من قصص المعصومين عليهم السلام

اشارة

سرشناسه : حسینی شیرازی، سیدمحمد، 1305 - 1380.

عنوان و نام پديدآور : من قصص المعصومین علیهم السلام/ السیدمحمد الحسینی الشیرازی قدس سره.

مشخصات نشر : قم: انتشارات دارالفکر، 1439 ق.= 1397.

مشخصات ظاهری : 368 ص.

شابک : 978-600-270-242-5

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : چهارده معصوم -- داستان

موضوع : *Fou»teen Innocent« of «hiite -- Fiction

موضوع : داستان های مذهبی -- قرن 14

موضوع : »eligiou« fiction -- 20th centu»y

رده بندی کنگره : BP9/ح565م8 1397

رده بندی دیویی : 297/68

شماره کتابشناسی ملی : 5309873

وضعيت ركورد : فاپا

ص: 1

اشارة

الطبة الاولی

1439 ه- 2018 م،

***

تهمیش:

مرکز الجواد للتحقیق والنشر

قم المقدسه

ص: 2

من قصص المعصومين

عليهم السلام

ص: 3

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ

الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ

الرّحْمَنِ الرّحِيمِ * مَاَلِكِ يَوْمِ الدّينِ

إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ

اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم * وَلاَ الضّآلّينَ

صدق الله العلي العظيم

ص: 4

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

وبعد، فقد كتبت سابقاً كتاباً حول القصص القرآنية باسم (القصص الحق) تناولت فيه بعض قصص الأنبياء (عليهم السلام) المذكورين في القرآن الكريم، كما كتبت كتباً قصصية مختلفة لاقت إعجاب البعض، فإنّ أسلوب القصص عادةً ما يشدّ القرّاء إليه، ويجذبهم إلى قراءته، ويهديهم إلى الاعتبار والاتعاظ منها.

فوجدت من المناسب أن أكتب كتاباً في قصص المعصومين (عليهم السلام) لما فيها من العبر والمواعظ والحِكَم التي لا يجدها الإنسان في قصص غيرهم، فضلاً عن جانب الاقتداء والتأسّي بهم (صلوات الله عليهم أجمعين).

فجمعت بعض قصصهم في هذا الكتاب (من قصص المعصومين عليهم السلام) راجياً منهم أن يشملوني بألطافهم، وأن أكون قد وفّقت في بيان جانب من عظمتهم وفضائلهم الكثيرة.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 5

ص: 6

القصص لغة

قبل التعرض إلى أهميّة القصص وتأكيد الشارع المقدّس عليها، لا بأس بالإشارة إلى معنى القصة لغة:

فالقصّة كما عن بعض أهل اللغة: هي الخبر.

قال ابن المنظور: (والقِصّة: الخبر... وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً وقَصَصاً: أَوْرَدَه. والقَصَصُ: الخبرُ المقصوص، بالفتح، وضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه. والقِصَص، بكسر القاف: جمع القِصّة التي تكتب)((1)).

وفي تفسير القمّي: (وأمّا القصص فهو ما أخبر الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله) من أخبار الأنبياء وقصصهم في قوله: «نَحْنُ نَقُصُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِ»((2))، وقوله: «نَحْنُ نَقُصُ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ»((3))، وقوله: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ، مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ»((4))، ومثله كثير((5)).

ص: 7


1- ([1]) لسان العرب: ج7 ص73 مادة قصص.
2- ([2]) سورة الكهف: 13.
3- ([3]) سورة يوسف: 3.
4- ([4]) سورة غافر: 78.
5- ([5]) تفسير القمي: ج1 ص26 مقدمة المصنف.

القصص في القرآن

ليس من الخفيّ على أحد أنّ القرآن الكريم أكد بشكل جلي على القصّة والقصص في آيات متعدّدة، وقد وصف الله عزّ وجلّ القصص الواردة في القرآن الكريم بعدّة صفات، منها أنّها (القصص الحقّ)، فقال عزّ من قائل: «إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزيزُ الحَكيمُ»((1)).

وفي موضع آخر: وصفها على أنّها (أحسن القصص)، فقال: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلين»((2)).

وفي موطن آخر عبّر عنها بأنّها قصص ذات عبرة، فقال: «لقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَديثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْديقَ الَّذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون»((3)).

وقد بينّ القرآن الكريم أنّ الهدف من ذكر هذه القصص عدّة أمور: منها الاعتبار والاتعاظ، فضلاً عن التفكر والتأمّل فيها، فهي حقيقة بالتأمّل والتفكر والنظر بإمعان ودقّة، وإلى ذلك يشير الباري تعالى بقوله: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ

ص: 8


1- ([1]) سورة آل عمران: 62.
2- ([2]) سورة يوسف: 3.
3- ([3]) سورة يوسف: 111.

لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون»((1)).

وقال سبحانه: «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْليماً»((2)).

والملفت للانتباه أنّ من الطرق المؤثّرة في تبليغ الأنبياء (عليهم السلام) في دعواتهم الآخرين هي بيان القصص، الأمر الذي يكشف عن أهمية القصة ودورها في هداية الآخرين وجذبهم إلى الحق، قال تعالى: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ»((3)).

وقال سبحانه: «يا بَني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون»((4)).

ص: 9


1- ([4]) سورة الأعراف: 176.
2- ([1]) سورة النساء: 164.
3- ([2]) سورة الأنعام: 130.
4- ([3]) سورة البقرة: 38.

فاقصص القصص

عندما نراجع آيات القرآن الكريم نجد أنّ كثيراً منها تناولت قصص الأنبياء والأمم السالفة، وأكدت عليها.

قال سبحانه: «وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنين»((1)).

وقال تعالى: «وَعَلَى الَّذينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون»((2)).

وقال عزوجل: «تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرين»((3)).

وقال سبحانه: «ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصيد»((4)).

وقال تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ

ص: 10


1- ([1]) سورة هود: 120.
2- ([2]) سورة الأنعام: 146.
3- ([3]) سورة الأعراف: 101.
4- ([4]) سورة هود: 100.

وَزِدْناهُمْ هُدًى»((1)).

وقال عزّ من قائل: «قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبين»((2)).

وقال تعالى: «كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْناكَ

مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً» ((3)).

وقال سبحانه: «إِنّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ يَخْتَلِفُون»((4)).

وقال عزوجل: «فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمين»((5)).

وقد سُمّيت إحدى سور القرآن بسورة القصص.

ص: 11


1- ([5]) سورة الكهف: 13.
2- ([6]) سورة يوسف: 5.
3- ([1]) سورة طه: 99.
4- ([2]) سورة النمل: 76.
5- ([3]) سورة القصص: 25.

القصص في الروايات

وعلى نهج القرآن الكريم سار أهل البيت (عليهم السلام) في بيان القصص، ودعوا إلى الاعتبار من أخبار الماضين وحكاياتهم، فقد كانوا (عليهم السلام) يحدّثون الآخرين بمختلف المواعظ والحكم والأحكام والقصص.

عن ابن عباس، قال: قالوا أي المسلمين : يا رسول الله، لو قصصت علينا، قال: فنزلت: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»((1)).

وكان ممّا وصف به قيس بن صرمة من بني النجّار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن قال:

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

يذكر من يلقى صديقا مواليا

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلما أتاها أظهر الله دينه

فأصبح مسروراً بطيبة راضيا

والقى صديقا واطمأنت به النوى

وكان له عونا من الله باديا

يقصّ لنا ما قال نوح لقومه

وما قال موسى إذا جاب المناديا ((2))

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّة له للإمام الحسن (عليه السلام): «وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وممّا انتقلوا، وأين حلّوا و نزلوا...» إلى أن قال (عليه السلام): «أي بنيّ إنّي وإن لم أكن عُمّرت عُمر من كان قبلي، فقد نظرت

ص: 12


1- ([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج12ص 196 إذ قال يوسف لأبيه.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج1 ص144 فصل في أقربائه وخدامه.

في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتّى عدت كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره»((1)).

ومن الواضح أنّ من طرق الوصول إلى أخبار الماضيين هي القصص والحكايات التي وصلتنا منهم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، وأجهد العباد بلاء، وأضيق أهل الدنيا حالاً، اتّخذتهم الفراعنة عبيداً فساموهم سوء العذاب، وجرّعوهم المرار فلم تبرح الحال بهم في ذلّ الهلكة و قهر الغلبة.

لا يجدون حيلة في امتناع، ولا سبيلاً إلى دفاع، حتّى إذا رأى اللّه جدّ الصبر منهم على الأذى في محبّته، والاحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجاً، فأبدلهم العزّ مكان الذلّ، والأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكّاماً، وأئمّة أعلاماً، وبلغت الكرامة من اللّه لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم.

فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة والأهواء متّفقة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة.

ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين.

فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتّتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحازبين، قد خلع اللّه عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين.

فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل (عليهم السّلام). فما

ص: 13


1- نهج البلاغة: من وصية له لولده الحسن (عليه السلام) وقد جمع من كل حكمة طرفا.

أشدّ اعتدال الأحوال وأقرب اشتباه الأمثال.

تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم وتفرّقهم، ليالي كانت الأكاسرة والقياصرة أرباباً لهم، يحتازونهم عن ريف الآفاق، وبحر العراق

وخضرة الدنيا إلى منابت الشيح، ومهافي الريح، ونكد المعاش.

فتركوهم عالة مساكين إخوان دبر و وبر، أذلّ الأمم داراً، وأجدبهم قراراً، لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلى ظلّ ألفة يعتمدون على عزّها.

فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرّقة، في بلاء أزلّ، و إطباق جهل، من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة»((1)).

وقال سعد الإسكاف لأبي جعفر (عليه السلام): إنّي أجلس، فأقصّ، وأذكر حقّكم، وفضلكم.

قال (عليه السلام): «وددت أنّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصاً مثلك»((2)).

وفي حديث للمفضّل عن الإمام الصادق (عليه السلام) في أحوال قيام القائم (عليه السلام): «أنّه لما يقوم» أي الإمام المهدي (عليه السلام) «يأمر الخلايق بالاجتماع، ثم يقصّ عليهم قصص فعالهما» أي ظالمي الصديّقة الزهراء (عليها السلام) «في كل كور ودور، حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام) وجمع النار لإبراهيم (عليه السلام) وطرح يوسف (عليه السلام) في الجبّ وحبس يونس (عليه السلام) في الحوت وقتل يحيى (عليه السلام) وصلب عيسى (عليه السلام) وعذاب جرجيس ودانيال (عليه السلام) وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها، وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة

ص: 14


1- نهج البلاغة: الخطبة 192 خطبة القاصعة.
2- اختيار معرفة الرجال: ج2 تفسير قوله (عليه السلام): إنّ التقية تجوز في شرب الخمر ح384.

بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسناً، وسمّ الحسن وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإراقة دماء آل محمد (صلى الله عليه وآله) وكل دم سفك وكل فرج نكح حراماً، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم منذ عهد

آدم (عليه السلام) إلى وقت قيام قائمنا (عليه السلام) كل ذلك يعدده عليهما ويلزمهما إياه فيعترفان به»((1)) الحديث.

ص: 15


1- بحار الأنوار: ج53 ص13 ب28 ما يكون عند ظهوره (عليه السلام) برواية المفضل.

أصحاب الأئمة وبيان القصص

وقد جرت أيضاً سيرة أصحاب الأئمة الأطهار (عليه السلام) على أنّهم يتناقلون فضائل المعصومين (عليه السلام) ومناقبهم وقصصهم، سواء عبر الأحاديث أو الحكايات أو القصص المفيدة ذات العبر.

ومن ذلك: أَنَّ سلمان المحمدي مرّ بقوم من اليهود، فسألوه أن يجلس إليهم ويحدّثهم بما سمع من محمد (صلى الله عليه وآله) في يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم، فقال: سمعت محمداً (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول: يا عبادي، أوليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلاّ أن يتحمّل عليكم بأحبّ الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم».

ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليّ وأفضلهم لديّ محمد، وأخوه علي، ومن بعده الأئمة الذين هم الوسائل إلى الله، فليدعني من همّته حاجة يريد نفعها أو دهمّته داهية يريد كشف ضرّها بمحمد وآله الطيبين الطاهرين أقضها له أحسن ما يقضيها من (تستشفعون له) بأعزّ الخلق إليه...»((1)).

وعن أبي الجهضم الأزدي، عن أبيه، وكان من أهل الشام، قال: لمّا سيّر عثمان أبا ذر من المدينة إلى الشام كان يقصّ علينا، فيحمد الله فيشهد شهادة الحقّ، ويصلّي على النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول: أمّا بعد فإنّا كنّا في جاهليتنا قبل أن ينزل علينا الكتاب، ويبعث فينا الرسول ونحن نوفي بالعهد، ونصدق الحديث،

ص: 16


1- وسائل الشيعة: ج7 ص101 باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد (عليهم السلام) ح8848.

ونحسن الجوار، ونقري الضيف، ونواسي الفقير ونبغض المتكبّر.

فلمّا بعث الله تعالى فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحقّ بها أهل الإسلام، وأولى أن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا، ثم إنّ

الولاة قد أحدثوا أعمالاً قباحاً ما نعرفها: من سنّة تطفى، وبدعة تُحيى، وقائل بحقّ مكذّب، وأثرة بغير تقى، وأمين مستأثر عليه من الصالحين. اللهم إن كان ما عندك خيراً لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مغيّر ((1)).

وروي أنّ سعد الإسكاف قال لأبي جعفر (عليه السلام): إنّي أجلس فأقصّ؛ وأذكر حقّكم وفضلكم، قال (عليه السلام): «وددت أنّ على كل ثلاثين ذراعاً قاصاً مثلك»((2)).

وكان أبان بن تغلب (قاصّ الشيعة)((3)).

وكان عدي بن ثابت الكوفي المتوفّي (سنة 116 ه ) إمام مسجد الشيعة وقاصّهم((4)).

ص: 17


1- أمالي المفيد: ص121 المجلس الرابع عشر ح5.
2- رجال الكشي: ص214 في سعد الإسكاف.
3- معرفة علوم الحديث: ص136 النوع الحادي والثلاثون، زيادة ألفاظ فقهية في أحاديث يتفرد فيها بالزيادة راو واحد.
4- تهذيب الكمال: ج19 ص524 عدي بن حاتم الطائي.

العلماء وبيان القصص

ولم يقتصر الأمر في كتابة القصص المفيدة على السلف الماضي من الأصحاب والتابعين، بل وكذلك العلماء الربانيون كتبوا في القصص وساهموا في إيصال التراث القصصي للأجيال المختلفة عبر العصور.

فالكثير من كبار العلماء كتبوا في قصص القرآن، أو قصص الأنبياء، ومن أراد الإطلاع عليهم فليراجع المصادر في ذلك، ومنها كتاب (الذريعة) للعلامة الطهراني (رحمه الله).

سيرة المتشرّعة والقصص

وجرت سيرة الشيعة المتشرّعة منذ عهد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) حتى اليوم على قصّ القصص وذكر الفضائل والمناقب لأهل البيت (عليهم السلام).

ففي كل زمن تجد المجالس المباركة معقودة من قبل الموالين بل وغيرهم يقصدها الكثير من الناس يعقدونها باسم أهل البيت (عليهم السلام) ويتقرّبون بها إلى الله تعالى.

ومن عادة هذه المجالس أن تذكر فيها القصص والمناقب والفضائل للعترة الطاهرة (عليهم السلام) والإشارة إلى ما جرى عليهم من ظلمات ومآسي عبر التأريخ خاصة يوم عاشوراء.

ومن المسلّم أنّ هذه السيرة ممضاة من قبل الأئمة الأطهار (عليه السلام) بل ومؤكّد عليها، ويشهد لذلك حديث ما مر من سعد الإسكاف، وأحاديث أخرى كثيرة.

ص: 18

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: «تجلسون وتتحدّثون»، قال: نعم جعلت فداك، قال: «إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل مَن ذَكَرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر»((1)).

وعَنْ مُيَسِّرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ لِي: «أَتَخْلُونَ وَتَتَحَدَّثُونَ وَتَقُولُونَ مَا شِئْتُمْ»، فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ إِنَّا لَنَخْلُو وَنَتَحَدَّثُ وَنَقُولُ مَا شِئْنَا، فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي مَعَكُمْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ رِيحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ، وَإِنَّكُمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ مَلَائِكَتِهِ فَأَعِينُوا بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ»((2)).

ص: 19


1- بحار الأنوار: ج44 ص282 ب34 ح14.
2- الكافي: ج2 ص187 باب تذاكر الإخوان ح5.

إيّاكم والقصّاصين

في نفس الوقت الذي دعا فيه أهل البيت (عليه السلام) إلى الاعتبار من القصص، حذّروا من أخذ القصص الكاذبة والسقيمة الواردة من غير أهلها.

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (الاعتقادات) أنّه ذُكر القصّاصون عند الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: «لعنهم الله يشنّعون علينا»((1)).

وسُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن القصّاص يحل الاستماع لهم؟

فقال: «لا»((2)).

وسُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُم الْغاوُونَ»((3))، فقال (عليه السلام): «هم القصّاص»((4)).

وعن عبد السّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: «رحم اللَّه عبداً أحيا أمرنا»، فقلت له: وكيف يحيى أمركم؟

قال: «يتعلّم علومنا ويعلّمها النّاس، فإنّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبَعونا»، قال: قلت: يا ابن رسول اللَّه فقد روي لنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «من تعلّم علماً ليماري به السّفهاء أو يباهي به العلماء أو ليقبل بوجوه

ص: 20


1- الاعتقادات: ص109 باب الاعتقاد في التقية.
2- وسائل الشيعة: ج 17 ص 154 باب حكم القصاص ح22223.
3- سورة الشعراء: 224.
4- وسائل الشيعة: ج17 ص154 باب حكم القصاص ح22225.

النّاس إليه فهو في النّار».

فقال (عليه السلام): «صدق جدّي (عليه السلام) أفتدري مَنِ السّفهاء»؟

فقلت: لا يا ابن رسول اللَّه. قال (عليه السلام): «هم قصّاص مخالفينا»((1)).

ومن خلال الأحاديث المذكورة يظهر أنّ النهي عن استماع قصص القصّاصين لأمور:

1: كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) أنّهم يشنّعون على أهل البيت (عليه السلام).

2: أنّهم يحرّفون الحقائق ويزيّفون الوقائع.

3: أنّ قصصهم بعيدة عن العبر.

4: أنّهم يبعدون الناس عن الحق.

5: أنّ الاستماع إليهم نوع من تقويتهم ودعمهم فتقوى بذلك شوكتهم، ويحفّزون على مواصلة عملهم الباطل.

ص: 21


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص307 باب فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (عليه السلام) من الأخبار المتفرقة ح69.

لماذا القصة؟

وهناك آثار للقصص، ومنها:

1. الاعتبار: فكم من الناس حازوا على العبر واعتبروا من قصص الآخرين بل وأحدثت تلك القصص انعطافات مهمّة في حياتهم، ومن هنا أكد الشارع على القصص سواء في القرآن أو غيره، قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»((1)).

2. التفكر: للقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في الواقع، قال تعالى: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»((2)).

3. تثبيت القلوب: من فوائد القصص أنّها تشدّ على قلوب المؤمنين وترفع من عزمهم، فلما تستعرض قصص المعصومين (عليه السلام) تشد عزم المؤمنين وتثبّتهم على الحق وتبيّن لهم كيف ضحّى المعصومون (عليه السلام) وصالح المؤمنين من أجل الحقّ ونصرة الدين، قال تعالى: «وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ في هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنين»((3)).

4. المعرفة: من الطبيعي أنّ من يطّلع على القصص فإنّ معرفته واطلاعه على

ص: 22


1- سورة يوسف: 111.
2- سورة الأعراف: 176.
3- سورة هود: 120.

الحقائق يزداد، فالقصص المعبرة هي من طرق رفع مستوى المعرفة والوعي لدى الآخرين.

5. التنبيه: من آثار وبركات القصص هي تنبيه الناس ولفت انتباههم إلى الحقائق بأسلوب سهل، ولذا فإنّ من صفات الأنبياء (عليهم

السلام) في القرآن الكريم أنهم كانوا يقصّون على أقوامهم القصص، قال تعالى: «يا بَني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»((1)).

من مسؤولياتنا

هناك مسؤولية كبيرة على عاتق الجميع إزاء المعصومين (عليهم السلام)، فإنّ في قصصهم عبر ومواعظ لو أوصلت للعالم بالأسلوب المناسب لالتفّ الناس حولهم (عليهم السلام) واجتمع العالم تحت رايتهم ولوائهم.

فمن اللازم أن نسلّط الأضواء على قصص المعصومين (عليهم السلام) بالأُسلوب المعاصر، وعبر الوسائل الحديثة لتصل إلى العالم بالشكل المطلوب، فلو أنّ عالم اليوم اطّلع على قصص كل معصوم ومنها أخلاقيات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلوكيات أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيرة سائر الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وخاصة ما يرتبط بواقعة كربلاء المأساوية، لكسبنا العالم بأسره ولتعاطف الجميع مع تعاليم الإسلام والعترة الطاهرة (عليهم السلام) وابتعدوا عن أعداء المعصومين (عليه السلام).

ص: 23


1- سورة البقرة: 38.

فكم وكم من قصص المعصومين (عليه السلام) كانت سبباً في هداية أُناس وصلاحهم بعد أن كانوا بعيدين كل البُعد عن طريق الهداية، وكم من الناس تحوّلت حياتهم وصاروا من الصالحين جرّاء قصّة للمعصومين (عليه السلام).

ثم إنّ جزءاً من مسؤولية ضياع الناس اليوم وابتعادهم عن نهج الحقّ تقع على عاتقنا، لأنّنا لم نعرّفهم المعصومين (عليهم السلام)، ومن أحسن الطرق لتعريف العالم بالمعصومين (عليه السلام) هي قصصهم

المفيدة المليئة بالعبر والمواعظ والحكم والقيم.

فلو جُمعت قصص كل معصوم اليوم بأسلوب حيّ وبكيفيّة مناسبة، لتغيّر وضع العالم اليوم، لأنّ البشرية اليوم تفتقد مثل هذه الأخلاقيات وتعاني من مشاكل كثيرة نتجت من الابتعاد عن نهج المعصومين (عليه السلام) النيّر وأخلاقياتهم المباركة.

ص: 24

1-من قصص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)

مقدمة:

هو النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم (صلى الله عليه وآله).

* والده: عبد الله، أحد الذبيحين وقصّته مشهورة، توفّي في المدينة على أثر سم من اليهود كما قاله بعض المحققين. وكان عمره ثمان وعشرين سنة، وكانت والدة النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا تُوفّي أبوه حاملاً به، وكان عبد الله مؤمناً بالله عزوجل ولم يكن مشركاً.

* والدته: آمنة بنت وهب الكلابية، وهي من السيّدات الشريفات المؤمنات بالله عزوجل.

وقد ترحّم النبي (صلى الله عليه وآله) عليها وزار قبرها وبكاها، ومن المستحبّات الواردة في أعمال المدينة المنوّرة هي زيارة قبرها والدعاء عنده.

* ولادته: كانت ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عند طلوع الفجر عام الفيل، بمكة المكرّمة، في شعب أبي طالب، وقد رافقت ولادته (صلى الله عليه وآله) علامات كثيرة أُشير إليها في بعض الأخبار

ص: 25

الشريفة((1)).

* ألقابه: نقل ابن شهر آشوب (رحمه الله) في المناقب في فصل أسمائه وألقابه (صلى الله عليه وآله): أنّ الباري تعالى سمّاه في القرآن بأربعمائة اسم ثم ذكرها.

منها: العالم، الحاكم، الخاتم، العابد، الساجد، الشاهد، المجاهد، الطاهر، الشاكر، الصابر، الذاكر، القاضي، الراضي، الداعي، الهادي، القارئ، التالي، الناهي، الآمر، الصادع، الصادق، القانت، الحافظ، الغالب، العائل، الضال، الكريم، وغيرها من الأسماء الأخرى التي المذكورة في القرآن الكريم مع بيان الآيات الدالّة عليها ((2)).

* كناه: أبو القاسم، وأبو الطاهر، وأبو الطيّب، وأبو المساكين، وأبو الدرّتين، وأبو الريحانتين، وأبو السبطين، وفي التوراة كنيته أبو الأرامل، وكنّاه جبرئيل بأبي إبراهيم لولده إبراهيم، وقد كنّي (عليه السلام) بأبي القاسم لولده القاسم، وقيل: لأنّه (عليه السلام) يقسم الجنة يوم القيامة.

* خاتمه: كان نقش خاتمه (صلى الله عليه وآله): محمد رسول الله.

* زوجاته (صلى الله عليه وآله): تزوّج النبي (صلى الله عليه وآله) من خديجة بنت خويلد (عليها السلام)، وبعد وفاتها تزوّج من سودة بنت زمعة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، واُمّ حبيبة، وميمونة بنت الحارث، وزينب بنت عميس، وجورية بنت الحارث، وصفيّة بنت يحيى بن أخطب، ومارية، وريحانة.

* غزواته: مجموع غزوات وسرايا النبي (صلى الله عليه وآله) أربعة وثمانون،

ص: 26


1- راجع أمالي الصدوق: ص360 المجلس الثامن والأربعون ح444.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص150 فصل في أسمائه وألقابه (صلى الله عليه وآله).

وكانت كلها دفاعية.

* خليفته: خليفته (صلى الله عليه وآله) والإمام من بعده هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عينه بأمر من الله عزوجل في مواطن عديدة منها في غدير خم.

* شهادته (صلى الله عليه وآله): استشهد النبي (صلى

الله عليه وآله) بالسم في يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر صفر الأحزان سنة (11ه)، وغسّله وكفّنه أمير المؤمنين (عليه السلام) والفضل بن العبّاس، وعاونهما

جبرئيل (عليه السلام)، ودُفن في بيته بالمدينة المنوّرة.

ص: 27

أوّل المصلين في الإسلام

عن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنت امرءاً تاجراً فأتيت العباس بن عبد المطلب وكان امرءاً تاجراً، لأشتري منه بعض التجارة، فبينا أنا عنده إذ خرج فتى ما رأيت أحسن وجهاً منه من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلّي، ثم خرجت من ذلك الخباء امرأة فقامت تصلّي خلفه، ثم خرج من ذلك الخباء غلام حين راهق، فقام يصلّي معه.

قال: فقلت للعباس: من هذا؟

قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي.

قال قلت: فما هذا الذي يصنع؟

قال: يصلّي.

قال العباس: وقد حدّثني أنه نبيّ وأنّ الله سيفتح عليه ملك كسرى وقيصر، ولم يتبعه على أمره هذا إلا امرأته هذه، وهذا الفتى ابن عمّه علي بن أبي طالب.

قال عفيف: فلو رزقني الله الإسلام يومئذ لكنت ثانياً لعلي بن أبي طالب((1)).

هداية غلام يهودي

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان غلام من اليهود يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً حتى استخفّه، وربما أرسله في حاجة وربما كتب له الكتاب إلى قوم، فافتقده أياماً فسأل عنه، فقال قائل: تركته في آخر يوم من أيام الدنيا.

ص: 28


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص261 باب أنه أول من آمن بالرسول وأول من أسلم وصلى.

فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله) في ناس من أصحابه، وكان (صلى الله عليه وآله) بركة لا يكاد يكلّم أحداً إلا أجابه، فقال: يا فلان، ففتح عينه،

فقال: لبّيك يا أبا القاسم.

فقال: إشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله.

فنظر الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئاً، ثم ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثانية وقال له مثل قوله الأوّل، فالتفت الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئاً، ثم ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثالثة فالتفت الغلام إلى أبيه، فقال أبوه: إن شئت فقل، وإن شئت فلا.

فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله، ومات مكانه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبيه: أُخرج عنّا، ثم قال لأصحابه: غسّلوه وكفّنوه وآتوني به أصلّي عليه، ثم خرج وهو يقول: الحمد لله الذي أنجا بي اليوم نسمة من النار»((1)).

ظهير من الله

أتى رجل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليّ وقطيعة لي وشتيمةً فأرفضهم؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «إذن يرفضكم الله جميعاً».

قال: فكيف أصنع؟

قال (صلى الله عليه وآله): «تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير»((2)).

ص: 29


1- مشكاة الأنوار: ص274 الفصل الثالث عشر في اجتناب المحارم وما يشبهها ح818.
2- الكافي: ج2 ص150 باب صلة الرحم ح2.

استعدّوا للموت

روي أنّ أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: «ألا تعجبون من أسامة المشتري

إلى شهر، إنّ أسامة لطويل الأمل، والذي نفس محمد بيده، ما طرفَتْ عيناي إلاّ ظننتُ أنّ شفري((1))

لايلتقيان حتى يقبض الله روحي، وما رفعتُ طرفي وظننتُ أنّي خافضه حتى أقبض، ولا تلقّمتُ لقمة إلا ظننتُ أن لا أسيغها انحصر بها من الموت.

ثم قال: يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدّوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده إنّما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين»((2)).

دار من لا دار له

روى الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «خرج النبي (صلى الله عليه وآله) وهو محزون، فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض، فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الأرض، يقول لك ربّك: افتح وخذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئاً عندي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له، فقال الملك: والذي بعثك بالحق نبيّاً لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة، حين أعطيت المفاتيح»((3)).

ص: 30


1- الشفر هو: أصل منبت الشعر من الجفن.
2- روضة الواعظين: ص438 مجلس الزهد والتقوى.
3- الكافي: ج2 ص129 باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ح8.

لم تروا ما رأيت

روي أنّ أبا جهل اشترى من رجل طارئ((1)) من العرب على مكة إبلاً، فبخسه حقّه وثمنه، فأتى نادي قريش فذكّرهم حرمة البيت، فأحالوه

على محمد (صلى الله عليه وآله) استهزاءاً به لقلّة منعته((2))

عندهم، فأتى محمداً (صلى الله عليه وآله) فمضى معه، ودقّ على أبي جهل الباب، فخرج متخوّف القلب، وقال: أهلا ًيا أبا القاسم، قول الذليل.

فقال (صلى الله عليه وآله): «أعط هذا الرجل حقّه». فأعطاه في الحال. فعيّره قومه، فقال: رأيت ما لم تروا، رأيت فالجاً((3))

لو أبيت لابتلعني.

فعلموا أنّه صدق بما أخبرهم، لبغضه له((4)).

المجنون الحقيقي

روى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جماعة، فقال: على ما اجتمعتم؟

قالوا: يا رسول الله هذا مجنون يصرع، فاجتمعنا عليه.

قال: ليس هذا بمجنون ولكنّه المبتلى.

ثم قال: ألا أخبركم بالمجنون حق المجنون؟

قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيته، الناظر

ص: 31


1- الطارئ: الغريب.
2- المنعة: القوة التي تمنع من يريد أحداً بسوء.
3- أي ثعباناً.
4- الخرائج والجرائح: ج1 ص24 فصل من روايات العامة ح2.

في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه، الذي لا يُؤمَن شرّه، ولا يُرجَى خيره، فذلك المجنون، وهذا المبتلى»((1)).

ملوحة الماء

روي أنّ قوماً شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملوحة مائهم وأنّهم في جهد من الظمأ وبُعد المناهل، وأن لا قوّة لهم على شربه، فجاء (صلى الله عليه وآله) معهم في جماعة أصحابه حتى أشرف على بئرهم فتفل فيها ثم انصرف، وكانت مع ملوحتها غائرة، ثم انفجرت بالماء العذب الفرات، فها هي يتوارثها أهلها ويعدّونها أسنى مفاخرهم وأجلّ مكارمهم، وأنّهم لصادقون.

وكان ممّا أكد الله به صدقه، أنّ قوم مسيلمة سألوا مسيلمة مثلها لما بلغهم ذلك، فأتى بئراً فتفل فيها فعادت ماؤها ملحاً أجاجاً كبول الحمار، وهي إلى اليوم بحالها معروفة المكان((2)).

سكرات الموت

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: قل: لا إله إلا الله، فلم يقدر عليه، فأعاد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يقدر عليه، وعند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أًم؟

ص: 32


1- الخصال: ج1 ص333 المجنون من فيه ست خصال ح31.
2- إعلام الورى: ج1 ص81 فصل في المعجزات الدالة على نبوته (صلى الله عليه وآله).

فقالت: نعم يا رسول الله أنا أُمّه.

فقال لها: أفراضية أنت عنه أم لا؟

فقالت: لا بل ساخطة.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فإنّي أحبّ أن ترضي عنه.

فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله.

فقال (صلى الله عليه وآله) له: قل: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله.

فقال: قل: يَا مَنْ يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيَعْفُو عَنِ الْكَثِيرِ، اقْبَلْ مِنّي اليَسِيرَ

وَاعْفُ عَنّي الكَثِيرَ، إنَّكَ أنْتَ الْعَفُوُّ الغَفُورُ.

فقالها، فقال له: ماذا ترى؟

فقال: أرى أسودين قد دخلا عليّ.

قال: أعدها، فأعادها، فقال: ما ذا ترى؟

فقال: قد تباعدا عنّي ودخل أبيضان وخرج الأسودان، فما أراهما ودنا الأبيضان منّي الآن يأخذان بنفسي فمات من ساعته»((1)).

هلاّ دعوت بهذا الدعاء؟

روى الإمام علي (عليه السلام)، قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس، إذ سأل عن رجل من أصحابه، فقيل: يا رسول الله، قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه (صلى الله عليه وآله)، فإذا هو كالفرخ من شدّة البلاء.

فقال له: لقد كنت تدعو في صحّتك؟

ص: 33


1- من لا يحضره الفقيه: ج1 ص132 حالات الأشخاص في النزع ح347.

قال: نعم، أقول يا رب، أيّما عقوبة تعاقبني بها في الدنيا والآخرة فاجعلها لي في الدنيا.

فقال (صلى الله عليه وآله): ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

فقالها، فكأنّما أنشط من عقال، وقام صحيحاً، وخرج معنا»((1)).

معذرة إلى الله وإليكم

عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بشيء فقسّمه، فلم يسع أهل الصفّة جميعاً فخصّ به أناساً منهم، فخاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن

يكون قد دخل قلوب الآخرين شيء فخرج إليهم، فقال: «معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم يا أهل الصفّة، إنّا أوتينا بشيء فأردنا أن نقسّمه بينكم فلم يسعكم، فخصصت به أناساً منكم خشينا جزعهم وهلعهم»((2)).

ألا أدلّك على غرس أثبت أصلاً؟

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل يغرس غرساً في حائط له، فوقف له، وقال: ألا أدلّك على غرس أثبت أصلاً، وأسرع إيناعاً، وأطيب ثمراً وأبقى؟

قال: بلى فدلّني يا رسول الله.

ص: 34


1- انظر بحار الأنوار: 10 ص45 ب2.
2- الكافي: ج3 ص550 باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم على بعض ح5.

فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: (سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر)، فإنّ لك إنّ قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة، وهن من الباقيات الصالحات.

قال: فقال الرجل: فإنّي أشهدك يا رسول الله أنّ حائطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين أهل الصدقة، فأنزل الله عزّ وجلّ آيات من القرآن: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى»((1)).

إقطع لسانه

روي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أعطى العبّاس بن مرداس أربعاً من الإبل يوم حنين، فسخطها، وأنشد يقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد***بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس***يفوقان شيخي في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما***من تضع اليوم لا يرفع

فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، فاستحضره، وقال له: «أنت القائل»: أتجعل نهبي ونهب العبيد.. بين الأقرع وعيينة.

فقال له أبو بكر: بأبي أنت وأمّي، لست بشاعر.

قال: «وكيف؟!».

قال: قال: بين عيينة والأقرع.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «قم يا علي إليه، فاقطع لسانه».

ص: 35


1- الكافي: ج2 ص506 باب التسبيح والتهليل والتكبير ح4.

قال: فقال العباس بن مرداس: فوالله، لهذه الكلمة كانت أشد عليّ من يوم خثعم، حين أتونا في ديارنا.

فأخذ بيدي علي بن أبي طالب، فانطلق بي، ولو أرى أحداً يخلّصني منه لدعوته، فقلت: يا علي، إنّك لقاطع لساني؟!

قال: «إنّي لممضٍ فيك ما أُمِرْتُ».

قال: ثم مضى بي، فقلت: يا علي، إنّك لقاطع لساني؟.

قال: «إنّي لممض فيك ما أُمرت».

فما زال بيّ حتى أدخلني الحظائر، فقال لي: اعتدّ ما بين أربع إلى مائة.

قال: قلت: بأبي أنتم وأمّي، ما أكرمكم، وأحلمكم، وأعلمكم!

قال: فقال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاك أربعاً، وجعلك مع المهاجرين. فإن شئت فخذ المائة، وكن مع أهل المائة».

قال: قلت: أشر عليّ.

قال: «فإنّي آمرك أن تأخذ ما أعطاك، وترضى».

قلت: فإنّي أفعل((1)).

سؤال عجوز بني إسرائيل

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان نزل على رجل بالطائف قبل الإسلام فأكرمه، فلمّا أن بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله) إلى الناس قيل للرجل: أتدري من الذي أرسله الله عزّ وجلّ إلى الناس؟

قال: لا، قالوا له: هو محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب، وهو الذي كان نزل بك بالطائف يوم كذا وكذا فأكرمته.

ص: 36


1- الإرشاد: ج1 ص148 في جهاد علي (عليه السلام) في غزوة حنين.

قال: فقدم الرجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلّم عليه وأسلم، ثم قال له: أتعرفني يا رسول الله؟ قال: ومن أنت؟

قال: أنا ربّ المنزل الذي نزلت به بالطائف في الجاهليّة يوم كذا وكذا فأكرمتك.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): مرحباً بك سل حاجتك.

فقال: أسألك مأتي شاة برعاتها، فأمر له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما سأل.

ثم قال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: ما كان على هذا الرجل أن يسألني سؤال عجوز بني إسرائيل لموسى (عليه السلام) بما سأل.

فقالوا: وما سألت عجوز بني إسرائيل لموسى؟

فقال: إنّ الله عزّ ذكره أوحى إلى موسى (عليه السلام) أن أحمل عظام يوسف (عليه السلام) من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدّسة بالشام، فسأل موسى (عليه السلام) عن قبر يوسف (عليه السلام) فجاءه شيخ فقال: إن كان أحد يعرف قبره ففلانة، فأرسل موسى (عليه السلام) إليها، فلما جاءته قال: تعلمين موضع قبر يوسف (عليه السلام)؟ قالت: نعم، قال: فدلّيني عليه ولك ما سألت.

قالت: لا أدلّك عليه إلاّ بحكمي، قال: فلك الجنّة.

قالت: لا إلاّ بحكمي عليك، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (عليه السلام) لا يكبر عليك أن تجعل لها حكمها.

فقال لها موسى(عليه السلام): فلك حكمك، قالت: فإنّ حكمي أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في الجنة.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان على هذا لو سألني ما سألت عجوز بني إسرائيل؟»((1)).

ص: 37


1- الكافي: ج8 ص155 حمل عظام يوسف (عليه السلام) وخبر عجوز بني إسرائيل ح144.

من بركات التواضع

روى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يذكر: أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملك، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يخيّرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً، أو ملكاً رسولاً.

قال: فنظر (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل وأومأ بيده أن تواضع.

فقال: «عبداً متواضعاً رسولاً».

فقال الرسول: مع أنه لا ينقصك ممّا عند ربّك شيئاً، قال: ومعه مفاتيح خزائن الأرض((1)).

حنين الجذع

كان النبي (صلى الله عليه وآله) يخطب عند جذع شجرة، وذلك في مسجده بالمدينة حيث كان يستند إليه فيخطب الناس، ولما كثر الناس اتخذوا له منبراً، فلمّا صعده حنّ الجذع حنين الناقة فقدت ولدها.

فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضمّه إليه، فكان يئن أنين الصبي الذي يسكت((2)).

الكرم يقود إلى الجنّة

روى الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: «خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وصلّى الفجر، ثم قال: معاشر الناس أيّكم

ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللات والعزّى ليقتلوني وقد كذبوا وربّ الكعبة.

ص: 38


1- الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح5.
2- إعلام الورى: ج1 ص76 فصل في المعجزات الدالة على نبوته (صلى الله عليه وآله).

فأحجم الناس وما تكلّم أحد، فقال: ما أحسب أنّ علي بن أبي طالب فيكم.

فقام إليه عامر بن قتادة، فقال: إنّه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلّي معك، فتأذن لي أن أخبره؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): شأنك.

فمضى إليه فأخبره فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وكأنّه نشط من عقال وعليه إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله ما هذا الخبر؟

فقال: هذا رسول ربّي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إلي ليقتلوني وقد كذبوا وربّ الكعبة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا لهم سريّة وحدي هوذا ألبس علي ثيابي.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بل هذه ثيابي وهذا درعي وهذا سيفي، فألبسه ودرعه وعمّمه وقلّده وأركبه فرسه.

وخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) فمكث ثلاثة أيام لا يأتيه جبرئيل بخبره ولا خبر من الأرض، فأقبلت فاطمة بالحسن والحسين (عليهم السلام) على وركيها تقول: أوشك أن يؤتم هذين الغلامين، فأسبل النبي (صلى الله عليه وآله) عينيه يبكي، ثم قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر علي أبشره بالجنة.

وافترق الناس في الطلب لعظيم ما رأوا بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وأقبل عامر بن قتادة يبشر بعلي، ودخل أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه أسيران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس، وهبط جبرئيل فخبّر النبي (صلى الله عليه وآله) بما كان فيه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): «تحب أن أخبرك بما كنت فيه يا أبا الحسن».

فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد أخذه المخاض وهو الساعة يريد أن يحدّثه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بل تحدّث أنت يا أبا الحسن لتكون

شهيداً على القوم. فقال: نعم يا رسول الله، لما صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركباناً على الأباعر، فنادوني من أنت، فقلت: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله،

ص: 39

فقالوا: ما نعرف لله من رسول، سواء علينا وقعنا عليك أو على محمد، وشدّ علي هذا المقتول، ودار بيني وبينه ضربات وهبّت ريح حمراء وسمعت صوتك فيها يا رسول الله وأنت تقول: قد قطعت لك جربان درعه فاضرب حبل عاتقه، فضربته فلم أحفه، ثم هبت ريح سوداء سمعت صوتك فيها يا رسول الله وأنت تقول: قد قلبت لك الدرع عن فخذه فاضرب فخذه، فضربته فقطعته ووكزته وقطعت رأسه ورميت به وأخذت رأسه، وقال لي: هذان الرجلان: بلغنا أن محمداً رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه ولا تعجل علينا وصاحبنا كان يعد بألف فارس.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أمّا الصوت الأول الذي حكّ مسامعك فصوت جبرئيل، وأمّا صوت الآخر فصوت ميكائيل، قدم إلى أحد الرجلين فقدّمه علي (عليه السلام)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قل لا إله إلا الله واشهد أنّي رسول الله، فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحبّ إلي من أن أقول هذه الكلمة.

فقال: أخّره يا أبا الحسن واضرب عنقه، فضرب علي (عليه السلام) عنقه.

ثم قال: قدّم الآخر، فقدّم، فقال: قل لا إله إلا الله وأشهد أنّي رسول الله، فقال: ألحقني بصاحبي، قال: أخّره يا أبا الحسن واضرب عنقه، فأخّره وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضرب عنقه فهبط جبرئيل، فقال: يا محمد إنّ ربك يقرئك السلام ويقول لك: لا تقتله فإنّه حسن الخُلق، سخي في قومه.

فقال الرجل وهو تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك ؟ قال: نعم، فقال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قطّ إلا أنفقته، ولا كلّمت بسوء مع أخ لي، ولا قطّبت وجهي في الجدب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله. فقال (صلى

الله عليه وآله): هذا ممّن جرّه حسن خلقه

وسخاؤه إلى جنات النعيم»((1)).

ص: 40


1- الخصال: ص96 في البر بالإخوان والسعي في حوائجهم ثلاث خصال ح41.

عجبت لملكين

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع رأسه إلى السماء فتبسّم، فقيل له: يا رسول الله رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسّمت؟

قال: نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض يلتمسان عبداً مؤمناً صالحاً في مصلّى كان يصلّي فيه، ليكتبا له عمله في يومه وليلته فلم يجداه في مصلاّه فعرجا إلى السماء، فقالا: ربّنا عبدك المؤمن فلان التمسناه في مصلاّه لنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك.

فقال الله عزّ وجلّ: اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحّته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي، فإنّ علي أن أكتب له أجر ما كان يعمله في صحّته إذا حبسته عنه»((1)).

