فقه الرضاع فی الشریعه الاسلامیه الغراآ: تقریرا لابحاث... جعفر السبحانی. و تلیه ثلاث رسائل فقهیه

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : فقه الرضاع فی الشریعه الاسلامیه الغراآ: تقریرا لابحاث... جعفر السبحانی. و تلیه ثلاث رسائل فقهیه/ جعفرالسبحانی؛ بقلم مکی العاملی، اعداد ابراهیم بهادری

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1424ق. = 1382.

مشخصات ظاهری : ص 277

شابک : 964-357-084-3 ؛ 964-357-084-3

يادداشت : کتاب حاضر شامل سه رساله از مولف با عناوین "دیه الحره المسلمه" و "ارث الزوج و الزوجه" و "دیه الذمی و المستامن" می باشد

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : ثلاث رسائل فقهیه

عنوان دیگر : دیه الحریه المسلمه

عنوان دیگر : ارث الزوج و الزوجه

عنوان دیگر : دیه الذمی و المستامن

موضوع : شیر مادر (فقه)

موضوع : دیات (فقه)

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : مکی عاملی، حسن

شناسه افزوده : بهادری، ابراهیم، 1325 - ، گردآورنده

شناسه افزوده : عنون

شناسه افزوده : موسسه امام صادق(ع)

رده بندی کنگره : BP189/5/س2ف7 1382

رده بندی دیویی : 297/36

شماره کتابشناسی ملی : م 83-1817

ص :1

اشارة

فهرستنويسى پيش از انتشار توسط: موسسه تعليماتى وتحقيقاتى امام صادق عليه السلام

جعفر السبحاني، 1347 -

فقه الرضاع في الشريعة الإسلامية الغرّاء / جعفر السبحاني؛ بقلم حسن مكي العاملي؛ إعداد إبراهيم البهادري. - قم: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام،

1424 ق. 1382

277 ص.

كتابنامه به صورت زيرنويس. 3-084-357-964: ISBN

الكتاب تليه رسائل ثلاث فقهية تحت العناوين التالية: «دية الحرة المسلمة»، «ارث الزوج والزوجة»، «دية الذمّيّ والمستأمن» للعلّامة جعفر السبحاني.

الكتاب بقلم حسن مكي العاملي، إعداد إبراهيم البهادري.

7 ف 2 س/ 189/5 BP 36/297

توزيع

مكتبة التوحيد

ايران - قم؛ ساحة الشهداء

7745457-2925152

info

imamsadeq.org : البريد الإلكتروني

http://www.imamsadeq.org/ (,net ,com) : العنوان في شبكة المعلومات

اسم الكتاب: فقه الرضاع في الشريعة الإسلامية الغرّاء وتليه ثلاث رسائل فقهيّة

المؤلف: حسن محمد مكي العاملي

إعداد: الشيخ إبراهيم البهادري

الطبعة: الثانية

تاريخ الطبع: 1424 ه

المطبعة: مطبعة مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

الكمّيّة: 1500 نسخة

الناشر: مؤسسة الإمام الصّادق عليه السلام

تنضيد وإخراج: مؤسسة الإمام الصّادق عليه السلام / سيد محسن البطاط

ص:2

فقه الرضاع

في

الشريعة الإسلامية الغرّاء

تقريراً لأبحاث أُستاذنا المحقّق

آية اللّه جعفر السبحاني - دام ظله -

بقلم

حسن مكي العاملي

إعداد

الشيخ إبراهيم البهادري

وتليه ثلاث رسائل فقهية

تأليف

آية اللّه جعفر السبحاني

ص:3

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» النساء: 23.

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

الوسائل: 14/280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

ص:4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المولف

الحمد للّه الّذي استغنى بجلال عظمته عن عبادة العابدين، وتعالى في سناء مجده عن مسانخة المخلوقين، غمام فضله استمطر، ووابل نعمه استهطل بقطب رحى الإمكان، وأشرف من حواه الزمان محمد المصطفى من الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، وآله الغرر الأطهار الكرام.

أمّا بعد، فقد كانت من منن الغني المعطي على هذا الفقير المحتاج حسن ابن محمد مكي العاملي - عامله اللّه بلطفه وإحسانه - التشرف بحضور مجالس إفادة شيخنا العالم الرباني، والفقيه الصمداني، آية اللّه الباري محمد جعفر السبحاني دام مجده، وعلا سؤدده في الدنيا والآخرة، في الحوزة العلمية المباركة ببلدة قم المشرفة، على مشرفتها، بنت الأولياء، آلاف التحية والثناء، وإذ قد وصل بحثه الشريف في كتاب النكاح إلى مسائل الرضاع من جملة المحرمات السببية، فأحببت إفراد هذه المباحث في رسالة مستقلة، أسوة بغير واحد من الأساطين الأعلام، راجياً من اللّه سبحانه الهداية والغفران، والذخيرة الصالحة ليوم الحسبان. وربما خطر بهذا البال الفاتر بعض النظرات أثبتها في الحاشية، واللّه تعالى مولانا المستعان.

حسن محمد مكي العاملي

ص:5

قال دام ظله:

سببيّة الرضاع للتحريم ممّا اتّفقت عليه الأُمّة جمعاء في الجملة، وقد اشتهر بينهم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

وقبل الخوض في شروط الرضاع المحرّم وأحكامه، نقدِّم أُموراً في بيان ماهيته، والقاعدة الواردة فيه.

مقدّمة الكتاب وفيها أُمور

الأمر الأوّل:

اشارة

في بيان الرضاع والنسب في اللغة

قال ابن فارس: «رضع: الراء والضاد والعين أصل واحد، وهو شرب اللبن من الضرع أو الثدي. تقول رضع المولود يرضع»(1).

وقال الراغب: «يقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع رضاعاً ورضاعةً، وعنه استعير «لئيم راضع» لمن تناهى لؤمه، وإن كان في الأصل لمن يرضع غنمه ليلاً لئلّا يسمع صوت شخبه، فلما تعورف في ذلك قيل: رضع فلان نحو: لؤم: وسمّي الثنيّتان من الأسنان الراضعتين، لاستعانة الصبيّ بهما في الرضع»(2).

ص:6


1- . معجم مقاييس اللغة: 2/400.
2- . معجم مفردات ألفاظ القرآن: 196. والحاصل من كلماتهم انّ الرضاع مصّ اللبن من الثدي بالفم ويقابله الحلب.

النسب في اللغة

قال ابن فارس: «نسب: النون والسين والباء كلمة واحدة، قياسها: اتّصال شيء بشيء. منه النسب، سمّي لاتّصاله وللاتصال به. تقول: نسبت أنسب، وهو نسيب فلان...

والنسيب: الطريق المستقيم، لاتّصال بعضه ببعض»(1).

وقال الراغب: «النسب والنسبة، اشتراك من جهة أحد الأبوين، وذلك ضربان: نسب بالطول، كالاشتراك من الآباء والابناء، ونسب بالعرض، كالنسبة بين بني الإخوة وبني الأعمام. قال تعالى: «فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً» (2). وقيل:

فلان نسيب فلان، أي قريبه. وتستعمل النسبة في مقدارين متجانسين بعض التجانس، يختصّ كل واحد منهما بالآخر»(3).

وقال ابن منظور: «النسب: نسب القرابات، وهو واحد الأنساب.

ابن سيدة: النِّسبة والنُّسبة والنَّسب: القرابة. وقيل: هو في الآباء خاصّةً»(4).

ص:7


1- . معجم مقاييس اللغة: 5/423.
2- . الفرقان: 54.
3- . مفردات ألفاظ القرآن: 490.
4- . لسان العرب: 14/118. وما ذكره ابن فارس هو الأضبط، والحاصل انّ النسب اتّصال وارتباط خارجيّ وحقيقيّ بين مجموعة من الأفراد بالولادة وما ينتهي إليها.

الأمر الثاني:

في أدلّة القاعدة

استفيدت قاعدة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» من جملة عديدة متواترة من الأخبار منها: ما هو نص في القاعدة، ومنها ما يدل على مصاديقها المختلفة. وها نحن ذاكرون شطراً ممّا ورد في هذا الشأن:

1. محمد بن علي بن الحسين باسناده عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: ان رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1).

2. محمد بن يعقوب باسناده عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرضاع؟ فقال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2).

3. محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3).

ص:8


1- . الوسائل: 14/280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
2- . الوسائل: 14/281، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
3- . الوسائل: 14/281، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

4. محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن عبيد بن زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انا أهل بيت كبير... إلى أن قال: فقال عليه السلام: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع»(1).

5. محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرضاع؟ فقال: يحرم منه ما يحرم من النسب».

ورواه الشيخ أيضاً باسناده عن الحسين بن سعيد، عن علي، عن أبي إبراهيم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(2).

6. محمد بن الحسن باسناده عن علي بن الحسين [الحسن]، عن سندي بن الربيع، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت له: إنّ أخي تزوّج امرأة فأولدها، فانطلقت امرأة أخي فأرضعت جارية من عرض الناس. فيحل لي أن أتزوج تلك الجارية الّتي أرضعتها امرأة أخي؟ فقال عليه السلام: لا، انّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3).

7. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن سنان - يعني عبد اللّه -، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاماً مملوكاً لها من لبنها حتّى فطمته،

ص:9


1- . الوسائل: 14/281، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5. وقد أورده بتمامه في الباب 2، الحديث 18.
2- . الوسائل: 14/282، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8.
3- . الوسائل: 14/300، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 7.

هل لها أن تبيعه؟ فقال: لا، هو ابنها من الرضاعة، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه، ثم قال: أليس رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1).

8. محمد بن الحسن باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلّهم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ملك الرجل والديه أو أُخته أو عمّته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أُخته وذكر أهل هذه الآية من النساء، عتقوا جميعاً، ويملك عمّه وابن أخيه وابن أُخته والخال، ولا يملك أُمّه من الرضاعة ولا أُخته ولا عمّته ولا خالته، إذا ملكن عتقن.

وقال: ما يحرم من النسب فإنّه يحرم من الرضاع.

وقال: يملك الذكور ما خلا والداً أو ولداً، ولا يملك من النساء ذات رحم محرم، قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال: نعم، يجري في الرضاع مثل ذلك»(2).

ورواه الشيخ أيضاً بأسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، وزاد: وقال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3).

9. القاضي النعمان بن محمد الإسماعيلي: روينا عن جعفر بن محمد،

ص:10


1- . الوسائل: 14/307، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
2- . الوسائل: 13/29، الباب 4 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 1.
3- . نفس المصدر، الحديث 2.

عن أبيه، عن آبائه أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1).

10. ابن أبي جمهور الاحسائي: روى سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «قلت: يا رسول اللّه، هل لك في بنت عمّك حمزة، فإنّها أجمل فتاة في قريش؟ فقال: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة؟ وأنّ اللّه تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب»(2).

11. محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة»(3).

12. محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يحرم من الرّضاع ما يحرم من القرابة»(4).

وإضافة إلى ما تقدم، هناك جملة وافرة من الأخبار تدل على القاعدة من خلال انطباق العناوين النسبية بالرضاع، منها:

13. محمد بن علي بن الحسين باسناده عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يحرم من الإماء عشر... إلى أن قال: ولا أمتك

ص:11


1- . دعائم الإسلام: 2/239، الحديث 899، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- . مستدرك الوسائل: 14/364، الباب 1 من أبواب ما يحرم من الرضاع، الحديث 4.
3- . الوسائل: 14/281، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
4- . نفس المصدر، الحديث 9.

وهي عمّتك من الرضاعة، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة، ولا أمتك وهي أُختك من الرضاعة، ولا أمتك وهي ابنة أخيك من الرضاعة» الحديث(1).

14. محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل، عن ابن شمون، عن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ثمانية لا تحل مناكحتهم... إلى أن قال: أمتك وهي عمتّك من الرضاع، أمتك وهي خالتك من الرضاع، أمتك وهي أرضعتك»(2).

15. محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار وعن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن عليه السلام في حديث قال: قلت له: «أرضعت أُمّي جارية بلبني. فقال:

هي أُختك من الرضاعة. قلت فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم ترضعها أُمّي بلبنه - يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر - قال: والفحل واحد؟ قلت: نعم، هو أخي لأبي وأُمّي. قال: اللبن للفحل، صار أبوك أباها وأُمّك أُمّها»(3).

16. محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها ولا خالها من الرضاعة»(4).

17. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: «سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل

ص:12


1- . الوسائل: 14/301، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.
2- . الوسائل: 14/300، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرّضاع، الحديث 4.
3- . الوسائل: 14/299، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
4- . نفس المصدر، الحديث 5.

واحدة منهما غلاماً، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس، أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال: لا، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ»(1).

18. محمد بن علي بن الحسين، باسناده عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ثم ترضع من لبنه جارية، يصلح لولده أن يتزوّج تلك الجارية الّتي أرضعتها، قال: «لا، هي بمنزلة الأُخت من الرضاعة، لأنّ اللبن لفحل واحد»(2).

19. عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن امرأة أرضعت جارية، ثم ولدت أولاداً، ثمّ أرضعت غلاماً، يحلّ للغلام أن يتزوّج تلك الجارية الّتي أرضعت؟ قال: «لا، هي أُخته»(3).

20. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا تنكح المرأة على عمّتها، ولا على خالتها، ولا على أُختها من الرضاعة.

وقال: إنّ عليّاً عليه السلام ذكر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم ابنة حمزة، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: أما علمت أنّها ابنة أخي من الرضاعة. وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم وعمه حمزة قد رضعا من امرأة»(4).

ص:13


1- . الوسائل: 14/295، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
2- . الوسائل: 14/297، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 13.
3- . نفسه المصدر، الحديث 14.
4- . الكافي: 5/445، الحديث 11 من باب نوادر في الرضاع، ذكره صاحب الوسائل مقطعاً في الباب 13، الحديث 1، والباب 8، الحديث 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع.

21. محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلاً تزوّج جاريةً رضيعة فأرضعتها امرأته فسد نكاحه. قال: وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية، أتصلح لولده من غيرها؟ قال: لا، قلت: فنزلت بمنزلة الأُخت من الرضاعة؟ قال: نعم، من قِبَل الأب»(1).

22. محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن أيوب بن نوح، قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام:

امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام: لا يجوز ذلك لك، لأنّ ولدها صار بمنزلة ولدك»(2).

23. محمد بن الحسن باسناده عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: ان علياً عليه السلام أتاه رجل فقال: إنّ أمتي أرضعت ولدي وقد أردت بيعها، فقال: «خذ بيدها فقل: من يشتري منّي أُمّ ولدي»(3).

24. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال:

«سألته عن رجل فجر بامرأة، أيتزوج أُمّها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا».

ورواه الشيخ والكليني بأسانيد أُخر منتهياً إلى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام(4).

ص:14


1- . الكافي: 5/444، الحديث 4 من باب نوادر في الرضاع، ذكره في الوسائل مقطّعاً، لاحظ الباب 10، الحديث 1، والباب 15، الحديث 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- . الوسائل: 14/306، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 14/309، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
4- . الوسائل: 14/325، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في كتبنا. كما ورد ذكر القاعدة في كتب أهل السنّة نشير إلى بعض رواياتهم في هذا الشأن.

25. روى البيهقي في سننه بأسانيد متعدّدة منتهياً إلى مالك، عن عبد اللّه بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة أخبرتها انّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة: فقلت: يا رسول اللّه هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: أراه فلاناً لعمّ حفصة من الرضاعة، فقلت: يا رسول اللّه لو كان فلان حياً لعمّها من الرضاعة يدخل عليّ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «نعم، انّ الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة». ورواه البخاري ومسلم(1).

26. وروى أيضاً باسناد آخر عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة». ورواه مسلم(2).

27. وروى أيضاً باسناده عن عروة، عن عائشة أنّها أخبرته أنّ عمّها من الرضاعة يسمى «أفلح» استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: «لا تحجبي، فانّه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب». ورواه مسلم.(3)

28. وروى أيضاً باسناده عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم اريد على ابنة حمزة، فقال: «إنّها لا تحلّ لي، إنّها ابنة أخي من الرضاعة، وانّ اللّه حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب». رواه البخاري ومسلم(4).

ص:15


1- . السنن الكبرى للبيهقي: 7/451.
2- . السنن الكبرى: 7/451.
3- . السنن الكبرى: 7/452.
4- . السنن الكبرى: 7/452.

قال أبو بكر محمد بن الحسين البيهقي بعد نقله الأخبار الواردة في المقام:

«وروينا هذا المذهب من التابعين عن القاسم بن محمد، وجابر بن زيد أبي الشعثاء، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والزهري»(1).

قال في التاج الجامع: رُغِّب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في نكاح بنت عمّه حمزة فقال:

«إنّها لا تحلّ لي، إنّها ابنة أخي من الرّضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم». رواه الشيخان(2).

الأمر الثالث:

في بيان حقيقة الرضاع وعلقته:

إنّ الرّضاع فعل حقيقيّ قائمٌ بين عدّة أطراف، فإنّ له إضافةً إلى المرأة المرضعة، والرّضيع، واللبن الّذي يرضعه. وهذه الإضافة الحقيقيّة المقوليّة نتيجة أمر تكوينيّ خارجيّ. ومثلها كلّ إضافة حقيقيّة مقوليّة، فإنّها تبتني على أمر تكوينيّ متحقّق في الخارج، كالأُبوّة والبُنوّة والعليّة والمعلوليّة. فإنّ خروج النطفة من الأب، والتقاءها ببويضة الأُمّ في الرّحم، ثم تكاثر الخلايا وتكاملها إلى مدّةٍ معيّنة، وخروجه بعد ذلك ولداً حيّاً، يوجب حدوث إضافة قائمة بالأب الوالد، والأُمّ الوالدة، والولد المتولّد.

ومثل ذلك، العليّة والمعلوليّة. فإنّ تأثير العلّة بإيجاد المعلول وتأثّر

ص:16


1- . السنن الكبرى: 7/453.
2- . التاج الجامع للأُصول: 2/289، كتاب النكاح، الباب الثالث في المحرّمات.

المعلول بقبول الوجود منها، واقعيّة خارجيّة، تحدث إضافة بين العلّة والمعلول.

فهناك واقعيّة بمعنى واقعيّة العلّة، وواقعيّة ثانية بمعنى واقعيّة المعلول، وواقعيّة ثالثة هي الإضافة القائمة بين الواقعيّتين الأُوليين.

والواقعيّتان الأُوليان من الجواهر، والواقعية الثالثة من الأعراض. ولا فرق في ذلك بين الإضافة المتخالفة الأطراف، كما في المثال المذكور، فإنّ النسبة القائمة بالعلّة تخالف النسبة القائمة بالمعلول، ولأجل ذلك يقال إضافة العليّة والمعلوليّة. أو المتشابهة الأطراف، كما في المحاذاة والمقابلة، فإنّ النسبة الموجودة في أحد الخطّين المتحاذيين، عين النسبة الموجودة في الخطّ الآخر.

ومثلها الأخوّة.

وعلى أيّ تقدير، فالإضافة الحقيقيّة تعتمد في تحقّقها على واقعيّة تكوينيّة، ويقابلها الإضافة الاعتباريّة كالزوجيّة والملكيّة، فإنّها صرف تنزيل ذهنيّ واعتبار عقلائيّ.

فالعقلاء لأجل آثار وغايات عقلائيّة، ينزِّلون الرجل والمرأة، المرتبطين بتعهّد ما، منزلة الزوجين التكوينيين، فيسمّون كلّاً زوجاً للآخر. قال سبحانه:

«اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ» (1)، وليس لهذه الإضافة واقعيّة خارجيّة وإنّما هي محض اعتبار عقلائيّ لأجل جملة من الضرورات الحيويّة.

وعلى ضوء ما ذكرنا نقول في المقام: إنّ الإضافة المقولية مصحّحة للإضافة الاعتباريّة، فتصير المرضعة أُمّاً، والفحل أباً، والرضيع ولداً، وأولاد المرضعة إخوةً وأخوات للرضيع، وأخوات المرضعة وإخوتها

ص:17


1- . البقرة: 35.

خالات وأخوال له، وأخوات الفحل وإخوته عمّات وأعمام له، عنايةً ومجازاً، واعتباراً وتنزيلاً.

فهناك إضافة حقيقيّة مشتقّة من الرضاع، وإضافة اعتباريّة تصحّحها تلك الإضافة المقوليّة، تنزيلاً وتشبيهاً. ووجه الشبه والتنزيل في ذلك، ارتضاع الولد التنزيليّ من المرضعة، كارتضاع الولد النسبيّ منها، وهكذا(1).

الأمر الرابع:

في توضيح قاعدة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

الظاهر المتبادر من الحديث أنّ نفس ما يحرم من جهة النسب هو بعينه يحرم من الرضاع(2). ولكن لا يصحّ هذا المعنى إذا كان المراد من الموصول في قوله «ما يحرم»، الفرد الخارجي. إذ كيف يمكن أن تكون هذه المرأة - مثلاً - الموجودة خارجاً والمحرمة بنسب كالأُمومة، محرمة بالرضاع أيضاً؟ إذ بعد سبق حرمتها بالنسب، لا تحتاج في الحرمة إلى أيّ عنوان عرضيّ آخر. وكان الشيخ

ص:18


1- . ما ذكره دام ظله صحيح إلّاانّه لابدّ من ملاحظة شيء وهو انّ تلك الإضافة المقوليّة ليست هي فقط المصحّح لاعتبار العناوين الرضاعيّة، بل ربما لوحظت في نظر العرف أُمور أُخرى غير صرف الرضاع. ألاترى لو أنّ طفلاً رضع من شاة مدّةً، فهل تكون الشاة أُمّه وأُختها خالته الخ... بل ربما لاحظ العرف في تحقّق هذه العناوين كون اللبن محترماً لا مثل لبن الفجور، كما سنذكره فيما يأتي إن شاء اللّه تعالى. وكذا يلاحظ عدد الرضعات فلا تكفي الرضعة والرضعتان لصيرورة المرضعة أُمّاً، وهكذا...
2- . وقد اعترف بذلك الشيخ الأعظم في رسالته رغم ما ارتكبه من التقدير، لاحظ كتاب النكاح: 285.

الأعظم جعله كناية عن الفرد، وصار في تصحيح العبارة إلى تقدير لفظة «نظير» وقال: «ومعنى هذه العبارة أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب»(1) حتّى يصحّح المعنى.

ولكنّا إذا قلنا بأنّ المراد من الموصول العناوين النسبيّة السبعة المحرّمة الواردة في الذكر الحكيم في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ...» (2)، لكان المعنى حينئذ ان «كلّ عنوان محرّم من جهة النسب، هو بنفسه محرّم من جهة الرضاع»، فالأُمومة - مثلاً - المتحقّقة بالنسب والمتحقّقة بالرضاع، سواء في الحكم.

وعندئذ لا حاجة إلى تقدير لفظة «نظير» مع ما فيه من سقوط العبارة عن البلاغة الخاصّة لكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم.

والعجب من الشيخ الأعظم قدس سره حيث فسر الحديث - بعد تقديره لفظة «نظير» - بما فسرناه. قال: «وإنّما عبّر بهذا للتنبيه على اعتبار اتّحاد العنوان الحاصل بالرضاع والحاصل بالنسب في التحريم صنفاً، مثلاً الأُمّ محرّمة من جهة النسب، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان، حصل التحريم من جهة الرضاع.

ص:19


1- . كتاب النكاح: 285، المقصد الثالث في المحرمات.
2- . النساء: 23.

ولو حصل بالرضاع ما يلازمه (العنوان) مثل أُمومة أخيه لأبويه، لم يحرم(1)...

إلى أن قال:

فحاصل معنى هذا الحديث: التسوية بين النسب والرضاع في إيجاب التحريم، وأنّ العلاقة الرضاعيّة تقوم مقام العلاقة النسبيّة، وتنزل مكانها(2).

ولا يخفى أنّ ما ذكره ذيلاً يناسب إرادة العنوان الكلي من الموصول، لا الفرد الخارجي، وعند ذاك لا حاجة إلى تقدير كلمة «نظير».

الأمر الخامس:

في عدم شمول القاعدة للمصاهرة

لا شك أنّ القاعدة نصّ في قيام العلاقة الرضاعيّة مقام العلاقة النسبية، ولكن هل يمكن أن يستفاد منها أيضاً قيام العلاقة الرضاعيّة مقام العلاقة المصاهريّة أو لا؟

الظاهر هو العدم، لأنّ المتبادر من الحديث قيام الرضاع مقام النسب.

ص:20


1- . فلو رضع صبي من امرأة حرمت عليه دون أخيه لأبويه، لأنّها أُمّ أخيه لأبويه بالرضاع، لا أُمّه، والعنوان المحرِّم في النسب هو أُمّ نفس الإنسان لا «أُمّ الأخ»، ولو حرمت أُمّ الأخ في النسب، فلكونها أُمّ المحرّم عليه لا لكونها أُمّ أخيه. ولأجل ذلك لا تكون العناوين الملازمة في النسب، محرّمة في الرضاع، فأُمّ الأخ للأبوين محرّمة في النسب دون الرضاع، لأنّها في الأوّل ملازمة لأُمومة نفس الإنسان المحرّم عليه، بخلاف باب الرضاع، فليست ملازمة للأُمومة فيه. وسيأتي الكلام في ذلك مفصّلاً عند البحث عن عموم المنزلة.
2- . كتاب النكاح: 285-286.

والنسب غير المصاهرة. قال سبحانه: «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً» (1).(2)

وعلى هذا فلو أرضعت ولدك امرأة، فلا تحرم عليك أُمّها من حيث إنّها الجدة الرضاعية لولدك، لأنّ جدة الولد النسبي إنّما تحرم على الرجل لكونها أُمّ زوجته، والزوجيّة هنا منتفية، ومجرد إرضاع ولد الرجل لا يصيِّر المرضعةَ في حكم الزوجة، لأنّه لا يصحّح مصاهرةً بلا ريب.

نعم، الأُمّ المرضعة للزوجة الحقيقية محرّمة على الزوج، لا لقيام الرضاع مقام المصاهرة، بل لقيامه مقام النسب. وذلك لأنّ المحرّم حسب قوله سبحانه:

«وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» ، هو أُمّ الزوجة، والزوجيّة ثابتة هنا بلا ريب.

ص:21


1- . الفرقان: 54.
2- . أقول: حجّة من قال بشمول الحديث للعلاقات المصاهريّة إطلاق النسب في الحديث، فإنّه أعمّ ممّا كان النسب فيه علّةً تامّةً في التحريم كالأُمومة والبنوّة وسائر النسبيّات السبعة الواردة في الآية. أو النسب جزء علّة فيه، كحرمة أُمّ الزوجة على الزوج، وأُمّ المزنيّ بها وبنتها على الزّاني، وأُمّ الموقَبِ وأُخته وبنته على الفاعل. والقسم الأوّل من الثلاثة الأخيرة داخلٌ في العلاقات المصاهريّة. فإنّ حرمة أُمّ الزوجة ناتج عن أمرين: علاقة نسبيّة وهي أُمومة الأُمّ للزوجة، وعلاقة مصاهريّة وهي زوجيّة المرأة للرجل، فكما يمكن إسناد الحرمة إلى كلا الجهتين، كذلك يمكن إسنادها إلى كلّ واحدةٍ منهما، فيكون عنوان «أُمّ الزوجة» من العناوين النسبيّة أيضاً. وأمّا عدّها الفقهاء في المحرّمات بالمصاهرة، فلأجل مقابلتها مع ما هو ممحض في النسب كالعناوين السبعة المعروفة. وهكذا في القسمين الأخيرين، فإنّ الحرمة فيهما ناتجة عن علاقة نسبيّة بإضافة فعل الزنا والإيقاب. فحاصل الحديث أنّ الرضاع قائم مقام كل مورد تكون العلاقة النسبيّة فيه دخيلة في الحكم بالحرمة، وله حكمه، فيشمل العلاقات المصاهرية. ولا يخفى عليك أنّ ما ذكره الأُستاذ دام ظلّه أدقّ وأقرب إلى الصواب.

وإنّما الكلام في ثبوت الجزء الثاني، أعني: كون المرضعة للزوجة أُمّاً لها حكماً، وهو ما يثبته الحديث بنصّ دلالته، حيث نزل الأُمّ الرضاعيّة منزلة الأُمّ الحقيقيّة. فقام الرضاع مقام النسب لا مقام المصاهرة، والمبدل به هو النسب الحاصل بين الأُمّ والزوجة.

والحاصل: أنّه إذا كانت المصاهرة منتفية، فلا يمكن إثبات الحرمة بالرضاع. لأنّ مفاد أدلّة نشر الحرمة به، وإلحاقه بالنسب، وجعل كلّ عنوان حاصل به في حكم العنوان الحاصل بالنسب لا غير.

ففي المثال الأوّل الّذي ذكرناه، لا دليل على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة حتّى تحرم أُمّها على الزوج - باعتبار أنّها أُمّ زوجته - لأنّ الأُمومة محقّقةٌ، غير محتاجة إلى تنزيلٍ، والزوجيّة منتفيةٌ، والرضاع لا يصحِّح مصاهرةً (1).

وهذا بخلاف ما إذا كان النسب منتفياً والمصاهرة متحقّقةً، كالأُمّ الرضاعية للزوجة الحقيقيّة، فالزوجيّة حاصلةٌ لا تحتاج إلى التنزيل، وإنّما المحتاج إليه هو الأُمومة، فتنزل الأُمّ الرضاعيّة منزلة الأُمّ النسبية بمقتضى الحديث، فتكون المسألة من قبيل ما إذا كان الموضوع مركّباً من جزءين، احرز أحدهما بالوجدان، والآخر بالتنزيل، وتكون النتيجة حرمة الأُمّ الرضاعية للزوجة على الزوج كما لا يخفى.

نعم من استظهر من الحديث أنّ المراد بلفظ النسب، النسب الحاصل بين

ص:22


1- . أي أنّ إرضاع امرأة ولدَ رجلٍ لا يجعلها زوجة له ولو حكماً، حتّى تتحقّق بذلك علاقات مصاهرية فيما بين الرجل وانساب المرأة، ولم يدّع ذلك أحدٌ.

المحرّم والمحرّم عليه(1) فالرضاع حينئذ إنّما ينزل منزلة النسب إذا كان التنزيل بين المحرّم والمحرّم عليه، كتنزيل الأُم الرضاعية للرجل منزلة الأُمّ الحقيقيّة. لا ما إذا كان التنزيل بين غيرهما كتنزيل الأُمّ الرضاعيّة للزوجة، منزلة الأُمّ الحقيقيّة لها، فإنّ طرفي التنزيل فيه هما: الأُمّ الرضاعيّة للزوجة، والأُمّ الحقيقيّة لها، وأمّا الزوج فهو خارج عن حدود التنزيل، كما هو واضح.

ولكن هذا تقييد من غير دليل، بل المراد من النسب في الحديث مطلق النسب الموجب للتحريم، سواء كان حاصلاً بين نفس المحرّم والمحرّم عليه كما مثّلناه، أم كان بين أحدهما - وهو الأُم الرضاعيّة للزوجة هنا - وطرف ثالث، وهو الزوجة هنا، ولا يكون التنزيل لغواً، بل يؤثّر حرمة الأُمّ الرضاعية للزوجة - المنزّلة منزلة الأُمّ الحقيقيّة لها - على الزوج.

وبهذا يظهر إمكان استفادة حرمة الأُمّ الرضاعيّة للمزنيّ بها على الزاني.

وحرمة أُمّ الغلام الموقَب فيه وابنته وأُخته من الرضاعة على الموقِب، لأنّ موضوع الحرمة مركّبٌ من أمرين:

الأوّل: الزنا أو الإيقاب، وهو حاصل بالوجدان.

الثاني: كون المرأة أُمّاً للمزنيّ بها أو الغلام الموقَب فيه، أو بنتاً أو أُختاً له، وهذا ثابت بتنزيل الحديث الرضاعيات من الأُم والبنت والأُخت مكانَ النسبيّات منهنّ، فتحرمن جميعهنّ على الزاني والموقِب كحرمة النسبيّات.

ص:23


1- . منشأ هذا التوهم أنّ الأنساب السبعة المحرّمة بالآية الكريمة هي الأنساب المحققّة بين الإنسان نفسه والطرف الّذي حرم عليه. فالأُمّ النسبية الّتي تحرم على الإنسان هي المرأة الّتي ولدته، فيقال حينئذ: انّ الأُمّ الرضاعية هي المرأة الّتي أرضعته، وهكذا بالنسبة إلى بقيّة الأنساب. فالنسب الوارد في الحديث محمول على من له ارتباط بالإنسان نفسه، ولا يشمل مثل الأُمومة بين زوجته وأُمّها.

الأمر السادس:

الظاهر أنّ العناوين السبعة الواردة في الآية الكريمة(1)، موضوعة للحاصلة بالولادة، لا للجامع بينها والحاصلة بالرضاع، كما أنّها ليست مشتركات لفظيّة للعناوين الحاصلة بالولادة والرضاع، وذلك كله بحكم التبادر، فإنّ المتبادر عند العرف من «الأُمّ»، هو الأُمّ النسبيّة، أعني: المرأة الّتي ولدتك، دون الرضاعيّة منها.

ولأجل ذلك لا يصحّ التمسك بالآية لتحريم هذه العناوين في غيرالنسبيّة، لكونها حقيقةً فيها خاصّةً، كما لا يتوقّف في التمسك بها في النسبيّات، لعدم الاشتراك اللفظي حتّى يحتاج إلى قرينة.

ومن هنا يتّضح انّ إطلاق هذه العناوين على الرضاعيات من باب التشبيه والاستعارة، لشباهة بينهما.

