العَنْعَنَهُ

من صِیَغ الأداء للحدیث الشریف

تاریخها ، دلالتها ، وقیمتها العِلمیّه

الس-یّد محمّ-د رضا الحسینی الجلالی

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الثانی : تاریخ العنعنه ··· 59

1 - الموارد عند القدماء ··· 61

2 - وعند المتأخّرین ··· 65

3 - تراثنا الحدیثی ودور العنعنه فیه

··· 66

1 - الجعفریّات ··· 66

2 - مسند الإمام موسی بن جعفر الکاظم علیه السلام ··· 70

3 - مسائل علیّ بن جعفر عن أخیه الإمام الکاظم علیه السلام ··· 73

4 - صحیفه الإمام الرضا علیه السلام ··· 77

5 - الأُصول الأربعمئه ··· 82

6 - کتب أُخری ··· 85

7 - الکتب الأربعه ··· 86

8 - نتیجه هذا الاستعراض ···

108

9 - مع تراث العامّه ··· 109

الفصل الثالث : مشاکل العنعنه وحلولها ··· 113

الفصل الرابع : العَنْعَنه والطُرُق ··· 125

الخاتمه :ملاحظات حول العنعنه ··· 143

الملاحظه الأُولی ··· 143

الملاحظه الثانیه ··· 144

الملاحظه الثالثه ··· 147

خلاصه البحث ··· 151

ص: 6

وبموازاه ذلک بَذَلَ أعداءُ هذا الدین جهودا مُضنیهً مستمیتهً ، للحیلوله دون تدفّق هذه المادّه الحیویّه ، ودون استمرار هذه العَین الزخّاره ، ودون دوام هذا المَعین الثرّ ، فسعَوا بشتّی السُبُل فی الصدّ عنه والمنع من الارتواء منه ، وإباده

مادّته وتعکیر صفوه ، وتحریف مساره وتشویه معناه ، والتشکیک فیه ، مشدّدین علیه بالتقلیل من أهمّیته ، وإلقاء الشُبَه فی الموروث والمتناقَل منه ، بوضع الأحادیث المزیّفه وخلطها به .

ولم تنقطع محاولات الأعداء منذ عصر الرساله حتّی العصر الحاضر ، إذ نشهد حملاتٍ وقحهً وشرسهً یقودها الیهود والنصاری من خارج البلاد الإسلامیه ، ویرقص علی نعیقهم حثالات من عملائهم فی الداخل ، یروّجون للشُبَه المثاره ، رغم تفاهتها وهزالها ، فیُثیرون بها الغبار فی وجه الحدیث الشریف ، بلسان البحث العلمیّ والنقد العقلیّ والدراسه التاریخیّه ، وما أشبه ذلک من العناوین الخلاّبه والبرّاقه ، یستهوون بها عقول الأبریاء من ناشئه الجامعات ، غیر المطّلعین علی قضیّه الحدیث وتاریخه وأبعاده .

ومن المؤسف اغترار مَن یعدّ نفسه عالما ، بمثل تلک المزاعم ؛ لعدم اطّلاعه علی وجهات النظر الصحیحه للبحوث التخصّصیه الدائره حول الحدیث ، واکتفائه بالمطالعات السطحیّه أو المعلومات الساذجه المتلقّاه من أدعیاء العلم من أمثاله .

مع أنّ الحدیث وشؤونه ، قد أصبح بعد تلک المدّه المدیده والجهود العدیده « عِلْما » مستقلاًّ ، له أُصوله وقواعده ومصطلحاته وقوانینه وأسراره ، الّذی لا یمکن الاطّلاع علیه ولا استیعابه بدونها ، وبدون التمکّن منها ، کما هو شأن کلّ عِلمٍ .

ص: 8

وقد تدخّل بعض مَن یتشبّه بالشیوخ من الأحداث فی ما لا یعنیه من علم الحدیث ، عندما تعرّض أثناء ما أسماه بالبحث الفقهیّ ، محاولاً إنکار حجّیه مجموعه کبیره من الأحادیث المعنعَنه فی الکتب الأربعه ، بزعم : « أنّ الحدیث المعنعَن لا حجّیه له » ، متشبّثا فی ذلک بشبهه بالیه حول « العنعنه » أثارها بعض أعداء الدین فی صدر التاریخ الإسلامیّ ، وأجاب عنها جمهور المحدّثین الأیقاظ ، فقضوا علیها وهی فی المهد ، ومفادها : أنّ « عن » لا تدلّ علی الاتّصال بین الشیخ والراوی ، فالحدیث المعنعَن لا یکشف عن سماع الراوی حدیثَ الشیخ مباشرهً .

ثمّ خلط هذا المتشیّخ بین هذه الشبهه ، وبین ما تلقّاه من التشکیک فی حجّیه « الإجازه » من طرق تحمّل الحدیث ، مُضیفا : أنّ « عن » تعبّر عن خصوص « الإجازه » من الطرق ! فانتهی إلی نتیجه خطیره وهی : إسقاط أعظم مجموعه من الحدیث الشریف عن الاعتبار والحجّیه !

وهذه النتیجه توافق نفسیّه هؤلاء الّذین لم یأخذوا مأخذ الجِدّ ما لهذه الأحادیث من دورٍ وأثرٍ فی المعرفه والحضاره الإسلامیه ، وتوافق میلهم إلی الأسالیب الجدلیّه الرائجه فی العلوم العقلیه ، وإقحامها فی السمعیّات ، وخاصّه ما یرتبط بالاستدلال الفقهی کما توافق مستواهم الضحل فی علوم العربیه ، الّتی لم یتوغّلوا فی استیعابها ، بل قصّروا فی تعلّمها .

فبدلاً من أن یحاولوا رفع مستویاتهم العلمیه فی معرفه العربیه وآدابها ، کی یفهموا ما ورد فی نصوص الحدیث الشریف ، لجّوا فی تزییف أسانید النصوص ، ولجأوا إلی إیراد الاحتمالات البعیده ، فی الأحکام الشرعیه ! وعمدوا إلی التشبّث بأدنی شبهه تُضعف الحدیث وتوهنه ، وتخلّص ( الأُستاذ ! ) من الحَوْم

ص: 9

حول فقهه ودلالته ولغته ونحوه وأدبه وبیانه وبلاغته ، الّتی لاعَهْدَ له بها.

مضافا إلی ضَعْفِ المقدّمات والأُسس الّتی بُنیت علیها کلّ تلک الشبه من حیث مدلول « عن » لغهً واصطلاحا ، ومعنی « الإجازه » ودورها العلمیّ ، وتاریخ العنعنه والبحث حولها .

وقد رأیتُ من الضروری عرض هذا البحث لتنکشف جوانبه کلّها لأهل العلم ، وتُفنّد تلک المزعومه الزائفه ، ویظهر عوارها لکلّ منصف أمین(1) .

واللّه الموفّق والمعین .

وکَتَبَ

السیّد محمّد رضا الحسینی الجلالی

ص: 10

والأکثرون علی أنّها « ثمانٍ » بالترتیب الآتی :

الاستفاده من میّزات کلٍّ ، وخصائصها المذکوره لکلٍّ .

وقد وفّقنا اللّه جلّ وعزّ للبحث عن هذه الألفاظ فی رسالهٍ جامعه بعنوان : ( صیغ التحمّل والأداء للحدیث الشریف : تاریخها ، ضرورتها ، فوائدها ، واختصاراتها ) ، نشرت فی مجلّه علوم الحدیث الّتی تصدرها کلّیه علوم الحدیث فی طهران ، فی العدد الأوّل السنه الأُولی 1418ه ، الصفحات 84 - 182 ، استوعبت ما یرتبط بجوانبها کلّها .

وقلت فیها : ممّا قرّروه فی باب ( التحمّل للحدیث وأداؤه ) هو الصیغ والألفاظ الخاصّه الّتی تؤدّی بها روایه الحدیث ، وفی المراحل والأدوار المتعاقبه تعدّدت تلک الألفاظ وتکاثرت حسب الحاجه الّتی هی أُمّ الاختراع ، فحدّدوا لکلّ طریقهٍ لفظا أو أکثر ، واصطلحوا بکلّ لفظٍ أو أکثر لطریقٍ معیّنهٍ ، ورتّبوا علی هذا التحدید والاصطلاح آثارا اعتباریّهً ، وحکموا لها بأحکامٍ خاصّهٍ ، تزید من روعه هذا العلم ، ویدلّ علی مزید دقّه المحدّثین ومزید عنایتهم بشؤونه ، وتدفع المتعلّم علی متابعه جهودهم لمعرفه مصطلحاتهم(1) .

وقلت : فاللفظ المعبّر عن نسبه الحدیث إلی ناقله ، لابدّ أن یکشف عن بلوغه إلی ناقله ، ویتمّ به الربط بین الناقل والراوی ، ویصرّح کذلک بالطریقه الّتی تمّ بها البلوغ والربط ، ویتمکّن السامع والقارئ بعد معرفه تلک الأُمور : البلوغ ، والطریقه ، والربط من الحکم علی الحدیث والنصّ بما یناسب(2) .

ص: 14

وقد حافظوا علی تلک الصیغ والألفاظ بحیث لم یجوّزوا إبدال أحدها بالآخر ؛ حذرا من ارتباک المصطلحات وتداخلها ، فقد قال الشیخ العاملی والد البهائی رحمهماالله : لا یجوز عندهم إبدال کلّ من « حدّثنا » و « أخبرنا » بالآخر ، فی الکتب المؤلّفه(1) .

وقال أحمد بن حنبل : اتّبعْ لفظَ الشیخ فی قوله : « حدّثنا » و « حدّثنی » و «سمعت » و « أخبرنا » ولا تَعْدُه(2) .

وأقدم مَن عُرف منه الاصطلاح بالألفاظ والالتزام بها لکلّ طریق هو المحدّث الأقدم الشهیر أبو مریم الأنصاری ، عبد الغفّار بن القاسم ( ت 160 ه ) ، وهو من أصحاب الإمام الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام ( ت 148 ه ) ، وهو من کبار محدّثی الشیعه .

وقد اعترف العامّه له بهذا . قال ابن حجر : کان ذا اعتناءٍ بالعلم والرجال . وقال شعبه : لم أرَ أحفظَ منه . وهو شیخ شعبه الّذی قالوا فیه : « أمیر المؤمنین فی الحدیث »(3) .

ونسب بعضهم نشأه هذه المصطلحات إلی شعبه ، ولکنّ علیّ بن المدینی قال : إنّما تعلّم شعبه هذا التدقیق من أبی مریم عبد الغفّار بن القاسم(4) .

وقد کان من آثار غمط الحقّ ذلک أن أُهمل تُراث الشیعه ، وطُوی ذکرهم فی علوم الحدیث ، وفی المصطلح خاصّه ؛ لتقدیم العامّه المتأخّرَ وتأخیرهم

ص: 15

المتقدّمَ ، وإلاّ فالحقّ ما قاله الحافظ الکبیر أحمد بن محمّد بن عقده الکوفی ، وهو یُثنی علی أبی مریم ویُطریه ، حین قال : لو ظهر علم أبی مریم ما اجتمع الناس إلی شعبه(1) .

وإلیک قائمه مقتضبه بألفاظ کلّ طریق ، ممّا هو المشهور بین المحدّثین :

1 - طریقه السماع ، ألفاظها : سمعتُ ، حدّثنا .

2 - طریقه القراءه ، ألفاظها : قرأت علی ، أخبرنا .

3 - طریقه الإجازه ، ألفاظها : أجاز لی ، أنبأنا .

4 - طریقه المناوله ، ألفاظها : حدّثنا مناوله ، ناولنی .

5 - طریقه المکاتبه : حدّثنا أو أخبرنا مکاتبه ، کاتبنی .

6 - طریقه الإعلام : أخبرنی أو حدّثنی إعلاما ، أعلمنی ب- .

7 - طریقه الوصیّه : أخبرنی أو حدّثنی وصیّه ، أو أوصی لی .

8 - طریقه الوجاده : وجدت بخطّ فلان .

وهذه أصرح الألفاظ المتّفق علیها بین المحدّثین وأقواها ، وأدلّها لکلّ طریقه ، مع أنّ لکلّ منها ألفاظا أُخری مختلفاً فیها ، وقد ذکرناها مفصّلهً فی ذلک البحث المنشور .

هذا کلّه إنّما هو علی مذهب التشدید فی الالتزام بالألفاظ الخاصّه مع کلّ طریقٍ ، وأمّا علی مذهب التسامح فی ذلک والتسویه بین الألفاظ فی تحقّق الهدف الأساسی منها کلّها ، وهو أمرٌ واحدٌ ، أعنی إیصال الحدیث إلی الراوی وإبلاغه إلیه ، والإعلام عن اتّصاله به بإحدی الطرق الثمان المعتبره

ص: 16

عند العلماء ، فلا فرق فی الأداء بین لفظٍ وآخر ، وهذا هو الرأی المختار .

وهذا أیضا ممّا استوعبنا البحث عنه وإثباته فی ذلک البحث المنشور . ولکن بما أنّ الهمم تقاعست عن التعمّق فی المعارف الدینیه ، وظهرت علی واجهات المحافل ومسارح البحث العلمی أسماء ضحلهٌ لا تمتّ إلی العلم بنسبٍ ولا سببٍ ، وأقام فی مدارس العلوم مَن لا ناقه لهم فیها ولا جمل ، وأصدروا من الکتب والبحوث والمسودّات ما لا یعود علی العلم إلاّ بالعار ، حتّی صحّ أن یقال فیها :

لقد هزلتْ حتّی بدا من هُزالها

کُلاها وحتّی سامها کلُّ مفلسِ

فإنّ أحد المتطفّلین علی البحث الفقهیّ منهم قد تعلّق بأحد الألفاظ الّتی وقع بین أعلام المحدّثین البحث الواسع حوله ، وهو لفظ « عن » الّذی استُعمل فی الأسانید بکثرهٍ ، ووقع فی جمیع طرق التحمّل والأداء ، فوقع الخلاف الشدید فی الأداء به ، فمنع من ذلک بعضٌ واعتبره تدلیسا ، وفصّل آخرون ، واعتبر بعض کلمه « عن » من الاختصارات البدیله عن ألفاظ الأداء والتحمّل ، بل جعلها من أهمّ اختصاراتها(1) .

بل قد صرّح العلائی من علماء الفنّ أنّه : إذا ظهر الفعل (أی : لفظ الأداء فی أوّل السند) کان قرینهً علی حمل جمیع ما بعده علیه ، فإذا قال الراوی فی أوّل السند : « حدّثنا » أو « أخبرنا فلانٌ » حُمِلَ جمیعُ ما بعده من « العنعنه » علی ذلک(2) .

ص: 17

ومع هذا فإنّ دعوی ذلک المتطفّل علی موائد العلم والعلماء ، من أدعیاء الاجتهاد الّذین کثروا هذه الأیّام ! خطیرهٌ جدّا ، حیث اغترّ بما قرأ فی الصحف من دون وعیٍ ولا هدایه مرشدٍ ، والتزم بشبههٍ قدیمه أکل الدهر علیها وشرب ، مضمونها : أنّ الحدیث المعنعن وهو المحتوی سنده علی لفظه « عن » بدل ألفاظ الأداء الأُخری ، منقطعٌ لا حجیّه له ولا اعتبار به . وقد طرح هذه الشبهه فی صدد حدیثه عن کتاب الکافی الشریف للإمام الکلینی ، أوّل الأُصول وأقدمها وأکبرها وأهمّها وأفضلها .

وإذا عرفنا أنّ التراث الحدیثی عند المسلمین عامّهً وکافّهً ، ملیءٌ بالحدیث المعنعن ، بل لا یخلو کتابٌ منها ، تعرف مدی التعدّی الآثم الّذی جناه ذلک المتشیّخ الجاهل علی العلم والعلماء والتراث الحدیثی المقدّس .

ومن هنا نری بوضوحٍ أهمّیه البحث عن الحدیث المعنعن ، بالتفصیل عن : العنعنه : واقعها ، وأحکامها ، وآثارها .

وسنفصّل فی هذا البحث عن الشبهه المزعومه والمثاره ، ونفنّد مزاعم هذا المتعدّی ، ونبدّد شمل مقاصده ، فی فصول :

ص: 18

ص: 20

عَنَّکَ رسولُ اللّه » .

قال ابن الأثیر : کأنّهم یفعلونه لِبَحَحٍ فی أصواتهم(1) .

وقال الفیروز آبادی فی معانی « عَنْ » المخفّفه : . . . وتکونُ مصدریّهً ، وذلک فی عنعنه تمیم : « أعجبنی عَنْ تفعلَ »(2) ؛ فهی بمعنی « أنْ » الناصبه للفعل المضارع .

وقال الزَبِیدی : وعنعنهُ المحدّثین مأخوذهٌ من عنعنه تمیم ، قیل : إنّها مولَّده(3) .

أقول :

عنعنعه المحدّثین مصدر جَعلیّ ، أی مولَّد یقینا ، إذ هی مأخوذه من « عَنْ » الّتی هی حرف جرٍّ موضوعٌ فی اللغه العربیه للدلاله علی المجاوزه کما سیأتی ، ومعنی العنعنه عندهم هو کون السند محتویا علی کلمه « عَنْ » بدلاً عن ألفاظ الأداء الأُخری ، وسیأتی تفصیل ذلک ، فلا رَبْطَ لعنعنه المحدّثین بعنعنه تمیم ، ولم یقصد المحدّثون هذا أصلاً .

ومن طرائف الإسناد ما رواه الخطیب البغدادی فی الکفایه باب : « اتّباع المحدّث علی لفظه وإنْ خالَفَ اللغهَ الفصیحه » :

فی حدیث عبد العزیز ، قال : ثنا محرز بن وزر « عَنَّ » أباه وزرا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عمران ، حدّثه « عَنَّ » أباه شعیثا ، حدّثه « عَنَّ » أباه عاصما ، حدّثه « عَنَّ » أباه حصین بن مشمت ، حدّثه . . . الحدیث .

ص: 22

قال الخطیب : رواه أحمد بن عبده الضبّی عن محرز بن وزر ، فقال : إنّ « أنّ » بدل « عَنَّ » فی کلّ المواضع ، وعبد العزیز أبدلَ فی روایته من الهمزه عینا ، وهی الّتی یُقال لها : « عنعنه قیس » علی وجه الذمّ ، وهم معروفون بها(1) .

تدلّ هذه النقول علی أنّ « عن » تدلّ علی مجرّد انفصال الشیء عن الشیء وابتعاده عنه ، فقولنا « سافرت عن البلد » بمعنی خرجت عنه وابتعدت عنه ، وانفصلت عنه ، یعنی تجاوز سفری البلدَ .

ومن هنا یُعرف الفرق بین التجاوز فی « عن » والابتداء فی « من » فی قولنا « سافرت من البلد إلی الضیعه » ، فإنّه یدلّ علی أنّ شروع السفر کان من البلد منتهیا إلی غایه ، فالغرض من « سافرت من » هو بیان محلّ الشروع فی السفر ، الّذی یقتضی نهایهً ، وإن اقتضی انفصالاً وخروجا من البلد ، إلاّ أنّ الغرض الإفصاح عن الابتداء دون مجرّد الانفصال . وإنّ الغرض من « سافرت عن » هو محلّ الانفصال بالسفر والخروج ، وهو البلد ، وإن کان هو المبدأ أیضا ، إلاّ أنّ الغرض هو التعبیر عن مجرّد الانفصال ، دون أن یذکر له منتهیً وغایه .

وقد استُعملتْ « عن » بمعنی « مِنْ » ومرادفهً لها ، وهذا هو المعنی السابع ممّا ذکره لها فی القاموس(1) .

قال أبو عبیده فی قوله تعالی : « وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَهَ عَنْ عِبَادِهِ »(2) : أی مِنْ عباده .

وقال الأصمعی : حدّثنی فلان مِنْ فلان ، یرید « عنه » ، ولَهِیْتُ من فلانٍ وعنه .

وقال الکسائی : عنک جاء هذا ، یرید « منک » .

ص: 24

روی جمیع ذلک أبو عبید عنهم(1) .

کما صرّح النحّاهُ فی معانی « عَنْ » أنّها تأتی بمعنی « مِنْ » .

قال ابن هشام فی معانیها : السابع : مرادفه « مِنْ » نحو : « وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَهَ عَنْ عِبَادِهِ » ، و « أُوْلَ-ئِکَ الَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا »(2) ، بدلیل : « فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْأَخَرِ »(3) (4) .

وذکر النحویّون أیضا فی معانی « مِنْ » أنّها تأتی لمعنی « عَنْ » :

قال الإربلیّ فی معانی « من » : العاشر : النائبه عن بعض حروف الجرّ المؤدّیه معناها : أحدها « عن » ، فإنّ « مِنْ » تنوب عنها فی تأدیه معنی المجاوزه ، نحو : « انفصلتُ من زیدٍ » و « نُهیتُ من شتم بکر »(5) .

وجعل ابن هشام المجاوزه ، السادس من معانی « من »(6) .

واعترض الإربلی علی مَن مثّل له بنحو : « بعدتُ منه » و « أنفقتُ منه » ، بقوله : لم یتبیّن لی فیهما معنی المجاوزه(7) .

أقول :

الوجهُ فی الاعتراض هو أنّ حقیقه المجاوزه هی التعدّی بحیث یکون

المجرورُ ب « عَنْ» متجاوَزا عنه ، ویکون فاعلُ الفعل هو المتجاوِزُ المنفصل

ص: 25

عن المجرور ، فهذا هو الأصل فی معنی « عنْ » وما هو بحکمه ، سواء کان تجاوزا حسّیا فیکون حقیقیّا ، أو تجاوزا تقدیریّا فیکونُ معنویّا ، نحو : « فاتَ عنّی الدرسُ » ، بمعنی تعدّی عنّی فلم أُدرکه ، وانفصل عنّی ، وفاتنی وقتُه ، وبَعُد عنّی .

قال ابن منظور : قال النحویّون : « عَنْ » ساکنه النون حرفٌ وُضع لمعنی ما عداک وتراخی عنک ، یقال : « انصرِفْ عنّی وتنحّ عنّی »(1) والمعنی : ابتعِد عنّی وانفصِل عنّی .

وأمّا « مِنْ » فالأصل فیها هو ابتداء الغایه مکانا أو زمانا کما هو المعروف فی کتب النحو واللغه ، وهو کذلک حقیقیّ ومعنویّ ، فالمجرور ب « مِنْ » مبدأٌ لمصدر الفعل المتعلَّق لها ، ولا بُدّ له من منتهیً یعادله ، بخلاف « عن » حیث یقصد الانقطاع والابتعاد فقط .

ففی الأفعال الّتی تدلّ علی الحرکه والانتقال ، مثل : « بَعُدَ » و « ذهبَ » و « غابَ » فإنّ الأمرین معا محتملان : التجاوز والابتداء ، فاستعمال کلٍّ من الحرفین « عَنْ » و « مِنْ » یجوز تبعا للمراد ، فلو صُرّح بکون الحرف المستعمل بمعنی الآخر ، کان هو المراد ، وإلاّ حصل اللَبْسُ واحتاج إلی القرینه الموضّحه والمشخّصه ، کما فی « بعدتُ منه » ، فلو أُرید البعد المکانی کانت « مِنْ » لابتداء المکان ، والمعنی : أنّه « مبدأ البُعْد » الّذی قمتُ به ، وقد بلغتُ موضعا آخر .

ولو قیل : إنّ « مِنْ » هی بمعنی « عَنْ » کان المعنی : تجاوزتُه ، وانفصلتُ

ص: 26

عنه وفارقتُه ، من دون غرض فی کونه مبدأ للفعل کی یحتاج إلی منتهیً . وکذا لو قیل : « بعدتُ عنه » ، فلو أُرید المجاوزه صَحَّ . ولو قیل إنّ « عَنْ » بمعنی « مِنْ » کانت بمعنی الابتداء فی المکان کما شرحنا ، وکان بحاجه إلی منتهیً ولو لم یُذکر فی الکلام .

والظاهر أنّ الالتزام بمعنی نفس الحرف المستعمل فی الکلام وإراده معناه الأصلی هو المتعیّن ، إلاّ أنْ یُصرّحَ مَنْ یُعتمد علیه من أهل اللغه بإراده معنی الحرف الآخر ، فیکون هو المتّبع .

عمرو عن بکر » لیس مجرّد ذلک ، بل فیه الانفصال والوصول إلی غایه ، ولذا لو قال زیدٌ : أوصلَ عمرو حدیثا من بکرٍ ، أو : « وصل من عمرو حدیثُ بکر » صحّ ، وأدّی نفس معنی « حدّث عمرو عن بکر » بلا تفاوت .

فالتجاوز المراد من « عن » لا یمکن إرادته فی مثل « حدّث عمرو عن بکر » ؛ لأنّ واقع التجاوز هو الابتعاد والتعدّی والانفصال عن المجرور ، من دون ملاحظه بلوغه إلی الآخر ، والمفروض أنّ الحدیث لم ینفصل فقط عن بکرٍ ، وإنّما بلغ عَمْرا ، فیکون منتهیا إلی غایه ، وهو معنی « من » فقط کما شرحنا .

وهذا المعنی هو الواقع فی الأسانید ، ولذا لا بُدّ من تقدیر أفعالٍ من مثل « قال » و « أخبر » و « حدّث » وغیرها ، مع کلّ حرف جرّ « عن » فی السند لیتعلّق به ولا یحتاج إلی واسطه .

وبما أنّ معنی التجاوز غیر جارٍ فی هذا ، فلا بُدّ أن تکون « عَنْ » بمعنی « مِنْ » الّتی یُراد بها الابتداء وإن کان معنویّا ، کما ورد عند أئمّه اللغه والنحو .

والحاصل : إنّ معنی قوله : « حدّث زیدٌ عن عمرٍو » أنّه وَصَلَ إلی زیدٍ حدیثٌ من عمرو . وأمّا قول الأصمعیّ : « حدّثنی فلان من فلان » یرید عنه . فهذا دلیل علی استعمال « من » بعد حدّثنی بمعناها الحقیقی وهو الابتداء لوجود غایه ینتهی إلیها کما فسّرناه ، إلاّ أنّ « حدّث » تتعدّی ب « عن » فی لسان العرب ، فلا بُدّ أن تکون « عن » بمعنی « من » ، فمراد الأصمعی التعبیر عن مقتضی اللفظ .

ص: 28

نقول :

ولِما یُری من اشتراک « من » و « عن » فی کون المجرور بهما منطلَقا إمّا للابتعاد بلا غایه ، أو للابتداء إلی غایه ، فإنّ ذلک موجِبٌ للتسامح فی جواز استعمال أحدهما بدل الآخر وبمعناه ، فلاحظ !

ونقول أیضا : ولو فرضنا صحّه استعمال « عن » فی مثل « حدّث زیدٌ عن عمرو » بمعنی التجاوز ، وهو مجرّد الانفصال من دون غایه ، فلا ریب أنّ ذلک مَجازٌ وخلاف الشائع ؛ لوضوح صحّه استعماله فی المتّصل المباشر بکثره وشیوع ، من دون حاجه إلی قرینه مع العلم بالاتّصال ، بل هو الظاهر من الإطلاق ، فلاحظ .

وممّا یقرّب ما ذکرنا استعمال « عن » مع فعل الأخذ فی موضع « من » . قال أبو حمزه الثمالی : أخذت هذا الدعاء « من » أبی جعفر علیه السلام(1) وفی الکافی : « عن » أبی جعفر علیه السلام(2) ، وهما بمنزله ما ورد من قول الراوی : أعطانی أبو عبد اللّه علیه السلام هذا الدعاء(3) .

ومعنی هذه الموارد : صَدَرَ الدعاء من الإمام إلی الراوی ، ولیس مجرّد تجاوزه عن الإمام بلا غایه ، فلاحظ .

نعم ، لو کان فاعل الحدیث مجهولاً ، کما فی « حُدِّثْنا عن عمرٍو » أمکن تصوّر معنی المجاوزه المعنویه ؛ لأنّ الکلام المنقول عن بکر قد تجاوزه

ص: 29

وابتعد عنه ، لکنّه لم یبلغ غایه معیّنه ، لفرض أنّ الناقل له هو الفاعل المجهول .

نعم ، قد بلغ المتکلّمَ بالفعل ، لکنّه لا بصدوره من عمرو ، فأمره یدور بین ابتداء بلا غایه ، وهو التجاوز المراد من « عن » ، وبین انتهاء بلا بدایه ، وهو لیس مؤدّی « من » ، فلاحظ .

ولذا ، فقد حُمِلَ ما ورد بلفظ « یُذْکَر عن فلان » علی الانقطاع والإرسال ، أُعِلّ الحدیث بذلک حتّی ما ورد منه فی مثل کتاب البخاری ، علی مبالغاتهم فیه . قال ابن حجر فی هدی الساری مقدّمه فتح الباری فی الفصل الرابع الّذی عقده لبیان سبب التعلیق للأسانید عند البخاری ما نصّه : فأمّا المعلَّق من المرفوعات ، فعلی قسمین : . . . ثانیهما : ما لا یوجد فیه إلاّ معلَّقا . . . ، فإنّه علی صورتین : إمّا أن یورده بصیغه الجزم ، وإمّا أن یورده بصیغه التمریض .

وقال : والصیغه الثانیه ، وهی صیغه التمریض ، لا تُستفاد منها الصحّه إلی من علّق عنه ، لکن فیه ما هو صحیح ، وفیه ما لیس بصحیح علی ما سنبیّنه . أمّا ما هو صحیح ، فلم نجد فیه ما هو علی شرطه إلاّ مواضع یسیره جدّا ، کقوله فی ( الطبّ ) : ویُذکَر عن ابن عبّاس(1) .

وقال : وأمّا ما لم یورده فی موضع آخر بهذه الصیغه ، فمنه ما هو صحیح إلاّ أنّه لیس علی شرطه ، ومنه ما هو حسن ، ومنه ما هو ضعیفٌ فردٌ إلاّ أنّ العمل علی موافقته ! ومنه ما هو ضعیفٌ فردٌ لا جابر له .

فمثال الأوّل : فی ( الصلاه ) : . . . ویُذکَر عن عبد اللّه بن السائب ، وفی

ص: 30

( الصیام ) : ویُذکَر عن أبی خالد .

ومثال الثانی : فی ( البیوع ) : ویُذکَر عن عثمان بن عفّان .

ومثال الثالث : . . . قوله فی ( الوصایا ) : ویُذکَر عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، ورواه الترمذی موصولاً من حدیث أبی إسحاق السبیعی ، عن الحارث الأعور ، عن علیّ علیه السلاموالحارث ضعیف ، وقد استغربه الترمذی ! ثمّ حکی إجماع أهل العلم علی القول به ؟ !

