سرشناسه:منتظری، حسینعلی، 1301 -
عنوان قراردادی:موعود ادیان: پاسخ به شبهاتی پیرامون امام زمان (عج). عربی.
عنوان و نام پديدآور:موعود الادیان : ردا علی شبهات حول امام الزمان(عج)/تحت رعایه المنتظری.
مشخصات نشر:تهران: خردآوا، 1387.
مشخصات ظاهری:512 ص.
شابک:40000 ریال:978-600-90673-0-5
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
یادداشت:کتابنامه: ص. [495] - 508؛ همچنین به صورت زیرنویس.
موضوع:مهدویت -- دفاعیه ها و ردیه ها.
رده بندی کنگره:BP224/م764م8043 1387
رده بندی دیویی:297/462
شماره کتابشناسی ملی:1282175
ص :1
ص :2
موعود الادیان : ردا علی شبهات حول امام الزمان(عج)
تحت رعایه المنتظری
ص :3
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :4
تصویر
ص :5
ص :6
تمهيد 19
المقدّمة 23
الفصل الأوّل الهداية الإلهية في الكتاب و السنّة 27
المحور الأوّل:دلالة صريح القرآن على حجّية السنّة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم 29
المحور الثاني:حجّية عترة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كما أمرت بها السنّة 32
حديث الثقلين 32
روايات أخرى متواترة من طرق أهل السنّة 34
الطائفة الأولى:الروايات الدالّة على وجود الأوصياء الاثنى عشر للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم 34
من المقصود بالوصيّ و الخليفة للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؟36
تفسير الخلفاء بالأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام باعتراف القندوزي 38
الطائفة الثانية:فضائل الأئمّة عليهم السّلام و علومهم 39
رواية الغدير 40
المقصود من كلمة«مولى»في حديث الغدير 42
سائر الروايات الدالّة على فضائل علي عليه السّلام 46
الطائفة الثالثة:تصريح الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بأسماء الأئمّة عليهم السّلام 50
الإمامة و عبد اللّه بن سبأ 54
اشتهار أسماء الأئمّة في زمان الخلفاء 56
ص:7
الفصل الثاني القرآن يشير إلى المهدي الموعود 59
أوّلا:لا يلزم ذكر جميع المعارف الدينية في القرآن الكريم 61
ثانيا:عدم ذكر الكثير من المعارف الدينية في القرآن الكريم 62
ثالثا:تطبيق الآيات القرآنية على المهدي(عج)كما في كتب أهل السنّة و 63
الفصل الثالث تواتر روايات المهدي الموعود في كتب أهل السنّة 73
الأوّل:مقالة علماء السنّة حول تواتر روايات المهدي عليه السّلام 75
الثاني:وحدة«إمام الزمان»الشيعة و«المهدي الموعود»في روايات أهل السنّة 82
الثالث:المهدي الموعود عليه السّلام في صحيح مسلم 83
الفصل الرابع المهدي و تهمة الدين الجديد!89
هل صحيح أنّ المهدي عليه السّلام سوف يأتي بدين جديد،و كتاب غير القرآن؟91
الأوّل:عمل المهدي عليه السّلام بالقرآن و السنّة كما جاء في روايات الشيعة 91
الثاني:ليست الخلافة إلاّ العمل بالقرآن و السنّة 95
بحث في روايات«غربة الإسلام في آخر الزمان»97
روايات الشيعة 97
روايات السنّة 99
الف:عدم اختصاص روايات«تجديد الدين»بالشيعة فقط 100
ب:التحقيق في سند روايات الشيعة 100
ج:المقصود من الكتاب الجديد 101
د:مقاتلة أهل التأويل للمهدي الموعود 101
ص:8
الفصل الخامس الاختلافات المدّعية بين إمام زمان الشيعة و مهدي موعود السنّة 103
الاختلاف الأوّل:اسم حضرة المهدي عليه السّلام 105
الاختلاف الثاني:المهدي عليه السّلام من ذرّية الحسن أو من ذرّية الحسين عليهما السّلام 105
الجواب 105
روايات أهل السنّة 106
الروايات القائلة أنّه ولد الإمام حسن المجتبى عليه السّلام 112
شهادة من التاريخ 113
خمس فرضيات باطلة 114
حمل الروايات المطلقة على المقيّدة 117
الاختلاف الثالث:حمل و ولادة و طول عمر و محلّ حياة إمام زمان الشيعة 118
الجواب 118
الموضوع الأوّل:مدّة حمل و ولادة المهدي(عج)لا تشذّ عن سائر البشر 119
الموضوع الثاني:مناقشة طول عمر الإمام المهدي(عج)و غيبته 120
أوّلا:الإمكان الذاتي و الوقوعي لطول العمر 120
طول العمر في القرآن 123
ماذا يقول أهل السنّة في بقاء حياة عيسى عليه السّلام؟126
ما قاله اثنان من علماء السنّة 127
ثانيا:طول عمر و غيبة المهدي عليه السّلام في روايات أهل السنّة 130
ثالثا:رأي علماء السنّة حول ولادة المهدي عليه السّلام 133
الموضوع الثالث:قصّة السرداب و جذرها التاريخي 140
محلّ حياة و ظهور المهدي عليه السّلام في الروايات الشيعية 142
الاختلاف الرابع:الظهور لنصرة الإسلام أم للانتقام من العرب و الأموات؟145
الجواب 145
ص:9
روايات انتقام المهدي عليه السّلام من الأموات 146
روايات كراهة المهدي للعرب 148
و هنا بعض المسائل 150
الاختلاف الخامس:انتقام إمام الزمان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و 158
الجواب 158
ألأوّل:حرق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الانتقام منهم 159
الثاني:حدّ عائشة 165
الاختلاف السادس:إعمار المساجد بواسطة المهدي الحقيقي،و تخريبها 167
الجواب 167
الاختلاف السابع:المهدي الحقيقي يعمل بكتاب اللّه تعالى و سنّة رسوله 169
الجواب 169
الأوّل:الكتاب و السنّة مبدأ عمل الإمام المهدي عليه السّلام 169
الثاني:مشابهة أفعال المهدي عليه السّلام مع سائر الأنبياء 170
الثالث:الأحكام الخاصّة بزمن ظهور المهدي عليه السّلام 171
الاختلاف الثامن:يظهر المهدي الحقيقي من المشرق،و يكون ظهور الإمام 174
الجواب 175
الاختلاف التاسع:إكمال الدين يتمّ بواسطة إمام الزمان،و تطبيقه على 175
الجواب 175
الفصل السادس مشابهة مسيح اليهود المزعوم و إمام زمان الشيعة 177
المشابهة الأولى:جمع اليهود في بيت المقدس بواسطة المسيح،و جمع 179
الجواب 180
الروايات السنّية 180
الروايات الشيعية 183
تجميع الروايات 185
ص:10
المشابهة الثانية:إحياء الموتى و تشكيل الجيوش منهم 186
الجواب 186
المشابهة الثالثة:تعذيب جثث أعداء اليهود و الشيعة 189
الجواب 190
المشابهة الرابعة:محاكمة أعداء اليهود و الشيعة و الاقتصاص منهم 190
الجواب 190
المشابهة الخامسة:قتل ثلثي البشر 191
الجواب 191
الروايات الشيعية،سندها و متنها 191
روايات أهل السنّة 206
تجميع روايات الشيعة و السنّة 207
المشابهة السادسة:تغيير أجسام اليهود و الشيعة،و إطالة إعمارهم 208
الجواب 208
المشابهة السابعة:كثرة النعم و الخيرات حين يظهر المسيح المزعوم و إمام 209
الجواب 210
روايات السنّة 210
روايات الشيعة 213
دلائل أوجه التشابه السبعة كما يراها الكاتب 215
الجواب 215
أوّلا:هل صحيح أنّ إمام الزمان عليه السّلام يدعو اللّه باللسان العبري؟215
ثانيا:يحمل المهدى عليه السّلام معه التابوت و الحجر و عصا موسى عليه السّلام 218
ألف:في روايات السنّة 218
ب:في روايات الشيعة 220
ملاحظة حول روايات الشيعة و السنّة 223
ثالثا:هل يحكم إمام الزمان(عج)بحكم داود عليه السّلام؟225
رابعا:أوجه الشبه الحرفية في المعتقدات و الأفعال 226
ص:11
بشارات و نبوءات التوراة مستند الكاتب في مدّعاه 226
الجواب 228
الأولى:نبوءة الإنجيل بالأربعة عشر معصوم عليهم السّلام 230
الثانية:نبوءة العهد العتيق حول نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و المهدي عليه السّلام 232
الثالثة:بشارة و نبوءة التوراة حول الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام 234
إشارات الأناجيل الأربعة بظهور المهدي عليه السّلام 235
إشارات في متون زرتشت حول المنجي 239
الأوّل:مجيء المنجي 239
الثاني:صفات المنجي 240
الثالث:خصائص زمان الظهور 242
الرابع:زمان ما قبل الظهور 244
بشارات البوذية 245
بشارات الهندوس 246
النتيجة 249
المنجي من وجهة نظر العقل 250
الفصل السابع شبهات حول ولادة و غيبة المهدي(عج)253
الشبهة الأولى:عدم اعتقاد بعض علماء الشيعة بولادة المهدي الموعود(عج).255
الجواب 255
الفهم الخاطئ لكلام هؤلاء العظماء 255
بعض المسائل 257
المسألة الأولى:التصريح بولادة المهدي عليه السّلام في تلك الكتب المشار إليها.257
عدم معرفة الكاتب بكتب الشيعة 258
المسألة الثانية:ولادة و غيبة المهدي في روايات أهل السنّة 260
المسألة الثالثة:دلالة القرآن على حجّية العترة 265
ص:12
المسألة الرابعة:تصريح كبار رجال السنّة بولادة المهدي عليه السّلام 266
الشبهة الثانية:إخفاء ولادة المهدي(عج)عن عيون بني هاشم 266
الجواب 266
ألف:شدّة حسّاسية الحكومة العبّاسية من مسألة الولادة و إخفاء خبرها 266
ب:خصوصيات المهدي في أخبار الشيعة و السنّة 267
ج:حوادث زمن الظهور غير الطبيعية في أخبار السنّة 268
د:تكرار سنن الأمم السالفة 271
روايات السنّة 271
روايات الشيعة 272
الشبهة الثالثة:الاختلاف في ولادة المهدي عليه السّلام 273
الجواب 273
الفصل الثامن غيبة المهدي(عج)و الخوف على النفس 275
المحور الأوّل:القرآن و الخوف على النفس 278
المحور الثاني:أرضية النصر الإلهي 279
دور الابتلائات في انقطاع البشر عن غير اللّه 281
1-يأس البشرية أرضية للظهور 282
2-الانقطاع عن الأسباب المادّية و نزول النصر الإلهي 284
3-تحقيق أفعال البشر بأيديهم 285
4-انتصار المهدي عليه السّلام بنصرة أصحابه له 286
الفصل التاسع الانتفاع بالمهدي(عج)في زمان غيبته 287
المحور الأوّل:الاتّهام الباطل للشيعة 289
المحور الثاني:فوائد المهدي عليه السّلام في غيبته 290
ص:13
الفوائد الظاهرية 290
الفوائد الباطنية 293
1-العلّة الغائية للعالم 293
2-الإمام واسطة الفيض 295
عرض الأعمال على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الإمام عليه السّلام 298
إشكال و جواب 299
سؤال يطرح على كاتب الكرّاسة 299
المحور الثالث:تعطيل أغلب أحكام الدين في زمان الغيبة 300
الفصل العاشر علم الأئمّة(ع)بالحوادث و الكتب السماوية 303
الموضوع الأوّل:علم الأئمّة عليهم السّلام بما كان في الماضي و ما سيكون في المستقبل 305
إمكان معرفة الإنسان بالغيب 306
رأي أبي علي سينا 306
رأي الفخر الرازي 307
تصريحات السهروردي 308
تصريحات أرسطو أو فلوطين 311
القرآن و علم الغيب 312
علم الأئمّة عليهم السّلام كعلم الناس؟315
الحديث الأوّل 315
الحديث الثاني 318
رجوع أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى علي عليه السّلام في مشكلات الأمور 319
تصريحات ابن أبي الحديد 320
تصريحات ابن خلدون 325
كلام ملاّ علي القوشچي 326
ص:14
الإمامة و أرضيتها كما يراها العلاّمة الطباطبائي 327
الموضوع الثاني:علم الأئمّة عليهم السّلام بقتلهم و تسميمهم 329
إشكالية الجبر و الجواب عنها 330
الموضوع الثالث:علم الأئمّة عليهم السّلام و اختلاف أجوبتهم 332
الموضوع الرابع:تشكيك بعض الأصحاب بعلم الأئمّة عليهم السّلام 333
الجواب عن هذه الشبهة 334
1-التقيّة بين الأئمّة عليهم السّلام و خلّص أصحابهم 334
2-مدح الإمام الصادق عليه السّلام لخواصّ أصحابه 337
الفصل الحادي عشر شجاعة الائمّة(ع)و علاقتهم بحكّام الجور و الثوار 339
الأوّل:وظيفة الأئمّة عليهم السّلام الأساسية 341
الثاني:الشجاعة الحدّ الفاصل بين التهوّر و الجبن 342
فلسفة السكوت 345
الثالث:علاقة الأئمّة عليهم السّلام بالثوار 346
الرابع:بحث في مسألة صلح الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام 348
أسباب فرض الصلح المشروط على الإمام الحسن عليه السّلام 351
الفصل الثاني عشر بعض الشبهات حول الأئمّة(ع)357
1-تعيين الوصي من قبل الإمام 359
2-حصر الإمامة في الولد الأكبر 360
3-غسل الإمام لن يكون إلاّ بيد إمام 361
4-علامة الإمامة سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و درعه 363
تابوت السكينة لموسى عليه السّلام 363
ص:15
تشبيه سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و درعه بتابوت السكينة 364
5-الرواية الدالّة على وجود عشر علامات للإمامة 367
ألف:اختلاف الطبيعة البشرية بين الإمام عليه السّلام و الناس 368
ب:الإمام لا يجنب 370
الروايات المخالفة للقرآن و السنّة القطعية 373
تزييف و تحريف الروايات على مرّ التاريخ 373
سؤال 374
الجواب 375
الملحق الأوّل 379
متن أسألة الدكتور أميد حول إمام الزمان(عج)381
فرضية إمام الزمان عليه السّلام 381
جواب سماحة آية اللّه العظمى المنتظري 383
فيما يرتبط بإمام الزمان عليه السّلام 383
الملحق الثاني ردّ الشبهات على كتاب موعود الأديان 389
البحث الأساسي و الجادّ في رأي الكاتب 393
معنى العترة في كتب أهل السنّة 395
المراد من أهل البيت في آية التطهير 402
أحاديث الشيعة 402
أحاديث أهل السنّة 403
الملاحظة الاولى:شأن نزول آية التطهير في كتب أهل السنّة 408
أهل البيت من وجهة نظر عائشة 412
الملاحظة الثانية:استنباط مخالف 413
ص:16
الملاحظة الثالثة:أمّ سلمة و أصحاب الكساء 414
الملاحظة الرابعة:العلاقة بين حديث الثقلين و حديث«خلفائي اثنا عشر»415
حديث الثقلين الحجر الأساسي في عقائد الشيعة 416
سند حديث الثقلين 417
عدد رواة حديث الثقلين 418
رفض حديث الثقلين بلا دليل 420
استدلال أم فرضية أم رؤيا؟421
دراسة حديث:«اثنا عشر خليفة»422
الملاحظة الأولى:حديث الاثنى عشر خليفة في كتب أهل السنّة 422
تواتر أحاديث«خلفائي اثنا عشر»424
تأويلات أهل السنة و تهافتها 425
التأويلات دليل على الإقرار بصحّة الصدور 426
الملاحظة الثانية:تطابق حديث«الاثنى عشر خليفة»مع المذهب الشيعي 427
الملاحظة الثالثة:القرائن الموجودة في حديث«خلفائي اثنا عشر»428
استمرار حبل الخلافة،في حديث«خلفائي اثنا عشر»431
إشكال و جوابه 432
الملاحظة الرابعة:إشكال عدم تطابق مضمون حديث 433
الملاحظة الخامسة:التصريح بأسماء الخلفاء الاثني عشر من قبل النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.434
أسماء خلفاء النبي في كتب أهل السنّة 436
بحث الاثني عشر إماما في القرنين الثاني و الثالث 441
إشكالات و ردود 450
الإشكال الأوّل:ظهور فرق مختلفة في زمان الأئمّة عليهم السّلام 450
الإشكال الثاني:عدم اطلاع زرارة على وصي الإمام الصادق عليه السّلام 453
الإشكال الثالث:سؤال الأصحاب من الأئمّة المتأخرين عن أوصيائهم 455
كتاب الإمام الجواد عليه السّلام إلى علي بن مهزيار 461
ص:17
الإشكال الرابع:شدّة اختلاف الآراء حول الإمام بعد الحسن العسكري عليه السّلام 463
حديث«من مات و لم يعرف إمام زمانه...»466
تطبيق حديث«من مات و لم يعرف إمام...»على الأئمّة المعصومين عليهم السّلام 468
حديث:«أهل بيتي أمان لأهل الأرض»470
تواتر الحديث 472
دراسة دلالة الحديث على هذا الموضوع 472
إشكال و جوابه 474
بشارة التوراة و نقد الكاتب و الردّ عليه 475
ادعاءات بلا دليل 478
الادّعاء الأوّل 478
الادّعاء الثاني 480
الادّعاء الثالث 481
طرح قضية الغيبة في القرنين الأوّل و الثاني 483
استبعاد الشيعة طول الغيبة 485
موقف الشيعة من فرقة الواقفية 487
ردّ على الشكوك العلمية و التاريخية في ولادة الإمام المهدي 488
المصادر 495
ص:18
«المهدي الموعود أم المهدي المزعوم؟»عنوان الكرّاسة التي تمّ إرسالها مؤخّرا إلى سايت انترنت سماحة آية اللّه العظمى المنتظري(دامت بركاته)، و هي عبارة عن مجموعة مقالات تشكيكية،ردّا على جواب سماحة آية اللّه العظمى المنتظري على أسألة السيّد الدكتور مسعود أميد من مدينة نيويورك حول إثبات وجود إمام الزمان عليه السّلام.
و لأجل اطّلاع القرّاء الكرام المحترمين على المتن الكامل لسؤالات الدكتور أميد و أجوبة سماحة آية اللّه المنتظري،قمنا بنقل بعضها في آخر هذا الكتاب.
ابتدأ كاتب الكرّاسة بمقدّمة تحت عنوان:«الشكّ في فرضية إمام الزمان و الاختلاف الكبير بينها و بين حقيقة المهدي الموعود»،حيث تطرّق فيها إلى ذكر موضوعين:
1-صفات المسيح المنتظر موعود اليهود.
2-صفات و أعمال إمام الزمان،و تشابهها مع أعمال مسيح اليهود المزعوم.
حيث يدّعي من خلال كتيبه هذا وجود اختلافات تسعة بين إمام زمان الشيعة مع مهدي موعود السنّة،و يعرض من خلال استناده إلى بعض كتب
ص:19
اليهود كالتوراة و التلمود سبعة أوجه شبه(مفتعلة)بين مسيح اليهود المزعوم و إمام زمان الشيعة،و يستخلص إلى هذه النتيجة:بأن جذور الاعتقاد الشيعي بإمام الزمان هو ما جاء في تلك الكتب اليهودية.
و كان يسعى من خلال كلامه إلى إثبات المواضيع الأربعة التالية:
1-عدم ثبوت ولادة إمام زمان الشيعة.
2-لا فائدة ترجى من غيبة المهدي مزعوم الشيعة.
3-عدم وجود أيّ منفعة من هذا الموهوم.
4-لماذا قام علماء الإمامية بتلفيق هذه الكذبة الخطيرة و تزييف ولادة المعدوم هذا؟
ثمّ قام بذكر ما يقارب من ثلاثين شبهة حول المهدي عليه السّلام و كذلك سائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام.
و نتيجة لتشكيكه بإحدى مسلّمات المذهب الشيعي و هي وجود و غيبة المهدي عليه السّلام و بعض فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كعلمهم،متمسّكا ببعض الروايات الضعيفة و غير المسندة،و قيامه بإلصاق أشنع التهم بالمذهب الشيعي و علمائه العظام،و من جانب آخر من الممكن أنّ هذه التشكيكات المذكورة في الجزوة ربّما تجد لها قبولا في أذهان البعض،إرتأى سماحة آية اللّه العظمى المنتظري مناقشة و نقد كلّ ما طرح فيها،و يجيب عن شبهاته.
الجدير بالذكر،يدّعي الكاتب أنّه من المدافعين عن الإسلام،و يتّهم الشيعة بأنّهم يعملون على ضرب الإسلام،و إمام زمانهم ضدّ الإسلام و
ص:20
ضدّ العرب و يدعو الناس إلى تلبية نداءات مصلحين أمثال كسروي!و الحال أنّ كسروي هو أحد الأقطاب المعادين للعرب و اللغة العربية،اللهمّ إلاّ إذا كانت للكاتب أغراض أخر.
كما أنّ الكاتب نسب نقده هذا إلى جماعة السنّة،و لكن مع قليل من التأمّل في كتيبه هذا و المصادر التي استفاد منها في تدعيم أقواله،يستنتج أنّه يميل إلى الفرقة الوهابية،و عمدة مصادره التي استند إليها مأخوذة من كتبهم.
و مع ذلك كلّه فإنّا ننقل في كتابنا هذا أكثر الموضوعات حول إمام الزمان عليه السّلام من كتب الرواية و التفسير لأهلّ السنّة،و مع تعدّد الطبعات و اختلاف نسخ الكتب المذكورة ننقل المصادر من الطبعات الجديدة،و لكن من الممكن وجود بعض الموارد المختصرة غير المتناسقة بين الطبعات المختلفة.
و أيضا اكتفينا في استشهادنا بالروايات الطوال المشتملة على مواضيع مختلفة بنقل الفقرات التي تؤيّد ما نرومه،و تركنا غيرها.
راجيا من الباري تعالى أن يتقبّل هذا العمل البسيط و أن يحوز على رضا مولانا صاحب العصر و الزمان أرواحنا له الفداء.
مكتب سماحة آية اللّه العظمى المنتظري
«قسم الردّ على الأسألة الدينية»
ص:21
ص:22
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين، سيّما بقيّة اللّه في الأرضين.
موضوع المهدي الموعود عليه السّلام من أهمّ المواضيع و البحوث المطروحة منذ عهود قديمة بين المسلمين.
و في صدر الإسلام أيضا قام الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة المعصومون عليهم السّلام بالبشارة بظهور باسط العدالة من نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ذكروا صفاته و علاماته.و حتّى سائر الأديان الإلهية بشّرت في تعاليمها الدينية بظهور المنجي و المصلح في آخر الزمان، و أقيمت لذلك الأدلّة العقلية مضافا بالأدلّة النقلية.
و يشترك أتباع الأديان الثلاثة-المسيحية و اليهودية و الإسلام- في هذه العقيدة،و أنّ مستقبل العالم يشكّله هؤلاء الصلحاء و العبّاد، و أنّ الذي سينقذ البشرية من التيه و الضلالة هو من ذرّية إبراهيم عليه السّلام،
ص:23
و لكنّ الاختلاف في أنّه من أيّ ولد من ذرّية إبراهيم عليه السّلام؟
يعتقد اليهود و المسيح أنّه من أولاد إسحاق و يعقوب مع هذا الاختلاف؛حيث يقول المسيحيون إنّه نفسه عيسى بن مريم عليه السّلام،يحييه اللّه تعالى آخر الزمان لنجاة البشرية و يرى اليهود أنّه لم يولد بعد.
و المسلمون جميعا يعتقدون أنّه من ذرّية إسماعيل و من أحفاد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و فاطمة عليها السّلام،قانونه الإسلام،يحكم بما جاء في شرع النبي محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
و يعتقد الشيعة من بين المسلمين و استنادا إلى مصادرهم المنقولة أنّه من أحفاد الإمام الحسين عليه السّلام،و ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، ولد عام 255 أو عام 256 أو عام 258 من الهجرة،و هو خاتم الأوصياء الاثنى عشر الذين أوصى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و له غيبتان:الغيبة الصغرى و الغيبة الكبرى،و بعد انتهاء فترة الغيبة الصغرى (التي استمرّت 69 عاما)فإنّه لا يزال في غيبته الكبرى.
و يتّفق القليل من السنّة مع الشيعة في هذا الاعتقاد،و لكنّ الغالبية منهم يعتقدون بعدم ولادته عليه السّلام،و أنّه سيولد آخر الزمان.
و على كلّ حال،فبين اليهود و المسيحيّين و المسلمين إجماع على ظهور المصلح و المهدي آخر الزمان،حيث سينقذ البشرية من الجور و الظلم و الضلال،و لكنّهم اختلفوا في خصوصيات المنجي و كيفية ظهوره.
ص:24
و مع إطالة مدّة غيبته الكبرى برزت عدّة تساؤلات و شبهات حول وجوده بحاجة إلى أجوبة و توضيح،و هي ملحّة أكثر من السابق.
و في هذا الصدد و بعد انتشار جوابنا على الأسألة المطروحة حول المهدي عليه السّلام وصلتنا جزوة عن طريق إيميلنا،يسعى كاتبها في ردّه على الأجوبة المطروحة إلى إثبات عكس آرائنا،و إنكار قضية وجود المهدي عليه السّلام.
حيث أورد ما يقارب من ثلاثين شبهة حول المهدي عليه السّلام و سائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام،و شكّك بأهمّ مسلّمات المذهب و هي أصل وجود المهدي عليه السّلام،و كذلك بعض فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السّلام،و أخذ يقذف التهم جزافا على الشيعة و علمائهم،مستخدما أسلوب التحريف و التمسّك بالروايات الضعيفة.
و مع أنّ أسلوب الكاتب المذكور كان بعيدا عن روح و طريقة الحوار و التحقيق العلمي،و لكنّ عدم الإجابة على شبهاته و افترائاته من الممكن أن يسبّب تخريب بعض أذهان العوام من الناس،أو تكون وسيلة بيد المعاندين و أعداء الدين.
و ليعلم أنّ ما جاء في هذه المجموعة ليس تحقيقا كاملا حول المهدي عليه السّلام؛إذ هذا يحتاج إلى تأليف كتب ضخمة.كان الهدف من تأليف هذا الكتاب فقط هو الإجابة على الشبهات المطروحة في تلك الكرّاسة.
ص:25
و في الختام ضمن شكرنا للفضلاء الذين اشتركوا في تدوين و كتابة هذه المجموعة أسأل اللّه تعالى صحّتهم و تعجيل ظهور شمس الإمامة المشرقة وليّ العصر و الزمان المهدي الموعود(عج).
راجيا أن لا يبخل القرّاء الكرام علينا بدعائهم الكريم.
و السلام علينا و على جميع عباد اللّه الصالحين.
تير 1384-جمادى الأولى 1426
المنتظر لظهوره(عج)-حسينعلي المنتظري
ص:26
ص:27
ص:28
الهداية الإلهية في الكتاب و السنّة
يبتدأ كاتب الكرّاسة بحثه بالقول:
من البديهيات الواضحة أنّه على كلّ مسلم أن يستقي معتقداته من القرآن الكريم الحجّة الإلهية الوحيدة في هذه الأرض؛ لأنّ الهداية الإلهية منحصرة في القرآن الكريم،و لذا وصف تعالى كتابه بقوله:قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى ،و الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أيضا تابع للقرآن و مطيع له:إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ.
و تتوضّح الإجابة على هذا الموضوع في محورين:
لا إشكال و لا ترديد في أنّ القرآن-الذي هو الكتاب السماوي الوحيد للمسلمين-جاء لهداية البشرية جمعاء،و لكن حصر الحجّة الإلهية و طرق الهداية بالقرآن وحده ليس بصحيح؛إذ العقل و الإدراكات العقلية أيضا أحد طرق الهداية،بل يمكن القول إنّها أساس كلّ الاستدلالات و الحجج،و حتّى إثبات حجّية القرآن نفسه أو فهمه أو تفسيره و كيفية العمل بدلالته،و أيضا الوصول إلى فهم أصول الدين،كلّ ذلك يتمّ عن طريق العقل و الاستدلالات العقلية الصحيحة.
ص:29
إضافة إلى العقل فالسنّة المحمّدية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تعتبر هي واحدة من الحجج المهمّة في الدين،القرآن نفسه يشهد بذلك في صريح آياته،نشير إلى البعض منها و التي تدلّل على حجّية قول الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
1-وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1).
2-فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (2).
و باتّفاق الفريقين فإنّ من أبرز مصاديق أهل الذكر هم الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته الأطهرين عليهم السّلام.
3-وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (3).
صريحة في اعتبار حجّية ما يبيّنه الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم للناس ممّا نزل عليه من قبل اللّه تعالى.
(4)4-فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ (4).
فلو لم تكن السنّة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حجّة لما جعلها القرآن حكما لرفع المنازعات و الاختلافات بين الناس و قرنها-في الرجوع-مع كلام اللّه تعالى.
5-فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (5).
تبيّن هذه الآية أنّ ملاك الإيمان هو تسليم المسلمين لحكم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قضائه في كلّ ما يحصل بينهم من منازعات و مشاجرات.
ص:30
6-ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى*وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى*إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (1).
7-قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (2).
8-فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (3).
9-إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (4).
10-وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (5).
11-قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (6).
12-وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (7).
و آيات أخرى كثيرة،كالآية 80 من سورة النساء،و الآيتين 157 و 158 من سورة الأعراف،و الآية 66 من سورة الأحزاب،و جميع تلك الآيات التي وصفت الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بالبشير و النذير و الهادي،و كلّها تدلّ دلالة واضحة على حجّية و صحّة الاهتداء بالسيرة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الشريفة؛فمن دون حجّية
ص:31
السنّة و وجوب الإطاعة المطلقة لها لا معنى لتوبيخ اللّه للمخالف لها.
إذن طريق الهداية الإلهية غير منحصر بالقرآن الكريم،فقول و فعل و حتّى تقرير الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أيضا حجّة و طريق هداية أقرّها اللّه تعالى و أمر المسلمين باتّباعها.
و هو الحديث المتواتر بين الفريقين،قرن فيه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم القرآن بالعترة،و عدل بعضهما ببعض،و جعلهما مرجعا و هداية للمسلمين من بعده، حيث قال:
«إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي(سنّتي)ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا».
و إنّك لترى كلمة«عترتي»مشتركة في أغلب الكتب التي نقلت هذا الحديث،و على فرض«سنّتي»-كما ذكرت بعض المصادر-فإنّ كليهما تدلاّن على ما نريد إثباته من عدم انحصار الحجّية الإلهية بالقرآن الكريم وحده.
و ذكر هذا الحديث في كتب الصحاح و السنن و أسانيد أهل السنّة بعبارات مختلفة لا تؤثّر في مضمونه و المعنى المقصود منه.
و رواة هذا الحديث من طرق السنّة من الكثرة حتّى أنّ المرحوم العلاّمة السيّد حامد حسين الهندي قدّس سرّه جمعها في مجلّدين ضخمين سمّاهما
ص:32
«عبقات الأنوار»...فلم نجد رواية متواترة اتّفق عليها الفريقان و نقلاها في كتبهما المعتبرة كهذه.
صدع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مواقف له شتّى،تارة يوم عرفة في حجّة الوداع،و أخرى يوم الثامن عشر من ذي الحجّة في غدير خم،و مرّة على منبره في المدينة،و أخرى في حجرته المباركة في مرضه(1).
و للتذكير نقول:استنادا لتحقيق صاحب كتاب«الكشّاف المنتقى»فإنّ حديث الثقلين ذكر في أكثر من مئة و تسعة و عشرين كتابا من كتب أهل السنّة بلفظ«و عترتي أهل بيتي»،و أيضا قام علماؤهم بتأليف سبعة كتب تتناول بالبحث حديث الثقلين الذي ورد بلفظ«و عترتي و أهل بيتي»(2).
و بالنظر إلى أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا يقول أو يفعل أيّ شيء إلاّ بأمر وحياني
ص:33
وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى*إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (1) فحجّية سنّة النبي و عترته الطاهرة هي الأخرى مستندة إلى الوحي الإلهي،و لها جذورها في القرآن،و مصداق لقوله تعالى:قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى (2).
إضافة إلى رواية الثقلين فهناك روايات أخرى منقولة من طرق الشيعة و السنّة تشير إلى الحجج و الأوصياء أو الأئمّة بعد النبي و هم اثنى عشر إماما، و تدلّ كلّها على حجّيتهم و تؤكّد على دورهم في تبنّي الهداية الإلهية.
و تنقسم إلى ثلاث طوائف:
الروايات الدالّة على وجود الأوصياء الاثنى عشر للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم
و ملخّص هذه الروايات مجموع في قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«الأوصياء من بعدي اثنى عشر كلّهم من قريش»...و من جملتها:
1-جابر بن سمرة،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول في حجّة الوداع:
«لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه،لا يضرّه مخالف و لا مفارق حتّى يمضي من أمّتي اثنى عشر أميرا...كلّهم من قريش»(3).
ص:34
2-عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة،أو يكون عليكم اثنى عشر خليفة كلّهم من قريش»(1).
3-جابر بن سمرة،قال:أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
«يكون اثنى عشر أميرا»،فقال كلمة لم أسمعها،فقال أبي:إنّه قال:«كلّهم من قريش»(2).
4-عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يكون بعدي اثنى عشر خليفة»(3).
و مثلها في«المستدرك»(4) و«سنن أبي داود»(5) و«مسند الطيالسي»(6)
و«المعجم الكبير»(7) و«سنن الترمذي»(8) و«مسند أحمد»(9) و عشرات الروايات الأخرى بنفس المضمون منقولة في كتب السنّة المعتبرة.
جاء في أكثر من ثلاثين رواية منها قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«اثنى عشر خليفة»، و غلب على البقية الأخرى قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم«اثنى عشر عدد نقباء بني إسرائيل»، و التعبيران معا في روايات أخرى...و أيضا وردت عبارات من قبيل«أمير» و«قيّم»و«ملك»فيها.
ص:35
و بأيّ حال،لا يوجد شكّ في أنّ تلك الروايات المذكورة-بالإضافة إلى الروايات المنقولة من طرق الشيعة-هي روايات متواترة،سواء كان تواترها إجماليا أو معنويا،و أنّها وافية لإثبات حجّية سنّة الاثنى عشر خليفة أو (أمير أو قيّم أو ملك)للهداية،كحجّية القرآن و السنّة النبوية؛إذ ليس من المعقول أنّ النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقوم بتعريف مجموعة لهداية الناس ليس لهم اعتبار و حجّية من قبل اللّه تعالى.
من الممكن أن يقال إنّ هذه الروايات كلّية مجملة،إذن فعلى أي دليل تمّ حمل تعابير مثل«خلفائي»و«أوصيائي»و...على أئمّة الشيعة الاثنى عشر دون غيرهم؟
ردّا على هذا الإشكال نقول:
أوّلا:في القسم الثاني و الثالث من الروايات-التي سنذكرها في هذا الفصل-المنقولة عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تصريح بأسماء هؤلاء الخلفاء و الأوصياء،سنشير باختصار إلى أهمّها.
ثانيا:لا يعقل أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي هوما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى*إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (1) يقوم في مواقف حسّاسة كحجّة الوداع بإرجاع أمّته إلى مجموعة من الناس غير معروفة،فيسبّب فوضى في التشخيص و سببا لأن يجتهد كلّ واحد من المسلمين في تشخيص هوية هؤلاء الخلفاء وفق ما
ص:36
تمليه عليه سليقته.
إذا ما ثبت بالتواتر أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قد قام بطرح قضية الخلفاء من بعده فليس مقبولا أن نقول إنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لم يعرّفهم أو يدلّ عليهم.
ثالثا:من تعبير«خلفائي»و أمثالها التي طرحت بكثرة في تلك الروايات يمكن أن نستفيد أنّ جميع صفات و أخلاق هؤلاء الخلفاء لا بدّ أن تكون شبيهة مع صفات و أخلاق النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهدافه؛إذ الخليفة يعني النائب،فلا بدّ من لزوم التناسب و الشبه بين النائب و المنوب عنه عند العقل و العقلاء.
و عليه،فخلفاء الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لا بدّ أن يحملوا صفاته كالعلم و العصمة و سائر الخصال النفسانية،بحيث تجعلهم أهلا للنيابة و القيام مقامه،و لذا فإنّ تعبير«خلفائي»لا يمكن قطعا أن يطلق على خلفاء بني أمية و بني العبّاس و أمثالهم؛فشتّان ما بين صفات و أخلاق و مقام النبي و علميته مع خلفاء بني أمية و بني العبّاس،مضافا إلى أنّ عددهم لا يوافق العدد الذي ذكره الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم«اثنى عشر».
و لقائل أن يقول:إنّه يمكن استثناء بعض الخلفاء الصالحين،كعمر بن عبد العزيز و المهدي العبّاسي،بإضافة أبي بكر و عمر و عثمان و علي و الحسن،و يكون المجموع اثنى عشر...
نقول:هذا توهّم باطل تنفيه الروايات نفسها؛إذ لازم ذلك حصول انقطاع زمني بين هؤلاء الخلفاء،فهناك فاصلة زمنية طويلة بين الحسن و عمر بن عبد العزيز،بينما الروايات تدلّ بوضوح على عدم الانقطاع و على التوالي،
ص:37
كقوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«لا يزال»و«متواليا»،بل في«مسند أحمد»و«المعجم الكبير»(1) إشارة إلى قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«لن يزال...»ممّا يدلّ على الاتّصال الزمني بين الخلفاء.
أضف إلى هذا فإنّ المتعارف من إطلاق الحديث النبوي الشريف «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية»أو«من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(2) ،لازمه أنّ لكلّ زمان إمام صالح واجب الطاعة و المعرفة،و هو خلاف التوهّم السابق الذي لازمه خلوّ بعض الأزمنة من الإمام أو الخليفة اللائق و الصالح.
فاضل القندوزي-من أكابر علماء السنّة-يقول في مقصود النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من«الخلفاء الاثنى عشر»:
قال بعض المحقّقين:إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده صلّى اللّه عليه و اله و سلّم اثنى عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة،فبشرح الزمان و تعريف الكون و المكان علم أنّ مراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من حديثه هذا الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام من أهل بيته و عترته؛ إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من
ص:38
أصحابه؛لقلّتهم عن اثني عشر،و لا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية؛لزيادتهم على اثني عشر و لظلمهم الفاحش، إلاّ عمر بن عبد العزيز؛و لكونهم غير بني هاشم،و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:«كلّهم من بني هاشم»في رواية عبد الملك عن جابر...
و لا يمكن أن يحمله على الملوك العبّاسية؛لزيادتهم على العدد المذكور و لقلّة رعايتهم الآية:قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ،و حديث الكساء،فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمّة الاثنى عشر من أهل بيته و عترته صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم و أجلّهم و أورعهم و أتقاهم و أعلاهم نسبا و أفضلهم حسبا و أكرمهم عند اللّه...(1) ،فلا يبقى طريق سوى حمل تلك الروايات عليهم عليهم السّلام.
هناك روايات كثيرة متواترة منقولة من طرق أهل السنّة في فضائل و كمالات الإمام علي عليه السّلام و أهل البيت عليهم السّلام و علوّ شأنهم و مقامهم و علومهم، جاءت بتعابير مختلفة كلّها تحكي و تدلّ على اعتبار حجّيتهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.من هذه الروايات:
ص:39
و هو الحديث المعروف بحديث الغدير،حيث يقول فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد مقدّمة:
«أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟قالوا:نعم يا رسول اللّه.قال:«من كنت مولاه فهذا علي مولاه،اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه»(1).
و بهذا الشأن يقول المحدّث القمّي:
الطبري...صاحب المصنّفات الكثيرة...و كتاب«في طرق حديث الغدير»،المسمّى بكتاب الولاية الذي قال الذهبي -و هو من علماء أهل السنّة و صاحب كتاب«ميزان الاعتدال»-:
إنّي وقفت عليه كتاب الطبري فاندهشت لكثرة طرقه»(2).
يدّعي المرحوم محمّد تقي المجلسي قائلا:
نقل محمّد بن جرير الطبري في كتابه الولاية حديث الغدير من خمسة و سبعين طريقا(3).
ص:40
و ينقل صاحب كتاب«غاية المرام»هذا الحديث بأكثر من ثمانين سند من طرق السنّة(1).و ابن عقدة-من علماء الزيدية-أفرد له كتابا و طرقه من مئة طريق و خمس طرق(2).
و عدّ المرحوم العلاّمة الأميني صاحب«موسوعة الغدير»من روى هذا الحديث من الصحابة مئة و عشرة(3) ،و من التابعين أربعة و ثمانين(4).ثمّ ذكر طبقات رواة علماء السنّة من بداية القرن الثاني حتّى القرن الرابع عشر الهجري،فكانوا ثلاثمئة و ستّين نفرا،مستندا في ذلك على ما ذكرته كتبهم(5).
و عدّ من ألّف كتابا يتناول بالحصر هذا الموضوع من الفريقين بأكثر من ستّة و عشرين أغلبهم من السنّة(6).و ذكر أسماء الرواة من أهل السنّة الذين نقلوا الحديث و ذكروا من بارك للإمام عليه السّلام و هنّأه، بالغا إلى ستّين(7).
ص:41
لا يمكن حصر تفسير كلمة«مولى»بالمحبّ فقط؛و ذلك لأسباب كثيرة أهمّها:
أوّلا:أنّ أغلب الحاضرين في ذلك الموقف و فيهم عمر بن الخطّاب قد فهموا أنّ المراد من كلمة المولى الإمامة و الولاية،و هذا يفسّر كيف أنّ المسلمين و على رأسهم أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سائر المهاجرين و الأنصار،ما أن أنهى الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خطابه حتّى هجموا على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و على علي عليه السّلام،و أخذ كلّ واحد منهم يمسح على يد كلّ منهما و يبايع لهما(1) ،و في بعض كتب أهل السنّة أنّ عمر بعد ما سمع خطاب النبي يبارك عليّا و يقول:
«هنيئا لك يابن أبي طالب؛أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة»(2).و في بعض الروايات السنّية بدل«هنيئا لك»«بخ بخ لك»(3) ، و المعنى واحد.
فلو كانت كلمة«مولى»تعني«محبّ»لكان تعبيرهم ب«أصبحت»الدالّ على الحدوث و الإيجاد لغوا من الكلام؛إذ هو عليه السّلام قبل نصبه يوم الغدير كان محبّا لهم و لكنّه لم يكن إماما و وليّا ظاهرا،خلاف ما إذا كان المقصود
ص:42
«الولاية»و«الإمامة»فهي أمر ظاهري حاصل بالجعل و الاعتبار.
يقول السمعاني على ما نقل صاحب كتاب«غاية المرام»عن كتاب «فضائل الصحابة»-و هو من علماء السنّة-.بعد أن أخذ الرسول بيد علي عليه السّلام قال:
«هذا وليّكم من بعدي...»،و يقينا لا معنى لهذا الكلام إن قلنا إنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أراد محبّة علي عليه السّلام؛و ذلك لأنّ محبّة الأفراد لعليّ و محبّة علي عليه السّلام لهم أمر غير مختصّ بزمان ما بعد الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و ما يكون منحصرا بالزمن التالي،و الذي أراد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم التأكيد عليه هو إمامة علي عليه السّلام و ولايته(1).
و شبيه هذا النقل رواية عمران بن حصين عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قوله:
«ما تريدون من علي؟ما تريدون من علي؟ما تريدون من علي؟إنّ عليّا منّي و أنا منه،و هو وليّ كلّ مؤمن بعدي»(2).
هذا الكلام من النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم صدر حين بعث النبي عليّا مع أفراد أخر إلى اليمن و هم قسّموا الحلل و لبسوها بغير إذن من علي فلمّا تبيّن له أخذ الحلل منهم،ثمّ أنّهم لمّا عادوا شكوا إلى النبي فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:اقضاكم علي فشكوا ثانيا،ثمّ قال النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثا:«ما تريدون من علي».
ثانيا:جملة صدر الرواية حيث يقول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«أتعلمون أنّي أولى
ص:43
بالمؤمنين من أنفسهم...؟»،و لم يقل مثلا:أتعلمون أنّي نبيّكم؟قرينة قوية على المطلب،إذ كان يؤكّد على أمر الولاية و الإمامة،لا أمر النبوّة و الرسالة.
و هذه الجملة أفضل شاهد على أنّ مراد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من كلمة«مولاه»هو أن ينسب هذه الأولوية و الولاية التي كانت له على الناس إلى شخص علي من بعده،و لذا فإنّه ما أن أخذ التصديق من الحاضرين بقولهم«نعم»حتّى قال:
«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»،فينطبق الكلام طبعا على إمامة علي عليه السّلام و ولاية و أولوية على سائر الناس.
ثالثا:من مجموع القرائن و الشواهد الحافّة بإيراد الخطاب النبوي يفهم أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يقصد أمرا في غاية الأهمّية و الخطورة،يتوقّف عليه مصير المسلمين في المستقبل،أمرا لا يمكن حمله على دعوتهم إلى محبّة علي عليه السّلام فقط.
انتخاب زمن آخر سنوات عمر الرسول الشريف و في وقت وداعه مع كثير من المسلمين الذين لا يزورونه بعد،و أمره بحبس جميع المسلمين في مكان واحد سواء القوافل التي تقدّمته أو تلك التي لم تصل بعد لعقد ذلك المنتدى الرهيب في موقف حرج،ثمّ أخذ الإقرار من الجميع بأولويّته منهم، و رفع يد علي عليه السّلام عاليا ليراها الجميع...فهذه كلّها قرائن دالّة على هذا الأمر الخطير،و من البعيد عقلا تفسيرها على أنّه أراد دعوتهم إلى حبّ علي عليه السّلام كما أحبّوه عليه السّلام،و كأنّه قد أتى بشيء جديد لم يكن و لم يعلموه،إذ طالما صرّح و دعى الناس لحبّ أهل بيته عليه السّلام و في مواضع شتّى أطلع عليها القاصي و الداني.
ص:44
رابعا:بناء على ما نقله كتاب«النصّ و الاجتهاد»عن الطبري و الترمذي و غيرهما من كبار أهل السنّة،كابن حجر في«صواعقه»أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قبل أن يطرح موضوع ولاية علي عليه السّلام إضافة إلى أخذه الإقرار من الحاضرين بالتوحيد و النبوّة التي هي من أصول الدين،فإنّه أخذ الإقرار منهم أيضا -من الحاضرين-بالاعتقاد بالمعاد و الجنّة و النار.
و يضيف قائلا:
...حيث سألهم أوّلا فقال:«أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله؟-إلى أن قال-:و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور»،ثمّ عقّب ذلك بذكر الولاية ليعلم أنّها على حدّ تلك الأمور التي سألهم عنها فأقرّوا بها،و هذا ظاهر لكلّ من عرف أساليب الكلام و مغازيه من أولى الأفهام(1).
و هذا الربط،و جعل قضيّة الولاية بحدّ أصول الدين أشار إليها صاحب «غاية المرام»نقلا عن كتاب«فصول الأئمّة المهمّة»تأليف علي بن أحمد المالكي و عن«مناقب»ابن المغازلي الشافعي و هما من علماء السنّة(2).
إذا،لا يمكن حمل«مولى»على المحبّ،و لذا قال صاحب«الغدير»:
و إن تنازلنا إلى أنّه أحد معانيه،و أنّه من المشترك اللفظي،فإنّ للحديث قرائن متّصلة و أخرى منفصلة تبلغ إلى عشرين
ص:45
قرينة تدلّ على أنّ مقصود النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من كلمة مولى ليس إلاّ الأولى بالنفس تنفي إرادة غيره(1).
ثمّ أخذ يعدّ لذلك الشواهد و القرائن.
2-رواية أحمد بن حنبل،عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قوله لا بنته فاطمة عليها السّلام:
«أما ترضين أنّي زوجتك أقدم أمّتي سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما»(2).
و بالطبع،حين يكون علي عليه السّلام أكثرهم علما يكون قوله للآخرين معتبر و حجّة.
3-و قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يا علي...أنت أوّلهم إيمانا باللّه و أوفاهم بعهد اللّه و أقومهم بأمر اللّه و أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية و أبصرهم في القضية و أعظمهم عند اللّه يوم القيامة مزيّة»(3).
4-قال الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
ص:46
«فإنّ وصيّي و موضع سرّي و خير من أترك بعدي و ينجز عدتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب»(1).
5-الرواية المتواترة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح،من ركبها نجى و من تخلّف عنها غرق»(2).
6-و رواية المنزلة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بحقّ علي عليه السّلام:
«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»(3).
7-نقل عبد اللّه بن عكيم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«إنّه نزلت في حقّ علي عليه السّلام في ليلة المعراج ثلاثة خصال:أنّه سيّد المؤمنين،و إمام المتّقين،و قائد الغرّ المحجّلين»(4).
8-الرواية المنقولة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بحقّ علي عليه السّلام:
ص:47
«أنت أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي فاسمعوا له و أطيعوا...»(1).
9-الرواية المشهورة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«عليّ مع الحقّ و الحقّ مع علي،يدور معه حيثما دار»(2).
01-عن أمّ سلمة قالت:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:
«عليّ مع القرآن و القرآن مع علي،لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض»(3).
11-الرواية المشهورة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«أنا مدينة العلم و علي بابها»(4).
12-الرواية المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق،و أهل بيتي أمان
ص:48
لأمّتي من الاختلاف،فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس»(1).
13-رواية عمر بن الخطّاب عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«حبّ علي براءة من النار»(2).
14-عن المقداد بن الأسود،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:
«معرفة آل محمّد براءة من النار،و حبّ آل محمّد جواز على الصراط،و الولاية لآل محمّد أمان من العذاب»(3).
15-عن أنس بن مالك،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد»(4).
و بعد هذا نقول:
حينما تكون محبّة و موالاة أهل بيت النبي عليهم السّلام براءة من النار و لا يقارن بهم أحد من الخلق،فيعلم أنّهم الهداة و أنّهم أفضل الناس أجمعين.
ص:49
أفيعقل أنّ شخصا قال عنه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذيما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (1)
بأنّه«أعلم الناس»و«أقدم الناس إسلاما»و«أوفاهم بأمر اللّه و عهده»و «من كنت مولاه فعليّ مولاه»و«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»و«سيّد المؤمنين»و«إمام المتّقين»و«قائد الغرّ المحجّلين»و«أنت أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي»و«علي مع الحقّ و الحقّ مع علي»و«علي مع القرآن و القرآن مع علي»و«أنا مدينة العلم و علي بابها»و«أهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف»و...فلا يكون قوله و فعله حجّة؟!
و كيف يعقل أنّ أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة الذين شبّههم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بسفينة نوح و يقول فيهم:«من ركبها نجى و من تخلّف عنها غرق»أن لا يكون قولهم و فعلهم معتبر و حجّة فيقرنون بغيرهم من الناس؟!
من هنا نرى أنّ الشيعة حينما يحتجّون في مسائل الأصول و الفروع من الدين بسنّة عترة نبيّهم،فهم-في الحقيقة-يتمسّكون بالسنّة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و التمسّك بالسنّة هو التمسّك بالقرآن.
روايات عديدة منقولة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،إضافة إلى أنّ أغلبها تنصّ على أنّ الخلفاء بعده اثنى عشر خليفة،ففي بعضها تصريح بأسمائهم جميعا، أو أنّ أوّلهم علي عليه السّلام و آخرهم المهدي عليه السّلام،أو أنّ أوّلهم علي عليه السّلام و آخرهم الولد التاسع من صلب الحسين عليه السّلام.
ص:50
نذكر هنا بعض هذه الروايات المنقولة من طرق أهل السنّة:
1-جاء في«ينابيع المودّة»عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي اثنى عشر،أوّلهم علي و آخرهم ولدي المهدي...»(1).
2-عن جابر بن يزيد الجعفي،قال:سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول:قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يا جابر،إنّ أوصيائي و أئمّة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ثمّ الحسن ثمّ...ثمّ القائم،اسمه اسمي و كنيته كنيتي،محمّد بن الحسن...»(2).
3-رواية أخرى طويلة عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و فيها يذكر أسماء الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام:
دخل جندل بن جنادة اليهودي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فقال:
إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السّلام،فقال:
«يا جندل،أسلم على يد محمّد خاتم الأنبياء،و استمسك الأوصياء من بعده...»ثمّ قال:أخبرني يا رسول اللّه عن أوصيائك من بعدك...قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«أوصيائي الاثنى عشر».
قال جندل:هكذا وجدنا في التوراة.و قال:يا رسول اللّه سمّهم لي.
ص:51
فقال:«أوّلهم سيّد الأوصياء أبو الأئمّة علي...-ثمّ قال- و يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه...»(1).
تقول الرواية إنّه عاش إلى أن كانت ولادة علي بن الحسين عليه السّلام،فخرج إلى الطائف و مرض و شرب لبنا...و مات و دفن بالطائف.