أدام الله جمالك

روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث إلى يهودي يسأله قرض شيء له، ففعل ثم جاء اليهودي إليه، فقال: جاءتك حاجتك؟

قال (صلى الله عليه وآله): «نعم»، ثم قال: فابعث فيما أردت ولا تمتنع من شيء تريده. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): «أدام الله جمالك».

فعاش اليهودي ثمانين سنة ما رؤي في رأسه طاقة شعر بيضاء((2)).

ص: 41


1- الكافي: ج3 ص113 باب ثواب المرض ح1.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص87 فصل من روايات الخاصة في معجزاته ح144.

دراهم عظيمة البركة

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد بُلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً، فدفعها إلى علي (عليه السلام)، قال: اشتر لي قميصاً، فدخل علي (عليه السلام) السوق، واشترى قميصاً باثنتي عشرة درهماً.

فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي قميص دونه يكفيني، أترى صاحبه يقيلنا؟

فقال: لا أدري.

فقام النبي (صلى الله عليه وآله) ودخل معه السوق فاستقال التاجر، فأقاله، وأخذ الدراهم وانصرف، فوجد جارية على الطريق تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟

قالت: أعطاني أهلي أربعة دراهم لأشتري بها حاجة، وقد ضيّعتها، فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة دراهم.

ثم دخل السوق واشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه، فانصرف فوجد رجلاً على الطريق عرياناً، وهو يقول: من كساني كساه الله تعالى من ثياب الجنة، فأعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) قميصه، وانصرف إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه، وانصرف فوجد الجارية تبكي فقال لها: مالك؟

فقالت: يا رسول الله إنّ أهلي قد أبطأتُ عليهم فأخاف أن يضربوني.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): امضي أمامي وأرشديني إلى الطريق، فما جاء إلى الباب قال: السلام عليكم، فلم يجيبوه، ثم قال: السلام عليكم، فلم يجيبوه، ثم قال: السلام عليكم، فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال (صلى الله عليه وآله): أسلّم عليكم فلا تجيبوني.

ص: 42

فقالوا: سمعنا سلامك، فأحببنا أن نستكثر منه.

فقال (صلى الله عليه وآله): هذه الجارية قد أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول الله هي حرّة لممشاك.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما رأيت اثنتي عشرة درهماً أعظم

بركة من هذا، كسى الله جلّ جلاله بها عاريين، وأعتق بها نسمة»((1)).

معاشر الشباب عليكم بالزواج

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاب من الأنصار فشكا إليه الحاجة، فقال له: تزوج.

فقال الشاب: إنّي لأستحيي أن أعود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلحقه رجل من الأنصار فقال: إنّ لي بنتاً وسيمة فزوّجها إيّاه، قال: فوسّع الله عليه، قال: فأتى الشاب النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا معشر الشباب عليكم بالباه»((2)).

ادفع بالتي هي أحسن

عن عبد الله بن زهير، قال: وفد العلا بن الحضرمي على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله إنّ لي أهل بيت أُحسن إليهم فيسيؤون، وأصلهم فيقطعون.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ

ص: 43


1- أمالي الصدوق: ص309-310 بركة أربعة دراهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ح357.
2- الكافي: ج4 ص180 باب النوادر ح2.

وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم»((1))، فقال العلا بن الحضرمي: إنّي قلت شعراً هو أحسن من هذا.

قال (صلى الله عليه وآله): «وما قلت».

فأنشده:

وحيّ ذوي الأضغان تسب قلوبهم*تحيّتك العظمى فقد يرفع النغل

فإن أظهروا خيراً فجاز بمثله*وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

فإنّ الذي يؤذيك منك سماعه*وإنّ الذي قالوا وراءك لم يقل

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ من الشعر لحكماً، وإنّ من البيان لسحراً، وإنّ شعرك لحسن، وإنّ كتاب الله أحسن»((2)).

حُسن الخُلق يُسر

عن بحر السقّا، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا بحر حُسن الخُلق يُسر، ثم قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة».

قلت: بلى.

قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالس في المسجد إذا جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي (صلى الله عليه وآله)، فلم تقل شيئاً ولم يقل لها النبي (صلى الله عليه وآله) شيئاً، حتى فعلت ذلك ثلاث مرّات، فقام لها النبي (صلى الله عليه وآله) في الرابعة وهي خلفه، فأخذت

ص: 44


1- سورة فصلت: 34-35.
2- بحار الأنوار: ج68 ص415 قصة العلا بن الحضرمي وأشعاره بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله) ح36.

هدبة((1))

من ثوبه ثم رجعت.

فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل، حبستِ رسول الله (صلى

الله عليه وآله) ثلاث مرّات، لا تقولين له شيئاً ولا هو يقول لك شيئاً، ما كانت

حاجتك إليه؟

قالت: إنّ لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه، ليستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني فقام، فاستحييت منه أن آخذها و وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها»((2)).

رد البصر أو ثواب الجنة

عن أبي عوف، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فألطفني، وقال: «إنّ رجلاً مكفوف البصر أتى النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ إلي بصري.

قال: فدعا (صلى الله عليه وآله) الله له، فردّ عليه بصره.

ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ علي بصري.

فقال (صلى الله عليه وآله): تثاب عليه الجنّة أحبّ إليك، أم يردّ عليك بصرك؟.

فقال: يا رسول الله، وإن ثوابها الجنة؟!

قال: الله أكرم من أن يبتلي عبداً مؤمناً بذهاب بصره، ثم لا يثيبه الجنة»((3)).

ص: 45


1- هُدب الثوب وهُدّاب الثوب: ما على أطرافه. راجع الصحاح: ج1 ص237 مادة (هدب).
2- مشكاة الأنوار: ص222 الفصل الأول في حسن الخلق.
3- الثاقب في المناقب: ص63 فصل في ظهور آياته في إبراء المرضى والأعضاء المبانة والمجروحة ح38.

أما سمعتم صراخ الصبي؟

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر فخفّف في الركعتين الأخيرتين، فلمّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة حدث؟

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفّفت في الركعتين الأخيرتين، فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبي؟»((1)).

يهودي يحبس النبي

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «إنّ يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير فتقاضاه، فقال (صلى الله عليه وآله) له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك.

قال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني.

فقال (صلى الله عليه وآله): إذن أجلس معك.

فجلس (صلى الله عليه وآله) معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة.

وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتهدّدونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم، فقال: ما الذي تصنعون به؟

فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك!

ص: 46


1- الكافي ج6 ص48 باب حق الأولاد ح4.

فقال (صلى الله عليه وآله): لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهداً ولا غيره.

فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلتُ بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظّ ولا

غليظ ولا صخّاب، ولا متزيّن بالفحش ولا قول الخنا((1))، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال»((2)).

خزيمة ذو الشهادتين

روي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) ابتاع فرساً من أعرابي، فأسرع النبي (صلى الله عليه وآله) المشي ليقبضه ثمن فرسه فأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس وهم لا يشعرون أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على الثمن، فنادى الأعرابي فقال: إن كنت مبتاعاً لهذا الفرس فابتعه وإلاّ بعته، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) حين سمع الأعرابي، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟».

فطفق الناس يلوذون بالنبي (صلى الله عليه وآله) وبالأعرابي وهما يتشاجران، فقال الأعرابي: هلّم شهيداً يشهد أنّي قد بايعتك، ومن جاء من المسلمين قال للأعرابي: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليقول إلاّ حقّاً حتى جاء خزيمة بن ثابت، فاستمع لمراجعة النبي (صلى الله عليه وآله) والأعرابي، فقال خزيمة: إنّي أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) على خزيمة، فقال: «بم

ص: 47


1- الخنا: الفحش. الصحاح: ج6 ص2332 مادة (خنا).
2- أمالي الصدوق: ص552 يهودي يطالب النبي (صلى الله عليه وآله) ح737.

تشهد؟».

قال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسمّاه: ذا الشهادتين((1)).

من يكفل محمداً؟

روي عن فاطمة بنت أسد (عليها السلام): أنّه لما ظهرت أمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده: من يكفل محمداً؟

قالوا: هو أكيس منّا فقل له يختار لنفسه.

فقال عبد المطلب: يا محمد جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أيّ عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟

فنظر في وجوههم، ثم زحف إلى عند أبي طالب.

فقال له عبد المطلب: يا أبا طالب، إنّي قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنت له.

قالت: فلما تُوفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه، وكان يدعوني الأمّ.

قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أوّل إدراك الرطب، وكان أربعون صبيّاً من أتراب محمد (صلى الله عليه وآله) يدخلون علينا كلّ يوم في البستان ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمداً أخذ رطبة من يد صبيّ سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كلّ يوم ألتقط لمحمد (صلى الله عليه وآله) حفنة فما فوقها، وكذلك جاريتي.

فاتفق يوماً أن نسيت أن ألتقط له شيئاً ونسيت جاريتي، وكان محمد (صلى الله

ص: 48


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص108-109 باب ما يقبل من الدعاوي بغير البينة ح3427.

عليه وآله) نائماً ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمت فوضعت الكم على وجهي حياءً من محمد (صلى الله عليه وآله) إذا انتبه.

قالت: فانتبه محمد (صلى الله عليه وآله) ودخل البستان، فلم ير رطبة على الأرض فانصرف، فقالت له الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.

قالت: فانصرف محمد (صلى الله عليه وآله) إلى البستان وأشار إلى نخلة، وقال: «أيّتها الشجرة أنا جائع». قالت: فرأيت الشجرة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها محمد (صلى الله عليه وآله) ما أراد، ثم ارتفعت إلى موضعها.

قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم

إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب.

فقرع أبو طالب، فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت.

فقال: هو إنّما يكون نبيّاً، وأنت تلدين وزيره بعد ثلاثين!.

فولدت علياً (عليه السلام) كما قال((1)).

مالي وللدنيا

روي عن ابن مسعود: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نام على حصير، فقام وقد أثّر في جسده، فقالوا: لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال: «ما لي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح أو تركها»((2)).

ص: 49


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص139 فصل طائفة من الأخبار في فدك ح225.
2- بحار الأنوار: ج70 ص68 بيان من أبي ذر (رضي الله تعالى عنه وعنّا) لطالب العلم.

اذهب ولاتغضب

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله علّمني.

قال (صلى الله عليه وآله): اذهب ولا تغضب.

فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثم قام معهم، ثم ذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تغضب»، فرمى السلاح، ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدوّ قومه، فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا

أوفيكموه.

فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب((1)).

لمثل هذا فأعدّوا

عن البراء بن عازب، قال: بينما نحن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ أبصر جماعة، فقال: علام اجتمعوا هؤلاء؟

فقيل: على قبر يحفرونه، قال: فبدر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبين يديه أصحابه مُسرعاً حتى أتى القبر فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى (صلى الله عليه وآله) حتى بل التراب من دموعه ثم أقبل علينا، فقال: «إخواني، لمثل هذا فأعدّوا»((2)).

ص: 50


1- الكافي: ج2 ص304 باب الغضب ح11.
2- مستدرك الوسائل: ج2 ص465 باب جواز البكاء على الميّت والمصيبة ح2476.

احترام الوالدين

عن عمار بن حيّان، قال: خبّرت أبا عبد الله (عليه السلام) ببرّ إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت أحبّه وقد ازددت له حبّاً، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتته أُخت له من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته((1))

لها فأجلسها عليه ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها، ثم قامت وذهبت وجاء أخوها، فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟!

فقال: «لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه»((2)).

لا للفحش

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده، فقال: السام عليكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم.

ثم دخل آخر، فقال مثل ذلك، فردّ عليه كما ردّ على صاحبه.

ثم دخل آخر، فقال مثل ذلك، فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ردّ على صاحبيه.

فغضبت عائشة فقالت: عليكم السامّ والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة إنّ الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنّ الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلاّ زانه، ولم يرفع عنه قط إلاّ شانه.

ص: 51


1- الملحفة: ثوب ليس له بطانة يكسو جسد المرأة. تاج العروس: ص244 مادة (لحف)
2- الكافي: ج2 ص161 باب برّ الوالدين ح12.

قالت: يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم: السام عليكم؟

فقال (صلى الله عليه وآله): بلى أما سمعت ما رددت عليهم؟

قلت: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، وإذا سلّم عليكم كافر فقولوا: عليك»((1)).

وأنذر عشيرتك الأقربين

روي أنّ ابن الكوّا قال للإمام علي (عليه السلام): بما كنتَ وصيّ محمد من بين بني عبد المطلب؟

قال: «أدن، ما الخير تريد، لما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»((2))، جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أربعون رجلاً، فأمرني فأنضجت له رجل شاة، وصاعاً من طعام، أمرني فطحنته وخبزته، وأمرني فأدنيته.

ثم قال: فقال: تقدّم علي عشرة عشرة من أجلّتهم. فأكلوا حتى صدروا وبقي الطعام كما كان، إنّ منهم لمن يأكل الجذعة((3)) ويشرب الفرق((4))

فأكلوا منها كلّهم أجمعون.

ص: 52


1- الكافي: ج2 ص648 باب التسليم على أهل الملل ح1.
2- سورة الشعراء: 214.
3- قال ابن الأثير في النهاية: ج1 ص250 مادة " جذع: وأصل الجذع من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شابا فتيا. فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية. وقيل: البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل: أقل منها. ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير.
4- قال ابن الأثير في ج 3 ص 437 مادة " فرق ": الفرق بالتحريك: مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا، أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز.

فقال أبو لهب: سحركم صاحبكم، فتفرقوا عنه.

ودعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثانية ثم قال: أيّكم يكون أخي ووصيّي ووارثي، فعرض عليهم كلّهم، وكلّهم يأبى حتى انتهى إلي وأنا أصغرهم سنّاً، أعمشهم((1)) عيناً، وأحمشهم((2)) ساقاً.

فقلت: أنا. فرمى إلي بنعله، فلذلك كنت وصيّه من بينهم»((3)).

من ينقذك منّي؟

روى جابر بن عبد الله، فقال: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) نزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه، فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد من يعصمك الآن منّي؟

قال: «الله تعالى».

فرجف وسقط السيف من يده.

وفي خبر آخر: أنّه بقي جالساً زماناً ولم يعاقبه النبي (صلى الله عليه وآله)((4)).

عُظم حرمة المؤمن

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجّة الوداع، فقال: أيّها الناس اسمعوا ما أقول لكم

ص: 53


1- العمش: ضعف البصر مع سيلان الدمع.
2- حمش الرجل: صار دقيق الساقين. وهذه الصفات كنايات على أنه (عليه السلام) أصغرهم عمراً، وقد اختاره الله تعالى من بينهم للوصاية دون غيره.
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص93 فصل من روايات الخاصة في معجزاته ح153.
4- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص63 فصل حفظ الله له من المشركين.

واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثم قال: أيّ يوم أعظم حرمة؟

قالوا: هذا اليوم.

قال (صلى الله عليه وآله): فأي شهر أعظم حرمة؟

قالوا: هذا الشهر.

قال (صلى الله عليه وآله): فأيّ بلد أعظم حرمة؟

قالوا: هذا البلد.

قال (صلى الله عليه وآله): فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم ألا هل بلّغت؟

قالوا: نعم.

قال (صلى الله عليه وآله): اللهم اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فإنّه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفاراً»((1)).

اُدع ربّك يطلق فرسي

من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) خبر سراقة بن جعشم الذي اُشتهر في العرب يتقاولون فيه الأشعار، ويتفاوضونه في الديار:

إنّه تبعه (صلى الله عليه وآله) وهو متوجّه إلى المدينة طالباً لغرّته ليحظى بذلك عند قريش حتى إذا أمكنته الفرصة في نفسه، وأيقن أن قد ظفر ببغيته، ساخت قوائم فرسه حتى تغيّبت بأجمعها في الأرض، وهو بموضع جدب وقاع صفصف.

ص: 54


1- الكافي ج7 ص274 باب القتل ح12.

فعلم أنّ الذي أصابه أمر سماوي، فنادي: يا محمد اُدع ربّك يطلق لي فرسي، وذمّة الله علي أن لا أدلّ عليك أحداً، فدعا له فوثب جواده كأنّه أفلت من اُنشوطة((1))، وكان رجلاً داهية، وعلم بما رأى أنّه سيكون له نبأ، فقال: اُكتب لي أماناً، فكتب له فانصرف((2)).

لا ضرر ولا ضرار

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة.

فلمّا تأبى جاء الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخبّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال: إن أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيع، فقال (صلى الله عليه وآله): لك بها عذق يُمدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار»((3)).

ص: 55


1- الأنشوطة: عقدة يسهل انحلالها.
2- إعلام الورى: ج1 ص78 فصل في ذكر بيان بعض معجزات النبي (صلى الله عليه وآله).
3- الكافي: ج5 ص293 باب الضرار ح2.

إنّ معي ربّي

روي أنّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا معه في سفر، فشكوا إليه أن لا ماء معهم، وأنّهم بسبيل هلاك.

فقال (صلى الله عليه وآله): «كلا إنّ معي ربّي عليه توكلي، وإليه مفزعي»، ثم دعا بركوة ((1)) فيها ماء، فطلب فلم يوجد إلاّ فضلة في الركوة، وما كانت تروي رجلاً، فوضع كفّه فيه، فنبع الماء من بين أصابعه يجري، وصيح في الناس، فسقوا، وأسقوا، فشربوا حتى نهلوا وعلوا وهم ألوف، وهو يقول: «اشهدوا أنّي رسول الله حقّاً»((2)).

بلغني هجو صاحبكم

روي أنّه لما نزلت: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ»((3)) جاءت أُمّ جميل عمّة معاوية إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبيدها فهر((4)) ولها ولولة وهي تقول: مُذمّماً أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد.

فقيل: يا رسول الله قد أقبلت أُمّ جميل وإنّا نخاف أن تراك.

فقال: «إنّها لن تراني».

ص: 56


1- الركوة بالفتح: شبه تور من أدم، وفي الصحاح: الركوة التي للماء، وفي النهاية: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، وفي المصباح: الدلو الصغيرة، قال الشرتوني في الأقرب: قلت: ومنها الركوة لإبريق القهوة عند أهل بلادنا.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص28 ح1.
3- سورة المسد: 1.
4- الفهر: البربط وهو ملهاة تشبه العود، وهو فارسي معرّب، وأصله: بربت، لأنّ الضارب به يضعه على صدره، واسم الصدر: بر.

فوقفت على المسجد، وقالت: قد بلغني أنّ صاحبكم هجاني، فقالوا: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أنّي

ابنة سيّدها((1)).

مولود الليلة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لما وُلد النبي (صلى الله عليه وآله) جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملأ من قريش فيهم هشام بن المغيرة، والوليد بن المغيرة، والعاص بن هشام، وأبو وجزة بن أبي عمرو بن أميّة، وعتبة بن ربيعة، فقال: أولد فيكم مولود الليلة؟

فقالوا: لا.

قال: فولد إذاً بفلسطين غلام اسمه أحمد به شامة كلون الخزّ الأدكن، ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه، قد أخطاكم والله يا معشر قريش، فتفرّقوا وسألوا فأخبروا أنّه وُلد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فطلبوا الرجل فلقوه، فقالوا: إنّه قد وُلد فينا والله غلام، قال: قبل أن أقول لكم أو بعد ما قلت لكم؟

قالوا: قبل أن تقول لنا.

قال: فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه، فانطلقوا حتى أتوا أمّه، فقالوا: أخرجي ابنك حتى ننظر إليه، فقالت: إنّ ابني والله لقد سقط وما سقط كما يسقط الصبيان لقد اتّقى الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصرى وسمعت هاتفاً في الجوّ يقول: لقد ولدتيه سيّد الأمّة فإذا وضعتيه فقولي: أُعيذه بالواحد من شرّ كل حاسد وسمّيه محمداً.

ص: 57


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص68 فصل فيما لقيه (عليه السلام) من قومه بعد موت عمّه.

قال الرجل: فأخرجيه، فأخرجته فنظر إليه ثم قلّبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه، فخرّ مغشيّاً عليه، فأخذوا الغلام فأدخلوه إلى أمّه، وقالوا: بارك الله لك فيه، فلمّا خرجوا أفاق فقالوا له: ما لك ويلك؟

قال: ذهبت نبوّة بني إسرائيل إلى يوم القيامة، هذا والله من يبيرهم، ففرحت قريش بذلك، فلمّا رآهم قد فرحوا، قال: قد فرحتم أما والله

ليسطونّ بكم سطوة يتحدّث بها أهل المشرق و المغرب، وكان أبو سفيان يقول: يسطو بمصره»((1)).

راهب أهل الجحفة

عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «لما أتى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) اثنان وعشرون شهراً من يوم ولادته رمدت عيناه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اذهب بابن أخيك إلى عرّاف الجحفة، وكان بها راهب طبيب في صومعته، فحمله غلام له في سفط((2)) هندي حتى أتى به الراهب فوضعه تحت الصومعة، ثم ناداه أبو طالب: يا راهب، فأشرف عليه فنظر حول الصومعة إلى نور ساطع، وسمع حفيف((3))

أجنحة الملائكة، فقال له: من أنت؟

قال: أبو طالب ابن عبد المطلب، جئتك بابن أخي لتداوي عينه.

فقال: وأين هو؟

قال: في السفط قد غطّيته من الشمس.

قال: اكشف عنه، فكشف عنه، فإذا هو بنور ساطع في وجهه قد أذعر الراهب، فقال له: غطّه فغطّاه، ثم أدخل الراهب رأسه في صومعته فقال: أشهد

ص: 58


1- الكافي: ج8 ص300-301 حديث أبي ذر ح459.
2- السفط معرّب (سبد).
3- الحفيف بالمهملة والفائين: صوت جناح الطائر، يقال: أخفق الطائر إذا ضرب بجناحيه.

أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله حقّاً حقّاً، وأنّك الذي بُشّر به في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى (عليهما السلام)، فأشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسوله، ثم أخرج رأسه و قال: يا بني انطلق به فليس عليه بأس.

فقال له أبو طالب: ويلك يا راهب لقد سمعت منك قولاً عظيماً.

فقال: يا بني شأن ابن أخيك أعظم ممّا سمعت منّي، وأنت معينه على ذلك ومانعه ممّن يريد قتله من قريش.

قال: فأتى أبو طالب عبد المطلب فأخبره بذلك، فقال له عبد المطلب: اسكت يا بني لا يسمع هذا الكلام منك أحد، فوالله ما يموت محمد حتى يسود العرب والعجم»((1)).

نبي سعد به الناس

عن أمّ سلمة، في حديث أنّها قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في فتح مكة: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، سعد بك جميع الناس إلاّ أخي، من بين قريش والعرب، رددت إسلامه، وقبلت إسلام الناس كلّهم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أمّ سلمة، إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: «لَنْ نُؤْمِنَ لك» الآية إلى قوله تعالى: «كِتَابًا نَقْرَؤُهُ»((2)).

ص: 59


1- بحار الأنوار: ج15 ص359 باب منشئه ورضاعه وما ظهر من إعجازه عند ذلك إلى نبوته (صلى الله عليه وآله) ح15.
2- الآيات هي: «وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا»، سورة الإسراء آية90-93.

قالت أمّ سلمة: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ألم تقل: إنّ الإسلام يجبّ ما قبله؟

قال: «نعم»، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إسلامه((1)).

مع بحيراء الراهب

عن أبان بن عثمان يرفعه، قال: لمّا بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشبث بالزمام وقال: «يا عم على من تخلفني لا على أُمّ ولا على أب»، وقد كانت أمّه (صلى الله عليه وآله) توفّيت.

فرقّ له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه، وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) غمامة تظلّه من الشمس، فمرّوا في طريقهم برجل يقال له: بحيرى، فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاماً وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة، فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه، فقالوا له: يا بحيرى والله ما كنّا نعهد هذا منك، قال: قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلّفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الرحل، فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟

فقالوا: ما بقي منّا إلاّ غلام حدث خلّفناه في الرحل.

فقال: لا ينبغي أن يتخلّف عن طعامي أحد منكم.

فبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا أقبل أقبلت الغمامة، فلما نظر إليه بحيرى، قال: من هذا الغلام ؟

ص: 60


1- مستدرك الوسائل: ج7 ص449 باب أنه يجب أن يقضي أكبر الأولاد الذكور ما فات الميّت من صيام ح8626.

قالوا: ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب، فقال له بحيرى: هذا ابنك؟

قال أبو طالب: هذا ابن أخي.

قال: ما فعل أبوه؟

قال: توفّي، وهو حمل، فقال بحيرى لأبي طالب: ردّ هذا الغلام إلى بلاده فإنّه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإنّ لهذا شأناً من الشأن، هذا نبيّ هذه الأمّة، هذا نبيّ السيف((1)).

لكل بشرى سجدة

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سفر يسير على ناقة له، إذ نزل فسجد خمس سجدات، فلمّا أن ركب قالوا: يا رسول الله إنّا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه؟

فقال (صلى الله عليه وآله): نعم استقبلني جبرئيل (عليه السلام) فبشّرني ببشارات من الله عزّ وجلّ، فسجدت لله شكراً لكل بشرى سجدة»((2)).

شفاء الصبي

روي أنّ امرأة أتته بصبي لها ترجو البركة بأن يمسّه ويدعو له، وكانت به عاهة، فرحمها والرحمة صفته (صلى الله عليه وآله) فمسح يده على رأس الصبي، فاستوى شعره، وبرئ داؤه، وبلغ ذلك أهل اليمامة، فأتت مسيلمة امرأة بصبي لها فمسح رأسه فصلع وبقي نسله إلى يومنا هذا صُلعاً»((3)).

ص: 61


1- كمال الدين: ج1 ص188 باب في خبر بحيرى الراهب ح37.
2- الكافي: ج2 ص98 باب الشكر ح24.
3- إعلام الورى: ج1 ص82 فصل في المعجزات الدالة على نبوته (صلى الله عليه وآله).

مكان الناقة

روي أنّ ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) اُفتقدت فأرجف المنافقون، فقالوا: يخبرنا بأسرار السماء ولا يدري أين ناقته.

فسمع (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال: «إني وإن أخبركم بلطائف السماء لكنّي لا أعلم من ذلك إلا ما علمني الله».

فلما وسوس إليهم الشيطان بذلك دلّهم على حالها، ووصف لهم الشجرة التي هي متعلّقة بها، فأتوها فوجدوها على ما وصف قد تعلّق خطامها بشجرة أشار إليها((1)).

أتدرون ما في كفّي؟

عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس ثم رفع يده اليمنى قابضاً على كفّه قال: «أتدرون ما في كفّي».

قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال (صلى الله عليه وآله): «فيها أسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة»، ثم رفع يده اليسرى، فقال: «أيّها الناس أتدرون ما في أيدي». قالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال (صلى الله عليه وآله): «فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة»، ثم قال: «حكم الله وعدل، وحكم الله وعدل، وحكم الله وعدل، فريق في الجنة وفريق في السعير»((2)).

ص: 62


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص31 فصل من روايات العامة ح1.
2- بصائر الدرجات: ج1 ص192 باب في الأئمة (عليهم السلام) عندهم الصحيفة التي فيها أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار ح4.

أخاف أن يدخلني ما دخلك

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «جاء رجل موسر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقيّ الثوب، فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء رجل مُعسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسوله الله (صلى الله عليه وآله): أخفت أن يمسّك من فقره شيء؟ قال: لا.

قال (صلى الله عليه وآله): فخفت أن يصيبه من غناك شيء؟ قال: لا.

قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا.

قال: فما حملك على ما صنعت؟

فقال: يا رسول الله إنّ لي قريناً يزيّن لي كل قبيح، ويقبّح لي كل حسن، وقد جعلت له نصف مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمعسر: أتقبل؟

قال: لا. فقال له الرجل: ولم؟

قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك»((1)).

المحقّرات من الذنوب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء((2))، فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.

فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب.

قال (صلى الله عليه وآله): فليأت كل إنسان بما قدر عليه.

ص: 63


1- الكافي: ج2 ص263 باب فضل فقراء المسلمين ح11.
2- الأرض القرعاء: هي الأرض التي لاشجر فيها ولانبات.

فجاءوا به حتى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنّ لكل شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين»((1)).

من تواضع لله رفعه

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشيّة خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟

فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسّ مخيض بعسل((2))، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثم قال: شرابان يُكتفى بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا أحرّمه، ولكن أتواضع لله، فإنّ من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله،

ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله»((3)).

شاة أمّ معبد

روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) سار حتى نزل خيمة أُمّ معبد، فطلبوا عندها قرى((4))، فقالت: ما يحضرني شيء. فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلّفت من الغنم لضرّها، فقال: «تأذنين في حلبها».

قالت: نعم ولا خير فيها.

فمسح (صلى الله عليه وآله) يده على ظهرها، فصارت

ص: 64


1- الكافي: ج2 ص288 باب استصغار الذنب ح3.
2- أي ممزوج بعسل.
3- الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح3.
4- أي سألهم أن يضيّفوه.

أسمن ما يكون من الغنم، ثم مسح يده على ضرعها، فأرخت ضرعاً عجيباً، ودرّت لبناً كثيراً، فقال: «يا أُمّ معبد هاتي العسّ»((1))، فشربوا جميعاً حتى رووا.

فلمّا رأت أُمّ معبد ذلك قالت: يا حسن الوجه إنّ لي ولداً له سبع سنين، وهو كقطعة لحم لا يتكلّم ولا يقوم فأتته به.

فأخذ تمرة قد بقيت في الوعاء، ومضغها وجعلها في فيه، فنهض في الحال ومشى وتكلّم، وجعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة، وقد تهدّل الرطب منها وكان كذلك صيفاً وشتاءاً، وأشار من الجوانب فصار ما حولها مراعي، ورحل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولما توفّي (صلى الله عليه وآله) لم ترطب تلك النخلة، وكانت خضراء، فلمّا قُتل علي (عليه السلام) لم تخضر وكانت باقية، فلمّا قتل الحسين (عليه السلام) سال منها الدم ويبُست.

فلمّا انصرف أبو معبد ورأى ذلك، وسأل عن سببه قالت: مرّ بي رجل قرشي من حاله وقصّته كذا وكذا، قال: يا أُمّ معبد إنّ هذا الرجل

هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه، ووالله ما أشكّ الآن أنّه صادق في قوله أنه رسول الله، فليس هذا إلاّ من فعل الله. ثم قصد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فآمن هو وأهله((2)).

ص: 65


1- العس بالضم: القدح العظيم.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص147 فصل طائفة من الأخبار في فدك ح234.

احترام الأبوين

جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله من أبرُّ؟

قال (صلى الله عليه وآله): «أمّك».

قال: ثمّ من؟ قال (صلى الله عليه وآله): «أمّك».

قال: ثمّ من؟ قال (صلى الله عليه وآله): «أمّك».

قال: ثمّ من؟ قال (صلى الله عليه وآله): «أباك»((1)).

أقوى الناس

روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ بقوم فيهم رجل يرفع حجراً يقال له: حجر الأشدّاء، وهم يعجبون منه، فقال (صلى الله عليه وآله): «ما هذا؟».

قالوا: رجل يرفع حجراً يقال له: حجر الأشدّاء.

فقال (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بما هو أشدّ منه، رجل سبّه رجل فحلم عنه، فغلب نفسه، وغلب شيطانه»((2)).

كيد أبي جهل

روي أنّ أبا جهل عاهد الله أن يفضخ رأس النبي (صلى الله عليه وآله) بحجر إذا سجد في صلاته، فلمّا قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي وسجد وكان إذا صلّى صلّى بين الركنين: الأسود واليماني وجعل الكعبة بينه وبين الشام احتمل

ص: 66


1- الكافي: ج2 ص159 باب البر بالوالدين ح9.
2- مجموعة ورام ج2 ص10.

أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منتقعاً((1))

لونه مرعوباً، قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده، وقام إليه

رجال من قريش، فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟

قال: عرض لي دونه فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قطّ، فهمّ أن يأكلني((2)).

من تتهم يا رجل؟

روي أنّ رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنّي خرجت وامرأتي حائض ورجعت وهي حبلى.

فقال (صلى الله عليه وآله): «من تتهم؟».

قال: فلاناً وفلاناً. قال: «إئت بهما».

فجاء بهما، فقال (صلى الله عليه وآله): «إن يكن من هذا فسيخرج قططاً كذا وكذا»، فخرج كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)((3)).

عدم التفوق على الأصحاب

أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفرة أصحابه بذبح شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ تقطيعها، وقال آخر: عليّ طبخها.

ص: 67


1- انتقع لونه: تغير واختطف لأمر أصابه كالحزن والفرغ.
2- إعلام الورى ج1 ص86 فصل في ذكر بيان معجزات النبي (صلى الله عليه وآله).
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص87 فصل من روايات الخاصة في معجزاته (صلى الله عليه وآله) ح143.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وعليّ جمع الحطب».

فقالوا: يا رسول الله لا تتعبنّ نفسك، نحن نكفيك.

قال (صلى الله عليه وآله): «أعلم أنكم تكفوني ذلك، ولكن الله عزّ وجلّ يكره من عبده أن ينفرد دون أصحابه»، فقام (صلى

الله عليه وآله) وأخذ

يجمع الحطب((1)).

إنّي أخاف ذنوبي

روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على شاب وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟».

قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجوه وآمنه ممّا يخاف»((2)).

اذهبوا فأنتم الطلقاء

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لمّا كان فتح مكة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عند من المفتاح؟

قالوا: عند أُمّ شيبة.

فدعا (صلى الله عليه وآله) شيبة، فقال: اذهب إلى أمّك فقل لها ترسل بالمفتاح، فقالت: قل له: قتلت مقاتلنا وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا؟

فقال: لترسلن به أو لأقتلنك، فوضعته في يد الغلام، فأخذه ودعا عمر، فقال

ص: 68


1- مكارم الأخلاق: ص252 الفصل الرابع في مكارم في السفر وحسن الصحبة ومراقبة الحقوق وطلب الرفقة.
2- أمالي المفيد ص138 المجلس السابع عشر ح1.

له: هذا تأويل رؤياي من قبل.

ثم قام (صلى الله عليه وآله) ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر، ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح، وقال: ردّه إلى أمّك.

قال: ودخل (صلى الله عليه وآله) صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: (لا إله إلاّ الله، أنجز وعده، ونصر عبده،

وغلب الأحزاب وحده)، ثم قال: ما تظنّون، وما أنتم قائلون؟

فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً ونظن خيراً، أخ كريم وابن عم.

قال (صلى الله عليه وآله): فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: «لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ»((1))، ألا إنّ كل دم ومال ومأثرة كان في الجاهلية فإنّه موضوع تحت قدمي إلاّ سدانة((2)) الكعبة وسقاية الحاج، فإنّهما ردودتان إلى أهليهما، ألا إنّ مكة محرّمة بتحريم الله لم تحلّ لأحد كان قبلي، ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد.

ثم قال: ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذّبتم وطردتم، وأخرجتم وفللتم، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء.

فخرج القوم كأنّما أنشروا من القبور، ودخلوا في الإسلام»((3)).

ص: 69


1- السدانة: خدمة الكعبة وحجيجها.
2- سورة يوسف: 92.
3- بحار الأنوار: ج21 ص132 باب فتح مكة.

كم يسوى هذا؟

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجدي أسك((1)) ملقى على مزبلة ميتاً، فقال لأصحابه: كم يساوي هذا؟

فقالوا: لعلّه لو كان حيّاً لم يساو درهماً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده لَلدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله»((2)).

مثلي ومثل الأعرابي

ذات مرّة جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يستعينه في شيء، فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً ثم قال: «أحسنت إليك؟».

قال الأعرابي: لا ولا أجملت.

فغضب بعض المسلمين وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم أن كفّوا.

فلمّا قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال: «إنّما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت»، فزاده رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً وقال: «أحسنت إليك؟».

فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت وفي

ص: 70


1- الجدي الأسك: أي المقطوع الأذنين.
2- الكافي: ج2 ص129 باب ذم الدنيا والزهد فيها ح9.

أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم».

فقال: نعم. فلمّا جاء الأعرابي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال وإنّا قد دعوناه

فأعطيناه فزعم أنّه قد رضي، كذلك يا أعرابي؟».

فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتّبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال لهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها، فتوجّه إليها وأخذ لها من قشام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشدّ عليها رحلها، وإنّي لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار»((1)).

لو صاموا أيام رجب

عن ثوبان، قال: كنّا محدقين بالنبي (صلى الله عليه وآله) في مقبرة، فوقف (صلى الله عليه وآله) ثم مرّ، ثم وقف ثم مرّ.

فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما وقوفك بين هؤلاء القبور؟

فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكاءً شديداً وبكينا، فلما فرغ قال (صلى الله عليه وآله): «يا ثوبان هؤلاء يعذّبون في قبورهم، سمعت أنينهم فرحمتهم، ودعوت الله أن يخفّف عنهم ففعل، فلو صاموا هؤلاء أيام رجب وقاموا فيها ما عذّبوا في قبورهم». فقلت: يا رسول الله صيامه وقيامه أمان من عذاب القبر؟

قال: «نعم، يا ثوبان والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، ما من مسلم ولا مسلمة يصوم

ص: 71


1- سفينة البحار: ج2 ص639 وأمّا الشفقة والرحمة والرأفة.

يوماً من رجب وقام ليلة يريد بذلك وجه الله تعالى إلاّ كتب الله له عبادة ألف سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، وكأنّما حجّ ألف حجّة واعتمر ألف عمرة من مال حلال، وكأنّما غزا ألف غزوة، وأعتق ألف رقبة من ولد إسماعيل، وكأنّما تصدق بألف دينار، وكأنّما اشترى أسارى أمّتي فأعتقهم لوجه الله، وكأنّما أشبع ألف جائع، وآمنه الله من عذاب القبر، وهول منكر ونكير».

قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الثواب كلّه لمن صام يوماً واحداً أو قام ليلة من شهر رجب؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هذا لمن لا ينكر قدرة الله عزّ وجلّ».

ثم قيل: يا رسول الله ثواب رجب أبلغ أم ثواب شهر رمضان؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليس على ثواب رمضان قياس، ولكن شهر رجب شهر عظيم». فقيل: فإن لم يقدر على قيامه؟

قال: «من صلّى العشاء الآخرة، وصلّى قبل الوتر ركعتين بما علّمه الله من القرآن، أرجو أن لا يبخل عليه بهذا الثواب».

قال ثوبان: منذ سمعت ذلك ما ما تركته إلاّ قليلاً ((1)).

لكي نفوز بالجنة

جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو (صلى الله عليه وآله) يريد بعض غزواته، فأخذ بغرز((2)) راحلته، فقال: يا رسول الله، علّمني عملاً أدخل به الجنة.

فقال (صلى الله عليه وآله): «ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم، وما

ص: 72


1- بحار الأنوار: ج94 ص50 باب فضائل شهر رجب وصيامه وأحكامه وفضل بعض لياليه ح37.
2- الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: هو الكور مطلقاً، مثل الركاب للسرج. النهاية: 3359.

كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، خلّ سبيل الراحلة»((1)).

لو كان أبوك مسلماً

عن كميل بن زياد، قال: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): يا

سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في خير؟

عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً، لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنّها تدل على النجاح.

فقام إليه رجل، فقال: فداك أبي واُمّي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال (عليه السلام): نعم وما هو خير منه، لما أتى بسبايا طيء وقفت جارية حمراء، لعساء((2))، ذلفاء((3))، عيطاء((4))، شمّاء((5)) الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء ((6)) الكعبين، خدلة ((7)) الساقين، فلمّا رأيتها أعجبت بها وقلت: لأطلبنّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجعلها في فيئي، فلما تكلّمت أنسيت جمالها لما رأيت

ص: 73


1- الكافي: ج2 ص146 باب الإنصاف والعدل ح10.
2- لعساء: إذا كان في لونها أدنى سواد فيه شربة حمرة ليست بالناصعة. لسان العرب: ج6 ص207.
3- ذلفاء من الذلف: وهو قصر الآنف وصغره، لسان العرب: مادة ذلف.
4- عيطاء: طويلة العنق في اعتدال.
5- درماء الكعبين: أي المرأة التي لا تستبين كعوبها ومرافقها، وكل ما غطاة الشحم واللحم وخفي حجمه فقد درم، القاموس: درم.
6- الشمم في الأنف: ارتفاع القصبة وحسنها.
7- الخدل: الممتلئ التام، يقال: ساق خدلة، وهي خدلة الساق والمخلخل، والجمع: خدال، والخدلة: المرأة الغليظة الساق.

من فصاحتها.

فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلّي عنّي وما تشمت بي أحياء العرب، فإنّي ابنة سيّد قومي وأنّ أبي كان يحمي الذّمار((1))

ويفكّ العاني، ويُشبع الجائع، ويكسو العاري ويُقري((2))

الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيء.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا جارية هذه صفة المؤمنين حقّاً، لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه، خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، والله تعالى يحبّ مكارم الأخلاق».

فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، الله يحبّ مكارم الأخلاق؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة أحد إلاّ بحسن الخلق»((3)).

من لا يرحم لا يُرحم

رأى الأقرع بن حابس النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يقبّل الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقال: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت واحداً منهم.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ من لا يَرحم لا يُرحم»((4)).

ص: 74


1- الذمار: بكسر الذال: كل ما يلزم حفظه وحمايته والدفاع عنه.
2- يقرئ الضيف: أي يحسن إليه.
3- مستدرك الوسائل: ج11 ص194 باب استحباب التخلق بمكارم الأخلاق وذكر جملة منها ح12721.
4- مكارم الأخلاق: ص220 في فضل الأولاد.

أكرموا كريم قوم

دخل بعض الصحابة بعض بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) حتى امتلأ، فأتى جرير بن عبد الله ولم يجد مكاناً، فجلس على الباب، وإذا برسول الله (صلى الله عليه وآله) يلفّ رداءه ويلقيه له، وقال: «اجلس على هذا».

فأخذ جرير الرداء ووضعه على وجهه وراح يقبّله ويبكي، ثم لفّه وأرجعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: ما كنت لأجلس على ثوبك، أكرمك الله كما أكرمتني.

فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) يميناً وشمالاً، ثم قال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وكذلك كل من له عليه حقّ قديم فليكرمه»((1)).

عدم الترفع على الآخرين

نُقل أنّ رجلاً ذُكر عند النبي (صلى الله عليه وآله) بخير، فأقبل ذات يوم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا له: يا رسول الله هذا الذي ذكرناه لك.

فقال (صلى الله عليه وآله): «أرى في وجهه سفعة((2))

من الشيطان».

فسلّم ووقف على النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «أسألك الله حدّثتك نفسك أن ليس في القوم أفضل منك؟».

فقال: اللهم نعم((3)).

ص: 75


1- الكافي: ج2 ص659 باب إكرام الكريم ح1.
2- السفعة: العلامة.
3- المحجة البيضاء: ج6 ص240 بيان ما به التكبر.

من استغنى أغناه الله

اشتدّت حال رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت له امرأته: لو أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) فسألته.

فقصد النبي (صلى الله عليه وآله)، ولما رآه النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: «من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله».

فقال الرجل: ما يعني غيري، فرجع إلى امرأته فأعلمها، فقالت: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشر فأعلمه، فرجع من جديد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذا به (صلى الله عليه وآله) يعيد قوله: «من سألناه أعطيناه ومن استغنى أغناه الله»، وقد حدث ذلك له مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مرّات.

وإذا بالرجل يستعير معولاً ويذهب إلى الجبل واحتطب ثم أتى به السوق وباعه بنصف مدّ من الدقيق وأكله مع أهله، وفي اليوم الثاني احتطب أكثر وباعه بقيمة أكثر، ولم يزل كذلك يعمل ويجمع إلى أن اشترى معولاً ثم عمل واشترى بكرّين وغلاماً، ومازال يعمل حتى أثرى وأيسر، فقصد النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بالأمر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «قلت لك من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله»((1)).

من صفات الشيعة

قال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله فلان ينظر إلى حرم جاره فإن أمكنه مواقعة حرام لم يرع عنه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: «ائتوني به»، فقال رجل آخر: يا رسول الله إنّه من شيعتكم ممّن يعتقد موالاتك

ص: 76


1- مشكاة الأنوار: ص184 الفصل السادس والعشرون في اليأس والاستغناء عن الناس.

ومولاة علي (عليه السلام) ويبرأ من أعدائكما ويبرأ من أعدائكما.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تقل إنّه من شيعتنا فإنّه كذب، إنّ شيعتنا من شيعنا وتبعنا في أعمالنا، وليس هذا الذي ذكرته في هذا

الرجل من أعمالنا»((1)).

