اسم الكتاب.....دروس قرآنيّة فى تزكية النفس وتكاملها
المؤلّف...عبدالكريم الحسيني القزويني
الطبعة.....الثالثة - 1439 ه.ق - 2018م
الكمية.....2000
المطبعة .....گل وردي
الناشر........مؤسسة السيدة معصومة
الترقيم الدولي.........7-225-984-964-978
جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
موقع المؤلّف
http://www.qazvini.org
ص: 1
دروس قرآنيّة
فى تزكية النفس وتكاملها
ص: 2
دروس قرآنيّة
في تزكية النفس وتكاملها
عبدالكريم الحسيني القزويني
ص: 3
تبّرع
بطبع هذا الكتاب من خيرات المرحوم
علي حسن الفاضلاني
ورحم الله من قرأ له الفاتحة
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وآله الطيّبين الطاهرين
ص: 5
ص: 6
السير نحو التقدّم والتكامل في كلّ نواحي الحياة أمر عقلاً وشرعاً، فالطالب في دراسته يسعى إلى الرقي والتقدّم والتاجر في تجارته يسعى لهذا الهدف، وكذا الزارع والموظّف والإداري، وهكذا كلّ العقلاء على مختلف مستوياتهم ينشدون ويسعون نحو تحقيق هذا الهدف.
فالإنسان المؤمن هو أيضاً يتطلّع لهذا الأمل، ويسعى التحقيقه والوصول إليه؛ لأنّه كلّما اقترب الإنسان من الله ابتعد عن الشيطان، فإذا اقترب الإنسان من الله 50% أو 80% أو 100٪ ابتعد اوتوماتيكاً عن الشيطان بهذه النسبة وهكذا العكس، فكلّما اقترب الإنسان من الشيطان 50% أو 80% أو %100 يبتعد عن الله بمثل ما اقترب من الشيطان.
والإنسان المقترب من الله تصبح لديه خشية من الله في قلبه ، وفي هذه الحالة تنعدم عنده المعصية والجريمة، ويصبح
ص: 7
ملاكاً طهوراً على وجه الأرض.
وهذا الكتاب هو دروس ومحاضرات قرآنيّة سبق أن ألقيتها على أبنائنا وطلابنا في مراحل زمنيّة متعدّدة، فأحببت أن أجمعها وأضمّها في كتاب واحد، حتّى يعطي ثماره ونتاجه، وهو دراسة مختصرة بأُسلوب سلس يفهمه عامّة الناس لتقرّبهم إلى الله تعالى وتبعدهم عن الشيطان، فإنّه كفيل بإيصال الناس إلى خالقهم وارتباطهم به، ومن هذا المنطلق نحن على أتمّ الاستعداد للإجابة على أسئلة القرّاء الكرام عن طريق الفاكس أو البريد الالكتروني:
WWW.qazvini.org
عبد الكريم الحسيني القزويني
ص: 8
-1-
المدارس
فى تزكية النفس وتكاملها
ص: 9
الإسلام دين التربية لخلق الإنسان المؤمن على وجه الأرض؛ لأنّه يريده أن يكون خليفةً في الأرض، فلابدّ للمؤمنين به والمعتقدين بشريعته أن يكونوا على المستوى المطلوب الذي يريده لهم الإسلام، والإنسان الذي يطلبه ويريده الإسلام هو أن يكون له شخصيّة إسلاميّة ذات طابع تميّزه عن غيره من الشخصيّات؛ وذلك لا يكون إلّا إذا فهم الإنسان المسلم الحياة والمدارس التي تنظر إليها والنظريات التي تؤمن بها، ولاسيما النظريّة الإسلاميّة؛ حتّى يتّخذ الموقف السليم منها، ونحن نبحث باختصار هذه المدارس ونظريّاتها، ونقتصر على ما يلى
1 - النظريّة الماديّة.
2 - النظريّة الصوفيّة.
3- النظريّة الإسلاميّة.
ص: 10
وسوف نشرح باختصار وإيجاز هذه النظريّات الثلاث:
تعتمد النظريّة الماديّة في نظرتها على المادّة والماديّات وترفض كلّ ما هو خارج عن هذا المفهوم؛ لأنّها لا ترى غير هذه الحياة حياة أُخرى، ولا تؤمن بما وراء الحواس والتجربة والميتافيزيقيا.
هناك نقاط الضعف وجّهت لهذه النظريّة، وهي كما يلي:
1 - إنّها في نظرتها قاصرة؛ لأنّها لا تتعدّى حواسّها في أنّ كثيراً من الأُمور لا تخضع للتجربة كالعقل، فهل يمكن لنا إنكاره مثلاً ؟
2 - إنّ كثيراً من الأُمور لم تكتشف بعد، من قبيل الكثير من الكواكب والنجوم والكثير من المكروبات وبكتيريات لا يزال العقل الإنسانى لم يتوصّل إليها ولم يكتشف وجودها، كما أنّه لم تستطع تجربة الإنسان وحواسه أن تكتشف الكثير
ص: 11
من القضايا إلّا بعد تطوّر العلم ووسائله، فهل يمكن لأصحاب هذه النظريّة إنكارها لأنّ الإنسان قبل عشرات السنين لم يتوصّل إلى اكتشافها؟ مع العلم إنّها كانت موجودة ولم تكن آنذاك خاضعة لحواس الإنسان ولا لتجربته، ولكن بتطوّر العلم ووسائله استطاع أن يكتشف كثيراً من غوامض الحياة وقد يكتشف في المستقبل كثيراً من مخفيات العلم التي لم تكتشف حتّى الآن.
3 - إنّ ضيق الأُفق والقصور الفكري لأصحاب هذه النظريّة يمكن تمثيله بالجنين الذي في بطن أُمّه؛ لأنّه لا ولا يمكن أن يتصوّر عالماً غير عالمه ولا محيطاً أكبر من محيطه؛ لأنّ فكره الضيّق القاصر لا يمكن له أن يتصوّر وجوداً أوسع من وجوده ولا عالماً أكبر من عالمه، ومثاله: الإنسان الذي يؤمن بالمَثَل المشهور: « ما وراء آبادان قرية »
. لأنّ فكره قاصر محدود فى عالم حواسّه، بينما هناك عالم أكبر وأوسع من حواسه وتفكّره.
4 - القرآن الكريم وصف أصحاب هذه النظريّة في آیات متعدّدة وصفاً دقيقاً يكشف عن قصورهم الفكري وخمولهم
ص: 12
الذهني ونظرتهم الضيّقة وأُفقهم القاصر.
وإليك الآيات في حقهم وبيان معتقدهم وأُفقهم وهي:
(إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)(1) .
وعبّر أيضاً عن رأيهم بهذه الآية:
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)(2) .
وعبّر القرآن الكريم أيضاً عن أصحاب هذه النظريّة بقوله تعالی:
(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(3) .
كما وصف الله هذا الصنف بقوله: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)(4).
ص: 13
العرفان والتصوّف من المعارف الإسلاميّة التي ينبغي للإنسان المؤمن التحلّي والتخلّق بها، ولكن بشكله الصحيح الذي كان عليه الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم وصحابته المتّقون والأئمّة من آله المعصومين علیهم السّلام، هذا ما نفهمه من التصوّف الحقيقي.
وأمّا التصوّف الذي اتّخذ أشكالاً وأبعاداً وطقوساً جعلت معظم المتصوّفة يتّخذون طرقاً ملتوية وأساليباً مشوّهة، ممّا جعلهم ينظرون إلى الحياة نظرة سلبيّة معيّنة حتّى خيّل لبعضهم أنّ التصوّف معناه رفض الحياة والابتعاد عن ملذّاتها وزينتها، فهذا التصوّر بعيد كلّ البعد عن التصوّف الحقيقي الذي شوّه معناه وأسيء، فهمه واُدخل فيه ممّا ليس من حقيقته ومعناه، ممّا جعل الدروشة أساساً لمفهومه، واتّخذ أشكالاً معيّنة وهياكل مميّزة للإنسان الصوفي في نظرهم، وهذا المفهوم الخاطئ عن التصوّف ونظرته للحياة ممّا يصطدم بالإسلام من نقاط عديدة:
1 - الإسلام يرفض الرهبنة والرهبانيّة بقوله تعالى:
ص: 14
(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)(1).
2 - إنّ بعض الأشكال والأساليب التي اتّخذت شعاراً للتصوّف حتّى أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من التعبّد الصوفى ممّا ينطبق عليه عنوان البدعة، والبدعة في الإسلام منهيّ عنها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
«کلّ بدعة ضلال وكلّ مبتدع ضال وشرّ الأُمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار»(2).
إلى آخر ما جاء من النهي في هذا الباب من الأحاديث.
3-الإسلام نظرته للحياة نظرة إيجابيّة، فهو يرفض كلّ عمل يسيء الفهم للحياة ومتطلّباتها؛ ولهذا نرى القرآن الكريم يندّد بأُولئك الذين يرفضون الحياة ويتّخذون السلبيّة للحياة شعاراً لهم، فقد قال الله تعالى:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)(3) .
ص: 15
4 - إنّ النبي صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام وكذا الخلّص من أصحابه لم نرَهم يتّخذون طقوساً معيّنة وأعمالاً يقومون بها فى تعبّدهم، كما هي عليه بعض الأعراف الصوفيّة التي قد اتّخذت كلّ طريقة لها طقساً وشكلاً خاصّاً، حتّى لا يمكن للإنسان الصوفي المنتمي للطريقة أن يقوم من دون ممارسة الطقس الخاصّ بها، وإنّ بعضهم التزم بالطريقة وترك الشريعة .
الإسلام يعتبر الحياة مرحلة تمهيديّة للآخرة؛ ولهذا لا يقف منها موقفاً سلبياً واعتبرها مزرعة للآخرة، وقد روى عن الإمام الحسن بن علي علیهما السلام في وصيّته لجنادة قائلاً له:
«إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»(1) .
فالمفروض بالإنسان المسلم والمؤمن أن يعمل في هذه
ص: 16
الدنيا عملاً إيجابيّاً مثبتاً ومحكماً يؤتي ثماره كلّ حين، ويجدّ ويجتهد في إعمار الأرض وإصلاحها لأنّه خليفة الله فى الأرض والله يريد من عباده التقوى والعمل الصالح، فقد قال تعالى:
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(1).
فالإسلام لا يتنكّر لهذه الدنيا وملذّاتها؛ بل يحثّ على إعمارها وتحصيل ملذّاتها بطرق مشروعة، ولكن بشرط أن لا يكون الإنسان أسيراً لها وأسيراً لشهواتها ونزواتها، فالدنيا جب أن لا تملكه بل هو يملك ا ويتصرّف فيها تصرّف المالك لها، ويستفيد من خيراتها فيخرج الواجب منها ويتجنّب المحرّم فيها. وقد عبّر عن هذا المعنى أمير المؤمنين علیه السّلام بقوله:
«ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شيء »(2) .
ص: 17
فالزهد والتصوّف في الإسلام ليس معناه أن لا تسكن قصراً مشيّداً، وليس معناه أيضاً أن لا تلبس لباساً نظيفاً ولا أن لا تركب سيّارة ضخمة وفخمة، والإسلام يقول لك اسكن ما شئت وألبس ما شئت واركب ما شئت شرط أن لا تكون أسيراً لها وهي لا تتصرّف بك كيف تشاء من الحرام؛ بل أنت المالك لها تتصرّف فيها تصرّف المالك، وفي نهج البلاغة نصّ يوضّح هذا المعنى الإيجابي للحياة ومتطلّباتا، وذلك لمّا دخل الإمام أمير المؤمنين علیهالسّلام على أحد أصحابه وهو علاء بن زياد الحارثي يعوده في مرضه بالبصرة فلمّا رأى سعة داره قال له:
«ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج بلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فاذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زیاد، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال: عليّ به، فلمّا جاء قال:
ص: 18
يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك وولدك أترى الله أحلّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك.
قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك !
قال: ويحك إنّي لست كأنت إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره »(1) .
ص: 19
ص: 20
-2 -
كيف نبتعد عن المعصية ؟
ص: 21
ص: 22
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد أنبيائه وخاتم رسله سيّدنا وجدّنا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وعلى آله الأئمّة القادة الميامين.
أخى القارئ:
ظهرت فى الآونة الأخيرة على بعض مجتمعاتنا واجتماعاتنا بعض التسامحات اللّا أخلاقية من الغيبة والنميمة والافتراء من بعضنا على البعض من دون مخافة وتورّع وتدقيق، وهذا ممّا يسبّب لنا أمراضاً نفسيّة وأزمة أخلاقيّة في قلوبنا، فتكون عشّاً لعناكب الشياطين وأقوال المفرّقين وطعمة للطامعين والمغرضين.
1 - عدم التزوّد بالعلم النافع المؤثّر في الفكر والعمل.
ص: 23
2 - عدم معرفة المعصية وتشخيص الذنب، ممّا يسبّب ارتكابها.
3 - الاستهانة بالذنوب الصغيرة والإصرار على ارتكابها وتقليل خطرها في النفس، وهذا ممّا يؤدّي بالإنسان لاستعمال المعاصي وارتكاب الذنوب.
4 - الابتعاد عن الله تعالى وكلّما ابتعد الإنسان عن الله ولج في الذنوب ووقع في المعاصي.
5 - القرب من الشيطان ، وكلّما قرب الإنسان من الشيطان ابتعد عن الله وهانت عليه المعاصى وارتكب الجرائم.
هذه بعض العوامل اليسيرة من الأمراض المعدية التي توقع الإنسان في المعاصي وارتكاب الذنوب، فإذا أراد الإنسان أن يتحرّر من قيودها وآثامها والتخلّص منها فلابد له من المبادرة للعلاج واستئصال هذه الغدد الشيطانيّة المتمركزة في
النفس، وأمّا طريقة علاجها فيما يلي:
أ - التزوّد بالعلم النافع المفيد لنموّ فكر الإنسان وزيادة
ص: 24
وعيه ومعلوماته .
ب - الاجتناب عن الذنوب الصغيرة ومعرفة خطورتها لأنّها تؤدّي بالإنسان إلى ارتكاب الذنوب والكبائر، لأنّ الإصرار على الصغائر يؤدّي إلى ارتكاب الكبائر، ومن المعلوم أنّ الإصرار على المعصية يُعدّ من الكبائر أيضاً، فإذا اجتنب الإنسان عن الصغائر ابتعد عن الكبائر.
ج: الابتعاد عن الشيطان وحبائله، فإنّه يُبعد الإنسان عن المعصية والذنب ويقرّبه من الله تعالى.
د - القرب من الله تعالى، لأنّ الإنسان إذا اقترب من الله ابتعد أُتوماتيكيّاً عن الشيطان ومعاصيه ووسائله، والابتعاد عن الشيطان هو بالملازمة يكون قريباً من الله، والقريب من الله يبتعد عن المعاصى ويفرّ من الذنوب، وكلّما ازداد الإنسان قرباً من الله ابتعد عن المعصية.
ه- - الوعي والتعقّل: فالانسان الواعي والعاقل هو الذي يفكر بالعواقب ويتجنّب سخط الله وغضبه؛ لأنّ الدنيا كما يقول مولانا أمير المؤمنين علیه السّلام :
إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من
ص: 25
ممرّكم لمقرّكم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم »(1) .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه صَلَّى اللهُ مرّ بمجنون فقال: «ماله ؟
فقيل : إنّه مجنون.
فقال صلی الله علیه وآله وسلم له: بل هو مصاب وإنّما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة »(2).
فالإنسان العاقل هو الذي يتجنّب المعاصي ويبتعد عن الذنوب؛ لأنّ عقله يصونه من هذه المآثم والجرائم.
وعلى هذا فقد سئل النبي صلی الله علیه وآله وسلم: ما العقل يا رسول الله؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم:
«العمل بطاعة الله وأنّ العمّال بطاعة الله هم العقلاء »(3).
ولقد أجاد وأشاد الشاعر بقوله :
صائن العقل يصان ولقد ضاع مضيّعه
مشرق العقل مضيء ساطع النور سطيعه
ص: 26
حصن ذي العقل حصين في ذرى العزّ منيعه
فاز بالطوبي من العقل إلى الله شفیعه
بارك الله على العقل ونجى من يطيعه
وبقراءة هذه الوريقات القليلة سوف تتّضح لنا هذه الأمراض الروحيّة وكيفيّة علاجها وطرق وقايتها والتخلّص منها نهائيّاً، وتكون فيها الإجابة الوافية المختصرة على هذا السؤال وهو: كيف نستطيع أن نبتعد عن المعصية؟ وكيف نتخلّص منها ؟ وما هى الوسائل التي نتّكيء ونعتمد عليها في هروبنا من المعصية وفرارها من الذنب؟
وبالأخير: عصمنا الله بالتقوى وجعل الآخرة خيراً لنا ولكم من الأولى.
الإنسان العاقل الرشيد الذي يحبّ الخير لنفسه ولمستقبله لابدّ أن يتصدّى لعلاج مرضه وستر عيوبه وسدّ نقصه كما يبادر المريض لعلاج نفسه بالذهاب إلى الطبيب المختصّ إذا أراد لنفسه الشفاء، فكذلك ينبغي للإنسان أن يحتاط لآخرته
ص: 27
التي لابدّ من الورود عليها والوقوف عندها، كما قال مولانا علیه السّلام:
إنّما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممرّكم لمقرّكم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم»(1).
