاهر أنّ بنات النبي صلى الله عليه و آله كلّهن مدفونات عند عثمان بن مظعون ؛ لأنّه صلى الله عليه و آله لمّا وضع حجرا على قبر عثمان قال : بهذا أميز قبر أخي وأدفن معه كلّ من مات من ولدي . وروى الدولابي - المتوفى سنة ثلاثمائة وعشر - في كتاب « الكنى » : أنّه لمّا مات عثمان بن مظعون قالت امرأته : هنيئا لك يا أبا السائب الجنة ، وإنّه أول من تبعه إبراهيم ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وبالجملة فما يقال من أنّ قبر عثمان بن عفان هناك غلط ، فإنّ قبره خارج البقيع ، قال ابن الأثير في النهاية : في حشش : ومنه حديث عثمان أنّه دفن في « حش كوكب » ، وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع . انتهى . وقبر عقيل بن أبي طالب ، ومعه في القبر ابن أخيه عبد اللّه الجواد بن جعفر الطيار ، وقريب من قبة عقيل بقعة فيها زوجات النبي ، وقبر صفية بنت عبد المطلب عمّة النبي صلى الله عليه و آله على يسار الخارج من البقيع ، وفي طرف القبلة من البقعة قبر متصل بجدار البقعة عليه ضريح ، والعامة يعتقدون أنّه قبر الزهراء عليهاالسلام ، وأنّ قبر فاطمة بنت أسد هو الواقع في زاوية المقبرة العمومية للبقيع في الطرف الشمالي من قبة عثمان ، وهو اشتباه ، فإنّ من المحقّق أنّ قبر فاطمة الزهراء عليهاالسلام إمّا في بيتها أو في الروضة النبوية على مشرفها آلاف الثناء والتحية ، وأنّ القبر الواقع في الطرف القبلي من البقعة هو قبر فاطمة بنت أسد أم أمير المؤنين عليه السلامكما في بعض الأخبار : أنّ الأئمة عليهم السلام الأربعة نزلوا إلى جوار جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وأنّ القبر الواقع في المقبرة العمومية هو مشهد سعد بن معاذ الأشهلي أحد أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ، كما ذكره في تلخيص معالم الهجرة . وممن عين قبر فاطمة بنت أسد حيث ما ذكرنا السيد علي السمهودي في « وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى » . ولنختم الكلام في أمر البقيع بما روي عن سلمان الفارسي : أنّه رجفت قبور البقيع في عهد عمر بن الخطاب فضج أهل المدينة في ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يدعون بسكون الرجفة ، فما زالت تزيد إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها إلى الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالب ، فحضر فقال : يا أبا الحسن ألا ترى إلى قبور البقيع ورجيفها حتّى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة وقد هم أهلها بالرحلة منها ، فقال علي عليه السلام : عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله من البدريين ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين من ورائهم ، ولم يبق بالمدينة ثيب ولا عاتق إلاّ خرجت ، ثم دعا بأبي ذر وسلمان والمقداد وعمار ، فقال لهم : كونوا بين يدي حتّى توسط البقيع ، والناس محدقون به ، فضرب الأرض برجله ثم قال : ما لك - ثلاثا - فسكنت ، فقال : صدق اللّه وصدق رسوله 9 ، فقد أنبأني بهذا الخبر وهذا اليوم وهذه الساعة وباجتماع الناس له ، إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه « إِذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الإِنْسانُ ما لَها » ، وأخرجت لي أثقالها ، ثم انصرف الناس معه وقد سكنت الرجفة هذا .

ص: 268

عبد اللّه

وكان عبد اللّه أكبر إخوته بعد أخيه إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه عليه السلام منزلة غيره من إخوته في الإكرام ، وكان متّهما في الخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : إنّه كان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة محتجا بأنّه أكبر أولاده الباقين بعده ، فاتبعه جماعة من أصحاب الصادق ، ثم رجع أكثرهم عن هذا القول ، ولم يبق عليه إلاّ نفر يسير منهم ، وهم الطائفة الملقبة ب-« الفطحية » لأنّ عبد اللّه كان أفطح الرجلين ، ويقال : إنّهم لقبوا بذلك لأنّ رئيسهم

وداعيهم إلى هذا المذاهب يقال له « عبد اللّه بن أفطح » .

إسحاق

وأمّا إسحاق ، فقد قال في الإرشاد : وكان إسحاق بن جعفر عليه السلام من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس الحديث والآثار .

ص: 269

وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر عليه السلام ، وكان يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر ، وروى عن أبيه النص على إمامته .

وقال في العمدة : ويكنى أبا محمد ، ويلقب المؤمن ، وولد بالعريض ، وكان من أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمه أم أخيه موسى الكاظم عليه السلام ، وكان محدّثا جليلا وادعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام .

محمد بن جعفر عليه السلام

وكان محمد بن جعفر عليه السلام سخيا شجاعا ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، وكان يصرف في مطبخه كلّ يوم شاة ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، وخرج على المأمون في سنة مائة وتسع وتسعين بمكة وتبعه الجارودية ، فوجه عليه المأمون جندا بقيادة عيسى الجلودي ، فكسره وقبض عليه ، وأتى به إلى المأمون ، فأكرمه المأمون ولم يقتله ، وأصحبه معه إلى خراسان ، وقبره في بسطام ، وهو الذي ذكرنا سابقا أنّ قبره في جرجان ، فإنّ جرجان اسم لمجموع الناحية المعينة المشتملة على المدينة المدعوة بالأسترآباد وغيرها مثل مصر والقاهرة والعراق والكوفة .

قال في مجالس المؤنين في ضمن أحوال با يزيد البسطامي : أنّ السلطان أولجايتوخان أمر ببناء قبة على تربته ، وقد ذهب إلى إمامته بعد أبيه قوم من الشيعة يقال لهم « السمطية » لنسبتهم إلى رئيس لهم يقال له « يحيى بن أبي السمط » .

ص: 270

علي بن جعفر عليه السلام

وكان علي بن جعفر كثير الفضل ، شديد الورع ، سديد الطريق ، رواية للحديث من أخيه موسى عليه السلام ، وهو المعروف بعلي بن جعفر العريضي ، نشأ في تربية أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، ومن أهل التضييف بأيدي الشيعة إلى هذا اليوم ، وأدرك من الأئمة أربعة أو خمسة ، وقال السيد في « الأنوار » : كان من الورع بمكان لا يدانى فيه ، وكذلك من الفضل ، ولزم أخاه موسى بن جعفر عليه السلام وقال بإمامته وإمامة الرضا والجواد عليهم السلام .

وكان إذا رأى الجواد عليه السلام مع الصبيان يقوم إليه من المسجد من بين جماعة الشيعة ، وينكب على أقدامه ويمسح شيبته على تراب رجليه ويقول : قد رأى اللّه هذا الصبي أهلا للإمامة فجعله إماما ولم ير شيبتي هذه أهلا للإمامة ؛ لأنّ جماعة من الشيعة كانوا يقولون له : أنت إمام ، فادع الإمامة ، وكان رضوان اللّه عليه لا يقبل

منهم قولا .

وروي أنّ الجواد عليه السلام إذا أراد أن يفصد أخذ الدم يقول علي بن جعفر للفصاد : افصدني حتّى أذق حرارة الحديد قبل الجواد . انتهى .

وله مشاهد ثلاثة :

الأول : في قم ، وهو المعروف ، وهو في خارج البلد ، وله صحن وسيع وقبة عالية وآثار قديمة ، منها : اللوح الموضوع على المرقد المكتوب فيه اسمه واسم والده ، وتاريخ الكتابة سنة أربع وسبعون .

قال المجلسي رحمه الله في « البحار » : من جملة من هو معروف بالجلالة والنبالة علي بن جعفر عليه السلام ، مدفون في قم ، وجلالته أشهر من أن يذكر . وأمّا كون مدفنه في قم فلم يذكر في الكتب المعتبرة ، لكن أثر القبر الشريف الموجود قديم ، وعليه مكتوب اسمه . انتهى .

ص: 271

وفي « تحفة الزائر » : يوجد مزار في قم وفيه قبر كبير ، وعلى القبر مكتوب : قبر علي بن جعفر الصادق عليه السلام ومحمد بن موسى ، ومن تاريخ بناء ذلك القبر إلى هذا الزمان قريب من أربعمائة سنة . انتهى .

وقال الفقيه المجلسي الأول في « شرح الفقيه » في ترجمة علي بن جعفر عليه السلامبعد ذكر نبذة من فضائله : وقبره في قم مشهور ، قال : سمعت أنّ أهل الكوفة استدعوا منه أن يأتيهم من المدينة ويقيم عندهم ، فأجابهم إلى ذلك ، ومكث في الكوفة مدّة ، وحفظ أهل الكوفة منه أحاديث ، ثم استدعى منه أهل قم النزول إليهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وبقي هناك إلى أنّ توفي ، وله ذرية منتشرة في العالم ، وفي أصفهان قبر بعضهم ، منهم : قبر السيد كمال الدين في قرية سين برخوار ، وهو مزار معروف . انتهى .

وظنّي القوي أنّ محمد بن موسى المدفون معه هو من ذرية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو محمد بن موسى بن إسحاق بن إبراهيم العسكري بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال صاحب « تاريخ قم » : ولد من أبي محمد موسى بن إسحاق ولد وبنت ، ولكن لم يذكر اسم الولد ، وذكر صاحب « العمدة » : أنّه أعقب موسى بن إسحاق بن إبراهيم العسكري أبا جعفر محمد الفقيه بقم وأبا عبد اللّه إسحاق . . . إلخ .

الثاني : في خارج قلعة سمنان ، في وسط بستان نضرة ، مع قبة وبقعة وعمارة نزهة ، ولكن المنقول عن المجلسي أنّه قال : لم يعلم أنّ ذلك قبره ، بل المظنون خلافه .

الثالث : في العريض - بالتصغير - على بعد فرسخ من المدينة ، اسم قرية ، كانت ملكه ومحل سكناه وسكنى ذريته ، ولهذا كان يعرف بالعريضي ، وله فيها قبر وقبة ، وهو الذي اختاره المحدّث النوري في « خاتمة المستدركات » مع بسط تام ، وهو الظاهر ، ولعل الموجود في قم هو لأحد أحفاده .

ص: 272

العباس بن جعفر

وأمّا العباس بن جعفر فقد قال في الإرشاد : كان فاضلا نبيلا .

تتميم

لا يخفى أنّه يوجد على ضفة نهر كربلاء المشرفة المعروفة ب-« الحسينية » مقام يعرف ب-« مقام جعفر الصادق عليه السلام » على لسان سواد أهل تلك البلدة ، ولعله هو الذي عبر عنه الصادق عليه السلام في حديث صفوان الذي نقله المجلسي في « تحفة الزائر » عن مصباح الشيخ الطوسي رحمه الله الوارد لتعليمه إياه آداب زيارة جدّه الحسين عليه السلام

وفيه : فإذا وصلت إلى نهر الفرات ، يعني شريعة سماها الصادق بالعلقمي ، فقل كذا ، والتفسير من الشيخين ، وظاهره أنّ المقام المقدس كان منسوبا إلى الصادق عليه السلام في عصرهما .

ص: 273

فيما يتعلّق بأحوال أولاده عليه الصلاة والسلام

اشارة

ولد له سبع وثلاثون ، وقيل : تسع وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى :

علي بن موسى الرضا ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم لأمهات أولاد ، وإسماعيل ، وله مزار في تويسركان من بلاد إيران ، وجعفر ، وهارون ، والحسن لأم ولد ، وأحمد ، ومحمد ، وحمزة لأم ولد ، وعبد اللّه ، وإسحاق ، وعبيد اللّه ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وقبره في بهبهان معروف يزار ، ويعرف بشاه فضل ، والحسين ، وسليمان لأمهات أولاد ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثوم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة لأمهات شتى .

إبراهيم بن موسى

أمّا إبراهيم فقد قال المفيد رحمه الله في الإرشاد ، والطبرسي في اعلام الورى : كان إبراهيم بن موسى شجاعا ، كريما ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي بايعه أبو السرايا

ص: 274

بالكوفة ، ومضى إليها ففتحها ، وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون ، وصرحا بأنّ لكلّ من ولد أبي الحسن موسى عليه السلام فضل ومنقبة مشهورة . وفي « وجيزة » المجلسي : إبراهيم بن موسى بن جعفر ممدوح .

وفي الكافي : في باب أنّ الإمام( متى يعلم أنّ الأمر قد صار إليه ) بسنده عن علي بن أسباط قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ رجلا عنى أخاك إبراهيم فذكر له أنّ أباك في الحياة وأنت تعلم من ذلك ما لا يعلم ؟ فقال : سبحان اللّه يموت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهولا يموت موسى ؟ ! قد واللّه مضى كما مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكن اللّه - تبارك وتعالى - لم يزل منذ قبض نبيه صلى الله عليه و آله هلم جرا يمن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ويصرفه عن قرابة نبيه هلم جرا ، فيعطي هؤاء ويمنع هؤاء ، لقد قضيت عنه في هلال ذي الحجة ألف دينار بعد أن أشفى على طلاق نسائه وعتق مماليكه ، ولكن قد سمعت ما لقي يوسف من إخوته(1) .

ص: 275


1- قال جدّي الصالح في « شرح أصول الكافي » : قوله « عنى » بمعنى قصد وأراد ، وفي بعض النسخ : « عزى أخاك » قيل : ذلك الرجل أخوهما العباس ، قوله « فذكر له » فاعل ذكر راجع إلى الرجل ، وضمير له إلى إبراهيم ، قوله « وأنت تعلم » أي ذكر أيضا أنّك تعلم ما لا يعلم من مكانه ، ولفظة « لا » غير موجودة في بعض النسخ ، ومعناه واضح . قوله « على أولاد الأعاجم » كسلمان وغيره ، وفيه مدح عظيم للعجم وتفضيلهم على العرب ، وكتب أبو عامر بن حرشنة كتابا في تفضيل العجم على العرب ، وكذلك إسحاق بن سلمة ، وكيف ينكر فضلهم وفي الأخبار ما يدل على أنّهم من أعوان القائم عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ، وأنّهم أهل تأييد الدين . قال النبي صلى الله عليه و آله : أسعد الناس بهذا الدين فارس . رواه الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتاب « جامع الأحاديث » مع أنّهم في تأييد الدين وقبول العلم أحسن وأكثر من العرب يدل على ذلك قوله تعالى « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤمِنِينَ » ، قال علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم ، فهي فضيلة للعجم ، وقال عند تفسير قوله تعالى « وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ » الشعوب من العجم ، والقبائل من العرب ، والأسباط من بني إسرائيل . قال : وروي ذلك عن الصادق عليه السلام . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة : يا أيها الناس إنّ اللّه قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، إنّ العربية ليست بأب والد ، وإنّما هو لسان ناطق ، فمن تكلّم به فهو عربي ، ألا إنّكم من آدم وآدم من التراب . وهذا صريح في أنّ التكلّم بلغة العرب وحده لا فخر فيه ، بل المناط هو التقوى . وفي الفتوحات المكية ! ! في الباب السادس والستين وثلاثمائة : أنّ وزراء المهدي عليه السلام من الأعاجم ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلّمون إلاّ بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم . انتهى . بل المستفاد من خطبة أمير المؤنين فيما يتعلّق بإخباره عن القائم عليه السلام حيث يقول فيها : وكأنّي أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم ، أنّهم يتكلّمون بالفارسية . قال في البحار : الطمطمة اللغة العجمية ، ورجل طمطمي في لسانه عجمة ، أشار عليه السلام بذلك إلى أنّ عسكرهم من العجم . انتهى . ولا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات إذ لعل التكلّم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش . وفي حياة الحيوان : عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كثير بيض ، قالوا : فما أولته يا رسول اللّه ؟ قال : قال : العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم ، قالوا : العجم يا رسول اللّه ؟ قال : لو كان الإيمان متعلقا بالثريا لناله رجال من العجم . وسبب المن والإعطاء والصرف والمنع في رواية الكافي هو استعمال الاستعداد الفطري وقبوله وإبطاله والإعراض عنه فلا يلزم الجبر . قوله « لقد قضيت عنه » قال الفاضل الأمين الأسترآبادي : أي قضيت عن الذي عزى إبراهيم ، وكأنّه عباس أخوهما ألف دينار بعد أن أشرف وعزم على طلاق نسائه وعتق مماليكه ، وعلى أن يشرد من الغرماء ، وكان قصده من الطلاق والعتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه ويختموا بيوت نسائه ، وقيل : عزمه على ذلك لفقره وعجزه من النفقة ، قوله « قد سمعت ما لقي يوسف » يعني أنّهم يقولون ذلك افتراء ، وينكرون حقّي حسدا . انتهى .

وفي بصائر الدرجات : أنّه ألحّ إلى أبي الحسن عليه السلام في السؤل فحكّ بسوطه الأرض فتناول سبيكة ذهب فقال : استغن بها واكتم ما رأيت .

وبالجملة قال جدّي بحر العلوم رحمه الله : ما ذكره المفيد رحمه الله وغيره من الحكم بحسن حال أولاد الكاظم عليه السلام عموما محلّ نظر ، وكذا في خصوص إبراهيم ، كما هو ظاهر الرواية المتقدمة .

ص: 276

وكيف كان فإبراهيم هذا هو جدّ السيد المرتضى والرضي - رحمهما اللّه - ، فإنّهما ابنا أبي أحمد النقيب ، وهو الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام . وظاهر المفيد في « الإرشاد » والطبرسي في « اعلام الورى » وابن شهرآشوب في « المناقب » والإربلي في « كشف الغمة » : أنّ المسمّى بإبراهيم من أولادي أبي الحسن عليه السلام رجل واحد ، ولكن عبارة صاحب « العمدة » تعطي أنّ إبراهيم من ولده اثنان ، إبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر ، وأنّه يلقب بالمرتضى ، والعقب منه ، وأمّه أم ولد نوبية اسمها « نجية » ، والظاهر التعدد ، فإنّ علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن ، والظاهر أنّ المسئول عن أبيه والمخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر ، وأن الذي هو جدّ المرتضى والرضي هو الأصغر ، كما صرّح به جديّ بحر العلوم ، وقد ذكرنا أنّه مدفون في الحائر الحسيني خلف ظهر الحسين عليه السلام .

وكيف كان ففي شيراز بقعة تنسب إلى إبراهيم بن موسى واقعة في محلّة لب آبّ بناها محمد زكي خان النوري من وزراء شيراز سنة ألف ومائتين وأربعين ، ولكن لم أعثر على مستند قوي يدل على صحة النسبة ، بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنّه كان واليا باليمن ، بل ذكر صاحب « أنساب الطالبين » : أنّ إبراهيم الأكبر ابن الإمام موسى عليه السلام خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمد بن إبراهيم طباطبا ، ثم دعا الناس إلى بيعة نفسه ، وحج في سنة مائتين واثنين ، وكان المأمون يومئذ في خراسان ، فوجه إليه حمدويه بن علي وحاربه ، فانهزم إبراهيم وتوجه إلى العراق ، وآمنه المأمون ، وتوفي في بغداد . وعلى فرض صحة ما ذكرناه فالمتيقن أنّه أحد المدفونين في صحن الكاظم عليه السلام ، لأنّ هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزمان ، فدفن إلى جنب أبيه .

ص: 277

أحمد بن موسى عليه السلام

وأمّا أحمد بن موسى ففي « الإرشاد » : كان كريما ، جليلا ، ورعا ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة ب-« اليسيرة » ، ويقال : أنّه رضى الله عنه أعتق ألف مملوك .

قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا جدّي : سمعت إسماعيل بن موسى عليه السلام يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة ، فكنّا في ذلك المكان ، فكان مع أحمد بن موسى عشرون من خدام أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ويبصره ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حتّى تشيخ أحمد بن موسى بيننا . انتهى .

وكانت أمه من الخواتين المحترمات ، تدعى ب-« أم أحمد » ، وكان الإمام موسى شديد التلطّف بها ، ولمّا توجه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة وقال لها : كلّ من جاءك وطالب منك هذه الأمانة في أي وقت من الأوقات فاعلمي بأنّي قد استشهدت ، وأنّه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا عليه السلام بحفظ الدار . ولمّا سمّه المأمون في بغداد جاء إليها الرضا عليه السلام وطالبها بالأمانة ، فقالت له أم أحمد : لقد استشهد والدك ؟ فقال : بلى والآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد ، وأنا خليفته والإمام بالحقّ على تمام الجن والإنس ، فشقّت أم أحمد جيبها وردت عليه الأمانة وبايعته بالإمامة . فلمّا شاع خبر وفاة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في المدينة اجتمع أهلها على باب أم أحمد ، وسار أحمد معهم إلى المسجد ، ولما كان عليه من الجلالة ووفور العبادة ونشر الشرائع وظهور الكرامات ظنوا به أنّه الخليفة والإمام بعد أبيه فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثم صعد المنبر وأنشأ خطبة في

نهاية البلاغة وكمال الفصاحة ، ثم قال :

ص: 278

أيّها الناس كما أنّكم جميعا في بيعتي فإنّي في بيعة أخي علي بن موسى الرضا ، واعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو ولي اللّه والفرض عليّ وعليكم من اللّه

ورسوله طاعته بكلّ ما يأمرنا .

فكلّ من كان حاضرا خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسى عليه السلام ، وحضروا باب دار الرضا عليه السلام فجددوا معه البيعة ، فدعا له الرضا عليه السلام ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزمان إلى أن أرسل المأمون إلى الرضا عليه السلام وأشخصه إلى خراسان وعقد له خلافة العهد . وهو المدفون بشيراز المعروف ب-« سيد السادات » ، ويعرف عند أهل شيراز ب-« شاه چراغ » ، وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه السلام ، فلمّا سمع به قتلغ خان عامل المأمون على شيراز توجه إليه خارج البلد في مكان يقال له : خان زينان على مسافة ثمانية فراسخ من شيراز ، فتلاقى الفريقان ووقع الحرب بينهما ، فنادى رجل من أصحاب قتلغ : إن كان تريدون ثمة الوصول إلى الرضا فقد مات ، فحينما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرقوا عنه ، ولم يبق معه إلاّ بعض عشيرته وإخوته ، فلمّا لم يتيسر له الرجوع توجه نحو شيراز ، فأتبعه المخالفون وقتلوه حيث مرقده هناك .

وكتب بعض في ترجمته أنّه لما دخل شيراز اختفى في زاوية واشتغل بعبادة ربّه حتّى توفي لأجله ، ولم يطلع على مرقده أحد إلى زمان الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر الدين الذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنّه لما عزم على تعمير في محلّ قبره حيث هو الآن ظهر له قبر وجسد صحيح غير متغير وفي إصبعه خاتم منقوش فيه « العزة للّه أحمد بن موسى » فشرحوا الحال إلى أبي بكر ، فبنى عليه قبة ، وبعد مدّة من السنين آذنت بالانهدام ، فجددت تعميرها الملكة تاشى خاتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق بن سلطان محمود وبنت عليه قبة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة سبعمائة وخمسين هجرية .

ص: 279

وفي سنة ألف ومائتين واثنين وأربعين جعل السلطان فتح على شاه القاجاري عليه مشبكا من الفضة الخالصة ، ويوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخط الكوفي الجيد على ورق من رقّ الغزال ، ونصفه الآخر بذلك الخط في مكتبة الرضا عليه السلام ، وفي آخره كتبه « علي بن أبو طالب » ، فلذلك كان الاعتقاد بأنّه خطّه عليه السلام . وأورد بعض أنّ مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعا ، والذي ببالي أنّ غير واحد من النحاة وأهل العربية صرح بأنّ الأب والابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها ، وصرح بذلك صاحب التصريح وقال أبو البقاء في آخر كتابه الكليات : ومما جرى مجرى المثل الذي لا يغير علي بن أبي طالب حتّى ترك في حالي النصب والجر على لفظه في حالة الرفع ، لأنّه اشتهر في ذلك ، وكذلك معاوية بن أبي سفيان وأبو أمية . انتهى . وظني القوي أنّ القرآن بخط علي عليه السلام لا يوجد إلاّ عند الحجة عليه السلام ، وأن كاتب القرآن المدعي كونه

بخطه عليه السلام هو علي بن أبي طالب المغربي ، وكان معروفا بحسن الخط الكوفي ، ونظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر مقام رأس الحسين عليه السلام ، كما ذكرنا أنّه كان يوجد نظيره أيضا في المرقد العلوي المرتضوي ، وأنّه احترق فيما احترق هذا ، وربما ينقل عن بعض أنّ مشهد السيد أحمد المذكور في بلخ ، واللّه العالم .

شاه علي أكبر

وفي بيرم من أعمال شيراز مشهد ينسب إلى أخ السيد أحمد يعرف عندهم بشاه علي أكبر ، ولعله هو الذي عدّه صاحب « العمدة » من أولاد موسى بن جعفر عليه السلام وسماه عليا .

ص: 280

القاسم بن موسى عليه السلام

وأما القاسم بن موسى عليه السلام ، كان يحبّه أبوه حبّا شديدا ، وأدخله في وصاياه ، وفي باب الإشارة والنص على الرضا من الكافي في حديث أبي عمارة يزيد بن سليط الطويل ، قال أبو إبراهيم : أخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان - يعني عليا الرضا عليه السلام - وأشركت معه بني في الظاهر ، وأوصيته في الباطن فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبّي إياه ورأفتي عليه ، ولكن ذلك إلى اللّه - عزّ وجلّ - يجعله حيث يشاء ، ولقد جاءني بخبره رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوجدي علي عليه السلام ، ثم أرانيه وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصي إلى أحد منّا حتّى يأتي بخبره رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجدي علي عليه السلام ، ورأيت مع رسول اللّه خاتما وسيفا وعصا وكتابا وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول اللّه ؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان اللّه - عزّ وجلّ - ، وأمّا السيف فعزّ اللّه - تبارك وتعالى - ، وأمّا الكتاب فنور اللّه - تبارك وتعالى - ، وأمّا العصا فقوة اللّه - عزّ وجلّ - ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأمور ، ثم قال لي : والأمر قد خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول اللّه أرنيه أيّهم هو ؟ فقال رسول اللّه : ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبّة لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكن من اللّه .

وفي الكافي : سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم : قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك « وَالصَّافّاتِ صَفًّا » حتّى تستتمها ، فقرأ فلمّا بلغ « أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا » قضى الفتى ، فلمّا سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنّا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده « يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » فصرت تأمرنا بالصافات ؟ فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قطّ إلاّ عجّل اللّه راحته .

ص: 281

ونص السيد الجليل علي بن طاوس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعباس بن أمير المؤنين وعلي بن الحسين عليه السلام المقتول بالطف ، وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه « مصباح الزائرين » .

وقال في البحار : القاسم بن الكاظم الذي ذكره السيد رحمه الله قبره قريب من الغري ، وما هو معروف في الألسنة من أنّ الرضا قال فيه : من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم ، كذب لا أصل له في أصل من الأصول ، وشأنه أجلّ من أنّ يرغب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب .

محمد بن موسى عليه السلام

وأمّا محمد بن موسى عليه السلام ففي « الإرشاد » : أنّه من أهل الفضل والصلاح ، ثم ذكر ما يدلّ على مدحه وحسن عبادته .

وفي رجال الشيخ أبي علي : نقلا عن حمد اللّه المستوفي في « نزهة القلوب » : أنّه مدفون كأخيه « شاه چراغ » في شيراز ، وصرح بذلك أيضا السيد الجزائري في « الأنوار » قال : وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرك بقبورهما وتكثر زيارتهما ،

وقد زرناهما كثيرا . انتهى .

يقال : إنّه في أيام الخلفاء العباسية دخل شيراز واختفى بمكان ، ومن أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة ، واختلف المؤخون في أنّه الأكبر أو السيد أحمد ، وكيف كان ، فمرقده في شيراز معروف بعد أن كان مخفيا إلى زمان أتابك بن سعد بن زنكي ، فبنى له قبة في محلة باغ قتلغ . وقد جدد بناؤ مرات عديدة ، منها : في زمان السلطان نادر خان ، وفي سنة ألف ومائتين وتسع وستين رمته النواب أويس ميرزا ابن النواب الأعظم العالم الفاضل الشاهزاده فرهاد ميرزا القاجاري .

ص: 282

الحسين بن موسى عليه السلام

وأمّا الحسين بن موسى ، ويلقب ب-« السيد علاء الدين » فقبره أيضا في شيراز معروف ، ذكره شيخ الإسلام شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود حفيد الخواجة عزّ الدين مودود بن محمد بن معين الدين محمود المشهور بزركوش الشيرازي المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدين محمد بن روزبهان ، وتوفي في حدود سنة ثمانمائة ، ذكره المؤخ الفارسي في تاريخه المعروف بشيرازنامه . ملخص ما ذكره : أنّ قتلغ خان كان واليا على شيراز ، وكان له حديقة في مكان حيث هو مرقد السيد المذكور ، وكان بواب تلك الحديقة رجلا من أهل الدين والمروة ، وكان يرى في ليالي الجمعة نورا يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير قتلغ ، وبعد مشاهدته لما كان يشاهده البواب ، وزيادة تجسسه وكشفه عن ذلك المكان ظهر له قبر وفيه جسد عظيم في كمال العظمة والجلال والطراوة والجمال بيده مصحف وبالأخرى سيف مصلت ، فبالعلامات والقرائن علموا أنّه قبر حسين بن موسى ، فبنى له قبة ورواقا . الظاهر أن قتلغ خان هذا غير الذي حارب أخاه السيد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه والوالي الذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإن قتلغ خان لقب جماعة كأبي بكر بن سعد الزنكي ، وأحد أتابكية آذربيجان ، بل هم من الدول الإسلامية ، كرسي ملكها كرمان ، عدد ملوكها ثمانية ، نشأت سنة ستمائة وتسع عشرة وانقضت سنة سبعمائة وثلاث ، إذ من المعلوم أنّ ظهور مرقده كان بعد وفاته بسنين .

وكتب بعضهم : أنّ السيد علاء الدين حسين كان ذاهبا إلى تلك الحديقة فعرفوه أنّه من بني هاشم فقتلوه في تلك الحديقة ، وبعد مضي مدّة وزوال آثار الحديقة

ص: 283

بحيث لم يبق منها إلاّ ربوة مرتفعة عرفوا قبره بالعلامات المذكورة ، وكان ذلك في دور الدولة الصفوية ، وجاء رجل من المدينة يقال له « ميرزا علي » وسكن شيراز ، وكان مثريا ، فبنى عليه قبة عالية ، وأوقف عليه أملاكا وبساتين . ولما توفي دفن بجنب البقعة ، وتولية الأوقاف كانت بيد ولده ميرزا نظام الملك ، أحد وزراء تلك الدولة ، ومن بعده إلى أحفاده ، والسلطان خليل الذي كان حاكما في شيراز من قبل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي رمت البقعة المذكورة وزاد على عمارتها السابقة في سنة ثمانمائة وعشر .

حمزة بن موسى عليه السلام

أمّا حمزة بن موسى ، فهو المدفون في الري في القرية المعروفة ب-« شاه زاده عبد

العظيم » ، وله قبة وصحن وخدام ، وكان الشاهزاده عبد العظيم على جلالة شأنه وعظم قدره يزوره أيام إقامته في الري ، وكان يخفي ذلك على عامة الناس ، وقد أسرّ إلى بعض خواصه أنّه قبر رجل من أبناء موسى بن جعفر عليه السلام .

وممن فاز بقرب جواره بعد الممات هو الشيخ الجليل السعيد قدوة المفسرين جمال الدين أبو الفتوح حسين بن علي الخزاعي الرازي صاحب التفسير المعروف ب-« روض الجنان » في عشرين مجلدا فارسي ، إلاّ أنّه عجيب ، ومكتوب على قبره اسمه ونسبه بخط قديم ، فما في مجالس المؤنين من أنّ قبره في أصفهان بعيد جدا .

وفي تبريز مزار عظيم ينسب إلى حمزة ، وكذلك في قم في وسط البلدة ، وله ضريح ، وذكر صاحب تاريخ قم أنّه قبر حمزة بن الإمام موسى عليه السلام ، والصحيح ما ذكرنا ، ولعل المزار المذكور لبعض أحفاد موسى بن جعفر عليه السلام .

ص: 284

المرقدان في صحن الكاظمين عليهماالسلام

وأمّا المرقدان في صحن الكاظمين عليهماالسلام فيقال : إنّهما من أولاد الكاظم عليه السلام

لا يعلم حالهما في المدح والقدح ، ولم أر من تعرّض لهذين المرقدين ، نعم ذكر العلامة السيد مهدي القزويني في مزار كتابه « فلك النجاة » : إنّ لأولاد الأئمة قبرين مشهورين في مشهد الإمام موسى عليه السلام من أولاده لكن لم يكونا من المعروفين ، وقال : إنّ أحدهم اسمه العباس بن الإمام موسى عليه السلام الذي ورد في حقّه القدح . انتهى .

قلت : والمكتوب في لوح زيارة المرقدين أنّ أحدهما إبراهيم ، وقد تقدّم أنّه أحد المدفونين في الصحن الكاظمي ، والآخر إسماعيل ، ولعل الذي يعرف بإسماعيل هو العباس بن موسى ، وقد عرفت ذمّه من أخيه الرضا عليه السلام بما لا مزيد عليه ، ويؤده ما هو شائع على الألسنة من أنّ جدّي بحر العلوم - طاب ثراه - لما خرج من الحرم الكاظمي أعرض عن زيارة المشهد المزبور ، فقيل له في ذلك ، فلم يلتفت .

إسماعيل بن موسى عليه السلام

وأمّا إسماعيل بن موسى الذي هو صاحب الجعفريات فقبره في مصر ، وكان ساكنا به وولده هناك ، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه ، منها كتاب الطهارة ، كتاب

الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الجنائز ، كتاب الطلاق ، كتاب الحدود ، كتاب الدعاء ، كتاب السنن والآداب ، كتاب الرؤا . كذا في رجال النجاشي ، وفي تعليقات الرجال : أنّ كثرة تصانيفه وملاحظة عنواناتها وترتيباتها ونظمها تشير إلى المدح مضافا إلى ما في صفوان بن يحيى : أنّ أبا جعفر - أعني الجواد عليه السلام - بعث إليه بحنوط وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه ، قال : والظاهر أنّه هذا ، وفيه إشعار بنباهته . انتهى .

ص: 285

وفي « مجمع الرجال » لمولانا عناية اللّه : أنّه هو جزما ، وقال : يدلّ على زيادة جلالته جدا .

وفي رجال ابن شهرآشوب : إسماعيل بن موسى بن جعفر الصادق عليه السلام

سكن مصر وولده بها ، ثم عدّ كتبه المذكورة ، ولا يخفى ظهور كون الرجل من الفقهاء عندهم .

وفي القرية المعروفة ب-« فيروز كوه » مزار ينسب إلى إسماعيل بن الإمام موسى عليه السلام أيضا .

إسحاق بن موسى عليه السلام

وأمّا إسحاق ، فمن نسله الشريف أبو عبد اللّه المعروف بنعمة ، وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر عليه السلام الذي كتب الصدوق له « من لا يحضره الفقيه » كما صرح به في أول الكتاب المزبور .

في أطراف الحلة مزار عظيم

ويوجد في أطراف الحلة مزار عظيم ، وله بقعة وسيعة وقبة رفيعة تنسب إلى حمزة ابن الإمام موسى عليه السلام تزوره الناس وتنقل له الكرامات ، ولا أصل لهذه الشهرة ، بل هو قبر حمزة بن قاسم بن علي بن حمزة بن حسن بن عبيد اللّه بن العباس بن أمير المؤنين المكنى ب-« أبي يعلى » ثقة جليل القدر ، ذكره النجاشي في « الفهرست » وقال : إنّه من أصحابنا ، كثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليه السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن ، وكتاب التوحيد ، وكتاب الزيارات والمناسك ، كتاب الرد على محمد بن جعفر الأسدي .

ص: 286

زيد بن موسى عليه السلام

وأما زيد فقد خرج بالبصرة ، فدعا إلى نفسه ، وأحرق دورا وأعبث ، ثم ظفر به وحمل إلى المأمون ، قال زيد : لمّا دخلت على المأمون نظر إليّ ثم قال : اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى ، فتركني بين يديه ساعة واقفا ، ثم قال : يا زيد سوءا لك ، سفكت الدماء وأخفت السبيل ، وأخذت المال من غير حلّه ، غرّك حديث حمقى أهل الكوفة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرمها وذريتها على النار ، إنّ هذا لمن خرج من بطنها - الحسن والحسين عليهماالسلام - فقط ، واللّه ما نالوا ذلك إلاّ بطاعة اللّه ، ولأن أردت أن تنال بمعصية اللّه ما نالوا بطاعته إنّك إذا لأكرم عند اللّه منهم ! .

وفي العيون : أنّه عاش زيد بن موسى عليه السلام إلى آخر خلافة المتوكل ومات بسرمن رأى ، وكيف كان ، فهذا زيد هو المعروف ب-« زيد النار » ، وقد ضعفه أهل الرجال ، ومنهم المجلسي في وجيزته .

وفي العمدة : أنّه حاربه الحسن بن سهل فظفر به وأرسله إلى المأمون ، فأدخل عليه بمرو مقيدا ، فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا عليه السلام ووهب له جرمه ، فحلف علي الرضا أنّ لا يكلّمه أبدا ، وأمر بإطلاقه ، ثم إنّ المأمون سقاه السم فمات ، هذا .

حكيمة بنت موسى عليه السلام

وقال ابن شهرآشوب في المعالم : حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام

قالت : لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام فقال : يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإياها والقابلة بيتا ، ووضع لنا مصباحا وأغلق الباب علينا ، فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح ، وبين يديها طشت ، فاغتممت بطفإ المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطشت ، وإذا عليه شيء رقيق

ص: 287

كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت ، فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب ، وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد وقال : يا حكيمة الزمي مهده ، قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث رفع

بصره إلى السماء ثم قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، فقمت ذعرة فأتيت أبا الحسن عليه السلام فقلت له : قد سمعت عجبا من هذا الصبي ! فقال : ما ذاك ؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر . انتهى .

وحكيمة بالكاف كما صرح به جدي بحر العلوم قال رحمه الله : وأمّا حليمة باللام ، فمن تصحيف العوام .

قلت : وفي جبال طريق بهبهان مزار ينسب إليها يزوره المترددون من الشيعة .

فاطمة المعصومة بنت الامام موسى عليهماالسلام

وأما فاطمة فقد روى الصدوق في ثواب الأعمال والعيون أيضا بإسناده قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام ؟ فقال : من زارها فله الجنة . و في كامل الزيارة مثله .

وفيه أيضا بإسناده عن ابن الرضا - أعني الجواد عليه السلام - قال : من زار عمتي بقم فله الجنة .

وفي مزار البحار : رأيت في بعض كتب الزيارات : حدّث علي بن إبراهيم عن أبيه عن سعد عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : قال : يا سعد عندكم لنا قبر ، قلت : جعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسى ؟ قال : نعم من زارها عارفا بحقّها فله الجنة .

وعن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي عن الصادق عليه السلام : أنّ للّه حرما وهو مكة ، ولرسوله حرما وهو المدينة ، ولأمير المؤنين حرما وهو الكوفة ، ولنا حرما وهو قم ، وستدفن فيه امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة .

ص: 288

قال عليه السلام ذلك ولم تحمل بموسى عليه السلام أمه .

وبسند آخر : أنّ زيارتها تعدل الجنة .

قلت : وهي المعروفة اليوم بمعصومة ، ولها مزار عظيم ، ويذكر في بعض كتب التأريخ : أنّ القبة الحالية التي على قبرها من بناء سنة خمسمائة وتسع وعشرين بأمر المرحومة شاه بيگم بنت عماد بيك ، وأما تذهيب القبة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر فهي من آثار السلطان فتح علي شاه القاجاري .

فاطمة الصغرى

وأما فاطمة الصغرى وقبرها في بادكوبه خارج البلد ، يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد ، واقع في وسط مسجد بناؤ قديم ، هكذا ذكره صاحب « مرآة البلدان » .

فاطمة الطاهرة أخت الرضا عليه السلام

وفي رشت مزار ينسب إلى فاطمة الطاهرة أخت الرضا عليه السلام ، ولعلها غير من ذكرنا ، فقد ذكر سبط ابن الجوزي في « تذكرة خواص الأمة » في ضمن تعداد بنات موسى بن جعفر عليه السلام أربع فواطم : كبرى ، ووسطى ، وصغرى ، وأخرى ، واللّه أعلم .

ص: 289

نبذة فيما يتعلق ببقعته عليه السلام

كان الشافعي يقول : قبر موسى الكاظم الترياق المجرب .

وفي جامع التواريخ تأليف رشيد الدين فضل اللّه الوزير بن عماد الدولة أبي الخير : أنّ في يوم الاثنين سابع عشر من ذي الحجة سنة ستمائة واثنتين وسبعين وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد عند غروب الشمس ، وأوصى أن يدفن عند قبر موسى والجواد عليهماالسلام فوجدوا هناك ضريحا مبنيا بالكاشي والآلات ، فلما تفحصوا تبيّن أنّ الخليفة الناصر لدين اللّه قد حفره لنفسه مضجعا ، ولمّا مات دفنه

ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه وأجداده . ومن عجائب الاتفاق أنّ تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع يوم ولادة الخواجة يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى سنة خمسمائة وسبع وتسعون ، تمام عمره خمس وسبعون سنة وسبعة أيام .

وممّن فاز بحسن الجوار هو أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن قزغلي بن زيادة من أمراء بني العباس يقال له « الشيباني » ، وأصله من واسط ، ولد في بغداد سنة خمسمائة واثنين وعشرين ، وتوفي سنة خمسمائة وأربع وتسعين ، ودفن بجنب روضة الإمام موسى عليه السلام ، ذكره ابن خلكان في تاريخه ، وكان شيعي المذهب حسن الأخلاق محمود السيرة .

ص: 290

وممن فاز بحسن الجوار بعد الممات الأمير توزن الديلمي من أمراء رجال الديالمة في عصر المتقي العباسي ، وعصى عليه وخالفه حتّى فرّ الخليفة منه إلى الموصل ، ثم استماله وأرجعه إلى بغداد ، توفي الأمير المزبور سنة خمسمائة وثمان وستين ، ودفن في داره ، ثم نقل إلى مقابر قريش .

ومن جملة المدفونين بجنب الإمامين الهمامين الكاظمين عليهماالسلام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم أحد صاحبي أبي حنيفة ، والآخر هو محمد بن الحسن الشيباني ، كانت ولادة القاضي المذكور سنة مائة وثلاث عشرة ، وتوفي وقت الظهر خامس ربيع الأول سنة مائة وست وستين ، وقبره بجنب مشهدهما عليه السلام معلوم .

وممن فاز أيضا بقرب الجوار بعد الموت النواب فرهاد ميرزا معتمد الدولة خلف المرحوم عباس ميرزا بن فتح علي شاه القاجاري وولي عهده السابق ، وكان النواب المذكور من فحول فضلاء الدورة القاجارية معروفا بوسعة التتبع والاستحضار خصوصا في فني التأريخ والجغرافيا واللغة الإنكليسية . وله مآثر مأثورة منها كتابه الموسوم بجام جم في تاريخ الملوك والعالم ، وكتاب القمقام الذخار والصمصام البتار في المقتل ، وكتاب الزنبيل يجري مجرى الكشكول ، وشرح خلاصة الحساب بالفارسية ، وهداية السبيل وكفاية الدليل رحلة زيارته بيت اللّه الحرام . ومن أعظم آثاره تعمير صحن الإمام موسى بن جعفر عليه السلاموتذهيب رؤوس منائره الأربع كما هو المشاهد الآن ، ومدة التعمير ست سنين ، وفرغ من تعميره سنة ألف ومائتين وتسع وتسعين ، وتوفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس في طهران ، وحمل نعشه إلى الكاظمين عليهماالسلام ودفن بباب الصحن الشريف الكاظمي حيث لا يخفى .

ص: 291

نبذة فيما يتعلق بالإمام علي بن موسى عليه السلام

قيل : لم يعرف له ولد سوى ابنه الإمام محمد بن علي عليه السلام ، كما هو في الإرشاد ، والأصح أنّ له أولادا ، وقد ذكر غير واحد من العامة له خمسة بنين وابنة واحدة ، وهم : محمد القانع ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة ، وفي بعض كتب الأنساب مذكور العقب من بعضهم فلاحظ .

وفي قوچان مشهد عظيم يعرف بسلطان إبراهيم بن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ومن عجيب ما يوجد في ذلك المشهد من الآثار بعض الأوراق من كلام اللّه المجيد هي بخط بايسنقر بن شاهرخ بن أمير تيمور الگوركاني ، يقال : إنّ السلطان نادر شاه الأفشاري جاء بها من سمرقند إلى هذا المشهد ، وطول الصفحة في ذراعين ونصف ، وعرضها في ذراع وعشرة عقود ، وطول السطر في ذراع ، وعرضه خمسة عقود ، والفاصل ما بين السطرين ربع ذراع ، بقلم غليظ في عرض ثلاث أصابع .

والسلطان ناصر الدين شاه القاجاري لما سافر إلى خراسان لزيارة الرضا عليه السلام جاء بورقتين منها إلى طهران جعلهما في متحفه الملوكي .

ص: 292

خاتمة شريفة في فضيلة بقعة الرضا صلوات اللّه عليه

اعلم أنّ من جملة الأخبار الدالة على فضيلة تلك الأرض المقدسة والبقعة المباركة ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب : أنّ الرضا عليه السلام قال : إنّ في أرض خراسان بقعة من الأرض يأتي عليها زمان تكون مهبطا للملائكة ، ففي كلّ وقت ينزل إليها فوج إلى يوم نفخ الصور ، فقيل له عليه السلام : وأيّ بقعة هذه ؟ فقال : هي أرض طوس ، وهي - واللّه - روضة من رياض الجنة . . إلخ .

روي أيضا عن الصادق عليه السلام : أربعة بقاع من الأرض ضجت إلى اللّه - تعالى - في أيام طوفان نوح من استيلاء الماء عليها ، فرحمها اللّه - تعالى - وأنجاها من الغرق ، وهي البيت المعمور ، فرفعها اللّه إلى السماء ، والغري وكربلاء وطوس .

قال في الوافي : ولما ضجت تلك البقاع كان ضجيجها إلى اللّه من جهة عدم وجود من يعبد اللّه على وجهها ، فجعلها اللّه مدفن أوليائه ، فأول مدفن بنيت في تلك

الأرض المقدسة سناباد ، بناها إسكندر ذو القرنين صاحب السد ، وكانت دائرة إلى زمان بناء طوس .

ص: 293

قال في معجم البلدان : طوس مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ ، وتشتمل على مدينتين يقال لأحدهما : الطابران ، وللآخر نوقان ، ولهما أكثر من ألف قرية ، فتحت في أيام عثمان ، وبها قبر علي بن موسى الرضا ، وبها أيضا قبر هارون الرشيد .

وقال المسعر بن المهلهل : وطوس أربع مدن : منها اثنتان كبيرتان ، واثنتان صغيرتان ، وبهما آثار أبنية إسلامية جليلة ، وبها دار حميد بن قحطبة ومساحتها ميل في مثله ، وفي بعض بساتينها قبر علي بن موسى الرضا عليه السلام وقبر الرشيد . انتهى . وكان حميد بن قحطبة واليا على طوس من قبل هارون ، فبنى في سناباد بنيانا ومحلا لنفسه متى خرج إلى الصيد نزل فيه .

وحميد هذا هو الذي قتل في ليلة واحدة ستين سيدا من ذرية الرسول بأمر هارون الرشيد ، كما هو في العيون . قال ابن عساكر في تاريخه : حميد بن قحطبة واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي ، أحد قواد بني العباس ، شهد حصار دمشق ، وكان نازلا على باب توماء ، ويقال : على باب الفراديس ، وولي الجزيرة للمنصور ، ثم ولي خراسان في خلافة المنصور ، وأمره المهدي عليها حتّى مات ، واستخلف ابنه عبد اللّه ، وولي مصر في خلافة المنصور في شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين ومائة سنة كاملة ، ثم صرف عنها ، وكانت وفاة المترجم سنة تسع وخمسين ومائة . انتهى ..

وأمّا أصل بناء القبة المنورة فالظاهر أنّه كان في حياته عليه السلام مشهورة بالبقعة الهارونية ، كما هو مروي في العيون من : أنّه دخل دار حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد .

وأيضا عن الحسن بن جهم قال : حضرت مجلس المأمون يوما عنده علي بن موسى الرضا وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام ، وذكر أسئلة القوم وسؤل المأمون

ص: 294

عنه

عليه السلام وجواباته ، وساق الكلام إلى أن قال : فلمّا قام الرضا عليه السلام تبعته فانصرفت إلى منزله فدخلت عليه وقلت له : يا ابن رسول اللّه ، الحمد للّه الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك ، فقال عليه السلام : يا ابن الجهم لا يغرنّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع مني ، فإنّه سيقتلني بالسم وهو ظالم لي أعرف بعهد معهود إليّ من آبائي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاكتم علي هذا ما دمت حيا ، قال الحسن بن الجهم : فما حدّثت بهذا الحديث إلى أن مضى الرضا بطوس مقتولا بالسم .

وبالجملة : فالظاهر أنّ سناباد كانت بلدة صغيرة بطوس ، وكانت لحميد بن قحطبة فيها دارا وبستانا ، ولمّا مات هارون الرشيد في طوس دفن في بيت حميد ، ثم بنى المأمون قبة على تربة أبيه ، ولما توفي الإمام ودفن بجنب هارون في تلك القبة التي بناها المأمون ، فلا وجه لما هو الشائع على الألسنة أن قبته المباركة من

بناء ذي القرنين . ولعل وجه الشبهة أنّ مرو شاهجان الذي هو من أعظم بلاد خراسان هو من بناء ذي القرنين ، كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان ، وكان فيها سرير سلطنته ، ومن حسن هوائه كان يسميه بروح الملك - بكسر اللام - وباعتبار تقديم المضاف إليه اشتهر بشاه جان .

وفيه أيضا : وقد روي عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا بريدة إنّه سيبعث بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ، ثم كن في بعث خراسان ، ثم كن في بعث أرض يقال لها : « مرو » إذا أتيتها فانزل مدينتها ، فإنّه بناها ذو القرنين ، وصلّى فيها عزير ، أنهارها تجري البركة ، على كلّ

نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة .

وقال بعض : هي خير بقاع الأرض من بعد الجنات الأربع التي هي سغد سمرقند ونهر أبلة وشعب بوان وغوطة دمشق من حيث طيب الفواكه والغلة وجمال

ص: 295

النساءالرجال والخيل الجياد التي توجد فيها وسائر الحيوانات . وكانت مرو دار الإمارة للملوك من آل طاهر ، ومن المحتمل أن إسكندر من حيث كان من المقربين عند اللّه ألهم من عالم الغيب أنّه يدفن في هذه البقعة من الأرض أحد الأئمة - صلوات اللّه عليهم أجمعين - فبنى هذه البلدة وسماها سناباد ، كما رواه الصدوق رحمه اللهفي إكمال الدين ، وفيه : يقتله عفريت متكبر ، ويدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين ، و يدفن إلى جنب شرّ خلق اللّه ، ولنعم ما قاله

دعبل الخزاعي رضى الله عنه .

أربع بطوس على قبر الزكي إذا

ما كنت ترفع من دين على فطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرّهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قبر الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كلّ امرئرهن بما كسبت

به يداه فخذ ما شئت أو فذر

وعليه فإنّ إسكندر لم يبن القبة بل إنّما هو الممصر لتلك البلدة .