ومثال الرابع : وهو الضعیف الّذی لا عاضدَ له ، وهو فی الکتاب قلیل جدّا . . . فمن أمثلته : فی کتاب الصلاه : ویُذْکَر عن أبی هریره(1) .

أقول :

وموارد أُخری فی البخاری بصیغه « یُذْکَر عن » بالمجهول ، المقتضیه للانقطاع والضعف ، منها :

یُذکَر عن ابن مسعود ، وابن عبّاس(2) . . و : یُذکَر عن هشام بن عروه ، عن رجل(3) ، بینما لم یجئ هذا الاحتمال فی صیغه « یَذْکُر عن » بالمعلوم ، کقوله : حدّثنا معتمر : سمعت أبی یَذْکُر عن أبی مجلز(4) . . وقوله : سمعتُ أبا عاصم یَذْکُر عن سفیان(5) . . و : سمعت أبا صالح یَذْکُر أراه عن جابر(6) .

ص: 31

فلتُلاحظ الموارد .

فقول الأزهری : وممّا یقع الفرق فیه بین « مِنْ » و « عَنْ » أنّ « مِنْ » یُضاف بها ما قرُب من الأسماء ، و « عَنْ » یُوصَل بها ما تراخی ، کقولک : « سمعتُ من فلان حدیثا » و « حُدّثنا عن فلان حدیثا »(1) . . لیس منشأُه إلاّ کون الفعل « سَمِعتُ » معلوما و « حُدّثنا » مجهولاً ، إذ یقتضی الفعل المعلومُ المباشرهَ بین السامع والمتکلّم ، فکأنّ الحدیث تجاوز المتکلّم وانتهی إلی السامع ، فکان بمعنی « من » .

بینما الفعل المجهول یقتضی وجود الواسطه بینهما ، فکأنّما الحدیث قد تجاوز المتکلّم ولم یصل إلی السامع ؛ لوجود واسطه مجهوله هوالفاعل المجهول ، فهذا یؤکّد أنّ الفعل « حَدَّث عنه » بالمعلوم ، هو یقتضی أن تکون « عن » معه بمعنی « من » ، کما فی « سمعتُ منه » ومثله « رویتُ عنه » و « أنبأتُ عنه » وأمثالها ، فإنّ کلّ هذه الأفعال تدلّ بملاکٍ واحد علی النقل للکلام عن مصدره إلی الناقل .

والحاصل : إنّ کون « عن » فی هذه الأفعال بمعنی « من » هو مقتضی واقع العمل الّذی تدلّ علیه الأفعال ، وهو « النَقْلُ » الصالح للابتداء والانتهاء إلی نهایه مشخّصه ، ولو معنویا ، وهذا مفاد « مِن » ، لا مجرّد المجاوزه الموضوع لها « عن » .

ص: 32

واقتصارهم علی ذِکر « عن » مرّه واحده فی التعریف یعطی صدق « المعنعن » فیما ورد فیه قول « عن » ولو مرّهً واحده ، وهو الصواب ؛ لأنّ الأبحاث الّتی تترتّب علی « المعنعن » جاریه فی السند الّذی وردت فیه کلمه « عن » کذلک ، لکنّ الظاهر من الشیخ البهائی فی الوجیزه حیث عرّف المعنعَن بقوله : « والمرویّ بتکریر لفظه « عن » معنعَنٌ »(1) ، ووافقه غیره(2) ، هو لزوم التکرار لکلمه « عن » أکثر من مرّه .

ولا اقتضاء للفظ « العنعنه » لذلک خصوصا علی ما عرفت من تعریفه ، فهو اصطلاح یتبع مراد المصطلِحین ، وقد عرفت تعریفهم له بمجرّد قول « عَنْ » فلا ملزِم لقید « التکریر » فی تعریفه .

وقد صَرّح الحاکم : أنّه لا یُسمّی مرسَلاً(1) وإن نقل عن بعض المصنّفات فی أُصول الفقه عَدّهُ من أنواع المرسَل(2) . نعم ، یُطلق علیه المنقطع بناءً علی رأیٍ فی العنعنه ، کما سیأتی .

وبحکم المسند ، ما حُذف سندُه مصرّحا بکونه « معنعَنا » ، کما فعله الناسخ لکتاب تفسیر فرات الکوفی ، حیث عمد إلی حذف أکثر الأسانید ، مکتفیا بقوله : « فلان معنعنا عن فلان »(3) فإنّه یدلّ علی کون الحدیث فی الأصل مذکور السند ، إلاّ أنّه کان بالعنعنه ، ولکنّ الناسخ حذفه مصرّحا بذلک ، فهو أشبه شیء بالتعلیق عند المصنّفین(4) .

ویدلّ علی ذلک أنّ أحادیث ذلک الکتاب إنّما هی مسنده ، وقد ثبت وجود ثلّه منها مع الأسانید المتّصله فی مصدرها ، ومن الطرق الّتی روی بها فراتٌ نفسه ، وقد تأکّدنا من هذه الحقیقه عندما عثرنا علی تفسیر الحِبَریّ شیخ فرات الکوفیّ ، الّذی هو من مصادره المباشره ، فوجدنا جمیع ما رواه فرات عنه فی الکتاب بلفظ « معنعنا » قد ثبت فی کتاب الحبریّ مسنَدا متّصلاً(5) .

فجمیع ما قیل فیه : « معنعنا » لا بُدّ أن یُعَدّ من المسنَد ، لا المرسَل علی المشهور بین أهل الفنّ . نعم ، هو من قبیل « المعلّق » فی ابتناء حکمه علی مراجعه محلّ آخر لمعرفته ، وهذا غیر مصطلح الإرسال ، کما لا یخفی .

ص: 35

ومن أصحاب التجوّه هؤلاء مَن صرّح بأنّ إخراج مسلم فی صحیحه لحدیث مَن کان مِن المدلّسین ، دلیل علی أنّه ثبتَ عنده أنّه متّصل وأنّه لم یدلّس فیه .

وأضاف : وفی الصحیحین من العنعنه شیء کثیر ، وذلک دلیل علی أنّه لیس بمدلّس ، أو أنّه ثبت من خارج أنّ تلک الأحادیث متّصله ، مع أنّه قال فی مورد : إنّ عنعنه المدلّس قادحه فی الصحّه(1) .

أقول :

وهذا الإجماع دعویً ومخالفهً إنّما یرد علی المتشدّدین فی أمر الإسناد إلی حدّ التفریط والإفراط ، وهو دلیل علی تجاوزهم للحدود اللاّزمه فی ضبط الحدیث وطرقه .

وأضاف ابن الصلاح : وهذا بشرط أن یکون الّذین أُضیفت العنعنهُ إلیهم قد ثبتت ملاقاه بعضهم بعضا ، مع براءتهم من وصمه التدلیس ، فحینئذٍ یُحمَل علی ظاهر الاتّصال ، إلاّ أنْ یظهر فیهم خلاف ذلک(2) .

أقول :

قوله : « ثبتتْ ملاقاه . . . » ؛ یمکن أن یُقال : إنّ ظهوره فی الاتّصال ما لم یثبت الخلاف یقتضی کون الأصل فیه هو الاتّصال ، وحینئذٍ فلا لزوم لثبوت اللقاء ، بل یکفی إمکانُه وعدم ثبوت خلافه ، فیکون واقع هذا الشرط هو قابلیّه اللقاء و « إمکانه » ، کما عبّر به بعض علمائنا(3) .

ص: 37

وعلی هذا فلیس « اللقاء » شرطا إضافیا ، بل هو بیان لواقع « الاتّصال » الّذی هو الأصل ، ویظهر هذا من مخالفه المتشدّدین من العامّه الّذین اشترطوا العلم الخاصّ باللقاء ، وعبّروا عنه بطول الصحبه ، کما سیأتی(1) .

وقوله : « مع براءتهم من وصمه التدلیس » ؛ فالمراد أنّ ثبوت وصمه التدلیس فی حقّهم مانع من الاعتماد علی ظاهر « العنعنه » فی الاتّصال ، فالمانع من الحکم باتّصال المعنعن هو ظهور قرینه تدلّ علی عدم اللقاء ، وثبوت التدلیس فی مورده ، کما صرّح بذلک صاحب القوانین(2) .

وقد أعلّوا أحادیث کثیره بقولهم « فلان مدلّسٌ وقد عنعنهُ » ، أو « رواه بالعنعنه » حتّی لو کان الراوی ثقهً !(3) . وصرّحوا بأنّ عنعنه المدلّس قادحه فی الصحّه(4) حتّی من مثل الأوزاعی ، فقد قال ابن حجر فی حدیث أعلّه : العلّه فیه عنعنه الأوزاعی(5) . وقال النووی : الحسن بن عرفه روی بعنعنته إلی أنس(6) .

لا مجرّد احتمال التدلیس ، فإنّه مَنْفیٌّ بالأصل ؛ لأنّ الأصل عدمه ، وهو کذلک منفیٌّ بأصاله الصحّه فی فِعل المسلم . وقد اعتمد علی هذا الأصل

ص: 38

الثانی فی المقام الشافعیُّ فی الرساله ، حیث قال : المسلمون العدول عدولٌ أصحّاء الأمر فی أنفسهم . . . وقولهم عن خبر أنفسهم وتسمیتهم علی الصحّه ، حتّی نستدلّ من فِعلهم بما یخالف ذلک فنحترس منهم فی الموضع الّذی خالف فِعلهم فیه ما یجب علیهم(1) .

واعتمده من علمائنا الإمام العاملیّ حیث قال : والأصحّ عدم اشتراط شیء من ذلک لحمل المسلم علی الصحّه(2) .

أقول :

ما ذُکر من الشرطین ، متحقّقان : أحدهما بظهور الکلمه فی الاتّصال ، والثانی بأصاله عدم التدلیس ، وکلاهما بأصاله الصحّه فی فعل المسلم .

فاللاّزم اشتراط عدم ثبوت التدلیس ، لا ثبوت عدمه . نعم ، لو عُلم عدم اللقاء ، أو عُلم التدلیس فی استعمال « عن » فی معنی الروایه غیر المتّصله ، فالسَنَدُ معلّل بذلک . کما قال ابن حجر فی ترجمه ( إبراهیم بن جریر بن عبد اللّه البجلی ) : صدوق ، إلاّ أنّه لم یسمع من أبیه ، وقد روی عنه بالعنعنه ، وجاءت روایهٌ بصریح التحدیث ، لکنّ الذنب لغیره(3) .

وقال فی التهذیب : قال ابن معین : لم یسمع من أبیه شیئا . وقال ابن عدیّ : یقول فی بعض روایاته : « حدّثنی أبی » ولم یضعّف فی نفسه . . . وأحادیثه مستقیمه تُکتب . . . مات أبوه وهو حَمْلٌ .

ص: 39

قال ابن حجر : إنّما جاءت روایته عن أبیه بتصریح التحدیث منه من طریق . . . ضعیف ، ونسبه بعضهم إلی الکذب ، وقد روی عن أبیه بالعنعنه أحادیث(1) .

ومضی تعلیلهم لحدیث المدلّس بأنّه رواه بالعنعنه ، أو عَنْعَنَهُ . وقد عرفنا فی تحقیقنا لمدلول « عَنْ » لغهً أنّها وفی الأسانید خاصّه بمعنی « مِنْ » الدالّه علی النقل المباشر ، ولا تستعمل فی غیره إلاّ مع التصریح أو القرینه .

وعلی هذا یجب أن نحمل کلام المحقّق الداماد حیث قال : والعنعنه بحسب مفاد اللفظ أعمّ من الاتّصال ، فإذا أمکن اللقاء وصَحّت البراءه من التدلیس تعیّن أنّه متّصل ، ولا یفتقر إلی کون الراوی معروفا بالروایه من المرویّ عنه ، علی الأصحّ(2) .

فقوله : « إذا أمکن اللقاء » یقتضی الاکتفاء بما یعطیه ظاهر النقل ، وقوله : « صحّت البراءه من التدلیس » یمکن الاعتماد فیها علی الأصل المذکور . ویدلّ علی إرادته لهذا المعنی تقییده العنعنه المفیده لعدم الاتّصال بکونها « بحسب مفاد اللفظ » ، مع أنّ المبحوث عنها هی العنعنه المصطلحه .

وأمّا قوله : « ولا یفتقر . . . علی الأصحّ » فهو صریح فی نفی ما یقوله المتشدّدون من اشتراط اللقاء والتأکّد من عدم التدلیس ، فلاحظ .

فما عن الخطیب البغدادی من قوله : إنّ « عَنْ » مستعملهٌ کثیرا فی تدلیس ما لیس بسماعٍ(3) . وکذلک ما فُرّع علیه من أنّ قول المحدّث : « حدّثنا فلان ،

ص: 40

قال : حدّثنا فلان » أعلی منزلهً من قوله : « حدّثنا فلان ، عن فلان »(1) .

کلاهما باطلان :

أوّلاً : لو فرض صحّه ما نقله من کثره الاستعمال فی التدلیس فی تراث الخطیب ومَنْ علی شاکلته ، فإنّها لم تبلُغ مبلغا یُرفع بها الید عن ظاهر اللغه وعن الأصلین اللذین ذکرناهما ، خصوصا فی تراثنا الإمامیّ الّذی ثبت فیه کثره الاستعمال للاتّصال ، بل نَدَرَ خلافه ، کما سیأتی مفصّلاً .

وثانیا : إنّ قوله : « ما لیس بسُماعٍ » أعمُّ من المدّعی وهو عدم الاتّصال ؛ لأنّ ما لیس بسماع یشمل ما کان بالقراءه وسائر الطرق المعتبره الّتی لا ریب فی کون الروایه بها متّصله ومسنَدهً ، وإنّما البحث فی العنعنه فی أدائها إلی الانقطاع أو الإرسال .

مضافا إلی منافاه دعوی الخطیب لکثره استعمال « عن » فی التدلیس ، مع دعوی الإجماع المتأخّر عن الخطیب علی الاتّصال فی الحدیث المعنعن ، کما عرفت . فلو کان منعقدا فی عصره لم ینعقد فیما بَعده علی خلافه .

وأمّا التفریع علیه فهو باطل ؛ لأنّ الراوی لو کان مدلّسا لم یفرّق فی عدم اعتبار قوله بین ما صرّح بألفاظٍ مثل : « حدّثنا فلان ، قال : حدّثنا » ، وبین قوله : « حدّثنا فلان ، عن فلان » ؛ لأنّ المدلِّس لا یؤمَنُ علی قوله ، فإنّه یُخفی کذبه فی الثانی ، فکیف یصدّق علی الأوّل ؟ !

فما وجه عُلُوّ الأوّل علی الثانی ، مع فرض العلم بکونه مدلّسا ؟ ! وإنْ لم

ص: 41

یکن مدلّسا ، فلا فرق بین قولیه ؛ لأنّ « عَنْ » علی ظاهر الاتّصال ، ومحکوم به ، ما لم یُعلم الخلاف ، کما مرّ فی حقّ « إبراهیم بن جریر بن عبد اللّه البجلی » . مضافا إلی أنّ هذا التفریق مبتنٍ علی التشدید فی مسأله ألفاظ التحمّل والأداء وصیغه والتفرقه بینها فی الطرق ، وقد أثبتنا فی بحثٍ مستقلٍّ خاصّ بذلک : عدم صحّه التشدّد المذکور(1) کما ستأتی الإشاره إلیه أیضا .

فما التزم به جمع من العامّه من تعلیل الأحادیث بمجرّد کونها « معنعنهً » ، مثل قول ابن حجر : « العلّه فیه عنعنه الأوزاعی »(2) ، وقول کثیر منهم فی تعلیلها : « فلان مدلّس وقد عنعنه » ، أو « . . رواه بالعنعنه »(3) مع کون الراوی ثقه ! کلّ ذلک مبنیّ علی ذلک الالتزام الفاسد ، والتشدّد الکاسد .

علی أنّ التشکیک فی اتّصال المعنعن ، قد حکم ببطلانه القدماء السابقون علی الخطیب ، مثل مسلم بن الحجّاج القشیریّ ( ت 261 ه ) الّذی نقل فی مقدّمه کتابه عمّن نَسَبَ إلیه « سوء الرویّه » قوله : إنّ کلّ إسناد لحدیث فیه « فلان عن فلان » وقد أحاط [ أهل ] العلم بأنّهما قد کانا فی عصر واحد ، وجائز أنْ یکون الحدیث الّذی روی الراوی عمّن روی عنه قد سمعه منه وشافهه به ، غیر أنّه لا نعلم له منه سماعا ، ولم نجد فی شیءٍ من الروایات أنّهما التقیا قطُّ أو تشافها بحدیث : أنّ الحجّه لا تقوم عنده بکلّ خبرٍ جاء

ص: 42

هذا المجیء(1) .

ثمّ ترجم مسلم فی کتابه لِبابٍ ب : « صحّه الاحتجاج بالحدیث المعنعن » ، قال فیه : هذا القول فی الطعن فی الأسانید قول مخترَع مستحدَث غیر مسبوقٍ صاحبُه إلیه ، ولا مساعِدَ له من أهل العلم علیه ، وذلک أنّ القول الشائع المتّفق علیه بین أهل العلم بالأخبار والروایات قدیما وحدیثا : إنّ کلّ رجلٍ ثقهٍ روی عن مثله حدیثا ، وجائزٌ ممکنٌ له لقاؤه والسماع منه ، لکونهما جمیعا کانا فی عصرٍ واحدٍ ، وإنْ لم یأتِ فی خبر قطُّ أنّهما اجتمعا ، ولا تشافها بکلامٍ ، فالروایهُ ثابتهٌ ، والحجّه بها لازمهٌ ، إلاّ أنْ یکون هناک دلالهٌ بیّنه أنّ هذا الراوی لم یَلْقَ مَنْ روی عنه أو لم یسمع منه شیئا ، فأمّا ، والأمر مبهم علی الإمکان الّذی فسّرناه ، فالروایه علی السماع أبدا(2) .

وقال الحاکم ( ت 405 ه ) : الأحادیث المعنعنه ولیس فیها تدلیس وهی متّصله بإجماع أئمّه أهل النقل ، علی تورُّع رواتها من أنواع التدلیس(3) .

وکذا استظهر بعض الأُصولیّین الاتّصال فی المعنعن ، قال الشیرازی : « إذا قال : حدّثنی فلان عن فلان » فالظاهر أنّه متّصل ، واستدلّ علی ذلک بأنّه لو کان بینهما واسطه لبیّن ذلک . وردّ حجّه القول بالإرسال استنادا إلی استعمال الروایه عن المتّصل وغیره ، بأنّ الأصل عدم الوسائط ، فوجب أن یُحمل الأمر علیه(4) ، والظاهر أنّه استدلّ بالأصلَین المذکورَین :

ص: 43

فالأوّل : حمل فِعل الراوی علی الصحّه .

والثانی : أصاله عدم الواسطه .

فقد ظهر حصول الإجماع قبل الخطیب وبعده ، علی الحکم باتّصال المعنعن ، وهذا ممّا یوهن دعواه کثره استعمال « عن » فی التدلیس ، کما لا یخفی . وبالرغم من هذا کلّه ، أصبح احتمال الانقطاع فی المعنعن من أهمّ العقبات المطروحه فیه ، کما سیأتی فی فصل الإشکالات علیه .

ما قرّرنا فی کتابنا إجازه الحدیث من أوثق طرق التحمّل فی أداء مهمّتها ، وهی تصحیح نسبه کتب الحدیث وغیره مع الضبط التامّ ، وقد وُضعت ثالثه الطرق بعد السماع والقراءه ، بل فی المحدّثین مَن قارنها بالسماع ، کما فُصّل فی محلّه .

بل إنّ ابن الصلاح جعل الحکم بالاتّصال دائرا مدار وجود الإجازه ، فیما نقله عنه جلال الدین السیوطی أنّه قال وهو یتحدّث عن اتّصال المعنعن : ولا أری هذا الحکم یستمرّ بعد المتقدّمین ، فیما وجد من المصنّفین فی تصانیفهم ممّا ذکروه عن مشایخهم قائلین فیه : « ذکر فلان » أو « قال فلان » أی فلیس له حکم الاتّصال ما لم یکن له من شیخه إجازه(1) .

هذا ، وأمّا ما یرتبط بتراثنا الإمامیّ :

فقد ذکر الإمام عزّ الدین والد البهائی معقّبا کلام ابن الصلاح : وأمّا عندنا ، فالذی یظهر أنّه یُستعمل فی الأعمّ منها ومن القراءه والسماع(2) .

وقال الداماد معقّبا ابن الصلاح ، کذلک : ولعلّ ذلک فی عصره ، وفی اصطلاحات أصحابه واستعمالاتهم ، وأمّا عندنا وفی أعصارنا وفی استعمالات أصحابنا ، فأکثر ما یُراد بالعنعنه : الاتّصال(3) .

أقول :

وأمّا بالنسبه إلی المتقدّمین وهم مَنْ قَبل الخمسمئه(4) ، فقد عرفت

ص: 45

إجماعهم علی أنّ « عَنْ » إنّما یُراد بها الاتّصال قطعا ، من دون تفریق فیه بینَ الطرق ، ولو ثبت تخصیص القدماء لفظه « عَنْ » بالإجازه ، فحکمهم بإراده الاتّصال منها دلیل علی اعتبارهم للإجازه طریقا صحیحه مؤدّیه مثل ما یُراد من السماع وغیره من الطرق المعتبره فی النقل والروایه .

کما إنّ کون « عَنْ » خاصّهً بالإجازه ، یقتضی کون الإجازه من أقدم الطرق وأهمّها ، حیث إنّ العنعنه مستعمله حتّی فی نهایات الأسانید ، ومع أسماء المعصومین ، وأصحابهم الکرام ، ولا ریب أنّ استعمالهم لها دلیل علی اعتمادهم علیها واعتبارهم لها من الطرق الوافیه بغرض الروایه ، لا العکس کما یحاول أن یوهمه بعض المتطفّلین علی موائد الفقه والحدیث ، وسیأتی ذِکر شُبهته فی فصل « الإشکالات علی العنعنه » .

وهذا کلام متینٌ ، وهو مقتضی الحکمه فی کلام الراوی ، یقتضیه أیضا أمرُ حمل فِعل المسلم علی الصحّه الّذی استند إلیه العلماء فی الحکم باتّصال المعنعن کما سبق .

السماع أبدا(1) .

4 - وقال الدربندیّ : عنعنه المعاصر محمولهٌ علی السماع(2) .

5 - وحملها بعضهم علی السماع بشرطین(3) . فلو تحقّق الشرطان ولو بالأصل کان سماعا .

6 - وجعلها العلائی من الألفاظ المحتمله للسماع ، وتطلق فی التدلیس(4) . فإذا انتفی التدلیس ولو بالأصل ، کان سماعا .

7 - وصرّح الشهید الثانی ( ت 965 ه ) بأنّ « عن » مشترک بین السماع والإجازه(5) . وغرضه بلا ریب ما هو المتعارف عند المتأخّرین ، لِما عرفت فی الفقره الخامسه من هذا البحث .

8 - ونقل الشهید الثانی عن بعضهم أنّه استعمل فی الإجازه الواقعه فی روایه مَنْ فوقَ الشیخ المُسْمِع بکلمه « عنْ » ، فیقول أحدهم إذا سمع علی شیخ بإجازته عن شیخه : « قرأت علی فلان عن فلان » لیتمیّز عن السماع الصریح ، وإن کان « عن » مشترکا بین السماع والإجازه(6) . وهذا جارٍ علی عرف المتأخّرین ، کما سبق .

9 - وقال والد البهائی ( ت 984 ه ) : إنّ « عن » یُستعمل فی الأعمّ من

ص: 48

الإجازه ومن القراءه والسماع(1) . وإطلاق هذا الکلام یقتضی کونه نقلاً عمّا تعارف بین المتأخّرین .

ویلاحظ أنّ « عَنْ » فی القدیم کانت تُقرَن ب « سمعتُ » الّتی هی صیغه الأداء عن « السماع » ، وهو أقوی الطرق وأعلاها بالإجماع ، وهذا یدلّ علی مکانه « عَنْ » ودلالتها اللغویّه والاصطلاحیّه بوضوح .

وأمّا ما آل إلیه أمر « عَنْ » فهو مجرّد اصطلاح متأخِّر ، مع أنّه لا أثر له علی الأسانید « المعنعنه » ؛ لثبوت الحکم بالاتّصال فیها بإجماع المتقدّمین والمتأخّرین ، کما صرّح ابن الصلاح بذلک ، وعباره الشهید الثانی ووالد البهائی ناظرتان إلی تعقّب ابن الصلاح ، کما عرفنا فی الفقره السابقه .

ومن هنا نعرف أنّ من أفحش الأغلاط التشکیک فی الأحادیث المعنعنه ؛ لاحتمال أداء « عَنْ » فیها لخصوص طریقه « الإجازه » ، کما صنعه بعضُ المغفّلین فی عصرنا ، وسیأتی نقل تشکیکه والردّ علیه فی فصل « الإشکالات علی العنعنه » .

وأمّا المتأخّرون وهم مَنْ بعدَ الخمسمئه وهَلُمَّ جَرّا فاصطلحوا علیها للإجازه ، وهذه هی الحاله الثالثه . إلاّ أنّ الفرق بینها وبین الحاله الأُولی

مبنیٌّ علی الفرق فیما بین السماع والإجازه ؛ لکون السماع أرجح .

وبقی حاله أُخری لهذه اللفظه ، وهی خفیّه جدّا ، لم یُنبّه أحدٌ علیها فی علوم الحدیث ، مع شدّه الحاجه إلیها ، وهی : أنّها ترد ، ولا یتعلّق بها حکم باتّصال ولا انقطاع ، بل یکون المراد بها سیاق قصّه ، سواء أدرکها الناقلُ أم لم یدرکها ! ویکون هناک شیء محذوف ، فیُقدّر(1) .

أقول :

وقد صرّح بهذه الحاله أیضا ابن عبد البرّ فی التمهید ، والسخاوی فی الفتح(2) . فلو کان ذلک مذکورا فی أثناء الإسناد فإنّ فی عدّها حالهً مستقلّهً تأمُّلاً ؛ وذلک لأنّ کلام الناقل المذکور لا یخلو إمّا أنْ یکون نقلاً مباشرا عمّن قاله ، فهو متّصلٌ ، وإمّا أنْ یکون بواسطه غیر مذکوره ، فهو منقطعٌ ، والناقل مدلّسٌ ، وإمّا أنْ یکون السند مذکورا فی محلّ آخر ، فهو معلَّقٌ ، وإنْ لم یُذکَر أصلاً ، فهو مُرسَلٌ . فلیس ما ذکره خارجا عن هذه الحالات .

وإنْ لم یکن فی الإسناد ، فلا ربط له بمباحث علوم الحدیث . فاستشهاد المشکّکین فی الحدیث المعنعن بمثل هذه الحاله ، وهی من أهمّ أدلّتهم ، غیر صحیح علی قول العلائی ؛ لأنّ المفروض عدم تعلّق حکم الاتّصال ولا حکم الانقطاع بمثل سیاق القصّه ؛ لأنّ الاتّصال والانقطاع من أحکام الإسناد ، وعلی فرضه لا إسناد هنا .

ص: 50

جدّهم صلّی اللّه علیهم أجمعین ، وقد أثبتناه فی موضع آخر(1) .

کما وردت کلمه « بلغ » متعدّیه بالباء فی قول الراوی « بلغ به أبا عبد اللّه علیه السلام »(2) و « بلغ به زراره »(3) ، ولا ریب أنّ المقصود معناها اللغوی بمعنی « رفع » ونحوه ، وأکثر ما استعمله من العامّه هو مالک بن أنس صاحب الموطّأ ، حتّی اشتهرت موارده ب « بلاغات مالک » . ویقال فی التعبیر عنه عند الأداء : « قال فیما بلغه » أو « رواه بلاغا » .

والفعل « بَلَغَ » بمعنی وَصَلَ ، وفاعله الحدیث البالغ إلی الراوی ، والمجرور ب « عن » هو المبلَّغ عنه ، وأمّا المبلِّغ فهو غیر مذکور فی ظاهر اللفظ ، فیکون الحرف « عن » بمعنی « التجاوز » علی ما هو الأصل فیه ، والمعنی : أنّ الحدیث تجاوز فلانا وبَلَغنی ، والواسطه فی النقل عنه إلی الراوی غیر مذکوره .

هذا ما استظهره المحدّثون من البلاغ ، وحملوا علیه بلاغات مالک بالخصوص ، والدلیل علی هذا الاستظهار أُمور :

1 - قال الماردینی : ما ذکره أبو عبیده بلاغ لم یُذکر مَنْ بلّغه لیُنظر فی أمره(4) .

2 - تعبیرهم عن المرسَل وغیر المتّصل ب « البلاغ » . قال البیهقی فی حدیثٍ رواه أبو بکر بن حزم : لم یسمعه من ابن مسعود الأنصاری ، وإنّما هو

ص: 52

بلاغ بلغه ، وقد روی ذلک فی حدیث آخر مرسَل(1) .

وقال أیضا فی حدیثٍ لابن سیرین وقتّاده عن ابن عبّاس : هذا بلاغ بلغهما ، فإنّهما لم یلقیا ابن عبّاس(2) .

ونقله الماردینی عن البیهقی فی الخلافیّات ، فی حقّ ابن سیرین عن ابن عبّاس .

3 - حکمهم علی ما أورده مالک بلاغا ، بالإرسال تارهً وبالانقطاع أُخری وبالإعضال ثالثه :

* فقد نفوا أن یکون الموطّأ من کتب الصحاح کما ادّعاه بعضهم(3) استنادا إلی ما فیه من « المراسیل » الّتی هی بلاغاته(4) .

* جزم الشافعی إمام المذهب فی روایه رواها مالک بلاغا ، بأنّ طرقه لیس فیها شیء موصول(5) .

وقال ابن الصلاح فی بلاغ له : فهذا منقطع ؛ لأنّ الزهری لم یسمع من ابن عبّاس(6) .

وقال الأندلسی : هذا الحدیث عند مالک بلاغ لم یُسنده(7) .

ص: 53

* وحکموا علی بعض بلاغاته بالإعضال(1) .

* محاوله بعضهم أنّ یجد للبلاغات طرقا أُخری یثبت بها الاتّصال ، کما سیأتی ، فإنّ هذا یدلّ علی عدم اتّصال البلاغ فی نفسه .