والإنسان العاقل هو الذي يتجنّب الأشياء التي تضر بصحته وتضرّ بدنياه، فكذلك ينبغي عليه الاحتراز لآخرته والابتعاد عن المعاصي والذنوب وخصوصاً إذا علم بأنّ هناك رقابة إلهيّة تحصي عليه أنفاسه وأقواله وأعماله في السر والعلانية في الليل والنهار وفي السفر والحضر، وكيف لا تكون هذه الرقابة الإلهيّة معنا وهي تستمد قوتها وطاقتها من الله العلي القدير، ويمكن حصر وتصوير هذه الرقابة الإلهيّة بما يلي:
الإنسان استطاع أن يخترع مسجّلة تسجّل أقواله وتضبط
ص: 28
مقاله فكيف بخالق الإنسان، فإنّ الله العلي القدير جعل مع كلّ إنسان مسجّلة تسجّل جميع أقواله من بداية انتباهه من النوم وخروجه إلى أعماله الحياتيّة إلى حين استلام فراش نومه، فهي مع الإنسان في سرّه وعلنه في ليله ونهاره وفي حضره وسفره تحصى وتسجّل عليه أقواله وتستمد قوتها وديمومتها من بطاريات ربّانيّة لا نفاذ لها، والقرآن يحدّثنا عن هذه الرقابة بقوله تعالى:
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(1)
فإنّ الله سبحانه وتعالى يأمر ملائكته الموكّلين بالإنسان بتشغيل وتسجيل هذه المسجّلة الربّانيّة، فإذا حوسب يوم القيامة وعوتب: لِمَ استغبت مؤمناً؟ ولِمُ افتريت؟ ولِمُ قلت المقالة الفلانيّة؟ وأنكر الإنسان قوله ومقالته، يأمر الله ملائكته أن يأتوا بهذا المسجّل ليستمع شريط مقالته بنفسه، فإذا علم الإنسان العاقل بهذه الرقابة الإلهيّة فإنّه يبتعد عن الجريمة ويتجنّب الذنب ويفرّ من المعصية.
ص: 29
الإنسان محاط بهذه الرقابة الإلهيّة التي من وظائفها فتح أعماله، وهذا الملف اليومي يكون مع الإنسان في جميع مراحل ليله ونهاره، سرّه وعلانيته، ويستمدّ قوّته وطاقته من الربّ العلي القدير، وقد صوّر القرآن هذه الرقابة بقوله:
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(1)
( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (2)
فإذا قيل للإنسان : لماذا سرقت مالاً ؟ لماذا زنيت؟ لماذا شربت خمراً ؟ لماذا تجسّست على المسلمين؟ لماذا لا تؤدّي
ص: 30
دَينك الذي بذمتّك؟ فيتصدّى المجرم للإنكار ويقول: ربّي لم أفعل، فيأمر الله الملائكة الموكّلين به أن يأتوا بالملف ليقرأ أعماله بنفسه، فإذا رأى جرمه وجريمته طأطأ برأسه نحو الأرض خجلاً من الله العلى القدير، وهذا القرآن يحدّثنا
بقوله:
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)(1) .
فإذا عرف الإنسان العاقل وجود هذه الرقابة امتنع عن الولوج في المعصية والوقوع فيها.
وهذه الرقابة الثالثة تصوّر جميع أفعال الإنسان وأعماله على شكل عينيّات مصوّرة وهي تحيط بالإنسان في كلّ مراحل حياته؛ الفرديّة والاجتماعية العلنية والسريّة، في
ص: 31
الليل والنهار وتستمدّ طاقتها وقوّتها من العلي القدير التي لا نفاد لها، فهي تصوّر جميع تصرّفاته وأعماله على شكل فلم مصوّر لا يغادر من عمل الإنسان صغيرة ولا كبيرة إلّا سجّلها وأحصاها تصويراً دقيقاً فإذا قيل للإنسان لماذا عملت المنكر؟ ولماذا شرب الخمرة؟ ولماذا لعبت قماراً؟ ولماذا زنیت؟ ولماذا غصبت مالاً؟ وإلى آخره فيدافع عن نفسه بقوله:
إلهي، إنّي لم أفعل
فيأمر الله الملائكة المحدقين به والموكّلين عليه أن يأتوا بالعينيّات المصوّرة له والفلم الذي ألمّ بتصرّفاته تصويراً دقيقاً فيعرض عليه، فيرى أعماله بنفسه مجسّدة ،ومصوّرة، وقد وضّح لنا القرآن الكريم هذا المعنى بقوله:
(وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (1).
فالمرويّ عن الأئمة علیهم السلام حاضراً؛ أي: مجسّداً ومصوّراً لجميع أعمال الإنسان وأفعاله .
ص: 32
ويقول أيضاً:
(هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(1).
وقال تعالى أيضاً:
(يَوْمَ تَجِدُ كُلِّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ )(2)
وهذا اللون من الرقابة الإلهيّة لا يمكن للإنسان أن يتهرّب عن الجريمة والإعتراف بذنبه وجريرته؛ لأنّ أعضاءه من يده ورجله وعينيه وسائر جوارحه التي مارس بها المعصية وارتكب بها الجريمة، فهى تبادر للإعتراف عليه والشهادة بجرمه وجريرته إذا أنكر جرمه ومعصيته، فإذا قيل له: لماذا سرقت؟ فأنكرها، إنبرت يده تشهد عليه بالسرقة، وإذا قيل له: لماذا ذهبت إلى المكان الذي يحرّم الذهاب إليه؟ فإذا
ص: 33
أنكر ذلك تصدّت قدماه لتكذيبه والشهادة عليه، وإذا نظرت عيناه إلى ما هو محرّم وأنكر ذلك ! فتبادر عيناه للشهادة عليه ولإثبات جريمته، وهكذا أذنه لو سمعت غيبة أو نميمة فإنّها تشهد عليه، وهكذا بقيّة جوارحه وأعضائه، والقرآن الكريم
يحدّثنا بآياته عن هذا المعنى بقوله:
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(1).
وهناك آيات أُخرى تدلّ وتوضح هذا المعنى من قبيل قوله تعالى:
(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلَّسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(2) .
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(3) .
(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ
ص: 34
وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ )(1).
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرجَعُونَ)(2).
يوم القيامة يحصل التحوّل الكبير في المفاهيم والمعاني وتتغيّر الأوضاع تغيّراً كليّاً، فإذا بالأرض الجامدة التي - لا يمكن وصفها بالنطق والتعقّل - تنطق يوم القيامة وتشهد وتحدّث وتخبر عمّا جرى عليها من أعمال وأفعال وجرائم و معاصي، فإذا أنكر الإنسان العاصي ذنبه وتنكر لكلّ ما قيل حقه فإذا بالأرض تشهد عليه بما ارتكب من ذنبه ومعصية على ظهرها، والقرآن ينبّه الإنسان بهذا المعنى بقوله تعالى:
(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا
ص: 35
*وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)(1).
هذه بعض الرقابات الالهيّة التي تحيط بالانسان وتحصي عليه ما ارتكب من معصية وما فعل من ذنب، فإذا شعر الإنسان بهذه الرقابة التي تحصى عليه أعماله وإذا علم بما يحيط به وما يسجّل عليه، فعندها يفرّ من المعصية ويبتعد عن الذنب ويتجنّب كلّ جريمة وفعل قبيح، وبهذا ينجو من الولوج في المعاصي ومن الوقوع في المهالك، وقد قال مولانا أمير المؤمنين علي ععلیه السّلام :
«إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممرّكم لمقرّكم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم»(2).
فاذا علم الانسان بهذه الرقابات الالهيّة التي تحيط به وتحصي وتسجّل عليه أعماله وأنفاسه فعندئذ تسمو نفسه وتزكو أعماله وتصرّفاته.
ص: 36
-3 -
عوامل تقوية الإيمان
ص: 37
ص: 38
الإيمان بحاجة إلى التغذية والتكامل كاحتياج جسم الإنسان إلى التغذية، وكلّما كانت تغذية الجسم سليمة ومستمرّة، يزداد قوة وفعّاليّة، فكذلك الإيمان بحاجة ماّسة إلى التغذية والتكامل والتغذية الإيمانية تختلف عن تغذية الجسم؛ لأنّه يعيش على التغذية المعنويّة والإنسان العاقل الرشيد هو الذي يسعى لتكامل إيمانه وتقويته، كما التقوية جسمه وأمور معاشه وحياته، ولهذا نرى الأنبياء والأوصياء والأئمة والصالحين يسعون لكمال إيمانهم وتقويته مع أنّهم في قمّة الإيمان، ويتضّح لنا ذلك من مناجاتهم وابتهالاتهم، فكيف بالإنسان العادي فإنّه أحوج ما يكون إلى التغذية الإيمانيّة من غيره.
ص: 39
عوامل التقوية الإيمانية كثيرة نذكرها بإيجاز واختصار وهي كما يلي:
فأمّا الوعي الفكري، ونعني به أنّ الإنسان لابدّ له من أن يكون ملمّاً ومطّلعاً على مبادئ فكره وإيمانه وواعياً لها ويتحقّق ذلك بأمرين:
أ - التثقيف الذاتي: وهو أن يجعل له منهجاً في تثقيف نفسه عن طريق مطالعة الكتب الكثيرة التي تفيده في زيادة إيمانه وفكره، والتزود من مفاهيم مبدئه وعقيدته، والإطلّاع على الأفكار والمبادئ الوافدة على مجتمعه وعقيدته، فأمّا الكتب التي تفيده في هذا المجال، من أمثال كتب المرجع الشهيد الصدر رحمة الله وكتب العلّامة الشهيد المطهّري رحمة الله وغيرهما من الكتب النافعة التي تعطيه مناعة من الضياع الفكري والانحراف العقائدي.
ب - التثقيف الجمعي: وهو ما يستفيده الانسان من الدرس
ص: 40
والتدريس اليومي في شكل صفوف أو حلقات تدريس أو الاستماع إلى محاضرات الأساتذة والخطباء.
وبهذا يحصل هذا اللقاح الاثنيني، فيتحقّق العامل الأوّل للوعي الفكري، ويستطيع الإنسان أن يميّز به الفكر الأصيل من الفكر الدخيل، وبه ينجو من فتن الأهواء وشبهات المضلّين والمغرضين، وبذلك تكون له الحصانة على فكره من الضلال والانحراف.
وهو مضادّ ومقابل للوعي الفكري، وعن طريقه يكون الإنحراف والضلال فكلّ المضاعفات والانحرافات ناشئة من هذا الغباء الفكري.
وقد ابتلى العالم الإسلامى بهذا اللون من الغباء في جميع مراحل تاریخه، ممّا سبّب له الويلات والحروب الداخليّة؛ نتيجة هذا الغباء، كما حدث ذلك في سنة 61 هجري حيث قتل الإمام الحسين علیه السّلام، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبطه الداعى لله ولرسوله وللإسلام، أليس هو القائل في بداية إعلان ثورته:
ص: 41
ألا وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ... »(1).
ونتيجة عدم وجود الوعي الفكري، وتمتّع الأكثريّة بهذا الغباء الفكرى الذى عبّر عنه القرآن الكريم بقوله:
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(2).
وحيث إنّهم لا يميّزوا بين من يدعو الله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كالإمام الحسين علیه السّلام، وبين من يدعو للفسق والفجور، كيزيد بن معاوية.
وقد عبّر عن هذا المعنى السبط الشهيد ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حينما طلب منه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - أمير المدينة - مبايعة يزيد فقال علیه السّلام:
ص: 42
«أيّها الأمير! إنا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة، معلن للفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة »(1).
فشروط أهليّة الخلافة والقيادة متوفّرة في الحسين علیه السّلام، وشروط الإنحراف وعدم الاهلية والفسق والفجور متوفّرة في يزيد، ومع ذلك، نجد الكثيرين في ذلك اليوم، حتّى يومنا هذا، لا يفرّقون بين الحقّ والباطل فيناصرون الباطل ويخذلون الحقّ لوجود هذا الغباء الفكري بينهم، وقد وصفهم أمير المؤمنين علیه السّلام بقوله:
«وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستظيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق »(2).
ص: 43
ونعني به أنّ الإنسان المسلم لابدّ له من أن يكون ملمّاً بقضايا السياسة وما يجري في الساحة من شعارات سياسيّة، حتّى لا يقع في انحرافاتها وضلالاتها الإعلاميّة، وهذا الجانب مهمّ واستراتيجى بالنسبة للإنسان المسلم، لأنّه إذا رفع شعار سياسي بالساحة، يستطيع بوعيه السياسي يعرف مغزى هذا الشعار وهدفه وغايته .
ويتحقّق هذا الوعى بالنقاط التالية:
1 - حضور الإنسان المسلم الساحة السياسية
2 - دراسة الظاهرة السياسية ومورد انبعاثها وأسباب ظهورها.
3 - مطالعة الكتب والمجلّات والجرائد التي تعني بالسياسة.
4 - استنتاج الحدث السياسي والاستفادة من إيجابيّاته وترك سلبيّاته .
ص: 44
5- دراسة حياة الشخصيّات السياسية في العالم ومواطن القوّة والضعف في حياتهم.
وهناك مواضع أُخرى تبحث في هذا الجانب، فالإنسان المسلم الواعي يستطيع أن يستفيد من هذه النقاط ويضيف عليها، وأذكر حادثاً قبل الانقلاب الإسلامي في إيران حينما كان المرحوم القائد السيّد الإمام الخميني قدس سرة في العراق كان الكثير من طلّابه وتلاميذه يجمعون له المجلّات والصحف ويقتطفون منها الحوادث السياسيّة المهمّة ويعرضونها على سماحته للاطّلاع عليها ومن ثمّ دراستها وإعطاء الرأي السياسي وموقف الإسلام منه، فالإمام قدس سرة من أسباب نجاحه وقف اطّلاعه الواسع على السياسة العالميّة وبثّ روح الوعي لدى أفراد الأُمّة بما يجري في الساحة الإيرانيّة وغيرها، ولهذا السبب أوجدت الثورة تياراً سياسيّاً واعياً ممّا زاد في وعي حول القضايا السياسيّة الراهنة واتّخاذ موقف صلب منها بعد أن كانت الشعوب تقدّم القرابين والضحايا من أبنائها ورجالها، ولكن في طريق نجاحها تسرق الثورة منها من قبل الاستعمار وشياطينه وعملائه وتنحرف عن مسيرتها ولكن
ص: 45
بفضل الوعي السياسي للأُمّة وفهمها سدّت المنافذ على الاستعمار وعملائه وانتصرت الثورة بقيادة الإمام الخميني قدس سرة.
هو الداء العضال والمصيبة الكبرى إذا ابتليت الأُمّة به؛ لأنّه يجرّ الويلات والمشاكل والفتن إذا تفشى في صفوف المجتمع وعن طريقه يتوصّل شياطين الأُمّة وأشرارها إلى دقّة الحكم ومن ثمّ إخضاعه إلى العمالة والتبعيّة للأجنبي، وهذا ما حدث في تاريخنا الإسلامي القديم والحديث حيث رجال الإصلاح والإيمان عانوا من هذا الداء الغبائى الكثير من الصعاب والمشاكل، فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام وهو رمز الإيمان الذي عبّر عنه النبيّ الكريم صلی الله علیه آله وسلم حينما برز إليه عمرو بن عبدودّ العامرى بقوله:
«برز الإيمان كله إلى الشرك كلّه»(1) .
تقوم في وجهه ثلاثة حروب رئيسيّة في المدّة القصيرة من
ص: 46
استلامه للحكم الظاهري، وهي أربع سنوات وستّة أشهر، والحروب هي:
1 - حرب الجمل بقيادة عائشة وطلحة والزبير.
2 - حرب صفّين بقيادة معاوية.
3 - حرب الخوارج.
والنتيجة أنّ مرض الغباء السياسي المتفشّي بين الأُمّة هو الذي كلّف الإسلام والمسلمين الصعاب والمشاكل والحروب أمام القيادة الإسلاميّة الصالحة وتأخيرها عن الحكم.
وقد عبّر الإمام علي علیه السّلام عن هذا المعنى في بعض خطبه بقوله:
«وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها.
ص: 47
ثم تمثل بقول الأعشى
شتان ما يومي على كورها و يوم حيان أخي جابر
فصيّرها في ناحية خشناء يجفو مسها ويغمض كلمُها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله فجعلها شورى في جماعة زعم أنّي أحدهم فيا الله وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكنّي أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصبرت على طول المحنة وانقضاء المدة فمال رجل منهم لضغنه وصغى الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه
ص: 48
فتله وكبت به بطنته»(1).
ε9.....