وفي الخرائج : روي عن الحسن بن عباد ، وكان كاتب الرضا عليه السلام ، قال : دخلت عليه وقد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد ، فقال : يا ابن عباس ما ندخل العراق ولا نراه ، فبكيت وقلت : فآيستني أن آتي أهلي وولدي ، قال عليه السلام : أمّا أنت فستدخلها ، وإنّما عنيت نفسي ، فاعتل وتوفي في قرية من قرى طوس ، وقد كان تقدّم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط بينه وبين قبر هارون ثلاث أذرع ، وقد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون ، فكسرت المعاول والمساحي فتركوه وحفروا حيث أمكن الحفر ، فقال : احفروا ذلك المكان فإنّه سيلين عليكم ، وتجدون صورة سمكة من نحاس ، وعليها كتابة بالعبرانية ، فإذا خوتم لحدي فعمقوه وردوها مما يلي رجلي . فحفرنا ذلك المكان ، وكان المحافر تقع في الرمل اللين ، ووجدنا السمكة

ص: 296

مكتوبا عليها بالعبرانية : هذه روضة علي بن موسى وتلك حفرة هارون الجبار ، فرددناها ودفناها في لحده عند موضع قاله . ومن المعلوم : أنّ حفر الأرض وعمل سمكة من نحاس وكتابه لا يكون إلاّ من إنسان ، وبالجملة : فالظاهر أنّ الحفر المزبور من آثار إسكندر ذي القرنين دون القبة المنورة .

قال في مجالس المؤنين عند ترجمة الشيخ كمال الدين حسين الخوارزمي : إنّه مسطور في التواريخ وفي الألسنة والأفواه - خصوصا عند أهل خراسان - أنّه مدة أربعمائة سنة لم تكن عمارة لائقة على قبر الإمام علي بن موسى ، وبعض الآثار التي كانت توجد عليه هي من أساس حميد بن قحطبة الطائي الذي كان في زمان هارون الرشيد حاكما في طوس من قبله ، ولمّا توفي دفنه في داره ، ومن بعده دفنوا الإمام عليه السلام في تلك البقعة بجنب هارون . ويظهر من الخبر المروي عن الرضا عليه السلام : أنّي أدفن في دار موحشة وبلاد غريبة ، أنّه في مدّة أربعمائة سنة المذكورة لم تكن في حوالي مرقده الشريف دار ولا سكنة ، وكانت نوقان في كمال العمران مع أنّه ما بين نوقان وسناباد من البعد إلاّ حدّ مدّ الصوت .

وقال في كشف الغمة : إنّ امرأة كانت تأتي إلى مشهد الإمام عليه السلام في النهار وتخدم الزوار ، فإذا جاء الليل سدت باب الروضة وذهبت إلى سناباد .

وربما يقال : إنّ بعض التزيينات كانت توجد في بناء المأمون من بعض الديالمة إلى أن خربه الأمير سبكتكين ، وذلك لتعصبه وشدته على الشيعة ، وكان خرابا إلى زمان يمين الدولة محمود بن سبكتكين.

قال ابن الأثير في الكامل في ضمن حوادث سنة أربعمائة وإحدى وعشرون : وجدّد عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسى الرضا عليه السلام والرشيد

وأحسن عمارته ، وكان أبوه سبكتكين أخربه ، وكان أهل طوس يؤون من يزوره

فمنعهم عن ذلك ، وكان سبب فعله أنّه رأى أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام

في المنام وهو يقول له : إلى متى هذا ؟ فعلم أنّه يريد أمر المشهد فأمر بعمارته .

ص: 297

ثم إنّ هذه العمارة قد هدمت عند تطرق قبائل غز ، وجددت في عهد السلطان

سنجر السلجوقي ، قال في مجالس المؤنين : إنّ القبة العالية والبناء المعظم الموجود الآن من آثار شرف الدين أبي طاهر القمي الذي كان وزيرا للسلطان سنجر ، قال : وكان بناء الوزير المزبور بإشارة غيبية ، وإنّ تعيين المحراب الواقع في

المسجد فوق الرأس إنّما كان بإشارة من الإمام عليه السلام ، وتعيين علماء الشيعة انتهى . وفي سنة خمسمائة أمر السلطان سنجر السلجوقي بصناعة الكاشي الذي يفوق في الجودة حلي الصيني ، وأن يكتب عليه الأحاديث النبوية والمرتضوية وتمام القرآن ، وكان الكاتب لهما عبد العزيز بن أبي نصر القمي . من عجيب أمر ذلك أنّه حملت تلك الآلات على النوق وأرسلت من قم ، فجاءت بطي الأرض إلى حوالي خراسان ، ونزلت في منخفض من الأرض بقرب البلدة المقدسة ، فمرّ جماعة من المارة على تلك الناحية فاطلعوا على صورة الحال ، فحملوها إلى سيد النقباء السيد محمد الموسوي فبنى بها الهزارة الرضوية . وكان السلطان سنجر ابن الملك شاه السلجوقي مع سعة ملكه قد اختار هذا المكان على سائر بلاده ، وما زال مقيما به إلى أن مات وقبره به في قبة عظيمة لها شباك إلى الجامع ، وقبته زرقاء تظهر من مسيرة يوم بناها له بعض خدمه بعد موته ، ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع ، قال في المعجم : وتركتها أنا في سنة ستمائة واثني عشر على أحسن ما يكون . واستمر بناء سنجر إلى زمان چنگيز خان فهدمه تولي خان ابن چنگيز خان وذلك في سنة ستمائة وسبع عشرة ، قال ابن الأثير في الكامل في ما يتعلق بأحوال التتار الذين هم جند چنگيز : إنّه لما فرغوا من نيسابور سيّروا طائفة منهم إلى طوس ، ففعلوا بها كذلك أيضا وخربوها وخربوا المشهد الذي فيه علي بن موسى الرضا عليه السلام والرشيد حتّى جعلوا الجميع خرابا ، ومثله في شرح نهج البلاغة .

وفي الكتيبة الذهبية الواقعة في منطقة القبة المنورة ما صورته :

ص: 298

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عظائم توفيق اللّه سبحانه أن وفق السلطان الأعظم مولى ملوك العرب والعجم صاحب النسب الطاهر النبوي والحسب الباهر العلوي تراب أقدام خدام هذه الروضة المنورة الملكوتية مروج آثار أجداده المعصومين السلطان بن السلطان أبو المظفر شاه عباس الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان فاستدعى بالمجيء ماشيا على قدميه من دار السلطنة اصفهان إلى زيارة هذا الحرم الأشرف وقد تشرف بزينة هذه العتبة من خلص ماله في سنة ألف وعشر وتم في سنة ألف وست عشرة .

وفي موضع آخر من القبة مكتوب ، وهو من إملاء المحقق الخوانساري :

من ميامن منن اللّه سبحانه الذي زين السماء بزينة الكواكب ورصع هذه القباب العلى بدرر الدراري الثواقب أن استسعد السلطان الأعدل الأعظم والخاقان الأفخم الأكرم أشرف ملوك الأرض حسبا ونسبا وأكرمهم خلقا وأدبا مروج مذهب أجداده الأئمة المعصومين ومحبي مراسم آبائه الطيبين الطاهرين السلطان بن السلطان بن السلطان سليمان الحسيني الموسوي الصفوي بهادر خان بتذهيب هذه القبة العرشية الملكوتية وتزيينها وتشرف بتجديدها وتحسينها إذ تطرق عليها الانكسار وسقطت لبناتها الذهبية التي كانت تشرق كالشمس في رابعة النهار بسبب حدوث الزلزلة العظيمة في هذه البلدة الطيبة الكريمة في سنة أربع وثمانين وألف وكان هذا التجديد سنة ست وثمانين وألف كتبه محمد رضا الإمامي .

ومكتوب على جبهة الباب الواقع في قبلة المرقد الشريف :

لقد تشرف بتذهيب الروضة الرضوية التي يتمنى العرش لها أمر النيابة وأرواح القدس تخدم جنابه السلطان نادر الأفشاري رحمه الله الملك الغفار سنة ألف ومائة وخمس وخمسون ، وكتب بعده : ثم بمرور الأعوام ظهر عليها الاندراس فأمر السلطان بن السلطان والخاقان بن الخاقان ناصر الدين شاه قاجار خلد اللّه ملكه بالتزيين بالزجاجة

والبلور لتصير نورا على نور .

ص: 299

وأرسل السلطان قطب شاه الدكني - طاب ثراه - الماسة كبيرة بقدر بيضة الدجاجة هدية إلى الضريح الرضوي ، ولمّا استولى عبد المؤن خان رئيس طائفة الأزبكية على خراسان نهبها من الخزانة في جملة ما نهب . ولمّا زار السلطان شاه عباس الصفوي خراسان في الدفعة التي مشى فيها على قدمه ، وكان مدّة خروجه من أصفهان ودخوله خراسان ثمانية عشر يوما ، أهدى إليه بعض الخوانين الأزبكية تلك الألماسة ، ولمّا بلغه أنّ الألماسة من الأعيان الراجعة إلى الخزانة الرضوية أمر

ببيعها في إستانبول واشترى بقيمتها أملاكا وأنهارا تصرف منافعها على تلك البقعة ، وكان ذلك بإجازة بعض العلماء .

وفي فردوس التواريخ نقلا عن بعض التواريخ : أنّه كان للسلطان سنجر أو أحد وزرائه ولد أصيب بالدق فحكم الأطباء عليه بالتفرج والاشتغال بالصيد ، فكان من أمره أن خرج يوما مع بعض غلمانه وحاشيته في طلب الصيد ، فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه ، فأرسل فرسه في طلبه وجد في العدو ، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع والمأمن الرفيع الذي من دخله كان آمنا ، وحاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه ، فتحيروا من ذلك ، فأمر ابن الملك غلمانه وحاشيته بالنزول من خيولهم ، ونزل هو معهم ومشى حافيا مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف ، وألقى نفسه على المرقد ، وأخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال ، ويسأل شفاء علّته من صاحب المرقد ، فعوفي فأخذوا جميعا في الفرح والسرور ، وبشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحة ببركة صاحب المرقد ، وقالوا له : إنّه مقيم عليه ولا يتحوّل منه حتّى

يصل البناءون إليه فيبني عليه قبة ، ويستحدث هناك بلدا ويشيده ليبقى بعده تذكارا ، ولمّا بلغ السلطان ذلك سجد للّه شكرا ، ومن حينه وجه نحوه المعمارين وبنوا على مشهده بقعة وقبة وسورا يدور على البلد .

ص: 300

باب احتجاجات موسى بن جعفر عليهماالسلام على أرباب الملل والخلفاء وبعض ما روي عنه من جوامع العلوم

اشارة

على أرباب الملل والخلفاء وبعض ما روي عنه من جوامع العلوم(1)

1 - التوحيد : عن يونس عن هشام بن الحكم عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له « بريهة » : قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة فكان يطلب الإسلام ويطلب من يحجّ عليه ممن يقرأ كتبه ، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت : لو لم يكن في دين النصرانية إلاّ بريهة لأجزأنا ، وكان طالبا للحقّ والإسلام مع ذلك ، وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه ، وكان يسرّ إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها ، قال : فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن ، وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم ، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا ، وقال : لو كانت أئمتكم أئمة

ص: 301


1- بحارالأنوار : 10 / 235 .

على الحقّ لكان عندكم بعض الحقّ ، فوصف له الشيعة ، ووصف له هشام بن الحكم ، فقال يونس بن عبد الرحمن : فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون عليّ القرآن ، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس ، والجاثليق الأكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني ، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه ، فقامت الأساقفة والرهابنة على عصيّهم وعلى رؤوسهم برانسهم ، فقال بريهة : ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلاّ وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء فقد جئت أناظرك في الإسلام ، قال : فضحك هشام فقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة آياته ظاهرة وعلاماته قائمة ، فقال بريهة : فأعجبني الكلام والوصف ، قال هشام : إن أردت الحجاج فهاهنا ، قال بريهة : نعم فإنّي أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان ؟ قال هشام : ابن عم جدّه لأمه ، لأنّه من ولد إسحاق ومحمد صلى الله عليه و آله من ولد إسماعيل ، قال بريهة : وكيف تنسبه إلى أبيه ؟ قال هشام : إن أردت نسبته عندكم فأخبرتكم ، وإن أردت نسبته عندنا أخبرتك ، قال بريهة : أريد نسبته عندنا ، وظننت أنّه إذا نسبه نسبتنا أغلبه ، قلت : فانسبه بالنسبة

التي ننسبه بها ، قال هشام : نعم ، يقولون إنّه قديم من قديم فأيّهما الأب وأيّهما الابن ؟ قال بريهة : الذي نزل إلى الأرض الابن ، قال بريهة : الابن رسول الأب ، قال

هشام : إنّ الأب أحكم من الابن لأنّ الخلق خلق الأب ؟ قال بريهة : إنّ الخلق خلق الأب وخلق الابن ، قال هشام : ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذ اشتركا ؟ قال بريهة : كيف يشتركان وهما شيء واحد ؟ إنّما يفترقان بالاسم ، قال هشام : إنّما يجتمعان بالاسم ، قال بريهة : جهل هذا الكلام ، قال هشام : عرف هذا الكلام ، قال بريهة : إن الابن متصل بالأب ، قال هشام : إنّ الابن منفصل من الأب ، قال بريهة : هذا خلاف ما يعقله الناس ، قال هشام : إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد

ص: 302

غلبتك لأن الأب كان ولم يكن الابن فتقول هكذا يا بريهة ؟ قال : لا ما أقول هكذا ، قال : فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك ؟ قال بريهة : إنّ الأب اسم والابن اسم بقدرة القديم ، قال هشام : الاسمان قديمان كقدم الأب والابن ؟ قال بريهة : لا ولكن الأسماء محدثة ، قال : فقد جعلت الأب ابنا والابن أبا إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب ، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء فهو الابن والابن أب وليس هاهنا ابن ، قال بريهة : إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض ، قال هشام : فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو ؟ قال بريهة : فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل ، قال هشام : فقبل النزول هذه الروح اسمها كلّها واحدة أو اسمها اثنان ؟ قال بريهة : هي كلّها واحدة ، روح واحدة ، قال : رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا ؟ قال بريهة : لا لأنّ اسم الأب واسم الابن واحد ، قال هشام :

فالابن أبو الأب والأب أبو الابن ، فالأب والابن واحد ؟ قال الأساقفة بلسانها لبريهة : ما مرّ بك مثل ذا قط تقوم ، فتحير بريهة وذهب يقوم ، فتعلّق به هشام قال :

ما يمنعك من الإسلام أفي قلبك حزازة فقلها وإلاّ سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلتك هذه فتصبح وليست لك همة غيري ! قالت الأساقفة : لا تردّ هذه المسألة لعلها تشكل ، قال بريهة : قلها يا أبا الحكم ، قال هشام : أفرأيتك الابن يعلم

ما عند الأب ؟ قال : نعم ، قال : أفرأيتك الأب يعلم كلّ ما عند الابن ؟ قال : نعم ، قال : أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على كلّ ما يقدر عليه الأب ؟ قال : نعم ، قال : أفرأيتك عن الأب أيقدر على كلّ ما يقدر عليه الابن ؟ قال : نعم ، قال : فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان ؟ وكيف يظلم كلّ واحد منهما صاحبه ؟ قال بريهة : ليس منهما ظلم ، قال هشام : من الحقّ بينهما أن يكون الابن أب الأب والأب ابن الابن ، بت عليها يا بريهة . وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه .

ص: 303

قال : فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله ، فقالت امرأته التي تخدمه : ما لي أراك مهتما مغتما ؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : ويحك أتريد أن تكون على حقّ أو على باطل ؟ قال بريهة : بل على الحقّ ، فقالت له : أينما وجدت الحقّ فمل إليه وإياك واللجاجة فإن اللجاجة شكّ والشكّ شؤ وأهله في النار ، قال : فصوّب قولها وعزم على الغدو على هشام ، قال : فغدا إليه وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه فترجع إلى قوله وتدين بطاعته ؟ قال هشام : نعم يا بريهة ، قال : وما صفته ؟ قال هشام : في نسبه

أو دينه ؟ قال : فيهما جميعا ، صفة نسبه وصفة دينه ، قال هشام : أما النسب خير الأنساب رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم كلّ من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لأن قريشا أفضل العرب ، وبنو هاشم أفضل قريش ، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم ، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره ، وهذا من ولد السيد ، قال : فصف دينه ، قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته ؟ قال : صفة بدنه وطهارته ، قال هشام : معصوم فلا يعصى ، وسخي فلا يبخل ، وشجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل ، حافظ للدين ، قائم بما فرض عليه من عترة الأنبياء ، وجامع علم الأنبياء ، يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم ، ويعين عند الرضا ، وينصف من العدو والولي ، ولا يسألك شططا في عدوه ، ولا يمنع إفادة وليه ، يعمل بالكتاب ، ويحدّث بالأعجوبات ، من أهل الطهارات ، يحكي قول الأئمة الأصفياء ، لم ينقض له حجة ، ولم يجعل مسألة يفتي في كلّ سنة ، ويجلو كلّ مدلهمة ، قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته إلاّ أنّ الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤن بالشخص ، قال هشام : إن تؤن ترشد وإن تتبع الحقّ لا تؤب ، ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها اللّه على أول خلقه إلاّ أقامها في وسط خلقه وآخر خلقه ،

ص: 304

فلا تبطل الحجج ولا تذهب الملل ولا تذهب السنن ، قال بريهة : ما أشبه هذا بالحقّ وأقربه بالصدق ، هذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة ، قال هشام : نعم ، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما ، وهما يريدان أبا عبد اللّه عليه السلام فلقيا موسى بن جعفر عليه السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلمّا فرغ قال موسى بن جعفر عليه السلام : يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي به ، قال : فابتدأ موسى عليه السلام يقرأ الإنجيل ، قال بريهة : والمسيح لقد كان يقرؤا هكذا وما قرأ هذه القراءة إلاّ المسيح ! قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك ، قال : فآمن وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها .

قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام فحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلاموبريهة ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، قال بريهة : جعلت فداك أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤا كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوها ، إنّ اللّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري ، فلزم بريهة أبا عبد اللّه عليه السلام حتى مات أبو عبد اللّه عليه السلام ثم لزم موسى بن جعفر عليه السلام حتى

مات في زمانه ، فغسله وكفنه بيده وقال : هذا حواري من حواري المسيح يعرف حقّ اللّه عليه ، فتمنّى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله(1) .

ص: 305


1- بيان : قال الفيروزآبادي : الجاثليق بفتح الثاء المثلثة : رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ، ثم المطران تحت يده ، ثم الأسقف يكون في كلّ بلد من تحت المطران ، ثم القسيس ، ثم الشماس . قوله « خميصة » أي جائعة نسب الجوع إلى الروح مجازا ، والمراد أنّه كان مرتاضا للّه ، أو كناية عن الخفاء : أي مخفية كيفية حدوثها عن الخلق ، وقيل : ساكنة مطمئنة من خمص الجرح إذا سكن ورمه . قوله « إن أردت الحجاج فهاهنا » في بعض النسخ « فها هين » فكلمة « ها » للإجابة و« هين » خبر مبتدإ محذوف : أي هو عندنا هين يسير . قوله « إنّما يجتمعان بالاسم » أي العقل يحكم بمغايرة الشخصين واستحالة اتحادهما ، وإنّما اجتمعا حيث سمّيتهما باسم واحد كالقديم والإله والخالق ونحوها ، أو المعنى أنّه لا يعقل اتحادهما إلاّ باتحاد اسمهما ، واختلاف الاسم دليل على تغاير المسميات ، والأول أوجه ، فقال بريهة : هذا الكلام مجهول غير معقول ، قال هشام : بل هو معروف عند العقلاء موجه ، فقال : إنّ الابن متصل بالأب : أي متحد معه ، فقال : بل الابن يكون جزء من الأب منفصلا منه ، فكيف يجوز اتحاده به ؟ . قوله « هذا خلاف ما يعقله الناس » لعله بنى الكلام على المغالطة ، فإنّ الناس يقولون : إنّ الابن متصل بالأب غير منفصل عنه : أي هو متحد معه في الحقيقة مرتبط به يشتركان في الأحوال غالبا ، فحمله على الواحدة الحقيقية فغيّر هشام الكلام إلى ما لا يحتمل المغالطة فقال : لو كان شهادة الناس حجّة فهم يحكمون بأن الأب متقدّم وجوده زمانا على وجود الابن فلم لا تقول به ؟ . قوله « بقدرة القديم » أي حصل هذان الاسمان بقدرة القديم ، فسأله هشام عن قدم الاسمين ، فقال : لا بل هما محدثان ، فاستدل هشام على بطلان الاتحاد بمنبهات ، فسأله عن محدث الأسماء ، ثم قال : إن قلت : إنّ المحدث هو الابن دون الأب فالحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الأب أيضا محدثا ، وهو خلاف الفرض ، وكذا العكس ، فأراد التفصي عن ذلك فقال : الروح لمّا نزلت إلى الأرض سميت بالابن ، ثم ندم عن ذلك ورجع وقال : قبل النزول أيضا كانت ابنا . ويحتمل أن يكون مراده أنّها من حيث النزول والاتصال بالبدن سميت ابنا فسبب التسمية حادث والتسمية قديم ، فسأله هشام : هل كان قبل النزول شيئان لهما اسمان ؟ فقال : لا بل كانت روح واحدة ، ولمّا كان كلامه متهافتا متناقضا وجهه هشام بأنّه يكون بعضه مسمى بالابن وبعضه مسمى بالأب ، فلم يرض بذلك فحكم باتحاد الاسمين أيضا كاتحاد المسميين ، ويحتمل أن يكون مراده بالاسم هاهنا المسمى ، فقال هشام : الابن أمر إضافي لا بد له من أب والحكم بالاتحاد يقتضي أن يكون الابن أبا للأب ، والحال أنّ الأب لابد أن يكون أبا لابن فكيف يكون الأب الابن واحدا ؟ ولا يبعد أن يكون في الأصل فالابن ابن الأب أي البنوة الإضافية تقتضي أبا والأبوة تقتضي ابنا فكيف تحكم باتحادهما ؟ أو اتحاد الاسمين على الاحتمال الأول مع تغاير المفهومين ، فقوله « فالأب والابن واحد ؟ » استفهام على الإنكار . قوله « وهما متساويان » حاصل الكلام أنّ الحكم بأنّ أحدهما ابن والآخر أب يقتضي فرقا بينهما حتى يحكم على أحدهما بالأبوة التي هي أقوى ، وفيها جهة العلية ، وعلى الآخر بالبنوة التي هي أضعف ، وفيها جهة المعلولية ، فإذا حكمت بأنّهما متساويان من جميع الجهات لا يتأتى هذا الحكم ، وأمّا الظلم فهو من حيث إنّ الأبوة شرافة وبحكم الاتحاد يتصف الابن بأبوة الأب وهذا ظلم للأب ، وكذا العكس ، والحكم بالظلم من الطرفين أيضا مبني على الاتحاد ، ويحتمل أن يكون المراد غصب ما هو حقّ له سواء كان أشرف أم لا .

ص: 306

2 - الخرائج والجرائح : روي أنّ قوما من اليهود قالوا للصادق عليه السلام : أي معجز يدل على نبوة محمد صلى الله عليه و آله ؟ قال : كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الحلال والحرام وغيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه ، فقال اليهود : كيف لنا أن نعلم أنّ هذا كما وصفت ؟ فقال لهم موسى بن جعفر عليه السلام ، وهو صبي وكان حاضرا : وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسى أنّها على ما تصفون ؟ قالوا : علمنا ذلك بنقل الصادقين ، قال لهم موسى بن جعفر عليه السلام : فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه اللّه - تعالى - من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه وأنّكم الأئمة الهادية والحجج من عند اللّه على خلقه ، فوثب أبو عبد اللّه عليه السلامفقبّل بين عيني موسى بن جعفر عليه السلام ثم قال : أنت القائم من بعدي ، فلهذا قالت الواقفة : إنّ موسى بن جعفر عليه السلام حي وإنّه القائم ، ثم كساهم أبو عبد اللّه ووهب لهم وانصرفوا مسلمين ، ولا شبهة في ذلك لأنّ كلّ إمام يكون قائما بعد أبيه ، فأمّا القائم الذي يملأ الأرض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري(1) .

3 - تفسير العياشي : عن الحسن بن علي بن النعمان قال : لما بنى المهدي في المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد فطلبها من أربابها فامتنعوا ، فسأل عن ذلك الفقهاء ، فكلّ قال له : إنّه لا ينبغي أن تدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا ، فقال له علي بن يقطين : يا أمير المؤنين لو كتبت إلى موسى بن جعفر عليه السلام لأخبرك بوجه الأمر في ذلك ، فكتب إلى والي المدينة : أن سل موسى بن جعفر عليه السلام عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها فكيف المخرج من ذلك ؟ فقال ذلك لأبي الحسن عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : ولا بد من الجواب في هذا ؟ فقال له : الأمر لا بد منه ، فقال : اكتب : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إن كانت الكعبة هي

ص: 307


1- أقول : سيأتي احتجاجه عليه السلام على اليهود في بيان معجزات النبي صلى الله عليه و آله بطوله في أبواب معجزاته صلى الله عليه و آله .

النازلة بالناس فالناس أولى ببنيانها ، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها ، فلمّا أتى الكتاب المهدي أخذ الكتاب فقبّله ثم أمر بهدم الدار ، فأتى أهل الدار أبا الحسن عليه السلام فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتابا في ثمن دارهم ، فكتب إليه أن ارضخ لهم شيئا فأرضاهم(1) .

4 - تحف العقول : قال عبد اللّه بن يحيى : كتبت إليه في دعاء « الحمد للّه منتهى علمه » ، فكتب : لا تقولن : « منتهى علمه » فإنّه ليس لعلمه منتهى ، ولكن قل « الحمد للّه منتهى رضاه » .

5 - وسأله رجل عن الجواد فقال : إنّ لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوق فإنّ الجواد الذي يؤي ما افترض اللّه عليه ، والبخيل من بخل بما افترض اللّه عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك ، وإن منعك منعك ما ليس لك .

6 - وقال له وكيله : واللّه ما خنتك ، فقال له : خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء ، والخيانة شرّهما عليك .

7 - وقال عليه السلام : من تكلّم في اللّه هلك ، ومن طلب الرئاسة هلك ، ومن دخله العجب هلك .

8 - وقال : اشتدت مئونة الدنيا والدين ، فأمّا مئونة الدنيا فإنّك لا تمدّ يدك إلى شيء منها إلاّ وجدت فاجرا قد سبقك إليه ، وأمّا مئونة الآخرة فإنّك لا تجد عوانا يعينونك عليه .

9 - وقال : أربعة من الوسواس : أكل الطين ، وفت الطين ، وتقليم الأظفار بالأسنان ، وأكل اللحية ، وثلاث يجلين البصر : النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء

الجاري ، والنظر إلى الوجه الحسن .

ص: 308


1- بيان : الرضخ : العطاء القليل .

10 - وقال عليه السلام : إذا كان الجور أغلب من الحقّ لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه .

11 - وقال عليه السلام : ليس القبلة على الفم إلاّ للزوجة والولد الصغير .

12 - وقال عليه السلام : تفقّهوا في دين اللّه فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا ، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض اللّه له عملا .

13 - وقال عليه السلام لعلي بن يقطين : كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان .

14 - وقال عليه السلام : إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر ، وإذا كان جائرا كان عليه الوزر وعليك الصبر .

15 - الأمالي للصدوق : كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : عظني وأوجز ، فكتب إليه : ما من شيء تراه عينيك إلاّ وفيه موعظة .

16 - تحف العقول : وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني وقال عليه السلام : ينبغي لمن عقل عن اللّه أن لا يستبطئه في رزقه ولا يتهمه في قضائه .

وقال : سألته عن اليقين فقال عليه السلام : يتوكّل على اللّه ويسلّم للّه ويرضى بقضاء اللّه ويفوض إلى اللّه .

وقال لبعض شيعته : أي فلان اتق اللّه وقل الحقّ وإن كان فيه هلاكك فإنّ فيه نجاتك ، أي فلان اتق اللّه ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإنّ فيه هلاكك .

وقال عليه السلام : إياك أن تمنع في طاعة اللّه فتنفق مثليه في معصية اللّه .

وقال عليه السلام : المؤن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه .

وقال عليه السلام عند قبر حضره : إنّ شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإنّ شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره .

وقال عليه السلام : ليس حسن الجوار كفّ الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى .

ص: 309

وقال عليه السلام : لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها فإنّ ذهابها ذهاب الحياء .

وقال عليه السلام لبعض ولده : يا بني إياك أن يراك اللّه في معصية نهاك عنها ، وإياك أن يفقدك اللّه عند طاعة أمرك بها ، وعليك بالجدّ ولا تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة اللّه وطاعته ، فإنّ اللّه لا يعبد حقّ عبادته ، وإياك والمزاح فإنّه يذهب بنور

إيمانك ويستخف مروتك ، وإياك والضجر والكسل فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة .

وقال عليه السلام : اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة اللّه ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاثة ساعات ، لا تحدّثوا أنفسكم بفقر ، ولا بطول عمر ، فإنّه من حدث نفسه بالفقر بخل ، ومن حدّثها بطول العمر يحرص ، اجعلوا لأنفسكم حظّا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه ، واستعينوا بذلك على أمور الدين ، فإنّه روي : ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه .

وقال عليه السلام : كلّما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون .

وقال له أبو أحمد الخراساني : الكفر أقدم أم الشرك ؟ فقال عليه السلام له : ما لك ولهذا ، ما عهدي بك تكلّم الناس ؟ قلت : أمرني هشام بن الحكم أن أسألك ، فقال : قل له : الكفر أقدم ، أول من كفر إبليس « أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ » ، والكفر شيء واحد والشرك يثبت واحدا ويشرك معه غيره .

ورأى رجلان يتسابان فقال عليه السلام : البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم .

ص: 310

وقال عليه السلام : ينادي مناد يوم القيامة : ألا من كان له على اللّه أجر فليقم ، فلا يقوم إلاّ من عفا وأصلح فأجره على اللّه .

وقال عليه السلام : السخي الحسن الخلق في كنف اللّه لا يتخلّى اللّه عنه حتى يدخله الجنة ، وما بعث اللّه نبيا إلاّ سخيا ، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى .

وقال عليه السلام لفضل بن يونس : أبلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن إمعة ، قلت : وما الإمعة ؟ قال : لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : يا أيّها الناس إنّما هما نجدان نجد خير ونجد شرّ فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير .

وروي أنّه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا ، ثم عرض عليه السلام عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له ، فقيل له : يا ابن رسول اللّه أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج ؟ فقال عليه السلام : عبد من عبيد اللّه وأخ في كتاب اللّه وجار في بلاد اللّه ، يجمعنا وإياه خير الآباء آدم عليه السلام وأفضل الأديان الإسلام ، ولعل الدهر يردّ من حاجاتنا إليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه ، ثم قال عليه السلام : نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق .

وقال عليه السلام : لا تصلح المسألة إلاّ في ثلاثة : في دم منقطع ، أو غرم مثقل ، أو حاجة مدقعة .

وقال عليه السلام : عونك للضعيف من أفضل الصدقة .

وقال عليه السلام : تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل .

وقال عليه السلام : المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان .

وقال عليه السلام : يعرف شدّة الجور من حكم به عليه .

ص: 311

17 - تحف العقول : روي عن موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال : صلاة النوافل قربان إلى اللّه لكلّ مؤن ، والحج جهاد كلّ ضعيف ، ولكلّ شيء زكاة وزكاة الجسد صيام النوافل ، وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ، ومن دعا قبل الثناء على اللّه

والصلاة على النبي صلى الله عليه و آله كان كمن رمى بسهم بلا وتر ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ، وإن امرأ اقتصد والتدبير نصف العيش ، والتودّد إلى الناس نصف العقل ، وكثرة الهم يورث الهرم ، والعجلة هي الخرق ، وقلّة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه فقد عقّهما ، ومن ضرب بيده على فخذه أو ضرب بيده الواحدة على الأخرى عند المصيبة فقد حبط أجره ، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر والاسترجاع عند الصدمة ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب ، واللّه ينزل المعونة على قدر المئونة وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة ، وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ، وإذا أراد اللّه بالذرة

شرّا أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير ، والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤن لصاحبها إلاّ بثلاثة أشياء : تصغيرها وسترها وتعجيلها ، فمن صغر الصنيعة عند المؤن فقد عظم أخاه ، ومن عظم الصنيعة عنده فقد صغر أخاه ، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله ، ومن عجل ما وعد فقد هنى العطية .

18 - كشف الغمة : قال الآبي في كتاب نثر الدرر سمع موسى عليه السلام رجلا يتمنى الموت ، فقال له : هل بينك وبين اللّه قرابة يحاميك لها ؟ قال : لا ، قال : فهل لك

حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك ؟ قال : لا ، قال : فأنت إذا تتمنّى هلاك الأبد .

وقال عليه السلام : من استوى يوماه فهو مغبون ، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون ، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان ، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة .

ص: 312

وروي عنه عليه السلام أنّه قال : اتخذوا القيان فإنّ لهن فطنا وعقولا ليست لكثير من النساء ، كأنّه أراد النجابة في ٔلادهن(1) .

وقال ابن حمدون في تذكرته : قال موسى بن جعفر عليه السلام : وجدت علم الناس في أربع : أولها : أن تعرف ربّك ، والثانية : أن تعرف ما صنع بك ؟ والثالثة : أن تعرف ما

أراد منك ؟ والرابعة : أن تعرف ما يخرجك من دينك ؟ معنى هذه الأربع : الأولى : وجوب معرفة اللّه تعالى الذي هي اللطف ، الثانية : معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة ، الثالثة : أن تعرف ما أراده منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحدّ الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب ، والرابعة : أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة اللّه فتجتنبه .

19 - الدرة الباهرة : قال الكاظم عليه السلام : المعروف غلّ لا يفكّه إلاّ مكافاة أو شكر ، من ولده الفقر أبطره الغنى .

20 - أعلام الدين : قال موسى بن جعفر عليه السلام : أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل ، فلا تشتغلن بعلم ما لا يضرّك جهله ، ولا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه .

وقال عليه السلام : لو ظهرت الآجال افتضحت الآمال .

وقال عليه السلام : من أتى إلى أخيه مكروها فبنفسه بدأ .

وقال عليه السلام : من لم يجد للإساءة مضضا لم يكن عنده للإحسان موقعا .

ص: 313


1- قلت : القيان جمع قينة ، وهي الأمة مغنية كانت أو غير مغنية ، قال أبو عمر : وكلّ عبد هو عند العرب قين والأمة قينة ، وبعض الناس يظنّ القينة المغنية خاصة وليس كذلك .

وقال عبد المؤن الأنصاري : دخلت على الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعنده محمد بن عبد اللّه الجعفري فتبسمت إليه ، فقال : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، وما أحببته إلاّ لكم ، فقال عليه السلام : هو أخوك والمؤن أخو المؤن لأمه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من غشّ أخاه ، ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون من اغتاب أخاه .

وقال عليه السلام : ما تساب اثنان إلاّ انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل .

21 - معاني الأخبار : عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت ، والابتهال أن تبسطهما وتقدّمهما ، والرغبة أن تستقبل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك ، والرهبة أن تكفى كفيك فترفعهما إلى الوجه ، والتضرّع أن تحرّك إصبعيك وتشير بهما .

وعن الكاظم عليه السلام : من تزوّج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد .

وعن الكاظم عليه السلام قال : لن تكونوا مؤنين حتى تعدّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة ، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء .

وعن الكاظم عليه السلام : لحم القبج يقوّي الساقين ويطرد الحمى .

وعن الكاظم عليه السلام : علي بن أبي طالب حبل اللّه المتين .

وقال الكاظم عليه السلام من أتاه أخوه المؤن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه ساقها إليه ، فإن فعل ذلك فقد وصله بولايتنا وهي موصولة بولاية اللّه - عز وجلّ - ، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر عليها فقد ظلم نفسه وأساء إليها .

وعن الكاظم عليه السلام قال : إنّ أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا وأدوا الأمانة وعملوا بالحقّ .

22 - الخصال : عن الكاظم عليه السلام قال : خمس من السنن في الرأس ، وخمس في الجسد ، فأمّا التي في الرأس فالمسواك ، وأخذ الشارب ، وفرق الشعر ،

ص: 314

والمضمضة والاستنشاق ، وأمّا التي في الجسد فالختان ، وحلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء .

وقال الكاظم عليه السلام : لا تدخل الحمام على الريق لا تدخلوه حتى تطعموا شيئا .

الصدوق في الفقيه : عن الكاظم عليه السلام : إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن كان مؤنا استروح إلى ذلك ، ومن كان منافقا وجد ألمه .

وروى علي بن إبراهيم عن الكاظم عليه السلام قال : لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى اللّه إلى موسى وهارون : أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ، قال : أمروا أن يصلّوا في بيوتهم .

23- الأمالي للصدوق : عن النوفلي عن الكاظم عليه السلام قال : إنّ للّه يوم الجمعة ألف نفحة من رحمته يعطي كلّ عبد منها ما شاء ، فمن قرأ « إنا أنزلناه في ليلة القدر » بعد

العصر يوم الجمعة مائة مرة وهب اللّه له تلك الألف ومثلها .

ص: 315

مما رواه عليه السلام عن جده رسول اللّه صلى الله عليه و آله

1 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سائلوا العلماء وخالطوا الحكماء وجالسوا الفقراء .

2 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال صلى الله عليه و آله : النظر في وجه العالم حبّا له عبادة .

3 - السرائر : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع(1) .

4 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ من البيان لسحرا ، ومن العلم جهلا ، ومن الشعر حكما ، ومن القول عدلا .

5 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر ، ومن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء .

ص: 316


1- بيان : الظاهر أنّ المراد علم النحو ، ولا ينافي تجدّد هذا العلم والاسم لعلمه ع بما سيتجدّد ، ويحتمل أن يكون المراد التوجه إلى القواعد النحوية في حال الدعاء ، والنحو في اللغة : الطريق والجهة والقصد ، وشيء منها لا يناسب المقام إلاّ بتكلّف تام .

6 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من يشفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك .

7 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول اللّه ، ما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم .

8 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما آتى اللّه عبدا علما فازداد للدنيا حبّا إلاّ ازداد من اللّه - تعالى - بعدا ، وازداد اللّه - تعالى - عليه غضبا .

9 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يبعث اللّه المقنطين يوم القيامة مغلبة وجوههم - يعني غلبة السواد على البياض - فيقال لهم : هؤاء المقنطون من رحمة اللّه .

10 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من نكث بيعة أو رفع لواء ضلالة أو كتم علما أو اعتقل مالا ظلما أو أعان ظالما على ظلمه ، وهو يعلم أنّه ظالم ، فقد برئ من الإسلام .

11 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض .

12 - الطرف للسيد ابن طاوس قدس سره : عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند عدّ شروط الإسلام وعهوده : والوقوف عند الشبهة والردّ إلى الإمام فإنّه لا شبهة عنده .

13 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول

اللّه صلى الله عليه و آله : لا تزوجوا الحسناء الجميلة العاقرة فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة ،

ص: 317

أو ما علمت أنّ الولدان تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم ، يحضنهم إبراهيم وتربيهم سارة عليهماالسلام في جبل من مسك وعنبر وزعفران .

14 - الأمالي للطوسي : موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يوحي اللّه - عزّ وجلّ - إلى الحفظة الكرام : لا تكتبوا على عبدي المؤن عند ضجره شيئا .

15 - دعوات الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : النجوم أمنة من السماء لأهل السماء ، فإذا تناثرت دنا من أهل السماء ما يوعدون ، والجبال أمنة لأهل الأرض ، فإذا سيرت دنا من أهل الأرض ما يوعدون .

16 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : القرون أربعة أنا في أفضلها قرنا ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فإذا كان الرابع اتقى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، فقبض اللّه كتابه من صدور بني آدم ،

فيبعث اللّه ريحا سوداء ، ثم لا يبقى أحد سوى اللّه - تعالى - إلاّ قبضه اللّه إليه .

17 - وبهذا الإسناد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يزداد المال إلاّ كثرة ، ولا يزداد الناس إلاّ شحا ، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق .

18 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : بعثت والساعة كفرسي رهان يسبق

أحدهما صاحبه بإذنه إن كانت الساعة لتسبقني إليكم .

19 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تقوم الساعة حتى يطفر الفاجر

ويعجز المنصف ويقرب الماجن ويكون العبادة استطالة على الناس ويكون الصدقة مغرما والأمانة مغنما والصلاة منّا .

20 - وبهذا الإسناد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا طففت أمتي مكيالها وميزانها واختانوا وخفروا الذمة وطلبوا الآخرة ، فعند ذلك يزكون أنفسهم ويتورع منهم .

ص: 318

21 - وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تقوم الساعة حتى يذهب الحياء

من الصبيان والنساء ، وحتى تؤل المغاثير كما تؤل الخضر(1) .

22 - الخصال ، الأمالي للصدوق : موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام

قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت(2) .

23 - نوادر الراوندي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ نعيم مسئول عنه يوم القيامة إلاّ ما كان في سبيل اللّه - تعالى - .

24 - المحاسن : عن الحسين بن خالد قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : لما قبض إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله جرت في موته ثلاث سنن : أما واحدة فإنّه لما قبض انكسفت الشمس ، فقال الناس : إنّما انكسفت الشمس لموت ابن رسول اللّه ، فصعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أيّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو أحدهما صلّوا ، ثم نزل من المنبر فصلّى بالناس الكسوف ، فلمّا سلّم قال : يا علي قم فجهز ابني ، قال : فقام علي فغسل إبراهيم وكفّنه وحنّطه ، ومضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى انتهى به إلى قبره ، فقال الناس : إنّ رسول اللّه نسي أن يصلّي على ابنه لما دخله من الجزع عليه ، فانتصب قائما ثم قال : إنّ جبرئيل أتاني وأخبرني بما قلتم ، زعمتم أنّي نسيت أن أصلّي على ابني لما دخلني من الجزع ، ألا وإنّه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كلّ صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلّي إلاّ

ص: 319


1- بيان : قال في القاموس : المغثر كمنبر شيء ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل ، والجمع مغاثير .
2- بيان : العمر لا يستلزم القوة والشباب ، وكلّ منهما نعمة يسأل عن كلّ منهما ، ومع الاستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤل عن كلّ منهما .

على من صلّى ، ثم قال : يا علي انزل وألحد ابني ، فنزل علي فألحد إبراهيم في لحده ، فقال الناس : إنّه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بابنه ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّها الناس إنّه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ولكن لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عن ذلك من الجزع ما يحبط أجره ، ثم انصرف .

25 - الأمالي للطوسي : عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله قال : يعير اللّه - عزّ وجلّ - عبدا من عباده يوم القيامة فيقول : عبدي ما منعك إذا مرضت أن تعودني ؟ فيقول : سبحانك سبحانك أنت ربّ العباد لا تألم ولا تمرض ! فيقول : مرض أخوك المؤن فلم تعده ، وعزّتي وجلالي ، لو عدته لوجدتني عنده ثم لتكفّلت بحوائجك فقضيتها لك ، وذلك من كرامة عبدي المؤن ، وأنا الرحمن الرحيم .

وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعن طوبى ؟ قال : شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ، ثم سئل عنها مرّة أخرى ؟ فقال : في دار علي ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ داري ودار علي في الجنة بمكان واحد .

26 - المحاسن : سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون إليه ؟ قال : لا .

27 - الإختصاص : قال موسى بن جعفر عليه السلام : محادثة العالم على المزبلة خير من محادثة الجاهل على الزرابي .

28 - وقال عليه السلام : لا تجلسوا عند كلّ عالم إلاّ عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس : من الشك إلى اليقين ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن العداوة إلى النصيحة ، ومن الرغبة إلى الزهد .

ص: 320

29 - الدرة الباهرة : عن الكاظم عليه السلام قال : من تكلّف ما ليس من علمه ضيع عمله وخاب أمله .

30 - الإحتجاج ، تفسير الإمام عليه السلام : بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلامقال : قال موسى بن جعفر عليه السلام : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشدّ على إبليس من ألف عابد؛ لأنّ العابد همّه ذات نفسه فقط ، وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه وإماؤ لينقذهم من يد إبليس ومردته ، فذلك هو أفضل عند اللّه من ألف ألف عابد ، وألف ألف عابدة .

31 - تفسير الإمام عليه السلام : قال أبو محمد عليه السلام : قال موسى بن جعفر عليه السلام : من أعان محبّا لنا على عدو لنا فقواه وشجعه حتى يخرج الحقّ الدال على فضلنا بأحسن صورته ويخرج الباطل الذي يروم به أعداؤا ودفع حقنا في أقبح صورة حتى ينبه الغافلين ويستبصر المتعلمون ويزداد في بصائرهم العالمون بعثه اللّه - تعالى - يوم القيامة في أعلى منازل الجنان ويقول : يا عبدي الكاسر لأعدائي الناصر لأوليائي المصرح بتفضيل محمد خير أنبيائي وبتشريف علي أفضل أوليائي ويناوي من ناواهما ويسمي بأسمائهما وأسماء خلفائهما ويلقب بألقابهم فيقول ذلك ويبلغ اللّه جميع أهل العرصات فلا يبقى كافر ولا جبار ولا شيطان إلاّ صلّى على هذا الكاسر لأعداء محمد عليه السلام ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمد وعلي صلوات اللّه عليهما .

32 - المحاسن(1) : عن محمد بن حكيم قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا اللّه بكم عن الناس حتى إنّ الجماعة منّا ليكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه يحضره المسألة ويحضره جوابها منّا

ص: 321


1- بحارالأنوار : 2 / 306 .

من اللّه علينا بكم ، فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك وعن آبائك شيء فننظر إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا منكم فنأخذ به ، فقال : هيهات هيهات في ذلك - واللّه - هلك من هلك يا ابن حكيم ، ثم قال : لعن اللّه أبا حنيفة يقول : قال علي وقلت ، قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم : واللّه ما أردت إلاّ أن يرخّص لي في القياس(1) .

33 - المحاسن : عن الفضل بن يحيى قال : سأل أبي أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن شيء من الصفة ؟ فقال : لا تجاوز عما في القرآن .

34 - تفسير القمي : عن يعقوب بن جعفر قال : سمعت موسى بن جعفر - صلوات اللّه عليه - يقول : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - أنزل على عبده محمد صلى الله عليه و آله أنّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم ، ويسمى بهذه الأسماء الرحمن الرحيم العزيز الجبار العلي العظيم ، فتاهت هنالك عقولهم واستخفت حلومهم ، فضربوا له الأمثال ، وجعلوا له أندادا ، وشبهوه بالأمثال ،

ومثلوه أشباها ، وجعلوه يزول ويحول ، فتاهوا في بحر عميق ، لا يدرون ما غوره ، ولا يدركون كمية بعده .

35 - التوحيد : عن يعقوب بن جعفر قال : سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام وهو يكلّم راهبا من النصارى فقال له في بعض ما ناظره : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - أجلّ وأعظم من أن يحدّ بيد أو رجل أو حركة أو سكون أو يوصف بطول أو قصر أو تبلغه الأوهام أو تحيط بصفته العقول ، أنزل مواعظه ووعده ووعيده أمر بلا شفة ولا لسان ، ولكن كما شاء أن يقول كن فكان خيرا كما أراد في اللوح .

ص: 322


1- بيان : قوله « ما يسأل رجل صاحبه » في بعض النسخ « إلا يحضره » وهو ظاهر ، وفي أكثر النسخ « يحضره » بغير أداة الاستثناء ، فتكون كلمة « ما » نافية أيضا : أي لا يحتاج أحد من أهل المجلس أن يسأل صاحبه عن مسألة ، وجملة « يحضره » مستأنفة أو موصولة ، وهي مع صلتها مبتدأ ، وقوله « يحضره » خبر ، أو الجملة استئنافية ، أو صفة للمجلس ، والأول أظهر .

36 - التوحيد : عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - كان لم يزل بلا زمان ولا مكان ، وهو الآن كما كان لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يحل في مكان « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ ولا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ ولا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا » ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلاّ هو الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ(1)(2) .

37 - التوحيد : عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه السلام قال : علم اللّه لا يوصف اللّه منه بأين ، ولا يوصف العلم من اللّه بكيف ، ولا يفرد العلم من اللّه ولا يبان اللّه منه ، وليس بين اللّه وبين علمه حدّ(3) .

ص: 323


1- بحارالأنوار : 3 / 328 .
2- بيان : قوله « غير خلقه » أي ليس الحجاب بينه وبين خلقه إلاّ عجز المخلوق عن الإحاطة به ، وقوله « محجوب » إمّا نعت لحجاب أو خبر مبتدإ محذوف ، فعلى الأول فهو إمّا بمعنى حاجب ، إذ كثيرا ما يجيء صيغة المفعول بمعنى الفاعل ، كما قيل في قوله تعالى « حِجاباً مَسْتُوراً » أو بمعناه ، ويكون المراد أنّه ليس له تعالى حجاب مستور بل حجابه ظاهر ، وهو تجرّده وتقدّسه وعلوّه عن أن يصل إليه عقل أو وهم ، ويحتمل على هذا أن يكون المراد بالحجاب الحجة الذي أقامه بينه وبين خلقه فهو ظاهر غير مخفي ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد به أنّه لم يحتجب بحجاب مخفي فكيف الظاهر ، وأمّا على الثاني فالظرف متعلّق بقوله « محجوب » أي هو محجوب بغير حجاب ، وهاهنا احتمال ثالث : وهو أن يكون محجوب مضاف إليه بتقدير اللام ، وإجراء الاحتمالات في الفقرة الثانية ظاهر ، وهي إمّا تأكيد للأولى أو الأولى إشارة إلى الاحتجاب عن الحواس والثانية إلى الاستتار عن العقول والأفهام .
3- بيان : قوله « لا يوصف اللّه منه بأين » أي ليس علمه تعالى شيئا مباينا منه بحسب المكان بأن يكون هو تعالى في مكان وعلمه في مكان آخر ، أو لا يوصف بسبب العلم بمكان بأن يقال : علم ذلك الشيء في هذا المكان ، أي لا يحتاج في العلم بالأشياء إلى الدنو منها والإحاطة الجسمية بها ، ويحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى ليس مكانا للمعلوم بأن يحل ويحصل فيه صورته لكنه بعيد ، وقوله عليه السلام « ولا يوصف العلم من اللّه بكيف » أي ليس علمه تعالى كيفية كما في المخلوقين ، أو لا يعلم كنه علمه تعالى وكيفية تعلقه بالمعلومات ، قوله « وليس بين اللّه وبين علمه حد » إمّا إشارة إلى عدم مغايرة العلم للذات ، أو إلى عدم حدوث علمه تعالى ، أي لم ينفك علمه تعالى عنه حتى يكون بين وجوده تعالى وعلمه حدّ وأمد حتى يقال : كان ثم حدث علمه في وقت معين وحد معلوم .

38 - وقال موسى بن جعفر عليه السلام : الحمام يوم ويوم لا ، يكثر اللحم ، وإدمانه كلّ يوم يذيب شحم الكليتين .

39 - وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا .

40 - قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إذا سرحت لحيتك ورأسك فأمر المشط على صدرك فإنّه يذهب بالهم والوباء .

وعن الكاظم عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تخللوا فإنّه ليس شيء أبغض إلى

الملائكة من أن يروا في أسنان العبد طعاما .