على مثل جعفر فلتبك البواكي

روي عن أسماء بنت عميس، قالت: أصبحت في اليوم الذي أُصيب فيه جعفر وأصحابه، فأتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد منأت((2)) أربعين منّاً من أدم وعجنت عجيني، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: «يا أسماء أين بنو جعفر؟».

فجئت بهم إليه فضمّهم وشمّهم ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت: يا رسول الله لعلّه بلغك عن جعفر شيء؟

قال: «نعم إنّه قُتل اليوم»، فقمت أصيح واجتمعت إليّ النساء، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي صدراً»، ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة (عليها السلام) وهي تقول: وا عمّاه، فقال: «على مثل جعفر فلتبك الباكية»، ثم قال: «اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم»((3)).

ص: 77


1- بحار الأنوار: ج65 ص155 باب صفات الشيعة وأصنافهم وذمّ الاغترار والحث على العمل والتقوى ح11.
2- منأت الأديم: إذا ألقيته في الدباغ، ويقال له ما دام في الدباغ: منيئة.
3- بحار الأنوار: ج21 ص63 باب غزوة مؤتة وما جرى بعدها إلى غزوة ذات السلاسل.

أجلسي في بيتك

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم.

قال: وإنّ أباها مرض، فبعثت المرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إنّ زوجي خرج وعهد إليّ أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم وإنّ أبي قد مرض فتأمرني أن أعوده؟

فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا اُجلسي في بيتك وأطيعي زوجك.

قال: فثقل، فأرسلت إليه ثانياً بذلك، فقالت: فتأمرني أن أعوده؟

فقال (صلى الله عليه وآله): اُجلسي في بيتك وأطيعي زوجك.

قال: فمات أبوها فبعثت إليه إنّ أبي قد مات فتأمرني أن أصلّي عليه؟

فقال: لا اُجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك»((1)).

ما جزيتها ولو طلقة

شكا رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) سوء خُلق أمّه، فقال (صلى الله عليه وآله): «لم تكن سيّئة الخُلق حين حملتك تسعة أشهر؟».

قال: إنّها سيّئة الخُلق.

قال (صلى الله عليه وآله): «لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟».

ص: 78


1- الكافي: ج5 ص513 باب ما يجب من طاعة الزوج على المرأة ح1.

قال: إنّها سيّئة الخُلق.

قال (صلى الله عليه وآله): «لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها؟».

قال: لقد جازيتها.

قال (صلى الله عليه وآله): «ما فعلت؟».

قال: حججت بها على عاتقي.

قال (صلى الله عليه وآله): «ما جزيتها ولو طلقة واحدة»((1)).

الاستئذان للضيف

ذات يوم دعا قوم من أهل المدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخمسة من الأصحاب إلى طعام، فأجاب (صلى الله عليه وآله) دعوتهم، وبينما هم في الطريق أدركهم سادس وماشاهم، فلمّا دنوا من بيت القوم قال للرجل: «إنّ القوم لم يدعوك، فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك»((2)).

أبصرت فاثبت

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري، فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله مؤمن حقّاً.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكل شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟

فقال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري،

ص: 79


1- زبدة التفاسير: ج4 ص25 الآية23-25.
2- مكارم الأخلاق: ص22 في مشيه (صلى الله عليه وآله).

وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد وضع للحساب، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة، وكأنّي أسمع عواء أهل النار في النار.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): عبد نوّر الله قلبه، أبصرت فأثبت.

فقال: يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة معك.

فقال: اللهم ارزق حارثة الشهادة، فلم يلبث إلاّ أياماً حتى بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرية فبعثه فيها، فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قُتل»((1)).

ما هذه الكسيرة؟

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «كنّا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة (عليها السلام) ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسيرة؟

قالت: قرصاً خبزته للحسن والحسين (عليهما السلام) جئتك منه بهذه الكسيرة.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أما إنه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث»((2)).

ناولني لقمة من طعامك

ذات يوم مرّت امرأة بذيّة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه.

فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ويحك وأيّ عبد أعبد منّى؟!».

ص: 80


1- المحاسن: ج1 ص247 باب اليقين والصبر في الدين ح147.
2- بحار الأنوار: ج16 ص225 باب مكارم أخلاقه وسيرته وسننه (صلى الله عليه وآله) وما أدبه به الله تعالى ح28.

قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلاّ التي

في فيك، فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها، فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا روحها((1)).

أفلا أكون عبداً شكوراً

روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتى عوتب في ذلك، فقال الله عزّ وجلّ: «طَهَ * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرآنَ لِتَشْقَى»((2)) بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر((3)

قال (صلى الله عليه وآله): «بلى أفلا أكون عبداً شكوراً؟»((4)).

لو كان الرجل نخّاساً

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان رجل يبيع الزيت وكان يحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبّاً شديداً، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد عُرف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله (صلى الله

ص: 81


1- المحاسن: ج2 ص457 باب الأكل متكئاً ح388.
2- سورة طه: 12.
3- إشارة إلى قوله تعالى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ» سورة الفتح: 2.
4- الاحتجاج: ج1 ص326 احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله.

عليه وآله) حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك أشار إليه بيده

إجلس فجلس بين يديه، فقال: «مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟».

فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحقّ نبياً لغشى قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعا له وقال له: خيراً، ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أياماً لا يراه، فلما فقده سأل عنه، فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام، فانتعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت، فإذا دكّان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته، فقيل: يا رسول الله مات، ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً إلاّ أنه قد كان فيه خصلة، قال: «وما هي؟».

قالوا: كان يرهق يعنون يتبع النساء.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رحمه الله، والله لقد كان يحبّني حبّاً لو كان نخاساً لغفر الله له»((1)).

ما الدين؟

روي أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بين يديه، فقال: يا رسول الله ما الدين؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «حُسن الخُلق».

ثم أتاه عن يمينه، فقال: ما الدين؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «حسن الخلق».

ثم أتاه من قبل شماله، فقال: ما الدين؟

ص: 82


1- الكافي: ج8 ص78 باب فضل الشيعة وتأويل قوله تعالى: «وما لنا لا نرى رجالاً» الآية ح31.

فقال (صلى الله عليه وآله): «حُسن الخلق».

ثم أتاه من ورائه، فقال: ما الدين؟

فالتفت إليه، وقال: «أمّا تفقه الدين، هو أن لا تغضب» ((1)).

لا تحقرّن شيئاً

روي أنّ أنصارياً أصابته حاجة، فأخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: «إيتني بما في منزلك ولا تحقّر شيئاً»، فأتاه بحلس((2)) وقدح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من يشتريهما؟».

فقال رجل: هما عليّ بدرهم.

فقال (صلى الله عليه وآله): «من يزيد؟».

فقال رجل: هما عليّ بدرهمين، فقال: «هما لك».

فقال (صلى الله عليه وآله): «ابتع بأحدهما طعاماً لأهلك وابتع بالآخر فأساً».

فأتاه بفأس، فقال (عليه السلام): «من عنده نصاب لهذه الفاس؟».

فقال أحدهما: عندي، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأثبته بيده، وقال: «اذهب فاحتطب ولا تحقرنّ شوكاً ولا رطباً ولا يابساً».

ففعل ذلك خمس عشرة ليلة فأتاه وقد حسنت حاله، فقال (صلى الله عليه وآله): «هذا خير من أن تجيء يوم القيامة وفي وجهك كدوح الصدقة؟»((3)).

ص: 83


1- مجموعة ورام: ج1 ص89 باب العتاب.
2- الحلس، بكسر الحاء وفتحها: كل شيء ولي ظهر البعير والدابة تحت الرحل والقتب والسرج.
3- بحار الأنوار: ج100 ص10 ياب الحث على طلب الحلال ومعنى الحلال ح44.

نعم للقناعة والكفاف

مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) براعي إبل فبعث يستسقيه، فقال: أمّا في ضروعها فصبوح الحي((1))، وأمّا في ما في آنيتنا فغبوقهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم أكثر ماله وولده».

ثم مرّ براعي غنم فبعث إليه يستسقيه فحلب له مافي ضروعها وأكفأ ما في إنائه في إناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعث إليه بشاة، قال: هذا ما عندنا وإن أحببت أن نزيدك زدناك. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهم ارزقه الكفاف».

فقال له بعض أصحابه: يارسول الله دعوت للذي ردّك بدعاء عامتنا نحبّه، ودعوت للذي أسعفك بحاجتك بدعاء كلّنا نكرهه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، اللهم ارزق محمداً وآل محمد الكفاف»((2)).

دعوها فإنّها جبّارة

مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم في بعض طرق المدينة وسوداء تلقط السرقين((3))، فقيل لها: تنحّي عن طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقالت: إنّ الطريق لمعرض. فهمّ بعض القوم أن يتناولها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «دعوها فإنّها جبّارة»((4)).

ص: 84


1- الصبوح، بالفتح: شرب الغداة.
2- الكافي: ج2 ص140 باب الكفاف ح4.
3- السرقين: معرّب سرگين.
4- الكافي: ج2 ص309 باب الكبر ح2.

المديون وعدم الصلاة عليه

نقل أبو قتادة، فقال: أتي بجنازة فوضعت حتى يصلّي عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لأصحابه: «صلّوا عليه فإنّي لا أصلّي عليها»!.

فقالوا: ولم يا رسول الله؟ فقال: «لأنّ عليه دَيناً».

فقال أبو قتادة: أنا أضمن أن أقضي دينه.

فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): «بتمامه وكماله؟».

قال: بتمامه وكماله. فصلّى عليه الرسول (صلى الله عليه وآله).

يقول أبو قتادة: الدَين الذي كان عليه سبعة عشر أو ثمانية عشر درهماً((1)).

ما بال أقوام من أصحابي

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّ ثلاث نسوة أتين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت إحداهن: إنّ زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يقرب النساء.

فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجرّ رداءه، حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا يشمّون الطيب ولا يأتون النساء، أما إنّي آكل اللحم وأشمّ الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي»((2)).

ص: 85


1- مستدرك الوسائل: ج13 ص404-405 باب براءة ذمة الميّت من الدين إذا ضمنه ضامن للغرماء ورضوا به ح15735.
2- الكافي: ج5 ص496 باب كراهية الرهبانية وترك الباه ح5.

ميسرة يروي المعجزة

عن ابن عباس، قال: كان سبب تزويج النبي (صلى الله عليه وآله) بخديجة (عليها السلام) أنّه أقبل ميسرة عبد خديجة وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نزل تحت شجرة، فرآه الراهب، فقال: من هذا الذي معك؟

فقال: من أهل مكة، قال: فإنّه نبيّ، والله ما جلس في هذا المجلس بعد عيسى (عليه السلام) أحد غيره.

قال: فأقبل إلى خديجة، فقال لها: إنّي كنت آكل معه حتى أشبع، ويبقى الطعام، فدعت خديجة بقناع عليه رطب، ودعت أختها هالة، وهي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد الشمس، ودعت النبي (صلى الله عليه وآله)، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء((1)).

هنيئاً لك الجنة

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه معه، فأمر (صلى الله عليه وآله) بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلمّا أن حُنّط وكُفّن وحُمل على سريره، تبعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً، يسدّ به ما بين اللبن، فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل البلى

ص: 86


1- الثاقب في المناقب: ص47 فصل في بيان آياته الواردة في الأطعمة والأشربة ح12.

إليه، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه.

فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت أُمّ سعد: يا سعد، هنيئاً لك الجنّة.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أُمّ سعد مه، لا تجزمي على ربّك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة.

قال: فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجع الناس، فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟

فقال (صلى الله عليه وآله): إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها.

قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرة؟

قال: كانت يدي في يد جبرئيل (عليه السلام) آخذ حيث يأخذ.

قالوا: أمرت بغسله، وصلّيت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: «إنّ سعداً قد أصابته ضمّة»؟

قال: فقال (صلى الله عليه وآله): «نعم، إنّه كان في خلقه مع أهله سوء»((1)).

مالي وللدنيا

روي أنّ عمر دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو على حصير قد أثّر في جنبه، فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوثر منه.

فقال (صلى الله عليه وآله): «مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها»((2)).

ص: 87


1- أمالي الصدوق: ص385 المجلس الحادي والستون ح2.
2- مجموعة ورام: ج1 ص78.

أقم مع والديك

عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إنّي راغب في الجهاد نشيط.

قال: فجاهد في سبيل الله، فإنّك إن تُقتل كنت حيّاً عند الله ترزق، وإن متّ فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما وُلدت.

فقال: يا رسول الله، إنّ لي والدين كبيرين، يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقم مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة»((1)).

ص: 88


1- أمالي الصدوق: ص461 المجلس السبعون ح8..

2-من قصص الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم (عليه السلام).

* والده: أبو طالب مؤمن قريش.

* والدته: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الاُمّ، حيث تربّى (صلى الله عليه وآله) في حجرها، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهاجرت معه إلى المدينة، وقد كفّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وفاتها بقميصه وتوسّد في قبرها ولقّنها الإقرار بولاية ابنها كما اشتهرت به الرواية، وهي أوّل هاشمية ولدت هاشمياً.

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في الثالث عشر من شهر رجب بعد ثلاثين سنة من ولادة النبي (صلى الله عليه وآله) في الكعبة المشرفة.

* ألقابه: لقّبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين، وخصّه بهذا اللقب، ولا يجوز هذا اللقب لغيره حتى لسائر الأئمة (عليهم السلام).

* كنيته المشهورة: أبو الحسن.

ص: 89

* نقش خاتمه: الملك لله.

* خصائصه: خصائص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يسعها كتاب أو يحويها خطاب، ولم ينفرد بنقلها الشيعة فحسب، بل روى العامّة كثيراً منها، ومن أهم خصائصه:

1: ولادته (عليه السلام) في الكعبة المشرّفة التي لم يُولد فيها أحد غيره.

2: آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين الإمام علي (عليه

السلام) لما آخى بين المسلمين ولعدة مرات.

3: كان (عليه السلام) حامل لواء الرسول (صلى الله عليه وآله).

4: أمّره رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض سراياه، ولم يجعل عليه أميراً.

5: بلّغ (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة البراءة.

6: منزلته (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) منزلة هارون من موسى (عليهما السلام).

* قالوا في حقه: كثر المادحون لأمير المؤمنين (عليه السلام) من المخالفين والموافقين حتى فاق كلامهم حدّ الإحصاء، نشير إلى بعضها:

1. عن ابن عباس، قال: سمعت عمر وعنده جماعة فذكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا أنا فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن وكانت أحبّ إلي عمّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب النبي (صلى الله عليه وآله) على منكب علي (عليه السلام) وقال له: «يا علي أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّل المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى»((1)).

ص: 90


1- كشف الغمة: ج1 ص87 ما جاء في إسلامه وسبقه وسنه يومئذ.

2. قال ابن عباس: علي (عليه السلام) علم علماً علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله علّمه الله، فعلم النبي علم الله، وعلم علي من علم النبي، وعلمي من علم علي، وما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي (عليه السلام) إلاّ كقطرة في سبعة أبحر((1)).

3. مرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بملأ فيهم سلمان، فقال لهم سلمان: قوموا فخذوا بحجزة هذا، فوالله لا يخبركم بسرّ نبيّكم غيره((2)).

4. حذيفة بن اليمان قال: كنّا نعبد الحجارة ونشرب الخمر وعلي (عليه السلام) من أبناء أربع عشرة سنة قائم يصلّي مع النبي (صلى الله عليه وآله) ليلاً ونهاراً، وقريش يومئذ تسافه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يذبّ عنه إلاّ علي((3)).

ص: 91


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص310فصل المسابقة بالعلم.
2- أمالي المفيد: ص354 المجلس الثاني والأربعون.
3- شرح نهج البلاغة: ج13 ص334-335 القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منهما.

دار الآخرة

روى سويد بن غفلة، فقال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته جالساً على بساط لم أجد في الدار غيره، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما أرى في الدار غير هذا البساط وبيدك الخلافة؟

فقال لي: «يا ابن غفلة، إنّا لا نتأثّث لدار النقلة ولنا دار قد حملنا إليها خير المتاع ونحن منتقلون إليها»((1)).

لاتتكلّف لي شيئاً

أتى الحارث الأعور أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين أحبّ أن تكرمني بأن تأكل عندي.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «على أن لا تتكلّف لي شيئاً».

فدخل الحارث داره وأتاه بكسرة، فجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) يأكل، فقال الحارث: إنّ معي دراهم وأظهرها فإن أذنت لي اشتريت لك؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هذه ممّا في بيتك»((2)).

إلاّ لأعين مظلوماً

ذكر الكوفيون: أنّ سعيد بن قيس الهمداني رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً في فناء حائط، فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الساعة؟

ص: 92


1- مجموعة ورام: ج2 ص22.
2- المحاسن: ج2 ص415 باب أنس الرجل في منزل أخيه ح169.

قال: «ما خرجت إلاّ لأعين مظلوماً، أو أغيث ملهوفاً».

فبينا هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه.

فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدّى عليّ وحلف ليضربني، فاذهب معي إليه.

فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: «لا والله حتى يأخذ للمظلوم حقه غير متعتع، وأين منزلك».

قالت: في موضع كذا وكذا. فانطلق (عليه السلام) معها حتى انتهت إلى منزلها. فقالت: هذا منزلي.

قال: فسلّم (عليه السلام)، فخرج شاب عليه إزار ملوّنة، فقال (عليه السلام): «اتق الله فقد أخفت زوجتك». فقال: وما أنت وذاك، والله لأحرقنّها بالنار لكلامك ...

فقال (عليه السلام) له: «آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وتردّ المعروف».

قال: وأقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين حتى وقفوا عليه، قال: فأُسقط في يد الشاب وقال: يا أمير المؤمنين أعف عنّي عفى الله عنك، والله لأكونّن أرضاً تطأني، فأمرها بالدخول إلى منزلها وانكفأ، وهو يقول: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ»((1))، الحمد لله الذي أصلح بي بين امرأة وزوجها»((2)).

ص: 93


1- سورة النساء: 114.
2- انظر بحار الأنوار: ج40 ص114 باب جوامع مناقبه (صلوات الله عليه) وفيه كثير من النصوص.

أعطوا مولاه مثل ما أخذ

روي أنّ سهل بن حنيف أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) بمولى له أسود، فقال: كم تعطي هذا؟

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): «كم أخذت أنت؟».

قال: ثلاثة دنانير وكذلك أخذ الناس، قال (عليه السلام): «فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير»((1)).

من بركات محبّة الإمام

روى أنس بن مالك، قال: دفع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى بلال درهماً ليشتري به بطَّيخاً، قال: فاشتريت به، فأخذ بطّيخة فقطعها فوجدها مرّة، فقال: «يا بلال ردّ هذا إلى صاحبه وآتني بالدرهم، إنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) قال لي: إنّ اللَّه قد أخذ حبّك على البشر والشجر والثمر والبذر، فما أجاب إلى حبّك عذب وطاب، وما لم يحبّك خبث ومرّ، وإنّي أظنّ أنّ هذا ممّا لا يحبّني»((2)).

أبو العيال أولى بحمله

روى علي بن صالح بيّاع الأكيسة، عمّن حدّثه، قال: رأيت علياً (عليه السلام) اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته، فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟

فقال (عليه السلام): «أبو العيال أحقّ بحمله»((3)).

ص: 94


1- الاختصاص: ص152 فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) من كتاب ابن دأب.
2- مستدرك الوسائل: ج16 ص413-414 باب كراهة أكل البطيخ المرّ ح20381.
3- الغارات: ج1 ص58 سيرته (عليه السلام) في نفسه.

شفاء طفلة من الجدري

روى عبد الواحد بن زيد، قال: كنت حاجاً إلى بيت الله فبينا أنا في الطواف إذا رأيت جاريتين عند الركن اليماني، تقول إحداهما للأخرى: لا وحقّ المنتجب للوصيّة، والحاكم بالسويّة، والعادل في القضيّة، بعل فاطمة (عليها السلام) الزكيّة الرضيّة المرضيّة، ما كان كذا.

فقلت: من هذا المنعوت؟

قالت: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) علم الأعلام، وباب الأحكام، قسيم الجنة والنار، ربّاني الأمّة.

قلت: من أين تعرفينه؟

قالت: وكيف لا أعرفه، وقد قُتل أبي بين يديه بصفّين ولقد دخل على أمّي لما رجع، فقال: «يا أُمّ الأيتام كيف أصبحت؟». قالت: بخير.

ثم أخرجتني وأختي هذه إليه (عليه السلام) وكان قد ركبني من الجدري ما ذهب به بصري، فلمّا نظر علي (عليه السلام) إلي، تأوّه وقال:

ما إن تأوّهت من شيء رزيت به كما تأوّهت للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم في النائبات وفي الأسفار والحضر

ثم أمرّ يده المباركة على وجهي فانفتحت عيني لوقتي وساعتي، فوالله إنّي لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء، ببركته (صلوات الله عليه وعلى أبنائه المعصومين)((1)).

ص: 95


1- العقد النضيد: ص102 الحديث والثمانون ذكر فضائل لأميرالمؤمنين (عليه السلام) برواية بنتي عمار بن ياسر.

من زهد الإمام

عن سويد بن غفلة، قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه

السلام)

القصر فوجدته جالساً وبين يديه صحفة((1)) فيها لبن خاذر((2)) أجد ريحه من شدّة حموضته، وفي يديه رغيف أرى آثار قشار الشعير في وجهه وهو يكسره بيده أحياناً، فإذا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن.

قال (عليه السلام): «اُدن فأصب من طعامنا هذا»، فقلت: إنّي صائم، فقال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها».

قال: فقلت لجاريته وهي قائمة بقرب منه: ويحك يا فضّة ألا تتقين الله في هذا الشيخ، ألا تنخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة؟!

فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً، قال (عليه السلام) لي: «ما قلت لها؟».

فأخبرته، فقال: «بأبي وأمّي من لم يُنخل له طعام، ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيام حتى قبضه الله عزّ وجلّ»((3)).

يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 96


1- الصحفة: إناء يؤكل به.
2- اللبن الخاذر: هو اللبن الذي اشتدّت حموضته.
3- الغارات: ج2 ص706-707 حول دلالة الرواية على زهده (عليه السلام).

أصناف الشيعة

روى سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): إنّ أهل بيتي يقطعوني وأوصلهم، ويحرموني فأعطيهم، ويكلّموني وأعفو عنهم، ويشتموني ولا أشتمهم.

فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «عهدت الناس ورقاً لا شوك فيه، وهم اليوم شوك لا ورق فيه؟».

فقلت: فكيف أصنع يا أمير المؤمنين؟

قال: «ولّهم عرضك ليوم فقرك، شيعتنا ثلاثة أصناف: صنف يصلونا، وصنف يصلون الناس، وصنف والوا ولينا وعادوا عدّونا. أولئك الأولياء الأخيار الحكماء العلماء وطوبى لهم وحسن مآب»((1)).

هبني سيفك

روي أنّ الإمام علي (عليه السلام) كان يحارب رجلاً من المشركين، فقال المشرك: يا بن أبي طالب هبني سيفك، فرماه إليه، فقال المشرك: عجباً يا بن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك، فقال: «يا هذا أنّك مددت يد المسألة إلي وليس من الكرم أن يُردّ السائل».

فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال: هذه سيرة أهل الدين، فباس قدمه وأسلم((2)).

ص: 97


1- كتاب سليم بن قيس ج2 ص967 الحديث الثامن والتسعون.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج2 ص87 فصل في المسابقة بالشجاعة.

الأمن من العقوبة

روي أنّ الإمام علي (عليه السلام) دعا غلامه مرّات فلم يجبه، فنظر فإذا هو بالباب، فقال له: «لِمَ لم تجبني؟».

فقال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك.

فاستحسن جوابه وأعتقه((1)).

التمر الصيحاني

روى الإمام علي (عليه السلام) قال: «خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم نمشي في طرقات المدينة، إذ مررنا بنخيل من نخيلها، فصاحت نخلة بأخرى: هذا النّبيّ المصطفى وعليّ المرتضى.

ثمّ جزناهما، فصاحت ثانية بثالثة: هذا موسى وأخوه هارون.

ثمّ جزناهما، فصاحت رابعة بخامسة: هذا نوح وإبراهيم.

ثمّ جزناهما، فصاحت سادسة بسابعة: هذا محمّد سيّد النبيّين وهذا عليّ سيّد الوصيّين.

فتبسّم النّبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال: يا علي، إنّما سمّي نخل المدينة صيحانيّاً لأنّه صاح بفضلي وفضلك»((2)).

ص: 98


1- تفسير الفخر الرازي: ج31 في تفسير قوله تعالى: «يا أيها الإنسان ماغرّك بربك الكريم».
2- المحتضر: ص178 وممّا يدل على تفضيل أميرالمؤمنين (عليه السلام) ح211.

أشد الناس عبادة

روى عروة بن الزبير، فقال: كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم، ألا أخبركم بأقل القوم مالاً، وأكثرهم ورعاً، وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟

قالوا: من؟

قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.

فقال أبو الدرداء: يا قوم، إنّي قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام): بشويحطات النجّار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممّن يليه، واستتر بمغيلات((1)) النخل، فافتقدته وبعد عليّ مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: «إلهي، كم من موبقة حملت عنّي فقابلتَها بنعمتك، وكم من جريرة تكرّمتَ عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمّل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك».

فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه، فاستترت له، وأخملت الحركة، فركع (عليه السلام) ركعات في جوف الليل

ص: 99


1- المغيل: النابت في الغيل والداخل فيه، والغيل: الشجر الكثير الملتف. وفي نسخة: ببعيلات النخل، قال المجلسي (رحمه الله): هي جمع بعيل، مصغر بعل: وهو كل نخل وشجر لا يسقى، والذكر من النخل. بحار الأنوار: ج41 ص 13.

الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والبكاء والبثّ والشكوى، فكان ممّا ناجى به الله أن قال: «إلهي، أفكر في عفوك، فتهون عليّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليّتي».

ثم قال: «آه، إن أنا قرأتُ في الصحف سيّئة أنا ناسيها وأنت

محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء».

ثم قال: «آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزّاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى».

قال: ثم أنعم في البكاء، فلم أسمع له حسّاً ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر.

قال أبو الدرداء فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرّك وزويته فلم ينزو، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات والله علي ابن أبي طالب. قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة (عليها السلام): «يا أباالدرداء، ما كان من شأنه ومن قصته؟».

فأخبرتها الخبر، فقالت: «هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله».

ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق ونظر إليّ وأنا أبكي، فقال: «ممّ بكاؤك، يا أبا الدرداء؟».

فقلت: ممّا أراه تنزله بنفسك.

فقال: «يا أبا الدرداء، فكيف لو رأيتني ودُعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار، قد أسلمني الأحبّاء، ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشدّ رحمة لي بين يدي

ص: 100

من لا تخفى عليه خافية».

فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)((1)).

خليفة لا يملك سوى ثوب

يقول أبو إسحاق السبيعي: كنت على عنق أبي يوم الجمعة وأمير

المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يخطب وهو يتروّح بكمّه، فقلت: يا أبه أمير المؤمنين يجد الحر؟ فقال لي: لا يجد حرّاً ولا برداً، ولكنّه غسل قميصه وهو رطب ولا له غيره فهو يتروح به((2)).

دع شاتمك مهاناً

عن جابر، قال: سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجلاً يشتم قنبراً، وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مهاناً، ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوّك، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عُوقب الأحمق بمثل السكوت عنه»((3)).

ص: 101


1- الأمالي، للصدوق: ص79 المجلس الثامن عشر ح9.
2- الغارات: ج1 ص62 سيرته على نفسه (عليه السلام).
3- أمالي، للمفيد: ص118 ترك الشاتم يوجب رضى الرحمن وسخط الشيطان ح2.

ما تحبني ولا أحبك

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً جالس في المسجد وأصحابه حوله فأتاه رجل من شيعته، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله يعلم أنّى أدينه بحبّك في السرّ كما أدينه بحبّك في العلانية، وأتولاّك في السرّ كما أتولاّك في العلانية، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): صدقت أما فاتخذ للفقر جلباباً فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي.

قال: فولّى الرجل وهو يبكى فرحاً لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) صدقت، قال رجل من الخوارج يحدّث صاحباً له قريباً من أمير المؤمنين، فقال أحدهما لصاحبه: تالله إن رأيت كاليوم قطّ أنّه أتاه رجل فقال له: إنّي لأحبّك، فقال له: صدقت، فقال له الآخر: أنا ما أنكرت من ذلك لم يجد بدّاً من أنه إذا قيل له: إنّي لأحبّك أن يقول له: صدقت تعلم أنّي لأحبّه.

قال: فأنا أقوم فأقول له مثل مقالة الرجل فيردّ علي مثل ما ردّ عليه.

قال: نعم، فقام الرجل فقال له مثل مقاله الأولى، فنظر (عليه السلام) إليه مليّاً ثم قال له: كذبت لا والله ما تحبّني ولا أحبّك.

قال فبكى الخارجي، فقال: يا أمير المؤمنين لتستقبلني بهذا وقد علم الله خلافه أبسط يديك أبايعك، قال: على ماذا؟.

قال: على ما عمل رزيق وحبتر، قال: فمدّ يده وقال له: اصفق لعن الله الاثنين، والله لكأنّي بك قد قتلت على ضلال ووطئت وجهك دواب العراق فلا تغرنّك قوّتك.

قال: فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان وخرج الرجيم معهم فقُتل»((1)).

ص: 102


1- بصائر الدرجات: ص391 392 ب8 باب في الإمام أنه يعرف شيعته من عدوه ... ح3.

شاب يغنّي

روى رميلة: أن علياً (عليه السلام) مرّ برجل يخيط وهو يغنّي، فقال له: «يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيراً لك».

فقال: إنّي لا أحسنه، ولوددت أنّي أحسن منه شيئاً.

فقال: «أدن منّي». فدنا منه فتكلّم في أذنه بشيء خفي، فصوّر الله القرآن كلّه في قلبه، يحفظه كلّه((1)).

لو أنّني جاوبته لأمضّه

نقل قنبر، فقال: دخلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) على عثمان فأحبّ الخلوة، فأومى إليّ بالتنحّي فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه وأقبل إليه عثمان، فقال: مالك لا تقول؟

فقال (عليه السلام): «ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ، ثم خرج قائلاً:

ولو أنّني جاوبته لأمضّه نواقد قولي واحتضار جوابي

ولكنّني أغضي على مضض الحشا ولو شئت اقداما لأنشب نابي» ((2)).

ص: 103


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص174-175 الباب الثاني في معجزات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ح7.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج2 ص114 فصل في حلمه وشفقته.

الاشتغال باللعن

روى الحرّ العاملي (رحمه الله) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يطوف بالكعبة فرأى رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يصلّي على محمد وآله ويسلّم عليه، ومرّ به ثانياً ولم يسلّم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين لِمَ لَمْ تسلّم علي هذه المرّة؟

فقال (عليه السلام): خفت أن أشغلك عن اللعن وهو أفضل من السلام وردّ السلام ومن الصلاة على محمد وآل محمد قداسة القسم بالله عزّ وجلّ ((1)).

هداية قوم من اليهود

روى عمّار بن ياسر، فقال: كنت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ خرج من الكوفة إذ عبر بالضيعة التي يقال لها: النخيلة علي فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود، وقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب الإمام؟

فقال (عليه السلام): «أنا ذا».

فقالوا: لنا صخرة مذكورة في كتبنا، عليها اسم ستّة من الأنبياء، و ها نحن نطلب الصخرة فلا نجدها، فإن كنت إماماً فأوجدنا الصخرة.

فقال (عليه السلام): «اتّبعوني».

قال عمّار: فسار القوم خلف أمير المؤمنين إلى أن استبطن بهم البرّ، وإذا بجبل من رمل عظيم، فقال (عليه السلام): «أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة». فما كان إلّا ساعة حتى نسفت الرمل عن الصخرة، وظهرت الصخرة.

فقال (عليه السلام): «هذه صخرتكم».

ص: 104


1- مجمع النورين: ص208.

فقالوا: عليها اسم ستّة أنبياء على ما سمعناه وقرأناه في كتبنا، ولسنا نرى عليها الأسماء.

فقال (عليه السلام): «الأسماء التي عليها وفيها فهي على وجهها الذي على الأرض فاقلبوها»، فاعصوصب((1)) عليها ألف رجل فما قدروا على قلبها.

فقال (عليه السلام): «تنحّوا عنها». فمدّ يده إليها و هو راكب فقلبها، فوجدوا عليها اسم ستّة من الأنبياء أصحاب الشريعة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى (عليهم أفضل السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله).

فقال نفر من اليهود: نشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمداً رسول اللّه، وأنّك أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، وحجّة اللّه في أرضه، من عرفك سعد ونجا، ومن خالفك ضلّ و غوى، وإلى الجحيم هوى، جلّت مناقبك عن التحديد، وكثرت آثار نعمك عن التعديد ((2)).

لا أُكافيهم بمثل فعلهم

لما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له: اُقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً، سألهم علي (عليه السلام) وأصحابه أن يسوّغوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمئاً كما مات ابن عفّان.

فلما رأى (عليه السلام) أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء

ص: 105


1- اعصوصب، كإعشوشب: اجتمع.
2- عيون المعجزات: ص31 -32 بيتان لعامر بن ثعلبة أولهما: (علي حبّه جنّة).

لهم، فقال له أصحابه وشيعته: أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب.

فقال: لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض

الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك((1)).

تكلّم بما يعنيك

روى الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال: «مرّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه، ثم قال: إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربك، فتكلّم بما يعنيك ودع ما لا يعنيك»((2)).

قاتله الله ما أفقهه

يقال: إنه مرّت امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن أبصار هذه الفحول طوامع، وإنّ ذلك سبب هناتها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنّما هي امرأة كامرأة».

فقال رجل من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه!.

فوثب القوم ليقتلوه، فقال (عليه السلام): «رويداً إنّما هو سبّ بسب، أو عفو عن ذنب»((3)).

ص: 106


1- بحار الأنوار: ج41 ص146 في سخاوته وجوده وحلمه (عليه السلام).
2- أمالي الصدوق: ص85 في صوم الدهر وإحياء الليل وختم القرآن ح53.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج2 ص113 فصل في حلمه وشفقته.

بيت المال للناس

عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: كان أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) إذا أتي بالمال أدخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقّين، ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة، وهو يقول: «يا

صفراء، يا بيضاء، لا تغريني، غرّي غيري: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه»((1)).

هذا مال من لا مال له

عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الناس يروون أنّ لك مالاً كثيراً، فقال: «ما يسوؤني ذاك، إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ ذات يوم على ناس شتى من قريش وعليه قميص مخرق، فقالوا: أصبح علي لا مال له، فسمعها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأمر الذي يلي صدقته أن يجمع تمره ولا يبعث إلى إنسان شيئاً وأن يوفّره، ثم قال له: «بعه الأول فالأول واجعلها دراهم ثم اجعلها حيث تجعل التمر فاكبسه معه حيث لا يرى»، وقال للذي يقوم عليه: «إذا دعوت بالتمر فاصعد وانظر المال فاضربه برجلك كأنّك لا تعمد الدراهم حتى تنثرها» ثم بعث إلى رجل منهم يدعوهم ثم دعى بالتمر، فلما صعد ينزل بالتمر ضرب برجله فنثرت الدراهم، فقالوا: ما هذا يا أبا الحسن؟

فقال: «هذا مال من لا مال له»، ثم أمر بذلك المال فقال: «انظروا أهل كل بيت كنت أبعث إليهم فانظروا ماله وابعثوا إليه»((2)).

ص: 107


1- أمالي الصدوق: ص357 علي (عليه السلام) في بيت المال ح440.
2- الكافي: ج6 ص439 باب التجمّل وإظهار النعمة ح8.

قطيفتي من المدينة

قال هارون بن عنترة عن أبيه: دخلت على علي (عليه السلام) بالخورنق((1))

وهو فصل شتاء وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه!، فقلت:

يا أمير المؤمنين إنّ الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً وأنت تفعل ذلك هذا بنفسك؟

فقال: «والله ما أرزأكم شيئاً وما هي إلاّ قطيفتي التي أخرجتها من المدينة»((2)).

سلوني قبل أن تفقدوني

روي أنّ قوماً حضروا عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يخطب بالكوفة ويقول: «سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا لا أُسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلا مدّع أو كذّاب مفتر».

فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، وهو رجل آدم ظرب طوال جعد الشعر، كأنّه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته لعلي (عليه السلام): يا أيّها المدّعي لما لا يعلم والمتقدّم لما لا يفهم، أنا سائلك فأجب.

قال: فوثب إليه أصحابه وشيعته من كل ناحية وهمّوا به، فنهرهم علي (عليه السلام) وقال: «دعوه ولا تعجلوه، فإنّ العجل والطيش لا يقوّم به حجج الله، ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى»، ثم التفت إلى السائل، فقال: «سل بكل لسانك ومبلغ علمك أجبك إن شاء الله تعالى بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم».

ص: 108


1- الخورنق: موضع بالكوفة، قيل: إنه نهر، والمعروف أنه القصر القائم إلى الآن بالكوفة بظاهر الحيرة. مراصد الاطلاع: ج1 ص489.
2- الكامل في التأريخ: ج3 ص400 ذكر بعض سيرته (عليه السلام).

ثم قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟

قال علي (عليه السلام): «مسافة الهواء».

قال الرجل: وما مسافة الهواء؟

قال (عليه السلام): «دوران الفلك».

قال الرجل: وما دوران الفلك؟

قال (عليه السلام): «مسير يوم للشمس».

قال: صدقت، فمتى القيامة؟

قال (عليه السلام): «عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل».

قال الرجل: صدقت، فكم عمر الدنيا؟

قال (عليه السلام): «يقال: سبعة آلاف ثم لا تحديد».

قال الرجل: صدقت، فأين بكة من مكة ؟

قال علي (عليه السلام): «مكة أكناف الحرم، وبكة موضع البيت».

قال الرجل: صدقت، فلم سمّيت مكة؟

قال (عليه السلام): «لأنّ الله تعالى مك الأرض من تحتها؟».

قال: فلم سمّيت بكة؟

قال علي (عليه السلام): «لأنّها بكت رقاب الجبّارين وأعناق المذنبين».

قال: صدقت.

قال: فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟

فقال (عليه السلام): «سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته، ولا الملائكة المقرّبون من أنوار سبحات جلاله، ويحك لا يقال: الله أين، ولا فيم، ولا أي، ولا كيف».

ص: 109

قال الرجل: صدقت، فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟

قال علي (عليه السلام): «أتحسن أن تحسب؟».

قال الرجل: نعم.

قال للرجل: «لعلّك لا تحسن أن تحسب». قال الرجل: بلى إني أحسن أن أحسب.

قال علي (عليه السلام): «أرأيت إن صبّ خردل في الأرض حتى يسدّ الهواء وما بين الأرض والسماء ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من مقدار المشرق إلى المغرب ومدّ في عمرك وأُعطيت القوّة على ذلك حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الأرض والسماء، وإنّما وصفت لك عشر عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء، وأستغفر الله عن

التقليل والتحديد».

فحرّك الرجل رأسه وأنشأ يقول:

أنت أهل العلم يا هادي الهدى تجلو من الشك الغياهيبا

حزت أقاصي العلوم فما تبصر أن غولبت مغلوبا

لا تنثني عن كل اشكولة تبدي إذا حلّت أعاجيبا

لله درّ العلم من صاحب يطلب إنساناً ومطلوبا((1)).

ص: 110


1- بحار الأنوار: ج10 ص128 باب 8 ما تفضّل (صلوات الله عليه) به على الناس بقوله: سلوني قبل أن تفقدوني ح6.

لا تؤخّروه حتى تقسّموه

عن سالم الجحدري، قال: شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) أُتي بمال عند المساء، فقال: «اقتسموا هذا المال»، فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخّره إلى غد، فقال لهم: «تضمنون لي أن أعيش إلى غد؟».

قالوا: ماذا بأيدينا؟

فقال: «لا تؤخّروه حتى تقسّموه»((1)).

جارية لا معين لها

عن أبي مطر البصري: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي، فقال (عليه السلام): «يا جارية ما يبكيك؟».

فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به فلم يرضوه، فلما أتيته به أبى أن يقبله.

قال (عليه السلام): «يا عبد الله إنّها خادم وليس لها أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر».

فقام إليه الرجل فكزّه، فقال الناس: هذا أمير المؤمنين، فربا الرجل واصفرّ وأخذ التمر وردّ إليها درهمها ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عنّي، فقال: «ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك»((2)).

ص: 111


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج2 ص95 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص379 فصل المسابقة بالحلم والشفقة.

لا تطلب النصر بالجور

روى ربيعة وعمارة: أنّ طائفة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) مشوا إليه عند تفرّق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلباً لما في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور، لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف وإنّما هو أموالهم»((1)).

أنت شهدت موت معاوية؟

روى عوف بن مروان، قال: إنّ راكباً قدم من الشام، فأفشى في الكوفة أنّ معاوية مات، فجيئ بالرجل إلى علي (عليه السلام)، فقال: «أنت شهدت موت معاوية؟». قال: نعم، كنت فيمن دفنه.

فقال له علي: «إنّك كاذب». فقال القوم: أهو يكذب؟

قال: «نعم، لأنّ معاوية لا يموت حتى يملك هذه الأمة، ويفعل كذا، ويفعل كذا بعد ما ملك».

فقال القوم: فلم تقاتله وأنت تعلم أنه سيبلغ هذا؟ قال: «للحجّة»((2)).

ص: 112


1- الغارات: ج1 ص48 سيرته (عليه السلام) في المال.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص198الباب الثاني في معجزات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ح37.

هكذا كان يقسّم الفيء

روى أبو إسحاق الهمداني: أنّ امرأتين أتتا علياً (عليه

السلام) عند القسمة، إحداهما من العرب، والأخرى من الموالي، فأعطى كل واحدة

خمسة وعشرين درهماً وكرّاً من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين إنّي امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم، فقال علي (عليه السلام): «والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق»((1)).

ألبسوهم ممّا تلبسون

روى الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى البزّازين فقال لرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين عندي حاجتك، فلما عرفه مضى (عليه السلام) عنه، فوقف على غلام فأخذ ثوبين، أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين، فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة، فقال: أنت أولى به، تصعد المنبر وتخطب الناس، فقال (عليه السلام): وأنت شاب ولك شره الشباب، وأنا استحي من ربّي أن أتفضل عليك، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم ممّا تأكلون» فلما لبس القميص مد كمّ القميص فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء، فقال الغلام: هلمّ أكفّه، قال: دعه كما هو فإنّ الأمر أسرع من ذلك»((2)).

ص: 113


1- روضة الواعظين: ج1 ص108 مجلس ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2- مستدرك الوسائل: ج3 ص257 باب استحباب التواضع في الملابس ح3525.

لقد أبكيت ملائكة السماء

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أوقبت على غلام فطهّرني، فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك.

فلمّا كان من غد عاد إليه، فقال له: يا أمير المؤمنين إنّي أوقبت على غلام فطهّرني.

فقال (عليه السلام) له: يا هذا امض إلى منزلك لعلّ مراراً هاج بك، حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الأولى، فلمّا كان في الرابعة قال له: يا هذا إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيّهن شئت.

قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟

قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو إهداء من جبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار.

فقال: يا أمير المؤمنين أيّهن أشدّ علي؟

قال: الإحراق بالنار.

قال: فإنّي قد اخترتها يا أمير المؤمنين.

قال: خذ لذلك أهبّتك.

فقال: نعم فقام فصلّى ركعتين ثم جلس في تشهده، فقال: اللهم إنّي قد أتيت من الذنب ما قد علمتَه وإنّي تخوفت من ذلك فجئتُ إلى وصيّ رسولك وابن عمّ نبيّك فسألته أن يطهّرني فخيّرني بين ثلاثة أصناف من العذاب، اللهم فإنّي قد اخترتُ أشدّها، اللهم فإنّي أسألك أن تجعل ذلك كفّارة لذنوبي وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي.

ص: 114

ثم قام وهو باك حتى جلس في الحفرة التي حفرها له أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يرى النار تتأجّج حوله.

قال: فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) وبكى أصحابه جميعاً، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة

الأرض، فإنّ الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاودن شيئاً ممّا قد فعلت»((1)).