هذا في التاريخ الماضي، وأمّا في تاريخنا الحاضر فالغباء السياسي له سهم كبير في إنحراف الثورات والإنقلابات الإسلاميّة التي حدثت في عصرنا الحاضر ومن ثمّ سرقت وانحرفت عن مسيرها الإسلامي كما حدث في العراق في ثورة العشرين وفي الجزائر وتونس ومراكش وليبيا ومصر، فقد طرد الاستعمار بفتوى العلماء ودماء الأُلوف من المجاهدين من أبناء الإسلام وبأموال رجاله ولكن بسبب تغشّي هذا المرض وهو الغباء السياسي، سرقت هذه الثورات والإنقلابات لصالح الأنظمة الغربيّة والشرقيّة من رأسماليّة
واشتراكيّة كما هو الواقع في عالمنا المعاصر.
وفي ظرفنا الحالي نرى الغباء السياسي والاجتماعي كيف يتجلّى فى أعمال هذه الجماعات الارهابيّة والتكفيريّة والأفكار المنحرفة التي تنادي بها باسم الإسلام ولكنّها بأعمالها هذه ضربت الحركة والعمل الإسلامي الأصيل
ص: 49
الهادف في الصميم، وشوّهت سمعته في الداخل والخارج وأخّرته في كثير من البلدان في استلام الحكم؛ لأنّ هذه الحركات التكفيريّة والسلفيّة وغيرها أصبحت مطيّة بيد الاستعمار لضرب الإسلام وتشويه سمعته، وهي مؤامرة استعماريّة لتأخير المسيرة الإسلاميّة في داخل العالم الإسلامى وخارجه، وذلك لمّا رأى الاستعمار وعملاؤه والصهيونيّة وأتباعها أنّ الإسلام في النصف الأخير من القرن الماضي، قد انتشر انتشاراً غير طبيعي في امريكا وأوربا وأصبح الديانة الثانية فلو بقي الإسلام على هذا الحال لمدّة خمسين سنة الآتية يمكن أن يصبح الإسلام هو الديانة الأولى، ففكّروا كيف يوقفوا هذا الزحف الإسلامي ويحدّوا من تقدّمه فتوصّلوا إلى أن يخلقوا جماعة باسم الإسلام تقوم بأعمال إرهابيّة من قتل الأبرياء في السيارات المفخّخة والعبوات المتفجّرة في الأماكن العامّة من المساجد والحسينيّات والشوارع والأسواق والمحلّات العامّة كالمطاعم والمقاهي وغيرها وقتل إبادة العشرات والمئات من الناس ويذبحوهم باسم الإسلام، فالمسلم حينما يرى جماعة
ص: 50
يذبحون الأبرياء كما يذبح الكبش وهم يقولون باسم الله فتشمئز نفسه ويكره هذه المسميّات فكيف بالأجانب والكثير منهم من ذوي الأحقاد على الإسلام، ونحن لا نلوم الجماعات التي حملت الصور لتشويه سمعة النبي صلی الله علیه وآله وسلم فی هولندا أو بلجيكيا، فقط فهؤلاء أعداء عندهم أحقاد ضدّ الإسلام ولكنّنا لابدّ لنا من أن نستنكر هذه الأعمال التي يقام بها باسم الإسلام من أجل تشويه سمعته، ولكن الإسلام بريء منهم ومن هذه الأعمال؛ لأنّ الإسلام دين الإنسانيّة، وهؤلاء بأعمالهم يشوّهون الإسلام وتعاليمه في ذهن الإنسانيّة كلّها فالمسلم حينما يرى أعمالهم هذه يستنكرها ويقف في وجهها، فكيف بالإنسان غير المسلم وهو يرى هذه الأعمال الإجراميّة التي ترتكب باسم الإسلام وعندهم أهداف وغايات من ورائها ويسعون إلى تحقيقها، وهي ما يلي:
1 - تحقيق أهداف استعمارية وصهيونية من أجل تشويه سمعة الإسلام.
2 - إيقاف الزحف الإسلامي المتناهي في امريكا وأوربا حتّى رأينا كيف أصبح الإسلام في تلك الديار الديانة الثانية
ص: 51
بعد المسيحيّة، فهم يخشون لو استمرّ الإسلام على حاله لأصبح الديانة الأُولى فى امريكا وأوربا فكيف يوقفون هذا الزحف الإسلامى ففكروا القيام بالأعمال التشويهيّة التي ترتكب باسم الإسلام.
3 - محاربة الإسلام بأهدافه النبيلة، فهم يقومون بقتل الأبرياء فى المساجد والحسينيّات والكنائس والشوارع والأسواق وغيرها ويقتلون مئات الناس باسم الإسلام، والله يقول في كتابه المبين:
(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )(1).
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )(2).
وهذا الرسول العظيم صلی الله علیه وآله وسلم يقول:
« من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة ومكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله )(3).
ص: 52
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» (1).
وهذا إمام المسلمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام يقول:
« الناس صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
فهذه نظريّة الإسلام واحترامه وتقديسه للإنسان فهؤلاء يحاربون الإسلام بهذه الأعمال وينسبونها إلي-ه م-ن أج-ل تشويهه من حيث يشعرون أو لا أو لا يشعرون فهذا هو الغباء السياسي والاجتماعي بعينه أيضاً .
من عوامل تقوية الإيمان هو الوعى الاجتماعي، ونعني به
ص: 53
هو أن يكون للإنسان المسلم الاطّلاع والاهتمام بالأُمور الاجتماعيّة وما يدور حوله من القضايا التي يمارسها يوميّاً أو اسبوعيّاً، سواء كانت على الصعيد التجاري أو الاجتماعي أو السياسي، وذلك بأن يكون واعياً للأُمور التجاريّة وغيرها من الناحية الشرعيّة؛ لأنّ التاجر كما في الحديث:
«فاجر ما لم يتفقه في أُمور دينه».
وهناك كثير من الأحاديث التى تحثّ التاجر والكاسب على التفقّه فى أُمور دينه وتجارته «حتّى لا يرتطم بالربا ».
وكذلك مطلوب منه أن يكون واعياً في أماكن تعبّده وحضوره فيجب أن يكون المكان نظيفاً ونزيهاً من الشوائب والمعاصى، فمثلاً حينما يذهب الإنسان إلى المسجد أو الحسينيّة أو المواكب أو النادي عليه أن يعي ويفهم المغزى الذي من أجله أنشأت هذه المؤسّسات الدينيّة أو الاجتماعيّة.
ص: 54
اجتماعيّة أو دينيّة غير واعية فيكون مردودها عكسيّاً ومخالفاً للإيمان والدين، وهو لا يعى ذلك، فهذا هو الغباء الاجتماعي، كما حدث ذلك في الماضي من تاريخنا حيث يحدّثنا القرآن الكريم عن مسجد ضرار بقوله:
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ)(1).
إنّ النبيّ الكريم أمر بهدم مسجد ضرار؛ لأنّه أُسّس من أجل تجمّع المنافقين وإيجاد الفرقة والاختلاف بين المسلمين، ولهذا نزلت هذه الآية في ذلك المكان وما شابه من فتح مسجد إلى جنب مسجد اخر قريب منه أو حسينيّة إلى جنب حسينيّة أُخرى أو ناد إلى جنب ناد آخر قريب منه، فإنّ هذه الأمور كلّها تسبّب الفرقة والاختلاف وأصبحت مصدر إعاشة لجماعة مرتزقة وهي من مظاهر الغباء الاجتماعي.
وأمّا في عصرنا الحاضر فنجد أن كثيراً من نشاطاتنا
ص: 55
الدينيّة والاجتماعيّة قد تستغلّ من قبل شياطين الأُمّة ومنحر في العقيدة، كما حدث ذلك في العراق حينما كان الفكر الماركسي السياسي آنذاك، وسيطر على الشارع العراقي، فاستغلّوا ظاهرة المواكب الحسينيّة لصالح نشاطاتهم، واستعمل هذا الأُسلوب أيضاً الحزب الصدّامي في بداية مجيئه إلى الحكم، ولكن قد تصدّى للوقوف في وجه هذا التيار الإنحرافى نخبة مؤمنة واعية من روّاد المجالس الحسينيّة ومواكبها ومنعوا من استغلالها.
فالإنسان المسلم الواعي عليه أن يفهم ويعي الظاهرة الاجتماعيّة حتّى لا يقع فى المفارقات الانحرافيّة ؛ بل لابدّ أن يساهم في النشاطات الدينيّة والاجتماعيّة لتقوية الإيمان عند عامّة الناس وزيادة الوعي الاجتماعي والتقوى الاجتماعيّة وكذلك النشاطات الاجتماعيّة الأُخرى كالنوادي والفرق الرياضية وغيرها، فلابدّ للمؤمن الواعي أن يستفيد منها في زيادة إيمان المجتمع وبتّ روح التقوى في صفوف أبنائه والاستفادة من هذه المظاهر الاجتماعيّة لصالح الدين، حتّى لا تقع هذه الأُمور بيد الأعداء ويستفيدوا منها ف-ي تضليل
ص: 56
وإفساد أبناء الأُمّة، كما حدث في كثير من بلادنا بسبب هذه المظاهر الاجتماعية غير الواعية.
ونعني به أنّ الإنسان المسلم لابدّ أن يكون إيمانه إيماناً واعياً فاهماً يحرّكه ويسيطر على سلوكه وتصرّفاته، فلا يعمل ولا يقوم بشيء إلّا بوحي من إيمانه ويكون مقياسه العملي هو رضى الله، فكلّ عمل يقوم به لابدّ أن يخضع لهذه القاعدة ويستوحي من هذا المفهوم، فلهذا نرى هذا الصنف يتمتّع بوعي إيماني سليم يميّز به الحقّ من الباطل والغثّ من السمين والأصيل من الدخيل، فالإيمان حاكم على هؤلاء فی السفر والحضر، في السرّ والعلانية، في السلم والحرب، وفي الانتصار على العدو أو الهزيمة، فهذا عمّار بن ياسر يعبّر عن واقعيّة هذا الصنف بقوله لعلي أمير المؤمنين علیه السّلام في واقعة صفّين:
«والله لو ضربونا حتّى لو يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا
ص: 57
على الحقّ، وأنهم على الباطل»(1) .
فهذا الفكر الواعي المنبعث من روح إيمانيّة عالية وشعور مشبّع بالإيمان والتقوى، وما أكثر هؤلاء فى قديم الزمن وحاضره من أمثال عمّار بن ياسر وحجر بن عدي ومالك الأشتر وميثم التمّار وحبيب بن وحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وزهير أو من أمثال المرجع الشهيد الصدر والشهيد المطهّري وبقيّة الشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم وأصرّوا على مكافحة الباطل ومناصرة الحقّ.
الروحيّة التي يمتّع بها هؤلاء الأفذاذ، هي روح كلّها عطاء وثمر؛ لأنّها تغذّت بالإيمان الصحيح وقوّة شوكتها به وبنت أساسها عليه، وذلك لأنّ الإيمان بحاجة إلى التغذية كاحتياج الجسم إلى الغذاء وكلّما كانت التغذية سليمة وثمينة ازداد الإيمان رسوخاً وثباتاً، والتغذية الإيمانيّة هي كما يلي:
1 - أداء الواجبات بأوقاتها وترك المحرّمات:
ص: 58
2 - الالتزام بإتيان النوافق ولاسيّما صلاة الليل، فإنّها تشحن إيمان المصلّى وتجعله يعيش حالة روحانية خاصّة ويزداد إيمانه لأنّ لها الأثر المباشر في نضج إيمانه وزيادته، وكيف لا تكون كذلك وهى الخط المباشر والمتّصل بين العبد وخالقه، ووقتها بعد منتصف الليل وهو وقت الانقطاع عن الممارسات الاجتماعيّة حيث العيون نائمة والأنفس ساكنة فعندها يعيش الإنسان حالة روحيّة صادقة واتّصالاً مباشراً مع خالقه كما كان عليه أنبياء الله ورسله وخلفاؤه وأولياؤه، فهذا أمير المؤمنين على علیه السّلام يستفيد من هذه الفرصة الثمينة للاتّصال بمولاه وخالقه ويناجيه بهذه المناجاة كما يروي ذلك عنه .
إذا أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وعلي قائم في محرابه يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ويناجي ربّه بتلكم المناجاة الإلهيّة وبذلك النداء الربّاني وهو يقول:
«مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد وهل يرحم العبد إلّا المولى ، مولاي يا مولاي أنت المالك وأنا المملوك وهل يرحم المملوك إلّا المالك، مولاي يا مولاي أنت العزيز وأنا الذليل وهل يرحم الذليل إلّا
ص: 59
العزيز ، مولاي يا مولاي أنت الخالق وأنا المخلوق وهل يرحم المخلوق إلّا الخالق، مولاي يا مولاي أنت العظيم وأنا الحقير وهل يرحم الحقير إلّا العظيم، مولاي يا مولاي أنت القوي و أنا الضعيف وهل يرحم الضعيف إلّا القوي، مولاي يا مولاي أنت الغني وأنا الفقير وهل يرحم الفقير إلّا الغني»(1).
3 - الالتزام بقراءة القرآن الكريم يوميّاً ويستحب قراءة خمسين آية في كلّ يوم على أقلّ تقدير.
4 - قراءة الأعدية المأثورة عن النبي والأئمّة من أهل البيت علیهم السلام، كقراءة دعاء كميل ودعاء أبي حمزة الثمالي ودعاء الإمام الحسين علیه السّلام يوم عرفة وقراءة أدعية المناجاة الخمسة عشر وبقيّة الأدعية المأثورة في صقل إيمان الإنسان وزيادة روحانيّته، وبهذه السفرة الإيمانية التي اختصرناها في هذه الجولة الربّانيّة يتكامل الإيمان ويكون رادعاً عن المعصية والذنب وارتكاب الجريمة وهذا هو الوعي الإيماني.
ص: 60
هو التظاهر بالإيمان وعدم الفهم الواقعي له والتلبّس بلبوسه والتحلّي بمظاهره من دون وعي وإدراك وهو وباء خطير على الإسلام والمسلمين إذا تفشّى بين صفوف الأُمّة، وهذا اللّون من الغباء الإيماني هو الذي وقف في وجه الإيمان الصحيح النزيه، ولهذا نرى كلّ الإنحرافات في مجتمعاتنا الدينيّة ناشئة من هذا الانحراف في قديم الزمان وحاضره، فالخوارج هم كانوا من المتعبّدين ظاهراً ويتظاهرون بالإيمان وكان إيمانهم إيماناً لا يميّزون به الحقّ من الباطل والإيمان الصحيح من الإيمان الغبي، ولهذا حاربوا الإمام القدّيس أمير المؤمنين فى واقعة النهروان وذهبت القتلى الطرفين وذلك بتحريك من معاوية وعمرو بن العاص، وحيث أنّه ليس لهذا النوع من الإيمان مناعة وصيانة من الإنحراف فوقوفوا هذا الموقف وحاربوا عليّاً الذي عبّر النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم :
« عليّ مع الحق والحق مع عليّ »(1).
ص: 61
وأمّا في عصرنا الحاضر فنشاهد من هذا الشذوذ ألواناً من الغباء الإيماني وأرتالاً من اللحى الطويلة والثياب القصيرة والأفكار البالية والدخيلة والبدع المنحرفة والخرافات المزيّفة على الإسلام والمسلمين، كما أنّهم يثيرون الأوهام والتفرقة والفتن والأحقاد بين الأمّة الواحدة التي خلقها الله من أجل التعارف والمحبّة بقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(1).
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)(2).
وكما هي عليه الآن الوهابية والدروشة الجاهلة الغبيّة.
فاذا عرف الانسان هذه العوامل الأربعة قوي ايمانه وزكّت نفسه وصقل ايمانه و تكامل.
ص: 62
_4_
مراحل الاعتقاد و تزكيته
ص: 63
ص: 64
الإنسان المسلم يمرّ في حالات الاعتقاد والإيمان بمراحل ثلاث ، ونحن نتكلّم عن هذه المراحل بصورة مقتضبة وبشيء من الاختصار والإيجاز وهي كما يلي:
الإسلام هو أوّل مرحلة اعتقاديّة يمّر بها الإنسان المسلم وهو عبارة عن النطق بالشهادتين: (أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله) فكلّ من نطق بهاتين الشهادتين عدّ مسلماً ويمنح هوية الإسلام.
من خصائص هذه المرحلة أنّها تمنح المتلبّس بها حصانة
ص: 65
على نفسه وعرضه وأمواله، فلا يجوز لأيّ إنسان أن يعتدي على من ينطق بهاتين الشهادتين؛ لأنّه يتمتّع بحرمة خاصّة على أمواله وعلى نفسه وعلى عرضه ويعيش في حماية الإسلام ورعايته وحصانته فكيف يجوز للارهابيّين الذين یدّعون لأنفسهم الإسلام أن يقتلوا المؤمنين بتفجيراتهم للأماكن العباديّة كالمساجد والمراقد والحسينيّات وغيرها وقتل المئات من المسلمين وهذا العمل منافي للإسلام.
وتعاليمه وهل هذا العمل هو تطبيق للآية الكريمة؟
(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)(1).
فالإسلام منهم ومن عملهم هذا بريء.