مجالس الشيخ : عن الكاظم عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّا أهل بيت لا نمسح على خفافنا .

نوادر الراوندي(1) : بإسناده إلى الكاظم عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا طرقكم سائل ذكر اللّه فلا تردوه .

ص: 324


1- بحارالأنوار : 93 / 171 .

نماذج من تفسير الامام عليه السلام

1 - التوحيد(1) : عن ابن أبي عمير قال : سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول : لا يخلد اللّه في النار إلاّ أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤنين لم يسأل عن الصغائر ، قال اللّه - تعالى - « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » ، قال : فقلت له : يا ابن رسول اللّه فالشفاعة لمن تجب من المؤنين ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل ، قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا ابن رسول اللّه فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر واللّه - تعالى - يقول : « وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ » ، ومن يركب الكبائر لا يكون مرتضى ؟ فقال : يا أبا أحمد ، ما من مؤن يرتكب ذنبا إلاّ ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : كفى بالندم توبة ، وقال : من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤن ، ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما ، واللّه - تعالى - يقول :

ص: 325


1- بحارالأنوار : 8 / 352 .

« ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ » ، فقلت له : يا ابن رسول اللّه وكيف لا يكون مؤنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرا ، والمصر لا يغفر له لأنّه

غير مؤن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤنا بالعقوبة لندم ، وقد قال النبي صلى الله عليه و آله : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار ، وأمّا قول اللّه « وَلا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى »فإنّهم لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى اللّه دينه ، والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، ومن ارتضى اللّه دينه ندم على ما يرتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة .

2 - تفسير(1) الإمام عليه السلام : « يُخادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ » قال موسى بن جعفر عليه السلام : لمّا نصب النبي صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام يوم غدير خم وأمر عمر وتمام تسعة من رؤاء المهاجرين والأنصار أن يبايعوه بإمرة المؤنين

ففعلوا ذلك وتواطئوا بينهم أن يدفعوا هذا الأمر عن علي عليه السلام وأن يهلكوهما ، كان من مواطاتهم أن قال أولهم : ما اعتددت بشيء كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفسح اللّه بها لي في قصور الجنان ، ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان ، وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلاّ بهذه البيعة ، واللّه ما يسرّني إن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت وإن لي طلاع ما

بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة ، وقال ثالثهم : واللّه يا رسول اللّه لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ومن السرور الفسيح من الآمال في رضوان اللّه ما أيقنت أنّه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلّها عليّ لمحصت عنّي بهذه البيعة ، وحلف

ص: 326


1- بحارالأنوار : 6 / 52 .

على ما قال من ذلك ، ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين ، فقال اللّه - عزّ وجل - لمحمد صلى الله عليه و آله « يُخادِعُونَ اللّهَ » يعني يخادعون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بإيمانهم خلاف ما في جوانحهم « وَالَّذِينَ آمَنُوا » كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم قال : « وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ » ما يضرون بتلك الخديعة إلاّ أنفسهم فإنّ اللّه غني عنهم وعن نصرتهم ، ولولا إمهاله لهم ما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم « وَما يَشْعُرُونَ » أنّ الأمر كذلك وإنّ اللّه يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم في الدنيا يلعنهم خيار عباد اللّه ، وفي

الآخرة يبتلون بشدائد عقاب اللّه « وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا » إلى قوله « يَعْمَهُونَ » ، قال موسى عليه السلام : وإذا لقي هؤاء الناكثون للبيعة المواطئون على مخالفة علي عليه السلام

ودفع الأمر عنه الذين آمنوا قالوا : آمنا كإيمانكم ، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر

وعمار قالوا : آمنا بمحمد وسلّمنا له بيعة علي وفضله كما آمنتم ، وإن أولهم وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه فإذا لقوهم اشمأزوا منهم وقالوا : هؤاء أصحاب الساحر والأهوج - يعنون محمدا وعليا عليهماالسلام - فيقول أولهم : انظروا كيف أسخر منهم وأكفّ عاديتهم

عنكم ، فإذا التقوا قال أولهم : مرحبا بسلمان بن الإسلام ويمدحه بما قال النبي صلى الله عليه و آله فيه ، وكذا كان يمدح تمام الأربعة ، فلمّا جازوا عنهم كان يقول الأول : كيف رأيتم سخريتي لهؤاء وكفّي عاديتهم عنّي وعنكم ؟ فيقول له : لا نزال بخير ما عشت لنا ، فيقول لهم : فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا ، فإنّ اللبيب العاقل من تجرّع على الغصة حتى ينال الفرصة ، ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما أداه إليهم عن اللّه - عزّ وجل - من ذكر تفضيل أمير المؤنين عليه السلام ونصبه إماما

ص: 327

على كافة المسلمين قالوا لهم : إنّا معكم فيما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الأمر ، إن كانت لمحمد كائنة فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منّا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم فإنّا نحن مستهزءون بهم ، فقال اللّه - عزّ وجلّ - « اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ » يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة « وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ »يمهلهم ويتأتى بهم ويدعوهم إلى التوبة ويعدهم إذا تابوا المغفرة ، وهم ( يعمهون ) لا يرعون عن قبيح ولا يتركون أذى بمحمد وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلاّ بلغوه .

قال العالم عليه السلام : أمّا استهزاء اللّه بهم في الدنيا فهو إجراؤ إياهم على ظاهر أحكام المسلمين لإظهارهم السمع والطاعة ، وأمّا استهزاؤ بهم في الآخرة فهو أنّ اللّه - عزّ وجلّ - إذا أقرّهم في دار اللعنة والهوان وعذّبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب ، وأقرّ هؤاء المؤنين في الجنان بحضرة محمد صفي اللّه الملك الديان أطلعهم على هؤاء المستهزءين بهم في الدنيا حتى يروا ما هم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات ، فيكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم كلذتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربّهم ، فالمؤنون يعرفون أولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم وصفاتهم ، والكافرون والمنافقون ينظرون فيرون هؤاء المؤنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما يعتقدون فيرونهم في أنواع الكرامة والنعيم فيقول هؤاء المؤنون المشرفون على هؤاء الكافرين المنافقين : يا فلان ويا فلان ويا فلان - حتى ينادوهم بأسمائهم - ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم وتلحقوا بنا ، فيقولون : يا ويلنا أنّى لنا هذا ؟ فيقول المؤنون : انظروا إلى هذه الأبواب ، فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنّها إلى جهنم التي فيها يعذبون ويقدرون أنّهم يتمكنون من أن يخلصوا إليها ، فيأخذون في السباحة في بحار حميمها وعدوا

ص: 328

من بين أيدي زبانيتها وهم يلحقونهم يضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم ، فلا يزالون هكذا يسيرون هناك وهذه الأصناف من العذاب وتمسهم حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الأبواب وجدوها مردومة عنهم وتدهدههم الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم ، ويستلقي أولئك المؤنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم مستهزءين بهم ، فذلك قول اللّه - عزّ وجلّ - « فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرائِكِ يَنْظُرُونَ »(1) .

3 - معاني الأخبار : عن علي بن يقطين عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : واللّه أوتينا ما أوتي سليمان وما لم يؤ سليمان وما لم يؤ أحد من العالمين ، قال اللّه - عزّ

وجلّ - في قصة سليمان « هذا عَطاؤنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » وقال في قصة محمد صلى الله عليه و آله « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(2) .

4 - معاني الأخبار : عن يونس قال : سألت موسى بن جعفر عليه السلام عن قول اللّه - عزّ وجل - « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها » فقال : هذه مخاطبة لنا خاصة أمر اللّه - تبارك وتعالى - كلّ إمام منّا أن يؤّي إلى الإمام الذي بعده ويوصي إليه ، ثم هي جارية في سائر الأمانات ، ولقد حدثني أبي عن أبيه أنّ علي بن الحسين عليه السلام قال لأصحابه : عليكم بأداء الأمانة فلو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي عليه السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدّيته إليه

ص: 329


1- بيان : قال في القاموس : الهوج محركة : طول في حمق وطيش وتسرع ، والهوجاء : الناقة المسرعة . أقول : سيأتي تمام الخبر في موضعه إن شاء اللّه تعالى .
2- بيان : أي كما أنّه تعالى فوض إلى سليمان العطاء من المال والمنع منه وأمر الخلق بتسليم ذلك له أعطى الرسول صلى الله عليه و آله أفضل من ذلك فقال « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ » من المال والعلم والحكم والأمر فخذوا به وارضوا « وَما نَهاكُمْ عَنْهُ » من جميع ذلك « فَانْتَهُوا » فهذا أعظم من ذلك ، وقد صرح بذلك في كثير من الأخبار .

5 - المناقب لابن شهرآشوب : أبو الحسن الماضي عليه السلام في قوله تعالى « وَما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » : إنّ اللّه أعزّ وأمنع من أن يظلم وأن ينسب نفسه إلى ظلم ، ولكن اللّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته .

6 - الكافي : عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في قوله تعالى « مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ » قال : صلة الإمام في دولة الفسقة .

7 - الكافي(1) : عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه - جلّ وعزّ - : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ » ؟ قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤنين عليه السلام بأفواههم ، قلت : « وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ » ؟ قال : واللّه متم الإمامة لقوله - عز وجلّ - الذين آمنوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا فالنور هو الإمام ، قلت : « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ » ؟ قال : هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه ، والولاية هي دين الحقّ ، قلت : « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » ؟ قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ، قال : يقول اللّه : واللّه متم ولاية القائم « وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » بولاية علي عليه السلام ، قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم أمّا هذا الحرف فتنزيل وأمّا غيره فتأويل ، قلت : « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا » ؟ قال : إنّ اللّه - تبارك وتعالى - سمّى من لم يتّبع رسوله في ولاية وصيه منافقين وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمدا وأنزل بذلك قرآنا فقال : يا محمد « إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ »بولاية وصيك « قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ » بولاية علي « لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ » والسبيل هو الوصي « إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا » برسالتك وكفروا بولاية وصيك فطبع اللّه « عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ » قلت :

ص: 330


1- بحارالأنوار : 24 / 337 .

ما معنى « لا يَفْقَهُونَ » ؟ قال : يقول : لا يعقلون بنبوتك ، قلت : « وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ » ؟ قال : وإذا قيل لهم : ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم « لَوَّوْا رُؤسَهُمْ » قال اللّه : « وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ » عن ولاية علي

« وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ » عليه ، ثم عطف القول من اللّه بمعرفته بهم فقال : « سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » يقول : الظالمين لوصيك ، قلت : « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » قال : إنّ اللّه ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم والصراط المستقيم أمير المؤنين عليه السلام ، قال : قلت : قوله « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » ؟ قال : يعني جبرئيل عن اللّه في ولاية علي ، قال : قلت : « وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤمِنُونَ » ، قال : قالوا : إنّ محمدا كذّاب على ربّه وما أمره اللّه بهذا في علي فأنزل اللّه بذلك قرآنا فقال : إنّ ولاية علي عليه السلام « تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا » محمد بَعْضَ « الأَقاوِيلِ لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ » ثم عطف القول فقال : إنّ ولاية علي « لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ » للعالمين « وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » وإنّ عليا « لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ » وإنّ ولايته « لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ » يا محمد « بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ »يقول : اشكر ربّك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل ، قلت قوله « لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنّا بِهِ » قال : الهدى الولاية آمنا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه « فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » قلت : تنزيل ؟ قال : لا تأويل ، قلت : قوله « إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً » قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا : يا محمد أعفنا من هذا ! فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هذا إلى اللّه ليس إليّ فاتهموه وخرجوا من عنده ، فأنزل اللّه « قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ » إن عصيته

ص: 331

« أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ » في علي ، قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم ، ثم قال توكيدا « وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ »في ولاية علي « فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » قلت : « حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً » قال : يعني بذلك القائم وأنصاره ، قلت : « وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ » قال : يقولون فيك ، « وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي » يا محمد « وَالْمُكَذِّبِينَ » بوصيك « أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً » ، قلت : إنّ هذا تنزيل ؟ قال : نعم ، قلت : « لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » ؟ قال : يستيقنون أنّ اللّه ورسوله ووصيه حقّ ، قلت : « وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً » قال : يزدادون بولاية الوصي إيمانا ، قلت : « وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤمِنُونَ »قال : بولاية علي ، قلت : ما هذا الارتياب ؟ قال : يعني بذلك أهل الكتاب والمؤنين الذين ذكر اللّه فقال : ولا يرتابون في الولاية ، قلت : « وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ » قال : نعم ولاية علي ، قلت : « إِنَّها لإِحْدَى الْكُبَرِ » ؟ قال : الولاية ، قلت : « لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ » ؟ قال : من تقدّم إلى ولايتنا أخّر عن سقر ومن تأخّر عنّا تقدّم إلى سقر ، ( إلاّ أصحاب اليمين ) ؟ قال : هم واللّه شيعتنا ، قلت : « لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » ؟ قال : إنّا لم نتولّ وصي محمد والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم ، قلت : « فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ » ؟ قال : عن الولاية معرضين ، قلت : « كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ »قال : الولاية ، قلت : قوله « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » قال : يوفون للّه بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا ، قلت : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً » قال : بولاية علي تنزيلا ، قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم هذا تأويل ، قلت : « إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ » قال : الولاية ، قلت : « يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ » قال : في ولايتنا ، قال : « وَالظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً » ألا ترى أنّ اللّه يقول : « وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »قال : إنّ اللّه أعزّ وأمنع من أن يظلم أو أن ينسب نفسه إلى ظلم ، ولكن اللّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه

ص: 332

وولايتنا ولايته ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه فقال : « وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعم ، قلت : « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ »قال : يقول : ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية علي « أَلَمْ نُهْلك الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ » قال : الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء « كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ » قال : من أجرم إلى آل محمد وركب من وصيه ما ركب ، قلت : « إِنَّ الْمُتَّقِينَ » ؟ قال : نحن واللّه وشيعتنا ليس على ملّة إبراهيم غيرنا وسائر الناس منها براء ، قلت : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ » الآية ؟ قال : نحن واللّه المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صوابا ، قلت : ما تقولون إذا تكلّمتم ؟ قال : نمجد

ربّنا ونصلّي على نبينا ونشفع لشيعتنا فلا يردّنا ربّنا ، قلت : « كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ » ؟ قال : هم الذين فجروا في حقّ الأئمة واعتدوا عليهم ، قلت : ثم يقال « هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ »قال : يعني أمير المؤنين ، قلت : تنزيل ؟ قال : نعم(1) .

ص: 333


1- تبيين : قوله عليه السلام « ليطفئوا ولاية أمير المؤنين عليه السلام » فسّر المفسرون النور بالإيمان والإسلام ، وفسره عليه السلام بالولاية لأنّها العمدة فيهما وبها يتبين سائر أركانهما ، قوله عليه السلام « متم الإمامة » أي بنصب إمام في كلّ عصر وتبيين حجيته للناس وإن أنكروه ، أو الإتمام في زمان القائم عليه السلام ، ثم استشهد عليه السلام لكون النور الإمام بآية أخرى في سورة التغابن وهي هكذا « فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ » فالتغيير إمّا من الرواة والنساخ أو منه عليه السلام نقلا بالمعنى ، وفسّر المفسرون النور بالقرآن وأوّله عليه السلام بالإمام عليه السلام لمقارنته للنبي صلى الله عليه و آله في سائر الآيات الواردة في ذلك كآية « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ » وآية « أُولِي الأَمْرِ » غيرهما والإنزال لا ينافي ذلك لأنّه قد ورد في شأن الرسول صلى الله عليه و آله أيضا « قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً »فأنزل نور النبي والوصي صلوات اللّه عليهما من صلب آدم إلى الأصلاب الطاهرة إلى صلب عبد المطلب فافترق نصفين فانتقل نصف إلى صلب عبد اللّه ونصف إلى صلب أبي طالب كما مرّ وقد قال تعالى « النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ » وفسّر بعلي عليه السلام ، وأيضا يحتمل أن يكون الإنزال إشارة إلى أنّه بعد رفعهم عليه السلام إلى أعلى منازل القرب والتقدّس والعزّ والكرامة أنزلهم إلى معاشرة الخلق وهدايتهم ليأخذوا عنهم العلوم بقدسهم وطهارتهم ويبلغوا إلى الخلق بظاهر بشريّتهم فإنزالهم إشارة إلى هذا المعنى كما حقّقناه في مقام آخر ، ويحتمل أن يكون مبنيا على أنّه ليس المراد بالإيمان بالقرآن الإذعان به مجملا بل فهم معانيه والتصديق بها ولا يتيسّر ذلك إلاّ بمعرفة الإمام وولايته فإنّه الحافظ للقرآن لفظا ومعنى وظهرا وبطنا ، بل هو القرآن حقيقة كما سيأتي تحقيقه في كتاب القرآن وغيره إن شاء اللّه . « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ » أقول : هذا المضمون مذكور في ثلاثة مواضع من القرآن : أولها : في التوبة « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » . وثانيها : في الفتح « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً » . وثالثها : في الصف « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » والظاهر أنّ الذي ورد في الخبر هو تأويل ما في سورة الصف وقوله « وَاللّهُ مُتِمُّ »ولاية القائم عود إلى تأويل تتمة الآية الأولى لأنّ السائل استعجل وسأل عن تفسير الآية الثانية قبل إتمام تفسير الأولى فعاد عليه السلام إلى تفسير الآية الأولى ولم يفسر « وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » لتقارب مفهومي عجزي الآيتين ، ويحتمل أن يكون « وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » تفسيرا لقوله « وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »أو نقلا بالمعنى والأول أظهر . وقوله عليه السلام « أما هذا الحرف » أي قوله « بولاية علي » في آخر الآية ، أو من قوله واللّه إلى قوله علي . قوله عليه السلام« بولاية وصيك » أي بسببها فإنّ نفاقهم كان بسبب إنكار الولاية أو فيها لأنّهم كانوا يظهرون قبولها ويسعون باطنا في إزالتها « لَكاذِبُونَ » أي في ادعائهم الإذعان بنبوتك إذ تكذيب الولاية يستلزم تكذيب النبوة والسبيل هو الوصي لأنّه الموصل إلى النجاة والداعي إلى سبيل الخير ولا يقبل عمل إلاّ بولايته « لا يعقلون بنبوتك » أي لا يدركون حقيقتها وحقيتها ، ولا يفهمون أنّ إنكار الوصي تكذيب للنبي صلى الله عليه و آله ، وأنّ معنى النبوة وفائدتها ونفعها لا تتمّ إلاّ بتعيين وصي معصوم حافظ لشريعته ، فمن لم يؤن بالوصي لم يعقل معنى النبوة ، فتصديقه على فرض وقوعه تصديق من غير تصور « لَوَّوْا رُؤسَهُمْ » أي عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك « وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ » أي يعرضون قوله عليه السلام « ثم عطف القول » هو على بناء المفعول ، والباء في قوله « بمعرفته » بمعنى إلى أي عطف اللّه - تعالى - القول عن بيان حالهم إلى بيان علمه بعاقبة أمرهم وأنّهم لا ينفعهم الإنذار ، ويحتمل أن تكون الباء سببية فيرجع إلى الأول . فإن قيل : المشهور بين المفسرين نزول تلك الآيات في ابن أبي المنافق وأصحابه وهو مناف لما في الخبر . قلت : خصوص السبب لا يصير سببا لخصوص الحكم ، وما ورد من الأحكام في جماعة يجري في أضرابهم إلى يوم القيامة مع أنّه قد كانت الآيات تنزل مرتين في قضيتين لتشابههما . وأيضا لا اعتماد على أكثر ما رووه في أسباب النزول ، وبالجملة يحتمل أن يكون المعنى أنّ آيات النفاق تشمل جماعة كانوا يظهرون الإيمان بالرسول صلى الله عليه و آله وينكرون إمامة وصيه فإنّه كفر به حقيقة « أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا » يقال : كببته فأكبّ ، وقد مرّ تفسير الآية من حاد أي مال وعدل ، والحاصل أنّ شيعة علي عليه السلامالتابع له في عقائده وأعماله يمشي على صراط مستقيم لا يعوج عن الحقّ ولا يشتبه عليه الطريق ولا يقع في الشبهات التي توجب عثاره ويعسر عليه التخلص منها ، والمخالف له أعمى حيران لا يعلم مقصده عاقبة أمره فيسلك الطرق الوعرة المشتبهة التي لا يدري أين ينتهي ، ويقع في حفر ومضايق وشبهات لا يعرف كيفية التخلّص منها ، والصراط المستقيم أمير المؤنين أي ولايته ومتابعته أو يقدر في الآية مضاف . « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » قال المفسرون : الضمير راجع إلى القرآن ، وعلى ما فسره عليه السلامأيضا راجع إليه لكن باعتبار الآيات النازلة في الولاية ، أو المعنى أنّها جار فيها أيضا بل هي عمدتها . قوله عليه السلام « قالوا إنّ محمدا » تفسير لشاعر لأنّ المراد به من يروج الكذب بلطائف الحيل ويكون بناء كلامه على الخيالات الشعرية ، لأنّ عدم كون القرآن شعرا ممّا لا ريب فيه أحد ، قوله عليه السلام « إنّ ولاية علي » لا ينافي رجوع الضمير إلى القرآن لأنّ المراد به الآيات النازلة في الولاية كما عرفت ، « لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ » كناية عن شدّة الأخذ لأنّ الأخذ بها أشدّ وأقوى من الأخذ باليسار ، والوتين عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه ، ثم عطف على بناء المعلوم والضمير للّه أي أرجع القول إلى ما كان في الولاية إنّ ولاية علي تفسير لقوله « وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ » أي الآيات النازلة في الولاية ، وفسّر المتقين بالعالمين بالولاية « أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » أي بالولاية وإنّ عليا لحسرة هذا أيضا تفسير لمرجع الضمير ، وبيان لحاصل المعنى ، فإنّ الآيات النازلة في الولاية وعدم العمل بها لما صارت وبالا وحسرة على الكافرين يوم القيامة فكأنّه عليه السلام حسرة لهم ، وكذا الكلام في قوله وإن ولايته فإنّ الضمائر كلّها راجعة إلى شيء واحد وعبر عنه بعبارات مختلفة تفننا وتوضيحا « لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى » فسروا الهدى بالقرآن ، ولمّا كان أكثره في الولاية إمّا تصريحا أو تلويحا وإمّا ظهرا أو بطنا فسر عليه السلام الهدى بالولاية ، ولمّا كان الإيمان بالولاية راجعا إلى الإيمان بالمولى أي صاحب الولاية والذي هو أولى بكلّ أحد من نفسه أرجع ضمير به إلى المولى بيانا لحاصل المعنى ، ويحتمل أن يكون الهدى مصدرا بمعنى اسم الفاعل مبالغة ، فالمراد بالهدى الهادي وهو المولى وأوّل عليه السلام « فَمَنْ يُؤمِنْ بِرَبِّهِ » بالإيمان بالولاية للدلالة على أنّ من لم يؤن بالولاية لم يؤن بربّه فإنّها شرط الإيمان باللّه . « فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً »قال البيضاوي : أي نقصا في الجزاء ولا أن ترهقه دلة أو جزاء نقص لأنّه لم يبخس حقّا ولم يرهق ظلما ، لأنّ من حقّ الإيمان بالقرآن أن يجتنب ذلك . وفي القاموس : البخس النقص والظلم ، والرهق محركة غشيان المحارم « قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً » قال البيضاوي : أي ولا نفعا أو غيا ولا رشدا عبّر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارا بالمعنيين ، « قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ » إن أراد بي سوءا « وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » أي منحرفا وملتجئا « إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ » استثناء من قوله « لا أَمْلِكُ » فإنّ التبليغ إرشاد وإنفاع ، وما بينهما اعتراض مؤد لنفي الاستطاعة أو من « مُلْتَحَداً » أو معناه أن لا أبلغ بلاغاما قبله دليل الجواب « ورِسالاتِهِ » عطف على « بَلاغاً » و « مِنَ اللّهِ » صفته فإنّ صلته عن كقوله أبلغوا عنّي ولو آية انتهى . قوله « أعفنا » يقال : أعفاه عن الأمر إذا لم يكلفه يعني بذلك القائم فإنّه من جملة ما وعدوا به ولا ينافي شموله للقيامة وعقوباتها أيضا فاصبر « عَلى ما يَقُولُونَ » في المزمل « وَاصْبِرْ » وكأنّه من النساخ أو ذكر الفاء للإشعار بأنّ « وَاصْبِرْ » عطف على ما اتخذ وهو من تتمة التفريع ، « قال : يقولون فيك » أي إنّه شاعر أو كاهن أو إنّ ما يقوله في ابن عمه هو من قبل نفسه « وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافيهم وتكل أمرهم إلى اللّه « وَذَرْنِي » أي دعني وإياهم فإنّي أجازيهم « أُولِي النَّعْمَةِ » أي أرباب التنعم « وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً » أي زمانا أو إمهالا قليلا ، « قلت : إن هذا تنزيل » أي قوله بوصيك أي كذا نزل أو هو مدلوله التضمني فإنّ تكذيبه صلى الله عليه و آله في أمر الوصي تكذيب للوصي « لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » قبله في المدثر « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً » إلى قوله سبحانه « سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ » إلخ . وقال المفسرون : الوحيد الوليد بن المغيرة واستيقان أهل الكتاب لموافقة عدد الزبانية لما في كتبهم وازدياد إيمان المؤنين بالإيمان به أو بتصديق أهل الكتاب « وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤمِنُونَ » تأكيد للاستيقان وزيادة الإيمان ونفي لما يعرض المستيقن حيثما عراه شبهة ، وقد ورد في أخبارنا أنّ الوحيد ولد الزنا وهو عمر ، وكذا تتمة الآيات فيه كما أوردناه في موضع آخر ، ولمّا كان تهديده بعذاب سقر لإنكار الولاية فذكر الولاية في تلك الآيات لذلك وفقه ذلك أنّك قد عرفت مرارا أنّ الآية إذا نزلت في قوم فهي تجري في أمثالهم إلى يوم القيامة فظاهر الآيات في الوليد وباطنها في الزنيم العنيد ، وكما أنّ الأول كان معارضا في النبوة فكذا الثاني كان معارضا في الولاية ، وهما متلازمان ونفي كلّ منهما يستلزم نفي الأخرى ، فلا ينافي هذا التأويل كون السورة مكية مع أنّ النبي صلى الله عليه و آله في أول بعثته عليه السلام أظهر إمامة وصيه كما مرّ ، فيحتمل أن يكون الكافر والمنافق معا نسباه إلى السحر لإظهار الولاية . وأيضا نفي القرآن على أي وجه كان يستلزم نفي الولاية وإثباته إثباتها . قوله « ما هذا الارتياب » لعل السائل جعل قوله « بولاية علي » متعلقا بالمؤنين فلا يعلم حينئذ أنّ متعلّق الارتياب المنفي ما هو فلذلك سأل عنه . قوله « نعم ولاية علي » كان المعنى أنّ التذكير لولايته ، ويحتمل في بطن القرآن إرجاع الضمير إلى الولاية لكون الآيات نازلة فيها ، وكذا قوله عليه السلام« الولاية » يحتمل الوجهين ، وقوله عليه السلام « من تقدم إلى ولايتنا » يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المراد بالتقدم التقدم إلى الولاية وبالتأخر التأخر عن سقر ، فالترديد بحسب اللفظ فقط . الثاني : أن يكون كلاهما بالنظر إلى الولاية و« أو » للتقسيم كقولهم الكلمة اسم أو فعل أو حرف . الثالث : أن يكون المراد كليهما بحسب ظهر الآية وبطنها بأن يكون بحسب ظهرها المراد التقدم إلى سقر والتأخر عنها وبحسب بطنها التقدم إلى الولاية والتأخر عنها ، « كَلاّ إِنَّها » في المدثر « إِنَّهُ » فكأنّه في قراءتهم عليهم السلام إنّها أو هو من النساخ ، نعم في سورة عبس « كَلاّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ »فيحتمل أن يكون سؤل السائل عنها . « قال بولاية علي » أي المراد بالقرآن ما نزل منه في الولاية أو هي العمدة فيه ، « قال : نعم » ليس نعم في بعض النسخ وهو أظهر ، ورواه صاحب تأويل الآيات الباهرة نقلا عن الكافي : « قال : لا تأويل » وعلى ما في أكثر النسخ من وجود « نعم » فيمكن أن يكون مبنيا على أن سؤل السائل على وجه الإنكار والاستبعاد فقال عليه السلام : نعم تصديقا لإنكاره أو يكون نعم فقط جوابا عن السؤل وذا إشارة إلى ما ، قال عليه السلام في الآية السابقة « إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ » أقول : المفسرون أرجعوا الضمير إلى السورة أو الآيات القريبة ولما تعاضدت روايات الخاص والعام على نزول السورة في أهل البيت عليهم السلام فتفسيره الإشارة بالولاية غير مناف لما ذكروه إذ السورة من حيث نزولها فيهم تذكرة لولايتهم والاعتقاد بجلالتهم بل يحتمل أن يكون على تفسيره عليه السلام هذه إشارة إلى السورة أو الآيات ويكون قوله عليه السلام « الولاية » تفسيرا لمتعلّق التذكرة أي ما يتذكّر بها فلا تكلّف أصلا في ولايتنا لا ريب أن الولاية من أعظم الرحمات الدنيوية والأخروية والظلم عليهم أعظم الظلم فهم لا محالة داخلون في الآية إن لم تكن مخصوصة بهم بقرينة مورد النزول ثم الظاهر من كلامه عليه السلام أنّ المراد بالظالمين من ظلم اللّه أي من ظلم الأئمة عليهم السلام وأنّه عبر كذلك لبيان أن ظلمهم بمنزلة ظلم الربّ - تعالى شأنه - ، والحاصل : أنّ اللّه - تعالى - أجل من أن ينسب إليه أحد ظلما بالظالمية أو المظلومية حتى يحتاج إلى أن ينفي عن نفسه ذلك بل اللّه سبحانه خلط الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بنفسه ونسب إلى نفسه سبحانه كلّ ما يفعل بهم أو ينسب إليهم لبيان كرامتهم لديه ، فقوله تعالى « وَما ظَلَمْناهُمْ » ليس الغرض نفي الظلم عن نفسه بل عن حججه بأنّهم لا يظلمون الناس بقتلهم وجبرهم على الإسلام والاستقامة على الحقّ بل هم يظلمون أنفسهم بترك متابعة الأنبياء والأوصياء - صلوات اللّه عليهم - . ثم إنّ تلك الآيات وردت في مواضع من القرآن المجيد ففي سورة البقرة « وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » . وفي الأعراف « وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ » إلى آخر ما مرّ وفي هود « وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ » . وفي النحل « وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » . فالآية الأولى هنا هي ما في البقرة والأعراف والثانية هي ما في النحل فقوله عليه السلام « نعم » في جواب هذا تنزيل ؟ مشكل إذ كون الولاية مكان الرحمة بعيد جدا ، وكون الآية والظالمين آل محمد كما قيل تنافي ما حققه عليه السلام من قوله خلطنا بنفسه إلخ ، إلاّ أن يقال : المراد بالتنزيل ما مرّ من أنّه مدلوله المطابقي والتضمني لا الالتزامي ، أو أنّه قاله جبرئيل عند إنزال الآية ، وفي بعض النسخ « وما ظلموناهم » في الأخير فيدل على أنّه كان في النحل هكذا فضمير « هم » تأكيد ومضمونها مطابق لما في البقرة والأعراف و هو أظهر . فإن قيل هذه القراءة تنافي ما في صدر الآية إذ الظاهر أنّه استدراك لما يتوهّم من أنّ التحريم ظلم عليهم فبين أن هذا جزاء ظلمهم . قلت : قد قال - تعالى - في سورة النساء « فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً » الآية فيحتمل أن يكون هذا لبيان أنّ ظلمهم الذي صار سببا لتحريم الطيبات عليهم لم يكن علينا أي على أنبيائنا وحججنا بل كان على أنفسهم حيث حرّموا بذلك طيبات الدنيا والآخرة ، ولعلّ هذا أفيد فخذ « وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ » ، « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ »هي في المرسلات بعد قوله « لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ » أي يوم القيامة ، وتفسير المكذبين بالذين كذبوا الرسول صلى الله عليه و آلهفيما أوحي إليه من الولاية إمّا لأنّه مورد نزول الآية أو لأنّ التكذيب في الولاية داخل فيه بل هي عمدته وأشدّ أفراده ، وكذا الآيات اللاحقة يجري فيها الوجهان ، ثم قال في هذه السورة « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » ففسر المتقين بالأئمة عليهم السلام وشيعتهم لأنّه في مقابلة المكذبين المنكرين للولاية ولا ريب أنّ الإقرار بالولاية مأخوذ في التقوى بل فيما هو أعمّ منه وهو الإيمان وملة إبراهيم هي التوحيد الخالص المتضمن للإقرار بجميع ما جاء به الرسل ، وأصله وعمدته الولاية ، وقد مرّ نزول الآية التالية في شفاعة النبي والأئمة : في كتاب المعاد .

ص: 334

ص: 335

ص: 336

ص: 337

8 - المناقب لابن شهرآشوب : عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالى « فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ » قال : نحن هم نشهد للرسل على أممها .

9 - الكاظم عليه السلام في قوله تعالى « بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً » قال : بغضنا « وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » قال : من شرك في دمائنا .

ص: 338

10 - كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة : عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في قوله - عز وجلّ - « إِلاّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ »

قال : أولئك - واللّه - أصحاب الخمسين من شيعتنا ، قال : قلت : « وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ » قال : أولئك أصحاب الخمس صلوات من شيعتنا ، قال : قلت : « وَأَصْحابُ الْيَمِينِ » قال : هم واللّه من شيعتنا .

ص: 339

باب احتجاجات أصحابه على المخالفين

1 - قال السيد المرتضى رضى الله عنه في كتاب الفصول : أخبرني الشيخ أيده اللّه قال : دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة ؟ فقال ضرار : هلم من شئت ، فبعث إلى هشام بن الحكم فأحضره فقال : يا أبا محمد هذا ضرار وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلّمه في الإمامة ، فقال : نعم ، ثم أقبل على ضرار فقال : يا أبا

عمرو خبّرني على ما تجب الولاية والبراءة على الظاهر أم على الباطن ؟ فقال ضرار : بل على الظاهر ، فإنّ الباطن لا يدرك إلاّ بالوحي ، فقال هشام : صدقت ، فخبّرني الآن أي الرجلين كان أذبّ عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالسيف وأقتل لأعداء اللّه - عزّ وجلّ - بين يديه وأكثر آثارا في الجهاد علي بن أبي طالب أو أبو بكر ؟ فقال : علي بن أبي طالب ، ولكن أبا بكر كان أشدّ يقينا ! فقال هشام : هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه ، وقد اعترفت لعلي عليه السلام بظاهر عمله من الولاية ما لم يجب لأبي بكر ، فقال ضرار : هذا الظاهر نعم ، ثم قال هشام : أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع ؟ فقال ضرار : بلى ، فقال هشام : ألست تعلم

ص: 340

أنّ النبي صلى الله عليه و آلهقال لعلي عليه السلام : إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ فقال ضرار : نعم ، فقال له هشام : أيجوز أن يقول له هذا القول إلاّ وهو عنده في الباطن مؤن ؟ قال : لا ، فقال هشام : فقد صحّ لعلي عليه السلام ظاهره وباطنه ولم يصحّ لصاحبك ظاهر ولا باطن والحمد للّه .

2 - قال : وأخبرني الشيخ أدام اللّه تأييده قال : سأل يحيى بن خالد البرمكي هشام بن الحكم رحمه الله بحضرة الرشيد فقال له : أخبرني يا هشام عن الحقّ هل يكون في جهتين

مختلفتين ؟ فقال هشام : لا ، قال : فخبّرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين وتنازعا واختلفا هل يخلوان من أن يكونا محقّين أو مبطلين أو يكون أحدهما مبطلا والآخر محقّا ؟ فقال هشام : لا يخلوان من ذلك ، وليس يجوز أن يكونا محقّين على ما قدمت من الجواب ، فقال له يحيى بن خالد : فخبّرني عن علي والعباس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيّهما كان المحقّ من المبطل إذ كنت لا تقول إنّهما كانا محقّين ولا مبطلين ؟ فقال هشام : فنظرت إذا أنّني إن قلت : إنّ

عليا عليه السلام كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي ، وإن قلت : إن العباس كان مبطلا

ضرب عنقي ، ووردت عليّ مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك الوقت ولا أعددت لها جوابا ، فذكرت قول أبي عبد اللّه عليه السلام وهو يقول لي : يا هشام لا تزال مؤدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، فعلمت أنّي لا أخذل ، وعنّ لي الجواب في الحال ، فقلت له : لم يكن من أحدهما خطأ وكانا جميعا محقّين ، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود عليه السلام حيث يقول اللّه - جلّ اسمه - : « وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ » إلى قوله - تعالى - : « خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ » فأي الملكين كان مخطئا وأيّهما كان مصيبا ؟ أم تقول إنّهما كانا مخطئين ؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه ، فقال يحيى : لست أقول إنّ الملكين أخطئا بل أقول إنّهما أصابا ، وذلك أنّهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم وإنّما أظهرا ذلك لينبها داود عليه السلام على الخطيئة

ص: 341

ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه ، قال : فقلت له : كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولم يختصما في الحقيقة وإنّما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريب من أمرهما وإنّما كان ذلك منهما على حدّ ما كان من الملكين ، فلم يحر جوابا واستحسن ذلك الرشيد .

3 - وأخبرني الشيخ أيضا قال : أحبّ الرشيد أن يسمع كلام هشام بن الحكم مع الخوارج ، فأمر بإحضار هشام بن الحكم وإحضار عبد اللّه بن يزيد الإباضي ، وجلس بحيث يسمع كلامهما ولا يرى القوم شخصه ، وكان بالحضرة يحيى بن خالد فقال يحيى لعبد اللّه بن يزيد : سل أبا محمد - يعني هشاما - عن شيء ، فقال هشام : لا مسألة للخوارج علينا ، فقال عبد اللّه بن يزيد : وكيف ذلك ؟ فقال هشام : لأنّكم

قوم قد اجتمعتم معنا على ولاية رجل وتعديله والإقرار بإمامته وفضله ثم فارقتمونا في عداوته والبراءة منه ، فنحن على إجماعنا وشهادتكم لنا ، وخلافكم علينا غير قادح في مذهبنا ، ودعواكم غير مقبولة علينا ، إذ الاختلاف لا يقابل الاتفاق ، وشهادة الخصم لخصمه مقبولة وشهادته عليه مردودة ، قال يحيى بن خالد : لقد قربت قطعه يا أبا محمد ، ولكن جاره شيئا فإنّ أمير المؤنين أطال اللّه بقاه يحبّ ذلك ، قال : فقال هشام : أنا أفعل ذلك غير أنّ الكلام ربما انتهى إلى حدّ يغمض ويدق على الأفهام فيعاند أحد الخصمين أو يشتبه عليه ، فإن أحبّ الإنصاف فليجعل بيني وبينه واسطة عدلا إن خرجت عن الطريق ردّني إليه ، وإن جار في حكمه شهد عليه ، فقال عبد اللّه بن يزيد : لقد دعا أبو محمد إلى الإنصاف ، فقال هشام : فمن يكون هذه الواسطة ؟ وما يكون مذهبه ؟ أيكون من أصحابي أو من أصحابك أو مخالفا للملة لنا جميعا ؟ قال عبد اللّه بن يزيد : اختر من شئت فقد رضيت به ، قال هشام : أما أنا فأرى أنّه إن كان من أصحابي لم يؤن عليه العصبية

ص: 342

لي ، وإن كان من أصحابك لم آمنه في الحكم عليّ ، وإن كان مخالفا لنا جميعا لم يكن مأمونا عليّ ولا عليك ، ولكن يكون رجلا من أصحابي ورجلا من أصحابك فينظران فيما بيننا ويحكمان علينا بموجب الحقّ ومحض الحكم بالعدل ، فقال عبد اللّه بن يزيد : فقد أنصفت يا أبا محمد ، وكنت أنتظر هذا منك ، فأقبل هشام على يحيى بن خالد فقال له : قد قطعته أيّها الوزير ودمرت على مذاهبه كلّها بأهون سعي ، ولم يبق معه شيء واستغنيت عن مناظرته ، قال : فحرّك الستر الرشيد ، وأصغى يحيى بن خالد فقال : هذا متكلّم الشيعة واقف الرجل مواقفة لم يتضمن مناظرة ثم ادعى عليه أنّه قد قطعه وأفسد مذهبه ، فمره أن يبين عن صحة ما ادعاه على الرجل ، فقال يحيى بن خالد لهشام : إنّ أمير المؤنين يأمرك أن تكشف عن صحة ما ادعيت على هذا الرجل ، قال : فقال هشام رحمه الله : إنّ هؤاء القوم لم يزالوا معنا على ولاية أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلام حتى كان من أمر الحكمين ما كان فأكفروه بالتحكيم وضلّلوه بذلك ، وهم الذين اضطروه إليه ، والآن فقد حكم هذا الشيخ وهو عماد أصحابه مختارا غير مضطر رجلين مختلفين في مذهبهما : أحدهما يكفره ، والآخر يعدله ، فإن كان مصيبا في ذلك فأمير المؤنين أولى بالصواب ، وإن كان مخطئا كافرا فقد أراحنا من نفسه بشهادته بالكفر عليها ، والنظر في كفره وإيمانه أولى من النظر في إكفاره عليا عليه السلام ، قال : فاستحسن ذلك الرشيد وأمر بصلته وجائزته .

4 - وقال الشيخ أدام اللّه عزه : وهشام بن الحكم من أكبر أصحاب أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام ، وكان فقيها ، وروى حديثا كثيرا ، وصحب أبا عبد اللّه عليه السلام ، وبعده أبا الحسن موسى عليه السلام ، وكان يكنى أبا محمد ، وأبا الحكم ، وكان مولى بني شيبان ، وكان مقيما بالكوفة ، وبلغ من مرتبته وعلوّه عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السلام أنّه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه ، وفي مجلسه شيوخ الشيعة

ص: 343

كحمران بن أعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وأبي جعفر الأحول وغيرهم ، فرفعه على جماعتهم ، وليس فيهم إلاّ من هو أكبر سنا منه ، فلمّا رأى أبو عبد اللّه عليه السلامأنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه قال : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، وقال له أبو عبد اللّه عليه السلام ، وقد سأله عن أسماء اللّه - عزّ وجل - واشتقاقها فأجابه ، ثم قال له :

أفهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين مع اللّه - عزّ وجل - ؟ قال الشيخ : نعم ، قال أبو عبد اللّه عليه السلامنفعك اللّه - عزّ

وجلّ - به وثبتك ، قال هشام : فواللّه ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا .

قال الشيخ أدام اللّه عزه : وقد روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ثمانية رجال كلّ واحد منهم يقال له « هشام » فمنهم أبو محمد هشام بن الحكم مولى بني شيبان هذا ، ومنهم هشام بن سالم مولى بشر بن مروان ، وكان من سبي الجوزجان ، ومنهم هشام الكفري الذي يروي عنه علي بن الحكم ، ومنهم هشام المعروف بأبي عبد اللّه البزاز ، ومنهم هشام الصيدناني رحمه الله ، ومنهم هشام الخياط رحمه الله ، ومنهم هشام بن يزيد رحمه الله ،

ومنهم هشام بن المثنى الكوفي رحمه الله .

5 - قال : ومن حكايات الشيخ أدام اللّه عزه قال : سئل هشام بن الحكم رحمه الله عما يرويه العامة من قول أمير المؤنين عليه السلاملمّا قبض عمر وقد دخل عليه وهو مسجى : لوددت أن ألقى اللّه - تعالى - بصحيفة هذا المسجى ، وفي حديث آخر : إنّي لأرجو أن ألقى اللّه - تعالى - بصحيفة هذا المسجى ، فقال هشام : هذا حديث غير ثابت ولا معروف الإسناد وإنّما حصل من جهة القصاص وأصحاب الطرقات ، ولو ثبت لكان المعنى فيه معروفا ، وذلك أنّ عمر واطأ أبا بكر والمغيرة وسالما مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة على كتب صحيفة بينهم يتعاقدون فيها على أنّه إذا مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولم يولوهم مقامه من بعده ، وكانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم ، فالصحيفة التي ودّ أمير المؤنين عليه السلام ورجا أن يلقى اللّه - عز وجلّ -

ص: 344

بها هي هذه الصحيفة ليخاصمه بها ويحتجّ عليه بمضمونها ، والدليل على ذلك ما روته العامة عن أبي بن كعب : أنّه كان يقول في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد أن أفضى الأمر إلى أبي بكر بصوت يسمعه أهل المسجد : ألا هلك أهل العقدة ، واللّه ما آسى عليهم ، إنّما آسى على من يضلّون من الناس ، فقيل له : يا صاحب رسول اللّه من هؤاء أهل العقدة ؟ وما عقدتهم ؟ فقال : قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يورثوا أحدا من أهل بيته ولم يولوهم مقامه ، أما واللّه لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومن فيهم مقاما أبين للناس أمرهم ، قال : فما أتت عليه الجمعة .

6 - الإختصاص : عن عبد العظيم بن عبد اللّه قال : قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكي : إنّي أحبّ أن أسمع كلام المتكلّمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون ، فأمر جعفر المتكلّمين فأحضروا داره وصار هارون في مجلس يسمع كلامهم ، وأرخى بينه وبين المتكلّمين سترا ، فاجتمع المتكلّمون وغصّ المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم ، فدخل عليهم هشام ، وعليه قميص إلى الركبة وسراويل إلى نصف الساق ، فسلّم على الجميع ولم يخص جعفرا بشيء ، فقال له رجل من القوم : لم فضّلت عليا على أبي بكر واللّه يقول : « ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا » ؟ فقال هشام : فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان للّه رضا أم غير رضا ؟ فسكت ، فقال هشام : إن زعمت أنّه كان للّه رضا فلم نهاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : « لا تَحْزَنْ » ؟ أنهاه عن طاعة اللّه ورضاه ؟ وإن زعمت أنّه كان للّه غير رضا ، فلم تفتخر بشيء كان للّه غير

رضا ؟ وقد علمت ما قال اللّه - تبارك وتعالى - حين قال : « فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمِنِينَ » ، ولأنّكم قلتم وقلنا وقالت العامة : الجنة اشتاقت إلى أربعة نفر : إلى علي بن أبي طالب عليه السلام والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ،

ص: 345

فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ، وقلتم وقلنا وقالت العامة : إنّ الذابين عن الإسلام أربعة نفر : علي بن أبي طالب عليه السلام والزبير بن العوام وأبو دجانة الأنصاري وسلمان الفارسي ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ، وقلتم وقلنا وقالت العامة : إنّ القراء أربعة نفر : علي بن أبي طالب عليه السلام وعبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ، وقلتم وقلنا وقالت العامة : إنّ المطهّرين من السماء أربعة نفر : علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ، وقلتم وقلنا وقالت العامة : إنّ الأبرار أربعة : علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة ، وقلتم وقلنا وقالت العامة : إنّ الشهداء أربعة نفر : علي بن أبي طالب وجعفر وحمزة و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

قال : فحرك هارون الستر وأمر جعفر الناس بالخروج ، فخرجوا مرعوبين وخرج هارون إلى المجلس ، فقال : من هذا ابن الفاعلة ، فواللّه لقد هممت بقتله وإحراقه بالنار(1) .

ص: 346


1- أقول : سيأتي سائر احتجاجات هشام في أبواب تاريخ الكاظم عليه السلام .

باب ما روي عن الكاظم عليه السلام في غيبة الامام المنتظر « عج »

باب ما روي عن الكاظم عليه السلام في غيبة الامام المنتظر « عج »(1)

1 - علل الشرائع : عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : إذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها ، يا بني إنّه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنة من اللّه - عزّ

وجلّ - امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتبعوه ، فقلت : يا سيدي من الخامس من ولد السابع ؟ قال : يا بني عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه(2) .

2 - إكمال الدين : عن محمد بن زياد الأزدي قال : سألت سيدي موسى بن جعفر عليه السلام عن قول اللّه - عزّ وجلّ - « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » ؟ فقال : النعمة

الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب ، فقلت له : ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال : نعم ، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤنين

ص: 347


1- بحارالأنوار : 51 / 151 .
2- بيان : قوله « يا بني » على جهة اللطف والشفقة .

ذكره ، وهو الثاني عشر منّا يسهّل اللّه له كلّ عسير ، ويذلّل له كلّ صعب ، ويظهر له كنوز الأرض ، ويقرب له كلّ بعيد ، ويبير به كلّ جبار عنيد ، ويهلك على يده كلّ شيطان مريد ، ذاك ابن سيدة الإماء الذي يخفى على الناس ولادته ، ولا يحلّ لهم تسميته حتى يظهره اللّه - عزّ وجل - فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(1) .

3 - إكمال الدين : عن العباس بن عامر قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلاميقول : صاحب هذا الأمر يقول الناس : لم يولد بعد .

4 - إكمال الدين : عن داود بن كثير قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن صاحب هذا الأمر ؟ قال : هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله الموتور بأبيه .

5 - إكمال الدين : عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : قلت له : ما تأويل قول اللّه - عز وجلّ - « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ » فقال : إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فما ذا تصنعون ؟

6 - إكمال الدين : عن يونس بن عبد الرحمن قال : دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول اللّه أنت القائم بالحقّ ؟ فقال : أنا القائم بالحقّ ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء اللّه ويملؤا عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون ، ثم قال عليه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبّنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منّا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ورضينا

بهم شيعة ، وطوبى لهم هم - واللّه - معنا في درجتنا يوم القيامة .

ص: 348


1- قال الصدوق رحمه الله : لم أسمع هذا الحديث إلاّ من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عند منصرفي من حج بيت اللّه الحرام ، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة اللّه عليه ورضوانه .

باب(1)

ما وصل إلينا من أخبار علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام(2)

1 - أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العباس ، قال : حدثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومائتين ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام عن علي بن جعفر بن محمد عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلامقال :

سألت أبي جعفر بن محمد عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه ؟ قال : يطوف وعليه بدنة .

وسألته عن رجل أخذ وعليه ثلاثة حدود : الخمر والسرقة والزنا ، فما فيها من الحدود ؟ قال : يبدأ بحدّ الخمر ، ثم السرقة ، ثم الزنا .

وسألته عن خنثى دلس نفسه لامرأته ما عليه ؟ قال : يوجع ظهره ، وأذيق تمهينا ، وعليه المهر كاملا إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فعليه نصف المهر .

ص: 349


1- بحارالأنوار : 10 / 249 .
2- بغير رواية الحميري ،نقلناها مجتمعة لما بينها وبين أخبار الحميري من اختلاف يسير وفرقنا ما ورد برواية الحميري على الأبواب .

وسألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني هل تحلّ ؟ قال : كل ممّا ذكر اسم اللّه عليه .

وسألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له ؟ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : هي لك أو لأخيك أو لذئب ، خذها فعرّفها حيث أصبتها فإن عرفت فردّها على صاحبها ، وإن لم تعرفها فكلها ، وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها ويطلبها أن تردّ عليه ثمنها .

وسألته عن رجل صام من ظهار ثم أيسر وقد بقي عليه من صومه يومان أو ثلاثة كيف يصنع ؟ قال : إن صام شهرا ودخل في الثاني أجزأه الصوم ويتم صومه ولا عتق عليه .

وسألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صحّ بعد كيف يصنع ؟ قال : يقضي الآخر بصوم ويقضي عن الأول بصدقة كلّ يوم مدّا من طعام .

وسألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة كيف يصنع ؟ قال : يردّه إلى مكة وإن مات يتصدّق بثمنه .

وسألته عن رجل ترك طوافه حتى قدم بلده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال : يبعث ببدنة ، إن كان تركه في حجّ بعث بها في حجّ وإن كان تركه في عمرة بعث في عمرة ، ووكل من يطوف عنه عمّا كان ترك من طوافه .

وسألته عن رجل كان له أربع نسوة فماتت إحداهن هل يصلح له أن يتزوج مكانها أخرى قبل أن تنقضي عدّة المتوفى ؟ قال : إذا مات فليتزوج ما أحبّ .

وسألته عن صلاة الخوف كيف هي ؟ قال : يقوم الإمام فيصلّي ببعض أصحابه ركعة ثم يقوم في الثانية ويقوم أصحابه فيصلّون الثانية معه ثم يخففون وينصرفون ، ويأتي أصحابه الباقون فيصلّون معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا فصلّوا الثانية

لأنفسهم ثم قعدوا فتشهدوا معه ثم سلّم وانصرف وانصرفوا.

وسألته عن صلاة المغرب في الخوف كيف هي ؟ قال : يقوم الإمام فيصلّي ببعض أصحابه ركعة ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلّون ركعتين يخففون وينصرفون ،

ص: 350

ويأتي أصحابه الباقون فيصلّون معه الثانية ثم يقوم بهم في الثانية فيصلّي بهم ، فتكون للإمام الثالثة وللقوم الثانية ، ثم يقعد ويتشهد ويتشهدون معه ثم يقوم أصحابه

والإمام قاعد فيصلّون الثالثة ويتشهدون ثم يسلّم ويسلّمون .

وسألته عن المتعة في الحجّ من أين إحرامها وإحرام الحجّ ؟ قال : قد وقت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل العراق من العقيق ، ولأهل المدينة وما يليها من الشجرة ، ولأهل شام وما يليها من الجحفة ، ولأهل الطائف من قرن ، ولأهل اليمن من يلملم ، فليس ينبغي لأحد أن يعدو عن هذه المواقيت إلى غيرها .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله في الحرم فيأكله ؟ قال : لا يصلح أكل حمام الحرم على حال .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن ينتف إبطه في رمضان وهو صائم ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل أيصلح له أن يصبّ الماء من فيه فيغسل به الشيء يكون في ثوبه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن امرأة توفي عنها زوجها وهي حامل فوضعت وتزوجت قبل أن ينقضي أربعة أشهر وعشرا ما حالها ؟ قال : إن كان دخل بها زوجها فرّق بينهما فاعتدت ما بقي عليها من زوجها الأول ثم اعتدت عدّة أخرى من الزوج الأخير ثم لا تحلّ له أبدا ، وإن تزوجت غيره فإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدت ما بقي عليها من عدتها من المتوفى عنها وهو خاطب من الخطاب .

وسألته عن الدبى من الجراد هل يحل له أكله ؟ قال : لا يحل أكله حتى يطير .

وسألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوى الجدّ أن يزوج أحدهما وهوى أبوها الآخر أيّهما أحقّ أن ينكح ؟ قال : الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية لأنّها وأباها لجدّها .

ص: 351

وسألته عن رجل كان له غنم وكان يعزل من جلودها الذي من الميت فاختلطت فلم يعرف الذكي من الميت هل يصلح له بيعه ؟ قال : يبيعه ممن يستحل بيع الميتة منه ويأكل ثمنه ولا بأس .

وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تعانق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة فتقبّل بعض جسده من غير شهوة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المرأة يصلح لها أن تمسح على الخمار ؟ قال : لا يصلح حتى تمسح على رأسها .

وسألته عن الصائم هل يصلح له أن يصبّ في أذنه الدهن ؟ قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس .

وسألته عن رجل وطى جارية فباعها قبل أن تحيض فوطئها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له لمن الولد ؟ قال : الولد للذي هي عنده فليصر لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الولد للفراش .

وسألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله ؟ قال : إذا أرضعت عتق .

وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تأكل من عقيقة ولدها ؟ قال : لا يصلح لها الأكل منه ، فليتصدّق بها كلّها .

وسألته عن مولود ترك أهله حلق رأسه في اليوم السابع هل عليه بعد ذلك حلقه والصدقة بوزنه ؟ قال : إذا مضى سبعة أيام فليس عليهم حلقه ، إنّما الحلق والعقيقة والاسم في اليوم السابع .

وسألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الإقران ؟ قال : إقران الحجّ أفضل من الإفراد .

وسألته عن المتعة والحج مفردا وعن قران أيّهما أفضل ؟ قال : المتمتع أفضل من المفرد ومن القارن السائق ، ثم قال : إنّ المتعة هي التي في كتاب اللّه والتي أمر بها

ص: 352

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم قال : إنّ المتعة دخلت في الحج إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه بعضها في بعض قال : كان ابن عباس يقول : من أبى حالفته .

وسألته عن الرجل يسجد فيضع يده على نعله هل يصلح ذلك له ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يزوج ابنته بغير إذنها ؟ قال : نعم ليس يكون للولد مع الوالد أمر إلاّ أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلاّ أن تستأمر .

وسألته عن الرجل هل يحل له أن يصلّي خلف الإمام فوق دكان ؟ قال : إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس .

وسألته عن المرأة هل تصلح لها أن تصلّي في ملحفة ومقنعة ولها درع ؟ قال : لا يصلح لها إلاّ أن تلبس درعها .

وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع ؟ قال : إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلاّ وعليها درع .

وسألته عن المرأة هل تصلح لها أن تصلّي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع ؟ قال : لا يصلح لها أن تصلّي حتى تلبس درعها .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤ في سراويل ورداء ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن قيام شهر رمضان هل يصلح ؟ قال : لا يصلح إلاّ بقراءة القرآن ، تبدأ فتقرأ فاتحة الكتاب ثم تنصت لقراءة الإمام فإذا أراد الركوع قرأت « قل هو اللّه أحد » وغيرها ثم ركعت أنت إذا ركع فكبر أنت في ركوعك وسجودك كما تفعل إذا صلّيت وحدك وصلاتك وحدك أفضل .

وسألته عن السراويل هل تجزي مكان الإزار ؟ قال : نعم .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء ؟ قال : لا يصلح .

ص: 353

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤ في سراويل وقلنسوة ؟ قال : لا يصلح .

وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يعقد إزاره على عنقه في صلاته ؟ قال : لا يصلح أن يعقد ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يجمع طرفي ردائه على يساره ؟ قال : لا يصلح جمعهما على اليسار ، ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما متفرقين .

وسألته عن الجرّي هل يحل أكله ؟ قال : إنا وجدنا في كتاب علي أمير المؤنين عليه السلام حرام .

وسألته عن رجل ضرب بعظم في أذنه فادعى أنّه لا يسمع ؟ قال : إذا كان الرجل مسلما صدق .

وسألته عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل هل عليهم تمام الصلاة ؟ قال : إذا كان مختلفهم فليصوموا وليتموا الصلاة إلاّ أن يجد بهم السير فليفطروا وليقصروا .

وسألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في شهر رمضان ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فإن لم يجد فليستغفر اللّه .

وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها ؟ قال : إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به ، فأما الشهوة فلا يصلح .

وسألته عن الصدقة فيما هي ؟ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : في تسعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ، وعفى عما سوى ذلك .

وسألته عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسيح في الأرض أو يترهب في بيت لا يخرج منه ؟ قال : لا .

ص: 354

وسألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : ليس عليه غسله فليصل فيه فلا بأس .

وسألته عن الرجل يقع ثوبه على كلب ميت هل يصلح له الصلاة فيه ؟ قال : ينضحه ويصلّي فيه فلا بأس .

وسألته عن رجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع ؟ قال : يتمّ ما بقي من تكبيره ويبادر الرفع ويخفف .

وسألته عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه ؟ قال : يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلّي فيه ، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلّي فيه فلا يصلح له الهرب منه .

وسألته عن الرجل يستاك وهو صائم فتقيأ ما عليه ؟ قال : إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤ وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء .

وسألته عن الدواء هي يصلح بالنبيذ ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد وقباء واحدة ؟ قال : ليطرح على ظهره شيئا .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤ في ممطر وحده أو جبة وحدها ؟ قال : إذا كان تحتها قميص فلا بأس .

وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يصارع ؟ قال : لا يصلح مخافة أن يصيبه جرح أو يقع بعض شعره .

وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك ؟ قال : لا بأس ، ولا ينبغي أن يدمي فمه .

وسألته عن رجل أصاب ثوبه خنزير فذكر وهو في صلاته ؟ قال : فليمض فلا بأس ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله .

ص: 355

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤ في قباء وقميص ؟ قال : إذا كانا ثوبين فلا بأس .

وسألته عن الرجل يرعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في إنائه هل يصلح له الوضوء منه ؟ قال : لا .

وسألته عن رجل رعف فامتخط فطار بعض ذلك الدم قطرا قطرا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه .

وسألته عن ذبيحة الجارية هل تصلح ؟ قال : إذا كانت لا تنخع ولا تكسر الرقبة فلا بأس ، وقال : قد كانت لأهل علي بن الحسين جارية تذبح لهم .

وسألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه ؟ قال : عليه بدنة ، فإن لم يجد فليتصدّق على ستين مسكينا ، فإن لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما .

وسألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه ؟ قال : بقرة ، فإن لم يجد فليتصدّق على ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد فليصم تسعة أيام .

وسألته عن محرم أصاب ظبيا ما عليه ؟ قال : عليه شاة ، فإن لم يجد فليتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام .

وسألته عن رجل قال لآخر : هذه الجارية لك خيرتك هل يحل فرجها له ؟ قال : إن كان حل له بيعها حل له فرجها وإلاّ فلا يحل له فرجها .

وسألته عن رجل جعل عليه عتق نسمة أيجزي عنه أن يعتق أعرج وأشل ؟ قال : إذا كان مما يباع أجزأ عنه إلاّ أن يكون وقت على نفسه شيئا فعليه ما وقت .

وسألته عن الحر تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى ؟ قال : نعم .

وسألته عن الرجل يسلف في الفلوس أيصلح له أن يأخذ كفيلا ؟ قال : لا بأس .

ص: 356

وسألته عن الرجل يسلم في النخل قبل أن يطلع أيحل ذلك ؟ قال : لا يصلح السلم في النخل .

وسألته عن بيع النخل ؟ قال : إذا كان زهوا واستبان البسر من الشيص حل شراؤ وبيعه .

وسألته عن السلم في البر أيصلح ؟ قال : إذا اشترى منك كذاكذا فلا بأس .

وسألته عن السلم في النخل ؟ قال : لا يصلح ، وإن اشترى منك هذا النخل فلا بأس أي كيلا مسمى بعينه .

وسألته عن الرجلين يشتركان في السلم أيصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الحيوان بالحيوان نسية وزيادة دراهم ينقد الدراهم ويؤر الحيوان أيصلح ؟ قال : إذا تراضيا فلا بأس .

وسألته عن الرجل يكاتب مملوكه على وصفاء ويضمن عند ذلك أيصلح ؟ قال : إذا سمى خماسيا أو رباعيا أو غيره فلا بأس .

وسألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أيصلح له أن يبيعها مرابحة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن رجل له على آخر حنطة أيأخذ بكيلها شعيرا ؟ قال : إذا رضيا فلا بأس .

وسألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ قيمته الدراهم ؟ قال : إذا قومه دراهم فسد لأنّ الأصل الذي اشتراه دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم .

وسألته عن الرجل يشتري الطعام أيحل له أن يولي منه قبل أن يقبضه ؟ قال : إذا لم يربح عليه شيء فلا بأس وإن ربح فلا يصلح حتى يقبضه .

ص: 357

وسألته عن الرجل يشتري الطعام أيصلح له بيعه قبل أن يقبضه ؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتى يقبض وإن كان يوليه فلا بأس .

وسألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له أيحل له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيتا ؟ قال : إذا اختلفا وتراضيا فليأخذ ما أحبّ فلا بأس .

وسألته عن رجل استأجر أرضا أو سفينة بدرهمين فآجر بعضها بدرهم ونصف وسكن فيما بقي أيصلح ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والآخر غائب هل يجوز النكاح ؟ قال : إذا كره الغائب لم يجز النكاح .

وسألته عن رجل استأجر بيتا بعشرة دراهم فأتاه خياط أو غيره فقال : أعمل فيه الأجر بيني وبينك وما ربحت فلي ولك فربح أكثر من أجر البيت أيحل له ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن رجل قال لرجل : أعطيك عشرة دراهم وتعلمني عملك وتشاركني هل يحل ذلك له ؟ قال : إذا رضي فلا بأس به .

وسألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر أيحل ذلك ؟ قال : لا هذا الربا محضا .

وسألته عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم أن يؤي إليه كلّ شهر عشرة دراهم أيحل ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يبيع السلعة ويشترط أن له نصفها ثم يبيعها مرابحة أيحل ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل استأجر دارا بشيء مسمى على أنّ عليه بعد ذلك تطيينها وإصلاح أبوابها أيحل ذلك ؟ قال : لا بأس .

ص: 358

وسألته عن رجل باع بيعا إلى أجل فحل الأجل والبيع عند صاحبه فأتاه البيع فقال : بعني الذي اشتريت منّي وحطّ لي كذا وكذا فأقاصك من مالي عليك أيحل ذلك ؟ قال : إذا رضيا فلا بأس .

وسألته عن الأضحى بمنى كم هو ؟ قال : ثلاثة أيام .

وسألته عن الأضحى في غير منى كم هو ؟ قال : ثلاثة أيام .

وسألته عن رجل كان مسافرا فقدم بعد الأضحى بيومين أيضحي في اليوم الثالث ؟ قال : نعم .

وسألته عن رجل كان له على آخر عشرة دراهم فقال له : اشتر ثوبا فبعه واتضع ثمنه وما اتضعت فهو عليّ أيحل ذلك ؟ قال : إذا تراضيا فلا بأس .

وسألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد ؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس .

وسألته عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به هل له أن يقرأ خلفه ؟ قال : لا ولكن لينصت للقرآن .

وسألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في الظهرالعصر يقرأ خلفه ؟ قال : لا ولكن يسبح ويحمد ربّه ويصلّي على النبي صلى الله عليه و آله وعلى أهل بيته .

وسألته عن الخاتم فيه نقش تماثيل سبع أو طير أيصلّى فيه ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل أيحل له أن يفضل بعض ولده على بعض ؟ قال : قد فضلت فلانا على أهلي وولدي فلا بأس .

وسألته عن قوم اجتمعوا على قتل آخر ما حالهم ؟ قال : يقتلون به .

وسألته عن قوم أحرار اجتمعوا على قتل مملوك ما حالهم ؟ قال : يردون ثمنه .

وسألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ؟ قال : يفرّق بينها وبينه ويكون خاطبا من الخطاب .

ص: 359

وسألته عن رجل تزوج جارية أخيه أو عمه أو ابن أخيه فولدت ما حال الولد ؟ قال : إذا كان الولد يرث من مليكه شيئا عتق .

وسألته عن نصراني يموت ابنه وهو مسلم هل يرثه ؟ قال : لا يرث أهل ملة ملة .

وسألته عن لحوم الحمر الأهلية ؟ قال : نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّما نهى عنها لأنّهم يعملون عليها وكره أكل لحومها لئلا يفنوها .

وسألته عن المرأة أتحف الشعر عن وجهها ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المرأة تزوج على عمها أو خالها ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يحلف على اليمين ويستثني ما حاله ؟ قال : هو على ما استثنى .

وسألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو ؟ قال : إن شاء فعل وإن شاء ترك .

وسألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : إذا جرى به المطر فلا بأس .

وسألته عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها وروثها كيف يصنع ؟ قال : إن علق به شيء فليغسله وإن كان جافا فلا بأس .

وسألته عن الطعام يوضع على السفرة أو الخوان قد أصابه الخمر أيؤل ؟ قال : إن كان الخوان يابسا فلا بأس .

وسألته عن أكل السلحفاة والسرطان والجرّي ؟ قال : أما الجرّي فلا يؤل ولا السلحفاة ولا السرطان .

وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤل ؟ قال : ذلك لحم الضفدع فلا يصلح أكله .

وسألته عن الطين يطرح فيه السرقين يطين به المسجد أو البيت أيصلّى فيه ؟ قال : لا بأس .

ص: 360

وسألته عن الجص يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصص به المسجد ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن البوريا تبل فيصيبها ماء قذر فيصلّى عليها ؟ قال : إذا يبس فلا بأس .

وسألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها وقد تزوجت غيره ما حالها ؟ قال : هي للذي تزوجت ولا تردّ على الأول .

وسألته عن امرأة أسلمت ثم أسلم زوجها تحل له ؟ قال : هو أحقّ بها ما لم تتزوج ، ولكنّها تخير فلها ما اختارت .

وسألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق وما هو ؟ قال : قطع أمير المؤنين عليه السلام في ثمن بيضة حديد درهمين أو ثلاثة .

وسألته عن رجل سرق جارية ثم باعها هل يحل فرجها لمن اشتراها ؟ قال : إذا اتهم أنّها سرقة فلا تحل له وإن لم يعلم فلا بأس .

وسألته عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الجبن أو السمن أيؤل ؟ قال : يطرح ما شماه ويؤل ما بقي .

وسألته عن فأرة أو كلب شرب من سمن أو زيت أو لبن أيحل أكله ؟ قال : إن كان جرة أو نحوها فلا يأكله ، ولكن ينتفع به في سراج أو غيره ، وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله ، إلاّ أن يكون صاحبه موسر فليهرقه ولا ينتفعن به في شيء .

وسألته عن رجل تصدّق على بعض ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل فيها غيره مع ولده أيصلح ذلك له ؟ قال : يصنع الوالد بمال ولده ما شاء ، والهبة من الوالد بمنزلة الصدقة لغيره .

وسألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما صاحبه خنزيرا أو خمرا إلى أجل مسمى فأسلما قبل أن يقبض الثمن هل يحل له ثمنه بعد إسلامه ؟ قال : إنّما له الثمن فلا بأس بأخذه .

ص: 361

وسألته عن رجل شهد عليه ثلاثة رجال أنّه زنى بفلانة وشهد الرابع أنّه قال : لا أدري بمن زنى بفلانة أو غيرها ؟ قال : ما حال الرجل إن كان أحصن أو لم يحصن لم يتم الحديث .

وسألته عن رجل طلق قبل أن يدخل بامرأته فادعت أنّها حامل منه ما حالها ؟ قال : إن قامت البينة أنّه أرخى سترا ثم أنكر الولد لاعنها وبانت منه وعليه المهر كاملا .

وسألته عن الخبز أيصلح أن يطين بالسمن ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن فراش اليهودي أينام عليه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن ثياب النصراني واليهودي أيصلح أن يصلّي فيه المسلم ؟ قال : لا .

وسألته عن رجل قذف امرأته ثم طلقها ثم طلبت بعد الطلاق قذفه إياها ؟ قال : إن أقر جلد وإن كانت في عدة لاعنها .

وسألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة نفى ولدها وقذفها هل عليه لعان ؟ قال : لا .

وسألته عن رجل قال لأمته وأراد أن يعتقها ويتزوجها : أعتقتك وجعلت عتقك صداقك ؟ قال : عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجت وإن شاءت فلا ، وإن تزوجته فليعطها شيئا ، وإن قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك جاز النكاح ، وإن أحبّ يعطيها شيئا .

وسألته عن مكاتب بين قوم أعتق بعضهم نصيبه ثم عجز المكاتب بعد ذلك ما حاله ؟ قال : عتق بما عتق منه ويستسعي فيما بقي .

وسألته عن رجل كاتب مملوكه وقال بعد ما كاتبه : هب لي بعض مكاتبتي وأعجل بعض مكاتبتي لك مكاني أيحل ذلك ؟ قال : إذا كانت هبة فلا بأس ، وإن قال : حطّ عنّي وأعجل لك فلا يصلح .

ص: 362

وسألته عن مكاتب أدى نصف مكاتبته أو بعضها ثم مات وترك ولدا ومالا كثيرا ما حاله ؟ قال : إذا أدى النصف عتق ويؤي مكاتبته من ماله وميراثه لولده .

وسألته عن المسلم هل يصلح له أن يأكل مع المجوسي في قصعة واحدة ويقعد معه على فراشه أو في مسجده أو يصافحه ؟ قال : لا .

وسألته عن المكاتب جنى جناية على من هي ؟ قال : هي على المكاتب .

وسألته عن المكاتب عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه أوتجوز شهادته ؟ قال : الفطرة عليه ولا تجوز شهادته .

وسألته عن رجل أعتق نصف مملوكه وهو صحيح ما حاله ؟ قال : يعتق النصف ويسعى في النصف الآخر يقوم قيمة عدل .

وسألته عن الرجل أيصلح له أن يلبس الطيلسان فيه ديباج والبركان عليه حرير ؟ قال : لا .

وسألته عن الديباج أيصلح لباسه للناس ؟ قال : لا .

وسألته عن الخلاخيل أيصلح لبسها للنساء والصبيان ؟ قال : إن كن صما فلا بأس وإن يكن لها صوت فلا .

وسألته عن الرجل أيصلح أن يركب دابة عليها الجلجل ؟ قال : إن كان له صوت فلا وإن كان أصم فلا بأس .

وسألته عن الفأرة تموت في السمن والعسل الجامد أيصلح أكله ؟ قال : اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه وكل ما بقي ولا بأس .

وسألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها ؟ قال : لا ، وإن لبسها فلا يصلّي فيها .

وسألته عن الدابة أيصلح أن يضرب وجهها أو يسمها بالنار ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل أيصلح أن يأخذ من لحيته ؟ قال : أما من عارضيه فلا بأس وأما من مقدمه فلا يأخذ .

ص: 363

وسألته عن أخذ الشاربين أسنة هو ؟ قال : نعم .

وسألته عن النثر للسكر في العرس أو غيره أيصلح أكله ؟ قال : يكره أكل ما انتهب .

وسألته عن جعل الآبق والضالة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن بيع الولاء يحل ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يصلّي في مسجد وحيطانه كوى كلّه قبلته وجانبيه وامرأة تصلّي حياله يراها ولا تراه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها هل يصلح لها أن تتناوله وتحمله وهي قائمة ؟ قال : لا تحمل وهي قائمة .

وسألته عن الأضحية ؟ قال : ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا ، فإن لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعزى وموجوء من الضأن أو المعزى ، فإن لم تجد فنعجة من الضأن سمينة ، وكان علي عليه السلام يقول : ضح بثني فصاعدا واشتره سليم الأذنين والعينين ، واستقبل القبلة ، وقل حين تريد أن تذبح : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ

السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وأنا من المسلمين اللّهم منك ولك اللّهم تقبّل منّي بسم اللّه الذي لا إله إلاّ هو واللّه أكبر وصلّى اللّه على محمد وعلى أهل بيته ، ثم كل وأطعم .

وسألته عن التكبير في أيام التشريق ؟ قال : يوم النحر صلاة الأولى إلى آخر أيام التشريق من صلاة العصر يكبر يقول : اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام .

وسألته عن الرجل يكون لولده الجارية أيطؤا ؟ قال : إن أحبّ أن يقومها على نفسه قيمة ويشهد شاهدين على نفسه بثمنها فيطؤا إن أحبّ ، وإن كان لولده مال وأحبّ أن يأخذ منه فليأخذ ، وإن كانت الأم حية فلا أحبّ أن تأخذ منه شيئا إلاّ قرضا .

ص: 364

وسألته عن الرجل يذبح على غير قبلة ؟ قال : لا بأس إذا لم يتعمد ، وإن ذبح ولم يسم فلا بأس أن يسمي إذا ذكر بسم اللّه على أوله وآخره ، ثم يأكل .

وسألته عن الزكاة أيعطاها من له المائة ؟ قال : نعم ، ومن له الدار والعبد ، فإنّ الدار ليس نعدّها مالا .

وسألته عن الحائض ؟ قال : يشرب من سؤها ولا يتوضأ منه .

وسألته عن المملوك يعطى من الزكاة ؟ قال : لا .

وسألته عن الصرورة يحجه الرجل من الزكاة ؟ قال : نعم ، وليس ينبغي لأهل مكة أن يمنع الحاج شيئا من الدور ينزلونها .

وسألته عن قول اللّه - عزّ وجلّ - : « اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً » ؟ قال : قلت : من ذكر اللّه مائتي مرة أكثير هو ؟ قال : نعم .

وسألته عن النوم بعد الغداة ؟ قال : لا حتى تطلع الشمس ، قال : وذكر الخاتم ؟ قال : إذا اغتسلت فحوّله من مكانه وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة ، وذكر ذو القرنين قلت : عبدا كان أم ملكا ؟ قال : عبد أحبّ اللّه فأحبه

ونصح للّه فنصحه اللّه .

وسألته عن الاختلاف في القضاء عن أمير المؤنين عليه السلام في أشياء من المعروف أنّه لم يأمر بها ولم ينه عنها إلاّ أنّه نهى عنها نفسه وولده ، فقلت : كيف يكون ذلك ؟ قال : أحلتها آية وحرمتها آية ، فقلت : هل يصلح إلاّ بأن إحداهما منسوخة أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما ؟ قال : قد بيّن إذ نهى نفسه وولده ، قلت له : فما منع أن يبيّن للناس ؟ قال : خشي أن لا يطاع ، ولو أن أمير المؤنين عليه السلام ثبتت قدماه أقام كتاب اللّه كلّه والحقّ كلّه ، وصلّى حسن وحسين وراء مروان ونحن نصلّي معهم .

وسألته عمن يروي عنكم تفسيرا وثوابه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قضاء أو طلاق أو في شيء لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه في غير أن يسمي لكم عدوا أويسعنا أن نقول في قوله : اللّه أعلم إن كان محمد يقولونه ؟ قال : لا يسعكم حتى تستيقنوا .

ص: 365

وسألته عن نبي اللّه هل كان يقول على اللّه شيئا قط أو ينطق عن هوى أو يتكلف ؟ فقال : لا ، فقلت : أرأيتك قوله لعلي عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّه أمره به ؟ قال : نعم ، قلت : فأبرأ إلى اللّه ممن أنكر ذلك منذ يوم أمر به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، قلت : هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك ؟ قال : لا إِلاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ، قلت : من هو ؟ قال : أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف ذلك أتقتلون خدمكم وهم مقرون لكم ؟ وقال : من عرض عليه ذلك فأنكره فأبعده اللّه وأسحقه لا خير فيه .

وسألته عن رجل يقول : إن اشتريت فلانا فهو حر ، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة ، وإن نكحت فهي طلاق ؟ قال : ليس ذلك بشيء .

وسألته عن الرجل يطلق امرأته في غير عدة ؟ فقال : إن ابن عمر طلق امرأته على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهي حائض فأمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يراجعها ولم يحسب تلك التطليقة .

وسألته عن الرجل يقول لامرأته أنت عليّ حرام ؟ قال : هي يمين يكفرها ، قال اللّه - تعالى - لمحمد صلى الله عليه و آله « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاكُمْ » فجعلها يمينا

فكفرها نبي اللّه صلى الله عليه و آله .

وسألته بما يكفر يمينه ؟ قال : إطعام عشرة مساكين ، فقلت : كم إطعام كلّ مسكين ؟ فقال : مد مد .

وسألته عن رجل أكل ربا لا يرى إلاّ أنّه حلال ؟ قال : لا يضرّه حتى يصيبه متعمدا فهو ربا .

وسألته عن هذه الآية « أَوْ كِسْوَتُهُمْ » للمساكين ؟ قال : ثوب يواري به عورته .

ص: 366

وسألته عن رجل يقول : عليّ نذر ولا يسمي شيئا ؟ قال : ليس بشيء .

وسألته عن الصيام في الحضر ؟ قال : ثلاثة أيام في كلّ شهر الخميس في جمعة والأربعاء في جمعة والخميس في جمعة .

وسألته عن الرجل يموت وله أم ولد وله معها ولد أيصلح للرجل أن يتزوجها ؟ قال : أخبرك ما أوصى علي عليه السلام في أمهات الأولاد ؟ قلت : نعم ، قال : إنّ عليا أوصى أيّما امرأة منهن كان لها ولد فهي من نصيب ولدها .

وسألته عن كسب الحجام ؟ قال : إنّ رجلا أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسأله عنه ، فقال له : هل لك ناضح ؟ قال : نعم ، قال : اعلفه إياه .

وسألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يتصدّق على ولده أيصلح له أن يردّها ؟ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الذي يتصدّق بصدقة ثم يرجع فيها مثل الذي يقيء ثم يرجع في قيئه .

وسألته عن رجل يمرّ على ثمرة فيأكل منها ؟ قال : نعم ، قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأن تستر الحيطان برفع بنائها .

وسألته عن الرجل يعطى الأرض على أن يعمرها ويكري أنهارها بشيء معلوم ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن أهل الأرض أيأكل في إنائهم إذا كانوا يأكلون الميتة والخنزير ؟ قال : لا ، ولا في آنية الذهب والفضة .

وسألته عن الكبائر التي قال اللّه - عزّ وجلّ - : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ » ؟ قال : التي أوجب اللّه عليها النار .

وسألته عن الرجل يصرم أخاه وذا قرابته ممن لا يعرف الولاية ؟ قال : إن لم يكن عليه طلاق أو عتق فليكلمه .

وسألته عمن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره أله أن يصوم ؟ قال : إذا لم يشكّ فيه فليصم وحده ويصوم مع الناس إذا صاموا .

ص: 367

وسألته عن رجل طاف فذكر أنّه على غير وضوء فكيف يصنع ؟ قال : يقطع طوافه ولا يعتد بما طاف وعليه الوضوء .

وسألته عن الرجل أيصلح أن يلمس ويقبّل وهو يقضي شهر رمضان ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة فتصيب ثيابه أو رجله أيصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولم يغسل ما أصابه ؟ قال : إذا كان يابسا فلا بأس .

وسألته عن الرجل يؤن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزيه ذلك ؟ قال : أمّا الأذان فلا بأس وأمّا الإقامة فلا يقيم إلاّ على وضوء ، قلت : فإن أقام وهو على غير

وضوء أيصلّي بإقامته ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يكسر بيض الحمام أو بعضه وفي البيض فراخ تتحرك ما عليه ؟ قال : يتصدّق عما تحرك منه بشاة يتصدّق بلحمها إذ كان محرما ، وإن لم يتحرك الفراخ تصدّق بثمنه دراهم أو شبهه أو اشترى به علفا لحمام الحرم .

وسألته عن رجل أصاب بيض نعام فيه فراخ قد تحركت ما عليه ؟ قال : لكل فرخ بعير ينحره بالمنحر .

وسألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها ؟ قال : لا حتى تغتسل منه .

وسألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يلبس الثوب المشبع بالعصفر ؟ قال : إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس .

وسألته عن المرأة وهي مختضبة بالحناء والوسمة ؟ قال : إذا برز الفم والمنخر فلا بأس .

وسألته عن الرجل لبس فراء الثعالب والسنانير ؟ قال : لا بأس ، ولا يصلّي فيه .

وسألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك والقاقم ؟ قال : لا بأس ، ولا يصلّى إلاّ أن يكون ذكيا .

ص: 368

وسألته عن الإقران بين التين والتمر وسائر الفواكه أيصلح ؟ قال : نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الإقران ، فإن كنت وحدك فكل ما أحببت ، وإن كنت مع قوم فلا تقرن إلاّ بإذنهم .

و سألته عن الرجل يقعد في المسجد ورجله خارج منه أو انتقل من المسجد وهو في صلاته أيصلح له ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الفضة في الخوان والصحفة والسيف والمنطقة وبالسرج أو اللجام يباع بدراهم أقل من الفضة أو أكثر يحل ؟ قال : يبيع الفضة بدنانير وما سوى ذلك بدراهم .

وسألته عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به ؟ قال : إن كان مموها لا تقدر أن تنزع منه شيئا فلا بأس وإلاّ فلا تركب به .

وسألته عن السيف يعلّق في المسجد ؟ قال : أمّا في القبلة فلا وأمّا في جانبه فلا بأس .

وسألته عن ألبان الأتن أيشرب لدواء أو يجعل لدواء ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدح عيدان أو باطية أيشرب فيه ؟ قال : إذا غسل فلا بأس .

وسألته عن الرجل يغتسل في المكان من الجنابة أو يبول ثم يجف أيصلح له أن يفترش ؟ قال : نعم إذا كان جافا .

وسألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه أو يصلّي قبل أن يغسله ؟ قال : نعم ينفضه ويصلّي فلا بأس .

وسألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلا أيؤل ؟ قال : نعم إذا ذهب سكره فلا بأس .

وسألته عن حبّ الخمر أيجعل فيه الخل والزيتون أو شبهه ؟ قال : إذا غسل فلا بأس .

ص: 369

وسألته عن العقيقة عن الغلام والجارية ما هي ؟ قال : سواء كبش كبش ويحلق رأسه في السابع ويتصدّق بوزنه ذهبا أو فضة ، فإن لم يجد رفع الشعر أو عرف وزنه فإذا أيسر تصدّق بوزنه .

وسألته عن الرجل يدعو وحوله إخوانه يجب عليهم أن يأمنوا ؟ قال : إن شاءوا فعلوا وإن شاءوا سكتوا ، فإن دعا بحقّ وقال لهم : أمنوا وجب عليهم أن يفعلوا .

وسألته عن الغناء أيصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : لا بأس ما لم يزمر به .

وسألته عن شارب الخمر ما حاله إذا سكر منها ؟ قال : من شرب الخمر فمات بعده بأربعين يوما لقي اللّه كعابد وثن .

وسألته عن النوح على الميت أيصلح ؟ قال : يكره .

وسألته عن الشعر أيصلح أن ينشد في المسجد ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الضالة أيصلح أن تنشد في المسجد ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن فطرة شهر رمضان على كلّ إنسان هي أم على من صام وعرف الصلاة ؟ قال : كلّ صغير وكبير ممن يعول .

وسألته عن قتل النملة أيصلح ؟ قال : لا تقتلها إلاّ أن تؤيك .

وسألته عن قتل الهدهد ؟ قال : لا تؤيه ولا تذبحه فنعم الطير هو .

وسألته عمن ترك قراءة أمّ القرآن ما حاله ؟ قال : إن كان متعمّدا فلا صلاة له وإن كان نسي فلا بأس .

وسألته عن الضب واليربوع أيحل أكله ؟ قال : لا .

وسألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما ؟ قال : يفصل بينهما بيوم وإن كان أكثر من ذلك فلا يقضيه إلاّ متواليا .

وسألته عن الرجل يلاعب المرأة أو يجرّدها أو يقبّلها فيخرج منه الشيء ما عليه ؟ قال : إن جاءت الشهوة وخرج بدفق وفتر لخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنّما هو شيء لا يجد له شهوة ولا فترة لا غسل عليه ويتوضأ للصلاة .

ص: 370

وسألته عن المرأة ألها أن تعطي من بيت زوجها شيئا بغير إذنه ؟ قال : لا إلاّ أن يحللها .

وسألته عن الرجل يطرف بعد الفجر أيصلّي الركعتين خارجا من المسجد ؟ قال : يصلّي في مكة لا يخرج منها إلاّ أن ينسى فيخرج فيصلّي فإذا رجع إلى المسجد فليصلّ أي ساعة شاء ركعتي ذلك الطواف .

وسألته عن الرجل يطوف الأسبوع ولا يصلّي ركعتيه حتى يبدو له أن يطوف أسبوعا هل يصلح ذلك ؟ قال : لا حتى يصلّي ركعتي الأسبوع الأول ثم ليطف إن شاء ما أحبّ .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء ؟ قال : لا يصلح له إلاّ وهو على وضوء .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقف على شيء من المشاعر وهو على غير وضوء ؟ قال : لا يصلح إلاّ على وضوء .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقضي شيئا من المناسك وهو على غير وضوء ؟ قال : لا يصلح إلاّ على وضوء .

وسألته عن الرجل يكون له الثوب قد أصابته الجنابة فلم يغسله هل يصلح النوم فيه ؟ قال : يكره .

وسألته عن الرجل يعرق في الثوب يعلم أنّ فيه جنابة كيف يصنع هل يصلح له أن يصلّي قبل أن يغسل ؟ قال : إذا علم أنّه إذا عرق أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب جسده من ذلك ، وإن علم أنّه قد أصاب جسده ولم يعرف مكانه فليغسل جسده كلّه .

وسألته عن القعود في العيدين والجمعة والإمام يخطب كيف هو أيستقبل الإمام أو القبلة ؟ قال : يستقبل الإمام .

وسألته عن العجوز والعاتق هل عليهما من التزين والتطيب في الجمعة والعيدين ما على الرجال ؟ قال : نعم .

ص: 371

وسألته عن الرجل يسهو فيبني على ما ظن كيف يصنع أيفتح الصلاة أو يقوم فيكبر ويقرأ وهل عليه أذان وإقامة وإن كان قد سها في الركعتين الأخراوين وقد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبح أو يكبر ؟ قال : يبني على ما كان صلّى إن كان فرغ من القراءة فليس عليه قراءة وليس عليه أذان ولا إقامة ولا سهو عليه .

وسألته عن التكبير أيام التشريق هل ترفع فيه الأيدي أم لا ؟ قال : ترفع يدك شيئا أو تحركها .

وسألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو ؟ قال : يستحب ، فإن نسيه فليس عليه شيء .

وسألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق ؟ قال : نعم ، ولا يجهرن به .

وسألته عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه بركعة فيكبر الإمام إذا سلم أيام التشريق كيف يصنع الرجل ؟ قال : يقوم فيقضي ما فاته من الصلاة فإذا فرغ كبر .

وسألته عن الرجل يصلّي وحده أيام التشريق هل عليه تكبير ؟ قال : نعم ، وإن نسيه فلا بأس .

وسألته عن القول أيام التشريق ما هو ؟ قال : يقول اللّه : أكبر اللّه أكبر لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد اللّه أكبر على ما هدانا اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام .

وسألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير ؟ قال : نعم ، وإن نسي فلا بأس .

وسألته عن الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري طلع الفجر أم لا ولا يعرفه غير أنّه يظن أنّه لمكان الأذان قد طلع هل يجزيه ذلك ؟ قال : لا يجزيه حتى يعلم أنّه قد طلع .

وسألته عن المسلم العارف يدخل بيت أخيه فيسقيه النبيذ أو شرابا لا يعرفه هل يصلح له شربه من غير أن يسأله عنه ؟ قال : إذا كان مسلما عارفا فاشرب ما أتاك به إلاّ أن تنكره .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يتختم بالذهب ؟ قال : لا .

ص: 372

وسألته عن اللعب بأربعة عشر وشبهها ؟ قال : لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان والرمي .

وسألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرأ بعضها ثم يخطى فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنّه قد أخطأ هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قد ركع وسجد ؟ قال : إن كان لم يركع فليرجع إن أحبّ وإن ركع فليمض .

وسألته عن الأضحية يخطى الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها هل تجزي صاحب الأضحية ؟ قال : نعم ، إنّما له ما نوى .

وسألته عن الرجل يشتري الأضحية عوراء ولا يعلم إلاّ بعد شرائها هل تجزي عنه ؟ قال : نعم إلاّ أن يكون هديا ، فإنّه لا يجوز ناقص الهدي .

وسألته عن قوم في سفينة لا يقدرون أن يخرجوا إلاّ إلى الطين وماء هل يصلح لهم أن يصلّوا الفريضة في السفينة ؟ قال : نعم .

وسألته عن قوم صلّوا جماعة في سفينة أين يقوم الإمام وإن كان معه نساء كيف يصنعون أقياما يصلّون أو جلوسا ؟ قال : يصلّون قياما فإن لم يقدروا على القيام صلّوا جلوسا ويقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، فإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلّى الرجال ، ولا بأس أن تكون النساء بحيالهم .

وسألته عن الرجل يخطى في التشهد والقنوت هل يصلح أن يردّده حتى يذكره أو ينصت ساعة ويتذكر ؟ قال : لا بأس أن يتردّد وينصت ساعة حتى يذكر ، وليس في القنوت سهو كما في التشهد .

وسألته عن الرجل يخطى في قراءته هل له أن ينصت ساعة ويتذكر ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجعها إلى التي أراد ؟ قال : نعم ما لم تكن « قل هو اللّه أحد » و« قل يا أيها الكافرون » .

ص: 373

وسألته عن رجل قرأ سورة واحدة في ركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها وإن فعل فما عليه ؟ قال : إذا أحسن غيرها فلا يفعل وإن لم يحسن غيرها فلا بأس ، وإن فعل فلا شيء عليه ، ولكن لا يعود .

وسألته عن الرجل يقوم في صلاته هل يصلح له أن يقدّم رجلا ويؤر أخرى من غير مرض ولا علة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المتمتع يقدم يوم التروية قبل الزوال كيف يصنع ؟ قال : يطوف ويحل فإذا صلّى الظهر أحرم .

وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع ؟ قال : يعرفها سنة فإن لم يعرفها جعل في عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيه إياها ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن .

وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدّق بها ثم يأتيه صاحبها ما حال الذي تصدّق بها ولمن الأجر ؟ قال : عليه أن يردّها على صاحبها أو قيمتها ، قال : هو ضامن لها والأجر له إلاّ أن يرضى صاحبها فيدعها وله أجره .

وسألته عن المرأة تكون في صلاة فريضة وولدها إلى جنبها فيبكي وهي قاعدة هل يصلح لها أن تناوله فتقعده في حجرها تسكنه أو ترضعه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المرأة تكون بها الجروح في فخذها أو بطنها أو عضدها هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل يكون ببطن فخذه أو أليته جرح هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه ؟ قال : إذا لم تكن عورة فلا بأس .

ص: 374

وسألته عن الدقيق يقع فيه خرء الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق ؟ قال : إذا لم يعرفه فلا بأس ، فإذا عرفه فليطرحه من الدقيق .

وسألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا ؟ قال : لا يصلح أن يجعلها جرابا إلاّ أن يتصدّق بقيمته .

وسألته عن الرجل يكون على المصلّى أو على الحصير فيسجد فيقع كفّه على المصلّى أو أطراف أصابعه وبعض كفّه خارج عن المصلّى على الأرض ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وبسورة في النفس الواحد هل يصلح ذلك له وما عليه إن فعل ؟ قال : إن شاء قرأ في نفس واحد وإن شاء أكثر فلا شيء عليه .

وسألته عن الرجل يكون في صلاة فيسمع الكلام أو غيره فينصت ويستمع ما عليه إن فعل ذلك ؟ قال : هو نقص في الصلاة وليس عليه شيء .

وسألته عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزيه أن لا يخرج وأن يتوهم توهما ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية ؟ قال : يردّد القرآن ما شاء ، وإن جاءه البكاء فلا بأس .

وسألته عن المرأة هل يصلح له أن يعمل بها إذا كانت لها حلقة فضة ؟ قال : نعم إنّما كره إناء شرب فيه أن يستعمل .

وسألته عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء ؟ قال : لا .

وسألته عما أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحلّ أكله ؟ قال : صيده ذكاته لا بأس .

ص: 375

وسألته عن الصبي يسرق ما عليه ؟ قال : إذا سرق وهو صغير عفي عنه فإن عاد قطعت أنامله وإن عاد قطع أسفل من ذلك أو ما شاء اللّه .

وسألته عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح ؟ قال : لا تصلح إلاّ أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثم انضح بالماء ثم صلّ .

وسألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة فيها ؟ قال : نعم لا بأس به .

وسألته عن شراء النخل سنتين أو أربعة أيحل ؟ قال : لا بأس يقول : إن لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إن شاء اللّه .

وسألته شراء النخل سنة واحدة أيصلح ؟ قال : لا يشتري حتى تبلغ .

وسألته عن الإحرام بحجة ما هو ؟ قال : إذا أحرم فقال : بحجة فهي عمرة تحلّ بالبيت فتكون عمرة كوفية وحجة مكية .

وسألته عن العمرة متى هي ؟ قال : يعتمر فيما أحبّ من الشهور .

وسألته عن القيام خلف الإمام في الصف ما حدّه ؟ قال : قم ما استطعت فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس .

وسألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الأخرى بكفّه أو ذراعه ؟ قال : لا يصلح ذلك فإن فعل فلا يعود له . قال علي قال موسى : سألت أبي جعفر عليه السلام عن ذلك فقال : أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : ذلك عمل وليس في الصلاة عمل .

وسألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلّى فيه ؟ قال : لا بأس إلاّ أن يرى عليه أثرا فيغسله .

وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه في الصلاة ؟ قال : لا إلاّ أن يضطر إليه .

ص: 376

وسألته عن النصراني واليهودي يغتسل مع المسلمين في الحمام ؟ قال : إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل .

وسألته عن اليهودي والنصراني يشرب من الدورق أيشرب منه المسلم ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الكوز والدورق والقدح والزجاج والعيدان أيشرب منه قبل عروته ؟ قال : لا يشرب من قبل عروة كوز ولا إبريق ولا قدح ولا يتوضأ من قبل عروته .

وسألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي ؟ قال : يصلّي النافلة وهو جالس ويحسب كلّ ركعتين بركعة ، وأمّا الفريضة فيحتسب كلّ ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام .

وسألته عن حدّ ما يجب على المريض ترك الصوم ؟ قال : كلّ شيء من المرض أضرّ به الصوم فهو يسعه ترك الصوم .

وسألته عن الرجل ذبح فقطع الرأس قبل أن تبرد الذبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقه السكين أيؤل ذلك ؟ قال : نعم ولكن لا يعود .

وسألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم والصلاة ؟ قال : إذا راهق الحلم وعرف الصوم والصلاة .

وسألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلّي ؟ قال : إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بركوع وسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم .

وسألته عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي فيها ؟ قال : تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها ولم تقدر على غير ذلك فلا بأس .

وسألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع ؟ قال : يومى برأسه .

ص: 377

وسألته عن الصلاة في الأرض السبخة أيصلّى فيها ؟ قال : لا إلاّ أن يكون فيها نبت إلاّ أن يخاف فوت الصلاة فيصلّى .

وسألته عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة فلا يستطيع المشي مخافة السبع وإن قام يصلّي خاف في ركوعه وسجوده والسبع أمامه على غير القبلة ، فإن توجه الرجل أمام القبلة خاف أن يثب عليه الأسد كيف يصنع ؟ قال : يستقبل الأسد ويصلّي ويومى إيماء برأسه وهو قائم ، وإن كان الأسد على غير القبلة .

وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة ؟ قال : يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلاّ أن يكون في فريضة فيومى برأسه إيماء .

وسألته عن الحديث بعد ما يصلّي الرجل العشاء الآخرة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع ؟ قال : إن كان غليظا وفيه خلط من دم فاغسله كلّ يوم مرتين غداة وعشية ولا ينقض ذلك الوضوء ، فإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصلّ فيه حتى تغسله .

وسألته عن الرجل يقول : هو أهدى كذا وكذا ما لا يقدر عليه ؟ قال : إذا كان جعله نذرا للّه ولا يملكه فلا شيء عليه ، وإن كان مما يملك غلام أو جارية أو شبهه باعه واشترى بثمنه طيبا يطيب به الكعبة ، وإن كانت دابة فليس عليه شيء .

وسألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما : ليلتي ويومي لك يوما أو شهرا وما كان نحو ذلك ؟ قال : إذا طابت نفسها أو اشترى ذلك منها فلا بأس .

وسألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدّم إلى الثاني أو الثالث أو يتأخر وراء في جانب الصف الآخر ؟ قال : إذا رأى خللا فلا بأس به .

وسألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة ؟ قال : أمّا الأذان فلا بأس وأمّا الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض .

ص: 378

وسألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكله ؟ قال : لا يصلح أكل شيء من الغربان زاغ ولا غيره .

وسألته عن صوم الثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينهما ؟ قال : يصوم الثلاثة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة معا .

وسألته عن كفارة صوم اليمن يصومها جميعا أو يفرق بينها ؟ قال : يصومها جميعا .

وسألته عن الرجل أيصلح له أن يقبّل الرجل أو المرأة تقبّل المرأة ؟ قال : الأخ والابن والأخت والابنة ونحو ذلك فلا بأس .

وسألته عن الرجل أيصلح له أن ينام في البيت وحده ؟ قال : تكره الخلوة ، وما أحبّ أن يفعل .

وسألته عن الرجل يكون في إصبعه أو في شيء من يده الشيء ليصلحه له أن يبله ببصاقه ويمسحه في صلاته ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يبول في الطست يصلح له الوضوء فيها ؟ قال : إذا غسلت بعد بوله فلا بأس .

وسألته عن المسك والعنبر يصلح في الدهن ؟ قال : إنّي لأضعه في الدهن ولا بأس .

وسألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه وشاربه ولحيته ما لم يحرم ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ؟ قال : إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس .

وسألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله ؟ قال : تمت صلاته ولا شيء عليه .

وسألته عن الجزور والبقرة عن كم يضحى بها ؟ قال : يسمي ربّ البيت نفسه وهو يجزي عن أهل البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة .

وسألته عما حسر عنه الماء من صيد البحر وهو ميت أيحل أكله ؟ قال : لا .

ص: 379

وسألته عن صيد البحر يحبسه فيموت في مصيدته ؟ قال : إذا كان محبوسا فكل فلا بأس .

وسألته عن ظبي أو حمار وحشي أو طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمات أيؤل ؟ قال : كله ما لم يتغيّر إذا سمى ورمى .

وسألته عن رجل يلحق الظبي أو الحمار فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين هل يحل أكله ؟ قال : إذا سمى .

وسألته عن رجل يلحق حمارا أو ظبيا فيضربه بالسيف فيصرعه أيؤل ؟ قال : إذا أدرك ذكاته ذكاه وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله .

وسألته عن رجل مسلم اشترى مشركا وهو في أرض الشرك ؟ فقال العبد : لا أستطيع المشي ، فخاف المسلم أن يلحق العبد بالقوم أيحل قتله ؟ قال : إذا خاف أن يلحق بالقوم - يعني العدو - حلّ قتله .

وسألته عن رجل كان له على آخر دراهم فجحده ثم وقعت للجاحد مثلها عند المجحود أيحل أن يجحده مثل ما جحده ؟ قال : نعم ولا يزداد .

وسألته عن الرجل يتصدّق على الرجل بجارية هل يحلّ فرجها له ما لم يدفعها إلى الذي تصدّق بها عليه ؟ قال : إذا تصدّق بها حرمت عليه .

وسألته عن الصلاة على الجنازة إذا احمرت الشمس أيصلح ؟ قال : لا صلاة إلاّ في وقت صلاة ، وإذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ثم صلّ على الجنازة .

وسألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شيء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع ؟ قال : يسلّم وينصرف ويدع الإمام .

وسألته عن المرأة ألها أن تخرج بغير إذن زوجها ؟ قال : لا .

وسألته عن المرأة ألها أن تصوم بغير إذن زوجها ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الدين يكون على قوم مياسير إذا شاء صاحبه قبضه هل عليه زكاة ؟ قال : لا حتى يقبضه ويحول عليه الحول .

ص: 380

قال أبو الحسن علي بن جعفر عن أخيه موسى : يضمّ أسبوعين فثلاثة ثم يصلّي لها ولا يصلّي عن أكثر من ذلك .

وسألته عن المريض أيكوى أو يسترقي ؟ قال : لا بأس إذا استرقى بما يعرف .

وسألته عن المطلقة ألها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها ؟ قال : نعم .