بيت المال أمانة

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال، فورد عليه طلحة والزبير، فأطفأ (عليه السلام) السراج الذي بين يديه، وأمر بإحضار سراج آخر من بيته، فسألاه عن ذلك فقال (عليه السلام): «كان زيته من بيت المال، لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه»((2)).

مع الأسرى

عن الشعبي قال: لمّا أسر علي (عليه السلام) الأسرى يوم صفّين فخلّى سبيلهم أتوا معاوية، وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم، فما شعروا إلاّ بأسراهم قد خلّى سبيلهم علي (عليه السلام).

فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا ترى قد خلّى سبيل أسرانا.

فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي (عليه السلام).

ص: 115


1- الكافي: ج7 ص202 باب آخر منه ح1.
2- شرح إحقاق الحق: ج8 ص539.

وقد كان علي (عليه السلام) إذا أخذ أسيراً من أهل الشام خلّى سبيله، إلاّ أن يكون قد قتل من أصحابه أحداً فيقتله به، فإذا خلّى سبيله فإن عاد الثانية قتله ولم يخلّ سبيله((1)).

مع أصحاب الكهف

روى شريك بن عبد الله، وهو يومئذ قاض، فقال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) وأبا بكر وعمر إلى أصحاب الكهف، فقال: «ائتوهم فأبلغوهم منّي السلام».

فلما خرجوا من عنده، قالوا لعلي (عليه السلام): تدري أين هم؟

فقال: «ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبعثنا إلى مكان إلاّ هدانا الله له».

فلما أوقفهم على باب الكهف، قال: يا أبا بكر سلّم، فإنّك أسنّنا، فسلّم فلم يجب.

ثم قال: يا أبا حفص سلم، فإنك أسنّ منّي. فسلّم، فلم يجب.

قال: فسلّم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فردّوا السلام وحيّوه، وأبلغهم سلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فردّوا عليه.

فقال أبو بكر: سلهم ما لهم سلّمنا عليهم فلم يسلّموا علينا؟

قال: سلهم أنت. فسألهم فلم يتكلّموا، ثم سألهم عمر فلم يكلّموه، فقالا: يا أبا الحسن سلهم أنت.

قال علي (عليه السلام): «إنّ صاحبي هذين سألاني أن أسألكم: لم رددتم علي

ص: 116


1- مستدرك الوسائل: ج11 ص50 باب حكم الأسارى في القتل، ومن عجز منهم عن المشي ح12406.

ولم تردّوا عليهما؟.

قالوا: لأنّا لا نكلّم إلاّ نبياً أو وصي نبي((1)).

الإمام يقاضي نصرانياً

روى الشعبي، قال: وجد علي (عليه السلام) درعاً له عند نصراني فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه، فلمّا نظر إليه شريح ذهب يتنحّى، فقال (عليه

السلام): «مكانك»، وجلس إلى جنبه، وقال: «يا شريح أما لو

كان خصمي مسلماً ما جلست إلاّ معه ولكنّه نصراني، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كنتم وإيّاهم في طريق فألجؤوهم إلى مضايقة وصغّروا بهم كما صغّر الله بهم في غير أن تظلموا».

ثم قال علي (عليه السلام): «إنّ هذه درعي لم أبع ولم أهب».

فقال للنصراني: ما يقول أمير المؤمنين؟

فقال النصراني: ما الدرع إلاّ درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب.

فالتفت شريح إلى علي (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين هل من بيّنة؟

قال: لا، فقضى بها للنصراني، فمشى النصراني هنيّة ثم أقبل، فقال: أمّا أنا فأشهد أنّ هذه أحكام النبيّين، أمير المؤمنين يمشي بي إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه!، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين انبعث الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرت من بعيرك الأورق.

فقال: «أما إذا أسلمت فهي لك»، وحمله على فرس((2)).

ص: 117


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص190الباب الثاني في معجزات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ح24.
2- الغارات: ج1 ص124-125 في عماله (عليه السلام) وأموره.

علّل النفس بالقنوع

روي ابن شهر آشوب، عن عدي بن حاتم أنّه رأى على علي بن أبي طالب (عليه السلام) عشيّة في بعض مقامه بصفين ومعه عشاء، قال: فلقيناه وإذا بين يديه شنّة((1)) فيها ماء قراح((2))

وكسرات من خبز شعير وملح لم يخلط به غيره.

قال: فقال له عديّ: إنّي لأرثي لك يا أمير المؤمنين، إنّك لتظل نهارك طاوياً مجاهداً، وبالليل ساهراً مكابداً، ثم يكون هذا فطورك؟

فرفع (عليه السلام) رأسه وقال: يا عدي:

الغنى في النفوس والفقر فيها إن تجزّت فقلّ ما يجزيها

علّل النفس بالقنوع وإلاّ طلبت منك فوق ما يكفيها

ليس فيما مضى ولا في الذي لم يأت من لذّة لمستحلّيها

إنما أنت طول عمرت ما عمرّت بالساعة التي أنت فيها ((3)).

المسير إلى الشام

روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟

ص: 118


1- الشنة: القربة أو السقاء الخلق، وهي أشد تبريداً للماء من الجديد. النهاية: ج2ص 506.
2- الماء القراح: الماء الذي لا يخالطه تُفل من سويق ولا غيره الذي يشرب إثر الطعام. لسان العرب: مادة (قرح).
3- مناقب آل أبي طالب: (عليه السلام) ج2 ص98 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ((1)) ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر».

فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟

فقال (عليه السلام) له: «مه يا شيخ، فوالله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرّين».

فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرّين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟

فقال (عليه السلام) له: «وتظن أنّه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً؟

إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدريّة هذه الأمة ومجوسها. إنّ الله تبارك وتعالى كلف تخييراً ونهى تحذيراً وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً، ولم يملك مفوّضاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثاً، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار».

فأنشأ الشيخ يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا جزاك ربك بالإحسان إحسانا ((2)).

ص: 119


1- التلعة: ما علا من الأرض.
2- الكافي: ج1 ص155 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ح1.

التسمية بالقضم

عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنّه سُئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لمّا بارزه علي (عليه السلام): يا قضم، قال: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله (صلى

الله عليه وآله) يرمونه بالحجارة والتراب، وشكى ذلك إلى علي (عليه السلام) فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتعرّض الصبيان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم،

فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمّي لذلك القضم»((1)).

ادفع بالتي هي أحسن

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بشر بن عطارد التميمي في كلام بلغه، فمرّ به رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بني أسد وأخذه، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته، فبعث إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فأتوه به وأمر به أن يُضرب، فقال له نعيم: أما والله إنّ المقام معك لذلّ وإن فراقك لكفر.

قال: فلما سمع ذلك منه قال له: يا نعيم قد عفونا عنك إن الله عزّ وجلّ يقول: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ»((2))، أما قولك: إنّ المقام معك لذلّ

ص: 120


1- بحار الأنوار: ج20 ص52 الباب 12 غزوة أحد وغزوة حمراء الأسد.
2- سورة المؤمنون: 96.

فسيئة اكتسبتها، وأما قولك: إنّ فراقك لكفر فحسنة اكتسبتها، فهذه بهذه، ثم أمر أن يخلّى عنه»((1)).

راهب من أهل الجنة

روي عن أبي سعيد عقيصا، قال: خرجنا مع علي (عليه السلام) نريد صفين، فمررنا بكربلاء، فقال: «هذا موضع الحسين (عليه السلام) وأصحابه».

ثم سرنا حتى انتهينا إلى راهب في صومعة، وتقطع الناس من العطش وشكوا إلى علي (عليه السلام) ذلك، وأنّه قد أخذ بهم طريقاً لا ماء فيه من البرّ، وترك طريق الفرات.

فدنا من الراهب، فهتف به، وأشرف إليه فقال: «أقرب صومعتك ماء؟».

قال: لا.

فثنى (عليه السلام) رأس بغلته، فنزل في موضع فيه رمل، وأمر الناس أن يحفروا هذا الرمل، فحفروا، فأصابوا تحته صخرة بيضاء، فاجتمع ثلاثمائة رجل، فلم يحرّكوها.

فقال (عليه السلام): «تنحّوا فإنّي صاحبها». ثم أدخل يده اليمنى تحت الصخرة، فقلعها من موضعها حتى رآها الناس على كفّه فوضعها ناحية، فإذا تحتها عين ماء أرق من الزلال وأعذب من الفرات، فشرب الناس وسقوا واستقوا وتزودوا، ثم رد الصخرة إلى موضعها وجعل الرمل كما كان.

وجاء الراهب فأسلم، وقال: إنّ أبي أخبرني، عن جدّه وكان من حواري عيسى (عليه السلام) : إنّ تحت هذا الرمل عين ماء، وأنّه لا يستنبطها إلا نبي أو

ص: 121


1- الكافي ج7 ص268 باب النوادر ح40.

وصي نبي.

وقال لعلي (عليه السلام): أتأذن لي أن أصحبك في وجهك هذا؟

قال (عليه السلام): الزمني، ودعا له، ففعل، فلمّا كان ليلة الهرير قُتل الراهب، فدفنه (عليه السلام) بيده، وقال: «لكأنّي أنظر إليه، وإلى منزله في الجنة، ودرجته التي أكرمه الله بها»((1)).

زلزال يُفزع أهل المدينة

عن فاطمة (عليه السلام)، قالت: «أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر، ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر، فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فتبعهما الناس حتى انتهوا إلى باب

علي (عليه السلام) فخرج إليهم علي (عليه السلام) غير مكترث لما هم فيه، فمضى واتّبعه الناس، حتى انتهى إلى تلعة، فقعد عليها وقعدوا حوله، وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة.

فقال لهم علي (عليه السلام): كأنّكم قد هالكم ما ترون؟

قالوا: وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط؟

قالت (عليه السلام): فحرّك شفتيه، ثم ضرب الأرض بيده، ثم قال: ما لك، اسكني.

فسكنت، فعجبوا من ذلك أكثر من تعجبهم أولاً حيث خرج إليهم. قال لهم: إنّكم قد عجبتم من صنيعي، قالوا: نعم.

قال: أنا الرجل الذي قال الله عز وجل: «أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ

ص: 122


1- الخرائج والجرائح ج1 ص222 باب الثاني في معجزات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ح67.

الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا»((1)) فأنا الإنسان الذي أقول لها: (ما لها)، «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» إيّاي تحدّث»((2)).

تسميته ظهيراً

كان أبو طالب (عليه السلام) يجمع ولده وولد أخوته ثم يأمرهم بالصراع، وذلك خُلق في العرب، فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحسّر عن ذراعيه وهو طفل ويصارع كبار أخوته وصغارهم وكبار بني عمّه وصغارهم فيصرعهم فيقول أبوه: ظهر علي، فسمّاه ظهيراً.

قال العوني:

هذا وقد لقبّه ظهيراً أبوه إذ عاينه صغيرا

يصرع من أخوته الكبيرا مشمرا عن ساعد تشميرا

((3)).

اُخرج أيّها الرجل

روي أنّ قصاباً كان يبيع اللحم من جارية إنسان وكان يحيف عليها فبكت وخرجت، فرأت علياً (عليه السلام) فشكته إليه.

فمشى (عليه السلام) معها نحوه ودعاه إلى الإنصاف في حقّها ويعظه ويقول له: «ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القوي فلا تظلم الجارية»، ولم يكن القصّاب يعرف علياً (عليه السلام)، فرفع يده وقال: أُخرج أيّها الرجل.

ص: 123


1- سورة الزلزلة: 2.
2- دلائل الإمامة: ص67 مسندها ح2.
3- معاني الأخبار: ص61 باب معاني أسماء محمد علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام).

فانصرف (عليه السلام) ولم يتكلّم بشيء.

فقيل للقصّاب: هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقطع يده وأخذها وخرج إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) معتذراً.

فدعا له (عليه السلام) فصلحت يده((1)).

يا دنيا غرّي غيري

عن زاذان قال: انطلقت مع قنبر إلى علي (عليه السلام) فقال: قم يا أمير المؤمنين فقد خبّأت لك خبيئة، قال (عليه السلام): «فما هو؟».

قال: قم معي، فقام (عليه السلام) وانطلق إلى بيته فإذا باسنة((2)) مملوءة جامات من ذهب وفضة، فقال: يا أمير المؤمنين إنّك لا تترك شيئاً إلاّ

قسّمته فادخرت هذا لك، قال علي (عليه السلام): لقد أحببتَ أن تدخل بيتي ناراً كثيرة، فسلّ سيفه فضربها، فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه أو ثلّثه.

ثم قال: «اقسموه بالحصص»، ففعلوا، فجعل (عليه السلام) يقول:

هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

يا بيضاء غري غيري، ويا صفراء غري غيري((3)).

ص: 124


1- الخرائج والجرائح ج2 ص759 الباب الخامس عشر في الدلالات والبراهين على صحة إمامة الاثني عشر إماماً (عليه السلام) ح76.
2- الباسنة: جوالق غليظ من كتّان، وفي لسان العرب مادة (بسن): قال الفرّاء: كساء مخيط يُجعل فيه الطعام والجمع البآسن.
3- الغارات: ج1 ص56 سيرته (عليه السلام) في المال.

قمة الكرم

روي أنّ سائلاً قصد الإمام علي (عليه السلام) فنظر (عليه السلام) إليه وقد تغيّر وجهه من الحياء، فقال الإمام علي (عليه السلام):

«أُكتب حاجتك على الأرض حتى لا أرى ذلّ المسألة في وجهك».

فكتب:

لم يبق لي شيء يباع بدرهم تُغنيك حالة منظري عن مخبري

إلاّ بقيّة ماء وجه صُنته أن لا يباع ونعم أنت المشتري

فأمر الإمام علي (عليه السلام) بجمل يحمل ذهباً وفضّة، ثم قال (عليه السلام):

عاجلتنا فأتاك عاجل برّنا فلا ولو أمهلتنا لم تقتر

فخذ القليل وكن كأنّك لم تبع ما صنته وكأننا لم نشتر»((1))

لا تمشوا خلفي

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خرج أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على أصحابه وهو راكب، فمشوا معه، فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة؟

فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا فإنّ مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلّة للماشي»((2)).

ص: 125


1- شرح إحقاق الحق: ج8 ص582.
2- المحاسن: ج2 ص629 باب ارتباط الدابة والركوب ح104.

اذهب حيث شئت

عن موسى بن طلحة بن عبد الله وكان فيمن أُسر يوم الجمل وحُبس مع من حُبس من الأسارى بالبصرة قال: كنت في سجن علي (عليه السلام) بالبصرة حتى سمعت المنادي ينادي: أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟

فاسترجعت واسترجع أهل السجن، وقالوا: يقتلك، فأخرجني إليه.

فلما وقفت بين يديه (عليه السلام)، قال لي: «يا موسى».

قلت: لبيك يا أمير المؤمنين.

قال: «قل أستغفر الله وأتوب إليه، ثلاث مرّات».

فقلت: أستغفر الله وأتوب الله، ثلاث مرّات.

فقال لمن كان معي من رسله: «خلّوا عنه».

وقال لي: «اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك»، فشكرت له، وانصرفت((1)).

من آداب المصاحبة

عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلاً ذمّياً، فقال له الذمّي: أين تريد يا عبد الله؟

فقال (عليه السلام): أُريد الكوفة.

فلمّا عدل الطريق بالذمّي عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال الذمّي:

ص: 126


1- شرح الأخبار: ج1 ص389 حرب الجمل ح331.

ألست زعمت أنّك تريد الكوفة؟

فقال (عليه السلام) له: بلى، فقال له الذمّي: فقد تركت الطريق؟

فقال (عليه السلام) له: قد علمت ذلك، قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيّنا (صلى الله عليه وآله)، فقال له الذمّي: هكذا قال؟

قال(عليه السلام): نعم، قال الذمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أنّي على دينك، ورجع الذمّي مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فلمّا عرفه أسلم»((1)).

كيف بك يا ميثم؟

روى يوسف بن عمران الميثمي, قال: سمعت ميثم الهرواني يقول: قال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا ميثم، كيف أنت إذا دعاك دعيّ بني أميّة عبيد الله بن زياد إلى البراءة منيّ».

فقلت: يا أمير المؤمنين, أنا والله لا أبرأ منك.

قال: «إذن والله يقتلك ويصلبك».

قال: قلت: أصبر, فإنّ ذلك في الله قليل.

قال (عليه السلام): «يا ميثم , فإذن تكون معي في درجتي»((2)).

ص: 127


1- قرب الإسناد: ص10-11أحاديث متفرقة ح33.
2- اختيار معرفة الرجال: ج1 ص295.

فضل صلاة الجماعة

عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه غدا على أبى الدرداء، فوجده نائماً، فقال: «ما لك».

فقال: كان منّي من الليل شيء فنمت.

فقال علي (عليه السلام): «أفتركت صلاة الصبح في جماعة».

قال: نعم، قال علي (صلوات الله عليه): «يا أبا الدرداء، لأن أصلّي

العشاء والفجر في جماعة أحبّ إلي من أن أحيى ما بينهما، أو ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، وإنّهما ليكفّران ما بينهما»((1)).

أين المتكلّم آنفاً؟

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، قال: «كان علي (عليه السلام) إذا صلّى الفجر لم يزل معقّباً إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس، فيعلّمهم الفقه والقرآن.

وكان له (عليه السلام) وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوماً فمرّ برجل، فرماه بكلمة هجر قال: ولم يسمّه محمد بن علي (عليه السلام) فرجع عوده على بدئه حتى صعد المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

ص: 128


1- دعائم الإسلام: ج1 ص154 ذكر الجماعة والصفوف.

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس إنّه ليس شيء أحبّ إلى الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه، ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخرقه، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلاّ عزّاً، ألا وإنّ الذلّ في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزّز في معصيته.

ثم قال: أين المتكلّم آنفاً؟

فلم يستطع الإنكار، فقال: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين.

فقال (عليه السلام): أما إنّي لو أشاء لقلت، فقال: أو تعفو وتصفح فأنت أهل لذلك، فقال: عفوت وصفحت، فقيل لمحمد بن علي (عليه السلام): ما أراد أن يقول، قال: أراد أن ينسبه»((1)).

دعاء لزاذان

روى سعد الخفّاف، عن زاذان أبي عمرو، قال: قلت: يا زاذان إنّك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته، فعلى من قرأت؟

فتبسّم ثم قال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ بي وأنا أنشد الشعر، وكان لي خلق حسن، فأعجبه صوتي، فقال: «يا زاذان هلاّ بالقرآن»((2)).

قلت: وكيف لي بالقرآن، فوالله ما أقرأ منه إلاّ بقدر ما أصلّي به.

قال (عليه السلام): «فادن منّي». فدنوت منه، فتكلّم في أذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول، ثم قال لي: «افتح فاك». فتفل في فيّ، فوالله ما زالت قدمي من

ص: 129


1- بحار الأنوار: ج41 ص133 في رجل بعثه علي (عليه السلام) من الكوفة.
2- أي هلاّ حفظت أو تحفظ القرآن، فهو (عليه السلام) يلومه على ترك ذلك أو یحثه على ذلك.

عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه، وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك.

قال سعد: فقصصت قصّة زاذان على أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«صدق زاذان، إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يردّ»((1)).

ص: 130


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص195 الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ح30.

3-من قصص الصديقة فاطمة(عليها السلام)

مقدمة:

هي الصديقة الكبرى السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

* أسماؤها (عليها السلام): قال الصادق (عليه السلام): «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكيّة، والرضيّة، والمرضيّة، والمحدّثة، والزهراء»((1)).

* ولادتها (عليها السلام): وُلدت في العشرين من شهر جمادى الآخرة سنة خمسة بعد الهجرة، ولا صحة لقول من ادّعى أنّ ولادتها (عليه السلام) كانت لخمس سنوات قبل البعثة.

* والدها: النبي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).

* والدتها: أم المؤمنين السيّدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام).

* كناها (عليها السلام): اُمّ الحسن، واُمّ الحسين، واُمّ المحسن، واُمّ الأئمة، واُمّ أبيها.

ص: 131


1- أمالي الصدوق: ص529 المجلس السادس والثمانون ح18.

* ألقابها (عليها السلام): كثيرة منها: الحوريّة الإنسيّة، العذراء، الشهيدة، الصابرة، قرّة عين المصطفى، العالمة، المعصومة، حاملة البلوى، اُمّ الخيرة، حليفة العبادة، تفّاحة الجنّة، المطهّرة، وغيرها.

* من أشعارها (عليها السلام) :

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صُبّت عليّ مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن

لياليا

قد كنت ذات حمى بظل محمد لا أخش من ضيم وكان حماً ليا

فاليوم أخضع للذليل وأتّقي ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

فإذا بكت قمريّة في ليلها شجناً على غصن بكيت صباحيا

فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا

ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا((1)).

* زواجها (عليها السلام): تزوّجت السيدة الزهراء (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد اختلفت الروايات في تأريخ زواجهما، فقيل: إنّه كان في ليلة إحدى وعشرين من محرّم الحرام سنة ثلاث من الهجرة، وقيل: إنّه في أوّل يوم من ذي الحجّة، وروي أنّه كان في اليوم السادس منه.

* أولادها (عليها السلام): الإمام الحسن (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام)، وزينب الكبرى (عليهما السلام)، واُمّ كلثوم (عليها السلام)، وبنت أخرى، والمحسن (عليه السلام) الذي اُسقط.

ص: 132


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج1 ص242 فصل في وفاته (عليه السلام).

رحمتها رحمك الله

بينما النبي (صلى الله عليه وآله) والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذّن، إذ أتى بعد زمان، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): «ما حبسك يا بلال».

فقال: إنّي اجتزت بفاطمة (عليها السلام) وهي تطحن واضعة ابنها الحسن (عليه السلام) عند الرحى وهي تبكي، فقلت لها: أيّما أحبّ إليك إن شئت كفيتك ابنك، وإن شئت كفيتك الرحى، فقالت (عليها السلام): أنا أرفق بابني، فأخذتُ الرحى فطحنتُ فذاك الذي حبسني، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «رحمتها رحمك الله»((1)).

من مقامات أهل البيت

عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي (عليه السلام) ذات يوم فقال: «يا فاطمة عندك شيء تغذّينيه».

قالت: «لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح اليوم عندي شيء أغذّيكه، وما كان عندي شيء منذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين حسن وحسين».

فقال علي (عليه السلام): «يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟».

فقالت (عليها السلام): «يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه».

فخرج علي (عليه السلام) من عند فاطمة (عليها السلام) واثقاً بالله، حسن الظن به

ص: 133


1- بحار الأنوار: ج43 ص76 قصة أعرابي ومعه ضبّ، وتكلّم الضبّ مع النبي (صلى الله عليه وآله) ح63.

عزّ وجلّ، فاستقرض ديناراً فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض له المقداد ابن الأسود في يوم شديد الحرّ قد لوّحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلما رآه علي (عليه السلام) أنكر شأنه، فقال: «يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟».

فقال: يا أبا الحسن خلّي سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي، قال: «يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك»، فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى الله عزّ وجلّ وإليك أن تخلّي سبيلي ولا تكشفني عن حالي، فقال (عليه السلام): «يا أخي إنّه لا يسعك أن تكتمني حالك»، فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمداً بالنبوة وأكرمك بالوصيّة ما أزعجني من رحلي إلا الجهد وقد تركت عيالي جياعاً، فلما سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكباً رأسي هذه حالي وقصّتي.

فانهملت عينا علي (عليه السلام) بالبكاء حتّى بلّت دموعه لحيته، فقال: «أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلا الذي أزعجك وقد اقترضت ديناراً فهاكه فقد آثرتك على نفسي»، فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد فصلّى الظهر والعصر والمغرب.

فلمّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب مرّ بعلي (عليه السلام) وهو في الصفّ الأوّل فغمزه برجله، فقام علي (عليه السلام) فلحقه في باب المسجد فسلّم عليه، فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: «يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك؟».

فمكث (عليه السلام) مطرقاً لا يحير جواباً حياءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد عرف ما كان من أمر الدينار من أين أخذه وأين وجّهه بوحي من الله إلى نبيّه وأمره أن يتعشّى عند علي (عليه السلام) تلك الليلة، فلمّا نظر إلى سكوته، قال: «يا

ص: 134

أبا الحسن ما لك لا تقول لا فانصرف أو نعم فأمضي معك؟».

فقال حياءً وتكرماً: «فاذهب بنا».

فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (عليها السلام) وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها وخلّفها جفنة تفور دخاناً، فلمّا سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام ومسح بيديه على رأسها، وقال لها: «يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله؟».

قالت: «بخير». قال: «عشّينا رحمك الله وقد فعل»، فأخذت الجفنة

فوضعتها بين يدي رسول الله وعلي (عليهما السلام)، فلمّا نظر علي (عليه السلام) إلى الطعام وشمّ ريحه رمى فاطمة (عليها السلام) ببصره ... فقال لها: «يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشمّ مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه؟».

قال فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفّه الطيّبة المباركة بين كتفي علي (عليه السلام) فغمزها ثم قال: «يا علي هذا بدل عن دينارك، هذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ثم استعبر النبي (صلى الله عليه وآله) باكياً ثم قال: «الحمد لله الذي أبى لكما أن تخرجا من الدنيا حتّى يجريك يا علي مجرى زكريا ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران»((1)).

ص: 135


1- راجع كشف الغمة: ج2 ص97-99 في فضل فاطمة (عليها السلام).

خير الأمور للمرأة

عن علي (عليه السلام) أنّه قال: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّ شيء خير للمرأة؟».

فلم يجبه أحد منّا، فذكرت ذلك لفاطمة (عليه السلام) فقالت: «ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها»، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: «صدَقَت، إنّها بضعة منّي»((1)).

فاطمة عند الله

عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «لمّا خلق الله آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ هل خلقت أحداً من طين قبلي؟

قال: لا يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟

قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتُك، هؤلاء خمسة شققتُ لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقتُ الجنّة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الجنّ ولا الإنس.

فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا ذو الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا أُبالي، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيّهم وبهم أهلكم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء

ص: 136


1- دعائم الإسلام: ج2 ص251 ذكر الدخول بالنساء ومعاشرتهن ح793.

توسّل.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «نحن سفينة النجاة، من تعلّق بها نجا،

ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت»((1)).

قمة الحجاب

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «استأذن أعمى على فاطمة (عليها السلام) فحجبته.

فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله): لم تحجبينه وهو لا يراك؟

قالت: يا رسول الله، إن لم يكن يراني فإنّي أراه، وهو يشمّ الريح.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أشهد أنّك بضعة منّي»((2)).

ويؤثرون على أنفسهم

روي أنّه جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من لهذا الرجل الليلة».

فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنا له يا رسول الله، وأتى فاطمة (عليها السلام)، فقال: ما عندك، يا ابنة رسول الله ؟».

فقالت: «ما عندنا إلاّ قوت الصبية لكنّا نؤثر ضيفنا».

فقال علي (عليه السلام): «يا ابنة محمد، نوّمي الصبية، وأطفئي المصباح».

ص: 137


1- قصص الأنبياء، للراوندي: ص44 فصل3 في أخباره (صلى الله عليه وآله).
2- دعائم الإسلام: ج2 ص214 ذكر الدخول بالنساء ومعاشرتهن ح792.

فلمّا أصبح علي (عليه السلام) غدا على رسول الله (صلى

الله عليه وآله) فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل الله عز وجلّ: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ

المُفْلِحُونَ»((1))،((2)).

أين الميعاد غداً؟

روى ابن عباس، قال: قالت فاطمة (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) وهو في سكرات الموت: «يا أبة أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا فأين الميعاد غداً؟».

قال (صلى الله عليه وآله): «أما إنّك أوّل أهلي لحوقاً بي والميعاد على جسر جهنم».

قالت: «يا أبة أليس قد حرّم الله عزّوجلّ جسمك ولحمك على النار؟».

قال: «بلى، ولكنّي قائم حتى تجوز أمّتي»، قالت: «فإن لم أرك هناك؟».

قال: «تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم استوهب الظالم من المظلوم».

قالت: «فإن لم أرك هناك؟».

قال: «تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمّتي».

قالت: «فإن لم أرك هناك؟».

قال: «تريني عند الميزان وأنا أسأل الله لأمّتي الخلاص من النار».

قالت: «فإن لم أرك هناك؟».

قال: «تريني عند الحوض، حوضي عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء على حوضي

ص: 138


1- سورة الحشر: 9.
2- أمالي الطوسي: ص185 المجلس السابع ح309.

ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم وكالبيض المكنون، من تناول منه شربة فشربها لم يظمأ بعدها أبداً»، فلم يزل يقول لها حتى

خرجت الروح من جسده (صلى الله عليه وآله)((1)).

خدمة البيت

عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «تقاضى علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخدمة، فقضى على فاطمة (عليها السلام) بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي (عليه السلام) ما خلفه.

قال: فقالت فاطمة (عليها السلام): فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ الله بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحمّل رقاب الرجال»((2)).

مهر الصديقة (عليها السلام)

روي أنّ السيدة الزهراء (عليه السلام) لما سمعت بأنّ أباها زوّجها وجعل الدراهم مهرها، قالت: «يا أبت إنّ بنات سائر الناس تزوّجهن على الدراهم والدنانير وزوّجتني على الدراهم والدنانير، فما الفرق بين بنتك وبين سائر الناس أن يجعل مهري؟ فاسأل الله أن يجعل مهري شفاعة عصاة أمّتك».

فنزل جبرئيل من ساعته وبيده حرير وفيه مكتوب: «جعل الله مهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) شفاعة أمّته العاصين».

فأوصت فاطمة (عليها السلام) وقت خروجها من الدنيا بأن يجعل ذلك الحرير في

ص: 139


1- كشف الغمة: ج1 ص497 خطبة الزهراء (عليها السلام).
2- قرب الإسناد: ص52 أحاديث متفرقة ح170.

كفنها وقالت: «إذا حشرت يوم القيامة أرفع هذا الحرير وأشفع عصاة أمّة النبي (صلى الله عليه وآله)»((1)).

أيّكما أعيا؟

روي أنّ أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) كانا يطحنان الجاورس((2))، فدخل عليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «أيّكما أعيا؟».

فقال علي (عليه السلام): «فاطمة يا رسول الله».

فقال لها: «قومي يا بنيّة»، فقامت (عليها السلام) وجلس النبي (صلى الله عليه وآله) موضعها مع علي (عليه السلام)، فواساه في طحن الحب ((3)).

أولست من شيعتكم؟

قال الإمام العسكري (عليه السلام): قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عنّي، أنا من شيعتكم، أو لست من شيعتكم ؟

فسألتها، فقالت (عليه السلام): «قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عمّا زجرناك عنه فأنت من شيعتنا، وإلاّ فلا».

ص: 140


1- شرح إحقاق الحق: ج19 ص129 تزويج فاطمة من علي (عليهما السلام) بأمر الله تعالى وما وقع من الإكرام لها عند التزويج.
2- الجاورس: معرّب كاورس وهو الدُخن بالعربية.
3- الروضة في فضائل أميرالمؤمنين (عليه السلام): ص56 حديث مواساة النبي لعلي وفاطمة (عليهم السلام) ح37.

فرجعت، فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفكّ من الذنوب والخطايا، فأنا إذن خالد في النار، فإنّ من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار.

فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال لها زوجها.

فقالت فاطمة (عليها السلام): «قولي له: ليس هكذا، فإن شيعتنا من

خيار أهل الجنة، وكل محبّينا، وموالي أوليائنا، ومعادي أعدائنا، والمسلّم بقلبه ولسانه لنا، ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنّة، ولكن بعد ما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنّم بعذابها إلى أن نستنقذهم بحبّنا منها، وننقلهم إلى حضرتنا»((1)).

قولي يا أبة

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قالت فاطمة (عليها السلام): «لما نزلت: «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»((2))، هبتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض (صلى الله عليه وآله) عنّي مرّة واثنتين أو ثلاثاً، ثم أقبل عليّ، فقال: يا فاطمة إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت منّي وأنا منك، إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي: يا أبه، فإنّها أحيى للقلب وأرضى للربّ»((3)).

ص: 141


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص308 بيان معنى الشيعة ح152.
2- سورة النور: 63.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج3 ص102 باب مناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام).

تحريم النار على فاطمة (عليها السلام)

عن أنس، قال: سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي تحرّكها بيدها.

قلت: نعم، أصلح الله الأمير، دخلت عائشة على فاطمة (عليها

السلام)

وهي تعمل للحسن والحسين (عليهما السلام) حريرة بدقيق ولبن وشحم في قدر، والقدر على النار يغلي وفاطمة (صلوات الله عليها) تحرّك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق((1))، فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتى دخلت على أبيها، فقالت: يا أبه، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمراً عجيباً رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرّك ما في القدر بيدها!

فقال لها: يا بنية، أُكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوّة، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم فاطمة (عليها السلام) ودمها وشعرها وعصبها، وفطم من النار ذريّتها وشيعتها، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار والشمس والقمر والنجوم والجبال، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلم إليه الأرض كنوزها، وتنزل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لمن شكّ في فضل فاطمة (عليها السلام)، لعن الله من يبغض بعلها، ولم يرض بإمامة ولدها، إنّ لفاطمة (عليها السلام) يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً، وإنّ فاطمة تدعى فتلبّي، وتَشفع فتُشفّع على رغم كل راغم»((2)).

ص: 142


1- البقبقة: حكاية صوت القدر في غليانه.
2- الثاقب في المناقب: ج1 ص293 فصل في بيان ظهور آياتها مع القدر والنار ح250.

إنّها تحدّثني وتسليني

عن ابن عباس، قال: لما تزوّجت خديجة بنت خويلد (عليها

السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرها نسوان مكة، وكنّ لا يكلمنها، ولا يدخلن عليها، فلما حملت بالزهراء فاطمة (عليها السلام) كانت إذا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من منزلها تكلّمها فاطمة الزهراء (عليها

السلام) في بطنها من ظلمة الأحشاء، وتحدّثها وتؤانسها.

فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: «يا خديجة من تكلّمين؟».

قالت: يا رسول الله، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوتُ به في منزلي كلّمني، وحدّثني من ظلمة الأحشاء.

فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

«يا خديجة، هذا أخي جبرئيل (عليه السلام) يخبرني أنّها ابنتي، وأنّها النسمة الطاهرة المطهّرة، وأنّ الله تعالى أمرني أن أسمّيها (فاطمة) وسيجعل الله تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون».

ففرحت خديجة (عليها السلام) بذلك، فلمّا أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكة أن يتفضلّن ويحضرن ولادتي ليلين منّي ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: يا خديجة، أنت عصيتنا ولم تقبلي منّا قولنا، وتزوّجت فقيراً لا مال له، فلسنا نجئ إليك، ولا نلي منك ما تلي النساء من النساء.

فاغتمّت خديجة (عليها السلام) غمّاً شديداً، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنّهن من نسوة قريش، فقالت إحداهن: يا خديجة، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم، وهذه صفيّة بنت شعيب وفي رواية أخرى: كلثم بنت عمران أخت موسى (عليه السلام) وهذه سارة زوجة إبراهيم (عليه السلام)، وهذه مريم بنت

ص: 143

عمران (عليه السلام)، وقد بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. وجلسن حولها، ووضعت الزهراء فاطمة (عليها السلام) طاهرة ومطهّرة ((1)).

سلي عمّا بدا لك

عن الإمام العسكري (عليه السلام): «حضرت امرأة عند الصديقة

فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك.

فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت فأجابت، ثم ثلّثت إلى أن عشّرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله.

قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا. فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد (صلى الله عليه وآله)، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا، فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أنّ فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم، ثم إنّ الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء

ص: 144


1- الثاقب في المناقب: ص286 فصل في ذكر آياتها (عليها السلام) وهي في بطن أمّها ح244.

الكافلين للأيتام حتى تتمّوا لهم خُلعهم، وتضعفوها لهم فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من يليهم ممّن خلع على من يليهم.

وقالت فاطمة (عليها السلام): يا أمة الله إنّ سلكة من تلك الخلع لأفضل ممّا طلعت عليه الشمس ألف ألف مرّة وما فضل فإنّه مشوب بالتنغيص والكدر»((1)).

الجار ثم الدار

عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: «رأيت أمّي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لم لا تدعون لنفسك كما تدعون لغيرك؟

فقالت (عليها السلام): «يا بني الجار ثم الدار»((2)).

تعجّلي مرارة الدنيا

عن جابر الأنصاري، أنّه رأى النبيُ (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: «يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة».

فقالت: «يا رسول الله الحمد الله على نعمائه والشكر لله على آلائه».

فأنزل الله: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»((3))،((4)).

ص: 145


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص341 في أنّ اليتيم الحقيقي هو المنقطع عن الإمام (عليه السلام).
2- علل الشرائع: ج1 ص182 باب العلة التي من أجلها كانت فاطمة (عليها السلام) تدعو لغيرها ولا تدعو لنفسها ح1.
3- سورة الضحى: 5.
4- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص342 فصل في سيرتها (عليه السلام).

أعانها الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فاطمة (عليها السلام) بمكيال فيه تمر مع أبي ذر (رحمه الله تعالى).

قال أبو ذر: فأتيت الباب، وقلت: السلام عليكم. فلم يجبني أحد، فظننت أنّ فاطمة (عليها السلام) بحال الرحى فلم تسمع، ففتحت الباب وإذا فاطمة (عليها السلام) نائمة والرحى تدور.

قال أبو ذر: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... فقصّ عليه ما

كان، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ضعفت فاطمة (عليها السلام) فأعانها الله على دهرها»((1)).

من يبكي على ولدي؟

روي أنّه لمّا أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة (عليها السلام) بقتل ولدها الحسين (عليه السلام) وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة (عليها السلام) بكاءاً شديداً، وقالت: «يا أبت متى يكون ذلك؟».

قال: «في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ».

فاشتدّ بكاؤها (عليها السلام)، وقالت: «يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟».

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة إنّ نساء أمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكل من بكى

ص: 146


1- الثاقب في المناقب: ص290 فصل في بيان آياتها مع الرحى ح247.

منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة! كل عين باكية يوم القيامة، إلاّ عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة»((1)).

تقسيم الوظائف المنزلية

روى أبو عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه الباقر (عليه السلام)، قال: «تقاضى علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخدمة، فقضى على فاطمة (عليها السلام) بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي (عليه السلام) ما خلفه.

قال: فقالت فاطمة (عليها السلام): فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ الله بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحمّل رقاب الرجال»((2)).

تسبيح الصدّيقة

روي أنّ الإمام علي (عليه السلام) قال لرجل من بني سعد: «ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة؟، إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله إليه، وأنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرّحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد.

فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي (صلى الله عليه وآله) فوجدت عنده حداثاً، فاستحت فانصرفت.

ص: 147


1- بحار الأنوار: ج44 ص292-293 باب ثواب البكاء على مصيبته ومصائب سائر الأئمة (عليهم السلام) ح37.
2- قرب الإسناد ص52 أحاديث متفرقة ح170.

قال: فعلم النبي (صلى الله عليه وآله) أنّها جاءت لحاجة، قال: فغدا علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن في لفاعنا((1))، فقال (صلى الله عليه وآله): السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا، ثم قال: السلام عليكم. فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، وقد كان (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك يسلّم ثلاثاً فإن أذن له وإلاّ انصرف، فقلت: وعليك السلام يا رسول الله أدخل، فلم يعد أن جلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟.

قال: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال (عليه السلام): فأخرجت رأسي، فقلت: أنا والله أخبرك يا رسول الله، إنّها (عليها السلام) استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك ضرّ ما أنت فيه من

هذا العمل، قال: أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟

إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربع وثلاثين.

قال: فأخرجت (عليها السلام) رأسها، فقالت: رضيت عن الله ورسوله، ثلاث دفعات»((2)).

ص: 148


1- اللفاع: ككتاب: الملحفة والكساء والنطع والرداء وكلّما تتلفّ عبه المرأة.
2- بحار الأنوار ج43 ص82-83 باب سيرها ومكارم أخلاقها (عليه السلام) وسير بعض خدمها ح5.

4-من قصص الإمام الحسن(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

* والدته: فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رمضان المبارك سنة اثنتين أو ثلاث من الهجرة في المدينة المنورة.

* كنيته: أبو محمد وأبو القاسم.

* ألقابه: الزكي، والسبط الأوّل، وسيّد شباب أهل الجنة، والأمين، والحجّة، والتقي، والولي، والطيّب.

* نقش خاتمه: كان (عليه السلام) له خاتم عقيق أحمر، نقشه: (العزّة لله)، وخاتم يماني نقشه: (الحسن بن علي).

قالوا فيه (عليه السلام):

من الذين أشادوا بمقامه وعلو مرتبه من المخالفين:

1. ابن حجر، قال: وكان الحسن سيّداً كريماً حليماً زاهداً، ذا سكينة ووقار

ص: 149

وحشمة جواداً ممدوحاً ((1)).

2. سبط ابن الجوزي، قال: وكان (عليه السلام) من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقاد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبّه حبّاً جمّاً ((2)).

3. أبو نعيم، قال: السيد المحبّب والحكيم المقرّب الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما((3)).

4. واصل بن عطاء، قال: كان الحسن بن علي (عليه السلام) عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك((4)).

5. ابن أبي الحديد، قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبّه، سابق يوماً بين الحسين وبينه فسبق الحسن، فأجلسه على فخذه اليمنى، ثم أجلس الحسين على الفخذ اليسرى، فقيل له: يا رسول الله أيّهما أحبّ إليك؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «أقول كما قال إبراهيم أبونا، وقيل له: أيّ ابنيك أحبّ إليك؟

قال: أكبرهما وهو الذي يلد ابني محمداً (صلى الله عليه وآله)»((5)).

ص: 150


1- الصواعق المحرقة: ص82.
2- تذكرة الخواص: ص194.
3- حلية الأولياء: ج2 ص35.
4- انظر مناقب آل أبي طالب (عليه السلام)، لابن شهر آشوب: ج4 ص9 فصل في علمه وفصاحته (عليه السلام).
5- شرح نهج البلاغة: ج16 ص27 ترجمة الحسن بن علي وذكر بعض أخباره.

ابني كان على كتفي

روى عبد الله بن شيبة، عن أبيه: أنه دُعي النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صلاة والحسن متعلّق به، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله) مقابل جنبه وصلّى، فلمّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن (عليه السلام) على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فلمّا سلّم قال له القوم: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنّما يوحى إليك؟

فقال (صلى الله عليه وآله): «لم يوح إليّ، ولكن ابني كان على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل»((1)).

خير ما بذلت من مالك

روي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) أعطى شاعراً، فقال له رجل من جلسائه: سبحان الله شاعراً يعصي الرحمن ويقول البهتان؟!

فقال: «يا عبد الله إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك، وإنّ من ابتغاء الخير اتقاء الشرّ»((2)).

ص: 151


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص24 فصل في محبّة النبي (صلى الله عليه وآله) إياه (عليه السلام).
2- الكافي: ج4 ص28 باب منه ح1.

لعلّ سيّداً يرعاني

روي أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي أمّه

(عليها السلام) فيلقي إليها ما حفظه، فلمّا دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً، فيسألها عن ذلك فقالت: «من ولدك الحسن».

فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها، فارتجّ عليه، فعجبت أمّه من ذلك، فقال: «لا تعجبين يا أمّاه فإنّ كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني».

فخرج عليّ (عليه السلام) فقبّله.

وفي رواية: «يا أمّاه قلّ بياني، وكلّ لساني، لعلّ سيداً يرعاني»((1)).

إنّ الله يحبّ الجمال

روى العياشي بإسناده عن الحسن بن علي (عليه السلام): «أنّه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له: يا بن رسول الله، لم تلبس أجود ثيابك؟

فقال: إنّ الله جميل يحب الجمال، فأتجمّل لربّي، وهو يقول: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»((2))، فأحب أن ألبس أجمل ثيابي»((3)).

ص: 152


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص175 باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام).
2- سورة الأعراف: 31.
3- تفسير العياشي: ج2 ص14 سورة الأعراف الآية 31.

لقد احترقت دارك

روى أبو حمزة الثمالي، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، قال: «كان الحسن بن علي (عليه السلام) جالساً فأتاه آت، فقال: يا ابن رسول الله قد احترقت دارك.

قال (عليه السلام): لا ما احترقت.

إذا أتاه آت فقال: يا ابن رسول الله قد وقعت النار في دار إلى جنب

دارك حتى ما شككنا أنّها ستحرق دارك، ثم إنّ الله صرفها عنها»((1)).