قلنا إنّ هذه المرحلة الاعتقاديّة تمنح الإنسان حصانة على ممتلكاته ودمه وعرضه ولكنّها لا تمنحه مناعة من الإنحراف
ص: 66
والضلال العقائدي والسلوكي فهو يعيش تحت رحمة التيارات والشعارات التي قد تؤدّي به إلى الحضيض من الانحراف والضلال، والانحرافات تكون على نوعين:
1 - الإنحراف الفكري ونعني به الانحراف العقائدي وهو بأن يتبنّى فكراً مغايراً لعقيدته وإيمانه، وهو من الانحرافات الخطيرة جدّاً حيث إنّ الإنسان قد يتعصّب لفكرة ما من دون ركن وثيق يلجأ إليه فيقف أمام الحقّ والواقع موقفاً معانداً ومحارباً كما حدث في الزمن السابق لأُولئك الذين خرجوا على الإمام العادل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام في حرب الجمل وصفّين والنهروان، فإنّ هؤلاء الخارجين عليه كانوا يتمتّعون بالمرحلة الأُولى من الاعتقاد وهو النطق
بالشهادتين وكذلك الذين خرجوا لحرب ابن بنت رسول الله وسبطه الحسين بن علي علیهماالسّلام الذي أراد أن يسير بسيرة جدّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ويثور على الانحراف والبعد عن الإسلام وتعاليمه ويعيد الناس إلى منابعه الأصيلة فقتلوه بكربلاء لأنّهم كانوا يفقدون المناعة الفكريّة من الانحراف والتيه ولأنّه ليس لديهم مناعة فكريّة تقف سدّاً أمام التيارات والشعارات الانحرافيّة
ص: 67
والتضليليّة، ومن أمثالهم أيضاً الذين يتّخذون الأفكار الغربيّة والشرقيّة قاعدة فكريّة ينطلقون منها فكراً وشعاراً يحاربون الإسلام به حرباً لا هوادة فيها، كما عليه الآن في عصرنا الحاضر أتباع الشرق والغرب حيث إنّهم يحاربون شعار لا شرقيّة ولا غربيّة ويستهزؤون به.
الإنحراف السلوكي: ونعني به الانحراف والشذوذ في عالم السلوك والعمل وهى الانحرافات السلوكيّة التي يقوم بها الإنسان المسلم من المخالفات الشرعيّة كشرب الخمر ولعب القمار أو الزنا أو الربا أو خيانة الإسلام والمسلمين كالتجسّس للأجنبي والظالم ... إلخ ، فإنّ هذا اللون من الإنحراف خطر على الأمّة، وكثير من المشاكل التي تحدث أو حدثت كلّها ناتجة وناشئة من هذا الانحراف السلوكي، ولو سألنا مخافر الشرطة عن الجرائم ومرتكبيها لرأينا كلّها من بقاء إنسان صاحب هذه المرحلة العقائديّة عليها ولم يتجاوزها إلى غيرها، ولهذا فإنّ البقاء على هذه المرحلة وعدم اجتيازها تعرّض صاحبها إلى مخاطر الإنزلاق الفكري والعقائدي والسلوكي، وعلى هذا الأساس يجب على
ص: 68
الإنسان المسلم أن يجتاز هذه المرحلة وينتقل إلى الثانية ليكون في مأمن من هذه الانحرافات.
وهو عبارة عن انسجام السلوك مع الفكر والمعتقد، وبعبارة أوضح هو تطبيق الأحكام الشرعيّة والالتزام بها قولاً وعملاً.
كلّ من التزم وطبّق التعاليم الإسلاميّة قولاً وفعلاً عدّ مؤمنا ويمنح هويّة الايمان وهي أعمق وأشمل من المرحلة الأُولى؛ لأنّ كلّ مؤمن هو مسلم وليس العكس ويعني أنّه ليس كلّ مسلم هو مؤمن لأنّ الإنسان المؤمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بتعاليمها فهو يتمتّع بميزات المرحلة الأُولى وهي الحصانة على دمه وعرضه وأمواله وزيادة على ذلك فهي تمنحه مناعة فكريّة فهو يعيش في ظلّها وتصونه من الإنحراف والضلال الفكريى والعقائدي، والاجتياز والانتقال من المرحلة الأُولى إلى المرحلة الثانية لا يكون بالقول فقط ؛ بل بالعمل والتقوى
ص: 69
فإذا لم يلتزم بالعمل والتطبيق فهو فاشل وباق في صفّه ومرحلته .
ولهذا نرى القرآن الكريم يوضح لنا هذه الفكرة، وذلك حينما:
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(1).
حيث إنّه قد تصوّر الأعراب الذين كانوا يتجاهلون أو يتساهلون بالأحكام الإسلاميّة أنّهم قد انتقلوا إلى المرحلة الثانية من الاعتقاد ولهذا قالوا: آمنا فجاء الردّ الإلهى بالنفى لهذه النقلة وردّهم إلى المرحلة الأولى:
(قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا).
المرحلة الثانية؛ كما قلنا هي أعمق وأشمل من المرحلة الأُولى لأنّها تمتاز بخصلتين:
ص: 70
1 - الحصانة.
2 - المناعة.
بينما المرحلة الأُولى تختصّ فقط بالحصانة، وهنا سؤال يورد: كيف ننتقل من الأُولى إلى الثانية؟ وما هي الطرق لذلك؟
الإيمان بحاجة ماسّة إلى التغذية كما يحتاج الجسم إلى التغذية، ولكن التغذية الإيمانيّة تختلف عن تعذية الجسم فالغذاء الجسدي يكون بالأكل والشرب وكلّما يختار الإنسان المآكل والمشارب الطيّبة والمليئة بالفيتامينات وغيرها تزداد قوّة جسمه وبدنه، كذلك الإيمان فكلّما أمعن الإنسان في تغذية إيمانه يزداد قوة وثباتاً وصلابة ومناعة من الإنحراف والضلال، وتغذيته تكون بالطرق التالية :
أ - التثقيف الذاتي والجمعي: ونعني بهما ما يكسبه الإنسان من المطالعة الفرديّة للكتب المفيدة والنافعة والمربية وما يحصله من دروسه ودراسته ومن استماع المحاضرات المفيدة وغيرها.
ب-قراءة القرآن: بتأمّل وإمعان وحفظه وحفظ الكثير من
ص: 71
سوره وآياته، فإنّها تنمّي روح الإيمان وإشراقة النفس.
ج - قراء الأدعية: كدعاء كميل وأبي حمزة الثمالي ومناجاة الخمسة عشر والصحيفة السجّاديّة وبقيّة الأدعية والمناجاة الواردة عن أهل البيت علیهم السّلام.
د - الإلتزام بالواجبات وبعض المستحبّات: ولاسيما صلاة الليل.
ه- قراءة وحفظ نهج البلاغة: للإمام أمير المؤمنين.
و-معاشرة الإخوان: والمؤمنين الصادقين فكراً وعملاً.
فإنّ هذه الأُمور وغيرها تصقل الإيمان وتنميّه وتعطي الإنسان المتزوّد بها صلابة إيمانيّة ومناعة من الانحراف والتيه، وبذلك يستحقّ أن يمنح هويّة الإيمان وينتقل من المرحلة الأُولى إلى المرحلة الثانية بنجاح ويؤهّله للمرحلة الثالثة .
هذه المرحلة تصوّر لنا كمال الإيمان ورقيّته وروحيّته وعطائه، لأنّها تمثّل الغاية الأساسيّة للإيمان وجمال المعتقد
ص: 72
حيث إنّ الإنسان يسمو في هذه المرحلة بكلّ معاني السمو ويتسلّق كلّ القمم الكمالية للإيمان ويصبح لا يفكّر إلّا بالله العلى العظيم ولا يعمل إلّا من أجل رضاه ولا يسير إلّا على وفق طاعته ورضوانه فهو فان في الله ومندك في الله ومندك في طاعته لا يرى لوجوده استقلاليّة إلا في ظلّ الله ولا لمعيشته لذّة إلّا برضاه، فمقیاسه رضوانه وطاعته.
هذه المرحلة أعمق وأشمل من المرحلتين السابقتين لأنّها تحتوي على المرحلتين وهي الحصانة والمناعة وتمتاز عنهما بالبذل والعطاء في ذات الله، ولقد حظى بهذه المرحلة الخواص من عباد الله وهم أنبياؤه ورسله وأولياؤه من الأئمّة الطاهرين وعباده المؤمنين.
ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة من رجالات هذه المرحلة الذين ضربوا المثل الأعلى بالبذل والعطاء وذلك بالأرقام التالية :
1 - سيّد البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلی الله علیه وآله وسلم،
ص: 73
حيث نراه يرفض جميع متطلّبات الحياة ورغائب العيش وذلك حينما عرض مشركو قريش على عمّه مؤمن قريش أبي طالب علیه السّلام قائلين له:
قل لابن أخيك إن كان يريد مالاً أعطيناه مالاً ما لم يكن لأحد من قريش وإن كان يريد ملكاً توجناه على العرب وإن كان يريد فتاة زوّجناه من أجمل فتيات قريش إلخ... من متطلّبات الحياة وملدّاتها.
فجاء النبي صلی الله علیه وآله وسلم إلى عمّه فقال له أبو طالب علیه السّلام: يا ابن أخى إنّ القوم قد قالوا كذا وكذا، فما تقول؟
قأجابه النبي صلی الله علیه وآله وسلم:
« يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك»(1).
فنرى النبي صلی الله علیه وآله وسلم كيف يرفض متطلّبات الدنيا من أجل الله وعشقه لطلب رضوانه ورضاه.
ص: 74
2 - بعض صحابة رسول الله في أحد الحروب، حين يسمع أحدهم صوت النبي يقول: ألا من يقتل يدخل الجنّة، وكانت بیده تمرات فيرميها من يده ويقول:
بخ بخ لي، ما بيني وبين الجنّة إلّا أن أرمي بهذه التمرات، فيرمي بها ويهجم على الأعداء فيقتل ويقتل رضوان الله عليه.
وما هذا الاشتياق إلى الجنّة إلّا من جهة عشقه لرضى الله والفوز بالجنّة.
3 - وهذا سيّد المجاهدين ويعسوب الدين وإمام المتّقين - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام يعبّر عن شوقه وعشقه الله تعالى في حديثٍ له مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، حينما جذبه إليه وبكي، فقال له علیه السّلام المتسائلاً:
«یا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور رجال عليك، لن يبدوها لك، للأمر بعدي، فقلت: بسلامة من ديني من ديني؟ قال: نعم بسلامة من دينك»(1).
أوليس هو القائل مخاطباً الله تعالى بقوله :
ص: 75
«اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطّلة من حدودك »(1).
فهذا البذل والعطاء من أجل عشقه لحكومة الإسلام وتطبيق أحكامه وتعاليمه ونشر رسالته.
4 - وهذا سبط محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وحفيد علي وابن الحسين علي الأكبر كان في ركاب أبيه الحسين علیه السّلام الثائر في طريقه إلى كربلاء حيث أخفق الحسين علیه السلام وأخذته سنة نوم فانتبه مسترجعاً قائلاً: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) فسأله ولده علي: يا أبه الاسترجاع حسن ولكن ما السبب؟ فأجابه الحسين علیه السّلام قائلاً: يا بني خفقت خفقة فسمعت منادياً ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير معهم فقال له علي الأكبر: يا أبه أولسنا على الحقّ ؟ قال له الحسين: إي وربّ الكعبة، فقال علي
ص: 76
الأكبر: يا أبه والله إذاً لا نبالي سوى وقع الموت علينا أو وقعنا على الموت.
فانظر إلى عشق هذا الفتى الهاشمي، وكيف أنه يتمنّى القتل في سبيل الله وفي سبيل رسالته وعقيدته الحقّة.
5 - برير أحد أصحاب الإمام الحسين علیه السّلام وقد بلغ التسعين من العمر، فإنّه في يوم عاشوراء حيث انقطع المدد والعدد عن الحسين علیه السّلام و حوصر من قبل القوّات الأمويّة، فنرى هذا الشيخ فرحاً مسروراً يداعب عبدالرحمن البجلي أحد أصحاب الحسين علیه السّلام وكانا واقفين عند خباء الإمام الحسين علیه السّلام فتأثر عبدالرحمن من هذا الموقف قائلاً:
يا برير أساعة باطل في هذا الوقت.
فأجابه برير بقوله: يا عبدالرحمن، والله لقد علم قومي أنّی ما أحببت الباطل لا شابّاً ولا كهلاً فكيف الآن، ولكنّني أعلم أنّ بيني وبين معانقة حور العين ما هي إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنّهم قد مالوا علينا .
فيتجلّى لنا هذا العشق الإلهي من هذا الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا بأجلى صوره وكيف أنّه يتسابق إلى القتل في
ص: 77
سبيل الله ساعة قبل ساعة.
6 - أبو الشهداء الإمام الحسين علیه السّلام في يوم عاشوراء، كان يقدّم رجاله وأهله وأنصاره ضحية بعد ضحية وقربان بعد قربان وهو يقول:
اللهمّ إن كان هذا يرضيك فخذ حتّى ترضى.
ونراه أيضاً بعد أن فقد رجاله وأعوانه وحُماته وخرّ إلى الأرض من كثرة ما نزف منه من الدماء ولم يتمالك على النهوض ولم يملك من القوّة إلّا أنفاسه الأخيرة فإنّا نرى بذله وعطاءه وتضحيته وعشقه الإلهي يتجلّى بأبهى صورة وأجلى فداء، حيث يناجي ربّه بهذا الأبيات:
تركت الخلق طراً في هواكا وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطَعتني بالحبّ إرباً لما مال الفؤاد إلى سواكا(1)
7 - عقيلة الهاشمييّن وسبطه محمّد وبنت علي وفاطمة و أُخت الحسين، حيث نراها كيف تصوّر هذا المعنى وهذا العشق الإلهى وهذا الفداء الربّاني والفناء في ذات الله وذلك
ص: 78
بعد أن فقدت رجالها وأهلها وحماتها ولم يبق لها ولي ولا حميم، وجيء بها أسيرة ومعها صبية الحسين علیه السّلام ونساؤه وحريمه بعد أن طافوا بالركب النبوي الأسير من كربلاء إلى الكوفة وأدخلوهم على عبيد الله بن زياد (لعنه الله ) في مجلسه وقصره، فجلست العقيلة في زاوية من المجلس وقد حفّت بها إماؤها ونساؤها، فجاء إليها عبيد الله بن زیاد جذلان مسروراً ومتسائلاً مَن هذه المتنكّرة؟ فلم تجبه احتقاراً لشأنه فأعاد القول عليها ثانياً وثالثاً أيضاً فلم تجبه استهزاءً بجبروته وسطوته، فقيل له: إنّها ابنة علي وأُخت الحسين زينب، فجاء إليها متشفّياً قائلاً:
الحمد الله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فأجابته الحوراء زينب بإيمان جدّها محمّد وشجاعة أبيها
على غير مكترثة به ولا بسلطانه ولا بجبروته قائلة:
«الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد وطهّرنا من الرجس إنّما يكذب الفاسق ويفتضح الفاجر وهو غيرنا».
فأعاد القول عليها ثانياً وكاشراً عن أنيابه وحقده الدفين
ص: 79
على أهل البيت قائلاً :
كيف رأيت صنع الله بأخيك والعتاة المردة من أهل بيتك ؟ فأجابته بصلابة أُمّها فاطمة وبسالة أخيها الحسين قائلة:
«ما رأيت إلّا جميلاً هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم فسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج، ثكلتك أُمّك يابن مرجانة »(1).
فلنرى كيف تجلّت هذه المرحلة في نفسيّة الحوراء زينب وكيف انقلبت المصائب والآلام والأحزان إلى شيء جميل عبّرت عنه بقوله: ( والله ما رأيت إلّا جميلاً)، لأنّها اجتازت المراحل الثلاثة بنجاح كما اجتازها أنبياء الله ورسله وأولياؤه والصالحون من عباده.
وهم كما قال تعالى:
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
ص: 80
الْمُهْتَدُونَ)(1) .
وخلاصة القول: إنّ الإنسان المسلم إذا أراد التكامل لإيمانه وعقيدته لابدّ له أن يجتاز هذه المراحل حتّى يصل إلى مرتبة التغيير العملى الكامل وعندها ينتقل من عمليّة التغيير إلى عمليّة الثبات في الفكر والسلوك، وبهذه العمليّة يكون الإنسان قد اجتاز هذه المراحل الاعتقاديّة بنجاح وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
ص: 81
ص: 82
- 5 -
الزهد وأنواعه
ص: 83
ص: 84
هناك بعض المغرضين من المستشرقين يحاولون أن يشوّهوا معالم الإسلام بتصويره بأنّه دين يحثّ الإنسان على ترك الدنيا وملذّاتها واتّخاذ حياة التقشّف والزهد في مسيرة حياته، ولهذا فهو دين لا يتناسب مع تطوّر الحياة.