وسألته عن امرأة بلغها أن زوجها توفي فاعتدت ثم تزوجت فبلغها بعد أن تزوجت أن زوجها حي هل تحل للآخر ؟ قال : لا .

وسألته عن الرجل ينسى صلاة الليل فيذكر إذا قام في صلاة الزوال كيف يصنع ؟ قال : يبدأ بالزوال فإذا صلّى الظهر قضى صلاة الليل والوتر ما بينه وبين العصر أو متى ما أحبّ .

وسألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه فلم يعلم به حتى كان من غد كيف يصنع ؟ قال : إن كان رأى فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي لا ينقص منه شيئا ، وإن كان رآه وقد صلّى فليبدأ بتلك الصلاة ثم ليقض صلاته تلك .

وسألته عن فراش الحرير أو مرفقة الحرير أو مصلّى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل التكأة عليه والصلاة ؟ قال : يفترشه ويقوم عليه و لا يسجد عليه .

وسألته عن الرجل يسهو في السجدة الآخرة من الفريضة ؟ قال : يسلّم ثم يسجدها وفي النافلة مثل ذلك .

وسألته عن رجل افتتح الصلاة فبدأ بسورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة كيف يصنع ؟ قال : يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل .

وسألته عن رجل افتتح بقراءة سورة قبل فاتحة الكتاب هل يجزيه ذلك إذا كان خطأ ؟ قال : نعم .

وسألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد في السفينة على القير ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر وهو في صلاته في نقش خاتمه كأنّه يريد قراءته أو في صحيفة أو في كتاب في القبلة ؟ قال : ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها .

ص: 381

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في ركوعه أو سجوده الشيء يبقى عليه من السورة يكون يقرؤا ؟ قال : أمّا في الركوع فلا يصلح وأمّا في السجود فلا بأس .

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يقرأ في ركوعه أو سجوده من سورة غير سورته التي كان يقرؤا ؟ قال : إن نزع بآية فلا بأس في السجود .

وسألته عن رجل نسي أن يضطجع على يمينه بعد ركعتي الفجر فذكر حين أخذ في الإقامة كيف يصنع ؟ قال : يقوم ويصلّي ويدع ذلك فلا بأس .

وسألته عن رجل يكون في صلاته وإلى جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه يسبح ويرفع صوته لا يريد إلاّ ليستيقظ الرجل هل يقطع ذلك صلاته أو ما عليه ؟ قال : لا يقطع صلاته ولا شيء ولا بأس به .

وسألته عن رجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبح فيرفع صوته ليسمع خادمه فتأتيه فيريها بيده أنّ على الباب إنسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يكون على غير وضوء فيصيبه المطر حتى يسيل من رأسه وجبهته ويديه ورجليه هل يجزيه ذلك من الوضوء ؟ قال : إن غسله فهو يجزيه ويتمضمض ويستنشق .

وسألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يسيل رأسه وجسده وهو يقدر على الماء سوى ذلك ؟ قال : إن كان يغسله كما يغتسل بالماء أجزأه ذلك إلاّ أنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ويمرّ يده على ما نالت من جسده .

وسألته عن الرجل تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك أو عليه التيمم ؟ قال : إن غسله أجزأه أن لا يتيمم .

وسألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيّهما أفضل التيمم أو يمسح بالثلج وجهه وجسده ورأسه ؟ قال : الثلج إن بلّ رأسه وجسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل بالثلج فليتيمم .

ص: 382

وسألته عن الرجل أيصلح له أن يغمض عينيه متعمدا في صلاته ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا كيف يصنع ؟ قال : يعيد الصلاة والوضوء ولا يعتد بشيء مما صلّى إذا علم ذلك يقينا .

وسألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه فخرج من المسجد متعمدا حتى خرجت الريح من بطنه ثم عاد إلى المسجد فصلّى ولم يتوضأ أيجزيه ذلك ؟ قال : لا يجزيه ذلك حتى يتوضأ ولا يعتد بشيء مما صلّى .

وسألته عن القيام من التشهد في الركعتين الأوليين كيف يقوم يضع يديه وركبتيه على الأرض ثم ينهض أو كيف يصنع ؟ قال : كيف شاء فعل ولا بأس .

وسألته عن الرجل هل يجزيه أن يسجد فيجعل عمامته أو قلنسوته بين جبهته وبين الأرض ؟ قال : لا يصلح حتى تقع جبهته على الأرض .

وسألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد والإمام قائم في الصلاة كيف يصنع ؟ قال : يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين فإذا ارتفعت الشمس قضاها .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يرفع طرفه إلى السماء وهو في صلاته ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن المرأة المغاضبة زوجها هل لها صلاة أو ما حالها ؟ قال : لا تزال عاصية حتى يرضى عنها .

وسألته عن القوم يتحدّثون حتى يذهب ثلث الليل أو أكثر أيّهما أفضل أيصلّون العشاء جميعا أو في غير جماعة ؟ قال : يصلّونها في جماعة أفضل .

وسألته عن الرجل يقرأ في الفريضة بسورة النجم يركع بها ثم يقوم بغيرها ؟ قال : يسجد بها ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم يركع ، وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة .

ص: 383

وسألته عن رجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء هل يصلح له أن ينظر فيه ويفتشه وهو في صلاته ؟ قال : إن كان في مقدّم الثوب أو جانبيه فلا بأس ، وإن كان في مؤره فلا يلتفت فإنّه لا يصلح له .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي خلف النخلة فيها حملها ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في الكرم وفيه حمله ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن رجل مس ظهر سنور هل يصلح له أن يصلّي قبل أن يغسل يده ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن إمام أمّ قوما مسافرين كيف يصلّي المسافرون ؟ قال : يصلّون ركعتين ويقوم الإمام فيتمّ صلاته فإذا سلّم فانصرف انصرفوا .

وسألته عن رجل هل يصلح له أن يصلّي وأمامه حمار واقف ؟ قال : يضع بينه وبينه قصبة أو عودا أو شيئا يقيمه بينهما ثم يصلّي فلا بأس ، قلت : فإن لم يفعل وصلّى أيعيد صلاته أو ما عليه ؟ قال : لا يعيد صلاته ولا شيء عليه .

وسألته عن رجل جعل ثلث حجّته لميت وثلثها لحي ؟ قال : للميت فأمّا الحي فلا .

وسألته عن رجل جعل عليه أن يصوم بالكوفة شهرا وبالمدينة شهرا وبمكة شهرا فصام أربعة عشر يوما بمكة أله أن يرجع إلى أهله فيصوم ما عليه بالكوفة ؟ قال : نعم لا بأس وليس عليه شيء .

وسألته عن رجل زوج ابنته غلاما فيه لين وأبوه لا بأس به ؟ قال : إن لم تكن به فاحشة فيزوجه ، يعني الخنث .

وسألته عن قوم أحرار ومماليك اجتمعوا على قتل مملوك ما حالهم ؟ قال : يقتل من قتله من المماليك وتفديه الأحرار .

وسألته عن رجل قال : إذا متّ ففلانة جاريتي حرّة فعاش حتى ولدت الجارية أولادا ثم مات ما حالهم ؟ قال : عتقت الجارية وأولادها مماليك .

ص: 384

وسألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يقول لمملوكه : يا أخي ويا ابني أيصلح ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الدابة تبول فيصيب بوله المسجد أو حائطه أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : إذا جفّ فلا بأس .

وسألته عن الرجل يجامع أو يدخل الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر اللّه أو شيء من القرآن أيصلح ذلك ؟ قال : لا .

وسألته عن القعود والقيام والصلاة على جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك ؟ قال : لا بأس ما لم يسجد عليها .

وسألته عن الرجل يكون عليه الصيام الأيام الثلاثة من كلّ شهر أيصومها قضاء وهو في شهر لم يصم أيامه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن رجل يؤر الصوم الأيام الثلاثة من الشهر حتى يكون في آخر الشهر فلا يدرك الخميس الآخر إلاّ أن يجمعه مع الأربعاء أيجزيه ذلك ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن صوم ثلاثة أيام من الشهر يكون على الرجل يقضيها متوالية أو يفرق بينها ؟ قال : أي ذلك أحبّ .

وسألته عن رجل طلق أو ماتت امرأته ثم زنى هل عليه رجم ؟ قال : نعم .

وسألته عن امرأة طلقت ثم زنت بعد ما طلقت سنة أو أكثر هل عليها الرجم ؟ قال : نعم .

وسألته عن الرجل يطوف بالبيت وهو جنب فيذكر وهو في طوافه هل عليه أن يقطع طوافه ؟ قال : يقطع طوافه ولا يعتد بشيء مما طاف .

وسألته عن الجنب يدخل يده في غسله قبل أن يتوضأ وقبل أن يغسل يده ما حاله ؟ قال : إذا لم يصب يده شيئا من الجنابة فلا بأس ، قال : وأن يغسل يده قبل أن يدخلها في شيء من غسله أحبّ إليّ .

ص: 385

وسألته عن ولد الزنا تجوز شهادته أو يؤ قوما ؟ قال : لا تجوز شهادته ولا يؤ .

وسألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ لمن لقطها فرجها ؟ قال : لا إنّما حلّ له بيعها بما أنفق عليها .

وسألته عن فضل الشاة والبقر والبعير أيشرب منه ويتوضأ ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينتضح على الثوب ما حاله ؟ قال : إذا كان جافّا فلا بأس .

وسألته عن الجراد يصيده فيموت بعد ما يصيده أيؤل قال : لا بأس .

وسألته عن الجراد يصيبه ميتا في البحر أو في الصحراء أيؤل ؟ قال : لا تأكله .

وسألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل ؟ قال : يغسل الظاهر ثم يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج الماء من جانب الفراش .

وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أيصلّى فيها قبل أن يغسل ؟ قال : إذا جرى من ماء المطر فلا بأس يصلّى فيها .

وسألته عن الفأرة تصيب الثوب أيصلّى فيه ؟ قال : إذا لم تكن الفأرة رطبة فلا بأس ، وإن كانت رطبة فاغسل ما أصاب من ثوبك ، والكلب مثل ذلك .

وسألته عن فضل الفرس والبغل والحمار أيشرب منه ويتوضأ للصلاة ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الصلاة على بواري النصارى واليهود التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلح ؟ قال : لا تصلّ عليها .

وسألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة أو أشباههن تطأ على العذرة ثم تطأ الثوب أيغسل ؟ قال : إن كان استبان من أثره شيء فاغسله وإلاّ فلا بأس .

وسألته عن الدجاجة والحمامة والعصفور وأشباهه تطأ في العذرة ثم تدخل في الماء أيتوضأ منه ؟ قال : لا إلاّ أن يكون ماء كثيرا قدر كر .

وسألته عن العظاية والوزغ والحية تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : لا بأس .

ص: 386

وسألته عن العقرب والخنفساء وشبهه يموت في الجب والدن أيتوضأ منه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الرجل يدركه رمضان في السفر فيقيم في المكان هل عليه صوم ؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام فإذا أجمع صام وأتم الصلاة .

وسألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر هل يقضي إذا أقام في المكان ؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام .

وسألته عن صلاة الكسوف ما حدّها ؟ قال : يصلّي متى ما أحبّ و يقرأ ما أحبّ غير أنّه يقرأ ويركع ويقرأ ويركع ويقرأ ويركع أربع ركعات ويسجد في الخامسة ثم يقوم فيفعل مثل ذلك .

وسألته عن المطلقة كم عدتها ؟ قال : ثلاث حيض وتعتد من أول تطليقة .

وسألته عن الرجل يطلق تطليقة أو تطليقتين ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ما حالها ؟ قال : إذا تركها على أنّه لا يريدها بانت منه فلم تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره وإن تركها على أنّه يريد مراجعتها ثم مضى لذلك منه سنة فهو أحقّ برجعتها .

وسألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل يجوز لصاحبها ؟ قال : إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنّها جائزة لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيرا ، وإذا كان ولدا كبيرا

فلا يجوز له حتى يقبض .

وسألته عن رجل تصدّق على رجل بصدقة فلم يحزها هل يجوز ذلك ؟ قال : هي جائزة حيزت أو لم تحز .

وسألته عن رجل استأجر دابة إلى مكان فجاز ذلك فنفقت الدابة ما عليه ؟ قال : إذا كان جاز المكان الذي استأجر إليه فهو ضامن .

وسألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه ؟ قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها وإن لم يسم فليس عليه شيء .

ص: 387

وسألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر فانكسرت ما عليه ؟ قال : هو ضامن كان يلزمه أن يستوثق منها ، وإن أقام البينة أنّه ربطها واستوثق منها فليس عليه شيء .

وسألته عن بختي مغتلم قتل رجلا فقام أخو المقتول فعقر البختي وقتله ما حالهم ؟ قال : على صاحب البختي دية المقتول ولصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه .

وسألته عن رجل تحته مملوكة بين رجلين فقال أحدهما : قد بدا لي أن أنزع جاريتي منك وأبيع نصيبي فباعه ، فقال المشتري : أريد أن أقبض جاريتي هل تحرم على الزوج ؟ قال : إذا اشتراها غير الذي كان أنكحها إياه فالطلاق بيده إن شاء فرّق بينهما وإن شاء تركها معه فهي حلال لزوجها وهما على نكاحهما حتى ينزعها المشتري ، وإن أنكحها إياه نكاحا جديدا فالطلاق إلى الزوج وليس إلى السيد الطلاق .

وسألته عن الرجل زوج ابنه وهو صغير فدخل الابن بامرأته على من المهر على الأب أو على الابن ؟ قال : المهر على الغلام وإن لم يكن له شيء فعلى الأب يضمن ذلك على ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير .

وسألته عن رجل حرّ وتحته مملوكة بين رجلين أراد أحدهما نزعها منه هل له ذلك ؟ قال : الطلاق إلى الزوج لا يحلّ لواحد من الشريكين أن يطلقها فيستخلص أحدهما .

وسألته عن حبّ ماء فيه ألف رطل وقع فيه وقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه ؟ قال : لا يصلح .

وسألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم فيها وقع فيها وقية دم هل يصلح أكله ؟ قال : إذا طبخ فكل فلا بأس .

وسألته عن فأرة وقعت في بئر فماتت هل يصلح الوضوء عن مائها ؟ قال : انزع من مائها سبع دلى ثم توضأ ولا بأس .

ص: 388

وسألته عن فأرة وقعت في بئر فأخرجت وقد تقطّعت هل يصلح الوضوء من مائها ؟ قال : ينزح منها عشرون دلوا إذا تقطّعت ثم يتوضأ ولا بأس .

وسألته عن صبي بال في بئر هل يصلح الوضوء منها ؟ فقال : ينزح الماء كلّه .

وسألته عن رجل مسّ ميتا عليه الغسل ؟ قال : إن كان الميت لم يبرد فلا غسل عليه وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه .

وسألته عن بئر صبّ فيها الخمر هل يصلح الوضوء من مائها ؟ قال : لا يصلح حتى ينزح الماء كلّه .

وسألته عن الصدقة يجعلها الرجل للّه مبتوتة هل له أن يرجع فيها ؟ قال : إذا جعلها للّه فهي للمساكين وابن السبيل فليس له أن يرجع فيها .

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه ؟ قال : نعم

فيصلّي ما أحبّ ويجعل ذلك للميت فهو للميت إذا جعل ذلك له(1) .

ص: 389


1- بيان : قوله « قال : سألت أبي » يدل على أن السائل في تلك المسئولات الكاظم عليه السلام والمسئول أبوه عليه السلام ، وفي قرب الإسناد وسائر كتب الحديث السائل علي بن جعفر والمسئول أخوه الكاظم ، وهو الصواب ، ولعله اشتبه على النساخ أو الرواة ، ويدلّ عليه التصريح بسؤل علي عن أخيه في أثناء الخبر مرارا . قوله « اللّه أعلم إن كان محمد يقولونه » كانت النسخ هنا محرفة مصحفة ، والأظهر أنّه كان هكذا « وسألته عمن يروي عنكم تفسيرا أو رواية عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قضاء أو طلاق أو عتق أو شيء لم نسمعه قط من مناسك أو شبهه من غير أن يسمي لكم عدوا أيسعنا أن نقول في قوله : اللّه أعلم إن كان آل محمد عليهم السلام يقولونه » فكلمة إن نافية ، والحاصل أنّه : هل يجوز تكذيب مثل هذه الرواية ؟ فأجاب عليه السلامبأنّه : لا يجوز تكذيبه حتى يستيقن كذبه ، ويحتمل أن تكون كلمة إن شرطية : أي إن كان آل محمد يقولونه فنحن نقول به ، فالجواب أنّه : لا يجوز التصديق به حتى يستيقن ، فالمراد باليقين ما يشمل الظن المعتبر شرعا . قوله « قال أبو الحسن علي بن جعفر » لعله إنّما أعاد اسمه إشعارا لما سقط من بين الخبر لئلا يتوهم اتصاله بما قبله كما يدل عليه الابتداء من وسط جواب قد سقط سؤله رأسا . ثم اعلم أنّا لما شرحنا أجزاء الخبر في أبوابها برواية الحميري فلم نعد شرحها هاهنا حذرا من التكرار ، وكذلك تركنا بعض ما فيها من التصحيفات ليرجع من أراد تصحيحها إلى ما أوردنا منه في أبوابها .

باب وصية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم

باب وصية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم(1)

تحف العقول : وصية موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم وصفته للعقل قال عليه السلام :

يا هشام إنّ اللّه - تبارك وتعالى - بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : « فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ »(2) .

يا هشام بن الحكم إنّ اللّه - جلّ وعزّ - أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلة فقال : « وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ

ص: 390


1- بحارالأنوار : 1 / 133 .
2- بيان : المراد بالقول : إمّا القرآن ، أو مطلق المواعظ ، « فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » : أي إذا ردّدوا بين أمرين منها لا يمكن الجمع بينهما يختارون أحسنهما ، وعلى الأول يحتمل أن يكون المراد بالأحسن : المحكمات ، ويمكن أن يحمل القول على مطلق الكلام ، إذ ما من قول حقّ إلاّ وله ضدّ باطل ، فإذا سمعها اختار الحقّ منهما ، وعلى تقدير أن يكون المراد بالقول القرآن ، أو مطلق المواعظ ، يمكن إرجاع الضمير إلى المصدر المذكور ضمنا : أي يتبعونه أحسن اتباع .

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(1) .

يا هشام قد جعل اللّه - جلّ وعزّ - دليلا على معرفته بأنّ لهم مدبرا فقال : « وَسَخَّرَ لَكُمُ

اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » ، وقال : « حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » وقال :

ص: 391


1- بيان : المراد بالحجج : البراهين ، أو الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، والاحتجاج وقطع العذر : أي أكمل حجّته على الناس بما آتاهم من العقول ، وأفضى إليه : أي وصل ، والباء للتعدية : أي بعد ما أكمل عقلهم ألقى إليهم بيان ما يلزمهم علمه ومعرفته ، وفي الكافي : ونصر النبيين بالبيان والأدلة ما بين في كتابه من دلائل الربوبية والوحدانية ، أو ما أظهر من آثار صنعته وقدرته في الآفاق وفي أنفسهم ، والأول أنسب بالتفريع ، واختلاف الليل والنهار : أي تعاقبهما على هذا النظام المشاهد بأن يذهب أحدهما ويجيء الآخر خلفه ، وبه فسر قوله تعالى « هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً » أو تفاوتهما في النور والظلمة ، أو في الزيادة والنقصان ودخول أحدهما في الآخر ، أو في الطول والقصر بحسب العروض ، أو اختلاف كلّ ساعة من ساعاتهما بالنظر إلى الأمكنة المختلفة ، فأية ساعة فرضت فهي صبح لموضع وظهر لآخر وهكذا ، والفلك يجيء مفردا وجمعا وهو السفينة ، وما في قوله تعالى « بِما يَنْفَعُ النّاسَ » إمّا مصدرية : أي بنفعهم ، أو موصولة : أي بالذي ينفعهم من المحمولات والمجلوبات ، « وما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ » من الأولى للابتداء والثانية للبيان ، والسماء يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو ، وإحياء الأرض بالنباتات والأزهار والثمرات ، وبثّ فيها عطف على أنزل ، أو على أحيا ، فإنّ الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالمطر ، والبث : النشر والتفريق ، والمراد بتصريف الرياح : إمّا تصريفها في مهابها قبولا ودبورا وجنوبا وشمالا ، أو في أحوالها حارة وباردة وعاصفة ولينة وعقيمة ولواقح ، أو جعلها تارة للرحمة وتارة للعذاب ، والسحاب المسخر : أي لا ينزل ولا يتقشّع مع أنّ الطبع يقتضي أحدهما حتى يأتي أمر اللّه ، وقيل : مسخر للرياح : تقلبه في الجو بمشية اللّه تعالى ، وفي الآية دلالة على لزوم النظر في خواص مصنوعاته تعالى والاستدلال بها على وجوده ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته وسائر صفاته ، وعلى جواز ركوب البحر والتجارات والمسافرات لجلب الأقوات والأمتعة .

« وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(1) .

يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال : « وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ » وقال : « وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ »(2) .

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال : « ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ »(3) .

يا هشام ثم بيّن أنّ العقل مع العلم فقال : « وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلاّ الْعالِمُونَ » .

يا هشام ثم ذمّ الذين لا يعقلون فقال : « وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ » وقال تعالى :

ص: 392


1- بيان : في الكافي : « قد جعل اللّه ذلك دليلا ) : أي كلا من الآيات المذكورة سابقا أو لاحقا ، وقوله تعالى : « وَ سَخَّرَ لَكُمُ » أي هيأها لمنافعكم ، ومُسَخَّرات بالنصب حال عن الجميع : أي نفعكم بها حال كونها مسخرات للّه خلقها ودبرها كيف شاء ، و قرأ حفص : « والنجوم مسخرات » على الابتداء والخبر فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه ، ورفع ابن عامر « الشمس والقمر » أيضا ، وقوله تعالى « يُرِيكُمُ »الفعل مصدر بتقدير أن ، أو صفة لمحذوف : أي آية يريكم بها « الْبَرْقَ خَوْفاً » من الصاعقة ، أو تخريب المنازل والزروع ، أو من المسافرة ، « وَ طَمَعاً » : أي في الغيث والنبات وسقي الزروع ، أو للمقيم ، ونصبهما على العلّة لفعل لازم للفعل المذكور إذ إراءتهم تستلزم رؤتهم ، أو للفعل المذكور بتقدير مضاف : أي إراءة خوف وطمع ، أو بتأويل الخوف والطمع بالإخافة والإطماع ، أو على الحال نحو : كلمته شفاها .
2- بيان : « وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا » : أي أعمالها ، « إلاّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ » يلهي الناس ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة ، والمتاع ما يتمتع به .
3- بيان : قوله عليه السلام « عذابه » : إمّا مفعول لقوله خوف ، أو يعقلون ، أو لهما على التنازع ، والتدمير : الإهلاك : أي بعد ما نجينا لوطا وأهله أهلكنا قومه ، وإنّكم يا أهل مكة لتمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام ، فإنّ سدوم في طريقه « مُصْبِحِينَ » : أي داخلين في الصباح ، « وَ بِاللَّيْلِ » : أي ومساء ، أو نهارا وليلا ، أفليس فيكم عقل تعتبرون به .

« إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ » وقال : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » ، ثم ذمّ الكثرة فقال : « وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ » ، وقال : « أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ » وأكثرهم لا يشعرون(1) .

يا هشام ثم مدح القلّة فقال : « وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » ، وقال : « وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَما آمَنَ مَعَهُ إلاّ قَلِيلٌ » .

يا هشام ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية فقال : « يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إلاّ أُولُوا الأَلْبابِ » .

يا هشام إنّ اللّه يقول : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » يعني العقل ، وقال : « وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ » قال : الفهم والعقل .

يا هشام إنّ لقمان قال لابنه : تواضع للحقّ تكن أعقل الناس ، يا بني إنّ الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه ، وجسرها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر(2) .

ص: 393


1- بيان : « أَلْفَيْنا » : أي وجدنا ، قوله تعالى « أَ وَ لَوْ كانَ » الواو للحال ، أو العطف ، والهمزة للردّ والتعجب ، وجواب لو محذوف : أي لو كان آباؤم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين ولا يهتدون لاتبعوهم « إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ » أي شرّ ما يدبّ على الأرض ، أو شرّ البهائم « الصُّمُّ » عن سماع الحقّ وقبوله « الْبُكْمُ » عن التكلّم به ، وقوله « بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » ليس في قرآننا وهذه الآية في سورة لقمان وفيها « بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » ولعلّه كان في قرآنهم كذلك ، وكذا ليس في هذا القرآن وأكثرهم لا يشعرون ، فإمّا أن يكون هذا كلامه عليه السلام ، أو أنّه أورد مضمون بعض الآيات ، والضمير راجع إلى كفار قريش وهم كانوا قائلين بأنّ خالق السماوات والأرض هو اللّه تعالى لكنّهم كانوا يشركون الأصنام معه تعالى في العبادة .
2- بيان : للحقّ : أي للّه بالإيمان به وطاعته ، أو لكلّ حقّ إذا ظهر لك بقبوله ، عالم بفتح اللام أو كسرها ، وفي الكافي « وحشوها الإيمان » أي ما يحشى فيها وتملأ منها ، والشراع ككتاب : الملاءة الواسعة فوق خشبة يصفقها الريح فتمضي بالسفينة ، والقيم : مدبر أمر السفينة ، والدليل : المعلم ، وقال في المغرب : السكان ذنب السفينة ، لأنّها به تقوم وتسكن .

يا هشام لكلّ شيء دليل ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ولكلّ شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع ، وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه(1) .

يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس : لؤؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزة ، ولو كان في يدك لؤؤة وقال الناس : إنّها جوزة ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤؤة(2) .

يا هشام ما بعث اللّه أنبياءه ورسله إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن اللّه ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة للّه ، وأعلمهم بأمر اللّه أحسنهم عقلا ، وأعقلهم أرفعهم درجة

في الدنيا والآخرة(3) .

يا هشام ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلاّ رفعه اللّه ولا يتعاظم إلاّ وضعه اللّه .

يا هشام إنّ للّه على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأمّا الباطنة فالعقول .

يا هشام إنّ العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره .

ص: 394


1- بيان : في الكافي : العقل في الموضعين مكان العاقل ، ودليل العقل أو العاقل التفكر فإنّه يصل إلى مطلوبه بالفكر ، وعلى نسخة الكافي يحتمل أن يكون المراد أنّ التفكر يدلّ على أنّ المرء عاقل ، وكذا ما بعده يحتملهما ، ومطية العاقل التواضع : أي مع التواضع يقوى على ما يدلّ عليه عقله ويؤد من اللّه بأعماله ، ومع التكبّر وعدم طاعة اللّه يضعف عقله ولا يقدر على أعماله في الأمور كالراجل العاجز عن الوصول إلى المطلوب ، وعلى نسخة العقل أظهر كما لا يخفى .
2- بيان : حاصله عدم الاغترار بمدح الناس والافتخار بثنائهم .
3- بيان : ضمير الجمع في قوله عليه السلام « ليعقلوا » راجع إلى العباد : أي ما بعثهم إلاّ ليعقل العباد عن اللّه ما لا يعقلون إلاّ بتفهيم الأنبياء والرسل عليه السلام .

يا هشام من سلّط ثلاثا على ثلاث فكأنّما أعان هواه على هدم عقله : من أظلم نور فكره بطول أمله ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه(1) .

يا هشام كيف يزكو عند اللّه عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك وأطعت هواك على غلبة عقلك(2) .

يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن اللّه - تبارك وتعالى - اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ورغب فيما الوحدة عند ربّه ، وكان أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزه في غير عشيرة(3) .

يا هشام نصب الخلق لطاعة اللّه ولا نجاة إلاّ بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلاّ من عالم ربّاني ، ومعرفة العالم بالعقل(4) .

ص: 395


1- بيان : نور مرفوع إذ لم تر أظلم متعديا ، وإضافته إلى الفكر إمّا بيانية أو لامية ، والسبب في ذلك أنّ بطول الأمل يقبل إلى الدنيا ولذاتها فيشغل عن التفكر ، والطريف الأمر الجديد المستغرب الذي فيه نفاسة ، ومحو الطرائف بالفضول إمّا لأنّه إذا اشتغل بالفضول شغل عن الحكمة في زمان التكلّم بالفضول ، أو لأنّه لما سمع الناس منه الفضول لم يعبئوا بحكمته ، أو لأنّه إذا اشتغل به محا اللّه عن قلبه الحكمة .
2- بيان : الزكاة تكون بمعنى النمو وبمعنى الطهارة ، وهنا يحتملهما ، والأمر مقابل النهي ، أو بمعنى مطلق الشأن : أي الأمور المتعلقة به تعالى .
3- بيان : عقل عن اللّه : أي حصل له معرفة ذاته وصفاته وأحكامه وشرائعه ، أو أعطاه اللّه العقل ، أو علم الأمور بعلم ينتهي إلى اللّه بأن أخذه عن أنبيائه وحججه إمّا بلا واسطة ، أو بلغ عقله إلى درجة يفيض اللّه علومه عليه بغير تعليم بشر ، وغناه : أي مغنية ، أو كما أنّ أهل الدنيا غناهم بالمال هو غناه باللّه وقربه ومناجاته ، والعيلة الفقر ، وفي الكافي « من غير عشيرة » وهي القبيلة والرهط الأدنون .
4- بيان : في الكافي « نصب الحق » ونصب إمّا مصدر أو فعل مجهول : أي إنّما نصب اللّه الخلق أو الحقّ والدين بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليطاع في أوامره ونواهيه ، والتعلّم بالعقل يعتقد : أي يشتدّ ويستحكم ، أو من الاعتقاد بمعنى التصديق والإذعان ، ومعرفة العالم ، وفي الكافي « ومعرفة العلم » أي علم العالم ، وما هنا أظهر ، والغرض أنّ احتياج العلم إلى العقل من جهتين : لفهم ما يلقيه العالم ، ولمعرفة العالم الذي ينبغي أخذ العلم عنه .

يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود(1) .

يا هشام إنّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارتهم(2) .

يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك .

يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض .

يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته(3) .

يا هشام من أراد الغنى بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين ، فليتضرع إلى اللّه في مسألته بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ، ومن قنع بما

يكفيه استغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا .

يا هشام إنّ اللّه - جلّ وعزّ - حكى عن قوم صالحين أنّهم قالوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ » حين علموا أنّ القلوب تزيغ

ص: 396


1- بيان : في الكافي « من العالم » .
2- بيان : بالدون من الدنيا : أي القليل واليسير منها مع الحكمة الكثيرة ولم يرض بالقليل من الحكمة مع الدنيا الكثيرة .
3- بيان : في الكافي : أنّ الدنيا طالبة مطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة ، والدنيا طالبة للمرء لأن يوصل إليه ما عندها من الرزق المقدر ، ومطلوبة يطلبها الحريص طلبا للزيادة ، والآخرة طالبة تطلبه لتوصل إليه أجله المقدر ، ومطلوبة يطلبها الطالب للسعادات الأخروية بالأعمال الصالحة .

وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ، ومن لم يعقل عن اللّه

لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ولم يجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدقا وسرّه لعلانيته موافقا ، لأنّ اللّه لا يدل على

الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه(1) .

يا هشام كان أمير المؤنين عليه السلام يقول : ما من شيء عبد اللّه به أفضل من العقل ، وما تمّ عقل امرؤحتى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، ونصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذلّ أحبّ إليه مع اللّه من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيرا منه ، وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر(2) .

يا هشام من صدق لسانه زكا عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن برّه بإخوانه وأهله مدّ في عمره(3) .

يا هشام لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .

ص: 397


1- بيان : الزيغ : الميل والعدول عن الحقّ ، ورداها : أي هلاكها وضلالها ، قوله عليه السلام « من كان قوله لفعله مصدقا » على صيغة اسم الفاعل : أي ينبغي أن يأتي أولا بما يأمره ثم يأمر غيره ليكون قوله مصدقا لما يفعله ، ويمكن أن يقرأ على صيغة المفعول ، قوله عليه السلام « لأنّ اللّه » إلخ : أي العقل أمر مخفي في الإنسان لا يعرف وجوده في شخص إلاّ بما يظهر على الجوارح من آثاره والأفعال الحسنة الناشئة عنه ، ويمكن أن يكون المراد بالعقل المعرفة .
2- بيان : « دهره » : أي في تمام دهره وعمره ، « الذلّ أحبّ إليه » المراد الذلّ والعزّ الدنيويان ، أو ذلّ النفس وعزّها وترفعها ، « وهو تمام الأمر » أي كلّ أمر من أمور الدين يتمّ به ، أو كأنّه جميع أمور الدين مبالغة ، والمراد بالكفر جميع أنواعه على ما سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء اللّه تعالى .
3- بيان : « نيته » أي عزمه على المبرات والخيرات ، أو المراد الإخلاص في أعماله الحسنة .

يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا(1) .

يا هشام لا دين لمن لا مروة له ولا مروة لمن لا عقل له ، وإنّ أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا ، أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها بغيرها(2) .

يا هشام إنّ أمير المؤنين عليه السلام كان يقول : لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل ، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق ، وقال الحسن بن علي عليه السلام : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قيل : يا ابن رسول اللّه ومن أهلها ؟ قال : الذين قص اللّه في كتابه وذكرهم فقال : « إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ »قال : هم أولو العقول ، وقال علي بن الحسين عليه السلام : مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ، وأدب العلماء زيادة في العقل ، وطاعة ولاة العقل تمام العزّ ، واستتمام المال تمام المروة ، وإرشاد المستشير قضاء لحقّ النعمة ، وكف الأذى من كمال العقل ، وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا(3) .

يا هشام إنّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنف برجائه ، ولا يتقدّم على ما يخاف

ص: 398


1- بيان : المنحة : العطاء .
2- بيان : المروة : الإنسانية وكمال الرجولية ، وهي الصفة الجامعة لمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، والخطر الحظ والنصيب والقدر والمنزلة والسبق الذي يتراهن عليه ، والكلّ محتمل .
3- بيان : أدب العلماء زيادة في العقل : أي مجالستهم وتعلّم آدابهم والنظر إلى أفعالهم وأخلاقهم موجبة لزيادة العقل ، واستتمام المال ، وفي الكافي « استثمار المال » أي استنماؤ بالتجارة والمكاسب دليل تمام الإنسانية وموجب له أيضا ، قوله « قضاء لحقّ النعمة » أي شكر لحقّ أخيه عليه حيث جعله موضع مشورته ، أو شكر لنعمة العقل ، وهي من أعظم النعم ، ولعل الأخير أظهر .

العجز عنه ، وكان أمير المؤنين عليه السلام يوصي أصحابه يقول : أوصيكم بالخشية من اللّه في السرّ والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والاكتساب في الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعكم وتعفوا عمن ظلمكم وتعطفوا على من حرمكم ، وليكن نظركم عبرا ، وصمتكم فكرا ، وقولكم ذكرا ، وإياكم البخل وعليكم بالسخاء ، فإنّه لا يدخل الجنة بخيل ولا يدخل النار سخي(1) .

يا هشام رحم اللّه من استحيا من اللّه حقّ الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أنّ الجنة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات(2) .

ص: 399


1- بيان : التعنيف : اللوم ، والتعيير بعنف وترك الرفق والغلظة ، وكلاهما محتمل ، والسرّ والعلانية بالنظر إلى الخلق ، والرضا والغضب : أي سواء كان راضيا عمن يعدل فيه أو ساخطا عليه ، والحاصل : أن لا يصير رضاه عن أحد أو سخطه عليه سببا للخروج عن الحقّ ، والاكتساب يحتمل اكتساب الدنيا والآخرة .
2- بيان : « وما حوى » أي ما حواه الرأس من العين والأذن واللسان وسائر المشاعر بأن يحفظها عما يحرم عليه ، « والبطن وما وعى » أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن لا يكونا من حرام ، « والبلى » بالكسر الاندراس والاضمحلال في القبر ، قال في النهاية فيه : الاستحياء من اللّه حقّ الحياء أن لا تنسوا المقابر والبلى والجوف وما وعى : أي ما جمع من الطعام والشراب حتى يكونا من حلّهما انتهى ، وقال بعضهم : الجوف البطن والفرج وهما الأجوفان ، وبعضهم روى الخبر هكذا : فليحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ، فقال : أي ما وعاه الرأس من العين والأذن واللسان : أي يحفظه عن أن يستعمل فيما لا يرضى اللّه وعن أن يسجد لغير اللّه ، ويحفظ البطن وما حوى : أي جمعه فيتصل به من الفرج والرجلين واليدين والقلب عن استعمالها في المعاصي ( انتهى ) . أقول : فيحتمل على ما في هذا الخبر أن يكون المراد حفظ البطن عن الحرام وحفظ ما وعاه البطن من القلب عن الاعتقادات الفاسدة والأخلاق الذميمة ، ويحتمل أن يكون المراد بما وعاه ما جمعه وأحيط به من الفرجين وسائر الأعضاء كاليدين والرجلين ، أو يكون المراد بالبطن ما عدا الرأس مجازا بقرينة المقابلة . قوله عليه السلام « والجنة محفوفة بالمكاره » أي لا تحصل إلاّ بمقاساة المكاره في الدنيا .

يا هشام من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقال اللّه عثرته يوم القيامة ، ومن كفّ غضبه عن الناس كفّ اللّه عنه غضبه يوم القيامة(1) .

يا هشام إنّ العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه .

يا هشام وجد في ذؤبة سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنّ أعتى الناس على اللّه من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله ، ومن تولّى غير مواليه فهو كافر بما أنزل اللّه على نبيه محمد صلى الله عليه و آله ، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا لم يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا(2) .

يا هشام أفضل ما تقرّب به العبد إلى اللّه بعد المعرفة به الصلاة وبرّ الوالدين وترك الحسد والعجب والفخر(3) .

ص: 400


1- بيان : العثرة : الزلة ، والمراد المعاصي ، والإقالة في الأصل فسخ البيع بطلب المشتري والاستقالة طلب ذلك ، والمراد هنا تجاوز اللّه وترك العقاب الذي اكتسبه العبد بسوء فعله ، فكأنّه اشترى العقوبة وندم فاستقال .
2- بيان : لعل المراد بذؤبة السيف بالهمز ما يعلق عليه لحفظ الضروريات كالملح وغيره ، قال الجوهري والفيروزآبادي : الذؤبة الجلدة المعلقة على آخرة الرحل ، و« أعتى » من العتو : وهو البغي والتجاوز عن الحقّ والتكبر ، « غير قاتله » : أي مريد قتله أو قاتل مورثه ، « ومن تولى غير مواليه » أي المعتق الذي انتسب إلى غير معتقه ، أو ذو النسب الذي تبرأ عن نسبه ، أو الموالي في الدين من الأئمة المؤنين بأن يجعل غيرهم وليا له ويتخذه إماما ، وعلى الأخير تدلّ الأخبار المعتبرة ، والحدث : البدعة أو القتل كما ورد في الخبر ، أو كلّ أمر منكر ، قال في النهاية : وفي حديث المدينة من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ، الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة ، والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول فمعنى الكسر من نصر جانيا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ، والفتح هو الأمر المبتدع نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه فإنّه إذا رضي بالبدعة وأقرّ فاعلهالم ينكرها عليه فقد آواه . وقال الفيروزآبادي : الصرف في الحديث التوبة ، والعدل الفدية أو النافلة ، والعدل الفريضة أو بالعكس ، أو هو الوزن ، والعدل الكيل ، أو هو الاكتساب ، والعدل الفدية أو الحيلة . أقول : فسّر في بعض أخبارنا الصرف بالتوبة والعدل بالفداء كما سيأتي .
3- بيان : يمكن إدخال جميع العقائد الضرورية في المعرفة لا سيما مع عدم الظرف كما ورد في الأخبار الكثيرة بدونه .

يا هشام أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب ، فإنّك موقوف ومسئول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإنّ الدهر طويلة قصيرة ، فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن اللّه وانظر في تصرف الدهر وأحواله ، فإنّ ما هو آت من الدنيا كما ولى منها فاعتبر بها ، وقال علي بن الحسين عليه السلام : إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء اللّه وأهل المعرفة بحقّ اللّه كفيء الظلال ، ثم قال : أولا حرّ يدع هذه اللماظة لأهلها - يعني الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنّه من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس(1) .

يا هشام إنّ كلّ الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها(2) .

ص: 401


1- بيان : طول الدهر في نفسها لا ينافي قصرها بالنسبة إلى كلّ شخص : أي خذ موعظتك من الدهور الماضية والأزمان الخالية ، ويحتمل أن يكون عمر كلّ شخص باعتبارين . وقال الفيروزآبادي : الظل بالكسر نقيض الضح ، أو هو الفيء ، أو هو بالغداة والفيء بالعشي ، الجمع ظلال وظلول وأظلال ، والظل من كلّ شيء شخصه أو كنه ، ومن السحاب ما وارى الشمس منه ، والظلة ما أظلك من شجر ، والظلة بالضم ما يستظل به والجمع ظلل وظلال ، وقال : الفيء ما كان شمسا فينسخه الظل ، وقال الطيبي : الظل ما تنسخه الشمس ، والفيء ما ينسخ الشمس . أقول : فيحتمل أن يكون المراد في الأشياء ذوات الأظلال كالشجر والجدار ونحوهما ، أو المراد التشبيه بالفيء الذي هو نوع من الظلال ، فإنّ الفيء لحدوثه أشبه بالدنيا من سائر الظلال ، أو لما فيه من الإشعار بالتفيؤوالتحول والانتقال أي الظلال المتفيئة المتحولة . وقال الجوهري : اللماظة بالضم ما يبقى في الفم من الطعام ومنه قول الشاعر يصف الدنيا :« لماظة أيام كأحلام نائم ». أقول : لا يخفى حسن هذا التشبيه إذ كلّ ما يتيسر لك من الدنيا فهو لماظة من قد أكلها قبلك وانتفع بها غيرك أكثر من انتفاعك وترك فاسدها لك .
2- بيان : لما كان من معظم الانتفاع بالنجوم معرفة الأوقات وجهة الطريق في الأسفار وأمثالها ، ولا تتم معرفة تلك الأمور إلاّ بكثرة تعاهد النجوم لتعرف مجاريها ومنازلها ومطالعها ومغاربها ومقدار سيرها ، كذلك الحكمة لا ينتفع بها إلاّ بكثرة تعاهدها واستعمالها لتعرف فوائدها وآثارها ، ودرس كنصر وضرب : قرأ .

يا هشام إنّ المسيح

عليه السلام قال للحواريين : يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومئونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقتها ، كذلك تذكرون مئونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها ، يا عبيد السوء نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه ، بحقّ أقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها ، يا عبيد الدنيا بحقّ أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلاّ بترك ما تحبّون فلا تنظروا بالتوبة غدا فإنّ دون غد يوما وليلة وقضاء اللّه فيهما يغدو ويروح ، بحقّ أقول لكم : إنّ من ليس عليه دين من الناس أروح وأقلّ هما ممن عليه الدين ، وإن أحسن القضاء ، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح وأقلّ هما ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب ، وإنّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكايد إبليس يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم ، بحقّ أقول لكم : إنّ الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله ، فشتان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول ، يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربّكم سجونا لأجسادكم وجباهكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات ، إنّ أجزعكم عند البلاء لأشدّكم حبّا للدنيا ، وإنّ أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا ، يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها

بالحداء الخاطفة ولا بالثعالب الخادعة ولا بالذئاب الغادرة ولا بالأسد العاتية

ص: 402

كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس فريقا تخطفون وفريقا تخدعون وفريقا تقدرون بهم ، بحقّ أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة ، لا تكونوا كالمنفعل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدوركم ، يا عبيد الدنيا إنّما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ، يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب ، فإنّ اللّه يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر(1) .

ص: 403


1- بيان : عبيد السوء بالفتح وقد يضم السين ومنهم من منع الضم ، وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقولهم : حاتم الجود ، ومئونة مراقيها : أي شدّة الارتقاء عليها ، ومرافقتها من الرفق بمعنى اللطف والنفع ، ولعلّه كان مرافقها على صيغة الجمع ، والضمير راجع إلى الثمر أو النخلة ، قوله« ما تفضون إليه » من قولهم أفضى إليه أي وصل ، ونورها بضم النون وفتحها ، والقمح بالفتح : البر ، ويهنئكم مهموزا بفتح النون وكسرها : أي لا يعقب أكله مضرّة ، وغب كلّ شيء بالكسر عاقبته ، والقطران بفتح القاف وكسرها وسكون الطاء وبفتح القاف وكسر الطاء : دهن منتن يستجلب من شجر الأبهل فيهنأ به الإبل الجربي ويسرع فيه إشعال النار ، وسوء رغبته فيها : أي ترك عمله بتلك الحكمة ، والإنظار : التأخير ، ولعلّ تعديته بالباء بتضمين أو بتقدير ، ويحتمل الزيادة ، وقوله « يغدو » أي ينزل أول النهار ، ويروح أي ينزل آخر النهار ، وقوله « أروح » أي أكثر راحة ، قوله « ومحقرتها » بفتح الميم والقاف والراء وسكون الحاء مصدر بمعنى الحقارة والذلة ، أو على وزن اسم المفعول من باب التفعيل كما ورد « إياكم ومحقرات الذنوب » ، ويحقرها من باب التفعيل أو كيضرب والحداء بكسر الحاء ممدودا جمع الحدأة كعنبة نوع من الغراب يخطف الأشياء ، والأسد بضم الهمزة وسكون السين جمع أسد ، والعاتية : أي الظالمة الطاغية المتكبرة كما تفعل أي الأسد ، أو جميع ما تقدّم فالفراس على التغليب ، وقوله « فريقا تخطفون » إلى آخر ما ذكر على سبيل اللف والنشر ، ولما ذكر الافتراس أولا لم يذكر آخرا ، لا يغني عن الجسد : أي لا ينفعه ولا يدفع عنه سوءا ، والمنخل بضم الميم والخاء وقد تفتح خاؤ ما ينخل به ، ويقال : زاحمهم : أي ضايقهم ودخل في زحامهم ، قال الفيروزآبادي : جثى كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه ، وجاثيت ركبتي إلى ركبته ، وقال : الوابل : المطر الشديد الضخم القطر .

يا هشام مكتوب في الإنجيل : طوبى للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة ، طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك هم المتقون يوم القيامة ، طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة(1) .

يا هشام قلّة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت ، فإنّه دعة حسنة وقلّة وزر وخفّة من الذنوب ، فحصّنوا باب الحلم فإنّ بابه الصبر ، وإنّ اللّه - عزّ وجلّ - يبغض الضحاك من غير عجب والمشاء إلى غير إرب ، ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبّر عليهم ، فاستحيوا من اللّه في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم ، واعلموا أنّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم(2) .

ص: 404


1- بيان : تخصيص كونهم من المتقين بيوم القيامة لأنّ في ذلك اليوم يتبيّن المتقون واقعا ويمتازون عن المجرمين ويحشرون إلى الرحمن وفدا ، وأمّا في الدنيا فكثيرا ما يشبه غيرهم بهم .
2- بيان : الحكم بالضم : الحكمة ، والدعة بفتح الدال : السكون والراحة ، والإرب بالكسر وبالتحريك : الحاجة ، وقال في النهاية : وفي الحديث : الكلمة الحكمة ضالة المؤن ، وفي رواية : ضالة كلّ حكيم : أي لا يزال يطلبها كما يتطلّب الرجل ضالته انتهى ، وقيل : المراد أنّ المؤن يأخذ الحكمة من كلّ من وجدها عنده وإن كان كافرا أو فاسقا كما أنّ صاحب الضالة يأخذها حيث وجدها ، ويؤّده ما مرّ ، وقيل : المراد أنّ من كان عنده حكمة لا يفهمها ولا يستحقّها يجب أن يطلب من يأخذها بحقّها كما يجب تعريف الضالة ، وإذا وجد من يستحقّها وجب أن لا يبخل في البذل كالضالة . وقال في النهاية : في الحديث : فأقاموا بين ظهرانيهم ، وبين أظهرهم ، قد تكررت هذه اللفظة في الحديث ، والمراد بها : أنّهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم ، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ، ومعناه أنّ ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل : بين أظهرهم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا .

يا هشام تعلّم من العلم ما جهلت ، وعلّم الجاهل مما علمت ، وعظّم العالم لعلمه ودع منازعته ، وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قربه وعلّمه(1) .

يا هشام إنّ كلّ نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤخذ بها ، وقال أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - : إنّ للّه عبادا كسرت قلوبهم خشيته وأسكتتهم عن النطق ، وإنّهم لفصحاء عقلاء يستبقون إلى اللّه بالأعمال الزكية ، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون له من أنفسهم بالقليل ، يرون في أنفسهم أنّهم أشرار وإنّهم لأكياس وأبرار(2) .

يا هشام الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار(3) .

يا هشام المتكلّمون ثلاثة : فرابح وسالم وشاجب ، فأمّا الرابح فالذاكر للّه ، وأمّا السالم فالساكت ، وأمّا الشاجب فالذي يخوض في الباطل ، إنّ اللّه حرم الجنة على كلّ فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، وكان أبو ذر رضى الله عنهيقول : يا مبتغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك(4) .

ص: 405


1- بيان : الطرد : الإبعاد .
2- بيان : لعل المراد بالعجز الترك وتعجيز النفس والكسل لا عدم القدرة : أي إنّ اللّه يؤخذ بترك شكر النعمة كما يؤخذ بفعل السيئة ولو في الدنيا بزوال النعمة ، والاستباق المسابقة في الرهان : أي يسبق بعضهم بعضا في التقرّب إلى اللّه بالأعمال الطاهرة من آفاتها أو النامية ، والكياسة : العقل والفطنة .
3- بيان : البذاء بفتح الباء ممدودا : الفحش وكلّ كلام قبيح ، والجفاء ممدودا خلاف البرّ والصلة ، وقد يطلق على البعد عن الآداب ، وقال المطرزي : الجفاء : الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق .
4- بيان : المراد بالمتكلّمين القادرون على التكلّم ، أو المتكلّمون والمجالسون معهم تغليبا ، والحاصل : أنّ الناس في أمر الكلام على ثلاثة أصناف ، والشجب : الهلاك والحزن والعيب ، قال الجزري : في حديث الحسن : المجالس ثلاثة ، فسالم وغانم وشاجب : أي هالك ، يقال : شجب يشجب فهو شاجب وشجب يشجب فهو شجب : أي إمّا سالم من الإثم أو غانم للأجر ، وإمّا هالك آثم .

يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه إذا شاهده ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله ، وإنّ أسرع الخير ثوابا البرّ وأسرع الشرّ عقوبة البغي ، وإنّ شرّ عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه(1) .

يا هشام لا يكون الرجل مؤنا حتى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو .

يا هشام قال اللّه - جلّ وعزّ - : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني لا يؤر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت الغنى في نفسه وهمّه في آخرته وكففت عليه ضيعته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر(2) .