الأمر السابع:

اشارة

في أنّه ليس للرضاع حقيقة شرعيّة ولا متشرعة

الظاهر أنّه ليس للرضاع إلّامعنى واحد متبادر عند الجميع(2) وعلى ذلك، فلو شك في كون شيء شرطاً لنشر الحرمة أو مانعاً منه، فالإطلاق هو المحكم حتّى يثبت خلافه، كما هو الحال في سائر المفاهيم العرفيّة.

ص:24


1- . قوله سبحانه: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ...» النساء: 23.
2- . تقدّم أنّ الحاصل من كلمات أهل اللغة أنّ الرضاع مطلق مصّ اللبن من الثدي بالفم.

وهذا بخلاف ما إذا قلنا: إنّ له حقيقةً شرعيّةً ومصطلحاً خاصّاً، فلا يمكن التمسك بالإطلاق عند الشك في الشرطيّة أو المانعيّة، لعدم العلم بالموضوع له، ويعود الشك إلى كون المورد مصداقاً له أو لا، وهذا واضح(1).

ما هو المرجع في الشبهات الحكميّة والموضوعية؟

وبما أنّ المختار أنّ اللفظ باق على معناه العرفي، فكلّما شك في كون شيء شرطاً أو مانعاً يحكم بعدمه بمقتضى الإطلاق الموجود في الأدلّة نحو قوله تعالى: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» (2).

هذا كلّه إذا كانت الشبهة حكميّةً.

وأمّا إذا كانت الشبهة موضوعيّةً، مع كون مفهوم الرضاع أمراً واضحاً مبيّناً، فالمرجع هو الأُصول العمليّة الموضوعيّة، أو الحكميّة عند عدم الأولى، فإذا

ص:25


1- . أقول: لا يخفى أنّه يمكن على القول بالحقيقة الشرعيّة، التمسك بالإطلاق، لا اللفظي، بل المقامي، وذلك أنّ العرف الّذي لا طريق له حينئذ إلى فهم مراد الشارع إلّابيانه، يقول: إنّ الشارع فيما ذكر من الرضاع بصدد بيان تمام ما له دخل في حكمه، وهو نشر الحرمة به، فلو كان هناك شيء آخر غير المذكورات في الأدلّة له دخل في الحكم، عليه البيان. لكن هذا إنّما يصحّ مع تحقّق أمرين: الأوّل: إحراز كون الشارع في مقام بيان تمام ما هو مأخوذ في الموضوع ممّا له دخل في ترتّب الحكم. الثاني: كون الشبهة مفهوميّةً خالصةً، وإلّا لو كان مردها إلى الشك في المصداق فلا يمكن، لأنّ مرجعه حينئذٍ إلى الشك في أنّ هذا النمط من الرضاع هل هو من مصاديق الرضاع المحرِّم أو لا؟ والتمسك بالعام أو إطلاق اللفظ في مشكوك المصداقية غير صحيح، ويكون من قبيل إثبات الموضوع بالحكم وهو غير معقول.
2- . النساء: 23.

شك في كون الرضاع متحقّقاً بشروطه الشرعيّة كيفاً وكمّاً، جرت أصالة عدم تحقّق العناوين السبعة المحرّمة، على وجه لا يكون مثبتاً، كما أنّه يجوز التمسك - عند عدم الأصل الموضوعي - بالأصل الحكمي، أعني: بقاء الحليّة وجواز التزويج، كما لا يخفى.

وبهذا تبيّن أنّ المرجع في الشبهات الحكميّة هو الإطلاقات، وفي الشبهات الموضوعيّة هو الأُصول العمليّة.

ص:26

شرائط الرضاع

اشارة

إذا عرفت ما قدّمناه، فاعلم أنّه لابدّ في تحقّق الرّضاع عرفاً أو شرعاً من شروط، إليك بيانها:

الشرط الأوّل:

اشارة

أن يكون اللبن عن نكاح صحيح أو ملك يمين

أقول: هكذا عنونه المحقّق رحمه الله في الشرائع. والمراد من النكاح هو الوطء لا العقد(1). وما عبر به هو ما استحصله من الروايات، والوارد فيها انّما هو اشتراط كون اللبن «لبن الولادة»، أو ما يقاربه.

ص:27


1- . أقول: مراد المحقق رحمه الله وكذا غيره من الفقهاء، من النكاح في هذا المقام هو الوطء عن عقدصحيح، كما في المتن. والظاهر كون هذا الاستعمال مسامحة، وكون النكاح بمعنى العقد لجملة من الأدلّة، أوضحها قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها...» الأحزاب: 49. ويؤيّد ذلك ما ذكره الراغب في مفرداته قال: «محال أن يكون (أي النكاح) في الأصل للجماع ثم استعير للعقد، لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات، لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه». المفردات: 505.

قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: «إذا درّ لبن امرأة من غير ولادة، فأرضعت صبيّاً صغيراً، لم ينشر الحرمة.

وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم»(1).

وأشار بقوله: «أخبارهم» إلى الروايات التالية:

1. ما رواه يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جاريةً وغلاماً من ذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: «لا»(2).

2. ما رواه يعقوب بن شعيب، قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأة درّ لبنها من غير ولادةٍ فأرضعت ذكراناً وأُناثاً، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي: «لا»(3).

أضف إلى ذلك انصراف أدلّة الرضاع عمّا درّ من دون ولادة، لندرة وجوده، إذا قلنا إنّ ندرة الوجود كندرة الاستعمال من أسباب الانصراف.

فإذا ثبت الانصراف صار المقام مجرى للأُصول الموضوعيّة أو الحكميّة القاضية بالحليّة.

ص:28


1- . الخلاف: 5/108، المسألة 22 من كتاب الرضاع.
2- . الوسائل: 14/302، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 14/302، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

صور درّ اللّبن

ثم إنّ للدرّ صوراً تختلف في حكمها وضوحاً وخفاءً، وهي:

1. درّ اللبن بلا وطء أصلاً.

2. درّه من المنكوحة الحامل، إذا لم يكن مستنداً إلى تكوّن الحمل في رحمها.

3. الصورة السابقة، مع كون الدرّ مشكوك الحال في كونه مستنداً إلى الحمل أو لا.

4. الصورة السابقة، مع العلم باستناد الدرّ إلى تكوّن الحمل.

5. درّه بعد الولادة، مع العلم بكونه استمراراً لدرّ سابق، لا مستنداً إلى تكوّن الولد في الرحم.

لا شك انّ الدرّ، حسب الروايتين والإجماع المحكيّ وانصراف الأدلّة عنه، لا ينشر الحرمة فيما إذا علم عدم استناده إلى تكوّن آدميّ في الرحم، سواء كانت المرأة موطوءةً أم لا، وسواء كانت حاملاً أم فارغةً عنه.

كما لا ينشر الحرمة فيما إذا شك في استناده إلى الحمل واحتمل كونه درّاً محضاً.

وإنّما الكلام فيما لو درّ اللبن من الحامل وعلم استناده إلى تكوّن الحمل، فهل هو ناشر للحرمة أو لا؟ قد يقال بعدم نشره الحرمة بحجّة انّه ليس لبن الولادة الوارد في الروايتين.

ص:29

وقد يقال بكفايته بادّعاء انّ المتبادر من سؤال السائل «عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة» وجواب الإمام، هو انّه عليه السلام بصدد نفي كفاية الدرّ بلا حمل، لا بيان شرطية الولادة. وعلى هذا لا يصل الأمر - بعد شمول الإطلاقات لهذه الصورة، وقصور دليل المخصّص عن اشتراط الولادة، وكون القدر المتيقن منه نفي الدرّ المحض - إلى قوله تعالى: «وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» (1) فيكون القول بنشر الحرمة في هذه الصورة أحوط، بل أقوى، كما لا يخفى(2).

ص:30


1- . النساء: 24.
2- . أقول: الأصحاب في هذه المسألة على قولين: الأوّل: كفاية ما درّ أثناء الحمل في نشر الحرمة، جزم به العلّامة في القواعد، ومال إليه الشهيد الثاني في المسالك والروضة، وحكى عن الشيخ في المبسوط. الثاني: عدم كفاية ما درّ أثناء الحمل واشتراط الولادة في نشر الحرمة، جزم به العلّامة في التحرير، ومال إليه في التذكرة، واختاره صاحب الحدائق. ولا يبعد قوّة هذا الثاني على خلاف ما ذكره الأُستاذ مد ظله، لا من جهة قوله عليه السلام: «لبن ولدك» كما في الخبر بأن يقال: انّ اسم الولد لا يصدق إلّامع الوضع كما في المسالك، أو يقال: انّ لبن الولد لا يصدق إلّابعد الولادة، كما ذكره في الحدائق، بل اعتماداً على ما ورد في الخبرين بعد التدقيق، حيث سئل عليه السلام عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة، أي هل يكفي هذا في التحريم؟ فأجاب عليه السلام: لا، أي لا يكفي اللبن الّذي درّ من غير ولادة في التحريم. والولادة مفهومها واضح وليست بمعنى النكاح أو الحمل حتّى يقال: انّها ناظرةٌ إلى درّه مع عدمهما. فتكون صريحاً في اشتراط الولادة مع أنّ نشر الحرمة خلاف الأصل، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو حمل الرضاع على ما هو المتعارف منه، وهو ما كان بعد الولادة. نعم لا يصحّ التمسّك بصحيحة ابن سنان على ما ذكرناه، إذ يكفي في دفع دلالتها أنّه يصدق عرفاً على الحمل أيضاً أنّه ولد، وعلى اللبن الّذي يدرّ بسبب الحمل أنّه «لبن الولد». وأمّا كونها سيقت لبيان وحدة الفحل فربما لا يظهر ذلك من السياق.

فإن قلت: كيف يمكن أن يقال بكفاية لبن الحامل، إن علم استناد اللبن إلى تكوّن الجنين، مع أنّه ورد في صحيحة ابن سنان ما يظهر منه خلافه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لبن الفحل؟ قال: «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك، ولد امرأة أُخرى، فهو حرام»(1).

فانّ لازم قوله: «لبن ولدك» شرطية تولّد الولد، وعدم كفاية كونه حملاً.

قلت: الظاهر انّ الرواية سيقت لبيان وحدة الفحل لا لبيان دخالة ولادة الولد، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى بعض ما يدل على شرطية وحدة الفحل.

ثمّ إنّ المنساق من تعبير المحقّق بكون اللبن عن وطء صحيح، عدم كفاية سبق ماء الرجل إلى داخل فرج المرأة من دون دخول، كما ربما يتّفق. ولكن الّذي يظهر من الروايات كفاية كون اللبن لبن الولادة وإن لم يكن هناك دخول.

بشرط استناد الولادة إلى فحل شرعيّ، ولعلّ صحيحة ابن سنان المتقدّمة تعمّ المورد حيث قال: «ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك، ولد امرأة أُخرى، فهو حرام».

ومن هنا يعلم أنّ التعبير بالنكاح أو الوطء من باب الغلبة وإلّا فالتعبير الدقيق ما ذكرناه في صدر البحث.

حكم اللبن عن الوطء بالشبهة

إذا حملت المرأة عن وطء بالشبهة، فأرضعت حال الحمل أو بعد الولادة، على الخلاف، فهل هو ناشر للحرمة أو لا؟ قال الشيخ الأنصاري قدس سره: وأمّا الوطء

ص:31


1- . الوسائل: 14/294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

بالشبهة، فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح كما في غالب الأحكام، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع.(1)

والظاهر ما هو المشهور، لأنّه ملحق بالوطء الصحيح، فتشمله الإطلاقات.

وقد دلّ الاستقراء على مشاركة ولد الشبهة غيره في كثير من الأحكام من الإرث، ولزوم النفقة، ولزوم المهر على الموطوءة، والاعتداد.

ويمكن الاستدلال بما ورد عنهم عليهم السلام نحو ما رواه أبو بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «نهى رسول اللّه أن يقال للإماء: يا بنت كذا وكذا، فإنّ لكلّ قوم نكاحاً»(2) الوارد في الأنكحة الرائجة بين المجوس وغيرهم. فإذا تلقّى الشارع هذه الأنكحة الفاسدة في شرعنا، بالقبول في الظاهر، ورتّب عليها أثر النكاح الصحيح واقعاً، فيلزم تلقّي الوطء عن شبهةٍ كالوطء عن النكاح الصحيح.

والجامع بينهما هو الشبهة، غاية الأمر انّ الشبهة في القسم الأوّل حكميّةٌ وفي الثاني موضوعيّةٌ، وهو بمجرّده لا يكون فارقاً بين الأمرين.

فإذا كان إقدام الإنسان على عمل باعتقاد كونه عملاً صحيحاً، مرضيّاً عند اللّه، فلا ريب أنّ الشارع يتلقّاه صحيحاً ويرتّب عليه الأثر. وبذلك يظهر ضعف ما نقل عن الحلّي من التردد، فتمسّك بأصالة الحليّة تارةً، وبمنع وجود العموم في الأدلّة أُخرى، وعدم الدليل على عموم المنزلة - أي تنزيل المتولّد عن شبهة منزلة الولد الصحيح - ثالثةً (3).

ص:32


1- . كتاب النكاح: 292.
2- . الوسائل: 14/588، الباب 83 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
3- . السرائر: 2/552.

والكلّ ضعيفٌ، لبطلان الأصل بعد وجود الدليل، كما تقدّم، وشمول إطلاق قوله تعالى: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» للموطوءة عن شبهةٍ لكونها أُمّاً رضاعيّةً قطعاً، وثبوت التنزيل كما قدّمنا في قوله: «فانّ لكلّ قوم نكاحاً»، وغيره(1)، من غير فرق بين كون الشبهة من الطرفين أو من طرف واحد.

حكم لبن الخنثى

هل لبن الخنثى المشكلة الموطوءة بالشبهة ناشرٌ للحرمة أو لا؟ الظاهر عدم نشره للحرمة، للشكّ في كونها امرأةً، اللّهم إلّاإذا بان بالحمل كونها غير مشكلة، وإلّا فوجور اللبن الموجود في ثديها بعد الوطء لا يكون دليلاً على كونها أُنثى.

ويؤيّد ما ذكرنا رواية زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها» الحديث(2).

فالموضوع هو كون المرضعة امرأةً. وهو مشكوك في الخنثى المشكلة.

ص:33


1- . وأقوى الأدلّة أوّلها الّذي ذكره دام ظلّه من إلحاق الوطء، بالشبهة بالصحيح، كما دلّ عليه الاستقراء في كثير من الأحكام. أقول: يضاف إلى ذلك انّ ثبوت النسب شرعاً بالوطء عن شبهة، كاشف عن كمال اعتبار وإمضاء الشارع لهذا الوطء، فيكون اللبن الناتج عنه مثله في الاعتبار.
2- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

حكم لبن الفجور

هل اللبن الحاصل من وطء محرّم ناشرٌ للحرمة أو لا؟

استدلّ على عدم النشر بوجوه:

1. الإجماع بقسميه، كما في الجواهر.(1)

2. ما في دعائم الإسلام عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لبن الحرام لا يحرِّم الحلال، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها رجلاً، ثم أرضعت بلبن فجور.

قال: من أرضع من لبن فجورٍ صبيّةً لم يحرم نكاحها، لأنّ لبن الحرام لا يحرِّم الحلال»(2).

3. ما رواه بريد العجلي في حديث قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسّر لي ذلك؟ فقال: كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الّذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام فانّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الّذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وانّما هو من نسب ناحية الصهر رضاع، ولا يحرم شيئاً، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم»(3).

ص:34


1- . جواهر الكلام: 29/265-266.
2- . دعائم الإسلام: 2/243، الحديث 916.
3- . الوسائل: 14/293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1. أقول: وجه دلالته أنه فسّر ما يحرم من الرضاع، بلبن الفحل. ولبن الزانية ليس لبن فحل، إذ ليس الزاني فحلها، بلا شك. والإنصاف انّ دلالته على المطلوب قويّة رغم ما أورده الأُستاذ دام ظلّه.

4. صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لبن الفحل؟ قال: «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك، ولد امرأة أُخرى، فهو حرام»(1).

والكلّ كما ترى، فإنّ الإجماع غير ثابت، وعلى فرض ثبوته يمكن أن يكون المستند ما ذكرناه من الروايات.

وما تفرّد به الدعائم لا يصحّ الاعتماد عليه.

وأمّا الروايتان فمن المحتمل جدّاً أن يكون ذكر الفحل لردّ عدم كفاية الدرّ المحض، ويقرب ذلك انّ فقهاء العامّة اتّفقوا على كفاية الدرّ كما نقلناه عن الخلاف، فهي بصدد ردّ ما اشتهر بينهم من كفاية الارتضاع بمطلق اللبن وإن لم يكن هناك ولادة ولا حمل، بل ولا وطء.

وربما يقال: بأنّ الفحل الوارد في الرواية كناية عن الوطء الصحيح فيخرج الموطوءة عن زنا.

كما أنّ لفظ «امرأتك» في صحيح ابن سنان يمكن أن يكون مشيراً

ص:35


1- . الوسائل: 14/294، الباب 6، من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4. أقول: وجه دلالته تفسيره عليه السلام لبن الفحل بما ترضعه امرأة الإنسان، والزانية ليست كذلك، ودلالته قويّة كسابقه، وربما كان مفسّراً له. وهنا دليل آخر استدلّ به لم يذكره الأُستاذ دام ظلّه وإن أورده في مقام آخر، وهو دعوى انصراف عمومات الرضاع عن لبن الفجور باعتبار ندرة وجوده إذا كان مصحّحاً للانصراف ولا يقول الأُستاذ بهذا النوع من الانصراف في بحوثه الفقهية والأُصولية.

إلى وحدة الفحل، وانّه يجب أن يكون اللبن مستنداً إلى شخص واحد لا شخصين، أو مشيراً إلى عدم كفاية ارتضاع لبن الرجل وإن كان نادراً، أو لعلّه لردّ ما ربما ينقل عن مالك من أنّه لو ارتضع الصغيران من لبن البهيمة تعلّق به التحريم، بحجّة انّهما شربا من لبن واحد فصارا أخوين كما لو شربا من لبن امرأة(1).

ولأجل ذلك لا يترك الاحتياط في المقام، ولا يتزوّج الرضيع من لبن الفجور، بعد بلوغه، المرضعة وبنتها وأُختها(2).

والولد المتولّد من زنا، ولد عرفيّ يترتّب عليه آثار الأولاد إلّاما خرج بالدليل الشرعي، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ الرضاع أمر تكوينيّ منه العظم وينبت اللحم، واللبن الصحيح وغيره فيهما سيّان. وبذلك يظهر أنه لا وجه لتمسك العلّامة بلفظ «الفحل» أو «أمرأتك» كما في التذكرة لإثبات انّ المقتضي للتحريم، اللبن الصادر عن نكاح يلحق به النسب، سواء كان صحيحاً أو وطء شبهة أو ملك يمين.

ص:36


1- . لاحظ التذكرة: 2/614 من الطبعة القديمة. وقال الشيخ في الخلاف: 5/103: وحكي ذلك عن مالك، والصحيح انّه غيره، وقال ابن قدامة في المغني: 9/205: وحكي عن بعض السلف أنّهما إذا ارتضعا من لبن بهيمة صارا أخوين.
2- . أقول: مقتضى الأصل إذا لم يقم دليل على نشر لبن الزانية للحرمة - كما استظهره دام ظلّه - مع عدم إمكان التمسك بالعمومات لكونه شبهة مصداقيّة على الأقلّ، استصحاب الإباحة السابقة. فانّ نشر الحرمة خلاف الأصل الأوّليّ، وإثباته أو الاحتياط فيه يحتاج إلى دليل أو شبهة دليل، وهما مفقودان إلّابعض الاعتبارات.

عدم اشتراط بقاء المرضعة في حبال الرجل

لا يشترط بقاء المرأة في حبال الرجل، بل الموضوع كون اللبن لفحل واحد، سواء كان باقياً عند الإرضاع أو لا. وعلى ذلك تترتّب صور:

1. أن يطلّقها الرجل وهي حامل منه، ثم وضعت وأرضعت.

2. الصورة السابقة، لكنّها أرضعت حاملاً، على القول بكفايته.

3. أن يطلّقها وهي مرضعةٌ.

4. أن يموت عنها، فترضع بعد موته.

ولا فرق في جميع الصور في نشر الحرمة بين أن يكون الإرضاع في العدّة أو بعدها، وبعد مدّة قصيرة من الانفصال أو طويلة، ولا بين أن ينقطع اللبن ثمّ يعود أو يبقى متّصلاً، كلّ ذلك لاستناد اللبن إلى الفحل، والإرضاع إلى الأُمّ، وهما تمام الموضوع.

حكم تزوّج المرضعة رجلاً آخر

بعد ما علم أنّ المدار في نشر الحرمة استناد اللبن إلى الزوج، فلو خرجت عن حباله وتزوّجت رجلاً آخر، فانّ لبنها ناشر للحرمة، وزوجها الأوّل صاحب اللبن، سواء لم يدخل بها الثاني أو دخل ولم تحمل منه، أو حملت وكان اللبن بحاله، لم تحدث فيه زيادة أصلاً، أو زاد وكان قليلاً لا يضرّ باستناد اللبن إلى الزوج الأوّل.

ص:37

أمّا لو زاد لبنها بعد الحمل من الثاني زيادة تورث الظنّ بكونه من الحمل، - وحدّده الشافعي في أحد قوليه بمضيّ أربعين يوماً من الحمل الثاني(1) - ففيه وجهان:

الأخذ بظاهر الحال، فاللبن لهما، فلا ينشر الحرمة لاشتراط اتّحاد الفحل.

أو أنّه للأوّل، لأصالة عدم حدوث لبن آخر مستند إلى سبب آخر.

والأوّل أحوط، والثاني أوفق بالقاعدة.

أما لو أرضعت بعد وضع الحمل فلا شك انّه للزوج، لأنّه غذاء للولد الجديد من الزوج الثاني.

وهذه الفروع وغيرها ذكرها العلّامة في التذكرة. وأكثرها فروع نادرة، فلاحظ(2).

الشرط الثاني:

اشارة

كميّة الرضاع

اختلفت المذاهب الإسلامية في كميّة اللبن الناشر للحرمة على أقوال، وهي بين الجمهور لا تتجاوز الثلاثة(3).

1. خمس رضعات متفرّقات.

2. ثلاث رضعات.

ص:38


1- . نقله عنه العلّامة في التذكرة: 2/617 من الطبعة القديمة.
2- . التذكرة: 2/616-617 من الطبعة القديمة.
3- . سيأتي ذكر قول رابع لهم، وهو عشر رضعات عند نقل كلام ابن رشد.

3. الرضعة بل المصّة الواحدة ولو كانت قطرةً.

قال الشيخ قدس سره في الخلاف:

«وقال الشافعي: لا يحرّم إلّافي خمس رضعات متفرّقات، فإن كان دونها لم يحرّم، وبه قال ابن الزبير، وعائشة، وفي التابعين: سعيد بن جبير، وطاووس.

وفي الفقهاء: أحمد، وإسحاق.

وقال قوم: إنّ قدرها ثلاث رضعات فما فوقها، فأمّا أقلّ منها فلا ينشر الحرمة، ذهب إليه زيد بن ثابت في الصحابة. وإليه ذهب أبو ثور، وأهل الظاهر.

وقال قوم: إنّ الرضعة الواحدة أو المصّة الواحدة، حتّى لو كان قطرة تنشر الحرمة، ذهب إليه على ما رووه، عليّ عليه السلام، وابن عمر، وابن عباس. وبه قال في الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه»(1).

وقال ابن رشد: «أمّا مقدار المحرِّم من اللبن. فانّ قوماً قالوا فيه بعدم التحديد، وهو مذهب مالك وأصحابه، وروي عن عليّ وابن مسعود، وهو قول ابن عمر وابن عباس، وهؤلاء يحرِّم عندهم أيّ قدر كان، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي.

وقالت طائفة بتحديد القدر المحرِّم، وهؤلاء انقسموا ثلاث فرق:

فقالت طائفة: لا تحرّم المصّة ولا المصّتان، وتحرِّم الثلاث رضعات فما فوقها، وبه قال أبو عبيدة وأبو ثور.

ص:39


1- . الخلاف: 5/96، المسألة 3 من كتاب الرضاع.

وقالت طائفة: المحرِّم خمس رضعات، وبه قال الشافعي.

وقالت طائفة: عشر رضعات»(1).

وأمّا الخاصّة: فلهم في المسألة أقوال أشهرها ثلاثة:

1. عشر رضعات.

2. خمس عشرة رضعة.

3. ما أنبت اللحم وشدّ العظم.

قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: «من أصحابنا من قال: إنّ الّذي يحرّم من الرضاع عشر رضعات متواليات لم يفصل بينهنّ برضاع امرأة أُخرى.

ومنهم من قال: خمس عشرة رضعة، وهو الأقوى، أو رضاع يوم وليلة، أو ما أنبت اللحم وشدّ العظم إذا لم يتخلّل بينهنّ رضاع امرأة أُخرى»(2).

وقال العلامة في المختلف: «ذهب المفيد وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة إلى أن المحرِّم من الرضاع باعتبار العدد عشر رضعات متواليات، وهو قول ابن أبي عقيل من قدمائنا. وقال الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار: لا يحرم أقل من خمس عشرة رضعة. وقال ابن إدريس في أول كتاب النكاح: المحرم عشر رضعات متواليات(3)... ثمّ نقل عن ابن إدريس أنّه قال في موضع آخر:

ص:40


1- . بداية المجتهد: 2/35.
2- . الخلاف: 5/95، المسألة 3 من كتاب الرضاع.
3- . السرائر: 2/520.

والّذي أُفتي به وأعمل عليه الخمس عشرة رضعة، لأنّ العموم قد خصّصه جميع أصحابنا المحصّلين، والأصل الإباحة، والتحريم طارئ، فبالإجماع من الكل يحرم الخمس عشرة رضعة، فالتمسك بالإجماع أولى وأظهر، فإنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع.(1) إلى أن قال العلّامة:

وقال ابن الجنيد: قد اختلف الرواية من الوجهين جميعاً في قدر الرضاع المحرّم، إلّاأنّ الّذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه: أنّ كلّ ما وقع عليه اسم رضعة، وهو ما ملأت بطن الصبيّ، إمّا بالمصّ أو بالوجور محرّمٌ للنكاح.

وقال الصدوق في المقنع(2): لا يحرِّم من الرضاع إلّاما أنبت اللّحم وشدّ العظم. قال: وروي أنّه لا يحرِّم من الرضاع إلّارضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ، ليس بينهنّ رضاع. قال: وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن رحمه الله»(3).

ثمّ إنّ العلّامة الحلّي بعد نقل هذه الأقوال اختار انّ المحرّم انّما هو عشر رضعات واستدلّ عليه بوجوه خمسة(4).

نقول: لا ريب أنّه لا يكفي مسمّى الرضاع ولا الرضعة الواحدة، إجماعاً وسنّةً مستفيضةً، بل كتاباً أيضاً، لعدم صدق الأُمّ، الواردة في قوله سبحانه: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» ، على من أرضعت طفلاً مرّةً أو مرّتين.

ومثله قوله سبحانه: «وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» ، بل يتوقّف صدقها على أن يرتضع الولد من لبنها مقداراً يتحقّق معه عرفاً عنوانُ الأُمومة وغيرها من

ص:41


1- . السرائر: 2/551.
2- . لاحظ المقنع: 330 - الطبع الجديد -.
3- . المختلف: 7/29-31 - طبعة مكتب الإعلام الإسلامي -.
4- . لاحظ نفس المصدر: 31-32.

العناوين المحرّمة، فالعرف والاعتبار متصادقان على عدم كفاية المسمّى والدفعات القليلة.

ومن هنا يظهر بطلان ما نقل عن الليث من نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم وما نقلناه عن أبي حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري من التحريم بمطلق الرضاع وإن قلّ.

ومن الغريب ذهاب صاحب الدعائم إلى هذا القول مستنداً إلى رواية رواها عن عليّ عليه السلام، قال: وعن عليّ عليه السلام أنّه قال: «يُحرِّم من الرضاع قليلُهُ وكثيرُهُ والمصّةُ الواحدةُ تُحرِّم». ثم أضاف قائلاً: «وهذا قول بيِّنٌ صوابُهُ لمن تدبّره ووُفِّق لفهمه، لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» فالرضاع يقع على القليل والكثير» الخ(1).

ولكّنه غفل عن أنّه وإن صدق الرضاع بالقليل، لكّنه لا يصدق عنوان الأُمّ الّذي هو الموضوع في الآية. خصوصاً إذا قلنا بأنّ تحقّق هذه العناوين بالإرضاع لم يكن أمراً مبتدعاً في الإسلام بل كان دارجاً قبله في عصر الجاهليّة، ومن المعلوم عدم تحقّق الأُمومة عندهم بمسمّى الإرضاع.

ومنه يظهر بطلان ما نقل عن ابن الجنيد من تحديده بالرضعة الكاملة وهي ملأة بطن الصبي.

نعم روى الشيخ باسناد صحيح عن عليّ بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام انّه كتب إليه يسأله عمّا يُحرِّم من الرضاع؟ فكتب عليه السلام: «قليله وكثيره حرام»(2).

ص:42


1- . دعائم الإسلام: 2/240، الحديث 901.
2- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.

وروي(1) عن زيد بن علي، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له»(2).

ولكنّهما مضافاً إلى الحزازة الموجودة في متنهما، حيث إنّ ظاهر قوله:

«قليله وكثيره حرام» انّ نفس الرضاع قليله وكثيره حرام، مع أنّ المراد هو «محرّم» محمولان على التقية، وقد أعرض الأصحاب عنهما، وانعقدت الشهرة على خلافهما.

وقد حمل الشيخ رحمه الله أوّلهما على ما إذا بلغ الحدّ الّذي يحرم، فانّ الزيادة قلّت أو كثرت تحرم(3).

وقال الشيخ الحر في الوسائل: ويمكن حمله على الكراهة وعلى تحديد كلّ رضعة فانّه إن رضع قليلاً أو كثيراً فهي رضعة محسوبة من العدد، إلى آخر كلامه، وذكر في الخبر الثاني نحو ما ذكر في الأوّل.

والأقرب الحمل على التقية.

وأمّا ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عما يحرم من الرضاع؟ قال: إذا رضع حتّى يمتلي بطنه، فان ذلك ينبت اللحم والدم، وذلك الّذي يحرم»(4).

وما أرسله ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرضاع الّذي ينبت

ص:43


1- . في السند: «الحسين بن علوان» وهو عاميّ لم يوثق، وعمرو بن خالد وهو إماميّ مجهول.
2- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 12.
3- . لاحظ الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ذيل الحديث 10.
4- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

اللحم والدم، هو الّذي يرضع حتّى يتضلع، ويتملّى، وينتهي نفسه»(1). فالظاهر انّهما واردان في مقام تحديد كيفية الرضعة، لا تحديد الرضاع المحرم بها، كما لا يخفى.

التقادير الثلاثة لنشر الحرمة:

اشارة

وقد تبع الأصحاب في تحديد التحريم، نصوص الباب، وحدّوه بتقديرات ثلاثة:

الأثر.

والزمان.

والعدد.

غير أنّ المفيد خصّ الحكم بالعدد، واقتصر الصدوق في هدايته على الزمان، وفي مقنعه على الأثر، وحكي عن سعيد تخصيص التأثير بما عدا الأثر.

ويمكن أن يكون ذلك منهم اكتفاءً بما ذكروه عن أعداده، لا تخصيصاً به.

التحديد بالأثر:

وقد تضافرت به الروايات، نذكر منها:

1. صحيحة حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما أنبت اللحم والدم»(2).

ص:44


1- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 14/289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

2. ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا يحرم من الرضاع إلّاما أنبت اللحم وشدّ العظم»(1).

3. صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى وكان ذلك عدة، أو نبت لحمه ودمه عليه، حرم عليه بناتهنّ كلهنّ»(2).

4. وصحيحته عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّه عليهما السلام قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتى فكان ذلك عدة، أو نبت لحمه ودمه عليه، حرم بناتهنّ كلهنّ»(3).

ويظهر من كثير من الروايات انّه الأصل وانّ التحديد بالعدد والزمان طريقان إليه، ودونك بعضها:

5. ما رواه علي بن رئاب في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم وشدّ العظم. قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات»(4).

6. ما رواه مسعدة بن زياد العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما شدّ العظم وأنبت اللحم، فأمّا الرضعة والثنتان والثلاث حتّى بلغ العشر إذا كنّ متفرقات فلا بأس»(5).

ص:45


1- . الوسائل: 14/289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 14/289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
3- . الوسائل: 14/306، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2. والظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة، إلّاأنّ الكليني أوردهما في موضعين من كتابه مع اختلاف طفيف في المتن.
4- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
5- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.

7. ما عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا أهل بيت كبير...

إلى أن قال: فما الّذي يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم والدم، فقلت: وما الّذي ينبت اللحم والدم؟ فقال: كان يقال: عشر رضعات» الحديث(1).

8. وما رواه أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما ينبت اللحم والدم، ثمّ قال: أترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحك اللّه؟ فقال: لا، فلم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات»(2).

9. ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة؟ قال: «لا إلّاما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم»(3).

وقد علّل في بعض الروايات شرطيّة امتلاء بطن الرضيع بأنّه الّذي ينبت اللحم والدم.

10. عن ابن أبي يعفور قال: سألته عما يحرم من الرضاع؟ قال: «إذا رضع حتّى يمتلي بطنه فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الّذي يحرم»(4).

11. وروى محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرضاع الّذي ينبت اللحم والدم هو الّذي يرضع حتّى يتضلع ويتملّى وينتهي نفسه»(5).