ونحن هنا نستعرض فى هذا البحث الإجابة على السؤال: ما هو موقف الإسلام من الزهد؟
والإجابة على هذا السؤال يتضح فيما يلي:
الزهد هو ترك بعض ملذّات الحياة وأتباع حياة التقشّف وذلك من أجل هدف مقدّس أو لغاية من الغايات أو منفعة من المنافع بشرط أن يستشعر بلذّة ما ترك بوعي وشعور، فمثلاً المجنون لا يشعر باللذّة مع أنّ حياته حياة تقشّف وزهادة فلا
يقال له زاهد
ص: 85
هناك عدّة أشكال وأنواع وأقسام للزهد؛ فهناك الزهد النفعي والزهد التجريبي والزهد الابيقوري والزهد العقابي والزهد الدرويشى والزهد الواقعي، فأيّ قسم ونوع من هذه الأنواع ينسجم مع الإسلام وواقعه؟ ولا يتّضح لنا ذلك إلّا بدراسة هذه الأنواع على نحو الاختصار:
وهو أن يؤخّر الإنسان بعض ملذّات الحياة من أجل الحصول على منفعة دنيويّة موقّتة وذلك لتحقيق غاية من غاياته وهدف من أهدافه ومطمع من أطماعه فاذا حصل على ما يريد وحقّق ما يهدف ضرب الزهد والتقشّف عرض الجدار وعاد إلى سيرته وسريرته الأُولى، وهذا اللون من الزهد هو تطبّع في الإنسان لا طبع فيه نوع من التكلّف والاصطناع؛ لأنّ الغاية من وراء هذا الزهد هو حصول المنفعة الخاصّة، ولا قيمة للزهد عند هذا الإنسان إلّا بمقدار تحقيق منفعته وغايته، ولو كانت منفعته وغايته تتحقّق عن غير هذا الطريق لسلكه.
ص: 86
وهذا النوع من الزهد يتواجد عادة في البيئات الدينيّة المتأخّرة؛ لأنّه سرعان ما ينطلي هذا اللون من الزهد والتقشّف على تلك البيئة الدينيّة البسيطة ويأخذ طابع القدسيّة في نفوس مجتمعاتها ويصبح الزاهد بهذا اللوم من الزهد قدّيساً من القدّيسين ووليّاً من الأولياء والصالحين، وقد شاهد التاريخ الإسلامي هذا النوع يظهر في الدولة الأُمويّة والعباسيّة فقد كثر المتلبّسون بهذا اللون من التقشّف والتصوّف، فهذا عبدالملك بن مروان أحد خلفاء الأموييّن استعمل هذا الأُسلوب من أجل الوصول إلى غايته وهدفه وذلك حينما علم أنّ الخلافة لا تصل إليه مادام مفهوم القبلي الأُموي هو العرف الحاكم في تعيين الخليفة، وبموجب العرف القبلي لا تصل إليه النوبة للخلافة فهناك من هو أكبر منه سنّاً وأقدر في عرف القبيلة، فأراد أن يقوم بعمل من أجل إبراز شخصيّته وكيانه ويستقطب أنظار الأُموييّن وغيرهم إليه فاتّخذ الزهد النفعي شعاراً له لتحقيق غاياته ومآربه وإذا بذلك الأُموي الطروب يعتزل الدنيا ويترك ملذّاته وشهواته ويأتي إلى المدينة المنوّرة ليعتكف في المسجد النبوي ويجعله مركزاً
ص: 87
لتحقيق أهدافه النفعيّة ومطامعه الشخصيّة؛ لأنّه عليم أنّ المسجد النبوي مركز تردّد للمسلمين دائماً، وإذا به لا يغادر المسجد النبوي ليلاً ولا نهاراً إلّا لقضاء حاجته، وإذا بهذا الشاب الأُموي يلقّب بحمامة المسجد من كثرة مكثه في المسجد ممّا جعل أنظار الناس تتّجه إليه فاستقطب بذلك عواطف بقيّة الأُموييّن وتغلّب على منافسيه بالخلافة بهذا الأُسلوب التقشّفي ورشّح للخلافة بعد أبيه مروان وعيّن خليفة، ولمّا جاءته الخلافة وغادر المسجد النبوي قائلاً: هذا فراق بيني وبينك يا مسجد رسول الله، ولمّا تربّع على كرسي الخلافة وإذا به يقول:
لا يأتيني أحد فيعظني ويقول اتّق الله إلّا وضربت عنقه.
وقد وصف شاعر ذلك الزمان هذا الصنف من الزاهدين بقوله:
كلّكم يمش رويداً كلّكم طالب صيد
غیر عمرو بن عبید(1)
وعمرو بن عبيد من الصالحين الواقعيين.
ص: 88
وهو أن يترك الإنسان بعض ملذّات الحياة ومتطلّباتها ويعيش حياة التقشّف والزهادة، وذلك من أجل القيام بالتمرين والرياضة وتحمّل حياة التقشّف والخشونة، وهذا كما يصنعه في وقتنا الحاضر الفدائيّون وفرق الصاعقة في الجيوش النظاميّة من أجل تمرين هؤلاء على الحياة القاسية وتحمل متاعبها عند ساعة الضرورة والحاجة ولهذا فإنّهم يتمرّنون على أكل الأفاعي والحشرات وشرب مياه القذارة وذلك من أجل تعويدهم وترويضهم لحياة الخشونة والجشوبة المأكل والمشرب والملبس حتّى إذا ما أُلقوا بهذه الفرق في ميادين القتال أو في الصحراء القاحلة والغابات فيكون الاستعداد الكامل للتكييف أو التكيف على معيشة تلك الحياة واستمرارهم فيها، أو كما يفعله المرتاضون الهنود وغيرهم من اتّخاذ حياة الصعوبة والضنك حتّى أنّ البعض منهم يقتصر في مأكله على تمرات معدودة ويستغني عن كلّ المآكل والمشارب وذلك من أجل التمرين والرياضة الروحيّة لتنكشف له بعض أسرار الحياة، والغاية والهدف من هذا الزهد هو التمرين والتجربة، لا غير .
ص: 89
يعتبر أبيقور فيلسوفاً من الفلاسفة عاش قبل ميلاد السيد ب 341 سنة وتبنّى مفهوماً خاصّاً للزهد، فإنّه امتنع ه-و وأصحابه وتلامذته عن أكل الطيّبات والشراب اللذيد واللباس الجيّد والمسكن المريح و ... إلخ.
وذلك احتفاظاً باللذّة الكبرى، وفلسفته من هذا الزهد لأنّه يرى: أنّ الإنسان إذا استعمل الملذّات في كلّ يوم يفقد لذّتها لأنّ الاستمرار والاعتياد عليها يأخذ طابع الروتين، وهذا الروتين اليومي يفقدها اللذّة التي يشعر الإنسان الجائع الضامى نحو المأكل اللذيد والمشرب الطيّب، وهكذا بالنسبة إلى الغريزة الجنسيّة .
فأبيقور يرى أنّ الامتناع عن هذه الملذّات معناه احتفاظ باللذّة التي تحصل عند الإنسان ومهما أمكن للإنسان أن يحتفظ بأكبر قدر ممكن من هذه اللذّة ولا تحصل هذه اللذّة إلّا بالامتناع وحياة التقشّف والحرمان من هذه الملذّات والمغريات وما شابهها فهو اتّخذ طابع الزهد والتقشّف من أجل غاية ومنفعة خاصّة.
ص: 90
وهو أن يحرم الإنسان نفسه من بعض ملذّات الحياة ويعيش حياة الحرمان والتقشّف والزهد والرهبنة، وذلك كفّارة عمّا صدر منه من الذنوب والمعاصي كما يعتقده هو بذلك، وهذه الفكرة أخذت تقريباً من بنى إسرائيل؛ لأنّ التوبة من الذنب والمعصية عندهم كانت معناها هي قتل النفس وإزهاق الروح، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا المفهوم عند بني إسرائيل بقوله:
(فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ)(1).
وقد خفّقت التوبة من القتل إلى الحرمان من ملذّات الحياة ولهذا نرى الديانة المسيحيّة اتّحذت الرهبنة والإنعزال شعاراً لها فبنت الأديرة والصوامع لمن يريد أن يتخلّص من الذنوب ويتطهّر من المعاصي.
ونشأ هذا المفهوم عند بعض المسلمين فتركوا بيوتهم وعوائلهم ولجأوا إلى الجبال، فنهرهم النبي الكريم صلی الله علیه وآله وسلم ونها هم
ص: 91
عن ذلك لأنّ التوبة لا تحتاج إلى كلّ ذلك، وأخذ مفهوم الحرمان والتقشّف يسري في نفوس التائبين من الذنوب والمعاصي حتّى أنّ بعضهم صار من أكابر المتصوّفة والزهّاد بعد ما كان من أكابر المنحرفين والمستهزئين، فهذا بشر الحافي العابد الزاهد المشهور فإنّه كان لا يخلو بيته من مغنّي أو مغنّية والسكر والعربدة يضجّ بيته بهما حتّى مرّ على داره في يوم من الأيّام الإمام موسى الكاظم علیه السّلام أحد أئمّة أهل البيت وإذا بأصوات المغنّين والمغنّيات تملأ الطريق، فتأثّر الإمام من هذا الاستهتار، وإذا بجارية تخرج وترمي بقمامة البيت فسألها الإمام: يا جارية، صاحب هذا الدار حرّ أم عبد؟ فقالت الجارية: بل هو حرّ، فقال الإمام: صدقتِ، لو كان عبداً لخاف واستحى من مولاه.
فدخلت الجارية على بشر، فقال لها ما أبطأك؟ فقالت: حدّثنى رجل بكذا وكذا، فسَرَت كلمات الإمام بنفسه وأخذت بمجامع قلبه وإذا به يخرج حافياً حتّى لقى الإمام موسى الكاظم وتاب على يده واعتذر وبكى لديه استحياءً من عمله .
ص: 92
واتّخذ في حياته منهجاً خاصّاً وزهد في هذه الدنيا واقتصر على حياة التقشّف والزهادة وذلك كعقوبة عمّا كان يرتكبه من المعاصي والذنوب حتّى لُقّب ببشر الحافي.
وهو أن يترك ملذّات الدنيا من مسكن أو مشرب ومأكل أو ملبس من أجل أن يقال إنّه من الزاهدين، أو أن يقوم ببعض الحركات والطقوس ويتّخذها شعاراً لطريقته، وهذا هو الذي اخترعه الدراوشة حسب ذوقها ومشتهياتها وتصوّرها، ولهذا هي تمارس هذا النوع من الزهد في حياتها العمليّة من تطوير شعر الرأس واطالته أو تكبير شاربه ولحيته أو لبس بعض الملابس الدالّة على الدروشة وذلك من دون ركن وثيق يلجأ إليه أو سند معتبر يوثّق به، وإنّما هو زهد اخترعته الدرواشة من أجل شهواتها وأغراضها، وهي كما هي عليه اليوم بعض الطرق الصوفيّة في العالم الإسلامي وهذا من الزهد والطقوس لا يستند إلى كتاب الله الكريم ولا السنّة النبويّة الشريفة، وإنّما هي طرق ورغبات نفسيّة لأذواق
ص: 93
القائمين على هذا العمل، وهذا اللون من الطرق والزهد لا يخالف الإسلام؛ لأنّه عمل مباح لأنّ الأصل في الأشياء الاباحة إلّا إذا اصطدم بما يخالف الكتاب والسنّة أو صار سبباً لتشويه الإسلام وسمعته، فإنّه يكون بالعنوان الثانوي محرّماً وغير جائز من أمثال بعض الطرق التي تأخذ بالطريقة وترفض الشريعة، فعندها يكون هذا اللون من الزهد مخالفاً للإسلام ولا يجوز القيام به، كما أنّ هذا اللون من الزهد والحركات التي يقوم بها بعض الدروشة من الصوفية فهى تستند على تصرّفاتهم الشخصيّة وليس لها منشأ دينى.
يُحكى أنّ درويشاً كان يتصوّر أنه أزهد الناس وأكثرهم تقشّفاً للحياة في المسكن والمأكل والملبس ولا يتصوّر في عقله ومفهومه عن الزهد من هو أزهد منه، ولهذا كان يسكن في خربة من خرابات البلد، فمرّ عليه أحد الأشخاص زائراً له، فقال الدرويش لزائره: هل يوجد من هو أزهد منّي في العالم؟! فهذا مسكني ومأكلي وملبسي، فأجابه الزائر قائلاً له: بلى، يوجد من هو أزهد منك.
فتعجّب الدرويش قائلاً: من هو الذي أزهد منّي؟
ص: 94
فأجابه الزائر: هناك شيخ يسكن في مدينة اصفهان هو أزهد منك، فتعجّب الدرويش من قوله هذا، فعزم وشدّ الرحال وسافر إلى اصفهان ليرى الشيخ الذي هو أزهد منه؛ كيف يسكن، وكيف يأكل، وكيف يلبس؟ وجاء إلى اصفهان وسأل عن الشيخ فدلّ عليه، فإذا به يرى شيخاً نظيفاً في ملبسه وأنيقاً فى مأكله ويسكن في دار واسعة رحيبة يستقبل فيها الضيوف ويحلّ فيها المشاكل للمؤمنين، وحلّ الدرويش ضيفاً عند الشيخ متعجّباً منه كيف إنّه أزهد منه وهذه داره الواسعة وهذا لباسه النظيف وهذا مأكله الأنيق، فلمّا خلّي بهما المجلس قال الدرويش للشيخ: كيف أنت أزهد منّي وهذه دارك الواسعة وملبسك النظيف ومأكلك اللّذيذ الأنيق؟ فأجابه الشيخ: الآن ماذا تريد منّي؟ فقال له الدرويش: لنترك الدنيا ونذهب إلى الصحاري والبراري لنعيش فيها سوية، فأجابه الشيخ بقوله: لا مانع من ذلك، فأعلن الشيخ بيع داره وما فيها من أثاث فبيعت الدار وما فيها ووزّع الشيخ جميع المال على الفقراء والمساكين فوراً، وقال للدرويش تفضّل نذهب، فتوقّف الدرويش من بعد خروجه من البلد قائلاً
ص: 95
للشيخ: نسيت عصاي، فقال له الشيخ هذه غصون الأشجار اتّخذ منها عصا، فقال له الدرويش: إنّ عصاي عزيزة علىّ وصار لي مدّة من الزمن ترافقني وأتوكّأ عليها ونفسي لا تطاوعني أن أتركها، فالتفت إليه الشيخ قائلاً له: إنّك لا تستطيع أن تترك العصا وأنا بعت بعت جميع ما أملك من دار وغيرها وأنفقتها على الفقراء لأنّها لم تملكني، وأنت نفسك لا تطاوعك بترك العصا لأنّها تملك، وهذا معنى قول الإمام أمير المؤمنين علیه السّلام :
«ليس الزهد أن لا تملك شيئاً وإنّما الزهد أن لا يملكك شيء »(1) .
الزهد في المفهوم الإسلامي يختلف عن أنواع وأقسام الزهد التي ذكرناها، فليس الزهد في الإسلام هو ترك ملذّات ا لحياة وعدم الاستفادة منها، وقد يكون إنسان ما زاهداً في
ص: 96
نظر الإسلام مع أنّه يتمتّع بجميع نعم الله التي أنعم الله بها على عباده وحاشا لله أن يخلق شيئاً طيّباً ويحرمه على عباده، ولهذا جاء في القرآن الكريم:
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق)(1).
إذاً، ما هو الزهد الواقعي في الإسلام ؟
الزهد في الإسلام كما ذكرناه ليس هو الامتناع عمّا أحلّ الله لعباده من الطيّبات، وإنّما هو كما لخّصه وبيّن مفهومه لنا الإمام أمير المؤمنين بقوله:
«الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه:
(لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )(2)»(3).
ومن لم ييأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
ص: 97
وقال على علیه السّلام أيضاً:
«ليس الزهد أن لا تملك شيئاً وإنّما الزهد أن لا يملكك شيء »(1).
فالزهد بهذا المفهوم الإسلامى هو ليس معناه أن لا تملك شيئاً أي: لا تملك قصراً أو سيّارة، وليس أيضاً معناه أن لا تملك أموالاً، وإنّما الزهد هو أن لا تكون أسير هذه الأشياء فهي لا تملك قلبك وجميع تصرّفاتك ولا تكون آلة مطيعة في تحقيقها من أيّ طريق من الحرام أو شبهة، وإنّما أن تتحكّم أنت فى أموالك المنقولة وغير المنقولة وأن لا تأتيك من مال مشبوه وحرام، وتكون لديك القدرة على إخراج الحقوق حقّ الله وحق الفقراء والضعفاء، فإذا تمكّنت من أداء الحقوق والواجبات فأنت زاهد في المفهوم الإسلامي وإن كنت تعيش في أكبر قصر وتركب في أضخم سيّارة وتلبس أحسن ملبس وتأكل وتشرب ألذّ مطعم ومشرب، وقد عبّر عن هذا المفهوم الإسلامي للزهد الإمام علي بن أبي طالب علیه السّلام في نهج البلاغة
ص: 98
وذلك لمّا دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده بالبصرة، فلما رأى سعة داره قال بهذا النصّ:
«ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج بلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فاذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد، قال وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال: عليّ به، فلمّا جاء قال:
یا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك وولدك أترى الله أحلّ لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على الله من ذلك .
قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك!
قال: ويحك إنّي لست كأنت إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا
ص: 99
يتبيّع الفقير فقره»(1).
وجاء في كتاب ميزان الحكمة عن ابن أبي يعفور: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السّلام: إنّا لنحبّ الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوّج وأحجّ وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدّق.