4-صاحب كتاب«مقتضب الأثر»من طريق أهل السنّة ينقل عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسيره لقوله تعالى:وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ... (2) ، قوله:
«هم الأوصياء من آل محمّد الاثنى عشر،لا يعرف اللّه إلاّ من عرفهم و عرفوه...»(3).
5-أبو الطفيل عن علي عليه السّلام،قال:
«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا علي،أنت وصيّي...و أنت الإمام و أبو الأئمّة الإحدى عشر،الذين هم المطهّرون المعصومون، و منهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا...»(4).
6-و عن أبي الطفيل أيضا قال:سمعت عليّا عليه السّلام يقول:
«ليلة القدر في كلّ سنة ينزل فيها على الوصاة بعد رسول اللّه ما ينزل».قيل له:و من الوصاة يا أمير المؤمنين؟قال:«أنا و أحد عشر من صلبي هم الأئمّة المحدّثون...»(5).
ص:52
7-عبد اللّه بن عبّاس،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
«إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي اثنى عشر،أوّلهم أخي و آخرهم ولدي».قيل:يا رسول اللّه، و من أخوك؟قال:«علي بن أبي طالب».قيل:فمن ولدك؟ قال:«المهدي الذي يملؤها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما...»(1).
8-ابن عبّاس أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«أنا سيّد المرسلين،و علي بن أبي طالب سيّد الوصيّين،و أنّ أوصيائي بعدي اثنى عشر،أوّلهم علي بن أبي طالب، و آخرهم القائم»(2).
9-ثابت بن دينار عن زين العابدين عليه السّلام،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«الأئمّة بعدي اثنا عشر،أوّلهم أنت يا علي،و آخرهم القائم...»(3).
10-عبد السلام الهروي،عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام،عن آبائه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي...فقلت يا ربّ و من أوصيائي؟فنوديت:يا محمّد،أوصياؤك المكتوبون على سرادق عرشي.فنظرت فرأيت اثنى عشر نورا...أوّلهم علي
ص:53
و آخرهم القائم المهدي...»(1).
11-و في رواية طويلة عن أبي الطفيل،و فيها سؤال اليهودي من علي عليه السّلام حول أوصياء الرسول،فأجابه عليه السّلام:
«لهذه الأمّة بعد نبيّها اثنى عشر إماما...أنا و آخرنا المهدي».
قال اليهودي:صدقت.قال:علي عليه السّلام:«سل عن الواحدة».
قال:اخبرني كم تعيش بعد نبيّك؟و هل تموت أو تقتل؟ قال عليه السّلام:«أعيش بعده ثلاثين سنة،و تخضب هذه-و أشار إلى لحيته-».فقال اليهودي:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه...»(2).
12-عن ابن عبّاس قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:
«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»(3).
و في سياق سعيه لإثبات أنّ فكرة إمام الزمان(عج)مؤامرة تاريخية ليس إلاّ،يذكر كاتب الكرّاسة:
لا بأس أن نعرف أنّ مؤامرة الإمامة و الوصاية ظهرت أوّل ما
ص:54
ظهرت في تاريخ الإسلام عن طريق عبد اللّه بن سبأ اليهودي الذي كان يتظاهر بالإسلام،و فكرة إمام الزمان أيضا...أثر من آثار تلك المؤامرة.
على الرغم من أنّ مسألة الإمامة و الوصاية خارجة عن موضوع البحث، و لكن يجاب على هذا التوهّم بإيجاز:
أوّلا:بناء على وجهات نظر تحقيقية لبعض المؤرّخين الشيعة المعاصرين،فإنّ موضوع عبد اللّه بن سبأ اسطورة تاريخية ليس إلاّ،لا وجود لها في التاريخ.يقول العلاّمة مرتضى العسكري:
أسطورة عبد اللّه بن سبأ وضعها سيف بن عمر،و هو في كتب رجال أهل السنّة إضافة إلى اتّهامه بالزندقة فهو ضعيف، متروك الحديث،كذّاب،يضع الحديث،غير مأمون لا يعتمد عليه و...يقول ابن حبّان:«سيف بن عمر كان يضع الحديث و يروي الموضوعات عن الإثبات...(1).
و يقول أيضا:
نقل الشيعة قصة غلوّ عبد اللّه بن سبأ في كتب الرجال و الحديث من كتاب«رجال الكشّي»،قال النجاشي عنه:
«الكشّي...و روى عن الضعفاء كثيرا»(2).
()-ثانيا:و على فرض وجود هذه الشخصية في التاريخ الإسلامي،فهو
ص:55
استنادا إلى بعض الروايات قطب من أقطاب الغلوّ بين المسلمين،ادّعى النبوّة لنفسه فيما بعد،كما ادّعى الربوبية و الالوهية لأمير المؤمنين عليه السّلام،و لذا يستفاد من بعض الروايات-على فرض الصحّة-أنّ الإمام علي عليه السّلام تعامل معه و فرقته بشدّة(1).
ثالثا:استنادا لما ذكر في المحور الثاني من هذا الفصل،يتوضّح وهن بطلان ادّعاء الكاتب بأنّ عبد اللّه بن سبأ واضع فكرة الإمامة و الوصاية في الإسلام.
من جملة الشواهد التاريخية الدالّة على أنّ خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و اسم آخرهم المهدي(عج)كان من المسلّمات الواضحة المشهورة بين الناس في ذلك المقطع الزمني،أنّ العبّاسيّين استغلّوا ذلك في ثورتهم على الدولة الأموية،حيث استطاعوا برفعهم شعار مظلومية و حقّانية أهل بيت النبوّة عليهم السّلام أن يجمعوا شرائح كبيرة من المجتمع حولهم؛للاستفادة منهم للقضاء على الخلافة الأموية...و بعد ضعف الدولة الأموية قاموا ببيعة إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن المثنّى بعنوان مهدي الأمّة،و بعد موت إبراهيم ادّعوا أنّهم أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و من نسل بني هاشم؛و قاموا بالإضافة إلى تطبيق الآيات و الروايات المرتبطة بذوي القربى على أنفسهم،بإطلاق اسم المهدي الموعود
ص:56
على ولد المنصور،و أيضا بتطبيق«روايات المشرق»-أي الأعلام التي سترتفع من المشرق-التي سارت على الألسنة كواحدة من نبوءات النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في علائم ظهور المهدي،بتطبيقها على أعلام أبو مسلم الخراساني السوداء،و بهذه المناسبة جعلوا لبس السواد من شعائر دولتهم.
و هذا ما لخّصه أبو العبّاس السفّاح-أوّل خلفائهم-في خطبته لأهل الكوفة:«الحمد للّه الذي اصطفى الإسلام...و خصّنا برحم رسول اللّه و قرابته».
و بعد تطبيق آيات ذوى القربى على العبّاسيّين،قال:
يا أهل الكوفة!إنّا و اللّه ما زلنا مظلومين مقهورين على حقّنا، حتّى أتاح اللّه لنا شيعتنا أهل خراسان،فأحيا بهم حقّنا...
فاعلموا أنّ هذا الأمر فينا ليس بخارج منّا حتّى نسلّمه إلى عيسى بن مريم(1).
*** jبناء على ما أوضحناه في هذا الفصل بالاستناد إلى الآيات القرآنية،تكون السنّة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حجّة،و بالتبع تكون العترة هي الأخرى حجّة كالقرآن، فلا تنحصر الحجّية بالقرآن كما أسلفنا.
ص:57
و يبدو أنّ مؤلّف الكرّاسة على الرغم من ادّعائه أنّه من السنّة،و لكن يبدو من خلال أقواله تلك أنّه من أعداء سنّة و عترة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛و إلاّ فإنّ أهل السنّة يعتقدون بحجّية السنّة النبوية صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يحبّون عترته عليه السّلام،و كتبهم دالّة على ذلك.
ص:58
ص:59
ص:60
القرآن يشير إلى المهدي الموعود
يدّعي كاتب الكرّاسة قائلا:
لا يوجد في القرآن أيّ دلالة على إمام الزمان المزعوم إلاّ ما حرّف و أوّل بطريقة الباطنية....
هذا الادّعاء مرفوض من عدّة جهات:
الف-لا يوجد دليل على لزوم ذكر أي موضوع بعينه في القرآن، و المقصود من قوله تعالى:وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (1) ، و قوله تعالى:ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ (2) في صورة ما إذا كان المقصود من الكتاب هو هذا القرآن،لا الكتاب التكويني و نظام الوجود، ناهيك بكلّ ما يرتبط بأمر هداية الإنسان-الذي هو الهدف الأصلي من إنزال الكتب السماوية-موجود في القرآن الكريم.
ب-لا شكّ و لا ترديد في أنّ كلّ القرآن كتاب هداية لا بعضه فقط،و من جملة آياته التي لها دور أساسي في هداية الناس،تلك التي تدعو الناس إلى متابعة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل العلم.في الحقيقة بعض من المعارف و التعاليم
ص:61
الدينية قد طرحت في القرآن الكريم بصورة غير مستقيمة،يعني تلك التي جاءت على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام.
كلّنا نعلم أنّ أغلب أركان العبادات و حتّى بعض ما يختصّ بأصول الدين لم يذكر صراحتا في القرآن الكريم،و إنّما جاء ذكرها و تبيانها على لسان الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أهل بيته عليهم السّلام.و هذا لا ينافي ما جاء في قوله تعالى:
وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (1) ؛و لأنّه-كما أوضحنا سالفا- لا بدّ من اعتبار القرآن ككلّ ملاكا لا بعضه،و الآية:وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (2) صريحة في أنّ الذكر يعني القرآن لا بدّ تبيينه و توضيحه من قبل الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و من دون ذلك يبقى في الجملة مبهما مغلقا عن الأفهام.
و عليه فإنّ ذكر اسم المهدي(عج)على لسان النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كاف للاعتقاد به، و لا لزوم لذكره في القرآن.
عدد الأئمّة و صفاتهم،و أيضا كثير من أركان و شرائط العبادات،من جملة ذلك عدد ركعات الصلاة اليومية و كيفية أدائها،و كثير من العلوم و أحكام الدين،لم تذكر أو توضّح في القرآن،بل ترك أمر تبيانها و توضيحها في عهدة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
موضوع الإمامة و ولاية الأمر بعد الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على الرغم من ثبوته
ص:62
بالأدلّة العقلية فإنّ القرآن الكريم و بنحو عام قرن طاعة أولي الأمر بطاعة اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) ، و لا شكّ أنّ المقصود من أولي الأمر في هذه الآية هم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام؛و ذلك:
الف-حمل الأمر المطلق من قبل اللّه تعالى في هذه الآية بالإطاعة لغير المعصوم غير صحيح؛فغير المعصوم معرّض للذنب و الخطأ،و قبيح على اللّه الحكيم أن يأمر بالطاعة المطلقة لشخص في معرض الانحراف و الخطأ.
من هنا فسّر البعض من أهل العلم و التفسير من السنّة أنّ المراد من أولي الأمر في الآية الشريفة هم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام،كما جاء في «شواهد التنزيل»(2) و«تفسير البحر المحيط»(3) و«ينابيع المودّة»(4) و «فرائد السمطين»(5).
ب-الروايات المعتبرة المنقولة عن العترة تدلّ على أنّ المراد من «أولي الأمر»في الآية«الأئمّة المعصومون»عليهم السّلام.
أمّا القسم الثاني من ادّعاء الكاتب أنّه:«لا يوجد في القرآن أيّ دلالة على إمام الزمان المزعوم إلاّ ما حرّف و أوّل بطريقة الباطنية».
ص:63
فهو ادّعاء بلا دليل إذ تطبيق الحقائق العامّة في القرآن على بعض المصاديق ليس من مقولة التحريف و لا التأويل الباطل.و بخصوص المهدي فإنّ الكثير من كبار المفسّرين السنّة ذكروا آيات تنطبق على المهدي(عج) الموعود،من جملة هذه الآيات:
1-قوله تعالى:اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ... (1).
ذكر النيشابوري في غرائب القرآن(2) ،و الفخر الرازي في تفسيره(3):
قال بعض الشيعة:المراد بالغيب المهدي المنتظر الذي وعد اللّه تعالى به في القرآن و الخبر،أمّا القرآن:وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (4).و أمّا الخبر:
«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من أمّتي،يواطىء اسمه اسمي و كنيته كنيتي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما»(5).
سكت النيشابوري على قول الشيعة و لم يعقب،و أشكل الرازي عليهم قائلا:«إنّ تخصيص المطلق من غير الدليل باطل».و بناء على هذا فإنّه لا إشكال في إطلاق عموم«الغيب»على المهدي(عج)بنظر هذين العالمين الكبيرين.
ص:64
أمّا صاحب كتاب«ينابيع المودّة»فإنّه يقطع بنزول هذه الآية بحقّ المهدي(عج)بقوله:«هذه الآية نزلت في القائم المهدي»(1).
2-عن ابن أبي الحديد في ذيل كلام لأمير المؤمنين في«نهج البلاغة» يقول فيه عليه السّلام:
«لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها،عطف الضّروس على ولدها»(2).
و الآية التي ذكرت بعده:وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (3).قال:«و أصحابنا يقولون إنّه وعد بإمام يملك الأرض و يستولي على الممالك»(4).
3-الآلوسي في تفسيره لهذه الآية:أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ (5) يقول:
المراد من الأرض أرض الدنيا،حيث سيسلّط اللّه فيها المؤمنين، و لن يكون ذلك قبل ظهور المهدي و نزول عيسى عليه السّلام(6).
4-و جاء في«الصواعق المحرقة»في ذيل هذه الآية:وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ (7):
قال مقاتل بن سليمان و من تبعه من المفسّرين:إنّ هذه الآية نزلت في المهدي(8).
ص:65
و قد أيّد صاحبا«إسعاف الراغبين»(1) و«ينابيع المودّة»(2) نزول هذه الآية بحقّ المهدي عليه السّلام.
5-و نقل صاحب«غاية المرام»(3) عن كتاب«البيان»في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي:
إنّ سعيد بن جبير استدلّ بقوله تعالى:لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (4) على إثبات حياة المهدي عليه السّلام بقوله:و المراد به المهدي الذي هو من عترة فاطمة عليها السّلام.
و قال صاحب كتاب«الديباج»:«المراد من الآية:ظهور حجّة اللّه»(5).
6-و جاء في كتاب«ينابيع المودّة»:
و في مناقب الخوارزمي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري في خبر طويل جاء فيه:أنّ يهودي دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فسأله عن مسائل من جملتها عن أوصيائه و عددهم،فذكرهم الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم واحدا بعد آخر حتّى وصل إلى الإمام الحسن و ابنه المهدي،قال:
«و ابنه محمّد يدعى بالمهدي...فيغيب ثمّ يخرج،فإذا خرج يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،طوبى للصابرين في غيبته،طوبى للمتّقين على محبّته،أولئك الذين وصفهم اللّه في كتابه و قال:هُدىً لِلْمُتَّقِينَ*اَلَّذِينَ
ص:66
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (1) ،و قال تعالىأُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (2)»(3).
7-ينقل صاحب كتاب«ينابيع المودّة»عن«فرائد السمطين»:
«الحسن بن خالد،عن علي بن موسى الرضا عليه السّلام:
«فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها...و هو الذي يناد مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض:ألا أنّ حجّة اللّه قد ظهر...فاتّبعوه؛فإنّ الحقّ فيه و معه،و هو قول اللّه تعالى:
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4)»(5).
8-«ينابيع المودّة»أيضا في ذيل هذه الآية:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ... (6) قال:
«و اللّه ما يجيء تأويلها حتّى يخرج القائم المهدي عليه السّلام»(7).
9-ينقل صاحب كتاب«مقتضب الأثر»رواية من طرق السنّة،عن أمير المؤمنين عليه السّلام،قال:
«ليلة القدر في كلّ سنة ينزل فيها على الوصاة بعد رسول اللّه ما ينزل».قيل له:و من الوصاة يا أمير المؤمنين؟قال:
«أنا و أحد عشر من صلبي...»(8).
ص:67
يستفاد من هذه الرواية أنّ في سورة القدر إشارة إلى المهدي عليه السّلام، خصوصا مع التوجّه إلى قوله تعالى:تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها... (1)
الظاهرة بالاستمرار و الاتّصال،و قطعا تشمل زمان الغيبة.و يستفاد أيضا من هذه الرواية أنّ وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي محلّ نزول الملائكة و الروح، كذلك دائما و في كلّ عام.
و هذه كانت نماذج من بعض كتب أهل السنّة و مفسّريهم الذين ذكروا في كتبهم الآيات التي تنطبق على المهدي الموعود،أكثر عشرات المرّات ممّا جاء في كتب التفاسير الشيعية عن المعصومين عليهم السّلام؛و بما أنّا أثبتنا حجّية أخبار العترة،فلا مجال بعد ذلك لأحد الطعن بالتمسك بالروايات المنقولة عن أئمّة و أهل بيت النبي عليهم السّلام،و إن كان هدفنا في هذه الأجوبة المختصرة هو نقل الروايات من طرق السنّة و حسب.
هذا من جانب،و من جانب آخر نقول للذين ينكرون تطبيق الآيات على المهدي:إنّ كبار علماء السنّة قد أفردوا كتبا مستقلّة تتناول بالذكر الآيات القرآنية النازلة بحقّ الإمام علي عليه السّلام،أمثال:
1-أبو نعيم الأصفهاني،صاحب كتاب«ما نزل من القرآن في علي»أو «ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين».
أشار المرحوم العلاّمة الأميني إلى هذا الكتاب في«الغدير»(2).
2-محمّد بن أحمد بن أبي الثلج،صاحب كتاب«التنزيل في النصّ على أمير المؤمنين».
ص:68
نقل عنه المرحوم ابن طاووس في كتابه«اليقين»(1) بعض المسائل.
3-أبو بكر محمّد بن مؤمن الشيرازي،صاحب كتاب«نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين».
أشار المرحوم ابن شهر آشوب في كتابه«المناقب»(2) إلى هذا الكتاب.(3)
()-4-الحاكم الحسكاني الحنفي،صاحب كتاب«شواهد التنزيل و هو ما نزل من القرآن في علي»(4).
5-الحسين بن الحكم الحبري الكوفي،صاحب كتاب«ما نزل من القرآن في علي»(5).
6-المظفّر بن أبي بكر الحنفي،صاحب كتاب«ما نزل من القرآن في علي»(6).
إذن لا يستعبد تطبيق بعض الآيات على الإمام المهدي عليه السّلام أيضا،كما نقل علماء السنّة،فإن لم يجز تطبيقها على المهدي(عج)لم يجز تطبيقها على الإمام علي عليه السّلام أيضا؛لوحدة الملاك.
و من اللازم التذكير أنّه في كتاب«غاية المرام»المقصد الثاني نقل في أكثر من مئة و ثلاثة و عشرون بابا آيات تنطبق على أهل بيت النبي عليهم السّلام، منقولة من كتب أهل السنّة،أو الروايات المنقولة من طرقهم بشأن بعض
ص:69
الآيات المنقولة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام و التي تنطبق على أهل البيت عليهم السّلام.
و أيضا ذكر صاحب كتاب«حقّ اليقين في معرفة أصول الدين»أربعة عشر آية كلّها تنطبق على الإمام علي عليه السّلام أو على أهل بيته عليهم السّلام بصورة عامّة، جمعها من كتب أهل السنّة مع ذكر السند و الطريق.و هذه الكتب عبارة عن:
الدرّ المنثور،ج 2،ص 293؛تفسير الرازي،ج 3،ص 618 و ج 8، ص 392؛تفسير البيضاوي،ص 154؛تفسير الكشّاف،ج 1،ص 264 و ج 2،ص 339؛تفسير النيشابوري،ج 2،ص 28؛طبقات النقول،ج 2، ص 15؛مشارق الأنوار،ص 75؛صواعق ابن حجر،ص 74؛سيرة الحلبي، ج 3،ص 302؛نور الأبصار،ص 69؛تفسير الطبري،ج 12،ص 10 و ج 25،ص 58؛شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد،ج 2،ص 236 و ج 3، ص 270؛صحيح مسلم،ج 2،ص 331؛الشرف المؤيّد،ص 10؛مصابيح السنّة،ج 2،ص 200؛الخصائص الكبرى،ج 2،ص 264؛الإتحاف، ص 18؛إسعاف الراغبين المطبوع بحاشية نور الأبصار،ج 4،ص 45؛ تفسير روح البيان،ج 3،ص 230 و ج 6،ص 546؛إصابة ابن حجر،ج 4، ص 307؛منتخب كنز العمّال،ج 5،ص 43؛ينابيع المودّة،ج 1،ص 93، 94 و 99؛تفسير الجلالين،ج 1،ص 35؛تاريخ الخلفاء،ص 65؛الفتوحات الإسلامية،ج 2،ص 342(1).
ص:70
و أيضا نقل الخوارزمي-من كبار علماء أهل السنّة-في«مناقبه»الفصل السابع آيات منقولة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو عن أصحابه تنطبق على علي عليه السّلام مع ذكر سندها(1).
الجدير بالقول إنّ صاحب كتاب«الكشّاف المنتقى لفضائل علي المرتضى»قد ذكر في كتابه أربعة و سبعين آية يعتقد علماء أهل السنّة أنّها نزلت بحقّ علي عليه السّلام.و قد ذكر أكثر من مئتي كتاب عن أهل السنّة كلّ منها ذكر بعض هذه الآيات بشأن المهدي عليه السّلام.
و للتذكير نقول:إنّه ليس المقصود من قياس الإمام المهدي عليه السّلام بالإمام علي عليه السّلام إثبات وجود إشارات في القرآن لها علاقة بالإمام المهدي(عج)،بل المقصود ما يقابل استبعاد ما أنكره الكاتب من وجود إشارات في القرآن ترتبط بالإمام المهدي عليه السّلام؛لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد.
و نستخلص النتيجة من هذا الفصل:أنّه لا لزوم لذكر موضوع الإمام المهدي عليه السّلام في القرآن،كما هو الحال لكثير من العلوم و الأحكام و المعارف الدينية،مضافا إلى أنّ الكثير من علماء السنّة و كذا الشيعة قد أشاروا إلى وجود آيات في القرآن الكريم تنطبق على موضوع الإمام المهدي عليه السّلام و قد أشرنا إليه.
ص:71
ص:72
ص:73
ص:74
تواتر روايات المهدي الموعود في كتب أهل السنّة
يدّعي كاتب الكرّاسة قائلا:
ما جاء في أخبار الآحاد حول المهدي لا ارتباط له بإمام زمان علماء الإمامية المزعوم الذي هو آلة بأيديهم لأجل تضليل مقلّديهم،بل هي تدور حول مصلح من ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يعمل بدين الرسول،لا أنّه يأتي بدين جديد كما تدّعي ذلك كتب الإمامية.
و تنقسم الإجابة على هذا الإدّعاء إلى عدّة أقسام:
ادّعاء كون أخبار المهدي عليه السّلام هي أخبار آحاد،ناتج من قلّة دراية الكاتب و معرفته؛إذ على الرغم من أنّ بعض تلك الأخبار الموجودة في كتب الفريقين،سواء ما ترتبط بجزئيات زمان الظهور أو العلائم التي تسبقه،أو ما يقوم به من أعمال خاصّة،هي أخبار آحاد،بعضها ضعيف السند أو المتن، و لكن أصل وجود المهدي عليه السّلام و ظهوره آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و ما يرتبط بهذا الظهور من وقائع و أحداث، هي أخبار قطعية و مدلول روايات متواترة منقولة عن كتب الفريقين.
ص:75
و سنكتفي في كتابنا هذا مراعاة لأسلوب و آداب الحوار المنطقي،و في مقام الاستدلال و إثبات المطلوب بالاستناد إلى كتب و روايات و آراء أهل السنّة.
و من جانب آخر نشير إلى نماذج من أقوال علمائهم ما يختصّ بإثبات تواتر روايات المهدي الموعود عليه السّلام.
1-يذكر ابن أبي الحديد في«شرح نهج البلاغة»:
قد وقع اتّفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أنّ الدين و الدنيا و التكليف لا ينقضي إلاّ عليه(1).
2-و جاء في«إسعاف الراغبين»:
تواترت الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بظهور المهدي،و هو من أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يملأ الأرض عدلا و قسطا(2).
()-3-ابن حجر عن أبي الحسين الآجري قال:
قد تواترت الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّ المهدي(عج)من أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يملأ الأرض عدلا،و أنّه يملك سبع سنين، و يخرج مع عيسى عليه السّلام و يساعده على قتل الدجّال بأرض فلسطين،و أنّه يؤمّ هذه الأمّة و عيسى يصلّي خلفه(3).
4-يقول العلاّمة البرزنجي:
و اعلم أنّ الأحاديث الواردة في ظهور المهدي على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر،بعضها صحيح و بعضها حسن و
ص:76
بعضها ضعيف و هي الأكثر،و لكن لكثرة رواتها فإنّ الضعيف ينجبر بالقوي...و قد تواترت الأخبار على ظهوره،و أنّه من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلا(1).
5-و أورد الشيخ علي ناصف في كتاب«غاية المأمول»:
اعلم أنّ المشهور بين الكافّة من أهل العلم على مرّ الأعصار أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين و يظهر العدل و يتبعه المسلمون،و يخرج الدجّال و أنّ عيسى عليه السّلام ينزل من بعده فيقتل الدجّال أو يساعده على قتله....
و خرّج أحاديث المهدي جماعة من الأئمّة،منهم أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و البزّاز و الحاكم و الطبراني و أبو يعلى الموصلي و الإمام أحمد...و قد بالغ ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي كلّها فلم يصب بل أخطأ(2).
و في نفس الكتاب عن«فتح الباري»:
تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأمّة،و أنّ عيسى ينزل من السماء و يصلّي خلفه...و الصحيح أنّ عيسى رفع، و هو حيّ.
و جاء في الكتاب كذلك:
ص:77
أنّ الشوكاني قد أيّد في رسالته المسمّاة التوضيح تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدي و الدجّال و المسيح.
و يضيف«غاية المأمول»:
ثبت أنّ أحاديث المهدي متواترة،و هذا كاف لمن كان يملك ذرّة من الأنصاف و الإيمان(1).
6-و يؤيّد الكنجي في كتابه«البيان»الباب 11 أيضا تواتر روايات المهدي.
7-و ينقل صاحب كتاب«كفاية الموحّدين»عن الشافعي قوله بتواتر روايات المهدي.و أيضا صاحب كتاب«البرهان»في علامات مهدي آخر الزمان يذكر آراء أربعة من علماء المذاهب الأربعة ممّن قطعوا بصحّة روايات المهدي و ظهوره.و هؤلاء الأربعة هم:«ابن حجر الشافعي صاحب كتاب«المختصر»و أحمد بن ضياء الحنفي،و محمّد بن محمّد المالكي، و يحيى بن محمّد الحنبلي...»(2).
8-و يؤكّد كلّ من حافظ العسقلاني في«تهذيب التهذيب»و السيوطي في«الحاوي للفتاوى تواتر الأخبار في المهدي»،و أنّه من أهل البيت عليهم السّلام، و أنّه يحكم سبع سنين يملأ الأرض عدلا و يصلّي خلفه عيسى و...(3).
ينقل كذلك ابن حجر عن أبي الحسين الآجري تواتر هذه الروايات(4).
ص:78
9-و يؤيّد صاحب كتاب«إتحاف أهل الإسلام»أصل ظهور المهدي، و كذا صاحب كتاب«مناقب الشافعي،»و أنّه من أهل بيت النبي،و يؤكّدان على تواتر الروايات في ذلك(1).
10-و يعد السفاريني الحنبليّ موضوع ظهور المهدي الموعود من العقائد المقطوع بها؛لدن كبار علماء السنّة،و يدّعي تواتر الروايات في ذلك، و يضيف بصريح القول:
الإيمان بظهور المهدي كما هو متعيّن عند أهل العلم، واجب(2).
و نفس القول ينقله صاحب كتاب«طبقات الحنابلة»عن الشيخ حسن البربهاري الحنبلي.
11-يقول محمّد صديق حسن القنوجي:
الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدّا تبلغ حدّ التواتر،و هي مذكورة في السنن و المعاجم و المسانيد(3).
و في مكان آخر يقول:
لا شكّ في ظهور المهدي آخر الزمان،...فقد تواترت الروايات فيها،و اتّفق عليها الجمهور خلفا عن سلف إلاّ
ص:79
البعض ممّن لا يعتنى بقوله(1).
12-يقول العلاّمة محمّد بن جعفر الكتّاني بعد نقله لرأي ابن خلدون المخالف لروايات المهدي و إشارته إلى الردود و النقد عليه:
و قد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حدّ التواتر(2).
13-يقول الدكتور الشيخ عبد المحسن العبّاد الرئيس الأسبق للجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة-و الذي يستند إليه كاتب الكرّاسة في أكثر من مورد-في ردّه على الشيخ عبد اللّه بن زيد آل محمود رئيس القضاء القطري الذي يذكر في رسالته«لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر»:
بأنّ فكرة المهدي ليست من معتقدات قدامى أهل السنّة،و لم يتطرّق إليها بذكر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لا الأتباع من بعدهم...يقول العبّاد:
الأحاديث كثيرة و مستفيضة حول ظهور المهدي آخر الزمان نقلها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الأصحاب و التابعون،و هي متواترة فكيف يمكنه القول إنّ الأصحاب و التابعين لم ينقلوها أو يروونها؟!
ثمّ ينقل الشيخ عبد المحسن العبّاد الاعتقاد بتواتر روايات المهدي عن الشوكاني في كتابه«التوضيح»،و صديق حسن خان في كتابه«الإذاعة»، حيث يقول:
ص:80
و هي متواتر بلا شكّ و لا شبهة،بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأصول.و أمّا الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا...(1).
هذا و قد نقل كاتب الكرّاسة اعتراف الشيخ الدكتور عبد المحسن العبّاد بتواتر روايات المهدي في كرّاسة«الفرق الكبير بين المهدي الموعود و إمام الزمان المزعوم».
و للتذكير:فإنّ كاتب كرّاسة«المهدي الموعود أو المهدي المزعوم»قد نقل الكثير من المواضيع المرتبطة بفكرة إنكار المهدي عن رسالة الشيخ عبد اللّه بن زيد رئيس القضاء القطري«لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر»،تلك الرسالة التي قام الشيخ عبد المحسن العبّاد بالردّ عليها و تفنيد ما جاء فيها في مجلّة«الجامعة الإسلامية»تحت عنوان:«عقيدة أهل السنّة و الأثر في المهدي المنتظر»الذي يشتمل على أربعين موضوعا مرتبطة بالمهدي عليه السّلام.(2)
ثمّ نقل عن أصحاب الصحاح و السنن و المسانيد ما ذكروه من روايات حول المهدي(عج).
و أخيرا لا يبقى مجال أمام الكاتب إلاّ الاعتراف بما نقل من تواتر روايات المهدي(عج)عن طريق أهل السنّة.
ص:81
لنا كلام هنا على القسم الآخر من ادّعاء صاحب الكرّاسة حين يقول:
«لا ارتباط بين المهدي الموعود و إمام الزمان مزعوم هؤلاء الشيعة...»...نقول:
إنّ هذا الكلام لا يستند إلى أيّ دليل؛و ذلك لأنّ كلّ تلك الروايات المنقولة المتّفق عليها بين الفريقين على اختلاف تعابيرها قد دلّت على أنّ خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو نقباءه أو أئمّة المسلمين اثنى عشر،و وفق هذه الروايات فإنّ المهدي الموعود(عج)هو أحدهم و هو آخر الخلفاء.
و تعابير مثل:«لا يزال»و«ما دام الدين قائما»،صريحة بأنّه ما دام الإسلام قائما لا تخلو الأرض من خليفة للرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و لأنّه بشهادة التاريخ ثبت موت الخلفاء الأحد عشر فلم يبق إلاّ التسليم ببقاء الخليفة الثاني عشر،و هو حيّ غائب ينتظر الإجازة و الإذن بالظهور،و هو المهدي الموعود عليه السّلام.و مقصود الشيعة من إمام الزمان هو هذا الخليفة الحيّ المنتظر.
لو قال:إنّ المهدي لم يولد بعد،و متى ما ولد فسيكون الخليفة.
نقول:إنّ مفاد قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»المنقول من طرق أهل السنّة(1) ،أنّه لا يخلو زمان من إمام و حجّة؛ و الإمام المذكور في هذه الرواية كرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في كونه أكمل الناس و
ص:82
يقوم مقامه و هو إمام العصر و الزمان المهدي الموعود(عج).
و هذا المعنى مستفاد أيضا من قوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم«لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض...»المذكور في ذيل رواية الثقلين المتواترة،و التي هي مورد قبول السنّة و الشيعة إذ معنى عدم انفصال العترة عن القرآن أنّه ما دام القرآن موجود بين الناس،فالعترة كذلك،و اليوم لم يبق من العترة غير مهديها الغائب(عج).
و قياس الإمامة بالرسالة و تلك الفترة من الرسل أصحاب الشرائع،قياس باطل،إذ لا إشكال في وجود خلفاء في فترات الرسل يحفظون كتب و شرايعهم،و طبق الأخبار المقطوعة الصدور أنّه لا يوجد نبيّ و صاحب شريعة بدون خليفة و قائم مقامه،و خلفاء و أسباط و نقباء الأنبياء اثنى عشر، و بالطبع هم من أكمل الناس و أئمّة زمانهم.
حول ذكر المهدي في كتب أهل السنّة يقول كاتب الكرّاسة:
بعد مراجعتي لكتاب«صحيح مسلم»ليس فقط إنّي لم أعثر على مدّعى مطلوب الشيخ منتظري،بل و لا حتّى حديث واحد مذكور فيه عن المهدي.
و يردّ عليه:
أوّلا:جاء في كتاب«سبائك الذهب»لأحد كبار علماء السنّة:
ص:83
اتّفق العلماء على أنّ المهدي هو هذا الذي سيظهر آخر الزمان و يملأ الأرض عدلا و قسطا(1).
فلو لم يكن مسلم-مع كونه معروفا و من كبار علماء السنّة-ممّن لا يعتقد بذلك لما ادّعى صاحب«السبائك»ما ادّعى.
و ثانيا:الرواية التالية ذكرت في أكثر كتب أهل السنّة،و على رأسها صحيحي مسلم و البخاري بأسناد مختلفة:
كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و إمامكم منكم؟(2).
و جاء أيضا في«صحيح مسلم»:قال جابر بن عبد اللّه:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:
«لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة،قال:فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم:تعال صلّ بنا،فيقول:لا،إنّ بعضكم على بعض أمراء...»(3).
و جاء في هذه الرواية في«عقد الدرر»بعد جملة«فينزل عيسى بن مريم»قوله:
«طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي فيقال له:
تقدّم يا نبيّ اللّه فصلّ بنا،فيقول:إنّ هذه الأمّة أمير بعضهم
ص:84
على بعض...»(1).
و يفهم من هذه الرواية جيّدا أنّ نبيّ اللّه عيسى يقتدي في صلاته بإمام الأمّة المحمّدية المهدي عليه السّلام.و يتأيّد هذا المضمون بما جاء في رواية أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،يقول:
«منّا الذي يصلّي عيسى ابن مريم خلفه»(2).
و الرواية الأخيرة جاءت في أكثر كتب السنّة،من جملتها:«كنز العمّال»(3)
و«البرهان»(4) و«مناقب المهدي»بنقل«عقد الدرر»(5).و جاءت في كتب أخرى بنفس المضمون كلّها صريحة باقتداء عليه السّلام عيسى به في الصلاة، من جملتها:«غاية المأمول(شرح التاج الجامع للأصول)»(6) و «إسعاف الراغبين»(7) و«العرف الوردي(الحاوي للفتاوى)»(8) و «الصواعق المحرقة»(9) و«ينابيع المودّة»(10) و«الفتن»(11) ،و كتب أخرى(12).
و على هذا فإنّ المقصود من جملة«و إمامكم منكم»في رواية صحيحي مسلم و البخاري هو هذا المهدي الموعود(عج).
ص:85
و في رواية أخرى جاءت في«صحيح مسلم»بسند أبي هريرة بدل «و إمامكم منكم»«أمّكم منكم»(1).و بقرينة الروايات الآنفة الذكر المصرّحة بإمامة المهدي(عج)،يفهم من هذه الرواية أيضا أن المقصود هو إمامة المهدي للخلائق.
أمّا السبب في عدم ذكر روايات المهدي بصورة مفصّلة في صحيحي مسلم و البخاري،فنلفت الانتباه إلى ما أوضحه الدكتور الشيخ عبد المحسن العبّاد الرئيس السابق للجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة في مجلّة «الجامعة الإسلامية»:
عدم درج هكذا أحاديث في الصحيحين لا يعدّ دليلا على ضعفها عند الشيخين«البخاري و مسلم»؛و ذلك أنّهما لم يدّعيا أبدا في صحيحيهما أنّهما نقلا كلّ ما كان صحيحا،و لم ينقل عنهما أنّهما قصدا جمع كلّ ما هو صحيح،حتّى يمكن القول إنّ كلّ ما لم يجئ في الصحيحين فهو ضعيف،بل إنّ البخاري و مسلم صرّحا خلاف ذلك.
يقول ابن عمرو في كتاب«علوم الحديث»:«لم يسجّل البخاري و مسلم جميع الأحاديث الصحيحة في صحيحيهما».
و نقل عن البخاري قوله:«لم أقيّد في كتابي إلاّ الصحيح،
ص:86
و لكن بسبب كثرة الأحاديث أغضيت عن نقل بعض الأحاديث الصحيحة».
و يقول النووي في مقدّمة«شرح صحيح مسلم»:«...لم ينقلا «البخاري»و«مسلم»جميع الأحاديث،و لكنّهما صرّحا أنّهما لم يستطيعا تسجيل جميع الأحاديث،و كان هدفهما جمع طائفة من الأحاديث...»(1).
و جاء في هامش كتاب«عقد الدرر»قوله:
رواية نزول عيسى عليه السّلام و صلاته خلف المهدي عليه السّلام قد وردت في كتاب«المنار المنيف»لابن القيم،و أيضا كتاب «مسند حافظ»بن أبي أسامة عن رسول اللّه،قال:
«ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي...».
و ابن القيم صحّح سنده،و الشيخ عبد المحسن العبّاد قد ذكره في كتابه «عقيدة أهل السنّة و الأثر في المهدي المنتظر»،و قال:هذا الحديث و أحاديث كثيرة أخرى دالّة على ظهور المهدي آخر الزمان.في الحقيقة هي مفسّرة و شارحة لتلك الرواية المذكورة في صحيحي مسلم و البخاري»(2).
هذا و أنّ حديث«المهدي من سادات أهل الجنّة»إضافة إلى أنّه مذكور في كثير ما كتب السنّة فقد نقله أيضا كتاب«المنتخب من صحيح البخاري و مسلم»(3).
ص:87
*** و نتخلّص من كلّ ما ذكرنا في هذا الفصل:
أوّلا:تواتر روايات المهدي(عج)في كتب السنّة أيضا.
ثانيا:لا تغاير أو اختلاف بين إمام الزمان في عقيدة الشيعة و المهدي الموعود عند أهل السنّة.
كما أنّ في الصحيحين توجد هذه الروايات و لو بنحو الإشارة.
ص:88
ص:89
ص:90
الكاتب في فصل آخر من كرّاسته يدّعي قائلا:
المقالات و التصريحات الموجودة في كتب الإمامية حول هذه الأسطورة المزيّفة تدلّ على انسلاخ هذا الإمام عن الإسلام؛لأنّه سوف يأتي بدين جديد و كتاب آخر غير القرآن...يختلق النعماني عن أبي جعفر:أنّ القائم يقوم بأمر جديد و كتاب جديد و قضاء جديد على العرب شديد،ليس شأنه إلاّ السيف،و لا يستتيب أحدا...و الطوسي ضمن تأييده لهذا الموضوع يختلق عن أبي عبد اللّه:أنّ القائم يقوم بأمر جديد غير ما عرفه الناس.
و هذا الادّعاء باطل لسببين:
ليس من معتقد الشيعة أبدا أنّ المهدي(عج)يأتي بدين جديد و كتاب غير القرآن،بل-و كما هو مطابق لتلك الأخبار المنقولة من طرق الشيعة و السنّة- هم يعتقدون أنّ إمام الزمان يظهر ليحيي كتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،
ص:91
و ليقضي على البدع و الأهواء و يزيلها عن الدين و ساحة القرآن الكريم، و يقضي على الكفر و الشرك و يمحوهما من الوجود و يستقر الإسلام.
نذكر هنا بعض من تلك الروايات المنقولة من طرق الشيعة:
1-عن علي عليه السّلام فيما قال حول الملاحم و الفتن:
«يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، و يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي...».
و منها«حتّى تقوم الحرب بكم عن ساق...فيريكم كيف عدل السيرة،و يحيي ميّت الكتاب و السنّة»(1).
هذه الخطبة بنظر الشرّاح هي جزء من نبوءة الإمام عليه السّلام حول المستقبل و حول سيرة و عمل المهدي(عج).
يقول ابن أبي الحديد في شرحه لها:
هذه إشارة إلى إمام يخلقه اللّه تعالى في آخر الزمان،و هو الموعود به في الآثار و الأخبار(2).
2-جاء في تفسير قوله تعالى:وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ،(3) و قوله تعالى:وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ (4):يقول الإمام الصادق عليه السّلام:
«لم يجىء تأويل هذه الآية،و لو قد قام قائمنا بعده سيرى من
ص:92
يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية،و ليبلّغنّ دين محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما بلغ الليل حتّى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال اللّه»(1).
3-ينقل صاحب«مجمع البيان»عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:
«إنّ ذلك(اي استقرار الإسلام كلّه في الأرض)يكون عند خروج المهدي من آل محمّد،فلا يبقى أحد إلاّ أقرّ بمحمّد»(2).
4-في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السّلام جاء فيه:
«و عند ذلك يؤيّده اللّه بجنود لم تروها،و يظهر دين نبيّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على يديه على الدين كلّه و لو كره المشركون»(3).
5-و جاء في رواية حذيفة في«البحار»:
«تجري الملاحم على يديه و يظهر الإسلام...»(4).
6-ينقل أبو سعيد عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:
«ثمّ يبعث اللّه رجلا منّي و من عترتي فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جورا...و ذلك حتّى يضرب الإسلام بجرّانه»(5).
ص:93
7-يروي أحمد بن عمر عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:
«إنّ الدنيا لا تذهب حتّى يبعث اللّه رجلا منّا أهل البيت يعمل بكتاب اللّه...»(1).
8-عن عبد اللّه بن عطاء قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن سيرة المهدي كيف سيرته؟فقال:
«يصنع ما صنع رسول اللّه،يهدم ما كان قبله كما هدم رسول اللّه أمر الجاهلية،و يستأنف الإسلام جديدا»(2).
و الجاهلية التي يهدمها المهدي عليه السّلام هي البدع و المفاهيم المغلوطة حول الدين و القرآن و إعمال الأهواء النفسية و الدوافع غير الإلهية في أمور الدين و فهمه و تبليغه.
9-و في مرفوعة ابن محبوب عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«و القائم يومئذ بمكّة عند الكعبة مستجيرا بها يقول:...فأنا بقيّة آدم و خيرة نوح و مصطفى إبراهيم و صفوة محمّد،ألا و من حاجّني في كتاب اللّه فأنا أولى الناس بكتاب اللّه،ألا و من حاجّني في سنّة رسول اللّه فأنا أولى الناس بسنّة رسول اللّه و سيرته...»(3).
ص:94
10-روايات الباب التاسع عشر من كتاب«الغيبة»للنعماني(1) ،جاءت بتعابير مختلفة كلّها تصرّح أنّ المهدي يظهر حاملا راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، تلك الراية التي لم تحمل بعد حرب الجمل إلى هذا اليوم،دالّة بوضوح على كذب ما نسب إلى الشيعة،و تؤيّد ما ذهبنا إليه في هذا المطلب.
11-كما و توجد روايات تصف المهدي بما كان يتمتّع به الأنبياء كإبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام و رسولنا الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،من صفات و خصائص فمن تلك التي تشبّهه بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ما جاء في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:
«...و أمّا سنّة من محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيهتدي بهداه و يسير بسيرته»(2).
و الاهتداد بهداه لن يكون إلاّ عبر إدامة مسيرته و إقامة دينه.
جميع الروايات التي تصف الأئمّة عليهم السّلام بالخلفاء و تذكر عددهم و خصوصياتهم و أسمائهم،و التي بلغت حدّ التواتر-من طرق الشيعة و السنّة- كلّها تدلّ على أنّ مقام المهدي(عج)هو مقام الخليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و المكمل لمسيرته.و من البديهي أنّ إطلاق الخليفة لا يكون إلاّ على ذلك الشخص الذي يديم مسيرة الرسالة و يتحمّل ما كان يتحمّل الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من مسؤوليات و مهام.
ص:95
فمن هذه الروايات:
1-رواية حمّاد بن زيد عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(1).
2-رواية عبد اللّه بن مسعود عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(2).
3-رواية مسروق عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(3).
4-رواية أبو الفرج عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(4).
5-رواية أبي طفيل في سؤال رجل يهودي من الإمام علي عليه السّلام عن خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(5).
6-رواية عبد اللّه بن عمر بن عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(6).
7-رواية مكحول عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(7).
8-رواية عائشة عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(8).
و روايات أخرى مذكورة في كتب التفاسير و الحديث الشيعية.
و في روايات أخرى متواترة منقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جاء فيها بدل «خليفة»و«خلفاء»كلمات مثل«نقباء»،«أوصياء»،«أسباط»،«أئمّة»، و«قيّم»،كلّها تدلّ على ما أسلفنا الإشارة إليه في هذا الفصل من أنّها تشير
ص:96
لأولئك الأشخاص الذين تقع عليهم مسؤولية حفظ الدين و الرسالة و الانتهاج بنهج صاحب الشريعة من بعده،و آخرهم سيملك الأرض و يحكّم فيها تعاليم الإسلام و مبادىء الشريعة،بلا زيادة أو نقصان.
كان جيّدا لو أنّ كاتب الكرّاسة الذي اتّهم الإمامية اعتقادهم بأنّ المهدي(عج)يأتي بدين جديد و كتاب جديد،أن يذكر اسم عالم شيعي واحد معروف يعتقد بهذا القول أو يروّج له.
جاء في الروايات:أنّ الإسلام سيعود غريبا آخر الزمان و يندرس، و لا يبقى منه إلاّ اسمه،و من القرآن إلاّ رسمه.و جاء في بعضها:أنّ المهدي(عج)بظهوره سينقذ الإسلام من هذه الغربة و يعيد إليه الحياة.سوف ننقل بعضها من طرق الفريقين.
1-عن أمير المؤمنين عليه السّلام في سياق الإشارة إلى قوله تعالى:وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (1) ،قال:
«و ذلك إذا لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه و من القرآن إلاّ
ص:97
رسمه،و غاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له...»(1).
2-عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«إنّ قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول اللّه،و أنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء»(2).
3-و جاء في رواية أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ،فطوبى للغرباء...
ثمّ قال:يستأنف الداعي منّا دعاء جديدا كما دعى رسول اللّه»(3).
4-و في رواية أخرى عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...و اللّه لكأنّي أنظر إليه بين الركن و المقام يبايع الناس على كتاب جديد...»(4).
5-و جاء في رواية أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...يقوم بأمر جديد و سنّة جديدة و قضاء جديد...»(5).
6-و في رواية أخرى عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...يقوم القائم بأمر جديد و سنّة جديدة و قضاء جديد...»(6).
ص:98
ربما كانت هذه الروايات هي مستند ادّعاء الكاتب و ما نسبه إلى الشيعة من معتقدات،دون ملاحظة بقيّة الروايات الأخرى لسيرة و نهج المهدي الموعود عليه السّلام.
يوجد في كتب أهل السنّة أيضا مشابه للروايات المذكورة،منها:
1-رواية حذيفة بن اليمان عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
«يدرس الإسلام كما يدرس و شي الثوب حتّى لا يدرى ما صيام و لا صدقة و لا نسك،و يسري على كتاب اللّه في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية...»(1).
2-رواية ابن عبّاس و فيها سؤال رجل يهودي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن مسائل،من جملتها عن الحوادث الواقعة في المستقبل-نظير ما وقع لبني إسرائيل-و التي تنتهي بظهور المهدي الموعود،فقال له صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«و أنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يرى،و يأتي على أمّتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه و لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه،فحينئذ يأذن اللّه تعالى له بالخروج فيظهر الإسلام به و يجدّده...»(2).
ص:99
3-رواية عبد اللّه بن عطاء عن الإمام الباقر عليه السّلام حول سيرة المهدي عليه السّلام:
«و يهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه،و يستأنف الإسلام من جديد»(1).
و في ما يرتبط بالروايات الآنفة نشير إلى بعض المسائل:
كما بيّنا سابقا من ذكر روايات أهل السنّة أنّ كاتب الكرّاسة لا يحقّ له التهجّم على الشيعة و اتّهامهم بهذه التهمة الباطلة،فإذا كان هناك من إشكال -و لا يوجد-فالأجدر به هو-و كان من أهل السنّة-أن يجيب عليه.
بعض الروايات التي ذكرناها آنفا ضعيفة السند،مثل الرواية الثالثة التي في سندها الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني،الذي قال عنه بعض علماء الرجال الشيعة:«كذّاب ملعون»(2).
كذلك الرواية الرابعة التي في سندها ابن البطائني،و حسب الظاهر هو علي بن أبي حمزة الذي قال عنه أبو الحسن علي بن حسن بن فضّال:«كذّاب متّهم»(3).و هو أحد أعمدة الواقفة،كان وكيلا للإمام موسى بن جعفر عليه السّلام
ص:100
و عنده أموال كثيرة،استولى عليها بعد وفاة الإمام و لم يسلّمها إلى ولده الرضا عليه السّلام،كما لم يقل بإمامته.(1)
بقرينة الروايات المذكورة في الدليلين الأوّل و الثاني،و التي أوضحت غربة الإسلام ابتداء و استدامة،يفهم أنّ المراد من الكتاب الجديد و السنّة الجديدة و الأمر الجديد و القضاء الجديد ليس دينا غير الإسلام أو كتابا غير القرآن،و إنّما المقصود الوضوح و إعادة هيكلية الأحكام و علوم التوحيد و الحقائق المحرّفة أو المنسيّة،أو ما أجمل من القرآن،و أيضا تأويل القرآن و تفسير آياته بما يختصّ بباطنه،أو كما عرّفه الإمام علي عليه السّلام في نهج البلاغة(2):«فيحيي ميّت الكتاب و السنّة».
و من البديهي أنّ بيان الحقائق الجديدة و التفاسير و التأويلات غير المذكورة،و القضاء بالحقّ بعيدا عن الأهواء و الحوافز غير الإلهية،و التي هي من أعمال المهدي المنتظر عليه السّلام،يعتبر عند غالبية عوام الناس الذين ابتعدوا عن حقيقه الكتاب و السنة كأنّما قد جاء بسنّة جديدة أو كتاب جديد.
إضافة إلى ما ذكر على مبنى الروايات الدالّة على أنّ المهدي(عج)سيواجه قوما يؤوّلون القرآن و يقاتلونه حسب هذا التأويل،فإنّ ذلك إن دلّ على شيء
ص:101
فإنّما يدلّ على أنّ القرآن-حين الظهور-يفسّر على خلاف حقيقته و ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،أي طبق أهواء المؤوّلين،و الإمام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يعامل معهم على تفسير القرآن و تأويله كما هو حقّه.
و الشاهد على ما ذكر ما ينقل الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...إنّ قائمنا إذا قام أتى الناس و كلّهم يتأوّلون عليه كتاب اللّه يحتجّ عليه به...»(1).
و أيضا عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...و أنّ القائم يخرجون عليه فيتأوّلون عليه كتاب اللّه و يقاتلونه عليه...»(2).
*** و يفهم من تلك الروايات الشيعية و السنّية أنّ المهدي(عج)لا يأتي بدين غير الإسلام أو كتاب غير القرآن،و لا يقضي إلاّ بما قضى به الإسلام؛ و المقصود من الدين الجديد و الكتاب الجديد كما جاء في بعض الروايات من الفريقين-بالإضافة إلى ضعف سند بعضها-هو ترك التحريف و التفسير الغلط من الدين و القرآن،و إظهار الحقائق المخفية أو المنسية و كشفها للناس.
ص:102
ص:103
ص:104
الاختلافات المدّعية بين إمام زمان الشيعة و مهدي موعود السنّة
و هو حينما يقول:
لا يوجد أيّ ارتباط بين المهدي الموعود في الروايات، و إمام الزمان الموعود عند الشيعة.
يشير إلى عدة اختلافات بينهما و ذلك إنّما يعبّر عن قلّة علمه بالروايات.
و نتطرّق إلى ذكر اختلافاته المزعومة و نجيب عليها:
يقول:«اسم المهدي في كتب أهل السنّة و الروايات الصحيحة هو محمّد بن عبد اللّه أمّا إمام زمان الشيعة المزعوم فاسمه محمّد بن الحسن».