ص: 406


1- بيان : الإطراء : مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه ، وخذله : أي ترك نصرته ، والبغي : التعدي والاستطالة والظلم ، وكلّ مجاوزة عن الحدّ ، وقوله « من تكره » إمّا بفتح التاء للخطاب أو بالضم على البناء للمفعول ، وقال الفيروزآبادي : كبه : قلبه وصرعه كأكبه ، وقال الجوهري : كبه لوجهه : أي صرعه فأكب هو على وجهه ، وهذا من النوادر ، وقال الجزري : وفي الحديث : وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم : أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان وما يقطعه من القول بحدّ المنجل الذي يحصد به ، وقال : يقال : هذا أمر لا يعنيني : أي لا يشغلني ولا يهمني ، ومنه الحديث : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه : أي لا يهمه .
2- بيان : قوله تعالى « في مكاني » أي في منزلتي ودرجة رفعتي ، قوله « وكففت عليه ضيعته » يقال : كففته عنه أي صرفته ودفعته ، والضيعة : الضياع والفساد وما هو في معرض الضياع من الأهل والمال وغيرهما ، قال في النهاية : وضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغيرها ، ومنه الحديث : أفشى اللّه ضيعته أي أكثر عليه معاشه انتهى ، فيحتمل أن يكون المراد : صرفت عنه ضياعه وهلاكه بتضمين معنى الإشفاق ، أو يكون على بمعنى عن ، أو صرفت عنه كسبه بأن لا يحتاج إليه ، أو جمعت عليه معيشته ، أو ما كان منه في معرض الضياع كما قال في النهاية ، لا يكفها : أي لا يجمعها ولا يضمها ، ومنه الحديث : المؤن أخ المؤن يكف عليه ضيعته أي يجمع عليه معيشته ويضمها إليه ، وهذا المعنى أظهر لكن ما وجدت الكف بهذا المعنى إلاّ في كلامه ، وقوله تعالى « وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر » يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المراد كنت له عقب تجارة التجار لأسوقها إليه ، الثاني : أن يكون المراد أنّي أكفي مهماته سوى ما أسوق إليه من تجارة التاجرين ، الثالث : أن يكون معناه أناله عوضا عما فاته من منافع تجارة التاجرين ، ولعل الأول أظهر .

يا هشام الغضب مفتاح الشرّ ، وأكمل المؤنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا منهم إلاّ من كانت يدك عليه العليا فافعل(1) .

يا هشام عليك بالرفق فإنّ الرفق يمن والخرق شؤ ، إنّ الرفق والبرّ وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق(2) .

يا هشام قول اللّه « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلاّ الإِحْسانُ » جرت في المؤن والكافر والبر والفاجر من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليست المكافاة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك ، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء .

يا هشام إنّ مثل الدنيا مثل الحية ، مسها لين وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجال ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم .

يا هشام اصبر على طاعة اللّه واصبر عن معاصي اللّه ، فإنّما الدنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اعتبطت(3) .

ص: 407


1- بيان : اليد العليا : المعطية أو المتعففة .
2- بيان : قال الفيروزآبادي : الخرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق وأن لا يحسن العمل والتصرف في الأمور والحمق .
3- بيان : في النهاية : كلّ من مات بغير علّة فقد اعتبط ، ومات فلان عبطة أي شابا صحيحا ، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة : أي إن صبرت فعن قريب تصير مغبوطا في الآخرة يتمنى الناس منزلتك .

يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله .

يا هشام إياك والكبر فإنّه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبّة من كبر ، الكبر رداء اللّه فمن نازعه رداءه أكبه اللّه في النار على وجهه(1) .

يا هشام ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم فإن عمل حسنا استزاد منه وإن عمل سيئا استغفر اللّه منه وتاب إليه .

يا هشام تمثّلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : كثيرا ، قال : فكلّ طلقك ؟ قالت : لا بل كلا قتلت ، قال المسيح : فويح أزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين(2) ؟ !

يا هشام إنّ ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كلّه ، وإنّ ضوء الروح العقل فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربّه ، وإذا كان عالما بربّه أبصر

دينه ، وإن كان جاهلا بربّه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلاّ بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين إلاّ بالنية الصادقة ، ولا تثبت النية الصادقة إلاّ بالعقل .

يا هشام إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار ؛ لأنّ اللّه جعل التواضع

ص: 408


1- بيان : قال الجزري : في الحديث قال اللّه تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي ، ضرب الرداء والإزار مثلا في انفراده بصفة العظمة والكبرياء : أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتّصف بها الخلق مجازا كالرحمة ، وشبههما بالإزار والرداء لأنّ المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنّه لا يشركه في إزاره وردائه أحد فكذلك اللّه لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد .
2- بيان : الزرقة في العين معروفة ، وقد تطلق على العمى ، ويقال : زرقت عينه نحوي انقلبت وظهر بياضها ، فعلى الأول لعل المراد بيان شؤتها فإنّ العرب تتشأم بزرقة العين أو قبح منظرها ، وعلى الثاني ظاهر ، وعلى الثالث كناية عن شدّة الغضب ، والأول أظهر ، وويح : كلمة ترحم وتوجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب ، وهي منصوبة على المصدر وقد ترفع .

آلة العقل وجعل التكبّر من آلة الجهل ، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجه ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنه ، فكذلك من لم يتواضع للّه خفضه اللّه ، ومن تواضع للّه رفعه(1) .

يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد للّه ثم يترك عبادته(2) .

يا هشام لا خير في العيش إلاّ لرجلين : لمستمع واع ، وعالم ناطق(3) .

يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وما بعث اللّه نبيا إلاّ عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين ، وما أدّى العبد فريضة من فرائض اللّه حتى عقل عنه(4) .

يا هشام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا رأيتم المؤن صموتا فادنوا منه فإنّه يلقي الحكمة ، والمؤن قليل الكلام كثير العمل ، والمنافق كثير الكلام قليل العمل .

يا هشام أوحى اللّه إلى داود : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدّهم عن ذكري وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، أولئك قطاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة عبادتي ومناجاتي من قلوبهم(5) .

ص: 409


1- بيان : السهل : الأرض اللينة التي تقبل الزرع ، والصفا جمع صفاة وهي : الحجر الصلب الذي لا ينبت ، وتعمر بفتح التاء والميم أي تعيش طويلا ، أو بضم الميم أي تجعل القلب معمورا ، وبضم التاء وفتح الميم أي تصير الحكمة في القلب معمورة ، وشمخ أي طال وعلا ، وشج رأسه أي كسره ، والخفض ضد الرفع ، وأكنه أي ستره وحفظه عن الحرّ والبرد .
2- بيان : النسك : الحج أو مطلق العبادة .
3- بيان : العيش : الحياة ، ووعاه أي حفظه .
4- بيان : الاجتهاد : بذل الجهد في الطاعات .
5- بيان : في غيره من الأخبار : قطاع طريق عبادي .

يا هشام من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض ، ومن تكبّر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضادّ اللّه ، ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير(1) .

يا هشام أوحى اللّه إلى داود : حذّر وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي .

يا هشام إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك اللّه فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكن في الدنيا كساكن الدار ليست له إنّما ينتظر الرحيل .

يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من اللّه ، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإنّ في ذلك العطب(2) .

يا هشام إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلاّ أن تجد منهم عاقلا مأمونا فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية ، وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من اللّه إذ تفرّد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره ، وإذا حزبك أمر أن

لا تدري أيّهما خير وأصوب فانظر أيّهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإنّ كثير الثواب في مخالفة هواك ، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة ، قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلا طالبا غير أنّ عقله لا يتّسع لضبط ما ألقي إليه ؟ قال : فتلطّف له في النصيحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة ، واحذر ردّ المتكبرين فإنّ العلم يدل على أن يحمل على من لا يفيق ، قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤل عنها ؟ قال : فاغتنم جهله عن السؤل حتى تسلم فتنة القول وعظيم فتنة الردّ ، واعلم

ص: 410


1- بيان : من تعظم أي عدّ نفسه عظيما ، قوله « أعنى لغير » أي يدخل غيره في العناء والتعب ممن يشتبه عليه أمره أكثر مما يصيبه من ذلك ، ويحتمل أن يكون تصحيف « أعتى لغيره » من العتو وهو الطغيان والتجبر ، وكان يحتمل المأخوذ منه ذلك أيضا .
2- بيان : أهل الدين هم العالمون بشرائع الدين العاملون بها ، والعطب بالتحريك : الهلاك .

أنّ اللّه لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن فرحهم بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنكم بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤيه بأوليائه فكيف بمن يؤى فيه ؟ وما ظنّك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه(1) ؟

يا هشام من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبّا إلاّ ازداد من اللّه بعدا وازداد اللّه عليه غضبا .

يا هشام إنّ العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله .

يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل(2) .

يا هشام إياك والطمع وعليك باليأس مما في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين ، فإنّ الطمع مفتاح الذل واختلاس العقل وإخلاق المروات وتدنيس العرض والذهاب بالعلم ، وعليك بالاعتصام بربّك والتوكّل عليه ، وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوك ، قال هشام : فأيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال : أقربهم إليك وأعداهم لك ، وأضرّهم بك وأعظمهم لك

ص: 411


1- بيان : السباع الضارية : أي المولعة بالافتراس المعتادة له ، وحزبه أمر : أي نزل به وأهمه . قوله عليه السلام « وإياك أن تغلب الحكمة » كذا في النسخة التي عندنا ، ولعل فيه حذفا وإيصالا : أي تغلب على الحكمة : أي يأخذها منك قهرا من لا يستحقها ، بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم : أي تغلب على الحكمة فإنّها تأبى عمن لا يستحقها ، ويحتمل أن يكون بالفاء من الإفلات بمعنى الإطلاق فإنّهم يقولون : انفلت منّي كلام أي صدر بغير روية ، قوله « فتلطف له في النصيحة » أي تذكر له شيئا من تلك الحكمة بلطف على وجه الامتحان ، والإفاقة : الرجوع عن السكر والإغماء والغفلة إلى حال الاستقامة ، قوله « يؤيه بأوليائه » أي بسبب إيذاءهم ، وترضّاه : أي طلب رضاه .
2- بيان : اللبيب : العاقل ، والتوصيف للتوضيح والتأكيد ، وألهاك : أي أغفلك .

عداوة ، وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك ، ومن يحرض أعداءك عليك ، وهو إبليس الموكل بوسواس القلوب ، فله فلتشتد عداوتك ، ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنّه أضعف منك ركنا في قوته ، وأقلّ منك ضررا في كثرة شرّه إذا أنت اعتصمت باللّه ، ومن اعتصم باللّه « فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1) .

يا هشام من أكرمه اللّه بثلاث فقد لطف له : عقل يكفيه مئونة هواه ، وعلم يكفيه مئونة جهله ، وغنى يكفيه مخافة الفقر .

يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها فإن الناس فيها على أربعة أصناف : رجل مترد معانق لهواه ، ومتعلّم متقرئ كلما ازداد علما ازداد كبّرا يستعلن بقراءته وعلمه

على من هو دونه ، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظم ويوقر ، وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحقّ يحبّ القيام به فهو عاجز أو مغلوب ، ولا يقدر على القيام بما يعرف فهو محزون مغموم بذلك ، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا(2) .

يا هشام اعرف العقل وجنده والجهل وجنده تكن من المهتدين ، قال هشام : فقلت : لا نعرف إلاّ ما عرفتنا ، فقال عليه السلام :

ص: 412


1- بيان : الاختلاس : الاستلاب ، وإخلاق الثوب : إبلاؤ ، والدنس : الوسخ ، والحمل في المواضع على المبالغة ، وقوله « ومن يحرض » يحتمل المعجمة والمهملة : الحثّ والترغيب كما قال تعالى « حَرِّضِ الْمُؤمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ » .
2- بيان : تردى في البئر : أي سقط ، والمتردّي : أي الواقع في المهالك التي يعسر التخلص منه ، والمتقرئ : الناسك المتعبد أو المتفقه : أي متعلّم القراءة ، قوله « يستعلن بقراءته » كأنّه كان يستعلي ، ويمكن أن يضمن فيه معناه ، والأمثل : الأفضل ، وأوجههم عقلا : لعل المراد أنّ عقلهم أوجه عند اللّه من عقول غيرهم ، أو هم أوجه الناس للعقل .

يا هشام إنّ اللّه خلق العقل وهو أول خلق خلقه اللّه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال اللّه - جلّ وعزّ - : خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي ، ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فلم يقبل ، فقال : استكبرت فلعنه ، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا ، فلمّا رأى الجهل ما كرّم اللّه به العقل وما أعطاه

أضمر له العداوة ، وقال الجهل : يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال تبارك وتعالى : نعم فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي ، فقال : قد رضيت ، فأعطاه اللّه خمسة وسبعين جندا ، فكان مما أعطى العقل من الخمسة وسبعين جندا : الخير وهو وزير العقل ، الشرّ وهو وزير الجهل ، الإيمان الكفر ، التصديق التكذيب ، الإخلاص النفاق ، الرجاء القنوط ، العدل الجور ، الرضا السخط ، الشكر الكفران ، اليأس الطمع ، التوكّل الحرص ، الرأفة الغلظة ، العلم الجهل ، العفة التهتك ، الزهد الرغبة ، الرفق الخرق ، الرهبة الجرأة ، التواضع الكبر ، التؤة العجلة ، الحلم السفه ، الصمت الحذر ، الاستلام الاستكبار ، التسليم التجبر ، العفو الحقد ، الرحمة القسوة ، اليقين الشك ، الصبر الجزع ، الصفح الانتقام ، الغنى الفقر ، التفكر السهو ، الحفظ النسيان ، التواصل القطيعة ، القناعة الشره ، المواساة المنع ،

المودة العداوة ، الوفاء الغدر ، الطاعة المعصية ، الخضوع التطاول ، السلامة البلاء ، الفهم الغباوة ، المعرفة الإنكار ، المداراة المكاشفة ، سلامة الغيب المماكرة ، الكتمان الإفشاء ، البرّ العقوق ، الحقيقة التسويف ، المعروف المنكر ، التقية الإذاعة ، الإنصاف الظلم ، النفي الحسد ، النظافة القذر ، الحياء القحة ، القصد الإسراف ، الراحة التعب ، السهولة الصعوبة ، العافية البلوى ، القوام المكاثرة ، الحكمة الهوى ، الوقار الخفة ، السعادة الشقاء ، التوبة الإصرار ، المخافة التهاون ، الدعاء الاستنكاف ،

ص: 413

النشاط الكسل ، الفرح الحزن ، الألفة الفرقة ، السخاء البخل ، الخشوع العجب ، صدق الحديث النميمة ، الاستغفار الاغترار ، الكياسة الحمق(1) .

يا هشام لا تجتمع هذه الخصال إلاّ لنبي أو وصي نبي أو مؤن امتحن اللّه قلبه للإيمان ، وأمّا سائر ذلك من المؤنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، وفقنا اللّه وإياكم لطاعته .

ص: 414


1- بيان : النفي : نفي الحسد عن النفس ، والظاهر أنّه صحف ، والقحة كعدة : الوقاحة وقلّة الحياء .

باب بعض أدعية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام صلوات اللّه عليه وأحرازه وعوذاته

اشارة

أدعية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام صلوات اللّه عليه وأحرازه وعوذاته(1)(2)

فمنها الدعاء المعروف بالجوشن الصغير

1 - مهج الدعوات : عن محمد بن عبد اللّه النهشلي عن أبيه قال : سمعت الإمام أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلاميقول : التحدّث بنعم اللّه شكر وترك ذلك كفر ، فارتبطوا نعم ربّكم - تعالى - بالشكر ، وحصّنوا أموالكم بالزكاة ، وادفعوا البلاء بالدعاء ، فإنّ الدعاء جنّة منجية يردّ البلاء وقد أبرم إبراما ، قال أبو الوضاح وأخبرني أبي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بفخ ، وتفرّق الناس عنه حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي ، فلمّا بصر بهم أنشأ يقول متمثلا :

ص: 415


1- بحارالأنوار : 91 / 318 .
2- أقول : قد سبق بعض أدعيته عليه السلام في طي باب أدعية أبيه الصادق عليه السلام أيضا فراجع .

بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا

فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا

ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا

وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكن قد أسأنا التقاضيا

ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤنين علي بن أبي طالب عليه السلاموأخذ من الطالبيين وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر عليه السلام فنال منه ، ثم قال : واللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره ولا اتبع إلاّ محبّته لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني اللّه إن أبقيت عليه ، فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، وكان جريئا عليه : يا أمير المؤنين

أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني اللّه إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ما سمعت من المهدي المنصور فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني عن السفاح فيه من تقريضه وتفضيله لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقا ، فقال أبو يوسف : نساؤ طوالق وعتق جميع ما يملك

من الرقيق وتصدّق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه وعليه المشي إلى بيت اللّه الحرام إن كان مذهب موسى بن جعفر عليه السلام الخروج ، ولا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ، و لا ينبغي أن يكون هذا منهم ، ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون ، فقال : وما كان بقي من الزيدية إلاّ هذه العصابة الذين كانوا قد خرجوا مع حسين وقد ظفر أمير المؤنين بهم ، ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه ، قال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بصورة الأمر ، فورد الكتاب ، فلمّا أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن عليه السلامعلى ما ورد عليه من الخبر ، وقال لهم :

ص: 416

ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك اللّه وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار وتغيب شخصك دونه ، فإنّه لا يؤن شرّه وعاديته وغشمه سيما وقد توعدك وإيانا معك ، فتبسم موسى عليه السلام ثم تمثّل ببيت كعب بن مالك ، أخي بني سلمة ، وهو :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

فليغلبن مغالب الغلاب

ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرخ روعكم إنّه لا يرد أول كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي وهلاكه ، فقالوا : وما ذاك أصلحك اللّه ؟

فقال : قد وحرمة هذا القبر مات في يومه هذا ، واللّه إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ

سأخبركم بذلك : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي وقد تنومت عيناي إذ سنح جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي وذكرت ما جرى منه في أهل بيته وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى فما جعل اللّه لموسى عليك سبيلا ، فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك اللّه آنفا عدوك فليحسن للّه شكرك ، قال : ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو ، فقال أبو الوضاح : فحدثني أبي قال : كان جماعة من خاصة أبي الحسن عليه السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق أبو الحسن عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ، قال : فسمعناه وهو يقول في دعائه شكرا للّه جلت عظمته الدعاء :

إلهي كم من عدو انتضى عليّ سيف عدواته وشحذ لي ظبة مديته وأرهف لي شبا حدّه وداف لي قواتل سمومه وسدّد نحوي صوائب سهامه ولم تنم عنّي عين حراسته وأضمر أن يسومني المكروه ويجرعني ذعاف مرارته فنظرت إلى ضعفي عن احتمال

ص: 417

الفوادح وعجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته ووحدتي في كثير من ناواني وإرصادهم لي فيما لم أعمل فيه فكري في الإرصاد لهم بمثله فأيدتني بقوتك وشددت أزري بنصرك وفللت شبا حدّه وخذلته بعد جمع عديده وحشده وأعليت كعبي عليه ووجهت ما سدّد إليّ من مكايده إليه ورددته ولم يشف غليله ولم تبرد حزازات غيظه وقد عضّ على أنامله وأدبر موليا قد أخفقت سراياه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب

وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من باغ بغاني بمكايده ونصب لي أشراك مصائده ووكّل بي تفقد رعايته وأضبأ إليّ إضباء السبع لطريدته انتظارا لانتهاز فرصته وهو يظهر لي بشاشة الملق ويبسط لي وجها غير طلق فلمّا رأيت دغل سريرته وقبح ما انطوى عليه لشريكه في ملته وأصبح مجلبا إليّ في بغيه أركسته لأم رأسه وأتيت بنيانه من أساسه فصرعته في

زبيته وأرديته في مهوى حفرته وجعلت خدّه طبقا لتراب رجله وشغلته في بدنه ورزقه ورميته بحجره وخنقته بوتره وذكيته بمشاقصه وكببته لمنخره ورددت كيده في نحره ووثقته بندامته وفنيته بحسرته فاستخذل واستخذأ وتضاءل بعد نخوته وانقمع بعد استطالته ذليلا مأسورا في ربق حبائله التي كان يؤل أن يراني فيها يوم سطوته وقد كدت يا ربّ لولا رحمتك يحلّ بي ما حلّ بساحته فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من حاسد شرق بحسده وشجى بغيظه وسلقني بحد لسانه وخزني بموق عينه وجعل عرضي غرضا لمراميه وقلدني خلالا لم تزل فيه فناديت يا ربّ مستجيرا بك واثقا بسرعة إجابتك متوكلا على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك عالما أنّه

لم يضطهد من أوى إلى ظلّ كنفك وأن لا تقرع الفوادح من لجأ إلى معقل الانتصار بك فحصنتني من بأسه بقدرتك فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم

ص: 418

من سحائب مكروه قد جليتها وسماء نعمة أمطرتها وجداول كرامة أجريتها وأعين أجداث طمستها وناشئة رحمة نشرتها وجنة عافية ألبستها وغوامر كربات كشفتها وأمور جارية قدرتها لم تعجزك إذ طلبتها ولم تمتنع عليك إذ أردتها فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من ظنّ حسن حققت ومن عدم إملاق جبرت ومن مسكنة فادحة حولت ومن صرعة مهلكة أنعشت ومن مشقة أزحت لا تسأل يا سيدي عما تفعل وَهُمْ يُسْئَلُونَ ولا ينقصك ما أنفقت ولقد سئلت فأعطيت ولم تسأل فابتدأت واستميح

باب فضلك فما أكديت أبيت إلاّ إنعاما وامتنانا وإلاّ تطوّلا يا ربّ وإحسانا وأبيت يا ربّ إلاّ انتهاكا لحرماتك واجتراء على معاصيك وتعديا لحدودك وغفلة عن وعيدك وطاعة لعدوي وعدوك لم يمنعك يا إلهي وناصري إخلالي بالشكر عن إتمام إحسانك ولا حجزني ذلك عن ارتكاب مساخطك اللّهم فهذا مقام عبد ذليل اعترف لك بالتوحيد وأقر على نفسه بالتقصير في أداء حقك وشهد لك بسبوغ نعمتك عليه وجميل عاداتك عنده وإحسانك إليه فهب لي يا إلهي وسيدي من فضلك ما أريده إلى رحمتك وأتخذه سلّما أعرج فيه إلى مرضاتك وآمن به من سخطك بعزتك وطولك وبحقّ محمد نبيك والأئمة صلوات اللّه عليه وعليهم فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من عبد أمسى وأصبح في كرب الموت وحشرجة الصدر والنظر إلى ما تقشعر منه الجلود وتفزع إليه القلوب وأنا في عافية من ذلك كلّه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من عبد أمسى وأصبح سقيما موجعا مدنفا في أنين وعويل يتقلّب في غمّه ولا يجد محيصا ولا يسيغ طعاما ولا يستعذب شرابا ولا يستطيع ضرّا ولا نفعا وهو في حسرة وندامة وأنا في صحة من البدن وسلامة من العيش كلّ ذلك

ص: 419

منك فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم عبد أمسى وأصبح خائفا مرعوبا مسهدا مشفقا وحيدا وجلا هاربا طريدا منحجزا في مضيق أو مخبأة من المخابي قد ضاقت عليه الأرض برحبها لا يجد حيلة ولا منجى ولا مأوى ولا مهربا وأنا في أمن وطمأنينة وعافية من ذلك كلّه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح مغلولا مكبلا بالحديد بأيدي العداة لا يرحمونه فقيدا من أهله وولده منقطعا عن إخوانه وبلده يتوقع كلّ ساعة بأية قتلة يقتل وبأي مثلة يمثّل به وأنا في عافية من ذلك كلّه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ

على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح يقاسي الحرب ومباشرة القتال بنفسه قد غشيته الأعداء من كلّ جانب والسيوف والرماح وآلة الحرب يتقعقع في الحديد مبلغ مجهوده ولا يعرف حيلة ولا يجد مهربا قد أدنف بالجراحات أو متشحطا بدمه تحت السنابك والأرجل يتمنى شربة من ماء أو نظرة إلى أهله وولده ولا يقدر عليها وأنا في عافية من

ذلك كلّه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من عبد أمسى وأصبح في ظلمات البحار وعواصف الرياح والأهوال والأمواج يتوقع الغرق والهلاك لا يقدر على حيلة أو مبتلى بصاعقة أو هدم أو غرق أو حرق أو شرق أو خسف أو مسخ أو قذف وأنا في عافية من ذلك كلّه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل

صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من عبد أمسى وأصبح مسافرا شاخصا عن أهله ووطنه وولده متحيرا في المفاوز تائها مع الوحوش والبهائم والهوام وحيدا فريدا لا يعرف حيلة ولا يهتدي سبيلا أو متأذيا

ببرد أو حر أو جوع أو عرى أو غيره من الشدائد مما أنا منه خلو وفي عافية من ذلك كلّه

ص: 420

فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي وكم من عبد أمسى وأصبح فقيرا عائلا عاريا مملقا مخفقا مهجورا خائفا جائعا ظمآن ينتظر من يعود عليه بفضل أو عبد وجيه هو أوجه مني عندك وأشدّ عبادة لك مغلولا مقهورا قد حمل ثقلا من تعب العناء وشدّة العبودية وكلفة الرقّ وثقل الضريبة أو مبتلى ببلاء شديد لا قبل له به إلاّ بمنّك عليه وأنا المخدوم المنعم المعافى المكرم في عافية مما هو فيه فلك الحمد يا ربّ من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين إلهي مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح شريدا طريدا حيران متحيّرا جائعا خائفا خاسرا في الصحاري والبراري قد أحرقه الحرّ والبرد وهو في

ضرّ من العيش وضنك من الحياة وذلّ من المقام ينظر إلى نفسه حسرة لا يقدر لها على ضرّ ولا نفع وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا

يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح عليلا مريضا سقيما مدنفا على فرش العلة وفي لباسها يتقلّب يمينا وشمالا لا يعرف شيئا من لذّة الطعام ولا من لذّة الشراب ينظر إلى نفسه حسرة لا يستطيع لها ضرّا ولا نفعا وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا

يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لك من العابدين ولأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح قد دنا يومه من حتفه وقد أحدق به ملك الموت في أعوانه يعالج سكرات الموت وحياضه تدور عيناه يمينا وشمالا لا ينظر إلى أحبائه وأودائه وأخلائه قد منع من الكلام وحجب عن الخطاب ينظر إلى نفسه حسرة فلا يستطيع لها نفعا ولا ضرّا وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا

يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لك من العابدين ولأنعمك

ص: 421

من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح في مضايق الحبوس والسجون وكربها وذلّها وحديدها تتداوله أعوانها وزبانيتها فلا يدري أي حال يفعل به وأي مثلة يمثل به فهو في ضرّ من

العيش وضنك من الحياة ينظر إلى نفسه حسرة لا يستطيع لها ضرّا ولا نفعا وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لك من العابدين ولنعمائك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين مولاي وسيدي و كم من عبد أمسى وأصبح قد استمر عليه القضاء وأحدق به البلاء وفارق أوداءه وأحباءه وأخلاءه وأمسى حقيرا أسيرا ذليلا في أيدي الكفار والأعداء يتداولونه يمينا وشمالا قد حمل في المطامير

وثقل بالحديد لا يرى شيئا من ضياء الدنيا ولا من روحها ينظر إلى نفسه حسرة لا يستطيع لها ضرا ولا نفعا وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك

من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لك من العابدين ولنعمائك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح قد اشتاق إلى الدنيا للرغبة فيها إلى أن خاطر بنفسه وماله حرصا منه عليها قد ركب الفلك وكسرت به وهو في آفاق البحار وظلمها ينظر إلى نفسه حسرة لا يقدر لها على ضرّ و لا نفع وأنا خلو من ذلك كلّه

بجودك وكرمك فلا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لك من العابدين ولنعمائك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين مولاي وسيدي وكم من عبد أمسى وأصبح قد استمر عليه القضاء وأحدق به البلاء والكفار والأعداء وأخذته الرماح والسيوف والسهام وجدل صريعا وقد شربت الأرض من دمه وأكلت السباع والطير من لحمه وأنا خلو من ذلك كلّه بجودك وكرمك لا باستحقاق مني يا لا إله إلاّ أنت سبحانك من مقتدر لا يغلب وذي أناة لا يعجل صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لنعمائك من

ص: 422

الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا مالك الراحمين وعزتك يا كريم لأطلبن مما لديك ولألحن عليك ولألجن إليك ولأمدن يدي نحوك مع جرمها إليك فبمن أعوذ يا ربّ وبمن ألوذ لا أحد لي إلاّ أنت أفتردّني وأنت معولي وعليك متّكلي وأسألك

باسمك الذي وضعته على السماء فاستقلت وعلى الجبال فرست وعلى الأرض فاستقرت وعلى الليل فأظلم وعلى النهار فاستنار أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تقضي لي جميع حوائجي وتغفر لي ذنوبي كلّها صغيرها وكبيرها وتوسع عليّ من الرزق ما تبلغني به

شرف الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين مولاي بك استعنت فصلّ على محمد وآل محمد وأعني وبك استجرت فصلّ على محمد وآل محمد وأجرني وأغنني بطاعتك عن طاعة عبادك وبمسألتك عن مسألة خلقك وانقلني من ذلّ الفقر إلى عزّ الغنى ومن ذلّ المعاصي إلى عزّ الطاعة فقد فضّلتني على كثير من خلقك جودا منك وكرما لا باستحقاق منّي إلهي

فلك الحمد على ذلك كلّه صلّ على محمد وآل محمد واجعلني لنعمائك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين .

قال : ثم أقبل علينا مولانا أبو الحسن عليه السلام ثم قال : سمعت من أبي جعفر بن محمد يحدّث عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه أمير المؤنين عليه وعليهم السلام أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : اعترفوا بنعمة اللّه ربّكم - عزّ وجلّ - وتوبوا إليه من جميع ذنوبكم فإنّ اللّه يحبّ الشاكرين من عباده ، قال : ثم قمنا إلى الصلاة وتفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى المهدي والبيعة لهارون الرشيد(1) .

ص: 423


1- أقول : وجدت في نسخ المهج بعد إتمام شرح الجوشن ما هذا لفظه : ومن ذلك الشرح المعروف بدعاء الجوشن يقول كاتبه الفقير إلى اللّه - تعالى - أبو طالب بن رجب : وجدت دعاء الجوشن وخبره وفضله في كتاب من كتب جدي السعيد تقي الدين الحسن بن داود بغير هذه الرواية فأحببت إثباته في هذا المكان ثم ذكر الخبر الذي أوردناه في شرح دعاء الجوشن الصغير ، وهذا ليس من كلام السيد ابن طاوس وإنّما زاده ابن الشيخ رجب ، ولعله روي في كليهما وإن كان الظاهر أنّه اشتبه على هذا الشيخ .

2 - مهج الدعوات : عوذة مولانا الكاظم - صلوات اللّه عليه - لما ألقي في بركة السباع :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا إله إلاّ اللّه وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أصبحت وأمسيت في حمى اللّه الذي لا يستباح وستره الذي لا تهتكه الرياح ولا تخرقه الرماح وذمّة اللّه التي لا تخفر

وفي عزّة اللّه التي لا تستذلّ ولا تقهر وفي حزبه الذي لا يغلب وفي جنده الذي لا يهزم

باللّه استفتحت وبه استنجحت وتعززت وانتصرت وتقويت واحترزت واستعنت باللّه وبقوة اللّه ضربت على أعدائي وقهرتهم بحول اللّه واستعنت عليهم باللّه وفوضت أمري

إلى اللّه حسبي اللّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ شاهت وجوه أعدائي فهم لا يبصرون صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ غلبت أعداء اللّه بكلمة اللّه فلجت حجة اللّه على أعداء اللّه الفاسقين وجنود إبليس أجمعين لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ تحصنت منهم بالحصن الحصين فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً فأويت إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ والتجأت إلى الكهف المنيع الرفيع وتمسكت بالحبل المتين وتدرعت بهيبة أمير المؤنين وتعوذت بعوذة سليمان بن داود عليه السلام واحترزت بخاتمه فأنا أين كنت كنت آمنا مطمئنا وعدوي في الأهوال حيران وقد حف بالمهانة وألبس الذل وقمع بالصغار وضربت على نفسي سرادق الحياطة وعلقت على هيكل الهيبة وتتوجت بتاج الكرامة وتقلدت بسيف العز الذي لا يفل وخفيت عن الظنون وتواريت عن العيون وأمنت على روحي وسلمت من أعدائي وهم لي خاضعون ومني خائفون وعني نافرون كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قصرت أيديهم عن بلوغي وصمت آذانهم عن استماع كلامي وعميت أبصارهم عن رؤتي وخرست ألسنتهم عن ذكري وذهلت عقولهم عن معرفتي وتخوفت قلوبهم وارتعدت

ص: 424

فرائصهم من مخافتي وانفل حدّهم وانكسرت شوكتهم ونكست رؤوسهم وانحل عزمهم وتشتت جمعهم اختلفت كلمتهم وتفرقت أمورهم وضعف جندهم وانهزم جيشهم وَلَّوْا مُدْبِرِينَ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ علوت عليهم بمحمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبعلو اللّه الذي كان يعلو به على صاحب الحروب منكس الفرسان ومبيد الأقران وتعززت منهم بأسماء اللّه الحسنى وكلماته العلياتجهزت على أعدائي ببأس اللّه بأس شديد وأمر عتيد وأذللتهم وجمعت رؤوسهم ووطئت رقابهم فظلت أعناقهم لي خاضعين خاب من ناواني وهلك من عاداني وأنا المؤد المحبور المظفر المنصور قد كرمتني كلمة التقوى واستمسكت بالعروة الوثقى واعتصمت بالحبل المتين فلا يضرني بغي الباغين ولا كيد الكائدين ولا حسد الحاسدين أبد الآبدين فلن يصل إلى أحد ولن يضرني أحد ولن يقدر على أحد بل أنا أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً يا متفضّل تفضّل عليّ بالأمن والسلامة من الأعداء وحل بيني وبينهم بالملائكة الغلاظ الشداد ومدّني بالجند الكثيف والأرواح المطيعة يحصبونهم بالحجة البالغة ويقذفونهم بالأحجار الدامغة ويضربونهم بالسيف القاطع ويرمونهم بالشهاب الثاقب والحريق الملتهب والشواظ المحرق والنحاس النافذ ويُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ ذللتهم وزجرتهم وعلوتهم ببِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بطه ويس والذّارِياتِ والطواسين وتنزيل الحواميم وكهيعص وحم عسق

وق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وتبارك و ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ وبِمَواقِعِ النُّجُومِ وبالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ فوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وعلى أعقابهم ناكصين وفِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤنَ وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا

ص: 425

لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ اللهم إنّي أعوذ بك من شرورهم وأدرأ بك في نحورهم وأسألك خير ما عندك فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري وإسرافيل من ورائي ومحمد صلى الله عليه و آله شفيعي من بين يدي واللّه مطلّ عليّ يا من جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً احجز بيني وبين أعدائي فلن يصلوا إليّ بسوء أبدا بيني وبينهم ستر اللّه الذي ستر به الأنبياء عن الفراعنة ومن كان في ستر اللّه كان محفوظا حسبي اللّه الذي يكفيني ما لا يكفيني أحد من خلقه وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ اللهم اضرب على سرادق حفظك الذي لا تهتكه الرياح ولا تخرقه الرماح ووق روحي بروح قدسك الذي من ألقيته عليه كان معظما في أعين الناظرين وكبيرا في صدور الخلق أجمعين ووفقني بأسمائك الحسنى وأمثالك العليا لصلاحي في جميع ما أؤله من خير الدنيا والآخرة واصرف عنّي أبصار الناظرين واصرف عنّي قلوبهم من شرّ ما يضمرون إلى ما لا يملكه أحد غيرك اللهم أنت ملاذي فبك ألوذ وأنت معاذي فبك أعوذ اللهم إن خوفي أمسى وأصبح مستجيرا بوجهك الباقي الذي لا يبلى يا أرحم الراحمين سبحان من ألج البحار بقدرته وأطفأ نار إبراهيم بكلمته واستوى على العرش بعظمته وقال لموسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً أَلَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم ما شاء اللّه كان .

ص: 426

3 - مهج الدعوات : و من ذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه و آله لموسى بن جعفر عليه السلام في السجن بإسناد صحيح عن عبد اللّه بن مالك الخزاعي قال : دعاني هارون الرشيد فقال : يا أبا عبد اللّه كيف أنت وموضع السرّ منك ؟ فقلت : يا أمير المؤنين ما أنا إلاّ

عبد من عبيدك ، فقال : امض إلى تلك الحجرة وخذ من فيها واحتفظ به إلى أن أسألك عنه ، قال : فدخلت فوجدت موسى بن جعفر عليه السلام ، فلمّا رآني سلّمت عليه وحملته على دابتي إلى منزلي فأدخلته داري وجعلته على حرمي ، وقفلت عليه والمفتاح معي ، وكنت أتولى خدمته ، ومضت الأيام فلم أشعر إلاّ برسول الرشيد يقول : أجب أمير المؤنين ، فنهضت ودخلت عليه وهو جالس وعن يمينه فراش

وعن يساره فراش ، فسلّمت عليه فلم يردّ غير أنّه قال : ما فعلت بالوديعة ؟ فكأنّي لم أفهم ما قال ، فقال : ما فعل صاحبك ؟ فقلت : صالح ، فقال : امض إليه وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم واصرفه إلى منزله وأهله ، فقمت وهممت بالانصراف ، فقال له : أتدري ما السبب في ذلك ؟ وما هو ؟ قلت : لا يا أمير المؤنين ، قال : نمت على الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي : يا هارون أطلق موسى بن جعفر ، فانتبهت فقلت : لعلها لما في نفسي منه ، فقمت إلى هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه وهو يقول : يا هارون أمرتك أن تطلق موسى بن جعفر فلم تفعل ، فانتبهت وتعوّذت من الشيطان ! ! ! ثم قمت إلى هذا الفراش الذي أنا عليه ، وإذا بذلك الشخص بعينه وبيده حربة كان أولها بالمشرق وآخرها بالمغرب وقد أومأ إليّ وهو يقول : واللّه يا هارون لئن لم تطلق موسى بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك وأطلعها من ظهرك ، فأرسلت إليك فامض فيما أمرتك به ولا تظهره إلى أحد فأقتلك فانظر لنفسك ، قال : فرجعت إلى منزلي وفتحت الحجرة ودخلت على موسى بن جعفر فوجدته قد نام في سجوده ، فجلست حتى استيقظ ورفع رأسه وقال : يا أبا عبد اللّه افعل ما أمرت به ، فقلت له : يا مولاي سألتك باللّه وبحقّ جدّك

ص: 427

رسول اللّه هل دعوت اللّه - عزّ وجلّ - في يومك هذا بالفرج ؟ فقال : أجل إنّي صلّيت المفروضة وسجدت وغفوت في سجودي فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا موسى أتحبّ أن تطلق ؟ فقلت : نعم يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك ، فقال : ادع بهذا الدعاء :

يا سابغ النعم يا دافع النقم يا بارئ النسم يا مجلي الهمم يا مغشي الظلم يا كاشف الضرّ والألم يا ذا الجود والكرم ويا سامع كلّ صوت ويا مدرك كلّ فوت ويا محيي العظام

وهي رميم ومنشئها بعد الموت صلّ على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا يا ذا الجلال والإكرام .

فلقد دعوت به ورسول اللّه يلقننيه حتى سمعتك فقلت : قد استجاب اللّه فيك ، ثم قلت له ما أمرني به الرشيد وأعطيته ذلك .

4 - مهج الدعوات : حرز لمولانا موسى بن جعفر عليه السلام قال الشيخ علي بن عبد الصمد رحمه الله : وجدت في كتب أصحابنا مرويا عن المشايخ - رحمهم اللّه - : أنّه لمّا هم هارون الرشيد بقتل موسى بن جعفر عليه السلام دعا الفضل بن الربيع وقال له : قد وقعت لي إليك حاجة أسألك أن تقضيها ولك مائة ألف درهم ، قال : فخرّ الفضل عند ذلك ساجدا وقال : أمر أم مسألة ؟ قال : بل مسألة ، ثم قال : أمرت بأن تحمل إلى دارك في هذه الساعة مائة ألف درهم وأسألك أن تصير إلى دار موسى بن جعفر وتأتيني برأسه ، قال الفضل : فذهبت إلى ذلك البيت ! فرأيت فيه موسى بن جعفر وهو قائم يصلّي ، فجلست حتى قضى صلاته وأقبل إليّ وتبسّم وقال : عرفت لماذا حضرت أمهلني حتى أصلّي ركعتين ، قال : فأمهلته فقام وتوضأ فأسبغ الوضوء وصلّى ركعتين وأتمّ الصلاة بحسن ركوعها وسجودها وقرأ خلف صلاته بهذا الحرز ، فاندرس وساخ في مكانه فلا أدري أأرض ابتلعته ؟ أم السماء اختطفته ؟ فذهبت إلى هارون وقصصت عليه القصة ، قال : فبكى هارون الرشيد ثم قال : قد أجاره اللّه منّي .

ص: 428

وروي عنه عليه السلام أنّه قال : من قرأه كلّ يوم بنية خالصة وطوية صادقة صانه اللّه عن كلّ محذور وآفة ، وإن كانت به محنة خلصه اللّه منها وكفاه شرّها ، ومن لم يحسن القراءة فليمسكه مع نفسه متبركا به حتى ينفعه اللّه به ويكفيه المحذور والمخوف إنّه

وليّ ذلك والقادر عليه الدعاء :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر وأعلى وأجل مما أخاف وأحذر وأستجير باللّه ، يقولها ثلاث مرات ، عزّ جار اللّه وجلّ ثناء اللّه ولا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وصلّى اللّه على محمد وآله اللّهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا

يرام واغفر لي بقدرتك فأنت رجائي ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري وكم من بلية ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني ويا من قلّ عند بليته صبري فلم يخذلني ويا من رآني على الخطايا فلم يفضحني يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا يا ذا النعم التي لا تحصى عددا صلّ على محمد وآل محمد اللهم بك أدفع وأدرأ في نحره وأستعيذ بك من شرّه اللّهم أعنّي على ديني بدنياي وعلى

آخرتي بتقواي واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما حضرته يا من لا تضرّه الذنوب ولا تنقصه المغفرة اغفر لي ما لا يضرّك وأعطني ما لا ينقصك إنّك وهاب أسألك فرجا قريبا ومخرجا رحيبا ورزقا واسعا وصبرا جميلا وعافية من جميع البلايا إِنَّكَ عَلى

كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللّهم إنّي أسألك العفو والعافية والأمن والصحة والصبر ودوام العافية والشكر على العافية وأسألك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تلبسني عافيتك في ديني ونفسي وأهلي ومالي وإخواني من المؤنين والمؤنات وجميع ما أنعمت به عليّ وأستودعك ذلك كلّه يا ربّ وأسألك أن تجعلني في كنفك وفي جوارك وفي حفظك وحرزك وعياذك عزّ جارك وجلّ ثناؤ ولا إله غيرك اللّهم فرّغ قلبي لمحبّتك وذكرك وأنعشه بخوفك أيام حياتي كلّها واجعل زادي من الدنيا تقواك وهب لي قوة أحتمل بها جميع طاعتك وأعمل بها جميع مرضاتك واجعل فراري إليك ورغبتي فيما عندك وألبس

ص: 429

قلبي الوحشة من شرار خلقك والأنس بأوليائك وأهل طاعتك ولا تجعل لفاجر ولا لكافر عليّ منّة ولا له عندي يدا ولا لي إليه حاجة إلهي قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سرّي وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري يا من لا يصفه نعت الناعتين ويا من لا يجاوزه رجاء الراجين يا من لا يضيع لديه أجر المحسنين يا من قربت نصرته من المظلومين يا من بعد عونه عن الظالمين قد علمت ما نالني من فلان مما حظرت وانهتك منّي ما حجرت بطرا في نعمتك عنده واغترارا بسترك عليه اللّهم فخذه عن ظلمي بعزّتك وافلل حدّه عنّي بقدرتك عليه واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عما ينويه اللّهم لا تسوغه

ظلمي وأحسن عليه عوني واعصمني من مثل فعاله ولا تجعلني بمثل حاله يا أرحم الراحمين اللّهم إنّي استجرت بك وتوكّلت عليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك وضعف ركني إلى قوتك مستجيرا بك من ذي التعزّز عليّ والقوة على ضيمي فإنّي في جوارك فلا ضيم على جارك ربّ فاقهر عنّي قاهري بقوتك وأوهن عنّي مستوهني بعزّتك واقبض عنّي ضائمي بقسطك وخذ لي ممن ظلمني بعدلك ربّ فأعذني بعياذك فبعياذك امتنع عائذك وأدخلني في جوارك عزّ جارك وجلّ ثناؤ ولا إله غيرك وأسبل عليّ سترك من تستره فهو الآمن المحصن الذي لا يراع ربّ واضممني في ذلك إلى كنفك فمن تكنفه فهو الآمن المحفوظ لا حول ولا قوة ولا حيلة إلاّ باللّه الذي لم يتّخذ

صاحبة ولا ولدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً من يكن ذا حيلة في نفسه أو حول يتقلّبه أو قوة في أمره بشيء سوى اللّه فإنّ حولي وقوتي

وكلّ حيلتي باللّه الواحد الأحد الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ وكلّ ذي ملك فمملوك للّه وكلّ قوي ضعيف عند قوة اللّه وكلّ ذي عزّ فغالبه اللّه وكلّ شيء في قبضة اللّه ذلّ كلّ عزيز لبطش اللّه صغر كلّ عظيم عند عظمة اللّه خضع كلّ جبار عند سلطان اللّه واستظهرت واستطلت على كلّ عدو لي بتولّي اللّه درأت في نحر كلّ عاد على اللّه

ضربت بإذن اللّه بيني وبين كلّ مترف ذي سورة وجبار ذي نخوة ومتسلّط ذي قدرة ووال

ص: 430

ذي إمرة ومستعد ذي أبهة وعنيد ذي ضغينة وعدو ذي غيلة ومدرئ ذي حيلة وحاسد ذي قوة وماكر ذي مكيدة وكلّ معين أعان عليّ بمقالة مغوية أو سعاية مشلية أو حيلة مؤية أو غائلة مردية أو كلّ طاغ ذي كبرياء أو معجب ذي خيلاء على كلّ سبب وبكلّ مذهب فأخذت لنفسي ومالي حجابا دونهم بما أنزلت من كتابك وأحكمت من وحيك الذي لا يؤى من سورة بمثله وهو الحكم العدل والكتاب الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ اللّهم صلّ على محمد وآل محمد واجعل حمدي لك وثنائي عليك في العافية والبلاء والشدّة والرخاء دائما لا ينقضي ولا يبيد توكّلت

على الحيّ الذي لا يموت اللّهم بك أعوذ وبك ألوذ وبك أصول وإياك أعبد وإياك أستعين وعليك أتوكّل وأدرأ بك في نحر أعدائي وأستعين بك عليهم وأستكفيكهم فاكفنيهم بما شئت وكيف شئت ومما شئت بحولك وقوتك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى قالَ اخْسَؤا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ أخذت بسمع من يطالبني بالسوء بسمع اللّه وبصره وقوته بقوة اللّه وحبله المتين وسلطانه المبين فليس لهم عليها سلطان ولا سبيل إن شاء اللّه وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ اللّهم يدك فوق كلّ ذي قدرة وقوتك أعزّ من كلّ قوة وسلطانك أجلّ من كلّ سلطان فصلّ على محمد وآل محمد وكن عند ظنّي فيما لم أجد فيه مفزعا غيرك ولا ملجأ سواك فإنّني أعلم أنّ عدلك أوسع من جور الجبارين وأنّ إنصافك من وراء ظلم الظالمين صلّ على محمد وآل محمد أجمعين وأجرني منهم يا أرحم الراحمين أعيذ نفسي وديني وأهلي ومالي وولدي ومن تلحقه عنايتي وجميع نعم اللّه عندي ببسم اللّه الذي خضعت له الرقاب وبسم اللّه الذي خافته الصدور ووجلت منه

النفوس وبالاسم الذي نفس عن داود كربته وبسم اللّه الذي قال للنار كُونِي بَرْداً وَسَلاماً

عَلى إِبْراهِيمَ وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الأَخْسَرِينَ وبعزيمة اللّه التي لا تحصى وبقدرة اللّه

ص: 431

المستطيلة على جميع خلقه من شرّ فلان ومن شرّ ما خلقه الرحمن ومن شرّ مكرهم وكيدهم وحولهم وقوتهم وحيلهم إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللّهم بك أستعين وبك أستغيث وعليك أتوكّل وأنت ربّ العرش العظيم اللّهم صلّ على محمد وآل محمد وخلّصني من كلّ مصيبة نزلت في هذا اليوم وفي هذه الليلة وفي جميع الليالي والأيام من السماء إلى

الأرض إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ واجعل لي سهما في كلّ حسنة نزلت في هذا اليوم وفي هذه الليلة وفي جميع الليالي والأيام من السماء إلى الأرض إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللّهم بك أستفتح وبك أستنجح وبمحمد صلى الله عليه و آله إليك أتوجه وبكتابك أتوسل أن تلطف لي بلطفك الخفي إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري وإسرافيل

أمامي ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم خلفي وبين يدي لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ وصلّى اللّه على محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليما كثيرا .

5 - مهج الدعوات : حرز آخر في معناه عنه عليه السلام عن علي بن يقطين أنّه قال : أنمي الخبر إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعنده جماعة من أهل بيته بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره فقال لأهل بيته : ما ترون ؟ قالوا : نرى أن تتباعد منه وأن تغيّب شخصك عنه ، فإنّه لا يؤن من شرّه ، فتبسم أبو الحسن عليه السلام ثم قال :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

فليغلبن مغالب الغلاب

ثم رفع يده إلى السماء وقال : إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته وأرهف لي شبا حدّه وداف لي قواتل سمومه ولم تنم عنّي عين حراسته فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح وعجزي عن ملمات الجوائح صرفت ذلك عنّي بحولك وقوتك لا بحول منّي ولا بقوة فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا مما أمله في الدنيا متباعدا مما رجاه في

الآخرة فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيدي اللّهم فخذه بعزّتك وافلل حدّه عنّي

ص: 432

بقدرتك واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عما يناويه اللّهم وأعذني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاء ومن حنقي عليه وفاء وصل اللّهم دعائي بالإجابة وانظم شكايتي بالتغيير وعرفه عما قليل ما أوعدت الظالمين وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين إنّك ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ والمن الكريم .

قال : ثم تفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب بموت موسى بن المهدي .

وبهذا الإسناد عن علي بن يقطين قال : كنت واقفا على رأس هارون الرشيد إذ دعا موسى بن جعفر وهو يتلظّى عليه فلمّا دخل حرّك شفتيه بشيء فأقبل هارون عليه ولاطفه وبرّه وأذن له في الرجوع فقلت له : يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك

إنّك دخلت على هارون وهو يتلظّى عليك فلم أشكّ إلاّ أنّه يأمر بقتلك فسلمك اللّه منه فما الذي كنت تحرّك به شفتيك ؟ فقال عليه السلام : إنّي دعوت بدعائين : أحدهما خاص ، والآخر عام ، فصرف اللّه شرّه عنّي ، فقلت : ما هما يا ابن رسول اللّه ؟ فقال : أما الخاص : اللّهم إنّك حفظت الغلامين لصلاح أبويهما فاحفظني لصلاح آبائي ، وأما العام : اللّهم إنّك تكفي من كلّ أحد ولا يكفي منك أحد فاكفنيه بما شئت وكيف شئت وأنّى شئت ، فكفاني اللّه شره .