قال لي علیه السّلام:
«ليس هذا من الدنيا هذا من الآخرة »(2).
وأخيراً، هذا هو الزهد الواقعي الذي أقرّه الإسلام وحثّ المؤمنين على اتّخاذه شعاراً لهم في حياتهم وهو ليس الزهد أن لا تملك شيئاً وإنّما الزهد أن لا يملكك شيء(3).
فلابدّ للإنسان المسلم الواقعي أن يتخذ هذا اللّون من الزهد شعاراً له وطريقاً يسلكه.
ص: 100
-6-
مفهوم الشخصيّة الإسلاميّة
وأقسامها في القرآن الكريم
ص: 101
ص: 102
الإسلام بكلّ تشريعاته العباديّة والإقتصادية والسياسيّة والاجتماعيّة يهدف ويسعى لخلق الشخصيّة الإسلاميّة المتكاملة في الفكر والسلوك والقول، وحينما نتحدّث عن الشخصيّة لابدّ لنا من التحدّث عن تعريفها وعن أقسامها وعن مقوّماتها وهي كما يلي:
الشخصيّة لا يمكن تحديدها وتعريفها عن طريق الثروة والمال ولا عن طريق لبس اللباس الجيّد الثمين ولا المركب الضخم؛ لأنّه قد لا يقال للشخص الذي يملك الملايين أنّه من ذوي الشخصيّة لأنه يتميّز بسلوك الحقارة والدناءة، وقد يقال ويصطلح على إنسان فقير أنّه يتمتّع بشخصيّة متميّزة بسلوكه الخير وعمله الطيّب، ولا تتحقّق الشخصيّة أيضاً بلبس
ص: 103
اللباس الجيّد الثمين، فقد يكون إنسان لا يملك الزي الثمين الجيّد مع انه يتمتّع بشخصيّة جيّدة؛ فالشخصيّة - إذاً - يمكن تعريفها وتحديدها .
هو أن يتّخذ الإنسان موقفاً موحداً في الفكر والقول والعمل.
فإذا حصلت في الإنسان هذه الشروط فإنّه يتمتّع بشخصية ويقال: إنّه ذات شخصيّة ملتزمة، وبهذا اللقاح الثلاثي تخلق الشخصيّة ويمكن تحديدها وتعريفها، والإنسان صاحب هذه الشخصيّة هو الذي يتخذ موقفاً موحّداً في الفكر والقول
والعمل.
يمكن تقسيم الشخصيّة إلى أصناف أربعة وهي كما يلي:
وهي التي تتّخذ موقفاً معادياً للحقّ الصراح في الفكر
ص: 104
والقول والعمل، وهذا الموقف المعادي ينشأ غالباً من عاملين:
أ - العامل العقائدي: وهو أن يتّخذ الإنسان فكراً مغايراً ومعانداً للحقّ عن طريق القناعة والاعتقاد، وبهذا اللون من التفكير تنشأ العقيدة ممّا تدفعه للوقوف بوجه الحقّ ومعاندة أمثال أصحاب بعض الأديان السماويّة والأديان الأرضيّة كالبوذيّة والهندوكية والسيخيّة أو الأحزاب الفكريّة الأُخرى التي تقوم على قاعدة فكريّة من أمثال الأحزاب الماركسيّة والرأسماليّة أو المذاهب المصطنعة التي صنعها الاستعمار لأهدافه وغايته ولعبه، وذلك من أجل تمزيق وتفريق وحدة المسلمين ومن ثمّ ضرب الإسلام من البهائيّة والوهابيّة والقاديانيّة.
وهذا اللون من الوقوف بوجه الحقّ كان في بداية عصر الدعوة الإسلاميّة من أمثال الذين وقفوا في وجه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أو الذين حاربوا الإمام عليّاً علیه السّلام في حروبهم الثلاثة ووقفوا فى وجهه إلى يومنا الحاضر، فإنّنا نرى كلّ هؤلاء يقفون ويتّخذون موقفاً ضدّ الحقّ وأتباعه وأنصاره نتيجة
ص: 105
اعتقادات زائفة وأفكار بالية وأوهام خرافيّة.
ب - العامل المادّي: فانّ كثيراً من الذين وقفوا في وجه الحقّ ورجاله على امتداد التاريخ كانت مواقفهم بدوافع ماديّة ومصالح دنيويّة ووظائف زمنيّة ومناصب معيّنة فنراهم يتسابقون في محاربة الرسالات الالهيّة ورجالاتها، كما حدث لكثير من أنبياء الله ورسله وأوصيائه وخلفائه، كما فعل نمرود فى مقابل نبى الله إبراهيم علیه السّلام، وكما وقف فرعون أمام نبيّ الله موسى علیه السّلام، وكما وقف أبو جهل وأبو سفيان وأبو لهب أمام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
وكما حاربوا عليّاً أمير المؤمنين علیه السّلام في حربي الجمل وصفّين وكما قاتلوا ريحانة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسبطه وحبيب قلبه الحسين بن و علي علیهما السلام في يوم عاشوراء من عبیدالله بن زياد وعمرو بن سعد وحزبهما وقد صرّح عمر بن سعد بدوافعه الماديّة وذلك حينما وعده عبیدالله بن زیاد باعطائه ولاية الري في مقابل قتل الحسين فبقي عمر بن سعد قلقاً مضطرباً فانّه اختار الدنيا ومطامعها وشمع ينشد هذه الأبيات:
ص: 106
فوالله ما أدري وإنّي لحائر أفكر في أمري على خطرين
أأترك ملك الري والري رغبتي أم أرجع مذموما بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب وملك الري قرة عيني(1)
أو من أمثال سنان بن أنس النخعي الذي جاء به برأس الحسين وهو يطلب الجائزة من أميره عمر بن سعد وهو يقول:
أوقر ركابي فضّة وذهبا إنِّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أمّا وأبا وخيرهم إذ ينسبون نسبا(2)
فإنّا قد رأينا هؤلاء كيف يقفون بوجه الحقّ ورجاله وكيف حاربوهم أعنف محاربة وأشدّ قتال من أجل الدنيا ومصالحها ومنافعها وشهواتها.
فالباحث والدارس لأتباع هذا القسم من الشخصيّة يجدهم يتقمّصون روح العناد واللجاج والسعي المتواصل للوقوف بوجه الحقّ بدوافع عقائديّة وماديّة وهم على امتداد التاريخ
ص: 107
نراهم يقفون معاندين للرسالات الربانيّة ولحملتها ودعاتها وقد وصف القرآن الكريم هذا الصنف في آيات بيّنات من كتابه حيث قال:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)
إلى أن يقول نوح علیه السّلام:
(قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) (1).
فنحن نرى هنا بوضوح روح العناد والتحدّي في هذه الآيات القرآنيّة من أتباع هذه الشخصيّة وهي لا تختصّ بقوم نوح فقط وإنّما هي نموذج لروح العناد على مرّ السنين، ولهذا نصطلح على أتباع هذا الصنف بالشخصيّة المعاندة.
ص: 108
ونعني بها الشخصية التي لم تلتزم بخط معيّن ولا فكر وليس لديها عمل وقول ثابت فهي تتكيّف مع الظروف والأحوال فاذا كان المناخ الإيماني هو الذي يسيطر على الساحة والمجتمع كانت مع الإيمان وإذا سيطر الجو اللّاايماني علی المجتمع والفراد نراها في طليعة أهل الفسق والفجور، فهذه الشخصيّة تلعب بها الأحوال والأجواء؛ لأنّ ليس لديها مناعة قائمة على أساس الفكر والسلوك تمنعها من التكيّف المحيط والتأثّر بالأجواء وإنّ جلّ المشاكل في كلّ مع العصور من أتباع هذه الشخصيّة ولاسيّما في عالمنا الإسلامي، فكلّ خطوط الانحراف جاءت على أكتاف هذه الشخصيّة، فما قتل الحسين إلّا من قبل أتباع هذه الشخصيّة واستغلالها من قبل الحزب الأُموي وهكذا قل في كلّ الانحرافات التي تسيطر على بلادنا منذ القدم وحتّى يومنا هذا الذي نعاصره ونعيشه، ولهذا فقد رأينا سيطرة قوى الانحراف من الماركسيّة والرأسماليّة والعفلقيّة الحاقدة وكيف أنّها حكمت بلادنا في فترات وحقب زمنيّة بالحديد والنار
ص: 109
وقتلت الأُلوف من الأبرياء من العلماء وغيرهم من المفكّرين والمؤمنين كالمرجع الشهيد الصدر قدس سرة وغيره، وما فعلت كلّ ذلك إلّا بواسطة أتباع هذه الشخصيّة التي وصفها أمير المؤمنين وسيّد المجاهدين علي بن أبي طالب علیه السّلام بقوله:
«وهمج رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستظيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثیق»(1).
وقد عبّر عنهم أبو الشهداء الإمام الحسين علیه السّلام بقوله:
«الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الديّانون».
وقد صوّر هذه الشخصيّة القرآن الكريم في آيات بيّنات من كتابه بأجمل تصوير وأورع تعبير حيث قال:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا
ص: 110
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)(1) .
ويستمر القرآن الكريم في وصف هؤلاء بقوله:
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ
ص: 111
عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا* إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا(1) .
وقد ذكر تاريخ الكامل لابن الأثير نماذج من عقليّة هؤلاء فى واقعة اليرموك الحرب التي حدثت بين المسلمين والروم مسنداً ذلك لعبد الله بن الزبير وإليك نص حديثه:
قال عبدالله بن الزبير : كنت مع أبى باليرموك وأنا صبی لا أُقاتل فلمّا اقتتل الناس نظرت إلى ناسٍ على تل لا يقاتلون، فركبت وذهبت إليهم وإذا أبو سفيان بن حرب ومشيخة من قريش من مهاجرة الفتح فرأوني حدثاً فلم يتّقونى، قال: فجعلوا والله إذا مال المسلمون وركبتهم الروم يقولون: إيه بني الأصفر، فاذا مالت الروم وركبهم المسلمون قال: ويح بني
ص: 112
الأصفر، فلمّا هزم الله الروم أخبرتُ أبي فضحك فقال: قاتلهم الله! أبو إلّا ضغناً ، لنحن خير لهم من الروم(1).
ونعني بها هي الشخصيّة التي تؤمن ببعض وتكفر بالبعض الآخر فهي تؤمن بالأحكام والقوانين التي تؤمن مصالحها وأطماعها وأحلامها وترفض الأُمور والأحكام التي لا تحقّق رغباتها وشهواتها، وهي كانت ولا تزال إلى يومنا الحاضر لها أتباع وأنصار فكثير من الذين يتظاهرون بالاسلام اسماً يأخذون منه ما يؤمنّ مصالحهم ويحقّق رغباتهم وشهواتهم كما عليه اليوم الكثير من الدول التي تنتمي للإسلام فإنّها تتظاهر بالإسلام إذا حقّق رغباتها وأحلامها وإن خالف مصالحها فإنّها تضرب به عرض الحائط وتشنّ الحملات عليه وعلى رجاله، كما فعل معاوية وابنه يزيد وكما يفعل اليوم بعض حكّام هذه الدول التي تنتمي للإسلام إسماً.
ص: 113
ولكنّنا نقول: إنّ الإسلام وحدة متكاملة بكلّ أحكامه من عبادته ومعاملاته وسياسته واقتصاده واجتماعيّاته فلا يجوز التفكيك والتبعيض بين أحكامه فالإنسان الذي يؤمن بالاقتصاد الإسلامى ولا يؤمن بالعبادات ولا يلتزم بأدائها هو من أتباع هذه الشخصيّة والذي يؤمن بسياسة الإسلام واقتصاده ولا يؤدّي أوامره ولا يجتنب نواهيه هو أيضاً من أتباع هذه الشخصيّة والذي يلتزم بالأُمور العباديّة في الإسلام ولا يتّبع ولا يؤمن بسياسته واقتصاده، فهو أيضاً يحمل روح الشخصيّة التبعيضيّة، فالإسلام وحدة متكاملة يشدّ بعضه بعضاً ولا يعطي نتاجه المطلوب وعطائه المثمر إلّا التزم بتطبيقه حرفيّاً ولنضرب لذلك مثالاً توضيحيّاً، الإسلام يشبه السيّارة التي إذا عطب جزء صغير منها، فالسيّارة إمّا أن تتوقف أو تسير سيراً بطيئاً متلّكئاً فكذا الإسلام إذا لم يلتزم بكلّ أحكامه ولم يطبّق بحذافيره فلا يعطى الإيمان المتكامل ولا الروحيّة المؤثرّة التي تشعّ على نفس الإنسان وعلى الآخرين.
وقد وصف القرآن الكريم أتباع هذه الشخصيّة في عديد
ص: 114
من آياته حيث قال مخاطباً أتباعه بقوله:
(ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدَّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ)(1).
ثم عبّر القرآن الكريم عنهم أيضاً في آية أُخرى بقوله:
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)(2).
وبهذه النماذج التي ذكرتها لكم، يتّضح لنا معالم هذه
ص: 115
الشخصيّة التبعيضيّة التي يرفضها الإسلام كما رفض الشخصيّتين المتقدّمتين الي ذكرت نماذج منهما.
ونعني بها الشخصيّة الإسلاميّة الهادفة التي تسير على منهج واحد في الحياة، فهي هادفة في كلّ ظروف الحياة، هادفة في أيّام السلم وهادفة في أيّام الحرب وهادفة في السفر والحضر؛ لأنّها تعيش لعقيدتها وإيمانها وتسخّر جميع طاقتها في سبيل إيمانها وعقيدتها لا تزحزحها العواصف ولا تُزلّ أقدامها السيول الجارفة، فهي مستقيمة في ايمانها هادفة في نظرتها السياسيّة وهادفة في نظرتها الاقتصاديّة وهادفة في نظرتها الفكريّة والاجتماعيّة، ورجال هذه الشخصيّة هم حملة الرسالة وأتباع نهج الحقّ المبين الذين يسلكون الجادّة الوسطى التي عليها أُمّ الكتاب، وهم الذين يقفون إلى جانب الحقّ ويدافعون عنه بكلّ إخلاص وتفاني في كلّ عصر ومصر إلى يومنا هذا، فنرى فتيان الحقّ وفرسان الهيجاء كيف يتفانون في سبيل المبدأ والعقيدة فهم ينظرون إلى الحياة
ص: 116
وسيلة لا غاية وقد جعلوها جسراً لدينهم وشتّان بين من يجعل الدنيا جسراً لدينه وبين من يجعل الدين جسراً لدنياه، فأُولئك رجال الحقّ والمبدأ من أمثال عمّار بن ياسر وأبي ذرّ الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد ومالك الأشتر وميثم التمّار وزهير وبرير وحبيب بن مظاهر وعابس وشهيد عصرنا المرجع الشهيد الصدر ونظائرهم الذين دافعوا عن رسالتهم وعقيدتهم وجعلوا قلوبهم درعاً أمام دروعهم ونزلوا إلى الميدان مدافعين وباذلين الأنفس من أجل الله تعالى وشرعته السامية، وقد عبّر الشاعر عن هؤلاء الذوات بقوله:
قوم إذا نودوا لدفع كريهة
والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع
وأقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفس(1)
فالإنسان المؤمن الهادف لا يبالي أهو وقع على الموت أم وقع الموت عليه، كما قال الشاعر:
ص: 117
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
في أيّ جنب كان في الله مصرعي(1)
وكلّ ذلك ناشئ عن الاستقامة الإيمانيّة، ولهذا نرى الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم حينما يقول لعلىّ علیه السلام بعد أن سأله سبب بكائه قال:
«یا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور رجال عليك، لن يبدوها لك، للأمر بعدي، فقلت: بسلامة من ديني؟ قال: نعم بسلامة من دينك»(2) .
وهذا حفيده علي الأكبر نجل الحسين علیه السّلام،حينما كان مع أبیه في مسيره إلى كربلاء للدفاع عن الحقّ وإذا بالحسين تأخذه سنة نوم فيفيق مسترجعاً قائلاً: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون).
فسأله ولده على الأكبرعلیه السّلام: يا أبة الاسترجاع حسن ولكن ما السبب؟ فقال له الحسين علیه السّلام: يا بني سمعت هاتفاً ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير معهم.
ص: 118
فقال له على الأكبر: يا أبة أولسنا على الحقّ؟ قال له الحسين: إي وربّ الكعبة.
فأجابه على الأكبر بقوله: إذاً لا نبالي سوى وقع الموت علينا أو وقعنا على الموت.
وقد صوّر القرآن الكريم أتباع هذه الشخصيّة بأجمل تعبير من حيث الاستقامة والثبات على المبدأ والعقيدة حيث قال:
«إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(1)
فبهذه الشخصيّة تزكو نفوسنا وتسمو أفكارنا وأعمالنا ونكون من الصادقين.
ص: 119
ص: 120
-7-
مفهوم التوبة في القرآن
ص: 121
ص: 122
وهي الرجوع عن الذنب وإسقاطه عن الإنسان والتائب هو الراجع إلى الله تعالى؛ لأنّه تائب من الذنب والتوّاب هو الله الرحمن الرحيم المحسن الغافر الغفور .