ص:46


1- . الوسائل: 14/287، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 18.
2- . الوسائل: 14/287، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 21.
3- . الوسائل: 14/288، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 23.
4- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
5- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

ويلوح من جميع ما أوردناه أنّ الأثر هو الأصل في التحريم، وقد جعل الشارع العدد والزمان طريقين إلى حصوله وتحقّقه.

ثمّ إنّه جعل الأثر في سبعة منها، أعني: الرواية الأُولى والثالثة والرابعة والسابعة والثامنة والعاشرة والحادية عشرة، إنبات اللحم والدم.

وفي أربعة منها، أعني: الثانية والخامسة والسادسة والتاسعة، إنبات اللحم والعظم.

ولا يخفى انّ الدم أسرع نباتاً من اللحم، وهو أسرع من العظم، فلو كان الميزان هو الدم، لحصل التحريم قبل أن يتحقّق الثاني والثالث. وسيأتي التوفيق بين الطائفتين.

إذا عرفت ما تقدم، يقع البحث في أُمور:

الأمر الأوّل: الظاهر من النصوص فعليّة الإنبات، فلو رضع رضاعاً من شأنه ترتّب ذلك عليه، لكن منع منه مانع كالإسهال، فهل يكفي أو لا؟ على القول بالفعليّة لا يكفي في نشر الحرمة.

وأمّا إذا قيل بأنّ الميزان هو الشأنية فيكفي.

والأوّل أولى، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في نفي النشر، «انّه لا ينبت به اللحم»(1).

ثم على اعتبار الفعليّة هل يكفي مسمّى الأثر المعتدّ به لدى أهل الخبرة؟ هذا ما سيأتي في البحث التالي.

ص:47


1- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

الأمر الثاني: لو كان الأثر ملاكاً لنشر الحرمة مع قطع النظر عن العدد والزمان أو مع عدم تحققهما فيجب أن يظهر لحسّ أهل الخبرة حتّى يحكم بالنشر، ولو لم يكن حسّ أهل الخبرة معتبراً لما كان هناك طريق إلى العلم بتحقّق الأثر، فإن المفروض عدم لحاظ الملاكين الآخرين أو عدم تحقّقهما.

ومن ذلك (اعتبار حسّ أهل الخبرة) يعلم أنّه لا يكفي تحقق مسمّى الأثر، إذا لم يكن محسوساً لهم أيضاً، بل اللازم حصول كثرة يعتدّ بها بحيث يصحّ أن يقال: انّه تكوّن دمه ولحمه وعظمه من لبنها، وهذا لا يتحقّق إلّاإذا ظهر الأثر حسّاً لأهل الخبرة.

على أنّ الاكتفاء بمسمّى الأثر ينافي التحديد بالعدد والزمان، فإنّه يتحقّق بالرضعة والرضعات اليسيرة. وقد علّل عليه السلام عدم كفاية العشر بأنّه لا ينبت اللحم ولا العظم(1) مع أنّ مسمّى الإنبات والشدّ يتحقّق بأقلّ من عشر بكثير.

فلأجل هذه الوجوه يقطع الفقيه بعدم كفاية المسمّى من الأثر عند انفراده، في نشر الحرمة، بل تحصل في مرتبة خاصّةٍ هي محسوسية الإنبات والاشتداد، كما هو واضح.

الأمر الثالث: اختلفت كلماتهم في ما هو الأصيل بين هذه العلامات، والمستظهر من عباراتهم وجوه:

ص:48


1- . لاحظ الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

1. الأصل هو التقدير بالعدد أو الزمان:

إنّ التحديد بالإنبات والشدّ تحديد بأمر مجمل، فيكون الأصل هو التقدير بالزمان والعدد، حكي هذا القول عن الحلبيّين والطبرسي، واستظهر من ظاهر كتابي الشيخ في الأخبار، حيث بنى العمل على ما يضمن التحديد بواحد من العدد والزمان، وردّ التقدير بالأثر إلى واحد منهما.

قلت: لو كان العدد أو الزمان شرطاً وراء وجود الأثر بحيث لا يكتفى بالأثر إلّا بانضمام واحد منهما، يلزم سقوط الأثر عن كونه علامةً، والاستغناء عنه بأحد الأثرين(1) وهو كماترى لا يجتمع مع تركيز الروايات على الأثر كما مرّ.

2. الأثر علامة مستقلّة كالأخيرين

إنّ الأثر علامة مستقلّة غير متوقفة على العدد والزمان، وهما مستقلّان كذلك، وعليه الشيخ في الخلاف، وحكي عن كثير من الفقهاء متقدّميهم ومتأخريهم، وهو ظاهر النصوص حيث علّق الحكم في كثير منها على إنبات اللحم وشدّ العظم أي ظهور الأثر مطلقاً، سواء أوافق أحدهما أم خالفه.

ومناسبة الحكم والموضوع تقتضي كونه أصلاً برأسه لتشبيه الأُمّ الرضاعيّة بالأُمّ النسبيّة، فكما أنّ الولد النسبي ينبت لحمه ويشتدّ عظمه من لبنها،

ص:49


1- . أقول: وأيضاً صحيحتا محمد بن مسلم المتقدمتان تحت الرقم 2 و 3 من روايات الأثر، فإنّهما تجعلان للأثر استقلالاً بإزاء العدد، فراجع، وسنتطرق إليه عند إبداء النظر في هذه المسألة.

فهكذا الولد الرضاعي - إذا رضع من لبن غير أُمّه على حدّ رضاع الولد النسبي - ينبت لحمه ويشتدّ عظمه منها ويصير ولداً والمرضعة أُمّاً رضاعيّة تنزيلاً.

فلو حصل الأثر، وصدّقه أهل الخبرة، قبل أن يتمّ العدد أو قبل أن ينقضي اليوم والليلة، نشر الحرمة بلا إشكال، وإن كان نادراً جدّاً.

قال في الجواهر: «وفي حصول الأثر بما دون المعتبر والمدّة وجهان، من الأصل وعموم الموثّق(1) وغيره، ومن عدم اشتراط الانعكاس في العلامات فيحمل العموم على نفي التحريم بالنظر إلى بعضها فلا ينافي التحريم ببعض آخر، ولعلّه الأقوى، وبه قطع في المسالك»(2).

كما أنّه لو تمّ العدد والزمان قبل الأثر ينشر الحرمة لاستقلالهما.

وأمّا قوله عليه السلام: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات»(3).

فالحصر فيه إضافيّ في مقابل العامّة الذين يكتفون في نشر الحرمة بالرضاع أقلّ من يوم وليلة وخمس عشرة رضعة، وليس ناظراً إلى تقييد الأثر به وأنّه أيضاً لا ينشر الحرمة إذا لم يبلغ الحدّ المذكور في الرواية.

ولكن البحث خال عن الفائدة، لعدم تحقّق الفرض، أعني: حصول الأثر الحسيّ قبل تحقّق العلامتين إلّانادراً، والاكتفاء بمطلق الأثر الواقعي يستلزم الاكتفاء بالرضعة الواحدة لكونها مؤثراً في نفس الأمر.

ص:50


1- . المراد من الموثق، موثقة زياد بن سوقة، الباب 2، الحديث 1، من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- . جواهر الكلام: 29/277.
3- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

3. الأثر هو الأصل والآخران طريقان إليه

ربما يقال: انّ الأصل هو الأثر والآخران علامتان له، ويشعر به تعليل عدم نشر الحرمة بالعشرة في الرواية بأنّها «لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم»(1).

واستدلّ له بحصر الرضاع المحرّم في كثير من الروايات بما أنبت اللحم، مع الإشارة في بعضها إلى أنّ التحريم بالعدد لكونه محصّلاً لذلك، إلى غير ذلك ممّا يقتضي كون الأثر أصلاً في التحريم، وغيرهما علامتان له.

نعم، لا تنحصر العلامة فيهما بل قد يعلم بحدس أهل الخبرة وإن لم يبلغ عدد الرضعات خمس عشرة أو لم تتمّ المدّة بعد، وقد سبق كونه نادراً جدّاً.

نعم يحكم بالحرمة عند وجود العلامتين مع الشك في الأثر إذا لم يظهر لأهل الخبرة، وأمّا عند القطع بعدمه فلا يفيد العدد ولا الزمان، لأنّ المفروض انّ الأثر هو الأصل والآخران علامتان له.

وبذلك يفترق هذا القول عن سابقه - وهو استقلال كلّ واحد من الثلاثة في نشر الحرمة - فيما لو قطعنا بعدم الأثر ولكن رضع العدد المحرّم أو استغرق المدّة المحرّمة، فإنّه يحكم بالحرمة على القول الثاني لتنزيل ما دلّ على إنبات اللحم وشدّ العظم بهما منزلة الحكمة في إطلاق التحريم بتحقّقهما، دون القول الثالث(2) كما هو مقتضى كونهما علامة وتنزيل ما دل على

ص:51


1- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . أقول: الّذي يظهر بعد التأمل ملياً في روايات الباب انّ إنبات اللحم والدم وشدّ العظم موضوع واقعيّ تعبديّ يهدف الشارع من إيراده بيان علة التحريم وهو صيرورة الرضيع جزءاً من المرضعة، فهو الأصل في نشر الحرمة، ولكنّه ليس موضوعاً عرفياً يرجع فيه إلى العرف وأهل الخبرة لتحديده، لأنّه موضوع مشكّك في الظاهر، فهو يترجّح بين مراتب دانية إلى مراتب عالية، أعني: بين مرتبة مسمّى الإنبات والشدّ ومرتبة حسيّتهما. والأُولى تحصل في الدم واللحم خلال ساعات يسيرة بينهما. والثانية لا تحصل فيها وخاصّة بالنسبة إلى اشتداد العظم إلّافي أيّام متمادية. مع أنّ كلاً من الإنبات والشدّ لا يتطابق مع العلامات الأُخرى، فلابد أن يكون الشارع انّما يريد مرتبة معيّنة من الإنبات والشدّ بين هذه المراتب، بها يصير الولد جزءاً من المرضعة وينشر التحريم. ولو كان هذا الموضوع عرفيّاً لما رجعوا إليهم عليهم السلام لبيان ما الّذي ينبت اللحم ويشدّ العظم كما في بعض الروايات. وعلى هذا الأساس فانّ الشارع بيّن المرتبة الّتي في نظره من الإنبات والشدّ بعلامتين وطريقين: العدد والزمان. فلو تحقق العدد أو الزمان ولم يظهر شيء من الأثر، حكم بالتحريم، لعلمنا حينئذ انّ المرتبة الّتي أرادها الشارع وكشف عنها بهاتين العلامتين قد حصلت. ولا معنى حينئذ لفرض علمنا بعدم حصول الأثر، كما هو واضح، وبذلك يظهر النظر فيما أُفيد في المتن من عدم الاكتفاء على الوجه الثالث المختار.

نشر الحرمة بهما على الغالب، فان الغالب حصول الأثر عند تحققهما. فتدبر.

إلى هنا ظهر حكم صورة واحدة على وجه التفصيل وهي ما لو تحقّق العدد والزمان دون الأثر، فلا تنتشر الحرمة، لأصالة الأثر وطريقيّة الآخرين.

وأما الصورتان الأُخريان فسيوافيك حكمهما في الأمر الرابع. وإليك ذكرهما إجمالاً.

1. لو تحقّق الأثر بلا رعاية شرائط الآخرين من وحدة المرضعة وعدم التغذي بشيء آخر، فتنتشر الحرمة أخذاً بأصالة الأثر، كما سيوافيك بيانه في الأمر الرابع.

ص:52

2. لو تحقّق الأثر قبل إكمال العلامتين مع الالتزام بتحقّق شرائطهما، فتنشر الحرمة أخذاً بأصالة الأثر.

4. الأصل هو العدد

إنّ الأصل هو العدد والآخران انّما يعتبران عند عدم الانضباط به، حكاه في الجواهر ولم يعلم قائله، وهو ضعيف غايته.

وأقوى الوجوه ثالثها، ويؤيده ظاهر النصوص.

الأمر الرابع: في بيان حكم الصورتين الباقيتين.

أقول: لابدّ لتحقّق التحريم من استناد الأثر إلى الرضاع استناداً عرفيّاً، فلو فرض تركب غذاء الصبيّ من اللبن والسكر. أو فرض استقلالهما بحيث كان رضاع اللبن في وقتٍ والسكر في وقتٍ آخر، نشر ذلك الحرمة إذا استمرّ هذا العمل مدّة طويلة - كما عرفت - بحيث يصحّ إسناد نبات واشتداد مقدار من لحمه وعظمه إلى رضاعه، وإن كان للغذاء أيضاً تأثير في ذلك.

وبالجملة، فانّ لكلٍّ من الرضاع والغذاء تأثيراً في إنبات اللحم وشدّ العظم، فإذا استمرّ ذلك مدّةً مديدةً، يقطع بأنّ لبنها أنبت لحمه وشدّ عظمه.

ومثله ما إذا حصل الأثر وإن لم يتحقّق نفس العدد والزمان، لما مرّ من كون الملاك هو الأثر.

وأمّا ما في رواية «مسعدة» من قوله عليه السلام: «لا يحرم من الرضاع إلّاما

ص:53

شدّ العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والثنتان والثلاث، حتّى بلغ العشر، إذا كنّ متفرّقات فلا بأس»(1).

فهو يدلّ على أنّ هذه الرضعات (العشر المتفرقات) لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم - خلافاً للعامّة -، ومع ذلك لا يدلّ على سقوط الأثر عن الاعتبار عند العلم بتحقّقه بالرضاع المستمرّ، كما هو المفروض، وصحّة الاستناد إليه.

فما يدلّ عليه الحديث غير ما نحن فيه، كما هو ظاهر، وبالجملة فالميزان صحة الاستناد(2).

ومن ذلك يعلم أنّ المعتبر في نشر الحرمة بالأثر تحقّقه فحسب، وليس مشروطاً بشيء من الزمان والمكان.

فلو كانت الرضعات ناقصة، أو تحقّق الفصل بينهما قبل تمام المدّة والعدة، إلّاأنّه ارتضع مدّةً طويلةً يصحّ معها إسناد نبات واشتداد مقدار من لحمه

ص:54


1- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.
2- . ويمكن استظهار ذلك ممّا في صحيحتي محمد بن مسلم المتقدّمتين تحت الرقمين 2 و 3 من روايات الأثر قال عليه السلام فيهما: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى وكان ذلك عدة» - أي رضاعاً بالعدد المعتبر - «أو نبت لحمه ودمه عليه» - أي لم يكن الإرضاع بالعدد ولكن كان من الكثرة بحيث حصل نبات اللحم والدم حساً - «حرم عليه بناته كلهنّ» فجعل عليه السلام للأثر استقلالاً بإزاء العدد. ولكن الالتزام بالتحريم في هذه الصورة - لو فرض تحقّقها - خلاف الاحتياط فتوى لجملة من أخبار الباب منها صحيحة علي بن رئاب، وفيها: «قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم وشدّ العظم، قلت: فيحرم عشر رضعات. قال: لا، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات». وكون هذه الرواية وغيرها في مقام ردّ العامّة كما عليه الاُستاذ دام ظله لا يخرجها عن كونها في مقام بيان حكم اللّه الواقعي، واللّه سبحانه هو العالم.

وعظمه إلى الرّضاع، نشر الحرمة، أخذاً بإطلاق الروايات الظاهرة في استقلاله بالتحريم كيفما تحقّق.

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرضاع الّذي ينبت اللّحم والدم هو الّذي يرضع حتّى يتضلّع ويتملّى وينتهي نفسه»(1).

وما رواه ابن أبي يعفور: قال: سألته عما يحرم من الرضاع؟ قال: «إذا رضع حتّى يتملّى بطنه، فانّ ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الّذي يحرم»(2).

فالظاهر أنّهما بصدد ردّ العامّة في اكتفائهم بالمصّة والمصّتين، لا نفي الرضعة الناقصة إذا بلغت من الكثرة مرتبةً أنبتت اللّحم وشدّت العظم(3).

ومثله ما دلّ على اعتبار التوالي في العدد والزمان، فإنّ المراد نفي كونهما علامة لحصول الأثر عند فقد التوالي، ولكنّه لا ينافي القطع بحصوله من طريق آخر.

الأمر الخامس: طريق العلم بالأثر إمّا بالرجوع إلى أهل الخبرة، لو صحّ القول بكون الموضوع اختبارياً، فيشترط في المقام ما يشترط في غيره من التعدّد والعدالة، أو القطع بالأثر على النحو الّذي أوضحناه.

ص:55


1- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . الظاهر أنّهما في صدد بيان كيفيّة الرضعة الكاملة المعتبرة في العدد، وقد أشار دام ظلّه إلى ذلك في مواضع أُخرى.
التحديد بالعدد

قد اضطربت الروايات في بيان التحديد بالعدد اضطراباً شديداً قلّما يتّفق نظيره في الفقه، واضطربت كلمات الفقهاء في المقام أيضاً لأجل اضطراب الروايات، وربما تجد للفقيه الواحد في كتاب قولاً وفي كتاب آخر له قولاً آخر، بل قد يصعب على المتتبّع تشخيص المشهور عن غيره، بل الأشهر عن المشهور كما هو ظاهر لمن راجع الجواهر وغيرها من المبسوطات.

وقد نقلنا سابقاً في هذا الشأن كلاماً عن الشيخ في الخلاف، والعلّامة في المختلف.

ويمكن تصنيف الروايات إلى طوائف:

الأُولى: ما دلّ على أنّ قليله وكثيره محرّم، وفيه رواية واحدة وهي ما رواه الشيخ باسناد صحيح إلى علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام انّه كتب إليه يسأله عما يحرم من الرضاع، فكتب عليه السلام: «قليله وكثيره حرام»(1).

وقد حمله الشيخ رحمه الله على ما إذا بلغ الحدّ الّذي يحرّم، فانّ الزيادة حينذاك، قلّت أو كثرت تحرّم، وقال أيضاً: «ويجوز أن يكون خرج مخرج التقية لأنّه موافق لمذهب بعض العامة»(2).

والحمل على التقية أقرب.

الثانية: ما دلّ على أنّ الرضعة الواحدة تحرّم، وهو ما رواه الشيخ باسناد

ص:56


1- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.
2- . لاحظ نفس المصدر ذيل الحديث 10.

ضعيف إلى زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة، لا تحل له أبداً».(1)

وقد حمله الشيخ رحمه الله على ما تقدم في الحديث السابق، واستشهد للتقية بوجود رجال العامّة والزيدية في طريقه.

والرواية مع ضعف سندها وحملها على التقية معارضة برواية أُخرى رواها الشيخ عن صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالرضعة والرضعتين والثلاث»(2).

الثالثة: ما دلّ على اعتبار خمس عشرة رضعة لنشر الحرمة:

منها: موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حدٌّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية(3) عشر رضعات من لبن فحل واحد، وأرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(4).

ص:57


1- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 12.
2- . الوسائل: 14/288، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 22. وقد عدّوا صباح بن سيابة في الحسان، فيكون السند معتبراً والروايات الّتي تنفي الرضعة والرضعتين والثلاث كثيرة منها الحديث 5، 8، 21، 23، 24 من الباب.
3- . قال في الوافي: 21/236 «هكذا في النسخ الّتي رأيناها، والصواب وجارية، بواو الجمع».
4- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1. وهي موثّقة بعمّار بن موسى الساباطي، فإنّه فطحيّ، لكنّه ثقة في الرواية، قاله النجاشي والعلّامة والشيخ في موضع من التهذيب.

ومنها: ما رواه الصدوق رحمه الله في المقنع مرسلاً، قال: لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم وشدّ العظم، قال: وسئل الصادق عليه السلام: هل لذلك حدٌّ؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّارضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ»(1).

وهذه الرواية غير متّحدة مع سابقتها، لأنّ السابقة مرويّة عن الباقر عليه السلام وهذه عن الصادق عليه السلام، وإرادة الصفة من الصادق الأعمّ من أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام خلاف الاصطلاح الجاري.

ولكن هنا رواية تعارض بمنطوقها هاتين الروايتين، وهي ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان أو غيره عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

«خمس عشرة رضعة لا تحرم»(2).

ويكفي في ردّ الرواية إرسالها بقرينة «أو غيره». وقد ذكر لها محامل منها:

حمل الشيخ على كون الرضعات متفرقات من نساء شتى.

واحتمل الشيخ الحر رحمه الله الحمل على الإنكار، وأمّا ما ذكره من الحمل على التقية فهو بعيد غايته كما لا يخفى(3).

الرابعة: ما دل على كفاية عشر رضعات في التحريم. والمستند التوثيق

ص:58


1- . الوسائل: 14/286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 14.
2- . الوسائل: 14/284، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
3- . أقول: بل يمكن توجيهه بناءً على ما ذهب إليه صاحب الحدائق، كما أورده في المقدّمات، من أنّه لا يشترط في التقية وجود رأي للعامّة في المسألة، بل يفهم من جملة من الروايات انّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يخالفون بين شيعتهم بإعطاء أجوبة مختلفة للمسألة الواحدة حتّى يظهروا متفرّقين، وإلّا لو ظهروا على أمرٍ واحدٍ لأُخذوا. راجع الحدائق: 1/4-14، المقدّمة الأُولى.

لهذا القول صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع الا المخبورة أو خادم أو ظئر، ثم يرضع عشر رضعات، يروي الصبي، وينام»(1).

وهذه الرواية أوضح ما في الباب، وتدلّ بصراحتها على كفاية العشرة في التحريم بلا إشكال.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر بالغ في الإشكال عليها بوجوه متعددة: ستعرف ضعف أكثرها أو جميعها عند المناقشة.

وقد رويت هذه الرواية بصورة أُخرى عن الفضيل بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع الا ما كان مخبوراً. قلت: وما المخبور؟ قال: أُمّ مربيّة أو أُمّ تربي أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى أو ما كان مثل ذلك موقوفاً عليه»(2).

ص:59


1- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 11. رواه الشيخ في الاستبصار: 3/196، الحديث 709 عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن حريز، عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام. ولكنّ الموجود فيه «المجبورة» بالجيم، واحتمل في ذيله أن يكون المراد من الحديث نفي التحريم عمن أرضعه رضعة أو رضعتين، ثمّ استشهد بالروايات الواردة بهذا المعنى. وأورده في التهذيب: 7/314، الحديث 1305، بالسند نفسه، ولكن بدل قوله «ثمّ يرضع»، قوله «قد رضع» وما في الاستبصار أصحّ، كما أنّ الموجود فيه «المجبورة» بالجيم.
2- . الوسائل: 14/284، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 7. وقد سقط من نسخة الوسائل المطبوعة «عن أبي عبد اللّه عليه السلام». رواه الشيخ في التهذيب: 7/324، الحديث 1334: عن علي بن الحسن بن فضال عن أيوب بن نوح عن حريز عن الفضيل بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وقوله في الرواية «أو أُمّ تربي» يحتمل قويّاً أن يكون ترديداً من الراوي أو اختلافاً في النسخ ادرج في المتن، ويؤيّده ما نقله الصدوق كما سنذكره. وقال الشيخ في ذيل الرواية بعد إيرادها: انّ القصد بهذه الرواية نفي التحريم عمن يرضع رضعة أو رضعتين وما أشبه ذلك. وأورد الصدوق هذه الرواية في معاني الأخبار: 314، باب معنى قول الصادق عليه السلام: لا يحرم من الرضاع إلّاما كان مجبوراً باسناد آخر واختلاف طفيف في المتن، عن أبيه قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن هلال، عن ابن سنان، عن حريز، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما كان مجبوراً. قال: وما المجبور؟ قال: «أُمّ مربيّة، أو ظئر مستأجرة، أو خادم مشتراة، وما كان مثل ذلك، موقوف عليه». وقال في الفقيه: 3/307، الحديث 1474: روى حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع الا ما كان مجبوراً»، قلت: وما المجبور؟ قال: «أُم تربي أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى». والملاحظ يرى، أنّ أسانيد الروايتين كلّها تلتقي عند حريز وهو يروي عن الفضيل، يروي في رواية واحدة عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ميمون البصري، وثّقه النجاشي في ترجمة إسماعيل بن همام، وانّ رواية العشرة رواها الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في التهذيب والاستبصار، والخالية من العشرة رواها الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الفقيه ومعاني الأخبار، والفضيل عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التهذيب. ومحمد بن سنان واقع في أسناد رواية العشرة، كما أنّ الموجود في جميع هذه الكتب «مجبورة» و «مجبور» «والمجبور»، كلها بالجيم، فلاحظ.

وسيأتي جواب هذا الاختلاف عند إيراد إشكالات صاحب الجواهر.

وهناك روايات أُخرى تدلّ على كفاية العشرة مفهوماً لا منطوقاً:

منها: ما رواه عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين فقال: «لا يحرم» فعددت عليه حتّى أكملت عشر رضعات.

فقال: «إذا كانت متفرّقة فلا»(1).

ص:60


1- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5. قد وقع في سند الشيخ الوارد في الوسائل المطبوعة سقط، فالراوي عن عبد اللّه بن سنان هو الحسن بن عليّ بن بنت الياس، وهو الحسن بن عليّ بن زياد، ثقة من وجوه الطائفة، فالرواية صحيحة. لاحظ الاستبصار: 3/194، الحديث 703.

ودلالة الرواية كماترى بالمفهوم، وهو أنّ العشر إذا كانت متواليةً فانّها تحرم. مع أن عمر بن يزيد نفسه روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّ الخمس عشرة رضعة لا تحرم، كما سيأتي نقل ذلك، فكيف يمكن أن نأخذ عنه التحريم بالعشر؟(1)

ومنها: ما رواه مسعدة بن زياد العبدي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع الا ما شدّ العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والثنتان والثلاث حتّى بلغ العشر إذا كنّ متفرّقات فلا بأس»(2).

وقد أورده هارون بن مسلم تارةً عن مسعدة كما أوردناه، وأُخرى بلا واسطة عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

والاستدلال به بالمفهوم كسابقه.

وأورد عليه في الجواهر بأنّ الظرف فيه إذا كان متعلّقاً بالبأس المنفيّ، اقتضى مفهومه تحريم ما دون العشر أيضاً مع الاجتماع(3).

نعم، لا يرد ما ذكره على رواية عمر بن يزيد، كما هو واضح لمن تدبّر، غير أنّ دلالة هذا أيضاً بالمفهوم الّذي لا يعدل دلالة ما يخالفه(4).

ص:61


1- . لا مانع من ذلك إذا حملنا الخمس عشرة على المتفرّقة، فهي لا تحرم، كما أنّ العشر المتفرّقة لا تحرم، والّذي يحرم، العشر المتوالية.
2- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9، وكذلك الحديث 19.
3- . جواهر الكلام: 29/284.
4- . أقول: الأولى أن يقال في الإجابة عن هاتين الروايتين: انّ دلالتهما على التحريم بالعشر وهو لا يعارض ما دلّ على العدم بالمنطوق ببيان انّ المفهوم - إذا كان حجّة - انّما يتمّ إذا لم يكن هناك صارف عنه، والأدلّة الدالّة على الخمس عشرة رضعة صارفة عن مفهوم «العشر إذا كنّ متفرّقات فلا بأس». وإلى ما ذكرنا أشار شيخ الطائفة بقوله في الاستبصار: «فلا يدل هذان الخبران على أن عشر رضعات إذا لم يكن متفرّقات يحرمن إلّامن حيث دليل الخطاب لا بصريحه، وقد يترك دليل الخطاب عند من يذهب إلى صحّته لقيام دليل على وجوب تركه، وقد مر الخبر الّذي يقتضي العدول عن ظاهر دليل الخطاب» الاستبصار: 3/195. وأراد بالخبر موثقة عمار، وبذلك يظهر انّه لا تنافي ولا تعارض بين هذه الأخبار والموثقة. وإنّما التعارض بين الموثّقة ورواية الفضيل.

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما ينبت اللحم والدم. ثم قال: أترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحك اللّه؟ فقال: لا، فلم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات»(1).

ولكن في دلالة هذه الرواية نظر،(2) إن لم نقل انّه على خلافه أدلّ. فانّ الظاهر من ذيل الرواية: أنّي لم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات وهو يقول: لا.

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة أيضاً قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّا أهل بيت كبير فربما كان الفرح والحزن الّذي يجتمع فيه الرجال والنساء فربما استخفت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الّذي بينها وبينه رضاع، وربما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الّذي يحرم من الرضاع؟ فقال: «ما أنبت اللحم والدم، فقلت: وما الّذي ينبت اللحم والدم؟ فقال: كان يقال: عشر

ص:62


1- . الوسائل: 14/287، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 21.
2- . وجهه ما قد يدّعى من الدلالة انّه عليه السلام سكت عن العشر ولم ينفها كما نفى ما تقدّم عليها.

رضعات، قلت: فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع»(1).

ولكن الرواية ظاهرة في الإعراض عن كفاية العشر فكيف تكون دليلاً عليها؟ مع أنّها لو سلّمنا دلالتها على العشر، خارجة مخرج التقيّة وما شابهها، كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك أنّ عبيد هو الّذي روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عشر رضعات لا يحرمن شيئاً»(2) فكيف يمكن الاستناد إلى قوله هذا؟!

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به على تحريم العشر، ولكن يعارضه روايات:

منها: صحيحة علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم وشدّ العظم. قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنّه لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات»(3).

ومنها: موثقة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول:

«عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً»(4).

ومنها: موثقة عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرّم»(5).

ص:63


1- . الوسائل: 14/287، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 18.
2- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
3- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
4- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
5- . الوسائل: 14/283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

ومنها: موثقة زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام: «... فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً وجارية(1) عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(2).

والحاصل أنّ عمدة ما دلّ على كفاية العشر في التحريم رواية الفضيل بن يسار، كما أنّ عمدة ما دلّ على لزوم الخمس عشرة رواية زياد بن سوقة، فاللازم استفراغ الوسع في اختيار إحداهما وطرح الأُخرى، بعد عدم إمكان الجمع العرفي.

وقد أطنب صاحب الجواهر في الإشكال على رواية الفضيل بوجوه أخرجها بها عن حيّز الحجية:

منها: انّها مختلفة المتن، مع حذف العشر في بعض طرقها(3).

وفيه: أنّ الاختلاف غير مضرّ إذا تعلّق القصد بالمذكور، والناظر فيها بصورها المختلفة يقضي بأنّ هنا رواية واحدة، نقل كلّ راوٍ ما يتعلّق بغرضه. كما أنّ الاختلاف في «المجبور» بالحاء أو الخاء أو الجيم غير مضرّ.

ومنها: انّها متروكة الظاهر، ضرورة عدم اعتبار نوم الصبيّ في التحريم(4).

ص:64


1- . في المصدر: «أو جارية» والصحيح ما في المتن، كما تقدّم الكلام في ذلك.
2- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . قد أوردنا الرواية بجميع متونها وأسانيدها في الهامش عند التعرّض لها فيما دلّ على كفاية العشر في التحريم.
4- . أشار الشيخ في التهذيب إلى هذا التوهم وأجاب عنه، قال: «فأمّا قوله عليه السلام في آخر الخبر: عشر رضعات يروى الصبيّ وينام، تفسير لكلّ رضعة، لأنّه المفيد المعتبر دون المصّات على ما يذهب إليه المخالفون» التهذيب: 7/316، ذيل الحديث 1305.

وفيه: انّ ذكر النوم كناية عن الرضاع التامّ، فانّ نومه قرينة على شبعه.

ومنها: عدم انحصار المحرم في ذلك، فان رضاع المتبرعة أيضاً محرّم(1).

وفيه: أنّ تعليق الحرمة بما ذكر في الرواية انّما كان لأجل التحرّز عن كفاية الرضعة والرضعتين فما فوقهما ممّا دون العشر، فهي غير محرمة، بخلاف الظئر المستأجرة والخادم المشتراة والأُمّ المربيّة، فانّ المتحقّق معهن غالباً هو الإرضاع بالعدد المحرم فما فوقه.

ومنها: انّ قوله «ثم ترضع عشر رضعات»، إن كان مختصّاً بالظئر، كان مخالفاً للظاهر عند الخصم.

وفيه: أنّه لا مانع من الرجوع إلى الجميع باعتبار كلّ واحد. مع أنّ الموجود في النسخ «يرضع» بالياء لا بالتاء، فإذا قرئ بالمجهول أو بالمعلوم كان راجعاً إلى الصبيّ وينتفي الإشكال من أصله.

ومنها: انّ في طريقها محمد بن سنان الّذي ضعّفه الشيخ والنجاشي وابن الغضائري.

وفيه: انّ ضعفه - إن سلّم - مجبور بعمل كثير من الأصحاب، وهذه طريقة القوم وطريقة صاحب الجواهر نفسه في مسائل كثيرة، فلماذا أغمض عنها في هذا الموضع؟

ص:65


1- . هذا الإشكال لشيخ الطائفة أورده عند نقله الرواية في التهذيب قال: «إنّه متروك الظاهر، لأنّه قد يحرم من الرضاع من لا تكون مجبورة ولا خادماً ولا ظئراً بأن تكون امرأة متبرّعة فأرضعت إنساناً مقدار ما يحرم». التهذيب: 7/316، ذيل الحديث 1305.

على أنّ ضعف محمد بن سنان مورد نظر، لأنّه وردت روايات في ذمّه كما وردت أُخرى في مدحه، فتضعيفه محلّ نظر.

والحقّ انّ هذه الوجوه لا تصلح لإسقاطها عن الحجيّة، فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات الّتي منها الأبعديّة عن قول العامّة.