قد كان ذلك

روي أنّه لمّا قدم الإمام الحسن (عليه السلام) من الكوفة بعد شهادة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) جاءت النسوة يعزّينه في أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودخلت عليه أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت عائشة: يا أبا محمد ما مثل فقد جدّك إلاّ يوم فقد أبوك.

فقال لها الحسن (عليه السلام): «نسيت نبشك في بيتك ليلاً بغير قبس بحديدة، حتى ضربت الحديدة كفّك فصارت جرحاً إلى الآن، فأخرجت جرداً أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتى أخذت منه أربعين ديناراً عدداً لا تعلمين لها وزناً، ففرقتيها في مبغضي علي (صلوات الله عليه) من تيم وعدي، وقد تشفّيت بقتله؟».

فقالت: قد كان ذلك((2)).

ص: 153


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص6 فصل في معجزاته (عليه السلام).
2- مشارق أنوار اليقين: ص129الفصل الرابع في أسرار الحسن بن علي (عليه السلام).

إنّها الرأفة الحقيقية

روى نجيح، قال: رأيت الحسن بن علي (عليه السلام) يأكل وبين يديه كلب، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها، فقلت له: يا ابن رسول الله، ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟

قال (عليه السلام): «دعه، إنّي لأستحي من الله تعالى، أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل، ثم لا أطعمه»((1)).

الدنيا سجن المؤمن

نُقل أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) اغتسل وخرج من داره في حلّة فاخرة، وبزّة طاهرة، ومحاسن سافرة، وقسمات ظاهرة، ونفخات ناشرة، ووجهه يُشرق حسناً، وشكله قد كمل صورة ومعنى، والإقبال يلوح من أعطافه، ونضرة النعيم تُعرف في أطرافه، وقاضي القدر قد حكم أنّ السعادة من أوصافه، ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف، وسار مكتنفاً من حاشيته وغاشيته بصفوف، فلو شاهده عبد مناف لأرغم بمفاخرته به معاطس أنوف، وعدّه وآباءه وجدّه في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بألوف.

فعرض له في طريقه من محاويج اليهود هم في هدم قد أنهكته العلّة، وارتكبته الذلّة، وأهلكته القلّة، وجلده يستر عظامه، وضعفه يقيّد أقدامه، وضرّه قد ملك زمامه، وسوء حاله قد حبّب إليه حمامه، وشمس الظهيرة تشوي شواه، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه، عذاب عرعريه قد عراه، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه،

ص: 154


1- بحار الأنوار: ج43 ص352 باب مكارم أخلاقه وعمله وعلمه وفضله وشرفه وجلالته ونوادر احتجاجاته (عليه السلام) ح29.

وهو حامل جر مملوء ماء على مطاه، وحاله تعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه.

فاستوقف الحسن (عليه السلام)، وقال: يا ابن رسول الله أنصفني، فقال (عليه السلام): «في أيّ شيء؟».

فقال: جدّك يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، وأنت مؤمن وأنا كافر، فما أرى الدنيا إلاّ جنّة تتنعّم بها، وتستلذّ بها، وما أراها إلاّ سجناً لي قد أهلكني ضرّها، وأتلفني فقرها؟.

فلمّا سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه، وأوضح لليهودي خطأ ظنّه وخطل زعمه، وقال:

«يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة ممّا لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، لعلمت أنّي قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك، ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم، ونكال العذاب المقيم، لرأيت أنّك قبل مصيرك إليه الآن في جنّة واسعة، ونعمة جامعة»((1)).

أنت حرّة لوجه الله

عن أنس: حيّت جارية للحسن بن علي (عليه السلام) بطاقة ريحان، فقال لها: «أنت حرّة لوجه الله».

فقلت له في ذلك، فقال: «أدّبنا الله تعالى، فقال: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا»((2))، وكان أحسن منها إعتاقها»((3)).

ص: 155


1- كشف الغمة: ج1 ص545 السادس في علمه.
2- سورة النساء: 86.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص18 فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام).

وُهب لك ذكراً سوياً

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إلى مكة سنة ماشياً، فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنّك هذا الورم.

فقال (عليه السلام): كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسه، فقال له: بأبي أنت وأمّي ما قدمنا منزلاً فيه أحد يبيع هذا الدواء، فقال (عليه السلام) له: بلى إنّه أمامك دون المنزل.

فسارا ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن (عليه السلام) لمولاه: دونك الرجل، فخذ منه الدهن وأعطه الثمن، فقال الأسود: يا غلام لمن أردت هذا الدهن؟ فقال: للحسن بن علي، فقال: انطلق بي إليه، فانطلق فأدخله إليه، فقال له: بأبي أنت وأمّي لم أعلم أن تحتاج إلى هذا أو ترى ذلك ولست آخذ له ثمناً، إنّما أنا مولاك ولكن اُدع الله أن يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلّفت أهلي تمخض.

فقال (عليه السلام): انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سوياً وهو من شيعتنا»((1)).

حقيقة المعروف

روي أنّه أتاه رجل في حاجة، فقال (عليه السلام): إذهب فاكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا نقضها لك، قال: فرفع إليه حاجته، فأضعفها له.

فقال بعض جلسائه: ما كان أعظم بركة الرقعة عليه يا ابن رسول الله.

ص: 156


1- الكافي: ج1 ص463 باب مولد الحسن بن علي (عليه السلام) ح6.

فقال: «بركتها علينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتدأ من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه»((1)).

نراك لاتردّ سائلاً

كان الإمام الحسن (عليه السلام) من شدّة كرمه يواسي الفقراء ولا

يردّ سائلاً، فقيل له: لأيّ شيء نراك لا تردّ سائلاً وإن كنت على فاقة؟

فقال (عليه السلام): «إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحيي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وأنّ الله تعالى عوّدني عادة: عوّدني أن يفيض نعمه عليّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت أن يمنعني العادة، وأنشد يقول:

إذا ما أتاني سائل قلت مرحباً بمن فضله فرض عليّ معجّل

ومن فضله فضل على كان فاضل وأفضل أيام الفتي حين يسأل((2)).

إنّ الله لا يحب المستكبرين

روي أنّه مرّ الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلّم يا ابن بنت رسول الله إلى الغدا.

فنزل (عليه السلام) وقال: «إنّ الله لا يحب المستكبرين»، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا والزاد على حاله ببركته، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم((3)).

ص: 157


1- سفينة البحار: ج4 ص106 سخاء الإمام الحسن (عليه السلام).
2- شرح إحقاق الحق: ج11 ص151 السابع عشر.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص23 فصل في سيادته (عليه السلام).

شاب يضحك

مرّ الإمام الحسن (عليه السلام) بشاب يضحك، فقال: «هل مررت على الصّراط؟». قال: لا.

قال (عليه السلام): «وهل تدري إلى الجنّة تصير أم إلى النّار؟». قال: لا.

قال: «فما هذا الضّحك؟». فما رؤي هذا الضّاحك بعد ضاحكاً((1)).

أظنّك غريباً

روي أنّ شامياً رأى الإمام الحسن (عليه السلام) راكباً، فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يردّ.

فلمّا فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) عليه وضحك، وقال: «أيّها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شُبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكن ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً».

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وكنتَ أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبّتهم((2)).

ص: 158


1- جامع الأخبار: ص98 الفصل الرابع والخمسون في الخوف.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص184 باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام).

ألا أدلّك على الخير؟

كان الإمام الحسن (عليه السلام) جالساً ذات يوم، فأتاه رجل وسأله أن يعطيه شيئاً من الصدقة، ولم يكن عنده (عليه السلام) ما يسدّ به رمقه، فاستحيا أن يردّه، فقال: «ألا أدلك على شيء يحصل لك منه البرّ والخير الكثير؟».

فقال: ماذا تدلّني عليه؟

فقال: «اذهب إلى الخليفة فإنّ ابنته توفّيت، وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزية، فعزّه بهذه التعزية يحصل لك بها الخير الكثير».

فقال: حفّظني إيّاها.

قال (عليه السلام): «قل له: الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولا هتكها بجلوسها على قبرك. وفي رواية أخرى: الحمد لله الذي أعزها بجلوسك على قبرها، ولم يذلها بجلوسها على قبرك».

فذهب إلى الخليفة وعزّاه بهذه التعزية، فسمعها الخليفة فذهب عنه الحزن، فأمر له بجائزة سنية، وقال: بالله عليك أكلامك هذا؟ قال لا، بل كلام فلان.

فقال: صدقت، فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى لصدقه((1)).

نحن أُناس

روي أنّه سأل رجل الحسن بن علي (عليه السلام) فأعطاه خمسين ألف دينار، وقال: «إئت بحمّال يحمل لك».

فأتى بحمّال، فأعطاه (عليه السلام) طيلسانه، فقال: «هذا كري الحمال».

وجاءه بعض الأعراب فقال: «أعطوه ما في الخزانة»، فوجد فيها عشرون ألف

ص: 159


1- شرح إحقاق الحق: ج26 ص446 حديث جود الحسن (عليه السلام) وسخائه في ذات الله تعالى.

درهم، فدفعها إلى الأعرابي.

فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي.

فأنشأ الحسن (عليه السلام):

نحن أُناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل

تجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجل((1)).

من قضى لمؤمن حاجة

روى ابن عباس، قال: كنت مع الحسن بن علي (عليه السلام) في المسجد الحرام، وهو معتكف، وهو يطوف بالكعبة، فعرض له رجل من شيعته، فقال: يا ابن رسول الله، إنّ عليّ ديناً لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عنّي.

فقال (عليه السلام): «وربّ هذه البنية ما أصبح عندي شيء».

فقال: إن رأيت أن تستمهله عنّي، فقد تهدّدني بالحبس.

قال ابن عباس: فقطع الطواف وسعى معه، فقلت: يا ابن رسول الله، أنسيت أنك معتكف؟

فقال (عليه السلام): «لا، ولكنّي سمعت أبي (عليه السلام)، يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: من قضى لأخيه المؤمن حاجة، كان كمن عبد الله تعالى تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره قائماً ليله»((2)).

ص: 160


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 فصل مكارم أخلاقه (عليه السلام).
2- أعلام الدين: ص442 باب ماجعل الله تعالى بين المؤمنين من الإخاء والحقوق.

تقدير المعروف

روي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) رأى غلاماً أسود يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلباً هناك لقمة، فقال له: «ما حملك على هذا؟».

قال: إنّي استحي منه أن آكل ولا أطعمه.

فقال له الحسن (عليه السلام): «لا تبرح مكانك حتى آتيك»، فذهب إلى سيّده، فاشتراه واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، فأعتقه، وملّكه الحائط ((1)).

إليك عنّي

روي أنّه دخلت امرأة جميلة على الإمام الحسن (عليه السلام) وهو في صلاته، فأوجز في صلاته ثم قال لها: «ألك حاجة؟».

قالت: نعم، قال: «وما هي؟».

قالت: قم فأصب مني، فإنّي وفدت ولا بعل لي.

قال (عليه السلام): «إليك عني لا تحرقيني بالنار ونفسك».

فجعلت تراوده عن نفسه وهو يبكي ويقول: «ويحك إليك عنّي»، واشتد بكاؤه، فلما رأت ذلك بكت لبكائه، فدخل الحسين (عليه السلام) ورآهما يبكيان، فجلس يبكي وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الأصوات، فخرجت الأعرابية، وقام القوم وترحّلوا ((2)).

ص: 161


1- البداية والنهاية: ج8 ص42 الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص15 فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام).

ما أحب أن يؤخذ بي بريء

روى عمر بن إسحاق: أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قال: «لقد سُقيت السم مراراً، ما سُقيت مثل هذه المرّة« لقد قطّعت قطعة قطعة من كبدي فجعلت أُقلّبها بعود معي».

وفي رواية أنّه قال للإمام الحسين (عليه السلام): «يا أخي إنّي مفارقك ولاحقٌ بربّي وقد سُقيت السم ورميت بكبدي في الطشت، وأنّني لعارف بمن سقاني ومن أين دُهيت، وأنا أخاصمه إلى الله عزّ وجلّ». فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): «ومن سقاكه؟». قال (عليه السلام): «ما تريد به؟ أتريد ان تقتله إن يكن هو هو فالله أشدّ نقمة منك، وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء».

وفي خبر: «فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء وانتظر ما يحدث الله في».

وفي خبر: «وبالله أُقسم عليك أن لا تهريق في أمري محجمة من دم»((1)).

أبكي لخصلتين

روى الإمام الحسين (عليه السلام) فقال: «لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الوفاة بكى، فقيل له: يا بن رسول الله، أتبكي ومكانك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أنت به، وقد قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال، وقد حججتَ عشرين حجّة ماشياً، وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتى النعل والنعل؟!

فقال (عليه السلام): «إنّما أبكي لخصلتين: لهول المطّلع، وفراق الأحبّة»((2)).

ص: 162


1- انظر بحار الأنوار: ج44 ص158 159 ب22 ضمن الرقم 28.
2- أمالي الصدوق: ص291 فضائل علي (عليه السلام) ح325.

5-من قصص الإمام الحسين(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

* والدته: السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في الخامس من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة.

* كنيته: أبو عبد الله.

* ألقابه: الرشيد، والطيب، والوفي، والسيّد، والزكي، والمبارك، والشهيد، والتابع لمرضاة الله، والمُطهّر، والبرّ، وسيّد شباب أهل الجنّة.

* أولاده: علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ، وعلي الأكبر الشهيد، وعلي الأصغر الرضيع، وفاطمة، وسكينة، ورقية، وخولة، وغيرهم.

* نقش خاتمه: كان له خاتمان، فصُ أحدهما عقيق نقشه: (إنّ الله بالغ أمره).

وعلى الخاتم الذي أُخذ من يده بعد شهادته: (لا إله إلا الله عدّة لقاء الله).

ص: 163

أيّ فقير أفقر منّي؟

سُئل الحسين بن علي (عليه السلام) فقيل له: كيف أصبحت، يا بن رسول الله؟

قال: «أصبحتُ ولي ربّ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب، ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذّبني، وإن شاء عفا عنّي، فأيّ فقير أفقر منّي؟»((1)).

أين عطائي من عطائه؟

قيل: إنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الإمام الحسين (عليه السلام) الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً.

فقيل له في ذلك، قال (عليه السلام): «وأين يقع هذا من عطائه؟»، يعني تعليمه، وأنشد الحسين (عليه السلام):

إذا جادت الدنيا عليك فجدبها على الناس طرّاً قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا ما تولّت((2)).

إفعل خمسة أشياء

روي أنّ الحسين بن علي (عليه السلام) جاءه رجل وقال: أنا رجل عاص ولا أصبر على المعصية، فعظني بموعظة.

فقال (عليه السلام): «إفعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت:

ص: 164


1- أمالي الصدوق: ص609 المجلس التاسع والثمانون ح3.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص66 فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام).

فأول ذلك: لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت.

والثاني: اُخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت.

والثالث: اُطلب موضعاً لا يراك الله وأذنب ما شئت.

والرابع: إذا جاءك ملك الموت لقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.

والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل وأذنب ما شئت»((1)).

حسين مني وأنا من حسين

عن يعلي العامري أنه خرج من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى طعام دعي إليه، فإذا هو بالحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم ثم بسط يديه فطفر الصبي هاهنا مرّة وهاهنا مرّة، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفائه، ووضع فاه على فيه وقبله، ثم قال: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»((2)).

من أنصار الحسين

روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطريق، وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق، فجلس النبي (صلى الله عليه وآله) عند صبي منهم وجعل يقبّل ما بين عينيه ويلاطفه، ثم أقعده على حجره وكان

ص: 165


1- جامع الأخبار ص130 الفصل التاسع والثمانون في الموعظة.
2- كامل الزيارات: ص116 الباب الرابع عشر حب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) والأمر بحبهما وثواب حبهما ح127.

يكثر تقبيله، فسئل عن علّة ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله): «إنّي رأيت هذا الصبي يوماً يلعب مع الحسين (عليه السلام) ورأيته يرفع التراب من

تحت قدميه، ويمسح به وجهه وعينيه، فأنا أحبّه لحبّه لولدي الحسين (عليه السلام)، ولقد أخبرني جبرئيل أنّه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء»((1)).

بكاؤه يؤذيني

روي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) مرّ على بيت فاطمة (عليه السلام)، فسمع الحسين (عليه السلام) يبكي، فقال (صلى

الله عليه وآله): «ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني؟»((2)).

ارفع حاجتك في رقعة

روي أنّه جاء الإمام الحسين (عليه السلام) رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال (عليه السلام): «يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آت فيها ما سارك إن شاء الله».

فكتب: يا أبا عبد الله إنّ لفلان علي خمسمائة دينار، وقد ألح بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة، فلمّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار، وقال (عليه السلام) له: «أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المروة فإنّه يستحي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو

ص: 166


1- بحار الأنوار: ج44 ص242 باب إخبار الله تعالى أنبياءه ونبينا (صلى الله عليه وآله) بشهادته ح36.
2- راجع مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص226فصل في محبّة النبي إياه.

يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك»((1)).

الله أعلم حيث يجعل رسالته

روي أنّ أعرابياً جاء إلى الحسين بن علي (عليه السلام)، فقال: يا ابن رسول الله قد ضمنتُ ديّة كاملة وعجزت عن أدائه، فقلت في نفسي: أسأل أكرم الناس، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال الحسين (عليه السلام): «يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل».

فقال الأعرابي: يا ابن رسول الله أمثلك يسأل عن مثلي وأنت من أهل العلم والشرف؟

فقال الحسين (عليه السلام): «بلى سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: المعروف بقدر المعرفة».

فقال الأعرابي: سل عمّا بدا لك، فإن أجبت وإلاّ تعلّمتُ منك، ولا قوّة إلا بالله.

فقال الحسين (عليه السلام): «أيّ الأعمال أفضل؟».

فقال الأعرابي: الإيمان بالله.

فقال الحسين (عليه السلام): «فما النجاة من المهلكة؟».

فقال الأعرابي: الثقة بالله.

فقال الحسين (عليه السلام): «فما يزين الرجل؟».

ص: 167


1- تحف العقول: ص247 وعنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني.

فقال الأعرابي: علم معه حلم.

فقال: «فإن أخطأه ذلك؟».

فقال: مال معه مروءة.

فقال: «فإن أخطأه ذلك؟».

فقال: فقر معه صبر.

فقال الحسين (عليه السلام): «فإن أخطأه ذلك؟».

فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فإنّه أهل لذلك.

فضحك الحسين (عليه السلام) ورمى بصُرّة إليه فيه ألف دينار،

وأعطاه خاتمه، وفيه فصّ قيمته مائتا درهم، وقال: «يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك، واصرف الخاتم في نفقتك».

فأخذ الأعرابي وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته((1)).

ما عند الله أكثر

يقول كثير بن شاذان: شهدت الحسين بن علي (عليه السلام) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر (عليه السلام) عنباً في غير أوانه، فضرب يده إلى سارية المسجد فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه، وقال: «ما عند الله لأوليائه أكثر»((2)).

ص: 168


1- جامع الأخبار: ص137 الفصل السادس والتسعون في حق السائل.
2- دلائل الإمامة: ص183 معجزاته (عليه السلام) ح100.

أُخرجوا يوم الخميس

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال الحسين (عليه السلام) لغلمانه: لا تخرجوا يوم كذا وكذا، اليوم قد سمّاه، واخرجوا يوم الخميس، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم الطريق، فقتلتم، وذهب ما معكم.

وكان قد أرسلهم إلى ضيعة له، فخالفوه وأخذوا طريق الحرّة فاستقبلهم خصوص فقتلوهم كلّهم، فدخل على الحسين (عليه السلام) والي المدينة من ساعته، فقال له: قد بلغني قتل غلمانك ومواليك، فآجرك الله فيهم.

فقال: أما إنّي أدلك على من قتلهم، فاشدد يدك بهم. قال: وتعرفهم؟!

قال: نعم، كما أعرفك، وهذا منهم، لرجل جاء معه فقال الرجل: يا بن رسول الله، كيف عرفتني وما كنت فيهم؟!

قال: إن صدقتك تصدق؟

قال: نعم، والله لأفعلن.

قال: أخرجت معك فلاناً وفلاناً، فسمّاهم بأسمائهم كلّهم، وفيهم أربعة من موالي الوالي، والبقيّة من حبشان أهل المدينة، قال الوالي: وربّ القبر والمنبر، لتصدقني أو لأنشرن لحمك بالسياط.

قال: والله ما كذب الحسين (عليه السلام)، كأنّه كان معنا.

قال: فجمعهم الوالي فأقرّوا جميعاً»((1)).

ص: 169


1- دلائل الإمامة ص185معجزاته (عليه السلام) ح104.

كيف يأكل التراب جودك؟

وفد أعرابي المدينة، فسأل عن أكرم الناس بها، فدُلّ على الحسين (عليه السلام)، فدخل المسجد فوجده (عليه السلام) مصلّياً، فوقف بإزائه وأنشأ:

لم يخب الآن من رجاك ومن حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من أوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة

قال: فسلّم الحسين (عليه السلام)، وقال: «يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟».

قال: نعم أربعة آلاف دينار.

فقال (عليه السلام): «هاتها، قد جاءها من هو أحقّ بها منّا»، ثم نزع برديه ولفّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي، وأنشأ:

خذها فإنّي إليك معتذر واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير والكف مني قليلة النفقة "

قال: فأخذها الأعرابي وبكى، فقال له: «لعلّك استقللت؟».

قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك؟ ((1)).

ص: 170


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص66 فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام).

دعوة ابن نبي مستجابة

عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «خرج الحسين بن علي (عليه السلام) في بعض أسفاره ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته، فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخلة يابسة، قد يبست من العطش، ففرش الحسين (عليه السلام) تحتها، وبإزائه نخلة أخرى عليها رطب، فرفع (عليه السلام) يده ودعا بكلام لم أفهمه، فاخضرت النخلة وعادت إلى حالها، وأورقت وحملت رطباً، فقال الجمال الذي اكترى منه: هذا سحر والله، فقال الحسين (عليه السلام): ويلك، إنّه ليس بسحر، ولكن دعوة ابن نبي مستجابة.

قال: ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعاً»((1)).

ما أنا لهذا ولا لهذا

روى صفوان بن مهران، قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: «رجلان اختصما في زمن الحسين (عليه السلام) في امرأة وولدها، فقال هذا: لي، وقال هذا: لي، فمرّ بهما الحسين (عليه السلام)، فقال لهما: فيما ذا تمرجان؟

قال أحدهما: إنّ الامرأة لي، فقال (عليه السلام) للمدعي الأول: اُقعد فقعد، وكان الغلام رضيعاً، فقال الحسين (عليه السلام): يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك الله سترك، فقالت: هذا زوجي والولد له ولا أعرف هذا، فقال (عليه السلام): يا غلام ما تقول هذه؟

انطق بإذن الله تعالى، فقال له: ما أنا لهذا ولا لهذا« وما أبي إلا راع لآل فلان،

ص: 171


1- دلائل الإمامة: ص186 معجزاته (عليه السلام) ح10.

فأمر (عليه السلام) برجمها. قال جعفر (عليه السلام): فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها»((1)).

تُوفّيت والدتي

روى يحيى بن أُمّ الطويل، قال: كنّا عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه شاب يبكي، فقال له الحسين (عليه السلام): «ما يبكيك؟».

قال: إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئاً حتى أعلمك خبرها.

فقال الحسين (عليه السلام): «قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرّة».

فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة وهي مسجّاة، فأشرف (عليه السلام) على بيت، ودعا الله ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيّتها، فأحياها الله، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد، ثم نظرت إلى الحسين (عليه السلام)، فقالت: «ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك».

فدخل وجلس على مخدّة ثم قال لها: «وصّي، يرحمك الله».

فقالت: يا ابن رسول الله إنّ لي من المال وكذا وكذا في مكان كذا وكذا، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كان مخالفاً فخذه إليك، فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين. ثم سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها، ثم صارت المرأة ميّتة كما كانت((2)).

ص: 172


1- مناقب آل أبي طالب: ج3 ص211 فصل في معجزاته (عليه السلام).
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص245-246 الباب الرابع في معجزات الحسين بن علي (عليه السلام) ح1.

أفبالموت تخوّفني؟

روي أنّ الإمام لحسين (عليه السلام) في طريقه إلى الكوفة، التقى بالحرّ بن يزيد الرياحي فسار الإمام الحسين (عليه السلام) بأصحابه وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له:

يا حسين إنّي أذكرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين (عليه السلام): «أفبالموت تخوفني، وهل يعدو بكم الخطب

أن تقتلوني؟

وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، وهو يريد نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخوّفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنّك مقتول؟، فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورا وباعد مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش وترغماً».

فلمّا سمع ذلك الحر تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسين (عليه السلام) في ناحية أخرى ((1)).

دعاء مستجاب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّ امرأة كانت تطوف وخلفها رجل، فأخرجت ذراعها فمال بيده حتى وضعها على ذراعها، فأثبت الله يده في ذراعها، حتى قطع الطواف وأُرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأُرسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون: اقطع يده فهو الذي جنى الجناية.

ص: 173


1- انظر الإرشاد: ج2 ص81 ماجرى بين الحسين (عليه السلام) والحر.

فقال: ههنا أحد من ولد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقالوا: نعم الحسين بن علي (عليه السلام) قدم الليلة.

فأرسل إليه فدعاه، فقال: انظر ما لقي ذان، فاستقبل (عليه السلام) الكعبة ورفع يديه فمكث طويلاً يدعو ثم جاء إليها حتى تخلّصت يده من يدها.

فقال الأمير: ألا نعاقبه بما صنع؟ قال (عليه السلام): «لا»((1)).

سيّدي فقدت ناقتي

روى ابن عبّاس، فقال: أنّ أعرابياً قال للحسين (عليه السلام): يا ابن رسول الله، فقدت ناقتي ولم يكن عندي غيرها، وكان أبوك يرشد الضالّة، ويبلّغ المفقود إلى صاحبه.

فقال له الحسين (عليه السلام): «إذهب إلى الموضع الفلاني تجد ناقتك واقفة وفي مواجهها ذئب أسود».

قال: فتوجّه الأعرابي إلى الموضع ثمّ رجع، فقال للحسين (عليه السلام): يا ابن رسول الله وجدت ناقتي في الموضع الفلاني((2)).

عليّ دَين

روى عمرو بن دينار، قائلاً: دخل الحسين (عليه السلام) على أسامة بن زيد وهو مريض، وهو يقول: وا غمّاه.

فقال له الحسين (عليه السلام): «ما غمك يا أخي؟».

ص: 174


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج4 ص51 فصل معجزاته (عليه السلام).
2- إثبات الهداة: ج4 ص57 الفصل العشرون ح83.

قال: ديني، وهو ستون ألف درهم.

فقال الحسين (عليه السلام): «وهو عليَّ».

قال أسامة: وإنّي أخشى أن أموت.

فقال الحسين (عليه السلام): «لن تموت حتى أقضيها عنك».

قال عمرو بن دينار: فقضاها الحسين (عليه السلام) قبل موته((1)).

اللهم أُقتله عطشاً

روى المؤرّخون أنّ عبد الرحمن بن حصين الأزدي، نادى يوم عاشوراء بأعلى صوته: ألا تنظروا إلى الماء كأنّه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة حتى تموتوا عطشاً.

فقال الحسين (عليه السلام): «اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً».

قال حميد بن مسلم: والله لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغره ويبغى ويصيح العطش العطش ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغره ثم يبغيه ويتلظى عطشاً، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه((2)).

إسلام راهب

روي أنّه لمّا جاؤوا برأس الإمام الحسين (عليه السلام) ونزلوا منزلاً يقال له: قنسرين((3)) اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس، فرأى نوراً ساطعاً يخرج من فيه

ص: 175


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص65 فصل في مكارم أخلاقه (عليه السلام).
2- الإرشاد ج2 ص87 ماجرى بين الإمام الحسين (عليه السلام) والحر الرياحي.
3- في مراصد الاطلاع: (قنسرين) بكسر أوله، وفتح ثانيه، وتشديده، وقد كسره قوم، ثم ◄ ►سين مهملة: مدينة بينها وبين حلب مرحلة كانت عامرة آهلة، فلما غلبت الروم على حلب في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، خاف أهل قنسرين، وجلوا عنها وفي بعض النسخ ترحلوا وتفرقوا في البلاد، ولم يبق بها إلا خان تنزله القوافل.

ويصعد إلى السماء، فأتاهم بعشرة آلاف درهم وأخذ الرأس وأدخله صومعته، فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال: طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته، فرفع الراهب رأسه، قال: يا رب بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي، فتكلّم الرأس، وقال: «يا راهب أيّ شيء تريد؟».

قال: من أنت؟

قال: «أنا ابن محمد المصطفى، وأنا ابن علي المرتضى، وأنا ابن

فاطمة الزهراء، وأنا المقتول بكربلاء، أنا المظلوم، أنا العطشان»، فسكت.

فوضع الراهب وجهه على وجهه، فقال: لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول: أنا شفيعك يوم القيامة.

فتكلّم الرأس، فقال: ارجع إلى دين جدّي محمد، فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله، فقبل له الشفاعة، فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم، فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة((1)).

ص: 176


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص60 فصل في ظهور آياته بعد وفاته (عليه السلام).

6-من قصص الإمام زين العابدين(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: الإمام الحسين (عليه السلام).

* والدته: السيّدة شهربانو، من بنات ملوك الفرس، سمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) ب (مريم)، تشبيهاً لها بمريم الكبرى (عليها السلام)، ويقال: سمّاها فاطمة.

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة في الخامس من شهر شعبان المعظّم، سنة (38ه).

* كنيته: أبو محمد، ويكنّى بأبي الحسن وأبي القاسم أيضاً.

* ألقابه: سيّد العابدين، وزين العابدين، والمجتهد، والسجّاد، وذو الثفنات، وإنّما لقّب بذي الثفنات لأنّ مواضع سجوده كانت كثفنة البعير من كثرة السجود.

قالوا فيه (عليه السلام):

اتفقت الأمم عبر العصور على جلالة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وأفضليته على الناس كافة، حتى أقرّ مخالفوه أيضاً بقداسته.

ص: 177

1: سعيد بن المسيّب، قال: ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين (عليه السلام)، وما رأيته قط إلا مقتُ نفسي، ما رأيته ضاحكاً قط((1)).

2: الزهري، قال: ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه

منه((2)).

3: يحيى بن سعيد، قال: سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته((3)).

4: عمر بن عبدالعزيز، قال لأصحابه بعد أن انصرف الإمام السجاد (عليه السلام) من مجلسه: من أشرف الناس؟ فقالوا له: أنتم. فقال لهم: كلاّ، إنّ أشرف الناس هذا القائم يعني الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أحب الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من أحد((4)).

* أولاده: الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وعبد الله الباهر، والحسن، والحسين، وزيد، وعمر الأشرف، والحسين الأصغر، وعبدالرحمن، وسليمان، وعلي، ومحمد الأصغر، وخديجة، وفاطمة، وعليّة، واُم كلثوم وغيرهم.

* زوجته: اُمّ عبد الله فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* نقش خاتمه: (الحمد لله العلي)، وقيل: (وما توفيقي إلا بالله)، وقيل: (خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام)، والظاهر أنها كانت عدة خواتم.

ص: 178


1- تأريخ اليعقوبي: ج2 ص303 وفاة علي بن الحسين (عليه السلام).
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص159 فصل في علمه وحلمه وتواضعه.
3- الطبقات الكبرى: ج5 ص214 بقية الطبقة الثانية من التابعين علي بن الحسين.
4- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص167 فصل في سيادته (عليه السلام).

زعمت أنّ ربك نائم؟

عن يحيى بن العلاء، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: خرج علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة حاجاً حتى انتهى إلى واد بين مكة والمدينة، فإذا هو برجل يقطع الطريق.

قال: فقال لعلي (عليه السلام): انزل، قال: «تريد ماذا؟».

قال: أريد أن أقتلك، وآخذ ما معك.

قال: «فأنا أقاسمك ما معي وأحلّلك».

قال: فقال اللص: لا.

فقال: «دع معي ما أتبلّغ به»، فأبى عليه.

قال: «فأين ربك؟». قال: نائم. قال: فإذا أسدان مقبلان بين يديه، فأخذ هذا برأسه، وهذا برجليه.

قال: فقال (عليه السلام): «زعمت أنّ ربّك عنك نائم؟»((1)).

عليّ دينك

عن فضيل وعبيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لما حضر محمد بن أسامة الموت دخلت عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعليّ دين فأحب أن تضمنوه عنّي.

فقال علي بن الحسين (عليه السلام): أما والله ثلث دينك عليّ، ثم سكت وسكتوا، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): عليّ دينك كلّه، ثم قال: علي بن

ص: 179


1- أمالي الطوسي: ص673 مجلس يوم الجمعة سلخ رجب سنة سبع وخمسين وأربعمائة ح1421.

الحسين (عليه السلام): أما إنّه لم يمنعني أن أضمنه أولاً إلاّ كراهية أن يقولوا: سبقنا»((1)).

من طلب الحلال

عن عبد الله بن سنان، عن أبى عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرّزق، فقيل له: يا بن رسول الله أين تذهب؟

قال: أتصدّق لعيالي. قيل له: أتتصدّق، قال: من طلب الحلال فهو من الله عزّ وجلّ صدقة عليه»((2)).

يا قليلة اليقين بالله

روی أنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان قائماً في صلاته، حتّى زحف ابنه محمّد، وهو طفل إلى بئر، كانت في دار بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أُمّه فصرخت، فأقبلت تضرب بنفسها من حوالي البيت وتستغيث به، وتقول له: يا بن رسول اللّه، غرق واللّه ابنك محمّد، وهو يسمع قولها ولا ينثني عن صلاته، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء فتشتدّ ...

فأقبل (عليه السلام) على صلاته، و لم يخرج عنها إلّا بعد كمالها وتمامها، ثم أقبل عليها، فجلس على رأس البئر ومدّ يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلّا برشاء طويل، فأخرج ابنه محمّداً، وهو يناغيه ويضحك ولم يبتلّ له ثوب و لا جسد

ص: 180


1- الكافي: ج8 ص332 خبر عمروبن الحضرمی ح514.
2- الكافي: ج4 ص12 باب كفاية العيال والتوسع عليهم ح11.

بالماء، فقال: هاكِ يا قليلة اليقين باللّه، فضحكت لسلامة ابنها، وبكت لقوله.

فقال: لا تثريب عليكِ، أما علمت أنّني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي، فمن ترين أرحم بعبده منه؟!»((1)).

زاد الآخرة خير

روى الإمام الصادق (عليه السلام): «أنّه كان علي بن الحسين (عليه السلام) يعجب بالعنب، فدخل منه إلى المدينة شيء حسن فاشترت منه أُمّ ولده شيئاً وأتت به عند إفطاره فأعجبه، فقبل أن يمدّ يده وقف بالباب سائل فقال (عليه السلام) لها: احمليه إليه.

قالت: يا مولاي بعضه يكفيه.

قال: لا والله، وأرسله إليه كلّه.

فاشترت له من غد وأتت به فوقف السائل، ففعل مثل ذلك، فأرسلت فاشترت له وأتت به في الليلة الثالثة ولم يأت سائل فأكل، وقال: ما فاتنا منه شيء والحمد لله»((2)).

جلالة القسم بالله

عن أبي بصير، قال: حدّثني أبو جعفر (عليه السلام): «أنّ أباه (عليه السلام) كانت عنده امرأة من الخوارج، أظنّه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له: يا ابن رسول الله إنّ عندك امرأة تبرأ من جدّك، فقضى لأبي أنه طلّقها، فادّعت عليه

ص: 181


1- عيون المعجزات: ص74 سقوط الإمام الباقر (عليه السلام) في البئر وهو صغير.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج4 ص154 فصل في زهده (عليه السلام).

صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه.

فقال له أمير المدينة: يا علي إمّا أن تحلف وإمّا أن تعطيها حقّها.

فقال لي: «قم يا بني فاعطها أربعمائة دينار».

فقلت له: يا أبه جعلت فداك ألست محقّا؟

قال: بلى يا بني، ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر»((1)).

لكنه الموت

روى سفيان بن عيينة، قال: رأى الزهري علي بن الحسين (عليه السلام) ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي، فقال له: يا بن رسول الله ما هذا؟

قال (عليه السلام): «أريد سفراً أعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز».

فقال الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى، قال: أنا أحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجّيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني».

فانصرفت عنه، فلمّا كان بعد أيام قلت له: يا بن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً.

قال (عليه السلام): «بلى يا زهري ليس ما ظننته، ولكنّه الموت وله كنت أستعد، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وبذل الندى والخير»((2))

ص: 182


1- الكافي: ج7 ص435 باب كراهية اليمين ح5.
2- علل الشرائع: ج1 ص231 باب العلة التي من أجلها سمّي علي بن الحسين بزين العابدين ح5.

.

إخبار الزهري برؤياه

عن الزهري، قال: كان لي أخ في الله تعالى، وكنت شديد المحبّة له، فمات في جهات الروم، فاغتبطت به وفرحت أن استشهد، وتمنّيت أنّي كنت استشهدت معه، فنمت ذات ليلة، فرأيته في منامي، فقلت له: ما فعل بك ربك؟

فقال: غفر الله لي بجهادي، وحبّي محمداً وآل محمد، وزادني في الجنّة مسيرة مائة ألف عام من كل جانب من الممالك بشفاعة علي بن الحسين (صلوات الله عليهما).

فقلت له: قد اغتبطت أن استشهدت بمثل ما أنت عليه.

قال: أنت فوقي من مسيرة ألف ألف عام.

فقلت: بماذا؟!

فقال: ألست تلقى علي بن الحسين (عليه السلام) في كل جمعة مرّة وتسلّم عليه، وإذا رأيت وجهه صلّيت على محمد وآل محمد، ثم تروي عنه، وتذكر في هذا الزمان النكد زمان بني أميّة فتعرّض للمكروه، ولكن الله يقيك.

فلما انتبهت قلت: لعلّه أضغاث أحلام. فعاودني النوم فرأيت ذلك الرجل يقول: أشككت، لا تشك فإنّ الشكّ كفر، ولا تخبر بما رأيت أحداً، فإنّ علي بن الحسين (عليه السلام) يُخبرك بمنامك هذا كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر بمنامه في طريقه من الشام.

فانتبهت وصلّيت فإذا رسول علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فصرت إليه، فقال: «يا زهري، رأيت البارحة كذا وكذا.. المنامين جميعاً على وجههما»((1)).

ص: 183


1- الثاقب في المناقب: ص362-363 فصل في بيان ظهور آياته من الإخبار بالغائبات ح301.

لو وُلد لي مائة ولد

روى أنه استعمل معاويةُ مروانَ بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش، ففرض لهم، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): فأتيته فقال: ما اسمك؟

فقلت: «علي بن الحسين».

فقال: ما اسم أخيك، فقلت: «علي».

قال: علي وعلي، ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلا سمّاه علياً؟!

ثم فرض لي، فرجعت إلى أبي فأخبرته، فقال: «ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم، لو وُلد لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلاّ علياً»((1)).

من يقوى على عبادة الأمير؟

روي أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) دخل على أبيه (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة.. فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر، فالتفت إليّ بعد هنيهة من دخولي، فقال: يا بني، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأعطيته، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده تضجّراً وقال: من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)؟!»((2)).

ص: 184


1- الكافي: ج6 ص19 باب الأسماء والكنى ح7.
2- الإرشاد: ج2 ص142 فصل في فضائل الإمام السجاد (عليه السلام).

ذلّ المقام بين يدي الربّ

كان الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) إذا دخل عليه شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم، حتى إذا كان آخر ثم أظهر الكتاب، وقال: «يا فلان فعلتَ كذا ولم أوذيك».

فيقرّون أجمع، فيقوم وسطهم ويقول لهم: «ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين ربّك قد أحصى عليك ما عملتَ كما أحصيتَ علينا، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الذي لا يظلم مثقال ذرّة، وكفى بالله شهيداً، فاعف واصفح يعف عنك المليك، لقوله تعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألا تحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ»((1)) ويبكي وينوح((2)).

إلهي بحبّك لي

روى ثابت البناني، قال: كنت حاجاً وجماعة عبّاد البصرة، مثل: أيوب السجستاني، وصالح المري، وعتبة العلام، وحبيب الفارسي، ومالك بن دينار، فلمّا أن دخلنا مكة، رأينا الماء ضيّقاً، وقد اشتدّ بالناس العطش لقلّة الغيث، ففزع إلينا أهل مكة والحجّاج، يسألونا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعين متضرّعين بها، فمنعنا الإجابة.

فبينما نحن كذلك، إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه، وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً، ثم أقبل علينا فقال: «يا مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيوب السجستاني، يا صالح المري، ويا عتبة العلام، ويا حبيب الفارسي، ويا

ص: 185


1- سورة النور: 22.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص397 باب إمامة علي بن الحسين (عليه السلام).

سعد، ويا عمرو، ويا صالح الأعمى، ويا رابعة، ويا سعدانه، ويا جعفر بن سليمان».

فقلنا: لبّيك وسعديك يا فتى. فقال: «أما فيكم أحد يحبّه الرحمن؟».

فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة.

فقال: «أبعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه»، ثم أتى الكعبة فخرّ ساجداً، فسمعته يقول في سجوده: «سيّدي بحبّك لي، إلاّ سقيتهم الغيث»، قال: فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب.

فقلت: يا فتى من أين علمت أنّه يحبّك؟

قال: «لو لم يحبّني لم يستزرني، فلمّا استزارني علمت أنه يحبّني، فسألته بحبّه لي فأجابني»، ثم ولّى عنّا وأنشأ يقول:

من عرف الرب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشقي

ما ضر في الطاعة ما ناله في طاعة الله وماذا لقي

ما يصنع العبد بغير التقى والعز كل العز للمتقي.

فقلت: يا أهل مكة، من هذا الفتى؟

قالوا: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)((1)).

الأكل مع المجذومين

روي أنّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) مرّ على المجذومين وهو راكب حمار وهم يتغدّون، فدعوه إلى الغداء، فقال: «إنّي صائم ولولا أنّي صائم لفعلت».

ص: 186


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص140 فصل في معجزاته (عليه السلام).

فلمّا صار (عليه السلام) إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوّقوا

فيه، ثم دعاهم فتغدّوا عنده وتغدّى معهم ((1)).

البكاء على الحسين (عليه السلام)

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: «إنّ زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه (عليه السلام) أربعين سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله، فإذا حضر الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه، ويقول: كُل يا مولاي، فيقول: قُتل ابن رسول الله جائعاً، قُتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ»((2)).

أترى هذا المترف؟

روى عبد الله بن عطاء التميمي، قال: كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) في المسجد، فمرّ عمر بن عبد العزيز عليه شراكا فضة، وكان من أحسن الناس وهو شاب، فنظر إليه علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال: «يا عبد الله بن عطاء ترى هذا المترف، إنّه لن يموت حتى يلي الناس».

قال: قلت: هذا الفاسق؟

قال: «نعم لا يلبث فيهم إلاّ يسيراً حتى يموت، فإذا مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض»((3)).

ص: 187


1- الكافي: ج2 ص123 باب التواضع ح8.
2- مسكن الفؤاد: ص100 الباب الرابع في البكاء.
3- بصائر الدرجات: ج1 ص170 نادر من الباب ح1.

إنّهم يغدرون بك

روى أبو جعفر (عليه السلام)، فقال: «خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه السلام) دهراً من عمره، ثم إنّه أراد أن ينصرف إلى أهله، فأتى علي بن الحسين (عليه السلام) وشكى إليه شدّة شوقه إلى والديه.

فقال (عليه السلام): يا أبا خالد يقدم غداً رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب بنتاً له عارض من أهل الأرض ويريدون أن يطلبوا معالجاً يعالجها، فإذا أنت سمعت قدومه فأته وقل له: أنا أعالجها لك على أني اشترط عليك أنّي أعالجها على ديتها عشرة آلاف، فلا تطمئنّ إليهم وسيعطونك ما تطلب منهم.

ولما أصبحوا قدم الرجل ومن معه، وكان من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة، فقال: أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل؟

فقال له أبو خالد: أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم، فإن أنتم وفيتم وفيت على أن لا يعود إليها أبداً، فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف.