هي الندم عمّا صدر من الإنسان من المعاصي والذنوب فهي بمثابة حمّام وورشة غسيل يدخل إليها الإنسان الملوّث بالذنوب والمعاصي فيخرج منها طاهراً ومبّرءاً ونظيفاً من كلّ تلكم الذنوب والمعاصي، كما روي في الحديث:
«التائب من الذنب كمن لا ذنب له »(1).
ص: 123
فهنا عدّة معاني نستفيد منها:
أ - التوبة: وهي كما قلنا: الرجوع عن الذنب وإسقاطه عن الإنسان.
ب - التائب: هو الإنسان الراجع إلى الله تعالى؛ لأنّه تائب من الذنب والله تعهّد بقبول توبته والعفو عن الذنب إذا كان بين الإنسان وخالقه.
ج - التوّاب: هو الله الرحمن الرحيم المحسن الغفور الودود الغافر عن الذنب القابل من الإنسان التائب توبته والغافر زلّته، فاذا توفّرت شروط التوبة فالله بموجب إحسانه ورحمته فإنّه يتوب على الإنسان التائب بالوجوب العقلي والرحمتي بخلاف ما عليه المعتزلة والأشاعرة، وذلك كما قال الله تعالى:
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (1).
ص: 124
الإنسان التائب له مقام عظيم ومنزلة كبيرة عند الله ممّا توجب محبّة الله له وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1).
وروي عن النبي الكريم صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:
«التائب من الذنب كمن لا ذنب له»(2).
هناك كثير من الآيات التي وردت في القرآن الكريم عن التوبة والتائب والتواب ما يقارب عددها (86) آية ، ونختار بعضها وهي كما يلى:
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (3).
(فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ
ص: 125
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(1) .
(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(2).
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)(3).
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)(4).
(فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ)(5).
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)(6).
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
ص: 126
الدّينِ)(1).
(فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(2).
(وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(3).
(غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْل )(4)
(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(5).
(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ )(6)
(وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(7)
ص: 127
قد وردت التوبة فى كثير من الأحاديث النبوية الشريفة وإليك ما يلي:
1 - «إنّ كلّ بني آدم خطاء وخير الخطّائين التوّابون »(1).
2 - «الله يفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد »(2).
3 - « توبوا إلى الله عزّوجلّ وادخلوا في محبّته ، فإنّ الله يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين ، ويحب المؤمن التوّاب) (3).
4 - « توبوا إلى الله فإنّي أتوب إلى الله في كلّ يوم مئة(4) مرّة».
5- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أمّا علامة التائب فأربعة:
ص: 128
النصحية الله في عمله وترك الباطل ولزوم الحق والحرص على الخير »(1).
6 -عن علي أمير المؤمنين علیه السّلام في وصف التائبين:
«غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم، وقلوبهم، وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة، وأعقبهم الرضا والكرامة »(2).
7- عن الإمام زين العابدين علیه السّلام في مناجاته:
«واجعلنا من الذين غرسوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب، وسقوها من ماء التوبة حتّى أثمرت لهم ثمرة الندامة، فأطلعتهم على ستور خفيات العلى وآمنتهم المخاوف والأحزان فأبصروا جسيم الفطنة ولبسوا ثوب الخدمة»(3)
8 - عن علي أمير المؤمنين علیه السبلام قال : « التنزّه عن الا
ص: 129
معاصي الله عبادة التوابين »(1)
9 - عن الإمام الصادق علیه السبلام قال: «التوبة حبل الله ومدد عنايته، ولابد للعبد من مداومة التوبة على كلّ حال، وكلّ فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء علیهم السلام من اطراب السرّ، وتوبة الأصفياء من التنفّس، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الخاص من الاشتغال بغير الله ، وتوبة العام من الذنوب »(2).
10 - وعن الإمام زين العابدين علیه السبلام في بعض مناجاته: « واجعلنا من الذين قطعوا أستار نار الشهوات بنضح ماء التوبة وغسلوا أوعية الجهل بصفو ماء الحياة»(3)
أمير المؤمنين علیه السبلام قال: « استرجع سالف الذنوب بشدّة الندم وكثرة الاستغفار»(4).
ص: 130
12 - عن الإمام الباقر علیه السبلام أنه قال: « لا والله ما أراد من عباده من الناس إلّا خصلتين: أن يقرّوا له بالنعم فيزيدهم، وبالذنوب فيغفرها لهم بالتوبة »(1).
13 - عن أمير المؤمنين على علیه السبلام أنه قال:
«الندم بالقلب، واستغفار باللسان، وعمل بالجوارح، وعزم على أن لا يعود»(2)
14 - عن الباقر علیه السبلام قال: «التائب إذا لم يستبن أثر التوبة فليس بتائب: يرضي الخصماء، ويعيد الصلوات، ويتواضع بين الخلق، ويتّقي نفسه عن الشهوات، ويهزل رقبته بصيام النهار)(3)
15 - عن الإمام الصادق علیه السبلام انّه قال: « إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقيل له: وكيف يستر عليه؟ قال الله: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ... فيلقى الله حين
ص: 131
يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب »(1)
للتوبة مراحل إذا مرّ بها الإنسان تحقّقت توبته واكتسب بها منزلة التائب وهي محبّة الله له وهي كما يلي:
فإذا كان الإنسان متلبّساً بالمعصية وأدركته التوبة فيجب عليه أن يتركها فوراً.
الندم على ما فعله وما ارتكب من الذنوب والمعاصي سابقاً وتصبح عنده ملكة الندم.
العزم والتصميم على عدم ارتكاب المعصية والعودة إلى الجريمة والمعصية .
ص: 132
تصفية حساباته الماليّة التي هي للآخرين من دين أو سرقة أو غصب أو أمانة أو خمس وزكاة وغيرها إذا كانت في ذمّته أو استغاب مؤمناً أو افترى عليه فلابدّ من طلب الحلية والارضاء وهذا ما أكّد عليه الأحاديث من عنوان التوبة في السنّة النبويّة.
وهذه المراحل لا تتحقّق عند الإنسان التائب إلّا أضمر وصمّم في قلبه العزم والتصميم على ذلك وفي هذه الحالة تحصل التوبة الداخليّة للإنسان، والتائب هو الذي يجتاز هذه المراحل ويمرّ بها بأمن وسلام بعيداً عن الذنب ورواسبه وعازماً على عدم العودة إليه كما فعل ذلك الشاب الذي عاش ليلة حمراء مع عشيقته على الزنا ومائدة الخمر والفسق والفجور إلى أذان الفجر وإذا به يسمع المؤذّن يقول: الله أكبر، فترتعد فرائصه وتهتزّ أعضاؤه، ويسوّد قلبه الخشوع الله والخوف من عقابه لأنّ الله أكبر من كلّ شيء فيفيق من نومته وغفلته فتدركه صحوة الضمير قائلاً له: كيف الله تعصي وهو أكبر من كلّ شيء وأقدر وأنت الانسان الضعيف تعصيه وتنبذ
ص: 133
أوامره وبهذه الصحوة يتوب توبة نصوحة من وقته ويتّجه نحو الله بكلّه ويجتاز هذه المراحل بعافية وأمان فأحبّ الله بتوبته فأحببه الله لأنّه من التوّابين والله يحب التوّابين والمتطهّرين .
ومن هذا البحث نستكشف أنّ التوبة تحتوي على حالتين:
فإنّها تحتاج إلى حلّية من صاحبها كمن أخذ مالاً من أحد قةً أو غصباً أو دَيناً أو ما شابه ذلك، فلابدّ من ردّ المال إلى صاحبه أو استرضائه وطلب الحليّة منه، أو استغاب أحداً أو افترى عليه فلابدّ من إرضائه، فعندها تتحقّق التوبة ولا تحصل التوبة بدون ذلك .
وهي أن تصبح عند الإنسان التائب حالة الرفض والعزم والتصميم والإصرار على عدم العودة إلى الذنب وعدم الوقوع في المعصية وتسمّى هذه الحالة بحالة الرفض للذنب
ص: 134
مفهوم التوبة في القرآن
والمعصية والندم على ما صدر منه .
فإذا توفّرت هذه الحالات عند الإنسان تتحقّق عنده حالة التوبة وصار من التائبين الذين يحبّهم الله وعناهم بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(1)
وهنا عدّة تساؤلات في هذه الآية الكريمة:
أولاً : لماذا قدّم الله التوابين على المتطهرين في قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )(2)؟
والجواب على ذلك أنّ في الإسلام:
أ - الطهارة والنظافة القلبّية وهي نابعة من القلب وتابعة له .
ب - الطهارة والنظافة الخارجية، وهي نظافة الجسم والملابس وهما يعبّران عن ظاهر الإنسان، إلّا أنّ النظافة القلبيّة لها أهميّة خاصّة لأنّها تضبط سلوك الإنسان وتحفظه من الانحراف والمعصية وتسيطر على سلوكه الخارجي، بينما النظافة الخارجيّة تعني بنظافة المظهر من الملبس والجسم للإنسان ولا تسيطر على القلب ولا على نظافته ونزاهته
ص: 135
الداخليّة ، فكم من إنسان نظيف في ملبسه ومظهره ولكنّه شرير في عمله وشاذّ فى تصرّفاته؛ لأنّ قلبه غير نظيف ولم تغسله وتطهّره التوبة، والإسلام يهتمّ بنظافة وطهارة الداخل والخارج والذي يهتمّ بهذين المظهرين الداخلى والخارجي فإنّه يكون محبوباً الله تعالى ، ولهذا عناه في كتابه القويم بقوله:
(إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )(1).
ثانياً: السؤال: لماذا خلق الله الإنسان وجعل لديه الاستعداد للمعصية؟
الجواب على ذلك: إنّ الله جعل لكلّ مخلوق من مخلوقاته خاصية به، فكلّ نوع من أنواع مخلوقاته وفصيلة من فصائلها، لها امتیاز خاصّ بها تمتاز عن غيرها، فنوعيّة الإنسانو خاصيِّته تحتاج إلى الازدواجيّة والاثنينة في الغرائز والخلقة فلهذا زوّد الإنسان بعدّة غرائز كغريزة الجوع والعطش وحبّ الذات والجنس مقرونة بغريزة الإيمان والعقل فاذا سيطرت هذه الغرائز على إيمانه وعقله وغلبت شهواته
ص: 136
على عقله صار كالحيوان وإذا سيطر عقله وإيمانه على بقيّة الغرائز صار ملاك في الأرض بل أفضل من الملائكة ولهذا اختار الله رسله وخلفائه من هذا الصنف وجعله خليفة في الأرض حيث قال تعالى:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(1).
وبهذه الخاصية امتاز الإنسان على سائر المخلوقات، فكما أنّ النار خلقت لتكون حارّة وحارقة فاذا كانت باردة لا تسمّى ناراً، وكذلك الثلج خلق بارداً فلو صار حاراً لا يسمّى ثلجاً فكذلك جنس الإنسان وخلقته فهو بحاجة ماسة إلى هذه الزوجيّة من التلوّن فى الميول والغرائز؛ لأنّ إعمار الأرض لا يكون إلّا بها، فلو لا غريزة الجوع وحبّ الذات والطمع لما خرج الإنسان من بيته في الشتاء القارص ولا في
ص: 137
الصيف القائض للعمل والإعمار، ولكن هذه الغرائز هي التي تدفعه إلى العمل والنشاط حتى تستمر الحياة وتعمر الأرض؛ لأنّ الله يريد إعمارها وبناءها فلهذا وغيره خلق الإنسان وزوّده بهذه الغرائز، ومن هذه الزوجيّة قد يصدر من الإنسان الخطأ والمعصية، ثمّ يتوب إلى رشده وصوابه وعقله ويندم، ففتح الله له باب التوبة ولم يغلقها في وجهه وأحبّ أن يرى عبده تائباً نادماً بقوله: إن الله يحبّ التوابين.
ثالثاً: ومن هنا يظهر لنا ضحالة هذا السؤال القائل: لماذا خلق الله الإنسان وجعل لديه الاستعداد للمعصية؟ وعدم جداوه وفائدته؛ لأنه يصبح يصبح سؤالاً عن كلّ شيء، أفيقال مثلاً : لماذا خلق الله البحار؛ لأنّه قد يتفّق غرق بعض السفن وبعض الناس فيه فينبغى إزالة البحار وإعدامهعا حتى لا يغرق البعض فيها ...؟ أو السؤال: لماذا اخترع أديسون الكهرباء؟ لأنّ بعض الناس قد يموتون بسبب التيار الكهربائي فينبغي نستغني عنه ؟ أو يقال سؤال: لماذا اخترعت السيّارة والطائرة ؟ لأنه قد تسقط الطائرة وتنقلب أو تصطدم السيّارة فيموت العشرات والمئات من الناس؟ فينبغي أن نستغني
ص: 138
عنهما ؟ أو السؤال: لماذا تفتح المدارس؟ لأنّ بعض الطلّاب قد يرسبون فيها ولا ينجحون ؟ فينبغي أن تغلق المدارس حتّى لا يرسب فيها أحداً، وهكذا قُل في كلّ شيء، فيصبح هذا السؤال واهياً لا قيمة له ولا اعتبار ولا يعتدّ به.
رابعاً: إنّ الله سبحانه وتعالى لم يهمل الإنسان ويتركه عبثاً؛ بل بعث إليه الرسل والأنبياء والأصفياء والأئمة والعلماء مبلّغين ومبشّرين حتى لا تكون للإنسان المعذوريّة من عدم تبليغه وإعلامه بالأحكام الالهيّة، لأنّ الله سبحانه قال:
(مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )(1).
ص: 139
ص: 140
-8-
الصلاة العلنيّة والمخفيّة
أيهما مطلوب و محبوب الله تعالى
ص: 141
ص: 142
أيّهما مطلوب و محبوب الله تعالى
الإسلام دين للدنيا والآخرة ولهذا يهتم لمن يؤمن به ويدين له بالطاعة أن يتزوّد بالتقوى والتسليم الكامل والطاعة المطلقة وقد شرع له بعض العبادات العلنيّة وسريّة لتحقيق هدفه وكلاهما محبوبات الله تعالى ومطلوبات له وهما :
واسمها معها فهي مطلوبة ومحبوبة الله تعالى وقد حثّ الاسلام عليها وكلّما زاد عددهازاد ثوابها وقد جاء ذلك في بعض الأخبار وهي كما يلي:
إذا كان عدد صلاة الجماعة تتكوّن من:
2 نفرين يعطي لكلّ واحد منهما 300 ركعة عن صلاة الانفراد.
ص: 143
3 ثلاثة يعطي لكلّ واحد منهم 600 ركعة عن صلاة الانفراد.
4 أربعة يعطى لكلّ واحد منهم 1200 ركعة عن صلاة الانفراد.
5 خمسة يعطى لكلّ واحد منهم 2400 ركعة عن صلاة الانفراد.
وهكذا يزداد ثواب صلاة الجماعة إذا زاد عدد المصلين إلى 10 نفرات ففى الرواية:
«لو كان الثقلان كتاباً والأشجار مداداً والبحار حبراً لما استطاعوا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة».
وهذا يعني انّ الاسلام يدعوا إلى التعاون والتزاور والتعارف بين الناس لأنّه يعتقد ان سبب خلق الله للكون والحياة وهو من أجل التعارف والتآلف لقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(1).
ص: 144
وهذا هو دين الله في الأرض، أمّا الذين يقتلون الناس باسم الدين والاسلام ويفجرون أنفسهم في المساجد والمراقد المقدّسة وفي الشوارع ويقتلون الناس المتجهين الله تعالى في عبادتهم وصلواتهم باسم الاسلام وهو بريء منهم وهم براء منه وهم لا ينتمون للاسلام بحال من الأحوال فهذا دستوره القرآن الكريم يقول:
(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)(1).
فهذه الآية الكريمة تقول من قتل نفساً ولم تقل مسلماً تريد بذلك أن من يُقتل مظلوماً فجريمته كجريمة قتل الناس جميعاً مهما كان دينه ومعتقده.
وبالأخير نقول ان صلاة الجماعة هي من المستحبّات المؤكّدة في التشريع الاسلامي وهي مطلوب ومندوب إليها لأنّها تظاهرة علنية ومسيرة جماعيّة نحو الله سبحانه وتعالى وذلك لضبط السلوك الاجتماعي للمجتمع ولهذا يستحب
ص: 145
الدعوة للطلب في الحضور العلني إليها، وهذه العلنية في العبادة والصلاة لا يمكن أن يقال انها تثير الرياء في نفس المصلى وهو حرام ومبطل للصلاة ؟ وجوابه ان هذه العلنية فى صلاة الجماعة لا تدخل تحت عنوان الرياء، لأنّ الرياء في الصلاة يكون إذا كان المصلّي لا يُصلّي أصلاً وإنّما يأتى للصلاة في المسجد والجماعة أن يرى نفسه للناس بأنّه يصلّي بينما صلاة الجماعة يستحب الاجهار بها والدعوة العلنيّة إليها ومثالها مثال الصدقة العلنيّة تكون في بعض الأوقات أكثر ثواباً من الصدقة السرية.