ومن هنا فإنّ البلاغ فی نفسه إنّما هو من نسق المرسَل أو المنقطع أو المعضل ، وکلّ واحد من هذه یُعدّ قسیما « للصحیح » عند العامّه ، وهو یشترط فیه الاتّصال ، وکلّ واحد منها أسوأ حالاً من الآخر(2) ، وهذا هو الأصل والقدر المتیقّن الّذی یمکن أن یقال فی حقّ البلاغات . ولقد تجرّأ ابن حزم علی الإفصاح عن هذه الحقیقه فی بعض الموارد ، فقال فی ( بلاغ ) نقله عن الموطّأ : هذا « بلاغ » لا یصحّ(3) ، وقال فی مورد آخر : هو عن ابن

عمر « بلاغ » کاذب(4) ، کما استضعف البیهقی وغیره بعض ما روی بالبلاغ(5) .

وللدهلوی کتاب المصفّی باللغه الفارسیه ، شرح فیه الموطّأ ، فجرّد فیه الأحادیث ، وحذف أقوال مالک وبعض بلاغاته(6) .

وممّا یدلّ علی أنّ البلاغ فی نفسه مؤدٍّ إلی التوقّف ، هو ما ذکره ابن حجر فی ترجمه ( محمّد بن الحسن بن محمّد رضی الدین الأسعد ) بقوله : کان بعض أُصوله ( بلاغات ) فیها نظر(7) . والتفریق بین هذا الرجل ، وبین رجل

ص: 54

مثل مالک ، لمجرّد التشخُّص من التجوّه المذموم قطعا .

وقد بُذِلتْ محاولات یائسه ، للخروج من الحکم علی بلاغات مالک بالانقطاع ، أو الضعف :

منها : محاوله إیصال الأحادیث المرویّه بالبلاغ من طرق أُخری ، فقد أجهد ابن عبد البرّ نفسه فی التمهید فوصل بلاغات مالک جمیعا خلا أربعه أحادیث لم یصل أسانیدها(1) ، لکنّ ابن الصلاح وصل الأربعه الباقیه فی جزء خاصّ(2) . وألّف العلاّمه المحدّث أحمد بن محمّد بن الصدّیق الغماری کتاب البیان والتفصیل لوصل ما فی الموطّأ من البلاغات والمراسیل(3) .

أقول :

إنّ تبیّن اتّصال الأحادیث من طرق أُخری إنّما یفید اعتبار المتون ، ولا یدلّ علی کون البلاغات نفسها متّصلهً ، والفرق بین الأمرین واضح ، فإنّ صحّه المتن لا یستلزم اتّصال البلاغ ، مضافا إلی أنّ نفس المحاوله دلیل علی « انقطاع البلاغ » ، فلو کان فی نفسه متّصلاً ، لم یحتج إلی الطرق الأُخری ، مضافا إلی أنّ تلک المحاوله إنّما تفید من یحتاج إلیها ، لکونه لا یقول بحجّیه المرسَل والمنقطع ، کابن عبد البرّ ، ولیس مفیدا حتّی لمالک

ص: 55

نفسه ، إذ هو یذهب إلی حجّیّه المرسَل(1) .

فالمحاوله لإثبات اتّصالها عند مالک یائسه ! وکذلک محاوله من قال : « إنّ بلاغات الثقات من أهل القرون الثلاثه مقبوله مطلقا ، کمالک وأبی حنیفه والشافعی ومحمّد بن الحسن وأبی یوسف ، وأمثالهم »(2) .

فمع کون الدعوی خارجه عن البحث ؛ لأنّ قبول الحدیث وعدمه شیء ، وکونه منقطعا شیء آخر ، فهذه الدعوی تعود إلی قبول المنقطع ، ولا تثبت اتّصال البلاغ ، فهی دعوی باطله ، لا یرتضیها من قیلت فی حقّه ، فقد عرفنا أنّ الشافعی وهو ممّن ذُکر اسمه لم یقبل بعض البلاغات ، وحکم بعدم کونه موصولاً ، فهذا أشبه بتفسیر الشیء بما لا یرضی به صاحبه .

ومنها : محاوله إخراج البلاغات من الحدیث الضعیف وإدخالها فی الحدیث الصحیح ، کما قال الزرقانی فی شرح الموطّأ : إنّ بلاغ مالک لیس من الضعیف ؛ لأنّه تُتُبِّعَ کلّه فوُجِدَ مسندا من غیر طریقه(3) ، فهذا یشبه محاوله إیصال البلاغات الّتی أجهد ابن عبد البرّ به نفسه ، وقد أجبنا عنه ، مع أنّ وجدان الطرق المسنده من غیر طریق مالک ، لا تنفع فی الحکم علی طریقه ، فهب أنّ طرقا أُخری مسنده صحیحه ، لکنّ مالکا کیف یتّکل علی البلاغات أنفسها الّتی لم تصله إلاّ بالطرق الضعیفه ؟ !

وقد أوغل أخیرا الأُستاذ محمّد فؤاد عبد الباقی فی التعصّب لمالک

ص: 56

وبلاغاته فیما علّقه علی قول مالک : « وقد بلغنی أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أراد العکوف . . . » ، فقال : هو الحدیث الّذی أسنده أوّلاً صحیحا . فمن هنا ونحوه یُعلَم أنّه لا یطلق « البلاغ » إلاّ علی الصحیح ، ولذا قال الأئمّه : « بلاغات مالک صحیحه »(1) .

أقول :

أمّا هذا البلاغ فهو مرسَل مقطوع ، قطعا ؛ لأنّ بین مالک وبین رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلموسائط لیست مذکوره فی سند هذا البلاغ ، فهو لیس مسندا هنا ، حتّی لو قیل بکون البلاغات المعنعنه متّصله .

وأمّا الحدیث الأوّل المسنَد فهو لیس بلاغا ، وتطابُق البلاغ هنا مع المسند الأوّل فی المعنی والمتن ، لا یدلّ بوجهٍ علی اتّصال سند البلاغ الّذی جاء بلا طریق مسند إلی المتن ، مع أنّک قد عرفت أنّ صحّه المتن من طرق أُخری لا تعنی صحّه البلاغ المرسَل أو المنقطع أو المعضل ، ولا یصحّ تسمیته « صحیحا » لذاته ، وقد عرفت أنّ وجود هذه البلاغات المرسَله فی الموطّأ هو الّذی سبّب الإعراض عن عدّ الموطّأ من الصحاح .

وأمّا ما نسبه إلی الأئمّه ، فقد عرفت أنّ منهم مَن حکم بإرسال بلاغات مالک ، أو انقطاعها ، بل إعضالها ، ومنهم الشافعیّ إمام المذهب ، وابن حزم ، فالنسبه المذکوره بلا ریب باطله .

ومن الطریف أنّ ابن الصلاح قال فی نهایه بحثه عن الحدیث الضعیف

ص: 57

ما نصّه : إذا أردت روایه الحدیث الضعیف بغیر إسنادٍ فلا تقل فیه : « قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . » ، وإنّما تقول فیه : « رُوی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . » ، أو : « بلغنا عنه . . . » ، أو : « ورد عنه » ، أو : « جاء عنه . . . »(1) .

فلیکن عمل مالک علی هذا فی بلاغاته . کما قد قیل : إنّه أخذها من ابن إدریس(2) الّذی لم یجر له ذِکر فی أسانید بلاغاته إطلاقا !

ص: 58

ص: 60

الملاحظ فی کتب الحدیث الأساسیّه ، وجود العنعنه فی أسانیدها بشکل کثیر ومطّرد ، ومع أسماء المعصومین : النبیّ الأکرم صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّه الکرام علیهم السلام ، وحتّی مع أسماء الملائکه ، ومع اسم ربّ العزّه تبارک وتعالی . وأمّا مع أسماء الصحابه والتابعین فی القرون الأُولی فکثیر شائع .

وقد یعتقد أنّ استعمال ألفاظ الأداء الأُخری ک « سمعتُ » و « حدّثنا » و « أخبرنا » وأمثالها ، توجد بِقِلّهٍ ملحوظه فی تلک الطبقات ، بینما هی مستعملهٌ فی الطبقات اللاّحقه بکثره ووفره .

عمّار ، عن حذیفه یقول لنا : یکون أقوامٌ یقرأون القرآن یقیمونه إقامه القِدْح ، لا یَدَعون منه أَلِفا ، ولا واوا ، ولا یُجاوز إیمانُهم حناجرهم(1) .

وهذا النصّ یدلّ علی أُمور :

أوّلاً : علی التفات المعترضین إلی استعمال العنعنه ، ووضعهم لها فی مقابل « حدّثنا » و « سمعت » وهی العنایه بالألفاظ فی مراحلها الأُولی ، هذا مع الإعراض عن معانیها ومدالیلها ، وأنّ ذلک إنّما یکون من اهتمامات الّذین لهم العنایه الفائقه بألفاظ الروایه من دون عنایه بمعانی الحدیث ودرایته وفهمه ، بل بمجرّد تشکیله الظاهریّ اللفظیّ ، وهی بدایات الظاهریه والحشویه الممقوته .

ثانیا : علی أنّ حفصا استنکر تلک العنایه بشدّه ، حتّی طبّق علیهم حدیث حذیفه الشدید اللهجه ، ممّا یدلّ علی أنّ الالتزام بالألفاظ والتشدید علیها ومحاسبه الراوی من أجلها ، لم یکن أمرا مستقرّا حتّی ذلک العصر ، بالرغم من أنّ وضعها قد سبق تلک المرحله ، کما أثبتنا ذلک فی البحث عن الصیغ(2) .

2 - ولأبی عمرو الأوزاعی ( ت 157 ه ) رأی فی استعمال « عَنْ » ، حیث سُئل عن « المناوله » والقول فیها ب « حدّثنا » أو « أخبرنا » ؟ فقال : إنْ کنتُ حدّثتُک فقل « حدّثنا » . قیل : فأقول : « أخبرنا » ؟ قال : لا . قیل : فکیف أقول ؟ قال : قل : « عن أبی عمرو » ، أو « قال أبو عمرو »(3) .

ص: 62

فالأوزاعی وهو من المتشدّدین فی الالتزام بصیغ الأداء المعیّنه یؤکّد علی استعمال « العنعنه » فی طریقه « المناوله » ، وهی أن یعطی الشیخ لتلمیذه کتابا معیّنا قد عرف صحّه نسبته وصحّه ضبطه ، وقد تُقْرَنُ بالإجازه ، فتکون من أخصّ أنواع الإجازه وأقواها ، بل لم یعتبر بعض المحدّثین الإجازه إلاّ إذا کانت مقرونهً بالمناوله(1) .

إلاّ أنّ الأوزاعی لیس ممّن یُتّبع رأیُهُ فی باب الحدیث ؛ لکونه فقیها ولیس محدّثا(2) .

3 - إنّ المفهوم من ترجمه البخاری ( ت 256 ه ) فی کتابه الجامع ، فی کتاب العلم الباب « قول المحدّث : حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وقال لنا » ، وإیراده تحته استعمال العلماء لمختلف ألفاظ الأداء ، وممّا جاء فیه :

قال أبو العالیه عن ابن عبّاس ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم فیما یروی عن ربّه ، وقال أبو هریره عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم یرویه عن ربّکم(3) .

فالمفهوم من صنیع البخاری بإیراده هذه الأمثله هو التزامه بالأداء بالعنعنه فی جمیع الطرق وعدم اختصاصها عنده بالإجازه ، بقرینه استعماله

لکلمه « عَنْ » مع اسم النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ومع اسم الربّ جلّ وعلا ، مع أنّ البخاری إنّما التزم فی صدر الباب بالتسویه بین الألفاظ ، ممّا یدلّ علی تسامحه فی الأداء بها من دون تفرقه بین الطرق المختلفه . وقد نقل عن

ص: 63

ابن عیینه أنّه کان « حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعتُ » عنده واحدا(1) ، وإن کان البخاری قد اشترط فی استعمال « عن » العلم باللقاء وعدم التدلیس ، کما مرّ .

4 - وأمّا مسلم بن الحجّاج القشیری ( ت 261 ه ) فقد بحث مفصّلاً عن « الحدیث المعنعن » ودافع عن الاحتجاج به بقوّه ، وردّ علی المتشدّدین المانعین عن العمل به إلاّ بشروط ، واعتبرهم أُناسا « سیّئی الرویّه » وجعل قولهم « مخترَعا مستحدَثا غیر مسبوق ، ولا مساعدا علیه »(2) .

وقد ذکروا أنّ المشترِط المتشدِّد الّذی عناه مسلم ، وردّ علیه ، هو البخاری وعلیّ بن المدینی ، وقد نقل الصنعانی إجماع الناظرین علی أنّ مسلما أراد البخاری بذلک(3) . وصرّح الذهبی بذلک فقال : إنّ مسلما لحدّهٍ فی خُلُقه ، انحرف أیضا عن البخاریّ ، ولم یذکر له حدیثا ، ولا سمّاه فی صحیحه ، بل افتتح الکتاب بالحطّ علی من اشترط اللُقیَ لمن روی عنه بصیغه « عن » ، وادّعی الإجماعَ فی أنّ المعاصره کافیه ، ولا یتوقّف فی ذلک علی العلم بالتقائهما ، ووبّخ مَن اشترط ذلک ، وإنّما یقول ذلک أبو عبد اللّه البخاری وشیخه علیُّ بن المدینی(4) .

ص: 64

فلنستعرض التراث الإسلامیّ ، لنقف علی هذه الحقیقه :

وابن الأشعث روی الکتاب عن : موسی بن إسماعیل بن الإمام الکاظم موسی بن جعفر علیهماالسلام . ولابن الأشعث متابع وهو فی ما رواه الصدوق القمّی بسنده عن محمّد بن یحیی الخزّاز ، قال : حدّثنی موسی بن إسماعیل . وموسی هذا یروی عن أبیه إسماعیل ، عن أبیه الإمام موسی الکاظم علیه السلام عن أبیه الإمام جعفر الصادق علیه السلام(1) .

وعُنِیَ الخاصّه بروایه هذا الکتاب ، وتداولوا نسخه ، وجاء ذِکره فی الفهارس والمشیخات والإجازات ، وسمّاه کثیر منهم ب « الجعفریات » کما مرّ . وبهذا الاسم أیضا عُرف عند الطائفه الإسماعیلیه ، کما رأیت فی بعض مؤلّفات القاضی النعمان المصری صاحب دعائم الإسلام . کما أسند العامّه فی مؤلّفاتهم إلی بعض أحادیثه(2) ، وسُمّی عندهم باسم « کتابٌ لأهل البیت » .

تبدأ النسخه المطبوعه بالسند التالی :

أخبرنا القاضی أمین القضاء أبو عبد اللّه محمّد بن علی بن محمّد « قراءهً

ص: 67

علیه ، وأنا حاضرٌ أسمع » ، قیل له : حدّثکم والدکم أبو الحسن علی بن محمّد بن محمّد ، والشیخ أبو نعیم محمّد بن إبراهیم بن محمّد بن خلف الحجازی ، قالا : أخبرنا الشیخ أبو الحسن ، أحمد بن المظفّر العطّار ، قال : أخبرنا أبو محمّد ، عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان المعروف بابن السقّاء ، قال : أخبرنا أبو علیّ ، محمّد بن محمّد بن الأشعث الکوفی ، من کتابه سنه أربع عشره وثلاثمئه ، قال : حدّثنی أبو الحسن ، موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قال : حدّثنا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : « الماءُ یُطَهِّرُ ولا یُطهَّر »(1) .

واختصر هذا السند فیما تلاه من الکتب الفقهیه المتتالیه ، فی أبوابها المختلفه المعنونه فی الکتب ، ففی أوّل باب بعنوان « باب طهاره الماء الجاری » جاء السند هکذا : أخبرنا محمّد ، قال : حدّثنی موسی : حدّثنا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام . وأضاف فی بعض المواضع فی بدایه هذا السند : « أخبرنا عبد اللّه »(2) وهو ابن السقّاء الّذی روی فی البدایه عن « محمّد » وهو ابن الأشعث . وفی باب « السُنّه فی حلق الشعر یوم السابع للمولود » ذکر السند السابق ، ثمّ أتبعه بقوله : « وبإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه . . . » إلی آخره(3) .

ص: 68

وعندما یروی فی بعض المواضع النادره عن غیر أهل البیت ، لا یستعمل معهم العنعنه غالبا ، بل یستعمل ألفاظ الأداء الأُخری(1) ، وقد روی الخطیب البغدادی واحدا من أحادیث الکتاب بالسند التالی : أنا عبید اللّه بن أبی الفتح ، أنا سهل بن أحمد الدیباجی ، نا محمّد بن محمّد ابن الأشعث الکوفی بمصر ، نا موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر بن محمّد ، نا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علیٍّ ، قال : . . .(2) .

وقد ورد هذا الحدیث بعینه فی الجعفریّات بقوله : وبإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن علیّ بن أبی طالب علیه السلامقال : « لیس من أخلاق المؤمن التملُّق ، ولا الحسد ، إلاّ فی طلب العلم »(3) .

والإسناد السابق علیه هو : أخبرنا عبد اللّه ، قال : أخبرنا محمّد ، قال : حدّثنا موسی ، حدّثنا أبی ، عن أبیه ، عن جعفر بن محمّد . . .

فیلاحظ : اقتصار ما فی کتابنا علی کلمه « بإسناده » بدلاً عن قطعه من السند ، واختصار الخطیب ألفاظ الأداء ، واکتفاؤه ب « أنا » الّتی هی عباره عن « أخبرنا » و « نا » الّتی هی اختصار « حدّثنا »(4) . کما یلاحظ فی جمیع ما ورد فی الکتاب وما نقل عنه استعمال العنعنه مع أسماء الأئمّه علیهم السلام ،

ص: 69

واستعمال الألفاظ صریحها أو مختصرها مع أسماء المتأخّرین عنهم ، سوی بعض الموارد ، حیث جاء فیها : « عن جعفر ، قال : أخبرنی أبی ، قال : »(1) .

ومورد آخر : « عن علیّ علیه السلام ، خُبِّرنا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم »(2) .

واتّفاق ما نقله الخطیب مع ما فی النسخه المتداوله فی هذه الجهه دلیل علی ثبوت ذلک فی أصل الکتاب . ثمّ إنّ الصدوق قد أسند إلی موسی بن إسماعیل بن الکاظم علیه السلام ، قال : ثنا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر علیه السلام . وسند الصدوق هو : الحسن بن عبد اللّه العسکری ، ثنا محمّد بن أحمد بن حمدان القشیری ، ثنا أحمد بن عیسی الکلابی ، ثنا موسی ، عن إسماعیل . . .(3) .

وقد ورد کثیر من أحادیث هذا الکتاب « الجعفریات » بروایه سهلٍ عند المحدّث الأقدم الإمام جعفر بن أحمد القمّی الرازی فی کتابه القیّم جامع الأحادیث بصوره العنعنه(4) ، وبطریق محمّد بن عبد اللّه (5) وبطریق هارون بن موسی(6) .

کان الإمام علیه السلامفی السجن فی بغداد . وتوجد نسخه منه(1) تحتوی علی 59 حدیثا ، تبدأ بالسند التالی :

حدّثکم أبو عبد اللّه محمّد بن خلف بن إبراهیم بن عبد السلام المروزی ، قال : أنا موسی بن إبراهیم المروزی ، قال : أنا موسی بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه محمّد بن علی ، عن أبیه علیّ بن الحسین ، عن أبیه الحسین

بن علیّ ، عن أبیه علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قال : قال : حدّثنا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم(2) .

ولکنّ السندَ قد ورد مختصرا فیما تلا الحدیث الأوّل من الروایات ، هکذا : « حدثنا محمّد بن خلف ، نا موسی بن إبراهیم ، نا موسی بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . » . ویلاحظ أنّ العنعنه بدأت مع أسماء الأئمّه علیهم السلام !

وکذلک روی الخطیب البغدادی بعض روایات المروزی موسی بن إبراهیم عن الإمام الکاظم علیه السلام ، وجاء اللفظ عنده هکذا :

حدّثنا محمّد بن خلف بن عبد السلام المروزی ، حدّثنا موسی بن إبراهیم المروزی ، حدّثنا موسی بن جعفر ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : « مَنْ قال حین یسمع المؤذّن یؤذّنُ : مَرْحبا بالقائلین

ص: 71

عدلاً . . . الحدیث(1) . وکذلک روی ابن حجر العسقلانی منه حدیثا ، والسند فیه مثل ما أورده الخطیب(2) .

أمّا المحدّثون الشیعه فقد نقلوا أحادیث هذا المسنَد ، کالمحدّث الأقدم الحافظ الشیخ جعفر بن أحمد القمّی ، المعروف بابن الرازی ، فقد أورد مجموعه کبیره من روایاته فی کتابه جامع الأحادیث ، والسند إلیه :

حدّثنا عبد العزیز بن محمّد ، قال : حدّثنی عبد العزیز بن یونس الموصلی ، عن إبراهیم بن الحسین ، عن محمّد بن خلف ، عن موسی بن إبراهیم ، عن الکاظم ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : . . .(3) .

وأیضا بهذا السند : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن الأزهر ، عن محمّد بن خلف ، عن موسی بن إبراهیم ، عن موسی بن جعفر ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن آبائه علیهم السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : . . .(4) . وبأسانید أُخری(5) .

فنجد فی هذه النقول : سریان « العنعنه » إلی الجامع للمسند موسی المروزی ، بل إلی راویه محمّد بن خلف أحیانا ، وحتّی مَنْ بعده ! وحذف بعض العنعنات المتوسّطه فی بعض النقول ، والاکتفاء بلفظ « عن آبائه » ، وکلّ ذلک دلیلٌ علی تصرّف الرواه فی الألفاظ ، حَسَبَ القناعه فیما لا یضرّ

ص: 72

مثل ذلک التصرّف . وجواز ذلک واضحٌ ، خصوصا مع الاحتفاظ بأصل الکتاب المرویّ ، کما فی المسند الّذی نبحث عنه ، ومثله سائر الکتب والأُصول والمؤلّفات .

واعلم أنّ النسخه المحفوظه ، والّتی طُبعت باسم « مسند الإمام موسی بن جعفر علیه السلام » إنّما تحتوی علی بعض ما کان یحتوی أصلُها ، بقرینه وجود روایات کثیره بنفس السند فی التراث عند الخاصّه والعامّه ، وقد استدرک محقّق الکتاب السیّد الجلالی ، بعض ذلک فی المطبوعه ، وأشرت أنا فی بحث « المصطلح الرجالی : أسند عنه »(1) إلی مجموعه أُخری ، کما أنّ التتبّع الجادّ سیوقفنا علی مجموعه أکبر .

قال : سألت أبا الحسن موسی .

وقال النجاشی أیضا : وأخبرنا أبو عبد اللّه بن شاذان ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن یحیی ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن جعفر ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن الحسن بن علیّ بن جعفر ، قال : حدّثنا علیّ بن جعفر(1) .

وقد روی الحمیری وهو عبد اللّه بن جعفر ، المذکور فی السند الثانی هذا الکتاب بکامله فی کتابه العظیم قرب الإسناد ، وسنده إلیه هکذا : حدّثنا عبد اللّه بن الحسن العلویّ ، عن جدّه علیّ بن جعفر(2) .

کما إنّ المحدّثین قاطبه نقلوا ما یهمّهم من هذا الکتاب ، فهذا المحدّث الحافظ الإمام الکلینی روی فی کتاب الحجّ من الکافی العظیم ، حدیثا من المسائل ، بهذا السند : محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن العَمْرَکی ، عن علیّ بن جعفر . . .(3) .

والصدوق أیضا یروی بهذا السند : أبی ، قال : حدّثنا محمّد بن یحیی العطّار ، عن العَمْرَکی(4) .

وروی الکلینی أیضا ، بسند النجاشی الأوّل ، إلی علیّ بن أسباط إلی آخر السند ، لکن لا بالألفاظ ، بل بالعنعنه ، فقال : عدّه من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن علیّ بن أسباط ، عن علیّ بن جعفر ، عن أبی إبراهیم علیه السلام(5) .

ص: 74

وکذلک ذکر الشیخ الطوسیّ ، فقال : سهل بن زیاد ، عن علیّ بن أسباط ، عن علیّ بن جعفر ، قال : أخبرنی أخی موسی علیه السلام ، قال : . . .(1) .

وبالعنعنه جاء السند إلی علیّ بن جعفر فی مشیخه الصدوق(2) وفهرست الطوسی(3) .

أمّا سندُ المطبوعه فهو کما جاء فی بدایتها : « حدّثنا أبو جعفر بن یزید بن النضر الخراسانی من کتابه فی جمادی الآخره ، سنه إحدی وثمانین ومئتین ، قال : حدّثنا علیّ بن الحسن بن علیّ بن عمربن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ، عن علیّ بن جعفر بن محمّد ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام »(4) .

فالملاحظ وجود الألفاظ فی بعض طرق الکتاب ، ومع هذا فإنّ الطرق الأُخری تختلف بین ما وردت فیها الألفاظ فی جمیع الطبقات أو بعضها ، وبین ما اقتصر فیه علی العنعنه . أمّا المصادر المتأخّره الناقله ، فقد اقتصرت علی العنعنه غالبا .

وقد اشترک العامّه فی مثل هذا التصرّف ، وإلیک مثالاً من روایاتهم عن علیّ بن جعفر ممّا وقع فیه ذلک :

قالوا : حدّثنا نصر بن علیّ ، أخبرنا علیّ بن جعفر بن محمّد ، حدّثنا أخی ،

ص: 75

موسی

بن جعفر ، حدّثنی أبی ، جعفر ، حدّثنی أبی ، محمّد ، حدّثنی أبی ، علیّ بن الحسین ، حدّثنی أبی ، الحسین بن علیّ ، حدّثنی أبی ، علیّ بن أبی طالب ، قال : أخذ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم بید الحسن والحسین فقال : « مَنْ أحبّنی وأحبّ هذین وأباهما وأُمّهما ، کان معی فی درجتی یوم القیامه »(1) .

ولکن رواه الترمذی ( ت 297 ه ) فی سننه المعروف بالجامع الصحیح ، قال : حدّثنا نصر بن علیّ الجهضمی ، حدّثنا علیّ بن جعفر بن محمّد بن علیّ ، أخبرنی أخی موسی بن جعفر بن محمّد ، عن أبیه جعفر بن محمّد ، عن أبیه محمّد بن علیّ ، عن أبیه علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن أبی طالب(2) .

وهکذا رواه الدولابی معنعنا(3) .

ورواه الشیخ الصدوق بلفظ : . . . حدّثنا نصر بن علیّ الجهضمی ، قال : حدّثنا علیّ بن جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنی أخی موسی بن جعفر ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن أبی طالب . . .(4) .

أمّا ابن قولویه ( ت 367 ه ) فقد رواه بعنعنهٍ أکثر واختصار فی السند ، فقال : حدّثنا نصر بن علیّ ، قال : حدّثنا علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر ، قال : أخذ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بید . . .(5) .

ص: 76

إنّ اعتماد الألفاظ للأداء تارهً ، وفی بیان الطرق والأسانید وکتب الفهارس والمشیخات المعتمده لهذا الغرض ، وترکها فی المجامع الحدیثیه الموضوعه لذِکر المتون ، والاکتفاء فی أسانیدها بالعنعنه ، یدلّ هذا التصرّف من هؤلاء الأعلام ، علی أنّ العنعنه عندهم بدیلٌ عن الألفاظ ، وأنّها تعبیر وافٍ بقوّه عمّا تؤدّیه سائرُ ألفاظ الأداء ، بلا ریب .

محمّد

بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن الحسین ، قال : حدّثنی أبی ، الحسین بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : « یقول اللّه عزّ وجلّ : لا إله إلاّ اللّه حصنی ، فمن دخل حصنی أمِنَ مِنْ عذابی »(1) .

وعن هذا الکتاب وهذا السند ، قال موفّق الدین بن قدامه المقدسی ( ت620 ه ) بعد ذِکر الأئمّه علیهم السلام ، الباقر إلی الرضا علیهماالسلام ما نصّه : کلّهم أئمّه مرضیّون ، وفضائلهم کثیره مشهوره ، وفی بعض روایاتهم عن آبائهم نسخه یرویها علیّ بن موسی ، عن أبیه موسی بن جعفر ، عن أبیه جعفر ، عن أبیه محمّد بن علیّ ، عن الحسین بن علیّ ، عن أبیه ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم .

قال بعض أهل العلم : « لو قرئ هذا الإسناد علی مجنونٍ لبرئ »(2) .

أقول :

نُسب هذا القول إلی أحمد بن حنبل(3) ، ونُسب إلیه قوله لأبی الصلت الهروی أحد رواه الصحیفه : « یا أبا الصلت ، لو قرئ هذا الإسناد علی المجانین لأفاقوا »(4) ، ونُسب إلی أبی الصلت قوله : هذا سعوط المجانین ! هذا عطر الرجال ذوی الألباب(5) .

ص: 78

وقد روی الحدیث السیّد الشجریّ فی أمالیه ، فقال : وبه قال : أخبرنا أبو یعلی ، الخلیل بن عبد اللّه بن أحمد ، الحافظ ، إملاءً من حفظه ، ولفظه ، قال : حدّثنا أبو الحسن ، أحمد بن محمّد بن عمر الزاهد ، ومحمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحافظ ، جمیعا ، بنیسابور ، قالا : حدّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذری الحافظ ، قال : حدّثنی الحسن بن علیّ بن محمّد ، إمام عصره عند الإمامیه ، بمکّه ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن محمّد ، المفتی ، قال : حدّثنی أبی ، محمّد بن علیّ ، السیّد المحجوب ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن موسی ، الرضا(1) ، قال : حدّثنی أبی ، جعفر بن محمّد ، الصادق ، قال : حدّثنی أبی ، محمّد بن علیّ ، الباقر ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن الحسین ، زین العابدین ، قال : حدّثنی أبی ، الحسین بن علیّ ، سیّد الشهداء ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن أبی طالب ، سیّد الأوصیاء علیهم السلام ، قال : حدّثنی محمّد صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : « حدّثنی جبرئیل ، سیّد الملائکه علیهم السلام عن اللّه ربّ الأرباب تعالی ، قال : إنّی أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، فمن قالها دخل حصنی ، ومن دخل حصنی أمِنَ مِن عذابی »(2) .

وقد روی الصدوق هذا الحدیث فی العیون عن عبد السلام أبی الصلت الهروی ، وبلفظ « حدّثنی » إلی علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، قال : سمعتُ النبیّ صلّی اللّه علیه یقول : سمعتُ جبرئیل یقول : قال اللّه جلّ جلاله : . . . الحدیث(3) .

ص: 79

ورواه ثالثا ، بلفظ حدیث البلاذری السابق .