وقد عرفت ممّا نقلناه سابقاً من كلام الشيخ في الخلاف، وابن رشد في بداية المجتهد، انّ العامّة يميلون إلى جانب القلّة، فيكون الخمس عشر أبعد عن قولهم، فالعمل به متعيّن.

ثمّ على فرض عدم الترجيح بين الروايات، فهل المرجع في مورد الشك هو آية الحلّ، أعني قوله سبحانه: «وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ» (1) أو أنّ المرجع قوله سبحانه: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» (2) لصدق قوله:

«أَرْضَعْنَكُمْ» على الأقلّ من خمس عشرة رضعة. الظاهر هو الأوّل، لوجهين:

1. عدم وجود الإطلاق في المخصّص، لكونه بصدد بيان أصل التشريع، ولذلك اكتفى بذكر الأُمّهات والأخوات من الرضاعة دون غيرهما.

2. على فرض التسليم، فقد قام الإجماع وتضافرت السنّة على أنّ الرضاع محرّم إذا بلغ عدد الرضعات حدّاً خاصّاً، ودار الأمر بين الأقلّ والأكثر، فهو حجّة قطعاً في الأكثر مشكوك الحجيّة في الأقلّ أعني العشر رضعات.

ص:66


1- . النساء: 24.
2- . الأنبياء: 23.

فلا يؤخذ إلّابما هو حجّة قطعاً، ويرجع في المشكوك إلى العمومات الّتي هي حجّة مطلقاً، خرج ما خرج قطعاً(1).

التحديد بالمدة

تضاربت الروايات أيضاً في تحديد مدّة الرضاع المحرّم، وهي على طوائف:

1. ما دلّ على أنّ المحرّم الارتضاع حولين كاملين وهو:

ألف: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: سألته عن الرضاع، فقال: «لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين»(2).

ب: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما كان حولين كاملين»(3).

وظاهرهما متروك لم يذهب إليه أحد، وقد حمل الشيخ الحولين على

ص:67


1- . فيرجع هنا إلى عمومات الحلّ، لأنّها محكمة في عمومها، وأمّا عموم «أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ» لو سلّم وكذا عموم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، فانّ موضوعه هو الرضاع الخاصّ، وصدقه مشكوك، فلا ندري هل هو العشر رضعات أو الخمس عشرة رضعة؟ الثاني متيقّن التحريم بالإجماع من الجميع. والأوّل مشكوك المصداقيّة، فلا يتمسّك فيه بالعامّ، بل نلجأ إلى عمومات أُخرى هي عمومات الحلّ السالمة عن أيّة شبهة.
2- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8. وأراد عليه السلام من التقيد بثدي واحد الإشارة إلى لزوم وقوع الكمية المحرّمة من امرأة واحدة.
3- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.

كونهما ظرفاً للرضاع بتقدير «في» فكأنه قال: لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضعا من ثدي واحد في حولين كاملين.(1)

2. ما دلّ على أنّ المحرّم الارتضاع سنةً، وهو:

ألف: ما رواه العلاء بن رزين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع.

فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضع من ثدي واحد سنة»(2).

قال الشيخ: فهذا خبر شاذ نادر متروك العمل به بالإجماع، وما هذا حكمه لا يعترض به على الأخبار الكثيرة(3).

وقد حاولوا التخلص من ظاهره بتوجيهات عديدة: منها التصرّف بالعبارة بأنّها «واحد سنّه»، أو «من ثدي واحد سنة» بضم السين وتشديد النون، وكل ذلك خلاف الظاهر.

وربما حمله البعض على التقيّة، وهذا غير تامّ، لأنّ العامّة يميلون إلى القلّة لا الكثرة(4).

قال صاحب الوسائل في ذيل الحديث: «يمكن حمله على التقية والحصر الإضافي بالنسبة إلى ما دون الخمس عشرة، أو بالنسبة إلى ما ارتضع من لبن فحلين وان يكون «سنة» ظرفاً للرضاع كما يأتي في مثله ومفهومه غير مقصود».

ص:68


1- . الاستبصار: 3/197، ذيل الحديث 713.
2- . الوسائل: 14/286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 13.
3- . الاستبصار: 3/194، ذيل الحديث 718.
4- . لا يخفى عدم المانع من ذلك بناءً على ما ذكرناه سابقاً من عدم لزوم وجود قائل عند العامّة في الحمل على التقيّة.

وكيف كان لابد من رفع اليد عن ظاهرها لما يأتي من الأخبار ولمخالفتها إجماع الطائفة.

ب: ما رواه الصدوق في المقنع قال: «وروى انّه لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضع من ثدي واحد»(1).

وفيه ما في سابقه مع أنّه مرسل.

3. ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع مدّةً مديدةً.

يمكن استفادة هذا المعنى من رواية الفضيل بن يسار الّتي تقدّمت مناقشتها متناً وسنداً، فانّ فيها: عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان مخبوراً، قلت: وما المخبور؟ قال: أُمّ مربيّة أو أُمّ تربي، أو ظئر تستأجر، أو خادم تشترى، أو ما كان مثل ذلك، موقوفاً عليه»(2).

فإنّ إرضاع كلّ من المربية والمستأجرة والخادم لا يكون مدّةً قصيرةً بل المتبادر منه إرضاعه فترةً طويلةً نسبيّاً من الزمن. ويؤيده قوله في ذيل الرواية:

«أو ما كان مثل ذلك موقوفاً عليه»، فبيّن أنّه لا خصوصيّة فيما ذكره إلّامن جهة كونه موقوفاً على الولد لإرضاعه.

وحيث إنّ هذه الرواية بنظرنا متحدّة مع الرواية الأُخرى الّتي رواها الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام وبذيلها «ثم يرضع عشر رضعات»(3)، فلا يمكن التمسك بها من دون الذيل، والأخذ بما تفيده حينئذ من اعتبار المدّة الطويلة.

ص:69


1- . المقنع: 330؛ والوسائل: 14/386، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 17.
2- . الوسائل: 14/284، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 7.
3- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 11.

4. ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع خمس عشرة يوماً ولياليهن.

وهوما نقله الصدوق في المقنع قال: «وروى لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ، ليس بينهنّ رضاع»(1).

ولا يخفى عدم حجيته لكونه مرسلاً.

5. ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع ثلاثة أيام:

وهو ما روي في الفقه الرضوي قال: «والحد الّذي يحرم به الرضاع - ممّا عليه العصابة دون كل ما روي فانه مختلف - ما أنبت اللحم وقوى العظم، وهو رضاع ثلاثة أيّام متواليات، أو عشر رضعات متواليات (محرزات مرويّات بلبن الفحل)، وقد روي مصّة ومصّتين وثلاث»(2). ولا يخفى عدم حجيّة الرواية، فلا اعتماد عليها. مضافاً إلى البون البعيد بين العلامتين - الثلاثة أيّام متواليات والعشر رضعات متواليات - كما هو واضح.

ص:70


1- . المقنع: 330. ولاحظ الوسائل: 14/286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 15 كذا في الوسائل، وحمله على ما لو رضع كلّ يوم رضعة. وفي المقنع أيضاً: لا يحرم من الرضاع إلّارضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ. المقنع: 330. وفيه أيضاً: 331: ولا يحرم الرضاع ثلاثين رضعة متفرّقة. وفي الهداية: 266-267: وقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ولا يحرم من الرضاع إلّارضاع خمس عشرة يوماً ولياليهن وليس بينهن رضاع». ولكن قال العلّامة في المختلف: 7/30 نقلاً عن الصدوق في المقنع قال: «وروى أنّه لا يحرّم من الرضاع إلّارضاع خمسة عشر يوماً ولياليهنّ ليس بينهنّ رضاع. قال: وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن رحمه الله». وأراد به شيخه ابن الوليد. ونقل عنه أيضاً الرضاع سنة.
2- . الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام: 234.

فكلّ ما تقدّم من الروايات متروك أو مؤوّل كما عرفت، مع انعقاد الإجماع على خلافه. والمعوّل عليه في تحديد المدّة ما يلي:

6. ما دلّ على اليوم والليلة وهو:

ألف: موثّقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات». الحديث(1).

ب: يؤيّده ما رواه الصدوق في المقنع قال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما أنبت اللحم وشد العظم» وسئل أبو جعفر عليه السلام هل لذلك حدّ؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّارضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ»(2).

وقد ادّعى صاحب الجواهر وغيره فتوى الطائفة عليه من دون مخالف، وعليه العمل.(3)

مشكلة عدم الانعكاس بين المدّة وكلّ من العدد والأثر

إنّ ظاهر الموثّقة هو الاكتفاء بالمدّة في نشر الحرمة وإن لم يبلغ العدد، وهو مشكل، ضرورة لغويّة التحديد بالعدد حينئذ، فالظاهر تحقق المدّة غالباً قبل تحقّق العدد، فإنّ الطفل، حسب العادة لا يرضع في اليوم والليلة أزيد من

ص:71


1- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
2- . المقنع: 330، ولاحظ الوسائل: 14/286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 14. وفيه «وسئل الصادق عليه السلام».
3- . لاحظ جواهر الكلام: 29/286-287.

عشر رضعات أو اثنتي عشرة، كما هو ظاهر لمن لاحظ ولده الرضيع، أو استفسر عمن له ولد رضيع.

فما ذكره صاحب الجواهر معلّلاً الاكتفاء بالمدّة وإن لم يبلغ العدد بقوله:

«يمكن أن يكون تحديد الشارع ملاحظاً فيه الوسط من الناس فانه كما اعترف به في المسالك يأتي على العدد تقريباً»(1)، لا يخلو من نظر.

ولأجل هذا الإشكال التجأ الشيخ، والعلّامة في التذكرة إلى أنّهما (أي اليوم والليلة أو الأثر) لمن لم يضبط العدد، ومقتضاه عدم اعتبارهما مع العلم بالنقص عن العدد.

والحقّ انّ عدم انعكاس العلامتين (المدّة والعدد) معضلة تحتاج إلى تدبّر تامّ للدفاع عنها.(2)

وأمّا عدم الانعكاس من جانب الأثر فغير مضرّ، ضرورة ندرة اتّفاق حصول الأثر المحسوس قبل العدد، فالقول بكون الأثر علامةً مستقلّةً، لا يضرّ بكون العدد والمدّة علامتين.

على أنّ للأثر مادّة افتراق لا يزاحم فيها العلامتين وهي ما إذا تحقّق الأثر

ص:72


1- . لاحظ جواهر الكلام: 29/286-287.
2- . أقول: يمكن أن يقال: إنّ طبيعة التحديد بالعدد تقتضي كون الرضعات كاملة، هذا يكون تحديد الشارع الرضاع المحرّم بالمدّة ناظراً إلى الرضعات الناقصة فحسب. وعلى ذلك، فلو وقع الرضاع برضعات كاملة اشترط وقوع خمس عشرة رضعة مع الشرائط الآتية حتّى يحصل التحريم، ولو وقع الرضاع برضعات ناقصة متتالية اشترط أن يستغرق مدّة يوم وليلة حتّى يحصل التحريم، ولازم ما ذكرنا عدم حصول التحريم فيما لو رضع سبع رضعات، مثلاً، كاملة في طول يوم وليلة.

نتيجة رضاع لفترة طويلة تخلّلها رضاع من امرأة أُخرى، فانّ الحق أنّه يحرم، وإن كان بالنظر إلى العدد والمدّة غير واجد لشرائطهما.

هاهنا فروع:

1. ما هو المقصود باليوم والليلة؟

الأوّل: انّ اليوم والليلة عنوانان مشيران إلى الظرف الخاصّ الّذي يرضع فيه الصبيّ، فلا يعتبر خصوص اليوم والليلة الحقيقيّين، بل يكفي الملفّق منهما.

وخاصّةً مع ملاحظة ما نبّه عليه الشيخ الأعظم في هذا المقام(1).

2. لو أطعم الرضيع في أثناء اليوم والليلة طعاماً آخر؟

الثاني: لو أطعم الرضيع في أثناء اليوم والليلة طعاماً آخر، فالظاهر كونه مضرّاً بصدق رضاع يوم وليلة، لأنّ المتبادر كون غذائه في ذاك الظرف هو اللبن الّذي يرضعه.

نعم لا يضرّ الغذاء القليل غير المؤثّر في جوعه وعطشه.

3. ما هو المعتبر في رضاع يوماً وليلة؟

الثالث: هل المعتبر في الرضاع يوماً وليلة، رضاع نوع الأطفال الرُّضع، أو المناط فيه حال شخص الطفل الرضيع؟ الظاهر هو الثاني، سواء كان شربه اللبن أكثر من المتعارف أو أقلّ منه، لأنّ الحكم هنا تابع لموضوع نفسه.

الرابع: يشترط في نشر الحرمة بالإرضاع يوماً أو ليلةً احتمال تأثير اللبن

ص:73


1- . قال رحمه الله: «وهل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم وانتهائه في آخر الليلة، أو العكس، أو يكفي الملفّق لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ وجهان: أقواهما الثاني، إمّا لصدق رضاع يوم وليلة عرفاً على رضاع الملفّق، وإمّا لأنّ الرضاع في الملفّق لا يكون أقلّ من رضاع يوم وليلة، بل يكون مساوياً له، فلا تدلّ الرواية على انتفاء النشر به، فيبقى داخلاً تحت الإطلاقات الدالّة على النشر». كتاب النكاح: 304-305.

في شدّ العظم وإنبات اللحم، فلو فرض حصول العلم بعدم التأثير فلا نشر، لأن المتبادر من شرطية إنبات اللحم وشدّ العظم، انّ ملاك نشر التحريم تأثير اللبن في شدّ العظم ونبات اللحم، غاية الأمر أنّ الزمان أو العدد طريقان إليهما، فإذا علم التخلف فلا تحريم. نعم احتمال التأثير كاف، لأنّ العلم بالأثر أمر مشكل(1).

إلى هنا تمّ الكلام في الشرط الثاني لتحقق الرضاع شرعاً فحان البحث عن الشرط الثالث من الشروط المحققة للرّضاع المحرّم.

الشرط الثالث:

اشارة

كيفية الرضاع

يشترط في الرضاع الناشر للحرمة، من حيث الكيفيّة، ثلاثة أُمور:

الأوّل: أن تكون الرضعة كاملةً.

الثاني: أن تكون الرضعات متواليةً.

الثالث: أن يرضع من الثدي، فلا يكفي الوجور.

أمّا الأمر الأوّل: وهو اشتراط كماليّة الرضعة فيدلّ عليه مرسل ابن أبي عمير: عن بعض أصحابنا رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرضاع الّذي ينبت

ص:74


1- . أقول: يمكن أن يقال: انّ الشارع جعل الإرضاع يوماً وليلةً علامةً تعبديّة لنشر الحرمة، فتكون كاشفة عن حصول المرتبة الّتي في نظر الشارع المقدس من إنبات اللّحم وشدّ العظم، الموجبة لصيرورة هذا ابناً وتلك أُمّاً، وبالتالي انتشار الحرمة.

اللحم والدم، هو الّذي يرضع حتّى يتضلّع ويتملى وينتهي نفسه»(1).

وخبر ابن أبي يعفور قال: سألته عما يحرم من الرضاع، قال: «إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه فإنّ ذلك ينبت اللحم والدم، وذلك الّذي يحرم»(2).

وأيضاً رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع الا المخبورة أو خادم أو ظئر، ثم يرضع عشر رضعات، يروي الصبي وينام»(3).

فانّ ذيلها دال على كون الرضعة كاملة تروي الصبي فينام، والتقييد بالنوم لمجرّد الإشارة إلى شبع الولد من اللبن.

وهل كماليّة الرضعة شرط في كلّ من الأثر والعدد والمدّة أو تختص ببعضها؟

أمّا شرطيّته في العدد فممّا لا ريب فيه، وذلك، (مضافاً إلى انصراف دليله إلى الرّضعات الكاملة) انّه لو كفت الناقصة للزم هدم الحدّ الّذي اعتنى به الشارع وجعله، فانّ لازم ذلك الاكتفاء بخمس عشرة مصّة أو أكثر منها بقليل، وهو بمجموعه ربما لا يكاد يعادل الرضعة الواحدة، وهذا (مضافاً إلى أنّه لا يُنبت ولا يشدّ) رجوع إلى القول بالاكتفاء بالرضعة الواحدة، لُبّاً، مع أنّ الناظر في أخبار الباب يحدس بأن الشارع اعتبر في نشر الحرمة بالرضاع مرتبةً خاصّةً يتكون معها لحم الصبيّ وعظمه من لبن المرضعة، ولم يكتف بالإنبات والشدّ العقليين اللّذين يحصلان بالرضعة الواحدة فما فوقها.

ص:75


1- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . الوسائل: 14/290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرّضاع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 14/285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 11.

وهذا مضافاً إلى المرسل والخبر، فإنّ القدر المتيقّن منهما هو العدد دون الأثر، فإنّه يحصل بالرضعات الناقصة إذا استمرّ الرضاع مدّةً طويلةً، كما لا يخفى.

ومنه يظهر عدم اشتراط كماليّة الرضعة في النشر بالأثر، فإنّ الملاك فيه هو شدّ العظم ونبات اللحم، وهو كما يحصل بالرضعات الكاملة يحصل بالناقصة أيضاً على الوجه الّذي ذكرناه.

وأمّا الروايتان فقد عرفت حالهما، ولو أخذ بظاهرهما المتوهّم للزم خلاف الواقع، فإنّ النبات لا يتوقّف على الكمال.

وأما شرطيّته في التحريم بالمدّة، فربما يقال به، لعدم صدق رضاع يوم وليلة بالرضعات الناقصة.

ولكنّه ضعيف جدّاً، فإنّ الملاك في التحريم بالتقدير الزمانيّ هو أن يعيش الطفل على لبن المرضعة ويتغذّى به، وهذا كما يحصل بالرضعات الكاملة يحصل بالناقصة أيضاً، غاية الأمر أنّ عدد الرضعات في اليوم والليلة يزيد إذا كانت الرضعات ناقصةً، وينقص إذا كانت كاملةً.

وإن شئت قلت: إن كان التقدير بالزمان أمارةً على حصول الغاية، أعني:

الإنبات والشدّ، فلا فرق بين رضاعه الرضاع الناقص أو الكامل، بعد فرض انّ الطفل لا يبقى جائعاً طوال الزمان المفروض. ولو فرض ارتضاع الصبيّ بعض الرضعة ثم اشتغل بلعب ونحوه، ثم بعد فصل طويل رضع رضعةً كاملةً وهكذا في جميع المدّة، يصدق عليه رضاع يوم وليلة.

ص:76

الميزان في كمال الرّضعة

قد ذكر لحدّ كمال الرضعة في كلامهم أمران:

الأوّل: أن يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف.

والثاني: أن يروي الصبي ويصدر من قبل نفسه.

والحدّ الثاني مأخوذ من الرواية الّتي تقدّمت عند البحث عن شرطيّة كمال الرضعة.

والظاهر رجوع الأمرين إلى شيء واحد، وأنّ الملاك شبعه من اللبن بحيث لا يحتاج إلى الرضاع. وأمّا قوله عليه السلام: «حتّى يتضلّع (أي تمتلئ أضلاعه) ويتملَّى وينتهي نفسه(1) فمحمول على الغالب، فإنّ الغالب على الأطفال إذا شبعوا التضلّع والإعراض عن الثدي والنوم وأشباه ذلك.

قال العلّامة المجلسي قدس سره: هذا الحديث يدلّ على اشتراط كون كلّ رضعة كاملة، فلا يعتبر في العدد الرضعة الناقصّة(2).

فرعان في كمال الرضعة

1. لو التقم الثدي ثم لفظه وعاود

الأوّل: قال المحقّق رحمه الله في الشرائع: «لو التقم الثدي ثم لفظه وعاود، فان كان أعرض أولاً فهي رضعة، وان كان لا بنيّة الإعراض، كالنفس، أو الالتفات إلى

ص:77


1- . لاحظ الحديث 2 من الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- . مرآة العقول: 20/219.

ملاعب، أو الانتقال من ثدي إلى آخر، كان الكل رضعة واحدة»(1).

وفيه أنّ الظاهر كون مجموع الرضاع في الصورتين رضعة واحدة، لأنّه إذا رضع حتّى يشبع ويتملّى ويتضلّع، فكيف يرضع مرّةً أُخرى - مع عدم الفصل الطويل بين الرضعتين - رضعة كاملة أُخرى.

2. لو منع قبل استكمال الرضعة لم يعتبر في العدد

الثاني: وقال رحمه الله: «لو منع قبل استكمال الرضعة لم يعتبر في العدد»2 لما عرفت ممّا يدلّ على شرطيّة كمال الرضعة. ولو لفّقت برضعة ناقصة أُخرى لم تحتسب إذا كان الفصل بينهما طويلاً، دون ما كان قصيراً بحيث يعدّ في العرف رضعةً واحدةً.

وأمّا الأمر الثاني: وهو اشتراط توالي الرضعات، فالأصل فيه موثّقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها...»(2).

وهل القيد «متواليات لم يفصل بينها» راجع إلى الأخير، أو إليه وإلى الأوّل؟ وجهان(3).

ثم إنّ ظاهره كون التوالي بمعنى عدم الفصل برضاع من امرأة أُخرى، وأمّا شموله للفصل بالإطعام أو إيجار اللبن فسيوافيك حكمه عند البحث في فروع التوالي.

ص:78


1- (1و2) . شرائع الإسلام: 2/283.
2- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . هو وإن كان راجعاً لفظاً إلى الأخير دون الأول وهو الرضاع في اليوم والليلة وإلّا ناسبه أن يقول «متوالياً»، إلّاأنّه لا يمتنع رجوعه روحاً ومعنى إليهما.

وعلى أيّ تقدير يكفي في شرطيّة التوالي وروده في هذه الموثّقة عند التقدير بالعدد، والزمان معاً، هذا. مضافاً إلى أنّ ظاهر قوله: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة» كون الرضاع في ذلك الظرف من لبنها خاصّةً دون غيره، فلو ارتضع في أثنائه من غيرها لم يصدق أنّه رضع منها يوماً وليلة، بل بعض يوم أو بعض ليلة.

والقول بكفاية التلفيق في المقام بأن يرضع من لبنها في اليوم اللاحق مثل المقدار الّذي رضعه من غيرها في اليوم الأوّل، يحتاج إلى دليل.

وأمّا التقدير بالأثر، فالظاهر عدم اشتراطه بالتوالي، لحصول الملاك المنصوص في الحديث، حصل التوالي أم لم يحصل، كما لا يخفى.

فروع التوالي

الفرع الأوّل: لاشكّ في اعتبار التوالي في العدد، بمعنى أنّ المرأة الواحدة تنفرد بإرضاعه العدد كاملاً من دون تخلّل رضاع امرأة أُخرى. عندئذٍ، فلو رضع من امرأة بعض العدد ثمّ رضع من أُخرى بطل حكم الأُولى. وهذا الّذي ذكرناه هو ما ورد في موثّقة زياد بن سوقة من قوله عليه السلام: «أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأةٍ واحدةٍ، من لبن فحلٍ واحدٍ، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها»(1).

ص:79


1- . الحديث 1 من الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ولو تناوب على إرضاعه عدّة نساء، لم ينشر الحرمة وإن كنّ لرجل واحد ما لم يكمل من واحدةٍ منهنّ خمس عشرة رضعة متواليات، وبدون ذلك لا يكون صاحب اللبن أباً ولا أيّة من المرضعات أُمّاً.

والدليل عليه مضافاً إلى الإجماع المحكيّ عن الخلاف والفقيه والتذكرة، موثّقة زياد بن سوقة المتقدّمة.

وما في الجواهر من تعليل الحكم بأنّ «الأصل، الإنبات، والباقيان علامتان، ومع الفصل لا يعلم، إن لم نقل لا يحصل النبات والاشتداد به وحده الّذي هو المتبادر»(1) ضعيف لمنع التبادر، لحصول الإنبات بالرضعات، سواء كانت متواليةً أو منفصلةً. بداهة تأثير ما يتغذّاه الصبيّ في لحمه ودمه، دفعةً واحدةً، قليلاً كان أو كثيراً، إذ ليس بدن الطفل كالحدائق المتّصلة الّتي يجري عليها الماء فلا تستقي الثانية إلّابعد الأُولى، والثالثة إلّابعد الثانية.

بل الغذاء بأيّ قدر كان، يؤثّر في بدن الإنسان دفعةً واحدةً، وكلّ قسم منه يأخذ حاجته، فإنّ تغذّي البدن إنّما يحصل بجريان الدم بسرعة في جميع عروقه وهو حامل للغذاء اللازم للخلايا الموجودة في الدم واللحم والعظم، فتأخذ كلّ خلية حاجتها.

الفرع الثاني: هل يعتبر التوالي في التقدير بالزمان؟ الظاهر ذلك، لعدم صدق قوله: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة»، على ما إذا رضع بلبن غيرها

ص:80


1- . جواهر الكلام: 29/291-292.

في ذلك الظرف، مضافاً إلى احتمال عود قوله: «لم يفصل بينها»، إلى التقدير بالزمان والعدد.

الفرع الثالث: كما أنّ الرضعة الكاملة مضرّة بالتوالي فكذلك الناقصة بلا فرق، نعم، إذا كان رضاعاً قليلاً كمثل المصّة والمصّتين، ممّا لا يعتدّ به عرفاً، ولا يصدق عليه رضاع امرأة أُخرى، فلا بأس به.

الفرع الرابع: هل الفصل بين الرضعات بالأكل أو إيجار اللبن قادح في التوالي المعتبر في العدد والزمان؟ يظهر من المسالك العدم، وأشكل صاحب الجواهر ذلك، بناءً على كون العدد كاشفاً عن الإنبات فيما لو كان الفصل بالأكل ونحوه على وجه يعلم عدم الإنبات بالخمس عشرة المتخلّلة، كما لو اتّفق الفصل بين كلّ رضعتين مثلاً حتّى أكمل الخمس عشرة رضعة(1).

وفيه: أنّ الإنبات يحصل بالخمس عشرة المتخلّلة أيضاً، فانّ كلّ غذاء يرد هاضمة الطفل يأخذ البدن حاجته منه، ذلك انّه يتبدّل إلى الدم ويجري في عروق الإنسان، ويدور فيها كلّ دقيقة مرّتين، فتتغذّى الخلايا بها، ويحصل بها النبات والشدّ، من غير فرق بين الرضعة والرضعات، ولا بين الخمس عشرة وغيرها، ولا بين المتخلّلة والمتّصلة.

غاية الأمر أنّ الشارع حسب الإجماع والنصوص اعتبر مرتبةً خاصّةً من الإنبات الّذي لا يحصل إلّابالخمس عشر، فعند ذلك لا فرق بين المتخلّلة وغيرها، بعد تأثير العدد المذكور في الأثر.

ص:81


1- . جواهر الكلام: 29/293.

نعم، في خصوص الإرضاع يوماً وليلةً يلزم أن يكون رفع جوع الطفل وحاجته إلى الغذاء خلال اليوم والليلة حاصلاً بالرضاع، ولا يضرّ الفصل فيما عدا ذلك بالأكل أو الوجور.

فالأقوى عدم إضرار الفصل بغير الرضاع، وإنّما خرج الفصل بالرضاع من امرأة أُخرى بالدليل، وإن كان الأحوط خلافه، خصوصاً إذا أُلغيت الخصوصية وحمل قوله عليه السلام: «لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها»، على التمثيل.

وأمّا الأمر الثالث: وهو اشتراط كون الرضاع من الثدي، فالعامّة فيه على قولين. قال ابن رشد: «وأمّا هل يحرم الوجور واللّدود، وبالجملة ما يصل إلى الحلق من غير رضاع؟ فإنّ مالكاً قال: يحرم الوجور واللدود، وقال عطاء وداود:

لا يحرم.

وسبب اختلافهم هل المعتبر وصول اللبن كيفما وصل إلى الجوف، أو وصوله على الجهة المعتادة؟

فمن راعى وصوله على الجهة المعتادة، وهو الّذي يطلق عليه اسم الرضاع، قال: لا يحرِّم الوجور ولا اللّدود، ومن راعى وصول اللبن إلى الجوف كيفما وصل، قال: يحرم»(1).

وأمّا عندنا، فمن ذهب إلى الاشتراط تمسّك بعدم تحقّق الرضاع بدونه، وبصحيحة العلاء بن رزين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع

ص:82


1- . بداية المجتهد: 4/266-267، الطبع الحديث.

فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضع من ثدي واحد سنة»(1).

وخبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع فقال، «لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين»(2).

وفيه، منع عدم صدقه خصوصاً في بعض الصور، كالوجور من الثدي من دون امتصاص أو وجور الحليب، إذ شرطيّة التقام الثدي أو امتصاصه غير واضحة.

والروايتان، مضافاً إلى الشذوذ في متنهما، ناظرتان إلى لزوم وحدة المرضعة أثناء الارتضاع سنةً أو سنتين، من دون نظر إلى شرطيّة كون ذاك الرضاع من الثدي.

هذا، مع ما عرفت من اشتمالهما على ما لا نقول به من السنة والسنتين.

فالأحوط، إن لم يكن أقوى، نشر الحرمة في بعض الصور الّتي ليست بعيدةً عن المتعارف، كالإيجار مباشرة من الثدي في حلق الصبيّ عند رفضه التقامه.

وأمّا لو أفرغ اللبن في وعاء ثم جعله جبناً وأطعم للصبيّ فلا يحرم قطعاً(3).

وهل الامتصاص من الثدي من الحلمة، أو الامتصاص من ثقب ونحوه

ص:83


1- . الوسائل: 14/286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 13.
2- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8.
3- . لعدم تبادره من روايات الباب بلا شبهة.

في غير الثدي، ناشر للحرمة؟ النشر في الأول بل الثاني أقرب إلى الاحتياط، بل لا يخلو من قوّة(1). ثم، لو رضع من ثدي الحية بعض الرضعات ثم أكملها منها وهي ميتة، لم ينشر الحرمة للشك في صدق إطلاقات الرضاع على هذا المورد، مضافاً إلى أنّها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام بها، كما ذكر المحقّق في شرائعه، ولا يصلح قياس الميتة بالنائمة والغافلة بل المغشي عليها.

ص:84


1- . أقول: لعلّ نظره دام ظلّه إلى حصول نبات اللحم والدم واشتداد عظم الصبيّ بلبن المرأة ولو بغير الامتصاص، وانّ الرضاع لا موضوعيّة له. ولكن لا يخلو ما ذكره دام ظله هنا وفي الوجور من نظر، فكيف يمنع عدم صدق الرضاع على الوجور مع أنّك عرفت أول الرسالة فيما نقلناه من كلام اللغويين كون الامتصاص من الثدي بالفم مفهوم الرضاع لغةً، ويقابله الحلب، وكذا عرفاً. ألاترى أنّ الناس لشربهم الألبان من الأواني لا يقال: انّهم ارتضعوا من البهائم. وحمل مواضيع الأدلّة على الطريقيّة خلاف الظاهر، بل لا يبعد أن يكون الرضاع المأخوذ فيه الامتصاص شرطاً عند العرف لصدق العناوين الرضاعيّة. وكيف كان، فتنزيل الوجور منزلة الرضاع يحتاج إلى دليل. وأمّا ما روي مرسلاً في الفقيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وجور الصبي بمنزلة الرضاع» [الوسائل: 14/298، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3] فلا حجية فيه لإرساله والأعراض عنه. ثم إنّه قد ذكر صاحب الحدائق قدس سره لعدم نشر الحرمة بالوجور روايتين مؤيّدتين: الأولى: ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فأسقته جاريتي. فقال أوجع امرأتك وعليك بجاريتك» [الوسائل: 14/298، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1]. والثانية ما رواه محمد بن قيس قال: سألته عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت زوجها لتحرم عليه. قال: «أمسكها وأوجع ظهرها» [الوسائل: 14/291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3] فانّ فيهما إشعاراً بأنّها إذا استحقّت التأديب في سقي لبنها البالغ كما هو ظاهرهما، فهكذا بطريق أولى إذا أسقته الصغير، وإن كان لا يوجب تحريماً في الموضعين. لاحظ الحدائق: 23/359. ولا يخفى ما فيه فلاحظ.

الشرط الرابع:

اشارة

وقوع الرضاع فيما دون الحولين

يشترط وقوع الرضاع جميعه فيما دون الحولين من عمر الرّضيع، فإذا وقع بعضه أو جميعه فيما زاد عن الحولين لم ينشر الحرمة. ولكن في المسألة أقوال مختلفة عند العامّة والخاصّة.

قال ابن رشد: «اتفقوا على أنّ الرضاع يحرم في الحولين، واختلفوا في رضاع الكبير، فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وكافّة الفقهاء: لا يحرم رضاع الكبير.

وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنّه يحرم، وهو مذهب عائشة.

ومذهب الجمهور هو مذهب ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وسائر أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم».(1) ثم أورد أدلة الفريقين.

وقال شيخ الطائفة في الخلاف: «الرضاع انّما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيراً، فأمّا إن كان كبيراً، فلو ارتضع المدّة الطويلة لم ينشر الحرمة، وبه قال عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وهو قول جميع الفقهاء: أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي ومالك وغيرهم.

وقالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير، وبه قال أهل الظاهر». ثم أورد أدلّة مختاره(2).

ص:85


1- . بداية المجتهد: 4/265.
2- . الخلاف: 5/98، المسألة 4 من كتاب الرضاع.

وقال رحمه الله في مسألة أُخرى: «القدر المعتبر في الرضاع المحرّم ينبغي أن يكون كلّه واقعاً في مدّة الحولين، فإن وقع بعضه في مدّة الحولين وبعضه خارجاً لم يحرم.