يقول:«المهدي الحقيقي من ذرّية الإمام الحسن رضي اللّه عنه، و الإمامية تدّعي أنّ إمام الزمان المزعوم من نسل الحسين رضي اللّه عنه».
لإبطال هذين الادّعائين و إثبات أنّ إمام الزمان(المهدي الموعود)هو ابن
ص:105
الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،بالإضافة إلى وجود الروايات المتواترة القطعية من طرق الشيعة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام،فإنّنا نشير إلى الروايات المنقولة من طرق أهل السنّة في كتبهم المعتبرة و المصرّحة بأنّ المهدي هو ابن الإمام العسكري عليه السّلام،و أيضا الروايات الدالّة على أنّه التاسع من صلب الإمام الحسين عليه السّلام و هذه بعض هذه الروايات:
1-رواية طويلة عن ابن عبّاس عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في جواب أسألة رجل يهودي و اسمه(نعثل)حول مسائل من جملتها من هم أوصياء النبي و أسمائهم؟فأجابه الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيما أجابه:
«...ثمّ ابنه الحسن،ثمّ الحجّة بن الحسن فهذه اثنى عشر أئمّة عدد نقباء بني إسرائيل»(1).
و كان يطلق على أوصياء موسى عليه السّلام النقباء.
2-رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري و فيها سؤاله النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن أوصيائه و عددهم فأجابه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و متى وصل إلى الإمام الباقر عليه السّلام قال:
«يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام»،
ثمّ عدّ له أسمائهم حتّى وصل إلى الحسن العسكري عليه السّلام:
«ثمّ القائم،اسمه اسمي و كنيته كنيتي،محمّد بن الحسن بن علي،ذلك الذي يفتح اللّه تبارك و تعالى على يديه مشارق
ص:106
الأرض و مغاربها،ذلك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان»(1).
3-رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و فيها أنّ يهوديا و اسمه جندل بن جنادة يقصّ على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رؤياه،و أنّه حلم بموسى بن عمران عليه السّلام يأمره أن يسلم على يد محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم خاتم الأنبياء،و أن يستمسك بأوصيائه من بعده.ثمّ يسأل الرسول عن هؤلاء الأوصياء و عددهم و أسمائهم،فذكر له الرسول عددهم و أسماءهم واحدا بعد واحد، حتّى وصل إلى الإمام الهادي عليه السّلام فقال:
«...فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري،فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي و القائم و الحجّة،فيغيب ثمّ يخرج...»(2).
4-رواية حذيفة بن اليمان عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا من ولدي اسمه اسمي».فقام سلمان الفارسي فقال:يا رسول اللّه،من أي ولدك؟قال:«هو من ولدي هذا»،و ضرب بيده على الحسين(3).
ص:107
5-رواية سلمان المحمّدي،قال:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و إذا الحسين بن علي عليهما السّلام على فخذه و هو يقبّل خدّيه و يلثم فاه و يقول:
«أنت سيّد ابن سيّد...أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم»(1).
6-رواية أحمد بن إسحق الأشعري عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قال:
«يا أحمد،إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السّلام إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه،به يدفع البلاء عن أهل الأرض و به ينزل الغيث،و به تخرج بركات الأرض».قال:فقلت له:يابن رسول اللّه جعلت فداك،فمن الإمام و الخليفة بعدك؟فنهض مسرعا و دخل بيته ثمّ خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين،فقال:«يا أحمد،لو لا كرامة اللّه عليك ما عرضت عليك ابني هذا،إنّه سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أعطاه كنيته،و هو الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما»(2).
7-رواية سليم بن قيس الهلالي،يقول:
رأيت عليّا عليه السّلام في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في خلافة عثمان و جماعة من المهاجرين و الأنصار،يتحدّثون و يتذاكرون فضائلهم،و علي بن أبي طالب عليه السّلام ساكت لا ينطق هو.فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلّم؟فقال:
فأخذ عليه السّلام يعدّ فضائله،و ما قاله الرسول فيه،و ما نزلت بحقّه
ص:108
من الآيات،و التي منها قوله تعالى:
اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... (1).و ما قاله الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جوابا لمن سأله قائلا:يا رسول اللّه،هؤلاء الآيات خاصّة في علي؟فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة»، و لمّا سأله أصحابه عن أوصيائه قال:«علي أخي و وزيري و وارثي و وصيّي و خليفتي في أمّتي،ثمّ ابني الحسن،ثمّ الحسين،ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين،واحدا بعد واحد، القرآن معهم و هم مع القرآن،لا يفارقونه حتّى يردوا علي الحوض...»(2).
8-جاء في«فرائد السمطين»:
كان الإمام جلال الدين نسّابة زمانه،نقل لي هذه الرواية بسند معتبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في حديث طويل جاء فيه بعد الإشاراة إلى إمامة و وصاية علي عليه السّلام و تذكير بعض فضائله:
«الحسن و الحسين إماما أمّتي...و أبوهما سيّد الوصيّين، و من ولد الحسين تسعة أئمّة تاسعهم القائم من ولدي»(3).
9-و أيضا جاء في«فرائد السمطين»نقلا عن الإمام صدر الدين محمّد، عن ابن عبّاس،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
ص:109
«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»(1).
هذه الرواية و إن لم تكن صريحة بذكر اسم المهدي(عج)،و لكن بقرينة الروايات الأخرى المصرّحة بأنّ الولد التاسع من صلب الحسين هو المهدي الموعود،يرتفع الإبهام عن هذه الرواية.
10-«فرائد السمطين»عن مشايخه يعني الإمام جمال الدين الرضي و الإمام جلال الدين عبد الحميد و الإمام شمس الدين شيخ الشرف الفخار، عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«قال أبي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري:إنّ لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟...فخلا به فقال له:يا جابر اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،حين ولد الحسين و ما أخبرتك به أمّي أنّ في اللوح مكتوبا.و كان في اللوح أسامي النبي و الأئمّة المعصومين بكامل مشخّصاتهم،و مسائل أخرى من ضمنها:...أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجّة اللّه القائم،
ص:110
أمّه جارية اسمها نرجس...»(1).
11-عن أبي سليمان عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«ليلة أسري بي إلى السماء...فنظرت إلى يمين العرش فإذا مكتوب:...و الحسن بن علي و محمّد المهدي بن الحسن، كأنّه كوكب درّي...»(2).
12-عن عبد السلام الهروي،قال:سمعت دعبل الخزاعي يقول:
«لمّا أنشدت لمولاي الرضا عليه السّلام قصيدتي التي أوّلها«مدارس آيات خلت من تلاوة»،فلمّا انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم اللّه و البركات
بكى الرضا عليه السّلام بكاء شديدا،ثمّ رفع رأسه إليّ و قال لي:
«يا خزاعي،نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام و متى يقوم؟»فقلت لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملؤها عدلا.فقال:«يا دعبل،الإمام بعدي محمّد ابني،و بعد محمّد ابنه علي،و بعد علي ابنه الحسن،و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته...»(3).
13-قال الإمام الحسين عليه السّلام:
«دخلت على جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،فأجلسني على فخذه و
ص:111
قال لي:إنّ اللّه اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم»(1).
لإثبات صحّة سند و متن هذه الروايات المروية من كتب اهل السنة لا يستطيع كاتب الكرّاسة الادّعاء أنّها-كلّها-ضعيفة؛ففي هذه الصورة سوف يحكم بعدم اعتبار الكثير من الكتب السنّية التي ألّفها كبار علمائهم و مشاهيرهم.
بالمقابل نحن لا ندّعي أنّ كلّ هذه الروايات صحيحة و قطعية الصدور، و لكن لا يمكن لنا إنكارها كلّها،و البعض منها قطعية الصدور بالإجمال و هو ما يصطلح عليه في الأصول بالتواتر الإجمالي.
ثمّ إنّ تلك الروايات المنقولة من طرق أهل السنّة و القائلة إنّ الإمام المهدي هو ابن الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام،(2) بصرف النظر عن صحة سندها و عدم صحّتها يمكن مناقشتها من عدّة وجوه:
أوّلا:هذه الروايات معارضة بأخرى غيرها منقولة من طرق أهل السنّة أيضا-كما بيّنا سابقا-مصرّحة بأنّ المهدي عليه السّلام هو من أولاد الإمام الحسين عليه السّلام أو التاسع من ذرّيته.
ثانيا:ال 0كبار من علماء الحديث السنّة-الذين سنذكر أسماءهم بالتفصيل
ص:112
في هذا الفصل-أعرضوا عن هذه الروايات،و إعراض أهل الحديث و الاجتهاد عن رواية دليل ضعف سندها و عدم حجيّتها عندهم.
ثالثا:بالنظر إلى تواتر الروايات المستفيضة من طرق السنّة و الشيعة الناصّة على أنّ المهدي(عج)هو من أولاد الحسين عليه السّلام،يقوى الاحتمال أنّه و نتيجة لعدم استخدام التنقيط في ذلك الزمان في الضبط و الكتابة،و تشابه هذين الاسمين ربما قرء«حسين»«حسنا».
رابعا:و بالالتفات إلى وجود بعض الروايات من طرق السنّة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:«المهدي ابن الحسن و الحسين»،(1) يمكن القول إنّه لا يوجد تعارض بين تلك الروايات،و كلّها صحيحة خصوصا إذا ما عرفنا أنّ زوجة الإمام السجّاد«يعني أمّ عبد اللّه،و هي أمّ الباقر عليه السّلام أيضا»هي بنت الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام،ممّا يعني أنّ الإمام الباقر و الأئمّة من بعده و من جملتهم المهدي عليهم السّلام هم أولاد الإمام الحسن كما هم أولاد الحسين عليهم السّلام.
و من جملة الشواهد التاريخية على صحّة الأخبار الدالّة على أنّ المهدي(عج)هو ابن الإمام الحسن العسكري،عليه السّلام ما ذكره التاريخ أنّ فكرة انتظار خروج الإمام و ظهوره كان شائعا في عصر الأئمّة المعاصرين لخلفاء بني أمية و بني العبّاس،و أنّه ابن الإمام العسكري،عليه السّلام و كان هذا يقلق الخليفة المعتمد العبّاسي أيما قلق ممّا حدى به التضييق على الإمام
ص:113
العسكري عليه السّلام و مراقبته في أولاده،و كلّف بعض القوابل و أمرهنّ بالبحث و التفتيش عن ولادته في بيوت بني هاشم و بالذات الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.
يكتب الصدّوق:
و لم يزل الذين وكّلوا بحفظ الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين حتّى تبيّن لهم بطلان الحبل(1).
فلو كان الخليفة العبّاسي يعتقد و يعلم أنّ تلك الأخبار من موضوعات الشيعة،فما الباعث من خشيته و تحسّسه من ولادة المولود في زمانه و بالذات من الإمام العسكري عليه السّلام.ثمّ إنّ تعامل المعتمد العبّاسي مع موضوع ولادة المهدي(عج)يتشابه تماما مع تعامل فرعون في قضية ولادة موسى،عليه السّلام حيث تيقّن من أخبار المنجّمين بولادة هذا الموعود.
و وفق هذه القرائن و الروايات المذكورة لا يبقى مجال للشكّ أنّ المهدي(عج)هو من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و من صلب الإمام الحسين عليه السّلام،و اسمه هو محمّد بن الحسن العسكري،و ليس محمّد بن عبد اللّه كما يدّعيه كاتب الكرّاسة.
و لمّا ثبت في الروايات السابقة أنّ المهدي(عج)هو الولد التاسع من صلب الإمام الحسين عليه السّلام،لم يبق أمام كاتب الكرّاسة و أمثاله في حال لازالوا على
ص:114
إصرارهم على الإنكار إلاّ الالتزام بأحد الأمور التالية:
1-رفض هذه الروايات المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جملتا و تفصيلا،مع تسليمه بصحّتها جميعا أو بعضها،و لا نظنّة يلتزم بهذا المحذور.
2-رفض سند جميع هذه الروايات أو دلالتها،و بديهي أنّ رفض هذه الروايات الكثيرة و المتواترة و التي صحّحها أهل الخبرة و أهل الحديث و عملوا بها بدون برهان أو دليل منطقي،يعتبر نوعا من العناد و اللجاج مع الحقيقة.يقول المرحوم آية اللّه السيّد صدر الدين الصدر حول صحّة هذه الروايات عند أهل السنّة:
صرّح جماعة من أئمّة الحديث بصحّة و اعتبار هذه الروايات، و نقل الحاكم-الذي هو إمام هذا الفنّ و من كبار الصنعة- بعضها،و قال:هي صحيحة بشرط الشيخين(1).
3-الإمام الحسن العسكري عليه السّلام حيّ غائب إلى حين يقدّر اللّه تعالى خروج المهدي(عج)منه و تولّده.و لا ينفعهم هذا الكلام و ذلك:
أوّلا:شهادة التاريخ القائلة إنّ الحسن العسكري عليه السّلام توفّى عام 260 ه.
ثانيا:لو أنّهم التزموا و قبلوا ببقاء الإمام العسكري عليه السّلام حيّا كلّ هذا الوقت،فلماذا يستبعدون ذلك عن المهدي،(عج)و الحال أنّ«حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد».
4-الإفتراض بإنّ الإمام الحسن العسكري عليه السّلام مات و لكن متى شاء اللّه أحياه و أخرج منه ولده المهدي(عج)،هذا الأمر و إن لم يكن مستبعدا و أنّه
ص:115
ممكن ذاتا متى شاء اللّه فعله،و لكن:
أوّلا:هذه هي الرجعة التي أنكرها الكاتب و من على شاكلته،و لا يوجد دليل لا من العقل و لا من الشرع على بطلان الرجعة(1).
ثانيا:لازم ذلك خلّو الزمان من وجود الإمام،بالإضافة إلى مخالفته لمفاد الرواية المتواترة«من مات و لم يعرف إمام زمانه...»(2).
سوف نثبت في هذا الكتاب أنّه لا بدّ من وجود إمام في كلّ عصر و زمان، و أنّه أمر ضروري.
ثالثا:و افتراض إحياء الموتى أبعد و أشكل من افتراض بقاء الأحياء، فإذا كان بقاء المهدي(عج)حيّا أمرا صعبا لا يستساغ فإنّ الاعتقاد بإحياء الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بعد هذه القرون المتطاولة سيكون أصعب،
رابعا:لا يوجد في الروايات أيّ دليل على هذا الافتراض.
5-المهدي الذي هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام ولد ثمّ مات،و هذا أيضا يناقض الحديث المتواتر:«من مات و لم يعرف إمام زمانه...»المنقول من طرق أهل السنّة.أضف إلى هذا فإنّ هذه الفرضية هي خلاف ما اتّفق عليه علماء السنّة و الشيعة،و يستبعد وجود شخص له معرفة قليلة بهذه الروايات يعتقد بهذه الفرضية.
إذن لا يبقى إلاّ التسليم ببقاء المهدي(عج)حيّا إلى هذا اليوم.و إذا ما
ص:116
رفض الكاتب التسليم بهذا فعلى أقلّ التقادير يجب التوقّف و السكوت و ليس الإنكار بلا دليل أو برهان؛لأنّ الإنكار بهذا النحو من المصاديق البارزة للخرافة،و يعد خروجا عن الأسلوب العلمي في المناظرة.
الروايات المتواترة من طرق الشيعة و السنّة كلّها مطلقة بأنّ المهدي(عج) هو من أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو علي عليه السّلام أو فاطمة عليها السّلام،و حتّى أولئك الذين لا يقولون بولادة المهدي عليه السّلام فإنّهم يذعنون بأنّه من ذرّية النبي و علي و فاطمة صلوات اللّه تعالى عليهم.
و توجد أيضا روايات أخرى كثيرة من طرق الشيعة و السنّة تشير إلى أنّ المهدي عليه السّلام من أولاد الحسين بن علي عليهما السّلام،و لكن لم تقيّده بالتاسع من ولده.
و على القاعدة الأصولية و العقلائية-التي هي مورد قبول الشيعة و السنّة-يجب حمل الطوائف الأربعة للروايات المطلقة عن الإمام المهدي(عج)بتلك المقيّدة لها.يعني أنّ تلك الروايات الدالّة على أنّ المهدي من ذرّية النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو ذرّية علي عليه السّلام أو فاطمة عليها السّلام،أو تلك الروايات التي تشير إلى أنّه من أولاد الحسين عليه السّلام،فهذه الروايات كلّها تحمل على الروايات المقيّدة التي تقول أنّ المهدي(عج)هو الولد التاسع من أولاد الإمام الحسين عليه السّلام،و هي بمثابة قرينة منفصلة لتلك الطوائف الأربعة من الروايات المطلقة.
ص:117
يقول كاتب الكرّاسة:
ولادة و عمر المهدي التي أشارت إليها كتب السنّة لا تشذّ به عن بقيّة البشر،و لا توجد في رواية واحدة صحيحة تذكر أنّه يختلف أو يشذّ عن بقية البشر؛أمّا إمام الزمان المزعوم فإنّ مدّة الحمل به و ولادته في ليلة واحدة فقط،و أنّه دخل السرداب و هو في سنته الثانية أو الخامسة على اختلاف تلك الروايات المجعولة،و لا يزال فيه إلى الآن حيث قد مضت 1250 سنة،و على قول العلاّمة البرقعي:لو كان هذا الكلام صحيحا لكان الواجب على الأحياء إنقاذه من هذا السرداب!
في الحقيقة،كاتب الكرّاسة بطرحه هذا الادّعاء،فإنّه يثير مواضيع عديدة حريّ بنا التوقّف عندها و مناقشتها:
الأولى:ولادة المهدي(عج)-كسائر البشر-مسألة طبيعية إلاّ أنّ الشيعة يرسمون لهذا الأمر صورة غير طبيعية و يدّعون أنّ مدّة حمله و ولادته كان في ليلة واحدة.
الثانية:إنكار العمر غير الطبيعي،و هو و إن لم يصرّح بموضوع الغيبة،
ص:118
و لكن يفهم من كلامه أنّه ينكرها بالملازمة.
الثالثة:أنّه دخل السرداب و هو في سنته الثانية أو الخامسة و بقي متخفيّا فيه إلى هذا الوقت.
و سنناقش هذه المواضيع المثارة كلّ واحدة على حدة بالنقد و التمحيص.
إلقاء نظرة على الروايات الشيعية التي تتناول موضوع حمل و ولادة المهدي(عج)كاف لتوضيح أنّه لا توجد أيّة رواية شيعية صحيحة واحدة تذكر أنّ حمله و ولادته كانا في ليلة واحدة،و إنّما المذكور فيها هو إخفاء مدّة حمله و زمن ولادته،إمّا بصورة كلّية أو الإخفاء عن أعين الناس.
و المقصود من الناس في مثل هذه الروايات عموم الناس أو خصوص المخالفين،و هذا الأمر كاملا طبيعيّ،خصوصا إذا ما عرفنا أنّ الخليفة المعتمد العبّاسي كان يضيّق الخناق على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و يحتجزه في إحدى معسكراته النظامية،إذ كان على علم تام بتلك الروايات المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام و المتداولة بين الناس الدالّة بوضوح على أنّ خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هم الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام و آخرهم القائم بالسيف الذي سينتقم من الظالمين و الغاصبين و يبيدهم ليقيم حكومة الحقّ و العدل الإلهي.فقام بالتضييق الشديد على الإمام
ص:119
العسكري عليه السّلام،و كلّف بعض القوابل بمراقبة نساءه و الدخول عليهنّ البيت بغتة و بلا سابق إعلام؛للإطمئنان على عدم حصول الحمل في ذلك البيت.
و قطعا فإنّ إخفاء الحمل و الولادة ليس أمرا مستحيلا،فالذي يعتقد بالقدرة الإلهية المطلقة،و إمكان وقوع المعجزات في طول تاريخ حياة الأنبياء،و تلك الحوادث المهمّة التي حصلت لإبراهيم عليه السّلام و عيسى عليه السّلام و موسى عليه السّلام،و التي أشار إليها القرآن الكريم،لا يشكّ في إمكان إخفاء حمل المهدي(عج)و ولادته غير العادية بأمر اللّه تعالى و إرادته،كلّ ذلك ممكن و مطابق لحكمة اللّه تعالى في ظلّ شرائط الحكومة الظالمة التي كانت تترصّد لهذه الولادة لتقضي عليها أو الحيلولة دون حصولها.
فيما يختصّ بالعمر غير الطبيعي للمهدي عليه السّلام و غيبته نشير إلى بعض الأمور:
1-الإمكان الذاتي و الوقوعي لطول العمر.
2-إثبات الوقوع كما في الروايات.
3-رأي علماء السنّة.
الإمكان الذاتي:لطول عمر الإنسان أمر غير قابل للنقاش و الشكّ؛لأنّ طول عمر الإنسان من قبيل خرق العادة،و خرق العادة ليس أمرا غير ممكن
ص:120
في ذاته،و أقصى ما يقال فيه إنّه غير عادي و قابل للاستبعاد،و مع استبعاده لا يمكن سلب إمكانه الذاتي في الحصول،فالعلل و الأسباب التي لها تأثير في عالم الوجود لا تنحصر بهذا العالم أو تكون معلومة لدى البشر و تحت اختياره.
كثير من الأمور و بالخصوص تلك الخارجة عن دائرة المحسوسات و العلوم المادّية و التجريبية التي ثبتت بالأدلّة القطعية بعيدة بالإضافه إلى الذهن العادي،نظير إثبات وجود الخالق و صفاته أو الملائكة و الوحي و المعجزات و المعاد و البرزخ و الروح المجرّدة،و نظائرها.
و حتّى في دائرة الأمور المادية أيضا نشاهد كثير من الاكتشافات كانت تعدّ من الأمور المستبعدة لدى إنسان القرون السالفة،و بعضها كان ضمن دائرة الأمور التي لا يمكن تحقيقها،و كذلك اكتشافات البشر في المستقبل تعتبر مستبعدة عند بشر اليوم؛من هنا قيل:كل ما يسمعه الإنسان و لا يجد الدليل القاطع على ردّه،ليس له نفى إمكانه،يقول القرآن الكريموَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (1) ؛و ذلك لأنّ:وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً (2).
نلفت إلى مثالين من اعترافات علماء الطبيعة:
كنّا نتوهّم أنّا وقعنا على أسرار الذرّة الصغيرة؛لا زالت أسرار ذرّات الكهرباء و الألكترون مجهولة عندنا،و ليس لدينا أدنى فكرة عن مكوّنات ذرّاة الكهرباء و الألكترون و تركيباتها؛
ص:121
بسبب صغر حجم الألكترون اللامتناهي و عدم إمكان القبض عليه بسبب سرعته في الحركة و الانتقال،و وضعه تحت مجهر الفحص و التشريح؛كما لا نعلم ممّا تتركّب ذرّة النور «فوتون»،و لا زلنا عاجزين عن تحليل و تشريح ذرّاة أمواج الصوت أو ما يصطلح عليه باليونانية«فوتون»(1).
لا زالت اسطورة السرّ الكبير مستعصية الفهم...تعلّمنا إلى الآن أشياء كثيرة من كتاب الطبيعة،و تعرّفنا على لغة الطبيعة...
رغم هذه المعرفة فإنّا لا زلنا مقابل هذه المجلّدات الضخمة من المعرفة بعيدين عن حلّ و كشف أغلب المسائل و الأمور(2).
الإمكان 0الوقوعي:أثبتت تحقيقات العلماء و المتخصّصين و تجاربهم أنّه ليس هناك اجتناب أو حظر في إمكان طول عمر الإنسان،إذ ثبت أنّ حصول جسم الإنسان و روحه على التغذية المناسبة و الكافية بلا زيادة أو نقصان، و تشخيصه لجميع الآفات و الأمراض الجسمية و الروحية التي قد تصيب الجسم و تؤثّر عليه،و من ثمّ اجتنابها،فلا يفسح المجال لعلل الموت و أسبابه.
و أيضا-بالتجربة-تغيير الشروط المادّية و الروحية في الحياة، و مراعات قواعد حفظ صحّة الجسم و الروح في محيط حياة الفرد أو في
ص:122
محيط الآباء و الأمّهات،فإنّ متوسّط عمر الإنسان قد يتجاوز المأة عام.
و على هذا فإنّ أيّ شخص يمكنه-حتّى بالطرق غير الطبيعية أو الاتّصال بعالم الغيب-تشخيص علل سلامة الروح و الجسد و الأمراض و الآفات التي تسبّب قصر عمر الإنسان،فإنّه يستطيع أن يعيش قرون عديدة خصوصا إذا كان ذلك الشخص محطّ عناية و حفظ حضرة الحقّ تعالى،و أنّ المصلحة و الإرادة الإلهية تقتضيان طول عمره.
أفضل دليل على إمكان الشيء هو وقوعه.و طبق المصادر الدينية فإنّ الخضر عليه السّلام من زمان موسى عليه السّلام أو قبله،و عيسى عليه السّلام و إدريس عليه السّلام،و بناء على روايات كثيرة من طرق الشيعة و السنّة الدجّال،و بناء على رواية كتاب «ينابيع المودّة»الخضر عليه السّلام و ذي القرنين،كلّ هؤلاء لا زالو أحياء إلى يومنا هذا(1).
و ربما فهم إمكان بقاء يونس عليه السّلام حيّا في بطن الحوت إلى يوم القيامه (على فرض بقائه هناك)من هذه الآية:فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (2) ،و أيضا من هذه الآية:فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً (3) يفهم عمر نوح عليه السّلام(في حدود الألف عام).
كما و يستنبط بقاء حياة أصحاب الكهف غير العادي كلّ تلك السنين من الآيات المتعلّقة بهم(4).
ص:123
و الناس متشابهون في حقيقتهم الإنسانية،فإن أمكن حصول طول العمر للبعض منهم فإنّ هذا ممكن حصوله للبعض الآخر أيضا؛لأنّ«حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد».
ينقل آية اللّه الشيخ آقا بزرگ الطهراني قائلا:
رأى أحد العلماء المهدي عليه السّلام في المنام و سأله عن دليل طول عمره؟فقرأ عليه هذه الآية:فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1).
ثمّ يضيف:
و مثل ما ذكره«الكشّاف»في الاستظهار من ظاهر الآية،قال:
لو لا تسبيح يونس عليه السّلام لبقى حيّا في بطن الحوت إلى يوم القيامة،إذ الظاهر من تعبير«لبث»البقاء.
و يتحصّل إلى هذه النتيجة:
و لازم بقاء يونس حيّا في بطن الحوت،بقاء الحوت أيضا حيّا إلى يوم القيامة،إذ لا معنى لكلمة«لبث»في بطن الحوت إذا مات الحوت و تلاشى جسمه(2).
و على هذا يستفاد من هذه الآية الشريفة إمكان بقاء يونس عليه السّلام و الحوت حيّا إلى يوم القيامة.
ص:124
يذكر صاحب كتاب«كمال الدين»نقلا عن كتاب«المعمّرين»(1) و غيره و استنادا إلى أقوال المورّخين الشيعة،أسماء أفراد كثيرة من المعمّرين، ثمّ يقول:
و هذه الأخبار التي ذكرتها في المعمّرين قد رواها مخالفونا أيضا من طريق محمّد بن السائب الكلبي و محمّد بن إسحاق بن بشّار و عوانة بن الحكم و عيسى بن زيد بن آب«رئاب» و الهيثم بن عدي الطائي(2).
و جاء في هذا الكتاب أيضا:
و مخالفونا رووا أنّ أبا الدنيا علي بن عثمان المغربي لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان له قريبا من ثلاثمئة سنة و أنّه خدم بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و أنّ الملوك استحضروه إليهم و سألوه عن علّة طول عمره و استخبروه عمّا شاهد؟ فأخبر أنّه شرب من ماء الحياة فلذلك طال عمره.و أنّه بقي إلى يوم المقتدر،و أنّه لم يصحّ لهم موته إلى وقتنا هذا، و لا ينكرون أمره،فلماذا ينكرون أمر القائم عليه السّلام لطول عمره؟!(3).
ص:125
يقول الشيخ الطوسي:
و روى من ذكر أخبار العرب أنّ لقمان بن عاد كان أطول عمرا،و أنّه عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمئة سنة».
و قبل ذلك كان قد قال:
و روى أصحاب الحديث أنّ الدجّال موجود،و أنّه كان في عصر النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و أنّه باق إلى الوقت الذي يخرج فيه»(1).
و طبق الروايات المتواترة السنّية و الشيعية فإنّ خروج الدجّال يكون حين ظهور المهدي(عج)،فيقتل على يديه عليه السّلام و يد عيسى عليه السّلام.
ينقل«منتخب الأثر»(2) أنّ البعض من أهل السنّة قد ادّعى الإجماع على بقاء حياة نبيّ اللّه عيسى عليه السّلام و نزوله آخر الزمان،ينقل صاحب تفسير «البحر المحيط»عن ابن عطية الأندلسي:
أجمع المسلمون على الحديث المتواتر الدالّ على حياة عيسى و أنّه سينزل آخر الزمان من السماء(3).
ادّعى أبو حيّان في تفسيره الصغير«النهر المارّ من البحر»المطبوع في حاشية تفسير«البحر المحيط»هذا الإجماع أيضا.(4)
و نسب صاحب«لوامع الأنوار البهية»هذا المعنى إلى إجماع المسلمين
ص:126
على ذلك و قال:
لا يوجد مخالف لهذا المعنى إلاّ البعض من الفلاسفة و أهل الإلحاد،و هؤلاء لا يعتنى برأيهم.
و نقل عن كتاب«النظم المتناثر من الحديث المتواتر»قوله:
نزول عيسى عليه السّلام من السماء ثابت و مقطوع به في الكتاب و السنّة و الإجماع(1).
و بهذا الصدد ينقل صاحب كتاب«منتخب الأثر»بتفصيل رأي المخالفين -أمثال محمّد عبده و تلميذه رشيد رضا في تفسير«المنار»و تأثير ذلك في بعض علماء الأزهر من جملتهم الشيخ شلتوت-و يشير إلى ردّ آرائهم من قبل بعض علماء الأزهر،و التأكيد على التواتر المعنوي للأخبار الدالّة على حياة عيسى عليه السّلام و نزوله آخر الزمان،و إثبات ذلك من القرآن الكريم(2) ، و لا بأس بمراجعته.
1-فيما يخصّ الموضوع الآنف الذكر،جاء في كتاب«غاية المرام»قبل الدخول في موضوع بقاء حياة عيسى عليه السّلام،قوله:
يقول الكنجي الشافعي صاحب كتاب«البيان في أخبار صاحب الزمان»:يقول ابن جرير الطبري:الخضر و إلياس باقيان يسيران في الأرض...
ص:127
و لإثبات حياة عيسى عليه السّلام بالإضافة إلى الروايتين المذكورتين في«صحيح مسلم»الدالّتين على حياته عليه السّلام و نزوله في آخر الزمان فإنّه يمكن الاستدلال بهذه الآية:وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (1) ،و لم يؤمن به أحد منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا،فلا بدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.و هذا المعنى مستلزم لبقاء حياته عليه السّلام.
و أمّا الدليل على بقاء الدجّال الحديث المنقول في كتاب «صحيح مسلم»،و هو حديث صحيح.
و أمّا الدليل على بقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز،نحو قوله تعالى:قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (2).
فعندما ثبتت حياة عيسى و الدجّال و الشيطان بالأدلّة المذكورة،فما يبعد إثبات حياة المهدي كذلك؟
ثمّ يضيف لإثبات حياة المهدي عليه السّلام بالاستدلال العقلي قائلا:
و أمّا بقاء عيسى و نزوله أثناء ظهور المهدي عليه السّلام و الاقتداء به في الصلاة كما ذكر في روايات كثيرة؛و ذلك لأجل إيمان أهل الكتاب و تصديقهم لنبوّة سيّد الأنبياء محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،خاتم الأنبياء رسول ربّ العالمين،و يدخل الناس جميعا في الدين الإسلامي.
ص:128
و المصلحة من بقاء الدجّال مع ما في بقائه من مفسدة لادّعائه الربوبية-على ما ذكر-و فتكه بالأمّة،و لكن في بقائه ابتلاء من اللّه تعالى ليعلم المطيع منهم من العاصي،و المحسن من المسيء،و المصلح من المفسد.
في الحقيقة،بقاء الاثنين«عيسى و الدجّال»فرع على بقائه عليه السّلام،فكيف يصحّ بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما(1) ؟
2-جاء في كتاب«ميزان الاعتدال»في توصيف نسطورة الرومي أنّه قال:
رأيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يوما راكبا و في يده سوط ساق به مركبه فسقط السوط من يده فأخذته فبعد أن لمسته ببدني ردّته إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فدعالي و قال:«مدّ اللّه في عمرك مدّا»ثمّ إنّ عمر بن الحسين الكاشغري قال:رأيت ابن نسطورة في أطراف اليمن و سألته عن مدّة عمر أبيه،قال ثلاثمئة سنة.
و كان عمره حين دعاء النبي ثلاثين سنة(2).
فإذا أمكن أن يبلغ عمر أحد أثر دعاء النبي إلى ثلاثمئة سنة فلم لا يمكن أن يطول عمر المهدي(عج)الذي كان ذخيرة من اللّه لآخر أيّام البشر في الدنيا بعناية خاصّة من اللّه تعالى.
ص:129
الروايات الواردة في كتب الشيعة الحديثية في هذا المضمار تبلغ حدّ التواتر،و لا حاجة لنقلها،و نكتفي بذكر الروايات الواردة في كتب الحديث السنّية.
1-رواية ا00لثقلين،و هي كما بيّنا في المحور الثاني من الفصل الأوّل من الروايات المتواترة بين الشيعة و السنّة،و قد قام العلاّمة السيّد مير حامد حسين الهندي يجمع رواة هذا الحديث من أعلام السنّة في مجلّدين ضخمين..و فيها يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«إنّي تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا، و إنّهما لن(لا)يفترقا حتّى يردا علي الحوض».
و هذا الحديث مذكور في أكثر كتب السنّة مثل:«سنن الترمذي»(1) ، «السنن الكبرى»(2) ،«المستدرك»(3) ،«المعجم الصغير»(4) ،«مسند أحمد بن حنبل»(5) ،«الدرّ المنثور»(6) ،«مجمع الزوائد»(7) ،«السنن الكبرى» للنسائي(8) ،و كتب أخرى(9).
ص:130
عدم افتراق القرآن و العترة هو تلازمهما في عمود الزمان،و العترة في زماننا ليس الاّ المهدي(عج)
2-رواية ابن عبّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«كائن في أمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة،و أنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يرى...»(1).
3-رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بعد نزول قوله تعالى:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2) حيث سأله عن مصاديق«أُولِي الْأَمْرِ» ،فذكر له صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أسماء الأئمّة الاثنى عشر،حتّى إذا ما وصل إلى اسم المهدي عليه السّلام قال:
«ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان»(3).
4-رواية جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مورد سؤال رجل يهودي يدعى جندل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن أوصيائه،فذكرهم له صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،حتّى إذا ما وصل إلى ذكر المهدي قال:
«فيغيب ثمّ يخرج،فإذا خرج يملأ الأرض قسطا و عدلا»(4).
5-رواية أحمد بن إسحاق الأشعري عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:
ص:131
«مثله في هذه الأمّة مثل الخضر،و مثله مثل ذي القرنين، و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته اللّه على القول بإمامته».و بعد سؤال السائل هل ستطول غيبته أم لا؟قال:«إي و ربّي حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به...»(1).
6-رواية عبد السلام الهروي عن دعبل الخزاعي الشاعر،عن الإمام الرضا عليه السّلام،قال:
«...و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره...»(2).
7-رواية 00جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حول المهدي:
«...و هو أشبه الناس بي خلقا و خلقا،تكون له غيبة و حيرة تضلّ فيها الأمم...»(3).
8-رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...المهدي من ولدي،اسمه اسمي و كنيته كنيتي،و هو أشبه الناس بي خلقا و خلقا،تكون له غيبة و حيرة...»(4).
9-رواية الحسين بن خالد عن الرضا عليه السّلام في جواب سؤال عن القائم عليه السّلام، قال:
ص:132
«...الرابع من ولدي...و هو صاحب الغيبة قبل خروجه...»(1).
و هذه الروايات و إن لم تصرّح بحياة الإمام المهدي عليه السّلام،و لكن كلمة «غائب»و«غيبة»لا تطلقان و يراد بهما الحياة الماضية،و لا يقال للشخص الذي لم يولد بعد،أو الشخص الذي رحل من هذه الدنيا و سيرجعه اللّه تعالى إليها بعد أن يحيه،لا يقال لهكذا شخص إنّه غائب.
فصّل جمع كثير من علماء السنّة حول ولادة المهدي عليه السّلام و كيفيتها،و أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،و هم مثل الشيعة يعتقدون بحياته و أنّه ينتظر الإذن الإلهي له بالظهور.و في أغلب تلك الكلمات التي أشارت إلى أنّ السرداب مكان ولادته عليه السّلام أو مكان غيبته أو هو محلّ كرامته،لا يوجد تصريح من قريب أو بعيد إلى أنّه مكان حياته.
و قد جمع كتاب«منتخب الأثر»(2) ،و كذا كتاب«من هو المهدي»(3)
أسماء من ذكر المهدي(عج)من علماء السنّة،و أيضا كلماتهم حول ولادته و حياته و...و من المناسب الرجوع إليها،و نشير في هذا الفصل إلى بعض هذه الأسماء:
1-ابن حجر الهيثمي الشافعي(4).
ص:133
2-الشيخ عبد اللّه بن محمّد بن غامر الشبراوي الشافعي،أستاذ الجامع الأزهر(1).
3-السيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي(2).
4-تاريخ ابن الوردي(3).
5-الشيخ الحافظ أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي(4).
6-شيخ الإسلام أبو المعالي محمّد سراج الدين الرفاعي(5).
7-الشيخ شمس الدين محمّد بن أطولون الدمشقي الحنفي(6).
8-الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشامي الشافعي(7).
9-المؤرّخ الشهير ابن خلّكان(8).
10-الشيخ شمس الدين أبو المظفّر ابن الجوزي(9).
11-الشيخ النسّابة أبو الفوز محمّد أمين البغدادي السويدي(10).
12-الذهبي(11).
13-ابن الصبّاغ المالكي(12).
14-نصر بن علي الجهضمي(13).
ص:134
15-أبو العبّاس أحمد بن يوسف الشهير بالقرماني(1).
16-الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني(2).
17-السيّد جمال الدين عطاء اللّه(3).
18-نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي(4).
19-البيهقي الشافعي(5).
20-الحافظ أبو محمّد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري(6).
21-القاضي فضل بن روزبهان(7).
22-أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن الخشّاب(8).
23-الشيخ محيي الدين أبو عبد اللّه المعروف بابن عربي(9).
حيث يقول في كتاب«الفتوحات»حول المهدي عليه السّلام:
و أمّا خاتم الولاية المحمّدية فهي متعلّقة برجل من العرب ذو حسب و نسب،و هو حيّ في زماننا.انكشف لي عام خمسمئة و خمسة و تسعين للهجرة،و انكشفت لي علاماته
ص:135
المخصوصة التي أخفاها الحقّ تعالى عن عيون عباده.كشف اللّه لي ذلك في مدينة فاس،حتّى رأيت خاتم الولاية،و هو خاتم النبوّة المطلقة الذي جهله الكثير من البشر.و قد ابتلى اللّه أهل الإنكار الذين أنكروا مراتب الكمال و العلم التي وهبها اللّه تعالى له...(1).
24-الشيخ سعد الدين محمّد بن المؤيّد بن أبي الحسين الحموي(2).
25-الشيخ حسن العراقي(3).
26-الشيخ علي الخواصّ (4).
27-حسين بن معين الدين الميبدي(5).
28-الحافظ محمّد بن محمّد محمود البخاري(6).
29-الحافظ أبو الفتح محمّد بن أبي الفوارس(7).
30-أبو المجد عبد الحقّ الدهلوي البخاري(8).
31-الشيخ أحمد الجامي النامقي(9).
32-الشيخ فريد الدين محمّد العطّار النيشابوري(10).
ص:136
33-جلال الدين محمّد العارف البلخي الرومي المعروف بالمولوي(1).
34-الشيخ العارف بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي(2).
35-المولوي علي أكبر بن أسد اللّه المؤدّى من متأخّري علماء الهند(3).
36-الشيخ عبد الرحمن صاحب كتاب«مرآة الأسرار»(4).
37-ملك العلماء القاضي شهاب الدين بن شمس الدين الدولة آبادي(5).
38-الشيخ سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجة كلان الحسيني البلخي القندوزي(6).
39-الشيخ عامر بن عامر البصري(7).
40-القاضي جواد الساباطي(8).
41-الشيخ أبو المعالي صدر الدين القونوي(9).
42-الفاضل عبد اللّه بن محمّد المطيري(10).
ص:137
43-مير خواند المؤرّخ الشهير محمّد بن خاوند شاه بن محمود(1).
44-المحدّث الكبير إبراهيم بن محمّد بن المؤبّد الجويني الخراساني(2).
45-القاضي المحقّق بهلول بهجت أفندي(3).
46-الشيخ شمس الدين محمّد بن يوسف الزرندي(4).
47-شمس الدين التبريزي(5).
48-المؤرّخ ابن الأزرق(6).
49-المولى علي القارئ(7).
50-القطب المدار(8).
51-صدر الأئمّة ضياء الدين موفّق بن أحمد الخطيب المالكي(9).
52-المولى حسين بن علي الكاشفي(10).
53-السيّد علي بن شهاب الهمداني(11).
54-الشيخ محمّد الصبّان المصري(12).
ص:138
55-الناصر لدين اللّه أحمد بن المستضيء بنور اللّه الخليفة العبّاسي(1).
56-أبو الفلاح عبد الحيّ بن العماد الحنبلي(2).
57-الشيخ عبد الرحمن محمّد بن علي بن أحمد البسطامي(3).
58-الشيخ عبد الكريم اليماني(4).
59-الفاضل رشيد الدين الدهلوي الهندي(5).
60-الشاه وليّ اللّه الدهلوي(6).
61-الشيخ أحمد الفاروقي النقشبندي(7).
62-أبو الوليد محمّد بن شحنة الحنفي(8).
63-سيّد باقر بن سيّد عثمان البخاري(9).
64-جمال الدين خواجة أحمد الحقّاني(10).
هؤلاء المذكورة أسمائهم فوق،كلّهم من العلماء و المحدّثين و المؤلّفين، و بعضهم من كبار عرفاء أهل السنّة،أشاروا في مؤلّفاتهم و أقوالهم و في
ص:139
مجالس دروسهم إلى موضوع ولادة المهدي(عج)و حياته،و أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و أنّه حيّ و غائب،بالمدح و الثناء البليغ و بعبارات مختلفة،بالتصريح تارة و بالإشارة أخرى.
بعد كلّ هذا كيف يسمح لنفسه كاتب كرّاسة«المهدي الموعود أم المهدي الموهوم»أن يدّعي أنّ موضوع حياة المهدي(عج)و غيبته و انتظاره كلّها من جعل الإمامية و وضع علمائهم!
يقول كاتب الكرّاسة:
إمام الزمان المزعوم دخل السرداب و هو في سنته الثانية أو الخامسة حسب اختلاف الروايات المجعولة،و لا زال فيه رغم مرور أكثر من 1250 عام.
هذا الموضوع كذبة كبيرة و لا أساس له من الصحّة؛لأنّ المذكور في الروايات التاريخية فقط ما يتناول شدّة خوف و حسّاسية حكومة المعتمد العبّاسي بعد شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام من ولادة المهدي عليه السّلام،و ما قام به من تفتيش كلّ زوايا بيت الإمام لأجل العثور على صبيّه.
السبب الذي حدى بالإمام العسكري عليه السّلام إلى عدم ذكر اسم المهدي(عج) في وصيّته خوفا على حياته بعد أن أحسّ بالخطر المحدّق به؛و لمّا تناهى إلى مسامع الحكومة العبّاسية مرض الإمام العسكري عليه السّلام قاموا بتشديد المراقبة على بيته و تحرّكاته،و بثّوا العيون و الجواسيس حوله لمراقبته في
ص:140
الليل و النهار،فكانوا يرصدون كلّ حركة في ذلك البيت،و حتّى كتابة الوصية كانت تحت النظر و المراقبة؛لهذا السبب،أي لحفظ حياة الصبيّ من الخطر المحدّق به لم يذكر الإمام الحسن العسكري عليه السّلام اسم ولده في الوصيّة.
أحمد بن عبد اللّه(عبيد اللّه)بن يحيى الخاقاني والي قم،يعتبر أحد ناقلي خبر وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و الأحداث التي سبقت أو تلت تلك الوفاة، كادّعاء جعفر أخو الإمام العسكري عليه السّلام الإمامة و الميراث،يقول ضمن نقله القصّة الكاملة:«غاب المهدي ابن الإمام الحسن»و لم يذكر اسم مكان غيبته.
و نقل بعض المحدّثين كذلك وقائع صلاة المهدي عليه السّلام على جنازة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بعد أن تهيّأ لها جعفر،و أيضا وقائع ادّعاء الإمامة من قبل جعفر و انكشاف كذبته،و كذا و شايته عند المعتمد العبّاسي، و موضوع غيبة المهدي عليه السّلام(1).
يقول آية اللّه صدر الدين الصدر رحمه اللّه:
لم أعثر على أيّ دليل عمّا قيل على لسان بعض عوام الشيعة و نقلها أهل السنّة كصاحب الصواعق،عن اعتقادهم بأنّ المهدي(عج)دخل السرداب و اختفى فيه.
ثمّ يضيف قائلا:
و اعتقد أنّ منشأ ما نسبته بعض الكتابات إلى الشيعة الإمامية هو ما يشاهدونه من زيارتهم لهذا المكان لأجل التبرّك و أداء الاحترام؛لما يجدون فيه من قداسة خاصّة.
ص:141
و من رأيي أنّ سبب هذه القداسة هو وجود صحن العسكريّين،و أيضا الصحن المجاور أي السرداب،و كلّها أماكن سكن آل الرسول عليهم السّلام و تشريفهم فيه لسنين عديدة.
و من الطبيعي أن تكون أماكن سكنى آل البيت و ما يتعلّق بها و حولها محلّ احترام و قداسة عند شيعتهم و محبّيهم؛أضف إلى هذا،عدم وجود مكان خاصّ لزيارة المهدي(عج)،تعلّقت قلوب الشيعة بمحال ولادته و سكناه،و هي سنّة حسنة جدّا و إن لم أعثر على رواية أو دليل شرعي فيها(1).
لا توجد و لا رواية شيعية واحدة تذكر أنّ المهدي(عج)يعيش-في زمن غيبته-في سرداب أو بئر،بل الروايات الشيعية-كنموذج-هي من هذا القبيل:
1-يقول الإمام الصادق عليه السّلام:
«يفقد الناس إمامهم فيشهدهم في الموسم فيراهم و لا يرونه»(2).
2-قال الإمام الباقر عليه السّلام:
«لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة،و لا بدّ في عزلته من قوّة...
و نعم المنزل طيبة»(3).
ص:142
يعني سيكون منزله في زمان غيبته مدينة طيبة.
3-يقول الإمام الصادق عليه السّلام:
«...صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم و يمشي في أسواقهم و يطأ فرشهم و لا يعرفونه،حتّى يأذن اللّه له أن يعرّفهم نفسه...»(1).
4-رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إنّ للقائم غيبتين يرجع في إحداهما،و الأخرى لا يدرى أين هو،يشهد الموسم يرى الناس و لا يرونه»(2).
5-في الخطبة 150 من خطب أمير المؤمنين عليه السّلام في«نهج البلاغة»في مقام الإشارة إلى فتن آخر الزمان و وقائع المهدي عليه السّلام جاء:
«...ألا و أنّ من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير و يحذو فيها على مثال الصالحين،ليحلّ فيها ربقا و يعتق رقّا و يصدع شعبا و يشعب صدعا في سترة عن الناس،لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره...»(3).
و كما ترى فإنّ الأعمال التي يقوم بها المهدي(عج)في زمان غيبته و التي ذكرت في هذه الخطبة و سائر الروايات لا تتناسب و القول في سجنه في سرداب أو بئر.
ص:143
6-ينقل أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«يا أبا محمّد،كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله و عياله».قلت:يكون منزله؟قال:«نعم،هو منزل إدريس عليه السّلام...»(1).
و لا يوجد أيّ تعارض بين مفاد هذه الروايات؛لإمكان صدقها جميعا، فمرّة تذكر أن المهدي عليه السّلام يكون في مراسم الحجّ،و أخرى في المدينة المنوّرة (و التي عبّر عنها بطيبة)،و مرّة بين الناس في الشارع و السوق،و لا توجد رواية واحدة تذكر أنّه يعيش في سرداب أو بئر.
كما لا توجد رواية تذكر أنّ المهدي عليه السّلام سوف يظهر من سرداب،و كلّ ما جاء من الروايات أنّه:
1-«يظهر بين الركنين»(2).
2-«فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة»(3).
3-«فيؤتي و هو خلف المقام...»(4).
4-«يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة(اليمن)»(5).
5-«يخرج من تهامة»(6).
6-«انحدر عليكم قائم آل محمّد من الحجاز»(7).
ص:144
يدّعي كاتب الكرّاسة قائلا:
المهدي الحقيقي الذي أشارت إليه الأحاديث سوف يظهر لنصرة الإسلام و المسلمين على اختلاف أجناسهم و أعراقهم.أمّا إمام الزمان مجعول هؤلاء علماء الشيعة فهو يخرج لنصرتهم و ينتقم من الآخرين و حتّى الأموات.
و لا يكون في جيشه و بين أفراده قرشيّ واحد لشدّة كراهته لهم و للعرب!أليست هذه عين المؤامرة الشعوبيه على الإسلام و العرب؟
و هذه كذبة أخرى على علماء الشيعة،حيث لا يوجد في أي كتاب روائي أو عقائدي من كتب الشيعة قابل للذكر و مورد تأييد الجميع فيه أنّ إمام الزمان يظهر لنصرة بعض العلماء و خصوص الشيعة و ينتقم من غيرهم،يكفي إلقاء نظرة على كتب الحديث الشيعية حتّى يتّضح أنّ هذه الكتب لا تزيد عمّا ذكرته كتب السنّة أنفسهم القائلة بأنّ الهدف من خروج المهدي(عج) لا يتعدّى ما تبيّنه عبارة الحديث:«يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا».
ص:145
أمّا ما نسب إلى المهدي(عج)الموعود من قيامه بالانتقام من الأموات، فربما منشأ ذلك الروايات التالية و قد جاءت بتعابير مختلفة،نشير إلى أهمّها:
1-رواية المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي...و هو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين و الجاحدين و الكافرين...»(1).
2-رواية جارود بن المنذر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«هؤلاء أوليائي،و هذا المنتقم من أعدائي...»(2).
3-رواية طويلة لجابر بن يزيد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«إنّ اللّه أوحى ليلة أسري بي:يا محمّد...و هذا القائم محلّل حلالي و محرّم حرامي و ينتقم من أعدائي...»(3).
4-رواية أبي حمزة ثابت بن دينار عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة...فو عزّتي و جلالي...بذلك القائم أنتقم منهم...»(4).
5-رواية فراة بن الأحنف عن الإمام الصادق عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام:
«...لأقتلنّ أنا و ابناي هذان،و ليبعثنّ اللّه رجلا من ولدي في
ص:146
آخر الزمان يطالب بدمائنا...»(1).
6-رواية علقمة بن محمّد الحضرمي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في خطبة الغدير،جاء فيها حول المهدي عليه السّلام:
«...ألا إنّه المنتقم من الظالمين...ألا إنّه مدرك بكلّ ثار لأولياء اللّه...»(2).
و لقد جاء في جميع هذه الروايات التعبير بالانتقام من أعداء اللّه و أعداء الأئمّة عليهم السّلام و أعداء الإمام الحسين عليه السّلام،و لم يأت في أيّ واحدة منها ذكر إحياء الأموات للانتقام منهم.و الانتقام من أعداء اللّه و أعداء الأئمّة عليهم السّلام ذكرت في روايات الرجعة أيضا(3).و الانتقام من أعداء اللّه و أعداء الأئمّة منعهم عن النبيل إلى غرضهم.
و مع ظهور المهدي عليه السّلام بعد خروج الدجّال و تنامي قوّة و اقتدار الشرك و الكفر و الظلم-و هو الهدف القديم لأعداء اللّه و الأنبياء و الأئمّة-فإنّه عليه السّلام سوف يقتلع جذور الكفر و الظلم من الأرض،و سيكون هذا أكبر و أفضل إنتقام من أعداء اللّه و قتلة الإمام الحسين عليه السّلام و سائر شهداء طريق الحقّ و العدالة.
و بناء على ما تعتقده الشيعة فإنّ الرجعة عودة طائفتين من الناس إلى الدنيا يعني أولياء اللّه و أعداءه،و تعذيب أعداء اللّه على أيدي أوليائه بالعذاب الأدنى،سيكون طريقة أخرى من طرق الانتقام.و لقد تمّ تأكيدها
ص:147
في روايات عديدة،و لا تعتبر أمرا مستحيلا أو مخالفا لضرورة من ضرورات العقل و الشرع.