ورواه رابعا ، بسنده عن إسحاق بن راهوَیْه ، قال : لمّا وافی أبو الحسن الرضا علیه السلامنیسابور ، وأراد أن یخرجَ منها إلی المأمون ، اجتمع علیه أصحاب الحدیث فقالوا له : یابن رسول اللّه ، ترحَلُ عنّا ولا تحدّثنا بحدیثٍ فنستفیده منک ؟ ! وکان قد قَعَدَ فی العماریه ، فأطلعَ رأسه ، وقال : سمعتُ أبی ، موسی بن جعفر یقول : سمعتُ أبی ، جعفر بن محمّد یقول : سمعتُ أبی ، محمّد بن علیّ یقول : سمعتُ أبی ، علیّ بن الحسین یقول : سمعتُ أبی ، الحسین بن علیّ یقول : سمعتُ أبی ، أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام یقول : سمعتُ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم یقول : [ سمعتُ جبرئیل یقول : (1)] . سمعتُ اللّه عزّ وجلّ ، یقول : . . .(2) .

وروی مثله نسقا : الطبریّ الإمامیّ(3) .

وبسند الصحیفه ، نقل الخطیب البغدادی بعض أحادیث الصحیفه ، مع لفظ الأداء « حدّثنی » فی جمیع الوسائط(4) .

ومع اتّفاق الناقلین لهذا الحدیث علی إیراده بألفاظ الأداء « حدّثنی » أو « سمعتُ » فی طول السند ، إلاّ أنّ المنقول عن الحاکم النیسابوری فی تاریخ نیسابور أنّه رواه بالعنعنه ، وأنّ الإمام الرضا علیه السلام قال : حدّثنی أبی موسی الکاظم ، عن أبیه جعفر الصادق ، عن أبیه محمّد الباقر ، عن أبیه

ص: 80

زین العابدین ، عن أبیه شهید کربلاء ، عن أبیه علیّ المرتضی ، قال : حدّثنی حبیبی وقرّه عینی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمقال : حدّثنی جبرئیل علیه السلام ، قال : حدّثنی ربّ العزّه سبحانه وتعالی ، قال : « لا إله إلاّ اللّه حصنی . . . » الحدیث(1) .

ثمّ إنّ الموجود فی الصحیفه بعد الحدیث الأوّل هو قوله : « وبإسناده » ، وأورد باقی أحادیث الصحیفه وهی 204 حدیثا مکتفیا فی أدائها بهذا اللفظ ، وهذا یدلّ علی أنّ جمیع أسانید الصحیفه وارده بهذا السند المحتوی علی ألفاظ الأداء « حدّثنی » أو « سمعتُ » .

إلاّ أنّ المؤلّفین الّذین نقلوا کثیرا من أحادیث الصحیفه فی کتبهم أبدلوا ألفاظ الأداء ب « العنعنه » .

فالحدیث الثالث فی الصحیفه : وهو : « الإیمان إقرار باللسان ، ومعرفه بالقلب ، وعمل بالأرکان » ورد کذلک بالألفاظ فیها(2) وفی غیرها(3) ، إلاّ أنّ الصدوق أورده بالعنعنه(4) .

والحدیث الثالث والعشرون : ومتنه : « إنّ اللّه تعالی لَیغضب لغضب فاطمه ، ویرضی لرضاها » .

رواه الطبری الإمامیّ بسند الصحیفه ، وبلفظ « حدّثنی »(5) ، وکذلک

ص: 81

الحموی الشافعیّ(1) ، والخوارزمیّ الحنفیّ(2) ، بینما رواه أبو حمزه الثُمالیّ عن الإمام الباقر علیه السلاممعنعنا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم(3) .

والحدیث 114 من الصحیفه : رواه الشهید الأوّل بسند الغازیّ ، عن الإمام الرضا علیه السلاممعنعنا عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم(4) ، ومثله ابن زهره الحلبی فی أربعینه ، مقتصرا علی قوله : « عن الرضا ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم »(5) .

وهکذا یتبیّن أنّ العدول من ألفاظ الأداء إلی العنعنه ، کان أمرا متعارفا ، وأنّ الأمر لا یتفاوت من هذه الناحیه ، فالعنعنه تؤدّی وظیفه الألفاظ الأُخری ، سواء .

أصبحت هی الأساس لمؤلّفی الجوامع والکتب المتأخّره ، والّتی بنیت علی التصنیف العلمی للأحادیث وترتیبها حسب الکتب والأبواب ، وبالخصوص الکتب الأربعه الّتی هی أُمّهات کتب الحدیث عند الشیعه الإمامیّه ، کما سیأتی الحدیث عنها .

وقد استُغنی علی أثر ذلک الدرج عن أعیان هذه الأُصول ، فتُرکتْ وقلّت العنایه بها ، أو هی أُتلِفتْ علی أثر الطغیان والتعدّی المستمرّ علی التراث الإسلامی بالإماثه والإحراق والدفن ! ! فلم یبق لأکثرها عینٌ ، سوی القلّه .

وقد طبع المحقّق الورع الشیخ حسن المصطفوی مجموعه منها باسم « الأُصول الستّه عشر » فی طهران عام 1371 ، وعلیها اعتمدنا فی هذه الدراسه .

فالصفه العامّه فی أسانید هذه الأُصول أنّها مؤدّاه بالعنعنه ، وهذا هو دلیلٌ واضح علی شیوع استعمال العنعنه عند القدماء ، وعدم التحسُّس منها ، أو تخصیصها بموارد وقیود خاصّه ، ومع ذلک فقد وقفنا خلالها علی موارد جاءت فیها ألفاظ الأداء الأُخری بدلاً عن العنعنه ، نذکر منها :

1 - ففی « أصل زید النرسی » نجد :

زید ، قال : سمعت أبا عبد اللّه یقول(1) .

زید : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام(2) .

ص: 83

و : زید ، قال : سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام یحدّث عن آبائه(1) ، أو : یقول(2) ، أو : یحدّث عن أبیه(3) .

لکنّه یقول أیضا کثیرا : زید ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام(4) .

و : زید ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام(5) .

وکذلک یستعمل الأُسلوبین مع الرواه ، ففیه :

زید ، قال : حدّثنی علیّ بن مزید بیّاع السابری ، قال : رأیت أبا عبد اللّه علیه السلام(6) .

وقال : سمعتُ علیّ بن مزید ، قال : سمعتُ أبا عبد اللّه علیه السلام یقول(7) .

وفیه : زید ، عن علی بن مزید صاحب السابری(8) .

وفیه : زید ، قال : حدّثنی عُبید بن زراره ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول(9) .

بینما روی نفس هذا الحدیث الحسینُ بن سعید ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن زید النرسی ، عن عُبید بن زُراره ، قال : سمعتُ أبا عبد اللّه علیه السلام(10) .

ص: 84

بل فی کتاب زید نفسه فی موضعٍ آخر : زید ، عن عُبید بن زراره ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام(1) .

وعنه ، عن عبد الکریم ، عن محمّد بن میسّر(1) .

بل وردت الروایه مبدوءهً باسم « عبد الکریم » بلا لفظٍ(2) .

ویلاحظ أنّ الراوی العظیم أبان بن تَغْلِب بن رباح ، أبا سعید الجریری البکری ، اللغوی المقرئ ، وهو من أصحاب الأئمّه السجّاد والباقر والصادق علیهم السلام ، الثقه الفقیه الجلیل ، الّذی قال له الباقر علیه السلام : « اجلس فی مسجد المدینه وأفْتِ الناس ، فإنّی أُحبُّ أنْ یُری فی شیعتی مثلک »(3) ، هو ممّن أبدی المحافظه علی ذِکر « ألفاظ الأداء وصیغه » ، من قبیل : « حدّثنی وحدّثنا ، وأخبرنی وأخبرنا » ، کما یبدو من أوائل ما رواه فی المتبقّی من کتابه الّذی هو « أصل » من الأُصول الأربعمئه(4) .

ومن هنا یُمکن أنْ نقدّر أنّ الأُصول وهی أوثق ما أُثر من التراث الحدیثی قد بُنیت علی التسویه بین « العنعنه » والألفاظ الأُخری .

الروایات والأحادیث المرتبطه بمجالات العقائد والأخلاق والشریعه ، ممّا وقع الاتّفاق علیه بین الطائفه الحقّه ، والتزموا بالإجماع العملی بها ، فلم یُعْهَد شیءٌ عنهم ، إلاّ أودعوه فی هذه الکتب الأربعه الشریفه .

وقد أبدعوا تفنّنا وفقها وعلما فی تصنیف تلک الروایات علی ترتیب الکتب ، ثمّ علی الأبواب الّتی حافظوا علیها کما هی فی الأُصول ، فصانوها من الضیاع والتشتّت والتفرّق ، کما راقبوا فی نقلها کلّ أدوات الحیطه والضبط والإتقان ، وأثبتوا کلّ ما له دخلٌ فی المعنی من الاختلافات حسبما تلقّوه من المشایخ ، بالطرق الأمینه للروایه والنقل .

وبذلک عملوا هذه الکتب الأربعه الّتی أصبحت بحقّ مراجع أمینهً للمعرفه الإسلامیه بکلّ فروعها ، کما سهّلوا علی المراجعین أمر العثور علی مقاصدهم فی مظانّها ، ووفّروا الوقت علی الطالبین لحدیثٍ منها .

وقبل أن ندخل فی البحث الّذی نتابعه فی هذه الکتب ، لا بُدّ من حدیثٍ موجز عن هذه الکتب العظیمه ومؤلّفیها العظماء :

فأوّلها تألیفا ومقاما هو کتاب الکافی الشریف ، للإمام أبی جعفر ، محمّد بن یعقوب الکلینی الرازی البغدادی ( ت 329 ه ) . وهو من أجلّ کتب الإسلام ، وقد اعتمد علیه العلماء کافّهً ، فقهاء وغیرهم ، منذ تألیفه ، وتداولوه بالروایه والضبط والحفظ والصیانه ، والدرس والبحث والعنایه ، فهو من أضبط ما فی الإسلام من الکتب المصنّفه والجوامع الحدیثیّه المؤلّفه ، الجامعه لنصوص الحدیث الشریف .

ثمّ کتاب مَنْ لا یحضره الفقیه لشیخ المحدّثین الإمام الشیخ أبی جعفر ،

ص: 87

محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی ، الشهیر بالصدوق ( ت381 ه ) . وهو یُعَدّ ثانیا بالنسبه إلی الکافی فی القِدَم والأهمّیّه ، وممیّزا بما التزم فیه مؤلّفه العظیم من المنهج المبتکَر ، وما بذل فیه من جهدٍ عظیم فی الضبط والتقویم ، والتصنیف والتبویب .

ثمّ کتاب تهذیب الأحکام لشیخ الطائفه الإمام الشیخ أبی جعفر ، محمّد بن الحسن بن علیّ ، الطوسی البغدادی ( ت 460 ه ) . الّذی خصّصه لجمع أحادیث أحکام الشریعه المقدّسه ، وجدّ فی ضبط الأسانید والمتون ، والجمع بین المختلفات وتنقیح الدلالات ، بما لم یُسبق إلیه ، وقد تمیّز مع ذلک باحتوائه علی جمیع ما احتمل أن یکون دخیلاً فی الحکم ممّا قد تجاوزه السابقون لاعتبارات شتّی ، من قبیل الإعراض عنه أو عدم وضوح معناه أو مخالفته للأصحّ ، فحاول إثبات ذلک کلّه ، وحاول الجمع بین ما ظاهره المخالفه ، مهما أمکن .

وهو أعظم کتب الإمامیّه فی مجال أحادیث الأحکام ، وآخر الأُصول الأربعه تألیفا وجمعا . وقد جمع محاولاته العظیمه فی باب الجمع بین الأخبار فی کتابٍ مستقلٍّ باسم الاستبصارلِما اختلف من الأخبار ، استخرجه من کتابه الکبیر تهذیب الأحکام ، وأضاف علیه فوائد قیّمه ممّا جعله رابعا للکتب الحدیثیّه الأُصول .

وأمّا أصحاب هذه الکتب ، فقد کانوا فی القمّه الرفیعه فی المعرفه بالحدیث الشریف وعلومه ، وإلیک طرفا من التعریف بهم :

أمّا الشیخ الکلینیّ الرازیّ البغدادیّ :

ص: 88

فقد قال فیه النجاشیّ : شیخ أصحابنا فی وقته بالریّ ووجههم ، وکان أوثق الناس فی الحدیث وأثبتهم ، صنّف الکتاب الکبیر المعروف بالکلینیّ ویُسمّی الکافی فی عشرین سنه(1) .

وقال الشیخ الطوسیّ : یُکنّی أبا جعفر الأعور ، جلیل القدر ، عالم بالأخبار ، له مصنّفات یشتمل علیها الکتاب المعروف بالکافی ، مات سنه تسع وعشرین وثلاثمئه فی شعبان ، ببغداد(2) .

وقال الطوسی أیضا : الکلینی ، یکنّی أبا جعفر ، ثقه ، عارف بالأخبار ، له کتب ، منها کتاب الکافی یشتمل علی ثلاثین کتابا(3) .

وقال السیّد بحر العلوم : ثقه الإسلام ، وشیخ مشایخ الأعلام ، ومروّج المذهب فی غَیبه الإمام علیه السلام ، ذکره أصحابنا . . . واتّفقوا علی فضله وعظم منزلته(4) .

وقال الشیخ المفید عن کتاب الکافی : هو من أجلّ کتب الشیعه وأکثرها فائده(5) .

وقال السیّد محمّد صادق بحر العلوم : هو أصحّ الکتب الأربعه المعتمد علیها فی الأحکام الفقهیه عند الشیعه ، وضبطت أخباره فی 16199 حدیثا(6) .

ص: 89

وقال السیّد الداماد : إنّ کتاب الکافی لشیخ الدین وأمین الإسلام ، نبِیْهِ الفِرقه ، ووجیه الطائفه ، رئیس المحدّثین ، حجّه الفقه والعلم والحقّ والیقین(1) .

وقال الدکتور حسین علی محفوظ : قد اتّفق أهل الإمامه من جمهور الشیعه علی تفضیل هذا الکتاب ، والأخذ به والثقه بخبره ، والاکتفاء بأحکامه ، وهم مجمِعون علی الإقرار بارتفاع درجته وعلوّ قدره ، علی أنّه القطب الّذی علیه مدار روایات الثقات المعروفین بالضبط والإتقان إلی الیوم ، وعدّوه « أجمل وأفضل »(2) من سائر أُصول الحدیث ، وقد ظلّ حجّه المتفقّهین عصورا طویلهً ، ولا یزال موصول الإسناد والروایه ، مع تغیّر الزمان وتبدّل الدهور(3) .

وأمّا الشیخ الصَدُوق القمّی الرازیّ :

قال النجاشی : أبو جعفر القمّیّ ، نزیل الریّ ، شیخنا وفقیهنا ووجه الطائفه بخراسان(4) .

وقال الشیخ الطوسی : جلیل القدر ، حَفَظه ، بصیر بالفقه والأخبار والرجال .

وقال الطوسی(5) أیضا : جلیل القدر ، یکنّی أبا جعفر ، کان جلیلاً حافظا

ص: 90

للأحادیث ، بصیرا بالرجال ، ناقدا للأخبار ، لم یُرَ فی القمّیّین مثله فی حفظه وکثره علمه(1) .

وقال المحقّق التستری : الصدوق ، رئیس المحدّثین ، ومحیی معالم الدین ، الحاوی لمجامع الفضائل والمکارم . . . الشیخ الحفظه ، ووجه الطائفه المستحفظه ، عماد الدین ، أبو جعفر(2) .

وقال السیّد بحر العلوم : أبو جعفر ، شیخ من مشایخ الشیعه ، ورکنٌ من أرکان الشریعه ، رئیس المحدّثین ، والصدوق فی ما یرویه عن الصادقین علیهم السلام(3) .

أجمع الأصحاب علی نقل أقواله ، واعتبار مذاهبه فی الإجماع والنزاع ، وقبول قوله فی التوثیق والتعدیل ، والتعویل علی کتبه خصوصا کتاب من لا یحضره الفقیه ، فإنّه أحد الکتب الأربعه الّتی هی فی الاشتهار والاعتبار کالشمس فی رائعه النهار ، وأحادیثه معدوده فی الصحاح من غیر خلاف ولا توقُّفٍ من أحد .

ومن الأصحاب مَنْ یذهب إلی ترجیح أحادیث الفقیه علی غیره من الکتب الأربعه ؛ نظرا إلی زیاده حفظ الصدوق وحسن ضبطه وتثبُّته فی الروایه ، وتأخّر کتابه عن الکافی ، وضمانه فیه صحّه ما یورده ، وأنّه لم یقصد فیه قصد المصنّفین فی إیراد جمیع ما یرووه ، وإنّما یورد فیه ما یُفتی به

ص: 91

ویحکم بصحّته ، ویعتقدُ أنّه حجّه بینه وبین ربّه(1) .

وأمّا الشیخ أبو جعفر الطوسیّ :

قال النجاشی : أبو جعفر ، جلیل فی أصحابنا ، ثقهٌ ، عین(2) .

وقال السیّد بحر العلوم : شیخ الطائفه المحقّه ، ورافع أعلام الشریعه الحقّه ، إمام الفرقه بعد الأئمّه المعصومین ، وعماد الشیعه الإمامیه فی کلّ ما یتعلّق بالمذهب والدین ، محقّق الأُصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شیخ الطائفه علی الإطلاق ، ورئیسها الّذی تُلوی له الأعناق ، صنّف فی جمیع علوم الإسلام ، وکان القدوه فی کلّ ذلک والإمام(3) .

وقال السیّد أیضا : وأمّا الحدیث ، فإلیه تشدّ الرحال ، وبه یبلغ رجاله غایه الآمال ، وله من الکتب الأربعه الّتی هی أعظم کتب الحدیث منزلهً ، وأکثرها منفعهً کتاب التهذیب وکتاب الاستبصار ، ولهما المزیّه الظاهره باستقصاء ما یتعلّق بالفروع من الأخبار ، خصوصا التهذیب ، فإنّه کافٍ للفقیه فیما یبتغیه ، من روایات الأحکام ، مغنیا عمّا سواه فی الغالب ، ولا یُغنی عنه غیره فی هذا المرام ، مضافا إلی ما اشتمل علیه الکتابان من الفقه والاستدلال ، والتنبیه علی الأُصول والرجال ، والتوفیق بین الأخبار ، والجمع بینها بشاهد النقل والاعتبار(4) .

ص: 92

منهاج المشایخ الثلاثه فی کتبهم الأربعه فی مجال الألفاظ :

أمّا الشیخ الکلینی : فقد استخدم ألفاظ التحمّل والأداء ، کقوله : « حدّثنی » و « حدّثنا » و « أخبرنی » و « أخبرنا » فی بدایه الکتب الّتی عنون لها فی الکافی .

ففی أوّل حدیث من کتاب العقل والجهل وهو أوّل کتبه قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن یعقوب ، قال : حدّثنی عدّه من أصحابنا . . .(1) .

وفی کتاب التوحید فی أوّل باب منه ، وأوّل حدیث من الباب ، قال : أخبرنا أبو جعفر محمّد بن یعقوب ، قال : حدّثنی علیّ بن إبراهیم بن هاشم . . .(2) .

وفی أوّل حدیث من أوّل باب من کتاب الحُجّه : قال أبو جعفر محمّد بن یعقوب الکلینی مصنّف هذا الکتاب ؛ : حدّثنا علیّ بن إبراهیم(3) .

وفی بدایه کتاب الطهاره ، فی أوّل باب منه : قال أبو جعفر محمّد بن یعقوب الکلینی : حدّثنی علیّ بن إبراهیم بن هاشم(4) .

وفی بدایه کتاب الصلاه ، فی أوّل باب منه : قال محمّد بن یعقوب الکلینی مصنّف هذا الکتاب : حدّثنی محمّد بن یحیی(5) .

وهکذا یصنع فی بدایات کتب أُخری(6) ، وهذا یدلّ علی تنبّه الکلینی رحمه الله

ص: 93

إلی هذه الألفاظ ودلالتها واختلاف مواردها ، حیث استعملها باختلافها . ولکنّه مع ذلک استعمل « العنعنه » فی غیر هذه البدایات ومن دون استثناء ، مع أنّ العنعنه موجوده فی مصادر الکلینی الّتی استقی منها علمه وحدیثه .

مثلاً : روی الکلینی حدیثا بهذه الألفاظ : علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، وعبد اللّه بن الصلت ، جمیعا عن حمّاد بن عیسی ، عن حریز بن عبد اللّه ، عن زراره . . .(1) ، والحدیث مذکور بعین السند ، نقله البرقی فی المحاسن عن أبیه ، عن أبی طالب عبد اللّه بن الصلت ، عن حمّاد بن عیسی ، عن حریز بن عبد اللّه ، عن زراره(2) . هکذا معنعنا .

لکنّ الکلینی روی حدیثا بسنده المعنعن إلی إبراهیم بن محمّد الثقفی ، عن محمّد بن مروان ، عن أبان بن عثمان(3) ، ورواه البرقی : عن أبیه ، عن أبی إسحاق الثقفی وهو إبراهیم بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن أبان(4) .

وروی الکلینی : عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقری(5) ، وروی الصدوق ذاک الحدیث : عن أبیه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا القاسم بن محمّد(6) . فالقاسم بن محمّد نقل الحدیث إلی

ص: 94

إبراهیم بن هاشم بالعنعنه ، ونقله إلی سعد بن عبد اللّه باللفظ .

وروی الکلینی بسنده المعنعن إلی علیّ بن مرداس ، عن صفوان بن یحیی ، والحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم(1) ، ورواه الصدوق بسنده بالألفاظ قال : حدّثنا القاسم بن هشام اللؤلؤی ، قال : حدّثنا الحسن بن محبوب(2) .

إلی غیر ذلک من الموارد الّتی استعمل فیها الکلینی العنعنه بینما وردت الروایه بعینها بالألفاظ ، فإذا جمعنا بین هذه الحقائق : نعلم أنّ الکلینی إنّما قصد اعتماد العنعنه فی الأسانید ، مشیا علی القاعده المتّبعه الّتی سنکشف عنها .

وأمّا الصدوق :

فالمقارنه بین أعماله الحدیثیّه متیسّره ، لوجود جمله من مؤلّفاته بحمد اللّه ، فنراه یعتمد العنعنه بکثره فی کتابه الکبیر ، الّذی هو من الأُصول

الأربعه ، أعنی کتاب من لا یحضرهُ الفقیه ، ونجده یورد نفس الأحادیث بالألفاظ فی سائر کتبه . وإلیک مقارنه سریعه بین أعماله :

فهو فی الفقیه اعتمد العنعنه مطلقا ، مع أنّه اقتصر من الأسانید علی أسماء أصحاب الکتب والمؤلّفات ، أو الرواه الناقلین مباشره عن المعصومین علیهم السلام ، لکنّه أورد الأسانید إلیهم فی مکانٍ واحدٍ فی آخر الکتاب ، وهی « المشیخه » الّتی خصّصها لذِکر أسانیده إلی أصحاب الکتب والمؤلّفات الّتی

ص: 95

نقل عنها ، أو الرواه الّذین روی عنهم ، وبذلک لا تکون أحادیثه فی متن الکتاب مرسَله مطلقا ، بل هی مسندهٌ ، للعلم بأسانیدها المودعه فی المشیخه أو الفهارس الأُخری الّتی أعدّها الصدوق .

ولابُدّ أنْ نضیف علی هذا : أنّ للصدوق أسانید إلی جمیع ما أورده فی الفقیه ، وإن لم یذکرها فی المشیخه ، فإنّ طرقه فی کتبه إلی الرواه والمؤلّفین هی بعینها الطرق إلی ما أورده فی الفقیه .

وللصدوق فی المشیخه أسالیب عدیده فی إیراد الألفاظ أو الاعتماد علی العنعنه ، فقد یورد فی البدایه قوله : « رویته » عند ذِکر شیخه الأوّل ، ویأتی بالعنعنه فی آخر السند ، لکنّه فی الوسط یأتی بالألفاظ ، وهذا أکثر ما یستعمله ، فقد قال : ما کان فیما کتبه الرضا علیه السلام إلی محمّد بن سنان من جواب مسائله فی العلل ، فقد رویته عن علیّ بن أحمد بن موسی الدقّاق ، ومحمّد بن أحمد السنانی ، والحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المکتّب ، رضی اللّه عنهم ، قالوا : حدّثنا محمّد بن أبی عبد اللّه الکوفی ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعیل البرمکی ، عن علیّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربیع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان ، عن الرضا علیه السلام(1) .

وقال : ما کان فیه عن أسماء بنت عُمیس فی خبر « ردّ الشمس علی أمیر المؤمنین علیه السلام فی حیاه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » ، فقد رویته عن أحمد بن الحسین القطّان ، قال : حدّثنا أبو الحسین محمّد بن صالح ، قال : حدّثنا عمرو بن

ص: 96

خالد المخزومی ، قال : حدّثنا أبو نباته ، عن محمّد بن موسی ، عن عماره بن مهاجر ، عن أُمّ جعفر وأُمّ محمّد ابنتَی محمّد بن جعفر ، عن أسماء بنت عُمیس وهی جدّتهما .

ورویته عن أحمد بن محمّد بن إسحاق ، قال : حدّثنی الحسین بن موسی النحّاس ، قال : حدّثنا عثمان بن أبی شیبه ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن موسی ، عن إبراهیم بن الحسن ، عن فاطمه بنت الحسین ، عن أسماء بنت عُمیس .

قال الصدوق : وما کان فیه عن جویریه بن مسهر فی « ردّ الشمس علی أمیر المؤمنین علیه السلامبعد وفاه النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم » ، فقد رویته عن أبی ، ومحمّد بن الحسن رضی اللّه عنهما ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن . . .(1) ثمّ عنعن .

وقال الصدوق : وما کان فیه عن أبی سعید الخُدْری فی « وصیّه النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم لعلیٍّ علیه السلام » الّتی أوّلها : « یا علیّ ! إذا دخلت العروس بیتک » ، فقد رویتُه عن محمّد بن إبراهیم أبی إسحاق الطالقانی رضی الله عنه ، عن أبی سعید الحسن بن علیّ العدویّ ، عن یوسف بن یحیی الأصبهانی أبی یعقوب ، عن أبی علیّ إسماعیل بن حاتم ، قال : حدّثنا أبو جعفر أحمد بن زکریّا بن سعید المکّی ، قال : حدّثنا عمر بن حفص ، عن إسحاق بن نجیح ، عن خصیف ، عن مجاهد ، عن أبی سعید الخدری(2) .

قال الصدوق : وما کان فیه عن حمّاد بن عمرو ، وأنس بن محمّد ، من « وصیّه النبیّ صلی الله علیه و آله وسلملأمیر المؤمنین علیه السلام » ، فقد رویته عن محمّد بن علیّ الشاه ،

ص: 97

بمرو الروذ ، قال : حدّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسین ، قال : حدّثنا أبو یزید أحمد بن خالد الخالدی ، قال : حدّثنا محمّد

بن أحمد بن صالح التمیمی ، قال : حدّثنا أبی أحمد بن صالح التمیمی ، قال : حدّثنا محمّد بن حاتم القطّان ، عن حمّاد بن عمرو ، عن جعفر

بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علیّ بن أبی طالب .

ثمّ رواه بالسند نفسه إلی أحمد بن صالح التمیمی ، قال : حدّثنا أنس بن محمّد أبو مالک ، عن أبیه ، عن جعفر . . .(1) .

وقال الصدوق : وما کان فیه عن إسماعیل بن الفضل مِن ذِکر « الحقوق » عن علیّ بن الحسین سیّد العابدین علیه السلام ، فقد رویته عن علیّ بن أحمد بن موسی رضی الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الکوفی الأسدی ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعیل البرمکی ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعیل بن الفضل ، عن ثابت بن دینار الثمالی ، عن سیّد العابدین علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام(2) .

وهکذا فی أکثر الطرق . لکنّه فی بعض الموارد یبدأ بالألفاظ ، مثل قوله : حدّثنا محمّد بن الحسن(3) ، وفی آخر : حدّثنی به محمّد بن موسی المتوکّل(4) .

وأمّا فی سائر کتبه ومؤلّفاته :

فقد التزم بالألفاظ فی بدایات السند غالبا ، وبالعنعنه فی أواخرها ، شأنه

ص: 98

فی ذلک شأن المحدّثین القدماء من الفریقین الخاصّه والعامّه ، کما ستعرف . فهو فی أوّل حدیث من أمالیه ، یقول : حدّثنا یحیی بن زید بن العبّاس بن الولید بالکوفه ، قال : حدّثنی عمّی علی بن العبّاس ، قال : حدّثنا إبراهیم بن بشر بن خالد العبدی ، قال : حدّثنا عمرو بن خالد ، [ ثنا (1)] أبو حمزه الثمالی ، عن علیّ بن الحسین علیه السلام(2) .

ویقول الصدوق فی أوّل حدیث من کتاب الخصال : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی رضی الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن سعید بن یحیی البزوری ، قال : حدّثنا إبراهیم بن الهیثم البلدی ، قال : حدّثنا أبی ، عن المعافی بن عمران(3) ، ثمّ عنعن .

وربّما یجیء بالألفاظ فی أغلب السند ، کما فی قوله : حدّثنا أبی ، قال : حدّثنا علیّ بن إبراهیم بن هاشم ، قال : حدّثنا جعفر بن سلمه ، قال : حدّثنا إبراهیم بن محمّد الثقفی ، قال : حدّثنا عبید اللّه بن موسی العبسی ، قال : حدّثنا مهلهل العبدی ، قال : حدّثنا کُدَیره بن صالح الهجری ، عن أبی ذرّ جندب بن جناده ، قال : سمعتُ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . .(4) .

بل قد یأتی بالألفاظ فی جمیع السند ، مثل قوله : حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادی ، قال : حدّثنی أبو محمّد الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن

ص: 99

علیّ

بن العبّاس الرازی ، قال : حدّثنی أبی ، عبد اللّه بن محمّد بن علیّ بن العبّاس بن هارون التمیمی ، قال : حدّثنی سیّدی علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ، قال : حدّثنی أبی ، موسی بن جعفر ، قال : حدّثنی أبی ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنی أبی ، محمّد بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن الحسین ، قال : حدّثنی أبی ، الحسین بن علیّ ، قال : حدّثنی أخی ، الحسن بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی ، علیّ بن أبی طالب علیهم السلام ، قال : قال لی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : « أنتَ خیر البشر ، ولا یشکّ فیک إلاّ کافر »(1) .