فأقبل إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبره الخبر، فقال (عليه السلام): إنّي أعلم أنّهم سيغدرون بك ولا يفون لك، انطلق يا أبا خالد فخذ بأُذن الجارية اليسرى ثم قل: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين (عليه السلام) أخرج من هذه الجارية ولا تعد.

ففعل أبو خالد ما أمره فخرج منها فأفاقت الجارية.

وطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه، فرجع مغتماً كئيباً، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): ما لي أراك كئيباً يا أبا خالد، ألم أقل لك أنّهم يغدرون بك، دعهم فإنّهم سيعودون إليك، فإذا لقوك فقل: لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام) فإنّه لي ولكم ثقة.

ص: 188

فأصيب الجارية وعادوا إليه، وقال ما أمره به، فرضوا ووضعوا المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام) فرجع أبو خالد إلى الجارية فأخذ بإذنها اليسرى ثم قال: يا خبيث يقول لك علي بن الحسين (عليه السلام) أُخرج من هذه الجارية ولا تعرّض لها إلا بسبيل خير، فإنّك إن عُدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فخرج منها ودفع

المال إلى أبي خالد، فخرج إلى بلاده»((1)).

بطّال من أهل المدينة

روى أبو عبد الله (عليه السلام)، قال: «كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه يعني علي بن الحسين (عليه السلام) .

قال: فمرّ علي (عليه السلام) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته، ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي (عليه السلام)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه، فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا؟

فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك منه أهل المدينة.

فقال (عليه السلام): قولوا له: إنّ لله يوماً يخسر فيه المبطلون»((2)).

تسبيح الموجودات

قال سعيد بن المسيّب: كان القوم لا يخرجون من مكة، حتّى يخرج عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، فخرج وخرجت معه، فنزل في بعض المنازل، فصلّى ركعتين وسبّح في سجوده، فلم يبق شجر ولا مدر إلّا سبّحوا معه، ففزعنا منه فرفع (عليه السلام) رأسه، ثم قال: «يا سعيد أفزعت؟».

ص: 189


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص145 فصل في معجزاته (عليه السلام).
2- أمالي الصدوق: ص290 إنّ الله خصّ رسوله (صلى الله عليه وآله) بمكارم الأخلاق ح322.

فقلت: نعم يا بن رسول اللّه!، قال: «هذا التسبيح الأعظم»((1)).

ناقة مباركة

روى أبو عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال علي بن الحسين (عليه السلام) لابنه محمد (عليه السلام) حين حضرته الوفاة: إنّي قد حججت على ناقتي هذه عشرين حجّة، فلم أقرعها بسوط قرعة، فإذا نفقَت فادفنها لا يأكل لحمها السباع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلاّ جعله الله من نعم الجنة وبارك في نسله.

فلمّا نفقت حفر لها أبو جعفر (عليه السلام) ودفنها»((2)).

اللهم أذقه حرّ الحديد

روى المنهال بن عمرو، قال: حججت فلقيت علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال: «ما فعل حرملة ابن كاهل؟».

قلت: تركته حيّاً بالكوفة.

فرفع (عليه السلام) يديه ثم، قال: «اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ النار».

فتوجّهت نحو المختار فإذا بقوم يركضون ويقولون: البشارة أيّها الأمير قد أُخذ حرملة، قد كان توارى عنه، فأمر بقطع يديه ورجليه وحرقه بالنار((3)).

ص: 190


1- روضة الواعظين: ج2 ص290 مجلس في ذكر مناقب أصحاب الأئمة وفضائل الشيعة والأبدال.
2- المحاسن: ج2 ص636 باب الإبل ح133.
3- أمالي الطوسي: ص238-239 المجلس التاسع ح423.

اسمعوا ردّي عليه

روى الشيخ المفيد (رحمه الله): أنّه أوقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل فأسمعه وشتمه، فلم يكلّمه.

فلمّا انصرف قال (عليه السلام) لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا منّي ردّي عليه».

قال: فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أن تقول له ونقول.

قال: فأخذ (عليه السلام) نعليه ومشى وهو يقول: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ»((1))، فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج (عليه السلام) حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: «قولوا له هذا علي بن الحسين»، قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ وهو لا يشكّ أنّه إنّما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يا أخي إنّك كنت قد وقفت علي آنفاً قلت وقلت، فإن كنت قد قلت ما فيّ فأنا استغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك».

قال: فقبّل الرجل بين عينيه (عليه السلام) ، وقال: بلى، بل قلت فيك ما ليس فيك، وأنا أحقّ به((2)).

ص: 191


1- سورة آل عمران: 134.
2- الإرشاد: ج2 ص145 فضائل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام).

ما أكثر الحجيج

روي أنّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال للزهري وهو واقف بعرفات: «كم تقدّر ههنا من الناس».

قال: أقدّر أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف، كلّهم حجّاج قصدوا الله بآمالهم ويدعونه بضجيج أصواتهم.

فقال (عليه السلام) له: «يا زهري ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج».

فقال الزهري: كلّهم حجّاج، أفهم قليل؟.

فقال له: «يا زهري أدن لي وجهك».

فأدناه إليه، فمسح بيده وجهه، ثم قال: «انظر».

فنظر إلى الناس، قال الزهري: فرأيت أولئك الخلق كلّهم قردة، لا أرى فيهم إنساناً إلاّ في كل عشرة آلاف واحداً من الناس.

ثم قال لي: «ادن منّي يا زهري». فدنوت منه، فمسح بيده وجهي ثم قال: «أنظر». فنظرت إلى الناس، قال الزهري: فرأيت أولئك الخلق كلّهم خنازير، ثم قال لي: «ادن لي وجهك»، فأدنيت منه، فمسح بيده وجهي، فإذا هم كلّهم ذئبة إلاّ تلك الخصائص من الناس نفراً يسيراً.

فقلت: بأبي وأمّي يا بن رسول الله قد أدهشتني آياتك، وحيّرتني عجائبك.

قال: «يا زهري ما الحجيج من هؤلاء إلا النفر اليسير الذين رأيتهم بين هذا الخلق الجم الغفير». ثم قال لي: «امسح يدك على وجهك».

ففعلت، فعاد أولئك الخلق في عيني ناساً كما كانوا أولاً ((1)).

ص: 192


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص607 في أنّ الحاج هم الموالون لمحمد وعلي (عليهما السلام).

ردّ الله عليكم كل غائب

روى حمران بن أعين، فقال: كان أبو محمد علي بن الحسين (عليه السلام) قاعداً في جماعة من أصحابه إذا جاءته ظبية فتبصبصت وضربت بيدها، فقال أبو محمد: «أتدرون ما تقول الظبية؟».

قالوا: لا.

قال (عليه السلام): «تزعم أنّ فلان بن فلان رجلاً من قريش اصطاد خشفاً((1)) لها في هذا اليوم، وإنّما جاءت إليّ تسألني أن أسأله أن تضع الخشف بين يديها فترضعه، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) لأصحابه: «قوموا إليه»، فقاموا بأجمعهم فأتوه فخرج إليهم، قال: فداك أبي وأمّي ما حاجتك؟

فقال (عليه السلام): «أسألك بحقّي عليك إلا أخرجت إليّ هذه الخشف التي اصطدتها اليوم، فأخرجها فوضعها بين يدي أمّها فأرضعتها، ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): «أسألك يا فلان لما وهبت لي هذه الخشف».

قال: قد فعلت. قال: فأرسل (عليه السلام) الخشف مع الظبية، فمضت الظبية فتبصبصت وحركت ذنبها، فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «أتدرون ما تقول الظبية؟».

قالوا: لا.

قال (عليه السلام): «إنّها تقول: ردّ الله عليكم كل غايب، وغفر لعلي بن الحسين (عليه السلام) كما ردّ علي ولدي»((2)).

ص: 193


1- الخشف: ولد الغزال، المصباح المنير: ص170.
2- الثاقب في المناقب: ص365 فصل في بيان ظهور آياته في معان شتى ح303.

ما خفي منّا أعظم

روي أنّ بعضهم شتم الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقصده غلمانه، فقال (عليه السلام): «دعوه فإنّ ما خفي منّا أكثر ممّا قالوا»، ثم قال له: «ألك حاجة يا رجل؟». فخجل الرجل، فأعطاه (عليه السلام) ثوبه وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل صارخاً: أشهد انك ابن رسول

الله ((1)).

حرمة الأولياء

عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت، وعلي بن الحسين (عليه السلام) يطوف بين يديه ولا يلتفت إليه، ولم يكن عبد الملك يبصر وجهه، فقال: من هذا الذي يطوف بين يدينا ولا يلتفت إلينا؟

فقيل له: هذا علي بن الحسين، فجلس مكانه، فقال: ردّوه إلي. فردوه فقال له: يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك، فما يمنعك من المصير إلي؟

فقال علي بن الحسين (صلوات الله عليهما): إنّ قاتل أبي أفسد على نفسه بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته، فإن أحببت أن تكون كهو فكن.

فقال: كلاّ، ولكن تصير إلينا لتنال من دنيانا.

فجلس زين العابدين (صلوات الله عليه) وبسط رداءه، فقال: اللهم أره حرمة أوليائك عندك. فإذا رداؤه مملوء درّاً يكاد شعاعها يخطف بالأبصار، فقال: من يكون هذه حرمته عند ربّه كيف يحتاج إلى دنياك، ثم قال: اللهم خذها فلا حاجة لي فيها»((2)).

ص: 194


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص296 باب إمامة علي بن الحسين (عليه السلام).
2- الخرائج والجرائح ج1 ص255 الباب الخامس في معجزات الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) ح1.

الله أعلم حيث يجعل رسالته

ولّي هشام بن إسماعيل المخزومي المدينة، فنال علي بن الحسين (عليه السلام) من الأذى والمكروه عظيماً، ثم عزله الوليد بعد ذلك، وأمر أن يوقف للناس، فلم يكن أخوف من أحد كخوفه من علي بن الحسين

(عليه السلام) لما ناله منه أن يرفع ذلك عليه ويقول فيه ويشكره، فلم يقل فيه شيئاً ونهى خاصته وأهل بيته، وكل من سمع له من القول فيه بسوء.

ثم أرسل (عليه السلام) إليه وهو واقف عند دار مروان: «انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك، وطب نفساً منّا، ومن كل من يطيعنا».

فنادى هشام وهو قائم بأعلى صوته: الله أعلم حيث يجعل رسالته((1)).

إنه لا يصلني

كان للإمام زين العابدين (عليه السلام) ابن عم يأتيه بالليل متنكراً، فيناوله شيئاً من الدنانير، فيقول: لكن علي بن الحسين لا يصلني، لا جزاه الله عنّي خيراً فيسمع ذلك فيحتمله، ويصبر عليه ولا يعرّفه نفسه، فلمّا مات الإمام السجاد (عليه السلام) فقدها، فحينئذٍ علم أنّه (عليه السلام) هو كان، فجاء إلى قبره وبكى عليه ((2)) .

ص: 195


1- شرح الأخبار ج3ص260 السجاد (عليه السلام) والزهري ح1162.
2- كشف الغمة: ج2 ص107باب ذكر ولد علي بن الحسين (عليه السلام).

حيّة تحول دون بناء الكعبة

عن أبان بن تغلب، قال: لما هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها، فلمّا صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حيّة، فمنعت الناس البناء حتى هربوا فأتوا الحجّاج، فخاف أن يكون قد منع بناها، فصعد المنبر ثم نشد الناس وقال: رحم الله عبداً عنده ممّا اُبتلينا به علم لما أخبرنا به.

قال: فقام إليه شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى. فقال الحجّاج: من هو؟

فقال علي بن الحسين (عليه السلام). فقال: معدن ذلك، فبعث إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فأتاه فأخبره بما كان من منع الله إياه البناء.

فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): «يا حجّاج عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنّك ترى أنه تراث لك، اصعد المنبر وأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئاً إلا ردّه»، قال: ففعل وأنشد الناس أن لا يبقى منهم أحد عنده شيء إلا ردّه قال: فردّوه.

فلما رأى جمع التراب أتى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا، قال: فتغيّبت عنهم الحيّة، فحفروا حتى انتهوا إلى موضع القواعد، قال لهم علي بن الحسين (عليه السلام): «تنحّوا»، فتنحّوا فدنا منها فغطّاها بثوبه ثم بكى ثم غطاها بالتراب بيد نفسه، ثم دعا الفعلة فقال: «ضعوا بناءكم»، قال: فوضعوا البناء، فلمّا ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعاً يصعد إليه بالدرج((1)).

ص: 196


1- الكافي: ج4 ص222 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت وحفر عدالمطلب زمزم وهدم قريش الكعبة ح8.

هذا صاحب الجراب

روي أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) لمّا أخذ في غسل أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) أحضر معه من رعاه من أهل بيته، فنظروا إلى مواضع السجود منه في ركبته وظاهر قدميه وباطن كفّيه وجبهته، قد غلظت من أثر السجود حتى صارت كمبارك البعير، وكان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة.

ثم نظروا إلى حبل عاتقه، وعليه أثر قد اخشوشن، فقالوا لأبي جعفر (عليه السلام): أمّا هذه فقد علمنا أنّها من أثر السجود، فما هذا الذي على عاتقه؟

قال (عليه السلام): «والله، ما علم به أحد غيري، وما علمته من حيث علم أنّي علمته، ولولا أنّه قد مات ما ذكرته، كان (عليه السلام) إذا مضى من الليل صدر، قام وقد هدأ كل من في منزله، فأسبغ وضوءه وصلّى ركعتين خفيفتين.

ثم نظر إلى كل ما فضل في البيت عن قوت أهله، فجعله في جراب، ثم رمى به على عاتقه وخرج مختفّياً يتسلّل لا يعلم به أحداً، فيأتي به دوراً فيها أهل مسكنة وفقر، فيفرّق ذلك عليهم وهم لا يعرفونه إلاّ أنّهم قد عرفوا ذلك منه، فكانوا ينتظرونه.

وكان إذا أقبل قالوا: هذا صاحب الجراب، وفتحوا أبوابهم له ليفرّق عليهم ما في الجراب، وانصرف به فارغاً، يبتغي بذلك فضل صدقة السرّ وفضل صدقة الليل وفضل إعطاء الصدقة بيده ثم يرجع فيقوم في محرابه فيصلّي باقي ليلته، فهذا الذي ترون على عاتقه أثر ذلك الجراب»((1)).

ص: 197


1- دعائم الإسلام: ج2 ص330 فصل ذكر فضل الصدقة ح1248.

ص: 198

7-من قصص الإمام الباقر(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام).

* والدته: السيّدة فاطمة حفيدة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام). وقد روت عن الإمام السجاد (عليه السلام) قوله: «إنّي لأدعوا لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة مائة مرّة، لأنا نصبر على ما نعلم ويصبرون على ما لا يعلمون»((1)).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) بالمدينة المنوّرة في الأول من شهر رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة.

* كنيته: أبو جعفر.

* ألقابه: الشاكر، والهادي، والأمين، والشبيه، لشبهه برسول الله (صلى الله عليه وآله)، والباقر، وهو أشهرها لبقره العلم.

ص: 199


1- الكافي: ج1 ص472 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ح1.

* نقش خاتمه: ربّ لا تذرني فرداً، ونقل أنّ نقش خاتمه الأبيات التالية:

ظنّي بالله حسن وبالنبي المؤتمن

وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن.

* قالوا فيه (عليه السلام)

كثر المادحون للإمام الباقر (عليه السلام) وكان منهم:

1. الذهبي، قال: محمد بن علي بن الحسين، الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام((1)).

2. ابن منظور، قال: التبقّر: التوسّع في العلم والمال، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر (رضوان الله عليهم)، لأنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتبقّر في العلم((2)).

3. الفيروز آبادي، قال: والباقر محمد بن علي بن الحسين لتبحّره في العلم((3)).

4. ابن خلكان، قال: وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقّر في العلم أي توسّع والتبقّر التوسع، وفيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبّى على الأجبل((4)).

5. الطريحي، قال: وتبقّر في العلم: توسع، ومنه سمّي أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لأنّه بقر العلم بقراً، وشقّه وفتحه((5)).

ص: 200


1- تذكرة الحفاظ: ج1 ص124أبو جعفر الباقر.
2- لسان العرب: ج4 ص74 مادة بقر.
3- القاموس المحيط: ج1 ص376.
4- وفيات الأعيان: ج4 ص174.
5- مجمع البحرين: مادة بقر.

6. ابن عنبة، قال: وكان واسع العلم، وافر الحلم، وجلالة قدره أشهر من ينبّه عليها((1)).

7. ابن كثير، قال: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسمّي بالباقر لبقره العلوم، واستنباطه الحكم، كان ذاكراً خاشعاً صابراً، وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفاً بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضاً عن الجدال والخصومات((2)).

8. ابن حجر، قال: سمّي بذلك لأنه من بقر الأرض أي شقها، وإثارة مخبآتها، ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه((3)).

ص: 201


1- عمدة الطالب: ص195 عقب الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
2- البداية والنهاية: ج9 ص339 أبو جعفر الباقر (عليه السلام).
3- الصواعق المحرقة: ص201 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها (عليهم السلام).

النور الساطع

عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) والناس يدخلون ويخرجون، فقال لي: «سل الناس هل يرونني؟».

فكل من لقيته قلت له: أرأيت أبا جعفر؟ يقول: لا، وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف، قال: «سل هذا»، فقلت: هل رأيت أبا جعفر؟

فقال: أليس هو بقائم، قال: وما علمك؟

قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع((1)).

تزوّج بهذه

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى أبي (عليه السلام) فقال (عليه السلام) له: هل لك من زوجة؟

فقال: لا.

فقال (عليه السلام): إنّي ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأنّي بت ليلة ليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصلّيهما رجل متزوّج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير، قال له: تزوّج بهذه، ثم قال أبي (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتخذوا الأهل فإنّه أرزق لكم»((2)).

ص: 202


1- الخرائج والجرائح: ج2 فصل في أعلام الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السلام) ح7.
2- تهذيب الأحكام: ج7 ص240 باب ضروب النكاح ح1046.

رجل من أهل الجنة

عن الحكم بن عتيبة، قال: بينما أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاصّ بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكّؤ على عنزة له((1))

حتى وقف على باب البيت، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته».

ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت، وقال: السلام عليكم، ثم سكت، حتى أجابه القوم جميعاً وردّوا، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك، فوالله إنّي لأحبّكم وأحبّ من يحبّكم، ووالله ما أحبّكم وأحبّ من يحبّكم لطمع في دنيا، والله إنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إنّي لأحلّ حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إليّ إليّ»، حتى أقعده إلى جنبه، ثم قال: «أيّها الشيخ إنّ أبي علي بن الحسين (عليه السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي (عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقرّ عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، ولو قد بلغت نفسك ههنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقرّ الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى».

فقال الشيخ: كيف قلت يا أبا جعفر؟

ص: 203


1- العنزة بالتحريك: أطول من العصا وأقصر من الرمح.

فأعاد (عليه السلام) عليه الكلام، فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا متّ أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) وتقرّ عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي

إلى ههنا، وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى؟!

ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون ينشجون لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك، فناوله يده، فقبّلها ووضعها على عيينة وخدّه، ثم حسّر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام، فقال: السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم، فقال: «من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا».

فقال الحكم بن عتيبة: لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس((1)).

مع النصراني والعفو عنه

قال نصراني للإمام محمد الباقر (عليه السلام): أنت بقر؟

قال (عليه السلام): «لا، أنا باقر».

قال: أنت ابن الطبّاخة؟

قال (عليه السلام): «ذاك حرفتها».

قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية؟

ص: 204


1- الكافي: ج8 ص77 باب صاحب الزيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ح30.

قال (عليه السلام): «إن كنت صدقت غفر الله لها« وإن كنت كذبت غفر الله لك».

قال: فأسلم النصراني((1)).

ردّوا إليه روحه

قال ابن حمزة: سمعت شيخي أبا جعفر محمد بن الحسين الشوهاني بمشهد الرضا (عليه السلام) في داره، وهو يقرأ في كتابه، وقد ذهب عني اسم الراوي: أنّ فتى من أهل الشام كان يكثر الجلوس عند أبي جعفر (عليه السلام)، فقال ذات يوم: والله ما أجلس إليك حبّاً لك، وإنّما أجلس إليك لفصاحتك وفضلك.

فتبسّم (عليه السلام) ولم يقل شيئاً، ثم فقده بعد ذلك بأيام، فسأل عنه فقيل له: مريض، فدخل عليه إنسان وقال له: يا بن رسول الله إنّ الفتى الشامي الذي كان يكثر الجلوس إليك قد توفّي، وأوصى إليك أن تصلي عليه.

فقال (عليه السلام): «إذا غسلتموه فدعوه على السرير ولا تكسوه حتى آتيكم»، ثم قام فتطهّر وصلّى ركعتين ودعا وسجد بعده فأطال السجود، ثم قام فلبس نعليه، وتردّى برداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضى إليه.

فلمّا وصل (عليه السلام) دخل البيت الذي يغسل فيه وهو على سريره، وقد فرغ من غسله وناداه باسمه، فقال: «يا فلان»، فأجابه ولبّاه، ورفع رأسه وجلس، فدعا (عليه السلام) بشربة سويق فسقاه، ثم سأله: «مالك»؟.

فقال: إنّه قد قبض روحي بلا شك منّي، وإنّي لما قبضت سمعت صوتاً ما

ص: 205


1- بحار الأنوار: ج46 ص289 فيما قاله (عليه السلام) لمحمد بن المنكدر في بعض نواحي المدينة في ساعة حارة ح12.

سمعت قط أطيب منه: ردّوا إليه روحه، فإنّ محمد بن علي (عليه السلام) قد سألناه((1)).

رحمك الله ياكميت

روي أنّ الكميت (رحمه الله) دخل على الإمام الباقر (عليه السلام) فأنشده

أشعاراً قالها فيه، فقال له أبو جعفر: «رحمك الله يا كميت، لو كان عندنا مال حاضر لأعطيناك رضاك».

فقال الكميت: جعلت فداك والله ما امتدحتكم وأنا أريد بذلك عاجل دنيا، ولكن أردت الله ورسوله.

قال: «فإنّ لك بامتداحنا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعبد الله بن رواحة، وحسّان بن ثابت، قال لهما: لن تزالا تؤيّدان بروح القدس، ما ذببتما عنّا بألسنتكما»((2)).

في مجلس هشام بن عبد الملك

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في رواية: «فدخلنا وإذا قد قعد أي هشام على سرير الملك، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم، سماطان متسلّحان، وقد نصب الغرض حذاه وأشياخ قومه يرمون، فلمّا دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه، فنادى هشام أبي وقال: يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض.

فقال له أبي (عليه السلام): «إنّي قد كبرت عن الرمي، فإن رأيت أن تعفيني».

ص: 206


1- الثاقب في المناقب: ص370 فصل في بيان ظهور آياته من إحياء الموتى ح305.
2- دعائم الإسلام: ج2 ص323 فصل ذكر الهبات وما يجوز منها ح1220.

فقال: وحقّ من أعزّنا بدينه ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك، ثم أومأ إلى شيخ من بني أميّة أن أعطه قوسك.

فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس، ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصب فيه، ثم رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شقّ تسعة أسهم بعضاً في جوف بعض، وهشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك إلى أن قال: أجدت يا أبا جعفر، وأنت أرمى العرب والعجم، هلاّ زعمت أنّك كبرت عن الرمي؟، ثم أدركته الندامة على ما قال، وكان هشام لم يكن أحل قتل أبي ولا بعده في خلافته، فهمّ به وأطرق إلى الأرض إطراقة تروّى فيها، وأنا وأبي واقف حذاه مواجمين له.

فلمّا طال وقوفنا غضب أبي يفهم به، وكان أبي (عليه السلام) إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان، يرى الناظر الغضب في وجهه، فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي، قال له: إلي يا محمد، فصعد أبي إلى السرير أنا أتبعه، فلمّا دنا من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي، ثم أقبل على أبي بوجهه، فقال له: يا محمد، لا يزال العرب والعجم يسودها قريش ما دام مثلك فيهم، لله درك من علمك هذا الرمي؟

فقال أبي: «قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه، فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته، فلمّا أراد الأمير منّي ذلك عدت إليه».

فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت، وما ظننت أنّ في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي، أيرمي جعفر (عليه السلام) مثل رميك؟

فقال: إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيّه ((1)).

ص: 207


1- دلائل الإمامة: ص233-235 ذكر معجزاته (عليه السلام) ح162.

إيّاك أن تعود لمثلها

عن أبي الصباح الكناني، قال: صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقرعت الباب، فخرجت إلي وصيفة ناهد، فضربت بيدي إلى رأس ثديها وقلت لها: قولي لمولاك: إنّي بالباب.

فصاح من آخر الدار: «أدخل، لا أمّ لك».

فدخلت، وقلت: يا مولاي والله ما قصدت ريبة، ولا أردت إلاّ زيادة في يقيني.

فقال: «صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم، إذن لا فرق بيننا وبينكم! فإيّاك أن تعاود لمثلها»((1)).

مع عالم النصارى

روى عمر بن عبد الله الثقفي، قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى الشام فأنزله منه، وكان يقعد مع الناس في مجالسهم، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال (عليه السلام): «ما لهؤلاء، ألهم عيد اليوم؟».

فقالوا: لا يا ابن رسول الله، ولكنّهم يأتون عالماً لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه فيسألونه عمّا يريدون وعمّا يكون في عامهم.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «وله علم».

ص: 208


1- الخرائج والجرائح ج1 ص273 الباب السادس في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ح2.

فقالوا: هو من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (عليه السلام).

قال: «فهل نذهب إليه».

قالوا: ذاك إليك يا ابن رسول الله، قال: فقنّع أبو جعفر (عليه السلام) رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، فقعد أبو جعفر (عليه السلام) وسط النصارى هو وأصحابه وأخرج النصارى بساطاً، ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا فأخرجوه ثم ربطوا عينيه، فقلب عينيه كأنّهما عينا أفعى ثم قصد إلى أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: يا شيخ أمنّا أنت أم من الأمّه المرحومة؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «بل من الأمة المرحومة».

فقال: أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم؟

فقال: «لست من جهّالهم».

فقال النصراني: أسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «سلني».

فقال النصراني: يا معشر النصارى رجل من أمّة محمد يقول:

سلني إنّ هذا لملئ بالمسائل، ثم قال: يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا من النهار أيّ ساعة هي؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس».

فقال النصراني: فإذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أيّ الساعات هي؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا».

فقال النصراني: أسألك أم تسألني؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «سلني».

ص: 209

فقال النصراني: يا معشر النصارى إنّ هذا لملئ بالمسائل، أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوّطون أعطني مثلهم في الدنيا؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «هذا الجنين في بطن أمه يأكل ممّا تأكل أمّه ولا يتغوّط».

فقال النصراني: ألم تقل: ما أنا من علمائهم؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إنّما قلت لك: ما أنا من جهّالهم».

فقال النصراني: فأسألك أو تسألني.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «سلني».

فقال: يا معشر النصارى والله لأسألنّه عن مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل. فقال له: «سل».

فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين حملتهما جميعاً في ساعة واحدة وولدتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في قبر واحد، عاش أحدهما خمسين ومائة سنه وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «عزير وعزرة، كانا حملت أمّهما بهما على ما وصفت ووضعتهما على ما وصفت وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة ثم أمات الله تبارك وتعالى عزيراً مائة سنة ثم بعث وعاش

مع عزرة هذه الخمسين سنة وماتا كلاهما في ساعة واحدة».

فقال النصراني: يا معشر النصارى: ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردّوني.

قال: فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر (عليه السلام)((1)).

ص: 210


1- تفسير القمّي: ج1 ص99 سورة آل عمران الآيات 14-15.

دليل الكتاب الناطق

روى أبو لبيد البحراني المراء الهجرين، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) بمكة، فسأله عن مسائل، فأجابه فيها، ثم قال له الرجل: أنت الذي تزعم أنّه ليس شيء من كتاب الله إلا معروف؟

قال (عليه السلام): «ليس هكذا قلت، ولكن ليس شيء من كتاب الله إلا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه ممّا لا يعلمه الناس».

قال: فأنت الذي تزعم أنّه ليس من كتاب الله إلا والناس يحتاجون إليه؟

قال: «نعم، ولا حرف واحد».

فقال له: فما المص؟

قال أبو لبيد: فأجابه بجواب نسيته، فخرج الرجل.

فقال لي أبو جعفر (عليه السلام): «هذا تفسيرها في ظهر القرآن، أفلا أخبرك بتفسيرها في بطن القرآن؟».

قلت: وللقرآن بطن وظهر؟

فقال (عليه السلام): «نعم، إنّ لكتاب الله ظاهراً وباطناً ومعايناً، وناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً، وسنناً وأمثالاً، وفصلاً ووصلاً، وأحرفاً وتصريفاً، فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك، ثم قال: أمسك: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون».

فقلت: فهذه مائة وإحدى وستون. فقال: «يا لبيد إذا دخلت سنة إحدى

وستين ومائة، سلب الله قوماً سلطانهم»((1)).

ص: 211


1- المحاسن: ج1 ص270 باب إنزال الله في القرآن تبياناً لكل شيء ح360.

مظلومية الإمام (عليه السلام)

روى الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ جابر بن عبد الله الأنصاري كان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو معتم بعمامة سوداء، وكان ينادى: يا باقر العلم يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: إنّ جابر يهجر، وكان يقول: والله ما أهجر ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّك ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي، وشمايله شمايلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول.

قال: فبينا جابر يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذا هو بطريق في ذلك الطريق كان محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، فلمّا نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر، فقال: شمايل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي نفس جابر بيده، يا غلام ما اسمك؟

قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

فأقبل إليه يقبّل رأسه، وقال: بأبي أنت وأمّي إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام.

وقال (عليه السلام): فرجع محمد بن علي إلى أبيه علي بن الحسين وهو ذعر، فأخبره الخبر، فقال له: يا بني قد فعلها جابر؟

قال: نعم، قال: يا بني ألزم بيتك.

قال (عليه السلام): وكان جابر يأتيه طرفي النهار، وكان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله، فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان محمد بن علي (عليه السلام) يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

ص: 212

فجلس فحدّثهم عن أبيه، فقال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قط أجرأ من هذا، قال: فلما رأى ما يقولون فحدّثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أهل المدينة: ما رأينا أحداً قطّ أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره؟

قال (عليه السلام): فلما رأى ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبد الله، فصدّقوه وكان جابر والله يأتيه ويتعلّم منه»((1)).

لا تدخل فيما بيننا

روى عبد الملك بن أعين، قال: وقع بين أبي جعفر (عليه السلام) وبين ولد الحسن (عليه السلام) كلام، فبلغني ذلك، فدخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فذهبت أتكلّم.

فقال لي: «مه، لا تدخل فيما بيننا، فإنّما مثلنا ومثل بني عمّنا كمثل رجل كان في بني إسرائيل، كانت له ابنتان فزوّج إحداهما من رجل زراع وزوج الأخرى من رجل فخّار، ثم زارهما فبدأ بامرأة الزرّاع، فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد زرع زوجي زرعاً كثيراً فإن أرسل الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً، ثم مضى إلى امرأة الفخّار، فقال لها: كيف حالكم؟ فقالت: قد عمل زوجي فخّاراً كثيراً، فإن أمسك الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً، فانصرف وهو يقول: اللهم أنت لهما، وكذلك نحن»((2)).

ص: 213


1- الاختصاص: ص62-63 حديث جابر بن عبد الله الأنصاري مع الإمام الباقر (عليه السلام).
2- الكافي: ج8 ص84-85 حديث البحر مع الشمس ح45.

أردت أن أعظه فوعظني

روى محمد بن المنكدر، قال: رأيت الباقر (عليه السلام) وهو متكئ على غلامين أسودين فسلّمت عليه، فردّ علي على بهر وقد تصبّب عرقاً، فقلت: أصلحك الله لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا؟

فخلّى (عليه السلام) الغلامين من يده وتساند وقال: «لو جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس وإنّما كنت أخاف الله لو جاءني أنا على معصية من معاصي الله».

فقلت: رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني((1)).

كيف أبوك؟

عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال لرجل من أهل خراسان: «كيف أبوك».

قال: صالح.

قال (عليه السلام): «قد مات أبوك بعدما خرجت، حيث صرت جرجان».

ثم قال (عليه السلام): «كيف أخوك؟».

قال: تركته صالحاً.

قال (عليه السلام): «قد قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا».

فبكى الرجل وقال: إنا لله وإنّا إليه راجعون بما أصبت.

ص: 214


1- الكافي: ج5 ص73-74 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة (عليهم السلام) في التعرّض للرزق ح1.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «اسكن فقد صاروا إلى الجنة، والجنة خير لهم ممّا كانوا فيه».

فقال له الرجل: إنّي خلّفت ابني وجعاً شديداً ولم تسألني عنه.

قال (عليه السلام): «قد برأ، وقد زوّجه عمّه ابنته، وأنت تقدم عليه وقد ولد له غلام واسمه علي، وهو لنا شيعة، وأمّا ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو».

فقال له الرجل: فهل من حيلة؟

قال: «إنه عدوّ وهو وقيد»((1)).

أساس الدين

روى بريد بن معاوية العجلي وإبراهيم الأحمري، قالا: دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) وعنده زياد الأحلام، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «يا زياد ما لي أرى رجليك متعلّقين؟».

قال: جعلت لك الفداء جئت على نضولي((2)) عامّة الطريق وما حملني على ذلك إلاّ حبّي لكم وشوقي إليكم. ثم أطرق زياد مليّاً ثم قال: جعلت لك الفداء إنّي ربما خلوت فأتاني الشيطان فيذكرني ما قد سلف من الذنوب والمعاصي فكأنّي آيس، ثم أذكر حبّي لكم وانقطاعي إليكم وكان متكئاً لكم.

قال (عليه السلام): «يا زياد، وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض»؟.

ثم تلا هذه الآيات الثلاث كأنّها في كفّه: «وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ

ص: 215


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص 595 فصل في أعلام الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السلام) ح6.
2- أي بعير هزيل.

وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»((1))، وقال: «يُحِبُّونَ

مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ»((2))، وقال: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ((3))»((4)).

تفاحة من الجنة

عن جابر بن يزيد (رحمه الله)، قال: خرجت مع أبي جعفر (عليه السلام) وهو يريد الحيرة، فلما أشرفنا على كربلاء قال لي: «يا جابر، هذه روضة من رياض الجنّة لنا ولشيعتنا، وحفرة من حفر جهنم لأعدائنا».

ثم إنّه قضى ما أراد، ثم التفت إلي وقال: «يا جابر». فقلت: لبيك سيّدي.

قال لي: «تأكل شيئاً؟».

قلت: نعم سيّدي.

قال: فأدخل يده بين الحجارة، فأخرج لي تفّاحة لم أشم قط رائحة مثلها، لا تشبه رائحة فاكهة الدنيا، فعلمت أنّها من الجنة، فأكلتها، فعصمتني من الطعام أربعين يوماً، لم آكل ولم أحدث((5)).

ص: 216


1- سورة الحجرات: 8-9.
2- سورة الحشر: 9.
3- سورة آل عمران: 31.
4- تفسير فرات الكوفي ص429-430 سورة الحجرات الآيات 7-8.
5- دلائل الإمامة ص221ذكر معجزاته (عليه السلام) ح145.

8-من قصص الإمام الصادق(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* أبوه: الإمام محمد الباقر (عليه السلام).

* أمّه: فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وتكنّى أُمّ فروة، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في حقّها: «كانت أمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت، والله يحبّ المحسنين»((1)).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة يوم الإثنين في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين.

* كُناه: أبو عبد الله، وأبو إسماعيل، وأبو موسى.

* ألقابه: الصادق، والعاطر، والطاهر، والفاضل، والكافل، والمنجي، والقائم، وأشهرها هو الصادق.

* نقش خاتمه: (الله ربّي، عصمني من خلقه)، وقيل: (ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله استغفر الله).

* قالوا في حقه (عليه السلام)

بلغ مقام الإمام الصادق (عليه السلام) من المنزلة أنّ المخالف والمؤالف أشادوا

ص: 217


1- الكافي ج1 ص472 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ح1.

بمقامه الرفيع وأثنوا عليه، ومنهم:

1: أبو العوجاء، قال: ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ظاهراً ويتروّح إذا شاء باطناً فهو هذا ((1)).

2: أبو حنيفة، قال: جعفر بن محمد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مصلٍ وإمّا صائم وإمّا يقرأ القرآن، وما رأت عين ولا سمعت أُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً ((2)).

3: المنصور الدوانيقي، قال: إنّ جعفراً كان ممّن قال الله فيه: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْرات»((3))، ((4)).

4: عن مالك بن أنس، قال: كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسّم، فإذا ذكر عنده النبي (عليه السلام) اخضرّ واصفرّ، ولقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال: إمّا مصلّياً وإمّا قائماً وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته يحدّث عن رسول الله (عليه السلام) إلاّ على الطهارة، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد والزهّاد الذين يخشون الله، وما رأيته قط إلاّ ويخرج وسادة من تحته ويجعلها تحتي((5)).

ص: 218


1- الكافي: ج1 ص75 باب حدوث العالم وإثبات المحدث ح2.
2- تهذيب التهذيب: ج2 ص88.
3- سورة فاطر: 32.
4- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص177وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد وآدابه.
5- شرح إحقاق الحق: ج33 ص817 كلمات القوم في شأنه (عليه السلام).

سرّ أخاك يسرك الله

عن محمد بن جمهور، قال: كان النجاشي وهو رجل من الدهّاقين عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراجاً وهو مؤمن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتاباً.

قال: فكتب إليه أبو عبد الله (عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم، سرّ أخاك يسرّك الله».

قال: فلمّا ورد الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه، فلمّا خلا ناوله الكتاب، وقال: هذا كتاب أبي عبد الله (عليه السلام)، فقبّله ووضعه على عينيه وقال له: ما حاجتك؟

قال: خراج عليّ في ديوانك.

فقال له: وكم هو؟

قال: عشرة آلاف درهم، فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه، ثم أخرجه منها، وأمر أن يثبتها له لقابل ثم قال له: سررتك؟

فقال: نعم جعلت فداك، ثم أمر له بمركب وجارية وغلام وأمر له بتخت((1))

ثياب، في كل ذلك يقول له: هل سررتك؟

فيقول: نعم جعلت فداك، فكلّما قال: نعم، زاده حتى فرغ، ثم قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه وارفع إلي حوائجك.

قال: ففعل وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك فحدّثه

ص: 219


1- التخت: خزانة الثياب.

الرجل بالحديث على جهته، فجعل (عليه السلام) يُسرّ بما فعل، فقال الرجل: يا ابن رسول الله كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟

فقال (عليه السلام): «إيّ والله لقد سرّ الله ورسوله»((1)).

أمرتك بأمرين

روى عاصم بن حميد، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتاه رجل فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج.

قال: فاشتدّت به الحاجة، فأتى أبا عبد الله (عليه السلام)، فسأله عن حاله، فقال له: اشتدّت بي الحاجة، فقال: «ففارق».

ثم أتاه فسأله عن حاله، فقال: أثريت وحسن حالي.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّي أمرتك بأمرين أمر الله بهما، قال الله عزّ وجلّ: «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ»((2))، وقال: «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» ((3))»((4)).

ص: 220


1- الكافي: ج2 ص190 باب إدخال السرور على المؤمنين ح9.
2- سورة النور: 32.
3- سورة النساء: 130.
4- الكافي: ج5 ص330 باب أنّ التزويج يزيد في الرزق ح4.

من استخفّ بمؤمن

روى أبو هارون عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال (عليه السلام) لنفر عنده وأنا حاضر: «ما لكم تستخفّون بنا؟».

قال: فقام إليه رجل من خراسان، فقال: معاذٌ لوجه الله أن نستخفّ بك أو بشيء من أمرك.

فقال: «بلى إنّك أحد من استخفّ بيّ».

فقال: معاذٌ لوجه الله أن أستخفّ بك.

فقال (عليه السلام) له: «ويحك أو لم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك: احملني قدر ميل فقد والله أعييت، والله ما رفعت به رأساً ولقد استخففتَ به، ومن استخف بمؤمن فينا استخف وضيّع حرمة الله عزّ وجلّ»((1)).

عليكم بالطلب والعمل

عن علي بن عبد العزيز قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما فعل عمر بن مسلم؟».

قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة.

فقال (عليه السلام): «ويحه، أما علم أنّ تارك الطلب لا يُستجاب له، إنّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت: «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»((2))، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا:

ص: 221


1- الكافي: ج8 ص102 مدح لحسان بن ثابت وذمّ بعض الصحابة ح73.
2- سورة الطلاق: 2-3.

قد كفينا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟

قالوا: يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنه

من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب»((1)).

لا تأتمن شارب الخمر

روى حريز، قال: كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) دنانير، وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل: يا أبه إنّ فلاناً يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا ديناراً فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟».

فقال إسماعيل: هكذا يقول الناس.

فقال (عليه السلام): «بني لا تفعل»، فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأته بشيء منها، فخرج إسماعيل وقضى أن أبا عبد الله (عليه السلام) حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ويقول: اللهم أجرني واخلف علي، فلحقه أبو عبد الله (عليه السلام) فهمزه بيده من خلفه، وقال له: «مه يا بني، فلا والله ما لك على الله هذا، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته».

فقال إسماعيل: يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون.

فقال: «يا بني إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه: «يُؤْمِنُ بِالله ويُؤْمِنُ

ص: 222


1- من لا يحضره الفقيه: ج3 ص192 باب التجارة وآدابها وفضلها وفقهها ح3721.

لِلْمُؤْمِنِينَ»((1))، يقول يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم ولا تأتمن شارب الخمر، فإنّ الله عز وجل يقول في كتابه: «ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ»((2))، فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟ إنّ شارب الخمر لا يُزوّج إذا خطب، لا يُشفّع إذا شفع، ولا

يُؤتمن على أمانة، فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه»((3)).

ستزور الحسين (عليه السلام)

روي أنّ موسى الزوّار العطار جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له: يا ابن رسول الله رأيت رؤيا هالتني، رأيت صهراً لي ميتاً قد عانقني، وقد خفت أن يكون الأجل قد اقترب.

فقال: «يا موسى توقّع الموت صباحاً ومساءً فإنّه ملاقينا، ومعانقة الأموات للأحياء أطول لأعمارهم، فما كان اسم صهرك؟».

قال: حسين.

فقال: «أما إنّ رؤياك تدلّ على بقائك وزيارتك أبا عبد اللَّه (عليه السلام)، فإنّ كل من عانق سميّ الحسين (عليه السلام) فإنّه يزوره إن شاء الله»((4)).

ص: 223


1- سورة التوبة: 61.
2- سورة النساء: 5.
3- الكافي: ج5 ص300 باب آخر منه في حفظ المال وكراهة الإضاعة ح1.
4- الكافي: ج8 ص293 حديث نوح (عليه السلام) يوم القيامة ح447.

قم فأعن أخاك

عن صفوان، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوم التروية، فدخل عليه هارون القدّاح، فشكا إليه تعذّر الكراء((1))، فقال لي: «قم فأعن أخاك»، فخرجت معه، فيسّر الله له الكراء، فرجعت إلى مجلسي، فقال لي: «ما صنعت في حاجة أخيك المسلم؟».

قلت: قضاها الله تعالى، فقال: «أما أنّك إن تعن أخاك، أحب إليّ من طواف أسبوع بالكعبة»، ثم قال: «إنّ رجلاً أتى الحسن بن علي (عليه السلام)، فقال: بأبي أنت وأمّي يا أبا محمد، أعنّي على حاجتي، فانتعل وقام معه، فمر على الحسين بن علي (عليه السلام) وهو قائم يصلّي، فقال: أين كنت عن أبي عبد الله (عليه السلام) تستعينه على حاجتك؟

قال: قد فعلت، فذُكِرَ لي أنّه معتكف، فقال: أما أنّه لو أعانك على حاجتك، كان خيراً له من اعتكاف شهر»((2)).

أقول: (ذُكِرَ) مبني للمجهول.

وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): (يمكن أن يكون له عليه السلام عذر آخر لم يظهره للسائل، ولذا لم يذهب معه فأفاد الحسن عليه السلام ذلك لئلا يتوهم السائل أن الاعتكاف في نفسه عذر في ترك هذا، فالمعنى: لو أعانك مع عدم عذر

ص: 224


1- الكراء بالكسر والمدّ: أجر المستأجر عليه، وهو مصدر، وفي الأصل من كاريته من باب قاتل، الكرى كالغنى وهو الذي يكري الدواب.
2- مستدرك الوسائل: ج12 ص411 باب استحباب اختيار السعي في حاجة المؤمن على العتق والحج والعمرة ح 14457.