و القسم الآخر من ادّعاء الكاتب الذي يقول فيه:
لشدّة كراهته للعرب و بالخصوص قريش حتّى إنّه لا يخرج منهم واحد لنصرته.
مستندا إلى بعض روايات آحاد و ضعيفة السند،نشير هنا إلى بعضها:
1-رواية رفيد عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...على العرب شديد...»(1).
2-رواية الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني،عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:
«...إذا خرج القائم لم يكن بينه و بين العرب و قريش إلاّ السيف،ما يأخذ منها إلاّ السيف...»(2).
3-رواية أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«لا يقوم القائم إلاّ على...سيف قاطع بين العرب و اختلاف شديد بين الناس...»(3).
ص:148
4-رواية موسى الأبار عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«اتّق العرب فإنّ لهم خبر سوء،أما إنّه لم يخرج مع القائم منهم واحد»(1).
5-رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...ثمّ يتوجّه إلى الكوفة فينزلها و يكون داره،و يبهرج [يعني يهدر الدم]سبعين قبيلة من قبائل العرب...»(2).
6-رواية جعفر بن يحيى عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد الكوفان،ثمّ يخرج إليهم المثال المستأنف أمر جديد على العرب شديد»(3).
7-رواية رفيد عن الإمام الصادق عليه السّلام،يقول:
قلت لأبي عبد اللّه:جعلت فداك يابن رسول اللّه،يسير القائم بسيرة علي بن أبي طالب في أهل السواد؟فقال:«لا يا رفيد، إنّ علي بن أبي طالب سار في أهل السواد بما في الجفر الأبيض،و إنّ القائم يسير في العرب بما في الجفر الأحمر».
قال:فقلت:جعلت فداك و ما الجفر الأحمر؟قال:فأمرّ إصبعه على حلقه فقال:«هكذا،يعني الذبح»(4).
ص:149
8-رواية أخرى لرفيد عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«يا رفيد كيف أنت إذا رأيت أصحاب القائم قد ضربوا فساطيطهم في مسجد الكوفة ثمّ أخرج المثال الجديد على العرب شديد».قال:قلت:جعلت فداك ما هو؟قال:«الذّبح...
إنّ عليّا سار بما في الجفر الأبيض و هو الكفّ و هو يعلم أنّه سيظهر على شيعته من بعده،و إنّ القائم يسير بما في الجفر الأحمر و هو الذبح،و هو يعلم أنّه لا يظهر على شيعته»(1).
9-رواية حارث بن المغيرة و ذريح المحاربي عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«ما بقي بيننا و بين العرب إلاّ الذبح،و أومأ بيده إلى حلقه»(2).
10-رواية أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...و اللّه لكأنّي أنظر إليه بين الركن و المقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد.و قال:ويل للعرب من شرّ قد اقترب»(3).
المسألة الأولى:يفهم من الروايات المتواترة بين الشيعة و السنّة أنّ المهدي(عج)سوف يعمل بما في الكتاب و السنّة،و ليس فيها أيّ إشارة إلى ما
ص:150
يرتبط بالجنس و العنصر و القومية،و إنّما الملاك الإيمان و التقوى و العمل الصالح و العلم و الجهاد،إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (1).
ينقل صاحب تفسير«الدرّ المنثور»في ذيل تفسيره لهذه الآية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في كلام له في خطبة الوداع أيّام التشريق قال:
«يا أيّها الناس،ألا أنّ ربّكم واحد،ألا إنّ أباكم واحد،ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ،و لا لعجميّ على عربيّ،و لا لأسود على أحمر...إلاّ بالتقوى...»(2).
و لو تعارض مضمون تلك الروايات مع القرآن الكريم و السنّة النبوية الشريفة،اللذان هما من مسلّمات أصول الإسلام و المذهبين الشيعي و السنّي،فلا يعتقد بها و لا عالم شيعي واحد.
المسألة الثانية:لفظة«العرب»الواردة في تلك الروايات يمكن أن يراد بها الطغات و أعداء اللّه منهم،لا كلّ العرب.و الروايات التي ورد فيها تعبير مثل«طغات العرب»خير قرينة على أنّ المراد من العرب في الروايات المطلقة خصوص الظلمة و الطغاة منهم.
المسألة الثالثة:مضامين تلك الروايات تتعارض تماما مع روايات أخرى تتضمّن مدح و تمجيد لطوائف من العرب في هذا الشأن.من باب المثال:
1-رواية طويلة لحذيفة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«إذا كان عند خروج القائم،ينادي مناد من السماء:أيّها الناس
ص:151
قطع عنكم مدّة الجبّارين...فالحقوا بمكّة،فيخرج النجباء من مصر و الأبدال من الشام و عصائب العراق،رهبان بالليل...
كأنّ قلوبهم زبر الحديد فيبايعونه بين الركن و المقام»(1).
2-رواية أبي خالد الكابلي عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«إذا دخل القائم الكوفة،لم يبق مؤمن إلاّ و هو بها أو يجيء إليها...
و يقول لأصحابه:سيروا بنا إلى هذه الطاغية،فيسير إليه»(2).
لعلّ المراد من الطاغية في هذا الحديث،الدجّال و من معه.
3-رواية أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه عليه السّلام:
«يملك المهدي أمر الناس سبعا أو عشرا،أسعد الناس به أهل الكوفة»(3).
و يتوضّح من مطالعة الروايتين الأخيرتين حال الرواية الخامسة من المجموعة السابقة المتضمّنة لقتل المهدي(عج)سبعين قبيلة من قبائل العرب في الكوفة.بالإضافة إلى ما ذكرته الروايات الأخيرة لفضائل و كمالات جديرة بالالتفات لطوائف من العرب،ممّا يعني أنّ المقصود بالذمّ ليس كلّ العرب بل الطغات و الظلمة منهم.
و بناء على احتمال المرحوم المجلسي،لعلّ المراد بالطاغية في الرواية الثانية السفياني،و الكوفة تكون القاعدة للهجوم عليه و محاربته.
ص:152
المسألة الرابعة:ما يرتبط بسند هذه الروايات:أمّا سند الرواية الأولى فضعيف بسبب«رفيد»حيث لم يوثّق في معاجم الرجال(1).إضافة إلى أنّ ابن سنان مشترك بين«محمّد»و«عبد اللّه»،و الأوّل متّهم بالغلوّ قد ضعّفه أصحاب الرجال(2).
و في سند الرواية الثانية«أحمد بن محمّد بن سعيد»و هو و إن وثّقه البعض إلاّ أنّه زيدي جارودي،و خبره خبر واحد لا يعبأ به في الأمور الاعتقادية.و أيضا«الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني»الذي قال عنه علي بن فضّال:«كذّاب ملعون»،كما نقله الكشّي عن محمّد بن مسعود،و ذمّه آخرون و لعنوه بتعابير مختلفة(3).
و في سند الرواية الثالثة-إضافة إلى ضعفها من جهة«أحمد بن محمّد بن سعيد»و«الحسن بن علي بن أبي حمزة»-فإنّ فيها«يوسف بن كليب»و هو مجهول لم يذكر اسمه في معاجم الرجال.
و أيضا سند الرواية الرابعة ضعيف بسبب«موسى الأبار»الذي هو مجهول أيضا(4).
و سند الرواية الخامسة ضعيف ب«علي بن أبي حمزة».
و ضعف سند الرواية السادسة بسبب جهل الواسطة بين«عبيد اللّه بن موسى»و«جعفر بن يحيى»،و لذا فقد سقط عن الاعتبار(5).
ص:153
و أمّا سند الرواية السابعة فبالإضافة إلى وجود«رفيد»الذي لم يوثّق فإنّه ضعيف بسبب«محمّد بن فضيل الكوفي»؛و ذلك لأنّه ضعّف في «معجم الرجال»،و اتّهمه البعض بالغلوّ(1).
و الرواية الثامنة أيضا ضعيفة بسبب«رفيد».
و في سند الرواية التاسعة«محمّد بن عبد اللّه بن زرارة»و هو و إن كان موضع اختلاف و العلاّمة قد وثّقه،إلاّ أنّ الشهيد الثاني كان يعتبره غير ثقة(2).
و الرواية العاشرة أيضا ضعيفة بسبب«ابن البطائني»و هو«علي بن أبي حمزة البطائني».
و للتنبيه:على فرض القبول بسند تلك الروايات إلاّ أنّها لا تثبت أمام نصّ صريح القرآن و السنّة القطعية.
المسألة الخامسة:إضافة إلى ما ذكر آنفا،نلفت النظر إلى أنّ عرض صور أهم ما سيقوم به المهدي بعد ظهوره كما جاء في الروايات المعروفة بل المتواترة المعنوية الشيعية و السنّية حيث«يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا»،قد جاءت بتعابير أخرى،نذكر بعضها.
1-عن الرضا عليه السّلام:
«وضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا»(3).
ص:154
2-عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«إذا قام قائم أهل البيت قسّم بالسوية و عدل في الرعية»(1).
3-عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«أما و اللّه ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ و القرّ»(2).
4-عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«و كذلك القائم،إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي الناس و يستقبل بهم العدل»(3).
و بديهي أنّ تحقيق القسط و العدل،و تقسيم الأموال بين الناس بالتساوي،لا ينسجم مع مضمون تلك الروايات الدالّة على ظلمه لبعض الطوائف.
و في روايات أخرى إضافة إلى ما تدلّ من تحقيق العدل و القسط بين الناس،فهي تنسب إليه أفعال أخرى مثل الجود و العفو الكبير،و رفع الحيف و الظلم عنهم،نشير إلى بعضها:
1-عن الإمام الرضا عليه السّلام:
«يكون رحمة للمؤمنين،و عذابا للكافرين»(4).
2-عن الإمام الباقر عليه السّلام:
ص:155
«و تجمع إليه أموال الدنيا كلّها ما في بطن الأرض و ظهرها فيقول للناس:تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدماء و ركبتم فيه محارم اللّه،فيعطي شيئا لم يعط أحد كان قبله...»(1).
3-عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«آخرهم اسمه على اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما،يأتيه الرجل و المال كدس فيقول:
يا مهدي اعطني،فيقول:خذ»(2).
4-و نقل عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ،و من ذي ضعف قوي»(3).
فهذه التعابير و أشباهها موجودة في روايات السنّة أيضا،لا حاجة لنقلها، و من أراد التفصيل فليراجع كتاب«المهدي»تأليف آية اللّه السيّد صدر الدين الصدر رحمه اللّه(4).
و كم هو واضح الاختلاف بين هذه الروايات و تلك التي أثيرت حول شخصه عليه السّلام.
ص:156
و في رواية عن الإمام الباقر عليه السّلام قال:
«...يستخرج التوراة و سائر كتب اللّه من غار بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الإنجيل بالإنجيل و بين أهل الزبور بالزبور و بين أهل الفرقان بالفرقان...»(1).
يفهم من هذه الرواية جيدا أنّه حتّى سائر الملل و أهل الأديان أيضا سينعمون بالحرّية و عدم الخوف في ظلّ حكومة المهدي عليه السّلام،و أنّه سيبيّن لهم أحكام دينهم طبق ما جاء في كتبهم الأصلية.
و على هذا،فليس صحيحا أبدا ما نسب الكاتب إلى الشيعة قولهم إنّ المهدي يكره العرب و قريش و هو مكتوب في رواياتهم!
مع وجود كلّ هذه الروايات المسندة و المتواترة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و آراء كبار علماء أهل السنّة حول قضية المهدي و غيبته،فإنّ ادّعاء كاتب الكرّاسة بأنّ إمام زمان الشيعة جزء من مؤامرة شعوبية على الإسلام و العرب، ادّعاء موهون و بعيد جدّا عن الحقيقة.
و من كلّ ما ذكر اتّضح أنّ وظيفة المهدي و رسالته إحياء القرآن و الإسلام و سيرة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لا يظهر للانتقام من العرب و الأموات كما يدّعي صاحب الكرّاسة.
ص:157
حيث يقول:
المهدي الموعود يكرم أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يدعوا لهم بالخير و يسير بسيرتهم،و يحبّ أمّهات المؤمنين و يذكرهنّ بالخير.أمّا إمام الزمان صنع علماء الإمامية ليس فقط يبغض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و إنّما يستخرج جثثهم من قبورهم و يحرقها،و يقتصّ من أمّهات المؤمنين و يقيم الحدّ على عائشة.
و يذكر أسماء الأصحاب الذين سيستخرج جثثهم قائلا:
يستخرج صاحبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أبي بكر و عمر من قبريهما ...و ينتقم لكلّ المظالم التي حصلت قبل و بعد هذين الصحابيين،من قتل هابيل و قابيل إلى ذنوب أخوة يوسف بإلقائهم إيّاه في البئر،و ظلم نمرود بإلقائه إبراهيم عليه السّلام في النار،و حتّى من ذنوب عبدة النار،سوف يأخذ ثأره و يعمل انتقامه.
فهو يطرح ادّعائين:
1-إمام زمان الشيعة ينتقم من أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يحرق جثثهم.
2-يجلد أمّ المؤمنين عائشة.
ص:158
مستنده فيما يرتبط بإخراج جثتي أبي بكر و عمر من قبريهما و...روايات ضعيفة لا يعتمد عليها،و يتعارض متنها مع تلك الروايات الكثيرة المتواترة الدالّة دلالة واضحة على أنّ المهدي يعمل بكتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و مؤكّدة على أن خلق و شمائل المهدي هي خلق و شمائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، مملوءة بالرحمة و العطف على عباد اللّه.فمن هذه الروايات الضعيفة:
الرواية الأولى:في«بحار الأنوار»عن كتاب لأحد الأصحاب-و لا يعلم من هو-بسند حسين بن حمدان،يتّصل بمحمّد بن نصير،و هو عن عمر بن الفرات،و هو عن محمّد بن مفضل،و هو عن مفضل بن عمر ينقل رواية ينسبها إلى الإمام الصادق عليه السّلام،جاء فيها:
«بعد أن يخرج جثّتي أبي بكر و عمر من قبريهما،ثمّ يصلبها على الشجرة،يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما و الشجرة،ثمّ يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا...حتّى إنّهما ليقتلان في كلّ يوم و ليلة ألف قتلة.و يحمّلهما كلّ ذنوب الخلائق منذ عهد آدم إلى وقت قيام المهدي...»(1)
و مضمون الرواية-على فرض صحّة السند-يحكي عن كذبها.أمّا ما يختصّ بالسند فكما قلنا إنّ صاحب البحار نقلها عن كتاب لأحد الأصحاب
ص:159
لا يعلم اسمه،و في سندها محمّد بن نصير عن عمر بن الفرات عن محمّد بن مفضل،و هو عن مفضل بن عمر.
و مفضّل بن عمر هذا و إن كان قد مدحه الشيخ المفيد و قال عنه:
«من شيوخ أصحاب أبى عبد اللّه عليه السّلام و خاصّته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين»(1) ،و لكنّ النجاشي عرّفه في رجاله بأنّه:«فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به»(2).و نقل العلاّمة في«الخلاصة»أنّه«متهافت، مرتفع القول،خطّابي(3)»(4).
و أيضا يضيف ضمن تصريحه بفساد مذهبه و أنّه لا يعتمد عليه قائلا:
و حمل الغلاة في حديثه حملا عظيما،و لا يجوز أن يكتب حديثه.
و كذا نقل الكشّي عن حماد بن عثمان بأنّ الإمام الصادق يخاطبه ب«يا كافر» و«يا مشرك»،و كما جاء في الرواية:أنّ حجر بن زائدة و عامر بن جذّاعة
ص:160
الأسدي دخلا على الإمام الصادق عليه السّلام فقالا له:جعلنا اللّه فداك إنّ المفضل بن عمر يقول إنّكم تقدّرون أرزاق العباد.فلعنه الإمام الصادق عليه السّلام و تبرّأ منه و قال لهما:«فالعناه و ابرءا منه،برئ اللّه و رسوله منه»(1).
و هو و إن كان قد جاء مدحه في بعض الروايات و كتب الرجال،و لكن طبق القاعدة المقبولة في علم الرجال:إنّه عند تعارض المدح و الذمّ يقدّم الذمّ.
و أمّا بشأن محمّد بن نصير فإنّ الشيخ في«الغيبة»(2) و المجلسي في «بحار الأنوار»(3) نقلا عن سعد بن عبد اللّه قوله:«كان محمّد بن نصير يدّعي أنّه رسول نبي و أنّ علي بن محمّد عليه السّلام أرسله.و كان يقول بالتناسخ،و يغلو في أبي الحسن و يقول فيه بالربوبية،و يقول بالإباحة للمحارم و تحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا...».و ينقل الشيخ في نفس الصفحة عن ابن نوح:«كان محمّد بن نصير من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السّلام فلمّا توفّى أبو محمّد ادّعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان.
و ادّعى(له)البابيّة،و فضحه اللّه تعالى بما ظهر من الإلحاد و الجهل،و لعن أبي جعفر محمّد بن عثمان له و تبرّيه منه،...قال أبو طالب الأنباري:لمّا ظهر محمّد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر و تبرّأ منه،فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه و يعتذر إليه،فلم يأذن له و حجبه و ردّه».
ص:161
و جاء في هامش«بحار الأنوار»:
محمّد بن نصير و هو النميرى الكذّاب الغال الخبيث المدّعى للنّيابة...يروى عن عمر بن الفرات الكاتب البغدادى الغالي ذو المناكير...(1).
و لقد عرّف النجاشي عمر بن فرات أيضا بالغلوّ و الفساد(2).
و أمّا حسين بن حمدان،فبناء على نقل و تأييد«جامع الرواة»(3):
«كان فاسد المذهب،كذّابا...ملعون،لا يلتفت اليه».و محمّد بن مفضّل مشترك بين من وثّق و من لم يوثّق.و علي بن عبد اللّه مجهول.
و على هذا فلا إشكال في ضعف سند هذه الرواية و سقوطها عن الاعتبار.
الرواية الثانية:طبق ما جاء في هذه الرواية:يقول الإمام الصادق عليه السّلام لبشير بن نبّال:
«هل تدري أوّل ما يبدأ به القائم عليه السّلام»؟قلت:لا.قال:«يخرج هذين رطبين غضّين فيحرقهما و يذريهما في الريح و يكسر المسجد...»(4).
ص:162
راوي هذا الحديث بشير النبّال و هو لم يوثّق،يقول العلاّمة في خلاصته عنه:«...فأنا في روايته متوقّف»(1).
الرواية الثالثة:يقول عبد العظيم الحسني للإمام الرضا عليه السّلام:إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.فقال عليه السّلام:
«يا أبا القاسم ما منّا إلاّ قائم بأمر اللّه عزّ و جلّ و هاد إلى دينه، و لكنّ القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها عدلا و قسطا،هو الذي يخفى على الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته،و هو سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض و يذلّ له كلّ صعب...فإذا دخل المدينة أخرج اللات و العزّى فأحرقهما...»(2).
[و اللات و العزّى إشارة إلى النفرين الذين ذكرهما بشير بن نبّال في الرواية السابقة].
و في سند هذه الرواية السناني و هو مجهول الحال،و الأسدي و هو مشترك بين ثلاثة رجال اثنين منهما غير موثّقين،فلا تكون مورد اعتماد(3).
الرواية الرابعة:عن المفضل عن الإمام الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
ص:163
«لمّا أسري بي أوحى إليّ ربّي...و هذا القائم الذي يحلّ حلالي و يحرّم حرامي،و به أنتقم من أعدائي...فيخرج اللات و العزّى طريّين فيحرقهما...»(1).
في سند هذه الرواية أحمد بن هلال،و قد نقل«جامع الرواة»عن «فهرست»الشيخ قوله:«كان غاليا متّهما في دينه».و قال العلاّمة في «الخلاصة»و النجاشي و الكشّي في كتابيهما:«ورد فيه ذموم عن سيّدنا أبي محمّد العسكري عليه السّلام».و هكذا العلاّمة في«الخلاصة»و الاستر آبادي في «الرجال الوسيط»قالا:«و عندي أنّ روايته غير مقبولة»(2).
الرواية الخامسة:ينقل إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:
«...ثمّ يخرجهما غضّين رطبين فيلعنهما و يتبرّأ منهما و يصلبهما،ثمّ ينزلهما و يحرّقهما،ثمّ يذريهما في الريح»(3).
و هذه الرواية ينقلها المرحوم المجلسي من كتاب«الغيبة»للسيد علي بن عبد الحميد عن إسحاق بن عمّار بدون ذكر السند.
و إسحاق بن عمّار هذا و إن كان فطحيا و لكنّه ثقة،(4) و لكن لا توجد معلومات عن سند الكتاب و لا واسطته إلى زمن المرحوم المجلسي، و بالنتيجة فالرواية مرسلة و لا يعتمد عليها.
ص:164
مستند كاتب الكرّاسة في مورد حدّ عائشة على يد المهدي،رواية عبد الرحيم القصير،يقول:قال لي أبو جعفر عليه السّلام:
«أمّا لو قام قائمنا لقد ردّت إليه الحميراء حتّى يجلدها الحدّ، و حتّى ينتقم لابنة محمّد فاطمة عليها السّلام منها».قلت:جعلت فداك و لم يجلدها الحدّ؟قال:«لفريتها على أمّ إبراهيم»[زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم](1).فقلت:فكيف أخّره اللّه تعالى للقائم عليه السّلام؟ فقال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رحمة، و بعث القائم عليه السّلام نقمة»(2).
نقل المرحوم المجلسي هذه الرواية عن«علل الشرائع»عن ماجيلويه عن عمّه،و هو عن البرقي،و هو عن أبيه،و هو عن محمّد بن سليمان،و هو عن داوود بن النعمان،و هو عن عبد الرحيم القصير،عن الإمام الباقر عليه السّلام.
ص:165
ما جيلويه موثّق،و لكنّ عمّه غير معروف.و المراد بالبرقي:أحمد بن محمّد بن خالد البرقي حيث قيل عنه في«الخلاصة»و«الفهرست»و «رجال الكشّي»بأنّه يروي عن الضعاف و يعتمد على روايات غير مسندة، قال عنه ابن الغضائري:
«طعن عليه القمّيون و ليس الطعن فيه و إنّما الطعن فيمن يروي عنه»(1).
و محمّد بن سليمان البصري أو(الديلمي)هو الآخر متّهم بالغلوّ(2).
و عبد الرحيم القصير(3) لم يوثّق أيضا.
إذن فسند الرواية ضعيف لا يعتمد عليه،و متنها أيضا مخالف للروايات التي وصفت المهدي بأنّه كرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في خلقه و صفاته و سيرته بين الناس،و له خصائص الأنبياء كإبراهيم و يوسف و أيّوب و موسى و عيسى عليهم السّلام.
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بنصّ القرآن المجيدرَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكيف يكون آخر خليفته نقمة للعالمين؟
أضف إلى هذا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي كان رحمة لم يكن يفرّق في إجراء الحدود الإلهية بين أقربائه و سائر المسلمين،فلو كانت عائشة مستحقّة الحدّ قطعا لم يكن الرسول ليترك إجراءه عليها.و تشهد له قصّة سرقة جارية أم سلمة التي ثبتت عند النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و شفعت أم سلمة لعدم إجراء الحدّ عليها،فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«هذا حدّ من حدود اللّه لا تضيّع»و أمر بقطع
ص:166
يد الجارية.و أيضا شفع أسامة بن زيد عند النبي في من الستحقّ حدّا و قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«لا تشفع في حدّ»(1).
و من كلّ ما ذكر اتّضح أنّ الشيعة لا يعتقدون بتاتا بهذا الذي نسبه الكاتب إلى إمامهم،بل يعتقدون أنّ خصال المهدي و صفاته هي خصال و صفات نبيّهم محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
حيث يدّعي كاتب الكرّاسة:
المهدي الحقيقي يعمّر المساجد،أمّا إمام الزمان المجعول فإنّه يخرّبها،و يبدأ بتخريب المسجد الحرام و الكعبة و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
و مستند هذا الادّعاء بعض الروايات الضعيفة،منها:
1-أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«القائم يهدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه،و مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى أساسه،و يردّ البيت إلى موضعه و أقامه
ص:167
على أساسه...»(1).
في سند هذه الرواية علي بن أبي حمزة البطائني و هو من عمد الواقفة، و قد كان قد استأثر بأموال كثيرة كانت عنده بالوكالة من الشيعة،و بعد شهادة الإمام الكاظم عليه السّلام لم يسلّمها إلى الإمام الرضا عليه السّلام بحجّة غيبته،و من حينها ظهرت الفرقة الواقفية.
2-عن أبي بصير بدون أن تنسب إلى الإمام الصادق عليه السّلام:
«إذا قام القائم دخل الكوفة و أمر بهدم المساجد الأربعة حتّى يبلغ أساسها...»(2).
في سند هذه الرواية أيضا علي بن أبي حمزة،و في ذيلها ذكر خبر قتل سبعين قبيلة من قبائل العرب في الكوفة،و قد سبق أن أشرنا إليها.
يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه في كتاب«الغيبة»فيما يرتبط بعدم الاعتماد على الواقفية بعد نقل الأقوال في ذمّهم:«و امّا ما ترويه الواقفة...و مع هذا فالرواة لها مطعون عليهم،لا يوثق بقولهم و رواياتهم...»(3).
إذن إضافة إلى عدم اعتبار سند هذه الروايات،فإنّ ما ذكر في جميع تلك الروايات من إعادة المساجد إلى مواضعها الأصلية كواحدة من الأعمال التي يقوم بها المهدي عليه السّلام،لا يعني بالضرورة تخريبها عن عناد أو عداوة للإسلام و للمقدّسات الإسلامية،فالفرق بينهما كبير.
ص:168
حيث يقول:
المهدي الحقيقي يتعامل بكتاب اللّه و سنّة رسوله،أمّا إمام الزمان المفتعل فإنّه يحكم بحكم آل داوود-اليهود-».
تتمّ الإجابة على هذا الادّعاء من خلال توضيح بعض المحاور:
وفق ما جاء في الروايات المتواترة من الفريقين،أنّ المهدي عليه السّلام حينما يظهر يعمل بكتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و هذا لا يتنافى مع ما ورد من أنّ المهدي عليه السّلام و بسبب شروط معينة و أوضاع و أحوال خاصّة بزمان الظهور،تكون له أحكام مخصوصة به،من جملتها الحكم بعلمه عليه السّلام بدون بيّنة،كما كان يفعل نبيّ اللّه داوود عليه السّلام،كما ورد في الروايات الكثيرة.
مماثلة بعض أفعال المهدي عليه السّلام مع دين نبيّ اللّه داوود،ليس دليلا على أنّ أساس عمله عليه السّلام مستخلص من دين داوود عليه السّلام.
و قد جاء في القرآن الكريم تشابه أحكام الإسلام و تشريعاته بصورة مجملة مع شرائع إبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام:وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ 1.
ص:169
و قد جاء في القرآن الكريم تشابه أحكام الإسلام و تشريعاته بصورة مجملة مع شرائع إبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام:وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ (1).
و المقصود من«في الدين»في هذه الآية هو دين الإسلام،و لكنّه بنفس الوقت أطلق عليه«ملّة إبراهيم»أي دين إبراهيم.
و أيضا ما جاء في هذه الآية:شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى (2) ، صريحة في أنّ الدين الذي شرّع للمسلمين هو نفسه الدين الذي شرّع لإبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام مع أنّا نعلم أنّ في الدين الإسلامي توجد أحكام و علوم مخصوصة و كاملة متناسبة مع ظرفه الزماني،لم تكن موجودة في الأديان السابقة.
روايات عديدة-أشرنا إليها سابقا-تدلّ على أوجه شبه في نهج و شرائع الأنبياء كإبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام و أيّوب عليه السّلام و يوسف عليه السّلام،مع سلوك و عمل الإمام المهدي عليه السّلام،فلماذا لم يدّع الكاتب أنّ المهدي تابع لشرع و دين هؤلاء الأنبياء؟مع أنّ جميع الأنبياء-أعمّ من كونهم أصحاب شريعة مثل أولي العزم أو أولئك الذين يتّبعون شريعة من سبقهم من الأنبياء- لهم احترام و قدسية كبيرة لدى جميع المسلمين و الإمام المهدي بالذات.
ص:
و ما جاء في بعض الروايات من أنّ المهدي عليه السّلام يقضي بعلمه بلا بيّنة كداود و سليمان عليهما السّلام،ربما لاتّساع حكومته و تسخير اللّه تعالى له العوامل الطبيعية و الاجتماعية و إمداده بالإمداد الغيبي،فيشبه بذلك حكومة داوود و سليمان عليهما السّلام.و عليه،فإذا ما جاء توصيف داوود في كتب اليهود بأنّه نموذج القضاء و الحكومة،و ذكرت الروايات الإسلامية بعض الخصوصيات للمهدي بما تشبه قضاء داوود و حكومته،فليس دليلا على أنّ المهدي الذي تعتقد به الإمامية قد أخذ من التلمود.فعلى هذا الاستدلال كان يجب على الكاتب أن يقول:إنّ الشريعة الإسلامية أيضا قد أخذت من أديان و شرائع الأنبياء السابقين كإبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام.
و في ما يرتبط بالإجابة على هذه الشبهة سوف نذكر في الفصل السادس بعض المسائل التي تختصّ بما ذكرته كتب الأديان السابقة من البشارات و النبوءات حول المهدي الموعود عليه السّلام.
و في تعليل كيف أنّ المهدي يحكم بعلمه و بدون بيّنة كداوود و سليمان عليهما السّلام كما جاء في بعض الروايات،قيل بالرجوع إلى النسخ؛إذ أساس حكومة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة المعصومين عليهم السّلام هو القسم و البيّنة.
و هذا الاحتمال جار في جميع الأحكام التي قيل إنّها من مختصّات زمان ظهور المهدي-و التي أشير إليها في الروايات السابقة-من قبيل:عدم قبول
ص:171
الجزية من أهل الكتاب(1) ،قتل مانع الزكاة و من بلغ العشرين و لم يتفقّه في الدين،و أمره بهدم المساجد و المشاهد المقدّسة،و أمثال ذلك.
قال المرحوم المجلسي في«مرآة العقول»في مورد القضاء بدون بيّنة:
إنّ القائم إذا ظهر يحكم بما يعلم في الواقعة لا البينة،و هذا ليس من قبيل النسخ حتّى يرد أن لا نسخ بعد نبيّنا،بل إمّا باعتبار التقية في بعضها(2) ،أو اختلاف الأوضاع و الأحوال في الأزمان،فإنّه يمكن أن يكون النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أمر الإمام بالحكم بالواقع إذا لم يصر سببا لتفرّق الناس و رجوعهم عن الحقّ،و بالحكم الظاهر إذا كان سببا لذلك(3).
و على هذا الأساس فحكم المهدي(عج)إنّما هو بأمر من النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ليس نسخا للشريعة.
ثمّ ينقل عن المرحوم الطبرسي صاحب كتاب«إعلام الورى»هذا
ص:172
الإشكال و جوابه،و هذا ملخّصة:
«أوّلا:الروايات الدّالّة على عدم قبول الجزية من أهل الكتاب،و أنّه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقّه في الدين،أو يأمر بهدم المساجد و المشاهد المقدّسة،و يحكم بحكم داود لا يسأل بيّنة و أشباه ذلك،غير مقطوع بها.
ثانيا:على فرض الصحّة،فتأويل ذلك أنّه يحكم بعلمه فيما يعلمه،و إذا لم يكن يعلم فيجب عليه أن يحكم بالشاهد و البيّنة.
و عدم قبول الجزية و الاستماع إلى البيّنة إن صحّ لم يكن نسخا للشريعة؛ لأنّ النسخ هو ما تأخّر دليله عن الحكم المنسوخ و لم يكن مصطحبا،و أمّا إذا اصطحب الدليلان فلا يكون ذلك نسخا لصاحبه و إن كان مخالفا.
و في الموارد المذكورة نرى أنّ الرسول نفسه شرّعها و لكن لم تكن الشرائط الزمانية متحقّقة»(1).
و يمكن القول فيما يرتبط بالأحكام الخاصّة بالمهدي عليه السّلام:
أولا:في سند بعض هذه الروايات علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي المذهب،أمثال تلك التي تذكر أنّ المهدي يقتل الشيخ الزاني و مانع الزكاة و يهدم المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و يردّ الكعبة إلى موضعها...(2).
و بعضها مرسلة لم يذكر سندها،كتلك التي تتطرّق إلى هدم المساجد الأربعة و نقل مقام إبراهيم إلى موضعه(3).
ص:173
إضافة إلى وجود ألفاظ غريبة غير مأنوسة في تلك الروايات مثل:
«يورث الأخ أخاه في الأظلّة»،و جاء في هامش«البحار»(1):المراد بالأظلّة:«عالم الأشباح و الأرواح قبل هذا العالم».
و الرواية مذكورة في كتاب«الاعتقادات»للصدوق عن الإمام الصادق عليه السّلام بهذا الصورة:
«إنّ اللّه آخى بين الأرواح في الأظلّة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام،فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلّة و لم يرث الأخ من الولادة»(2).
الجدير بالذكر أنّ معنى هذه الرواية التي نقلها الصدّوق و إن لم يكن بتلك الغرابة و لكنّها تخالف تلك الروايات المتواترة الدالّة على أنّ المهدي يعمل و يحكم بما في القرآن و السنّة.
ثانيا:طبق ما جاء في الروايات المتواترة المنقولة من طرق الشيعة و السنّة أنّ المهدي عليه السّلام يحكم على أساس كتاب اللّه تعالى و سنّة نبيّه،و الكثير ممّا نسب إلى المهدي في تلك الروايات لا توجد أحكامها لا في الكتاب و لا السنّة،هذا إن لم نقل أنّها تخالفهما.
حيث يقول:
ص:174
يظهر المهدي الحقيقي من جهة المشرق،أمّا إمام الزمان المزعوم فيخرج من السرداب.
هذا الادّعاء مخالف تماما مع ما ورد في تلك الروايات المعتبرة التي نقلناها من طرق الشيعة و التي تذكر أماكن لظهور المهدي عليه السّلام،مثل:«بين الركن و المقام»و«تهامة»و«مكّة»،و لا منافاة بينها.و ليس فيها أنّه يظهر من السرداب أو البئر.
يطرح الكاتب آخر ما في حوزته من ادّعائات الفروق بين إمام زمان الشيعة و مهدي موعود السنّة،قائلا:
الدين الإسلامي دين كامل،لا علاقة له بمجيء المهدي و عدم مجيئه،و بعد مجيئه لا يزيد الدين شيئا أو ينقص.و ليس إمام زمان الإماميه المزعوم إلاّ وهم و خيال.
لا يدّعي أي فرد شيعي أنّ الإسلام ناقص و أنّ المهدي يظهر ليتمّمه،بل الشيعة قاطبة تعتقد طبق ما جاء في الروايات المنقولة من طرقهم و من طرق
ص:175
السنّة بكمال هذا الدين الذي نزل على صدر رسولهم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و لكن طوال فترة غيبة المهدي عليه السّلام و بمرور الزمان و بسبب عوامل مختلفة أغلبها ناشئة من أعمال الحكومات الطاغوتية الظالمة،أو بعض الأفراد الانتفاعيّين و المنحرفين،فإنّ بعض أحكام هذا الدين الحنيف يصيبها النسيان و التغيّب عن الأذهان أو التحريف،فيقوم المهدي بإحيائها و تجديدها.
و كنّا قد أشرنا قبل هذا إلى الروايات السنّية الدالّة على أنّ المهدي سيقوم بتجديد الحياة في الدين الإسلامي(1).
ص:176
ص:177
ص:178
مشابهة مسيح اليهود المزعوم و إمام زمان الشيعة
ثمّ يشرع بذكر أوجه شبه بين أعمال و أفعال مسيح اليهود المزعوم و إمام زمان الشيعة،ليتخلّص-على حدّ زعمه-إلى هذه النتيجة و هي وجود تشابه بين ما ورد في كتب اليهود حول المسيح المزعوم،و ما ورد في كتب الإمامية حول إمام الزمان المزعوم.
و يميل إلى القول بأنّ للاثنين منشأ واحد و هو طبقة رجال الدين اليهود و الشيعة.و هذه أوجه الشبه المزعومة:
يقول الكاتب:
يقوم مسيح اليهود المزعوم بعد ظهوره-على حدّ زعم هؤلاء-بجمع اليهود الموزّعين في بقاع العالم المختلفة في مكان واحد و هو بيت المقدس.و إمام الزمان أيضا بناء على زعم الإمامية يقوم بعد ظهوره بجمع الشيعة في مكان واحد و هو الكوفة».
ص:179
نكتفي أوّلا بأن نشير إلى بعض الروايات المنقولة من طرق الشيعة و السنّة بهذا الصدد:
1-جاء في كتاب«عقد الدرر»عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يخرج ناس من المشرق فيوطؤون للمهدي»(1).
في هذه الرواية إشارة إلى مجموعة من الناس و حسب.
2-و جاء في نفس المصدر عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«تنزل الرايات السود التي تقبل من خراسان الكوفة،فإذا ظهر المهدي بمكّة بعث بالبيعة إلى المهدي»(2).
3-و جاء أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد...»(3).
4-و نقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:
«ثمّ يسير و من معه من المسلمين لا يمرّون على حصن من بلد الروم إلاّ قالوا عليه،لا إله إلاّ اللّه فتتساقط حيطانه...ثمّ
ص:180
يسير إلى رومية فإذا نزل عليها كبّر المسلمون ثلث تكبيرات...»(1).
5-و في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«فيفتح اللّه تعالى للمهدي أرض الحجاز و يستخرج من كان في السجن من بني هاشم و تنزل الرايات السود الكوفة...و يبعث المهدي جنوده في الآفاق...و تستقيم له البلدان و يفتح اللّه على يديه القسطنطنية»(2).
6-رواية أم سلمة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حول المهدي عليه السّلام:
«...فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرّقة حتّى يجتمع إليه ثلاثمئة و أربعة عشر رجلا فيهم نسوة فيظهر على كلّ جبّار و ابن جبّار...»(3).
7-رواية أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يأوي إلى المهدي أمّته كما تأوي النحل إلى يعسوبها يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حتّى يكون الناس على مثل أمرهم الأوّل...»(4).
8-عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«يرضى بخلافته أهل السماء و أهل الأرض و الطير في الجو...»(5).
ص:181
9-رواية حذيفة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...فإذا أراد اللّه أن يعيد الإسلام عزيزا قصّم كلّ جبّار عنيد و هو القادر على ما يشاء أن يصلح أمّة بعد فسادها، فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا حذيفة!لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه و يظهر الإسلام...»(1).
10-و جاء في رواية عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام:
«إذا قام قائم آل محمّد جمع اللّه له أهل المشرق و أهل المغرب...»(2).
11-عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«يظهر المهدي يوم عاشورا...و تصيّر اللّه شيعته إليه من أطراف الأرض تطوي لهم طيّا حتّى يبايعوه»(3).
12-رواية أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«ينزل بأمّتي في آخر الزمان بلاء شديد...لا يجد المؤمن ملجأ يلتجأ إليه من الظلم،فيبعث اللّه-عزّ و جلّ-رجلا من عترتي...يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض...»(4).
ص:182
1-عن الإمام الباقر عليه السّلام قال:
«...و يخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي»(1).
2-رواية علي بن عاصم عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«..يرضى بها كلّ مؤمن ممّن قد أخذ اللّه ميثاقه في الولاية...
يخرج من تهامة...»(2).
3-رواية الحسن بن ثوير عن أبيه عن الإمام السجّاد عليه السّلام:
«إذا قام قائمنا أذهب اللّه عزّ و جلّ عن شيعتنا العاهة،و جعل قلوبهم كزبر الحديد،و جعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلا،و يكونون حكّام الأرض و سنامها»(3).
4-رواية سعد عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...فإذا وقع أمرنا و جاء مهدينا كان الرجل من شيعتنا أجرى من الليث و أمضى من السنان،يطأ عدوّنا برجليه و يضربه بكفّيه،و ذلك عند نزول رحمة اللّه و فرجه على العباد»(4).
و تعبير«أجرى من الليث و أمضى من السنان»إشارة إلى قوّة الإيمان
ص:183
و استعداد أصحاب الإمام المهدي عليه السّلام للتضحية و الفداء،و عدم الخوف من العدو.
5-رواية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«كأنّي بالقائم على نجف الكوفة...لا يبقى أهل بلاد إلاّ و هم يرون أنّه معهم...فإذا هزّها لم يبق مؤمن إلاّ صار قلبه كزبر الحديد...»(1).
و عن الإمام الباقر عليه السّلام أيضا:
«كأنّي بأصحاب القائم و قد أحاطوا بما بين الخافقين...»(2).
6-رواية جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...فيهم النجباء من أهل مصر و الأبدال من أهل الشام و الأخيار من أهل العراق...»(3).
7-رواية أبي ربيعة الشامي عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إنّ قائمنا إذا قام مدّ اللّه لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتّى[لا]يكون بينهم و بين القائم بريد،يكلّمهم فيسمعون و ينظرون إليه و هو في مكانه»(4).
البريد اثنى عشر ميلا،و الميل حوالي كيلومترين،و ربما هذا كناية عن وسائل الاتّصال الجمعي المتطوّرة للبشر في المستقبل.
ص:184
كانت هذه نماذج لروايات سنّية و شيعية أشارت إلى أصحاب المهدي عليه السّلام.و جاء فيها تعابير مثل«الناس»،«الأمّة»،«الرايات السود»، «المسلمين»،«أهل الأرض»،«أهل المشرق و المغرب»،«أطراف الأرض»، «المؤمن»،«شيعتنا»،«أهل البلاد»،«أصحاب القائم»،«نجباء مصر»،«أبدال الشام»،و«أخيار العراق»...و المقصود من كلّ هذه التعابير أفراد بالخصوص عرفوا بالإخلاص و الطهر،تستوعب أذهانهم رسالة المهدي عليه السّلام،على أهبّة الاستعداد و التحضير لتنفيذ الأهداف الإلهية التي سيظهر لتطبيقها عليه السّلام، كتحكيم العدالة على ربوع الأرض و إزالة الظلم و الجور.
و المقصود من لفظة«الشيعة»التي وردت في بعض تلك الروايات خصوص الأتباع الحقيقيين للمهدي عليه السّلام،المستعدّين لتنفيذ تعاليمه و أوامره،سواء كانوا في ضمن أولئك الشيعة المصطلح عليهم قبل الظهور أو لا.
و إذا ما وجدت في المصادر الحالية لليهود تعبيرات مماثلة،فهي نبوءات منقولة من كتب الزبور و العهدين،تختصّ بنبيّنا الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و خلفائه، و أيضا تختصّ بظهور المهدي آخر الزمان سنشير إليها في ختام الفصل، و لكنّ المبشّرين اليهود الذين لم يسعهم إنكارها قاموا بتطبيقها على غير المهدي الموعود عليه السّلام،بعلم أو بغير علم.فمن وجهة نظر هؤلاء-الذين لا يعتقدون ببعثة و رسالة المسيح عيسى عليه السّلام و كذلك بعثة و رسالة نبيّنا
ص:185
محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم-مصداق هذه النبوءات المسيح الذي سيظهر فيما بعد ليعزّ الدين اليهودي و ينشره بين جميع البشر،فلا يبقى واحد لا يؤمن به.
حيث يقول:
مسيح اليهود المزعوم بناء على أوهامهم يحيي الموتى من قبورهم و يضمّهم في صفوف جيشه.و إمام الزمان المزعوم أيضا يحيي موتى الشيعة و يلحقهم بجيشه.
يحتمل أنّ منشأ هذا الادّعاء رواية المفضل بن عمر،حيث يقول:
ذكرنا القائم عليه السّلام و من مات من أصحابنا ينتظره،فقال لنا أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«إذا قام أتي المؤمن في قبره فيقال له:يا هذا!إنّه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق،و إن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم»(1).
و كذلك بعض العبارات في الزيارة الجامعة،و زيارة وداع الأئمّة عليهم السّلام،مثل:
«و جعلني ممّن يقتصّ آثاركم...و يملّك في دولتكم، و يشرّف في عافيتكم،و يمكّن في أيّامكم...و مكّنني في دولتكم و أحياني في رجعتكم...»(2).
ص:186
لا بدّ هنا من بعض الملاحظات المهمّة:
1-إحياء الموتى ليس أمرا محالا على اللّه تعالى،فمتى ما شاءت إرادته و حكمته ذلك حصل و تحقّق،و كلّما ورد دليل قطعي من الشرع لا يسعنا سوى الإذعان و التسليم.
2-إحياء أصحاب الكهف في زمان المهدي عليه السّلام و تسليمهم عليه ثمّ عودتهم مجدّدا إلى قبورهم،ذكره الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره،و هو من كبار علماء السنّة(1).
و كذا رواية«أصحاب الكهف،أعوان المهدى»المنقولة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في تفسير«الدرّ المنثور»(2).فإذا كان إحياء أصحاب الكهف أمرا ممكنا فلماذا يستبعد عن بعض الأفراد الصلحاء المؤمنين من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في زمان الظهور؟
و تشابه هذا مع ادّعاء اليهود لا يعدّ دليلا على أنّ منشأ اعتقاد الشيعة مصادر يهودية.
بل كما قلنا إنّ تلك النبوءات كانت موجودة في كتب العهدين و لكنّها حرّفت فيما بعد،أو طبّقت عن عمد و عناد على المسيح المزعوم لليهودية.
3-روايات نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام و صلاته خلف الإمام المهدي عليه السّلام،إضافة إلى كتب الشيعة فقد نقلتها كتب السنّة المعتبرة على شكل
ص:187
التواتر،أمثال:«كتاب الفتن»(1) ،«ينابيع المودّة»(2) ،«الدرّ المنثور»(3) ، «الحاوي للفتاوى»(4) ،«فيض القدير»(5) ،«مسند أحمد»(6) ، «المستدرك»(7) ،«سنن ابن ماجة»(8) ،«كنز العمّال»(9) ،«فتح الباري»(10) ، و عشرات الكتب الأخرى.
ينقل البخاري عن أبي هريرة أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول:
«كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و إمامكم منكم»(11).
و بنفس المضمون منقول في كتاب«المصابيح»عن«صحيح مسلم»و «البخاري»و أيضا عن السيوطي في«الجامع الصغير»حرف الكاف(12).(13)
و الآن نتسائل عن رأي الكاتب في هذا الموضوع و نقول له إمّا أن تقول بموت عيسى و أنّ اللّه تعالى سيحييه حين يظهر المهدي الموعود ليصلّي خلفه و يقتدي به،و تحمل كلمة«النزول»المذكورة في تلك الروايات المعتبرة الآنفة على هذا المعنى،في هذه الحالة تكون قد قبلت بإمكان إحياء بعض الموتى في زمان ظهور المهدي.
ص:188
و إمّا أن تقول طبق ما جاء في ظاهر الروايات المذكوره بأنّ عيسى حيّ لم يمت،و هو ما دلّت عليه أغلب الروايات الشيعية أيضا.فإذا كان كذلك فلماذا تستبعد بقاء حياة المهدي عليه السّلام إلى هذا اليوم؟
أضف إلى هذا فإنّ إحياء الموتى في الروايات الشيعية لا ينحصر بأموات الشيعة فقط،بل تشمل آخرين من أمم أخرى سبقت الإسلام،من هذه الروايات:
1-ينقل المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«يخرج مع القائم عليه السّلام من ظهر الكوفة سبع و عشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسى عليه السّلام،...و سبعة من أهل الكهف، و يوشع بن نون،و سلمان،و أبو دجانة الأنصاري،و مقداد، و مالك الأشتر...»(1).
و في رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السّلام:«...و مؤمن آل فرعون»(2).
2-جاء في الخطبة المنسوبة إلى الإمام علي عليه السّلام:
«...و عدّة أصحابه ثلاثمئة و ثلاثة عشر،منهم تسعة من بني إسرائيل،و سبعون من الجنّ...»(3).
التشابه الآخر الذي يدّعيه الكاتب في قوله:
ص:189
إنّ مسيح اليهود المزعوم يقوم بعد ظهورة بإخراج جثث المذنبين من قبورهم لكي يشهد اليهود تعذيبهم،إمام الزمان المزعوم أيضا بناء على زعم مفتعليه يخرج جثث أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من قبورهم ليعذّبهم.
و هذا الادّعاء كان قد طرحه الكاتب في الاختلاف الخامس،حيث أثبتنا بطلانه و عدم صحّته.
و جاء في كرّاسته المذكورة تشبيه آخر و هو:
أنّ المسيح المزعوم يحاكم ظلمة اليهود و يقتصّ منهم،كذلك يفعل إمام زمان الشيعة المزعوم حيث يقتص من ظلمة شيعتة.
قد توضّح لنا سابقا في موضوع الاختلاف الرابع بطلان هذا الادّعاء؛ فلا يوجد في أي كتاب شيعي من يدعي أو يقول إنّ إمام الزمان عليه السّلام يحاكم أعداء الشيعة و يقتصّ منهم،بل الموجود في الروايات الشيعية و التي ذكرنا بعضها هو الانتقام من أعداء اللّه و الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام و هم الطغاة و الظلمة.
ص:190
و خامس هذه التشابهات المزعومه هو قوله:
إنّ المسيح المزعوم يقتل ثلثي البشر،و إمام زمان علماء الإمامية المزعوم أيضا يقتل ثلثي البشر.
مستند هذا التشابه بعض الروايات الشيعية و السنّية الضعيفة نذكر منها:
1-رواية أبي حمزة الثمالي المنسوبة إلى الإمام الباقر عليه السّلام،جاء فيها:
«...ليس شأنه إلاّ القتل،و لا يستتيب أحدا...»(1).
و في سندها-إضافة إلى أحمد بن محمّد بن سعيد و هو زيدي جارودي- الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني،حيث نقل الكشي عن محمّد بن مسعود أنّه سمع علي بن الحسن بن فضال قال عنه إنّه«كذّاب و ملعون»، و لعنه آخرون و طردوه(2).و في السند أيضا يوسف بن كليب و هو مجهول.
و عليه لا يعتمد على هذه الرواية.
2-رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه السّلام:
ص:191
قلت له:أيسير بسيرة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:«هيهات هيهات يا زرارة،ما يسير بسيرته».قلت:جعلت فداك لم؟قال:
«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم سار في أمّته باللين،كان يتألّف الناس، و القائم عليه السّلام يسير بالقتل،بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل و لا يستتيب أحدا...»(1).
و جاءت هذه الرواية في«عقد الدرر»(2) أيضا بتفاوت يسير،و لكن في الهامش ذكر أنّها مرسلة.
و ضعف سندها بسبب محمّد بن علي الكوفي المعروف بأبي سمينة، يقول عنه صاحب«جامع الرواة»:
ضعيف جدّا،فاسد الاعتقاد،لا يعتمد في شيء.و قال نجاشي:و كان ورد قم و قد اشتهر بالكذب بالكوفة...ثمّ شهّر بالغلوّ فجفى و أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم»(3).
بالإضافة إلى ضعفها من جهة السند فإنّ مضمونها يخالف الكثير من الروايات المنقولة من طرق الشيعة و السنّة،و التي تنصّ على أنّ المهدي يعمل بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
3-رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...و يفتح اللّه له شرق الأرض و غربها،و يقتل الناس حتّى
ص:192
لا يبقى إلاّ دين محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم...»(1).
يقول الكشّي عن أبي الجارود و اسمه زياد بن منذر:
مذموم لا شبهة في ذمّه،و سمّي سرحوبا باسم الشيطان...(2).
أضف إلى ذلك فإنّ مضمون الرواية يخالف السيرة القطعية للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم المعروفة باللين و الرحمة و الدعوة بالّتي هي أحسن،فلم يعرف عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّه دعى صاحب دين أو مذهب إلى اعتناق الإسلام بالقوّة و العنف استنادا إلى قوله تعالى:لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ .
و أيضا هي تعارض رواية جابر عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...و يحكم بين أهل التوراة بالتوراة،و بين أهل الإنجيل بالإنجيل،و بين أهل الزبور بالزبور،و بين أهل القرآن بالقرآن...»(3).
حيث يفهم من هذه الرواية حرية جميع الأديان السماوية في ممارسة شعائرها و طقوسها في زمان حكومة المهدي عليه السّلام.
4-رواية يحيى بن علاء الرازي عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، و يقتل حتّى يقول الجاهل:لو كان هذا من ذرّية محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لرحم»(4).
ص:193
في سندها علي بن فضل و أحمد بن عثمان و أحمد بن رزاق،و كلّهم مجهولون.
إضافة إلى مخالفة مضمونها مع مضمون الروايات السابقة الدالّة على أنّ المهدي يتبع سنّة جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
5-رواية محمّد بن علي الكوفي عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه؛ممّا يقتل من الناس،أما إنّه لا يبدأ إلاّ بقريش، فلا يأخذ منها إلاّ السيف و لا يعطيها إلاّ السيف،حتّى يقول كثير من الناس:ليس هذا من آل محمّد؛لو كان من آل محمّد لرحم»(1).
هذه الرواية منقولة في«عقد الدرر»عن طريق محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر،ذكر في هامشها:«هذه الرواية لم ينقلها أحد»(2).