مثاله: انّ من راعى عشر رضعات من أصحابنا، أو خمس عشرة رضعة على ما اعتبرناه، فإن وقع خمس رضعات في مدّة الحولين، وباقيها بعد تمام الحولين، فانّه لا يحرم.

وقال الشافعي: إن وقع أربع رضعات في الحولين وخامسة بعدهما، لم ينشر الحرمة، وبه قال أبو يوسف ومحمد.

وعن مالك روايات، المشهور منها حولان وشهر، فهو يقول: المدّة خمسة وعشرون شهراً، فخالفنا في شهر.

وقال أبو حنيفة: المدّة حولان ونصف، ثلاثون شهراً.

وقال زفر: ثلاثة أحوال ستّة وثلاثون شهراً»، ثمّ ذكر أدلّة ما اختاره(1).

وكيف كان فالأقوال عند الخاصّة ثلاثة مع احتمال رابع:

الأوّل: كون الرّضيع في الحولين سواء فطم أم لا، وهذا هو المشهور.

الثاني: كون الرّضيع في الحولين مع عدم فطامه. وهذا هو المحكّي عن ابن أبي عقيل.

الثالث: يكفي عدم الفطام وإن كان بعد الحولين، وهو قول الإسكافي.

وأمّا كفاية مطلق الرضاع في نشر الحرمة ولو بعد الحولين مع الفطام أيضاً فلم يقل به أحد.

ص:86


1- . الخلاف: 5/99-100، المسألة 5 من كتاب الرّضاع.

ويدلّ على قول المشهور ما يحدّد الرضاع بعدم الفطام، وتفسيره بالحولين:

روى حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا رضاع بعد فطام، قلت: وما الفطام؟ قال: الحولين الّذي قال اللّه عزوجل»(1).

وعليه يحمل ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: لا رضاع بعد فطام»(2).

وكذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا رضاع بعد فطام»(3).

وكذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرضاع؟ فقال:

«لا يحرم من الرضاع إلّاما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين»(4).

وكذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان حولين كاملين»(5).

وأما ما ذهب إليه الحسن بن أبي عقيل فيدلّ عليه صحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم»(6).

ص:87


1- . الوسائل: 14/291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
2- . الوسائل: 14/290، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1. أقول: وقوله في ذيل الرواية: «فمعنى قوله: لا رضاع بعد فطامٍ إنّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعدما تفطمه، لا يحرّم ذلك الرضاع التناكح» فهو من تفسير الكليني، بقرينة تفرّده في نقله، فإنّ الصدوق نقل الرواية في المجلس الستّين من أماليه - الحديث 4 - من دون هذا الذّيل.
3- . الوسائل: 14/291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
4- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8.
5- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.
6- . الوسائل: 14/291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.

وبه يقيّد إطلاق ما يدلّ على كفاية الرضاع في الحولين مطلقاً، فطم أم لا(1) وجعل قوله قبل أن يفطم تفسيراً لما قبله، خلاف الظاهر(2).

ويؤيده ما في الكافي في ذيل رواية منصور بن حازم ان معنى قوله صلى الله عليه و آله و سلم:

«لا رضاع بعد فطام»، أنّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعدما تفطمه، لا يحرم ذلك الرضاع التناكح(3). ولولا الخوف من الشهرة والاتّفاق المحكيّ لكان الأخذ به متعيّناً، ومع الشك في الشرطية، فالمرجع هو أصالة الحلّ فيما إذا رضع بعد الفطام، لا أصالة البراءة من الشرطيّة، لعدم جريان أدلّتها في المقام، إذ لا كلفة في شرطيّته حتّى يرتفع بها، بل الكلفة - أعني: الحرمة - حاصلة من رفع الشرطيّة، كما لا يخفى(4).

ص:88


1- . أقول: هذا فرع وجود الإطلاق في رواية «حماد»، وهو مفقود، وانّما هي خاصّة جدّاً بعد تفسيره عليه السلام للفطام بالحولين الكاشف عن كون الفطام في لسان الشرع بمعنى تمام الحولين، فيكون معنى الرواية «لا رضاع بعد الفطام الّذي هو الحولين»، وأين هذا من أن يقول: «لا رضاع بعد الحولين فطم أم لم يفطم»، حتّى تقيّد بصحيحة الفضل.
2- . أقول: من جهة انّ المفسر يجب أن يكون أعرف من المفسر المعطوف عليه، والحال انّ العكس هنا، فانّ الحولين المفسر أعرف من الفطام المفسر. ولكن لابدّ من الالتزام به بعد تفسير الفطام في رواية أبان بالحولين.
3- . الوسائل: 14/290، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1. وقد عرفت الحاشية الّتي ذكرناها على الحديث أنّ هذا من كلام الكليني، ولا حجيّة فيه.
4- . أقول: توضيح الحال انّ هنا - بعد فرض احتمال تخصيص الرضاع برواية البقباق - علماً بحصول التحريم بالرضاع قبل الفطام، وشكّاً في التحريم بعده، فيدور الأمر في ظرف الشك بين التمسك بالعموم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أو إجراء الأُصول. والأوّل ممتنع في المقام، لوقوع العموم في شبهة مصداقية، لما عرفت من دوران الرضاع المحرّم بين الأقلّ والأكثر، فيؤخذ بالأقلّ المتيقّن، وهو ما قبل الفطام، ويبقى الأكثر وهو ما بعده، مشكوك المصداقيّة للعموم. ولا يصحّ التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة، فالمجرى حينئذ مجرى الأُصول، فنقول: إنّ هنا شكّاً في وقوع التحريم بالرضاع بعد الفطام، ومنشأ هذا الشك، الشك في شرطيّة الفطام، فقد يقال بجريان البراءة عن هذا الشرط، ولكّنك عرفت في المتن ما أفاده - دام ظلّه - من عدم صحّة إجرائه، لأنّ أدلّة البراءة مفادها رفع التكليف عن العباد، وإجراء البراءة عن الشرطيّة هنا نتيجته، التحريم، وهو كلفة فلا يجري، وهذه نكتةٌ ثمينةٌ فاحتفظ بها. عندئذ يبقى الشك في وقوع الحرمة بهذا الرضاع الحاصل بعد الفطام، فالمجرى استصحاب الحليّة السابقة بين المرضعة والرّضيع، وإن شئت قلت: إنّ هذه الأفراد كانت داخلةً في الأصل تحت عموم الحلّ «وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»، وشكّ في إخراجها وتخصيصها بأدلّة الرضاع، فالأصل بقاؤها تحت العموم وعدم التخصيص.

وأمّا القول بالنشر بالرضاع بعد الحولين إذا لم يفطم، فتردّه النصوص والإجماع المحقّق.

ولا يتمّ الاستدلال عليه بخبر داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرّم».(1)

فانّه معرض عنه، مع أنّه موافق لمذهب بعض العامّة فيحمل على التقيّة.

هل يشترط الحولان في ولد المرضعة؟

نقل اشتراطه عن أبي الصلاح وابني حمزة وزهرة، وعن الغنية الإجماع عليه، لأصالة الحليّة، وإطلاق «لارضاع بعد فطام»، وإطلاق الحولين.

وقد فهم ابن بكير ذلك حيث سأله ابن فضّال في المسجد فقال: ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين ثم أرضعت صبيّة لها أقلّ من سنتين حتّى تمّت السنتان، أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنه رضاع

ص:89


1- . الوسائل: 14/292، الباب 5 من أبواب ما يحرم من الرضاع، الحديث 7.

بعد فطام، وانّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «لا رضاع بعد فطام»، أي أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية، فقد خرج من حد اللبن ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه، قال: وأصحابنا يقولون: إنّه لا يفسد إلّاأن يكون الصبيّ والصبيّة يشربان شربة شربة(1).

ولكنّ الإنصاف انّ الأصل لا مجال له بعد إطلاق الأدلّة، وانصراف قوله:

«لا فطام» و «الحولين» إلى المرتضع، تحقيقاً لمعنى التنزيل، أي فكما أنّ مدّة ارتضاع الولد الحقيقي لا تتجاوز السنتين، فهكذا الولد التنزيلي لا يتجاوز ذلك الحدّ، فلا يتحقّق التنزيل إلّاإذا رضع في ضمن هذا الحدّ، ولا يصير ولداً إلّابهذا الشرط، ولا ربط له بولد المرضعة.

ويؤيّده ما رواه الترمذي: «لا رضاع إلّاما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام»(2). فانّه ناظر إلى الرضيع، ولا ارتباط له بولد المرضعة أصلاً.

وأمّا فهم ابن بكير فليس حجّةً علينا.

نعم، نقل في الجواهر عبارات المقنعة، والنهاية، والمبسوط، والخلاف، والمراسم، وادّعى إجمالها وعدم ظهورها في عدم اشتراطه(3).

ولكنّ الإنصاف عدم ترائي الإجمال فيها بل هي بإطلاقها تنفي اشتراط شيء آخر في الرضاع.

ص:90


1- . الوسائل: 14/291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
2- . سنن الترمذي: 3/458، كتاب الرضاع، الحديث 1152.
3- . لاحظ جواهر الكلام: 29/299.

وقد أيّد صاحب الجواهر فهم ابن بكير بأنّه لو نزل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصّةً فعندئذ لن يكون لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة حدّ، فيبقى رضاعها مؤثّراً ولو لسنين عديدة، وهو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدر، مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك، خصوصاً بعد أن تعرّض له العامة(1).

وفيه: أنّه لا مانع من أن لا يكون لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة حدّ، مادام يصدق على عملها الرضاع، وعلى ما يتغذّى به المرتضع اللبن.

مع أنّ الخاصّة إذا أهملته، فقد أهمله العامّة أيضاً، فلم يتعرّضوا لحدّ الرضاع بالنسبة إلى المرضعة.

وما ذكره في الجواهر من عبارات الأصحاب فهو راجع إلى حدّ الرضاع بالنسبة إلى المرتضع، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها.

نعم، يمكن إثبات نشر الحرمة عن طريق الاستصحاب فيقال بأنّ إرضاع هذه المرأة عندما كان ولدها دون الحولين كان سبباً لنشر الحرمة، والأصل بقاؤه على ما كان.

ها هنا فروع تترتّب على ما مضى

الأوّل: لو مضى من عمر ولدها أكثر من حولين، ثم أرضعت من هو دون الحولين، نشر الحرمة على المختار، دون القول الآخر.

الثاني: لو مضى لولدها أكثر من حولين، ثم أرضعت من هو دونهما العدد

ص:91


1- . لاحظ جواهر الكلام: 29/299.

إلّا رضعة واحدة، فتمّ حولاه ثم رضع المتبقيّة بعدهما، لم ينشر على القولين، لوقوع بعض الرضعات خارج الحولين.

وهنا بحث لا يختصّ بالمقام، وهو انّ التحديدات الواردة في الشرع من الأوزان والمثاقيل، والشهور والسنوات، والتقدير بالأشبار والمساحات، هل تجب فيها الدقة العقليّة؟ فلو وقعت الرضعة أو بعضها في الدقائق المتعلقّة بالسنة الثالثة، لما نشرت الحرمة لأنّه لا يصدق عليه أنّه رضع في الحولين.

أو نقص الماء المقدّر بالأرطال والأشبار مقداراً طفيفاً، أو كانت الغلّة قريبة من النصاب ولم ينقص منها إلّامثقال أو مثقالان، لما كان الماء عاصماً، ولا تعلّقت الزكاة بالغلّة، لعدم صدق الحدّ بالدقة العقليّة.

أو يكفي فيه الصدق العرفي، إذا كان العرف منعزلاً عن الدقة العقليّة. فإذا كانت الحنطة الموجودة مائة منٍّ إلّامثقالاً، أو كان الماء مائة منٍّ، إلّامثقالين، فلا يتوقّف العرف في إطلاق المائة عليهما، مع علمه بالنقصان.

فإذا كانت التحديدات الشرعية واردةً على مستوى الأفهام العرفيّة من دون مراعاة تلك المداقّة العقليّة، فيدور الحكم مدار صدقها العرفي، وإن كان الموضوع منتفياً في نظر العرف.

وما ذكرناه يبتني عليه أحكام متعدّدة في مختلف الأبواب، ومنها نشر الحرمة في الفرع المزبور. الثالث: الصورة السابقة مع وقوع الرضعة الأخيرة في الحولين لكنّه لم يرتو منها فيهما، والكلام فيها عين ما تقدّم في سابقتها.

الرابع: الصورة السابقة، ولكن تمّت الرضعة الأخيرة مع تمام الحولين، ينشر على المختار دون الأوّل.

ص:92

الكلام في كون الشهور هلاليّةً أو عدديّةً

مبدأ الحولين من حين انفصال الولد، فإن كان أوّل شهر فواضح، وإلّا فيكمل المنكسر من الشهر الخامس والعشرين، على وجه يكون شهراً هلاليّاً أو عدديّاً.

والفرق بينهما واضح، فلو كان الشهر الّذي ولد فيه غير كامل، حسب مثله في الخامس والعشرين إذا قلنا بتكميله هلاليّاً، دون ما إذا قلنا بتكميله عدديّاً.

فلو ولد في الحادي والعشرين من رجب، وكان الشهر غير كامل، يكمل ذلك الشهر بعشرين يوماً من الشهر الخامس والعشرين بمحاسبة الشهر هلاليّاً، أعني: تسعةً وعشرين يوماً بخلاف ما إذا قلنا بتكميله شهراً عدديّاً، فانّه يحسب من الشهر الخامس والعشرين، واحد وعشرون يوماً حتّى يكون مع التسعة أيّام شهراًعدديّاً، ثلاثين يوماً.

ويحتمل إكماله ممّا يليه من الشهر وهكذا، فيجري الانكسار في الجميع حينئذ، والتكملة عند ذاك إمّا هلاليّة أو عدديّة.

والفرق بينهما كالفرق بين السابقين فلو قلنا بالتكملة الهلاليّة حسب نقصان الشهر الأوّل بمقدار نقصانه.

فلو رُئي الهلال في ليلة الثلاثين، وتولّد الرضيع في اليوم الحادي والعشرين، كفى ضمّ عشرين يوماً من الشهر الثاني لا أكثر، فيصير شهراً هلاليّاً، تسعة وعشرين يوماً.

ومثله الشهر التالي بالنسبة إلى الثالث وهكذا، بخلاف ما إذا قلنا

ص:93

بتكميله عدديّاً، وذلك انّه لو كان الشهر الّذي تولّد فيه تسعة وعشرين يوماً، لزم ضمّ واحدٍ وعشرين يوماً إلى هذه التسعة، حتّى يصير شهراً كاملاً عدديّاً، وهكذا الشهر التالي بالنسبة إلى الثالث.

فإن قلت: هذا هو الفرق بين الهلالي والعددي في الفرضين، فما هو الفرق بين الهلاليّين أو العدديّين؟

قلت: الفرق بين الهلالي الأوّل والثاني واضح، فإنّه في الفرض يحسب الشهر الأوّل هلاليّاً فقط، وأمّا الشهور الأُخر فالمحاسب بالخيار بين حسابها عدديةً أو هلاليّةً، وهذا بخلاف ما إذا ضرب الكسر على الشهور، فإنّ الشهور عامّةً تحسب هلاليّةً.

ومثله الفرق بين العدديّين، فإنّه في الفرض الأوّل يحسب الشهر الأوّل عدديّاً، وأمّا الشهور الأُخر فيمكن أن تحسب هلاليّةً أو عددّيةً.

وأمّا إذا ضرب الكسر على الجميع، فالشهور كلّها عدديّة، وعند ذاك تزيد عدد الأيّام على الهلالي في ظرف السنتين كثيراً. ثمّ انّ صاحب الجواهر احتمل وجهاً آخر فقال: المراد من تحقّق الحولين هو أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً على وجه يخرج المنكسر عنهما وإن لحقه الحكم(1) والظاهر انّ مراده أنّه تحسب السنتان من أوّل الشهر الهلالي إلى أربعة وعشرين، فلو تولّد في الحادي والعشرين من رجب، تحسب السنتان من أوّل شعبان، وأمّا المنكسر فلا يحسب من السنتين، وإن نشر الحرمة إذا رضع فيه على الشرائط المعلومة.

ص:94


1- . جواهر الكلام: 29/296.

الكلام فيما إذا جهل التاريخ

لو جهل تاريخ إكمال الحولين وتاريخ الرضاع، تساقط الأصلان فيهما، ولا يثبت بهما التقارن، كما هو مقرّر في محلّه.

ولو جهل أحدهما فقط، كإكمال الحولين، فأصالة عدم حدوثه عند حدوث الرضاع المعلوم التاريخ، لا يثبت كون الرضاع في الحولين، إذ هو من الأُصول المثبتة عند القوم، لا على المختار، إذ لو كان هذا من المثبتات، لصار استصحاب وجود الشرط كالطهارة في صحيحة زرارة(1) مثبتاً أيضاً، إذ لا يثبت به كون الصلاة عن طهارة، ولذلك أخرجنا هذا النحو، من الأُصول المثبتة، وقس عليه استصحاب وجود الوصف والجزء فإنّه لا يثبت اتّصاف الموصوف أو المقيّد بهما عند القوم.

فالموضوع وإن كان الرضاع في الحولين أو قبل إكمالهما، إلّاأنّ أصل وقوع الرضاع معلوم تاريخاً، وقد أحرز الشرط وهو كون الصبيّ متّصفاً بعدم إكماله الحولين إلى زمن الرضاع، فيثبت حسب نصّ الصحيحة كون الرضاع في الحولين(2).

وقس عليه ما إذا جهل تاريخ الرضاع، وعلم تاريخ الإكمال، حرفاً بحرف.

ص:95


1- . لاحظ الوسائل: 1/174، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
2- . حاصله ببيان فنّي، حيث إنّ تاريخ اكتمال الحولين مجهول، وتاريخ الرضاع معلوم، فإذا استصحبنا عدم اكتمال الحولين عند حدوث الرضاع، ينقّح عندنا موضوع الكبرى الكليّة، وذلك انّ عدم اكتمال الحولين زمن الإرضاع شرط التحريم، وهو محرز بالاستصحاب، فإذا تحقّق الشرط انضمّ إلى الكبرى الكليّة وهي: كلّما لم يكتمل الحولان زمن الرضاع فذاك الرضاع ناشر للحرمة، فينتج نشر الحرمة.

الشرط الخامس:

اشارة

اتّحاد الفحل

وقبل إيراد الروايات الواردة في الباب وتوضيح مفادها نذكر أُموراً:

الأمر الأوّل: ممّا انفردت به الإماميّة شرطيّة كون اللبن لفحلٍ واحدٍ، وليس من هذا الشرط أثر في كلمات سائر الفقهاء، فالإخوة للأُمّ عندهم كالإخوة للأب، بلا فرق بينهما، بل يظهر من بعضهم إرجاع الثانية إلى الأُولى.

روى الترمذي قال: «سئل ابن عباس عن رجل له جاريتان، أرضعت إحداهما جاريةً، والأُخرى غلاماً، أيحلّ للغلام أن يتزوّج بالجارية؟ فقال: لا، اللّقاح واحد». قال الترمذي: وهو قول أحمد وإسحاق(1).

والمراد أنّ لقاحهما من رجل واحدٍ فكأنّ الجارية والغلام رضعا من امرأة واحدة.

وكيف كان فالمسألة قد عنونت عند العامّة بصورة مختلفة عمّا عند الإماميّة، فلا خلاف عند العامّة في كفاية الاتّحاد في الأُمّ، وانّما اختلفوا في كفاية الاتّحاد في الفحل مع اختلاف الأُمّ، والمشهور عندهم كما سيأتي كفايته أيضاً.

وروي عن طائفة منهم عدم الإجزاء.

فالأساس الّذي تبنى عليه هذه المسألة هو أنّ الإخوة من جانب الأب -

ص:96


1- . سنن الترمذي: 3/454، الحديث 1149.

وإن اختلفا من جهة الأُمّ - ناشرة للحرمة أو لا؟ ذهبت الإماميّة إلى الأوّل، وجماعة من الفقهاء إلى الثاني، فلا يكون من الرضاع أب ولا عمّ ولا عمّة...

قال الشيخ في الخلاف: «وذهبت طائفة إلى أنّ لبن الفحل لا ينشر الحرمة، ولا يكون من الرضاع أب، ولا عمّ، ولا عمّة، ولا جدّ أبو أب، ولا أخ لأب، ولهذا الفحل أن يتزوّجها، أعني: الّتي أرضعتها زوجته.

ذهب إليه: ابن الزبير، وابن عمر؛ وفي التابعين: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار؛ وفي الفقهاء: ربيعة بن أبي عبد الرحمن أُستاد مالك، وحماد بن أبي سليمان أُستاد أبي حنيفة، والأصم، وابن عليّة، وهو أُستاد الأصم، وبه قال أهل الظاهر داود وشيعته».

ثمّ ردّ هذا القول بإجماع الفرقة وأخبارهم، وبما رواه القوم عن عائشة، قالت: «دخل عليّ أفلح بن أبي القُعيس فاستترت منه، فقال: تستترين منّي وأنا عمّك؟ قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعَتْكِ امرأة أخي، قلت: إنّما أرضعتني امرأة، ولم يرضعني الرجل، فدخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم فحدّثته، فقال: إنّه عمُّكِ فليلج عليك».

قال الشيخ: وهذا نصّ في المسألة، فانّه أثبت الاسم والحكم معاً، وقد نقل هذا بألفاظ أُخر...»(1).

وقال ابن رشد: «وأمّا هل يصير الرّجل الّذي له اللبن، أعني: زوج المرأة، أباً للمرتضع، حتّى يحرم بينهما، ومن قبلهما ما يحرم من الآباء والأبناء الّذين من النسب، وهي الّتي يسمّونها لبن الفحل؟

ص:97


1- . الخلاف: 5/94، المسألة 2 من كتاب الرضاع.

فإنّهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي، والثوري: لبن الفحل يُحرِّم.

وقالت طائفة: لا يحرم لبن الفحل. وبالأوّل قال من الصحابة: عليّ، وابن عباس، وبالقول الثاني قالت: عائشة، وابن الزبير، وابن عمر.

وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر الكتاب لحديث عائشة المشهور، أعني:

آية الرضاع، وحديث عائشة هو...(1) خرّجه البخاري، ومسلم، ومالك.

فمن رأى أن ما في الحديث شرع زائد على ما في الكتاب، وهو قوله تعالى: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» (2) وعلى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة». قال: لبن الفحل محرّم.

ومن رأى أنّ آية الرضاع وقوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة»، إنّما ورد على جهة التأصيل لحكم الرضاع، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، قال: ذلك الحديث إن عُمِلَ بمقتضاه أوجب أن يكون ناسخاً لهذه الأُصول، لأنّ الزيادة المغيرة للحكم ناسخة، مع أنّ عائشة لم يكن مذهبها التحريم بلبن الفحل، وهي الراوية للحديث، ويصعب ردّ الأُصول المنتشرة الّتي يقصد بها التأصيل والبيان عند وقت الحاجة، بالأحاديث النادرة، وبخاصّة الّتي تكون في عين، ولذلك قال عمر في حديث فاطمة بنت قيس: لا نترك كتاب اللّه لحديث امرأة»(3).

ص:98


1- . نقلنا حديث عائشة في ضمن كلام «الخلاف» فراجع.
2- . النساء: 23.
3- . بداية المجتهد: 4/269-270.

وقد نقلنا كلام ابن رشد بطوله ليعلم ما هو محطّ البحث بين الأُمّة في عصور الأئمّة وبعدها، وأنّ طائفة من العامّة يشترطون اتّحاد الأُمّ تمسّكاً بنصّ الكتاب، ويجعلون كلّ الاعتبار للإخوة للأُمّ فقط، ولا يكتفون بها للأب، ومنهم مَن يرى كفاية كلّ واحد منهما، الوحدة في الأُمّ المرضعة أو في الفحل صاحب اللبن.

وأمّا الخاصّة، فالملاك عندهم بلا خلاف إلّامن الطبرسي، الاتّحاد في الفحل ولولاه لما كفى الاتّحاد في المرضعة.

الأمر الثاني: ليعلم أنّ الاتّحاد في الأُمّ مع اختلاف الفحل إنّما لا يكفي إذا كان الرضيعان أجنبيّين بالنسبة إلى الأُمّ المرضعة، وأمّا إذا كان أحدهما نسبيّاً لها والآخر المرتضع أجنبيّاً، فإنّه ينشر الحرمة بينهما وإن اختلف الفحلان.

كما أنّ اتّحاد الفحل شرط لنشر الحرمة بين الرضيعين، وليس شرطاً لأصل الرضاع. فعلى هذا فالرضاع ناشر للحرمة بين المرضعة والمرتضع مطلقاً، وكذا بين كل من الفحلين والمرتضع، كل بالنسبة إلى لبنه فإذا أرضعت امرأة غلاماً وجارية، بلبن فحلين فلا ينشر الحرمة بالنسبة إلى الغلام والجارية، نعم ينشر الحرمة بالنسبة إلى فحل كل واحد منهما. كما سيوافيك في رواية بريد العجلي.

الأمر الثالث: في بعض الفروع المترتبة على وحدة الفحل.

قال المحقّق رحمه الله في الشرائع:

الأوّل: لو أرضعت اثنين بلبن فحل واحد مائة حرم بعضهم على بعض.

ص:99

الثاني: لو نكح الفحل عشراً وأرضعت كلّ واحدة واحداً أو أكثر، حرم التناكح بينهم جميعاً.

الثالث: لو أرضعت اثنين بلبن فحلين، لم يحرم أحدهما على الآخر(1).

وادّعى عليه في الجواهر الإجماع بقسميه، وقال عند البحث عن الفرع الثالث: «على المشهور بين الأصحاب كادت تكون إجماعاً، بل عن السرائر والمبسوط والتذكرة الإجماع عليه»(2).

وحدة الفحل في الروايات

وأمّا روايات الباب الدالّة على ما تقدّم فهي على قسمين.

الأوّل: الروايات الّتي تصرّح بعدم كفاية الوحدة في الأُمّ.

الثاني: الروايات الّتي تعتبر الوحدة في الفحل.

أمّا ما يدلّ على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ فمنه رواية بريد العجلي قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فسّر لي ذلك، فقال: «... كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الّذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وانما هو من نسب ناحية الصهر رضاع، ولا يحرم شيئاً، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم»(3).

ص:100


1- . شرائع الإسلام: 2/284.
2- . جواهر الكلام: 29/303.
3- . الوسائل: 14/293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرّضاع، الحديث 1، والرواية صحيحة.

وقوله: «واحداً بعد واحد» مفعول لقوله: «أرضعت» وقوله: «من جارية أو غلام» بيان لواحد بعد واحد.

وعند ذاك فلابدّ أن يفرض الرضيعان أجنبيّين كما هو ظاهر صدره، أعني قوله عليه السلام: «أرضعت ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام»، فلا ينشر الحرمة بالنسبة إليهما، وإن اتّحدت الأُمّ، لاختلافهما في الفحل وعدم كون واحد منهما نسبيّاً بالنسبة إلى الأُمّ حتّى لا يشترط فيه حسب مختار المشهور.

وعلى أيّ تقدير يكون دليلاً على ما ذهب إليه المشهور في المقام.

وأمّا القسم الثاني: وهو الروايات الّتي تعتبر الوحدة في الفحل:

فمنها: موثقة زياد بن سوقة، قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقل من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد، وأرضعتهما امرأة أُخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(1).

فإنّ قوله عليه السلام: «من لبن فحل واحد»، دليل على المدّعى، لكن الحديث يشتمل على شرط آخر وهو لزوم الاتّحاد في الأُمّ الّذي لا نقول به، كما تقدّم في بعض الفروع(2).

ص:101


1- . الوسائل: 14/282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
2- . قيد «من امرأة واحدة» راجع إلى كون المرتضع واحداً، ولا ريب في اشتراطه، فلا يكفي أن يرضع ثمانية رضعات من امرأة وسبعة أُخرى من امرأة أُخرى.

ومنها: رواية عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لبن الفحل، قال: «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أُخرى، فهو حرام»(1).

ولكن الرواية ليست صريحة فيما نريد، لاحتمال انطباقها على القول المشهور بين العامّة، وهو كفاية الاتّحاد في واحد من الفحل أو المرضعة.

ومنها: رواية سماعة قال: سألته عن رجل كان له امرأتان، فولدت كلّ واحدة منهما غلاماً، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس، أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية؟ قال: «لا، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ»(2).

والرواية دالّة على المطلوب، لأنّه عليه السلام علّل بوحدة الفحل ولم يعلّل بوحدة أُمّهما.

ومنها: رواية مالك بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتزوّج المرأة فتلد منه ثمّ ترضع من لبنه جارية، يصلح لولده من غيرها أن يتزوّج تلك الجارية الّتي أرضعتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة الأُخت من الرضاعة، لأنّ اللبن لفحل واحد»(3).

ودلالة الرواية كسابقتها.

ومنها: رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له. أرضعت أُمّي جارية بلبني قال: هي أُختك من الرضاعة، قلت: فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم

ص:102


1- . الوسائل: 14/294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.
2- . الوسائل: 14/295، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 6 والرواية موثقة مضمرة.
3- . الوسائل: 14/297، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 13.

ترضعها أُمّي بلبنه، - يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر - قال: والفحل واحد؟ قلت: نعم، هو أخي(1) لأبي وأُمّي، قال: اللبن للفحل، صار أبوك أباها وأُمّك أُمّها»(2).

والرواية دالّة على المطلوب، بدليل سؤاله عليه السلام عن وحدة الفحل دون الأُمّ، فيعلم اشتراطه.

نعم الرواية كسابقتها من الرّوايات لا تدلّ على اشتراط وحدة الفحل إلّا بضميمة الروايات الّتي قدّمناها، الدالّة على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ.

وظاهر هذه الرواية اشتراط وحدة الفحل بين الابن النسبيّ للمرضعة والأجنبيّ المرتضع منها، مع أنّ المشهور عندهم عدم شرطيّته إلّافي المتراضعين الأجنبيّين، فتكون الرواية ظاهرةً على خلاف مختار المشهور، وسوف نتطرق إلى هذه المسألة عند البحث عن أحكام الرضاع.

وهنا روايات أُخرى تختلف دلالتها في اعتبار وحدة الفحل.

وكيف كان فالظاهرُ من مجموع الروايات الدالّ بعضها على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ، وبعضها الآخر على اعتبار الوحدة في الفحل، كونُ اتّحاد الفحل شرطاً في نشر الحرمة، فيكفي فيها، ولو وقع الاختلاف في الأُمّ المرضعة، ويظهر بذلك دليل الفروع الّتي تقدّمت.

وما ذكرناه من اشتراط وحدة الفحل بين الرضيعين الأجنبيّين دون النسبيّ والأجنبيّ هو المشهور.

وهناك مذهبان آخران يقعان بين الإفراط والتفريط وإليك بيانهما.

ص:103


1- . في نسخة: هي أُختي.
2- . الوسائل: 14/299، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3. والرواية صحيحة.

الأوّل: مذهب العلامة في قواعده وشارحها

يظهر من العلّامة في قواعده(1) والمحقّق الكركي في شرحها(2)عدم اختصاص شرطية اتّحاد الفحل في الرضيعين الأجنبيّين، بل يعتبر في كلّ ما كان الرضاع فيه منشأً للحرمة بين الطرفين المرتضعين وإن كان أحدهما نسبيّاً والآخر رضاعيّاً.(3) وقد عرفت كونه خلاف المشهور وخلاف المنساق من روايات الباب.

الثاني: مذهب الطبرسي

روي عن الطبرسي رحمه الله أنّه اكتفى في الحرمة بالاشتراك في الأُمّ ولو اختلف الفحل(4)، تمسّكاً بالعموم، حيث نزل الرضاع منزلة النسب مطلقاً، وخبر محمد بن عبيدة الهمداني قال: قال الرضا عليه السلام: «ما يقول أصحابك في الرّضاع؟ قال:

قلت: كانوا يقولون: اللبن للفحل، حتّى جاءتهم الرواية عنك أنّك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك(5) قال: فقال: وذلك أنّ

ص:104


1- . لاحظ القواعد: 3/27.
2- . لاحظ جامع المقاصد: 12/257.
3- . استدرك الأُستاذ - دام ظلّه - في مقام آخر على هذا بأنّه لو تمسّك بظاهر الآية «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» لكان أحسن.
4- . لاحظ مجمع البيان، ذيل الآية 23 من سورة النساء ونقله عنه في الجواهر: 29/304.
5- . ذكر الأُستاذ - دام ظله - في بيان هذه العبارة ما مفاده انهم كانوا يقولون بأنّ المناط في الحرمة هو اتحاد الرضيعين في الفحل فقط إلى أن جاءت الرواية عنكم بأنّ الرضاع مثل النسب من غير فرق. فكما أنّ الإخوة للأُمّ في النسب تحرم فكذلك الإخوة للأُمّ في الرضاع من غير فرق. وهذا كاشف عن أنّ الشهرة بين أصحاب الأئمة عليهم السلام كانت على لزوم اتحاد الفحل وعدم كفاية الاتحاد في الأُمّ إلى أن جاءت الرواية عن المعصوم.

أميرالمؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي: اشرح لي «اللبن للفحل»، وأنا أكره الكلام، فقال لي: كما أنت حتّى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له أُمّهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً، أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من أُمّهات الأولاد الشتى محرماً على ذلك الغلام؟ قال: قلت:

بلى. قال فقال أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأُمّهات، وإنّما الرضاع من قبل الأُمّهات، وان كان لبن الفحل أيضاً يحرّم»(1).

وقد حملها الشيخ على نشر الحرمة بين المرتضع وأولاد المرضعة النسبيّين دون الرضاعيّين، لما سيوافيك من أنّ الرضاع ينشر الحرمة بين المرتضع ومن ينتسب إلى الأُمّ من جهة الولادة، وانّما يشترط الفحل بين الرضيعين الأجنبيّين.