آخر كان خيراً) ((1)).

دَين الآخرة

عن أبي عبد الله بن فضل الهاشمي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ عليَّ ديناً كثيراً ولي عيال ولا أقدر على الحج، فعلّمني دعاءً أدعو به.

فقال (عليه السلام): «قل في دبر كل صلاة مكتوبة: اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وَآلِ محمد، وَاقْضِ عَنّي دَيْنَ الدّنْيا وَدَيْنَ الآخِرَةِ».

قلت له: أمّا دَين الدنيا فقد عرفته، فما دَين الآخرة؟

قال: «دَين الآخرة الحج»((2)).

مع هشام بن الحكم

روى يونس بن يعقوب، قال: كان عند أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟

فقال هشام: يا ابن رسول الله إنّي أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أمرتكم بشيء فافعلوا».

قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة،

ص: 225


1- بحار الأنوار: ج71 ص336 ب20 بيان ح113.
2- وسائل الشيعة: ج11 ص74 باب أنّ من مات وعليه حجة الإسلام وأخرى منذورة ح14276.

فعظم ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة ((1)) سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه،

فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثم قلت: أيّها العالم إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟

فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال: يا بني أيّ شي هذا من السؤال، وشيء تراه كيف تسأل عنه؟

فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء، قلت: أجبني فيه، قال لي: سل، قلت: ألك عين؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص.

قلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرائحة.

قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم.

قلت: فلك أُذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت.

قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواس.

قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك.

قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم.

قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم.

فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها

ص: 226


1- الشملة: لباس يُشتمل به.

إماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شك فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكّك؟!

قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً.

ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا.

قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا.

قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة.

قال: فأنت إذاً هو، ثم ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت.

قال: فضحك أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: «يا هشام من علّمك هذا؟».

قلت: شيء أخذته منك وألفته، فقال: «هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى»((1)).

بقاع يُستجاب فيها الدعاء

روي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) مرض فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيراً يدعو عند قبر الحسين (عليه السلام)، فوجدوا رجلاً، فقالوا له ذلك، فقال: أنا أمضي ولكن الحسين (عليه السلام) إمام مفترض الطاعة، وهو إمام مفترض الطاعة!

فرجعوا إلى الصادق (عليه السلام) وأخبروه.

فقال: «هو كما قال، ولكن أما عرف أن لله تعالى بقاعاً يُستجاب فيها الدعاء فتلك البقعة من تلك البقاع»((2)).

ص: 227


1- علل الشرائع: ج1 ص194 باب علّة إثبات الأئمة ح2.
2- عدّة الداعي: ص57 القسم الثاني ما يرجع إلى المكان.

أستجير بالله من النار

عن سليمان بن خالد، قال: حضرت عشاء أبي عبد الله (عليه السلام) في الصيف، فأتى بخوان((1)) عليه خبز، وأتى بجفنة ثريد ولحم، فقال (عليه السلام): «هلّم إلى هذا الطعام»، فدنوت فوضع يده فيه، فرفعها وهو يقول: «أستجير بالله من النار، أعوذ بالله من النار، هذا لا نقوى عليه فكيف النار، هذا لا نطيقه فكيف النار، هذا لا نصبر عليه فكيف النار».

قال: فكان (عليه السلام) يكرّر ذلك حتى أمكن الطعام فأكل وأكلنا((2)).

لا حاجة لنا في هذا الربح

عن أبي جعفر الفزاري، قال: دعا أبو عبد الله (عليه السلام) مولى له يقال له: مصادف، فأعطاه ألف دينار، فقال له: «تجهّز إلى مصر»، قال: فتجهّز بمتاع فخرج مع التجّار إلى مصر.

فلما دنوا مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر، فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة وكان متاع العامة، فأخبروهم أنّه ليس بمصر شيء منه، فتحالفوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار ديناراً.

فلمّا قضوا أموالهم وانصرفوا إلى المدينة، دخل مصادف على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعه كيسان، في كل واحد ألف دينار، فقال: جُعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر الربح.

ص: 228


1- الخوان: مايوضع عليه الطعام ليؤكل.
2- المحاسن: ج2 ص407 باب الطعام الحار ح122.

فقال (عليه السلام): «هذا الربح كثير، ولكن ما صنعتم في المتاع؟».

فحدّثه كيف صنعوا وتحالفوا، فقال (عليه السلام): «سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلاّ بربح الدينار بديناراً».

ثم أخذ أحد الكيسين، فقال (عليه السلام): «هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح»، ثم قال: «يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال»((1)).

حر الشمس وطلب الحلال

عن أبي عمرو الشيباني، قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصاب عن ظهره، فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك.

فقال (عليه السلام) لي: «إنّي أحب أن يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة»((2)).

خذهم يا قسورة

روى محمد بن سنن، فقال: وجّه المنصور إلى سبعين رجلاً من أهل كابل فدعاهم فقال لهم: ويحكم إنّكم تزعمون أنّكم ورثتم السحر عن آبائكم أيام موسى (عليه السلام) وأنّكم تفرّقون بين المرء وزوجه، وأنّ أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ساحر مثلكم! فاعملوا شيئاً من السحر، فإنّكم إن أبهتموه أعطيتكم

ص: 229


1- تهذيب الأحكام: ج7 ص13-14 باب فضل التجارة وآدابها وغير ذلك مما ينبغي للتاجر أن يعرفه وحكم الربا ح58.
2- الكافي: ج5 ص76 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة (عليهم السلام) في التعرّض للرزق ح13.

الجائزة العظيمة والمال الجزيل.

فقاموا إلى المجلس الذي فيه المنصور وصوّروا له سبعين صورة من صور السباع لا يأكلون ولا يشربون، وإنّما كانت صور، وجلس كل واحد منهم تحت صورته، وجلس المنصور على سريره ووضع إكليله على رأسه، ثم قال لحاجبه: ابعث إلى أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: فدخل (عليه السلام) عليه، فلمّا أن نظر إليه وإليهم وبما قد استعدّوا له رفع يده إلى السماء ثم تكلّم بكلام بعضه جهراً وبعضه خفياً، ثم قال: «ويحكم أنا الذي أُبطل سحركم»، ثم نادى برفيع صوته: «قسورة خذهم».

فوثب كل سبع منها على صاحبه فافترسه في مكانه، ووقع المنصور عن سريره وهو يقول: يا أبا عبد الله أقلني، فوالله لا عدت إلى مثلها أبداً.

فقال (عليه السلام) له: «قد أقلتك».

قال: يا سيّدي فردّ السباع إلى ما أكلوا.

قال (عليه السلام): «هيهات إن عادت عصا موسى فستعود السباع»((1)).

إحياء البقرة

روي عن المفضل بن عمر، قال: كنت أمشي مع أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) بمكة، إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة، وهي مع صبية لها تبكيان، فقال (عليه السلام) لها: «ما شأنك؟».

قالت: كنت أنا وصبياني نعيش من هذه البقرة وقد ماتت، لقد تحيّرت في أمري.

ص: 230


1- نوادر المعجزات: ص306 خبر التهام السباع المصوّرة للسحرة ح117.

قال (عليه السلام): «أفتحبين أن يحييها الله لك؟».

قالت: أو تسخر منّي مع مصيبتي؟

قال: «كلاّ ما أردت ذلك»، ثم دعا بدعاء، ثم ركضها برجله، وصاح بها، فقامت البقرة مسرعة سوية، فقالت: عيسى بن مريم ورب الكعبة((1)).

ضمان الجنة

عن عبد الملك النوفلي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أبلغ موالي عنّي السلام وأخبرهم أنّي أضمن لهم الجنة ما خلا سبعاً: مدمن خمر أو ميسر، أو راد على مؤمن، أو مستكبر على مؤمن، أو منع مؤمناً من حاجة، أو من أتاه مؤمن في حاجة فلم يقضها له، أو من خطب إليه مؤمن فلم يزوّجه».

قال: قلت: لا والله لا يردّ علي أحد ممّن وحد الله بكماله كائناً من

كان فأخلي بينه وبين مالي.

فقال: «صدقت، إنّك صديق قد امتحن الله قلبك للتسليم والإيمان»((2)).

من شروط استجابة الدعاء

روى علي بن إبراهيم: قال رجل للصادق (عليه السلام): يقول الله: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»((3))، وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا؟

ص: 231


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص294الباب السابع في معجزات الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ح16.
2- مشكاة الأنوار: ص182 الفصل السابع في ذكر ما يجب من حق المؤمن ح468.
3- سورة غافر: 60.

فقال (عليه السلام): «إنكم لا تفون لله بعهده، فإنّه تعالى يقول: «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»((1))، والله لو وفيتم لله سبحانه لوفى لكم»((2)).

متى يأتي الفرج

روي أنّ أمرأة جاءت إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فقالت: إنّ ابني سافر عنّي وقد طالت غيبته عنّي واشتد شوقي إليه فادع الله لي.

فقال (عليه السلام) لها: «عليك بالصبر».

فاستعملته، ثم جاءت بعد ذلك فشكت إليه طول غيبة ابنها، فقال لها: «ألم أقل لك عليك بالصبر».

فقالت: يا بن رسول الله كم الصبر؟ فوالله لقد فني الصبر.

فقال: «ارجعي إلى منزلك تجدي ولدك قد قدم من سفره».

فنهضت فوجدته قد قدم، فأتت به إليه، فقالت: أوحي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

قال: «لا، ولكن عند فناء الصبر يأتي الفرج، فلمّا قلت: فني الصبر،

عرفت أنّ الله قد فرج عنك بقدوم ولدك»((3)).

ص: 232


1- سورة البقرة: 40.
2- بحار الأنوار: ج66 ص341 باب جوامع المكارم وآفاتها وما يوجب الفلاح والهدى.
3- وسائل الشيعة: ج15 ص265 باب استحباب الحلم ح20462.

لقد وفينا لصاحبك

عن أبي بصير، قال: كان لي جار يتبع السلطان فأصاب مالاً، فأعد قياناً((1))

وكان يجمع الجميع إليه ويشرب المسكر ويؤذيني، فشكوته إلى نفسه غير مرّة، فلم ينته.

فلمّا أن ألححت عليه فقال لي: يا هذا أنا رجل مبتلى وأنت رجل معافى، فلو عرضتني لصاحبك رجوت أن ينقذني الله بك.

فوقع ذلك له في قلبي، فلما صرت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ذكرت له حاله، فقال (عليه السلام) لي: «إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له: يقول لك جعفر بن محمد: دع ما أنت عليه وأضمن لك على الله الجنة».

فلما رجعت إلى الكوفة أتاني فيمن أتى، فاحتبسته عندي حتى خلا منزلي ثم قلت له: يا هذا إنّي ذكرتك لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فقال لي: «إذا رجعتَ إلى الكوفة سيأتيك فقل له: يقول لك جعفر بن محمد: دع ما أنت عليه وأضمن لك على الله الجنة».

قال: فبكى، ثم قال لي: الله لقد قال لك أبو عبد الله هذا؟

قال: فحلفتُ له أنّه قد قال لي ما قلت.

فقال لي: حسبك ومضى، فلمّا كان بعد أيام بعث إليّ فدعاني وإذا هو خلف داره عريان، فقال لي: يا أبا بصير لا والله ما بقي في منزلي شيء إلاّ وقد أخرجته وأنا كما ترى.

قال: فمضيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به، ثم لم تأت عليه أيام يسيرة

ص: 233


1- القيان: جمع القينة وهي الأمة مغنّية كانت أو غير مغنّية وكثيراً ما يطلق على المغنّية.

حتى بعث إلي أنّي عليل فأتني، فجعلت أختلف إليه وأعالجه حتى نزل به الموت، فكنت عنده جالساً وهو يجود بنفسه، فغشي عليه غشية ثم أفاق، فقال لي: يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا، ثم قبض رحمة الله عليه.

فلما حججت أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاستأذنت عليه، فلما دخلت قال (عليه السلام) لي ابتداء من داخل البيت وإحدى رجلي في الصحن والأخرى في دهليز داره: «يا أبا بصير، قد وفينا لصاحبك»((1)).

مسؤولية العلماء

عن الحارث بن المغيرة، قال: لقيني أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق المدينة، فقال: «من ذا، أحارث؟». قلت: نعم.

قال: «أما لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم»، ثم مضى، فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت فقلت: لقيتني فقلت: «لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم»، فدخلني من ذلك أمر عظيم.

قال: «نعم، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ممّا تكرهوا وما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنّبوه وتعذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً؟».

فقلت له: جعلت فداك إذاً لا يطيعونا ولا يقبلون منّا؟

فقال: «اهجروهم واجتنبوا مجالسهم»((2)).

ص: 234


1- الكافي: ج1 ص474 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ح5.
2- الكافي: ج8 ص162 إنّ الله يعذّب ستة بستة ح169.

دعاء أحدّ من السيف

روي أنّ داود بن علي بن عبد الله بن العباس قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر بن محمد (عليه السلام) وأخذ ماله، فدخل عليه الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يجرّ رداءه، فقال له: «قتلتَ مولاي وأخذت مالي، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب، أما والله لأدعونّ الله عليك».

فقال له داود: تهدّدني بدعائك، كالمستهزئ بقوله.

فرجع أبو عبد الله (عليه السلام) إلى داره، فلم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتى إذا كان السحر، سمع وهو يقول في مناجاته: «يا ذا القُوّةِ القَوِيَّةِ، وَيا ذا المحالِ الشَّدِيدَةِ، وَيا ذا الْعِزَّةِ التي كُلُّ خَلْقِكَ لها ذَلِيلٌ، اكْفِني هَذا الطّاغِيَةِ وَانْتَقِمْ لي مِنْه».

فما كان إلاّ ساعة حتى ارتفعت الأصوات بالصياح وقيل: قد مات داود بن علي الساعة((1)).

كنت أرى أنّ لك ورعاً

عن عمرو بن نعمان الجعفي، قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين((2))

ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما إذا التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرّات فلم يره، فلما نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟

ص: 235


1- الإرشاد: ج2 ص185 آيات الله الظاهرة على يد الإمام الصادق (عليه السلام).
2- الحذّاء: وزان شدّاد صانع الحذاء وهو النعل.

قال: فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: «سبحان الله تقذف أمّه، قد كنتُ أرى أنّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع».

فقال: جعلت فداك إنّ أمّه سندية مشركة.

فقال: «أما علمت أنّ لكل أمّة نكاحاً، تنحّ عنّي».

قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما((1)).

أريد علامة على إمامتك

عن أبي بصير، قال: دخلت أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أريد أن يعطيني دلالة مثل ما أعطاني أبو جعفر (عليه السلام).

فلما دخلت عليه قال: «يا أبا محمد، ما كان لك فيما كنت فيه شغل، تدخل على إمامك وأنت جنب»!.

قال: قلت: جعلت فداك، ما فعلت إلا على عمد.

قال: «أولم تؤمن؟».

قال: قلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.

قال: «قم يا أبا محمد فاغتسل».

فاغتسلت وعدت إلى مجلسي، فعلمت عند ذلك أنّه الإمام((2)).

ص: 236


1- الكافي: ج2 ص324 باب البذاء ح5.
2- دلائل الإمامة: ص265-266 ذكر معجزاته (عليه السلام) ح195.

لو كان لي شيعة

عن سدير الصيرفي، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: والله ما يسعك القعود، فقال: «ولم يا سدير؟».

قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، والله لو كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي، فقال: «يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟». قلت: مائة ألف.

قال: «مائة ألف؟». قلت: نعم، ومائتي ألف.

قال: «مائتي ألف؟». قلت: نعم ونصف الدنيا.

قال: فسكت عنّي ثم قال: «يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع»((1)). قلت: نعم.

فأمر (عليه السلام) بحمار وبغل أن يسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: «يا سدير أترى أن تؤثرني بالحمار؟». قلت: البغل أزين وأنبل.

قال: «الحمار أرفق بي»، فنزلت فركب الحمار وركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: «يا سدير انزل بنا نصلّي»، ثم قال: «هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها»، فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء، فقال: «والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود»،

ونزلنا وصلّينا، فلمّا فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر((2)).

ص: 237


1- ينبع: كينصر، حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر.
2- الكافي: ج2 ص243 باب في قلّة عدد المؤمنين ح4.

لعن الله ظالميك يا فاطمة

عن بشار المكاري، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالكوفة وقد قدم له طبق رطب طبرزد وهو يأكل، فقال (عليه السلام) لي: «يا بشّار ادن فكل»، فقلت: هنّاك الله وجعلني فداك قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي وبلغ منّي.

فقال لي: «بحقّي لما دنوت فأكلت»، قال: فدنوت فأكلت.

فقال لي: «حديثك»، قلت: رأيت جلوازاً((1))

يضرب رأس امرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها: المستغاث بالله ورسوله، ولا يغيثها أحد.

قال: «ولم فعل بها ذاك؟». قال: سمعت الناس يقولون: إنّها عثرت فقالت: لعن الله ظالميك يا فاطمة، فارتكب منها ما ارتكب.

قال: فقطع (عليه السلام) الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتلّ منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثم قال: «يا بشّار قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عزّ وجلّ ونسأله خلاص هذه المرأة».

قال: ووجه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدّم إليه بأن لا يبرح إلى أن يأتيه رسوله، فإن حدث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا.

قال: فصرنا إلى مسجد السهلة وصلّى كل واحد منّا ركعتين، ثم رفع الصادق (عليه السلام) يده إلى السماء وقال: «أَنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ مُبْدِئُ الخَلْقِ وَمُعِيدُهُمْ، وَأنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ خالِقُ الخَلْقِ وَرازِقُهُمْ، وَأنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ الْقابِضُ الْباسِطُ، وَأنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ مُدَبِّرُ الأُمُورِ وَباعِثُ مَنْ في الْقُبُورَ، أنْتَ وارِثُ

ص: 238


1- الجلواز بالكسر الشرطي من أعوان السلطان.

الأرْضِ وَمَنْ عَلَيْها، أَسْأُلُكُ بِاسْمِكَ المخْزُونِ المكْنُونِ الحَيِّ الْقَيُّومِ، وَأنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ عَالِمُ السِّرِ وَأخْفَى، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الّذِي إذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإذا سُئِلْتَ بِهِ أعْطَيْتَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ محَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ وَبِحَقِّهِمُ الّذِي أَوْجَبْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ محُمَّدٍ وَأنْ تَقْضِيَ لي

حَاجَتِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ. يا سَامِعَ الدُّعاءِ، يَا سَيِّدَاهُ يا مَوْلاياهُ يا غِياثاهُ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأنْ تُعَجِّلَ خَلاصَ هَذِهِ المَرْأَةِ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارِ، يا سَميعَ الدُّعاءِ».

قال: ثم خرّ ساجداً لا أسمع منه إلاّ النفس، ثم رفع رأسه فقال: «قم فقد أُطلقت المرأة».

قال: فخرجنا جميعاً، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجّهناه إلى باب السلطان، فقال (عليه السلام) له: «ما الخبر؟»، قال: قد أُطلق عنها، قال: «كيف كان إخراجها؟»، قال: لا أدري ولكنّني كنت واقفاً على باب السلطان إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلّمت به، قالت: عثرت، فقلت: لعن الله ظالميك يا فاطمة، ففعل بي ما فعل.

قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعل الأمير في حل، فأبت أن تأخذها، فلمّا رأى ذلك منها دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال: انصرفي إلى بيتك، فذهبت إلى منزلها.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أبت أن تأخذ المائتي درهم»، قال: نعم وهي والله محتاجة إليها، قال: فأخرج (عليه السلام) من جيبه صرّة فيها سبعة دنانير، وقال: «اذهب أنت بهذه إلى منزلها فاقرأها منّي السلام وادفع إليها هذه الدنانير».

قال: فذهبنا جميعا فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام؟، فقلت لها: رحمك الله والله إنّ جعفر بن محمد أقرأك السلام، فشهقت

ص: 239

ووقعت مغشية عليها، قال: فصبرنا حتى أفاقت وقالت: أعدها عليّ، فاعدنا عليها حتى فعلت ذلك ثلاثاً، ثم قلنا لها:

خذي هذا ما أرسل به إليك وأبشري بذلك، فأخذته منّا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحداً أتوسّل به إلى الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده (عليهم السلام).

قال: فرجعنا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فجعلنا نحدّثه بما كان منها، فجعل يبكي ويدعو لها، ثم قلت: ليت شعري متى أرى فرج آل محمد (عليه السلام)؟.

قال: «يا بشّار إذا توفّي ولي الله وهو الرابع من ولدي في أشدّ البقاع بين شرار العباد فعند ذلك يصل إلى ولد بني فلان مصيبة سوداء مظلمة، فإذا رأيت ذلك حلق البطان، ولا مرد لأمر الله»((1)).

مواساة الناس حتى في الطعام

روى حماد بن عثمان، فقال: أصاب أهل المدينة غلاء وقحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله ويشتري ببعض الطعام، وكان عند أبي عبد الله (عليه السلام) طعام جيّد قد اشتراه أوّل السنة، فقال لبعض مواليه:\

«اشتر لنا شعيراً فاخلط بهذا الطعام أو بعه، فإنّا نكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديّاً»((2)).

ص: 240


1- المزار، لابن المشهدي: ص137 الباب 5 ذكر ما ورد من الفضل في مسجد السهلة.
2- الكافي: ج5 ص166 باب فضل شراء الحنطة والطعام ح1.

نحن أعلم بالوقت

روى مأمون الرقي، قال كنت عند سيّدي الصادق (عليه السلام) إذ دخل سهل بن حسن الخراساني فسلّم عليه ثم جلس، فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟

فقال (عليه السلام) له: «اجلس يا خراساني رعى الله حقّك»، ثم قال: «يا حنفية اسجري التنور»، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيض علوه، ثم قال: «يا خراساني قم فاجلس في التنور»، فقال الخراساني: يا سيّدي يا ابن رسول الله لا تعذّبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: «قد أقلتك».

فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق (عليه السلام): «ألق النعل من يدك واجلس في التنور».

قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام (عليه السلام) يحدّث الخراساني حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها ثم قال: «قم يا خراساني وانظر ما في التنور».

قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً، فخرج إلينا وسلّم علينا.

فقال له الإمام (عليه السلام): «كم تجد بخراسان مثل هذا؟».

فقلت: والله ولا واحداً. فقال (عليه السلام): «لا والله ولا واحداً، أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت»((1)).

ص: 241


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص237 فصل في خرق العادات له.

لو أنّ شيعتنا استقامت

عن جابر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فبرزنا معه فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً ليذبحه، فصاح الجدي.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كم ثمن هذا الجدي؟».

فقال: أربعة دراهم. فحلّها من كمّه ودفعها إليه، وقال: «خلّ سبيله».

قال: فسرنا، فإذا بصقر قد انقضّ على دراجة، فصاحت الدراجة.

فأومأ أبو عبد الله (عليه السلام) إلى الصقر بكمّه، فرجع عن الدراجة.

فقلت: لقد رأينا عجباً من أمرك.

قال: «نعم، إنّ الجدي لما أضجعه الرجل ليذبحه وبصر بي، قال: أستجير بالله وبكم أهل البيت ممّا يراد بي، وكذلك قالت الدراجة، ولو أنّ شيعتنا استقامت لأسمعتهم منطق الطير»((1)).

دعاء للرزق

عن محمد بن علي الحلبي، قال: شكى رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) الفاقة والحرفة في التجارة بعد يسار قد كان فيه، ما يتوجّه في حاجة إلاّ ضاقت عليه المعيشة.

فأمره أبو عبد الله (عليه السلام) أن يأتي مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين القبر والمنبر فيصلّي ركعتين و يقول مائة مرّة: «اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ

ص: 242


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص616 فصل في أعلام الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ح15.

وَبِعِزَّتِكَ وَمَا أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ أَنْ تُيَسِّرَ لي مِنَ التِّجارَةِ أَوْسَعَهَا رِزْقاً وَأَعَمَّها فَضْلاً وَخَيْرَها عَاقِبَةً».

قال الرجل: ففعلت ما أمرني به، فما توجّهت بعد ذلك في وجه إلاّ رزقني الله((1)).

آخر وصية الإمام

روى أبو بصير، قال: دخلت على أُمّ حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام)، فبكت وبكيتُ لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد، لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح (عليه السلام) عينيه ثم قال: أجمعوا إلى كل من كان بيني وبينه قرابة.

قالت: فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه.

قالت: فنظر (عليه السلام) إليهم ثم قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة»((2)).

ثلاثة تردّ دعوتهم

عن خلاد، عن رجل، قال: كنّا جلوساً عند جعفر (عليه السلام) فجاءه سائل فأعطاه درهماً، ثم جاء آخر فأعطاه درهماً، ثم جاء آخر فأعطاه درهماً، ثم جاء الرابع، فقال له: «يرزقك ربّك»، ثم أقبل علينا فقال: «لو أنّ أحدكم كان عنده عشرون ألف درهم، وأراد أن يخرجها في هذا الوجه لأخرجها، ثم بقي ليس عنده

ص: 243


1- تهذيب الأحكام: ج3 ص311 باب من الصلوات المرغب فيها ح11.
2- المحاسن: ج1 ص80 عقاب من تهاون بالصلاة ح6.

شيء، ثم كان من الثلاثة الذين دعوا فلم تستجب لهم دعوة:

رجل آتاه الله مالاً فمزقه ولم يحفظه، فدعا الله أن يرزقه فقال: ألم أرزقك، فلم تستجب له دعوة وردّت عليه.

ورجل جلس في بيته يسأل الله أن يرزقه، فقال: ألم أجعل لك إلى طلب الرزق سبيلاً، أن تسير في الأرض، وتبتغي من فضلي، فردّت عليه دعوته.

ورجل دعا على امرأته، فقال: ألم أجعل أمرها في يدك، فردّت عليه دعوته»((1)).

حقّي قد وهبته

عن حماد اللحّام، قال: أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: إنّ فلاناً ابن عمّك ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة، إلاّ قاله فيك.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) للجارية: «إئتيني بوضوء» فتوضّأ ودخل، فقلت في نفسي: يدعو عليه، فصلّى ركعتين، فقال: «يا رب هو حقي قد وهبتُه له، وأنت أجود مني وأكرم، فهبه لي، ولا تؤاخذه بي، ولا تقايسه»، ثم رقّ فلم يزل يدعو، فجعلت أتعجّب((2)).

ص: 244


1- أمالي الطوسي: ص679 مجلس يوم الجمعة السابع من شعبان سنة سبع وخمسين وأربعمائة ح1445.
2- مستدرك الوسائل: ج6 ص396 باب نوادر ما يتعلق بأبواب بقية الصلوات المندوبة ح7077.

أفلا خفت البلية؟

عن إسحاق بن عمار، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فنظر إليّ بوجه قاطب، فقلت: ما الذي غيّرك لي؟

قال (عليه السلام): «الذي غيّرك لإخوانك، بلغني يا إسحاق أنك أقعدت ببابك بواباً، يرد عنك فقراء الشيعة».

فقلت: جعلت فداك إنّي خفت الشهرة.

فقال: «أفلا خفت البليّة، أوما علمت أنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عزّ وجلّ الرحمة عليهما، فكانت تسعة وتسعين لأشدّهما حبّاً لصاحبه، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدّثان قال الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعل لهما سرّاً وقد ستر الله عليهما».

فقلت: أليس الله عزّ وجلّ يقول: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»((1)).

فقال: «يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السر يسمع ويرى»((2)).

ص: 245


1- سورة ق: 18.
2- الكافي: ج2 ص181-182 باب المصافحة ح14.

ص: 246

9-من قصص الإمام الكاظم(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

* والدته: السيّدة حميدة، وهي من أشرف النساء.

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في النصف الثاني من شهر ذي الحجة سنة 128ه في الأبواء بين المدينة ومكة، وهذا أقوى من القول بولادته في شهر صفر.

* كناه: أبو الحسن، وأبو إبراهيم، ويُعرف بأبي الحسن الأول.

* ألقابه: الصابر، والصالح، والأمين، والزاهر، والوفي، والصابر، والأمين، وأشهرها: الكاظم، لقّب به لفرط حلمه وكظمه الغيظ وتجاوزه عن المسيئين إليه.

* نقش خاتمه: الملك لله وحده.

ص: 247

أنت من علماء الأمة؟

دخل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بعض قرى الشام متنكّراً هارباً، فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كل سنة يوماً، فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة، فقال: يا هذا أنت غريب؟

قال (عليه السلام): «نعم».

قال: منّا أو علينا؟ قال: «لست منكم».

قال: أنت من الأمة المرحومة؟ قال: «نعم».

قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم؟ قال: «لست من جهّالهم».

فقال: كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار؟

فقال (عليه السلام): «الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع وهي في السماء».

قال: وفي الجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء؟ قال (عليه السلام): «السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء».

قال: وفي الجنة ظل ممدود؟ فقال (عليه السلام): «الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظل ممدود قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ» ((1))».

قال: ما يؤكل ويشرب في الجنّة لا يكون بولاً ولا غائطاً؟ قال (عليه السلام): «الجنين في بطن أمّه».

قال: أهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟ فقال (عليه السلام): «إذا

ص: 248


1- سورة الفرقان: 45.

احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ويفعلون بمراده من غير أمر».

قال: مفاتيح الجنّة من ذهب أو فضّة؟ قال: «مفتاح الجنّة لسان العبد لا إله إلا الله».

قال: صدقت وأسلم والجماعة معه((1)).

أيّهما كان أفضل؟

روي أنّ رجلاً من وُلد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى (عليه السلام) ويشتم علياً (عليه السلام)، فقال له بعض حاشيته: دعنا نقتل هذا الرجل، فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك أشدّ النهي، وسأل (عليه السلام) عن العمري، فقيل: إنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة.

فركب (عليه السلام) إليه، فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا، فتوطأه أبو الحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل إليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه، وقال له: «كم غرمت في زرعك هذا؟».

فقال: مائة دينار.

قال: «وكم ترجو أن تصيب؟».

قال: لست أعلم الغيب.

قال: «إنّما قلت لك: كم ترجو؟».

فقال: أرجوا أن يجيئني فيه مائتا دينار.

قال: فأخرج له أبو الحسن (عليه السلام) صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: «هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو».

ص: 249


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص312 فصل في علمه (عليه السلام).

فقام العمري فقبّل رأسه (عليه السلام) وسأله أن يصفح عن فارطه، فتبسّم أبو الحسن موسى (عليه السلام) وانصرف، ثم راح إلى المسجد فوجد العمرى جالساً فلما نظر إليه، قال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

قال: فوثب إليه أصحابه، فقالوا له: ما قصّتك، فقد كنت تقول غير هذا.

قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن

(عليه السلام)، فخاصموه وخاصمهم.

فلما رجع أبو الحسن (عليه السلام) إلى داره قال لمن سألوه قتل العمري: «أيّما كان خيراً ما أردت أو ما أردتم؟»((1)).

قصة الدراعة

عن علي بن يقطين، قال: كنت واقفاً بين يدي هارون إذ جاءته هدايا من ملك الروم، كانت فيها درّاعة((2))

ديباج مذهّبة سوداء، لم أر شيئاً أحسن منها، فنظر إليّ وأنا أحدّ إليها النظر، فقال: يا علي، أعجبتك؟

قلت: إي والله يا أمير. قال: خذها. فأخذتها وانصرفت بها إلى منزلي، وشددتها في منديل، ووجهتها إلى المدينة، فمكثت ستة أشهر أو سبعة أشهر ثم انصرفت يوماً من عند هارون، وقد تغدّيت بين يديه، فقام إليّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يديه، وكتاب مختوم، وطينه رطب، فقال: جاء بهذه الساعة رجل، فقال: ادفع هذا إلى مولاك ساعة يدخل، ففضضت الكتاب، فإذا فيه: «يا علي، هذا وقت حاجتك إلى الدراعة».

ص: 250


1- إعلام الورى: ج2 ص26-27 الفصل الرابع في ذكر طرف من مناقبه وفضائله وخصائصه التي بان بها عن غيره.
2- الدرّاعة: جبّة مشقوقة المقدّم.

فكشفت طرف المنديل عنها، ودخل عليّ خادم هارون، فقال: أجب الأمير.

فقلت: أيّ شيء حدث؟

قال: لا أدري، فمضيت ودخلت عليه، وعنده عمر بن بزيع واقفاً بين يديه، فقال: يا علي، ما فعلت الدراعة التي وهبتها لك؟

قلت: ما كساني الأمير أكثر من ذلك، فعن أيّ دراعة تسألني يا أمير؟

قال: الدراعة الديباج السوداء المذهّبة.

قلت: ما عسى أن يصنع مثلي بمثلها.

إذا انصرفت من دار الأمير دعوت بها فلبستها، وصلّيت بها ركعتين أو أربع ركعات، ولقد دخل عليّ الرسول ودعوت بها لأفعل ذلك.

فنظر إلى عمر بن بزيع، وقال: أرسل من يجيئني بها.

فأرسلت خادمي، فجاءني بها، فلمّا رآها، قال: يا عمر، ما ينبغي لنا أن نقبل قول أحد على عليّ بعد هذا. وأمر لي بخمسين ألف درهم، فحملتها مع الدراعة، وبعثت بها وبالمال من يومي ذلك((1)).

خلوا عنه

عن معتب، قال: كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) في حائط له يصرم((2))، فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة((3)) من تمر فرمى بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته وذهبت به إليه، فقلت له: جعلت فداك إنّي وجدت هذا وهذه الكارة، فقال (عليه السلام) للغلام: «فلان».

ص: 251


1- دلائل الإمامة: ص322 ذكر معجزاته (عليه السلام) ح273.
2- صرم الرجل كشرف، يصرم صرامة: أي كان صارماً ماضياً.
3- الكارة: مقدار معلوم من الطعام وقدّر بما يُحمل على الظهر.

قال: لبيك.

قال: «أتجوع؟».

قال: لا يا سيدي.

قال: «فتعرى؟».

قال: لا يا سيدي.

قال: «فلأي شيء أخذت هذه؟».

قال: اشتهيت ذلك.

قال: «اذهب فهي لك» وقال: «خلّوا عنه»((1)).

سمّه محمداً

روى الحسن بن علي الوشاء، قال: حججت أيام خالي إسماعيل بن إلياس، فكتبنا إلى أبي الحسن الأول (عليه السلام)، فكتب خالي: إنّ لي بنات وليس لي ذكر، وقد قلّ رجالنا، وقد خلفت امرأتي وهي حامل، فادع الله أن يجعله غلاماً، وسمّه.

فوقّع (عليه السلام) في الكتاب: «قد قضى الله تبارك وتعالى حاجتك، وسمّه محمداً».

فقدمنا الكوفة وقد وُلد لي غلام قبل دخول الكوفة بستة أيام، ودخلنا يوم سابعه، قال أبو محمد: فهو والله اليوم رجل له أولاد((2)).

ص: 252


1- الكافي: ج2 ص108 باب العفو ح7.
2- قرب الإسناد: ص331-332 أحاديث متفرقة 1231.

قمة التواضع

روي أنّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلاً. ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه، وهو إليك أحوج ؟

فقال (عليه السلام): «عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم (عليه السلام) وأفضل الأديان الإسلام، ولعلّ الدهر يرد من حاجاتنا إليه، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه».

ثم قال (عليه السلام): «نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق»((1)).

ماذا فعل أخوك؟

روى علي بن أبي حمزة، فقال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ أتاه رجل من أهل الري، يقال له جندب، فسلّم عليه وجلس، فسأله أبو الحسن (عليه السلام) فأحسن السؤال، فقال له: «ما فعل أخوك؟» فقال: بخير، جعلت فداك، وهو يقرئك السلام.

قال: «يا جندب، أعظم الله أجرك في أخيك».

فقال: ورد والله عليّ كتابه لثلاثة ((2)) عشر يوماً بالسلامة.

ص: 253


1- تحف العقول: ص413 في قصارى كلماته (عليه السلام).
2- عيون المعجزات: ص98 إخبار الكاظم (عليه السلام) بموت رجل من أصحابه وهو في الري.

فقال (عليه السلام): «يا جندب، إنّه والله مات بعد كتابه بيومين، ودفع إلى امرأته مالاً، وقال: ليكن هذا عندك، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه، وقد أودعته الأرض في البيت الذي كان هو فيه، فإذا أنت أتيتها فتلطّف لها، وأطمعها في نفسك، فإنّها ستدفعه إليك».

قال علي بن أبي حمزة: فلقيت جندباً بعد ذلك، فسألته عمّا كان قال أبو الحسن (عليه السلام)، فقال: صدق والله سيّدي، ما زاد ولا نقص((1)).

لا تحجب إخوتك

روى محمد بن علي الصوفي، قال: استأذن إبراهيم الجمّال على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر (عليه السلام) فحجبه، فرآه ثاني يومه، فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟

فقال: «حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال وقد أبى الله ان يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال».

فقلت: سيّدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟

فقال: «إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً ((2)) هناك مسرجاً».

قال: فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على بباب إبراهيم

ص: 254


1- الخرائج والجرائح: ج1 ص317 الباب الثامن في معجزات الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ح10.
2- النجيب: هو النفيس من الخيل.

الجمّال بالكوفة، فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين!.

فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار: ما يعمل علي ابن يقطين الوزير ببابي؟

فقال علي بن يقطين: يا هذا إنّ أمري عظيم وآلى عليه الإذن له، فقال له لما دخل: يا إبراهيم إنّ المولى (عليه السلام) أبى أن يقبلني أو تغفر لي.

فقال: يغفر الله لك، فآلى علي بن يقطين علي إبراهيم الجمّال أن يطأ

خدّه، فامتنع إبراهيم من ذلك، فآلى عليه ثانياً، ففعل فلم يزل إبراهيم يطأ خدّه وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمدينة، فإذن له ودخل عليه فقبله((1)).

نحن آل محمد

روى أيوب الهاشمي: أنّه حضر باب هارون رجل يقال له: نفيع الأنصاري، وحضر موسى بن جعفر (عليه السلام) على حمار له، فتلقّاه الحاجب بالإكرام وعجّل له بالإذن، فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر: من هذا الشيخ؟

قال: شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد، هذا موسى بن جعفر.

قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير، أما إن خرج لأسوئنه.

فقال له عبد العزيز: لا تفعل فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم أحد في الخطاب إلا وسمّوه في الجواب سمّة يبقى عارها عليه مدى الدهر.

قال: وخرج موسى (عليه السلام) وأخذ نفيع بلجام حماره وقال: من أنت يا هذا؟

ص: 255


1- عيون المعجزات ص101 تعاليم يفيضها الكاظم (عليه السلام) على ابن يقطين.

قال: «يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين إن كنت منهم الحج إليه، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركو قومي مسلمو قومك أكفّاءهم حتى قالوا: يا محمد أخرج الينا أكفّائا من قريش، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة، تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، فنحن آل محمد خل عن

الحمار».

فخلّى عنه ويده ترتعد وانصرف مخزياً؟.

فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك؟.

قال ابن المعاذ:

سل بحال الإمام يوم نفيع كيف أخزاه للعين وكفر

هو للأولياء اسم ومعنى وهو في القلب للمحق مصور((1)).

إنّهم يكيدون كيداً

روى علي بن أبي حمزة، فقال: كان يتقدّم هارون العباسي إلى خدمه إذا خرج موسى بن جعفر (عليه السلام) من عنده أن يقتلوه، فكانوا يهمّون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع، فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجهاً مثل موسى بن جعفر (عليه السلام) وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوه بالسكاكين، فكانوا يفعلون ذلك أبداً.

فلمّا كان في بعض الأيام جمعهم في الموضع وهم سكارى وأخرج سيّدي إليهم، فلمّا بصروا به همّوا به على رسم الصورة، فلمّا علم (عليه السلام) منهم ما

ص: 256


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص431 باب إمامة موسى الكاظم (عليه السلام).

يريدون كلّمهم بالخزرية والتركية، فرموا من أيديهم السكاكين ووثبوا إلى قدميه فقبّلوها وتضرّعوا إليه وتبعوه إلى أن شيّعوه إلى المنزل الذي كان ينزل فيه.

فسألهم الترجمان عن حالهم، فقالوا: إنّ هذا الرجل يصير إلينا في كل عام فيقضي أحكامنا، ويرضي بعضنا من بعض، ونستسقي به إذا قحط بلدنا، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه، فعاهدهم أنّه لا يأمرهم

بذلك، فرجعوا ((1)).

توبة بشر الحافي

روى العلامة الحلّي في (منهاج الكرامة) في أحوال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: «على يده (عليه السلام) تاب بشر الحافي، لأنّه (عليه السلام) اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل، فرمت بها في الدرب: فقال (عليه السلام) لها: «يا جارية، صاحب هذه الدار حرّ أم عبد؟».

فقالت: بل حرّ.

فقال (عليه السلام): «صدقتِ، لو كان عبداً خاف من مولاه».

فلمّا دخلت، قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟

فقالت: حدّثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم (عليه السلام) فتاب على يده((2)).

ص: 257


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص301 فصل في خرق العادات له (عليه السلام).
2- منهاج الكرامة ص59 الرابع.

في سجن هارون العباسي

عن أحمد بن عبد الله الفروي، عن أبيه، قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: اُدن منّي، فدنوت حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت، فقال: ما ترى في البيت؟

قلت: ثوباً مطروحاً.

فقال: انظر حسناً، فتأمّلت ونظرت فتيقّنت، فقلت: رجل ساجد.

فقال لي: تعرفه؟

قلت: لا.

قال: هذا مولاك.

قلت: ومن مولاي؟

فقال: تتجاهل علي؟

فقلت: ما أتجاهل، ولكن لا أعرف في مولى.

فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، إنّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها، إنّه يصلّي الفجر فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدةً فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكّل من يترصّد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدّد وضوءاً، فأعلم أنّه لم ينم في سجوده ولا أغفى، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلّى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً،

ص: 258

فلايزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة، فإذا صلّى العتمة أفطر على شوي يؤتى به، ثم يجدّد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدّد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إنّ الفجر قد طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حُول إليّ.

فقلت: اتق الله، ولا تحدثّن في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنّه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءاً إلاّ كانت نعمته زائلة.

فقال: قد أرسلوا إليّ في غير مرّة يأمرونني بقتله، فلم أجبهم إلى ذلك، وأعلمتهم أنّي لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني.

فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي، فحبس عنده أياماً، وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره، فكان لا يأكل ولا يفطر إلاّ على المائدة التي يؤتى بها، حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلمّا كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة للفضل بن يحيى، قال: فرفع (عليه السلام) يده إلى السماء، فقال: يا ربّ، إنّك تعلم أنّي لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي.

قال: فأكل فمرض، فلما كان من غد بعث إليه بالطيب ليسأله عن العلّة، فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب، ثم قال: هذه علّتي، وكانت خضرة في وسط راحته، تدل على أنه سم، فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم، وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفّي (عليه السلام)((1)).

ص: 259


1- أمالي الصدوق: ص146 المجلس التاسع والعشرون ح18.

أتدري أين أنت؟

عن أحمد التبّان، قال: كنت نائماً على فراشي، فما أحسست إلاّ ورجل قد رفسني برجله، فقال لي: «يا هذا، ينام شيعة آل محمد؟».

فقمت فزعاً، فلما رآني فزعاً ضمّني إلى صدره، فالتفتُ فإذا إنا بأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: «يا أحمد، توضّأ للصلاة».

فتوضّأت، وأخذني بيدي، فأخرجني من باب داري، وكان باب

الدار مغلقاً، ما أدري من أين أخرجني، فإذا أنا بناقة معقلة له، فحلّ عقالها وأردفني خلفه، وسار بي غير بعيد، فأنزلني موضعاً فصلى بي أربعاً وعشرين ركعة. ثم قال: «يا أحمد، تدري في أي موضع أنت؟».

قلت: الله ورسوله ووليه وابن رسوله أعلم.

قال: «هذا قبر جدي الحسين بن علي (عليه السلام)».

ثم سار غير بعيد حتى أتى الكوفة، وإنّ الكلاب والحرس لقيام، ما من كلب ولا حارس يبصر شيئاً، فأدخلني المسجد، وإنّي لأعرفه وأنكره، فصلّى بي سبع عشرة ركعة. ثم قال: «يا أحمد، تدري أين أنت؟».