و أيضا في سندها محمّد بن علي الكوفي و كما قلنا فإنّه ضعيف و فاسد العقيدة.
6-رواية أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«يقوم القائم بأمر جديد و كتاب جديد و قضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلاّ السيف،لا يستتيب أحدا...»(3).
7-رواية أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام:
ص:194
«ما تستعجلون بخروج القائم!فو اللّه...ما هو إلاّ السيف و الموت تحت ظلّ السيف»(1).
و في«عقد الدرر»نقلت هذه الرواية مرسلة عن الإمام الحسين عليه السّلام، و جاء في الهامش:«لم ينقلها أحد»(2).
و في سند هاتين الروايتين(6 و 7)«محمّد بن علي الكوفي»حيث علم حاله.و كذا في سند الرواية السابعة«البطائني»،و حسب الظاهر هو«علي بن أبي حمزة البطائني»من كبار الواقفية.و المذكور في رواية أخرى قريبة من هذا المضمون باسم ابن البطائني فقط (3).
8-رواية البطائني المرسلة عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إذا قام القائم عليه السّلام نزلت سيوف القتال،على كلّ سيف اسم الرجل و اسم أبيه»(4).
إضافة إلى وجود البطائني-و هو من عمد الواقفة-في سندها،فهي مرسلة.
9-رواية أبي خديجة عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إنّ عليّا قال:كان لي أن أقتل المولّي و أجهز على الجريح، و لكن تركت ذلك للعاقبة من أصحابي إن جرحوا لم يقتلوا، و القائم له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح»(5).
ص:195
و في سند هذه الرواية أيضا محمّد بن علي الكوفي حيث علم حاله، إضافة إلى أنّ مضمون الرواية لا ينسجم مع ما عرف من سيرة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
10-رواية الحسن بن هارون،قال:
كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جالسا فسأله المعلّى بن خنيس:
أيسير القائم عليه السّلام إذا سار بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟فقال:
«نعم،و ذاك أنّ عليّا سار بالمنّ و الكفّ؛لأنّه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم من بعده،و أنّ القائم إذا قام سار فيهم بالسيف و السبي و ذلك أنّه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبدا»(1).
في سند الرواية محمّد بن خالد و الحسن بن هارون،و هما لم يوثّقا، إضافة إلى مخالفة مضمونها مع ما عرف من سيرة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
11-رواية بشير النبّال عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام حول المرجئة:
«...يذبحهم و الذي نفسي بيده كما يذبح القصّاب شاته -و أو مأ بيده إلى حلقه-...و الذي نفسي بيده حتّى نمسح و أنتم العرق و العلق...»(2).
«العرق»إشارة إلى جريان الدم.و«العلق»الدم الغليظ.
و«مسح العرق و العلق»كناية عن ملاقاة الشدائد التي توجب سيلان العرق و الجراحات المسيلة للدم.
ص:196
ف ي سند الرواية«علي بن حسن التيملي»و هو مجهول،و كذا«موسى بن بكر»و«بشير النبّال»حيث لم يوثّقا.قال العلاّمة الحلّي في«خلاصته»بشأن بشير:«فأنا في روايته متوقّف»(1).
12-رواية أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...يقوم بأمر جديد و كتاب جديد و سنّة جديدة و قضاء (جديد)على العرب شديد،و ليس شأنه إلاّ القتل،لا يستبقي أحدا...»(2).
في سند الرواية ابن البطائني،و حسب الظاهر هو علي بن أبي حمزة البطائني من عمد الواقفة و ضعّفه أصحاب الرجال جميعا.إضافة إلى مخالفة المتن مع ما عرف من سيرة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
رواية أخرى في سندها ابن البطائني أيضا بمضمون قريب من هذه، منقولة بواسطة ابن حميد،عن الثمالي،عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام،و لكن ليس فيها«و لا يستبقي أحدا»،و بدل«لا يستتيب أحدا»«لا يستنيب أحدا»(3).
13-رواية أبي الجارود عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:في ذكر قتل المهدي لفرقة البترية(4) في الكوفة،قال:
ص:197
«...فيضع فيهم السيف...و يهدم قصورها و يقتل مقاتليها حتّى يرضى اللّه عزّ و علا»(1).
و أبو الجارود هذا هو الشخص الذي سمّي«بالسرحوب»على لسان الإمام الباقر عليه السّلام،و«السرحوب»هو اسم شيطان أعمى يسكن البحر،و أيضا نقل الكشّي روايات في بعضها وصفه بالكذّاب و الكافر(2).(3)
14-رواية أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضا عليه السّلام حيث سأله:
يابن رسول اللّه،ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:«إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السّلام بفعال آبائها»؟فقال عليه السّلام:«هو كذلك»،فقلت:و قول اللّه عزّ و جلّ:
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (4) ما معناه؟قال:«صدق اللّه في جميع أقواله،و لكن ذراري قتلة الحسين عليه السّلام يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها،و من رضي شيئا كان كمن آتاه،
ص:198
و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه عزّ و جلّ شريك القاتل،و إنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم...»(1).
أوّلا:سند هذا الحديث منقطع و غير معروف؛و ذلك لأنّ الهمداني ينقله عن علي عن أبيه و هو عن الهروي،و يجب أن تضمّ الرواية أربعة رواة حتّى تصل إلى الإمام،و لا شكّ بوجود أفراد آخرين بالسند و لكن لا يعلم منهم.
ثانيا:مضمون الرواية ينافي محكمات القرآن و الفقه الإسلامي و العقل؛ فليس من حكم الشرع أو العقل أنّه يقتل الراضي بالقتل الذي لم يكن لرضاه أيّة تأثير في القتل،نعم الرضا بالقتل أو سائر الذنوب الكبيرة يحكي عن نوع من خبث السريرة و الابتعاد عن اللّه تعالى.
15-رواية أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام حول قوله تعالى:هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (2) ،فقال:
«و اللّه ما نزل تأويلها بعد...فإذا خرج القائم عليه السّلام لم يبق كافر باللّه العظيم و لا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت:يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله»(3).
ص:199
و في سند هذه الرواية علي بن أبي حمزة البطائني من عمد الواقفية،و قد مضى ترجمته و علم حاله.
61-رواية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«دمان في الإسلام حلال من اللّه لا يقضي فيهما أحد حتّى يبعث اللّه قائمنا أهل البيت،فإذا بعث اللّه عزّ و جلّ قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم اللّه لا يريد عليهما بيّنة:الزاني المحصن يرجمه،و مانع الزكاة يضرب عنقه»(1).
بالإضافة إلى اضطراب و عدم وضوح متن هذه الرواية،فإنّ في سندها ابن شمّون الذي قيل عنه:بأنّه ضعيف جدّا و غال(2) ،و الآخر عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ،و هو بالإضافة إلى تضعيفه و رميه بالغلوّ قيل بحقّه:
«ليس بشيء،و كان من كذّاب أهل البصرة»(3).
و القريب من هذه الرواية ذكرها صاحب«البحار»عن أبان بن تغلب نقلا عن«كمال الدين»،و في سندها ابن يزيد و هو مجهول،و كذلك أبان بن عثمان و هو ناووسي المذهب،بعضهم مدحه و بعضهم ذمّه و طرده(4).
و حسب ما قيل:إنّ الذمّ و الطرد مقدّم على المدح.
رواية أخرى عن طريق علي بن أبي حمزة البطائني عن الإمام الصادق عليه السّلام و أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام جاءت قريبة من هذا المضمون،و فيها:
ص:200
«لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله:يقتل الشيخ الزاني،و يقتل مانع الزكاة،و يورث الأخ أخاه في الأظلّة»(1).يعني قبل أن يخلق في هذا العالم.
و قد علم حال علي بن أبي حمزة البطائني فلا حاجة للتكرار.
17-رواية القاسم بن عبيد عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...فإذا قام القائم عرضوا كلّ ناصب عليه فإن أقرّ بالإسلام و هي الولاية،و إلاّ ضربت عنقه،أو أقرّ بالجزية فأدّاها كما يؤدّي أهل الذمّة»(2).
راوي هذا الحديث قاسم بن عبيد لم يوثّق،إضافة إلى كون الرواية مرسلة،فالراوي بحذفه الواسطة-أى لا يعلم من هو-نسب الرواية إلى الإمام الصادق عليه السّلام.
18-رواية المرحوم المجلسي عن كتاب«الغيبة»للسيّد علي بن عبد الحميد بدون ذكر الواسطة،من كتاب فضل بن شاذان بدون ذكر الواسطة عن عبد اللّه بن سنان،عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«يقتل القائم حتّى يبلغ السوق،قال:فيقول له رجل من ولد أبيه:إنّك لتجفل الناس إجفال النعم،فبعهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو بماذا؟قال:...فعند ذلك يخرج القائم عليه السّلام عهدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم»(3).
ص:201
ما يختصّ بسند الرواية نقول:لا توجد معلومة لا عن سند سيّد علي إلى كتاب الفضل بن شاذان،و لا عن سند الفضل بن شاذان إلى عبد اللّه بن سنان.
19-رواية المرحوم المجلسي عن الكتاب الآنف الذكر بدون ذكر السند، عن الكابلي،عن الإمام السجّاد عليه السّلام:
«يقتل القائم عليه السّلام من أهل المدينة حتّى ينتهي إلى الأجفر...»(1).
لا توجد معلومات عن رواة الحديث إلى حدّ الكابلي فلا يمكن الاعتماد عليها.
كذا ينقل الكتاب المذكور بدون ذكر السند عن أبي بصير و هو عن الإمام الباقر عليه السّلام ضمن خبر طويل جاء فيه:
«...و ينهزم قوم كثير من بني أمية حتّى يلحقوا بأرض الروم...
فيبعث إليهم القائم عليه السّلام أن اخرجوا هؤلاء...فإذا قرأ عليهم الكتاب و رأوا هذا الشرط لازما لهم أخرجوهم إليه،فيقتل الرجال و يبقر الحبالى...»(2).
ينقل المرحوم المجلسي عن الكتاب الآنف بدون ذكر السند،عن عبد اللّه بن سنان،عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إذا خرج القائم لم يكن بينه و بين العرب و الفرس إلاّ السيف، لا يأخذها إلاّ بالسيف،و لا يعطيها إلاّ به»(3).
ص:202
الروايتان الأخيرتان إضافة إلى ضعف سندهما يوجد في متنهما اضطراب واضح؛إذ شقّ بطون الحبالى في كلّ حال غير جائز،و تحكيم السيف يعني تحكيم القوّة و القدرة،خلاف المبادئ التي جاء بها الدين و أقرّتها السيرة النبوية.
ينقل المرحوم المجلسي من الكتاب الآنف الذكر بدون ذكر السند أحاديث أخرى عن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام لا حاجة إلى ذكرها؛فممّا نقل يتوضّح سائر ما لم ينقل.
02-رواية ابن الحجّاج المرسلة عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إذا قام القائم أتى رحبة الكوفة فقال برجله(أي أشار)هكذا و أو مأ بيده إلى موضع ثمّ قال:احفروا ها هنا،فيحفرون فيستخرجون اثني عشر ألف درع و اثني عشر ألف سيف و اثني عشر ألف بيضة...ثمّ يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي(من العرب)و العجم فيلبسهم ذلك ثمّ يقول:من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه»(1).
إضافة إلى اضطراب المتن و عدم وضوحه فإنّ في سند هذه الرواية ضعف من جهتين،أوّلا:رواة الحديث الثلاثة أبو القاسم الشعراني و ابن ظبيان و ابن الحجّاج،مجهولون،و لا يوجد لهم ذكر و اسم في كتب الرجال.و ثانيا أنّ أبا القاسم ينقل الرواية بدون ذكره الطريق عن ابن ظبيان و هذا ما يصطلع عليه في هذا العلم بأنّه حديث منقطع أو مرفوع.
ص:203
21-رواية بشر بن غالب الأسدي عن الإمام الحسين عليه السّلام:
«يا بشر،ما بقاء قريش إذا قدّم القائم المهدي منهم خمسمئة رجل فضرب أعناقهم صبرا،ثمّ قدّم خمسمئة فضرب أعناقهم (صبرا)،ثمّ قدّم خمسمئة فضرب أعناقهم صبرا؟».قال فقلت له:أصلحك اللّه أيبلغون ذلك؟فقال الحسين بن علي:
«إنّ مولى القوم منهم...»(1).
«بشر بن غالب»هذا لم يوثّق في كتب الرجال(2).و«قاسم بن محمّد بن الحسين»المذكور في أوّل السند مجهول.
و لا ينطبق مضمون الرواية مع المحكمات الشرعية و العقلية،خصوصا فقرة القتل«صبرا»،أي في حال شدّ وثاقه و اتّخاذه وضعية الأسير.و قريب من هذا المضمون رواية عبد اللّه بن المغيرة عن الإمام الصادق عليه السّلام(3).
و«عبد اللّه بن المغيرة»و إن كان قد وثّق كثيرا في كتب الرجال،و لكن الرواية الآنفة التي في«الإرشاد»-بناء على نقل«بحار الأنوار»-مذكورة على شكل مرسلة،يعني بحذف السند نقل عنه.و اكتفت بذكر اسم قريش بدون الإشارة إلى سبب قتلهم و هو العداوة للّه و رسوله أو الأئمّة أو كفرهم و شركهم.من هنا و بالأخذ بعين الاعتبار سائر الجوانب الأخرى المذكورة في الرواية فإنّ متنها مضطرب و ساقط عن الاعتبار.
22-رواية عبد الأعلى الحلبي الطويلة،عن الإمام الباقر عليه السّلام،جاء فيها:
ص:204
«ثمّ ينطلق حتّى ينزل الشقرة،فيبلغه أنّهم قد قتلوا عامله، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرّة(1) إليها بشيء،ثمّ ينطلق...»(2).
«عبد الأعلى»و إن كان وثّق،و لكن هذه الرواية قد ذكرت في«تفسير العياشي»مرسلة(3) ،أضف إلى ذلك قياس قتل أهل الشقرة بقتلى الحرّة يخالف سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.و لذا،على فرض صحّة السند فإنّ اضطراب المتن يوجب الخدشة في صحّة نسبتها إلى الإمام المعصوم.
32-رواية ابن بكير عن الإمام الكاظم عليه السّلام:
«...إذا خرج(القائم)باليهود و النصارى و الصابئين و الزنادقة و أهل الردّة و الكفّار في شرق الأرض و غربها،فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة و الزكاة و ما يؤمر به المسلم و يجب للّه عليه،و من لم يسلم ضرب عنقه،حتّى لا يبقى في المشارق و المغارب أحد إلاّ وحّد اللّه...»(4).
ص:205
هذه الرواية منقولة في«تفسير العيّاشي»(1) بدون ذكر السند،نقلها المرحوم المجلسي عن هذا الكتاب بدون نقيصة.و على فرض صحّة السند فإنّ مضمونها مخالف لمفاد هذه الآية:لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ (2) ،و للسيرة النبوية،إذ لم يعرف أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قتل غير المسلمين لعدم قبولهم الإسلام، حتّى بعد تشريع حكم الجهاد و حمل السلاح،فلو لم يكن أهل الكتاب أو سائر الكفّار يتعرّضون للإسلام و المسلمين لم يكن ليحاربهم النبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، نعم إنّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لم يكن يتوانى في تبليغهم و دعوتهم بالمنطق للقبول بالإسلام الحنيف.
و للعلم فإنّه قد جاء في بعض الروايات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منّ على مشركي مكّة،و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام أيضا لأجل حفظ الشيعة من خطر مخالفيهم منّ على أهل البصرة،و غضّ الطرف عن قتلهم أو أسرهم.و لكنّ القائم عليه السّلام يتعامل معهم بالسيف و التأسير(3).
و هذه الروايات على فرض صحّة سندها فمن الممكن أنّها ناظرة إلى المعاندين المحاربين للحقّ و العدالة.
و توجد في كتب السنّة أيضا روايات شبيهة بتلك التي ذكرناها،نشير إلى نموذجين منها:
ص:206
1-رواية ابن زرير عن الإمام علي عليه السّلام:
«...لا يلقاه عدوّ إلاّ هزمهم بإذن اللّه،شعارهم أمت أمت...»(1).و قريب منه منقول عن أمير المؤمنين عليه السّلام:
«أمارتهم:أمت أمت»(2).
2-ذكر الثعلبي في تفسيرحم عسق بإسناده عن بكر بن عبد اللّه المزني،قال:
«ح»:حرب قريش و العجم و غلبتهم على العجم،«م»:
حكومة بنى أمّية،«ع»:علوّ بني العبّاس،«س»:سناء المهدي، و«ق»:قوّة عيسى حين ينزل فيقتل النصارى و يخرّب البيع(3).
في هذه الرواية نسب قتل النصارى إلى عيسى عليه السّلام.
مهما كان ما ذكر في هذه الروايات من القتل و القتال و لكن لا توجد إشارة -بصورة كلّية-إلى موضوع قتل ثلثي البشر على يد المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه.
و كما كرّرنا مرارا أنّه بالإضافة إلى ضعف سند هذه الروايات،فهي من حيث المتن مخالفة لمحكمات القرآن الكريم و سيرة الرسول الأمين صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
ص:207
و لا يمكن الاستناد إلى مثل هذه الروايات في الفروع،فمن باب أولى في المعارف و المسائل الأصولية و التي من جملتها ما يرتبط بالمهدي عليه السّلام.
و طبعا لم يكن مقصود أرباب الحديث من ذكرهم لها في كتبهم لأجل إثبات المسائل الاعتقادية،أو حتّى إظهار عقائدهم،بل كان مقصودهم في ذلك المقطع الزمني-حيث تلفت أو أتلفت الكثير من أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السّلام و نوادر كتب تلامذتهم و أصحابهم أو هي في معرض التلف و الزوال-حفظ كلّ ما كان ينسب إلى الأئمّة الأطهار عليهم السّلام و إيصاله إلى يد المحقّقين من الأجيال القادمة حيث ستقع عليهم مسئولية فرض الصحيح منها عن السقيم.
حيث يقول:
حين يظهر المسيح المزعوم يحدث تغيير في أجسام اليهود و تصبح مثل أعمارهم طويلة.و كذلك حين يظهر إمام الزمان المزعوم تتغير أجسام الإمامية حتّى تعدل قوّة أحدهم قوّة أربعين رجل،فيطأون الناس بأقدامهم و ضربات أيديهم.
مستند الكاتب مع قليل من التحريف رواية الحسن بن ثوير عن الإمام السجّاد عليه السّلام،قال:
ص:208
«إذا قام قائمنا أذهب اللّه عزّ و جلّ عن شيعتنا العاهة،و جعل قلوبهم كزبر الحديد،و جعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلا،و يكونون حكّام الأرض و سنامها»(1).
و أيضا رواية سعد عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:
«...فإذا وقع أمرنا و جاء مهدينا،كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث و أمضى من السّنان،يطأ عدوّنا برجليه و يضربه بكفّيه...»(2).
و روايات أخرى قريبة من هذا المضمون(3).و لا يوجد أيّ إشارة إلى تغيير أجسام الشيعة في كلّ هذه الروايات كما ادّعى المؤلّف،بل أشارت إلى قوّة إرادة و إيمان أصحاب الإمام المهدي(عج)،حيث يكونون كزبر الحديد مقابل أعداء الأوصياء و خلفاء النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و الذين هم-في الحقيقة- سيكونون أعداء اللّه و الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.ثمّ إنّه لم تطرح في تلك الروايات مسألة انسحاق الناس تحت أيدي و أرجل الشيعة،و إنّما انسحاق أعداء الأئمّة،فليس بخاف عن أهل هذا الفن استخدام الكناية و الاستعارة.
سابع أوجه الشبه التي ادّعاها الكاتب عبارة عن قوله:
حين يظهر المسيح المزعوم تكثر نعم و خيرات الأرض،
ص:209
و على زعمهم تجري من الجبال أنهر الحليب و العسل، و تخرج الأرض مخزونها من الطعام و اللباس.و حين يظهر إمام الزمان يحدث نفس الشيء،و تجري في الكوفة سواقي الماء و الحليب ليشرب منها الشيعة.
أوّلا:يقول القرآن بصراحة:وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... (1).فحيث وعد اللّه تعالى فتح بركاته من السماء و الأرض لإيمان أهل القرى و تقواهم فلا بعد في فتح بركاته من السماء و الأرض لأمة الإسلام في آخر الزمان إذا آمنت بالإمام المنتظر و إطاعته في كلّ المجالات.
ثانيا:جاء في الروايات المتواترة من طرق السنّة و الشيعة و أغلبها مشترك في المضمون أنّه حين يظهر إمام الزمان تظهر بركات الأرض و السماء،و تتكامل الناس بصورة خارقة للعادة.
نشير إلى نماذج منها:
1-رواية أبي سعيد الخدري عن رسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«تنعم أمّتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قطّ،ترسل
ص:210
السماء عليهم مدرارا،و لا تدع الأرض شيئا من نباتها إلاّ أخرجته و المال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول:يا مهدي اعطني،فيقول:خذ»(1).
و ذكرت هذه الرواية بتفاوت بسيط في الكتب التالية من كتب أهل السنّة:
«الفتن»(2) ،«سنن ابن ماجة»(3) ،«المستدرك على الصحيحين»(4) ، «الحاوي للفتاوى»(5) ،و«ينابيع المودّة»(6).
2-في رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:
«يخرج في آخر أمّتي المهدي يسقيه اللّه الغيث،و تخرج الأرض نباتها و يعطى المال صحاحا و تكثر الماشية و تعظم الأمّة...»(7).
3-رواية أخرى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض،لا تدع السماء من قطرها شيئا إلاّ صبّته مدرارا،و لا تدع الأرض من نباتها شيئا إلاّ أخرجته،حتّى تتمنّى الأحياء الأموات...»(8).
ص:211
4-و جاء في«عقد الدرر»عن أمير المؤمنين عليه السّلام:
«فيبعث المهدي إلى أمرائه بسائر الأمصار بالعدل بين الناس، و ترعى الشاة و الذئب في مكان واحد،و تلعب الصبيان بالحيّات و العقارب لا يضرّهم شيء،و يبقى الخير و يزرع الإنسان مدّا يخرج له سبعمئة مدّ؛كما قال اللّه تعالى:كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ (1) ،و يذهب الربا و الزنا و شرب الخمر و الرياء، و تقبل الناس على العبادة و المشروع و الديانة و الصلاة في الجماعات،و تطول الأعمار،و تؤدّى الأمانة،و تحمل الأشجار،و تتضاعف البركات،و يهلك الأشرار،و يبقى الأخيار،و لا يبقى من يبغض أهل البيت عليهم السّلام»(2).
حول خصوصيات زمن حضرة المهدي عليه السّلام،يعني من قبيل رفع العداوة بين السباع و البهائم و لعب الصبيان مع الحيّات و العقارب(لا يضرّهم شيء) كما جاء في رواية«عقد الدرر»الآنفة الذكر،يقول صاحب كتاب «منتخب الأثر»:
يمكن أن تكون ظواهر الروايات هي المقصودة،و لكن لا يستبعد أن يكون كلّ ذلك كناية عن كمال العدل و الأمان في عهده،و اشتمال أطراف الأرض و جميع نواحيها بهما، فلا يخاف أحد أحدا من الإنسان و الحيوان.
ص:212
ثمّ يضيف:
و مثل هذه التعابير-الكناية و الرمز-في أخبار الملاحم و النبوءات ليس بقليل و لا غريب،فمنها ما في«الدرّ المنثور» (و هو من تفاسير السنّة المعروفة):
و أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و الحاكم صحّحه عن أبي سعيد الخدري،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«و الذي نفسى بيده لا تقوم الساعة حتّى تكلّم السباع الإنسان،و حتّى تكلّم الرجل عذبة سوطه و شراك نعله، و يخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده(1)»(2).
كما و توجد في بعض الروايات الشيعية مضامين شبيهة بتلك التي ذكرتها الروايات الآنفة الذكر باختلاف بسيط،و من أراد فيمكنه مراجعة الكتب التالية:«تحف العقول»(3) ،«إعلام الورى»(4) ،«بحار الأنوار»(5) ، «المحجّة»(6) ،«الخصال»(7) ،و....
و لا يوجد في أيّ واحدة من هذه الروايات ذكر لجريان عين من الحليب
ص:213
في الكوفة في عهد المهدي(عج)،نعم جاء في رواية الكاهلي عن الإمام الصادق عليه السّلام قوله:
«قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف مسجد الكوفة:في وسطه عين من دهن،و عين من لبن،و عين من ماء،شراب للمؤمنين،و عين من ماء طهور للمؤمنين»(1).
في سندها«إسماعيل بن زيد»و«يعقوب بن عبد اللّه»،و الأوّل و إن كان قد وثّق،و لكنّ الثاني الذي نقل الرواية عن إسماعيل بن زيد لم يوثّق(2).
و لذا لا يمكن الاستناد إلى مثل هذه الرواية للتهجّم على عقائد الشيعة في قضيّة المهدي عليه السّلام،كما أنّ الرواية لم تذكر أو تشير إلى اسم لزمان المهدي عليه السّلام.
و على فرض صحّة سند الرواية فمن الممكن أن يراد منها الكناية و الإشارة إلى مكانة و منزلة مسجد الكوفة المعنوي و ظهور علوّ مقامه يوم القيامة بصورة نعم الجنّة المتجسّدة بكثرة عبادات الأولياء في هذا المكان المقدّس.
و في الرواية الثانية و الرابعة من روايات الشيعة في بحث«التابوت و الحجر و عصا موسى»[المبحث القادم]أشير إلى نفس المضمون،و لكنّ سندهما ضعيف.
و على فرض صحّة السند،يمكن توجيه مضمونها،و لا يخالف ما جاء به العقل و لا الشرع.
ص:214
و يوضح كاتب الكرّاسة وحدة معتقد الشيعة بالمهدي الموعود عليه السّلام مع معتقد اليهود بالمسيح عليه السّلام قائلا:
سبب تأكيدنا على ارتباط هذين الوهمين المزعومين،ما وجدناه من دلائل و أسناد في كتب الإمامية،من جملتها:أنّ إمام زمانهم:
1-يدعو اللّه تعالى بلسان عبريّ في الوقت الذي يدّعون أنّه من نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم العربي.
2-يفتح البلدان بتابوت اليهود،و يحمل معه الحجر و عصا موسى عليه السّلام و معه المنّ و السلوى.
3-يحكم بحكم آل داود لا بحكم القرآن.
أليس هذه التشابهات و التوافقات في المعتقدات و الأعمال أدلّة كافية على وحدة المنشأ الاعتقادي.
و الكاتب مع طرحه هذه النقاط يعتقد أنّها أدلّة على وحدة المنشأ الاعتقادي للشيعة و اليهود بما يرتبط بإمام الزمان عليه السّلام و المسيح عليه السّلام المزعومين،مفصّلا مدّعاه.
الجواب:أوّلا:المذكور في روايات الشيعة أنّ إمام الزمان يدعو اللّه و يتضرّع إليه،و لم تشرّ إلى أنّ الدعاء يكون باللغة العبرية،و هذه نماذج منها:
ص:215
1-رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...ثمّ يرفع يديه إلى السماء فيدعو و يتضرّع حتّى يقع على وجهه...»(1).
2-رواية محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«...و صلّى عند المقام و تضرع إلى ربّه...»(2).
3-رواية صالح بن عقبة عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«...إذا صلّى في المقام ركعتين و دعا اللّه فأجابه...»(3).
ثانيا:وفق ما جاء في الأخبار المتواترة المنقولة من طرق الفريقين فإنّ أساس تبليغ و دعوة المهدي كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و هما باللسان العربيّ،جاء في بعض الروايات المنقولة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قوله:
«...يدعوهم إلى كتاب اللّه...»(4).
و بديهي أنّ الدعوة إلى القرآن يكون باللغة العربية و لا يمكن أن تكون بغيرها،جاء في نهج البلاغة أيضا:
«...و يعطف الرأي على القرآن إذا أعطفوا القرآن على الرأي...»(5).
ص:216
و كتب بعض الأعلام روايات كثيرة منقولة تصرّح بأنّ أعظم ما يقوم به المهدي هو إرجاع الناس إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(1).
ثالثا:الأذكار المنقولة في كتب الأدعية الشيعية المنسوبة إلى المهدي التي نقلت عنه(عج)-إمّا بواسطة الأئمّة عليهم السّلام أو تعليمه عليه السّلام لبعض الصلحاء المتشرّفين بحضرته المباركة-كلّها باللسان العربي(2).
رابعا:بناء على بعض الروايات الشيعية فإنّ الشعارات التي تكتب على راية المهدي إحدى هذه الجملات العربية:«الرفعة للّه عزّ و جلّ»،«اسمعوا و أطيعوا»،«البيعة للّه عزّ و جلّ»(3).
و مع كلّ هذه الشواهد التي ذكرناها الموجودة في كتب الشيعة النافية للنسبة الواردة إلى الشيعة،لا نستبعد أن تكون أمثال هذه التهم من جملة موضوعات اليهود في الإسلام،أو ما يصطلح عليها بالإسرائيليات التي دخلت على شكل روايات في كتب المسلمين.
و على فرض وجود هذه الروايات الإسرائيلية في كتب المسلمين،فإنّ هذا لا يدلّ على صحّتها أو تأييد و اعتقاد علماء الشيعة بها.
نعم،طبق ما جاءت به بعض روايات الشيعة-التي ذكرناها سابقا-فإنّ المهدي عليه السّلام يحتجّ و يحكم بين أهل الأديان السماويه بكتبهم،و طبعا لن يكون ذلك إلاّ بمخاطبتهم بلسانهم(4).
ص:217
جاء في روايات السنّة إشارات إلى ذكر التابوت و العصا،نشير إلى البعض منها:
1-رواية سليمان بن عيسى:
«قد بلغني أنّ على يد المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية،حتّى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلاّ قليلا منهم،ثمّ يموت المهدي»(1).
2-رواية كتاب«إسعاف الراغبين»:
«إنّ المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية،و أسفار التوراة من جبل الشام؛يحاجّ بها اليهود فيسلم كثير منهم»(2).
3-رواية أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«تخرج الدابّة و معها عصا موسى و خاتم سليمان فتجلوا وجه المؤمن بالعصا...»(3).(4)
ص:218
و ذكر في هامش الكتاب المصادر التي استقى منها هذه الرواية،و هي «مسند الطيالسي»،«مسند أحمد»،«سنن الترمذي»،«سنن ابن ماجة»و «تفسير روح المعاني».
ص:219
و جاء ذكر العصا و التابوت و حجر موسى في روايات الشيعة،مثل:
1-رواية عبد اللّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنّة،أتاه بها جبرئيل عليه السّلام لمّا توجّه تلقاء مدين،و هي و تابوت آدم في بحيرة طبرية،و لن يبليا و لن يتغيّرا حتّى يخرجهما القائم إذا قام عليه السّلام»(1).
في سندها أربعة أحدهم محمّد بن المفضّل و هو موثّق،و لكن جاء في هامش«البحار»:«في المصدر،أي«غيبة النعماني»،بدل محمّد بن المفضّل، محمّد بن الفضل»(2) ،و هو مردّد بين ثلاثة بعضهم لم يوثّق(3).
و الآخر«سعد بن إسحاق»لم يوثّق أيضا،و الثالث«أحمد بن الحسين»و هو مشترك بين موثّق و غير موثّق،و الرابع«محمّد القطواني»لم يذكر اسمه في الرجال.
و النتيجة:إنّه لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية.
2-رواية أبي الجارود عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:
«إذا ظهر القائم عليه السّلام ظهر براية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و خاتم سليمان و حجر موسى و عصاه.ثمّ يأمر مناديه فينادي ألا
ص:220
لا يحمل رجل منكم طعاما و لا شرابا و لا علفا.فيقول أصحابه:إنّه يريد أن يقتلنا و يقتل دوابنا من الجوع و العطش،فيسير و يسيرون معه،فأوّل منزل ينزله يضرب الحجر فينبع منه طعام و شراب و علف فيأكلون و يشربون و دوابهم حتّى ينزلوا النجف بظهر الكوفة»(1).
و هذه الرواية أيضا غير معتبرة من جهة السند؛لوجود«أبي الجارود».
و توجد كذلك ثلاث روايات قريبة من هذا المضمون بأسانيد مختلفة، يتّصل سند اثنان منها«بأبي الجارود»،و الثالث«بأبي سعيد الخراساني»، و هو مشترك بين مجهول و غير موثّق؛(2) كما أنّ في سند الرواية الثالثة «موسى بن سعدان»الذي قال عنه صاحب«جامع الرواة»نقلا من علماء الرجال:«ضعيف،في مذهبه غلوّ»(3).
3-رواية محمّد بن فيض عن الإمام الجواد عليه السّلام:
«كان عصا موسى عليه السّلام لآدم فصارت إلى شعيب،ثمّ صارت إلى موسى بن عمران عليه السّلام و أنّها لعندنا و أنّ عهدي بها آنفا، و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرها،و أنّها لتنطق إذا استنطقت،أعدّت لقائمنا ليصنع كما كان موسى يصنع بها، و أنّها لتروّع و تلقف ما يأفكون...»(4).
ص:221
في سندها سلمة بن الخطّاب الذي ضعّفه صاحب«جامع الرواة»نقلا عن العلاّمة و النجاشي و ابن الغضائري(1).و أيضا«محمّد بن فيض»و هو لم يوثّق صريحا.
بالإضافة إلى ما جاء في ذيل هذه الرواية:
تفتح لها شفتان أحدهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا،و تلقف ما يأفكون بلسانها.
و لو كان سند هذا الحديث صحيحا لكان من الممكن توجيه ما جاء فيها على أنّه إشارة إلى ما سيتمتّع به المهدي من قدرة معنوية تمكّنه من القضاء على أعداء الحقّ،كما فعلت عصا موسى حينما ابتلعت سحر سحرة فرعون.
4-رواية أبي سعيد الخراساني عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«إذا قام القائم بمكّة و أراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاما و لا شرابا،و يحمل حجر موسى الذي انبجست منه اثنتي عشرة عينا...فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء و اللبن دائما،فمن كان جائعا شبع،و من كان عطشانا روي»(2).
بالإضافة إلى أنّها نقلت في كتاب«الخرائج»على شكل مرسلة و مقطوعة السند،فإنّ راويها عن الإمام الصادق أبا سعيد الخراساني مشترك بين مجهول و غير موثّق و عليه فسندها ضعيف لا يعتدّ به.
5-رواية الريّان بن الصلت عن الإمام الرضا عليه السّلام:
ص:222
«...و إنّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ و منظر الشباب...و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها،يكون معه عصا موسى و خاتم سليمان...»(1).
سند هذه الرواية حسن يعتمد عليه.
فأمّا عصا موسى عليه السّلام و خاتم سليمان عليه السّلام فربما هما كناية عن قدرة و سعة حكومة المهدي(عج).
و قريب منها رواية أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ضمن حديث طويل ذكر فيه أسماء الأئمّة إماما بعد إمام و قال:
«...و يخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،له هيبة موسى،و حكم داود، و بهاء عيسى...»(2).
جاء في روايات كثيرة من طرق الشيعة منقولة سابقا:
أنّ في المهدي خصال و صفات الأنبياء،كيوسف عليه السّلام و إبراهيم عليه السّلام و موسى عليه السّلام و عيسى عليه السّلام و نبيّنا الأكرم محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(3).
ص:223
و ذكرت بعض الروايات السنّية وقائع نبيّ اللّه نوح عليه السّلام و طول عمر العبد الصالح أي الخضر عليه السّلام(1).
ينقل«ينابيع المودّة»(2) عن«درّة المعارف»:
«أنّ المهدي يستخرج كتبا من غار بمدينة أنطاكية، و يستخرج الزبور من بحيرة طبريا(3) فيها ممّا ترك آل موسى و هارون،تحمله الملائكة،و فيها الألواح و عصا موسى...»(4).
ينقل المرحوم آية اللّه السيّد صدر الدين الصدر المطلب الآنف الذكر بهذا الشكل من كتاب«عقد الدرر»:
نقل نعيم بن حمّاد في كتاب«الفتن»عن سليمان بن عيسى قال:جاء إلينا أنّ المهدي يستخرج تابوت السكينة من بحيرة طبرية،فتحمل و توضع بين يديه ببيت المقدس،فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت(5).
و يضيف السيّد الصدر قائلا:
و جاء في الباب الثالث من نفس الكتاب(6):ورد في بعض الروايات:إنّما سمّي المهدي لأنّه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام،يدعو إليها اليهود،فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة».
ص:224
و قريب منه في«عقد الدرر»عن سنن أبو عمرو الداني عن عبد اللّه بن شوذب(1).و يضيف:
و في أسعاف الراغبين(2) بتفاوت يسير:أنّ المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية،و أسفار التوراة من جبل بالشام،فيحاجّ بها اليهود،فيسلم كثير منهم(3).
و جاء أيضا عن«عقد الدرر»عن كعب الأحبار:
«إنّي أجد المهدي مكتوبا في أسفار الأنبياء،ما في عمله ظلم و لا عيب»(4).
و إذا ما وجدت في مصادر اليهود الحديثة تعابير مشابهة لهذه التعابير فأغلب الظنّ أنّها مأخوذة من نبوءات كتب اليهود الأصلية و الزبور،حول نبيّ الإسلام محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و خلفائه الاثنى عشر و آخرهم المهدي عليه السّلام.
و عليه،فإذا ما كانت عصا موسى أو تابوت السكينة-و هما من خصائص نبيّ اللّه موسى عليه السّلام-مع المهدي الموعود،فلا يكون هذا دليلا للكاتب على أنّ المهدي الموعود هو نفسه مسيح اليهود المزعوم.
و أمّا قوله إنّ إمام الزمان(عج)يحكم بحكم داود عليه السّلام لا بحكم القرآن،فقد فصّلنا الإجابة عنه في الفصل الخامس،و قلنا-كما جاء في الروايات
ص:225
المتواترة الشيعية و السنّية-إنّ من أهمّ ما يقوم به المهدي حينما يظهر هو إحياء أحكام الإسلام و القرآن المنسية.
يدّعي الكاتب قائلا:
أليس كلّ هذا التشابه دليل على وحدة المنشأ الاعتقادي للشيعة و اليهود؟
و إذ يصرّ الكاتب على البحث عن جذور المعتقد الشيعي بالإمام المهدي(عج)في التعاليم اليهودية،فإنّ البحث يتشعّب إلى عدّة شعب:
و هذه نماذج لبعض ما جاء في كتاب التوراة و اعتمد عليها الكاتب لإثبات مدّعاه:
1-«ابتهجي جدّا يا بنت صهيون،و اهتفي يا بنت أورشليم؛هو ذا ملكك آتيا إليك بارّا مخلصا...و يكلّم الأمم بالسلام،و يكون سلطانه من البحر إلى البحر،و من النهر إلى أقاصي الأرض»(1).
2-«روح السيّد الربّ على؛لإنّ الربّ مسحني و أرسلني لأبشّر الفقراء، و اجبر منكسري القلوب،و أنادي بإفراج عن المسبّبين،و بتخلية للمأسورين»(2).
ص:226
3-«يا ابن الإنسان،قل للروح:هكذا قال السيّد الربّ:هلمّ أيّها الروح من الرياح الأربع،وهب في هؤلاء المقتولين فيحيوا...فعاشوا و قاموا على أقدامهم جيشا عظيما جدّا جدّا...و قل لهم:هكذا قال السيّد الربّ:ها أنذا أفتح قبوركم و أصعّدكم من قبوركم يا شعبي و آتى بكم إلى أرض إسرائيل»(1).
4-«و يكون في كلّ أرض،يقول الربّ إنّ ثلثين منها ينقرضان و يهلكان، و الثلث يبقى عليه منها»(2).
و الكاتب بالاستناد إلى هذه الفقرات و أشباهها في التلمود يكتب:
ينتظر اليهود رجلا من آل داود ليحكم الدنيا،و يعيد عظمة و عزّ اليهود السابقة إليهم...و بناء على ادّعاء هؤلاء فإنّ هذا المسيح الموعود الذي يدّعيه التلمود سوف يخضع العالم كلّه تحت سلطة مصالح و منافع اليهود،و ستكون جميع البلدان و الشعوب مطيعة لهم...و لا زالوا على هذا الوهم بأنّ المسيح المزعوم بعد ظهوره سيجمع اليهود في بيت المقدس و يشكّل منهم دولة عظيمة تقضي على بقية الدول و تخلّي العالم من غير اليهود،و أنّهم ستطول أعمارهم و لن يصيبهم الموت لفتراة طويلة...و لن يقتصر هذا الاجتماع على الأحياء فقط، بل سيضمّ جمع كثير من الأموات بعد أن يحييهم اللّه و
ص:227
يخرجهم من قبورهم فينضمّوا إلى جيش اليهود المزعوم بقيادة المسيح الموهوم.
و سيتخلّص الكاتب من خلال جمع أوجه الشبه بين تلك الفقرات التي ذكرناها من كتاب التوراة و بين ما جاء في بعض روايات«بحار الأنوار»-التي ناقشنا سندها و متنها و أوضحنا عدم اعتبارها-إلى أنّ فكرة الاعتقاد بإمام الزمان و المهدي الموعود عليه السّلام لها أصول و جذور يهودية تلمودية.
كما هو معروف فإنّ التوراة و الإنجيل بشّرا بدين خاتم الأنبياء و الرسل محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،كما أشارت إلى ذلك الآيات القرآنية:
1-وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ... (1).
2-اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ... (2).
3-مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ...
ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ... (3).
بعد هذا،هل يستطيع الكاتب الذي هو-طبعا-مسلم و يؤمن بالقرآن أن
ص:228
يدّعي أنّ أوصاف الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أصحابه المؤمنين مذكورة في التوراة و الإنجيل إذن فجذور الاعتقاد بالإسلام و النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هي مستفادة من التعاليم اليهودية و المسيحية،و حينئذ فهي من مجعولاتهم و وضعهم؟!
نقول له إنّ ذكر اسم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أو أئمّة الشيعة الاثنى عشر في الكتب السماوية القديمة،ليس فقط لن يوهن الاعتقاد بالإسلام و التشيّع،بل باعث على استحكام و قوّة قواعد هذا الاعتقاد،و كاشف عن وجود عناية إلهية خاصّة به.
ثمّ إنّ هناك روايات منقولة في كتب السنّة أيضا تصرّح بوجود اسم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام في كتب اليهود،نشير إلى اثنين منها كمثال:
1-جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:
دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال...ثمّ يقصّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم رؤياه،و كيف طاف عليه نبيّ اللّه موسى عليه السّلام يأمره بالإسلام على يد خاتم الأنبياء و التمسّك بالأوصياء من بعده.ثمّ قال:أخبرني يا رسول اللّه عن اوصيائك من بعدك لأتمسّك بهم.قال:«أوصيائي الاثنى عشر».قال جندل:هكذا وجدناهم في التوراة...»(1).
2-رواية ابن عبّاس في قضية اليهودي نعثل:
الذي قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في مسائل كثيرة ترتبط باللّه و صفاته و التوحيد و أقسامه،و الرسول 6 يجيبه.ثمّ قال:
ص:229
فاخبرني عن وصيّك من هو؟فما من نبيّ إلاّ و له وصيّ،و أنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«نعم،إنّ وصيّي و الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، و بعد سبطاي الحسن و الحسين،تتلوه تسعة من صلب الحسين،أئمّة أبرار».
فقال:يا محمّد،سمّهم لي.فقال:«إذا مضى الحسين...فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي فهؤلاء اثنى عشر».
فقال اليهودي:لقد وجدت هذا في كتب الأنبياء المتقدّمة و فيما عهد إلينا موسى عليه السّلام...»(1).
و لا بأس من الإشارة إلى بعض هذه البشارات المذكورة في الكتب المقدّسة:بشارة و نبوءة العهدين حول نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و الأربعة عشر معصوم عليهم السّلام،و إمام الزمان عليه السّلام.
ينقل المرحوم فخر الإسلام-و كان قسّيسا له اطّلاع باللغات العبرية و العربية و الفارسية،أسلم في زمان ناصر الدين شاه و تشيّع،ألّف كتابا أسماه أنيس الاعلام-في كتابه نبوءة يوحنّا في الإنجيل حول الأربعة عشر معصوم عليهم السّلام باللغة العبرية،ثمّ ترجمها إلى الفارسية،و هذا نصّها:
ص:230
و ظهر آية عظيمة في السماء:امرأة متسربلة بالشمس،و القمر تحت رجليها،و على رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا* و هي حبلى تصرخ متمخّضة و متوجّعة لتلد*و ظهرت آية أخرى في السماء:هو ذا تنّين عظيم أحمر له سبعة رؤوس و عشر قرون و على رؤوسه سبعة تيجان*و ذنبه يجرّ ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض.و التنّين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتّى يبتلع ولدها متى ولدت*فولدت ابنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد.و اختطف ولدها إلى اللّه و إلى عرشه*و المرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معدّ من اللّه لكي يعولوها هناك ألفا و مئتين و ستّين يوما...(1).
و يقوم المرحوم فخر الإسلام بالتفصيل-بالاستناد إلى الشواهد و القرائن المذكورة في الفقرات السابقة-بتطبيقها على الأربعة عشر عليهم السّلام،حيث يكتب:
المراد بالمرأة التي تظهر في السماء الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام،و المراد من الشمس المشرقة هي شمس النبوّة و الوجود النبوي المقدّس،و القمر أمير المؤمنين عليه السّلام،و التاج الذي على الرأس تاج الكرامة،و المراد بالاثنى عشر كوكبا حيث التاج منهم الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام،و بسبب العلاقة
ص:231
الحاصلة بين الصدّيقة الطاهرة و الأئمّة الاثنى عشر سلام اللّه عليها و عليهم تزداد الكرامة و الشرف فيها،شرافة على شرافة و كرامة على كرامة»(1).
جاء في الزبور من دعاء حضرة داود عليه السّلام:
1-اللهمّ اعط أحكامك العادلة للملك،و لابنه برّك.
2-فيقضي لشعبك بالعدل،و مساكينك بالإنصاف.
3-لتحمل الجبال للشعب سلاما و التلال برّا.
4-ليحكم الملك بالحقّ للمساكين،و ينقذ بني البائسين، و يحطّم الظالم....
7-ليزدهر في أيّامه الصدّيق،و يتوافر السلام ما دام القمر يضيء....
8-و لتمتدّ مملكته من البحر إلى البحر،و من النهر إلى أقاصي الأرض....
9-تبارك اسمه المجيد إلى الأبد،و لتمتليء الأرض كلّها من مجده.آمين،آمين(2).
في الفقرة الأولى من هذا المزمور في ترجمة العهد العتيق الحالية، و المطبوعة حديثا بجهود مؤسّسة نشر الكتب المقدّسة،بدل«أحكامك»
ص:232
«إنصافك»،فيما ذكر«أنيس الأعلام»نصّ العبارة العبرية ناقلا إيّاها من الترجمة الفارسية المطبوعة في لندن عام 1895 م عبارة«أحكامك»(1).
و ذكر كتاب«أنيس الأعلام»-بعد نقله دعاء نبيّ اللّه داود عليه السّلام من المزمور 72 باللغة العبرية و الذي هو تسع عشرة فقرة-الترجمة الفارسيه،و قال:
جهد اليهود على تطبيق الفقرة الأولى و الثانية على حضرة داود عليه السّلام و ولده سليمان عليه السّلام...و هذا الكلام باطل من عدّة وجوه:
أوّلا:لم يكن داود عليه السّلام صاحب شريعة و أحكام[...].
ثانيا:ليس هناك من جاهل يدّعي لنفسه الملوكية و السلطنة مقابل اللّه تعالى فيما يناجيه،فكيف بشخص مثل داود عليه السّلام الذي هو من الأنبياء و في مقام الخضوع و التذلّل في الدعاء، من المستبعد جدّا أن ينسب لنفسه الملوكية أمام ملك الملوك و خالق العوالم كلّها...(2).
ثمّ يذكر شواهد أخرى للردّ على تفسير اليهود هذا،و يقول:
و سعى أهل النصرانية إلى تطبيق فقرتين من تلك الفقرات على نبيّ اللّه عيسى عليه السّلام،و هذا أيضا باطل من عدّة وجوه:
1-إنّ عيسى عليه السّلام لم يحكم و لا يوما واحدا،فالحكم كان بيد اليهود الذين آذوه و اضطهدوه....
2-ليس لعيسى عليه السّلام ولد حتّى يقال«و لابنه برّك...».
ص:233
ثمّ يضيف:
و لن تصدق هذه الأوصاف التي جاءت في دعاء نبيّ اللّه داود عليه السّلام إلاّ على نبيّنا الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ولده المهدي عليه السّلام،على أتمّ و أكمل وجه(1).
ثمّ يقوم بشرح تلك الفقرات التسعة عشر،و كيف أنّها تنطبق على الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ولده المهدي عليه السّلام.
جاء في التوراة،في سفر التكوين عند ذكر دعاء نبيّ اللّه إبراهيم عليه السّلام و إجابة اللّه تعالى دعاءه هكذا:
«و أمّا إسماعيل فقد سمعت قولك فيه،و ها أنذا أباركه و أنمّيه و أكثّره جدّا جدّا.و يلد اثني عشر رئيسا،و أجعله أمّة عظيمة»(2).
يقول صاحب كتاب«أنيس الأعلام»:
جملة«و يلد اثني عشر رئيسا»في العبرية هي«شنمعاسار نسيئم يولذ»،و«شنمعسار»تعني اثنى عشر،و«نسيئم» الإمام،و«يولذ»أي من صلب إسماعيل.
و علماء اليهود يقولون صراحة إنّ أولاد إسماعيل -بلا واسطة-لم تكن لهم لا رئاسة دينية و لا دنيوية،و عليه
ص:234
فإنّ عبارة«و يلد اثني عشر رئيسا»لن تطبّق إلاّ على الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام(1).
و للعلم فإنّ الروايتين المنقولتين سابقا من كتب أهل السنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،أي رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري(2) ،و رواية ابن عبّاس(3) حول اعتراف اليهوديين جندل و نعثل بأنّهما رأيا أسماء الخلفاء الاثنى عشر مكتوبة في كتب اليهود،هاتان الروايتان تؤيّدان تفسير المرحوم فخر الإسلام حول تلك الفقرة.
في أماكن كثيرة من الأناجيل الأربعة توجد إشارات و تعابير مرموزة إلى موضوع منجي البشرية في آخر الزمان،نشير إلى بعضها:
1-«لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدّين؛لأنّه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان»(4).
و تدلّ هذه الفقرة على مجيء المنجي في الزمن الغير المعلوم.
2-و حول دور الدعاء و الاستعداد لمجيء المنجي جاء في إنجيل لوقا:
«...فيصادفكم ذلك اليوم بغتة؛لأنّه كالفخّ يأتي على جميع الجالسين على وجه كلّ الأرض،إسهروا إذا،و تضرّعوا كلّ
ص:235
حين لكي تحسبوا أهلا للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون و تقفوا قدّام ابن الإنسان»(1).
و ترى الشبه واضح بين مضمون هذه الفقرة و الروايات التي جاء فيها ذكر انتظار الفرج و الدعاء إلى اللّه تعالى ليظهر المهدي الموعود.
3-و عن علامات الظهور و كيف تكون عليه الأحوال الطبيعية و الاجتماعية،جاء في إنجيل مرقس:
«...و تكون زلازل في أماكن،و تكون مجاعات و اضطرابات،هذا مبتدأ أوجاع زه»(2).
«زه»و تعني الولادة،حين ستكون البشرية آخر الزمان مستعدّة لولادة عهد جديد.
و هذا المضمون شبيه بما جاء في روايات علائم الظهور الدالّة على انتشار الفساد و حصول الآفات الطبيعية و الاجتماعية قبل الظهور، و للاطّلاع تراجع الكتب التالية:«الغيبة»للشيخ الطوسي(3) ،«بحار الأنوار» للمرحوم المجلسي(4) ،و«الغيبة»للنعماني(5).
4-و فيما يختصّ بعلائم ما قبل الظهور جاء في إنجيل لوقا:
«و تكون علامة في الشمس و القمر و النجوم،و على الأرض كرب أمم بحيرة،البحر و الأمواج تضجّ،و الناس يغشى عليهم
ص:236
من خوف و انتظار ما يأتي على المسكونة؛لأنّ قوات السماء تتزعزع،و حينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحابة بقوّة و مجد كثير»(1).
واضحة جدّا علامات الشبه في ما جاء في بداية هذه الفقرة مع ما في مضمون الروايات الإسلامية بما يرتبط بالحوادث الطبيعية و الاجتماعية التي تسبق الظهور.
و أيضا ما جاء في ذيل الفقرة و ما ورد في بعض الروايات الإسلاميه التي ذكرت موضوع غيبة موسى عليه السّلام و بهاء عيسى عليه السّلام(2) و اتّصاف المهدي(عج) بهاتين الصفتين.
«ركوبه السحاب»كناية عن تسخير العوامل الطبيعية المادّية(الأرض و السماء)له عليه السّلام.