ومثله قوله : أخبرنی أبو الحسن طاهر بن محمّد بن یونس ، قال : حدّثنا محمّد بن عثمان الهروی ، قال : حدّثنا أحمد بن نجده ، قال : حدّثنا أبو بشر ختن المقرئ ، قال : حدّثنا معمّر بن سلیمان ، قال : إنّی سمعت أنس بن مالک ، یقول : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم(2) .

وفی أسانید کتابه الأمالی : ثنا سعد بن عبد اللّه ، ثنا عبد الصمد بن محمّد ، ثنا حنان بن سدیر ، ثنا سدیف المکّی ، ثنی محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام(3) . وفی نفس الوقت نجد فی أمالیه أحادیث رواها بالألفاظ تارهً وبالعنعنه أُخری : ففی أسانیده : أحمد بن محمّد السنانی المکتّب ، ثنا محمّد بن أبی عبد اللّه

الکوفی ، ثنا سهل بن زیاد الآدمی ، ثنا عبد العظیم بن عبد اللّه الحسنی ، عن

ص: 100

الإمام علیّ بن محمّد علیه السلام(1) . بینما فیها أیضا بنفس السند إلی عبد العظیم الحسنی ، ثنا علیّ بن محمّد علیه السلام(2) .

وأیضا : أحمد بن هارون الفامی ، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحمیری ، ثنا أبی ، ثنا هارون بن مسلم ، ثنا مسعده بن صدقه ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام .

و . . . ثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحمیری ، عن أبیه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعده بن زیاد ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام(3) .

ثمّ نجد ما رواه الصدوق فی الفقیه ، بإسناده عن معاویه بن عمّار ، عن الصادق علیه السلامهکذا معنعنا(4) .

ورواه الکلینی هکذا : علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، وصفوان ، عن معاویه بن عمّار(5) . بینما رواه الصدوق فی معانی الأخبار باللفظ ،قال : أبی رحمه الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أیّوب بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن أبی عمیر ، وصفوان جمیعا ، رفعاه إلی أبی عبد اللّه علیه السلام(6) .

وقول الصدوق « رَفعاه » بمعنی « أسنداه » بواسطهٍ معلومه وهی معاویه بن عمّار ، بقرینه الکافی و الفقیه .

ص: 101

ومن مجموع تصرّفات الصدوق فی کتبه ، نعلم أنّه قصد إلی إیراد العنعنه ، توصّلاً إلی الهدف الّذی سنُعلن عنه .

وأمّا الشیخ الطوسی :

فقد اعتمد علی العنعنه فی کتابه الکبیر تهذیب الأحکام ثالث الکتب الأربعه ، وکذلک الاستبصار رابعها ، بصوره مطلقهٍ تقریبا ، فلم نجد فیها « ألفاظ الأداء » إلاّ نادرا ، مثل ما رواه بقوله : علیّ بن الحکم ، عن سلیم الفرّاء ، عن الحسن بن مسلم ، قال : حدّثتنی عمّتی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام(1) .

وهذا الحکم یشمل جمیع ما فی الکتاب بما فی ذلک المشیخه ، عدا ما ذکره فیها بلفظ « فقد أخبرنی » أو « فقد رویته عن » ، وهو المذکور فی بدایات السند إلی کلّ راوٍ وإلی ما له من المصنّفات المعتمده فی الکتاب . لکنّ الشیخ قد أکّد علی وحده عمله مع ما أثبته فی کتابه العظیم الفهرست ، فقال فی نهایه المشیخه ما نصّه : قد وردتْ جمله من الطرق إلی هذه المصنّفات والأُصول ، ولتفصیل ذلک شرح یطول هو مذکور فی الفهارس المصنّفه فی هذا الباب للشیوخ رحمهم الله ، مَنْ أراده أخذه من هناک إنْ شاء اللّه ، وقد ذکرنا نحن مستوفیً فی کتاب فهرست الشیعه(2) .

وهذا النصّ یدلّ بوضوح علی اتّحاد الطرق المذکوره فی کتب الشیخ فی الحدیث مع المذکوره فی الفهرست له ، بل مع ما ذکره المشایخ الآخرون فی فهارسهم أیضا ، فیما لو اجتمعتْ الطرق ، وهذا یعنی اتّحاد

ص: 102

جمیع الطرق فی الخصوصیّات الحاویه علیها ، ومن ذلک شکل أدائها بالألفاظ أو بالعنعنه .

وعلی هذا الأساس قُمنا بالمقارنه بین الطرق عند المؤلّفین المتعدّدین إذا کانت إلی حدیث واحد ، مع اتّحاد الطریق أو بعضه ، واستشهدنا بذلک فی هذه الدراسه .

وأمّا عمل الشیخ فی الفهرست فقد تنوّع :

فاستعمل العنعنه کثیرا فی غیر مشایخه المباشرین الّذین استخدم معهم الألفاظ ، مثل « أخبرنا » غالبا . واستعمل الألفاظ أحیانا فی جمیع السند أو أکثره ، مثل قوله فی ترجمه ( إسماعیل بن مهران السکونی ) : وکتاب ثواب القرآن : أخبرنا به الحسین بن عبید اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن سفیان ، قال : حدّثنا أحمد بن إدریس ، عن سلمه بن الخطّاب ، عنه .

وکتاب خطب أمیر المؤمنین علیه السلام وکتاب النوادر : أخبرنا بهما أحمد بن عبدوس ، قال : حدّثنا علیّ بن محمّد بن الزبیر ، قال : حدّثنا علیّ بن الحسن بن فضّال ، عنه .

وکتاب العلل : أخبرنا به عدّه من أصحابنا ، عن أبی محمّد هارون بن موسی ، قال : حدّثنا علیّ بن یعقوب الکسائی ، قال : حدّثنا علیّ

بن الحسن بن فضّال ، عنه(1) .

وقال فی ترجمه ( إسماعیل المخزومی أبی محمّد ) : أخبرنا أحمد بن عبدوس ، قال : حدّثنا أبو علیّ محمّد بن أحمد بن الجنید ، قال : حدّثنا

ص: 103

أحمد بن محمّد العاصمی ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعیل ، عن أبیه(1) .

وکذلک فعل فی ترجمه ( أبان بن تغلب ) حیث أسند إلی کتبه بالألفاظ ، إلاّ کتابیه المفرد و الفضائل ، فقد جمع فی طریقهما بین الألفاظ وبین العنعنه ، فلاحظ(2) .

وفی بعض الموارد استعمل العنعنه فی بدایه السند ، والألفاظ فی نهایته ، مثل ما فی ترجمه ( أحمد بن عبدوس الخلنجی ) قال : أخبرنا به ابن أبی جیّد ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، قال : حدّثنا الحسن بن متّویه بن السندی ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدوس(3) .

وأوضح ما أثبته دلاله علی ما نرید هو قوله فی ترجمه ( أحمد بن محمّد بن محمّد بن سلیمان ، أبی غالب الزراری ) : أخبرنا بکتبه وروایاته أبو عبد اللّه الحسین بن عبید اللّه ، عنه .

وأضاف : قال الحسین بن عبید اللّه : قرأتُ سائرها علیه عدّه دفعاتٍ(4) .

فمع أنّ الحسین قد قرأ کتب الزراری عدّه دفعات فإنّه عَبّر فی السند بکلمه « عنه » .

وقد یأتی بالألفاظ فی وسط السند ، محفوفه بالعنعنه مثل ما فی ترجمه ( عمرو بن میمون ) قال : له کتاب حدیث الشوری . . . أخبرنا به أحمد بن

ص: 104

محمّد بن موسی ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، عن جعفر وإسحاق ابنَی محمّد بن مروان ، قالا : حدّثنا أبونا ، قال : حدّثنا عبید اللّه المسعودی ، عن عمرو بن میمون ، عن جابر ، عن الباقر علیه السلام .

وله کتاب المسائل الّتی أخبر بها أمیر المؤمنین علیه السلام الیهودی ، أخبرنا بها أحمد بن عبدوس ، عن أبی بکر الدوری ، عن محمّد بن جعفر العلوی الحسنی ، قال :

حدّثنا علیّ بن عبدک ، قال : حدّثنا طریف مولی محمّد بن إسماعیل ، عن موسی وعبید اللّه ابنَی یسار ، عن عمرو ، عن ابن أبی إسحاق السبیعی ، عن الحارث الهمدانی ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام(1) .

وللشیخ الطوسی کتب أُخری اعتمد فیها طریقه المحدّثین ، إذ تشتمل علی الألفاظ فی البدایات ، وعلی العنعنه فی النهایات ، مثل کتاب الأمالی ، وهو أوسع کتبه الحدیثیه بعد الأصلین : التهذیب والاستبصار ، وقد أورد فیه حدیثا بالألفاظ فی جمیع السند ، وهو الحدیث المرقّم 20 ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد [ وهو الشیخ المفید ] ، قال : أخبرنی أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الأبهری ، قال : حدّثنا علیّ بن أحمد بن الصبّاح ، قال : حدّثنا إبراهیم بن عبد اللّه ابن أخی عبد الرزّاق ، قال : حدّثنی عمّی عبد الرزّاق بن همّام ، قال : أخبرنی أبی همّام بن نافع ، قال : أخبرنی مولی عبد الرحمن بن عوف الزُهْری ، قال : قال لی عبد الرحمن : . . . سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلمیقول : « أنا شجره ، وفاطمه فرعها ، وعلیٌّ لقاحها ، والحسن والحسین ثمرها ، ومحبّوهم من

ص: 105

أُمّتی ورقها »(1) .

ولکنّه أعاد نفس السند فی موضعٍ آخر بالعنعنه فی آخره(2) . ولا ریب فی دلاله هذا علی أنّ الطوسیّ إنّما عمد إلی استعمال العنعنه عن قصد ، ولغرض علمیّ ، کما سنبیّنه .

وتجدر الإشاره إلی أنّ من محدّثینا المتأخّرین مَن التزم الألفاظ ، ورکّز علی إیرادها بشدّه ، وهو المحدّث الجلیل الشیخ أبو جعفر ، محمّد بن أبی القاسم بن علیّ الطبری ( ق 6 ه ) فی کتابه القیّم بشاره المصطفی لشیعه المرتضی ، وهو یروی مباشره عن أبی علیّ الحسن ابن شیخ الطائفه الطوسی ، الشهیر بالمفید الثانی ، بالقراءه علیه فی جُمادی الأُولی سنه 511 ه ، فی مشهد النجف ، کما فی أوّل حدیث من الکتاب(3) .

فهو یجری علی دَیْدَن القدماء فی الالتزام بالألفاظ فی بدایات الأسانید ، وبالعنعنه فی نهایاتها ، إلاّ أنّه یستعمل الألفاظ أحیانا فی جمیع السند ، کما فی الحدیث 11 ، قال : أخبرنا الشیخ المفید أبو علیّ الحسن بن محمّد الطوسی رضی اللّه عنهما ، قال : حدّثنا السعید الوالد ، قال : أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه الله ، قال : حدّثنی أبو بکر محمّد بن عمر الجعابی ، قال : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعید بن عقده ، قال : أخبرنا جعفر بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا سعدان بن سعید ، قال : حدّثنا سفیان بن

ص: 106

إبراهیم الفایدی الفامی ، قال : سمعت جعفر بن محمّد علیه السلامیقول : « بنّا یبدأُ البلاءُ ثمّ بکم ، وبنا یبدأُ الرخاءُ ثمّ بکم ، والّذی یُحلَف به لیَنْتصرنّ اللّه ُ بکم کما انتصر بالحجاره »(1) .

وکذلک الحدیث 21 ، قال : أخبرنا الشیخ أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهریار الخازن ، بمشهد الکوفه علی ساکنه السلام ، فی ربیع الأوّل سنه ستّ عشره وخمسمئه بقراءتی علیه ، قال : حدّثنا أبو منصور ، محمّد بن محمّد بن عبد العزیز المعدّل من لفظه وکتابه ، بمدینه السلام ، فی ذی القعده سنه سبعین وأربعمئه ، قال : حدّثنا العکبری أبو الحسن بن رزقوَیْه ، قال : حدّثنا أبو عمرو(2) بن السمّاک ، قال : حدّثنا(3) علیّ بن محمّد القزوینی ، قال : حدّثنا داوود بن سلیمان بن وهب بن أحمد القزوینی الثغریّ ، سنه ستّ وستّین ومئتین ، قال : حدّثنا علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ، قال : حدّثنا أبی ، موسی بن جعفر علیه السلام(4) ، ثمّ عَنْعَن .

وهذا من أسانید الصحیفه الرضویه المحتویه علی سلسله الذهب .

وفیه أیضا : . . . علیّ بن الحسین بن علیّ الرازی ، فی درب مسلخگاه بالریّ ، فی ذی القعده سنه ثمان عشره وخمسمئه ، إملاءً من لفظه ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه الحسین بن محمّد بن نصر الحلوانی ، فی داره ، غُرّه ربیع الآخر سنه إحدی عشره وثمانین وأربعمئه بکرخ بغداد ، إملاءً من حفظه ،

ص: 107

قال : حدّثنی الشریف الأجلّ المرتضی علم الهدی ذو المجدین أبو القاسم علیّ بن الحسین الموسوی رضی الله عنه ، فی داره ببغداد فی برکه زلزل ، فی شهر رمضان سنه تسع وعشرین وأربعمئه ، قال : حدّثنی أبی ، الحسین بن موسی ، قال : حدّثنی أبی ، موسی ، قال : حدّثنی أبی ، محمّد بن موسی ، قال : حدّثنی أبی ، موسی بن إبراهیم ، قال : حدّثنی أبی ، إبراهیم بن موسی ، قال : حدّثنی

أبی ، موسی بن جعفر ، قال : حدّثنی أبی ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنی أبی ، محمّد بن علیّ بن الحسین ، قال : حدّثنی أبی [ علیّ بن الحسین ، قال : حدّثنی أبی ] الحسین بن علیّ ، قال : حدّثنی جابر بن عبد اللّه الأنصاری ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : « زیّنوا مجالسکم بذِکر علیّ بن أبی طالب علیه السلام »(1) .

کما یختصّ هذا الکتاب الجلیل ، بمزیّه المحافظه علی خصوصیّات الرواه بشکلٍ کاملٍ ، من الاسم الثلاثی الکامل مع الکنی والألقاب ، وخصوصیّات الروایه : مکانا وزمانا ، وما أشبه فی طبقه مشایخه ، وکثیر ممّن بعدهم .

حزازهً توجب منع ذلک ، بل قد یوجد فی الالتزام بها مطلقا ، ودائما ، مزید مؤونهٍ لا ملزِم لها .

وإذا لاحظنا أنّ هؤلاء الأعلام ، وهذه الأعمال ، تُعَدّ أهمّ مصادر الحدیث ومنابعه ، وأُسسه وأرکانه ، فإنّ تصرّفاتهم باستعمال العنعنه بدل الألفاظ یکون دلیله « لِمِّیّا » علی اعتبارها ، وصحّه الاکتفاء بها ، وبطلان ما یوجّه

إلیها من الشُبَه !

ثمّ إنّ من المعلوم للمسلمین کافّه اعتبار الحدیث الشریف کمصدر معتمَد للدین والشریعه ، وعلی ذلک تمّ اتّفاق المذاهب الإسلامیه جمعاء . وها نحن نجد أسانیدها کلّها محتویه علی العنعنه مع بعض الرواه أو کلّهم ، فلو کانت الشبهه تحصل من العنعنه فی هذا التراث الحدیثی کلّه ، فإنّ مثل هذه الشبهه سوف تکون فی مقابله البدیهه الحاصله لأهمّیّه هذا التراث واعتباره وحجّیّته ، فی حالته تلک ، وهو الواضح من عنایه الأعلام به وحرصهم علی صیانته وتناقله وحفظه وتوارثه . فالشبهه مرفوضه لأنّها فی مقابله البدیهه .

وفی الحدیث الثالث : وحدّثنی یحیی ، عن مالک ، عن زید بن أسلم ، عن عطاء بن یسار ، أنّه قال : جاء رجل(1) .

والحدیث الرابع : وحدّثنی یحیی ، عن مالک ، عن الحسن بن سعید ، عن عمرو بن عبد الرحمن ، عن عائشه(2) .

بل لا یستعمل مالک غیر العنعنه إلاّ قلیلاً .

والبخاری یبدأ صحیحه فی أوّل أبواب کتابه بباب « کیف کان بَدْء الوحی » والحدیث الثانی منه : حدّثنا عبد اللّه بن یوسف ، قال : أخبرنا مالک ، عن هشام بن عروه ، عن أبیه ، عن عائشه(3) .

وقال فی باب قول النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : « أنا أعلمکم باللّه » : حدّثنا محمّد بن سلام البیکندی ، قال : أخبرنا عبده ، عن هشام ، عن أبیه ، عن عائشه ، قالت :(4) .

وهکذا سائر الأحادیث .

وأمّا مسلم : فقد عرفنا دفاعه عن العنعنه ، وأوّل حدیث فیه : حدّثنا أبو بکر بن أبی شیبه ، حدّثنا وکیع ، عن شعبه ، عن الحکم ، عن عبد الرحمن بن أبی لیلی ، عن سمره بن جندب ؛ ح وحدّثنا أبو بکر بن أبی شیبه أیضا ، حدّثنا وکیع ، عن شعبه وسفیان ، عن حبیب ، عن میمون بن أبی شبیب ، عن المغیره بن شعبه : قالا : . .(5) .

ص: 110

وأبو داوود بدأ کتابه السنن بباب التخلّی عند قضاء الحاجه من الطهاره ، وأوّل حدیث فیه ، قال : حدّثنا عبد اللّه بن مسلمه بن قعنب القعنبی ، ثنا عبدالعزیز یعنی ابن محمّد ، عن محمّد یعنی ابن عمرو ، عن أبی سلمه ، عن المغیره بن شعبه ، أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم(1) .

وبدأ ابن ماجه کتابه السنن بباب اتّباع سُنّه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأوّل حدیث فیه ، قال : حدّثنا أبو بکر بن أبی شیبه ، قال : ثنا شریک ، عن الأعمش ، عن أبی صالح ، عن أبی هریره ، قال : . . .(2) .

وبدأ الترمذی جامعه بأبواب الطهاره ، باب ما جاء « لا تُقبَل صلاه بغیر طهور » ، والحدیث الأوّل فیه : حدّثنا قتیبه بن سعید ، حدّثنا أبو عوانه ، عن سِماک بن حرب رحمه اللهح وحدّثنا هنّاد ، حدّثنا وکیع ، عن إسرائیل ، عن سِماک ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر(3) .

وبدأ النسائی سننه ب « تأویل قوله عزّ وجلّ : « إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَوهِ » » ، والحدیث الأوّل فیه : أخبرنا قتیبه بن سعید ، قال : حدّثنا سفیان ، عن الزهری ، عن أبی سلمه ، عن أبی هریره(4) .

وهکذا یجرون علی هذا النسق فی الأسانید ، فی بدایاتها بالألفاظ ، وفی نهایاتها بالعنعنه .

فلا فرق إذن فیما استنتجناه من الاستعراض المذکور بین التراث

ص: 111

الشیعی ، وبین التراث عند العامّه ، بل یمکن القول بأنّا لا نجد فی تراث المسلمین قاطبه من أهل القرون الأربعه الأُولی ما یخلو عن العنعنه بشکل شائع وذائع وفی طبقات الرواه الأُولی بالذات .

وبعد عهد المتشدّدین من بعض علماء الحدیث فی الالتزام بالألفاظ فی القرون الخامس وحتّی السابع ، عاد العلماء إلی التزام العنعنه بشکل شائع من دون نکیر . ومع العلم ببطلان التشدّد ، وعدم کونه أصیلاً ولا مستندا إلی دلیل ملزم من الشرع ، بل کونه مجرّد اصطلاح قد زال بزوال أهله فی تلک القرون ، فإنّ إجماع المحدّثین متحقّق من القدماء والمتأخّرین علی الاکتفاء بالعنعنه ، ووفائها بالمراد من الألفاظ بشکل تامٍّ .

ص: 112

ص: 114

ومع أنّ العنعنه تدلّ علی الاتّصال لغهً واصطلاحا ، وعلی هذا جری عمل أعلام المسلمین من المحدّثین ، وعلیه بنیت أعمالهم العلمیّه ، کما أثبتنا ذلک فی الفصول الماضیه ، فإنّ العنعنه قد تعرّضت لإشکالات وجّهها إلیها بعضُ المعاصرین تبعا لبعض الآراء والنظریّات البائده المخالفه لإجماع أهل الحدیث فی المذاهب الإسلامیه کافّه ، وهی محکومه بالشذوذ قطعا .

ولا بُدّ لاستکمال البحث من ذِکر ما أورده أُولئک وهؤلاء ، لمعرفه أوجه الخلل فیه ، والخروج عن عهده البحث ، فنقول :

جُوبه الحدیث المعنعن بأنّه لا یقتضی الاتّصال بین الرواه الّذین نقلوا کلام الآخرین بلفظه « عن » ، باعتبار کون لفظه « عن » تستعمل فی الکلام المنقول ، أعمّ من کونه بلغ الراوی عن القائل بلا واسطه أحد ، کما لو سمعه منه مباشرهً ، أو بلغه بواسطه آخر ، ولم یذکر اسم الواسطه ، حیث یصحّ للراوی أن یقول : « هذا الکلام عن زید » ویقصد بذلک أنّ قائله زید وهو منقول عنه ، من دون أنْ یکون الراوی قد سمعه منه .

وقد استعمل بعض الرواه کلمه « عن » فی الإسناد ، قاصدا هذا المعنی الثانی ، فکان ذلک منهم تمویها عُرف اصطلاحا ب « التدلیس » ، لإیهامه

ص: 115

السماع المباشر من القائل ، بینما هو ینقله عنه مع الواسطه .

ومن أجل تردّد « عن » بین الأمرین ، فقد عدّوا فی المرجّحات بین الأحادیث المختلفه : کون الراوی مصرّحا فی السند بالألفاظ ، فیکون حدیثه راجحا علی حدیث من جاء فی سنده بالعنعنه . قال الحازمی فی وجوه الترجیح بین الأحادیث :

الوجه السادس عشر : أن یکون کِلا الحدیثین عراقیّ الإسناد ، غیر أنّ أحدهما معنعن ، والثانی مصرّحٌ فیه بالألفاظ الّتی تدلّ علی الاتّصال نحو : سمعت وحدّثنا ، فیرجّح القسم الثانی ، لاحتمال التدلیس فی العنعنه ، إذ هو عندهم غیر مستنکَر(1) .

وجاء فی بعض فوائد الشیخ البهائی أنّ : من المشکلات لفظه « عن » فی الحدیث ، وقد حملوها علی الروایه بغیر واسطه ، وظنُّ ذلک مشکِل(2) ، وقد أفصح عن وجه الإشکال فیا أورده بقوله :

فإن قلت : ینبغی حمل هذه الروایه وأمثالها علی الإرسال ، إذ لیس فیها تصریح بعدم الواسطه بینه وبین الإمام علیه السلام ، ولفظه عن تحتمل وجود الواسطه وعدمها .

قلت : فتح هذا الباب یؤدّی إلی تجویز الإرسال فی أکثر الأحادیث وارتفاع الوثوق باتّصالها .

والحقّ أنّ لفظه « عن » فی الأحادیث المعنعنه تُشْعِرُ بعدم الواسطه بین

ص: 116

الراوی والمرویّ عنه(1) .

أقول :

وعلّق علی قوله « تُشْعِرُ » بقوله : إذا علم عدم اجتماع الراوی والمرویّ عنه فی عصر واحد .

وأقول : إنّ قوله « تُشْعِرُ » مسنَدٌ إلی لفظه « عن » دون معناها المصطلح ، وهذا خارج عمّا نحن بصدده ، کما لا یخفی . وهذا قریب ممّا صنعه السیّد الداماد فی قوله : « والعنعنه بحسب مفاد اللفظ أعمّ من الاتّصال »(2) .

وقال السیّد أیضا : إنّ العنعنه تقتضی عدم اتّصال السند بین الراوی والمرویّ عنه ، لِما فی دلاله لفظه عن من المجاوزه ، فمعنی « فلانٌ عن فلان » : أنّ الکلام قد تجاوز الثانی إلی الأوّل ، ولم یثبت اتّصاله بالثانی ، فقد یکون متّصلاً إذا ثبت من غیر طریق هذا اللفظ ، مثل قوله : « أخبرنی » أو « حدّثنی » أو « أنبأنی » أو « قال لی » ومع عدم هذه ، فکلمه عن أعمّ من الاتّصال وعدمه(3) .

وقال العلائی : اختلف فیها المتقدّمون ، فذهب بعض الأئمّه إلی أنّ ما کان فیه لفظه عن فهو من قبیل المرسَل المنقطع حتّی یثبت اتّصاله من جهه أُخری ، حکاه ابن الصلاح ، ولم یُسمّ قائلهُ ! ونقله الرامهرمزیّ فی « المحدّث الفاصل » عن بعض المتأخّرین من الفقهاء . ووجّه بعضهم هذا القول بأنّ هذه

ص: 117

اللفظه عن لا إشعار لها بشیء من أنواع التحمّل ، وبصحّه وقوعها فیما هو منقطع(1) .

وقالوا : لو لم یکن المرسَل حُجّهً لم یکن الخبر المعنعن حُجّهً ؛ لأنّ الراوی أیضا أرسله بالعنعنه ولم یصرّح بالسماع عمّن فوقه ، والاحتمال المذکور فی المرسَل قائمٌ فی المعنعن ، واحتمال لقاء المعنعِن شیخَهُ وسماعه منه لیس بدون احتمال ثقه الواسطه المحذوفه فی المرسِل وعدالته(2) .

وهذا أهمّ ما قیل فی باب الإشکال علی العنعنه . ویتحدّد الإشکال بالأُمور التالیه :

الأوّل : أنّ « عن » تقتضی لغهً تجاوز الکلام عن المتکلّم ، سواء بلغ الناقل مباشرهً أو بلغه مع الواسطه ، فلا یکون صریحا فی الاتّصال من المتکلّم إلی الراوی الناقل . ذکر هذا کلّ من الحازمی والداماد .

الثانی : أنّه لا إشعار فیها بنحوٍ خاصّ من أنحاء التحمّل وطرقه المعتبره ، وصحّه وقوعها فی المنقطع ، فلا یثبت بها التحمّل المعتبر فی السند .

الثالث : کون المعنعَن بحکم المرسَل ، لتوقّفه علی اللقاء ، وثبوته ، وعلی نفی الواسطه ، وهذا غیر محرز ، فإنّ المفروض فیها احتمال وجود واسطه وهی مجهوله الوثاقه ، فلا یمکن الاعتماد علی الحدیث المعنعن ، کالمرسَل .

الرابع : استعمال « عن » فی التدلیس ، فیکون الحدیث من نوع المدلَّس ، وهو ضعیف .

ص: 118

والجواب عن هذه الإشکالات علی العنعنه ودفعها ، هو :

أمّا عن الأوّل : أعنی دلاله « عن » علی التجاوز من المتکلّم فیکون الوصول إلی الراوی محتملاً للمباشره وغیرها ، فبما قد أثبتنا فی الفصل الأوّل فی البحث عن العنعنه لغه من أنّ « عن » فی الأسانید ، إنّما هی بمعنی « من » ولیست للمجاوزه ، وقد مرّ مفصّلاً . وعلی هذا فلا تحتمل غیر الاتّصال ، وهذا هو المفهوم من عمل المحدّثین کافّهً .

ولذا قیّد السیّدُ الداماد حکمه بکون العنعنه أعمّ من الاتّصال بقوله : « بحسب مفاد اللفظ »(1) ویعنی ذلک أنّ هذه الاستفاده مبتنیه علی الفهم من ظاهر کلمه « عن » ، دون أصل اللغه ، ولا المعنی العرفی المصطلح . فلیلاحظ .

ثمّ علی فرض کونها لغهً للمجاوزه ، إلاّ أنّها مستعمله فی اصطلاح علماء الحدیث للاتّصال ، وهم المعنیّون بالبحث . قال العلائی : وقد جعله ، أی قبول المعنعَن والحکم باتّصاله مسلم : « قولَ کافّه أهل الحدیث » ، وأنّ القول باشتراط ثبوت اللقاء « قولٌ مخترَع » ، وطوّلَ الاحتجاج لذلک فی مقدّمه صحیحه . . . وأنّ « عن » لا تُحمل علی الانقطاع ، وهو الّذی علیه دهماء أهل الحدیث قدیما وحدیثا(2) .

أقول : وحتّی الّذین اشترطوا فی الحکم بالاتّصال فی العنعنه شروطا ، فهم کلّهم

ص: 119

یعترفون بعد إحراز الشروط بدلاله « عن » علی الاتّصال لغهً ، من دون فرض کونه استعمالاً مجازیا ، فهذا دلیل علی وضع « عن » لغهً ، للاتّصال ، ولو بنحو الاشتراط اللفظی ، فلاحظ .

فما حکاه ابن الصلاح عمّن « لم یسمّ قائله » من الحکم بالانقطاع حتّی یتبیّن الاتّصال من جهه أُخری ، قولٌ شاذٌّ مرفوض لغهً واصطلاحا .

وأمّا الّذین اشترطوا للحکم بالاتّصال شروطا إضافیه ، فهو منهم مجرّد اصطلاحٍ متأخِّرٍ ، لا وقع له علی الحدیث عند الصحابه والتابعین وتابعیهم من أهل القرنین الأوّل والثانی ، وهم أُسس الحدیث ومصادره وموارده ، فکیف یکون مؤثّرا فی اللغه الّتی علیها الاعتماد فی مثل هذه الدلالات ؟ ! فإنّ مثل هذه الشروط تحمیل علی اللغه من غیر أهلها ، کما یظهر من نوعیّه الشروط .

فقد اشترط البخاری وابن عدیّ الجرجانی : ثبوت اللقاء بین المعنعِن والمعنعَن عنه ، ولو مرّه واحده ، وکون الراوی بریئا من التدلیس(1) . واشترط السمعانی : طول الصحبه بینهما ، وعدم التدلیس(2) . ونقل ابن عبد البرّ اشتراط العداله ، ونقل إجماع أئمّه الحدیث علیه(3) .

وکلّ هذا تحکّم علی اللغه ، وعلی قدماء علماء الإسلام الرواه للحدیث . بل المفهوم ابتداءً من « عن » هو الاتّصال ، والنقل المباشر ، وهذا حقیقتها ،

ص: 120

وإذا استُعملت فی غیر ذلک ، فلا بُدّ من القرینه الصارفه عن تلک الحقیقه ، مثل بُعد زمان الناقل عن المنقول عنه ، کقول واحد فی عصرنا « رویتُ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » ، أو عدم ذِکر الفاعل مع کون الفعل ماضیا کقول القائل : « جاء عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال » ، أو حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول کقول الراوی : « رُوی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » .

کما جاء فی الحدیث عن الصدوق : حدّثنا الحسین بن إبراهیم بن ناتانه رحمه الله ، قال : حدّثنا علیّ بن إبراهیم بن هاشم ، عن جعفر بن سلمه الأهوازی ، عن إبراهیم بن محمّد ، قال : حدّثنا أبو الحسین علیّ بن المعلّی الأسدی ، قال : أُنبئت عن الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام(1) .

ثمّ لو فُرض کون وضع « عن » للأعمّ لغهً ، وکونها مشترکه بین المتّصل والمنقطع ، إلاّ أنّ الثابت عند الجمهور ، والمصطلح الواقع بینهم ، والمصرّح به للأکثرین ، والمستعمل عندهم فی غالب الأسانید هو الاتّصال ، کما أثبتنا فی الفصل الماضی بعنوان « تراثنا والعنعنه » ، وهو کافٍ قطعا للحکم بصرف المعنی عن الاشتراک إلی الاتّصال فی عُرف أهل الحدیث .

وأمّا الجواب عن الإشکال الثانی فقد عقدنا له الفصل الرابع ، لِما فیه من التفصیل .

والجواب عن الإشکال الثالث ، وهو : کون المعنعَن بحکم المرسَل فی

ص: 121

جهاله الواسطه إذا لم یثبت الاتّصال ، لتوقّف عدم الإرسال علی ثبوت اللقاء ، ولفظهُ « عن » المجرّده لا تُثبته : بأنّ المرسَل هو الحدیث الّذی عُلم سقوط الواسطه من سنده ، وأمّا المحکوم بالاتّصال فلیس کذلک ، خصوصا إذا قام الاصطلاح علی ذلک .

وبعباره أُخری : الحکم بالإرسال ، متوقّف علی إحراز عدم الاتّصال ، ولیست « عن » مقطوعه الانفصال ، بل غایه ما یُدّعی تردّدها بین الاتّصال والانقطاع ، والمفروض أنّهم اصطلحوا علیها کلفظ مفید للاتّصال ، فینتفی عنها حکم الإرسال ، ولو علی الظاهر منهم .

ویؤیّد ذلک أنّ الشیخ الطوسی إنّما قال فی توجیه وضعه للمشیخه فی آخر کتاب تهذیب الأحکام ما نصّه : ونحن نذکر الطرق الّتی یُتوصّل بها إلی روایه هذه الأُصول والمصنّفات ، ونذکرها علی غایه ما أمکن من الاختصار ، لتخرج الأخبار بذلک عن حدّ المراسیل ، وتلحق بباب المسنَدات(1) .

ومن الواضح أنّ الأسانید المثبته فی المشیخه کلّها معنعنه ، کما أوضحناه سابقا . ومثل هذا إرجاعه إلی ما أثبته من الطرق فی کتابه الفهرست الّذی لا یخلو من العنعنه فی أسانیده ، کما شرحناه أیضا .

ومثل هذا یرد علی الصدوق ، الّذی حذف الأسانید من متن کتاب الفقیه وأثبتها فی المشیخه ، وهی أیضا معنعنه ، فلو کانت العنعنه لا تعطی معنی

ص: 122

الاتّصال ، لَما أفاد وضع المشیخه شیئا من الأغراض الّتی أعلنّا عنها .

والحاصل : إنّ هذا الإشکال مبنیّ علی الخلط بین مصطلحَی المرسَل والمعنعَن .

وقد أجاب العلائیّ عن هذا الإشکال بقوله : إنّ الراوی الّذی یُطلق لفظه « عن » إمّا أن یکون لم یُعرَف بتدلیس ، أو عُرِف به ، فإن لم یُعرف بتدلیسٍ ، وکان لقاؤه لشیخه ممکنا ، أو ثبت لقاؤه علی اختلاف القولین لمسلم والبخاری ، فلفظه « عن » محموله علی الاتّصال ، ولیس للانقطاع وجهٌ ولا للواسطه احتمالٌ ؛ لأنّ الظاهر سماعهُ لذلک من شیخه ، والأصل السلامهُ من وصمه التدلیس ، فلا یُقاس المرسَل علی هذا ، مع ظهور الفرق بینهما .

وإنْ کان الراوی معروفا بالتدلیس ، فما رواه عن شیخه بلفظ « عن » أو غیرها ، ممّا یُصرّح فیه بالسماع منه ، حکمه حکم المرسَل ، فمن قبل المرسَل مطلقا یقبله ، ومن ردّه یردّ هذا أیضا ، ولا فرق(1) .

وقال العلائی أیضا : إذا شاع استعمالها [ أی : عن ] فی الاتّصال وحملها علیه وهو الّذی نقله جماعه من الأئمّه عن کافّه العلماء کانت حقیقتها الاتّصال ، وإذا وردت فی المرسَل کانت مجازا ؛ لأنّ المجاز خیر من الاشتراک عند تعذّر الحقیقه(2) .

وأمّا الجواب عن الإشکال الرابع وهو الحکم علی المعنعن بالتدلیس : فبأنّ الحکم بالتدلیس فرع ثبوت عدم اتّصال السند المعنعَن ، فلو حکم

ص: 123

بالاتّصال ولو اعتمادا علی الأصل أو الظاهر من الاصطلاح کفی فی نفی التدلیس عن الراوی .

والحاصل : إنّا إذا دفعنا الإشکالات السابقه ، وتوصّلنا إلی أنّ المعنعَن متّصل لغهً وعرفا واصطلاحا ، لم یکن مستعمِلُه محکوما بالتدلیس بمجرّد استعماله لفظه « عن » إلاّ ، إذا ثبت کونه مدلّسا من جهه أُخری غیر هذه ، وحینئذٍ یُحکم علیه بالتدلیس ، حتّی لو استعمل الألفاظَ الصریحه ، ولم یستعمل « عن » کما أشار إلیه العلائی فی آخر ما نقلنا عنه .

ص: 124

ص: 126

یبتنی الثانی من وجوه الإشکال علی العنعنه ، علی أنّ لفظه « عن » لا تختصّ بأداء طریق معیّنهً ، فهی تستعمل مع کلّ الطرق ، أو أکثرها ومنها الإجازه ، بل قد خصّها بعض المحدّثین بالإجازه . وبما أنّ الإجازه من الطرق غیر معتبره ، فهی لا تصلح لإیصال الحدیث من الشیخ إلی الراوی ، فالطرق المعنعنه غیر مؤدّیهٍ للمتون إلی الرواه ، لاحتمال الإجازه فیها ، وهی غیر معتبره .

وممّا قیل فی هذا : إنّ العنعنه إذا کانت أعمّ من الطرق وتحتمل أن تکون للإجازه ، الّتی هی مجرّد قول الشیخ : « أجزتُ لک أنْ تروی جمیع کتب الأصحاب ، من دون أن تکون هذه الکتب مقروءهً علَیَّ ، أو مسموعهً منّی » ، أی من دون أن تکون هذه المتون واصلهً إلیّ ، فالطرق المعنعنه لا تُفید ؛ لأنّه لم یحرز لنا أنّ المتون واصله إلی الرواه(1) .

ولا بُدّ أن نحدّد النقاط الّتی یبتنی علیها هذا الإشکال ، وهی :

1 - دعوی أنّ لفظه « عن » عامّه للطرق ، فلا تدلّ علی شیء معیّن ،

ص: 127

ویشمل ذلک الإجازه غیر المعتبره عنده .

2 - دعوی أنّ الإجازه لا تدلّ علی الاتّصال ، ولا یُحرز بها وصول الحدیث من الشیخ إلی الراوی .

فالنتیجه أنّ الحدیث المعنعن لا یحرز معه الوصول ، فلا یمکن الاعتماد علیه . وللإجابه عن ذلک ، نقول :

أوّلاً : إنّ البحث عن العنعنه والإشکال فیها ، إنّما هو أمر قدیم ولیس لأمر الطرق فیه دخلٌ أصلاً ، وإنّما الإشکال من جهه دلالتها علی « التجاوز » وکونه أعمّ من المباشر وغیره کما فصّلنا فی البحوث السابقه . وعرفت فی الفصل الأوّل : أنّ « عن » لغهً وعُرفا ، إنّما هی دالّه علی السماع المباشر ، فی الأسانید .

وثانیا : قد عرفت أنّ کلمه الجرّ « عن » متعلّقه فی ظاهر الکلام بالفعل المحذوف من جنس المذکور قبلها ، فالکلام إذَنْ علی نسق واحد ، وهو کما یفهمه العُرف العامّ ، من الاتّصال ، وقد مضی هذا أیضا . وعلی هذا الأساس جری جمهور علماء الإسلام من الحکم باتّصال المعنعَن ، بما عرفت أنّ إثاره الإشکال علیه ، إنّما هو من قبیل « الشبهه فی مقابل البدیهه » .

وثالثا : إنّ الالتزام بتوزیع الألفاظ علی الطرق ، وتخصیص کلّ لفظ بطریق ، حتّی تکون « عن » للإجازه ، إنّما هو اصطلاح متأخّر ، ولا دلیل علی کونه ملزما من أصل عقلیّ أو فرع شرعیّ ، کما فصّلنا ذلک فی بحثنا الموسّع عن صِیَغ التحمّل والأداء ، وقد مرّ شیء من ذلک فی فصل « تاریخ العنعنه » هنا .

ص: 128

ولا بأس بإیراد بعض الکلمات الصریحه فی هذا المعنی :

قال ابن عبد البرّ : لا اعتبار بالحروف والألفاظ ، وإنّما هو باللقاء والمجالسه والسماع والمشاهده . . . لإجماعهم علی أنّ الإسناد المتّصل بالصحابی ، سواء أتی فیه ب « عن » ، أم ب « أنّ » ، أم ب « قال » ، أم « سمعت » ، فکلّه متّصل(1) .

وقال : إنّ الألفاظ بعد تحقّق اللقاء لا عبره بها(2) .

وقال الخطیب البغدادی : الألفاظ لیست إلاّ عباره عن التحدیث ، فهی سواء فی الدلاله(3) .

وقال الدکتور عتر فی أداء السماع : یسوغ فیه کلّ ألفاظ الأداء مثل « حدّثنا » و « أخبرنا » و « خبّرنا » و « أنبأنا » و « عن » و « قال » و « حکی » و « أنّ فلانا قال » ، فإنّها تُطلَق علی أماره السماع من المحدّث ، کما صرّح به القاضی عیاض وغیره(4) ، ثمّ درج علی هذا الإطلاق أکثر رواه الحدیث المتقدّمین ، ثمّ وَجَدَ النقّاد بعد انتشار التدوین والتلقّی بالإجازه ونحوها وجدوا فیها توسّعا یؤدّی إلی اشتباه السماع بغیره ، لذلک رجّحوا الأداء بلفظ یدلّ علی السماع(5) .

وقوله : « وجد النقّاد توسّعا » و « رجّحوا » ، یدلّ علی أنّ هذه التفرقه بین

ص: 129

الألفاظ أمر مستحدَث لا أصل له فی الشرع ولا فی عُرف قدماء المحدّثین ، فلا ملزِم له أصلاً ، فضلاً عن أن یُبْنی علیه ردّ کتب الحدیث الشریف ، بل هو أمر استحسانی ولیس بواجب حتّی عندهم(1) .

فکیف یُبنی علی مثل هذا الالتزام الّذی لا مُلزِم له من عقل أو شرع أو عُرف فی نفی الحدیث المعنعن ، وإسقاط اعتبار کتب الحدیث الشریف ؟ ! إنّه عمل مخالف لأبسط قواعد العلم والوجدان .

ورابعا : إنّ الطرق الثمان لتحمّل الحدیث وأدائه الّتی منها الإجازه إنّما هی معتبرهٌ عند المحدّثین بملاک واحد ، وهو « البلوغ » من الشیخ إلی الراوی ، کما أثبتنا ذلک مفصّلاً فی کتابنا عن « الطرق الثمان » .

والإجازه بالإجماع ، واحده من تلک الطرق ، فلا بُدّ أنْ تکون محرزه للبلوغ المذکور ، وإلاّ کیف أدخلوها فیها ؟ ! بل جعلها الأکثرون ثالثه الطرق بعد السماع والقراءه ممّا یدلّ علی أهمّیّتها فی أداء البلوغ المذکور ، بشکل أقوی من سائرها ، وهی المناوله والکتابه والإعلام والوصیّه والوجاده .

وإذا اشترکت الطرق فی أداء الهدف المنشود ، لم یفرّق بینها فی الألفاظ . قال القاضی عیاض : إذا روی معنی النقل والإذن فیه ، وأنّه لا فرق بین القراءه والسماع والعرض والمناوله للحدیث فی جهه الإقرار والاعتراف بصحّته وفهم الحدیث به ، وجب استواء العباره عنه بما شاء(2) .

وإذا کانت الإجازه فی القوّه والاعتبار ، والدلاله علی ضبط الحدیث ،

ص: 130

بأفضل شکل بمنزله واحده مع سائر الطرق ، فهی إذن مساویه لها فی أدائها دور بلوغ المتن ووصوله عن الشیخ المحدِّث إلی الراوی .

وخامسا : إنّ ما ذکره عن الإجازه ، یدلّ علی جهل مفرط بواقعها وأمرها فی الحدیث ، وذلک لأنّ کبار أهل الدرایه والعلم بالحدیث وعلومه ، قد جعلوا الإجازه من أهمّ الطرق ، وبمنزله السماع . قال الخطیب : إنّ الإجازه بمنزله السماع وتالیته ، یُعدّ هو الأوّل وهی الثانیه(1) . وهذا یدلّ علی تقدّم الإجازه علی « القراءه » فی الاعتبار .

وقال الفقیه أبو محمّد بن عتّاب الأندلسی ، عن أبیه : لا غنیً فی السماع عن الإجازه ؛ لأنّه قد یغلط القارئ ، فیجیز له ما فاته . نقله ابن الصلاح ، وجعل الإجازه لذلک مع السماع مستحبّهً(2) .

وقال الدربندی : ولا غنیً فی کلّ سماع عن الإجازه(3) .

وقال العراقی فی الألفیه :

وینبغی للشیخ أنْ یُجیزَ مَعْ

إسماعِه جَبْرا لنقصٍ إنْ وقَعْ

قال ابنُ عتّابٍ : ولا غناءَ عَنْ

إجازهٍ مع السماعِ تُقْتَرَنْ(4)

بل سمّی مالکٌ الإجازهَ سماعا ، حیث قال : السماع عندنا علی ثلاثه أضرُبٍ : الأوّل : قراءتک علی الشیخ ، الثانی : قراءته علیک ، الثالث : أن یدفع

ص: 131

إلیک کتابا قد عرفه فیقول : « إروه عنّی »(1) .

وقال السلفی : إنّه قد سمع فی بغداد أبا جعفر بن یحیی الحکّاک التمیمی ( ت 485 ه ) وهو ثقه حافظ یروی عن أبی نصر الوائلی ( ت 444 ه ) حکما له « یضع المناوله بمنزله السماع »(2) .

وحدّث الخطیب قال : حدّث أبو علیّ الهروی ، عن عمرو بن الحسن الشیبانی القاضی ، فسُئِل عنه ؟ فقال : صدوق ، قیل : إنّ أصحابنا ببغداد یتکلّمون فیه ؟ ! فقال : ما سمعنا أحدا یقول فیه أکثر من أنّه « یری الإجازه سماعا » وکان لا یُحدّث إلاّ من أُصوله ، والشیبانی توفّی سنه 339 ه(3) .

وقال الشیخ الطوسی رحمه الله : إذا کان أحد الراویَین یروی سماعا وقراءه ، والآخر یروی إجازهً ، فینبغی أن یقدّم روایه السامع علی روایه المستجیز ، اللّهمّ إلاّ أنْ یرویَ المستجیز بإجازته أصلاً معروفا أو مصنّفا مشهورا ، فیسقط حینئذٍ الترجیح(4) .

وقد عرفت أنّ الشیخ الطوسی صرّح فی مشیخه کتاب تهذیب الأحکام أنّه یذکر الطرق إلی روایه الأُصول والمصنّفات الّتی استخرج منها أحادیث الکتاب مع کون الطرق کلّها معنعنه ، وقد سبق توضیحنا لهذا . بل جعل بعضهم « الإجازه » أفضل من « السماع » فقال : الإجازه علی الوجه الصحیح

ص: 132

خیرٌ وأقوی بکثیر من السماع الردیء(1) .

وقال أحمد بن حنبل : إذا أعطیتُک کتابی وقلت لک « إروه عنّی » وهو من حدیثی ، فما تُبالی سمعتَه أو لم تسمعه(2) .

فالإجازه إذن لیست کما ذکرها ذلک القائل المتفاطن فی کلامه الزائف !

نعم ، بهذا تهاوت الإجازه عن مقامها السامی الّذی کان لها عند القدماء العلماء ، وأخذ ینظر إلیها أهل العصر المتأخّرون بنظر الازدراء ، فأصبحت فی رؤاهم خاویهً علی عروشها ، وفاقده لعناصر قوّتها واعتبارها ، بل أصبحت مهزلهً لأمثال هذا القائل من الصبیان المتشیّخین ، الّذین نزّلوا بالدروس والمصطلحات إلی مستویاتهم الهابطه ، من دون ورعٍ یحجزهم ، ولا حیاءٍ یردعهم .

وسادسا : إنّ المتداوَل فی کتب الحدیث ، وکتب المصطلح ، والمُشاهَد فی الأسانید ، هو أنّ بین الإجازه وبین « عن » عموما من وجه ، فقد یجتمعان ، وقد تنفرد الإجازه عنها فتستعمل فیها ألفاظ الأداء الأُخری ، وقد تنفرد « عن » فتستعمل فی غیر الإجازه من الطرق . فإذا استعملت الإجازه مع الألفاظ الأُخری ، فهل یمکن القول بضعفها أیضا ؟ وهذا ما لا یلتزم به أحد .

وإذا استعملت العنعنه فی غیر الإجازه من الطرق ، فکذلک لم یقُل أحدٌ بضعف الحدیث . وهذا یدلّ علی أنّ الضعف لیس فی الإجازه وحدها ، ولا فی العنعنه وحدها .

ص: 133

وأمّا دعوی أنّ الضعف یختصّ بمورد الاجتماع ، وهو أداء الإجازه بالعنعنه فقط ، فهذه دعوی جُزافیّه لم یقُلْ بها أحد من علماء الحدیث ، لا قدیما ولا حدیثا ، ولم نَرَ له موجبا ولا منشأً ، فإنّ الأمرین اللذین لا ضعف فیهما لا یوجب اجتماعهما ضعفا .

ویدلّ علی ذلک أنّ العنعنه الّتی أصبحت خاصّه بالإجازه فی عُرف المتأخّرین ، قد حکموا علیها بالاتّصال . قال العراقی فی ألفیّته :

وکثُرَ استعمالُ « عن » فی ذا الزمَنْ

إجازهً وهو بوَصلٍ ما قَمِنْ(1)

أقول :

وهذا الاحتمال قد ذکرناه نحن ، مقدّمهً للردّ علیه ، وهو ممّا لم یرد فی کلام ذلک القائل .

أمّا استعمال الألفاظ غیر العنعنه مع الإجازه :

فقد قال ابن الأثیر : أمّا « أنبأنا » فإنّ أصحاب الحدیث یُطلقونها علی الإجازه والمناوله ، دون القراءه والسماع اصطلاحا ، وإلاّ فلا فرق بین الإنباء والإخبار ؛ لأنّهما بمعنیً واحد .

وقال الحاکم : « أنبأنا » إنّما یکون فی ما یجیزه المحدّث للراوی شفاها ، دون المکاتبه . وجوّز قوم « حدّثنا » و « أخبرنا » فی الإجازه(2) .

وقال العلائی فی الألفاظ الدالّه علی السماع : ویلحق بها « أنبأنا »

ص: 134

و « نبّأنا » ، وإنْ کان غلب استعمالها عند المتأخّرین فی الإجازه(1) . وکان الأوزاعی یخصّص الإجازه بقوله : « خبّرنا » بالتشدید(2) .

وقال الدربندی : إنّ جمعا قد جوّزوا إطلاق « حدّثنا » و « أخبرنا » فی الروایه بالمناوله ، وهو مقتضی قول من جعلها سماعا ، وقد حکی عن جمع جوازه فی الإجازه المجرّده . . . وعن بعضهم تخصیصها ب « خبّرنا » والقراءه ب « أخبرنا » ، وقیل : إنّه اصطلح قومٌ من المتأخّرین علی إطلاق « أنبأنا » فی الإجازه(3) .

وقال العاملی : یجوز للسامع أن یقول : « حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبّأنا » هذا فی الصدر الأوّل ، ثمّ شاع تخصیص « أخبرنا » بالقراءه ، و « أنبأنا

ونبّأنا » بالإجازه(4) .

وحکی عن جمع من أعلام المحدّثین : إطلاقُ « حدّثنا » و « أخبرنا » فی الإجازه :

قال ابن الصلاح عن الحافظ أبی نُعیم الأصفهانی ، صاحب التصانیف

الکثیره فی الحدیث ، وکان یطلق « أخبرنا » فیما یرویه إجازهً ، أنّه قال : إذا قلتُ « حدّثنا » فهو سماعی ، وإذا قلتُ « أخبرنا » علی الإطلاق ، فهو إجازهٌ ، من غیر أنْ أذکر فیه : « إجازهً أو کتابهً أو کتبَ إلیَّ أو أذِن لی

ص: 135

فی الروایه عنه » .

وقال : کان أبو عبد اللّه المرزبانی الأخباری صاحب التصانیف فی علم الخبر یروی أکثر ما فی کتبه إجازهً من غیر سماع ، ویقول فی الإجازه : « أخبرنا » ولا یُبَیّنها(1) .

وقال أیضا : ورد عن قومٍ من الرواه التعبیر عن الإجازه بقول : « أخبرنا فلان أنّ فلانا حدّثه أو أخبره » ، بلغنا ذلک عن الإمام أبی سلیمان الخطّابی أنّه اختاره أو حکاه(2) .

وقال القاضی عیاض : وذهب جماعه إلی إطلاق « حدّثنا » و« أخبرنا » فی الإجازه ، وحکی ذلک عن ابن جُریج وجماعه من المتقدّمین ، وقد أشرنا إلی مَنْ سوّی بینها [ أی الإجازه ] ، وبین القراءه والسماع ، علی ما تقدّم ، وحکی أبو العبّاس بن بکر المالکی فی کتاب « الوِجازه » أنّه مذهب مالک وأهل المدینه ، وقد ذهب إلی تجویز ذلک من أرباب الأُصول : الجوینی(3) .

وقال عیسی بن مسکین قاضی القیروان وفقیه المغرب ( 214 295 ه ) : الإجازه رأس مالٍ کبیر ، وجاز أنْ تقول : « حدّثنی فلان » و « أخبرنی فلان »(4) .

وقیل لمالک بعد أن استجیز فی موطّئه فأجاز : کیف أقول « حدّثنا مالک »

ص: 136

أو « أخبرنا مالک » ؟ فقال : قُلْ أیّهما شئت(1) .

وقال الحکم بن نافع أبو الیمان : قال لی أحمد بن حنبل : کیف سمعت الکتب من شعیب بن أبی حمزه ؟ قلت : قرأتُ علیه بعضه ، وبعضه قرأه علَیَّ ، وبعضه إجازه ، وبعضه مناولهً . قال : قُلْ فی کلّه : « أخبرنا شعیب »(2) .

فظهر أنّ إطلاق الألفاظ ، حتّی « حدّثنا » و « أخبرنا » فی الإجازه ، أمرٌ جوّزه القدماء ، وجری کثیر من کبارهم علیه من دون حرج ، وإنّما تحرّج من ذلک بعض المتأخّرین علی أثر اصطلاح أحدثوه ، لکنّه لم یکن ملزِما لغیرهم ، فلذا خالفه کبار المحدّثین والرواه ، کأبی نُعیم الأصفهانی ، والمرزبانی ، کما مرّ ، ومن غیر المعروفین کالسمرقندیّ أحمد بن محمّد بن إبراهیم ، والجیزی إسحاق بن راشد(3) .

فظهر أنّ ما صنعه بعض الرجالیّین من عیب مَنْ فعل ذلک من المحدّثین ، کالمرزبانی وأبی نُعیم ، وکذلک ابن بُطّه المؤدّب ، الّذی قال فیه النجاشی : یتساهل فی الحدیث ویعلّق الأسانید بالإجازات(4) بناءً علی إراده هذا المعنی ، لیس عیبا فی الحقیقه ، وإنّما هو إشکال مبنیٌّ علی التشدید فی الالتزام بالألفاظ حسب المصطلح المتأخِّر الحدوث ، وقد عرفتَ أنّه لا ملزِم

ص: 137

له حتّی تکون مخالفته عَیْبا .

وقد ذکرنا الجواب عن مثل هذا الإشکال فی بحث « صِیَغ التحمّل والأداء » بتفصیلٍ أکثر ، فلاحظ .

وأمّا استعمال « عن » فی سائر الطرق غیر الإجازه :

فقد عرفنا فی الفصل الثانی أنّ العنعنه مستعمله فی التراث الإسلامی کلّه ، وفی مصادر الحدیث الأُولی ومؤلّفاته المبکّره ، وبشکل واسع وشائع ، ومن المعلوم أنّ أمر الإجازه لم یکن بتلک السعه وذلک الشیوع ؛ فلا بُدّ أنْ تکون « عن » مستعملهً مع الطرق الأُخری ، حیث کانت أکثر الطرق شیوعا هی السماع والقراءه ، خصوصا إذا لاحظنا أنّ العنعنه تکثر مع أسماء الرواه فی نهایات الأسانید ، حیث تتّصل بالصحابه والتابعین وتابعیهم ، بشکل واضح .

فالإجازه ، وإنْ کانت عریقهً فی القِدَم علی ما أثبتناه فی دراستنا الموسّعه عنها ، إلاّ أنّها وبالقطع والیقین لم تکن الغالبه ولا الشائعه ، بحیث تُحمل علیها العنعنه فی أکثر الأسانید الموجوده فی التراث الحدیثی ، مع أنّ من المسلّم به عند علماء الدرایه ، ومؤرّخی علوم الحدیث أنّ تخصیص « عن » بالإجازه علی القول بالتشدّد فی الألفاظ إنّما هو اصطلاح متأخّر ، کما عرفنا .

والحاصل : إنّ العنعنه المستعمله فی عامّه کتب الحدیث ، لم تکن إلاّ مع غیر الإجازه من طرق الحدیث والروایه .

مضافا إلی ما یوجد من التصریح باستعمال « عن » بدل « سمعت » الّتی

ص: 138

هی خاصّه بطریقه السماع ، فیما رواه أبو زُرْعه ، قال : سألتُ أحمد عن حدیث « أسباط الشیبانی ، عن إبراهیم ، قال : سمعتُ ابن عبّاس » ؟ قال أحمد : « عن ابن عبّاس » . فقلت : إنّ أسباطا هکذا یقول : « سمعتُ » فقال أحمد : قد علمتُ ، ولکن إذا قلتُ « عن » فقد خلّصتُه وخلّصتُ نفسی ؛ أو نحو هذا المعنی(1) .

کما أنّ الشافعیّ ساوی بین « عن » و « سمعت » فی رسالته(2) .

وقد مرّ بنا ما ذکره الشیخ الطوسی فی ترجمه « أبی غالب الزراری » من قوله : أخبرنا بکتبه وروایاته أبو عبد اللّه الحسین بن عبید اللّه ، عنه » . وأضاف : وقال الحسین : قرأت سائرها علیه عدّه دفعات(3) .

فمع التصریح بکون روایات الحسین عن أبی غالب الزراری بطریقه القراءه لجمیع الکتب والروایات ، ولعدّه دفعات ، فإنّ الشیخ الطوسی عبّر فی طریقه بکلمه : « عنه » مطلقا ، ولم یُقیّدها بقوله : « قراءهً علیه » . ولا ریب أنّ هذا یدلّ علی استعمال « عن » مع التحمّل بطریقه القراءه علی الشیخ .

وقد ساوی الأوزاعیّ بین « عن » و « قال »(4) . مع أنّ « قال » لا تُستعمل فی الإجازه ، ولا یجری فیها ما ذکره المستشکِل المتشیّخ .

ونعود فنقول فی تلخیص هذا الردّ علیه : إنّ العنعنه لم تختصّ بالإجازه ،

ص: 139

ولا الإجازه تختصّ بالعنعنه ، فإذا کانت العنعنه صحیحه فی غیر الإجازه من طرق التحمّل ، ولا إشکال فی السند من حیث کونه معنعنا ؛ فهی کذلک مع الإجازه ، وإذا کانت الإجازه معتبره إذا لم تکن معنعنه ، فلا إشکال فیها لو اقترنت بالعنعنه . فإنّ کلاًّ منهما لوحده لا إشکال فیه ، فاجتماعهما لا یولّد إشکالاً ، کما مرّ .

وأظنّ أنّ المتشیّخ المذکور لقط ما سمعه من الإشکال علی العنعنه من جهه ، والإشکال علی الإجازه من جههٍ أُخری ، وخلط بین الإشکالین ، فصبَّ جام جهله علی « الحدیث المعنعن » کما عرفت ، وعرفت الجواب والردّ علیه مفصّلاً .

ونقول لهذا المخلّط أخیرا :

إنّا نجد « العنعنه » مستعمله حتّی مع أسماء المعصومین علیهم السلام کلاًّ عن الآخر ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ، عن الملائکه ؛ وأحیانا عن اللوح ، عن القلم ، وفی کثیر من الروایات « عن اللّه جلّ وعلا » .

ومن الواضح لکلّ ذی عین ولو واحده أنّ العنعنه حینئذٍ لا یمکن حملها علی الإجازه أصلاً ، فضلاً عن الإجازه الباطله ، بل لا بُدّ من حملها علی الطرق المعتبره الأُخری ، وبوحده السیاق والنسق یُحکم علی العنعنات المتأخّره ، بمثل ذلک .

ولو فرض أنّ هذا المتطفّل حاول حملها علی الإجازه مع الأسماء الکریمه ، فهذا أدلّ دلیلٍ علی اعتبار الإجازه وکونها من الطرق المقدّسه ، وبوحده النسق یُحکم بحکمها هذا علی العنعنات الأُخری ، هذا إذا کانت

ص: 140

العنعنات المذکوره من استعمال المعصومین علیهم السلام أنفسهم ، وأمّا إذا کانت العنعنه من استعمال الرواه ، فنفس هذا دلیل علی شیوع تداولها واعتبارها منذ الصدر الأوّل ، ومن دون مُعارض ، وبوحده النسق تثبت حجّیّتها فیما بعد ذلک أیضا .