وقال في الجواهر: «يؤمي إلى ذلك ظهور الخبر في حرمة الأولاد النسبيّين للفحل»(2) أي فكما أنّ مراده من قوله: «في رجل كانت له أُمّهات أولاد شتّى»، الأولاد النسبيّين فهكذا المراد - بقرينة المقابلة - من قوله عليه السلام: «وإنّما الرضاع من قبل الأُمّهات».

ص:105


1- . الوسائل: 14/295، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9. والهمداني بسكون الميم، والموجود في الكتب الرجالية محمد بن عبيد، بدون الهاء مجهول.
2- . جواهر الكلام: 29/305.

أو يحمل على التقيّة لما عرفت من ذهاب الجمهور إلى كفاية الاتّحاد في الأُمّ وإن اختلفوا في كفاية الاتّحاد في الفحل.

وعلى أيّ تقدير فالرواية مهجورةٌ، وقد أُمرنا بترك المهجور والأخذ بما هو مشهور بين أصحابنا وأصحاب الأئمّة، والمشهور بينهم حسب قضاء نفس هذه الرواية لزوم الاتّحاد في الفحل وعدم كفاية الاتّحاد في الأُمومة.

الكلام في شرطيّة وحدة الفحل في غير الرضيعين

إنّ البحث عن شرطيّة وحدة الفحل إنّما يختصّ بمورد الرضيعين، فيشترط في حرمة أحدهما على الآخر كون فحلهما واحداً، بأن يرضعا من لبن فحلٍ واحدٍ، فلو رضعا من لبن فحلين مع كون الأُمّ المرضعة واحدةً، لم ينشر الحرمة.

وأمّا شرطيّة وحدة الفحل في غير هذا المورد فلم نقف فيه على نصٍّ إلّا في مورد حرمة الخالة الرضاعيّة على ابن الأُخت الرضاعيّ كما سيوافيك بيانه.

غير أن الظاهر من العلّامة في القواعد هو شرطيّة وحدة الفحل في الطبقة العليا، لنشر الحرمة في الطبقة السفلى.

قال في القواعد: «لا تحرم أُمّ المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أُختها منه ولا عمّتها ولا خالتها ولا بنات أُختها ولا بنات أخيها وإن حرمن بالنسب، لعدم اتّحاد الفحل»(1).

ص:106


1- . القواعد: 3/27.

وأوضحه المحقّق الثاني في شرحه بقوله: «أطبق الأصحاب على أنّ حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلّاإذا كان اللبن لفحلٍ واحدٍ... إلى أن قال:

فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبياً أُمّ من الرضاع، لم تحرم تلك الأُمّ على الصبيّ، لأنّه نسبتها إليه بالجدودة انّما تتحصّل من رضاعه من مرضعته ورضاع مرضعته منها. ومعلوم أنّ اللبن في الرضاعيين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والأُمّ المذكورة، لانتفاء الشرط، فينتفي التحريم.

ومن هذا يعلم أنّ أُختها من الرضاع وعمّتها منه وخالتها منه لا يحرمن وإن حرمن بالنسب، لما قلناه من عدم اتّحاد الفحل. ولو كان المرتضع أُنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاعة، ولا أخوها منه ولا عمّها منه، ولا خالها منه، لمثل ما قلناه». انتهى كلامه(1).

وفيه ما عرفت من أنّ العمدة فيما دلّ على لزوم اتّحاد الفحل هو رواية العجلي وليس فيها دلالة على ما ذكراه.

بل منصرفها إلى لزوم اتّحاد الفحلين في الرضيعين اللّذين تجمعهما مرتبة واحدة، كما هو ظاهر قوله: «وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام».(2) فالمتبادر منه الرضيعان اللّذان يصلحان للرضاع من لبن واحد، لا المرضعة، بقيد كونها مرضعة للصبي والرضيع منها، إذ لا صلاحيّة فيهما للرضاع من لبن فحل واحد، فإنّ فحل المرضعة هو زوج أُمّها، وفحل الصبي هو زوج المرضعة، فلا يمكن أن يتّحدا من حيث الفحل.

ص:107


1- . جامع المقاصد: 12/257-258.
2- . الوسائل: 14/293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

نعم يمكن أن يرضع كلّ من المرضعة والصبيّ من لبن فحلٍ واحدٍ في زمانين مختلفين ولكنّهما عند ذاك يصيران إخوة، ولا تكون المرضعة أُمّاً للصبيّ كما لا يخفى، وانّما تصير أُمّاً إذا كان فحلها وفحل أُمّها المرضعة مختلفين.

فالرواية غير ناظرة إلى أمثال هذه الصور.

إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي أنّه كلّما تحقّق الرضاع المحرّم يحرم على المرتضع كل من ينطبق عليه أحد العناوين المحرمة الواردة في الآية المباركة.

فتحرم على المرتضع نفس المرضعة، وأُمُّها، وخالتها وعمّتها، كما تحرم عليه أُخت المرضعة.

نعم إنّما تحرم أُخت المرضعة من الرضاع إذا رضعت المرضعة وأُختها من لبن فحلٍ واحدٍ لا فحلين، ويدلّ على ذلك روايتان:

الأُولى: رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام، أيحلّ له أن يتزوّج أُختها لأُمّها من الرضاعة؟

فقال: «إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدةٍ من لبن فحل واحد فلا يحلّ، فإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدةٍ من لبن فحلين فلا بأس بذلك»(1).

والرواية ظاهرة في الأُخت الرضاعيّة، بل صريحة فيها، فلا يشترط في حرمة النسبيّة وحدة الفحل.

ص:108


1- . الوسائل: 14/294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

الثانية: رواية عمار حيث سأل عليه السلام فيها عن غلام رضع من امرأة، أيحلّ له أن يتزوّج أُختها لأبيها من الرضاع؟ فأجاب عليه السلام: «لا، فقد رضعا جميعاً من لبن فحلٍ واحدٍ من امرأة واحدة»(1).

ولعل وجه ما في الروايتين من اشتراط وحدة فحل المرضعة وأُختها لحرمة الثانية على ابن الأُولى الرضاعي، هو أنّ نشر الحرمة بين أُخت المرضعة وابنها متفرّع على حرمة المرضعة على من في طبقتها، ومن المعلوم أنّ حرمتها على من في طبقتها مشروط بوحدة الفحل، فإذا كان كذلك، فليكن أيضاً شرطاً في حرمة من ليس في طبقتها، فلا تكون أُخت المرضعة الّتي هي في طبقتها محرّمة على ابنها الّذي ليس في طبقتها إلّاإذا اتّحدت الأُمّ والأُخت في الفحل.

وهذا التوجيه - مع ما فيه من النظر - أولى ممّا ذكره صاحب الجواهر لهذا الاشتراط(2).

ص:109


1- . الوسائل: 14/294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
2- . لاحظ جواهر الكلام: 29/306.

الكلام في أحكام الرّضاع وفيه مسائل:

المسألة الأُولى:

في مَن يحرم بالرضاع

الظاهر انّ عمومات الرضاع الواردة في الكتاب والسنّة - مع قطع النظر عن النصوص الأُخر - منصرفة إلى نشر الحرمة في دائرة ضيقة، لا تتجاوز المرضعة وفحلها وأولادهما النسبيّين أو الرضاعيّين، كما يشير إليه قوله سبحانه: «وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ» (1).

غير أنّ النصوص الواردة في المقام الصريحة في انتشار الحرمة في دائرة أوسع، تشمل الأعمامَ والعمّاتِ والأجدادَ والجدّاتِ، جعلتها من جوامع الكلم، وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قد أُوتي جوامع الكلم.

وقد عرضت ابنة حمزة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم فأبى وقال هي ابنة أخي من

ص:110


1- . النساء: 23.

الرضاعة.(1) وهذا أحد النماذج، وقد تلونا عليك فيما تقدّم الشيء الوافر منها.

وعلى هذا الأساس إذا حصل الرضاع المحرم، انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى الرضيع، ومنه إليهما.

فبالأوّل تصير المرضعة أُمّاً، وفحلها أباً، وآباؤهما أجداداً، وأُمّهاتهما جدّات، وأولادهما إخوة، وأولاد أولادهما أولاد الإخوة والأخوات.

و [تصير] إخوة المرضعة أخوالاً وأخواتها خالات، وإخوة الفحل أعماماً، وأخواته عمّات، وأولادهما أولاد الأخوال والأعمام.

وبالتالي، يصير الرّضيع ذكراً كان أو أُنثى، ابناً وبنتاً، وأولاده وإن نزلوا ذكوراً كانوا أو إناثاً لذكور أو إناث أحفاداً وأسباطاً لهما، كما هومقتضى البنوّة.

توضيح ما ذكرناه: إنّ اللّه سبحانه حرّم سبع نساء بالنسب وخمس نساء بالمصاهرة، كما قال عزوجل: «وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً» (2).

ص:111


1- . لاحظ الوسائل: 14/299-300، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرّضاع.
2- . النساء: 22-23.

فالمحرّمات من النسب عبارة عن الأُمّ، والبنت، والأُخت، والعمّة، والخالة وبنت الأخ، وبنت الأُخت.

والمحرّمات من جانب المصاهرة عبارةٌ عن: منكوحة الأب، وأُمَّهات النساء، والربيبة المدخول بأُمّها، وحليلة الابن، وأُخت الزوجة.

وإليك بيان هذه العناوين إذا حصلت بالرضاع:

الأوّل: الأُمّ من الرضاعة: هي من أرضعتك، أو ولدت مرضعتك، أو ولدت من ولدها، أو أرضعتها أو أرضعت من ولدها بواسطة أو بوسائط، فكلّهنّ بمنزلة أُمّك، وكما تحرمن من جانب النسب تحرمن من جانب الرضاع، فالرضاع قائم مكان النسب.

الثاني: البنت من الرضاعة: هي كلّ أُنثى رضعت بلبنك، أو لبن من ولدته، أو أرضعتها امرأة ولدتها، وكذلك بناتها من النّسب والرّضاع، فكلّهنَّ بمنزلة بناتك.

الثالث: الأُخت من الرّضاعة: هي كلّ امرأة أرضعتها أُمّك، أو رضعت بلبن أبيك، وكذا كل بنت ولدتها مرضعتك أو فحلها.

الرابع والخامس: العمّات والخالات من الرّضاعة: هنّ أخوات الفحل والمرضعة، وأخوات من ولدهما، من النّسب والرّضاع وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جدّاتك، أو رضعت من لبن أجدادك، من النّسب والرّضاع.

السادس والسابع: بنات الأخ وبنات الأُخت من الرّضاعة: هنّ بنات أولاد المرضعة والفحل من الرّضاع والنّسب، وكذا كلّ أُنثى أرضعتها أُختك أو بناتها أو بنات أولادها من الرّضاع والنّسب. وبنات كلّ ذكر أرضعته أُمّك

ص:112

أو رضع بلبن أخيك، وبنات أولاده من الرّضاع والنّسب، فكلّهنّ بنات أخيك وأُختك.

فهذه جملة المحرّمات من الرّضاع والنّسب، فكل من يصدق عليه أحد هذه المذكورة في الآية الكريمة، يحرم التزويج بينهما، لقيام الرضاع مقام النسب.

وأمّا المحرّم من جهة المصاهرة المذكورة في الآيتين فقد يحرم من جهة الرضاع أيضاً، فإنّه صلّى اللّه عليه وآله وإن قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ولم يقل ما يحرم من النسب والمصاهرة، إلّاأنّ المحرّم من جهة المصاهرة ذو حيثيّتين. حيثيّة المصاهرة وحيثية النّسب.

فكلّ من حليلة الابن، ومنكوحة الأب، وأُمّ الزوجة، وأُخت الزوجة، والربيبة المدخول بأُمّها، مؤلّف من حيثيّة نسبيّة وحيثيّة مصاهريّة.

مثلا منكوحة الأب محرّمة على ابنه، فكونه أباً للغلام أمر نسبيّ، وكونها منكوحة للأب أمر مصاهريٌ، وقس عليه البواقي، فالرّضاع بحكم التنزيل المنصوص عليه في الروايات يقوم مكان الحيثيّة النسبيّة اعتباراً أو تنزيلاً.

وأمّا الحيثيّة الأُخرى فيجب إيجادها تكويناً، فيتحقّق الموضوع بإحراز أحد جزأيه بالتنزيل الشرعي، والآخر بالوجدان والتكوين.

وعلى ذلك تحرم حليلة الابن الرضاعيّ، ومنكوحة الأب الرضاعّي، والأُمّ الرضاعيّة للزوجة، والأُخت الرّضاعيّة لها، والربيبة الرّضاعيّة الّتي دخل بأُمّها الرّضاعيّة.

وبما ذكرنا من أنّ المحرّم هو من يصدق عليه أحد هذه العناوين المذكورة في الآية، تقف على صحّة ما اشتهر بين الأصحاب من قصر نشر

ص:113

الحرمة بالرّضاع بين الأب الرضاعّي والأُمّ الرضاعيّة والمرتضع دون غيرهم ممّن يرتبط بالمرتضع.

وذلك لانحصار عنوان ما يحرم من النسب فيهم، فكما أنّ الأب في النسب يحرم عليه كلّ أُنثى تولّدت منه ولو بوسائط، فكذلك الأب الرضاعّي تحرم عليه كلُّ أُنثى ارتضعت من لبنه ولو بوسائط، وقس بنحو ذلك الأُمّ الرضاعيّة على النسبيّة، لصدق عنوان الأب والأُمّ عليهما.

فيتّضح بذلك أنّ المدار في التحريم صدق هذه العناوين لا لوازمها ونظائرها وإن كانت في النسب، ولأجل ذلك يجوز للفحل أن يتزوّج أُخت الرضيع بلبنه، لعدم كونها بنتاً له، وإن كانت أُختَ ولده، إلّاأنّ حرمة أُخت الولد في النسب ليس من جهة كونها أُخت ولده، بل لأجل كونها إمّا بنتاً نسبيّةً أو ربيبةً، وكلاهما منتفيان في المقام، فكون الأُنثى أُخت الولد ليس عنواناً محرّماً بل ملازماً لعنوان محرّم في النسب.

والملاك إنّما هو وجود الملازم (بالفتح) لا الملازم، فإنّ مقتضى التعرّض للرضاع في الآية بعد ذكر جملة من المحرّمات النسبيّة هو ذاك، كما أنّ مقتضى التنزيل الوارد في السنة النبويّة هو ذاك أيضاً.

فإنّ المراد من الموصول، أعني: «ما»، هو هذه العناوين المذكورة في الآية الكريمة كما لا يخفى، فلا يشمل العناوين الملازمة لها.

وعلى هذا الأساس يجوز لإخوة الرضيع الّذين لم يرضعوا بلبن الفحل أن ينكحوا في أولاد المرضعة وأولاد فحلها، لأنّ تحريم نكاح الرضيع في أولادهما للإخوة القائمة بينه وبينهم، وأمّا إخوة الرضيع فليسوا إخوةً لأولادهما،

ص:114

وغاية الأمر كونهم إخوةً للأخ، وليس هو من العناوين المحرّمة، بل ملازم للعنوان المحرّم في النسب، فإنّ حرمة نكاح أخ الأخ في النسب لكونه أخاً من الجانبين أو من جانب واحد، لا لكونه أخ الأخ كما لا يخفى.

وقس على ما ذكرنا كلّ ما يرد عليك من الأمثلة مميّزاً بين ما تحقّق فيه العنوان المحرّم وما لم يتحقّق فيه وإن تحقّق فيه عنوان ملازم للعنوان المحرّم.

ومن ذلك يظهر أنّ الصور الأربع الّتي استثناها العلّامة في التذكرة من قوله عليه السلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» لا تحتاج إلى الاستثناء، كسائر الصور الّتي لم يتعرّض لها، بعد عدم شمول العموم لها ولغيرها.

فهذا الاستثناء أشبه شيء بالاستثناء المنقطع، ودونك ما ذكره قال:

«يحرم في النسب أربع نسوة قد يحرمن في الرضاع وقد لا يحرمن:

الأُولى: أُم الأخ والأُخت في النسب حرام، لأنّها إمّا أُمّ أو زوجة أب، وأمّا في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضاً، وان لم تكن كذلك لم تحرم، كما لو أرضعت أجنبيّة أخاك أو أُختك لم تحرم.

الثانية: أُمّ ولد الولد حرام، لأنّها إمّا بنته أو زوجة ابنه، وفي الرضاع قد لا تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبيّة ابن الابن، فإنّها أُمّ ولد الولد، وليست حراماً.

الثالثة: جدّة الولد في النسب حرام، لأنّها إمّا أُمّك أو أُمّ زوجتك، وفي الرضاع قد لا تكون كذلك، كما إذا أرضعت أجنبيّة ولدك، فانّ أُمّها جدّته وليست بأُمّك ولا أُمّ زوجتك.

الرابعة: أُخت ولدك في النسب حرام عليك، لأنّها إمّا بنتك أو ربيبتك

ص:115

وإذا أرضعت أجنبيّة ولدك فبنتها أُخت ولدك وليست ببنت ولا ربيبة».

انتهى كلامه(1).

وهذا الّذي بحثنا فيه هو المشهور.

ويقابله قول آخر وهو عدم الاكتفاء بالعناوين النسبيّة المحرّمة ويكفي في نشر الحرمة وجود العناوين الملازمة الّتي يعبّر عنها «بعموم المنزلة»، وقد عقدنا لذلك فصلاً مستقلّاً سيوافيك إن شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية:

وفيها فروع ثلاثة:

الأوّل: كلّ من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادةً ورضاعاً، فانّه يحرم على الرضيع، لأنّه إمّا أُخت من الأب والأُمّ، أو من الأب فقط، والأُخت من العناوين المحرّمة في الآية، ومثله الأخ.

الثاني: المنسوب إلى الأُمّ رضاعاً فقط لا يحرم على الرضيع، لعدم اتّحاد الفحل تخصيصاً لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» بما دلّ على لزوم اتّحاد الفحل.

وقد عرفت أنّ ما يدلّ عليه روايتا بريد العجلي، والحلبي، والشهرة المحققّة المستفادة عن رواية الهمداني.

وأمّا المنسوب إلى الأُمّ ولادةً ونسباً فيحرم على الرّضيع وإن لم يتّحدا في الفحل، ويدلّ عليه:

ص:116


1- . تذكرة الفقهاء: 2/614 - الطبعة القديمة -.

أوّلاً: العمومات الواردة في باب الرضاع، فانّ الرضيعين من أُمٍّ واحدةٍ - وإن اختلف الفحلان - أخوان، والإخوة من العناوين المحرّمة، غاية الأمر خرج منها الرضيعان الأجنبيّان بالنسبة إلى الأُمّ، لأدلّة لزوم اتّحاد الفحل، وبقي النسبيّ والأجنبيّ تحت العمومات، فينشر الحرمة وإن لم يتّحدا في الفحل.

وثانياً: موثّقة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها وإن كان من غير الرّجل الّذي كانت أرضعته بلبنه، وإذا رضع من لبن رجل حرم عليه كلّ شيء من ولده وإن كان من غير المرأة الّتي أرضعته»(1).

نعم، يعارضها صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أرضعت أُمّي جارية بلبني. فقال: هي أُختك من الرّضاعة. قلت: فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم ترضعها أُمّي بلبنه - يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر - قال: والفحل واحد؟ قلت: نعم، هو أخي(2) لأبي وأُمّي، قال: اللبن للفحل، صار أبوك أباها وأُمّك أُمّها»(3).

توضيح الاستدلال: انّه عليه السلام علّل حرمة الجارية على الأخ باتّحادهما في الفحل، على رغم كون الأخ ولداً نسبيّاً للمرضعة، كما هو المفروض في الرواية، فمع كون الأخ ولداً نسبيّاً للمرضعة والمفروض انّه يحرم على الراضعة مطلقاً اتّحد فحلهما أم لا فلماذا علّل الحرمة باتّحادهما في الفحل؟

وإن شئت قلت: إنّ استفسار الإمام عليه السلام عن اتّحاد الفحل مع تصريح

ص:117


1- . الوسائل: 14/306، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
2- . في نسخة: هي أُختي.
3- . الوسائل: 14/299، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسباً، يدلّ على تغاير حكمه مع حكم صورة تعدّد الفحل.

اللّهم إلّاأن يقال: انّ التعليل (اللبن للفحل) ليس لنشر الحرمة، فإنّها حاصلة بعامل آخر، وهو كون أحدهما نسبيّاً للمرضعة، وانّما هوتقدمة لصيرورة أبيه أباها وأُمّه أُمّها.

وعلى أيّ حال فالعمل على الموثّقة، للشهرة المحقّقة، وأقوائيّة دلالتها، حيث إنّ دلالتها مطابقيّة، بينما دلالة الثانية ضمنيّة، وإعراض المشهور عن الصحيحة.

على أنّ ما يدلّ على لزوم الاتّحاد في الفحل قاصر الدلالة أو ليس بصريحها على لزوم الاتّحاد فيه بين النسبيّ والرضاعيّ.

أمّا رواية العجلي، فلأنّ الظاهر منها الرضيعان الأجنبيّان بالنسبة إلى المرضعة حيث قال: «كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام فذلك الّذي قال رسول اللّه، وكلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحدٍ من جارية أو غلام، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرّضاع الّذي قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وانّما هو من نسب ناحية الصهر رضاع(1) ولا يحرم شيئاً وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم»(2). وحيث إنّ المفروض في الشقّ الأوّل من الرواية كون الجارية والغلام

ص:118


1- . قد فسّر الإمام عليه السلام في صدر الرواية الصهر بالانتساب من ناحية الأُمّ، وبه فسّر قوله سبحانه «فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً». الفرقان: 54.
2- . الوسائل: 14/293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

أجنبيّين بالنسبة إلى المرضعة، يكون المفروض في الشقّ الثاني منها ذلك أيضاً.

غاية الأمر أنّ المفروض في الأوّل رضاع واحدٍ منهما من المرضعة، وفي الثاني رضاعهما معاً ونشر الحرمة بالنسبة إليهما.

وحيث إنّ مورد الاستدلال المصرّح بلزوم الاتّحاد في الفحل بين الرضيعين هو الشقّ الثاني، فلا يدلّ على أزيد من لزوم اتّحاد الفحل في الأجنبيّين، لا في النسبيّ والأجنبيّ.

الثالث: يحرم على المرتضع الأولاد النسبيّون والرضاعيّون لولد المرضعة النسبيّ، لعموم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فإنّ الرضيع بحكم العموم أخ لولد المرضعة النسبيّ وعمّ لأولاده النسبيّين والرضاعيّين معاً.

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر، صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمّها ولا خالها من الرضاعة»(1).

وأمّا الاستدلال عليه بصحيحة أبي عبيدة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ علياً عليه السلام ذكر لرسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم ابنة حمزة، فقال: أما علمت أنّها ابنة أخي من الرضاعة. وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم وعمّه حمزة قد رضعا من امرأة»(2) فغير صحيح، إذ هو راجع إلى حرمة ابنة الأخ الرضاعيّ، والبحث في حرمة ابنة الأخ المنتسب إلى المرضعة ولادة(3).

ص:119


1- . الوسائل: 14/300، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
2- . الوسائل: 14/300، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
3- . أقول: يمكن تصحيح الاستدلال به بالأولويّة، وذلك انّه إذا كان أولاد الرضيع الأجنبيّ عن المرضعة محرمين على أخيه من الرضاعة بنصّ الحديث، فهم من باب أولى حرام عليه إذا كان نسبيّاً للمرضعة.

المسألة الثالثة:

اشارة

وفيها مقامان

المقام الأوّل: المشهور أنّه لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعاً(1)، ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادةً لا رضاعاً.

وكأنّهم استثنوا هذه المسألة من عموم المنزلة الّذي أنكروه، فإنّ ولد الفحل والمرضعة ليسا إلّاأخوي ولده من الرضاعة، وليسا محرمين في النسب، ضرورة اشتراكهما والربيبة في الحكم، وهو توقف الحرمة على الدخول بأُمّهم، وهو منتف في المقام.

والّذي دعاهم إلى هذا الاستثناء، الروايات المستفيض بعضها:

منها: صحيحة علي بن مهزيار قال: سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام: إنّ امرأة أرضعت لي صبيّاً، فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي: «ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره.

فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة الّتي أرضعت لي هي ابنة غيرها، فقال:

لو كنّ عشراً متفرّقات ما حلّ لك شيء منهنّ وكنّ في موضع بناتك»(2).

ص:120


1- . نسب إلى الشيخ في المبسوط وجماعة الذهاب إلى عدم التحريم.
2- . الوسائل: 14/296، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.

فنزل أولاد الفحل منزلة أولاد أبي المرتضع، للإخوة الحاصلة بين ولد أبي المرتضع وأولاده.

ومنها: صحيحة أيوب بن نوح: قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام: «لا يجوز ذلك لك، لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك»(1).

ومنها: صحيحة عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام:

امرأة أرضعت ولد رجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع: لا تحلّ له»(2).

وقد أفتى الأصحاب بمضمون هذه الصّحاح، ولا يصغى إلى ما نقل عن بعضهم من أنّ ولدها وولد الفحل ليسوا في الرضاع إلّاإخوة ولده، وهم غير محرمين في النسب، ضرورة اشتراكهم والربائب في الحكم، وحرمة الربائب متوقّفة على الدخول بأُمّهم، وهو منتف في المقام.

وقد عرفت أنّ الرضاع، يقوم مقام النسب لا الأعمّ منه والمصاهرة المتوقّف التحريم فيها على النسب وسبب آخر.

فانّ ذلك صحيح لولا التعبّد الوارد في النصوص، ولذا ذكرنا في صدر المسألة أنّ التحريم فيها أمر تعبديّ ثبت من الشارع، ولا يكاد يستفاد من عمومات الرضاع لولا النصوص.

ص:121


1- . الوسائل: 14/306، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
2- . الوسائل: 14/307، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

الكلام في عموم المنزلة لا بالمعنى المصطلح

والّذي يجب إمعان النظر فيه هو التعليل الوارد في هذه النصوص من قوله عليه السلام: «وكنّ في موضع بناتك»، كما في صحيحة علي بن مهزيار، وقوله عليه السلام:

«لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدك»، كما في صحيحة أيوب بن نوح.

فانّ التعليل كاشف عن أنّ الحرمة إنّما هي بسبب حصول علقة بين أبي الرضيع وأولاد صاحب اللبن والمرضعة، وليس للحرمة ملاك سوى ما ذكر، فيجب تعميم الحكم إلى موارد لا يلتزم المشهور فيها بالحرمة، منها:

الأوّل: عدم جواز نكاح أبي المرتضع في أخوات الفحل ولا أُمّ المرضعة، ولا نكاح أُمّ الرضيع في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة، لأنّ صيرورتهم بحكم الأولاد لأبي المرتضع يقتضي كون الأُولى عمّةً لأولاده. والثانية أُمَّ زوجته، والثالثة أُمّاً لأولاد صاحب اللبن والمرضعة.

وتوهّم كونها حكمةً لا علّة مقطوع الفساد، إذ لاملاك دونه قطعاً، فلماذا حرّم في بعضٍ دون بعض.

وما في الجواهر من «احتمال نشر الحرمة بالنسبة إلى أبي المرتضع وإن علا وإلحاق الأب الرضاعيّ لأبي المرتضع، بالنسبيّ في الحرمة»(1) تبعيض بلا جهة إذ لا يخلو إمّا أن يقتصر على مورد النصّ وهو أبو المرتضع النسبيّ لا جدّه ولا أبوه النسبي، أو يؤخذ بالتعليل ويحكم بعموم التنزيل، فيحرم في عامّة الصور.

ص:122


1- . جواهر الكلام: 29/310. والعبارة منقولة بالمعنى.

الثاني: عدم جواز نكاح الفحل في إخوة الرضيع، فإنّ التحريم لو كان لحصول العلقة بين أبي المرتضع وأولاد الفحل، فتلك العلقة موجودةٌ في جانب الفحل أيضاً.

وقد أفتى الشيخ في الخلاف(1) والنهاية(2) بالحرمة، فقد صار أولاد أبي المرتضع بمنزلة أولاده.

وما في الجواهر من الدفاع عن هذا النقض بأنّ ذلك ليس مقتضى العلّة، وانّما هو نظيرها، ضرورة اقتضائها صيرورة أولاد الفحل والمرضعة أولاداً لأبي المرتضع لا الأعمّ من ذلك ومن العكس(3) غير تامّ، فانّ ذلك يصلح لو جمدنا على لفظ التعليل.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الحكم، كما يشير إليه التعليل، هو حصول العلقة بين الطرفين، فهذه العلقة ليست من جانب واحد وإنّما هي من الجانبين.

ثم إنّه أتى بجواب آخر وهو: أنّ ولد أبي المرتضع بالنسبة إلى الفحل لا يتجاوز كونها أُخت الولد، وهو ليس من العناوين المحرّمة، لأنّه مردّد بين البنت والربيبة المدخول بأُمّها، وليس الشرط موجوداً(4).

ولكن هذا خروج عن محلّ الاستدلال، إذ المستدلّ بالتعليل لا يقتصر في الحرمة على العناوين المحرّمة، بل يجعل هذا دليلاً على نشر الحرمة في ملازمات المحرّمات، فإنّ حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن

ص:123


1- . الخلاف: 5/93، المسألة 1 من كتاب الرضاع.
2- . النهاية: 462.
3- . لاحظ جواهر الكلام: 29/311.
4- . لاحظ جواهر الكلام: 29/311.

ليس إلّالكونهنّ أخوات الولد، وهذا بعينه موجود في نكاح الفحل في أولاد أبي الرضيع، والحمل على الحكمة قد عرفت جوابه.

الثالث: حرمة نكاح الفحل أُمّ أُمّ المرتضع لحرمة ذلك في النسب، فيحرم مثله في النكاح، لأنّ الرضيع إذا صار ولداً تصير أُمّه زوجة الفحل، وأُمّها أُمّ زوجته، وقد أفتى به العلّامة في المختلف بعدما نقل الجواز عن المبسوط، أخذاً بالتعليل الّذي يفيد ملاك الحرمة(1).

ومقتضاه نشر الحرمة في هذه الفروع وغيرها كما سيجيء، مع أنّهم لم يلتزموا به.

الرابع: عدم جواز نكاح أولاد أبي المرتضع الّذين لم يرضعوا من هذا اللبن في أولاد المرضعة وصاحب اللبن، لأنّ تنزيل أبي المرتضع منزلة أبي أولاد صاحب اللبن، يقتضي الاخوة بينهم كما سيتّضح عن قريب، مع أن المشهور بينهم هو عدم الحرمة.

الخامس: عدم جواز - إذا ما أرضعت امرأة ابناً لقوم وبنتاً لقوم آخرين - نكاح إخوة كلٍّ منهما في إخوة الآخر، لأنّ الاشتراك في الرضاع، يعقد الاخوة بين المرتضعين وبين من كان في طبقتهما من الإخوة والأخوات.

مع أنّهم أفتوا بجواز النكاح فيما بينهم، وعدم نشر الحرمة لا بينهما ولا بين أُصولهما وفروعهما.

فيتحصّل أنّه حيث لم يكن التعليل مطّرداً يجوز أن يحمل النهي في هذه

ص:124


1- . لاحظ المختلف: 7/41.

الروايات على الكراهة الشديدة، مع تعميمها إلى هذه الصور، وقد أفتى به جماعة كما نقله في الجواهر، قال: «إنّ جماعة حملوها على الكراهة ونفوا التحريم اقتصاراً على اختصاص حرمة الرضاع بما يحرم على النسب»(1).

وهذا هو الأقوى، وبه يتّضح الحكم في الفروع الآتية.

وأمّا تخصيص ولد المرضعة بالنسبيّ دون الفحل، كما أشار إليه في الجواهر: «عدم حرمة الرضاعيّ منها على ولده الّذي هو المنشأ في التحريم عليه، لما عرفت من اعتبار اتّحاد الفحل بخلاف صاحب اللبن، فإنّ جميع أولاده يحرمون على المرتضع نسباً ورضاعاً كما تقدّم.

مضافاً إلى ما أشار إليه خبر عيسى من أنّ المنشأ في التحريم لبن الفحل الّذي هو مشترك بين الرّضاعيّ والنسبيّ (2).

المقام الثاني: هل ينكح أولاد أبي المرتضع الّذين لم يرضعوا من هذا اللبن في أولاد المرضعة وأولاد فحلها أم لا؟

نقل عن الشيخ في الخلاف(3) والنهاية(4) المنع، ونسب إلى الشهيد(5)، ولكنّه أفتى في اللمعة الّتي هي آخر ما صنّفه، بالجواز.

ولا دليل على المنع سوى التنزيل الوارد في الروايات، ضرورة استلزام صيرورة أولاد الفحل والمرضعة أولاداً لأبي المرتضع، الإخوة بينهم وبين أولاده، وقد عرفت حالها وحال التعليل الوارد فيها.

ص:125


1- . جواهر الكلام: 29/319.
2- . جواهر الكلام: 39/316.
3- . لاحظ: الخلاف: 5/93، المسألة 1 من كتاب الرضاع.
4- . لاحظ النهاية: 462.
5- . لاحظ جواهر الكلام: 29/317.

وما في الجواهر من منع الاستلزام، ضرورة إمكان كون المراد منه ذلك بالنسبة إلى التحريم على الأب، (أبي المرتضع) بل لعلّه المنساق منه، خصوصاً خبر ابن مهزيار، بل المنساق من كل علّة لحكم، انّها علّة للحكم الّذي سيقت له، ومقتضى ذلك، الحرمة في كلّ ما صاروا في حكم ولده، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده(1).