6 - مهج الدعوات : عن علي بن إبراهيم بن هاشم بروايته قال : إنّ الصادق عليه السلام

أخرج آيات من القرآن وجعلها حرزا لابنه موسى الكاظم عليه السلام وكان يقرؤ ويعوذ نفسه به وهو هذا :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا إله إلاّ اللّه أبدا حقا حقّا لا إله إلاّ اللّه إيمانا وصدقا لا إله إلاّ اللّه تعبّدا ورقّا لا إله إلاّ اللّه تلطّفا ورفقا لا إله إلاّ اللّه بسم اللّه والحمد للّه واعتصمت باللّه وألجأت ظهري إلى اللّه ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وما صبري إلاّ باللّه وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ ونعم القادر اللّه ونعم المولى اللّه ونعم النصير اللّه ولا يأتي بالحسنات إلاّ اللّه ولا يصرف السيئات إلاّ اللّه وما بنا من نعمة فمن

ص: 433

اللّه وإنّ الأمر كلّه للّه وأستكفي اللّه وأستعين اللّه وأستقيل اللّه وأستغفر اللّه وأستغيث اللّه وصلّى اللّه على محمد رسول اللّه وآله وعلى أنبياء اللّه وعلى ملائكة اللّه وعلى الصالحين من عباد اللّه إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ كَتَبَ اللّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنّاكَ فُتُوناً لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ لا تَخَفْ... إِنّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ولَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ أَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ

ص: 434

إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .

فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ربّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ

بِالآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ وَخَشَعَتِ الأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ

ص: 435

عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤمِنُ

الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وَما لَنا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ اللهم من أراد بي وبأهلي وأولادي وأهل عنايتي شرا أو بأسا أو ضرّا فاقمع رأسه واعقل لسانه وألجم فاه وحل بيني وبينه كيف شئت وأ نّى شئت واجعلنا منه ومن كلّ دابة أنت آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

في حجابك الذي لا يرام وفي سلطانك الذي لا يستضام فإنّ حجابك منيع وجارك عزيز وأمرك غالب وسلطانك قاهر وأنت على كلّ شيء قدير اللّهم صلّ على محمد وآل محمد أفضل ما صلّيت على أحد من خلقك وصلّ على محمد وآل محمد كما هديتنا به من الضلالة واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولجميع المؤنين والمؤنات الأحياء منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنّك مجيب الدعوات وأنت على كلّ شيء قدير اللّهم إنّي أستودعك نفسي وديني وأمانتي وأهلي ومالي وعيالي وأهل حزانتي وخواتيم عملي وجميع ما أنعمت به عليّ من أمر دنياي وآخرتي فإنّه لا يضيع محفوظك و لا ترزأ ودائعك ولَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً اللّهم رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ وصلّى اللّه على محمد وآله أجمعين .

ص: 436

7 - حرز الكاظم عليه السلام : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اللّهم أعطني الهدى وثبتني عليه واحشرني عليه آمنّا أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع إنّك أَهْلُ التَّقْوى

وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .

حجاب موسى بن جعفر عليه السلام : توكّلت على الحيّ الذي لا يموت وتحصّنت بذي العزّة والجبروت واستعنت بذي الكبرياء والملكوت مولاي استسلمت إليك فلا تسلمني وتوكّلت عليك فلا تخذلني ولجأت إلى ظلّك البسيط فلا تطرحني أنت الطلب وإليك المهرب تعلم ما أخفي وما أعلن وتعلم خائِنَةَ الأَعْيُنِ وَما تُخْفِي

الصُّدُورُ فأمسك عنّي اللّهم أيدي الظالمين من الجن والإنس أجمعين واشفني وعافني يا أرحم الراحمين .

8 - طب الأئمة عليهم السلام عن إبراهيم بن أبي البلاد يرفعه إلى موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال : شكا إليه عامل المدينة تواتر الوجع على ابنه ، قال : تكتب له هذه العوذة في رقّ وتصير في قصبة فضة وتعلّق على الصبي يدفع اللّه عنه بها كلّ علّة : بسم اللّه أعوذ بوجهك العظيم وعزّتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شيء من شرّ ما أخاف في الليل والنهار ومن شرّ الأوجاع كلّها ومن شرّ الدنيا والآخرة ومن كلّ سقم أو وجع أو همّ أو مرض أو بلاء أو بلية أو مما علم اللّه أنّه خلقني له

ولم أعلمه من نفسيأعذني يا ربّ من شرّ ذلك كلّه في ليلي حتى أصبح وفي نهاري حتى أمسي وبكلمات اللّه التامات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر ومن شرّ ما يَنْزِلُ

مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وما يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أسألك يا ربّ بما سألك به محمد صلوات اللّه عليه وعلى أهل بيته حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ اختم علي ذلك منك يا برّ يا رحيم باسمك اللّهم الواحد الأحد الصمد صلّى اللّه على محمد وآل محمد وادفع عنّي سوء ما أجد بقدرتك .

ص: 437

9 - طب الأئمة عليهم السلام : عن داود الرقي عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : قلت : يا ابن

رسول اللّه لا أزال أجد في رأسي شكاة وربما أسهرتني وشغلتني عن الصلاة بالليل ؟ قال : يا داود إذا أحسست بشيء من ذلك فامسح يدك عليه وقل : أعوذ باللّه

وأعيذ نفسي من جميع ما اعتراني باسم اللّه العظيم وكلماته التامات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر أعيذ نفسي باللّه عزّ وجلّ وبرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الطاهرين الأخيار اللّهم بحقّهم عليك إلاّ أجرتني من شكاتي هذه . فإنّها لا تضرّك بعد .

10 - طب الأئمة عليهم السلام : عن سعد بن سعد عن موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال لبعض أصحابه وهو يشكو اللوى : خذ ماء وارقه بهذه الرقية ولا تصبّ عليه دهنا وقل : يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( ثلاثا ) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ ثم اشربه وأمر يدك على بطنك فإنّك تعافى بإذن اللّه عزّ وجلّ .

11 - طب الأئمة عليهم السلام : عن علي بن عيسى عن عمّه قال : شكوت إلى موسى بن جعفر عليه السلام ريح البخر ، فقال : قل وأنت ساجد : يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا رحمان يا ربّ الأرباب يا سيد السادات يا إله الآلهة يا مالك الملك يا ملك الملوك اشفني بشفائك من

هذا الداء واصرفه عنّي فإنّي عبدك وابن عبدك وأتقلّب في قبضتك ، فانصرفت من عنده فواللّه الذي أكرمهم بالإمامة ما دعوت به إلاّ مرة واحدة في سجودي فلم أحسّ به بعد ذلك .

12 - طب الأئمة عليهم السلام : عن إسحاق الصحاف عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : يا صحاف، قلت : لبيك يا ابن رسول اللّه ، قال : إنّك مأخوذ عن أهلك ، قلت : بلى يا ابن رسول اللّه منذ ثلاث سنين قد عالجت بكلّ دواء فواللّه ما نفعني ، قال : يا صحاف أفلا أعلمتني ! قلت : يا ابن رسول اللّه واللّه ما خفي عليّ أنّ كلّ شيء عندكم فرجه ولكن أستحييك ، قال : ويحك وما منعك الحياء في رجل مسحور مأخوذ ، أما إنّي أردت أن أفاتحك بذلك قل :

ص: 438

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أذرأتكم أيّها السحرة عن فلان بن فلانة باللّه الذي قال لإبليس اخْرُجْ مِنْها مَذْموُماً مَدْحُوراً اخرج منها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ أبطلت عملكم ورددت عليكم ونقضته بإذن اللّه العلي الأعلى الأعظم

القدوس العزيز العليم القديم رجع سحركم كما لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىُ إِلاّ بِأَهْلِهِ كما بطل كيد السحرة حين قال اللّه تعالى لموسى صلوات اللّه عليه أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ بإذن اللّه أبطل سحرة فرعون أبطلت عملكم أيّها السحرة ونقضته عليكم بإذن اللّه الذي أنزل وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ وبالذي قال وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ وبإذن اللّه الذي أنزل فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما فأنتم تتحيرون ولا تتوجهون بشيء مما كنتم فيه ولا ترجعون إلى شيء منه أبدا قد بطل بحمد اللّه عملكم وخاب سعيكم ووهن كيدكم مع من كان ذلك من الشياطين إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً غلبتكم بإذن اللّه وهزمت كثرتكم بجنود اللّه وكسرت قوتكم بسلطان اللّه وسلطت عليكم عزائم اللّه عمي بصركم وضعفت قوتكم وانقطعت أسبابكم وتبرأ الشيطان منكم بإذن اللّه الذي أنزل كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ وأنزل إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبابُ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ بإذن اللّه الذي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ( الآية ) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ إلى قوله تعالى شِهابٌ ثاقِبٌ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبابِ وَما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ ( الآية ) إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ

ص: 439

السَّماواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ( الآية ) هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إلى آخر السورة من أراد فلان بن فلانة بسوء من الجن والإنس أو غيرهم بعد هذه العوذة

جعله اللّه ممن وصفهم فقال أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ ثلاث آيات جعله اللّه ممن قال وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ جعله اللّه ممن قال وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ ( الآية ) جعله اللّه ممن قال مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا ( الآية ) جعله اللّه ممن قال كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ ( الآية ) جعله اللّه ممن قال وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ أربع آيات جعله اللّه ممن قال مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ إلى قوله فَما لَهُ مِنْ نُورٍ اللهم فأسألك بصدقك وعلمك وحسن أمثالك وبحقّ محمد وآله من أراد فلانا بسوء أن تردّ كيده في نحره وتجعل خدّه الأسفل

وتركسه لأم رأسه في حفيرة إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وذلك عليك يسير وَما كان ذلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آله والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته .

ثم تقرأ على طين القبر وتختم وتعلقه على المأخوذ وتقرأ : هو اللّه الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَكَفى بِاللّهِ شَهِيداً وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ .

دعاء خاص للامام الكاظم عليه السلام(1)

في حديث طويل : قال : فهل لموسى من دعوة يدعو بها سوى دعاء آبائه قال : نعم ، يقول في دعائه : يا خالق الخلق ويا باسط الرزق ويا فالق الحب ويا بارئ النسم ومحيي الموتى ومميت الأحياء ودائم الثبات ومخرج النبات افعل بي ما أنت أهله ، من دعا بهذه الدعاء قضى اللّه - عزّ وجلّ - له حوائجه وحشره - عزّ وجل - يوم القيامة مع موسى بن جعفر .

ص: 440


1- بحارالأنوار : 49 / 4 .

13 - تسبيح موسى بن جعفر عليه السلام في اليوم التاسع :

سبحان من ملأ الدهر قدسه سبحان من لا يغشى الأمد نوره سبحان من أشرق كلّ ظلمة بضوئه سبحان من يدين لدينه كلّ دين سبحان من قدر كلّ شيء بقدرته سبحان من ليس لخالقيته حدّ ولا لقادريته نفاد سبحان اللّه العظيم .

14 - و(1)من الروايات للانتباه للصلاة : عن صفوان بن يحيى قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : من أراد أن يقوم من ليله للصلاة فلا يذهب به النوم فليقل حين يأوي إلى فراشه : اللّهم لا تؤنّي مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تولّ عنّي وجهك ولا تهتك عنّي سترك ولا تأخذني على تمرّدي ولا تجعلني من الغافلين وأيقظني من رقدتي وسهّل لي القيام في هذه الليلة في أحبّ الأوقات إليك وارزقني فيها

الصلاة والشكر والدعاء حتى أسألك فتعطيني وأدعوك فتستجيب لي وأستغفرك فتغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم .

15 - المحاسن : عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : من خرج وحده في سفر فليقل : ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلاّ باللّه اللّهم آنس وحشتي وأعنّي على وحدتي وأدّ غيبتي .

16 - المحاسن : عن الصباح الحذاء قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول : لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ثم قال : اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلّمني وسلّم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل لحفظه اللّه وحفظ ما عليه وحفظ ما معه وسلمه اللّه وسلم

ما معه وبلغه اللّه وبلغ ما معه ، قال : ثم قال لي : يا صباح أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ؟ ويبلغ ولا يبلغ ما معه ؟ قلت : بلى جعلت فداك .

ص: 441


1- بحارالأنوار : 73 / 217 .

17 - مهج الدعوات ، و البلد : عن الكاظم عليه السلام : كنت إذ لم تكن شيء وكان عرشك على الماء إذ لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا شمس تضيء ولا قمر يجري ولا كوكب دري ولا نجم يسري ولا سحابة منشأة ولا دين معلومة ولا آخره مفهومة وتبقى وحدك كما كنت وحدك علمت ما كان قبل أن يكون .

18 - مصباح الشيخ(1) وغيره : كتب أبو إبراهيم عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندب فقال : إذا سجدت فقل : اللّهم إنّي أشهدك وكفى بك شهيدا وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك بأنّك أنت اللّه ربّي والإسلام ديني ومحمد نبيي وعلي وليي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف الصالح صلواتك عليهم أجمعين أئمتي بهم أتولّى ومن عدّوهم أتبرأ اللّهم إنّي أنشدك دم المظلوم - ثلاثا - اللّهم إنّي أنشدك بوأيك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم أن تصلّي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد - ثلاثا - وتقول : اللّهم إنّي أنشدك بوأيك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم ولتخزينهم بأيديهم وأيدي المؤنين أن تصلّي على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد - ثلاثا - وتقول : اللّهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر - ثلاثا - ثم تضع خدّك

الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة لي وكان عن خلقي غنيا صلّ على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد - ثلاثا - ثم تضع خدّك الأيسر على الأرض وتقول : يا مذلّ كلّ جبار ويا معزّ كلّ ذليل قد وعزّتك بلغ مجهودي ففرج عني - ثلاثا - ثم تقول : يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام - ثلاثا - ثم تعود إلى السجود فتضع جبهتك على الأرض وتقول : شكرا شكرا مائة مرة ،

ص: 442


1- بحارالأنوار : 83 / 236 .

ثم تقول : يا سامع الصوت يا سابق الفوت يا بارئ النفوس بعد الموت صلّ على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا(1) .

ص: 443


1- بيان : هذا الدعاء رواه الكليني والصدوق والشيخ وغيرهم رضوان اللّه عليهم بأسانيد حسنة لا تقصر عن الصحيح عن عبد اللّه بن جندب قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه ؟ فقال : قل وأنت ساجد ، وذكر الدعاء ، وفيها : وعلي وفلان وفلان إلى آخرهم أئمتي ، وفي الفقيه ذكر أسماءهم عليه السلام ، وليس في الكافي والتهذيب « اللهم إنّي أنشدك بوأيك على نفسك لأعدائك » إلى قوله ثلاثا ، وفي الفقيه موجود هكذا « لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤنين » ومقدمة على فقرة الأولياء ، وفيها جميعا « بعدوك وعدوهم » وليس فيها « ففرج عني » . قوله عليه السلام « أنشدك دم المظلوم » أنشد على وزن أقعد يقال : نشدت فلانا وأنشده أي قلت له : نشدتك اللّه ، أي سألتك باللّه ، والمراد هنا أسألك بحقّك أن تأخذ بدم المظلوم ، أعني الحسين عليه السلام ، وتنتقم من قاتليه ومن الأولين الذين أسسوا أساس الظلم والجور عليه وعلى أبيه وأخيه سلام اللّه عليهم أجمعين ، ويحتمل أن يكون المراد أنشدك بحقّ دم المظلوم أن تطلب بثأره . بوأيك : الوأي الوعد ، وقوله « لتهلكنهم » اللام لجواب القسم لما في الوأي بمعنى القسم والمقسم عليه في أنشده مقدر من جنسه بعد الصلوات بقرينة الوأي أي أنشدك أن تنجز وعدك وتهلكهم ، أو يقال الصلاة عليهم ترجع إلى هذا المعنى ، فإنّ رحمة اللّه عليهم مشتمل على رواج دينهم ونصرهم وظفرهم على الأعادي كما ورد في الخبر في معنى السلام عليهم ، وسيأتي تحقيقه في باب الصلاة عليهم . والوأي : إشارة إلى قوله تعالى « وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » والباء إمّا للسببية أي أنشدك بسبب وعدك أو صلة للنشد أي أقسم عليك بحقّ وعدك . ثم اعلم أنّ في أكثر نسخ الحديث والدعاء « بإيوائك » ولم يرد في اللغة بهذا المعنى ولا بمعنى يناسب المقام لكن ما أهمله أهل اللغة من الاستعمالات والاشتقاقات كثير فيمكن أن يكون هذا منها . وقال الشيخ البهائي قدس سره : الإيواء بالياء المثناة التحتانية وآخره ألف ممدودة العهد ولا أدري من أين أخذه ، ويمكن أن يكون استعمل هنا مجازا فإنّ من وعد شيئا فكأنّه آواه وأنزله من نفسه منزلا حصينا . وقد ورد مثله في أخبار العامة قال في النهاية : في حديث وهب إنّ اللّه - تعالى - قال : إنّي أويت على نفسي أن أذكر من ذكرني ، قال القتيبي : هذا غلط يشبه أن يكون من المقلوب ، والصحيح وأيت من الوأي بمعنى الوعد ، يقال : وأيت على نفسي أي جعلته وعدا على نفسي انتهى . و« المستحفظين » يمكن أن يقرأ بالبناء للفاعل أي حفظوا كتاب اللّه ودينه وسائر أماناته أو طلبوا حفظ ذلك من علماء شيعتهم ، وبالبناء للمفعول أي استحفظهم اللّه إياها ، والأخير أظهر إشارة إلى قوله تعالى « بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » . « يا كهفي حين تعييني المذاهب » أي ملجئي حين تتعبني مسالكي إلى الخلق وتردداتي إليهم في تحصيل بغيتي وتدبير أمري ، وربما يقرأ بنونين أولاهما مشدّدة من العناء بمعنى المشقة ، ولعله تصحيف . « بما رحبت » ما مصدرية أي برحبها وسعتها ، وفي بعض النسخ هنا وآل محمد وعلى المستحفظين ، فالمراد بالمستحفظين علماء الشيعة ورواة أخبارهم أي الذين حفظوا العلوم من آل محمد صلى الله عليه و آله وقبلوا حفظ أسرارهم ، ولعله زيد من النساخ . « قد وعزتك » الواو للقسم وكثيرا ما يتوسط القسم بين قد ومدخولها ، ومجهود الرجل وسعه وطاقته أي بلغت طاقتي إلى النهاية ، وفي بعض النسخ « بلغ بي مجهودي » أي أبلغني مجهودي إلى الغاية ، أو أبلغني الأمر الذي أقلقني إلى نهاية الطاقة . ثم اعلم أنّ قوله « ثم تقول : يا سامع الصوت » إلى آخره لم يكن داخلا في تلك الروايات ، والظاهر أنّ الشيخ أخذه من رواية أخرى .

19 - المكارم(1) : صلاة الشدّة قال الكاظم عليه السلام : تصلّي ما بدا لك فإذا فرغت فألصق خدّك بالأرض وقل : يا قوة كلّ ضعيف يا مذلّ كلّ جبار قد وحقّك بلغ الخوف مجهودي ففرج عني - ثلاث مرات - ثم ضع خدّك الأيمن على الأرض وقل : يا مذّل كلّ جبار يا معزّ كلّ ذليل قد وحقّك أعيا صبري ففرج عني - ثلاث مرات - ثم تقلب خدّك الأيسر وتقول مثل ذلك ثلاث مرات ثم تضع جبهتك على الأرض وتقول : أشهد أنّ كلّ معبود من دون عرشك إلى قرار أرضك باطل إلاّ وجهك تعلم كربتي ففرج عني - ثلاث مرات - ثم اجلس وأنت مترسل وقل : اللهم أنت الحي القيوم العلي العظيم الخالق البارئ المحيي المميت البديء البديع لك الكرم ولك الحمد ولك المن لك الجود وحدك وحدك لا شريك لك يا واحد يا أحد يا صمد يا من لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ كذلك اللّه ربّي - ثلاث مرات - صلّ على محمد وآل محمد الصادقين وافعل بي كذا وكذا(2) .

ص: 444


1- بحارالأنوار : 88 / 362 .
2- بيان : أعيا صبري أي عجز ووقف تعبا ، أو هذا الأمر الذي عرض لي أعجز صبري ، وقال الجوهري : عييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه وأعياني هو وأعيا الرجل في المشي فهو معي ، والترسل : الرفق والتؤة والتأني .

20 - من(1) الكتاب دعاء الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السلام تحت الميزاب : وروي أنّه فيه الاسم الأعظم :

يا نور يا قدوس - ثلاثا - يا حي يا قيوم - ثلاثا - يا حي لا يموت - ثلاثا - يا حي حين لا حي - ثلاثا - يا حي لا إله أنت - ثلاثا - أسألك يا لا إله إلاّ أنت - أربعا - يا حي لا إله إلاّ أنت أسألك بلا إله إلاّ أنت - ثلاثا - أسألك بلا إله إلاّ أنت - مرتين - أسألك باسمك اللّه الرحمن الرحيم العزيز المبين - ثلاثا - .

21 - دعاؤ عليه السلام في حبس الرشيد فأطلق : يا سامع كلّ صوت يا محيي النفوس

من بعد الموت ما لي إله غيرك فأدعوه ولا شريك لك فأرجوه صلّ على محمد وآل محمد وخلّصني يا ربّ ممّا أنا فيه وممّا أخاف وأحذر بحولك وقوتك وبحقّ محمد وآله كما تخلص الولد من ضيق المشيمة واللحم برحمتك وصلّ على محمد وآله وخلّصني يا ربّ ممّا أنا فيه وممّا أخاف وأحذر بمشيتك وإرادتك وبحقّ محمد وآل محمد كما تخلّص الثمرة من بين ماء وطين ورمل بقدرتك وجلالك وصلّ على محمد وآل محمد وخلّصني يا ربّ ممّا أنا فيه وممّا أخاف وأحذر بحولك وقوتك وبحقّ محمد وآله كما تخلّص البيضة

من جوف الطائر بعفوك وصلّ على محمد وآل محمد وخلّصني يا ربّ ممّا أنا فيه وممّا أخاف وأحذر بنعمتك وتكبرك وصلّ على محمد وآل محمد وخلّصني ممّا أنا فيه وممّا أخاف أحذر بقوتك وبحقّ محمد وآل محمد كما تخلّص الطائر من جوف البيضة بعزّتك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

22 - دعاؤ عليه السلام حين دخل على المهدي : امتنعت بحول اللّه وقوته من حولك

وقوتك وأعوذ بربّ الفلق من شرّ ما خلق وأقول ما شاء اللّه كان ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم .

ص: 445


1- بحارالأنوار : 91 / 314 .

23 - دعاؤ(1) عليه السلام محبوسا وهو ساجد يقلّب خديه على التراب : يا مذلّ كلّ جبار ومعزّ كلّ ذليل قد وحقّك بلغ مجهودي فصلّ على محمد وآل محمد وفرّج عنّي .

24 - حرز الكاظم

عليه السلام : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اللّهم أعطني الهدى وثبّتني عليه واحشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع إنّك أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ

الْمَغْفِرَةِ .

لعلّة البطن عن الكاظم عليه السلام : يكتب أم القرآن والمعوذتين وقل هو اللّه أحد ثم يكتب أعوذ بوجه اللّه العظيم وعزّته التي لا ترام وقدرته التي لا يمتنع منه من شرّ

هذا الوجع ومن شرّ ما فيه ومن شرّ ما أحذر منه .

وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام أنّه سئل عن صدقة الفطرة أهي مما قال اللّه تعالى « أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ » ؟ فقال : نعم .

ص: 446


1- بحارالأنوار : 91 / 315 .

النوادر

1 - المحاسن : عن حسين بن عثمان قال : رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وقد بنى بنيانا ثم هدمه .

2 - قرب الإسناد : عن سعدان بن مسلم قال : كنت في الحمام في البيت الأوسط فدخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وعليه النورة ، قال : فقال : السلام عليكم ، فرددت عليه وتأخرت ، فدخل البيت الذي فيه الحوض فاغتسلت وخرجت .

3 - و(1)قال موسى بن جعفر عليه السلام وقد حضر فقير مؤن يسأله سدّ فاقته فضحك

في وجهه وقال : أسألك مسألة فإن أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ما طلبت وإن لم تصبها أعطيتك ما طلبت ، وكان قد طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيّش بها ، فقال الرجل : سل ، فقال موسى عليه السلام : لو جعل إليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى ؟ قال : كنت أتمنى أن أرزق التقية في ديني وقضاء حقوق إخواني ، قال : وما لك لم تسأل الولاية لنا أهل البيت ؟ قال : ذلك قد أعطيته وهذا لم أعطه ، فأنا أشكر على ما أعطيت وأسأل ربّي - عزّ وجل - ما منعت ، فقال : أحسنت أعطوه ألفي درهم ، وقال : اصرفها في كذا - يعني في العفص - فإنّه متاع يابس وستقبل

ص: 447


1- بحارالأنوار : 72 / 416 .

بعد ما يدبر ، فانتظر به سنة واختلف إلى دارنا وخذ الإجراء في كلّ يوم ، ففعل فما تمّت له سنة إذ قد زاد في ثمن العفص للواحد خمس عشر ، فباع ما كان اشترى بألفي درهم بثلاثين ألف درهم .

4 - الإختصاص(1) : عن أبي المغراء عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : من كانت له إلى اللّه حاجة وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه ، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا ، فإنّه يرانا ويغفر له بنا ، ولا يخفى عليه موضعه ، قلت : سيدي فإنّ رجلا

رآك في منامه وهو يشرب النبيذ ؟ قال : ليس النبيذ يفسد عليه دينه إنّما يفسد عليه تركنا وتخلّفه عنّا ، إنّ أشقى أشقيائكم من يكذبنا في الباطن مما يخبر عنّا ويصدقنا

في الظاهر ، نحن أبناء نبي اللّه وأبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبناء أمير المؤنين وأحباب ربّ العالمين ، نحن مفتاح الكتاب ، بنا نطق العلماء ، ولولا ذلك لخرسوا ، نحن رفعنا

المنار وعرفنا القبلة ، نحن حجر البيت في السماء والأرض ، بنا غفر لآدم ، وبنا ابتلى

أيوب ، وبنا افتقد يعقوب ، وبنا حبس يوسف ، وبنا رفع البلاء ، وبنا أضاءت الشمس ، نحن مكتوبون على عرش ربّنا ، مكتوب : محمد خير النبيين وعلي سيد الوصيين وفاطمة سيدة نساء العالمين(2) .

5 - الخصال(3) : عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : الرجل يقول لابنه أو لابنته : بأبي أنت وأمي أو بأبوي أترى بذلك بأسا ؟

ص: 448


1- بحارالأنوار : 26 / 257 .
2- بيان : نحن حجر البيت بالكسر : أي اختصاصنا بالبيت كاختصاص حجر إسماعيل به ، أو الحجر بالإنسان ، أو بالتحريك أي فضل الحجر بنا ، في السماء والأرض : أي يعرفه أهلهما أو البيت الذي فيهما ، والابتلاء والافتقاد والحبس ، إمّا بتقصير قليل في معرفتهم والتوسل بهم لا يصل إلى حدّ المعصية ، أو لكمالهم في المعرفة والتوسّل إذ الابتلاء علامة الفضل الكمال .
3- بحارالأنوار : 71 / 70 .

فقال : إن كان أبواه حيين فأرى ذلك عقوقا ، وإن كانا قد ماتا فلا بأس ، قال : ثم قال : كان جعفر عليه السلام يقول : سعد امرؤلم يمت حتى يرى خلفه من بعده ، وقد - واللّه - أراني اللّه خلفي من بعدي .

6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، الأمالي للصدوق : عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عليه السلام قال دخل موسى بن جعفر عليه السلام على هارون الرشيد وقد استخفه الغضب على رجل ، فقال له : إنّما تغضب للّه - عزّ وجلّ - فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه .

7 - كشف الغمة : روي أن موسى بن جعفر عليه السلام أحضر ولده يوما فقال لهم : يا بني إنّي موصيكم بوصية فمن حفظها لم يضع معها : إن أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروها ثم تحوّل إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال : لم أقل شيئا ، فاقبلوا عذره .

8 - المحاسن : عن عبيد اللّه بن إسحاق المدائني قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ الرجل من عرض الناس يلقاني فيحلف باللّه أنّه يحبّني فأحلف باللّه إنّه لصادق ؟ فقال : امتحن قلبك فإن كنت تحبّه فاحلف وإلاّ فلا .

9 - مشكاة الأنوار : قال موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ للّه عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة .

وقال موسى بن جعفر عليه السلام : من استشار لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطاء عاذرا .

10 - الأمالي للصدوق : عن موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال لشيعته : يا معشر الشيعة لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم ، فإن كان عادلا فاسألوا اللّه إبقاءه ، إن كان جائرا فاسألوا اللّه إصلاحه ، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم ، وإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم ، فأحبّوا له ما تحبّون لأنفسكم واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم .

ص: 449

11 - و(1)قال رجل لموسى بن جعفر عليه السلام من خواص الشيعة ، وهو يرتعد بعد ما خلا به : يا ابن رسول اللّه ما أخوفني إلاّ أن يكون فلان بن فلان ينافقك في إظهار اعتقاد وصيتك وإمامتك ، فقال موسى عليه السلام : وكيف ذاك ؟ قال : لأنّي حضرت معه اليوم في مجلس فلان ، رجل من كبار أهل بغداد ، فقال له صاحب المجلس : أنت تزعم أنّ موسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره ؟ فقال صاحبك هذا : ما أقول هذا بل أزعم أن موسى بن جعفر غير إمام ، وإن لم أعتقد أنّه غير إمام فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، فقال صاحب المجلس : جزاك اللّه خيرا ولعن اللّه من وشى بك ، قال له موسى بن جعفر عليه السلام : ليس كما ظننت ولكن صاحبك أفقه منك ، إنّما قال : إنّ موسى غير إمام ، أي الذي هو عندك إمام فموسى غيره فهو إذا إمام ، فإنّما أثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري ، يا عبد اللّه ، متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق ، فتب إلى

اللّه ، ففهم الرجل ما قاله واغتم وقال : يا ابن رسول اللّه ما لي مال فأرضيه ولكن قد وهبت له شطر عملي كلّه من تعبّدي ومن صلواتي عليكم أهل البيت ومن لعنتي لأعدائكم ، قال موسى عليه السلام : الآن خرجت من النار .

12 - رجال الكشي : قالوا : إنّ محمد بن بشير لما مضى أبو الحسن عليه السلام ووقف عليه الواقفة جاء محمد بن بشير ، وكان صاحب شعبذة ومخاريق معروفا بذلك ، فادعى أنّه يقول بالوقف على موسى بن جعفر ، وإنّ موسى عليه السلام كان ظاهرا بين

الخلق يرونه جميعا ، يتراءى لأهل النور بالنور ولأهل الكدورة بالكدورة في مثل خلقهم بالإنسانية والبشرية اللحمانية ، ثم حجب الخلق جميعا عن إدراكه وهو قائم بينهم موجود كما كان غير أنّهم محجوبون عنه وعن إدراكه كالذي كانوا يدركونه ،

ص: 450


1- بحارالأنوار : 72 / 404 .

وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة من موالي بني أسد ، وله أصحاب قالوا : إنّ موسى بن جعفر عليه السلام لم يمت ولم يحبس ، وإنّه غاب واستتر ، وهو القائم المهدي ، وإنّه في وقت غيبته استخلف على الأمة محمد بن بشير وجعله وصيه ، وأعطاه خاتمه وعلّمه جميع ما تحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم ، وفوض إليه جميع أمره ، وأقامه مقام نفسه ، فمحمد بن بشير الإمام بعده .

13 - رجال الكشي(1) : عن عثمان بن عيسى الكلابي أنّه سمع محمد بن بشير يقول : الظاهر من الإنسان آدم والباطن أزلي ، وقال : إنّه كان يقول بالاثنين ، وإنّ

هشام بن سالم ناظره عليه فأقرّ به ولم ينكره ، وإنّ محمد بن بشير لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو الإمام ، ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض طاعته على الأمة إلى وقت خروج موسى بن جعفر وظهوره فيما يلزم الناس من حقوقه في أموالهم وغير ذلك مما يتقرّبون به إلى اللّه - تعالى - ، فالفرض عليهم أداؤ إلى أوصياء محمد بن بشير إلى قيام القائم ، وزعموا أنّ علي بن موسى وكلّ من ادعى الإمامة من ولده وولد موسى بن جعفر مبطلون كاذبون غير طيبي الولادة ، فنفوهم عن أنسابهم وكفّروهم لدعواهم الإمامة ، وكفّروا القائلين بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم ، وزعموا أنّ الفرض عليهم من اللّه - تعالى - إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحات المحارم والفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول اللّه - عزّ وجلّ - « أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً » ، وقالوا بالتناسخ والأئمة عندهم واحدا واحدا إنّما هم منتقلون من قرن إلى قرن ، والمواساة بينهم واجبة في كلّ ما ملكوه من مال أو خراج أو غير ذلك ، وكلّ ما أوصى به رجل في سبيل اللّه فهو لسميع بن محمد وأوصيائه من بعده ، ومذاهبهم في

ص: 451


1- بحارالأنوار : 25 / 309 .

التفويض مذاهب الغلاة من الواقفة ، وهم أيضا قالوا بالحلال وزعموا أنّ كلّ من انتسب إلى محمد فهم بيوت وظروف ، وأنّ محمدا هو ربّ من انتسب إليه ، وأنّه لم يلد ولم يولد ، وأنّه محتجب في هذه الحجب ، وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب : أنّ كلّ من انتسب إلى أنّه من آل محمد فهو مبطل في نسبه مفتر على اللّه كاذب ، وأنّهم الذين قال اللّه - تعالى - فيهم إنّهم يهود ونصارى في قوله : « وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ » محمد في مذهب الخطابية وعلي في مذهب العلياوية فهم ممن خلق هذين كاذبين فيما ادعوا من النسب إذ كان محمد عندهم وعلي هو - ربّ لا يلد ولا يولد - اللّه جل وتعالى عما يصفون وعما يقولون علوا كبيرا .

وكان سبب قتل محمد بن بشير - لعنه اللّه - أنّه كان معه شعبذة ومخاريق ، وكان يظهر للواقفة أنّه ممن وقف على علي بن موسى ، وكان يقول في موسى بالربوبية ويدعي في نفسه أنّه نبي ، وكانت عنده صورة قد عملها وأقامها شخصا كأنّه صورة أبي الحسن موسى عليه السلام من ثياب حرير قد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها حتى صارت شبيها بصورة إنسان ، وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ، فكان يقول لأصحابه : إنّ أبا الحسن عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموه وأنني نبي فهلموا أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه فيقول لهم :

هل ترون في البيت مقيما أو ترون فيه غيركم وغيري ؟ فيقولون : لا ، وليس في البيت أحد ، فيقول : فأخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ثم يرفع الستر بينه وبينهم فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنّه شخص أبي الحسن عليه السلام لا ينكرون منه شيئا ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنّه يكلّمه ويناجيه ويدنو منه كأنّه يساره ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئا ، وكانت معه

ص: 452

أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها فهلكوا بها ، فكانت هذه حاله مدّة حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء ، أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء ، وأنّه زنديق فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال : يا أمير المؤنين استبقني فإنّي أتخذ لك شيئا ترغب الملوك فيها فأطلقه ، فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنّه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعلها الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلي من الماء فتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فتتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها ويصيب الماء في البستان ، فأعجبه ذلك مع أشياء عملها يضاهي اللّه بها في خلقه الجنة ، فقواه وجعل له مرتبة ، ثم إنّه يوما من الأيام انكسر

بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق فتعطلت فاستراب أمره ، وظهر عليه التعطيل والإباحات ، وقد كان أبو عبد اللّه وأبو الحسن عليهماالسلام يدعوان اللّه عليه ويسألانه أن يذيقه حرّ الحديد ، فأذاقه اللّه حرّ الحديد بعد أن عذب بأنواع العذاب ، قال أبو عمرو : حدّث بهذه الحكاية محمد بن عيسى العبيدي رواية له وبعضها عن يونس بن عبد الرحمن ، وكان هاشم بن أبي هاشم قد تعلّم منه بعض تلك المخاريق فصار داعيه إليه من بعده(1) .

ص: 453


1- توضيح : قوله « فهم بيوت وظروف » أي كلّ من انتسب إليه من الأئمة من صهره وأولاده فليس بينهم وبينه نسب بل هو ربّ لهم لكن حلّ فيهم فهم بمنزلة البيت والظروف له ، قوله « إذ كان محمد عندهم » أي عند الخطابية ، « وعلي » أي عند العلياوية ، وإسبال الستر : إرخاؤ وإرساله . فإن قيل : أليس ظهور المعجزة على يد الكاذب على أصول أهل العدل قبيحا وبه يثبتون النبوة والإمامة فكيف جرى على يد هذا الملعون هذه الأمور الغريبة ؟ أو ليس هذا إغراء على القبيح ؟ قلت : نجيب عنه بوجهين : الأول : أنّ هذه لم تكن معجزة خارقة للعادة بل كانت شعبذة يكثر ظهورها من جهال الخلق وأدانيهم ، ومن افتتن بهذا فإنّما هو لتقصير في التأمل والتصفح أو لأغراض باطلة دعته إلى ذلك . والثاني : أنّ ظهور المعجزة إنّما يقبح على يد الكاذب إذ ادعى أمرا ممكنا لا يحكم العقل باستحالته ، وهذا كان يدّعي ألوهية بشر محدث مؤف محتاج ، وهذا مما يحكم جميع العقول باستحالته ، فليس في هذا إغراء على القبيح بوجه .

14 - رجال الكشي : عن علي بن حديد المدائني قال : سمعت من يسأل أبا الحسن الأول عليه السلام فقال : إنّي سمعت محمد بن بشير يقول : إنّك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا وبين اللّه - تعالى - ، قال : فقال : لعنه اللّه - ثلاثا - ، أذاقه اللّه حرّ الحديد ، قتله اللّه أخبث ما يكون من قتلة ، فقلت له : جعلت فداك إذا أنا سمعت ذلك منه أوليس حلال لي دمه مباح كما أبيح دم الساب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وللإمام ؟ فقال : نعم ، حلّ واللّه حلّ واللّه دمه وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه ، قلت : أوليس ذلك بساب لك ؟ فقال : هذا ساب اللّه وساب لرسول اللّه وساب لآبائي وسابي ، وأيّ سبّ ليس يقصر عن هذا ولا يفوقه هذا القول ؟ فقلت : أرأيت إذا أنا لم أخف أنّي أغمز بذلك بريئا ثم لم أفعل ولم أقتله ما عليّ من الوزر ؟ فقال : يكون عليك وزره أضعافا مضاعفة من غير أن ينقص من وزره شيء ، أما علمت أنّ أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله بظهر الغيب ، وردّ عن اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله(1) .

15 - رجال الكشي : عن البطائني قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : لعن اللّه محمد بن بشير وأذاقه اللّه حرّ الحديد ، إنّه يكذب عليّ ، برئ اللّه منه وبرئت إلى اللّه منه ، اللّهم إنّي أبرأ إليك مما يدعي فيّ ابن بشير ، اللّهم أرحني منه ، ثم قال : يا علي ما أحد اجترأ أن يتعمّد علينا الكذب إلاّ أذاقه اللّه حرّ الحديد ، إنّ بنانا كذب على

علي بن الحسين عليه السلام فأذاقه اللّه حرّ الحديد ، وإنّ المغيرة بن سعيد كذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه اللّه حرّ الحديد ، وإنّ أبا الخطاب كذب على أبي فأذاقه اللّه

ص: 454


1- بيان : قوله عليه السلام « ليس يقصر عن هذا » المراد بالقصور القصور في الركاكة والقبح ، قوله « إنّي أغمز » أي أصير سببا لتهمة بريء أو ضرره ، قال في القاموس : غمز بالرجل سعى به شرّا ، وفيه مغمز : أي مطعن أو مطمع ، والمغموز : المتهم ، وفي بعض النسخ بالراء المهملة أي يصير فعلي سببا لأن يشمل البلاء بريئا من قولهم غمره بالماء أي غطاه ، وفي بعضها أعم من العموم بمعنى الشمول ، وهو قريب من الثاني .

حرّ الحديد ، وإنّ محمد بن بشير لعنه اللّه يكذب عليّ برئت إلى اللّه منه ، اللّهم إنّي

أبرأ إليك مما يدعيه في محمد بن بشير ، اللّهم أرحني منه ، اللّهم إنّي أسألك أن تخلّصني من هذا الرجس النجس محمد بن بشير فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمه ، قال علي بن أبي حمزة : فما رأيت أحدا قتل بأسوإ قتلة من محمد بن بشير لعنه اللّه .

16 - المحاسن(1) : عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : ما بعث اللّه نبيا قط إلاّ عاقلا ، وبعض النبيين أرجح من بعض ، وما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله ، واستخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة ومكث في ملكه أربعين سنة ، وملك ذو القرنين وهو ابن اثني عشر ومكث في ملكه ثلاثين سنة .

17 - وقال موسى بن جعفر عليه السلام : يعظم ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلي على أبويه الأفضلين محمد وعلي .

18 - و(2)قال موسى بن جعفر عليه السلام : وقد قيل له إنّ فلانا كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتهيهما لا يتسع بضاعته لهما فقال : أيّهما أربح لي ؟ فقيل له : هذا يفضل ربحه على هذا بألف ضعف ، قال : أليس يلزمه في عقله أن يؤر الأفضل ؟ قالوا : بلى ، قال : فهكذا إيثار قرابة أبوي دينك محمد وعلي أفضل ثوابا بأكثر من ذلك ، لأنّ فضله على قدر فضل محمد وعلي على أبوي نسبه .

19 - الإحتجاج : وروي عن علي بن محمد العسكري عليه السلام : أنّ أبا الحسن

موسى بن جعفر عليه السلام قال : إنّ اللّه خلق الخلق فعلم ما هم إليه صائرون فأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه

ص: 455


1- بحارالأنوار : 11 / 56 .
2- بحارالأنوار : 23 / 263 .

من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلاّ بإذنه ، وما جبر اللّه أحدا من خلقه على معصيته بل اختبرهم بالبلوى كما قال تعالى « لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً »(1) .

20 - التوحيد : عن ابن أبي عمير قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلامعن

معنى قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ؟ فقال : الشقي من علم اللّه وهو في بطن أمه أنّه سيعمل أعمال الأشقياء ، والسعيد من علم اللّه وهو في بطن أمه أنّه سيعمل أعمال السعداء ، قلت له : فما معنى

قوله صلى الله عليه و آله : اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له ؟ فقال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله - عزّ وجل - « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ » فيسّر كلا لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى .

21 - الكافي(2) : عن عبد اللّه بن موسى بن جعفر عن أبيه قال : سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة ؟ فقال : ريح الكنيف وريح الطيب سواء ؟ قلت : لا ، قال : إنّ العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها

له ، وإذا همّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف فإنّه قد همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها عليه .

22 - معاني الأخبار : عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال : دخل موسى بن جعفر عليه السلام على رجل قد غرق في سكرات الموت وهو لا يجيب داعيا ، فقالوا له : يا ابن رسول اللّه وددنا لو عرفنا كيف الموت ؟ وكيف حال صاحبنا ؟ فقال : الموت هو المصفاة تصفي المؤنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفارة آخر

ص: 456


1- قوله عليه السلام « ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلا بإذنه » أي بتخليته وعلمه .
2- بحارالأنوار : 5 / 326 .

وزر بقي عليهم ، وتصفي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذة أو راحة تلحقهم هو آخر ثواب حسنة تكون لهم ، وأمّا صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا ، وصفي من الآثام تصفية ، وخلص حتى نقي كما ينقى الثوب من الوسخ ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد .

23 - الأمالي للصدوق : عن سليمان بن حفص المروزي عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة كان على عرش اللّه - جلّ جلاله - أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأولون : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وأمّا الأربعة الآخرون : فمحمد وعلي والحسن والحسين ، ثم يمدّ المطمر فيقعد معنا زوار قبور الأئمة ، ألا إنّ أعلاها درجة وأقربهم حبوة زوار قبر ولدي علي(1) .

24 - المناقب لابن شهر آشوب(2) : أمالي أبي عبد اللّه النيسابوري أنّه دخل الكاظم على الصادق والصادق على الباقر والباقر على زين العابدين وزين العابدين على الشهيد عليه السلام وكلّهم فرحون وقائلون : إنّه ناول النبي صلى الله عليه و آله عليا تفاحة فسقط من يديه وصارت بنصفين ، فخرج في وسطه مكتوب فيه : من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب .

25 - وقال عليه السلام لزكريا بن آدم القمي حين قال الشيخ عنده : يا سيدي إنّي أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثرت السفهاء ، فقال : لا تفعل فإنّ البلاء يدفع بك عن أهل قم كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام .

عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم الكاظم عليه السلام : الرجل يكون له عشرة أقمصة أيكون ذلك من السرف ؟ فقال : لا ولكن ذلك أبقى لثيابه ، ولكن السرف أن تلبس ثوب صونك في المكان القذر .

ص: 457


1- توضيح : المطمر : خيط للبناء يقدر به .
2- بحارالأنوار : 39 / 127 .

عن يونس بن يعقوب قال : لمّا رجع الكاظم عليه السلام من بغداد إلى المدينة ماتت ابنة له في رجوعه بفيد وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر .

وروي أنّ الكاظم عليه السلام كان يبكي من خشية اللّه حتى تخضل لحيته بدموعه .

26 - كامل الزيارات(1) : عن عبد الرحمن بن مسلم قال : دخلت على الكاظم عليه السلام فقلت له : أيّما أفضل الزيارة لأمير المؤنين صلوات اللّه عليه أو لأبي عبد اللّه عليه السلام أو لفلان أو فلان ؟ وسميت الأئمة واحدا واحدا ، فقال لي : يا عبد الرحمن بن مسلم من زار أولنا فقد زار آخرنا ، ومن زار آخرنا فقد زار أولنا ، ومن تولى أوّلنا فقد تولّى آخرنا ، ومن تولى آخرنا فقد تولى أولنا ، ومن قضى حاجة لأحد من أوليائنا فكأنّما قضاها لجميعنا ، يا عبد الرحمن أحببنا وأحبب فينا وأحبب لنا ، وتولّنا وتولّ

من يتولانا ، وأبغض من يبغضنا ، ألا وإنّ الراد علينا كالراد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله جدّنا ، ومن ردّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد ردّ على اللّه ، ألا يا عبد الرحمن من أبغضنا فقد أبغض محمدا ، ومن أبغض محمدا فقد أبغض اللّه - جلّ وعلا - ، ومن أبغض اللّه - جلّ

وعلا - كان حقّا على اللّه أن يصليه النار وما له من نصير .

27 - قرب الإسناد : عن أبي بصير عن أبي الحسن الماضيقال : دخلت عليه فقلت : جعلت فداك بم يعرف الإمام ؟ فقال : بخصال ، أمّا أولهن فشيء تقدّم من أبيه فيه ، وعرفه الناس ، ونصبه لهم علما حتى يكون حجة عليهم ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نصب عليا وعرفه الناس ، وكذلك الأئمة يعرفونهم الناس وينصبونهم لهم حتى يعرفوه ، ويسأل فيجيب ، ويسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما في غد ، ويكلّم الناس بكلّ لسان ، فقال لي : يا أبا محمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن

ص: 458


1- بحارالأنوار : 97 / 122 .

إليها ، فواللّه ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية ، فقال له الخراساني : أصلحك اللّه ما منعني أن أكلمك

بكلامي إلاّ أنّي ظننت أنّك لا تحسن ، فقال : سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ؟ ! ثم قال : يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه روح بهذا يعرف الإمام ، فإن لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام .

28 - بصائر الدرجات : عن داود الرقي قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام : اسمي عندكم في السفط التي فيها أسماء شيعتكم ؟ فقال : إي واللّه في الناموس .

29 - طب الأئمة(1) : عليهم السلام : عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : ضربت على أسناني فجعلت عليها السعد ، وقال : خل الخمر يشدّ اللثّة ، وقال : تأخذ حنظلة وتقشرها وتستخرج دهنها ، فإن كان الضرس مأكولا متحفرا تقطر فيه قطرتين من الدهن واجعل منه في قطنة واجعلها في أذنك التي تلي الضرس ثلاث ليال ، فإنّه يحسم ذلك إن شاء اللّه تعالى(2) .

ص: 459


1- بحارالأنوار : 59 / 163 .
2- بيان : في القانون : السعد أصل نبات يشبه الكراث والزرع أيضا إلاّ أنّه أدقّ وأطول في أكثر البلدان ، إلاّ أنّ الجيد منه هو الكوفي ، ينفع من عفن الأنف والفم والقلاع واسترخاء اللثة انتهى . وقيل : المراد بخل الخمر هو ما جعل بالعلاج خلا ، أو كلّ خل كان أصله خمرا إن أمكن الاستحالة خلا بدون الاستحالة خمرا كما يدعى ذلك كثيرا ، قال في القاموس : الخل ما حمض من عصير العنب وغيره ، وأجوده خل الخمر ، مركب من جوهرين حار وبارد ، نافع للمعدة واللثة والقروح الخبيثة والحكة ونهش الهوام وأكل الأفيون وحرق النار وأوجاع الأسنان وبخار حارة للاستسقاء وعسر السمع والدوي والطنين ( انتهى ) . والظاهر أنّ المراد بخل الخمر خل خمر العنب ، فإنّ الخمر تطلق غالبا عليها ، وقال صاحب بحر الجواهر : خل الخمر هو أن يعصر الخمر ويصفى ويجعل على كلّ عشرة أرطال من مائة رطل من خل العنب جيد ويجعل في خزف مقير في الشمس ( انتهى ) . وهذا معنى غريب وإعمال الحنظل سيأتي مفصلا وكأنّه سقط منه شيء .

30 - الكافي : عن حمزة بن الطيار قال : كنت عند أبي الحسن الأول فرآني أتأوه فقال : ما لك ؟ قلت : ضرسي ، فقال : احتجم ، فاحتجمت فسكن فأعلمته فقال لي : ما تداوى الناس بشيء خير من مصة دم أو مزعة عسل ، قال : قلت : جعلت فداك ما المزعة عسل ؟ قال : لعقة عسل(1) .

31 - الكافي(2) : عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول : دواء الضرس : تأخذ حنظلة فتقشّرها ثم تستخرج دهنها ، فإن كان الضرس مأكولا منحفرا تقطر فيه قطرات وتجعل منه في قطن شيئا وتجعل في جوف الضرس ، وينام صاحبه مستلقيا يأخذه ثلاث ليال ، فإن كان الضرس لا أكل فيه وكانت ريحا قطر في الأذن التي تلي ذلك الضرس ثلاث ليال ، كلّ ليلة قطرتين أو ثلاث قطرات ، يبرأ بإذن اللّه ، قال : وسمعته يقول لوجع الفم والدم الذي يخرج من الأسنان والضربان والحمرة التي تقع في الفم : يأخذ حنظلة رطبة قد اصفرت فيجعل عليها قالبا من طين ثم يثقب رأسها ويدخل سكينا جوفها فيحكّ جوانبها برفق ، ثم يصبّ عليها خل خمر حامضا شديد الحموضة ، ثم يضعها على النار فيغليها غليانا شديدا ، ثم يأخذ صاحبه كلّ ما احتمل ظفره فيدلك به فيه ويتمضمض بخل ، وإن أحبّ أن يحول ما في الحنظلة في زجاجة أو بستوقة فعل ، وكلّما فني خله أعاد مكانه ، وكلّما عتق كان خيرا له إن شاء اللّه تعالى(3) .