فأینَ ما لفّقه ذلک المخلّط ؟ ! وکیف یجرؤ علی تصوّره فی العنعنات المنتثره فی التراث الحدیثی ؟ ! ومع الأسماء الکریمه ؟ ! !

ص: 141

ص: 142

ذلک ، فمشاهده القضیّه المنقوله منتفیه فی حقّه قطعا ، مع أنّه اتّهموه بالتدلیس وأنّه معروف به(1) .

وقد صرّح علماء الفنّ بأنّ عنعنه المدلّس لا تدلّ علی الاتّصال ، فلا یعتبر ذلک حتّی لو أمکن اللقاء ! فکیف لو لم یمکن ؟ !

أقول :

ومثله یجری فی العنعنه لو عُلِمَ توسّطُ راوٍ بین الشیخ والراوی المتحمّل عنه ، کما فی المثال التالی : « روی أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن عبد اللّه بن المغیره » فی الموارد التالیه من التهذیب :

1 - کتاب الدیات ، باب القود بین الرجال والنساء .

2 - کتاب النکاح ، باب المهور والأُجور .

3 - کتاب الصلاه ، باب أحکام الجماعه ( ج 3 ص 47 رقم 164 ) .

4 - کتاب الصلاه ، باب أوقات الصلاه ( ج 2 ص 36 رقم 114 ) .

5 - کتاب الصید ، باب الصید والذکاه .

وروی المورد الأوّل فی الاستبصار ، إلاّ أنّ فیه : أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن أبیه ، عن عبد اللّه بن المغیره(1) .

وقد روی أحمد ، عن ابن المغیره ، بواسطه الرجال الآتیه أسماؤهم :

بواسطه الحسن بن علیّ ، فی التهذیب ، کتاب الطهاره ، باب صفه الوضوء ، الزیادات .

وبواسطه ابن أبی عمیر ، فی التهذیب ، کتاب المکاسب ، باب المکاسب ، وکتاب الطلاق ، باب حکم الظهار . وفی الکافی ،کتاب المعیشه ، باب الحثّ علی الطلب .

وبواسطه محمّد بن الحسن بن علاّن ، فی التهذیب ، کتاب الحجّ ، باب

ص: 145

الزیادات .

وبواسطه البرقی ، وأبیه ، فی التهذیب ، کتاب الطلاق ، باب أحکام الطلاق ، وکذا فی مواضع عدیده أُخری(1) .

وبواسطه محمّد بن یحیی ، فی التهذیب ، کتاب الجهاد ، باب مَنْ یجب معه الجهاد ، کیفیه جهاد المشرکین(2) .

فهو یروی عن ابن المغیره مباشره ، ومع الواسطه .

لکنّ الکشّی صرّح بقوله : قال نصر بن الصباح : وما روی أحمد قطُّ عن عبد اللّه بن المغیره ، ولا عن الحسن بن خرّذاد(3) .

وقال النجاشی فی ترجمته : قال ابن نوح : وما روی أحمد عن ابن المغیره ، ولا عن الحسن بن خرّذاد(4) .

ومع تصریح أعلام الفنّ بعدم روایته المباشره عن ابن المغیره ، وقرینیّه قلّه روایاته عنه بلا واسطه ، فالأمر فی « إعلال » أسانید تلک الروایات واضح ، فلا وجه لمحاوله التستری مِن جعل ذلک دلیلاً علی الفرق بین قولهم : « فلانٌ عن فلان » ، وقولهم : « روی فلان عن فلان » ، وأنّ الأوّل یستلزم الروایه بلا واسطه ، والثانی : فأعمّ(5) ، فإنّ ظاهر العبارتین هو الروایه بلا واسطه ، والثانی أصرح فی ذلک من الأوّل ؛ لوجود الفعل « روی » ، وإنّما عرف عدم الاتّصال فی روایات أحمد عن ابن المغیره ، فی تلک الموارد

ص: 146

القلیله ، من أمر خارج ، وهو تصریحهم بذلک من جهه ، ووجود الواسطه فی أکثر الطرق من جهه أُخری ، لا من مجرّد عباره « العنعنه » سواء مع الفعل « روی » أم بدونه .

والحاصل : إنّ ظهور کلمه « عن » فی الاتّصال ممّا لا ینبغی الشکّ فیه ، وإنّما تصرف إلی غیره عند وجود ما یدلّ علی عدم الاتّصال ، فیکون مجازا .

قال العلائی : إذا ساغ استعمال « عن » فی الاتّصال وحملها علیه وهو الّذی نقله جماعه من الأئمّه عن کافّه العلماء ، کانت حقیقتها الاتّصال ، وإذا وردت فی المرسَل وفی الانقطاع کانت مجازا(1) .

وتخرج الموارد القلیله من التعلیل بالالتزام بأنّ کلمه « بن » فی الموارد الأُولی « أحمد بن محمّد بن عیسی » هی مصحّفه کلمه « عن » ، فالصواب : « أحمد ، عن محمّد بن عیسی ، عن عبد اللّه بن المغیره » .

وجازه لفظها ، فاکتفوا بها من دون إشعار بالاختصار ، ولا ریب أنّ هذا أَوْلی ممّا عمله غیرهم من الحذف تارهً ، أو اختصارها بالرموز .

فإذا کان الهدف الأساسی من الألفاظ هو التعبیر عن اللقاء وتحمّل الحدیث ووصول الروایه من الشیخ إلی الراوی ، وبلوغ الحدیث ، وکان کلّ هذا یتأدّی بکلمه « عن » من دون اختصار ، فهو أَوْلی بلا ریب من حذف اللفظ مطلقا من دون رمز ، أو تبدیله برمز . مع أنّ الغرض من إیراد الطرق فی کتب الحدیث وکتب الاستدلال هو الاعتماد علی ما تُوصله من المتون وتؤدّیه من المعانی ، فالانشغال بالمصطلحات المستجدّه یبعد المسافه علی طلاّب العلم ، الّذین یریدون فقه الحدیث للتوصّل إلی العمل به .

وأمّا خصوصیّات الألفاظ وفوائدها ، فقد قدّروا لها مجالاً للاستعمال بقدرها ، وفی مواضع خاصّه ، کما فی الکتب الموضوعه لبیان الطرق فقط ، کالفهارس والمعاجم ، حیث التزموا فیها بالألفاظ بمزید من العنایه ؛ لأنّ الغرض استیفاؤها من دون ذِکر المتون ، کما هو واضح .

وأخیرا :

فإنّ الصدر الأوّل من المحدّثین والرواه وکذلک القدماء لم یلتزموا بهذه الألفاظ المصطلحه ، ولم یستعملوا فی القرنین الأوّلَین سوی لفظه « عن » کما عرفنا . فالأمانه العلمیه تقتضی الاحتفاظ بما جاء فینصوصهم ، والتبعیّه لهم فی ذلک .

وأمّا ما أُحدث فی النصف الثانی من القرن الثانی ، من وضع هذه الألفاظ لمقاصد معیّنه ، فهو وإنْ کان حسنا ، إلاّ أنّه لیس واجب الالتزام ، کما عرفت . ولایوجب حزازه علی ما سبق وروده فی الأحادیث من استعمال

ص: 148

العنعنه .

کما أنّ فی کثیر من تطبیقاته تکلّفا واضحا ، مثل ما ورد عن سفیان بن عُیَیْنه ، قال : « نا عمرو بن دینار » یرید « حدّثنا » ، فلمّا قیل له : قل « حدّثنا عمرو » ! قال : لا أقول ؛ لأنّی لم أسمع من قوله « حدّثنا » ثلاثه أحرف وهی : « ح د ث » لکثره الزحام ، فأقتصرُ علی « نا » النون والألف(1) .

فهو یصرّح بعدم إرادته الاختصار ، وإنّما یتقیّد بلفظ ما سمع ، مع علمه بأنّ المراد هو « حدّثنا » وأنّه هو الواقع من الشیخ ، فهذا بلا ریب وَرَعٌ مُظْلِمٌ ، لا یطلبه أهل الفضل والعلم والفقه ، ولیس یلیق إلاّ بمن یتمشدق بهذه الزخارف . ولو کان أهل التشدّد فی الاصطلاح یستحسنون هذا ویجوّزونه باعتباره اختصارا غیر مضرٍّ ، فأَوْلی لهم أن یجوّزوا التلفّظ بکلمه « عن » الّتی تؤدّی الروایه بکامل معناها ، من دون اختصار مع ما فیه من الاتّباع للصدر الأوّل .

ولنختم هذا البحث ، بکلامٍ فَصْلٍ من الخطیب البغدادی ، حیث قال : « أهل العلم مُجمِعون علی أنّ قول المحدّث : حدّثنا فلان عن فلان ، صحیح معمول به ، إذا کان شیخه یعرف أنّه قد أدرک الّذی حدّث عنه ولقیه وسمع منه ، ولم یکن هذا المحدّث ممّن یدلّس ، ولا یستجیز أن یُسقط [ اسما ] ویروی الحدیث عالیا ؛ لأنّ الظاهر من الحدیث السالم راویه ممّا وصفنا الاتّصالُ ، وإنْ کانت العنعنه هی الغالبه علی إسناده(2) .

ص: 149

ص: 150

وکذا بما أنّ المتأخّرین من المحدّثین خصّصوا لکلّ طریق من طرق التحمّل والأداء لفظا من الصیغ الموضوعه لذلک ، فخصّصوا لفظه « عن » لِما یُنقل بطریقه الإجازه ، وبما أنّ طریقه الإجازه تحوّرت علی أثر الإهمال والتماهل والتساهل کما هو الحال فی سائر أدوات المعرفه الإسلامیّه فإنّ الإجازهَ مُنیت بهجوم عنیف من قبل بعضهم ، وبالتزییف والتسخیف من بعضٍ آخر .

من کلّ هذه الأُمور واجتماعها فی الحدیث « المعنعن » ، صدرت نغمات الهجوم علی العنعنه وحدیثها ، وأعلام المحدّثین ضمن جمهورهم تصدّوا لِما قیل فیها من الإشکالات منذ القدم ، حیث تصدّی مسلم بن الحجّاج القشیری صاحب الصحیح للردّ علی مَنْ شکّک فی حجّیّتها فی مقدّمه کتابه المعروف بالصحیح .

3 - ولکنّ متّبعی الشُبهات أثاروا بعض ذلک فی الآونه الأخیره علی أثر تشکیک أعداء الإسلام من أمثال المستشرق فرنز روزنتال ، إذ قال : ولأسباب عملیه مهمّه کان الوضع أرحب مجالاً فی الحدیث ، إذ وجد الواضعون عملهم سهلاً میسورا ؛ لأنّ فکره « العنعنه » أو الروایه الشفویه ، تفتح الباب علی مصراعیه لکلّ نوعٍ من التزویر(1) .

فمع أنّه لم یفهم فکره العنعنه بالضبط ، ففسّرها بالروایه الشفویه ، فهو لا یُرید إلاّ الهجوم علی جمیع الحدیث المرویّ بطریقه شفویه سواء بالعنعنه أو باللفظ الصریح مثل « حدّثنا » و « أخبرنا » . ومع أنّه یُوحی من طرفٍ خفیّ

ص: 152

إلی أنّ الحدیث الشریف لم یعتمد الکتابه والتدوین ، وإنّما ظلّ مستندا إلی الروایه الشفویه(1) .

إلاّ أنّه أخفق فی ربط العنعنه بمسأله الوضع فی الحدیث ، إذ غایه ما یرد علی العنعنه إنّما هو « التدلیس » الّذی قد تُصدّی له بکلّ قوّه ، وکُشف عن عواره بکلّ شدّه ، ومُحِّص عن الحقّ ضدّه بکلّ صلابه ، حتّی عُرِفَ المدلّسون وکیفیّه عملهم . بل إنّ الإشکال علی العنعنه مبنیّ علی الاحتیاط من فعل المدلّسین ، لکنّ هذا المستشرق یثیرها فی اتّجاهٍ معاکس للغرض ، وهذا إنْ أحسنّا الظنّ بالمستشرقین ناشئ عن عدم فهمهم للغه العلم عند المسلمین .

ولکنّ المؤسفَ أنْ یتصدّی للحدیث المعنعن ، مَنْ یتمشیَخ ویعدّ نفسه أُستاذا مدرّسا ، یجول فی حلقات درسه بأمان ، ویطلق لسانه بحرّیّه تامّه ، فیطرح الإشکال علی الأحادیث المعنعنه فی تراثنا الحدیثیّ بأنّها تُنبئ عن الإجازه ، وهی باطله ! محاولاً بذلک الالتفاف علی أهمّ مصادر الحدیث الشریف ، وإخراجها عن حیّز الاستدلال بها لاعتمادها بشکل رئیسی علی الحدیث المعنعن .

وقد عقدنا الفصل الثالث بطوله للإجابه عن ترّهاته تلک وسفسطاته المزخرفه .

إنّ أمثال ذلک المتطفّل علی حلقات العلم إنّما عمدوا إلی ذلک لأمرین :

الأوّل : جهلهم بالمصطلحات ودورها فی العلوم ، وذلک لقصور أسنانهم

ص: 153

عن متابعتها ، وقصور أذهانهم عن التوصّل إلی معانیها .

الثانی : لعجزهم لغویا عن مداوله الحدیث الشریف ومدارسه فقهه ، والاستفاده منه ، فخیرٌ لهم أن یتجاوزوه بالإسقاط والتزییف !

4 - وفی الخاتمه عرضنا بعض المشاکل الناتجه من العنعنه بما له أثر تطبیقی لبعض ما سبق من فصول البحث .

5 - والحاصل : إنّ الحدیث المعنعن ، هو کسائر الأحادیث المرویّه بالألفاظ ، واعتباره کاعتبارها ، من دون فرقٍ بینها من جهه العنعنه ، الّتی أُثیرت حولها شبهات باطله ، منشأُها :

إمّا الجهل باللغه العربیه ، والقصور عن فهم المصطلحات وأغراضها وسوء استخدامها ووضعها فی غیر مواضعها ، أو العداء الصارخ والمخفیّ لهذا الدین من خلال ضرب أهمّ مصادر المعرفه فیه ، وهو التراث الحدیثی المجید .

حَفِظ اللّه تراثنا الغالی من أن تناله أیدی الجهله وأسنّه الأعداء السفله ، ووفّق أهل الدین لحمایه مصادر معرفته أُصولاً وفروعا .

آمین ، بحقّ محمّد وآله الطاهرین ، صلوات اللّه علیهم أجمعین .

«سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ *

وَ سَلاَمٌ عَلَی الْمُرْسَلِینَ *

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ»

ص: 154

ص: 156

ابن ماجه111

ابن مسعود الأنصاری31، 52

ابن معین39

ابن المغیره145، 146

ابن منظور21، 23، 26

ابن نوح146

ابن هشام21، 23، 25

أبو إبراهیم علیه السلام74

أبو أحمد بن صالح التمیمی98

أبو إسحاق الثقفی94

أبو إسحاق السبیعی31، 143

أبو إسحاق الطالقانی97

أبو بشر ختن المقرئ100

أبو بصیر85

أبو بکر77

أبو بکر بن أبی شیبه110، 111

أبو بکر بن حزم52

أبو بکر الدوری105

أبو بکر محمّد بن عمر الجعابی106

أبو جعفر أحمد بن زکریّا بن سعید المکّی97

أبو جعفر الأعور89

أبو جعفر الباقر علیه السلام29، 51، 87

أبو جعفر بن یحیی الحکّاک التمیمی132

أبو جعفر بن یزید بن النضر الخراسانی75

أبو جعفر = الشیخ الصدوق

أبو جعفر = الشیخ الطوسی

أبو جعفر (صاحب الإمام الرضا علیه السلام)85

الشیخ أبو جعفر الطوسیّ92

أبو جعفر القمّیّ90

أبو حامد = أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسین

أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمر الزاهد79

أبو الحسن بن رزقویه107

أبو الحسن الرضا علیه السلام80

أبو الحسن طاهر بن محمّد بن یونس100

أبو الحسن = علیّ بن جعفر بن حمّاد بن رزین الصیّاد

أبو الحسن = علی بن محمّد بن محمّد

أبو الحسن الکاظم علیه السلام74، 84

أبو الحسن الماضی علیه السلام = موسی بن جعفر الکاظم علیه السلام

أبو الحسن = موسی بن اسماعیل بن الإمام الکاظم علیه السلام

أبو الحسین بن موسی108

أبو الحسین = علیّ بن المعلّی الأسدی

أبو الحسین = محمّد بن صالح

أبو حمزه الثمالی29، 82، 99

أبو حنیفه56

أبو خالد31

أبو داوود111

أبو ذرّ99

أبو زرعه47

أبو سعید الجریری البکری86

أبو سعید = الحسن بن علیّ العدویّ

أبو سعید الخدری97

ص: 158

أبو سلمه111

أبو سلیمان الخطّابی136

أبو صالح31، 111

أبو الصلت الهروی78

أبو طالب = عبد اللّه بن الصلت

أبو عاصم31

أبو العالیه63

أبو العبّاس = أحمد بن محمّد بن سعید بن عقده

أبو العبّاس بن بکر المالکی136

أبو العبّاس = محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی

أبو عبد اللّه 83

أبو عبد اللّه البخاری64

أبو عبد اللّه بن شاذان74

أبو عبد اللّه الحسین بن عبید اللّه 104، 139

أبو عبد اللّه الحسین بن محمّد بن نصر الحلوانی107

أبو عبد اللّه الصادق علیه السلام29، 52، 84، 85، 101، 102

أبو عبد اللّه = محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهریار الخازن

أبو عبد اللّه = محمّد بن خلف بن إبراهیم بن عبد السلام المروزی

أبو عبد اللّه = محمّد بن محمّد بن النعمان

أبو عبد اللّه المرزبانی الأخباری136

أبو عبید25

أبو عبیده24، 52

أبو علیّ = إسماعیل بن حاتم

أبو علیّ الحسن بن محمّد الطوسی106

أبو علیّ الحسن الطوسی106

أبو علی الکوفی66

أبو علیّ = محمّد بن أحمد بن الجنید

أبو علیّ = محمّد بن محمّد بن الأشعث الکوفی

أبو علیّ الهروی132

أبو عمّار61

أبو عمران = موسی بن إبراهیم المروزی البغدادی

أبو عمر بن عبد البرّ الحافظ36

أبو عمرو الأوزاعی62

أبو عمرو بن السمّاک107

أبو عمرو الدانی36

أبو عوانه111

أبو غالب الزراری104

أبو القاسم77

أبو القاسم علیّ بن الحسین الموسوی108

أبو مجلز31

أبو محمّد66

أبو محمّد بن السقّاء66

أبو محمّد بن عتّاب الأندلسی131

أبو محمّد = الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن علیّ بن العبّاس الرازی

أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد الأبهری105

أبو محمّد = عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان

ص: 159

أبو محمّد = هارون بن موسی

أبو مریم الأنصاری15

أبو مریم عبد الغفّار بن القاسم15

أبو منصور107

أبو نباته97

أبو نصر الوائلی132

أبو نعیم الأصفهانی135، 137

أبو نعیم = محمّد بن إبراهیم بن محمّد بن خلف الحجازی

أبو هریره31، 63، 111

أبو همّام بن نافع105

أبو یزید = أحمد بن خالد الخالدی

أبو یعقوب97

أبو یعلی79

أبو یوسف56

أحمد بن إدریس103

أحمد بن جعفر بن سفیان103

أحمد بن الحسین القطّان96

أحمد بن حنبل15، 47، 65، 78، 133، 137

أحمد بن خالد الخالدی98

أحمد بن صالح التمیمی98

أحمد بن عبدوس الخلنجی103، 104، 105

أحمد بن عبده الضبّی23

أحمد بن عیسی الکلابی70

أحمد بن محمّد74

أحمد بن محمّد بن إبراهیم السمرقندی137

أحمد بن محمّد بن أبی نصر85

أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسین98

أحمد بن محمّد بن إسحاق97

أحمد بن محمّد بن سعید بن عقده73، 105، 106

أحمد بن محمّد بن الصدّیق الغماری55

أحمد بن محمّد بن عقده الکوفی16

أحمد بن محمّد بن عیسی145، 147

أحمد بن محمّد بن محمّد بن سلیمان104

أحمد بن محمّد بن موسی104

أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذری79

أحمد بن محمّد بن یحیی74

أحمد بن محمّد السنانی المکتّب100

أحمد بن محمّد العاصمی104

أحمد بن المظفّر العطّار68

أحمد بن نجده100

أحمد بن هارون الفامی101

الإربلیّ23، 25

الأزهری32

إسحاق بن راشد الجیزی137

إسحاق بن راهویه80

إسحاق بن محمّد بن مروان105

إسحاق بن نجیح97

إسماعیل بن حاتم97

إسماعیل بن الفضل98

إسماعیل بن مهران السکونی103

إسماعیل المخزومی103

أسماء بنت عمیس96، 97

ص: 160

الأصمعی24

الأعمش61، 111

الإمام الباقر علیه السلام51، 78، 82، 86، 105

الإمام الحسین علیه السلام51

الإمام الرضا علیه السلام77، 78، 80، 82، 96

الإمام الصادق علیه السلام66، 67، 101، 151

الإمام العاملیّ39

الإمام علیّ بن محمّد الهادی علیه السلام101

الإمام الکاظم علیه السلام51، 67، 71، 72، 73

الإمام الکلینی18

اُمّ جعفر97

اُمّ محمّد97

أمیر المؤمنین علیه السلام15، 80، 96، 97، 105

الأندلسی53

أنس بن مالک38، 100

أنس بن محمّد97

أنس بن محمّد أبو مالک98

الأوزاعی38، 63، 135

أیّوب بن نوح101

البخاری31، 36، 63، 64، 120، 123

البرقی94، 146

البزنطی85

البلاذری80

البهائی15، 33

الشیخ البهائی116

البیهقی52، 53، 54

الترمذی31، 76، 111

التستری146

ثابت بن دینار الثمالی98

جابر بن عبد اللّه الأنصاری31، 105، 108

جبرئیل علیه السلام79، 80، 81

الجزائری34

جعفر بن أحمد القمّی الرازی70، 72

جعفر بن سلمه الأهوازی99، 121

جعفر بن عبد اللّه 106

جعفر بن عبد اللّه المحمّدی73

جعفر بن محمّد98، 108

جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام15، 69، 70، 76، 77، 78، 79، 80، 100، 107، 121

جعفر بن محمّد الکاظم علیه السلام71

جعفر بن محمّد مروان105

السیّد الجلالی73

جندب بن جناده = أبو ذرّ

جویریه بن مسهر97

الجوینی136

الحارث31

الحارث الأعور31

الحارث الهمدانی105

الحاکم النیسابوری80

حبیب110

حذیفه62

حریز بن عبد اللّه 94

الحسن بن خرّذاد146

الحسن بن سعید110

ص: 161

الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن علیّ بن العبّاس الرازی99

الحسن بن عبد اللّه العسکری70

الحسن بن عرفه38

الحسن بن علیّ علیه السلام100

الحسن بن علیّ145

الحسن بن علیّ بن محمّد79

الحسن بن علیّ العدویّ97

الحسن بن متّویه بن السندی104

الحسن بن محبوب95

الحسن بن مسلم102

حسن المصطفوی83

الحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام96

الحسین بن إبراهیم بن ناتانه121

الحسین بن سعید84

الحسین بن عبید اللّه 103، 104

الحسین بن علیّ علیه السلام68، 71، 76، 78، 79، 80، 81، 98، 100، 108

الحسین بن موسی النحّاس97

حصین بن مشمت22

حفص بن غیاث بن طلق القاضی61

الحکم110

الحکم بن نافع أبو الیمان137

حمّاد بن عمرو97، 98

حمّاد بن عیسی94

الحموی الشافعیّ82

حنان بن سدیر100

خاتم الأنبیاء صلی الله علیه و آله

خصیف97

الخطیب البغدادی22، 23، 69، 70، 71، 129، 132، 149

الخلیل21

الخلیل بن عبد اللّه بن أحمد79

الخوارزمیّ الحنفیّ82

السیّد الداماد33، 36، 45، 90، 117، 119

داوود بن سلیمان بن وهب بن أحمد القزوینی الثغریّ107

الدربندیّ48، 131، 135

الدکتور حسین علی90

الدکتور عتر144

الدولابی76

الدهلوی54

رئیس المحدّثین = شیخ الصدوق

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم22، 51، 57، 58، 66، 68، 70، 71، 72، 76، 78، 81، 82، 99، 100، 105، 108، 111، 121، 144

الزبیدی22

زراره52، 94

الزرقانی56

الزهری53، 111

زید83

زید بن أسلم110

زید النرسی84

زین العابدین علیه السلام79، 81

ص: 162

سالم144

السخاوی50

سدیف المکّی100

سعدان بن سعید106

سعد بن عبد اللّه 94، 95، 97، 100، 101

سفیان31، 110، 111

سفیان بن إبراهیم الفایدی الفامی106

سفیان بن عیینه149

السلفی132

سلمه بن الخطّاب103

سلیم الفرّاء102

سماک بن حرب111

سمره بن جندب110

السمعانی120

سهل بن أحمد بن سهل الدیباجی66

سهل بن أحمد الدیباجی69

سهل بن زیاد الآدمی74، 75، 100

سیّد الأوصیاء79

سیّد الشهداء علیه السلام = الحسین بن علیّ علیه السلام

سیّد العابدین علیه السلام98

سیّد الملائکه علیه السلام79

السیوطی143

الشافعیّ39، 47، 53، 56، 57

الشجریّ79

شریک111

شعبه15، 110

شعیب بن أبی حمزه137

شعیث22

الشهید الأوّل82

الشهید الثانی33، 36، 48، 49

شهید کربلاء = الحسین بن علیّ علیه السلام

الشیبانی47، 132

الشیرازی43

الصادق الأمین صلی الله علیه و آله

الشیخ الصدوق39، 67، 70، 74، 76، 79، 81، 88، 90، 91، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 101، 121، 132

صفوان بن یحیی95، 101

الصنعانی49، 64

الطبریّ80 ، 81

طریف مولی محمّد بن إسماعیل105

الشیخ الطوسیّ75، 89، 90، 102، 105، 106، 132، 139

عائشه110

عاصم22

العاملی135

الشیخ العاملی15

العبّاس بن حمزه النیسابوریّ77

عبد اللّه بن أحمد98

عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائی77

عبد اللّه بن أحمد بن عدیّ66

عبد اللّه بن جعفر74

عبد اللّه بن جعفر الحمیری74

عبد اللّه بن الحسن بن علیّ بن جعفر74

ص: 163

عبد اللّه بن الحسن العلویّ74

عبد اللّه بن خبّاب بن الأرتّ143

عبد اللّه بن السائب30

عبد اللّه بن الصلت94

عبد اللّه بن محمّد بن عبد اللّه بن عثمان66، 68

عبد اللّه بن محمّد بن علیّ بن العبّاس بن هارون التمیمی100

عبد اللّه بن مسلمه بن قعنب القعنبی111

عبد اللّه بن المغیره145، 146، 147

عبد اللّه بن موسی97

عبد اللّه بن یوسف110

عبد الرحمن بن أبی لیلی110

عبد الرحمن بن عوف الزهری105

عبد الرزّاق105

عبد الرزّاق بن همّام105

عبد السلام أبی الصلت الهروی79

عبد الصمد بن محمّد100

عبد العزیز22، 23

عبد العزیز بن محمّد72، 111

عبد العزیز بن یونس الموصلی72

عبد العظیم بن عبد اللّه الحسنی100، 101

عبد الغفّار بن القاسم15

عبد الکریم85، 86

عبده110

عبید اللّه بن أبی الفتح69

عبید اللّه بن موسی العبسی99

عبید اللّه بن یسار105

عبید اللّه المسعودی105

عبید بن زراره84، 85

عثمان بن أبی شیبه97

عثمان بن عفّان31

العراقی131

عطاء بن یسار110

العکبری107

العلائی46، 50، 51، 117، 123، 134، 147

علیّ بن إبراهیم94، 101

علیّ بن إبراهیم بن هاشم93، 99، 121

علیّ بن أبی طالب علیه السلام31، 68، 69، 70، 71، 75، 76، 78، 79، 80، 97، 98، 100

علیّ بن أحمد بن الصبّاح105

علیّ بن أحمد بن موسی98

علیّ بن أحمد بن موسی الدقّاق96

علیّ بن أسباط بن سالم73، 74، 75

علیّ بن جعفر73، 74، 75، 76

علیّ بن جعفر بن حمّاد بن رزین الصیّاد66

علیّ بن جعفر بن محمّد73، 75

علیّ بن الحسن بن علیّ بن عمر بن علیّ بن الحسین75

علیّ بن الحسن بن فضّال103

علیّ بن الحسین علیه السلام68، 69، 71، 76، 78، 79، 80، 98، 99، 108

علیّ بن الحسین76، 100

علیّ بن الحسین بن علیّ الرازی107

علیّ بن الحکم102

ص: 164

علی بن العبّاس99

علیّ بن عبدک105

علیّ بن محمّد بن الزبیر103

علی بن محمّد بن محمّد68

علیّ بن محمّد القزوینی107

علیّ بن محمّد (المفتی)79

علیّ بن محمّد الهادی علیه السلام101

علیّ بن المدینی15، 64

علیّ بن مرداس95

علیّ بن مزید بیّاع السابری84

علیّ بن المعلّی الأسدی121

علیّ بن موسی الرضا علیه السلام77، 78، 79، 100، 107

علیّ بن یعقوب الکسائی103

علیّ المرتضی علیه السلام81

عماره بن مهاجر97

عمران22

عمر بن حفص97

عمر بن الخطّاب144

عمر بن عبد العزیز109

العمرکی74

عمرو بن الحسن الشیبانی القاضی132

عمرو بن خالد99

عمرو بن الخالد المخزومی96

عمرو بن دینار149

عمرو بن عبد اللّه 143

عمرو بن عبد الرحمن110

عمرو بن میمون104، 105

عیسی بن مسکین قاضی القیروان136

فاطمه بنت الحسین97

فرات الکوفیّ35

الفرّاء21

الفیروز آبادی22

القاسم بن الربیع الصحّاف96

القاسم بن محمّد94

القاسم بن هشام اللؤلؤی95

القاضی أبو عبد اللّه 73

القاضی أمین القضاء أبو عبد اللّه محمّد بن علی بن محمّد67

القاضی عیاض129، 136

القاضی النعمان المصری67

قتّاده53

قتیبه بن سعید111

کدیره بن صالح الهجری99

الکسائی24

الکشّی146

الشیخ الکلینیالرازیّ البغدادیّ74، 88، 93، 94، 95، 101

الماردینی52، 53

مالک بن أنس52، 53، 54، 55، 56، 57، 109، 110، 136، 144

المأمون80

مجاهد97

محرز بن وزر23

ص: 165

المحقّق التستری91

المحقّق القمّی33

محمّد صلی الله علیه و آله7، 79، 154

محمّد بن إبراهیم97

محمّد بن إبراهیم بن إسحاق الطالقانی99

محمّد بن إبراهیم بن محمّد بن خلف الحجازی68

محمّد بن أبی عبد اللّه الکوفی96، 100

محمّد بن أبی عمیر84، 101

محمّد بن أبی القاسم بن علیّ الطبری106

محمّد بن أحمد بن الجنید103

محمّد بن أحمد بن حمدان القشیری70

محمّد بن أحمد بن صالح التمیمی98

محمّد بن أحمد بن محمّد بن شهریار الخازن107

محمّد بن أحمد السنانی96

محمّد بن إسماعیل104

محمّد بن إسماعیل البرمکی96، 98

محمّد بن جعفر97

محمّد بن جعفر العلوی الحسنی105

محمّد بن جعفر الکوفی الأسدی98

محمّد بن حاتم القطّان98

محمّد بن الحسن56، 97، 98

محمّد بن الحسن بن الأزهر72

محمّد بن الحسن بن علاّن145

محمّد بن الحسن بن علیّ الطوسی البغدادی88

محمّد بن الحسن بن محمّد رضی الدین الأسعد54

محمّد بن الحسن بن الولید104

محمّد بن خلف بن إبراهیم بن عبد السلام المروزی71، 72

محمّد بن خلف بن عبد السلام المروزی71

محمّد بن سعید بن یحیی البزوری99

محمّد بن سلام البیکندی110

محمّد بن سنان96

محمّد بن صالح96

محمّد بن عبد اللّه 70، 72

محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحمیری101

محمّد بن عبد اللّه بن محمّد77

محمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحافظ79

محمّد بن عثمان الهروی100

محمّد بن علیّ76

محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام68، 71، 76، 78، 79، 80، 100