ضعيفٌ: فانّه تدقيق فلسفيّ في التعاليل العرفيّة، فإنّه إذا قيل: إنّ أولاد صاحب اللبن بمنزلة أولاد أبيك، يجعل العرف ذلك عنواناً لتنزيل عامّ في نطاق واسع، أي وانّهم إخوتك وسائر أولاد أبيك وهكذا.

وليست ذلك من باب القياس حتّى يقال: إنّه قياس مستنبط العلّة، بل هو لأجل الملازمة العرفيّة بين التنزيلين.

ولعله إلى ذلك أشار بقوله عند تقريب الاستدلال: «بل الحرمة بينهم من مقتضى حكم إطلاق المنزلة»(2).

فلا مناص حينئذ عن أمرين: إمّا طرح ظهور الروايات، وحملها على الكراهة الشديدة، كما استقربناه، وليس ذلك ببعيد، حتّى في لفظ الحرمة الوارد في صحيح علي بن مهزيار، وليس هذا الحمل بالمستهجن، فقد ارتكبه المشهور في قوله سبحانه: «اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (3). وإن كان بعيداً في الآية جدّاً.

ص:126


1- . جواهر الكلام: 29/317.
2- . جواهر الكلام: 29/316.
3- . النور: 3.

وإمّا الأخذ بعموم التنزيل والمنزلة ولو في نطاق خاصّ، وهو حرمة أولاد كلّ من أبي المرتضع وصاحب اللبن على الآخر، سواء المرتضع وغيره.

وهذا المقدار من عموم التنزيل لا بأس به بعد عدم إمكان حمل الحرمة على الكراهة.

وهذا غير عموم المنزلة الدائر على ألسنتهم، الّذي يقطع الفقيه ببطلانه وعدم دليل عليه، وعدم نهوض العمومات بإثباته، وبُعْده عن مستوى الأفهام العرفيّة، وانّ العرف لا ينتقل إلى هذا التنزيل إلّابعد تصريح وتنبيه بليغ وأكيد.

ولا ينافي ما ذكرناه موثّقة يونس بن يعقوب. قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة أرضعتني وأرضعت صبيّاً معي، ولذلك الصبيّ أخ من أبيه وأُمّه، فيحل لي أن أتزوّج ابنته؟ قال: «لا بأس»(1).

فانّ الظاهر انّ الرضيعين كانا أجنبيين بالنسبة إلى المرضعة، فالأخ الّذي يريد السائل أن يتزوّج ابنته ليس من أولاد صاحب اللبن، وانّما هو من ولد غيره.

نعم هذا الحديث من وجوه الرّدّ على عموم المنزلة بالمعنى المصطلح كما سيأتي.

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تزوّج أُخت أخيه من الرضاعة، قال: «ما أُحبّ أن أتزوّج أُخت أخي من الرضاعة»(2).

فتوضيحه: أنّ المراد إمّا أن يتزوّج الرجل، الأُخت الرضاعيّة لأخيه النسبي، أو الأُخت النسبيّة لأخيه الرضاعي، والرواية على كلا التقديرين راجعة إلى ما نحن

ص:127


1- . الوسائل: 14/280، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالنسب، الحديث 3.
2- . الوسائل: 14/279، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالنسب، الحديث 2.

فيه، أي جواز نكاح أولاد أبي المرتضع الّذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد صاحب اللبن.

فالقائل بعموم التحريم يلزمه أن يحمل قوله عليه السلام: «ما أُحبّ...» على الحرمة، كما حمله عليها جدّ شيخنا صاحب الجواهر فيما نقله عنه.(1) ولا وجه لتعجّبه منه، إذ هو قائل بعموم الملازمة.

كما أنّ القائل بالتنزيل من جانب واحد، كما هو المشهور، أو قائل بالكراهة في الطرفين، يلزمه حمله على الكراهة، فتدبّر.

القول في عموم المنزلة بالمعنى المصطلح عليه

قد عرفت أنّ المستفاد من عمومات الرضاع هو نشر الحرمة بتحقّق أحد العناوين المذكورة في الكتاب العزيز بالرضاع، فإن لم يحصل هو بنفسه بل حصل عنوان ملازم له، بحيث لو حصل في النسب لنشر الحرمة، لما كان محرِّماً، لأنّ المتيقّن من التنزيل هو ما عرفت، وغيره يحتاج إلى دليل.

وقد وافاك عدم الدليل عليه إلّافي مورد وهو حرمة نكاح أبي الرضيع في أولاد صاحب اللبن نسباً ورضاعاً، وقد عرفت حال الاستثناء وانّ الكراهة قريبة جدّاً لإعراض المشهور عن التعليل الوارد فيه على ما عرفت.

نعم، حكي عن جماعة التعميم والاكتفاء بحصول العناوين الملازمة للعناوين النسبيّة، حكاه المحقق الثاني رحمه الله في رسالته في القاعدة عن

ص:128


1- . جواهر الكلام: 29/319.

بعضهم،(1) وصرح به السيد الداماد في رسالته في القاعدة.(2)

ولا دليل لهم إلّاحمل العمومات الواردة في أبواب الرضاع على العنوان النسبيّ وما يلازمه، وقد عرفت حالها.

وربما استدلّ بالتعاليل الواردة في البحث المتقدّم في نكاح أبي الرضيع في أولاد صاحب اللبن، ولكنّه على فرض التسليم لا يدلّ على عموم المنزلة المصطلح عندهم، إذ غاية الأمر يدلّ بالملازمة العرفيّة على كون أولاد أبي الرضيع أولاداً لصاحب اللبن، وتحقّق الإخوة بين الطائفتين.

وهذا المقدار من عموم المنزلة لا بأس به لو حمل النهي فيها على الحرمة، وهو غير المصطلح عليه في هذا الباب فان المنقول عن القائل في هذا الباب أمر واسع جدّاً.

فقد نقل في الجواهر التزام القائل بحرمة كلّ امرأة أرضعت أولاد بعض المحرّمات نسباً أو رضاعاً، لصيرورتها بالرضاع بمنزلة تلك المحرّمات، فمرضعة ابن العمّة عمّة، وابن الخالة خالة، وهكذا.(3)

وقد صرّح السيد الداماد رحمه الله بكثير من الصور، ودونك ما ذكره:

الأُولى: تحرم المرضعة على فحلها لو أرضعت أخاها أو أُختها لأبويها أو أحدهما، لأنّها عندئذ صارت أُخت الولد وهو محرم في النسب لأنّ أُخت الولد بنت.

ص:129


1- . حياة المحقّق الكركي: 5/211.
2- . لاحظ الرسالة في هامش حاشية الفرائد للمحقّق الخراساني قدس سره.
3- . جواهر الكلام: 29/318.

وفيه: أنّ أُخت الولد في النسب إمّا ولد أو ربيبة، وهي إنّما تحرم إذا دخل بأُمّها، فيحتاج إلى المصاهرة، ولا يقوم الرضاع مكان النسب والمصاهرة معاً.

الثانية: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت ولد أخيها، فتصير حينئذ عمّة الولد، فكونها عمّة كان حاصلاً بالنسب، وإنّما حصل بالرضاع كونه ولداً للفحل.

ويدفعه: أنّ المحرّم انّما هو أُخت الرجل نسباً أو رضاعاً، وليست هي إحداهما.

الثالثة: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت ولد أُختها، فتصير الأُخت - أُمّ الولد النسبيّة - زوجة للفحل، فيحرم الجمع بينها وبين المرضعة، فتحرم المرضعة، لاستلزام بقائها على نكاح الفحل الجمعَ بين الأُختين.

وفيه: انّ الحرام هو الجمع بين الأُختين في الزوجيّة والعقد عليهما معاً أو تدريجاً، وليس المقام كذلك.

الرابعة: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت ولد ولدها، فتصير جدّة ولده من الرضاعة، وهي ليست من عنوان النسب، وإنّما تحرم إذا كانت أُمّاً نسباً أو رضاعاً أو أُمّ زوجة، وهي ليست كذلك لا لغةً ولا عرفاً.

الخامسة: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت عمّها أو عمّتها، فتصير بنت أخ ولد صاحب اللبن، فكونها بنت أخ للرضيع نسبيّ وكون الرضيع ولداً لصاحب اللبن بالرضاع، فينتج التركيب الحاصل من النسب والرضاع، كونها بنت أخ ولد زوجها، فتحرم على زوجها.

وفيه: أنّه ليس بنت أخ الولد من العناوين المحرّمة، وإنّما تحرم لكونها

ص:130

بنت الابن، وليست المرضعة بالنسبة إلى صاحب اللبن كذلك.

السادسة: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت خالها أو خالتها، فتصير بنت أُخت ولده، فكونها بنت أُخت للرضيع نسبيّ، وكونه ولداً لصاحب اللبن بالرضاع، فينتج التركيب الحاصل من النسب والرضاع كونها بنت أُخت ولد زوجها، فتحرم عليه.

وفيه: ما في سابقه، فانّ بنت أُخت الولد ليست من العناوين المحرّمة، وإنّما تحرم لكونها بنت البنت، وليست المرضعة بالنسبة إلى صاحب اللبن كذلك.

السابعة: تحرم المرضعة على فحلها إذا أرضعت ولد عمّها أو عمّتها، فتصير بنت عمّ ولده أو بنت عمّة ولدها، وهو محرم في النسب، لأنّ بنت عمّ الولد فيه إنّما هي بنت الأخ، كما أنّ بنت عمّة ولده إنّما هي بنت الأُخت.

وفيه: أنّ المحرم إنّما هو العناوين المذكورة في الآية، وليست المرضعة بعد إرضاعهما بنتَ الأخ ولا بنتَ الأُخت.

الثامنة: إذا أرضعت ولد خالها أو ولد خالتها، فتصير ابن خال ولد زوجها أو خالته.

والجواب ممّا ذكرناه في الصور السابقة واضح.

وقد نقل في الجواهر صوراً كثيرة غيرها حكم فيها السيد ومن تبع نظره بالحرمة ولا نحتاج إلى نقلها ودحضها بعد ما أوضحنا الحال فيما تقدّم من الصور.(1)

ص:131


1- . لاحظ جواهر الكلام: 29/322-323.

وقد تقدّم انّ دليل السيد ومن تبعه انّما هو العمومات القاصرة عن إفادة ما رامه، والتعاليل الواردة الّتي أوضحنا حالها في البحث المتقدّم، وقلنا: إنّ المستفاد منها إمّا عموم المنزلة لا بالمعنى المصطلح أو الكراهة حتّى في مورد التعليل فراجع.

على أنّه تردّ عمومَ المنزلة بهذا المعنى المصطلح موثّقتان:

الأُولى: موثّقةُ يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة أرضعتني وأرضعت صبيّاً معي ولذلك الصبي أخ من أبيه وأُمّه فيحلّ لي أن أتزوّج ابنته؟ قال: «لا بأس»(1).

فانّه على القول بعموم المنزلة يصير أخ الرضيع الآخر أخاً للرضيع الأوّل، ولو تزوّج فانّما يتزوّج في أولاد الأخ، فعلى القول بعموم المنزلة لا يجوز، مع أنّه حكم بالجواز.

الثانية: موثّقةُ إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تزوّج أُخت أخيه من الرضاعة، قال: «ما أُحبّ أن أتزوّج أُخت أخي من الرّضاعة»(2).

فانّ المراد منها إمّا الأُخت الرضاعية لأخيه النسبّي، أو الأُخت النسبيّة لأخيه الرضاعيّ، وعلى كل تقديرٍ فنكاحها على ظاهر الرواية جائز مع الكراهة، مع أنّه على عموم المنزلة بالمعنى المصطلح حرامٌ.

المسألة الرابعة: انّ الرضاع المحرّم كما يمنع عن النكاح سابقاً يبطل النكاح لاحقاً

اشارة

المسألة الرابعة: لا إشكال نصّاً وفتوى في أنّ الرضاع المحرّم كما يمنع

ص:132


1- . الوسائل: 14/280، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالنسب، الحديث 3.
2- . الوسائل: 14/279، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالنسب، الحديث 2.

عن النكاح سابقاً يبطل النكاح لاحقاً، فلو أرضعت زوجته الصغيرة، أُمّه أو أُخته أو جدّته أو زوجته أو زوجة أخيه أو زوجة أبيه بلبنهما فسد نكاح الصغيرة(1).

وسيوافيك بعض النصوص الواردة في ذلك في المسائل الآتية.

وإنّما الكلام في ضمان مهر الصغيرة بعد فساد نكاحها وعدمه، فنقول:

للمسألة صور:

الأُولى: ما لو انفردت الرضيعة في المرّة الخامسة عشرة بالارتضاع بأن سعت إلى المرضعة فامتصّت ثديها من غير شعور المرضعة.

الثانية: ما لو تولّت المرضعة إرضاعها مختارةً.

الثالثة: أن تتولّى إرضاعها ضرورةً لحفظ حياة الرضيعة، مع عدم مرضعة غيرها.

الرابعة: أن تتولّى إرضاعها مكرهةً.

أمّا الصورة الأُولى فالأقوال فيها ثلاثة:

القول الأوّل: سقوط المهر لبطلان العقد بالانفساخ المقتضي لرجوع كلّ شيء إلى صاحبه، فالمهر يرجع إلى الزوج ومنفعة البضع إلى الزوجة.

وإن شئت قلت: إنّه لم يبذل المهر مقابل التسلّط على البضع ساعة أو

ص:133


1- . أقول: لصيرورتها في الأُولى أُخته، وفي الثانية بنت أُخته، وفي الثالثة عمّته إذا كانت جدّته لأبيه أو خالته إذا كانت لأُمّه، وفي الرابعة بنته، وفي الخامسة بنت أخيه إن كان بلبن الأخ، وإلّا فربيبة أخيه إن كان دخل الأخ بالمرضعة فلا تحرم الصغيرة، وفي السادسة بنت أبيه إن كان بلبن أبيه فهي أُخته وإلّا فربيبة أبيه إن كان دخل الأب بها فلا تحرم عليه، لأنّ ربيبة الأب غير محرّمة على الابن.

أيّاماً، بل في مقابل استدامة تسلّطه عليه ما دامت حيّةً، والمفروض انتفاؤه.

وما عن بعض الأكابر قدس سره من توقف حكم المسألة على أنّ مقتضى القاعدة في بطلان العقود هل هو انحلال العقد من أوّل الأمر أو انقطاع مقتضى العقد من حيث بقائه واستمراره في عمود الزمان؟ فعلى الأوّل يسقط المهر وعلى الثاني فالمتجه هو الثبوت، غيرُ تامٍّ لما عرفت من أنّ الزوج لم يبذل المهر لتملّك البضع آناً أو ساعة، بل بذله لاستمرار تسلّطه عليه ما دامت حيّةً، وإذا امتنع التسلّط هو عليها.

القول الثاني: ثبوت نصف المهر، ولا دليل عليه سوى القياس بالطلاق.

القول الثالث: ثبوت المهر كاملاً، لأنّ المهر يتملّك بالعقد وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول خرج بالنصّ، ولذلك يثبت بموت الزوجة.

وأمّا الفسخ بالعيوب فقد فرّقوا فيها بين العيوب السابقة على العقد، والطارئة عليه، فحكموا بالسقوط في الأوّل والثبوت في الثاني، وهو أيضاً مقتضى القاعدة، فإنّ الزوج لم يقدم على الزواج إلّابظنّ أنّها صحيحة خالية عن العيوب، فبان كونها معيبةً، فله أن يسقط المهر، بخلاف ما لو بان كما أقدم عليه فثبت المهر ولكن طرأ العيب بعد ذلك.

والظاهر أن الأخير هو الحقّ الّذي يليق أن يعتمد عليه، فإنّ النكاح ليس من العقود المعاوضيّة حتّى يستلزم الفسخ أو الانفساخ رجوع كلّ شيءٍ إلى صاحبه، بل هو رابطة بين الزوجين، كما أن البيع رابطة بين المالين.

وأمّا المهر فإنّما هو كرامة وتكريم من الزوج لزوجته، وليس ثمناً للتسلّط على بضعها.

ص:134

وبذلك يفترق عن أُجرة البغي، وعن الأُجرة المبذولة في عقد التمتع(1).

وهذا واضح عند الرجوع إلى العقلاء الّذين هم المراجع في هذه الأُمور.

وأمّا ضمان الرضيعة فيتّضح حاله عند البحث عن ضمان المرضعة في ثاني الصور، وما يقال في عدم ضمانها من أنّ فعلها كفعل البهائم فلا تضمن، غيرُ تامّ، لعدم اشتراط العلم والشعور والتكليف في الضمان، فلا فرق في الحكم الوضعي بين الصغير والنائم والساهي والسكران، كما حقّق في محلّه.

وأمّا الصورة الثانية: وهي إقدام المرضعة على الإرضاع باختيارها، فالحقّ فيها ما أوضحناه في الصورة السابقة من ثبوت المهر.

كما أنّ الحقّ الرجوع فيه على المرضعة، فإنّ المهر وإن لم يكن في مقابل البضع أو استيفاء منافعها، إلّاأنّ بذله لها من الزوج إنّما كان بداعي العلقة الزوجيّة وبقائها في حباله، وقد أضرّت المرضعة بالزوج بإرضاعها، وأتلفت عليه ما بذله في سبيل العلقة الزوجيّة.

وقاعدة الإتلاف قاعدةٌ عقلائيّةٌ لا تختصّ بالأموال الخارجيّة، بل تعمّ كلّ مورد حصل فيه خسارة على الإنسان بلا جهة.

ولو أغمضنا عن تلك القاعدة، فقاعدة لا ضرر هي المحكمة، فيرجع الزوج على المرضعة بمهر المثل دون المسمّى، سواء كان أنقص أو أزيد.

اللّهم إلّاأن يقال: انّ مهر المثل في هذه الموارد ينقص عن المسمّى بكثير،

ص:135


1- . أقول: ربما ينقض بما ورد عن الأئمة عليهم السلام من تعليل جواز النظر إلى من يريد زواجها بأنه «انما يشتريها بأغلى الثمن» أو «فلِمَ يعطي ماله». ويجاب بأن ذكره عليه السلام له من باب التقريب ولرفع التعجب عن جواز النظر إلى المواضع المحرمة. فتأمل.

والزوج إنّما بذل المسمّى بتخيّل بقاء العلقة إلى أيّ وقت شاء، فكيف يقتصر ما تؤديه المرضعة على مهر المثل مع أنّها أضرّت بالزوج بأكثر منه.

والرجوع على المرضعة بالمسمّى لو لم يكن أقوى، فلا أقل يساوي الاحتمال الآخر، أعني: الرجوع عليها بمهر المثل.

ومنه يظهر حال الصورة الأُولى، فيسقط مهرها بفعلها بعد ثبوته بالعقد، كما يعلم أيضاً حال من لم يسمّ لها المهر، ففيه مضافاً إلى الاحتمالات السابقة احتمال رابع وهو التمتيع بشيء، ولكنّه مردود باختصاص التمتّع بما إذا كان الانفصال بالطلاق لقوله سبحانه: «وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» (1).

واحتمال خامس وهو الضمان بمهر المثل، فإنّه المرجع فيما لم يسمّ، ويسقط بارتضاعها بنفسها.

ويسقط لو تولّت المرضعة إرضاعها وترجع الزوجة على الزوج وهو على المرضعة. وأمّا إذا كان الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة ولكن لم تعنها عليه، فلو لم نقل أنّ تمكينها بمنزلة المباشرة، فلا أقلّ من القول باستناد الفعل إليهما، فيكون السبب كليهما فيرجع الزوج على المرضعة بنصف ما غرمه للزوجة.

وأمّا الصورة الثالثة: وهي إقدام المرضعة على الإرضاع حفظاً لحياة الصغيرة، فالمشهور بينهم في نظائر المورد الضمان، لتحقّق الإتلاف المباشر الّذي هو من موجبات الضمان، غاية الأمر يرفع الإثم كالطبيب والبيطار.

ص:136


1- . البقرة: 241.

وفيه انّها إذا تولّت الإرضاع بأمر الشارع صارت في فعلها وإرادتها مقهورةً للشارع، فلا ينقص فعلها عن فعل المكرَه.

لا أقول: هي مكرهة بل هي مختارة، إلّاأنّها إنّما اختارت الإرضاع بأمر الشارع وإنذاره، فلا يستعقب الضمان أصلاً.

وإن شئت قلت: إنّ أمر الشارع بالإرضاع يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على رفع التكليفين: التكليفي المصطلح والوضعي.

وأمّا التطيّب فإذا كان لا يجلب منفعة ولا أُجرة بل وقع لأمرٍ من الشارع بالقيام به، كما إذا لدغ المصاب ورأى الطبيب انّ حياته لا تستديم إلّابقطع يده فقطعها فمات، لم يضمن.

والحاصل، أنّ الأمر بالإرضاع أمراً إلزاميّاً بحيث يستتبع العقاب على تركه، لا يجتمع لدى العرف مع الضمان، وقد أقدم لصالح الغير، وليس هذا مثل التغذّي من مال الغير لحفظ الحياة، فانّه يضمن لأنّه لصالح نفسه.

وأمّا الصورة الرابعة: وهي ما إذا كانت المرضعة مكرَهةً على الإرضاع، فيدخل في باب الإكراه المعلوم حكمه في غير مورد من الأبواب.

فروع خمسة:

الأوّل: إذا كان له زوجتان كبيرة وصغيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة،

فتارةً تحرمان، وأُخرى تحرم الكبيرة خاصّةً، وإليك صور المسألة:

الأُولى: أن يكون الرضاع بلبن الزوج وقد دخل بالكبيرة.

الثانية: أن يكون الرضاع بلبنه ولم يدخل بها.

ص:137

الثالثة: أن يكون الرضاع بلبن غيره ولكنّه دخل بها.

الرابعة: أن يكون الرضاع بلبن غيره ولم يدخل بها.

ففي الصور الثلاث الأُول تحرمان، وأمّا في الرابعة فتحرم الكبيرة خاصّةً دون الصغيرة، نعم يبطل عقدها وله تجديده.

وإليك فيما يلي بيان أحكام هذه الصور.

أمّا الأُولى: فتحرم الكبيرة لدخولها تحت عنوان محرّم وهو «أُمَّهات نسائكم» وتحرم الصغيرة من جهتين، صيرورتها بنتاً، وصيرورتها ربيبةً لدخوله بأُمّها المرضعة.

أمّا الثانية: فتحرم الكبيرة لما ذكرناه في الأُولى، وتحرم الصغيرة من جهة واحدةٍ وهي صيرورتها - برضاعها من لبنه - بنتاً له، ولم تصر ربيبةً، لعدم دخوله بأُمّها كما هو الفرض.

وأمّا تصوير إمكان كون اللبن للزوج مع عدم دخوله بها فواضح، لإمكان أن يكون الزوج أولدها شبهةً، ثمّ عقد عليها ولم يدخل بها بعد العقد إلى حين الرضاع، أو كان قد دخل بها بنكاح سابق ثم طلّقها وهي ذات لبن منه ثمّ عقد عليها بعد العدّة ولم يدخل بها بعد العقد إلى حين الإرضاع.

أمّا الثالثة: فتحرم الكبيرة لصيرورتها أُمّ الزوجة، والصغيرة لصيرورتها ربيبةً قد دخل بأُمّها.

وأمّا الرابعة: فتحرم الكبيرة لما ذكرناه في سابقه، وأما الصغيرة فلا تحرم عليه، لأنّها لا تعدو عن كونها ربيبةً لم يدخل بأُمّها وهي غير محرّمة، نعم ينفسخ العقد عليها، وسيوافيك الكلام فيه.

ص:138

وربما يقال: انّ حرمة الكبيرة ما هو إلّالأجل كونها أُمَّ الزوجة، مع أنّه لا يصدق عليها عنوان الأُميّة إلّافي آن زوال الزوجيّة عن الصغيرة وصدق البنتيّة عليها. ففي الآن الّذي يصدق على الكبيرة الأُميّة، يصدق على الصغيرة البنتية، فتصير الزوجة الكبيرة في آخر لحظات الإرضاع أُمَّ البنت لا أُمّ الزوجة حتّى تحرم.

وبالجملة، ليس هنا آن تكون الكبيرة فيه أُمّاً والصغيرة زوجةً حتّى يصدق عليها أُمّ الزوجة(1).

وأجاب عنه في الجواهر بكفاية إرضاع من كانت زوجته.(2)

ولكنّه ضعيف، بل مخالف لصحيح علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل له: إنّ رجلاً تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته، ثمّ أرضعتها امرأة له أُخرى، فقال له ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه.

فقال أبو جعفر عليه السلام: «أخطأ ابن شبرمة، تحرم عليه الجارية وامرأته الّتي أرضعتها أوّلاً. فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه، كأنها أرضعت ابنته»(3).

إذ لو كان إرضاع من كانت زوجة موجباً لنشر الحرمة، للزم تحريم الثانية

ص:139


1- . أقول: الإشكال مبني على اعتبار الفعلية في عنوان «أُمهات نسائكم» أي المحرم هو أُم الزوجة الفعلية لا أُم الزوجة السابقة. وهذا مبني على كون المشتق حقيقة في المتلبس، «أُم الزوجة الفعلية». وأما إذا قيل بكون المشتق أعم منه وممّا انقضى عنه المبدأ، فيكون عنوان «أُم الزوجة» المحرم أعم منه من الزوجة الفعلية والسابقة، فيرتفع الإشكال.
2- . جواهر الكلام: 29/329.
3- . الوسائل: 14/305، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

أيضاً، لأنّها أرضعت من كانت زوجة، مع أنه عليه السلام لم يحكم بحرمتها(1).

والأُولى أن يقال بأنّ ما ذكر في الإشكال تدقيق عقليّ لا يلتفت إليه العرف، بل هو يحكم في هذا المورد بأنّ الكبيرة بإرضاعها الصغيرة صارت أُمَّ زوجة الرجل، ولا يلتفت إلى أنّ أوّل زمان صدق الأُميّة ملازم لانقضاء آخر جزء من الزوجيّة وصدق البنتيّة، فإنّ هذه الدّقة خارجةٌ عن مستوى الأفهام العرفيّة.

ولعله إلى ذلك يشير صاحب الجواهر حيث أتى بجواب آخر وقال:

بأنّ ظاهر النص والفتوى الاكتفاء في الحرمة بصدق الأُميّة المقارنة لفسخ الزوجيّة بصدق البنتيّة، إذ الزّمان وإن كان متّحداً بالنسبة إلى الثلاثة، أي البنتيّة والأُميّة وانفساخ الزوجيّة، ضرورة كونها معلولات لعلة واحدة، لكن آخر زمان الزوجية (للصغيرة) متّصل بأوّل زمان صدق الأُميّة، فليس هي من مصداق أُمّ من كانت زوجتك، بل لعلّ ذلك كاف في الاندراج تحت أُمّهات النساء، بخلاف من كانت زوجتك(2).

وهذا غير ما إذا كان هناك فصل طويل بين زوال الزوجيّة وصدق الأُميّة كما في مورد رواية علي بن مهزيار بالنسبة إلى الكبيرة الثانية.

وأمّا بطلان عقد الصغيرة في رابعة الصور، فربما يقال بأنّ مقتضى الاستصحاب بقاؤه، والمانع إنّما طرأ على نكاح المرضعة لا الصغيرة، وقياس ذلك على العقد عليهما دفعةً واحدةً غير صحيح.

ص:140


1- . أقول: لا يخلو هذا الاستدلال من نظر، إذ لو لم يكن إرضاع من كانت زوجة موجباً لنشر الحرمة، فلم حرّم الإمام عليه السلام الكبيرة الأُولى، مع أنّها أرضعت - على ما عرفت في الإشكال - من كانت زوجته، اللّهمّ إلّاأن يقال بعدم اعتبارها بهذه الدقة في هذا القسم، كما سيصرّح به في المتن.
2- . جواهر الكلام: 29/329-330.

ولكن فيه أنّه لمّا اتّحد زمان صدق الأُميّة والبنتيّة كما عرفت، استحال بقاء العقدين عليهما، فتخصيص أحدهما بالبطلان دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجّح.

وليس المراد من تنظيره بالعقد على الأُمّ والبنت ابتداءً إلّاهذا.

وأمّا العمل بالقرعة فربما يقال باختصاص أدلّتها بمالَه واقعٌ محفوظ فاشتبه ظاهراً، لا لترجيح المشتركين في السبب، وإلّا لجرت في العقد عليهما دفعةً.

وفيه أنّه لا دليل على اختصاصها بالمتحقّق واقعاً المشتبه ظاهراً، كما هو محقّق في بابه، بل الوجه في عدم العمل بها، اختصاص أكثر أدلّتها بالتشاحّ والتنازع ورفع الخصومة(1).

كلّ ذلك حسب القاعدة، وأمّا النصوص، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أنّ رجلاً تزوّج جاريةً فأرضعتها امرأته، فسد النكاح»(2) وفي نسخة «فسد نكاحه». وعلى كلا التقديرين يحتمل ان يكون المراد فساد نكاح المرضعة والرضيعة معاً، أو فساد نكاح إحداهما.

وفي صحيح الحلبي وعبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته وأُمّ ولده، قال: «تحرم عليه»(3).

فيه الاحتمالان المذكوران(4).

ص:141


1- . كلّ ما ورد من الروايات في المقام إنّما هو في موارد رفع التشاحّ والنزاع الدائر بين شخصين أو أشخاص، أو قابل للحمل عليه، إلّارواية واحدة وردت في استخراج الشاة الموطوءة، من قطيع الغنم. فراجع ما حرّرناه من دروس شيخنا الأُستاد - دام ظلّه - حول القواعد الأربع.
2- . الوسائل: 14/302، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.
3- . الوسائل: 14/303، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
4- . المتّجه قويّاً حمله على بطلان نكاح الصغيرة، لأنّه هو المسؤول عنه.

القول في مهر الكبيرة والصغيرة

إذا أرضعت الكبيرة الصغيرة، فهل على الزوج مهر الكبيرة مطلقاً، أو ليس عليه مطلقاً، أو يفرق بين الدخول بها فيجب عليه مهرها، وعدمه فلا؟

الأخير هو خيرة الشرائع(1) والأقوى هو الأوّل، لأنّ المهر من توابع العقد، ويستقرّ على ذمّة الزوج، ولها مطالبته به كلّه وإن لم يدخل بها، بل لها عدم تمكينه مالم يدفع المهر، فلا يتوقّف وجوب دفعه على الدخول.

نعم لو طلقها قبل الدخول كان للزوج استرجاع نصف ما أعطاه، أو دفع نصف ما فرضه لها حين العقد إن لم يكن أدّاه بعد.

والتنصيف بالطلاق حكم شرعّي خرج بالدليل، ومن هنا لا يكون موت أحد الزوجين منصِّفاً للمهر على المشهور، وبذلك يعلم أنّه لا فرق بين صورتي الدخول وعدمه.

وما ذكره المحقق في الشرائع من عدم المهر في الصورة الثانية، مستدلّاً بأنّ الفسخ جاء من قبلها، وما أضاف إليه صاحب الجواهر من أنّ مقتضى الانفساخ رجوع كلّ شيء إلى محلّه(2)، غير تام لما عرفت من استقرار المهر على الزوج بالعقد.

ولا دليل على كون الفسخ مطلقاً حتّى في النكاح كذلك، بل هو كذلك في

ص:142


1- . شرائع الإسلام: 2/285.
2- . لاحظ جواهر الكلام: 29/330.

المعاملات، فيرجع كل من العوضين إلى محلّه، وليس النكاح معاملةً ولا معاوضةً عرفيّةً أو شرعيّةً.

اللّهمّ إلّاأن يقال بأن فتوى المشهور استقرّت على أنّه إذا فسخ الرجل عقد زوجته بأحد العيوب المقررّة، فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعده استقرّ المهر المسمّى.

وكذا الحال في فسخ المرأة، فتستحقّ تمام المهر إن كان بعد الدخول، ولا تستحقّ شيئاً إن كان قبله، إلّافي العنن، فإنّها تستحقّ عليه نصف المهر المسمّى.

وهذا كاشف عن كون استقرار المهر بالعقد مشروط بالتمتّع بالبضع، وأنّ المهر غرامة يدفعها الرجل، لكون الاستمتاع بها يوجب نزول قيمتها عند العرف.

وعلى هذا فعدم ثبوت المهر قبل الدخول لا يخلو عن وجه وجيه، والاحتياط طريق النجاة.

وأمّا الصغيرة، فهل يثبت لها المهر أو لا؟ مقتضى القواعد على ما تقدّم، ثبوت المهر لها على الزوج.

وما ذكره صاحب الجواهر من أنّ مقتضي الانفساخ عدم رجوعها عليه بشيءٍ، خصوصاً مع عدم التقصير منه(1)، قد عرفت ما فيه.

وكون المهر من لوازم العقد وتبعاته، لا يجعله مقيدّاً بالدخول وبقاء العقد، والتنصيف بالطلاق حكم تعبّدي خرج بالنصّ.

ص:143


1- . جواهر الكلام: 29/331.

ورغم كلّ ذلك، قد عرفت بعد نقلنا لفتوى المشهور كون الأقوى عدم ثبوت المهر لها، والاحتياط بدفع المهر أقرب.

نعم، يجوز للزوج الرجوع على الكبيرة بما غرمه من مهر الصغيرة، إذ لاشكّ أنّ الكبيرة بعملها قد أضرّت بالزوج، حيث إنّها بإرضاعها الصغيرة حرّمتها عليه، وأبطلت نكاحها الّذي أنفق الرجل في طريقه مهراً وأموالاً، وقد ذهب ذلك سدى بفعل الكبيرة، وهذا ضرر تضمنه، فيجوز له الرجوع عليها بالمهر المسمّى، أو بمهر المثل، والثاني أقوى(1).