5-و حول خروج الدجال،جاء في رسالة يوحنّا:
«أيّها الأولاد،هي الساعة الأخيرة.و كما سمعتم أنّ ضدّ المسيح يأتي،قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون.من هنا نعلم أنّها الساعة الأخيرة...من هو الكذّاب إلاّ الذي ينكر أنّ يسوع هو المسيح؟هذا هو ضدّ المسيح الذي ينكر الأب و الابن»(3).
ص:237
و جاء في عقيدة و مذهب اليهود حول ذكر الفتن الباطلة التي تسبق ظهور المنجيّ،ظهور«راگوگ و ماگوگ»و هما بناء على ما يشير إليه التلمود «يأجوج و مأجوج»(1).و هذا هو المذكور أيضا في الروايات الإسلامية، و معبّر عنه بخروج الدجّال و خروج السفياني.
الشبه واضح بين ما جاء في مضمون هذه الفقرة و متون الروايات الإسلامية الدالّة على خروج الدجّال و السفياني.
«المسيح»كما ذكر في التلمود هو نفسه«الماشيح»و معناه في العبرية «التدهين»بالدهن،و صناعة العالم،و المنجيّ الأخير.
و في الروايات الإسلامية تصريح بدور المسيح عيسى عليه السّلام في نصرة المهدي عليه السّلام و قتل الدجّال و إنقاذ البشرية.
و إطلاق كلمة المسيح و يراد به«المنجي الأخير»على كليهما صحيح، جاء في إنجيل يوحنّا:
«...لأنّنا نحن قد سمعنا و نعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم»(2).
6-و جاء في رؤيا يوحنّا وصف لما سيكون عليه العالم في زمن الظهور، من وفور النعم المادّية و المعنوية:
«و أراني نهرا صافيا من ماء حياة،لامعا كبلّور،خارجا من
ص:238
عرش اللّه،و الخروف.في وسط سوقها و على النهر من هنا و هناك شجرة حياة تضع اثنتي عشرة ثمرة،و تعطي كلّ شهر ثمرها،و ورق الشجرة لشفاء الأمم،و لا تكون لعنة في معبد.
و عرش اللّه و الخروف يكون فيها...»(1).
وفور النعم المادّية و المعنوية في زمن الظهور ذكرتها الروايات السنّية و الشيعية،و قد نقلنا بعضها في هذا الكتاب.
فكرة النجاة و الإشارة إلى الموعود الذي سيجيء آخر الزمان،موجودة أيضا في تعاليم الديانة الزرتشتية،شبيهة كثيرا بما جاء في الإسلام.
و سنذكر أوجه الشبة هذه إقتباسا من كتاب:«نجات بخشى در اديان».
للمثال نلفت إلى الإشارات التالية:
1-«مزدا!متى تظهر أبقار السماء لنشر العدالة في هذا العالم؟ أهداف السوشيانس متّفقة و تعاليمك...»(2).
«أبقار السماء»في الثّقافة الزرتشتية كناية عن قدرات هرمز التي لا تفنى،و التي يعبّر عنها في الثقافة الإسلامية بالملائكة.
ص:239
و«سوشيانسها»هم أنفسهم المنجون.
2-«الأحياء و الذين كانوا و الذين سيأتون،يأملون النجاة بمجيئه،و يبشّر المتّقين بأنّ أرواحهم ستكون خالدة»(1).
3-«...و في تلك الأثناء حيث ينهض الأموات و يخلد الأحياء سوف يأتي[سوشيانس]و يجدّد العالم بإرادته»(2).
4-«سوف يطرد الكذب إلى ذلك المكان الذي جاء منه لقتل أتباع الحقّ و العنصر و الوجود»(3).
5-«ثمّ لنكن من أولئك؛لننوّر العالم،يا مزدا!و أنتم يا «آهوراها»،سوف نجلب الحماية و الصدق حينما تتّحد التعاليم هناك(4)»(5).
و هذه المضامين تشبه كثيرا ما جاء في الروايات الإسلامية،أعمّ من كونها شيعية أو سنّية حول مجيء و ظهور منجي آخر الزمان؛ليملأ الأرض قسطا و عدلا.
1-المنجي من بيت النبوّة
في دين زرتشت:آخر المنجين«سوشيانس»من نسل زرتشت،و أمّه
ص:240
جارية من نسل اثنين طاهرين و متّقيين من أبناء زرتشت باسم«ايست»و «استر»(1):
و حينئذ لن تمضي ثلاثين شتاء من هذه القرون العشرة،حتّى ترد جارية الماء و اسمها«گواگ پد»...و يكون ظهورها علامة لزوال امرأة اهريمن الفاسدة.و هي من نسل ايست و استر...ثمّ تدخل الماء(2) جارية عمرها 15 سنة...و هذه الجارية لم تنم مع الرجال لا قبل هذا و لا بعده.و حينها ستحمل حتّى تلد«سوشيانس»(3).
في المتون الزرتشتية المنجون ثلاثة:الأوّل«هو شيدر»،و الثاني «هو شيدر ماه»،و الثالث«سوشيانس»و هو المنجي الأصلي و آخر المنجين،و كلّ واحد يظهر بعد مضي بضعة آلاف من السنين،و قد يطلق على الجميع«سوشيانس»كما جاء في بعض المتون الزرتشتية(4).
2-يتّصف المنجون بالخصال الحميدة و التقوى،و هم منزّهون عن السوء و الرذيلة،المزيلة لها.و مهمّتهم هي تبليغ و إيصال ما بدأه زرتشت.
و هناك إشارات جديرة بالاهتمام:
«هؤلاء[السوشيانيس]معتقدوا الطهارة،و باذروا بذور الحقّ»(5).
ص:241
«يهبون بصدق...»(1)...«يطردون الكذب...»(2)...«يجتهدون في نفع الناس و نصرهم(3)»(4).
«نطلق على كبار العارفين في دين مزديستي:«آذربان»،و معلّموهم «رد»أي الرئيس،و هؤلاء«أمشاسپندان»أي الخالدون المقدّسون.
و السوشيانيس هم الأعلم و الأصدق و الأحكم(5)»(6).
«...و نقبل...السوشيانسية هم الأعلم و الأصدق و الأنجد و الأكبر(7)»(8).
«...بعد خمسة و سبعين سنة يولد سوشيانس على فراش رجل،لأجل تكميل رسالة زرتشت(9)»(10).
و هذه شبيهة بما جاء في المتون الإسلامية حول المهدي(عج)،و أنّه من نسل النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،يحيي الدين بالكامل،و هو رمز المقدّسات الدينية و الإنسانية.
نلفت إلى بعض الأمثلة من المتون الزرتشتية:
1-هذه الخصائص المعبّر عنها في«اليسن 34 ب 6»بانتصار الحقّ على الكذب و في«اليسن 48 ب 1»بانتصار الصادق على الكاذب.
ص:242
2-«و[هوشيدر]الذي هو أوّل المنجين و الممهّد للمنجي الأصلي سوشيانس يقضي على التنانين»(1).«و سيعمل بالحقّ و يأخذ من الحقّ»(2).
«كلّ المذاهب باطلة إلاّ مذهب مزديست،و يعتقد الناس به و يؤمنون».
«و ستبطل بقيّة المذاهب،و سيقلّ الغضب و الحقد و الحرص و الرغبة و الشهوة،و الناس في راحة و يسر»(3).
«...و ستقلّ الرغبة و الحاجة و الحقد و الغضب و الشهوة و الحسد و الكفر و الذنوب،و يذهب ذئب الزمان و تحل الأبقار...و أهريمن الخبيث و الشياطين سيّئوا المنبت سيصيرون ضاوين مدهوشين...»(4).
3-ألف:«و يكثر حليب الماشية حتّى يقال:إنّ حليب بقرة ذات ثلاث سنين يكفي لألف رجل»(5).
ب:«[في دهر هوشيدر]لن يصيب الزرع القحل رغم كلّ شيء لثلاث سنين»(6).
ج:«و يتلون الزرع لستّة سنوات بلون الذهب»(7).
د:«لن يصيب الزرع القحل لستّ سنوات»(8).
ه:«و سيظلّ الشجر و أمثالها على نظارته في العالم إلى يوم القيامة(9)»(10).
ص:243
و يشبه هذا ما ورد أيضا في الروايات الإسلامية بتعابير مختلفة حول زمان ما بعد الظهور حيث تكثر النعم و الخيرات و تتنزّل بركات السماء على أهل الأرض،و تكثر رحمة اللّه في ذلك الزمان.
يعتبر«الضحّاك»في متون زرتشت رمز الفساد و الظلم و الفساد، و بالنتيجة و بتحريض من«سوشيانس»الذي هو من نسل زرتشت يقوم شخص اسمه«گرشاسب»بقتله.
«يبتلع الضحّاك ثلث ممّا خلقه«هرمزد»من غنم الناس و أبقارهم»(1).
«يصيب الضحّاك فرصة من الزمن ليأكل ربع أغنام الناس من ايرانشهر(2)»(3).
«في ذلك اليوم يوقظ«سوشيانس»«زرتشت»...في البدء يوفد من عالم الأموات«گرشاسب سامان»و يقتل الضحّاك بقضيب من حديد و يمحوه من الوجود ثمّ يبتداء ألفيّة سوشيانس(المنجي الأصلي)(4)»(5).
في المتون الإسلامية كما رأينا يعتبر«الدجّال»رمز الظلم و الشرك
ص:244
و الكفر،و تكون عاقبته الموت بعد ظهور المهدي(عج)،و تسود العدالة ربوع العالم.
الجدير بالذكر أنّه نقل في آخر كتاب«زرتشت پيامبرى كه از نو بايد شناخت»أقسام من المتون الزرتشتية حول الظهور و علائمه باللغة الپهلوية، ترجمها إلى الفارسية صادق هدايت.ذكر هذه الاقسام تحت عناوين الذّيل:
«نبوءات زراتشت حول الظهور و علائم الظهور»،و«حوار زراتشت مع أورمزد حول الظهور و علائم الظهور»،و أيضا«نبوءات زراتشت حول الظهور و علائم الظهور نقلا عن كتاب زراتشت،تأليف بهرام بن پژدو».
و في متون تلك العناوين توجد عبارات كثيرة تنطبق على منجي البشرية الموعود آخر الزمان من أراد فليراجع(1).
توجد في الديانة البوذية أيضا بشارات حول منجي البشرية آخر الزمان؛ من جملتها:
1-ينقل البوذيون في كتاب«دادنك»عن بوذا قوله:
بعد أن يتفشّى الظلم بين المسلمين،و يكثر الفسق و الفاسقين، و يتعدّى الحكّام،و يرائي الزاهدون،و يتخلّى الأمناء عن ديانتهم و ينتشر الحسد و العالمون لا يعملون بعلمهم،فلا يبقى من الدّين إلاّ اسمه،و يتحوّل السلاطين و الرؤساء و
ص:245
الزعماء إلى ظلمة عديمي الرحم،و الرعية إلى عدم الطاعة و النفرة و عدم الإنصاف،و يجتهد الجميع إلى خراب نظام الدنيا و نشر الكفر و الجحود في تمام العالم،حينها ستظهر يد الحقّ،و يظهر خليفة«ممطا»[أي محمّد نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم] فيسيطر على مشرق الدنيا و مغربها،و يقود الناس إلى طريق الخير،و هو لا يقبل إلاّ بالحقّ و العدل فقط (1).
2-تطرح الديانة البوذية أكثر من بوذا،آخرهم سيكون منجي البشرية.
ينتظر بعض البوذيين نزول بوذا من مقامه في سماء«توشيتا» إلى الأرض.و بوذا الخامس هذا-أو باعتقاد البعض بوذا الخامس و العشرين-سوف يحيي تعاليم«دارماي»و«گواتما بودا»(2).
نشرت«مجلّة البلاغ»مقالة تحت عنوان«الشخص القادم»تذكر أنّ اسم ذلك الشخص الذي ينتظره البوذيون هو«ماتيا اوتارا»و«مهاتا بودا»(3).
و في بعض الكتب البوذية مذكور أنّ اسم المنجي الموعود الذي هو بودا الخامس«ميتريه»أي الرحيم(4).
و توجد في الديانة الهندوئية أيضا بشارات للمنجي الأخير،من جملتها:
ص:246
1-نقرأ في كتاب«شاكموني»الذي هو في معتقد الهندوس نبيّ و صاحب كتاب سماوي ما يلي:
تنتهي الدنيا بسلطة و دولة الولد الرشيد سيّد خلائق العالمين «كشن»(1) الجليل،و هو الشخص الذي يحكم قمم مشرق الدنيا و مغربها و يقودها و يركب السحاب،و تكون الملائكة من عمّاله،و يخدمه الجنّ و الإنس،و يملك من بلاد السودان الواقعة تحت خطّ الاستواء،إلى أرض(العريض)التسعين الواقعة تحت القطب الشمالي و ما وراء البحر،و يوحّد دين اللّه تعالى بعد أن يحييه،و اسمه«القائم»و«العارف باللّه»(2).
2-و نقرأ في كتاب«ديد»و هو كتاب سماوي في العقيدة الهندوسية:
بعد خراب العالم يظهر سلطان في آخر الزمان يكون زعيم الخلائق و اسمه«المنصور»(3) يقبض على العالم،فيعتنق الناس دينه،يعرف المؤمن من الكافر،يعطيه اللّه كلّ ما يريد(4).
3-و نقرأ في كتاب«پاتيكال»الذي هو أحد قادة الهندوس ما يلي:
حيث تقارب الأيّام على الانتهاء،تتجدّد الدنيا و تحيا،و يظهر
ص:247
صاحب الملك الجديد،و هو من أولاد سيّدي العالم،أحدهما ناموس آخر الزمان(1) ،و الآخر وصيّه الأكبر و اسمه «يشن»(2) أمّا اسم الملك الجديد فهو«راهنما»(3) ،و يكون خليفة«رام»(4) حقّا و تظهر منه المعاجز،و كلّ من يلتجىء إليه و يختار دين آبائه يكون أحمر الوجه عند«رام»و ستطول دولته و يكون عمره أطول من عمر أبناء الناموس الأكبر،و به تنتهي الدنيا،و تسخّر الأرض له من ساحل بحر المحيط و جزائر السرانديب و قبر آدم،و من جبال القمر إلى شمال هيكل الزهرة،إلى سيف البحر و المحيط،و يهدم معبد الأوثان«سومنات»و ينطق«جگرنات»(5) بأمره،ثمّ يسقط إلى الأرض،و بعد أن يكسر يرمى في البحر الأعظم،و تتحطّم الأصنام في كلّ مكان(6).
و في الوقت الحاضر يؤمن بعض الهندوس أنّ تاسع«الأوتار»هو بودا.
فهم يعتقدون بمجيء«عشرة أوتار»من قبل اللّه تعالى،ثامنهم«گريشنا»و
ص:248
تاسعهم«بودا»و عاشرهم سيجيء آخر الزمان(1).
و مذكور في بعض الكتب أنّ اسم مصلح آخر الزمان في الديانة الهندوسية«كالانكي أوتار»(2).
و بناء على بعض كتابات الهندوس الأخرى فإنّ العالم يتشكّل من أربعة عصور،كلّها سيصيبها الفساد و الانحطاط،و يكون العصر الرابع(3) مليئا بالظلم و الفساد بحيث يتسلّط الأفراد غير الصالحين على مقدّرات الناس، و تعمّ الرشاوى و الكذب و السرقة.
و في هذا العصر-بناء على معتقد الهندوس و هو الزمان الذي نعيش فيه- لا يعمل إلاّ بربع«الدرمة»و هو الدين العالمي،و يترك العمل بالأرباع الثلاثة الأخرى(4).
و في نهاية هذا العصر المظلم يظهر عاشر و آخر«الأوتار»و«يشنو»، و اسمه«كلكي»أو«كلكين»راكبا على فرس أبيض و بيده سيف مسلول يقضي على الظلم و الفساد و يحلّ العدل و الحقّ مكانهم[الفرس الأبيض رمز القدرة و التوسّع]و يقضي على ال«يمه»أو الموت،و يغلب على كلّ مخالفيه.
«كلكي»له صفة إلهية فهو رجل إلهي يتّحد بشكل و مقام اللّه بلا حدود.
ص:249
كلّما كانت الأحكام و المعارف في جميع الكتب السماوية و المتون الدينية التي تجيء بتعابير مختلفة،مناسبة مع لغتهم و ثقافتهم الخاصّة يحصل الاطمئنان للإنسان بالإجمال أنّ لهذه جذور إلهية،مهما أصابها من تحريف أو انحراف في فهمها أو تفسيرها نتيجة لعوامل مختلفة على مرّ التاريخ.
و موضوع المنجي آخر الزمان و أنّ البشرية في نهاية التاريخ ستصل إلى ذروة السعادة و العدالة،من جملة الموضوعات المشتركة و المطروحة في جميع الكتب السماوية و المتون الدينية(1).
و موضوع المهدي عليه السّلام لم يطرح صريحا في القرآن الكريم،و لكنّا تطرّقنا بداية هذا التحقيق إلى ذكر الآيات التي أجمع المفسّرون الشيعة و السنّة و بالاستناد إلى بعض الروايات،على تطبيقها على المهدي عليه السّلام.
كما أنّ الدليل العقلي أيضا هو الآخر يبشّر بضرورة المنجي و وصول الإنسان إلى العدالة و السعادة و الكمال المطلوب في آخر الزمان.
و نلفت بهذا الشأن إلى شرح المرحوم العلاّمة الطباطبائي،حيث يقول:
أيّ نوع من أنواع الخلقة المختلفة منذ اليوم الأوّل لظهورها، تحمل بذاتها مسيرتها الكمالية و أهدافها النوعية في الحياة، و بالطاقة المودّعة تكون مشغولة للوصول إلى هذا الهدف
ص:250
بلا تعب أو كسل.
فهذه حبّة الحنطة المتفتّحة تحمل ذاتية التحوّل إلى سنبلة كاملة،و كذا حبّة الشجرة التي تنمو لأجل التحوّل إلى شجرة كاملة تعطي ثمارها،و نطفة الحيوان التي تريد التحوّل إلى جنين تحمل في طياتها إرادة التحوّل هذه.و قس على ذلك بقيّة الموارد.
تصادم الأسباب و العلل المخالفة و الموافقة،مهما كانت مانعة لمسيرة كثير من الموجودات المتحرّكة بمجاميع متّصلة نحو أهدافها و كمالاتها،و من ثمّ يصيب الكثير منها المحو أو الاضمحلال قبل وصولها إلى غاياتها.و لكن مع كلّ ذلك لا يتوقّف نظام الخلقة من السير نحو كمالاته و تعبئة كلّ الطاقات لتحقيقها،و من ثمّ تصل جمع من المجاميع إلى أهدافها.و لا يستثنى النوع الإنساني من هذا الحكم العام و النظم الجمعي.بلا شكّ الإنسان نوع من أنواع الموجودات التي لا يمكنها أن تعيش منفردة و منعزلة،و لأجل الوصول إلى أهدافه التكوينية فإنّه مضطرّ لنيله إلى تحقيق هدفه الوجودي،أن يتّحد مع غيره.
و نظرة إلى أحوال المجتمعات البشرية يتأيّد هذا المعنى؛إذ كلّ مجتمع-صغيرا كان أم كبيرا-ليس أمامه لنيل الهدوء و السرور و الارتقاء عن موانع الحياة إلاّ ذلك.
ص:251
و واضح أيضا أنّ المجتمع البشري لم يستطع إلى الآن أن يحقّق هذا الهدف.و من جانب آخر فإنّ جهاز الخلقة لن يغيّر قوانينه في الحياة و لن يكون عاجزا عن تحقّق أهدافه في آن واحد.
و وجهة النظر العقلية هذه تحمّل لنا البشرى و الأمل بأنّ عالم البشرية سيصل يوما إلى تحقّق مثله الأعلى في السعادة،و إلى تحقّق كلّ الآمال و الطموحات الفطرية في ذات الإنسان.
و أيضا نعلم أنّ الإنسانية لن تصل إلى هكذا محيط طاهر و نوراني من غير الاعتقاد بالواقع و التسليم المطلق للحقّ،و أثر ذلك فإنّ الإحساس بالأنانية و التفكير النفعي و الرذائل الأخرى الموجبة للإخلال بحياة الفرد،سوف تطرد من ذات الإنسان.و بالنتيجة سيصل الإنسان في مسيرته الاجتماعية إلى السعادة الكاملة،و سيعيش الناس في ظلّ الاعتقاد بالواقعية و الحقّ في السعادة الحقيقية و الرفاهية و يتمتّع المجتمع بالأمن و الأمان المطلق من كلّ مزاحم و ما يوجب تألّمه الروحي.
و يؤيّد القرآن الكريم هذه النظرة و يبشّر أهل الحقّ نيله إلى ذلك اليوم(1).
ص:252
ص:253
ص:254
شبهات حول ولادة و غيبة المهدي عليه السّلام
و في قسم آخر يطرح كاتب الكرّاسة ثلاث شبهات حول ولادة المهدي:
حيث ينسب إلى أصحاب كتب«الكافي»و«الإرشاد»و«جلاء العيون» و كتب أخرى اعتقادهم بزيف فكرة ولادة المهدي عليه السّلام.
حيث ينقل الكاتب من«الكافي»و«جلاء العيون»و«الإرشاد»(1) خبر تقسيم إرث الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بين أمّه و أخيه عن أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان،و كان متصدّيا من قبل الخليفة على خراج قمّ،و كان مشهورا بعدائه لأهل البيت عليهم السّلام.
ص:255
و عبيد اللّه بن خاقان كان أحد وزراء المعتمد العبّاسي،و بعد انتشار خبر مرض الإمام الحسن العسكري عليه السّلام كان مأمورا من قبل الخليفة المعتمد بمراقبة ما يجري داخل بيت الإمام عليه السّلام.و بعد شهادته،كانت عمليات تفتيش البيت للعثور على ولده،أو التحقّق من حمل و ولادة النسوة داخل البيت عبر القوابل المدسوسات،و كذلك عملية تغسيل الإمام و الصلاة عليه و دفنه،كلّ هذه كانت تجري تحت مراقبة هذا الشخص و أمره.
و الكاتب بصرفه النظر عن نقل هذه الحوادث المذكورة في الخبر و اكتفائه بنقل خبر تقسيم الإرث بين أمّ الإمام عليه السّلام و أخيه جعفر انتهى إلى هذه النتيجة-كما في فتاوى علماء السنّة-إلى أنّ أصحاب تلك الكتب أنكروا ولادة المهدي!
متغافلا عن حقيقة أنّ تلك الكتب نفسها قد ذكرت تلك الوقائع،و هي وقائع إخفاء ولادة المهدي عليه السّلام،و تعامل حكومة المعتمد بهذا الشأن،و أيضا وقائع وفات الإمام الحسن العسكري عليه السّلام،و سعي الحكومة العبّاسية لأجل العثور على ابنه و قتله.
و عملية الإخفاء تمّت بهذه الصورة:و هي جعل المراقبين يظنّون أنّ المهدي لم يولد أصلا،و أنّ الورثة محصورة بين أمّ الإمام و أخيه؛من أجل حفظ حياة الإمام المهدي(عج)من الخطر المحدّق به.نعم،أشيع بين خواصّ الشيعة الذين كانوا مورد اعتماد الأئمّة خبر إخفاء ولادة المهدي عليه السّلام، و حسب القاعدة فإنّ الحكومة العبّاسية و نتيجة لعدم تحفّظ بعض عوام الشيعة عن إخفاء هذا الخبر تسرّبت إليها معلومات ناقصة تفيد
ص:256
بولادته عليه السّلام و إخفاء أمر الولادة من قبل أبيه،و أثر ذلك قامت بمراقبة بيت الإمام و بشدّة.
إذن نقل الخبر الآنف الذكر عن تلك الكتب لا يعدّ دليلا على عدم إيمان و اعتقاد أصحابها بولادة الإمام المهدي عليه السّلام.
و لأجل إبطال وهم ادّعاء الكاتب هذا نشير إلى بعض المسائل التي لها علاقة بدعواه:
ذكرت تلك الكتب أحداث ولادة المهدي عليه السّلام و في أكثر من موضع،مثلا جاء في كتاب«الكافي»:
«ولد المهدي سنة ستّة و خمسين و مائتين»(1).
و أيضا عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قوله حين قتل الزبيري:
«هذا جزاء من اجترأ على اللّه في أوليائه،يزعم أنّه يقتلني و ليس لي عقب،فكيف رأى قدرة اللّه فيه»(2).
ثمّ يضيف راوي الحديث و هو«أحمد بن محمّد»:«و ولد له ولد سمّاه «م ح م د»...»(3).
ص:257
يقول المرحوم المجلسي في كتابه«جلاء العيون»:
أجمع المحدّثون على أنّ ولادة المهدي«في سرّ من رأى»، و اسمه و كنيته من اسم و كنية الرسول،و الرأي المشهور هو أنّ ولادته عليه السّلام في النصف من شعبان سنة 255،و قال البعض:
سنة 256 و البعض الآخر:سنة 258(1).
و يقوم بتفصيل موضوع الولادة و خصوصياتها في«بحار الأنوار»(2).
و يصرّح الشيخ المفيد في«الإرشاد»(3) أيضا أنّ ولادته عليه السّلام كانت في النصف من شعبان سنة 255،و كان عمره الشريف حين وفاة أبيه العسكري عليه السّلام خمس سنوات.
إضافة إلى ما نسبه إلى أصحاب تلك الكتب:«الكافي»و«الإرشاد»و «جلاء العيون»فإنّه في آخر كراسته و بالاستناد إلى كتاب«فرق الشيعة» ينسب بعض الكلمات غير الموثوقة إلى صاحب الكتاب النوبختي،ممّا يحكي عن عمق جهله بهذا الكتاب.
هكذا يكتب في الكرّاسة:
و لذا فإنّ النوبختي و إن كان شيعيّا متعصّبا و معروفا من كبار علماء الطائفة و فلاسفتها و متكلّميها،و لكنّه يقول بصريح
ص:258
العبارة و بلا إبهام أنّ الشيعة بعد موت الحسن العسكري انقسموا إلى طوائف مختلفة متحيّرة.
من أجل رفع الإبهام الذي أثاره نشير إلى عدّة أمور:
1-كما هو واضح من اسم الكتاب«فرق الشيعة»فإنّ المؤلّف قام بعرض سريع للفرق و الطوائف الشيعية من زمن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى زمن الحسن العسكري عليه السّلام،و لم يدخل في مبحث ردّ أو تأييد هذه الفرق،بل كلّ جهوده كانت صرف توضيح منشأ هذه الفرق،و ليس بصحيح ما نسبه إليه قوله أنّ الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري عليه السّلام أصابتهم الحيرة و الارتباك في أمور دينهم و دنياهم،بل أنّ النوبختي يكتب:«بعد رحيل الإمام العسكري عليه السّلام فإنّ الشيعة انقسموا إلى فرق متعدّدة».و لم يدّع أيّ من هذه الفرق كانت أحقّ و أتبع لسنّة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
2-جاء في«فهرست النجاشي»أنّ صاحب كتاب«فرق الشيعة»له كتاب باسم«الردّ على فرق الشيعة ما خلا الإمامية»لإثبات أحقّية الفرقة الاثنى عشرية و ردّ سائر الفرق،و لكن للأسف الشديد أنّ هذا الكتاب من بين الكثير من الكتب المفقودة التي لم تصل إلينا.
3-ينقل الكاتب عن المرحوم النوبختي فيما يرتبط بالشيعة هكذا:
نعتقد نحن الإمامية بوفاة الإمام الحسن العسكري،و نعترف أنّ له ولدا من صلبه و هو مخفيّ و لكن لا يحقّ للناس أن يتوجّهوا إلى شخص مخفيّ و لا يجوز ذكر اسمه أو السؤال عن مكانه،و البحث عنه غير جائز و حرام.
ص:259
فقوله«و لا يحقّ للناس أن يتوجّهوا إلى شخص مخفيّ...»تحريف مفضوح ربما سببه عدم معرفة الكاتب بهذا الكتاب،فالنوبختي في «فرق الشيعة»يقول:
ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور اللّه و يقضوا بلا علم لهم و يطلبوا آثار ما ستر عليهم و...(1).
فهل يستفاد من هذه العبارات التي نقلها النوبختي أنّ ولادة المهدي عليه السّلام فكرة مجعولة و مفتعلة؟
يريد أن يقول:إنّه ليس على العباد أن يبحثوا في أمور أخفاها اللّه و سترها و القضاء بلا علم فيها،و لم يقل إنّه لا يحقّ للناس أبدا التوجّه إلى آثار شخص و اتّباعه لأنّه مخفيّ،و شتّان ما بين هذين التعبيرين.
روايات كثيرة منقولة من طرق السنّة تدلّ على أنّ خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم اثنى عشر خليفة،تسعة منهم من ولد الإمام الحسين عليه السّلام آخرهم القائم،و قد أشرنا إليها في الفصل الخامس.و تنقسم إلى طائفتين:
الطائفة الأولى:المصرّحة بأنّ الخلفاء اثنى عشر خليفة و أنّ القائم(عج) هو الولد التاسع من صلب الحسين عليه السّلام:
1-قال سلمان الفارسي:دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا الحسين عليه السّلام على فخذيه و هو يقبّل عينيه و يلثم فاه و يقول:
ص:260
«إنّك سيّد ابن سيّد أبو سادة،إنّك إمام بن إمام أبو أئمّة،إنّك حجّة بن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم»(1).
2-قال سلمان:رأيت الحسين بن علي في حجر النبي و هو يقبّل عينيه و يلثم فاه و هو يقول:
«أنت سيّد بن سيّد،أخو سيّد،أنت إمام بن إمام،أخو إمام، أنت حجّة بن حجّة،أخو حجّة و أنت أبو حجج تسع،تاسعهم قائمهم»(2).
و ليس ببعيد أنّهما حديث واحد،و لكن نقلا بطريقين.
و هذه الطائفة من الروايات تدلّ دلالة واضحة على أنّ المهدي عليه السّلام مولود، و إلاّ القول أنّهم تسعة من ولد الحسين كان لغوا!
الطائفة الثانية:الدالّة فقط على أنّ الأئمّة هم تسعة من ولد الحسين عليه السّلام؛ للمثال:
1-رواية عبد اللّه بن عبّاس عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون»(3).
2-رواية سليم بن قيس،يقول:رأيت عليّا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في خلافة عثمان و جماعة يتحدّثون،فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن
ص:261
ما يمنعك أن تتكلّم؟فقال بعد الاحتجاج بالآيات و بحديث الغدير و بآية تكميل الدين(1)...:
«فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات خاصّة في علي؟قال:بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا:يا رسول اللّه بيّنهم لنا قال:علي أخي و وزيري و وصيّي و خليفتي و وليّ كلّ مؤمن بعدي،ثمّ ابني الحسن،ثمّ الحسين،ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم و هم مع القرآن،لا يفارقونه و لا يفارقهم حتّى يردوا علي الحوض...فقال:أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال:يا أيّها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين،كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا،فإنّ اللطيف الخبير أخبرني و عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض،فقام عمر بن الخطّاب شبه المغضب فقال:يا رسول اللّه أكلّ أهل بيتك؟ قال:لا،و لكن أوصيائي منهم،أوّلهم أخي و وزيري و وارثي و خليفتي...هو أوّلهم،ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين،ثمّ تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد،حتّى يردوا علي الحوض...»(2).
ص:262
3-رواية طويلة عن ابن عبّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في قصّة اليهودي...:
«...إنّ وصيّي و الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب و بعده سبطاي الحسن ثمّ الحسين يتلو تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار».قال:يا محمّد فسمّهم لي.قال:«نعم،إذا مضى الحسين فابنه علي،فإذا مضى علي فابنه محمّد...فإذا مضى علي فابنه محمّد،ثمّ ابنه علي ثمّ ابنه الحسن ثمّ الحجّة بن الحسن،فهذه اثنى عشر أئمّة عدد نقباء بني إسرائيل»(1).
لو قيل:لا تنافي بين مفاد بعض هذه الروايات الدالّة على أنّ الأئمّة التسعة من صلب الحسين،مع القول بأنّ المهدي الذي هو آخر خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و من نسل الحسين عليه السّلام،و لكنّه لم يولد بعد!
نقول:و إن كان مفاد بعض هذه الروايات يدلّ فقط على أنّ التسعة من الأئمّة عليهم السّلام و منهم المهدي(عج)هم من صلب الإمام الحسين عليه السّلام،و ليس فيها أيّ دلالة على ولادة أو حياة المهدي عليه السّلام،و لكن بضميمة الروايات التالية التي تشير إلى ولادة المهدي(عج)و حياته تحمل الروايات الآنفة قطعا على ولادة الإمام التاسع من صلب الحسين عليه السّلام،و أنّه حيّ غائب:
1-الروايات التي تذكر أسماء الأئمّة عليهم السّلام واحد بعد آخر و أنّ المهدي هو آخرهم و ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام.و كلّها تحكي أنّ المهدي عليه السّلام هو الولد التاسع من صلب الإمام الحسين و ابن الإمام العسكري و مولود في هذه الدنيا،و من باب المثال يمكن الإشارة إلى روايات عديدة،كرواية جندل عن
ص:263
النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(1) ،و رواية ابن عبّاس حول سؤال نعثل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(2) ، و رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(3) ،و رواية أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام(4) ،و رواية أحمد بن إسحاق عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام(5)...و كلّها تمّت الإشارة إليها سابقا.
2-الروايات المنقولة من طرق الشيعة و السنّة و التي نقلناها سابقا الدالّة على أنّ آخر خلفاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(المهدي)غائب و سوف يظهر،إذ المقصود من«الغيبة»و«الظهور»هو ظهوره في حال كونه حيّا لا ميّتا.
3-الروايات الدالّة على أنّ الخلفاء هم اثنى عشر و أنّه لا يخلو زمان من واحد منهم،و قد نقلنا بعضها من كتب الشيعة و السنّة.
4-الرواية المتواترة:«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية»(6) الظاهرة على أنّه لا يخلو زمان من إمام مفترض الطاعة.
5-الحديث المتواتر بين السنّة و الشيعة،و هو حديث الثقلين المعروف،و قد نوّهنا الإشارة إلية و شرحه،و فيه تصريح أنّ القرآن و العترة لا يفترقان عن بعض إلى أن تقوم الساعة،و لازم ذلك أنّه ما دام القرآن بين يدي الناس فالعترة كذلك، و هذه الحقيقة لا يمكن دركها من دون القول بولادة المهدي عليه السّلام و حياته.
ص:264
و قريب من هذا المضمون أيضا الرواية الثانية من الروايات السابقة-أي رواية سليم بن قيس عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم المنقولة من طرق الشيعة و السنّة-و فيه التصريح بالملازمة بين القرآن و العترة:
«...ثمّ ابني الحسن ثمّ الحسين ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد،القرآن معهم و هم مع القرآن لا يفارقونه و لا يفارقهم حتّى يردوا علي الحوض...»(1).
كما بيّنا سابقا-في الفصل الأوّل-حجّية العترة من القرآن،و ذلك لوجود آيات عديدة في القرآن تدلّ على حجّية السنّة النبوية،و من جانب آخر بيّنا أيضا في مباحث سابقة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عيّن العترة و أنّهم من يجب الرجوع إليهم مع القرآن الكريم،كما هو واضح جدّا في حديث الثقلين و روايات أخرى.و عليه فلو فرضنا-كما هو عليه معتقد السنّة-أنّ الأئمّة الاثنى عشر ليسوا خلفاء النبي،و لكنّ قولهم و فعلهم و تقريرهم حجّة قطعا،بصريح ما دلّ من هذه الروايات.
إذن فقول الإمام علي عليه السّلام و سائر الأئمّة عليهم السّلام حول المهدي(عج)-كما جاء في الروايات المتواترة أو المستفيضة-و التي فيها دلالة واضحة على أنّ
ص:265
المهدي(عج)هو ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و هو مولود و غائب إلى زمان يقرّره تعالى له،هذا القول حجّة و معتبر.
و قد ذكرنا سابقا أكثر من ستّين اسم من كبار علماء و مؤرّخي و عرفاء المذهب السنّي الذين اعتقدوا بولادة المهدي(عج)و أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و أنّه مولود و حيّ و غائب.
و يقول الكاتب في مقام نقله لرواية أحد المخالفين:
«كيف يمكن إخفاء مثل هذه الولادة عن عيون بني هاشم و عيون الأسر العلوية و بالخصوص نقيبها أحمد بن عبد الصمد المشهور بابن الطومار و عنده سجل يقيّد فيه مواليد أبناء علي و تواريخها».
فيما يرتبط عن السبب و العلّة في إخفاء خبر ولادته عليه السّلام،هناك بعض الأمور حريّ الالتفات إليها:
مع القطع بوجود العناية الإلهية الخاصّة في مسألة إخفاء حمل و ولادة الإمام عليه السّلام،و لكن في الجانب الآخر و نتيجة لشدّة حساسية أجهزة الخلافة
ص:266
العبّاسية بالنسبة لموضوع مولود الإمام العسكري عليه السّلام كان من الطبيعي أن يقوم الإمام العسكري عليه السّلام بإخفاء سرّ الولادة حتّى عن أقرب الناس إليه و هم بيوتات العلويّين و الهاشميّين؛خوفا من أن يشيع الخبر بين العوام و يصل إلى مسامع الحكومة المتربّصة«فكلّ سرّ جاوز الاثنين شاع».
و يستفاد من الروايات المنقولة من طرق الشيعة و السنّة أنّ موضوع المهدي(عج)في آخر الزمان هو موضوع على خلاف الشرائط الطبيعية أو ما يرتبط بالسنن الكونية المعمولة،و لذا جاء في بعض الروايات،و منها الروايات السنّية أنّه يختصّ بخصائص و خوارق عادات بعض الأنبياء، كخفاء ولادة نبيّ اللّه إبراهيم عليه السّلام و اعتزاله الناس(1) ،خوف و غيبة نبيّ اللّه موسى عليه السّلام،اختلاف الناس في قضيّة عيسى عليه السّلام،و فرج كرب أيّوب بعد شدّته،حكومة رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و اقتدارها،طول عمر الخضر عليه السّلام و ذي القرنين عليه السّلام(2) و...
لاحظ كتابي الصدوق:«كمال الدين»(3) و«الإمامة و التبصرة»(4).
و قد فهم ذلك من مثل هذه الرواية:«مثل المهدي كمثل الخضر»، و موضوع طول عمره الشريف،إتيانه بأفعال غير طبيعية،كأفعال الخضر في
ص:267
قصّته مع موسى عليه السّلام التي نقلها القرآن الكريم.يعني يقوم المهدي في زمان غيبته بما يشبه تلك الأفعال التي قام بها الأنبياء الخارقة للعادة و السنن الطبيعية،و يمكن استفادة هذا المعنى من الخطبة رقم 150 في«نهج البلاغة».
و يستفاد أيضا من الروايات السنّية حصول حوادث غير طبيعية و خارقة للعادة،سواء قبل زمان الظهور أو بعده،و مع هذا لا ينبغي الاستبعاد في ولادته و غيبته و طول عمره الغير الطبيعية،من باب المثال:
1-نقل في«عقد الدرر»عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم نزول عيسى عليه السّلام من السماء في زمن الظهور و حصول أمور أخرى(1).
2-و في نفس الكتاب نقلا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،قال:
«يكون في رمضان صوت»(2).و في صفحة 168 حديث رقم 162:
«سيكون في رمضان صوت».
3-و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«و جبريل على مقدّمته و ميكائيل على ساقته،يفرح به أهل السماء و أهل الأرض و الطير و الوحش و الحيتان في البحر...»(3).
ص:268
4-و عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أيضا:
«يخرج المهدي على رأسه غمامة فيها ملك ينادي:هذا المهدي خليفة اللّه فاتّبعوه»(1).
5-و عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:
«ينادي مناد من السماء باسم المهدي فيسمع من بالمشرق و من بالمغرب...»(2).
6-ينقل المرحوم آية اللّه الصدر في كتاب المهدي عن إسعاف الراغبين:
إنّ اللّه تعالى يمدّ المهدي بثلاثة آلاف من الملائكة،و أنّ أهل الكهف من أعوانه(3).
يقول أبو إسحاق الثعلبي في«عقد الدرر»:
«إنّ المهدي يسلّم عليهم-أصحاب الكهف-فيحييهم اللّه عزّ و جلّ له،ثمّ يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة»(4).
و ينقل«الدرّ المنثور»(5) و كتب أخرى هذا الحديث بهذا الشكل:قال رسول اللّه:
«أصحاب الكهف أعوان المهدي».
ص:269
7-رواية حذيفة اليمان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه و يظهر الإسلام،و اللّه لا يخلف وعده و هو سريع الحساب»(1).
نفس هذا المضمون مع اختلاف قليل نقل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في «عقد الدرر»(2).
8-رواية أحمد بن إسحاق الأشعري عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بعد سؤاله عن حجّة اللّه من بعده فأجاب:
«إنّ اللّه لم يخل الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه...».
و بعد أن يقوم بتعريف خليفته و سؤال أحمد بن إسحاق عن علائم و أوصاف هذا الخليفة،جاء:
«...فنطق الغلام عليه السّلام بلسان عربيّ فصيح فقال:أنا بقية اللّه في أرضه و المنتقم من أعدائه،فلا تطلب أثرا بعد عين...»(3).
و على هذا الأساس يجب أن لا نستبعد ولادة المهدي عليه السّلام لكونها جرت في ظروف غير عادية أو مألوفة.
ص:270
هذا و قد جاءت في بعض الروايات الشيعية و السنّية وجود شبه بين سنن الأمم السابقة و هذه الأمّة،من باب المثال:
1-يروي الحاكم في«مستدركه»:
«...لتتبعنّ سنن من قبلكم باعا فباعا و ذراعا فذراعا و شبرا فشبرا...»(1).
أي تحدث في هذه الأمّة الحوادث التي حصلت على تلك الأمم.
و جاء هذا الحديث بتفاوت يسير في«صحيح البخاري»(2) و«شرح نهج البلاغة»لابن أبي الحديد(3).
2-رواية ابن عبّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في قضية نعثل اليهودي و سؤاله رسول اللّه عن اللّه تعالى و صفاته و معنى التوحيد و أقسامه و عن وصيّه، فأجابه الرسول فيما أجابه:
«وصيّي و الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب...».
ثمّ سأل الرسول نعثل عن أوصياء موسى أيعرفهم؟فقال نعثل:نعم،هم اثنى عشر،أوّلهم لاوي بن برخيا غاب عن بني إسرائيل مدّة مديدة ثمّ أظهره
ص:271
اللّه و جدّد على يديه شرع موسى،و حارب قرشطيا سلطان زمانه و قتله، عندها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمّة مثله،حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة...»،ثمّ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«و آخرهم يغيب فلا يرى»(1).
ينقل الصدوق في«كمال الدين»عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:
«كلّ ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمّة مثله،حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة»(2).
و في رواية أخرى عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«و الذي بعثني بالحقّ نبيّا و بشيرا،لتركبنّ أمّتي سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل...»(3).
و على هذا الأساس و بالنظر إلى تشابه حمل و ولادة المهدي(عج)غير الطبيعية مع حمل و ولادة عيسى عليه السّلام و إبراهيم عليه السّلام،و أيضا تشابه غيبته عليه السّلام مع غيبة الخضر عليه السّلام و موسى عليه السّلام و غيبة وصيّه الطويلة،و سائر الجهات المرتبطة بالمهدي(عج)الموجودة في الأمم السالفة،فإنّه لا يجب على الكاتب المذكور و أمثاله أن يتعجّبوا من خفاء ولادة المهدي عليه السّلام.
ص:272
يقول الكاتب:
اختلاف أدعياء التشيّع في قضية الولادة دليل على عدم الولادة،و لهذا فإنّ أكثرهم بعد اليأس من ولد الإمام العسكري عليه السّلام انقسموا إلى طوائف كلّ واحدة اتّخذت لنفسها إماما معيّنا و...
للإجابة على هذه الشبهة يجب القول:الاختلاف في خصوصيات ولادة المهدي(عج)و طريقتها ليس دليلا على عدم حصول الولادة؛و ذلك:
أوّلا:كان من الطبيعي وجود اختلاف في مسألة مجيء ولد الإمام العسكري عليه السّلام في ظلّ تلك الشروط الصعبة و الخوف و التقيّة؛إذ لم يطّلع على ولادة المهدي إلاّ الخواصّ من أصحاب العسكري عليه السّلام.
ثانيا:من الممكن أن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام و خواصّ الشيعة آثروا السكوت مقابل هذا الاختلاف لحفظ حياة هذا المولود.
ثالثا:بعد إقامة الدليل العقلي و النقلي على شيء فإنّ الاختلاف بين الناس لا يكون دليلا على نفيه.و قبل هذا قد ثبت قاطعا أنّ المهدي هو ابن الحسن العسكري،و أنّه مولود و غائب.
رابعا:قد وقع الخلاف أيضا في تاريخ تولّد النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فالمشهور
ص:273
بين الشيعة هو السابع عشر من الربيع الأوّل في حين أنّ أهل السنّة يقولون:
هو الثاني عشر من الربيع الأوّل،فهل ينبغي إنكار أصل تولّده؟و أيضا مثل هذا الاختلاف يشاهد في تولّد أكثر المشاهير من الشيعة و السنّة و لم يسمع من أحد إنكار أصل التولّد.
ص:274
ص:275
ص:276
غيبة المهدي عليه السّلام و الخوف على النفس
و فيما يختصّ بموضوع علّة الغيبة يقول الكاتب:
يزعم الصدوق في رواية زرارة عن الإمام الصادق:«و تكون للقائم غيبة قبل ظهوره»،سألته:لماذا؟فقال:«يخاف من الذبح».و الطوسي شيخ الطائفة يقول في تعليل ذلك:«لا يمنع ظهوره إلاّ الخوف من القتل...و الخوف على النفس من القتل موضوع من الوهن حتّى يرفضه واضعي الفكرة أنفسهم،لأنّه كما جاء في كتبهم:أنّ هذا المزعوم سوف يكون مؤيّدا و منصورا من قبل اللّه تعالى و أنّه سيملأ الأرض قسطا و عدلا...فهل يعقل ذلك من شخص خائف و مختفي؟...و حينها سيتسائل أيّ عاقل:لماذا هذا الخوف من القتل و الاختفاء في سرداب طالما أنّ الملائكة ستنصره...و أنتم قلتم في روايات عديدة:أنّ من شروط الإمامة الشجاعة و أن يكون أشجع الناس،و كيف يكون شجاعا من يخاف من الموت!أليس هذا الجبن بعينه؟
و على هذا الأساس فلا ينبغي لهذا المزعوم أن يظهر حتّى تنمحي دول الظلم و الجور في هذا العالم و يزول خطر القتل
ص:277
من الوجود،و حينها لا تكون حاجة إلى ظهوره...فمن لا يمكنه أن يدافع عن نفسه و يخاف من القتل كيف يمكنه أن يدافع عن الآخرين،و كيف سينتقم من أعدائكم؟!
و يناقش هذا الموضوع عبر محورين:
كما بيّنا في روايات سابقة أنّ هناك خصائص مشتركة بين المهدي و بعض الأنبياء.ففي قضية ولادة موسى عليه السّلام و خفاءه،و أيضا غيبته الموقتة بسبب خوفه من فرعون،و في النهاية غلبته عليه،كلّها من علائم هذا النبي، و قد أشار القرآن إلى هذه بقوله:فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ... ،فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (1).
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً... (2).
مع أنّ موسى نبيّ معصوم و من أولي العزم،و لكن يصفه اللّه تعالى في كتابه بالخائف،و هذا لا ينافي أبدا نبوّته و ما له من مقام معنوي و قرب من اللّه تعالى؛و ذلك لأنّ حفظ النفس من خطر العدوّ و التحضير للانتصار عليه هو من حكم العقل و غير قابل للتخصيص.
و قد كان هذا المعنى مشهودا في سيرة أغلب الأنبياء بما فيهم نبيّنا الأكرم
ص:278
محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.أليس اختفاؤه في الغار كما أشار القرآن(1) إلى ذلك و خروجه متخفّيا في الليل من البيت و مبيت علي عليه السّلام فراشه،و حصاره في شعب أبي طالب لثلاث سنوات،و أمثال ذلك إلاّ الخوف على النفس و وجوب حفظها من أجل التحضير للانتصار النهائي الكبير بعد تهيئة أرضية و مستلزمات النصر الإلهي على العدو.
فهل يحقّ لنا أن نقول:أنّ هذا الخوف المعقول لموسى و لنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم دليل على عدم كفائتهما في أداء رسالتهما؟أم أنّ إيمانهما بالنصر الإلهي كان ضعيفا!
أصولا الشجاعة غير التهوّر،و أيضا الخوف على النفس من القتل و الخطر غير الخوف المذموم؛إذ مراقبة الخطر و التدبير لدفعه هو نوع من الشجاعة لا الجبن.
يمكن أن يقال:لماذا تأخّر النصر الإلهي لموسى عليه السّلام كلّ هذه السنين حتّى غرق فرعون و هلاكه،و كذلك لنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حتّى حصلت كلّ تلك الحروب و المعانات؟أما كان يجب أن يكون من أوّل دعوتهما؟
نفس هذا السؤال مطروح في قضية المهدي عليه السّلام،يعني لماذا لا يكون هذا الدعم الإلهي و ظهور معاجز الأنبياء على يديه(2) و نزول الملائكة و إمداده
ص:279
بالمدد الغيبي و نداءات السماء-التي ذكرت في روايات عديدة-(1) سريعا و ممكنا،إلاّ بعد مضيّ كلّ هذه القرون من الغيبة و انتظار الفرج و تحمّل الصعاب و الامتحانات المختلفة بالنسبة للناس؟
أليس اللّه بقادر أن يبقيه ظاهرا و يحميه بقدرته من كلّ الأخطار المحدقّة و بالإمدادات الغيبية و الملائكة كما يفعل الآن في غيبته؟
نقول:يستفاد من القرآن و الروايات العديدة أنّ النصر الإلهي أو الإتيان بالمعجزة بواسطة الأنبياء و القيام بأفعال خارقة للعادة و العلل الظاهرية و الخارجة عمّا هو متعارف،عن طريق الأولياء،له شرائط و مقدّمات من جملتها:إتمام الحجّة الإلهية على المعاندين و المنكرين،ابتلاء المؤمنين و امتحانهم من أجل تقوية إيمانهم و اكتشاف استعداداتهم و قدراتهم على تحمّل أمانتهم و ظهور و بروز كامل خبائث الكفّار و المشركين الباطنة.فأيّ نصر إلهي أو معجزة لا تكون مقرونة بهذه المقدّمات و الشروط لا يكون لها التأثير المطلوب،و ستكون في الحقيقة عبث و لغو.
و على هذا الأساس فلو أن اللّه تعالى أنزل نصره بالمعجزة على موسى عليه السّلام و على نبيّنا الأكرم محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في بداية الأمر فلم يكن هناك لا امتحان و اختبار للمؤمنين و لا يفرق أو يميّز المؤمن عن الكافر،و لا تكون
ص:280
أرضية ظهور الاستعدادات الذاتية هناك للناس،و قهرا لا تتمّ الحجّة على الناس و لا يتقوّى إيمان المؤمنين كما ينبغي.
إضافة إلى هذا فإنّ الإنسان خلق مختارا حرّا و باختياره انتخب الإيمان أو الكفر،و حصول ملكة الكفر و الإيمان أمر تدريجي لا يتمّ في ليلة أو ضحاها،بل يكون حصولها و تقويتها و تحكيمها في مهبّ صعاب الابتلاءات و الحوادث المتنوّعة،و الآية الشريفة:لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (1) تشير إلى هذا المعنى.
من جانب آخر لو نزل الإمداد الإلهي الخاصّ على البشر من دون ابتلاء و امتحان من الممكن أنّ الناس العاديين البسطاء الذين علّقوا آمالهم على الأسباب و العلل المادّية ينسبوا تلك الأفعال إلى قدراتهم الذاتية،و يبقى إيمانهم ناقصا بالقدرة الإلهية الخارقة للعادة و عدم استقلال أسبابها و عللها.
و لهذا السبب جرت السنّة الإلهية على وضع أولياء اللّه و أتباعهم موضع ابتلاءات صعبة حتّى يصل الأمر ببعضهم إلى أن يبلغوا إلى حدّ اليأس و القنوط من العلل و الأسباب الظاهرية،و من عدم تأثير دعوتهم،و الخوف من الانكسار و الهزيمة،و هذا ما يشير إليه القرآن الكريم بقوله:حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ
ص:281
نَشاءُ... (1) ،و أيضا:أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (2).
و نفس السنّة الإلهية هذه تجري في مسألة المهدي عليه السّلام فليس هناك إمداد غيبي و انتصار عظيم على أعداء اللّه و العدالة إلاّ بمقدّمات و ابتلاءات و امتحانات(3).