محمّد بن علیّ بن الحسین108

محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی88

محمّد بن علیّ (السیّد المحجوب)79

محمّد بن علیّ الشاه97

محمّد بن عمر الحافظ البغدادی99

محمّد بن عمرو111

محمّد بن عیسی147

محمّد بن محمّد105

محمّد بن محمّد بن الأشعث الکوفی68، 69

ص: 166

محمّد بن محمّد بن الأشعث المصری66

محمّد بن محمّد بن عبد العزیز107

محمّد بن محمّد بن النعمان106

محمّد بن مروان94

محمّد بن موسی97، 108

محمّد بن موسی المتوکّل98

محمّد بن میسّر86

محمّد بن یحیی74، 93، 146

محمّد بن یحیی الخزّاز67

محمّد بن یحیی العطّار74

محمّد بن یعقوب الکلینی الرازی البغدادی87، 93

السیّد محمّد صادق بحر العلوم89، 91، 92،

محمّد فؤاد عبد الباقی56

المرزبانی137

مسعده بن زیاد101

مسعده بن صدقه101

مسلم36، 37، 47، 64، 110

مسلم بن الحجّاج القشیری64

مصعب بن سعد111

المعافی بن عمران99

معاویه بن عمّار101

معتمر31

معمّر بن سلیمان100

المغیره بن شعبه110، 111

الشیخ المفید89، 105، 106

المنقری94

موسی بن إبراهیم المروزی البغدادی70، 71، 72، 108

موسی بن إسماعیل67، 69، 70

موسی بن إسماعیل بن الإمام الکاظم علیه السلام67، 68

موسی بن جعفر108

موسی بن جعفر الکاظم علیه السلام67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 80، 107

موسی بن یسار105

موسی المروزی72

موفّق الدین بن قدامه المقدسی78

مهلهل العبدی99

میمون بن أبی شبیب110

نافع144

النبیّ صلی الله علیه و آله7، 31، 51، 61، 63، 76، 78، 79، 80، 82، 97، 100، 110، 111، 140، 144

النجاشی74، 89، 90، 92، 137، 146

الشیخ النجاشیّ73

النسائی111

نصر بن الصباح146

نصر بن علیّ75، 76

نصر بن علیّ الجهضمی76

نصر بن قابوس51

النووی38

والد البهائی45، 48، 49

وکیع110، 111

ص: 167

هارون بن مسلم101

هارون بن موسی70، 103

هارون بن موسی التلّعکبری البغدادی66

هشام110

هشام بن سالم95

هشام بن عروه31، 110

هنّاد111

یحیی110

یحیی بن زید بن العبّاس بن الولید99

یوسف بن یحیی الأصبهانی97

ص: 168

المحدّثون9، 16، 22، 61، 65، 72، 74، 91، 137

المحدّثون القدماء82، 99

المعصومون علیهم السلام46، 61، 82، 95، 140، 141

الملائکه61، 140

المؤلّفون81، 96، 103

النحویّون25، 26

ص: 170

ص: 172

8

. الأُصول الستّه عشر ، جمع من قدماء المحدّثین ، طبعها : حسن المصطفوی ، طهران ، 1375 ه ، وطبع فی قم ، 1405 ه .

9 . الاعتبار فی الناسخ والمنسوخ من الآثار ، محمّد بن موسی الحازمی الهمدانی ، حمص : مطبعه الأندلس 1386 ه .

10 . إکمال الدین وإتمام النعمه ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمّی المعروف بالشیخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، تصحیح علی أکبر الغفّاری ، طهران ، 1395 ه .

11 . ألفیّه الحدیث ، أبو الفضل عبد الرحیم بن الحسین زین الدین المعروف بالحافظ العراقی ( ت 806 ه ) تحقیق وتصحیح أحمد محمّد شاکر ، بیروت عالم الکتب ، 1408 ه .

12 . الإلماع فی تقیید الروایه والسماع ، القاضی عیاض ، تحقیق : أحمد صقر ، القاهره : دار

التراث ، 1389 ه .

13 . الأمالی ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمّی المعروف بالشیخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، تحقیق : مؤسّسه البعثه ، قم ، 1417 ه .

14 . الأمالی ، محمّد بن الحسن المعروف بالشیخ الطوسی ( ت 460 ه ) ، تحقیق : مؤسّسه البعثه ، قم ، 1414 ه .

15 . الأمالی ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی المعروف بالشیخ المفید ( ت 413 ه ) ، تحقیق : حسین أُستاد ولی وعلیّ أکبر الغفّاری ، قم : منشورات جماعه المدرّسین ، 1403 ه .

16 . الأمالی الخمیسیه ، المرشد باللّه یحیی بن الحسین المعروف بابن الشجری ، بغداد : مکتبه المثنّی .

17 . الباعث الحثیث شرح اختصار علوم الحدیث إسماعیل بن عمر الدمشقی المعروف بابن کثیر ، تحقیق : أحمد محمّد شاکر ، القاهره طبع صبیح ، 1370 ه .

18 . بحار الأنوار ، محمّد باقر بن محمّد تقی الإصفهانی المعروف بالعلاّمه المجلسی

( ت 1110 ه ) ، طهران : الطبعه الحدیثه .

ص: 174

19

. بشاره المصطفی لشیعه المرتضی ، أبو جعفر محمّد بن أبی القاسم الطبری ( ق 6 ه ) ، النجف الأشرف : المطبعه الحیدریه ، 1383 ه ، الطبعه الثانیه .

20 . تاج العروس شرح القاموس ، مرتضی الزبیدی الهندی الفیروزآبادی ، القاهره : المطبعه الخیریه 1307 ه .

21 . تاریخ بغداد ، أحمد بن علیّ بن ثابت المعروف بالخطیب البغدادی ( ت 463 ه ) ، مصر : مطبعه السعاده ، 1349 ه .

22 . تاریخ التراث العربی ، فؤاد سزگین الترکی ( معاصر ) ، ترجمه : فهمی ، القاهره : الهیئه المصریه ، 1972 م .

23 . التبصره فی أُصول الفقه ، إبراهیم بن علیّ أبی إسحاق الشیرازی ( ت 476 ه ) ، تحقیق : محمّد حسن هیتو ، دمشق : دار الفکر ، 1403 ه .

24 . التبیین فی أنساب القرشیّین ، المقدسی ، تحقیق : الدلیمی ، بیروت : عالم الکتب ، 1408 ه .

25 . تدریب الراوی فی شرح تقریب النواوی ، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی

( ت 911 ه ) ، تحقیق : عبد الوهّاب عبد اللطیف ، القاهره ، 1379 ه .

26 . تدوین السُنّه الشریفه ، محمّد رضا الحسینی الجلالی ، قم : مرکز الإعلام الإسلامی ، 1413 ه .

27 . التدوین فی أخبار قزوین ، الرافعی ، تحقیق : عزیز اللّه العطاردی ، الهند حیدر آباد .

28 . تذکره الخواصّ ، یوسف خزعلی البغدادی المعروف بسبط ابن الجوزی ، النجف الأشرف ، المطبعه الحیدریه .

29 . ترتیب أسانید الأمالی للصدوق ، حسین بن علیّ البروجردی ( ت 1380 ه ) ، مشهد

المقدّسه : طبعه الروضه الرضویه المقدّسه .

30 . تعریف أهل التقدیس بمراتب أهل التدلیس ، ابن حجر العسقلانی ، تحقیق : سلیمان وعبد العزیز ، بیروت : دار الکتب العلمیه ، 1407 ه .

31 . تغلیق التعلیق ، ابن حجر العسقلانی ، تقدیم : أحمد صقر لفتح الباری .

ص: 175

32

. تفسیر الحبری ( ما نزل من القرآن فی علیّ علیه السلام ) الحسین بن الحکم بن مسلم الوشّاء الکوفی ( ت 282 ه ) ، تحقیق : محمّد رضا الحسینی الجلالی ، بیروت : مؤسّسه آل البیت : لإحیاء التراث ، 1408 ه .

33 . تفسیر فرات الکوفی ، فرات بن إبراهیم الکوفی ( القرن الرابع الهجری ) ، تحقیق : محمّد الکاظم ، النجف الأشرف : المطبعه الحیدریه .

34 . تقدیم السیّد أحمد صقر لفتح الباری لابن حجر ، النسخه المصوّره ، القاهره : دار الکتاب الجدید .

35 . تقریب التهذیب ، أحمد بن علی العسقلانی المعروف بابن حجر ( 852 ه ) ، تحقیق : لطیف ، القاهره .

36 . تلخیص الحبیر ، أحمد بن علی العسقلانی المعروف بابن حجر .

37 . التمهید ، ابن عبد البرّ القرطبی .

38 . تنویر الحوالک ، شرح موطّأ مالک ، جلال الدین السیوطی ، طبع مصر .

39 . تهذیب الأحکام ، محمّد بن حسن الطوسی ( ت 460 ه ) ، تحقیق : السیّد حسن الموسوی الخرسان ، بیروت : دار الکتب العلمیه .

40 . تهذیب التهذیب ، أحمد بن علی بن حجر العسقلانی ( ت 852 ه ) ، الهند : حیدر آباد ، 1325 ه .

41 . توثیق السُنّه ، فوزی عبد المطّلب ، القاهره : مکتبه الخانجی .

42 . توضیح الأفکار ، الصنعانی ، تحقیق : عبد الحمید ، القاهره : مکتبه الخانجی ، 1366 ه .

43 . جامع الأحادیث ، جعفر بن أحمد القمّی الرازی ، ( ق 4 ه ) تعلیق وتصحیح : محمّد

الحسینی النیسابوری ، مشهد المقدّسه : مجمع البحوث الإسلامیه ، 1413 ه .

44 . جامع الأُصول ، ابن الأثیر الجزری ، تحقیق : الفقّی ، الطبعه الثانیه .

45 . جامع بیان العلم وفضله ، ابن عبد البرّ القرطبی ( ت 463 ه ) ، القاهره : المطبعه المنیریه .

ص: 176

46

. جامع التحصیل فی أحکام المراسیل ، العلائی ، تحقیق : السلفی ، بیروت : عالم الکتب ، 1407 ه .

47 . سنن الترمذی ، محمّد بن عیسی الترمذی ( ت 279 ه ) ، تحقیق : أحمد محمّد شاکر ، بیروت : دار إحیاء التراث .

48 . الجامع لأخلاق الراوی وآداب السامع ، الخطیب البغدادی ( ت 463 ه ) ، تحقیق : محمّد عجّاج الخطیب ، بیروت : مؤسّسه الرساله ، 1401 ه .

49 . الجعفریات ، ( الأشعثیات ) ، محمّد بن محمّد بن الأشعث الکوفی ( توفّی فی القرن

الرابع ) ، مطبوع مع قرب الإسناد ، طهران : مکتبه نینوی .

50 . جواهر الأدب فی معرفه کلام العرب ، علاء الدین الأربلی ، تقدیم محمّد مهدی الخرسان ،

النجف الأشرف : المکتبه الحیدریه ، 1389 ه .

51 . الجوهر النقی علی سنن البیهقی ، علاء الدین الماردینی ( ت 745 ه ) ، بیروت : دار الفکر .

52 . الحبل المتین ، بهاء الدین محمّد بن الحسین عبد الصمد الحارثی العاملی المعروف بالشیخ البهائی ، قم : انتشارات بصیرتی .

53 . حلیه الأولیاء ، أبو نُعیم الإصفهانی ، بیروت : دار الکتاب العربی ، 1405 ه .

54 . الخصال ، محمّد بن علی المعروف بالشیخ الصدوق ( ت 381 ه ) تصحیح علی أکبر الغفّاری ، قم : جماعه المدرّسین ، 1400 ه .

55 . دراسات فی الحدیث النبوی ، محمّد مصطفی الأعظمی ، بیروت : المکتب الإسلامی ، 1413 ه .

56 . الذرّیّه الطاهره ، أبو بشر محمّد بن أحمد الرازی الدولابی ( ت 310 ه ) ، تحقیق : محمّد جواد الحسینی الجلالی ، قم : مؤسّسه النشر الإسلامی التابعه لجماعه المدرّسین ، 1407 ه .

57 . الذریعه إلی أُصول الشریعه ، علیّ بن الحسین الموسوی البغدادی الشریف المرتضی

( ت 436 ه ) ، تحقیق : أبو القاسم الکرجی ، طهران : جامعه طهران .

58 . رجال السیّد بحر العلوم ، محمّد مهدی الطباطبائی ( ت 1212 ه ) ، تحقیق : محمّد صادق

ص: 177

بحر العلوم .

59 . رجال الطوسی ، محمّد بن الحسن الطوسی ( ت 460 ه ) ، تحقیق : جواد القیّومی ، قم : جماعه المدرّسین .

60 . اختیار معرفه الرجال = رجال الکشّی ، محمّد بن الحسن الطوسی ( ت 46 ه ) ، تحقیق : مهدی الرجائی ، قم : مؤسّسه آل البیت ، 1404 ه .

61 . رجال النجاشی ، أحمد بن علیّ الکوفی البغدادی ( ت 450 ه ) ، تحقیق : موسی الشبیری الزنجانی ، قم : جماعه المدرّسین ، 1407 ه .

62 . الرساله ، محمّد بن إدریس الشافعی ( ت 204 ه ) ، تحقیق : أحمد محمّد شاکر ، القاهره : مطبعه البابی ، 1358 ه .

63 . الرواشح السماویه ، محمّد باقر الحسینی المعروف بالسیّد الداماد ، طبعه حجریه .

64 . الزهد ، الحسین

بن سعید الأهوازی ( توفّی فی القرن الثالث الهجری ) ، تحقیق : مدرسه الإمام المهدیّ علیه السلام ، قم مدرسه الإمام المهدی .

65 . سؤالات السهمی للدارقطنی .

66 . السرائر الحاوی للفتاوی ، أحمد بن إدریس العجلی ، تحقیق : مؤسّسه النشر الإسلامی ، قم ، 1411 ه .

67 . سنن أبی داوود ، سلیمان بن أشعث السجستانی الأزدی ( ت 275 ه ) ، تحقیق : محمّد محیی الدین عبد الحمید ، بیروت : دار الفکر .

68 . سنن ابن ماجه ، محمّد بن یزید القزوینی ، تحقیق : محمّد فؤاد عبد الباقی ، بیروت : دار الفکر .

69 . سنن البیهقی ، أحمد بن الحسین البیهقی ( ت 458 ه ) المطبوع مع « الجوهر النقی » ، بیروت : دار الفکر .

70 . سنن النسائی ، بشرح جلال الدین السیوطی وحاشیه الإمام السندی ، أحمد

بن شعیب النسائی ( ت 303 ه ) ، بیروت دار الجیل ، الطبعه الأولی ، 1407 ه .

ص: 178

71

. سیر أعلام النبلاء ، محمّد بن أحمد الذهبی الترکمانی ( ت 748 ه ) ، بیروت : مؤسّسه الرساله ، 1405 ه .

72 . شرح البدایه فی علم الدرایه ، زین الدین بن علیّ بن أحمد العاملی الجباعی المعروف بالشهید الثانی ( قتل سنه 965 ه ) ، ضبط نصّه : محمّد رضا الحسینی الجلالی ، قم : منشورات

الفیروز آبادی .

73 . شرح النووی علی صحیح مسلم ، أبو زکریّا یحیی بن شرف الدین الشافعی ( ت 676 ه ) ، بیروت : دار الکتاب العربی ، 1407 ه .

74 . الشیخ الکلینی البغدادی ، ثامر هاشم حبیب العمیدی ، قم : مرکز الإعلام الإسلامی .

75 . صحیح البخاری ، محمّد بن إسماعیل ( ت 256 ه ) ، تحقیق : مصطفی دیب السقا ، طبعه دار إحیاء التراث العربی عن الیونینیّه ، بیروت : دار الفکر ، 1401 ه .

76 . صحیح مسلم ، مسلم

بن الحجّاج ( ت 261 ه ) ، القاهره : مطبعه البابی الحلبی .

77 . صحیفه الإمام الرضا علیه السلام ، الشهیره بمسند الرضا علیه السلام ، تحقیق : مدرسه الإمام المهدیّ علیه السلام ، قم ، 1408 ه .

78 . الصواعق المحرقه ، أحمد بن حجر الهیثمی الکوفی ، مصر : المطبعه المیمنیه ، 1312 ه .

79 . صیغ التحمّل والأداء للحدیث الشریف ، محمّد رضا الحسینی الجلالی ، نشر فی مجلّه

« علوم الحدیث » ( طهران : کلّیه علوم الحدیث ) ، السنه الأُولی ( 1418 ه ) ، العدد الأوّل ، ص 84 - 182 .

80 . الطبّ النبوی .

81 . طبقات الحنابله ، ابن رجب الحنبلی ، تحقیق : الفقّی ، القاهره : مطبعه السُنّه المحمّدیه ، 1327 ه .

82 . الطرق الثمان لتحمّل الحدیث وأدائه ، محمّد رضا الحسینی الجلالی ، مخطوط .

83 . العدّه فی أُصول الفقه ، محمّد بن الحسن الطوسی ( ت 460 ه ) طبعه حجریه .

ص: 179

84

. علل الشرائع ، محمّد بن علی المعروف بالشیخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، النجف الأشرف : المطبعه الحیدریه ، 1385 ه .

85 . علیّ بن أبی طالب علیه السلام إمام العارفین ، ابن الصدّیق الغماری .

86 . علوم الحدیث ، ابن الصلاح الشهرزوری ، تحقیق : نور الدین عتر ، دمشق : دار الفکر ، 1404 ه .

87 . العین ، الخلیل بن أحمد الفراهیدی ، تحقیق : مهدی المخزومی ، بغداد .

88 . عوالی اللآلی ، ابن أبی جمهور الإحسائی ، تحقیق : مجتبی العراقی ، قم ، 1403 ه .

89 . عیون أخبار الرضا علیه السلام ، محمّد بن علی المعروف بالشیخ الصدوق ( ت 381 ه ) ، تصحیح : مهدی اللاّجوردی القمّی ، طهران : انتشارات جهان .

90 . فتح العزیز ، أبو القاسم عبد الکریم بن محمّد الرافعی ( ت 633 خ ) ، بیروت : دار الفکر .

91 . فتح المغیث بشرح ألفیّه الحدیث ، السخاوی ، طبع الهند .

92 . فرائد السمطین فی فضائل المرتضی والبتول والحسنین علیهم السلام ، إبراهیم بن محمّد بن المؤیّد الجوینی ( ت 730 ه ) ، تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی ، بیروت : مؤسّسه

المحمودی ، 1400 ه .

93 . فقه اللغه وسرّ العربیه ، عبد الملک بن محمّد النیسابوری أبی منصور الثعالبی ( ت 430 ه ) ، تحیقیق : مصطفی السقّا وإبراهیم الأبیاری وعبد الحفیظ شلبی ، القاهره : شرکه مکتبه ومطبعه

مصطفی البابی الحلبی ، 1394 ه .

94 . الفقیه والمتفقّه ، الخطیب البغدادی ( ت 463 ه ) ، تحقیق : الأنصاری ، دار إحیاء السُنّه النبویه ، 1395 ه .

95 . الفهرست ، محمّد بن الحسن الطوسی ( ت 460 ه ) ، تحقیق : السیّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف : المطبعه الحیدریه ، الطبعه الثانیه .

96 . فهرس الفهارس والأثبات ، محمّد عبد الحیّ المغربی الکتّانی ( ت 1380 ه ) ، تحقیق : إحسان عبّاس ، بیروت : دار الغرب الإسلامی ، 1402 ه .

ص: 180

97

. الفهرسه ، لابن خیر الأندلسی .

98 . قاموس الرجال ، محمّد تقی التستری ( ت 1415 ه ) ، قم : جماعه المدرّسین .

99 . القاموس المحیط ، محمّد بن یعقوب الفیروز آبادی ( ت 817 ه ) ، بیروت : دار الفکر .

100 . قرب الإسناد ، عبد اللّه بن جعفر الحمیری ( القرن الثالث الهجری ) تحقیق : مؤسّسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث ، قم ، 1413 ه .

101 . قواعد التحدیث ، القاسمی ، دمشق ، 1352 ه .

102 . قواعد فی علوم الحدیث ، التهانوی الهندی ، تحقیق : أبی غدّه ، حلب : المطبوعات الإسلامیه ، 1392 ه .

103 . القوامیس فی الدرایه والرجال ، آقا بن رمضان المعروف بالفاضل الدربندی ، نسخه

مصوّره یحتفظ بها السیّد مرتضی النجومی فی کرمانشاه إیران .

104 . القوانین المحکمه ، المیرزا أبو القاسم المعروف بالمحقّق القمّی ، طبعه حجریه .

105 . الکافی ، محمّد بن یعقوب الکلینی الرازی ( ت 329 ه ) ، طبعه طهران فی 8 مجلّدات .

106 . کامل الزیارات ، ابن قولویه ، تحقیق : عبد الحسین الأمینی ، النجفل الأشرف : المطبعه المرتضویه ، 1352 ه .

107 . کُتیّب مخطوط ، الحافظ السلفی ، تحقیق : جورج وجده وعقّب علیه البقاعی ، مجلّه مجمع اللغه العربیه الأردنی ، العدد 39 ، السنه 1411 ه .

108 . کشف المحجّه لثمره المهجه ، علی بن موسی بن طاووس ( ت 664 ه ) ، تحقیق : محمد الحسون ، قم : مکتب الإعلام الإسلامی ، الطبعه الأولی ، 1412 ه .

109 . الکفایه فی علم الدرایه ، الخطیب البغدادی ( ت 463 ه ) ، القاهره : مطبعه السعاده ، 1979 م .

110 . لسان العرب ، محمّد بن منظور ، مصر : دار المعارف .

111 . لسان المیزان ، أحمد بن حجر العسقلانی ( ت 852 ه ) ، الهند : حیدر آباد الهند ، 1329 ه .

112 . المؤمن ، الحسین بن سعید الأهوازی ( القرن الثالث الهجری ) ، قم : مدرسه الإمام

ص: 181

المهدیّ علیه السلام .

113 . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، علی بن بکر الهیثمی ( ت 807 ه ) ، تحقیق : عبد اللّه محمّد ، بیروت : دار الفکر ، الطبعه الأولی ، 1412 ه .

114 . المجموع ، شرح المهذّب ، النووی .

115 . المحاسن ، أحمد بن محمّد البرقی ( ت280 ه ) ، تحقیق : مهدی الرجائی ، قم : دار الکتب الإسلامیه .

116 . المحلّی بالآثار ، علی بن محمّد بن حزم الأندلسی ، بیروت : دار الجیل الطبعه الأولی ، 1413 ه .

117 . مختصر تاریخ دمشق ، محمّد بن مکرم بن منظور الأنصاری ، بیروت : دار الفکر ، 1409 ه .

118 . مسائل علیّ بن جعفر ، علی بن جعفر الحسینی العلوی تحقیق : مؤسّسه آل البیت لإحیاء التراث / قم ، مشهد ، نشر المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام ، الطبعه الأولی ، 1409 ه .

119 . مستدرکات مقباس الهدایه ، محمّد رضا المامقانی قم 1413 ه .

120 . مستطرفات السرائر ، محمّد بن إدریس العجلی المعروف بابن إدریس الحلّی ( ت 598 ه ) ، تحقیق مدرسه الإمام المهدیّ علیه السلام ، قم .

121 . مسند الإمام الرضا علیه السلام = صحیفه الإمام الرضا علیه السلام .

122 . مسند الإمام الکاظم موسی بن جعفر علیه السلام ، بروایه موسی بن إبراهیم المروزی أبی عمران البغدادی ( القرن الثالث الهجری ) ، تحقیق : محمّد حسین الحسینی الجلالی ، بیروت : دار

الأضواء .

123 . المشیخه لتهذیب الأحکام ، الشیخ الطوسی ( ت 460 ه ) طبعت فی آخر الجزء العاشر من « تهذیب الأحکام » .

124 . المشیخه لمن لا یحضره الفقیه ، محمّد بن علی المعروف بالصدوق ( ت 381 ه ) ، طبع فی آخر « کتاب من لا یحضره الفقیه » له .

ص: 182

125 . المصطلح الرجالی « أسند عنه » ، محمّد رضا الحسینی الجلالی ، مجلّه « تراثنا » ، العدد الثالث ، السنه الأُولی ، 1406 ه .

126 . معجم ما استعجم ، عبد اللّه عبد العزیز البکری ( ت 487 ه ) ، تحقیق : مصطفی السقاء ، بیروت : عالم الکتب ، الطبعه الثالثه ، 1403 ه .

127 . معرفه الرجال ، ابن معین .

128 . معرفه علوم الحدیث ، محمّد بن عبد اللّه الحاکم النیسابوری ، تحقیق : الدکتور معظم حسین ، القاهره : مطبعه دار الکتب ، 1937 م .

129 . مغنی اللبیب عن کتب الأعاریب ، جمال الدین عبد اللّه بن یوسف بن هشام الأنصاری

( ت 761 ه ) ، تحقیق : مازن المبارک ، ومحمّد بن علی حمد اللّه ، مراجعه : سعید الأفعانی ، دمشق ، 1392 ه .

130 . مقابیس الأنوار ، العلاّمه المحقّق التستری ، طبعه حجریه .

131 . مقباس الهدایه فی علم الدرایه ، عبد اللّه بن حسن المامقانی ( ت 1352 ه ) ، تحقیق : محمّدرضا المامقانی، قم: مؤسّسه آل البیت لإحیاء التراث ،1411 ه .

132 . مقتل الحسین علیه السلام ، المؤیّد بن أحمد المکّی الخوارزمی ( ت 568 ه ) ، تحقیق وتعلیق : الشیخ محمّد السماوی ، قم : منشورات مکتبه المفید ( محلاّتی ) ، إعادته عن الطبعه الأُولی

النجف .

133 . مقدّمه ابن الصلاح ، ابن الصلاح صاحب « علوم الحدیث » تحقیق : عائشه عبد الرحمن بنت الشاطئ ، القاهره : دار الکتب .

134 . مناقب الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، عبد الوهّاب بن الحسن المغازلی ، تحقیق : محمّد باقر البهبودی طهران : المکتبه الإسلامیه ، 1402 ه .

135 . مناهج العلماء فی البحث العلمی ، فرنز روزنتال ، تعریب : أنیس فریحه ، بیروت : دار الثقافه ، 1961 ه .

136 . منتقی الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان ، الحسن بن زین الدین العاملی ، تحقیق :

ص: 183

علی أکبر الغفّاری ، قم : جماعه المدرّسین .

137 . منهج النقد فی علوم الحدیث ، نور الدین عتر ، بیروت : دار الفکر ، 1401 ه .

138 . الموسوعه الرجالیه ، حسین بن علی البروجردی ، مشهد : الروضه الرضویه المقدّسه .

139 . الموطّأ ، مالک بن أنس الأصبحی ( ت 158 ه ) ، تحقیق : محمّد فؤاد عبد الباقی ، بیروت : دار إحیاء التراث العربی ، الطبعه الأولی ، 1406 ه .

140 . نهایه الدرایه فی شرح الوجیزه البهائیّه ، حسن الصدر العاملی الکاظمی ( ت 1354 ه ) تحقیق : ماجد الغرباوی .

141 . نوابغ الرواه فی رابعه المئات ، المجلّد الأوّل من طبقات أعلام الشیعه ، الشیخ الإمام آقا بزرک الطهرانی (ت 1389 ه )، بیروت: دار الکتاب العربی، 1390 ه .

142 . نور الأبصار ، مؤمن الشبلنجی ، قم : ذوی القربی ، الطبعه الأولی ، 1384 ش .

143 . هدی الساری فی مقدّمه فتح الباری ، أحمد بن علی بن حجر العسقلانی .

144 . الوجیزه فی الدرایه ، محمّد بن الحسین العاملی البهائی ( ت 1031 ه ) ، تحقیق : ماجد الغرباوی ، طبع فی مجلّه « تراثنا » العدد ( 32 - 33 ) ، السنه الثامنه ، 1413 ه .

145 . وصول الأخیار إلی أُصول الأخبار ، الحسین بن عبد الصمد الحارثی العاملی ، تحقیق : عبد اللطیف القریشی ، قم : مطبعه الخیّام ، 1401 ه .

146 . ینابیع المودّه لذوی القربی ، سلیمان بن إبراهیم القندوزی الحنفی ( ت 1294 ه ) ، طبع ترکیا .

ص: 184