ص: 460


1- بيان : المذكور في كتب الرجال هو أن حمزة بن الطيار مات في حياة الصادق عليه السلام وترحم عليه فروايته عن أبي الحسن الأول عليه السلام لعلها كانت في حياة والده عليه السلام . وقال الجوهري : المزعة بالضم والكسر : قطعة لحم ، يقال : ما عليه مزعة لحم ، وما في الإناء مزعة من الماء أي جرعة .
2- بحارالأنوار : 59 / 164 .
3- بيان : « ثم يستخرج دهنها » : دهنها معروف يخرج بوضعها في الشمس ، ونحو ذلك قوله عليه السلام «منحفرا» أي حدثت فيه حفرة، وقال الجوهري: تقول: في أسنانه حفر، وقد حفرت تحفر حفرا، إذا فسدت أصولها ، قوله « فيجعل عليها قالبا من طين » أي يطلى جميعها بالطين لئلا تفسدها النار إذا وضعت عليها ، ولا يخرج منها شيء إذا حصل فيه خرق أو ثقبة . وفي القانون : الحنظل المختار منه هو الأبيض الشديد البياض اللين ، وينبغي أن لا يجتنى ما لم تأخذ في الصفرة ، ولم ينسلخ الخضرة بتمامها وإلاّ فهو ضار رديء حار ، في الثالثة يابس نافع لأوجاع العصب والمفاصل وعرق النسا والنقرس البارد ، ينقي الدماغ ويطبخ أصله مع الخل ويتمضمض به لوجع الأسنان أو يقور ويرمى بما فيه ويطبخ الخل فيه في رماد حار ، وإذا طبخ في الزيت كان ذلك الزيت قطورا نافعا من الدوي في الأذن ويسهل قلع الأسنان .

32 - المحاسن(1) : عن النضر بن قرواش الجمال قال : قال أبو الحسن الماضي عليه السلام : السويق إذا غسلته سبع مرات وقلبته من إناء إلى إناء آخر فهو يذهب بالحمى وينزل القوة في الساقين والقدمين .

33 - المحاسن : عن ابن أبي طيفور المتطبب قال : نهيت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن شرب الماء ، قال : وما بأس بالماء ، وهو يدير الطعام في المعدة ويسكن الغضب ويزيد في اللب ويطفى المرار .

34 - العلل(2) ، والخصال : عن أبي هاشم الخادم قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام : لم جعلت صلاة الفريضة والسنة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها ؟ قال : إنّ ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، فجعل لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة(3) .

ص: 461


1- بحارالأنوار : 63 / 280 .
2- بحارالأنوار : 79 / 259 .
3- بيان : هذا اصطلاح شرعي للساعات ، وهي مختلفة باختلاف الاصطلاحات ، فمنها مستوية ومنها معوجة إلى غير ذلك ، والركعة التي جعلت للغسق لعلها ركعتا الوتيرة فإنّهما تعدان بركعة ، وفي الخصال ليس قوله « فجعل للغسق ركعة » وفيه مكان « الشفق » « القرص » فالمراد سقوطه بالكلية بذهاب الحمرة المشرقية ، وما في العلل في الموضعين أظهر وأصح ، وفي الكافي أيضا كذلك . وقال السيد الداماد رحمه الله كون كلّ من الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة إمّا بحسب الساعات المعوجة ، أو بحسب الساعات المستوية في خط الإستواء ، أو وفي الآفاق المائلة أيضا عند تساوي الليل والنهار وذلك إذا كان مدار اليومي للشمس معدل النهار ، وأمّا إخراج ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من الليل والنهار واعتبار زمانه على حياله ساعة برأسها ، فقد ورد به بعض الأخبار عنهم صلوات اللّه عليهم . ومن ذلك ما رواه جماعة من مشيخة علمائنا رضوان اللّه عليهم عن مولانا الصادق عليه السلام : أنّ مطران النصارى سأل أباه الباقر عليه السلام عن مسائل عديدة عويصة منها : الساعة التي ليست هي من ساعات الليل ولا من ساعات النهار أية ساعة هي ؟ فقال عليه السلام : هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فاستشكل ذلك من باعه في تتبع العلوم وتعرف المذاهب قاصر زاعما أنّ هذا أمر لم ينعقد عليه اصطلاح ولم يذهب إليه ذاهب أصلا . ولعل مزجاة من بضاعة المتمهر حسبك لإزاحة هذه المرية ، أليس هذا الاصطلاح منقولا في كتب أعاظم علماء الهيئة عن حكماء الهند ؟ وأليس الأستاد أبو ريحان البيروني في القانون المسعودي ذكر أنّ براهمة الهند ذهبوا إلى أنّ ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شيء من الليل والنهار ، بل إنّ ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما ، وأورد ذلك الفاضل البرجندي في شرح زيج الجديد وفي شرح التذكرة . ثم إنّ ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وما عليه العمل عند أصحابنا رضي اللّه تعالى عنهم إجماعا هو أنّ زمان ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته ، وكذلك زمان غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة من جانب المشرق ، فإنّ ذلك غروبها في أفق الغرب ، فالنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وفي سائر الأبواب من طلوع الفجر المستطير إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء يونان . وثاوذوسيوس بنى أساس الاصطلاح في كتاب المساكن عليه ، وحكم أنّ مبدأ النهار عند ظهور الضياء واختفاء الكواكب الثابتة ، ومنتهاه حين اختفاء الضياء واشتباك النجوم .العلامة الشيرازي قطب فلك التحصيل والتحقيق شارح حكمة الإشراق وكليات القانون أظهر في كتبه نهاية الإدراك والتحفة والإختيارات المظفرية : أنّ أول الليل في اصطلاح الشرع وعند علماء الدين مجاوزة الشمس أفق المغرب حيث تذهب الحمرة المشرقية وتستبين الظلمة في جانب المشرق ، وما ذكره إن هو إلاّ مذهب الإمامية . وأمّا أصحاب الأحكام من المنجمين فالنهار عندهم محدود في طرفي المبدإ والمنتهى بطلوع مركز الشمس من أفق المشرق وغروبه في أفق المغرب ، وزمان ظهور جرم الشمس إلى طلوع مركزها محسوب عندهم من الليل ، وزمان غروب المركز إلى اختفاء الجرم أيضا كذلك فليتعرف .

ص: 462

باب فضل زيارة الإمامين الطاهرين المعصومين أبي الحسن موسى بن جعفر وأبي جعفر محمد بن علي صلوات اللّه عليهم ببغداد وفضل مشهدهما

1 - المناقب لابن شهرآشوب : الخطيب في تاريخه بإسناده عن علي بن الخلال قال : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر عليه السلام وتوسّلت به إلاّ سهّل اللّه لي ما أحبّ .

2 - ورئي في بغداد امرأة تهرول ، فقيل : إلى أين ؟ قالت : إلى موسى بن جعفر ، فإنّه حبس ابني ، فقال لها حنبلي : إنّه قد مات في الحبس ، فقالت : بحقّ المقتول في

الحبس أن تريني القدرة ، فإذا بابنها قد أطلق وأخذ ابن المستهزئ بجنايته .

3 - المناقب لابن شهرآشوب : ابن سنان قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار أباك ؟ قال : له الجنة فزره .

4 - زكريا بن آدم عن الرضا عليه السلام : إنّ اللّه نجى بغداد بمكان قبر أبي الحسن عليه السلام ، وقال عليه السلام :

ص: 463

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحت على الأحشاء بالزفرات

5 - تهذيب الأحكام : عن زكريا بن آدم القمي عن الرضا عليه السلام قال : إنّ اللّه نجى بغداد لمكان قبور الحسينيين فيها .

6 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام وعن زيارة أبي الحسن وأبي جعفر عليهماالسلام ؟ فكتب إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام : المقدّم وهذا أجمع وأعظم أجرا(1) .

7 - ثواب الأعمال : عن الوشاء قال : قلت للرضا عليه السلام : ما لمن زار قبر أبي الحسن عليه السلام ؟ قال : له مثل ما لمن زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام .

8 - كامل الزيارات : عن الوشاء قال : سألت الرضا عليه السلام عن زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام مثل زيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ قال : نعم .

9 - كامل الزيارات : عن الحسين بن يسار الواسطي قال : قلت للرضا عليه السلام : أزور قبر أبي الحسن عليه السلام ببغداد ؟ فقال : إن كان لابد منه فمن وراء الحجاب(2) .

10 - كامل الزيارات : عن الرضا عليه السلام في إتيان قبر أبي الحسن عليه السلام قال : صلّوا في المساجد حوله .

ص: 464


1- بيان : قوله عليه السلام : أبو عبد اللّه عليه السلام المقدّم : أي الحسين عليه السلام أقدم وأفضل ، وزيارته فقط أفضل من زيارة كلّ من المعصومين ، ومجموع زيارتيهما أجمع وأفضل ، أو المراد : أنّ زيارة الحسين عليه السلام أولى بالتقديم ، ثم إن أضيفت إلى زيارته زيارة الإمامين عليهماالسلام كان أجمع وأعظم أجرا . أو المعنى : أنّ زيارتهما أجمع من زيارته عليه السلام وحدها ، لأنّ الاعتقاد بإمامتهما يستلزم الاعتقاد بإمامته دون العكس ، فكان زيارتهما تشتمل على زيارته ، ولأنّ زيارتهما مختصة بالخواص من الشيعة كما سيأتي في زيارة الرضا عليه السلام ، ولا يخفى بعد الوجه الأخير .
2- بيان : الأمر بالزيارة خارج الجدار ومن وراء الحجاب للتقية من المخالفين .

11 - كامل الزيارات : عن الحسين بن يسار الواسطي قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : ما لمن زار قبر أبيك صلى اللّه عليه وآله ؟ قال : فقال : زوروه ، قال : قلت : وأي شيء فيه من الفضل ؟ قال : فقال : فيه من الفضل كفضل من زار والده ، يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قلت : فإن خفت ولم يمكني الدخول داخلا ؟ قال : سلّم من وراء الجدار .

12 - تهذيب الأحكام : عن ابن يزيد مثله إلاّ أنّ فيه : من وراء الجسر .

13 - كامل الزيارات : عن الحسين بن محمد الأشعري قال : قال الرضا عليه السلام : من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقبر أمير المؤنين عليه السلام ، ألا أنّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤنين عليه السلام فضلهما(1) .

14 - كامل الزيارات : عن ابن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله قاصدا ؟ قال : له الجنة ، ومن زار قبر أبي الحسن عليه السلام فله الجنة .

15 - كامل الزيارات : عن الوشاء عن الرضا عليه السلام قال : زيارة قبر أبي مثل زيارة قبر الحسين عليه السلام .

16 - كامل الزيارات : رحيم قال : قلت للرضا عليه السلام : جعلت فداك إنّ زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام ببغداد فيها مشقة وإنّما نأتيه فنسلم عليه من وراء الحيطان ، فما لمن زاره من الثواب ؟ قال : فقال : له واللّه مثل ما لمن أتى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

17 - كامل الزيارات : عن رحيم قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ زيارة قبر أبي الحسن عليه السلام ببغداد علينا فيها مشقة ، فما لمن زاره ؟ فقال : له مثل ما لمن أتى

قبر الحسين عليه السلام من الثواب ، قال : ودخل رجل فسلّم عليه وجلس وذكر بغداد

ص: 465


1- بيان : يعني كونهما أفضل من موسى عليه السلام لا ينافي مساواتهم في فضل الزيارة ، ويحتمل أن يكون المعنى أنّهم مشتركون في أن لزيارتهم فضلا عظيما لكن زيارتهما أفضل لفضلهما ، والأول أظهر .

ورداءة أهلها وما يتوقع أن ينزل بهم من الخسف والصيحة والصواعق ، وعدد من ذلك أشياء ، قال : فقمت لأخرج فسمعت أبا الحسن عليه السلام وهو يقول : أما أبو الحسن عليه السلام فلا(1) .

18 - كتاب العتيق الغروي : عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي قال : رأيت في سنة ستة وتسعين ومائتين ، وهي السنة التي تقلّد فيها علي بن محمد بن موسى بن الفرات وزارة المقتدر أحمد بن ربيعة الأنباري الكاتب ، وقد اعتلت يده العلّة الخبيثة ، وعظم أمرها حتى راحت واسودت ، وأشار يزيد المتطبّب بقطعها ، ولم يشكّ أحد مما رآه في تلفه ، فرأى في منامه مولانا أمير المؤنين - صلوات اللّه عليه - ، فقال له : يا أمير المؤنين أما تستوهب لي يدي ؟ فقال : أنا مشغول عنك ، ولكن امض إلى موسى بن جعفر فإنّه يستوهبها لك ، فأصبح فقال : ائتوني بمحمل ووطئوا تحتي واحملوني إلى مقابر قريش ، ففعلوا به ذلك بعد أن غسلوه وطيبوه وطرحوا عليه ثوبا ، وحملوه إلى قبر موسى بن جعفر - صلوات اللّه عليه - فلاذ به ودعا ، وأخذ من تربته وطلى به يده إلى الكتف وشدّها ، فلمّا كان من الغد حلّها وقد سقط كلّ لحم وجلد عليها حتى بقيت عظاما وعروقا وأعصابا مشبكة ، وانقطعت الرائحة ، وبلغ خبره الوزير ، فحمل إليه حتى نظر إليه ثم عولج ، فرجع إلى الديوان وكتب بها كما كان ، ففيه يقول صالح الديلمي :

وموسى قد شفى الكف

من الكاتب إذ زارا

ص: 466


1- بيان : أي لا يصيب قبره الشريف مثل هذه الأمور ، أو لا يدع أن يصيب أهل بغداد شيء من ذلك فهم ببركة قبره محروسون ، والأول أظهر لفظا ، والثاني معنى .

باب كيفية زيارتهما صلى اللّه عليهما

1 - كامل الزيارات : عن أبي الحسن عليه السلام قال : تقول ببغداد : السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا حجة اللّه السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض

السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه أتيتك زائرا عارفا بحقّك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربّك يا مولاي .

قال : وادع اللّه واسأل حاجتك ، قال : وسلّم بهذا على أبي جعفر محمد بن علي ، وقال : قل إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي عليهماالسلام فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين وزر قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلامومحمد بن علي بن موسى عليه السلام وقل حين تصير عند قبر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا حجة اللّه السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض

السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه أتيتك زائرا عارفا بحقك معاديا لأعدائك مواليا

لأوليائك اشفع لي عند ربك يا مولاي .

ثم سل حاجتك ثم سلّم على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام بهذه الأحرف وابدأ بالغسل وقل : اللهم صلّ على محمد بن علي الإمام البرّ التقي الرضي المرضي وحجّتك

على من فوق الأرضين ومن تحت الثرى صلاة كثيرة نامية زاكية مباركة متواصلة

ص: 467

مترادفة كأفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا نور اللّه السلام عليك يا حجّة اللّه السلام عليك يا إمام المؤنين ووارث النبيين وسلالة الوصيين السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض أتيتك زائرا عارفا بحقّك معاديا لأعدائك مواليا لأوليائك فاشفع لي عند ربّك يا مولاي .

ثم سل حاجتك تقضى إن شاء اللّه تعالى

قال : تقول عند قبر أبي الحسن عليه السلام ببغداد ، ويجزي في المواطن كلّها أن تقول : السلام على أولياء اللّه وأصفيائه السلام على أمناء اللّه وأحبائه السلام على أنصار اللّه وخلفائه السلام على محال معرفة اللّه السلام على مساكن ذكر اللّه السلام على مظاهر أمر اللّه ونهيه السلام على الدعاة إلى اللّه السلام على المستقرين في مرضاة اللّه السلام على الممحصين في طاعة اللّه السلام على الأدلاء على اللّه السلام على الذين من والاهم

فقد والى اللّه ومن عاداهم فقد عادى اللّه ومن عرفهم فقد عرف اللّه ومن جهلهم فقد جهل اللّه ومن اعتصم بهم فقد اعتصم باللّه ومن تخلى منهم فقد تخلى من اللّه أشهد اللّه أنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم مؤن بسرّكم وعلانيتكم مفوّض في ذلك كلّه إليكم لعن اللّه عدو آل محمد من الجن والإنس وأبرأ إلى اللّه منهم وصلّى اللّه على محمد وآله .

وهذا يجزي في الزيارات المشاهد كلّها ، وتكثر من الصلاة على محمد وآله ، وتسمي واحدا واحدا بأسمائهم ، وتبرأ إلى اللّه من أعاديهم ، وتخير لنفسك من الدعاء وللمؤنين والمؤنات(1) .

ص: 468


1- أقول : لعل التكرار في كلام ابن قولويه من جهة اختلاف الأسانيد ، قوله عليه السلام : « يا من بدا للّه » يمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار أنّه كان قدر له عليه السلام أنّه القائم بالسيف ، ثم بدا للّه فيه ، وأن يكون إشارة إلى البداء الذي وقع في إسماعيل ، فإنّ البداء في إسماعيل يستلزم البداء فيه عليه السلام كما لا يخفى . لكن إجراؤ في أبي جعفر عليه السلام يحتاج إلى تكلّف آخر بأن يقال : إنّه لما تولد بعد يأس الناس منه فكأنّما بدا للّه فيه ، أو للوجه الأول الذي تقدّم ، وفي بعض النسخ « يا مريد اللّه في شأنه من الإرادة » ، وفي بعضها « بدأ للّه » بالهمز أي أراد اللّه إمامته ، أو بدأ بها قبل خلقه .

2 - أقول : وذكر الشيخ في التهذيب ، في وداع أبي الحسن موسى عليه السلام : تقف على القبر كوقوفك أول مرّة للزيارة وتقول : السلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة

اللّه وبركاته أستودعك اللّه وأقرأ عليك السلام آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه اللهم فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ .

وقال في وداع أبي جعفر عليه السلام تقف عليه كوقوفك عليه حين بدأت بزيارته وتقول : السلام عليك يا مولاي يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته أستودعك اللّه وأقرأ

عليك السلام آمنا باللّه وبرسوله وبما جئت به ودللت عليه اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، ثم تسأله أن لا يجعله آخر العهد منك وادع بما شئت وقبّل القبر وضع خديك عليه إن شاء اللّه .

3 - أقول : وقال الصدوق رحمه الله في الفقيه : إذا وردت بغداد إن شاء اللّه فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين وزر قبريهما وقل حين تصير إلى قبر موسى بن جعفر عليه السلام : السلام عليك يا ولي اللّه إلى آخر ما مرّ في كلام ابن قولويه من زيارة الإمامين عليهماالسلام ثم قال : ثم صلّ في القبة التي فيها محمد بن علي عليه السلام أربع ركعات ، ركعتين لزيارة موسى عليه السلام ، وركعتين لزيارة محمد بن علي عليه السلام ، ولا تصلّ عند رأس موسى عليه السلام فإنّه يقابل قبور قريش ، ولا يجوز اتخاذها قبلة .

4 - أقول : وروى مؤف المزار الكبير عن محمد بن جعفر الرزاز بالإسناد المتقدّم إلى قوله « وسلّم بهذا على أبي جعفر عليه السلام » ، ثم قال : ثم تصلّي صلاة الزيارة فإذا فرغت منها سبحت تسبيح الزهراء عليهاالسلام وتقول : اللهم إليك نصبت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل يا سيدي توبتي واغفر لي وارحمني واجعل لي في كلّ خير نصيبا وإلى كلّ خير سبيلا اللهم صلّ على محمد وآل محمد واسمع دعائي وارحم تضرعي وتذلّلي واستكانتي وتوكّلي عليك فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا إلاّ

بك ومنك فامنن عليّ بتبليغي هذا المكان الشريف من قابل وأنا معافى من كلّ مكروه

ص: 469

ومحذور وأعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلّمني في ديني وامدد لي في أجلي وأصلح لي جسمي يا من رحمني وأعطاني وبفضله أغناني اغفر لي ذنبي وأتمم لي نعمتك فيما بقي من عمري حتى توفاني وأنت عني راض اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ولا تخرجني من ملّة الإسلام فإنّي اعتصمت بحبلك فلا تكلني إلى غيرك اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعلّمني ما ينفعني وانفعني بما علّمتني واملأ قلبي علما وخوفا من سطواتك ونقماتك اللهم إنّي أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك الخائف من عقوبتك أن تغفر لي وتغمّدني وتحنّن عليّ برحمتك وتعود عليّ بمغفرتك وتؤّي عنّي فريضتك وتغنيني بفضلك عن

سؤل أحد من خلقك وتجيرني من النار برحمتك اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجّل فرج وليّك وابن وليّك وافتح له فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا اللهم صلّ على محمد وآل محمد وأظهر حجّته بوليّك وأحي سنّته بظهوره حتّى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفي أحد بشيء من الحقّ اللهم إنّي أرغب إليه في دولته الشريفة الكريمة التي تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله اللهم صلّ على محمد وآل

محمد واجعلنا فيها من الداعين إلى طاعتك والفائزين في سبيلك وارزقنا كرامة الدنيا والآخرة اللهم ما أنكرنا من الحقّ فعرّفناه وما قصرنا عنه فبلّغناه اللهم صلّ على محمد

وآل محمد واستجب لنا جميع ما دعوناك وأعطنا جميع ما سألناك واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ولآلائك من الذاكرين واغفر لنا يا خير الغافرين وافعل بنا وبالمؤنين ما أنت أهله يا أرحم الراحمين .

ثم اسجد وعفّر خديك وامض في دعة اللّه

5 - أقول : قال المفيد والشهيد ومؤف المزار الكبير قدس اللّه أرواحهم : إذا وردت إن شاء اللّه - تعالى - ببغداد فاغتسل للزيارة واقصد المشهد وقف على الباب الشريف واستأذن ثم ادخل وأنت تقول :

ص: 470

بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه والسلام على أولياء اللّه ، ثم امض حتى تتقبل قبر موسى بن جعفر عليه السلام فإذا وقفت عليه فقل : السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا حجّة اللّه السلام عليك يا باب اللّه أشهد أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حقّ تلاوته وجاهدت في اللّه حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنبه محتسبا وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين أشهد أنّك أولى باللّه وبرسوله وأنّك ابن رسول

اللّه حقّا أبرأ إلى اللّه من أعدائك وأتقرّب إلى اللّه بموالاتك أتيتك يا مولاي عارفا بحقّك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربّك .

ثم انكب على القبر وقبله وضع خديك وتحوّل إلى عند الرأس وقف وقل : السلام عليك يا ابن رسول اللّه أشهد أنّك صادق أدّيت ناصحا وقلت أمينا ومضيت شهيدا لم تؤر عمى على الهدى ولم تمل من حقّ إلى باطل صلّى اللّه عليك وعلى آبائك وأبنائك الطاهرين .

ثم قبّل القبر وصلّ ركعتين وصلّ بعدهما ما أحببت واسجد وقل : اللّهم إليك اعتمدت وإليك قصدت ولفضلك رجوت وقبر إمامي الذي أوجبت عليّ طاعته زرت وبه إليك توسلت فبحقّهم الذي أوجبت على نفسك اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤمِنِينَ يا كريم .

ثم اقلب خدّك الأيمن وقل : اللّهم قد علمت حوائجي فصلّ على محمد وآل محمد واقضها .

ثم اقلب خدك الأيسر وقل : اللّهم قد أحصيت ذنوبي فبحقّ محمد وآل محمد صلّ على محمد وآل محمد واغفرها وتصدّق عليّ بما أنت أهله .

ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا مائة مرة ، ثم ارفع رأسك وادع بما شئت لمن شئت وأحببت .

ص: 471

ثم توجّه نحو قبر أبي جعفر محمد بن علي الجواد وهو بظهر جدّه عليه السلام فإذا وقفت عليه فقل : السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا حجة اللّه السلام عليك يا نور اللّه في

ظلمات الأرض السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك وعلى آبائك السلام عليك وعلى أبنائك السلام عليك وعلى أوليائك أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حقّ تلاوته وجاهدت في اللّه حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك اليقين أتيتك زائرا عارفا بحقّك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربّك .

ثم قبّل القبر وضع خديك عليه ثم صلّ ركعتين للزيارة وصلّ بعدهما ما شئت ثم اسجد وقل : ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف ثم اقلب خدّك الأيمن وقل : إن كنت بئس العبد فأنت نعم الربّ ثم اقلب خدك الأيسر وقل : عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك يا كريم ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا مائة مرة ثم انصرف إن شاء اللّه .

6 - ثم قالوا زيارة أخرى لهما عليهماالسلام جميعا قل : السلام عليكما يا وليي اللّه السلام عليكما يا حجّتي اللّه السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض أشهد أنّكما

قد بلّغتما عن اللّه ما حملكما وحفظتما ما استودعتما وحلّلتما حلال اللّه وحرّمتما حرام اللّه وأقمتما حدود اللّه وتلوتما كتاب اللّه وصبرتما على الأذى في جنب اللّه محتسبين حتى

أتاكما اليقين أبرأ إلى اللّه من أعدائكما وأتقرّب إلى اللّه بولايتكما أتيتكما زائرا عارفا بحقّكما مواليا لأوليائكما معاديا لأعدائكما مستبصرا بالهدى الذي أنتما عليه عارفا بضلالة من خالفكما فاشفعا لي عند ربّكما فإنّ لكما عند اللّه جاها عظيما ومقاما محمودا .

ثم قبل التربة وضع خدّك الأيمن عليها وتحوّل إلى عند الرأس فقل : السلام عليكما يا حجّتي اللّه في أرضه وسمائه عبدكما ووليكما زائركما متقرّبا إلى اللّه بزيارتكما

اللّهم اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في أوليائك المصطفين وحبّب إليّ مشاهدهم واجعلني معهم

في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين .

ص: 472

ثم صلّ لكلّ إمام ركعتين للزيارة وادع بما أحببت فإذا أردت الانصراف فودعهما عليهماالسلام وقل بعد أن وقفت مثل ما وقفت أولا : السلام عليكما يا وليّي اللّه أستودعكما اللّه وأقرأ عليكما السلام آمنّا باللّه وبالرسول وبما جئتما به ودللتما عليه اللّهم اكتبنا مع الشاهدين اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياهما وارزقني مرافقتهما واحشرني معهما وانفعني بحبّهما والسلام عليكما ورحمة اللّه وبركاته .

7 - وقال السيد رضى الله عنه : إذا أردت زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فينبغي أن تغتسل ثم تأتي المشهد المقدس وعليك السكينة والوقار فإذا أتيته فقف على بابه وقل : اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر الحمد للّه على هدايته لدينه والتوفيق لما دعا إليه من سبيله اللّهم إنّك أكرم مقصود وأكرم مأتي وقد أتيتك متقرّبا إليك بابن بنت

نبيك صلواتك عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الطيبين اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ولا تخيب سعيي ولا تقطع رجائي واجعلني بهم عندك وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ

وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ .

ثم تقدّم رجلك اليمنى عند الدخول وتقول : بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله اللّهم اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ولجميع المؤنين المؤنات فإذا وصلت إلى باب القبة فقف عليه واستأذن تقول : أأدخل يا رسول اللّه أأدخل يا نبي اللّه أأدخل يا محمد بن عبد اللّه أأدخل يا أمير المؤنين أأدخل يا أبا محمد الحسن أأدخل يا أبا عبد اللّه الحسين أأدخل يا أبا محمد علي بن الحسين أأدخل يا أبا جعفر محمد بن علي أأدخل يا أبا عبد اللّه جعفر بن محمد أأدخل يا مولاي يا أبا الحسن موسى بن جعفر أأدخل

يا مولاي يا أبا جعفر أأدخل يا مولاي يا محمد بن علي فإذا دخلت فكبر اللّه أربعا ثم تقف مستقبل القبر بوجهك والقبلة بين كتفيك وتقول : السلام عليك يا وليّ اللّه وابن وليّه السلام عليك يا حجّة اللّه ابن حجّته السلام عليك يا صفي اللّه وابن صفيّه السلام

عليك يا أمين اللّه وابن أمينه السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض السلام عليك

ص: 473

يا إمام الهدى السلام عليك يا علم الدين والتقى السلام عليك يا خازن علم النبيين السلام عليك يا خازن علم المرسلين السلام عليك يا نائب الأوصياء السابقين السلام عليك يا معدن الوحي المبين السلام عليك يا صاحب العلم اليقين السلام عليك يا عيبة علم المرسلين السلام عليك أيّها الإمام الصالح السلام عليك أيّها الإمام الزاهد السلام

عليك أيّها الإمام العابد السلام عليك أيّها الإمام السيد الرشيد السلام عليك أيّها الإمام المقتول الشهيد السلام عليك يا ابن رسول اللّه وابن وصيه السلام عليك يا مولاي يا موسى بن جعفر ورحمة اللّه وبركاته أشهد أنّك قد بلّغت عن اللّه ما حمّلك وحفظت ما

استودعك وحلّلت حلال اللّه وحرّمت حرام اللّه وأقمت أحكام اللّه وتلوت كتاب اللّه

وصبرت على الأذى في جنب اللّه وجاهدت في اللّه حقّ جهاده حتى أتاك اليقين وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه آباؤ الطاهرون وأجدادك الطيبون والأوصياء الهادون

الأئمة المهديون لم تؤر عمى على هدى ولم تمل من حقّ إلى باطل وأشهد أنّك نصحت للّه ولرسوله ولأمير المؤنين وأنّك أدّيت الأمانة واجتنبت الخيانة وأقمت الصلاة وآتيت

الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وعبدت اللّه مخلصا مجتهدا محتسبا حتى أتاك اليقين فجزاك اللّه عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء وأشرف الجزاء أتيتك يا ابن رسول اللّه زائرا عارفا بحقّك مقرّا بفضلك محتملا لعلمك محتجبا بذمتك عائذا بقبرك لائذا

بضريحك مستشفعا بك إلى اللّه مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك مستبصرا بشأنك وبالهدى الذي أنت عليه عالما بضلالة من خالفك وبالعمى الذي هم عليه بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ومالي وولدي يا ابن رسول اللّه أتيتك متقرّبا بزيارتك إلى اللّه تعالى

ومستشفعا بك إليه فاشفع لي عند ربّك ليغفر لي ذنوبي ويعفو عن جرمي ويتجاوز عن سيئاتي ويمحو عنّي خطيئاتي ويدخلني الجنة ويتفضّل عليّ بما هو أهله ويغفر لي ولآبائي ولإخواني ولجميع المؤنين والمؤنات في مشارق الأرض ومغاربها بفضله وجوده ومنّه .

ص: 474

ثم تنكب على القبر وتقبّله وتعفّر خدّيك عليه وتدعو بما تريد ثم تتحوّل إلى الرأس تقول : السلام عليك يا مولاي يا موسى بن جعفر ورحمة اللّه وبركاته أشهد أنّك الإمام الهادي والولي المرشد وأنّك معدن التنزيل وصاحب التأويل وحامل التوراة والإنجيل والعالم العادل والصادق العامل يا مولاي أنا أبرأ إلى اللّه من أعدائك وأتقرّب

إلى اللّه بموالاتك فصلّى اللّه عليك وعلى آبائك وأجدادك وأبنائك وشيعتك ومحبيك ورحمة اللّه وبركاته .

ثم تصلّي ركعتين للزيارة تقرأ فيهما سورة يس والرحمن أو ما تيسر من القرآن ثم تدعو بما تريد .

8 - زيارة أخرى لمولانا أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام : تستأذن بما تقدّم ثم تدخل مقدّما رجلك اليمنى فإذا دخلت فكبر اللّه تعالى مائة تكبيرة وتقف مستقبل الضريح وتقول : السلام عليك أيّها العبد الصالح السلام عليك أيّها النور الساطع السلام عليك أيّها القمر الطالع السلام عليك أيّها الغيث النافع السلام عليك أيّها الإمام الكاظم

السلام عليك يا ولي اللّه وحجّته السلام عليك يا نور اللّه في الظلمات السلام عليك يا آل اللّه السلام عليك يا باب اللّه السلام عليك يا صفوة اللّه السلام عليك يا خاصة اللّه السلام عليك يا سرّ اللّه المستودع السلام عليك يا صراط اللّه السلام عليك يا زين الأبرار السلام عليك يا سليل الأطهار السلام عليك يا عنصر الأخيار السلام عليك يا محنة الخلق السلام

عليك يا من بدا للّه في شأنه السلام عليك يا وارث علم النبيين وسلالة الوصيين وشاهد

يوم الدين أشهد أنك وآباءك الذين كانوا من قبلك وأبناءك الذين من بعدك مواليّ وأوليائي وأئمتي أشهد أنّكم أصفياء اللّه وخيرته وحجّته البالغة انتجبكم بعلمه وجعلكم

أنصارا لدينه وقواما بأمره وخزانا لحكمه وحفظة لسرّه وأركانا لتوحيده ومعادن لكلماته

وتراجمة لوحيه وشهودا على عباده استرعاكم خلقه وآتاكم كتابه وخصكم بكرائم التنزيل وأعطاكم فضائل التأويل وجعلكم تابوت حكمته وعصا عزّه ومنارا في بلاده وأعلاما لعباده وأجرى فيكم من روحه وعصمكم من الزلل وطهّركم من الدنس وأذهب عنكم

ص: 475

الرجس وآمنكم من الفتن بكم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة ولكم الطاعة المفترضة والمودة الواجبة وأنتم أولياء اللّه النجباء وعباده المكرمون أتيتك يا ابن رسول اللّه عارفا بحقّك مستبصرا بشأنك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك بأبي أنت

وأمي صلّى اللّه عليك وسلّم تسليما .

الصلاة عليه صلّى اللّه عليه : اللّهم صلّ على محمد وأهل بيته وصلّ على موسى بن جعفر وصي الأبرار وإمام الأخيار وعيبة الأنوار ووارث السكينة والوقار والحكم والآثار

الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر بمواصلة الاستغفار حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة والمناجاة الكثيرة والضراعات المتصلة الجميلة ومقرّ النهى والعدل والخير والفضل والندى والبذل ومألف البلوى والصبر والمضطهد بالظلم والمقبور بالجور والمعذّب في قعر السجون وظلم المطامير ذي الساق المرضوض بحلق القيود والجنازة المنادى عليها بذلّ الاستخفاف والوارد على جدّه المصطفى وأبيه المرتضى وأمّه سيدة النساء بإرث مغصوب وولاء مسلوب وأمر مغلوب ودم مطلوب وسمّ مشروب اللّهم وكما صبر على غيظ المحن وتجرّع فيك غصص الكرب واستسلم لرضاك وأخلص الطاعة لك ومحض الخشوع واستشعر الخضوع وعادى البدعة وأهلها ولم يلحقه في شيء من أوامرك ونواهيك لومة لائم صلّ عليه صلاة نامية منيفة زاكية توجب له بها شفاعة أمم من خلقك وقرون من براياك وبلّغه عنّا تحية وسلاما وآتنا من لدنك في

موالاته فضلا وإحسانا ومغفرة ورضوانا إنّك ذو الفضل العميم والتجاوز العظيم برحمتك يا أرحم الراحمين(1) .

ص: 476


1- الصلاة على موسى بن جعفر عليه السلام اللّهم صلّ على الأمين المؤمن موسى بن جعفر البرّ الوفي الطاهر الزكي النور المنير المجتهد المحتسب الصابر على الأذى فيك اللّهم وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من أمرك ونهيك وحمل على المحجة وكابد أهل العزّة والشدّة فيما كان يلقى من جهال قومه ربّ فصلّ عليه أفضل وأكمل ما صلّيت على أحد ممن أطاعك ونصح لعبادك إنّك غفور رحيم .

ثم تصلّي ركعتي الزيارة وتقول عقيبهما وأنت قائم : اللّهم إنّي أسألك بحرمة من عاذ بك منك ولجأ إلى عزّك واستظل بفيئك واعتصم بحبلك ولم يثق إلاّ بك يا جزيل العطايا يا فكّاك الأسارى يا من سمّى نفسه من جوده وهابا أن تصلّي على محمد وآل محمد ولا تردّني من هذا المقام خائبا فإنّ هذا مقام تغفر فيه الذنوب العظام وترجى فيه

الرحمة من الكريم العلام مقام لا يخيب فيه السائلون ولا يجبه فيه بالردّ الراغبون مقام

من لاذ بمولاه رغبة وتبتل إليه رهبة مقام الخائف من يوم يَقُومُ فيه النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ولا تنفع فيه شَفاعَةُ الشّافِعِينَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وكان من الفائزين ذلك يوم لا يَنْفَعُ فيه مالٌ وَلا بَنُونَ إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وقيل لهم هذا ما كنتم تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوها بِسلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ اللّهم فاجعلني من المخلصين الفائزين وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ واغفر لي ولوالدي ولولدي يوم الدين وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ واخلف على أهلي وولدي

في الغابرين واجمع بيننا جميعا في مستقرّ رحمتك يا أرحم الراحمين وسلّمني من أهوال ما بيني وبين لقائك حتى تبلغني الدرجة التي فيها مرافقة أحبائك الذين عليهم دللت وبالاقتداء بهم أمرت واسقني من حوضهم مشربا رويّا سائغا هنيئا لا أظمأ بعده ولا أحلى

عنه أبدا واحشرني في زمرتهم وتوفني على ملّتهم واجعلني في حزبهم وعرّفني

وجوههم في رضوانك والجنة فإنّي رضيت بهم أئمة وهداة وولاة فاجعلهم أئمتي وهداتي وولاتي في الدنيا والآخرة ولا تفرق بيني وبينهم طرفة عين يا أرحم الراحمين آمين يا رب العالمين .

وصلّ ما تختار وادع بما تريد .

9 - زيارة أخرى يزار بها صلوات اللّه عليه : تستأذن بما تقدّم وتقف على ضريحه وتقول : السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا صفوة اللّه السلام عليك يا حجّة اللّه السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض السلام عليك يا إمام المتّقين ووارث علم

ص: 477

الأولين والآخرين السلام عليك يا سلالة الوصيين السلام عليك يا شاهد يوم الدين أشهد أنّك وآباءك الذين كانوا من قبلك وأبناءك الذين يكونون من بعدك مواليّ وأوليائي وأئمتي وقادتي في الدنيا والآخرة وأشهد أنّكم أصفياء اللّه وخيرته من خلقه وحجّته البالغة انتجبكم لعلمه وجعلكم خزنة لسرّه وأركانا لتوحيده وتراجمة لوحيه ومعادن لكلماته وشهودا له على عباده واسترعاكم أمر خلقه وخصّكم بكرائم التنزيل وأعطاكم التأويل وجعلكم أبوابا لحكمته ومنارا في بلاده وأعلاما لعباده وضرب لكم مثل من نوره

وعصمكم من الزلل وطهّركم من الدنس وآمنكم من الفتن فبكم تمّت النعمة واجتمعت بكم الفرقة وبكم انتظمت الكلمة ولكم الطاعة المفترضة والمودّة الواجبة الموظفة وأنتم

أولياء اللّه النجباء أحيا بكم الصدق فنصحتم لعباده ودعوتم إلى كتاب اللّه وطاعته ونهيتم عن معاصي اللّه وذببتم عن دين اللّه أتيتك يا مولاي يا أبا إبراهيم موسى بن جعفر يا ابن خاتم النبيين وابن سيد الوصيين وابن سيدة نساء العالمين عارفا بحقّك مستبصرا

بشأنك مصدقا بوعدك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فعليك يا مولاي منّي أفضل التحية والسلام .

ثم تقول : اللّهم صلّ على حجّتك من خلقك وأمينك في بلادك وخليفتك في عبادك ولسان حكمتك ومنهج حقّك ومقصد سبيلك والسبب إلى طاعتك وصراطك المستقيم وخازنك والطريق إليك موسى بن جعفر فرط أنبيائك وسلالة أصفيائك داعي الحكمة وخازن الحلم وكاظم الغيظ وصائم القيظ وإمام المؤنين وزين المهتدين الحاكم الرضي

والإمام الزكي الوفي الوصي اللّهم صلّ عليه وعلى الأئمة من آبائه وولده واحشرني في زمرته واجعلني في حزبه ولا تحرمني مشاهدته اللّهم فكما مننت عليّ بولايته وبصّرتني طاعته وهديتني لمودته ورزقتني البراءة من عدوه فأسألك أن تجعلني معه ومع الأئمة من آبائه وولده برحمتك ومع من ارتضيت من المؤنين بولايته يا ربّ العالمين وخير الناصرين .

ص: 478

ثم تصلّي عليه بما تقدّم في الزيارة الثانية وتصلّي صلاة الزيارة وتدعو بعدها بالدعاء الذي تقدّم عقيب صلاة تلك الزيارة ثم تمضي فتقف عند رجليه عليه السلاموتقول : اللّهم عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت السماء وأنت يا ربّ المستعان وإليك يا ربّ المشتكى اللّهم صلّ على محمد وآله الذين فرضت طاعتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم وفرّج عنّا كربنا قريبا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أحكم الحاكمين يا محمد يا علي يا علي يا محمد يا مصطفى يا مرتضى يا مرتضى يا مصطفى انصراني فإنّكما ناصراي واكفياني فإنّكما كافياي يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني تقول ذلك حتى ينقطع النفس ثم تسأل حاجتك فإنّها تقضى بإذن اللّه .

ثم تقف على قبر الجواد صلوات اللّه عليه وتقبّله وتقول : السلام عليك يا أبا جعفر محمد بن علي البرّ التقي الإمام الوفي السلام عليك أيّها الرضي الزكي السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا نجي اللّه السلام عليك يا سفير اللّه السلام عليك يا سرّ اللّه السلام عليك يا ضياء اللّه السلام عليك يا سناء اللّه السلام عليك يا كلمة اللّه السلام عليك يا رحمة اللّه السلام عليك أيّها النور الساطع السلام عليك أيّها البدر الطالع السلام عليك أيّها الطيب

من الطيبين السلام عليك أيّها الطاهر من المطهرين السلام عليك أيّها الآية العظمى السلام عليك أيّها الحجّة الكبرى السلام عليك أيّها المطهر من الزلات السلام عليك أيّها المنزه عن المعضلات السلام عليك أيّها العلي عن نقص الأوصاف السلام عليك أيّها

الرضي عند الأشراف السلام عليك يا عمود الدين أشهد أنّك ولي اللّه وحجّته في أرضه وأنّك جنب اللّه وخيرة اللّه ومستودع علم اللّه وعلم الأنبياء وركن الإيمان وترجمان

القرآن وأشهد أنّ من اتبعك على الحقّ والهدى وأنّ من أنكرك ونصب لك العداوة على الضلالة والردى أبرأ إلى اللّه وإليك منهم في الدنيا والآخرة والسلام عليك ما بقيت

وبقي الليل والنهار .

ص: 479

الصلاة عليه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : اللّهم صلّ على محمد وأهل بيته وصلّ على محمد بن علي الزكي التقي والبرّ الوفي والمهذّب الصفي هادي الأمة ووارث الأئمة وخازن الرحمة وينبوع الحكمة وقائد البركة وعديل القرآن في الطاعة وواحد الأوصياء في الإخلاص والعبادة وحجّتك العليا ومثلك الأعلى وكلمتك الحسنى الداعي إليك والدال عليك الذي نصبته علما لعبادك ومترجما لكتابك وصادعا بأمرك وناصرا لدينك وحجّة على خلقك ونورا تخرق به الظلم وقدوة تدرك به الهداية وشفيعا تنال به الجنّة اللّهم وكما أخذ في خشوعه لك حقّه واستوفى من خشيتك نصيبه فصلّ عليه أضعاف ما صلّيت على وليّ ارتضيت طاعته وقبلت خدمته وبلّغه منّا تحية وسلاما وآتنا في موالاته

من لدنك فضلا وإحسانا ومغفرة ورضوانا إنّك ذو المنّ القديم والصفح الجميل .

ثم صلّ صلاة الزيارة فإذا سلّمت فقل : اللّهم أنت الرب وأنا المربوب وأنت الخالق وأنا المخلوق وأنت المالك وأنا المملوك وأنت المعطي وأنا السائل وأنت الرازق وأنا المرزوق وأنت القادر وأنا العاجز وأنت القوي وأنا الضعيف وأنت المغيث وأنا المستغيث وأنت الدائم وأنا الزائل وأنت الكبير وأنا الحقير وأنت العظيم وأنا الصغير وأنت المولى وأنا العبد وأنت العزيز وأنا الذليل وأنت الرفيع وأنا الوضيع وأنت المدبّر وأنا المدبَّر وأنت الباقي وأنا الفاني وأنت الديّان وأنا المدان وأنت الباعث وأنا المبعوث وأنت الغني وأنا الفقير وأنت الحيّ وأنا الميّت تجد من تعذّب يا ربّ غيري ولا أجد من يرحمني غيرك اللّهم صلّ على محمد وآل محمد وقرّب فرجهم وارحم ذلّي بين يديك وتضرّعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم ثمّ تصدّق عليّ في هذه الساعة برحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلمّ بها شعثي وتبيّض بها وجهي وتكرم بها مقامي وتحطّ بها عنّي وزري وتغفر بها ما مضى من ذنوبي وتعصمني فيما بقي من عمري وتستعملني في ذلك كلّه بطاعتك وما يرضيك عنّي وتختم عملي بأحسنه وتجعل لي ثوابه الجنة وتسلك بي سبيل الصالحين وتعينني

ص: 480

على صالح ما أعطيتني كما أعنت الصالحين على صالح ما أعطيتهم ولا تنزع مني صالحا أعطيتنيه أبدا ولا تردّني في سوء استنقذتني منه أبدا ولا تشمت بي عدوا ولا حاسدا أبدا

ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ولا أقلّ من ذلك ولا أكثر يا ربّ العالمين اللّهم صلّ

على محمد وآل محمد وأرني الحقّ حقّا فأتبعه والباطل باطلا فأجتنبه ولا تجعله عليّ متشابها فأتبع هواي بغير هدى منك واجعل هواي تبعا لطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي واهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ثم ادع بما أحببت .

10 - زيارة أخرى له عليه السلام : السلام على الباب الأقصد والطريق الأرشد والعالم المؤد ينبوع الحكم ومصباح الظلم سيد العرب والعجم الهادي إلى الرشاد الموفق بالتأييد والسداد مولاي أبي جعفر محمد بن علي الجواد أشهد يا ولي اللّه أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في سبيل اللّه حقّ جهاده وعبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين فعشت سعيدا ومضيت شهيدا يا ليتني كنت معكم فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ورحمة اللّه وبركاته .

ثم قبّل التربة وضع خدّك الأيمن عليها وصلّ ركعتين للزيارة وادع بعدهما بما تشاء .

11 - زيارة أخرى له صلوات اللّه عليه : تقف عليه وأنت مستقبله بوجهك وتقول :

السلام عليك يا صفي اللّه السلام عليك يا حبيب اللّه السلام عليك يا ولي اللّه السلام عليك يا حجّة اللّه السلام عليك يا نور اللّه السلام عليك يا خيرة اللّه السلام عليك أيّها الإمام ابن الإمام السلام عليك يا ابن سيد جميع الأنام السلام عليك أيّها المبرأ من الآثام السلام عليك أيّها الداعي إلى الحقّ والهدى السلام عليك أيّها المزيل للشكّ والعمى والردى السلام عليك أيّها الداعي إلى الخير والسداد السلام عليك أيّها الإمام المعروف

بأبي جعفر محمد بن علي الجواد السلام عليك يا ابن خير الأنام السلام عليك يا ابن

ص: 481

الأئمة الكرام السلام عليك يا خازن العلم ومعدن الحكمة السلام عليك أيّها المؤّد بالعصمة السلام عليك يا مولاي يا أبا جعفر محمد بن علي ورحمة اللّه وبركاته أشهد أنّك

يا مولاي أقمت الصلاة وآتيت الزكاة و أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حقّ تلاوته وجاهدت في اللّه حقّ جهاده وصبرت على الأذى في جنبه وعبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين أنا أبرأ إلى اللّه من أعدائك وأتقرّب إلى اللّه بموالاتك أتيتك يا ابن رسول اللّه زائرا عارفا بحقّك عائذا بقبرك مقرّا بفضلك مواليا لمن واليت معاديا لمن عاديت مستبصرا بشأنك وبضلالة من خالفك مستشفعا بك إلى اللّه ليغفر بك ذنوبي ويتجاوز عن سيئاتي فاشفع لي عند ربّك .

ثم تنكب على القبر وتقبّله وتدعو بما تريد .

ذكر وداع له وللكاظم عليه السلام : تقف على قبر محمد بن علي عليه السلام وتقول : السلام عليك يا وليّ اللّه وابن وليّه السلام عليك يا حجّة اللّه وابن حجّته السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا ابن أمير المؤنين السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء السلام عليك يا ابن الحسن والحسين السلام عليك يا ابن الأئمة الطاهرين السلام عليك وعلى آبائك المطهرين وعلى أبنائك الطيبين السلام عليك يا مولاي يا أبا جعفر ورحمة اللّه

وبركاته السلام عليك سلام مودع لا سئم ولا قال ورحمة اللّه وبركاته أستودعك اللّه

يا مولاي وأسترعيك وأقرأ عليك السلام آمنت باللّه وبالرسول وبما جاء به من عند اللّه

اللّهم صلّ على محمد وآل محمد واكتبنا مع الشاهدين اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياه وارزقني زيارته أبدا ما أبقيتني فإن توفيتني فاحشرني معه وفي زمرته وزمرة

آبائه الطيبين الطاهرين اللّهم لا تفرق بيني وبينه أبدا ولا تخرجني من هذه القبة الشريفة

إلاّ مغفورا ذنبي مشكورا سعي مقبولا عملي مبرورا زيارتي مقضيا حوائجي قد كشفت جميع البلاء عنّي اللّهم صلّ على محمد وآل محمد واجعلني ممن ينقلب مفلحا منجحا سالما غانما بأفضل ما ينقلب به أحد من زواره ومواليه ومحبيه بأبي أنت وأمي ونفسي

ص: 482

وأهلي ومالي يا موسى بن جعفر ويا محمد بن علي اجعلاني في همّكما وصيراني في حزبكما وأدخلاني في شفاعتكما واذكراني عند ربّكما صلّى اللّه عليكما وعلى أهلكما ولا

فرّق اللّه بيني وبينكما ولا قطع عنّي بركتكما وغفر لي ولوالدي ولجميع المؤنين والمؤنات إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .

ثم تدعو بما تحبّ ثم تخرج ولا تجعل ظهرك إلى الضريح وامض كذلك حتى تغيب عن معاينتك .

إلى هذا انتهى ما أورده السيد رحمه الله من زيارة الإمامين صلوات اللّه عليهما(1) .

ص: 483


1- توضيح : المطامير جمع المطمورة : وهي الحفيرة تحت الأرض ، قوله : « في الغابرين » الغابر : الماضي والباقي ، والمراد به هنا الثاني : أي حال كونهم في الباقين بعدي ، أو في أمر الباقين بأن تكفّ عن أهلي أذاهم وتجعلهم مشفقين عليهم ، ويقال : برح الخفاء كسمع إذا وضح الأمر ، والسفير الرسول المصلح بين القوم ، قوله « يا سر اللّه » أي صاحب سرّه ، أو الذي ستر اللّه جلالته ومنزلته عن الناس . أقول : زيارتهما عليهماالسلام في الأيام الشريفة والأوقات المختصة بهما آكد وأنسب كيوم ولادة الكاظم عليه السلام وهو سابع صفر ويوم وفاته عليه السلام وهو الخامس والعشرون من رجب أو سادسه ، وقيل : خامسه ، ويوم إمامته ، وهو منتصف رجب أو شوال ، ويوم ولادة الجواد ع وهو عاشر رجب برواية ابن عياش أو سابع عشر شهر رمضان أو منتصفه ، ويوم وفاته وهو آخر ذي القعدة ، أو الحادي عشر منه ، ويوم إمامته وهو شهادة أبيه عليه السلام كما سيأتي .

ص: 484

ص: 485

ص: 486

ص: 487

ص: 488

ص: 489

ص: 490

ص: 491

ص: 492

ص: 493

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.