الفرع الثاني: إذا كان له ثلاث زوجات: كبيرةٍ وصغيرتين رضيعتين، فأرضعتهما الكبيرة،

حرمت هي لأنّها صارت أُمّ زوجته، فتدخل تحت قوله تعالى: «وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» (2)؛ وحرمت الصغيرتان، لأنّهما صارتا بنتيه، إن كان الإرضاع بلبنه، أو ربيبتيه إذا دخل بأُمّهما المرضعة، والربيبة كما تحرم بالنسب تحرم بالرضاع.

وأمّا إذا لم يكن الإرضاع بلبنه ولم يكن دخل بها حرمت الكبيرة فحسب، لصيرورتها أُمّ زوجته، دون الصغيرتين لأنّهما حينذاك بنتان رضاعيّتان لزوجته الّتي لم يدخل بها، وهو غير محرّم بالنسب، فكذلك بالرضاع.

وفي هذه الصورة ينفسخ عقدهما لو رضعتا دفعة واحدة، لعدم إمكان اجتماع عقد الأُمّ وبنتيها بقاءً، وليس أحد العقدين أولى بالبطلان من الآخر، فينفسخ الجميع.

ص:144


1- . وجه الأول إبطال العقد، ووجه الثاني تحريم الصغيرة عليه مؤبداً. فيتجه مهر المثل في الصور الثلاث الأُول، والمسمّى في الأخيرة.
2- . النساء: 23.

وأمّا إذا رضعتا بالتعاقب حرمت الأُمّ كما عرفت، وانفسخ عقد الأُولى من الرضيعتين دون الثانية، لأنّ ملاك البطلان امتناع بقاء صحّة عقد الأُمّ والبنت، وهو موجود في الأُمّ والأُولى، دون الثانية، فليست هي إلّابنت من كانت زوجته.

وهذا كلّه فيما لم يصدق على الرضيعتين عنوان البنتيّة، ومع صدقه - فيما إذا كان الرضاع بلبنه كما سلف - فالأمر واضح.

الفرع الثالث: لو كان له ثلاث زوجات: كبيرتين وصغيرة رضيعة،

فأرضعتها إحدى الكبيرتين أوّلاً الرضاع المحرم بلبنه، ثم أرضعتها الأُخرى كذلك.

لا ريب في حرمة الأُولى، لصيرورتها أُمّاً لزوجته، والصغيرة لصيروتها بنتاً له.

وإنّما الكلام كلّه في حرمة المرضعة الثانية، فالمحكي عن الإسكافي، والشيخ في النهاية، وظاهر الكليني، وسيّد المدارك، وصاحب الرياض، وكاشف اللثام وغيرهم من الأعلام حلّيتها وعدم حرمتها، لعدم دخولها تحت إحدى العناوين المحرّمة.

إذ غاية ما في الباب أنّ الصغيرة صارت - بإرضاع المرضعة الأُولى - بنتاً للرّجل، ومرضعة البنت ليست محرّمةً. وإلى ذلك يشير ما في خبر ابن مهزيار - الوارد في المفروض - من قوله عليه السلام: «فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه، كأنّها أرضعت ابنته»(1).

ص:145


1- . الوسائل: 14/305، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرّضاع، الحديث 1. رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام.

مضافاً إلى أدلّة الحلّ وعموماته.

وأورد على ذلك: أوّلاً: بأنّه لو كان بقاء المبدأ شرطاً في صدق المشتقّ، لزم عدم تحريم الكبيرة الأُولى أيضاً، لعدم اجتماع الأُميّة والزوجيّة في آنٍ حتّى تكون الأُولى أُمَّ زوجة الرجل، فقد مرّ اتّحاد زمان عروض الأُميّة للكبيرة، والبنتيّة للصغيرة، وزوال الزوجيّة عنها.

يلاحظ عليه: ما قدّمناه من القضاء العرفي بكفاية مقارنة زمان عروض الأُميّة للكبيرة لزمان زوال الزوجيّة عن الصغيرة في صدق اتّصافها بكونها أُمّ الزوجة.

وأمّا الثانية، فلم يكن عروض الأُميّة لها مقارناً لزوال الزوجيّة عن الصغيرة، بل كانت الزوجيّة قد زالت عنها منذ مدّة، فتصير الثانية بإرضاعها أُمّاً لها، وأُمّ البنت ليس محرّمة. وهذا كاف في الفرق بينهما.

وثانياً: بأنّ وزان الثانية وزان أُمّ المطلّقة، فكما يكفي فيها أُمّ من كانت زوجته وإن زالت عنها الزوجيّة بالطلاق، فكذلك الثانية هنا، يكفي فيها كونها أُمَّ من كانت زوجته الّتي زالت عنها الزوجيّة بسبب آخر غير الطلاق وهو الرضاع الأوّل.

يلاحظ عليه: أنّ حرمة أُمّ المطلّقة ليست لكونها أُمَّ من كانت زوجته، بل لكونها أُمَّ الزوجة الفعليّة في آن من الآنات قبل الطلاق، وهو كاف في نشر الحرمة ولو تحقّق آناً ما. وثالثاً: بضعف الرواية بوجود صالح بن أبي حمّاد، وهو ضعيف،

ص:146

قال النجاشي في حقّه: «كان أمره ملبساً يعرف وينكر»(1).

وفيه: انّ إتقان الرواية كاف في العمل بها، مضافاً إلى عمل عدّة من الفقهاء بها، مع أنّ دليل حليّة الثانية لا ينحصر بالرواية، بل يكفي فيه عمومات الحل(2).

الفرع الرابع: لو طلّق زوجته بعد الدخول بها فأرضعت زوجته الصغيرة

حرمتا معاً، أمّا الكبيرة فلأنّها صارت أُمّ زوجته، وأمّا الصغيرة فلأنّها صارت بنتاً له إن كان الإرضاع بلبنه، وربيبته إن لم يكن به.(3)

وأشكل في المسالك في حرمة الصغيرة فيما إذا لم يكن الإرضاع بلبنه لعدم صدق الربيبة عليها(4)، ببيان أنّ الربيبة النسبيّة عبارة عن بنت الزوجة الفعليّة لا بنت من كانت زوجته فتنحصر الربيبة الرضاعيّة بالبنت الرضاعيّة لزوجته الفعليّة لا من كانت زوجته.

فأيّ فرق بين قوله سبحانه: «وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» وقوله تعالى: «وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» (5) حيث حملتم الأُولى على الفعليّة، كما عليه رواية ابن مهزيار في رد ابن شبرمة(6)، فاشترطتم أن

ص:147


1- . رجال النجاشي: 441 برقم 524.
2- . أقول: ضعف صالح بن أبي حماد غير ثابت لأنّ غاية ما تفيده عبارة النجاشي التردّد أو التوقّف في شأنه، فيرجع عند ذاك إلى أقوال غيره من الأصحاب وخرّيتي الرجال، وقد روى الكشي في حقّه عن علي بن محمد القتيبي وهو فاضل معتمد، قال: «كان أبو محمد الفضل - يعني ابن شاذان - أُستاذه ويرتضيه ويمدحه» فيتّجه عدّه في الممدوحين، وتكون الرواية عند ذاك حسنةً معتبرةً.
3- . بشرط الدخول بأُمها.
4- . لاحظ المسالك: 7/270.
5- . النساء: 23.
6- . الوسائل: 14/305، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

تكون أُمّ الزوجة المحرّمة، أُمّ الزوجة الفعليّة، ولكن اكتفيتم في الثاني بمطلق الزوجة، وإن انقضى عنها المبدأ، كما فيما نحن فيه.

مع أنّ الوارد في الآيتين لفظ واحد وهو «نسائكم»، ولا يضرّ كون الخارج عن الزوجيّة هنا المرضعة وهناك الرضيعة، لاشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم.

وقد حاول صاحب الجواهر إبداء الفرق بين المقامين، ولم يأت بشيء مقنع، فغاية ما ذكره دعوى وضوح الفرق بين المسألتين، ضرورة صدق الربيبة على بنت من كانت زوجته نسباً ورضاعاً، بخلاف أُمّهات نسائكم، فإنّه غير صادق على من كانت امرأته(1).

وهو أقرب إلى المصادرة. والظاهر أنّ الفرق الفارق بين المسألتين هو النصّ، فقد دلّت رواية ابن مهزيار المتقدمة(2) على لزوم الفعليّة في أُمّ الزوجة حتّى تحرم، ولذلك لم تحرم الزوجة الثانية، لعدم كفاية إرضاع زوجته السابقة في الحرمة.

وأمّا في المسألة الثانية، فقد دلّت صحيحة محمد بن مسلم على عدم اشتراط الفعلية في الزوجة حتّى تحرم ابنتها بعنوان الربيبة. قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل كانت له جارية فأعتقت، فزوّجت، فولدت، أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها؟ قال: «لا، هي حرام، وهي ابنته، والحرّة،

ص:148


1- . جواهر الكلام: 29/334.
2- . الوسائل: 14/305، الباب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1.

والمملوكة في هذا. ثم قرأ هذه الآية: «وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» (1).

والرواية صريحة في المراد، وبذلك يندفع الإشكال، وينجلي الغبار عن وجه المسألة.

الفرع الخامس: لو كان لرجل زوجة صغيرة ولآخر زوجة كبيرة،

فطلّق كلٌّ منهما زوجته، وتزوّج بزوجة الآخر. ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة، حرمت الكبيرة عليهما، سواء أكان إرضاعها بلبن واحد منهما أم كان بلبن غيرهما، لصيرورتها أُمّ زوجة فعلاً لصاحب الصغيرة، وأُمّ من كانت زوجته بالنسبة إلى الآخر، بناءً على عدم اشتراط تقارن الزوجيّة والأُميّة.

وأمّا مع اشتراطه كما هو الحقّ على ما عرفت في الفرع الثالث، فلا تحرم على الأخير.

وأمّا الصغيرة فتحرم على كلّ من دخل بالكبيرة لصيرورتها ربيبةً قد دخل بأُمّها.

ولو فرض دخولهما بها، حرمت عليهما معاً، وهذا كلّه إذا لم يكن الإرضاع بلبن أحدهما، ولو كان كذلك، صارت بنتاً لصاحبه.

المسألة الخامسة: إذا تزوّجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت

المسألة الخامسة: إذا تزوّجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت(2) إمّا لأحد

ص:149


1- . الوسائل: 14/350، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.
2- . جعل الفسخ من طرف الكبيرة لعدم صحّة الفسخ من قبل الصغير ما لم يبلغ. وأمّا فسخ الوليّ عقد النكاح، فهل هو كالبيع يتوقّف على المصلحة، أو عدم المفسدة، أو لا يصحّ مطلقاً؟ وجوهٌ.

العيوب المجوّزة للفسخ، أو لأنّها كانت مملوكةً فأُعتقت. ثمّ تزوّجت زوجاً آخر وأرضعت ذلك الصبي بلبن زوجها، حرمت على الزوج والصغير معاً.

أمّا على الزوج: فلأنّها بإرضاعها الصغير يصير ابناً لزوجها، فتصير هي حليلة ابنه بناءً على عدم اعتبار بقاء المبدأ في صدق المشتقّ، وكفاية كونها زوجةً للصغير في وقت ما.

وأمّا على الصغير، فلأنّها تصير بإرضاعه أُمّاً له، ومنكوحة أبيه الرضاعي، ومثلهما تحرمان عليه.

ولو انعكس الأمر فتزوّجت بالكبير أوّلاً ثم طلّقها بعد أن أولدها، ثمّ تزوّجت بالصغير، فأرضعته من لبن زوجها السابق، فتحرم عليهما أيضاً.

غير أنّ حرمتها على الكبير في الصورة الأُولى كان متوقّفاً على كون المشتقّ حقيقةً في الأعمّ، لأنّها حينما كانت حليلةً للصغير لم يكن ابناً له، وعندما صار ابناً له لم تكن حليلةً له.

وأمّا في هذه الصورة فحرمتها على الكبير غير متوقّفة على صدق المشتقّ على الأعمّ، لأنّه عندما صار الصغير ابناً له كانت حليلته فعلاً فتأمّل(1).

المسألة السادسة: لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدّتهما أحدَهما

المسألة السادسة: لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، ثم أرضعت جدّتهما أحدَهما، انفسخ النكاح. لأنّ المرتضع إن كان الذكر، يصير بعد الرضاع

ص:150


1- . وجهه أنّها عندما أرضعت الصغير وأتمّت الرضاع المحرّم، وإن صار في تلك اللحظة ابناً للزوج السابق، إلّاأنّها لم تعدّ زوجة الصغير وحليلته، بل صارت أُمّه، فلم تتحقّق الفعليّة في حليلة الابن، وهي أيضاً في هذه الصورة، الحليلة السابقة لابنه، اللّهم إلّاعلى المسامحة العرفيّة المتقدّمة.

عمّاً أو خالاً لزوجتة، وذلك أنّه إذا ارتضع من جدّته لأبيه، صار أخاً لأبيها وبالتالي عمّاً لها. وإذا ارتضع من جدّتها لأُمها، صار أخاً لأُمّها وبالتالي خالاً لزوجته.

وأمّا إذا كان المرتضع الأُنثى، فتصير بعد الرضاع عمّةً لزوجها إن كانت المرضعة جدّة الصغير لأبيه، أو خالةً لزوجها، إن كانت جدّته لأُمّه.

وقد يتحقّق العنوان المحرّم في كلا الجانبين فيما لو رضع كلٌّ منهما من أيّ الجدّات المذكورات.

المسألة السابعة: إذا اعترف الرجل بأنّ هذه المرأة أُختي أو بنتي من الرضاعة

على وجه يصحّ حسب سنّهما، فإن كان الإقرار قبل العقد عليها يقبل قوله ويحكم عليه بالتحريم، لعموم دليل الإقرار، سواء صدّقته المرأة أو كذّبته أو ادّعت عدم علمها بما يقول.

ولو كذّب نفسه وأظهر لدعواه تأويلاً محتملاً، وافقته المرأة، فهل يقبل قوله لانحصار الحق فيهما، أو يؤخذ بإقراره السابق إذ لا إنكار بعد الإقرار؟ الأقوى هو الأوّل، لانصراف قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1)، إلى غير هذه الصورة، خصوصاً إذا وافقته المرأة، أو لم تخاصمه وادّعت عدم العلم.

وأمّا قولهم: لا إنكار بعد الإقرار، فإنّما هو إذا أوجد إقراره حقّاً لمن أقرّ له،

ص:151


1- . الوسائل: 16/110، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2. أقول: لا سند للحديث وانّما جاء في الكتب الاستدلالية المتأخرة، وكيف كان، يمكن عدّه قاعدة فقهيّة مستفادة من موارد خاصّة متعدّدة حكم الأئمّة عليهم السلام بمضمونه فيها.

لا أنّه يؤخذ به وإن لم يوجِد حقّاً أو أوجد حقّاً لأحد، أو أوجد ووافقه المقرّ له على كذب الإقرار.

ولو أوقع العقد والحال هذه فربما يحتمل إلزام كلٍّ بمعتقده، فيكون العقد فاسداً في حقّه وصحيحاً في حقّها، نظير ما إذا ادّعى الأُختيّة بعد العقد.

ويمكن أن يقال: انّ عقده عليها تكذيب لقوله السابق، ولا يقبل إقراره السابق بعد اتّفاقهما على العقد، خصوصاً إذا أظهر لعمله تأويلاً.

هذا كلّه في الإقرار قبل العقد، من غير فرقٍ بين وقوعه من الرّجل أو المرأة.

وأمّا لو أقرّ بالرضاع بعد العقد، فلو كان معه بيّنة على دعواه، أو ادّعى على المرأة العلم بالرضاع لكنّها نكلت عن اليمين وحلف الرجل بعد الردّ عليه، أو صدّقته المرأة، حكم له.

فإن كان الحكم قبل الدخول، فلا مهر ولا متعة، لفساد العقد، ولا تجري هنا قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، لأنّها فيما إذا كانت هناك خسارة وتلف، والمفروض عدم التصرّف هنا في المنكرة.

وإن كان بعده، ففي الشرائع(1)، وحكي عن الشيخ(2)، الضمان بالمسمّى.

والأقوى مهر المثل، لأنّه من مصاديق كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وقد انتفى المسمّى بانتفاء العقد وبطلانه، فيضمن استيفاء البضع بقيمته وهي مهر المثل، والمقام من مصاديق وطء الشبهة والمرجع فيه مهر المثل.

ص:152


1- . شرائع الإسلام: 2/286.
2- . حكاه عنه صاحب الجواهر: 29/338.

ولو لم تكن معه بيّنة، وأنكرته الزوجة، أو لم تعلم بصدقه ولا كذبه، ولم يدّع عليها العلم، أو ادّعاه وحلفت هي على نفيه، لزمه الاجتناب بمقتضى إقراره، مضافاً إلى المهر كلّه مطلقاً سواء دخل أم لم يدخل.

أمّا مع الدخول فواضح، وأمّا مع عدمه فلما عرفت من أنّ المهر من لوازم العقد وتبعاته، وتشطيره بالطلاق خرج بالنصّ، وليس هنا ما يدلّ على أنّ كلّ فرقة قبل الدخول كالطلاق.

والفرق بين هذه الصورة وما تقدّم بعد اشتراكهما في كون النزاع قبل الدخول، هو ثبوت الفساد في الأوّل دون المقام.

ولا ينافي إقراره بالأُختيّة تأثير الطلاق في التشطير، لأنّ المفروض أنّ المرأة تكذب الأُختيّة.

كما لا يضرّ تعليق الطلاق في مقام الإنشاء على التعليق، لأنّ تعليق العقد على ما هو معلّق في نفس الأمر غير مضرّ، كما لا يخفى.

ولو انعكس الأمر فادّعت المرأة بعد العقد أنّ هذا أخي أو ابني من الرضاع، فلو كانت معها بيّنة، أو ادّعت عليه العلم فنكل وحلفت هي، أو صدّقها الرجل، فُرّق بينهما، وثبت لها مهر المثل مع الدخول وجهلها حينه، ومع انتفاء أحدهما فلا شيء لها أصلاً.

ولو لم يكن معها بيّنة، أو كذّبها الرجل، أو ادّعت العلم فحلف على عدمه، يحكم عليها بالزوجيّة ظاهراً. نعم، يجب عليها حسب ادّعائها انْ لا تُمكِّن نفسها منه، تخلّصاً من الزنا. وليس لها المطالبة بالمسمّى لاعترافها بفساد العقد، لا قبل الدخول ولا بعده، ولا المطالبة بالمثل إذا كان أكثر من المسمّى، لأنها مدّعية بالنسبة إلى الزيادة ولا بيّنة معها.

ص:153

وحكي عن القواعد احتمال مطالبتها بمهر المثل معلّلاً بأنّه دخول بعد عقدٍ تبيّن فساده من أصله مع جهلها(1).

وفيه انّه لم يتبيّن فساده إلّامن قبلها لا من قبل الزوج الّذي يكذبها.

ولو ادّعت عليه العلم فأنكر، فلها إحلافه على نفي العلم، فإن نكل، حلفت على البتّ فيحكم بالفرقة ومهر المثل مع الدخول لا قبله، لاعترافها بعدم الاستحقاق قبله، لبطلان العقد حسب زعمها.

ولو نكلت أو حلف الزوج أوّلاً (عندما ادّعت عليه العلم) فإن كان قد دفع الصداق، لم يكن له مطالبتها به لاعترافه باستحقاقها، لكنّه يصير مجهولَ المالك في يدها، إلّاإذا طلّقها قبل الدخول فيسترجع نصفه.

وإن لم يكن قد دفعه إليها، فليس لها المطالبة به، فإن كان عيناً يصير مجهولَ المالك.

وهل لها مطالبته بحقوق الزوجيّة من القسم والجماع؟ الظاهر لا، سواء حلفت أم نكلت، لاعترافها بعدم الاستحقاق، من غير فرقٍ بين النفقة وغيرها.

هذا كلّه إذا كان ادّعاء المرأة بعد العقد، وأمّا إذا كان قبله، فحكمه حكم دعوى الرجل قبله، حذو النعل بالنعل.

المسألة الثامنة: في كيفيّة الشهادة على الرضاع.

قد اشتهر بين الأصحاب انّه لا تقبل الشهادة بالرضاع إلّامع اشتمالها على جميع ما يعتبر في الرضاع الناشر للحرمة عند الحاكم الّذي ترفع إليه الشهادة، معلّلاً بتحقّق الخلاف في الشرائط المعتبرة في الرضاع المحرّم، فيحتمل أن

ص:154


1- . لاحظ القواعد: 3/29.

يكون الشاهد قد استند إلى اجتهاده، أو إلى تقليد من يخالف الحاكم في الرأي، إلّا إذا علمت موافقة مذهب الشاهد لمذهب الحاكم.

ولا يخلو هذا التعليل من علّة، إذ ليس الاختلاف في الرضاع بأكثر من الاختلاف في أحكام البيع والوقف والطلاق وغيرها، مع أنّهم لم يعتبروا التفصيل في الشهادة عليه.

أضف إليه أنّه قد اتّفقت كلمة الأصحاب في أكثر شرائط الرضاع، سوى العدد، والاختلاف فيه نزر يسير، ولا يوجب ذلك اعتبار التفصيل في الشهادة.

اللّهم إلّاأن يوجّه بجهل أكثر الناس بشرائط الحرمة في باب الرضاع، وهذا يوجب على الحاكم أن لا يقبل شهادتهم إلّابالتفصيل.

ألاترى أنّ أكثر الناس يزعم كفاية رضعة واحدة، أو رضعات قليلة في التحريم، سواء ارتوى أم لم يرتو، متواليةً كانت الرضعات أم لا، وسواء كان الرضاع في الحولين أم بعدهما.

فلأجل احتفاف الحرمة بالرضاع بشرائط متعدّدة يجهلها أكثر الناس، أو يصعب عليهم تعلّمها، يجب على الحاكم أن يستجوبهم حين الشهادة عن تفاصيل شهادتهم. وهذه وظيفة الحاكم، ومنه يعلم حكم إخبار الشاهد بالرضاع.

المسألة التاسعة: في شهادة المرأة بالرضاع.

المشهور قبول شهادة المرأة في الرضاع، وحكي ذلك عن كثير من الأصحاب، وخالف في ذلك ابنا إدريس وسعيد والشيخ والعلامة، لكن الأخيرين رجعا عن القول بعدم القبول في بعض كتبهما.

قال الشيخ في الخلاف: «قد قلنا إنّ شهادة النساء لا تقبل في الرضاع

ص:155

على وجه، لا منفردات، ولا مع الرجال، وانّما تقبل منفردات في الوصيّة والولادة والاستهلال والعيوب، ويحتاج إلى شهادة أربع منهنّ»(1).

وذكر ذلك، جازماً به في كتاب الشهادات(2).

واستدل على عدم القبول بقوله: «دليلنا إجماع الفرقة، ولأنّ ما اعتبرناه من العدد مجمعٌ على ثبوت الحكم به عند من قال بقبول شهادتهّن، وما نقص عن ذلك ليس عليه دليل»(3). ونحو ذلك في كتاب الشهادات مع إضافة «وأخبارهم».(4)

وذكر في المبسوط: انّ أصحابنا رووا أنّه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع(5).

ويلاحظ عليه: أوّلاً: أنّ الإجماع الّذي ادّعاه غير مفيد، لذهاب المشهور من الطائفة حتّى الشيخ نفسه في شهادات المبسوط إلى خلافه.

وثانياً: أنّ الرواية الّتي ادّعاها من أنّه «لا تقبل شهادة النساء في الرضاع أصلاً» غير موجودة في الأُصول المعتمدة. نعم جاء في مرسلة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة أرضعت غلاماً وجارية قال: «يعلم ذلك غيرها؟» قال: لا، فقال: «لا تصدّق إن لم يكن غيرها»(6) انتهى.

ص:156


1- . الخلاف: 4/107، المسألة 20 من كتاب الرضاع.
2- . الخلاف: 6/257، المسألة 9 من كتاب الشهادات.
3- . الخلاف: 4/107، المسألة 20 من كتاب الرضاع.
4- . الخلاف: 6/257، المسألة 9 من كتاب الشهادات.
5- . المبسوط: 8/175.
6- . الوسائل: 14/304، الباب 12 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.

ولكّنه لا يدلّ بوجه على عدم اعتبار قولها، بل غاية ما يدلّ عليه عدم اعتبار قول المرأة الواحدة إن لم يكن معها غيرها، بل هو بمفهومه على عكسه أدلّ.

هذا مع أنّ الرضاع عمل النساء، بل يمكن عدّه ممّا يعسر اطّلاع الرّجال عليه غالباً، فيقبل قولها عندئذ وإن قلنا بأنّ الأصل عدم قبول قولها إلّافيما يعسر اطّلاع الرجال عليه، فيدخل في قوله عليه السلام: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه»(1).

وأيضاً يشمله قوله عليه السلام في خبر داود بن سرحان: «أُجيز شهادة النساء في الغلام [الصبيّ] صاح أو لم يصحّ وفي كلّ شيء لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه»(2).

وصحيحة محمد بن الفضيل: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهن رجل...»(3).

إلى غير ذلك من العمومات، وكذلك النصوص الدالّة على قبول شهادتهنّ في خصوص العذرة والنفاس واستهلال المولود والعيوب(4)، المشتركة جميعاً مع الرضاع في تعسر اطّلاع الرجال عليه.

وأمّا عدد الشهود فالأصل في شهادة المرأة فيما تسمع شهادتها فيه قيام

ص:157


1- . الوسائل: 18/260، الباب 24 من كتاب الشهادات، الحديث 10.
2- . الوسائل: 18/261، الباب 24 من كتاب الشهادات، الحديث 12.
3- . الوسائل: 18/259، الباب 24 من كتاب الشهادات، الحديث 7.
4- . راجع فيما دل على قبول شهادة المرأة في البكارة والحيض والنفاس، المصدر السابق، الباب 24، الأحاديث 2 و 8 و 9 و 10 و 18 و 20 و 24 و 37 و 46 وغيرها. وراجع فيما دل على حجية قول المرأة في استهلال الصبي الباب 24، الأحاديث 6 و 12 و 23 و 38 و 41 و 45 وغيرها.

المرأتين مقام الرجل، فيشترط فيهنّ مع عدم الرجل كونهنّ أربعاً، إلّاما خرج بالدليل، ولم يدلّ دليل على خروج الرضاع عن هذا الأصل، وبه يقيّد مفهوم مرسلة ابن بكير المتقدّمة: «لا تصدّق إن لم يكن غيرها».

نعم روى أبو بصير عن الباقر عليه السلام: «تجوز شهادة امرأتين في استهلال»(1).

وروى الحلبي عنه عليه السلام وقد سأله عن شهادة القابلة؟ فقال: «تجوز شهادة الواحدة»(2).

ولكن لا يمكن قياس الرضاع عليهما للفرق الواضح بينهما.

وقد استثنى الأصحاب ميراث المستهل والوصيّة بالمال فأثبتوا بالواحدة ربع المشهود به، وهكذا، ولكن يفارقهما الرضاع حيث إنّه لا يقبل القسمة، هذا.

ومن الغريب ما حكي عن القاضي من عدم ثبوته إلّابالنساء(3)، ومثله المحكيّ عن التحرير من عدم ثبوته برجل وامرأتين(4)(5) مع تصريحه بثبوته بهنّ.(6)

ص:158


1- . الوسائل: 18/267، الباب 24 من كتاب الشهادات، الحديث 41.
2- . الوسائل: 18/268، الباب 24 من كتاب الشهادات، الحديث 46.
3- . لاحظ جواهر الكلام: 29/346.
4- . تحرير الأحكام: 3/458، المسألة 4987.
5- . أقول: قد يوجّه ما ذكراه، بأنّ هذا المورد ممّا يستلزم النظر إلى الثدي جزماً للشهادة على الرضاع مصّاً من الثدي، وهذا ممّا لا يجوز للرجل النظر إليه، ولو نظر فسق وسقط من العدالة، فلا تقبل شهادته. ولكن لا يخفى عدم كليّته، فقد يكون النظر اتّفاقياً، كما قد يكون النظر ممن يجوز له ذلك كالمحارم، ومعه فالقرابة - مع إطلاق الحكم - في محلّها.
6- . تحرير الأحكام: 5/268، المسألة 6663.

وكيف كان، فانّ قبول قول المرأة في الرضاع لما في النكاح من الأهميّة، لا يخلو عن احتياط.

وقد حكى السيّد في الناصريات عن أصحابنا: انّ شهادة النساء مقبولة على الانفراد وفي الولادة أيضاً(1).

واللّه سبحانه العالم. والحمد للّه رب العالمين.

قد وقع الفراغ من تبييض هذه الرسالة تقريراً لدرس شيخنا الأُستاذ - دام مجده - مع ما تيسّر من التعليقات القاصرة، بيد العبد المقصر حسن بن محمد مكي العاملي غفر اللّه له ولوالديه، ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك على مولودها آلاف تحيات الباري عزّوجلّ من شهور عام 1408 ه في بلدة «قمشة» مهد الحكماء، والفضلاء

والحمد للّه وحده سبحانه

ص:159


1- . الناصريات: 339، المسألة الستون والمائة.

ص:160

فهرس محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدّمة المؤلّف 5

مقدّمة الكتاب وفيها أُمور 6

الأمر الأوّل: في بيان الرضاع والنسب في اللغة 6

النسب في اللغة 7

الأمر الثاني: في أدلّة قاعدة «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» 8

الأمر الثالث: في بيان حقيقة الرضاع وعلقته 16

الأمر الرابع: في توضيح قاعدة: «يحرم من الرضاع ما يحرم من

النسب» 18

الأمر الخامس: في عدم شمول القاعدة للمصاهرة 20

الأمر السادس: 24

ص:161

الأمر السابع: في أنّه ليس للرضاع حقيقة شرعيّة ولا متشرعة 24

ما هو المرجع في الشبهات الحكميّة والموضوعية؟ 25

شرائط الرضاع 27

الشرط الأوّل: أن يكون اللبن عن نكاح صحيح أو ملك يمين 27

صور درّ اللّبن 29

حكم اللبن عن الوطء بالشبهة 31

حكم لبن الخنثى 33

حكم لبن الفجور 34

عدم اشتراط بقاء المرضعة في حبال الرجل 37

حكم تزوّج المرضعة رجلاً آخر 37

الشرط الثاني: كميّة الرضاع 38

التقادير الثلاثة لنشر الحرمة 44

1. التحديد بالأثر 44

2. التحديد بالعدد 56

3. التحديد بالمدة 67

مشكلة عدم الانعكاس بين المدّة وكلّ من العدد والأثر 71

فروع 73

ص:162

1. ما هو المقصود باليوم والليلة؟ 73

2. لو أطعم الرضيع في أثناء اليوم والليلة طعاماً آخر؟ 73

3. ما هو المعتبر في رضاع يوماً وليلة؟ 73

الشرط الثالث: كيفية الرضاع 74

الميزان في كمال الرّضعة 77

فرعان في كمال الرضعة 77

1. لو التقم الثدي ثم لفظه وعاود 77

2. لو منع قبل استكمال الرضعة لم يعتبر في العدد 78

فروع التوالي 79

الشرط الرابع: وقوع الرضاع فيما دون الحولين 85

هل يشترط الحولان في ولد المرضعة؟ 89

فروع تترتّب على ما مضى 91

الكلام في كون الشهور هلاليّةً أو عدديّةً 93

الكلام فيما إذا جهل التاريخ 95

الشرط الخامس: اتّحاد الفحل 96

وحدة الفحل في الروايات 100

الأوّل: مذهب العلّامة في قواعده وشارحها 104

ص:163

الثاني: مذهب الطبرسي 104

الكلام في شرطيّة وحدة الفحل في غير الرضيعين 106

الكلام في أحكام الرّضاع، وفيه مسائل 110

المسألة الأُولى: في مَن يحرم بالرضاع 110

المسألة الثانية: وفيها فروع ثلاثة: 116

1. كل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادةً ورضاعاً،

فإنّه يحرم على الرضيع 116

2. المنسوب إلى الأُم رضاعاً فقط لا يحرم على الرضيع 116

3. يحرم على المرتضع الأولاد النسبيّون والرضاعيّون لولد المرضعة النسبي 119

المسألة الثالثة: وفيها مقامان 120

1. هل ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعاً؟ 120

الكلام في عموم المنزلة لا بالمعنى المصطلح 122

2. هل ينكح أولاد أبي المرتضع الذين لم يرضعوا من

هذا اللبن؟ 125

القول في عموم المنزلة بالمعنى المصطلح عليه 128

ص:164

المسألة الرابعة: انّ الرضاع المحرّم كما يمنع عن النكاح سابقاً

يبطل النكاح لاحقاً 133

فروع خمسة: 137

1. إذا كان له زوجتان كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة

الصغيرة 137

القول في مهر الكبيرة والصغيرة 142

2. إذا كان له ثلاث زوجات: كبيرة وصغيرتين رضيعتين،

فأرضعتهما الكبيرة 144

3. إذا كان له ثلاث زوجات: كبيرتين وصغيرة رضيعة 145

4. لو طلّق زوجته بعد الدخول بها فأرضعت زوجته

الصغيرة 147

5. لو كان لرجل زوجة صغيرة ولآخر زوجة كبيرة 149

المسألة الخامسة: إذا تزوّجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت 149

المسألة السادسة: لو زوّج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم

أرضعت جدتهما أحدَهما 150

المسألة السابعة: إذا اعترف بأنّ هذه المرأة أُختي أو بنتي من

الرضاعة 151

ص:165

المسألة الثامنة: في كيفية الشهادة على الرضاع 154

المسألة التاسعة: في شهادة المرأة بالرضاع 155

فهرس المحتويات 265

ص:166

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.