من أجل توضيح هذا المطلب نشير إلى عدّة أمور:
الانتصار النهائي المطلق للحقّ على الباطل سوف يكون ميسّرا و عمليّا و ذلك حينما تطوي البشرية جميع المراحل اللازمة،و تكون قد بذلت كلّ ما في وسعها.و مع ذلك فإنّها لن تصل إلى الهدف النهائي لها و هو الارتقاء إلى أعلى الكمالات المعنوية و الإنسانية و تحقيق الأخلاق المعنوية و الحسن الإلهي،و من ثمّ تحقيق و بسط العدالة في العالم.في تلك الحال تكون البشرية عطشى إلى سلوك طريق جديد و الاكتساء بزينة المعرفة الحقّة و تحقيق أسس المدينة الفاضلة الإنسانية،و مع بداية دعوة المهدي عليه السّلام فإنّ
ص:282
جميع عطاشى العدالة و الحقيقة من كلّ مكان و من كلّ اتّجاه و تجربة بشرية الذين أصابهم اليأس و الحيرة،سيجتمعون حوله و يفدونه بأنفسهم.
و لن تكون تضحيتهم له بقتل المخالفين و المعاندين له كما يحبّ أن يصوّر ذلك البعض من منحرفي الذهن و يؤكّدونه في أذهان الناس،و إنّما بتحقيق الأهداف و القيم الإلهية في القول و العمل.
و على هذا الأساس فحينما سيرى الناس كيف أنّ المهدي عليه السّلام بالقلّة القليلة من خلّص أصحابه سيقوم بتجسيم الأهداف الحقيقية للأنبياء و لرسالة الإسلام التي جاء بها نبيّنا الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و ما دعى إليه خلفاؤه العدول، و يرسم للعدالة صورتها الحقيقية بالعمل لا بالشعار و التبليغ و النفاق كما اعتاد عليه أدعياء الخلاص و النجاة على مرّ التاريخ،فإنّهم سوف يؤمنون به و ينصرونه و يتطلّعون إلى ذلك اليوم الذي ستبسط فيه حكومته المنشودة أعمدتها على هذه المعمورة،و تتمّ الحجّة بعد اليأس من تحقّق العدالة في هذا العالم.
و سيضمّ جيشه كلّ أولئك الذين أصابهم اليأس و القنوط ممّا نادى به أدعياء الخلاص و النجاة،و ستصل دعوات الحقّ على أيديهم في كلّ مكان، و تضيق الدنيا على أعداءهم من أعداء الحقّ و العدالة.
و بهذا الشأن حريّ الالتفات إلى رواية علي بن عقبة عن الصادق عليه السّلام:
«...إنّ دولتنا آخر الدول،و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا؛لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا:إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء...»(1).
ص:283
و مع اتّساع رقعة الظلم و الجور على الأرض و إطالة أمد غيبة الإمام المهدي عليه السّلام،تظهر على الناس حالة اليأس و القنوط كما حصل للأمم السابقة، و لا يستثنى منهم الأولياء أيضا،و تصل الحال بالبعض إلى إنكار المهدي و وجوده،كما توضّح هذا الأمر روايات عديدة(1).
و عند ما تيأس البشرية من كلّ العلل و الأسباب المادّية و التجارب الوضعية و تتوجّه إلى النصر الغيبي المتجسّد بظهور المهدي عليه السّلام،عندها سيحصل التحوّل العظيم في هذا العالم.
و من كلّ ما ذكر يتوضّح أنّ المهدي عليه السّلام سوف لن ينتصر على أعداءه و يقيم حكومته وحده و بالإمداد الغيبي فقط-كما يحبّ أن يوهم الكاتب ذلك- و إنمّا بإضافة نصرة البشرية المتعطّشة لعدالته و حكومته المنشودة،حينها سينتصر على أعدائه و يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن تكون قد ملئت ظلما و جورا.
و إذن،لا مجال لتوهّم الكاتب بأنّه طالما يوجد ظالم فسيبقى المهدي خائفا من الظهور،و إذا ما انعدم الظلم و انمحت دول الظلمة فما الحاجة بعد إلى ظهوره؟
ص:284
ليس من سنّة اللّه أن تتكفّل الملائكة بأفعال الناس،بل إنّ أعمال العالم التي من جملتها المادّية و الطبيعية و التي يجب على البشر الوصول فيها إلى درجة الكمال المطلوب يجرى عن طريق الأسباب و العلل الطبيعية-و من جملتها الناس أنفسهم-:«أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بالأسباب»(1).
كلّ ما هنا لك أنّ هذا العالم في الحقيقة انعكاس أو ظلّ لعالم آخر خال من المادّة و المادّيات،و هو واقع تحت تأثير هذا العالم ضمن شروط و أحوال معيّنة.و أصولا لا يوجد نقص في مجمل نشاط العالم الغيبيّ،و كلّ ما هو موجود فإنّما هو في نطاق استعداد العالم المادّي،و هذا الاستعداد سوف يتحقّق على أرض الواقع في الإنسان مع سعيه العلمي و العملي.و أمّا إذا بقي أسير الدنيا و مادّياتها و لا يعمل بما تملي عليه التقوى و لا يجد الارتباط و التشابه بعالم ما وراء المادّة،فإنّه لن يكون أهلا لنزول النصر الإلهي من خلال القوى الغير المحسوسة و التي يعبّر عنها بالملائكة.
إذن فبمقتضى هذه الآية:وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ (2) يفهم أنّ الناس بالإيمان و التقوى و تحمّل الابتلاءات سوف يستحقّون النصر الحقيقي الكامل على الباطل و الفساد المستحكم في هذا الأرض.
و ما جاء في بعض الروايات السابقة أنّ قدرة الرجل في زمان المهدي
ص:285
ستعادل أربعين رجلا،هو كناية على هذا المعنى و عن هذه القدرة الإيمانية و المعنوية و التحمّل الغير الطبيعي للصعاب و الامتحانات و صنوف الابتلاء للمؤمنين الحقيقيّين و مشتاقي العدالة الحقّة.
لم يأت في أيّ رواية أنّ المهدي عليه السّلام سوف ينتصر لوحده على الأعداء، و لا يوجد عالم شيعي واحد يدّعي ذلك حتّى يسمح الكاتب لنفسه أن يقول ساخرا:«الذي لا يمكنه أن يدافع عن نفسه و يخاف القتل كيف يمكنه أن يدافع عن الآخرين و...»؟
بل،و كما جاء في الروايات العديدة المنقولة من طرق الشيعة و السنّة أنّه حين يظهر المهدي عليه السّلام ستكون الأجواء كلّها مهيّئة لأن ينصره أهل الأرض و السماء و يبايعونه.أمّا بيعة أهل السماء فهو كناية عن تعاون القوّة الغيبية و الملائكة مع أهل الأرض.و أمّا بيعة أهل الأرض فهو عبارة عن نصرتهم و استقبالهم له،و جاء في بعض الروايات التي ذكرت بهذا المضمون أنّه حتّى أهل الكتب و الأديان السماوية حينما سيرون إحاطته عليه السّلام بكتبهم السماوية و حقائقها سيسلمون على يديه و يبايعونه على نصرته.
ليس من السنّة الإلهية في الماضي أن ينتصر الأنبياء أو خلفاؤهم وحدهم على أعدائهم لتحقيق الأهداف الإلهية المقدّسة على أرض الواقع.
ص:286
ص:287
ص:288
الانتفاع بالمهدي عليه السّلام في زمان غيبته
و في هذا القسم ينكر الكاتب أيّ فائدة ترجى من وجود إمام غائب، و يقول:
بفرض قبولنا بولادة هذا المزعوم،فأيّ معنى في هذا الاختفاء في السرداب أو البئر؟...إذ ليست هناك أيّ مصلحة دينية أو دنيوية ترتجى منه،و لن ينتفع به لا المعتقدين به و لا منكريه...و هو ليس إلاّ وسيلة بيد واضعيه من بائعي الدين الذين عطّلوا أهمّ أحكام الدين باسمه...
و حتّى[الإمام]الخميني يعترف أنّه ربما سيطول غيابه و...
فهل ستتعطّل أحكام الإسلام و قوانين الشريعة إلى حين ظهوره؟...و معنى هذا الكلام أنّه ستبقى الشريعة الإسلامية معطّلة لفترة زمنية محدودة أي قرنين،و هذه أفضح أنواع النسخ في الشريعة....
يتلخّص الجواب على هذه الشبهة بمحورين:
كما بيّنا سابقا أنّ الشيعة لا يقولون بالتجاء إمام الزمان إلى سرداب،و قد
ص:289
نقلنا سبب قداسة الشيعة للسرداب من قلم المرحوم آية اللّه الصدر(1).
فوائد المهدي في حال غيبته قسمان:فوائد ظاهرية،و فوائد باطنية.
أمّا الفوائد الظاهرية:مثل ترويج الدين،حفظه من التحريف و الفهم الخاطئ،اجتهاد الناس و سعيهم لإجراء الأحكام و الحدود الإلهية،بيعتهم له، فهذه و إن كانت منتفية بنحو مستقيم في زمان الغيبة،و لكنّ الفوائد الظاهرية غير منحصرة بهذه التي ذكرناها،بل و من خلال الروايات المتطرّقة لهذا الموضوع يفهم أنّ للمهدي عليه السّلام فوائد ستصل إلى الناس مع أنّ أغلبهم قد لا يفهمونها،و نذكر من باب المثال:
1-الرواية الطويلة المنقولة من طرق السنّة عن جابر،قال:
بعد نزول هذه الآية الشريفة:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2) سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:من هم أولي الأمر؟فقال:«هم خلفائي و أئمّة المسلمين»،ثمّ ذكر أسماءهم واحدا بعد آخر حتّى وصل إلى المهدي عليه السّلام:«ولد الحسن بن علي الذي يفتح اللّه على
ص:290
يديه المشرق و المغرب،يغيب عن أصحابه و شيعته غيبة، و لا يثبت على القول بغيبته و إمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه على الإيمان».
ثمّ سأله جابر:هل يصل إلى الناس نفع من غيبته؟
فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«و الذي بعثني بالحقّ بشيرا هم يستنيرون بنوره في غيبته و ينتفعون بها كما ينتفع الناس من الشمس خلف السحاب»(1).
2-جاء في توقيعه:
«...و أمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب،و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ
ص:291
النجوم أمان لأهل السماء...»(1).
3-و جاء في جواب الإمام الصادق لسليمان الأعمش بعد سؤاله:كيف ينتفع الناس من شخص غائب؟فقال عليه السّلام:
«...كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب»(2).
و طبعا من الممكن أنّ هاتين الروايتين و نظائرهما ناظرات إلى الفوائد الباطنية المعنوية للإمام المهدي عليه السّلام في حال غيبته،و لأجل تفهيم السائل شبّهت هذه الفوائد بالفوائد المادّية الظاهرية كالشمس و هي خلف السحاب.
و لكن بالنظر إلى كون الفوائد الباطنية للإمام مخصوصة لكلّ عوالم الخلقة و لكلّ الموجودات-أعمّ من الإنسان و غير الإنسان-من الممكن أن يكون مقصود هاتين الروايتين الفوائد الظاهرية و الاجتماعية التي تصل إلى الناس و إن لم يكونوا يحسّون بها و لم يروا شخصه عليه السّلام أو يعرفوه أصلا،كما سيجيء في الحديث التالي المنقول عن«نهج البلاغة».
4-يقول أمير المؤمنين علي عليه السّلام في وصفه للملاحم و الفتن و حوادث آخر الزمان:
«ألا و إنّ من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير و يحذوا فيها على مثال الصالحين ليحلّ فيها ربقا و يعتق فيها رقّا و يصدع شعبا و يشعب صدعا،في سترة عن الناس لا يبصر القائف أثره و لو تابع نظره»(3).
ص:292
يستفاد من هذه الخطبة بوضوح أنّ الناس سينتفعون من المهدي عليه السّلام في حال غيبته فوائد ظاهرية،حيث يحلّ ما اجتمع عليه الناس،و يجمع ما تفرّقوا عنه،و يحلّ العقد الصعاب،و يسهّل المشاكل و إن لم يحسّوا به أو يشاهدوه و يعرفوه،تماما كالشمس خلف السحاب،فهي و إن كانت محجوبة و لكن تصلهم فائدتها و ينتفعون بها.و وصول منفعة من شخص إلى شخص لا يستلزم بالضرورة علم المنتفع أو مشاهدته له.من باب المثال في حالة النوم مع وصول فوائد كثيرة من علّة العلل أي اللّه عبر أسباب الحياة،و لكن الإنسان لا يحسّ بها.أو المعاندين و منكري وجود اللّه تعالى فهم مع عدم معرفتهم و قبولهم له أو كانوا من أعدائه،و لكن تشملهم فيوضات رحمته و بركاته.
العلّة الغائية للإمام بالنسبة إلى خلق العالم بهذا المعنى:أنّه و إن كان اللّه تعالى هو المبدأ الأوّل للعالم و أنّه الهدف النهائي و العلّة الغائية له،و لكن أعلى هدف في مجموع هذا العالم للموجودات هو أكمل موجود و محصول تمّ تربيته في أحضان الكون،أي الإنسان الكامل.
و بعبارة أخرى:الإمام يعني الإنسان الكامل-أعمّ من النبي أو وصيّ النبي-هو العلّة الغائية لفعل اللّه تعالى،و قد أشار إلى ذلك الحديث القدسي:
«لولاك ما خلقت الأفلاك»(1).
ص:293
و الهدف من الإنسان الكامل تجلّي أسماء و صفات اللّه تعالى،التي تظهر في مرآة النبوة و الإمامة و بتعبير آخر:الهدف الأسمى من إيجاد نوع الإنسان هو الإنسان الأكمل،و تحقيق هذا النوع تمّ بإيجاد الإنسان الأوّل و هو آدم أبو البشر،و كان هو أوّل إنسان كامل،و لطالما كان هذا النوع الإنساني متحقّقا بالخارج سيكون هناك إنسان كامل متجسّما في أفراد متنوّعين(الأنبياء و الأئمّة)،و في غير هذه الصورة سيحصل تعطيل للمبدأ و العلّة الغائية لهذا العالم،فكما أنّ تخلّف المعلول عن علّته الفاعلة محال فكذا تخلّفها عن علّتها الغائية.
و في الحقيقة أنّ تهيئة و إعداد الإنسان الكامل مثل تهيئة و إعداد الفاكهة الجيّدة،فلكي يحصل عليها الإنسان فإنّه يقوم بزراعة البساتين و رعايتها و تحمّل صعوبات العمل لحفظها و...و بدون تحقيق هذا الهدف و الغاية المذكورة ستكون خلقة العالم ضرب من اللهو و العبث،فلا بدّ من وجود هذه الغاية في أيّ زمان؛و إلاّ فسيفقد العالم المادّي فلسفته و وجوده و يفنى.
هناك روايات كثيرة ناظرة إلى هذا الموضوع جاءت في تعابير مختلفة تقول:
«لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»(1).
و جاء في رواية متواترة بين السنّة و الشيعة:
«من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية»(2).
ص:294
و يستفاد من هذا الحديث أنّه لن تخل الأرض أبدا من إمام حقّ يعتبر أكمل الناس،و عدم معرفته يوجب الميتة الجاهلية.
لأجل توضيح هذا المعنى لا بدّ من الالتفات إلى حقيقة الإمامة من وجهة نظر قرآنية.
للمرحوم العلاّمة الطباطبائي كلام بهذا الشأن في ذيل تفسيره لهذه الآية:
وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (1) ،نقتطف منه هذه المقاطع:
«الإمامة موهبة إلهية غير موهبة النبوّة،و الرسالة و رئاسة الدين و الدنيا و الخلافة و الحكومة و المطاعية،و من هنا فإنّ اللّه تعالى بعد أن أعطى إبراهيم مقام النبوّة و الرسالة و امتحنه بعدّة امتحانات و اختبره بعدّة ابتلاءات في أواخر العمر،اصطفاه لمقام الإمامة و قال:...إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً... (2).
و الذي نجده في كلامه تعالى:أنّه كلّما تعرّض لمعنى الإمامة تعرّض معها للهداية تعرّض التفسير،قال تعالى في قصص إبراهيم عليه السّلام:وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ*وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (3).
و في سورة السجدة:وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ
ص:295
كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (1) ،فبيّن في الآيتين أنّ الإمامة التي أعطاها لبعض الأنبياء ليست مطلق الهداية،بل هي الهداية التي تقع بأمر اللّه،و هذا الأمر هو الذي بيّن حقيقته بقوله:إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ... (2).
إنّ الأمر في هذه الآية هو الذي تسمّيه الآية المذكورة بالملكوت، و الملكوت وجه آخر للخلق يواجهون به اللّه سبحانه و يصدر عنه،و هذا الوجه ليس إلاّ واحدا:وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (3) ،طاهر مطهّر من قيود الزمان و المكان،خال من التغيّر و التبدّل.
و بالجملة فالإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه،فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم،و هدايتها إيصالها إيّاهم إلى المطلوب بأمر اللّه دون مجرّد إرائة الطريق الذي هو شأن النبي و الرسول و كلّ مؤمن يهدي إلى اللّه سبحانه بالنصح و الموعظة الحسنة.
إذن يستفاد من الآيات المذكورة هكذا:أنّ الإمام بسبب كونه إنسانا ذا يقين مكشوفا له عالم الملكوت،فله نوع من الولاية التكوينية على باطن العالم،ممّا يدلّ على أنّ كلّ ما يتعلّق به أمر الهداية فللإمام باطنه و حقيقته، يعني إيصالها-عمليا-إلى الهدف النهائي و المطلوب،و في الحقيقة واسطة للفيض و التي هي الهداية و الإيصال إلى الكمال المطلق.
ص:296
و هذا النوع من الهداية دون مجرّد إرائة الطريق نحو الكمال و الحقّ،و الدليل و الإرشاد لهما و إنّما مرحلة أعلى من ذلك،إرائة الطريق شأن كلّ نبي و رسول بل و كلّ مؤمن،و لا ينحصر بالإمام، الذي ينحصر بالإمام و حقيقة الإمامة(الهداية بأمر)و إيصال أفراد خاصّين نحو الكمال،أفراد يمكن أن تشملهم الهداية بحيث تجعلهم مطيعين و منقادين للإمام في كلّ شؤونهم و دوافعهم،و يجعلونه مقتداهم في جميع أبعاد حياتهم»(1).
الجدير بالذكر أنّ عبارة:«ينتفعون بولايته في غيبته...»(2) المذكورة في رواية جابر المنقولة من طرق السنّة في نفس سياق الموضوع المستفاد من القرآن حول حقيقة الإمامة،فإن كان المقصود من كلمة «ولايته»الاتّباع الكامل لأهدافه عليه السّلام فستكون الولاية منحصرة بالأولياء من الشيعة،و على هذا فلا تنحصر فائدة الإمام بالمنافع الظاهرية فقط.
و المقصود من اللطف الذي يقوله المرحوم الخواجة الطوسي في كتاب «تجريد الاعتقاد»(3) فيما يرتبط بوجود الإمام المعصوم:
«و وجوده لطف إلهي،و تصرّفه لطف آخر،و عدمه منّا»،هي الفوائد الظاهرة و الباطنة.
ص:297
الروايات الدالّة على أنّ أعمال العباد تعرض على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام تشير إلى حضور باطن الأعمال عند الإمام و أنّه ناظر على أعمال الناس نحو نظارة،و أنّه يعلم ما يسرّون.
و من باب المثال في«الكافي»باب يحمل هذا العنوان(1) ،و كذلك الروايات التي تصف النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام بأنّهم شهداء و حضور على الناس(2).جاء في الرواية الرابعة من ذلك الباب عن عبد اللّه بن أبان الزيّات -و كان مكينا عند الرضا عليه السّلام-قال:قلت للرضا عليه السّلام أدع اللّه لي و لأهل بيتي، فقال عليه السّلام:
«أو لست أفعل؟و اللّه إنّ أعمالكم لتعرض علي في كلّ يوم و ليلة».قال:فاستعظمت ذلك فقال لي:«أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ:وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (3) ،قال هو و اللّه علي بن أبي طالب عليه السّلام»(4).
و سبب ذكر اسم علي عليه السّلام مع أنّه لا يوجد اختلاف بينه و بين سائر الأئمّة المعصومين؛أنّه في زمان نزول الآية لم يكن إلاّ علي عليه السّلام مصداق هذا الأمر؛
ص:298
و إلاّ فكلمة المؤمنين تطلق على الجمع،و تشمل كلّ الأفراد الذين يستحقّون هذا المقام.
و قد يتوهّم:أنّ لازم ذلك أن يكون مقام الأئمّة عليهم السّلام أعلى من مقام النبوّة، و الحال أنّه ليس كذلك.
و لأجل توضيح هذا المطلب يجب أن نعرف أنّ النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إضافة إلى تمتّعه بمقام النبوّة و الرسالة،فقد حباه اللّه تعالى بمقام الإمامة أيضا، و بكونه خاتم الأنبياء فقهرا يجب أن يكون أعلى منهم من حيث الكمال و المقام المعنوي و إحاطته بملكوت العالم و أسراره.فما قضية المعراج التي أشار إليها القرآن في سورة الإسراء و النجم إلاّ حكاية عن انكشاف و ظهور ملكوت العالم له و يقينه بالغيب،و هذا الموضوع خارج عن بحثنا.
مع كلّ هذا الروايات المتواترة بين الشيعة و السنّة حول حياة المهدي عليه السّلام و غيبته،و الآيات الدالّة على حجّية سنّة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و بالتبع عترته الطاهرة، بالإضافة إلى الاستدلال القرآني الذي نقلناه مؤخّرا من تفسير«الميزان»، كيف يقطع كاتب الكرّاسة مدّعيا أنّ غيبة المهدي(عج)لا فائدة ترتجى منها؟ كيف اطمأنّ إلى عدم وجود المصلحة الدينية و الدنيوية لهذه الغيبة؟أم عنده
ص:299
علم الغيب-بعد أن أنكره عنهم-بحيث يقف على جميع مجريات الأمور؟
أقصى ما يحقّ له أن يقول إنّه لا يملك العلم و الاطّلاع عن فوائد هذه الغيبة،لا أن ينكرها.
في ذات الإنسان و الطبيعة توجد أشياء كثيرة لا يعلم عنها الناس شيئا، فهل هذا دليل على عدم وجودها؟و قد أشار القرآن الكريم إلى محدودية علم الإنسان بقوله:وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً (1).
تعطيل أغلب أحكام الدين في زمان الغيبة-كما يعدّها الكاتب من لوازم الاعتقاد الشيعي بغيبة المهدي(عج)-ليس له أساس من الصحّة،و اتّهام باطل؛إذ لا يوجد عالم شيعي واحد يعتقد بتعطيل الأحكام في زمان الغيبة، بل ما هو موجود في أكثر كتابات علماء الشيعة هو:أنّ بعض أحكام الدين كالحدود و نحوها و تهيئة أرضية إجراء الأحكام على أيدي الناس،في عصر غيبته بحاجة إلى القدرة و الحكومة،و هذا ما يفتقده الشيعة في زمان الغيبة، ممّا يعني تعطّل بعض الأحكام،و عقيدة أغلب علماء الشيعة هو أنّه لو تمهّدت الأرضية في زمان الغيبة لإجراء حدود الأحكام الشرعية فيجب إجراؤها.
و اختلاف الرأي إنّما هو في كيفية تحصيل القدرة و الحكومة لإجرائها،
ص:300
و هل ذلك واجب شرعا أم لا؟و مقصود الإمام الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية،هو هذا المعنى،و أنّه لو لا الإقدام بتأسيس الحكومة الإسلامية في زمان الغيبة لتعطّلت الحدود الإلهية.
و طبعا اختلاف النظر هذا بين علماء الشيعة لا ربط له في المدّعى.
و لا ننفي إمكان حصول الفهم المغلوط لفلسفة غيبة الإمام عليه السّلام أو سوء الاستفادة من البعض لها،إذ من الممكن أنّ البعض يتصوّر أنّه في زمان الغيبة تتعطّل موقّتا بعض الأحكام القطعية في الإسلام مثل:مسائل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،مجاهدة الطواغيت و الظلمة،السعي لتحقيق القيم الإسلامية و العدالة و...و يوكل العمل بها إلى شخص الإمام عليه السّلام بعد ظهوره.أو على فرض أنّ البعض يسيء إلى اسم الإمام أو نيابته لأجل أغراض غير سليمة،و لكن هذا الأمر لا ينفع دليلا لإنكار أصل ولادة و غيبة إمام الزمان عليه السّلام.
على مرّ التاريخ قام الكثيرون عن جهل أو عمد بسوء الاستفادة من كلّ أمر مقدّس،كادّعاء الفراعنة الربوبية،و ادّعاء مسيلمة الكذّاب النبوّة،و ادّعاء الإمامة و خلافة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من قبل بعض الأفراد و لحقبات طويلة جدّا، أمثال خلفاء بني أمية و بني العبّاس و غيرهم،ادّعاء المهدوية و أيضا النيابة عن إمام الزمان من قبل بعض الفرق الضالّة و عوامل خارجية،و...كلّ هذا لا يستدعي إنكار أصل وجود اللّه تعالى،أو نبوّة الأنبياء عليهم السّلام،أو إمامة الأئمّة المعصومين عليهم السّلام،و ولادة و غيبة الإمام صاحب الزمان عليه السّلام.
ص:301
إضافة إلى هذا فإنّ ادّعاء الكاتب ما نسبه إلى الشيعة من قولهم بتعطيل الأحكام يصدق على السنّة أيضا؛إذ عمليا و طوال تاريخ ما بعد النبي و إلى يومنا هذا قد تعطّلت الكثير من أحكام الإسلام في أكثر المجتمعات السنّية.
فهل يجوّز الكاتب أن يهمل أهل السنّة دينهم و يتركوه أو يزعمونه موهونا؟
ص:302
ص:303
ص:304
علم الأئمّة عليهم السّلام بالحوادث و الكتب السماوية
حول علم الأئمّة عليهم السّلام غير الطبيعي يطرح الكاتب أربعة مواضيع:
علم الأئمّة عليهم السّلام بما كان في الماضي و ما سيكون في المستقبل
يستهزىء الكاتب بمضمون الروايات الحاكية عن علم الأئمّة بالكتب السماوية السابقة و لغاتها(1) ،و«الصحيفة المختومة»الواصلة من النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى الأئمّة عليهم السّلام يدا بيد(2) ،و«الجفر»و«الجامعة»،و«مصحف فاطمة»(3) ، و أنّ الأئمّة عندهم«علم ما كان و ما يكون و أنّه لا يخفى عليهم الشيء»(4) ، و أيضا الروايات الدالّة على عدم اشتراط السنّ للإمام كالأنبياء:(5) ،حيث يكتب:
...و لأنّهم يدّعون...أنّ الإمام عالم و مطّلع بما كان في الماضي و ما سيكون في المستقبل،و لا يخفى عليه شيء، و عنده جميع الكتب النازلة من قبل اللّه تعالى على أنبيائه، و هو عالم بها و بلغاتها....
و لتوضيح هذا الموضوع نقوم بتحليله،فنقول:
ص:305
هذا أبو علي سينا مع كونه من كبار الحكماء العقليّين و يبتعد عن أصحاب الحكمة الإشراقية و أهل العرفان فيما يذهبون إليه،و لكنّه يقول في كتاب «الإشارات»حول فرضية إمكان معرفة الإنسان بالغيب ما نصّه:
و إذا بلغك أنّ عارفا حدّث عن غيب،فأصاب متقدّما ببشرى أو نذير فصدّق و لا يتعسّرنّ عليك الإيمان به؛فإنّ لذلك في مذاهب الطبيعة أسبابا معلومة(1).
و يستدلّ لهذا الإمكان قائلا:
التجربة و القياس[البرهان]متطابقان على أنّ للنفس الإنسانية أن تنال من الغيب نيلا ما في حالة المنام،فلا مانع من أن يقع مثل ذلك النيل في حال اليقظة،إلاّ ما كان إلى زواله سبيل و لارتفاعه إمكان.
أمّا التجربة فالتسامع و التعارف يشهدان به،و ليس أحد من الناس إلاّ و قد جرّب ذلك في نفسه تجارب ألهمته التصديق، اللهمّ إلاّ أن يكون أحدهم فاسد المزاج نائم قويّ التخيّل و التذكّر.و أمّا القياس فاستبصر فيه من تنبيهات(2).
ص:306
و يستدلّ لكلامه هذا في عدّة فصول،حتّى ينتهي إلى الفصل العاشر، يقول:
و لنفسك أن تنتقش بنقش ذلك العالم بحسب الاستعداد، و زوال الحائل،و قد علمت ذلك فلا تستنكرنّ أن يكون بعض الغيب ينتقش فيها من عالمه...(1).
و في فصل آخر حول إنكار بعض الحقائق بسبب الجهل و عدم المعرفة يقول:
إيّاك أن يكون تكيّسك و تبرّؤك عن العامّة هو أن تتبرّي منكرا لكلّ شيء؛فذلك طيش و عجز،و ليس الخرق في تكذيبك من لم يستبن لك بعد جلّيته دون الخرق في تصديقك ما لم تقم بين يديك بيّنتة،بل عليك الاعتصام بحبل التوقّف...(2).
هذا و قد تطرّق في رسالة مستقلّة إلى موضوع كيفية ارتباط النفوس الإنسانية المستعدّة بالعالم اللاّمادي و اطّلاعها على الغيب بالتفصيل،من المهمّ الرجوع إليها(3).
كان الفخر الرازي من متكلّمي الأشاعرة من أهل السنّة و كان يشكّك في كثير من الأشياء،فعرف بإمام المشكّكين،يقول في ذيل عبارة أبي علي سينا
ص:307
التي يقول فيها:«و إذا بلغك أنّ عارفا حدّث عن غيب...فصدّق و لا يتعسّرنّ عليك الإيمان به»:
هذا الفصل لا يحتاج إلى تفسير.
بعد أن حازت مطالب ذلك المورد على رضاه.
و في شرحه لكلام أبي علي حول إمكان معرفة الإنسان بالغيب،في الفصول التي بعد الفصل السابع يقوم بالاستدلال له.
أيضا و يقول في كتاب«المباحث المشرقية»في فصل بعنوان«كيفية الإخبار عن الغيب»:
النفس الناطقة متى كانت كاملة القوّة وافية بالجوانب المتجاذبة بحيث يكون اشتغالها بتدبير البدن لا يمنعها عن الاتّصال بالمبادئ المفارقة،و المتخيّلة أيضا،تكون قويّة بحيث تقدر على استخلاص الحسّ المشترك عن الحواس الظاهرة،فلا يبعد أن يقع لمثل هذه النفس في حالة اليقظة مثل ما يقع للنائمين من الاتّصال بالمبادئ المفارقة و يرتسم منها فيها إدراك لبعض ما كان أو سيكون من المغيّبات(1).
و هو شيخ الإشراق،و من كبار الحكماء الإسلامي و مطابقا للمشهور كان من أهل السنّة،يقول في كتابه«شرح حكمة الإشراق»في أحد فصول المقالة الخامسة:
ص:308
الإنسان إذا قلّت شواغل حواسّه الظاهرة...،فيستعدّ القوّة الناطقة لتلقّي الأمر الغيبي...فيطّلع على أمور مغيّبة،أي خفيّة...،و يشهد بذلك...المنامات الصادقة...
فإذا ارتفع حجاب الشواغل...،فلا يتصوّر أن يكون بينه و بين الأنوار المدبّرة الفلكية حجاب سوى شواغل البرازخ...فإذا تخلّص أي النور...لقوّته أو لضعف العائق عن الحواسّ الظاهرة و ضعف الحسّ الباطن،تخلّصت النفس أي الإنسانية إلى الأنوار...للبرازخ العلوية؛...فإنّ هذه الأنوار المدبّرة الفلكية عالمة بجزئياتها،أي بجزئيات الكائنات...(1).
و النفوس الفاضلة لمّا خلصن من غيهب الجسم و الهيكل و جالوا في جوّ الجبروت و ضيائها و أشرق لهم في شرفات الملكوت نور الحقّ،يشاهدون أشياء لا نسبة لها مع مشاهدة البصر،اذ يغضّون البصر من الظلمة و يتنوّرون بنور الشمس...(2).
و اعلم أنّ النفس الناطقة من جوهر الملكوت و قد منعتها قواها الجسمية و مشاغلها عن الرجوع إلى عالمها.و كلّما قوّيت بالفضائل الروحية و ضعف سلطان القوى البدنية بسبب
ص:309
قلّة الطعام و قلّة النوم فيمكن أن تخلّص النفس و تصعد إلى عالم القدس و تلحق به و تكتسب علوما و معارف من الأرواح المقدّسة...و يمكن لها أن تشاهد الأمر العقلي و تحاكيه المتخيّلة و ينعكس إلى عالم الحسّ كما ينعكس من عالم الحسّ إلى الخيال.و باعتبار هذا المحاكاة تشاهد النفس صورة عجيبة تتكلّم معها أو سمعت كلمات منظومة و لا ترى شخصا.أو يمكن أن تشاهد صورة غيبية ترقى و تنزل...و الرؤيا الصادقة-لا أضغاث الأحلام-هي أيضا محاكاة خياليّه للنفس من تلك المشاهدة تحصل بمعاونة المتخيّلة...»(1)
...فإذا قلّت هذه الشواغل(الحواسّ الظاهرة و الباطنة)كما لبعض في النوم...أو كانت النفس قويّة و لا تنفعل بشواغل الحواسّ كالأنبياء و بعض الأولياء الذين يتوسّلون بالرياضات و تهذيب الأخلاق و غيرها،فتلائم أنفسهم كلّ الملائمة مع نفوس الأفلاك...و إذا ارتفع الحجاب تصوّر لهم ما شائت...(2).
فإذا تصوّر المعنى الغيبي في النفس فيمكن أن ينطوى و
ص:310
لا يبقي أثره و يمكن أن يشرق على المتخيّلة و منها إلى الحسّ المشترك،فجائت الصورة الغيبية مشاهدة،و يمكن أن تسمع نداء أو ترى مكتوبا،كلّ ذلك في الحسّ المشترك...(1).
...و من تفكّر دائما في عالم الملكوت و تجنّب عن اللّذات الحسّية و المطاعم إلاّ بقدر الحاجة و صلّى في الليل و يداوم إحيائه و يقرء الوحي الإلهي كثيرا(القرآن)و يلطّف السرّ بالأفكار اللطيفة و يطرب النفس أحيانا و يناجى مع الملإ الأعلى و تملّق(ربّه)يلقون عليه أنوارا كالبرق الخاطف...
فيمكن له مشاهدة صور حسنة و يمكن أن تقع للنفس خطفة عظيمة بعالم الغيب...(2).
جاء في كتاب«أثولوجيا»المنسوب لأرسطو،و في بعض الأقوال و الشواهد لفلوطين من الحكماء الأفلاطونية الحديثة القول:
متى نستطيع الوصول إلى العالم العقلي(عالم المجرّدات)و تتلقّى نفوسنا أشياء من هذا العالم إذا تتسامى عن عالم المادّة هذا و تترك الشهوات،و لا نشتغل بأيّ شيء،في هذه الحالة يمكننا درك و إحساس أمور تنزّل علينا من عالم المجرّدات.
ص:311
و يضيف:
متى استطاعت النفس الإنسانية ترك الأمور المحسوسة الفانية و لم تتعلّق بها فإنّها ستتدبّر أمر هذا البدن بسهولة، و تشبّه بالنفس الكلّية(الروح المحفّة بعالم المادّة)و ستكون طريقة النفس الإنسانية في تسيير البدن و عالم المادّة كالنفس الكلّية بلا تفاوت و اختلاف(1).
لا يشكّ أحد في أنّ الغيب من مختصّات ذات الإله تعالى،و هناك آيات كثيرة في القرآن تدلّ على هذا المعنى،نشير إلى بعضها:
1-قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ (2).
2-وَ لِلّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (3).
3-فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ (4).
4-لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (5).
و لكن من وجهة نظر عقلية لا مانع أنّه تعالى يهب المقرّبين له بعضا من علم الغيب،و لا يوجد أيّ محذور عقلي في ذلك.توجد آيات قرآنية كثيرة تؤكّد هذا الكلام،و تدلّ على أنّ اللّه تعالى وهب أنبياءه أجزاء من العلم بالغيب،من جملتها:
ص:312
1-تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ (1) ،إشارة إلى قصّة نوح عليه السّلام التي ذكرت في الآيات السابقة.
2-ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (2) ،إشارة إلى قصّة يوسف عليه السّلام حيث ذكرت الإشارة إليها في الآيات السابقة.
3-عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً*إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (3).
4-و حول عيسى عليه السّلام نقرأ:وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ (4).
5-و حول يوسف عليه السّلام نقرأ:وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ (5).
6-و حول الأنبياء نقرأ:وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ (6).
و نفهم جيّدا من هذه الآيات أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأنبياء الآخرين اطّلعوا على بعض علوم الغيب.
و من جانب آخر،فإنّه طبق روايات منقولة من طرق الشيعة و السنّة أنّ علي عليه السّلام هو«باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم»و«عيبة علمه»،سنشير إليها في هذا الفصل.
ص:313
و بديهي أنّ علوم سائر الأئمّة تنتهي بالتبع إلى النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و وصيّه علي عليه السّلام،و لا يمكن لكاتب الكرّاسة أن يدّعي أنّ عليّا عليه السّلام باب مدينة علم النبي و خزانة علمه أمّا سائر الأئمّة عليهم السّلام ليسوا كذلك؛إذ طبق الروايات المتواترة السنّية-نقلناها في الموضوع الثالث من الفصل الأوّل من هذا الكتاب-أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ضمن تعريفه و تعيينه للأوصياء و الخلفاء الاثنى عشر من بعده لم يتطرّق إلى موضوع التفاضل بالعلم-و سائر الفضائل- بين الأئمّة.
إضافة إلى هذا فإنّا في الفصل الأوّل من الكتاب و بالاستناد إلى الروايات المتواترة المنقولة من طرق السنّة و الناصّة على أنّ الأئمّة اثنى عشر إماما و أنّهم منصوبون من قبل الرسول كخلفاء و أوصياء و أمراء على الناس،أثبتنا أنّ سنّة قولهم و فعلهم و تقريرهم كسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حجّة على الجميع.
و عليه فكلام أمير المؤمنين فيما يخصّ نفسه و سائر الأئمّة عليهم السّلام حجّة على الجميع،و هذه نماذج حريّ الالتفات إليها:
1-في خطبة لأمير المؤمنين علي عليه السّلام يتنبّأ لأحوال البصرة و ما سيجري عليها،و لمّا واجه تعجّب بعض الحضّار قال:
«...ليس هو بعلم غيب و إنّما هو تعلّم من ذي علم،و إنّما علم الغيب علم الساعة و ما عدّده اللّه سبحانه بقوله:إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ... ،فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه و
ص:314
ما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه فعلّمنيه و دعا لي بأن يعيه صدري...»(1).
2-و في خطبة أخرى يقول:
«تاللّه،لقد علّمت تبليغ الرسالات و إتمام العدات و تمام الكلمات...»(2).
من البديهي أنّ كلمات اللّه غير منحصرة بالأحكام الشرعية.
3-و جاء أيضا في«نهج البلاغة»ما يرتبط بأهل البيت عليهم السّلام:
«هم موضع سرّه و لجأ أمره و عيبة علمه...»(3).
حول علم الأئمّة بالكتب السماوية السابقة و لغاتها،و وجود الصحيفة المختومة من النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،علمهم بالماضي و الحاضر و المستقبل،نلفت نظر الكاتب إلى هذين الحديثين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«الجامع الصغير»(1) ،«تاريخ بغداد»(2) ،«المناقب»(3) ،«تهذيب الآثار»(4) ، «تاريخ ابن كثير»(5) ،«الصواعق»(6) ،«الاستيعاب»(7) ،«أسد الغابة»(8) ، «غاية المرام»(9) ،و كتب أخرى(10).
طبقا لهذا الحديث أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الذي قال اللّه تعالى فيه:ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى*وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (11) ،قد قال:«أنا مدينة العلم و علي بابها».
و من هذا الحديث يفهم أيضا سعة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و علم وصيّه علي عليه السّلام، و طبعا علوم سائر الأئمّة عليهم السّلام بواسطة علم علي عليه السّلام متّصلة بعلم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
و في رواية هشام بن سالم و حمّاد بن عثمان و غيره قالوا:سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
ص:316
«حديثي حديث أبي،و حديث أبي حديث جدّي،و حديث جدّي حديث الحسين،و حديث الحسين حديث الحسن، و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين،و حديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قول اللّه عزّ و جلّ»(1).
نعم،كيفية و نحو هذا الاتّصال و الارتباط دقيقا غير واضح عندنا، و التعابير في الرواية مثل«مصحف فاطمة»و«الصحيفة المختومة»و «الجفر»و نظائرها ربما تشير إلى هذا الارتباط.
في ما يتّصل بنبوءة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حول المهدي عليه السّلام و بعض الموضوعات الأخرى يمكن الرجوع إليها كمثال في كتاب«كنز العمّال»-من كتب السنّة- حيث ينقل في المجلّد الثاني عشر موارد كثيرة من هذه النبوءات،من جملتها:ما يختصّ بشهادة الصدّيقة الزهراء عليها السّلام(2) ،و شهادة الإمام الحسين عليه السّلام(3) ،و نفي أباذر(4) ،موقع قزوين(5) ،موقع البصرة(6) ،عدن(7) ، الشام(8) ،أهل فارس(9) ،أويس القرني(10) ،و رجل من قريش يحتمل أنّه عبد اللّه بن الزبير(11).
ص:317
قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لابنته فاطمة الزهراء عليها السّلام لمّا زوّجها لعليّ عليه السّلام:
«أما ترضين إنّي زوجتك أقدم أمّتي سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما؟».
يصف الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في هذه الرواية الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام بأكثر أصحابه علما.و هذه الرواية إضافة إلى كتب الشيعة فقد نقلتها كتب السنّة أيضا،نظير«مسند أحمد»(1) ،و«معجم الطبراني»(2) ،و«مجمع الزوائد»(3) ، و«كنز العمّال»(4).
و بخصوص علم علي عليه السّلام هناك روايات كثيرة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منقولة من طرق السنّة،نذكر بعضها:
1-«أعلم أمّتي من بعدي علي»(5).
2-«عليّ باب علمي»(6).
3-«عليّ عيبة علمي»(7).
ص:318
من جانب آخر لم يذكر التاريخ أنّ عليّا قد رجع في مسألة إلى أحد من الصحابة لكسب العلم و لكن يحدّث التاريخ أنّ الكثير من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم-و من جملتهم الخليفة الثاني-رجعوا إلى علي عليه السّلام في كثير من الأمور التي كانت خافية عنهم،و عرف عن الخليفة الثاني الإكثار من قوله:«اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(1).و أيضا قوله:
«لا يفتينّ أحد في المسجد و عليّ حاضر»(2).
أو تكراره لهذا القول في موارد و مواضع كثيرة:«لو لا علي لهلك عمر»(3).
نقل عن ابن عبّاس أنّه قال:
العلم ستّة أسداس،لعليّ بن أبي طالب خمسة أسداس، و للناس سدس،و لقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منّا(4).
و جاء في كتب السنّة-إضافة إلى كتب الشيعة-أنّ عليّا قال:
«سلوني قبل أن تفقدوني،و اللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلاّ أخبرتكم به،و سلوني عن كتاب اللّه
ص:319
فو اللّه ما من آية إلاّ و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار،في سهل أم في جبل»(1).
و الآن يحقّ لنا أن نسأل الكاتب:لماذا تعجب من شخص يصرّح عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بأنّه باب علم النبوّة و أعلم الأمّة،لأنّه يعلم بما جاء في الكتب السماوية و ما كان و ما سيكون،كما علّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و ربّاه في حجره؟
نشير إلى تصريحات هذا العالم السنّي الكبير حول علم و فضائل علي عليه السّلام:
1-فيما يختصّ بعلم علي بالمغيّبات و نبوءاته،في شرح الخطبة 92 من خطب«نهج البلاغة»التي يقول فيها عليه السّلام:
«أيّها الناس فإنّي فقأت عين الفتنة...فاسألوني قبل أن تفقدوني...»يقول:...و هذه الدعوى ليست منه عليه السّلام ادّعاء الربوبية و لا ادّعاء النبوّة،و لكنّه كان يقول:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أخبره بذلك،و لقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقا،فاستدللنا بذلك على صدق الدعوة المذكورة...(2).
ص:320
ثمّ عدّ ما يزيد عن عشرين موردا من نبوءات علي عليه السّلام و خصوصياتها، و من جملتها إخباره بشهادته على يد ابن ملجم،و شهادة الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء.
2-و في شرحه للخطبة 58 من خطب«نهج البلاغة»التي يقول فيها أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه حول الخوارج:
«مصارعهم دون النطفة،و اللّه لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منكم عشرة»،قال:هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة...،و هو من معجزاته و أخباره المفصّلة عن الغيوب...،و ذلك أمر إلهيّ،عرفه من جهة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و عرفه رسول اللّه من جهة اللّه سبحانه و القوّة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا،و لقد كان له عليه السّلام من هذا الباب ما لم يكن لغيره(1).
3-و في شرحه لقسم من الخطبة 109 من خطب«نهج البلاغة»بعد أن يقوم بمدح و تمجيد لأسلوبها،يقول:
لو تليت-هذه الخطبة-على زنديق ملحد مصمّم على اعتقاد نفي البعث و النشور،لهدّت قواه و أرعبت قلبه و أضعفت على نفسه و زلزلت اعتقاده(2).
ثمّ يذكر فضائل و كمالات علي عليه السّلام:
إن قيل جهاد و حرب فهو سيّد المجاهدين و المحاربين،و إن
ص:321
قيل وعظ و تذكير فهو أبلغ الواعظين و المذّكرين،و إن قيل فقه و تفسير فهو رئيس الفقهاء و المفسّرين،و إن قيل عدل و توحيد فهو إمام أهل العدل و الموحّدين(1).
و يستشهد له بقول الشاعر:
«ليس على اللّه بمستنكر أن يجمع العالم في واحد»
و في شرح قسم آخر من الخطبة حيث يقول أمير المؤمنين عليه السّلام:
«نحن...معادن العلم و ينابيع الحكم...»،يقول ابن أبي الحديد:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب».و قال أيضا:
«أقضاكم علي»،و القضاء امر يستلزم علوما كثيرة(2).
و بعد إشارته إلى بعض الآيات النازلة بشأن علي عليه السّلام،و أيضا الإشارة إلى حديث النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لفاطمة عليها السّلام:
«زوّجتك أقدمهم سلما...و أعلمهم علما...»،يقول ابن أبي الحديد:روى المحدّثون أيضا عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:
«من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و موسى في علمه و عيسى في ورعه فلينظر إلى علي بن أبي طالب».
و يضيف في شرحه:
و بالجملة،فحاله في العلم حال رفيعة جدّا لم يلحقه أحد فيها و لا قاربه،و حقّ له أن يصف نفسه بأنّه معادن العلم و ينابيع
ص:322
الحكم،فلا أحد أحقّ بها منه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم(1).
4-و حول مسألة الغلات التي برزت أوّل ما برزت في زمان علي عليه السّلام على يد عبد اللّه بن سبأ-طبق نقل بعض المؤرّخين-يكتب ابن أبي الحديد:
...و هي ما ظهر و شاع بين الناس من إخباره بالمغيّبات حالا بعد حال،فقالوا إنّ ذلك لا يمكن أن يكون إلاّ من اللّه تعالى أو من حلّت ذات الإله في جسده.
و لعمري،إنّه لا يقدر على ذلك إلاّ بإقدار اللّه تعالى إيّاه عليه، و لكن لا يلزم من إقداره إيّاه عليه أن يكون هو الإله أو تكون ذات الإله حالّة فيه...(2).
5-و ينقل عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قوله يصف علي عليه السّلام:
«خازن علمي»و«عيبة علمي»(3).
فليس جزافا أن يقوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و في أكثر من موضع و مقام بإرجاع أمّته إلى عترته و على رأسهم علي عليه السّلام،أو من باب العلاقة الشخصية، و إنّما لخصائص يتمتّعون بها،من جملتها:العلم،العصمة،الشجاعة،الصبر، و الإيمان الراسخ باللّه تعالى و...و لما لهم من مقام معنوي و قرب إلهي يمكّنهم من إدامة مسيرة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من بعده،و لذا كان يدعوا الناس إلى تحصيل الهداية و السعادات الدنيوية و الأخروية بالالتفات حولهم.
ص:323
6-و أيضا بعد شرحه للخطبة 154 من خطب«نهج البلاغة»ما يرتبط بإشارات أمير المؤمنين عليه السّلام في هذه الخطبة إلى فضائل أهل البيت عليهم السّلام و مقامهم المعنوي و قوله:
«نحن الشعار و الأصحاب،و الخزنة و الأبواب»،يكتب:
«و اعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لو فخر بنفسه و بالغ في تعديد مناقبه و فضائله بفصاحته التي آتاه اللّه تعالى إيّاها و اختصّه بها و ساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة،لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في أمره.
و لست أعني بذلك الأخبار العامّة الشائعة التي يحتجّ بها الإمامية على إمامته،كخبر الغدير و المنزلة و قصّة براءة و خبر المناجاة و...بل الأخبار الخاصّة التي رواها فيه أئمّة الحديث التي لم يحصل أقلّ القليل منها لغيره،و أنا أذكر من ذلك شيئا يسيرا ممّا رواه علماء الحديث الذين لا يتّهمون فيه، ...فروايتهم فضائله توجب سكون النفس ما لا يوجبه رواية غيرهم.
ثمّ يقوم بنقل أربعة و عشرون حديثا عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من طرق السنّة فقط (1).
كان الأجدر بالكاتب مطالعة هذه الروايات المنقولة من طرق أهل السنّة،
ص:324
فلا يزاحم نفسه بإلقاء هذه التهم الواهية-و إن كان عن جهل-على أتباع بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
يقول ابن خلدون في تاريخه في فصل النبوءات:
...و وقع لجعفر و أمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه و اللّه أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية،و إذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم و أعقابهم و قد قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:«إنّ فيكم محدّثين»،فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة و الكرامات الموهوبة...(1).
ثمّ ينقل ابن خلدون قصّة كتاب الجفر و نسبته إلى الإمام الصادق عليه السّلام،عن هارون بن سعيد العجلي(من كبار الزيدية)،و يقول:
...و لو صحّ السند-أي سند كتاب الجفر-إلى جعفر الصادق عليه السّلام لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه،فهم أهل الكرامات،و قد صحّ عنه أنّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما يقول،و قد حذّر يحيى ابن عمّه زيد من مصرعه،و عصاه فخرج و قتل بالجوزجان كما هو معروف.و إذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنّك بهم علما و دينا و آثارا من النبوءة و عناية من اللّه بالأصل الكريم
ص:325
تشهد لفروعه الطيّبة،و قد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب لأحد...(1).
الملاّ علي القوشچي من متكلّمي علماء السنّة الكبار و المدقّقين،يقول في شرحه لعبارات الخواجة نصير الدين الطوسي-حيث ذكر في المقصد الخامس من«تجريد الاعتقاد»حول أخبار علي عليه السّلام عن الغيب«و لإخباره بالغيب»-:
و ذلك كإخباره بقتل ذي الثدية.و لمّا لم يجده أصحابه بين القتلى قال:«و اللّه ما كذّبت».
فاعتبر القتلى حتّى وجده و شقّ قميصه و وجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعر ينجذب كتفه مع جذبها و يرجع مع تركها.
و قال أصحابه:إنّ أهل النهروان قد عبروا،فقال عليه السّلام «لم يعبروا»فأخبروه مرّة ثانية،فقال:«لم يعبروا»،فقال جندب بن عبد اللّه الأزدي في نفسه:إن وجدت القوم قد عبروا كنت أوّل من يقاتله،قال:فلمّا وصلنا النهر لم نجدهم عبروا فقال عليه السّلام:«يا أخا الأزدى،أتبيّن لك الأمر؟»و ذلك يدلّ على اطّلاعه على ما في ضميره.
و أخبر عليه السّلام بقتل نفسه في شهر رمضان.و قيل له:قد مات
ص:326
خالد بن عويطة بوادي القرى،فقال:«لم يمت و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه رايته حبيب بن عمّار».
فقام رجل من تحت المنبر و قال:و اللّه إنّي لك لمحبّ،و أنا حبيب،فقال عليه السّلام:«إيّاك أن تحملها و لتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب»،و أو مأ إلى باب الفيل.فلمّا بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسين عليه السّلام جعل على مقدّمته خالدا،و حبيب صاحب رايته،فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل(1).
للمرحوم العلاّمة الطباطبائي توضيحات حول علّة إعطاء مقام الإمامة في إشارته إلى قوله تعالى:وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (2) ،ما ملخّصه:
«إنّ الملاك في ذلك صبرهم في جنب اللّه-و قد أطلق الصبر-فهو في كلّ ما يبتلى و يمتحن به عبد في عبوديته و كونهم قبل ذلك موقنين.و المقصود من الوصول إلى اليقين اليقين بعالم الغيب و مشاهدة الملكوت،و قد ذكر في جملة قصص إبراهيم عليه السّلام:وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (3)»(4).
ص:327
مشاهدة الملكوت و حقيقة جميع الأشياء أمر رغّب اللّه تعالى فيه جميع الناس،كما قال في محكم كتابه:أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْ ءٍ (1).و الإمام يجب أن يكون مكشوفا له عالم الملكوت،و هو الوجه الباطن من وجهي هذا العالم،و مؤيّدا بتأييد اللّه تعالى.