وهي أيضاً من المستحبّات المؤكّدة والمؤثّرة في نفس الانسان المصلّي وتسمّى بصلاة الليل وتأثيرها في تزكية النفس وصقلها لأنّها ترفع بالانسان المصلي إلى مصاف الايمان الكامل وبها يشحن المصلي روحه بالتقوى والقرب الالهي لأن وقتها بعد منتصف الليل وذلك إذا خلا العاشق بمعشوقه عند صفاء الجو وهدوئه وسكونه فيحلو بالانسان
ص: 146
أن يتصل بخالقه في ذلك الوقت من دون مزاحم ومشاغل فهو يعيش يعيش في لذّة - لو عرف الملوك بها لقاتلون عليها - كما يقول بعض الملتزمين بها ولهذا كان أنبياء الله ورسله والأئمّة والصالحون من عباده يصرّون عليها ويلتزمون بها ليزدادوا قرباً إلى الله سبحانه وتعالى وهذا سيّد المتّقين وإمام المجاهدين أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وهو أعبد انسان بعد رسول الله على وجه الأرض كان حريصاً عليها ومواظب على وقتها والالتزام بأدائها مع قربه الالهي ولكنه يريد أن يزداد قرباً لله سبحانه وتعالى كما وصفه ضرار بن ضمرة الكندي كما جاء في تاريخ مروج الذهب للمسعودي (1) وغيره من الكتب التاريخيّة الاخرى نقتطف بعضاً منه.
ضرار بن ضمرة الكندي كان من خيرة أصحاب الإمام عليا حينما دخل على معاوية بعد مقتل الإمام علي علیه السّلام فقال عمرو بن العاص لمعاوية هذا صاحب علي في صفّين
ص: 147
فاللتكل به فالتفت معاوية إلى ضرار قائلاً يا ضرار صف لى عليّاً فقال له ضرار أعفني من ذلك وقد مات علي معاوية لابدّ لك من وصفه فقال ضرار: اني أصفه كما رأيته فهل أنا آمن؟ قال معاوية: بلى أنت آمن فانبرى ضرار يصف علياً قائلاً: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان غزير العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استفتيناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نکاد نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا يبئس الضعيف من عدله فأشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك كثير وعيشك حقير آه من
ص: 148
قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .
فبكى معاوية وبكى الحاضرون وقال معاوية: اى والله كان أبو الحسن كذلك ثمّ التفت إلى أصحابه قائلاً فيهم، هل فيكم من يصفني بعد مماتي كما وصف هذا صاحبه، فأجابوه بقولهم: «الصاحب على قدر الصاحب».
ونحن هنا نرى قول ضرار بن ضمرة الكندي يقول: إذا أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قام علي في محرابه إلى آخر وصفه كيف كان علي علیه السّلام يستفيد من هذا الوقت بعد منتصف الليل في أغلب لياليه فانه يناجي ربّه بتلك المناجات التي يقول فيها:
« مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بِكَ جَاهِلٌ وَلَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَلَا لِنَظَرِكَ مُسْتَخِفٌ وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَأَعَانَتْنِي عَلَى ذَلِكَ شِقْوَتِي وَغَرَّنِي سِتْرُكَ الْمُرْخَى عَلَيَّ فَمَنِ الآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذَنِي وَبِحَبْلِ مَنْ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي فَيَاسَوْأَتَاهُ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَلِلْمُثْقِلِينَ حُطَّوا أَفَمَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحَطُّ وَيَلِي كُلَّمَا كَبِرَ
ص: 149
سِنِّي كَثُرَتْ ذُنُوبِي وَيَلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ مَعَاصِيَّ فَكَمْ أَتُوبُ وَكَمْ أَعُودُ أَمَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحْيِيَ مِنْ رَبَي».
إلى غيرها من المناجات الليلية التي بها يناجي ربّه بعد صلاة الليل فانّها تربي الانسان المصلّي وهكذا تلتقي الصلاة العلنيّة والصلاة المخفيّة لتصقل سلوك المجتمع وسلوك الفرد وبهاتين الصلاتين المحبوبات الله تعالى وقد عبّر الله عن ذلك بقوله :
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)(1).
ص: 150
_9_
ما هو المطلوب المخافة
من الله أو الخشية منه
ص: 151
ص: 152
الانسان العاقل الذي يريد أن يتّصل بالله سبحانه وتعالى ويبتعد عن المحارم والمعاصي ويفر من الذنب والجريمة لابدّ له أن يجتاز مرحلة الخوف إلى مرحلة الخشية الالهية وذلك للأسباب التالية:
وذلك لأنّ الخوف لا يعطي الحصانة والمناعة من الوقوع في المعصية وارتكاب الذنب لأنّه أشبه ما يكون بالبوليس الخارجي فاذا زال البوليس الخارجي واختفى فيمكن للانسان الخائف أن يرتكب الذنب والمخالفة لأنّ البوليس أشبه ما يكون بالرقيب الخارجي المانع من ارتكاب المخالفة واتيان الذنب والمعصية، فاذا ذهب هذا الرقيب الخارجي من
ص: 153
الساحة يرتكب الانسان الخائف الجريمة والمعصية والمخالفة .
بينما الخشية الالهيّة تكون أشبه ما تكون بالبوليس الداخلي وهو الذي يعطي المناعة من الوقوع في الذنب والابتعاد عن المعصية وارتكاب الجريمة لأنه رقيب داخلى الانسان في سره وعلانيته وفي سفره وحضره وفي ليله ونهاره لأنه يعيش معه دائماً ولا يفارقه ولهذا تحصل لدى الانسان الخاشي المناعة والفرار من الذنب والمعصية وارتكاب الجريمة كما قال الله تعالى في كتابه الكريم :
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(1).
نستطيع أن نقول ان الخشية أعم من الخوف لأن كلّ
ص: 154
مختشي هو خائف ولا عكس وليس كلّ خائف هو مختشي وذلك لأنّ الخائف إذا زال سبب خوفه وهو البوليس الخارجى ارتكب الذنب وعمل المخالفة بينما المختشى وهو البوليس الداخلي يكون معه أين ما حل وارتحل ويمنعه من ارتكاب الذنب والجريمة ولنضرب مثالاً على حال الانسان المختشي فانّه يقال:
كان أحد العلماء ويسمّى بالسيّد داماد قبل 300 سنة حينما كان طالباً وشابّاً يدرس في احدى مدراس اصفهان وفي ليلة من ليالي الشتاء غرفته كان جالساً في وأمامه موقد نار للتدفئة واذاً بالباب تفتح وتدخل عليه فتاة جميل تشبه البدر التمام وجلست في زاوية الغرفة واذا بالطالب الشاب يضع اصبعه في موقد النار حتّى احترق نصف اصبعه والبنت تنظر إليه وهى بنت أحد الوزراء آنذاك وكانت قد ذهبت إلى الحمام العمومي في ذلك الوقت فأصابها دوار في رأسها واذا بها تدخل المدرسة وتفتح باب غرفة هذا الطالب وهي لا تشعر فلمّا عاد إليها صوابها وزال الدوار من رأسها فخرجت من غرفة الطالب وذهبت إلى بيتها وحكت
ص: 155
لأبيها ما رأيته من عمل هذا الطالب الشاب وكيف أنّه كان يضع اصبعه في النار حتّى ذهب نصف اصبعه وجاء أبوها على الفور إلى مدرسة الطالب ودخل غرفته فوجد الطالب قد ذهب نصف اصبعه فسأل والد البنت عن سبب حرق اصبعه فأجابه الشاب: أراد بعمله هذا يصرف نفسه عن التفكير في الشهوة والوقوع في المعصية فاستحسن والد البنت الوزير عمله هذا وعقد له على بنته وزوجه منها حتى لقب بالسيّد الداماد أي صهر الوزير واشتهر بهذا اللقب وهو من كبار علمائنا .
ونحن نستفيد من هذه الظاهرة ما يلى:
أولاً: ثبت إن من كان لديه خشية الله ينجو من الوقوع في المعصية ويستطيع أن يفر من الذنب .
ثانياً: ان الذي يبتعد عن المعصية والذنب خشية سبحانه وتعالى يهيّئ له من أمره رشداً ويرزقه من حيث لا يحتسب وهذا الطالب الشاب كيف ان الله هيّأ له وسائل العيش على أحسن وجه ومكنه أن يتزوج بنت وزير من وزراء ذلك الوقت لأنّه ابتعد عن المعصية ولأنّه يعيش خشية
ص: 156
الله في نفسه وقلبه.
ثالثاً: الذي يبتعد عن معصية الله تعالى بوصله إلى مقامات رفيعة ودرجات راقية ويصبح يشار إليه بالبيان لمقامه ومنزلته.
رابعاً: هناك قاعدة كلية وكل من طلب الدنيا خسر الدنيا والآخرة ومن طلب الآخرة حصل على الدنيا والآخرة فانظر إلى هذا الطالب الشاب كيف ابتعد عن المعصية وفر من الذنب خشية الله وكيف ان الله عوضه بزوجة من حلال وأعطاه خير الدنيا والآخرة حتّى لقب بالسيد الداماد لأنه أصبح صهر الوزير ولقب به .
فتزكية النفس وتكاملها تعطي الانسان الخشية من الله تعالى وترفعه إلى مقامات رفيعة ودرجات عالية وذلك طبقاً لوصيّة الإمام الحسن الزكي علیه السلام حينما قال: من أراد عزّة بلا عشيرة وجاهاً بلا سلطان فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ
طاعته .
عصمنا الله وإيّاكم بالتقوى وجعل الآخرة خيراً لنا ولكم من الأُولى.
ص: 157
*القرآن الكريم
* نهج البلاغة
1 . بحار الأنوار للعلّامة المجلسي.
2. تاريخ الطبري .
3.تفسير الدرّ المنثور للإمام السيوطى.
4. الكامل في التاريخ لابن الأثير طبع دار الصادر، بيروت.
5.كنز العمّال للمتقي الهندي.
6. مطلب السؤول .
7.مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي.
8.مقتل الخوارزمي.
9.ميزان الحكمة .
10. الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين علیه السّلام، عبد الكريم الحسيني القزويني.
11 . تاریخ مروج الذهب للمسعودي.
ص: 158
1 - الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين علیه السلام
2 - الصوم بحث ودراسة
3- علي ومواقفه البطولية
4 - علي ومدرسته الحربية
5- مدرسة علم الأخلاق النظري
6 - الشركة في الفقه الإسلامي
7-كتاب الأسئلة والأجوبة الإسلامية صدر منها حتّى الآن سبعة أعداد
8- واقعة بدر الكبرى
9 - نظرية النبوة والإمامة والخلافة في الإسلام
10 - الصلاة واجباتها وأحكامها
11 - مفاهيمنا
12 - مفهوم الشعائر الحسينية
ص: 159
13 - تاريخ المدارس الأخلاقية قديماً وحديثاً
14 - التشيع هو النبع الصافي للإسلام
15 - التشريع الإسلامي وتطوّر الزمن
16 - أوهام أحمد الكاتب وأساطيره
17 - خرافات عثمان خميس وأوهامه
18 - ثلاث مناظرات في مكة المكرّمة والمدينة المنورة
19 - التشيع هو المذهب الرسمي للإسلام بالنصّ القرآني والنبوي
20 - النصائح الوافية لأتباع الوهّابية والسلفية
21 - فكرة الإمام المهدي فريضة إسلامية بالنص القرآني والنبوي
22 - الايمان بالامام المهدي المنتظر علیه السّلام فريضة اسلاميّة بالنص القرآني والنبوي وفيها الردّ على بعض الشبهات حوله
23 - أحكام المسافر في الشريعة الإسلامية
24 - مواقف انسانية هادفة للإمام أمير المؤمنين عایه السّلام
25 - دروس في تزكية النفس وتكاملها
ص: 160
26 - لماذا الاختلاف بين المذاهب الاسلامية مع وضوح النص القرآني والنبوي وقد صدر منها حتى الآن 15 عدد
27 - ثلاث شبهات تلفزيونية لابدّ من الاجابة عليها
28 - زيارة قبور المؤمنين والطلب منهم جائز بالنص القرآني والنبوي
29 - أحكام المسافر مع زيارة الامام الرضا علیه السّلام
30 - الدین : نشوئه و تقوية ايمانه وتطور تشريعه مع الزمن
31 - نظرية النبوة والامامة والخلافة في الاسلام، الطبعة الثانية فيها زيادة واضافة
32 - مدرسة علم الأخلاق النظري والنظرية الاسلامية فيه
33 - كيف تقيم المآتم الحسينية ؟
34 - دروس قرآنيّة في تزكية النفس وتكاملها (الطبعة الثالثة فيها زيادة ) .
ص: 161
ص: 162
تبّرع......5
تمهيد...7
-1-
المدارس في تزكية النفس وتكاملها
المدارس في تزكية النفس ونظرياتها........10
الأولى : النظريّة الماديّة........11
نقدها .....11
الثانية : النظريّة الصوفية المحضة........14
الثالث : النظريّة الإسلامية للحياة........16
-2-
كيف نبتعد عن المعصية؟
كيف نبتعد عن المعصية ؟...........23
عوامل تفشّي هذه الأمراض......23
ص: 163
ما هو علاج هذه الأمراض ؟......24
كيف يستطيع الإنسان أن يتجنّب المعاصي والجرائم ؟..........27
أولاً : المسجل الرباني..........28
ثانياً : العقل الإلكتروني المحصي لأعمال الإنسان........30
ثالثاً : التلفزيون الربّاني......31
رابعاً: شهادة الأعضاء على الإنسان.......33
خامساً : الارض تشهد بوقوع المعصية......35
-3-
عوامل تقوية الإيمان
عوامل تقوية الإيمان......39
ما هي ؟ عوامل تقوية الإيمان ؟ .......39
عوامل تقوية الايمان......40
أوّلاً : الوعي الفكري ويقابله الغباء الفكري .....40
الغباء الفكري.....41
ثانياً : الوعي السياسي ويقابله الغباء السياسي.....44
كيفية تحقق هذا الوعي.....44
الغباء السياسي......46
ثالثاً: الوعي الإجتماعي ويقابله الغباء الاجتماعي......53
ص: 164
الغباء الإجتماعي....54
رابعاً : الوعي الإيماني ويقابله الغباء الإيماني.....57
التغذية الإيمانية يمانيّة .....58
الغباء الإيماني.....61
-4-
مراحل الاعتقاد و تزكيته
مراحل الاعتقاد وتزكيته...........65
الإنسان المسلم ومراحل نمو اعتقاده .....65
المرحلة الأولى : وهى الإسلام......65
خصائص هذه المرحلة : الحضانة....65
مخاطر هذه المرحلة ...........66
المرحلة الثانية : الإيمان.......69
خصائص هذه المرحلة : المناعة الفكريّة والعمليّة.......69
وسائل تغذية الإيمان ............70
المرحلة الثالثة : العشق الإلهي.....72
خصائص هذه المرحلة : ( البذل والفداء)......73
ص: 165
-5-
الزهد وأنواعه
الزهد وأنواعه.....85
أولاً تعريفه تعريفه .....85
ثانياً : أنواعه.....86
أ الزهد النفعي.......86
ب . الزهد التجريبي.....89
ج الزهد الأبيقوري......90
د . الزهد العقابي.....91
ه-. الزهد الدرويشي الصوفي.....93
و . الزهد الواقعي.......96
-6-
مفهوم الشخصيّة الإسلاميّة
وأقسامها في القرآن الكريم
الشخصية الإسلامية وأقسامها ....
مفهومالشخیّة الاسلامیّة وأقسامها......103
أوّلاً : تعريفها .....103
ثانياً : أصنافها ......104
1.الشخصيّة المعاندة .....104
ص: 166
.2 الشخصيّة المضطربة....109
.3 الشخصيّة التبعيضيّة .........113
4. الشخصيّة المستقيمة.....16
-7-
مفهوم التوبة في القرآن
مفهوم التوبة في القرآن....123
التوبة في اللغة اللغة ...123
التوبة في الاصطلاح.....123
مفهوم التوبة في القرآن.....125
التوبة ومنزلتها عند الله....125
التوبة في القرآن الكريم.....125
التوبة في السنة الشريفة.....128
مراحل التوبة وعناصرها ......132
أ - ترك الزلّة والمعصية فوراً .....132
ب - الندم على ما فعله ...132
ج العزم والتصميم......132
د - تصفية حساباته الماليّة...........133
الأولى : الحالة الارضائيّة......134
الثانية : الحالة الندميّة ...........134
ص: 167
-8-
الصلاة العلنية والمخفيّة
أيهما مطلوب و محبوب الله تعالى
الصلاة العلنيّة والمخفيّة ........143
أيهما مطلوب ومحبوب الله تعالى....143
الأولى : الصلاة الجماعة ......143
الثانية : الصلاة المخفيّة.....146
-9-
ما هو المطلوب المخافة
من الله أو الخشية منه
ما هو المطلوب المخافة من الله أو الخشية منه....153
الأوّل : مرحلة الخوف ......153
الثاني : مرحلة الخشية الالهيّة.....154
ما هو الفرق بين الخوف والخشية ؟ ......154
المصادر....158
كتب المؤلّف.....159
محتويات الكتاب.....163
ص: 168