ثمّ يضيف حول لزوم العصمة لأشخاص لهم مقام الإمامة:
«و يستنتج أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما عن الضلال و المعصية؛لأنّه جاء في ذيل قوله تعالى:وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ... قوله تعالى:قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (2).و عبّر عن الإمامة في هذه الآية بأنّها عهد من اللّه تعالى،و غير المعصوم محتاج إلى هداية الغير له؛إذ قد تتلبّس ذاته بالظلم و الشقاء.
و من تقابل صدر هذه الآية:أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى (3) و ذيلها،يفهم أنّه يجب أن يكون الهادي إلى الحقّ مهتديا بنفسه؛لأنّ المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحقّ.
و يستنتج هنا أمران:أحدهما أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما عن الضلال و المعصية؛و إلاّ كان غير مهتد بنفسه.و الثاني عكس الأوّل و هو أنّ من ليس بمعصوم لا يكون إماما هاديا إلى الحقّ»(4).
ص:328
و لذا يجب أن لا ينكر كاتب الكرّاسة علم الأئمّة عليهم السّلام و سائر فضائلهم هكذا و بلا دليل؛إذ هذه الفضائل و الخصائص التي تمتّعوا بها كانت موجبة لتعيينهم لمقام الإمامة و العصمة من قبل اللّه تعالى،و عرّفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم للناس كما أراد تعالى و أمره.
يقول كاتب الكرّاسة:
لو كانوا يعلمون الغيب لما قتلوا أو سمّوا كما تدّعي رواياتهم أنّه ما من إمام إلاّ و هو مقتول أو مسموم.
و جوابا عن ذلك نقول:
أوّلا:إنّ ابن أبي الحديد أيضا أيّد القول بعلم علي بمقتله،و هذا ليس من مختصّات الشيعة فقط (1).
ثانيا:ما دام الأنبياء و الأوصياء يعيشون بين الناس فهم مكلّفون بالعمل الظاهر إلاّ في موارد خاصّة و استثنائية تتطلّب الإتيان بأفعال غير عادية أو بالمعجزة.و لا يلجأ الأنبياء إلى المعاجز إلاّ عند الضرورة.و لأنّ وظيفتهم الأصلية هي الهداية،و الهداية مختصّة بالناس،فلذا لو مورست خلاف العلل و الأسباب الظاهرية سوف يختلّ النظم البشري،و هذا ليس من سنّة اللّه.
إذا فعلوم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الأئمّة عليهم السّلام بالنسبة للموضوعات المستجدّة في الأمور الغير الطبيعية،لن يغيّر من تكليفهم الظاهري.
ص:329
يشير المرحوم العلاّمة الطباطبائي إلى إشكالية الجبر و الجواب عنها في رسالة كتبها حول علم الإمام،يقول:
من الممكن أن يتصوّر البعض أنّ العلم اليقيني بالحوادث اليقينية غير القابلة للتغيير يستلزم الجبر،مثلا لو فرضنا أنّ الإمام كان يعلم أنّ الشخص الفلاني سوف يقتله في الوقت و المكان الفلانيين وفق شروط معيّنة،و أنّ هذه الحادثة غير قابلة للتغيير أبدا،و لازم هذه الفرضية أنّ القاتل لا يمكنه الاجتناب عن عملية القتل هذه،و ليس بمقدوره ذلك،أي هو مضطرّ إلى القتل،و على فرض اضطرار شخص على فعل شيء فلا تكليف عليه.
و هذا التصوّر غير صحيح و ذلك:
أوّلا:أنّ هذا الإشكال في الحقيقة هو إشكال على عموم تعلّق القضاء الإلهي على أفعال الإنسان الاختيارية لا بعلم الإمام.
و وفق هذا الإشكال يقول المعتزلة من السنّة:التقدير الإلهي لا يتعلق بأفعال الإنسان الاختيارية،و الإنسان مستقلّ بخلق أفعاله،و بالنتيجة أنّ الإنسان خالق أفعاله و اللّه خالق بقية الأشياء!و الحال بنصّ صريح القرآن الكريم و الأخبار المتواترة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أئمّة الهدى عليهم السّلام أنّ كلّ
ص:330
الموجودات و حوادث العالم متعلّقة بقضاء اللّه و قدره بلا استثناء.و هذا الموضوع واضح بطرق البحث العقلي،و إن كنّا بسبب سعة افقه لا يمكننا أن نلمّ بهذا في هذه المقالة المختصرة.
الذي يمكن قوله بالإجمال إنّه لا يكون هناك شيء في عالم الوجود المخلوق للّه تعالى إلاّ بإذنه و مشيئته.و مشيئة اللّه تعالى متعلّقة بأفعال الإنسان الاختيارية من طريق إرادته و اختياره.مثلا أراد اللّه تعالى أن يقوم الإنسان بالإتيان بالفعل الكذائي الاختياري بكامل إرادته و اختياره.و بديهي أنّ هكذا فعل و بهذا الوصف سوف يكون لازم التحقّق بهذا الاختيار؛إذ لو لم يكن اختيار فسوف تتخلّف إرادته تعالى عن تحقيق مشيئته وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (1).
و ثانيا:بغضّ النظر عن تعلّق القضاء و القدر بفعل الإنسان الاختيارية فإنّ اللّه تعالى بنصّ صريح القرآن و السنّة المتواترة قد ثبّت و أدرج جميع الحوادث السابقة و القادمة في اللوح المحفوظ و لا يمكن تغييرها،و هو تعالى عالم بها كلّها.أليس من المضحك أن نقول إنّ ثبت الحوادث غير القابلة للتغيير في اللوح المحفوظ و علم اللّه تعالى السابق بها لا يكون أو يعدّ جبرا لأفعال العباد،و لكن علم الإمام ببعضها
ص:331
أو كلّها يعدّ جبرا لأفعال الإنسان الاختيارية و من جملتها فعل القتل؟(1).
و يقول الكاتب محاولا إنكار علم الأئمّة عليهم السّلام من منظار آخر:
لو كان علمهم بما كان و ما يكون صحيحا لما اختلفت أجوبتهم لخلّص شيعتهم.
و نقول جوابا عن هذه الشبهة:
أوّلا:اختلاف أجوبة الأئمّة عليهم السّلام إنّما بسبب اختلاف السائلين من حيث الفهم و الدرك.و نفس الشيء كان يفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حيث كان يخاطب الناس حسب إدراكهم و فهمهم،و بهذا الشأن يقول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«إنّا معاشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم»(2).
ثانيا:لم يكن أئمّة الشيعة يلقون كلامهم في ظروف و شروط عادية،و لذا كانوا يلجأون إلى التقيّة و التورية في أغلب خطاباتهم.
ثالثا:ثمّ إنّه من الممكن أنّ اختلاف الأجوبة ناش من عدم الدرك الصحيح و الكامل للرواة بالنسبة لجواب الإمام عليه السّلام،و ليس جوابه مختلف.
رابعا:و أيضا من الممكن أنّ الاختلاف الموجود في بعض الموارد هو بسبب الروايات المختلقة التي أوردها المخالفون في الروايات و نسبوها إليهم.
ص:332
و يستند الكاتب إلى بعض ما نسب إلى زرارة و أبي بصير في كتب الرجال حول تشكيكهم بعلم الأئمّة عليهم السّلام جاعلا إيّاه دليلا لإنكار معرفتهم،يقول:
و حتّى أكابر الشيعة كانوا متردّدين في علم جعفر بن الباقر...
يقول زرارة حول جعفر و أبيه:رحم اللّه أبو جعفر،في قلبي عليه شيء...ليس لديه بصيرة في كلام الرجال...و قال أبو بصير:أظنّ أنّ صاحبنا-إشارة إلى موسى الكاظم-غير كامل حكمه و علمه.
و يبدوا أنّ مستند الكاتب الروايات التالية:
1-جاء في«رجال الكشّي»:
«عن ابن مسكان:سمعت زرارة يقول:رحم اللّه أبا جعفر،و أمّا جعفر فإنّ في قلبي عليه شيء...»(1).
2-و في نفسى الكتاب نقل عن زياد بن أبي الحلال قال:مخاطبا الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّ زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا:و قبلناه منه و صدّقناه...فقال الإمام عليه السّلام:
«...كذب علي و اللّه...لعن اللّه زرارة»ثلاث مرّات...فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد اللّه عليه السّلام و سكتّ عن لعنه،فقال:أمّا أنّه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم،و صاحبكم هذا ليس له بصر بكلام الرجال»(2).
ص:333
3-و نقل في هذا الكتاب أيضا مسألة بسندين منفصلين،عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير،أحدهما ينقل عن الإمام الصادق و الآخر عن الإمام موسى الكاظم عليهما السّلام،و في هاتين الروايتين تشكيك أبي بصير بعلم موسى الكاظم عليه السّلام.حيث قال في الرواية الأولى-و هو يمسح على صدره-:
«ما أظنّ صاحبنا تناهى حكمه بعد»(1).
و في الرواية الثانية-بنفس تلك الحال-قال:
«أظنّ صاحبنا ما تكامل علمه»(2).
أولا:ما يرتبط بالرواية الأخيرة قال المرحوم المامقاني في شرحه لحال أبي بصير ما معناه:
ما ظنّه الكشّي من أنّ أبا بصير في هذه الرواية هو أبو بصير البختري ليس بصحيح؛لأنّ أبا بصير الذي يروي عنه العقرقوفي هو أبو بصير المكفوف و هو ضعيف.
ثانيا:على فرض أنّه أبو بصير البختري،فيجدر الالتفات إلى مسألتين:
مع أنّ الدولة الأموية كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة في زمان الإمام الصادق عليه السّلام،و لكن كان الشيعة و أئمّتهم تحت المراقبة الشديدة،سواء من
ص:334
جانب الحكومة أو من الفئات و المذاهب المخالفة لهم.و على هذا الأساس كانت التقيّة أمرا ضروريا و مهمّا،فكانت سياسة الإمام الصادق عليه السّلام و خواصّ أصحابه-أمثال زرارة و أبي بصير-هو إخفاء هذه الرابطة و المعتقد عن أعين مخالفيهم.من هذه الجهة كان الإمام الصادق عليه السّلام يتلفّظ بكلمات تنال من خلّص أصحابه أمثال زرارة،و يلعنه بالعلن و يصفه بالكذّاب، و ذكرنا نموذجا لذلك(1).
و بهذا الخصوص يجدر الالتفات إلى هذه الروايات:
1-ينقل الكشّي أنّ عبد اللّه بن زرارة قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:
«اقرأ منّي على والدك السلام و قل له إنّي إنّما أعيبك دفاعا منّي عنك...و يكون بذلك منّا دفع شرّهم عنك...»(2).
2-و عن الحسين بن زرارة،قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ أبي يقرأ عليك السلام و يقول لك:جعلني اللّه فداك أنّه لا يزال الرجل و الرجلان يقدمان فيذكران أنّك ذكرتني و قلت فيّ(يعني عبتني)،فقال عليه السّلام:
«إقرأ أباك السلام،و قل له أنا و اللّه أحبّ لك الخير في الدنيا و أحبّ لك الخير في الآخرة،و أنا و اللّه عنك راض،فما تبالي ما قال الناس بعد هذا»(3).
3-في حديث عن الإمام الصادق عليه السّلام يمدح فيه زرارة و بريد و معاوية و محمّد بن مسلم الأحول(أبو جعفر محمّد بن علي بن نعمان مؤمن الطاق)و يقول:
ص:335
«زرارة و بريد بن معاوية و محمّد بن مسلم و الأحول أحبّ إليّ أحياء و أمواتا».
و يضيف:
«و لكنّهم يجيئوني فيقولون لي فلا أجد بدّا من أن أقول»(1).
من ذيل هذه الروايات يفهم أنّ بعض أعداء زرارة و أمثالهم يجيئون الإمام عليه السّلام و يعيبونه،و الإمام عليه السّلام لأجل عدم كشف علاقته به يتكلّم ببعض الكلمات عنه.
4-يقول أبو خالد الكابلي:
رأيت أبا جعفر صاحب الطاق و هو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره و هو دائب يجيبهم و يسألونه،فدنوت منه فقلت:إنّ أبا عبد اللّه نهانا عن الكلام.فقال:أمرك أن تقول لي؟فقلت:لا،و لكنّه أمرني أن لا أكلّم أحدا.قال:فاذهب فأطعه فيما أمرك،فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بقصّة صاحب الطاق و ما قلت له و قوله لي اذهب و أطعه فيما أمرك.فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:«يا أبا خالد،إنّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير و ينقض،و أنت إن قصّوك لن تطير»(2).
و يفهم من هذه الرواية إجمالا أنّ شرائط الارتباط بين الإمام عليه السّلام و
ص:336
خواصّ أصحابه كزرارة و أبي بصير و أشباههما مختلفة،فالظروف الطبيعية و الخوف من العدو و التقيّة،كلّها تؤخذ بعين الاعتبار.
روايات كثيرة تذكر أنّ الإمام عليه السّلام مدح فيها أصحابه،كزرارة و أبي بصير و من على شاكلتهم بتعابير مختلفة،من باب المثال:
1-نقل عن الصادق عليه السّلام بسندين منفصلين أنّه قال:
«أحبّ الناس إليّ أحياء و أمواتا أربعة:بريد بن معاوية العجلي،و زرارة و محمّد بن مسلم،و الأحول...»(1).
2-و في رواية أخرى عن الصادق عليه السّلام:
«رحم اللّه زرارة بن أعين،لو لا زرارة بن أعين لو لا زرارة و نظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه السّلام»(2).
3-و في رواية أخرى عنه عليه السّلام:
«زرارة و أبو بصير و محمّد بن مسلم و بريد من الذين قال اللّه تعالى:وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ*أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (3)»(4).
4-و في نقل آخر عنه عليه السّلام:
ص:337
«ما أجد أحدا أحيا ذكرنا و أحاديث أبي عليه السّلام إلاّ زرارة و أبو بصير ليث المرادي و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية العجلي،و لو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا،هؤلاء حفّاظ الدين و أمناء أبي عليه السّلام على حلال اللّه و حرامه و هم السابقون إلينا في الدنيا و السابقون إلينا في الآخرة»(1).
و أخيرا و بعد كلّ هذه الروايات المعتبرة كيف يتصوّر قول زرارة و أبي بصير المنسوبين بحقّ الإمام الصادق و موسى بن جعفر عليه السّلام و كيف يتصوّر شكّهما في إمامتهما عليهما السّلام؟
كيف يعقل أنّ الإمام الصادق عليه السّلام يمدح من لم يقبل إمامته بعد بهذا المدح و يصفه بأنّه أحد أركان حفظ آثار المذهب و الحديث،و كيف يعقل أنّ شخصا يشكّ بالإمام الصادق عليه السّلام و بنفس الوقت يقول فيه:«جعلني اللّه فداك»(2) ؟
فتوهّم الكاتب ليس له أيّ مستند تاريخي و أنّه ليس إلاّ رجما بالغيب.
ص:338
ص:339
ص:340
شجاعة الأئمّة عليهم السّلام و علاقتهم بحكام الجور و الثوار
ينتقد الكاتب في كرّاسته ما قيل عن شجاعة الأئمّة عليهم السّلام حينما يقول:
بعد الحسين بن علي-حسب روايات الشيعة-لم يشتهر أيّ واحد من هؤلاء بهذه الصفة...لم يقم أيّ واحد منهم على الحكّام و السلاطين،بل إنّ بعضهم مدح أو اعترف ببعض الحكّام،و البعض الآخر لم ينصر أو يدعم أبناء عمومته ممّن ثاروا على الأمراء و الحكام،و آثروا السلامة على ذلك...و قد اشتهر عن الحسن إنّه:مذل المؤمنين....
و هذه الشبهات قابلة للردّ من عدّة وجوه:
يجب الالتفات إلى هذه المسألة المهمّة و هي أنّ الوظيفة الأصلية للأئمّة عليهم السّلام في مقام التشريع حفظ و إحياء معارف القرآن و نشرها،و الوقوف أمام التحريف و التفسير المغلوط لها.
فليس من وظيفة الأئمّة فقط محاربة حكام الجور بالسيف حتّى يشكل على بعضهم لماذا لم يقوموا على حكّام زمانهم.
عاش المجتمع الإسلامي في الفترة التي أعقبت رحيل الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى
ص:341
عهد الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السّلام حالة من الابتعاد أو الانسلاخ عن الثقافة الإسلامية و الأصيلة،و أصابت أغلب أحكام و علوم القرآن الإسلامي الإهمال و النسيان و حلول محلّها رسوم و آداب العصر الجاهلي، و لذا فقد شمّر أئمّتنا عليهم السّلام و بالخصوص الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام عن ساعديهما لنشر الثقافة و العلوم الإسلامية الأصيلة و إرجاع ثقة المسلمين بدينهم و ثقافتهم الإسلامية.فانصبّ جهدهم و تركيزهم على تربية نخبة من طلبة العلوم و إعدادهم و بثّهم في صفوف المجتمع.
و ما نشاهده اليوم من اتّساع الإسلام مديون لتلك الفترة من التاريخ.
من هنا نقول:إنّ شجاعة الأئمّة عليهم السّلام غير منحصرة في ميادين الحرب و القتال بالسيف،و إنّما إحياء علوم الدين و سيرة الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم وظيفة أصلية للإمام عليه السّلام في المجتمع.
يجب أن نعلم أنّه ليس من الشجاعة النهضة و المواجهة مع الحاكم المستبدّ من دون تخطيط دقيق و تخمين للعواقب.مواجهة السلطة القوية الظالمة دون تخطيط للمواجهة مسبقا يعدّ تهوّرا لا شجاعة.الشجاعة هي الحدّ الفاصل بين التهوّر و الجبن.بشهادة التاريخ كان أئمّتنا عليهم السّلام بعد واقعة كربلاء-سواء في زمان بني أمية أو زمان بني العبّاس-تحت مراقبة شديدة، و لم يكن بوسعهم القيام بأيّ عمل غير ثقافي،و هو بدوره لم يكن ميسّرا إلاّ باستخدام التقيّة و العمل بالسرّ؛إذ كانت تنظر إليه تلك الحكومات بشكّ و
ص:342
ارتياب و تعده غطاء لعمل سياسي خطير.
و ما يختصّ بمسألة المهدي عليه السّلام و انتشار أحاديث رسول اللّه بهذا الشأن المنقولة عن الأئمّة عليهم السّلام سبّب إثارة حساسية تلك الحكومات أكثر، و بالخصوص الحكومات العبّاسية.
ممّا حدى بها إلى تضييق الخناق على الأئمّة عليهم السّلام و تشديد الحصار عليهم،و لو تطلّب الأمر عزلهم و سجنهم في مراكز نظامية لكي يكونوا تحت مراقبتهم الشديدة،كما فعلوا بالإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام.
قول الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عن نفسه و عن الأئمّة من بعده:«...ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول»(1) كما نقلتها الروايات الشيعية،مصداق لهذه الحسّاسية و الخوف
ص:343
الشديد الذي كانت تعيشه الحكومات المتعاقبة تجاه الأئمّة عليهم السّلام.و هذا خير دليل على أنّ الأئمّة عليهم السّلام لم يتوانو في بذل أقصى ما لديهم من طاقات و جهود للدفاع عن كيان الدين و نشر الحقائق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الحكومات كانت تعلم أنّ أيّ تهاون معهم أو إفساح للظروف و تهيئة الشروط المساعدة لتحرّكهم،فإنّ ذلك معناه زوال ملكهم أو تعرّضهم لأخطار جدّية.
و على فرض صحّة ما قيل إنّ بعض الأئمّة قد دانوا لبعض الخلفاء أو اعترفوا بأمرتهم و نادوهم بأمرة المؤمنين،فإنمّا هو لدفع خطرهم أو للتقليل من حسّاسيتهم تجاه الأئمّة عليهم السّلام و شيعتهم.
ففي ظلّ تلك الظروف و الشروط الصعبة التي كان يعيشها الشيعة و أئمّتهم عليهم السّلام،كان العقل و الشرع يحتمان استخدام التقيّة،و الترميز بهكذا تعابير من قبل الإمام بخلفاء زمانهم المستبدّين.كان واضحا لدى شيعتهم، و لا يوجب تأييد مقامهم أو الاعتراف بخلافتهم.
أمّا عن نهضة الإمام الحسين عليه السّلام و إعلانه الحرب على الحكومة الظالمة فإنّ واحدة من تلك العلل الظاهرية التي حدت بخروجه-بناء على شهادة التاريخ-هو الاستقبال العظيم الذي لاقاه الإمام من أهل الكوفة و إعلانهم وقوفهم و نصرتهم له مهما كلّف الأمر،و إرسالهم الرسائل و الوفود يدعونه
ص:344
للقدوم إلى درجة أحسّ الإمام بالتكليف و الواجب الشرعيّ الملقى على عاتقه،و حسب تلك الظروف الظاهرية و الأجواء المهيّئة فليس عليه إلاّ التوجّه إلى العراق...أضف إلى ذلك فإنّ تصرّفات يزيد و استهتاره بالدين و بالمقدّسات،و تظاهره بالجور و الفجور كان مختلفا عن سائر ما قام به حكّام بني أمية و بني العبّاس،و بيعة الحسين عليه السّلام له يعني هدما للإسلام و لكلّ ما بناه الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
و في ما يخصّ القول بأنّ الأئمّة عليهم السّلام لو كانوا يملكون القدرة و القوّة التي تمكّنهم من الوقوف و التحدّي العلني لحكومات زمانهم لما سكتوا،نذكر هاتين الروايتين:
1-يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في«نهج البلاغة»حول غصب الخلافة و الحوادث الواقعة بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
«...فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي،فضننت بهم عن الموت...»(1).
يذكر ابن أبي الحديد في شرحه لهذه الخطبة:
فقول ما زال علىّ عليه السّلام يقوله،و لقد قاله عقيب وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال:«لو وجدت أربعين ذوي عزم!»(2).
ص:345
أي لو كان عندي أربعين رجلا من ذوي العزم و الإرادة لما بقيت ساكتا.
2-عن سدير الصيرفي يقول:
دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له:و اللّه ما يسعك القعود، فقال:«و لم يا سدير؟»قلت:لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك،و اللّه لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الشيعة و الأنصار و الموالي ما طمع فيه تيم و لا عديّ.فقال عليه السّلام:
«يا سدير،و كم عسى أن يكونوا؟»قلت:مئة ألف،قال:«مئة ألف؟»قلت:نعم،و مئتي ألف.قال:«مئتي ألف؟»قلت:نعم، و نصف الدنيا.قال:فسكت عنّي ثمّ قال:«يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟»...فمضينا فحانت الصلاة فقال:
«يا سدير،انزل بنا نصلّي»،ثمّ قال:«هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها»،فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء،و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال:«و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود»،و نزلنا و صلّينا،فلمّا فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر(1).
أمّا في ما يخصّ امتناع الأئمّة عليهم السّلام عن نصرة أبناء عمومتهم ممّن قاموا على الخلفاء-كما ادّعى الكاتب-فلا بدّ إنّه كان يقصد من قيامهم كقيام زيد
ص:346
بن علي بن الحسين عليه السّلام بوجه هشام بن عبد الملك،فنقول:إنّ زيد عمّ الإمام الصادق كان قيامه بتأييد و مباركة الإمام عليه السّلام.
قال الإمام الصادق عليه السّلام واصفا عمّه زيد:
«...إنّ عمّي كان رجلا لدنيانا و آخرتنا،مضى و اللّه عمّي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام»(1).
كلّ ما هنا لك أنّ الإمام الصادق عليه السّلام كان يعلم عن أبيه عن جدّه عن...
بشهادة عمّه زيد بن علي في الكناسة.و طبق ما هو منقول في رواية عن الإمام الرضا في جوابه للمأمون حينما قام بنقد ثورة زيد فقال له الإمام عليه السّلام:
«...حدّثنى أبي موسى بن جعفر عليهما السلام أنّه سمع أباه...
و لقد استشارني في خروجه فقلت له:يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك.فلمّا ولّى قال جعفر بن محمّد:«ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه...»(2).
و في رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السّلام مخاطبا الفضيل الذي شارك في ثورة زيد و قتل جماعة من أهل الشام من أتباع و أنصار حكومة هشام بن عبد الملك:
«أشركني اللّه في تلك الدماء،ما مضى و اللّه زيد عمّي و أصحابه إلاّ شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب عليه السّلام و أصحابه»(3).
ص:347
و جاء في رواية ابن سبابة قال:دفع إليّ أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام ألف دينار و أمرني أن أقسّمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي عليه السّلام(1).
إذن،فثورة زيد حظيت بحماية و تأييد الإمام الصادق عليه السّلام المادّية و المعنوية،و لكن و لأنّه عليه السّلام لم ير الظروف مواتية أو مساعدة للقيام و الثورة -كما يفهم ذلك من رواية سدير الصيرفي(2)-فإنّه لم يشترك بصورة مباشرة فيها.و السبب في أنّ زيد رحمه اللّه لم يصرّح مباشرة بارتباطه بالإمام الصادق عليه السّلام أمران:
1-كان زيد يسعى إلى إشراك جميع المذاهب و التيارات المخالفة للحكومة الأموية في ثورته تلك،و لم يكن يحبّذ أن تصبغ باللون الشيعي الصرف،لأجل الوصول إلى أهدافه بسرعة.
2-دفع الخطر عن الإمام عليه السّلام الذي كان حفظه من حفظ المذهب و الكيان الإسلامي.
و لمزيد من الاطلاع يراجع كتاب دراسات في ولاية الفقيه(3).
و أمّا ما ذكره الكاتب حول صلح الإمام الحسن عليه السّلام و تلقيبه بمذلّ المؤمنين من قبل الناس آنذاك،فهذا الكلام مرفوض،ترفضه الشواهد التاريخية:
ص:348
1-يذكر التاريخ أنّ الإمام الحسن عليه السّلام بعد يأسه من تعقّل معاوية و رجوعه عن فكرة غزو العراق و الحرب مع الشيعة،و إرجاعه لممثلي الإمام و هم جندب بن عبد اللّه و الحارث اللذين قال لهما معاوية:«ارجعا،فليس بيني و بينكم إلاّ السيف»(1).
عندها تحضّر للحرب و حضّر شيعته لها.و أرسل رسالة شديدة إلى معاوية يقول له فيها:
«...و إن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتّى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين...»(2).
2-جاء في جواب معاوية له:«و ايئس من أن تجد فينا غميزة...»(3).
3-يكتب ابن أبي الحديد:
زاد الحسن بن علي عليه السّلام المقاتلة مئة في مئة درهم...(4).
و طبيعي زيادة عطاءات المقاتلة لأجل التهيؤ لهذه الحرب.
4-يكتب ابن أبي الحديد:
و خرج الناس فعسكروا و نشطوا للخروج و خرج الحسن عليه السّلام إلى العسكر و استخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل...حتّى نزل دير عبد الرحمن فأقام بها ثلاثا حتّى اجتمع الناس.ثمّ
ص:349
دعا عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطّلب فقال له:
«يا ابن عمّ،إنّي باعث إليك اثني عشر ألفا من فرسان العرب و قرّاء المصر...»(1).
و يضيف ابن أبي الحديد:
كان الحسن بن علي يحثّ الناس إلى الجهاد و يلومهم على التكاسل...و قد خرج هو بنفسه قبلهم حتّى عسكر بالنخيلة، و هم يقدمون عليه...و كان سبب تكاسلهم و تثاقلهم عن نصرته طلبهم العافية أو ما كان يشيعه معاوية بينهم من أنّ الحسن يراسله على الصلح،فكان لها التأثير الكبير على أهل الكوفة(2).
5-و في مسجد الكوفة يخطب الإمام الحسن عليه السّلام بالناس يحثّهم على الخروج للحرب و جهاد عدوّهم مذكّرا إيّاهم بآيات الجهاد قائلا:
«...فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون.أنّه بلغني أنّ معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا على المسير إليه فتحرّك،لذلك اخرجوا رحمكم اللّه إلى معسكركم في النخيلة حتّى ننظر و تنظرون،و نرى و ترون...»(3).
إذا ادّعاء الكاتب أنّ الإمام الحسن عليه السّلام مساوم و مذلّ المؤمنين غير صحيح،و لا تنطبق عليه وقائع التاريخ التي ذكرنا الجزء اليسير منها.
ص:350
أمّا الأسباب التي أدّت إلى ترك الإمام الحسن عليه السّلام الحرب مع معاوية و قبوله بالصلح المشروط فهي عبارة عن:
1-لم يكن جيش الإمام الحسن عليه السّلام يتمتّع بوحدة الهدف و الفكر.يعتقد الشيخ المفيد أنّ التحاق الخوارج بجيش الإمام الحسن عليه السّلام لأنّهم كانوا يؤثرون قتال معاوية بكلّ حيلة(1)(و لو بانكسار الإمام الحسن عليه السّلام).
و بهذا الخصوص يكتب المرحوم الشيخ راضي آل ياسين:
و لكن لا نؤمن بهذا التعليل على إجماله،و لا ننكره على بعض وجوهه...،و قد يكون هدفهم شيئا آخر غير هذا...و ليس فيما نعهده من علاقات الخوارج مع الحسن و أبي الحسن عليهما السّلام ما يشجّعنا على الظنّ الحسن بهم...و إذا صحّ أنّهم إنّما أرادوا قتال معاوية حيت تبعوا الحسن عليه السّلام،و أنّهم كانوا لا يقصدون بالحسن سوءا،فأين كانوا عن معاوية قبل ذلك؟و لم لم يتألّبوا عليه كما كانوا يتألّبون على علي عليه السّلام في انتفاضتهم التي حفظها التاريخ؟...(2).
2-تأثير شائعات معاوية على جيش الإمام الحسن عليه السّلام.
بهذا الخصوص يقول ابن أبي الحديد:
ص:351
أرسل معاوية إلى عبيد اللّه بن عبّاس الذي كان قائد جيش الحسن عليه السّلام،يقول له فيها:إنّ الحسن قد راسلنى في الصلح و هو مسلّم الأمر إليّ،فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا، و إلاّ دخلت و أنت تابع...(1).
3-حول تأثير و عود معاوية المادّية جاء في«تاريخ اليعقوبي»:
أنّه(معاوية)أرسل إلى عبيد اللّه بن عبّاس و جعل له ألف ألف درهم(2).
و بديهي كانت هذه الوعود لكثير من الأفراد المؤثّرين في جيش الإمام عليه السّلام،و ربما كانت هذه الوعود هي السبب في التحاق عبيد اللّه بمعاوية.
هكذا فعل أصحاب الإمام عليه السّلام الذين وجّههم مع عبيد اللّه،يتسلّلون إلى معاوية،الوجوه و أهل البيوتات و أتباعهم(3).
و صعد عدد الفارّين من الزحف عن طريق الخيانة للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لابن رسوله،إلى ثمانية آلاف!...(4).نعم،ثمانية آلاف من اثني عشر ألفا! يعني ثلثي جيشه.
إنّها الثغرة المخيفة في جدار المعسكر الواقف في جهة القتال أمام ستّين ألفا من الأعداء الأشدّاء(5).
ص:352
بعد كلّ هذا يحقّ لنا أن نقول:إنّ صلح الإمام الحسن عليه السّلام كان لصالح الشيعة و البلاد الإسلامية،و للحيلولة دون مقتل الآلاف من المسلمين بدون تحقيق النصر،جاء في التاريخ:
يقول الإمام الحسن عليه السّلام في جواب رجل اعترض على قرار الصلح قائلا له:لقد كنت على النصف فما فعلت؟فقال له الحسن عليه السّلام:«أجل و لكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا تشخب أوداجهم دما كلهم يستعدي اللّه فيم هريق دمه...»(1).
و أمّا نسبة القول بأنّ الإمام الحسن عليه السّلام كان مذلّ المؤمنين إلى عموم الناس،فهي نسبة غير صحيحة كما يدّعي كاتب الكرّاسة،و إنّما هذا القول منسوب إلى أشخاص مثل سليمان بن صرد الخزاعي الذي كان من أشراف العراق و لم يكن حاضرا في وقائع الصلح في الكوفة(2).
و طبعا كانت سياسة معاوية هي تشويه سمعة الإمام الحسن عليه السّلام بين الناس،و إلقاء شائعة مصالحة الحسن عليه السّلام لمعاوية من قبل الخوارج كانت مطابقة تماما لأقوال سليمان.و على فرض عدم وجود دور لمعاوية في هذه
ص:353
التهمة المنسوبة إلى الإمام،و لكن لا ينكر الدور الكبير الذي لعبه أنصاره و مؤيّدوه في إشاعتها بين الناس.
و من المناسب في هذا الشأن-كما ذكر المرحوم الشيخ راضي آل ياسين ممّا نقلناه قبل قليل-الالتفات إلى دور الخوارج في وقوفهم مع الإمام علي عليه السّلام في حرب صفّين،و ما لعبوه من دور بعد ذلك لتضعيف جبهته و تشويه صورته،و أنّ هؤلاء الخوارج كانوا في صفوف جيش الإمام علي عليه السّلام، و بعد خدعة معاوية التي أشار بها إليه عمرو بن العاص و هي رفع المصاحف على رؤوس الرماح كان للخوارج الأثر الكبير و الدور الفعّال للظغط على الإمام علي عليه السّلام لإيقاف الحرب و القبول بالصلح مع معاوية،إلى حدّ اتّهامه بالكفر و تهديده بإعلان الحرب عليه.أضافة إلى ذلك لا بدّ أن يعلم أنّ مخاطبة الإمام الحسن عليه السّلام ب«مذلّ المؤمنين»أو«مسوّد وجوه المؤمنين» كان أيضا من ناحية بعض الخوارج الذي كانوا في جيش الإمام عليه السّلام فقد نقل في كتاب«تذكرة الخواص»أنّ صاحب كتاب«الاستيعاب»روى من ابن عبد البرّ المالكي:أنّ سفيان بن ياليل أو ابن ليلى عاتب الإمام عليه السّلام و ناداه ب«مذلّ المؤمنين»و طبقا لرواية هشام عاتبه ب«مسوّد وجوه المؤمنين»و أجاب الإمام بقوله:
«ويحك أيّها الخارجي لا تعنفي فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت:قتلكم أبي و طعنكم إيّاي و انتهابكم متاعي و إنّكم لما سرتم إلى صفّين كان دينكم أمام دنياكم و قد أصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم.ويحك أيّها الخارجي إنّي رأيت أهل
ص:354
الكوفة قوما لا يوثق بهم و ما اغترّ بهم إلاّ من ذلّ،ليس رأي أحد منهم يوافق رأي الآخر،و لقد لقى أبي منهم أمورا صعبة و شدائد مرّة...»(1).
و ملخص ما جاء في هذا الفصل:أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يؤدّون وظائفهم المشروعة و الملقاة على عواتقهم في كلّ ظرف زمان أو مكان بما يتناسب و شروط العصر،بالدفاع عن الدين الإسلامي و علوم القرآن و سنّة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بأحسن شكل و أتمّ وجه.و لم يؤيّدوا-تحت أي شرط-أيّة حكومة من تلك الحكومات المعاصرة لهم،بل إنّ نتائج كلّ تحرّكاتهم السياسية و الثقافية كانت تثير حساسية السلطات الحاكمة أكثر من غيرهم،ممّا حدت بها إلى ممارسة الظغط عليهم بالحبس و الحجز،و من ثمّ بعد عدم تحمّلهم لوجودهم يقومون بسمّهم و قتلهم.
فتحليل الحياة السياسية لرجال الدين و قياس تصرّفاتهم الاجتماعية بعضهم ببعض دون الأخذ بعين الاعتبار الشروط الزمانية و المكانية لكلّ عصر،بعيد عن روح التحقيق،و على فرض أنّها جاءت من حسن نيّة فإنّها ناشئة من عدم درك و فهم لتاريخ أهل البيت عليهم السّلام.
ص:355
ص:356
ص:357
ص:358
شبهات حول الأئمّة عليهم السّلام
ضمن تطرّق كاتب الكرّاسة لأمور ذكرت في بعض الكتب الروائية الشيعية حول شرائط و أوصاف و أحوال الإمام المهدي عليه السّلام يختتم كراسته ناقلا لها باستهزاء و سخرية بدون إيراد أيّ دليل على بطلانها أو عدم صحّتها، فمن تلك قوله:
حيث يكتب:
يدّعي هؤلاء-الشيعة-أنّه لن يموت الإمام حتّى يوصي، و يجب على الإمام أن يعرف خليفته،و بعد الحسنين لا يمكن أن يكونوا إلاّ في أعقاب.
إضافة إلى الروايات الشيعية المتواترة(1) فقد استفيد هذا المضمون من الروايات السنّية أيضا،و المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الدالّة على أنّ خلفاءه اثنى عشر خليفة،و في بعضها كلمة«أمير»و في أخرى«ملك»،قمنا بنقلها سابقا من كتب السنّة و قد ذكر النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فيها الأئمّة الاثنى عشر عليهم السّلام بأسمائهم و صفاتهم، و على هذا فمن البديهي أنّ كلّ إمام يوصي بمن يأتي بعده ممّن ذكره النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
ص:359
يكتب:
يدّعي هؤلاء-الشيعة-أنّ الإمامة لن تكون إلاّ للولد الأكبر.
و هنا يدّعي الكاتب لماذا لم يعمل الشيعة بهذه القاعدة في ما يخصّ عبد اللّه الأفطح الابن الأكبر للإمام الصادق عليه السّلام،و الإمام الحسن العسكري عليه السّلام بالنسبة لأخيه جعفر،و اعتقدوا بإمامة موسى بن جعفر، و الحسن العسكري عليهما السّلام و هما أصغر من إخوتهما؟
و يقال في جوابه:
أوّلا:الإمام الحسن عليه السّلام الابن الأكبر للإمام الهادي عليه السّلام،و جعفر هو ولده الرابع.
ثانيا:هكذا موضوع لا يشكّل قاعدة كلّية لمسألة الإمامة،كلّ ما جاء في روايات الشيعة و السنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عنوان الاثنى عشر خليفة أو الاثنى عشر أمير أو ملك،و ما أشبه ممّا ذكرته الروايات المنقولة من طرق السنّة،و في أغلب هذه الروايات ذكر لأسماء هؤلاء الأئمّة.
و الرواية التي ذكرت المضمون الآنف الذكر هي رواية«الكافي»عن الإمام الرضا عليه السّلام:
«للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه...»(1).
و هذا المضمون لا يشكّل المقصود بالنحو الكلّي،و ذلك-بالإضافة إلى حديث الإمام الصادق المنقول في الرواية السادسة من هذا الباب حيث قال:
ص:360
«إنّ الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة»(1) ،و قهرا ستتقيّد الرواية المنقولة عن الرضا عليه السّلام بهذه-لأنّ هذا المضمون معارض مع الروايات المنقولة عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و التي ذكرت أسماء الأئمّة.و ربما الرواية المنقولة عن الإمام الرضا عليه السّلام ناظرة إلى أغلب الموارد،أو إلى الأئمّة من بعده.
حيث يكتب:
هؤلاء-الشيعة-يدّعون أنّه لن يغسّل جسد الإمام إلاّ إمام.
و هذا المضمون منقول في«الكافي»ضمن عدّة أحاديث عن الإمام الرضا عليه السّلام،جاء في أحدها سألت الرضا عليه السّلام عن الإمام يغسّله الامام؟:
قال:«سنّة موسى بن عمران عليه السّلام»(2).
يعني لن يغسّل النبي و الإمام إلاّ وصيّه.
يعتقد الكاتب أنّ هذا خلاف الواقع في موارد:
الأوّل:أنّ موسى بن جعفر عليه السّلام حينما مات لم يكن ولده الرضا عليه السّلام حاضرا عنده،بل كان في المدينة.
الثاني:و أيضا الإمام الرضا عليه السّلام حين وفاته كان عمر ولده الجواد عليه السّلام ثمان سنوات.
الثالث:و أيضا الإمام الحسين عليه السّلام حين استشهد في كربلاء كان ولده علي بن الحسين عليه السّلام أسيرا في جيش يزيد.
ص:361
و يقال في جوابه:
أوّلا:في الموارد المذكورة لا ينكر الإمكان الذاتي لأن يغسل الإمام ولده من بعده،المستبعد هنا،إمكان وقوعه.و هذا الاستبعاد لا معنى له عند من يؤمن بوقوع الأمور الخارقة للعادة،أي المعاجز.و حدوث المعاجز-بنصّ القرآن لأغلب الأنبياء عليهم السّلام-من قبيل تكلّم عيسى في المهد(1) ،أمر لا يقبل الشكّ و الإنكار لمن يؤمن بالقرآن.
ثانيا:طبق الرواية المنقولة من طرق السنّة و التي ذكرناها سابقا(2) أنّ هناك أمور و سنن حصلت في الأمم السابقة و هي حاصلة في هذه الأمّة حذو النعل بالنعل،و واحدة من هذه كما جاء في رواية«الكافي»سنّة موسى عليه السّلام في حضور وصيّه حين وفاته في التيه لتغسيله.
ثالثا:طبق الرواية المنقولة من كتاب«ينابيع المودّة»أنّ المهدي عليه السّلام لم يكن يبلغ من العمر أكثر من أربعة أو خمسة سنين حينما طلب منه أبيه التكلّم باللغة العربية الفصحى لسائل أيّ أحمد بن إسحاق الأشعري(3) ، «و حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد».
و على هذا يجب عدم استبعاد أو إنكار أن يقوم إمام عمره ثمان سنوات بتغسيل والده أو أن يحضر من مكان بعيد لأجل ذلك،مع الاعتراف بحصول المعجزة و الأمور الخارقة للعادة.
ص:362
حيث يكتب:
يدّعي هؤلاء-الشيعة-أنّ الإمام من ساوى درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و عنده سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يدور عليهم.
ذكر موضوع سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في موردين في«الكافي»(1) ،و موضوع درع النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أنّها مساوية مع قامة الإمام أيضا ورد في«الكافي»في موردين(2).
و حول سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منقول في«الكافي»عن الإمام الرضا عليه السّلام قوله:
«للإمام علامات منها...،و السلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل،تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان»(3).
و يوجد في«الكافي»باب بهذا العنوان(4).
و هو تابوت بني إسرائيل،إشارة إلى ما ذكرته هذه الآية:وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (5).
ص:363
و المراد من التابوت في هذه الآية بناء على نقل«الميزان»عن «تفسير القمّي»عن الإمام الباقر عليه السّلام:الصندوق الذي وضعت فيه أمّ موسى ولدها موسى عليه السّلام و ألقته في النيل.
يقول العلاّمة الطباطبائي بهذا الشأن:
و كان التابوت الذي أنزل اللّه على موسى فوضعته فيه أمّه و ألقته في اليمّ فكان في بني إسرائيل يتبرّكون به،فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح و درعه و ما كان عنده من آيات النبوّة،و أودعه عند يوشع وصيّه،و لم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به،و كان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ و شرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي و استخفّوا بالتابوت رفعه اللّه عنهم، فلمّا سألوا النبي بعث اللّه عليهم طالوت ملكا فقاتل معهم، فردّ اللّه عليهم التابوت كما قال:إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ (1).
من هنا فإنّ تشبيه سلاح النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بصندوق موسى عليه السّلام في رواية الإمام الرضا عليه السّلام تشبيه لطيف و مناسب،و مصداق آخر للروايات المنقولة من طرق السنّة و الشيعة الدالّة على أنّ حوادث الأمم السابقة ستجري في هذه الأمّة.
ص:364
و في الحقيقة كما أنّ نبيّ اللّه موسى عليه السّلام لم يسلّم الصندوق الحامل للألواح و آثار النبوّة و درعه و مواريث سائر الأنبياء إلاّ لوصيّه يوشع عليه السّلام،كذلك نبيّنا الأكرم محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم لن يسلّم و دائعه النفيسة،و التي من جملتها سلاحه و درعه إلاّ لأوصيائه،و قد عدّت الرواية المذكورة في«الكافي»(1) موضوع «الفضل»و«الوصيّة»من علائم الإمامة.
و المقصود من أنّ درع النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مساو لقامة الإمام عليه السّلام،على فرض أنّ المقصود الظاهر فهو أنّ الإمام عليه السّلام لو أراد أن يحارب كما حارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و يلبس الدرع فسيكون بمقاسه،و لا يلزم من هذا الكلام أنّه حتّى في صغره سيكون الدرع بمقاسه.
و لكن من الممكن أن لا يكون المقصود هو ظاهر الرواية،و إنّما ذلك كناية عن مسؤولية حفظ الدين و معارف القرآن الملقاة على عاتق أهل البيت عليهم السّلام الذين هم أحد الثقلين كما جاء في حديث الثقلين تركهم الرسول لأمّته.و نظير هذا التعبير شائع في لغات أخرى غير العربية كالفارسية حينما يقول أهلها:إنّ هذا القميص أو هذه العبا لا يليق إلاّ بقامة فلان،يعني لا يستطيع الآخرين خلافة ذلك الشخص أو نيابته.
في«الكافي»باب تحت هذا العنوان يستفاد منه أنّ إحدى علامات و دلائل صدق مدّعى الإمامة في ذلك المقطع الزمني هو وجود ذلك الميراث من أدوات حرب النبي و ألواح موسى و أمثالها عنده،و جاء بهذا الخصوص في رواية سعيد السمّان قال:
ص:365
كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له:أفيكم إمام مفترض الطاعة؟قال:فقال عليه السّلام(من باب التقية أو التورية):«لا».قال:فقالا له:قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تفتي و تقرّ و تقول به،...فغضب أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:
«ما أمرتهم بهذا».فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا.فقال لي:«أتعرف هذين؟»قلت:نعم،هما من أهل سوقنا و هما من الزيدية،و هما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم عند عبد اللّه بن الحسن.فقال عليه السّلام:«كذبا لعنهما اللّه،و اللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه و لا بواحدة من عينيه،و لا رآه أبوه،اللهمّ إلاّ أن يكون رآه عند علي بن الحسين،فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟و ما أثر في موضع مضربه؟
و إنّ عندي لسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و درعه و لامته(و هي ضرب من الدّرع)و مغفره(و هو نسيج الدّرع يلبس تحت القلنسوة)فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم المغلبة،و إنّ عندي ألواح موسى و عصاه،و إنّ عندي لخاتم سليمان بن داود،و إنّ عندي الطست الذي كان موسى يقرّب به القربان،و إنّ عندي الاسم الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إذا وضعه بين المسلمين و المشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة،و إنّ
ص:366
عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة.و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل،في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوّة...»(1).
و من جملة ما طرحه الكاتب في شبهته مضمون رواية مذكورة في «الكافي»عن الإمام الباقر عليه السّلام:
«للإمام عشر علامات:يولد مطهّرا،مختونا،و إذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين،و لا يجنب، و تنام عينيه و لا ينام قلبه،و لا يتثائب و لا يتمطّى،و يرى من خلفه كما يرى من أمامه،و نجوه كرائحة المسك، و الأرض موكّلة بستره و ابتلاعه،و إذا لبس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كانت عليه وفقا،و إذا لبسها غيره من الناس طويلهم و قصيرهم زادت عليه شبرا،و هو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه»(2).
ينقل«الكافي»هذه الرواية عن علي بن محمّد،و الظاهر هو علي بن محمّد بن إبراهيم و قد وثّقه الكشّي،و ذكر العلاّمة في«الخلاصة»أنّه وكيل المهدي عليه السّلام(3).و لكنّه نقل الرواية الآنفة عن بعض الأصحاب،و لا يعلم من
ص:367
هو.إضافة إلى ذلك فإنّ علي بن محمّد الراوي الأوّل للحديث مشترك بين علي بن محمّد بن إبراهيم و علي بن محمّد بن جعفر،و الأوّل موثّق و الثاني بناء على ما نقله«بهجة الآمال»عن النجاشي و العلاّمة،ضعيف مضطرب الرواية(1).
و بعض مضامين هذا الحديث مخالفة لمسلّمات دينية و تاريخية من عدّة وجوه:
أوّلا:بعض الأمور المذكورة ليست محالة و لا مستنكرة،من جملتها ولادته مختونا،و هذا يحدث في زماننا بكثرة.
و ثانيا:لو كان بعض من مضامين هذا الحديث صحيحة بالنسبة إلى الأئمّة عليهم السّلام يجب قطعا أن تكون صحيحة بالنسبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و الحال أنّ التواريخ-التي نقلت جزئيات و خصوصيات النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم- لم تذكر هكذا مطلب.
للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بناء على نصّ القرآن الكريم جنبة ظاهرية بشرية مثل سائر الناس،إلاّ أنّه يوحى إليه،لاحظ الآيات التالية:
1-قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (2).
و لازم كونه بشرا أن يشبه بدنه الظاهري أبدان جميع الناس.
ص:368
2-وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (1).
و هذه الآية في مقام ردّ تعجب المنكرين لرسالة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،حيث كانوا يعتقدون أنّ الرسالة منافية للصفات البشرية،كأكل الطعام و المشي في الأسواق،فالآية صريحة بأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مع كونه بشرا فهو يتّصل بالغيب و الوحي.
3-و جاء بشأن نوح:فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ... (2).
4-و أيضا بشأن النبي بعد نوح،قولهم:وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...ما هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ (3).
و الآيتان في مقام ردّ و توبيخ المنكرين لرسالة نوح عليه السّلام و النبي من بعده؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الرسالة منافية لبشرية المرسل من أكله للطعام و مشيه في الأسواق.
و على هذا ففي نظر القرآن أنّ الإنسان الكامل مهما وصل إلى أعلى الدرجات-حتّى الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم-فهو من جهة الظاهر بشر مثل سائر الناس،له ما لهم من صفات و لا يستثنى الأئمّة عليهم السّلام من هذه القاعدة.
هذا من جانب،و من جانب آخر فبملاحظة أنّ هذا المذكور في الرواية
ص:369
لم ينقل أبدا بشأن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فمن باب الحدس القويّ القول إنّه ربما كان ذلك من وضع الغلاة أو المخالفين للأئمّة المعصومين عليهم السّلام من أجل الخدشة بسائر المطالب.
و في نفس الوقت يجب الالتفات إلى هذه الحقيقة و هي أنّ الأنبياء مع كونهم بشرا كسائر البشر،و لكن في بعض الحالات التي يتطلّب فيها أمر الهداية و تبليغ الرسالة الإتيان بأمر غير عادي،يأتون بأفعال خارقة للعادة أو المعجزة من أجل لفت انتباه الإنسان إلى الغيب و عالم ما وراء هذه المادّة و انقطاعهم عن العلل و الأسباب الظاهرية و من ثمّ هدايتهم،نظير طوفان نوح عليه السّلام و انقلاب عصا موسى عليه السّلام إلى ثعبان،و غرق فرعون و أتباعه و ولادة عيسى عليه السّلام من غير أب،و تكلّمه و هو في المهد،و نبوّت يحيى عليه السّلام في صباه،و...
فمثل هذه الأمور الخارقة للعادة إضافة إلى تحقيق الأهداف الآنفة الذكر، تسعى إلى محو و إزالة فكرة(استبعاد موضوع الوحي و ارتباط البشر بعالم الغيب) من أذهان و أفكار عوام الناس المعاصرين للأنبياء.
و هذا الموضوع لو كان واقعي،قطعا فإنّه شامل للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و بالتبع فليس عليه غسل الجنابة،و الحال بصريح التاريخ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كان يغتسل من الجنابة،و هو مذكور في شرح أحوال النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و حياته مع أزواجه، و قطعا لا يمكن القول إنّ الأئمّة عليهم السّلام في هذا الجانب أعلى أو أكمل من النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،و ليس ببعيد كما قال المرحوم محمّد تقي المجلسي في
ص:370
«روضة المتّقين»(1) مشيرا إلى أنّ المقصود من نفي الجنابة عن الإمام هو نفي الاحتلام حال النوم،فعصمة و عظمة روح الإمام مانعة من اقتراب الشيطان و تأثيره على روحه.و الرواية التي نقلها عن«الكافي»عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام تؤيّد هذا الاحتمال.
و نفس الشبهة أيضا تصدق في مورد«ختن الإمام و ولادته مطهّرا».يعني لازم كون النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بشرا بنصّ القرآن كون أوصيائه بشرا مثله.
و لتأييد هذا المطلب المذكور-و هي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم له جنبة بشرية ظاهرية مثل الآخرين،و هذه الجهات عارضة عليهم أيضا-يمكن الرجوع إلى الروايات المنقولة من طرق الشيعة،منها:
1-رواية زرارة عن الإمام الصادق عليه السّلام:
«اغتسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم هو و زوجته من خمسة أمداد من إناء واحد،فقال له زرارة:كيف صنع؟فقال:بدأ هو فضرب بيده الماء قبلها فأنقى فرجه،ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها،ثمّ أفاض هو و أفاضت هي على نفسها حتّى فرغا...»(2).
2-و جاء في رواية محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السّلام أو الباقر عليه السّلام، عن مقدار الماء اللازم لغسل الجنابة فأجاب:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يغتسل بخمسة أمداد بينه و بين صاحبته...»(3).
ص:371