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: «هذا مسجد الكوفة، وهذه الطست».

ثم سار غير بعيد وأنزلني، فصلّى بي أربعاً وعشرين ركعة. ثم قال: «يا أحمد، أتدري أين أنت؟».

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: «هذا قبر جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)».

ص: 260

ثم سار بي غير بعيد، فأنزلني، فقال لي: «أين أنت؟».

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: هذا الخليل إبراهيم (عليه السلام).

ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مكة، وإنّي لأعرف البيت وبئر زمزم وبيت الشراب، فقال لي: يا أحمد، أتدري أين أنت؟.

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: هذه مكة، وهذا البيت، وهذه زمزم، وهذا بيت الشراب.

ثم سار بي غير بعيد، فأدخلني مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وقبره، فصلّى بي أربعاً وعشرين ركعة، ثم قال لي: «أتدري أين أنت؟».

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: «هذا مسجد جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبره».

ثم سار بي غير بعيد، فأتى بي الشعب، شعب أبي جبير، فقال: «يا

أحمد، تريد أريك من دلالات الإمام؟».

قلت: نعم.

قال: «يا ليل أدبر». فأدبر الليل عنّا، ثم قال: «يا نهار أقبل». فأقبل النهار إلينا بالنور العظيم، وبالشمس حتى رجعت بيضاء نقيّة، فصلّينا الزوال، ثم قال: «يا نهار أدبر، يا ليل أقبل». فأقبل علينا الليل حتى صلّينا المغرب، قال: «يا أحمد أرأيت؟». قلت: حسبي هذا يا بن رسول الله.

فسار حتى أتى بي جبلاً محيطاً بالدنيا، ما الدنيا عنده إلاّ مثل سكرجة((1))، فقال: «أتدري أين أنت؟».

ص: 261


1- السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم. لسان العرب: ج2 ص299 مادة سكرج.

قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: «هذا جبل محيط بالدنيا». وإذا أنا بقوم عليهم ثياب بيض، فقال: «يا أحمد، هؤلاء قوم موسى»، فسلّم عليهم. فسلّمت عليهم، فردّوا علينا السلام.

قلت: يا بن رسول الله، قد نعست.

قال: «تريد أن تنام على فراشك؟». قلت: نعم.

فركض برجله ركضة، ثم قال: «نم». فإذا أنا في منزلي نائم، وتوضّأت وصلّيت الغداة في منزلي، والحمد لله أولاً وآخراً ((1)).

توبة الجارية

روي أنّ هارون العباسي أنفذ إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) جارية خصيفة((2))

لها جمال ووضّاءة لتخدمه في السجن، فقال (عليه

السلام): «قل له: بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها».

قال: فاستطار هارون غضباً، وقال: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك خدمناك، واترك الجارية عنده وانصرف.

قال: فمضى ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليتفحّص عن حالها، فرآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها تقول: قُدّوسٌ سُبْحانَكَ سُبْحانَكَ، فقال هارون: سحرها والله موسى بن جعفر بسحره، عليّ بها، فأُتي بها وهي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها، فقال: ما شأنك؟

قالت: شأني الشأن البديع أنّي كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره،

ص: 262


1- دلائل الإمامة ص343 ذكر معجزاته (عليه السلام) ح302.
2- الخصيفة: الملساء.

فلمّا انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبّح الله ويقدّسه، قلت: يا سيّدي هل لك حاجة أعطيكها؟

قال: «وما حاجتي إليك».

قلت: إنّي أدخلت عليك لحوائجك.

قال (عليه السلام): «فما بال هؤلاء».

قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أوّلها بنظري ولا أولها من آخرها فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوهم حسناً ولا مثل لباسهم لباساً، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدرّ والياقوت، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت.

قال: فقال هارون: يا خبيثة لعلّك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك.

قالت: لا والله يا سيّدي إلاّ قبل سجودي رأيت فسجدت من أجل ذلك.

فقال هارون: اقبض هذه الخبيثة إليك فلا يسمع هذا منها أحد،

فأقبلت في الصلاة فإذا قيل لها في ذلك، قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، فسئلت عن قولها قالت: إنّي لما عاينت من الأمر نادتني الجواري: يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك.

فما زالت كذلك حتى ماتت، وذلك قبل موت موسى (عليه السلام) بأيام يسيرة((1)) .

ص: 263


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص298 فصل في خرق العادات له (عليه السلام).

ص: 264

10-من قصص الإمام الرضا(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

* والده: الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).

* والدته: تُكتم، وقيل: أسمها نجمة، وكنيتها أمّ البنين، وقيل: إنّ أسمها خيزران، وهي أمّ ولد من أهالي نوبة، وقد سمّاها الإمام الكاظم (عليه السلام) بطاهرة((1)).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148ه.

* كنيته: أبو الحسن.

* ألقابه: الرضا، والصابر، والزكي، والولي، وأشهرها الرضا

* نقش خاتمه: (حسبي الله)، وقيل: (ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله).

ص: 265


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص367 فصل في المفردات.

قالوا في حقه (عليه السلام)

1. قال الحافظ الجويني: مظهر خفّيات الأسرار، ومبرز خبيّات الأمور الكوامن، منبع المكارم والميامن، ومنبع الأعالي الخضارم والأيامن، منيع الجناب، رفيع القباب، وسيع الرحاب، هتون السحاب، عزيز الألطاف، غزير الأكناف، أمير الأشراف، قرة عين آل ياسين

وآل عبد مناف، السيد، الطاهر، المعصوم، والعارف بحقائق العلوم، والواقف على غوامض أسرار السر المكتوم، والمخبر بما هو آت وعمّا غبر ومضى، المرضي عند الله سبحانه برضاه عنه في جميع الأحوال، ولذا لقب بالرضا علي بن موسى، صلوات الله على محمد وآله، خصوصاً عليه، ما سح سحاب وهمى، وطلع نبات ونما((1)).

2. قال الذهبي: الإمام السيد أبو الحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المدني، كان من العلم والدين والسؤدد بمكان. يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك((2)).

3. قال الصفدي: وهو أحد الأئمة الاثني عشر، كان سيّد بني هاشم في زمانه، وكان المأمون يخضع له ويتغالى فيه، حتى إنّه جعله ولي عهده من بعده، وكتب إلى الآفاق بذلك((3)).

4. قال اليافعي: فيها أي في سنة 203 توفّي الإمام الجليل المعظم، سلالة السادة الأكارم، أبو الحسن علي بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشر، أولي

ص: 266


1- فرائد السمطين: ج2 ص187.
2- سير أعلام النبلاء: ج9 ص388.
3- سير أعلام النبلاء: ج9 ص388.

المناقب، الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم((1)).

5. قال ابن الصباغ المالكي: قال بعض الأئمة من أهل العلم: مناقب علي بن موسى الرضا من أجل المناقب، وأمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادي والعواقب، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب، وسؤدده ونبله قد حل من الشرف في

الذروة والمغارب، فلمواليه السعد الطالع، ولمناويه النحس الغارب((2)).

6. قال النسّابة ابن عنبة: علي بن موسى الكاظم ويكنّى أبا الحسن، ولم يكن في الطالبيين في عصره مثله، بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، ثم توفّي بطوس ودفن بها((3)).

ص: 267


1- مرآة الجنان: ج1 ص304.
2- الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ج2 ص1023.
3- العمدة: ص198.

أين الخراساني؟

عن اليسع بن حمزة، قال: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أحدّثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك (عليهم السلام) مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ مرحلة فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله علي نعمة فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك فلست موضع صدقة.

فقال له: «اجلس رحمك الله»، وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرّقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: «أتأذنون لي في الدخول؟».

فقال له سليمان: قدّم الله أمرك، فقام (عليه السلام) فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: «أين الخراساني؟».

فقال: ها أنا ذا، فقال (عليه السلام): «خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تصدّق بها عنّي واخرج فلا أراك ولا تراني».

ثم خرج، فقال له سليمان: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه؟

فقال: «مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): "المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له " أما سمعت قول الأول»((1)).

ص: 268


1- الكافي: ج4 ص23-24 باب من أعطى بعد المسألة ح3.

أبشر بالجنة

روى موسى بن سيار، فقال: كنت مع الرضا (عليه السلام) وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمّها، ثم أقبل علي وقال: «يا موسى بن سيّار من شيّع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه لا ذنب عليه»، حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيّدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميّت فوضع يده على صدره ثم قال: «يا فلان بن فلان أبشر بالجنّة، فلا خوف عليك بعد هذه الساعة».

فقلت: جُعلت فداك هل تعرف الرجل، فوالله أنا بقعة لم تطأها قبل يومك هذا. فقال لي: «يا موسى بن سيّار أما علمت أنّا معاشر الأئمة تُعرض علينا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءاً، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه»((1)).

غلامك اشتهى العنب

روى عمارة بن زيد، فقال: صحبت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى مكة ومعي غلام لي، فاعتل في الطريق، فاشتهى العنب ونحن في مفازة، فوجّه إليّ الرضا (عليه السلام)، فقال: «إنّ غلامك اشتهى العنب». فنظرت وإذا أنا بكرم لم أر أحسن منه، وأشجار رمّان، فقطعت عنباً ورماناً وأتيت به الغلام، فتزوّدنا منه إلى

ص: 269


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص341 فصل في إنبائه بالمغيبات ومعرفته باللغات.

مكة، ورجعت منه إلى بغداد، فحدّثت الليث بن سعد وإبراهيم بن سعد الجوهري، فأتيا الرضا (عليه السلام) فأخبراه، فقال لهما الرضا (عليه السلام): «وما هي ببعيد منكما، ها هو ذا»، فإذا هم ببستان فيه من كل

نوع فأكلنا وادّخرنا((1)).

رجل سُرقت نفقته في الحج

يقول جعفر بن محمد بن يونس: دفع سيدنا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) إلى مولى له حماراً بالمدينة وقال: «تبيعه بعشر دنانير ولا تنقصه شيئاً»، فعرّفه المولى فأتاه رجل من أهل خراسان من الحاج، فقال له: معي ثمانية دنانير ما أملك غيرها، فقال له: ارجع لمولاك إن شئت لعلّه يأذن لك في بيعه بهذه الثمانية دنانير.

فرجع المولى إليه فأخبره بخبر الخراساني، فقال (عليه السلام) له: «قل له إن قبلت منّا الدينارين صلة أخذنا منك الثمانية».

فقلت له، فقال: قد قبلت، فسلّمت إليه وحج أبو الحسن (عليه السلام) معه، فلما كنّا في بعض المنازل في المنصرف وإذا أنا بصاحب الحمار يبكي، فقلت له: ما لك؟

قال: سُرق حماري وعليه الخرج وفيه نفقتي وثيابي وليس معي شيء إلا ما ترى.

فأخبرت أبا الحسن (عليه السلام) أنّ هذا صاحب الحمار الذي اشتراه ذكر من قصّته كذا وكذا.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «أعطه عشرين درهماً وقل له: إذا قدمت المدينة فالقنا».

ص: 270


1- دلائل الإمامة ص364 ذكر معجزاته (عليه السلام) ح315.

قال: فمضينا، فلمّا كنّا في أوائل المدينة بعد رجوعنا من مكة نظر أبو الحسن (عليه السلام) إلى قوم متّكئين على الطريق فأشار إليهم وقال: سارق الحمار معهم والحمار معه والرجل ما أحدث فيه حدثاً فامض إليه وقل له: يقول لك علي بن موسى إمّا أن تردّ الحمار وما كان عليه وإلا رفعت أمرك إلى السلطان».

فأتيته فقلت له: ما قال.

قال سارق الحمار: يجعل عهداً وذمّة أن لا يدلّ عليّ وارد الحمار وما عليه الخرج.

وقدم صاحب الحمار، فقال: «هذا حمارك وما عليه، فانظر فإنّك لا تفقد منه شيئاً من متاعك»، فنظر وقال: جعلني الله فداك ما فقدت من متاعي قليلاً ولا كثيراً((1)).

حرمة الغناء

روى الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السلام): إنّ العباسي أخبرني أنّك رخصت في سماع الغناء.

فقال: «كذب الزنديق، ما هكذا كان، إنّما سألني عن سماع الغناء فأعلمته أنّ رجلاً أتى أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) فسأله عن سماع الغناء، فقال له: أخبرني إذا جمع الله تبارك وتعالى بين الحق والباطل، مع أيّهما يكون الغناء، فقال الرجل: مع الباطل، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): حسبك فقد حكمت على نفسك، فهكذا كان قولي له»((2)).

ص: 271


1- الهداية الكبرى: ص290 الباب العاشر باب الإمام علي الرضا (عليه السلام).
2- قرب الإسناد: ص342 أحاديث متفرقة ح1250.

قميص ودراهم

يقول الريّان بن الصلت: لما أردت الخروج إلى العراق وعزمت على توديع الرضا (عليه السلام)، فقلت في نفسي: إذا ودّعته سألته قميصاً من ثياب جسده لأكفّن به، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم.

فلمّا ودّعته شغلني البكاء والأسف على فراقه عن مسألة ذلك.

فلما خرجت من بين يديه صاح (عليه السلام) بي: «يا ريّان ارجع».

فرجعت، فقال لي: «أما تحب أن أدفع إليك قميصاً من ثياب جسدي

تكفن فيه إذا فنى أجلك؟

أوما تحب أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟».

فقلت: يا سيّدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغم بفراقك.

فرفع (عليه السلام) الوسادة وأخرج قميصاً فدفعه إليّ ورفع جانب المصلّى فأخرج دراهم فدفعها إلي وعددتها فكانت ثلاثين درهماً دلالة أخرى((1)).

أُكتم ما رأيت

قال إبراهيم بن موسى: ألححت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في شيء أطلبه منه وكان (عليه السلام) يعدني، فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة وكنت معه، فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل في موضع تحت شجرات ونزلت معه أنا وليس معنا ثالث، فقلت: جُعلت فداك هذا العبد قد أظلّنا، ولا والله ما أملك درهماً فيما سواه.

ص: 272


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج1 ص229 دلالة أخرى ح17.

فحكّ (عليه السلام) بسوطه الأرض حكّاً شديداً، ثم ضرب بيده فتناول بيده سبيكة ذهب فقال: «انتفع بها واكتم ما رأيت»((1)).

مع دعبل الخزاعي

عن أبي الصلت الهروي، قال: دخل الخزاعي على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال: يا بن رسول الله، إنّي قلت فيكم أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك وأحبّ أن تسمعها منّي.

فقال له علي الرضا (عليه السلام): «هات قل».

فأنشأ يقول:

ذكرت محل الربع من عرفات

فأجريت دمع العين بالعبرات

وفل عرى صبري وهاجت صبابتي

رسوم ديار أقفرت وعرات

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومهبط وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

ديار لعبد الله والفضل صنوه

نجي رسول الله في الخلوات

وهي قصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وعشرون بيتاً، يقول دعبل: لما أنشدت مولاي الرضا (عليه السلام) هذه القصيدة وانتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الإمام الرضا (عليه السلام) ثم رفع رأسه إليّ وقال: «يا خزاعي نطق روح

ص: 273


1- بصائر الدرجات ص394-395باب في الأئمة (عليه السلام) أنهم أعطوا خزائن الأرض ح2.

القدس على لسانك بهذين البيتين، أتدري من هذا الإمام الذي تقول؟».

فقلت: لا أدري إلا أنّي سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلاً.

فقال: «يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعده علي ابنه، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى

يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»((1)).

ولمّا فرغ دعبل من إنشاد القصيدة نهض الإمام الرضا (عليه السلام) وقال: «لا تبرح». فأنفذ إليه صرّة فيها مائة دينار واعتذر إليه.

فردّها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت، وإنّما جئت للسلام عليه والتبرّك بالنظر إلى وجهه الميمون، وإنّي لفي غني فإن رأى أن يعطيني شيئاً من ثيابه للتبرّك فهو أحب إلي.

فأعطاه الإمام (عليه السلام) جبة خزّ عليه الصرّة، وقال للغلام: قل له: خذها ولا تردّها فإنّك ستصرفها أحوج ما تكون إليها». فأخذها وأخذ الجبّة((2)).

قسيم الجنة والنار

روى أبو الصلت الهروي، قال: قال المأمون يوماً للرضا (عليه السلام): يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين بأيّ وجه هو قسيم الجنة والنار، وبأيّ معنى، فقد كثر فكري في ذلك؟

ص: 274


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص297باب في ذكر ثواب زيارة الإمام علي بن موسى (عليه السلام) ح35.
2- الغدير: ج2 ص360 كلمة شيخنا الصدوق.

فقال له الرضا (عليه السلام): «يا أمير، ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: «حب علي إيمان وبغضه كفر».

فقال: بلى.

فقال الرضا (عليه السلام): «فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه، فهو قسيم الجنة والنار».

فقال المأمون: لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال أبو الصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا (عليه السلام) إلى

منزله أتيته، فقلت له: يا بن الله ما أحسن ما أجبت به الأمير؟

فقال الرضا (عليه السلام): «يا أبا الصلت إنّما كلّمته حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أنّه قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك»((1)).

قم واحمل الماء

روي أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) لما كان بنيسابور كان على باب داره حمّام، وكان إذا دخل الحمّام فُرّغ له الحمّام، فدخل ذات يوم، فأطبق باب الحمّام، ومرّ الحمّامي إلى قضاء بعض حوائجه، فتقدّم إنسان رستاقيّ((2))

إلى باب الحمّام، ودخل ونزع ثيابه، فدخل الحمّام، فرأى عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) فظنّ أنّه بعض

ص: 275


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص86 باب في ذكر ما جاء عن الرضا (عليه السلام) عن العلل ح30.
2- الرستاقي: نسبة إلى الرستاق وهي كلمة فارسية أصلها (روستا)، بمعنى القرية.

خدّام الحمّام، فقال له: قم فاحمل إليّ الماء، فقام عليّ بن موسى (عليه السلام) وامتثل جميع ما كان يأمره((1)).

لو عزلت لهؤلاء مائدة

روى عبد الله بن الصلت، عن رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم. فقلت: جُعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة؟

فقال: «مه، إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب

واحد، والجزاء بالأعمال»((2)).

مع أئمة الضلال

روى يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على الرضا (عليه السلام)، فقال لي: «مات علي بن أبي حمزة؟» أي البطائني .

قلت: نعم.

قال: «قد دخل النار».

قال: ففزعت من ذلك.

قال: «أما أنّه سُئل عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لا أعرف إماماً بعده، فقيل: لا، فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً»((3)).

ص: 276


1- عوالم العلوم: ج22 الرضا (عليه السلام) ص204 استدراك ح2.
2- الكافي: ج8 ص230 كراهية عزل مائدة السودان واستحباب الأكل معهم ح296.
3- رجال الكشّي: ج2 ص742 علي بن حمزة البطائني ح833.

وداع المدينة

روى محوّل السجستاني، فقال: لمّا ورد البريد بإشخاص الرضا (عليه السلام) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل (عليه السلام) المسجد ليودّع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فودّعه مراراً كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه، فردّ السلام وهنّأته، فقال: «ذرني فإنّي أخرج من جوار جدّي وأموت في غربة وأُدفن في جنب هارون».

قال: فخرجت متّبعاً لطريقه حتى مات بطوس ودفن إلى جنب هارون((1)).

وداع الأهل والعيال

عن الحسن بن علي الوشاء، قال، قال لي الرضا (عليه السلام): «إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً»((2)).

حمام نيسابور

روي أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) لما دخل نيسابور نزل في محلّة يقال لها: (الفرويني) فيها حمّام، وهو الحمّام المعروف اليوم بحمّام الرضا (عليه السلام)، وكانت هناك عين قد قلّ ماؤها، فأقام عليها من إخرج ماؤها حتى توفّر وكثر،

ص: 277


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج2 ص217 دلالة أخرى ح26.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج1 ص235 دلالة أخرى ح28.

واتخذ من خارج الدرب حوضاً ينزل إليه بالمراقي((1)) إلى هذه العين، فدخله الرضا (عليه السلام) واغتسل فيه ثم خرج منه وصلّى على ظهره والناس يتناوبون ذلك الحوض ويغتسلون فيه ويشربون منه التماساً للبركة، ويصلّون على ظهره ويدعون الله عزّ وجلّ في حوائجهم فتقضي لهم، وهي العين المعروفة بعين كهلان يقصدها الناس إلى يومنا هذا((2)).

شجرة مباركة

روى الحاكم أبو عبد الله الحافظ: لما دخل الإمام الرضا (عليه السلام) نيسابور ونزل محلّة (فور) ناحية يعرفها الناس بالاسناد، في دار تعرف بدار (پسنديده) وإنّما سُمّيت (پسنديده) لأنّ الرضا (عليه السلام) ارتضاه من بين الناس.

فلمّا نزلها (عليه السلام) زرع في جانب من جوانب الدار لوزة، فنبتت وصارت شجرة فأثمرت في كل سنة، وكان أصحاب العلل يستشفون بلوز هذه الشجرة، وعُوفي أعمى وصاحب قولنج وغير ذلك، فمضت الأيام على ذلك ويبست، فجاء حمدان وقطع أغصانها، ثم جاء ابن لحمدان يقال له: أبو عمرو فقطع تلك الشجرة من وجه الأرض فذهب ماله كلّه، وكان له ابنان يقال لأحدهما: أبو القاسم، والآخر أبو صادق، فأرادا عمارة تلك الدار وأنفقا عليها عشرين ألف درهم، فقلعا الباقي من أصل تلك الشجرة فماتا في مدّة سنة((3)).

ص: 278


1- المراقي: جمع مرقاة وهي الدرجة.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص145باب ماحدث به الرضا (عليه السلام) في مربعة نيسابور وهو يريد قصد المأمون ح4.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج3 ص455 باب دخول الرضا (عليه السلام) بنيسابور وذكر الدار التي نزلها والمحلّة.

في محلّة فوزا

روى ابن شهر آشوب، فقال: لما نزل الرضا (عليه السلام) في نيسابور بمحلّة (فوزا) أمر ببناء حمّام وحفر قناة وصنعة حوض فوقه مصلّى، فاغتسل من الحوض وصلّى في المسجد، فصار ذلك سنة، فيقال، كَرمابه رضا وآب رضا وحوض كاهلان.

ويقال: إنّ رجلاً وضع همياناً على طاقه واغتسل منه وقصد إلى مكة ناسياً، فلمّا انصرف من الحج أتى الحوض فرآه للغسل مشدوداً، فسأل الناس عن ذلك، فقالوا، قد آوى فيه ثعبان ونام على طاقه ففتحه الرجل ودخل في الحوض وأخرج هميانه وهو يقول، هذا من معجز الإمام، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: أي كاهلان، لئلا يأخذوها، فسمّي الحوض بذلك كاهلان وسُمّيت المحلّة (فوز) لأنّه فتح أولاً

فصحفوها وقالوا فوزاً ((1)).

أنا المدفون في أرضكم

يروى أنّ رجلاً من أهل خراسان قال للإمام الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام كأنّه يقول لي: كيف أنتم إذا دُفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيّب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا (عليه السلام): «أنا المدفون في أرضكم، وأنا بضعة من نبيّكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تبارك وتعالى من حقّي وطاعتي، فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاؤه نجا ولو كان عليه

ص: 279


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص348 فصل في خرق العادات.

مثل وزر الثقلين الجن والإنس».

«ولقد حدّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رآني في منامه فقد رآني، لأنّ الشيطان لا يتمثّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة»((1)).

وفي آخر يوم من حياته

روى ياسر الخادم، قال: لمّا كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتل أبو الحسن (عليه السلام) أقول: وکانت علته من السم الذي دس إليه المأمون العباسي فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلّة، فبقينا بطوس أياماً، فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرّتين.

فلمّا كان في آخر يومه الذي قُبض فيه كان ضعيفاً في ذاك اليوم، فقال لي بعد ما صلّى الظهر: «يا ياسر ما أكل الناس شيئاً؟».

فقلت: يا سيّدي من يأكل هيهنا مع ما أنت فيه؟

فانتصب (عليه السلام) ثم قال: «هاتوا المائدة»، ولم يدع من حشمه أحداً إلا أقعده معه على المائدة يتفقّد واحداً واحداً، فلمّا أكلوا، قال: «إبعثوا إلى النساء بالطعام»، فحُمل الطعام إلى النساء، فلمّا فرغوا من الأكل أُغمي عليه وضعُف فوقعت الصيحة((2)).

ص: 280


1- أمالي الصدوق: ص64 المجلس الخامس عشر ح10.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص269ح1.

11-من قصص الإمام الجواد(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

* والده: الإمام علي الرضا (عليه السلام).

* والدته: سبيكة النوبيّة وهي أم ولد، وقيل: المريسية، قرية بمصر، لقبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيرة الإماء فقال: «بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبية، الطيبة الفم، المنتجبة الرحم»((1)).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في العاشر من شهر رجب عام 195 من الهجرة.

* ألقابه: الجواد، القانع، المرتضى، وأشهرها الجواد.

* كنيته: أبو جعفر، ويقال له: أبو جعفر الثاني، فإن جده الباقر (عليه السلام) يكنى بأبي جعفر.

ص: 281


1- الكافي: ج1 ص323 باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ح14.

* نقش خاتمه: (نعم القادر الله)، و(من كثرت شهواته دامت حسراته)، وقيل: (المهيمن عضدي).

قالوا فيه (عليه السلام):

1: قال محمد بن طلحة الشافعي في حقّه: كان صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، ومناقبه (عليه السلام) كثيرة((1)).

2: وقال السبط ابن الجوزي: وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود((2)).

3: وقال ابن حجر الهيثمي: أجلّهم أي أبناء الإمام الرضا (عليه السلام) أبو محمد الجواد لكنّه لم تطل حياته((3)).

4: وقال ابن خلكان: أبو جعفر محمد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر...المعروف بالجواد، أحد الأئمة الأثني عشر((4)).

5: وقال الشيخ محمود الشيخاني: وكان محمد الجواد جليل القدر عظيم المنزلة....قالوا: إنّ كراماته ومكاشفاته كثيرة لاتحمله الدفاتر، ومن كمال علمه أنه غلب في طفوليته قاضي المأمون وهو يحيى بن أكثم((5)).

ص: 282


1- مطالب السؤول: ص467.
2- تذكرة الخواص: ص321.
3- الصواعق المحرقة: ص123.
4- وفيات الأعيان: ج4 ص175.
5- الصراط السوي: ص402.

مولود عظيم البركة

من الأمور التي امتحن الله بها الناس في عهد الإمام الرضا (عليه السلام) هي أنّ عمر الإمام (عليه السلام) جاوز الأربعين ولم يُرزق بمولود يعقبه في الإمامة، حتى أنّ الواقفة أخذوا يشنّعون بذلك على الإمام.

فعن عبد الرحمن بن أبي نجران وصفوان بن يحيى قالا: حدّثنا الحسين بن قياما وكان من رؤساء الواقفة فسألنا أن نستأذن له على الرضا (عليه السلام) ففعلنا، فلمّا صار بين يديه، قال له: أنت إمام؟

قال (عليه السلام): «نعم».

قال: إنّي أشهد الله أنّك لست بإمام.

قال: فنكت (عليه السلام) في الأرض طويلاً منكّس الرأس ثم رفع رأسه إليه، فقال له: «ما علمك أني لست بإمام؟».

قال له: إنّا قد روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ الإمام لا يكون عقيماً، وأنت قد بلغت السن وليس لك ولد.

قال: فنكس رأسه أطول من المرة الأولى ثم رفع رأسه، فقال: «إنّي أشهد الله أنّه لا تمضي الأيام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً منّي».

قال عبد الرحمن بن أبي نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال فوهب له أبا جعفر (عليه السلام) في أقلّ من سنة ((1)).

وعن ابن أسباط، وعبّاد أبو إسماعيل: إنّا عند الرضا (عليه السلام) بمنى إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) قلنا: هذا المولود المبارك؟

قال (عليه السلام): «نعم، هذا المولود المبارك الذي لم يُولد في الإسلام أعظم بركة منه»((2)).

وقال أبو يحيى الصنعاني: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو بمكة وهو يقشّر موزاً ويطعم أبا جعفر (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك هو المولود المبارك؟

ص: 283


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص226- 227 دلالة أخرى ح13.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص385 الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ح14.

قال (عليه السلام): «نعم يا يحيى هذا المولود الذي لم يُولد في الإسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه»((1)).

النجاة من السجن

يقول علي بن خالد: كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشام مكبولاً، فقالوا: إنّه تنبّؤ حق.

قال: فأتيت الباب واستأذنت البواب حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم وعقل، فقلت له: يا هذا ما قصتك؟

قال: إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد الله تعالى في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام)، فبينما أنا ذات ليلة مُقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصاً بين يدي، فنظرت إليه، فقال لي: «قم»، فقمت معه، فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: «تعرف هذا المسجد؟».

فقلت: نعم، هذا مسجد الكوفة.

قال: فصلّى وصليت معه، ثم خرج وخرجت معه، ومشى بي قليلاً، فإذا أنا

ص: 284


1- الكافي: ج6 ص630-361 باب الموز ح3.

بمكة، فطاف بالبيت فطفت معه، ثم خرج فمشى قليلاً، فإذا أنا بالموضع الذي كنت أعبد الله فيه بالشام، وغاب الشخص عن عيني، فبقيت متعجّباً متهولاً ممّا رأيت.

فلمّا كان في العام المُقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، ودعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الماضي، فلمّا أراد مفارقتي بالشام، قلت له: سألتك بالذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ أخبرتني من أنت؟

فأطرق طويلاً ثم نظر إلي وقال: «أنا محمد بن علي بن موسى».

وتراقى الخبر إلى محمد بن عبد الملك الزيّات فبعث إلي وكبّلني في الحديد، وحملني إلى العراق وحُبست كما ترى وادّعى عليّ المحال، فقلت له: فارفع قصتك إلى محمد بن عبد الملك؟

فقال: إفعل. فكتبت عنه قصّة شرحت أمره فيها، ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك فوقّع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومنها إلى مكة ومنها إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا.

قال علي بن خالد: فغمّني ذلك من أمره، ورققت له، وانصرفت محزوناً عليه، فلمّا كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال وآمره بالصبر والرضا، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وصاحب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة فلا يُدرى أخسفت به الأرض، أم اختطفه الطير، وكان علي بن خالد زيدياً، فقال بالإمامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده((1)).

ص: 285


1- الثاقب في المناقب: ص511 فصل في بيان ظهور آياته في قطع المسافة ح436.

هديّة من الإمام

روي الحسن بن علي الوشاء، قال: كنت بالمدينة ب (صريا)((1)) في المشربة((2)) مع أبي جعفر (عليه السلام) فقام وقال: «لا تبرح».

فقلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قميصاً من ثيابه فلم أفعل، فإذا عاد إليّ أبو جعفر (عليه السلام) أسأله.

فأرسل إليّ من قبل أن أسأله، ومن قبل أن يعود إلي وأنا في المشربة، بقميص وقال الرسول: يقول لك: «هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلّي فيها»((3)).

أدركني يا بن الرسول

روى الحسن بن علي: أنّ رجلاٌ جاء إلى التقي (عليه السلام) وقال: أدركني يا ابن رسول الله فإنّ أبى قد مات فجأة وكان له ألفا دينار ولست أصل إليه ولي عيال كثير.

فقال (عليه السلام): «إذا صلّيت العتمة فصل على محمد وآله مائة مرة ليخبرك به».

فلمّا فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير إليه بالمال، فلمّا أخذه، قال: يا بني اذهب إلى الإمام (عليه السلام) وأخبره بقصّتي فإنّه أمرني بذلك، فلمّا انتبه الرجل

ص: 286


1- صريا: قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة.
2- المشربة: الغرفة.
3- الخرائج والجرائح: ج1 ص384 الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ح13.

أخذ المال وأتى أبا جعفر (عليه السلام) وقال: الحمد لله الذي أكرمك

واصطفاك((1)).

سمّ ولدك أحمد

روى محمد بن علي الشلمغاني، قال: حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام)، قال إسحاق: فأعددت له في رقعة عشرة مسائل لأسأله عنها وكان لي حمل فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله لي أن يجعله ذكراً، فلمّا سألته الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي، فلمّا نظر إلي قال (عليه السلام) لي: «يا أبا يعقوب سمّه أحمد»، فولد لي ذكر فسمّيته أحمد، فعاش مدّة ومات، وكان ممّن خرج مع الجماعة((2)) .

أضاق صدرك؟

روى أبو الصلت الهرويّ، قال: أمر المأمون بحبسي بعد دفن الرضا (عليه السلام) فحُبست سنة، فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليلة ودعوت اللّه تبارك و تعالى بدعاء ذكرت فيه محمداً وآل محمد (صلوات اللّه وسلامه عليهم) وسألت اللّه تعالى بحقّهم أن يفرّج عنّي، فلم استتم الدعاءحتّى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) فقال لي: «يا أبا الصلت ضاق صدرك؟».

فقلت: إي واللّه.

قال: «قم فأخرج».

ص: 287


1- متاقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص391 فصل في معجزاته (عليه السلام).
2- عيون المعجزات: ص121 إخباره (عليه السلام) إسحاق بن إسماعيل بأنّ إمرأته تأتي بذكر.

ثم ضرب (عليه السلام) بيده إلى القيود التي كانت عليّ، ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة و الغلمان يرونني، فلم يستطيعوا أن

يكلّموني، وخرجت من باب الدار.

ثمّ قال لي: «امض في ودائع اللّه تعالى، فإنّك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً».

فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت((1)).

أوصيك بأهلي خيراً

عن أبي محمّد الفحّام قال: حدّثني المنصوريّ عن عمّ أبيه، وحدّثني عمّي عن كافور الخادم بهذا الحديث، قال: كان في الموضع مجاور الإمام من أهل الصنائع صنوف من الناس، و كان الموضع كالقرية، وكان يونس النقّاش يغشي سيّدنا الإمام ويخدمه، فجاءه يوماً يرعد، فقال له: يا سيّدي أوصيك بأهلي خيراً.

قال (عليه السلام): «وما الخبر؟».

قال: عزمت على الرحيل.

قال: «ولم يا يونس؟»، وهو (عليه السلام) يتبسّم.

قال: قال يونس: ابن بغا وجّه إليّ بفصّ ليس له قيمة، أقبلت أنقشه فكسرته باثنين وموعده غداً- و هو موسى بن بغا- إمّا ألف سوط أو القتل.

قال: «امض إلى منزلك، إلى غد فرج، فما يكون إلّا خيراً».

فلمّا كان من الغد وافى بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرّسول يلتمس الفصّ.

ص: 288


1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص245 باب ما حدث به أبو الصلت الهروي عن ذكر وفاة الرضا (عليه السلام) أنه سمّ في عنب ح1.

قال: «امض إليه فما ترى إلّا خيراً».

قال: وما أقول له يا سيّدي؟

قال: فتبسّم (عليه السلام) وقال: «امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلا خيراً».

قال: فمضى و عاد يضحك.

قال: قال لي: يا سيّدي الجواري اختصمن، فيمكنك أن تجعله فصّين حتّى نغنيك؟

فقال سيّدنا الإمام (عليه السلام): «اللّهمّ لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقّا، فأيش قلت له؟».

قال: قلت له: أمهلني حتّى أتأمّل أمره كيف أعمله.

فقال: «أصبت»((1)).

علم الإمام (عليه السلام)

قال عمر بن الفرج الرخجي: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنّ شيعتك تدّعي أنّك تعلم كل ما في دجلة ووزنه، وكنّا على شاطئ دجلة.

فقال (عليه السلام) لي: «يقدر الله تعالى على أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟».

قلت: نعم، يقدر.

فقال: «أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه»((2)).

ص: 289


1- أمالي الطوسي: ص288 -289 المجلس الحادي عشر ح559.
2- إثبات الوصيّة: ص226-227 محمد الجواد (عليه السلام).

مولاك بعث إليك بهذا

روى محمد بن سهل بن اليسع، قال: كنت مجاوراً بمكة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وأردت أن أسأله كسوة يكسونيها، فلم يقض لي أن أسأله، حتى ودّعته وأردت الخروج، فقلت: أكتب إليه وأسأله.

قال: فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) على أن أصلّي ركعتين وأستخير الله مائة مرّة، فإن وقع في قلبي

أن أبعث إليه بالكتاب، بعثت به، وإلاّ خرقته ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أفعل.

فخرقت الكتاب، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار، ويسأل عن محمد بن سهل القمّي حتى انتهى إليّ، فقال: مولاك بعث إليك بهذا، وإذا ملاءتان((1)).

ما حال بصرك؟

روي أنّ محمد بن ميمون كان مع الإمام الرضا (عليه السلام) بمكة قبل خروجه إلى خراسان، قال: قلت له: إنّي أُريد أن أتقدّم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر (عليه السلام)، فتبسّم وكتب، فصرت إلى المدينة، وقد كان ذهب بصري.

فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا يحمله من المهد، فناولته الكتاب، فقال لموفّق الخادم: «فضّه وانشره». ففضّه ونشره بين يديه، فنظر فيه، ثم قال لي: «يا محمد ما حال بصرك؟».

قلت: يا ابن رسول الله اعتلّت عيناي، فذهب بصري كما ترى.

ص: 290


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص668 فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ح10.

فقال: «ادن منّي»، فدنوت منه فمدّ يده، فمسح بها على عيني، فعاد إلي بصري كأصحّ ما كان، فقبّلت يده ورجله، وانصرفت من عنده، وأنا بصير((1)).

أتسألني عن الإمام؟

عن محمد بن أبي العلاء، قال: سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء، بعدما جهدت به وناظرته وحاورته وراسلته وسألته عن علوم

آل محمد (عليهم السلام) فقال:

فبينا أنا ذات يوم بالمدينة فدخلت المسجد أطوف بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يطوف بالقبر الشريف، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي، فقلت له: إنّي والله أريد أن أسألك عن مسألة، وإنّي والله لأستحي من ذلك.

فقال لي: «إنّي أخبرك بها قبل أن تخبرني وتسألني عنها، تريد أن تسألني عن الإمام».

فقلت: هو والله هذا.

فقال: «أنا هو».

فقلت: علامة، وكان في يده عصاه، فنطقت، وقالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان، وهو الحجّة عليهم((2)).

ص: 291


1- الخرائج والجرائح ج1 ص372 الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي النقي (عليه السلام) ح1.
2- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) ج4 ص393 فصل في آياته (عليه السلام)، وانظر بحار الأنوار: ج50 ص68 ب3 ح50.

إتق الله ياذا العثنون

روى محمد بن الريان، قال: احتال المأمون على أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شيء، فلمّا اعتل وأراد أن يبنى عليه ابنته دفع إلي مائتي وصيفة من أجمل ما يكون، إلى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر (عليه السلام) إذا قعد في موضع الأخيار، فلم يلتفت (عليه السلام) إليهن.

وكان رجل يقال له: مخارق، صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون، فقال: يا أمير إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار وجعل يضرب بعوده ويغنّي، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر (عليه السلام) لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثم

رفع إليه رأسه وقال: «إتق الله يا ذا العثنون».

قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات.

قال: فسأله المأمون عن حاله قال: لما صاح بي أبو جعفر (عليه السلام) فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً((1)).

مؤامرة تبوء بالفشل

روى ابن أورمة، قال: إنّ المعتصم دعا جماعة من وزرائه وقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى الرضا زوراً واكتبوا بأنّه أراد أن يخرج.

ثم دعاه، فقال: إنّك أردت أن تخرج علي.

فقال (عليه السلام): «والله ما فعلت شيئاً من ذلك».

ص: 292


1- الكافي: ج1 ص494-495 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) ح4.

قال: إنّ فلاناً وفلاناً شهدوا عليك. وأحضروا، فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: وكان جالساً في بهو، فرفع أبو جعفر (عليه السلام) يده، وقال: «اللهم إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم».

قال: فنظرنا إلى ذلك البهو يرجف ويذهب ويجئ، وكلّما قام واحد وقع، فقال المعتصم: يا ابن رسول الله، تبت ممّا قلت، فادع ربّك أن يسكنه.

فقال: «اللهم سكّنه، وإنّك تعلم بأنّهم أعداؤك وأعدائي»، فسكن((1)).

فرّقها على أصحابك

روى سعيد سهل بن زياد، عن ابن حديد، قال: خرجنا جماعة حجّاجاً، فقطع علينا الطريق، فلمّا دخلنا المدينة، لقيت أبا جعفر (عليه السلام) في بعض الطرق فأتيته إلى المنزل، فأخبرته بالذي أصابنا، فأمر (عليه السلام) لي بكسوة، وأعطاني دنانير، وقال: «فرّقها على أصحابك، على قدر ما ذهب لهم».

فقسّمتها بينهم فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل منه ولا أكثر((2)).

ص: 293


1- الخرائج والجرائح: ج2 ص670-671 فصل في أعلام الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام) ح18.
2- الهداية الكبرى: ص302-303 الباب الحادي عشر باب الإمام محمد الجواد (عليه السلام).

استكثر من الطواف لفاطمة (عليها السلام)

روى موسى بن القاسم، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام):

قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم.

فقال (عليه السلام) لي: «بل طف ما أمكنك فإنّه جائز».

ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إنّي كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به.

قال (عليه السلام): «وما هو؟».

قلت: طفت يوماً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال (عليه السلام) ثلاث مرّات:

«صلّى الله على رسول الله».

ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام)، والرابع عن الحسين (عليه السلام)، والخامس عن علي بن الحسين (عليه السلام)، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، واليوم الثامن عن أبيك موسى (عليه السلام) واليوم التاسع عن أبيك علي (عليه السلام)، واليوم العاشر عنك يا سيّدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم.

فقال (عليه السلام): «إذن والله تدين بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره».

ص: 294

قلت: وربما طفت عن أمّك فاطمة (عليها السلام) وربما لم أطف.

فقال (عليه السلام): «استكثر من هذا فإّنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله»((1)).

ويحكم ظلمتم الرجل

روى عن علي بن جرير، قال: كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) جالساً، وقد ذهبت شاة لمولاة له، فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم إليه ويقولون: أنتم سرقتم الشاة.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «ويلكم خلّوا عن جيراننا، فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره».

فخرجوا، فوجدوها في داره، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف أنّه لم يسرق هذه الشاة، إلى أن صاروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «ويحكم ظلمتم هذا الرجل فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها».

فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه((2)).

ص: 295


1- تهذيب الأحكام: ج5 ص450-451 باب من الزيادات في فقه الحج ح1572.
2- كشف الغمة: ج2 ص367 باب ذكر وفاة أبي جعفر (عليه السلام) وموضع قبره وذكره ولده.

مجلس عزاء الرضا (عليه السلام)

روى أميّة بن علي، قال: كنت بالمدينة، وكنت أختلف إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وأبو الحسن الرضا (عليه السلام) بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً بجارية فقال لها: «قولي لهم تهيّأوا للمأتم».

فلما تفرّقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟

فلما كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم من؟

قال (عليه السلام): «مأتم خير من على ظهرها».

فأتانا خبر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بعد ذلك بأيام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم((1)).

ص: 296


1- إعلام الورى: ج2 ص100 الفصل الثالث في ذكر طرف من دلائله ومعجزاته (عليه السلام).

12-من قصص الإمام الهادي(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

* والده: الإمام محمد الجواد (عليه السلام).

* والدته: سمانة المغربية، وتلقب بالسيّدة، وهي المبشرة بالجنة، وكانت تصوم السنة كاملة، وكنيتها أُمّ الفضل((1)).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في منتصف ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين في صريا من ضواحي المدينة المنورة.

* كنيته: أبو الحسن، ويقال له أيضاً: أبو الحسن الثالث.

* ألقابه: الهادي، والمتوكّل، والناصح، والمتّقي، والمرتضى، والفقيه، والأمين، والطيّب.

* نقش خاتمه: (الله ربّي وهو عصمتي من خلقه).

ص: 297


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص401 فصل في المقدمات.

قالوا فيه (عليه السلام)

1: نقل صاحب (كشف الغمة) عن بعض أهل العلم أنه قال: فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي، قد ضرب على المجرّة قبابه، ومدّ على نجوم السماء أطنابه، فما تعد منقبة إلا وإليه نحيلتها، ولا تذكر كريمة إلا وله فضيلتها، ولا تورد محمدة إلا وله تفصيلها وجملتها، ولا تستعظم حالة سنية إلا وتظهر عليه أدلّتها، استحق ذلك بما في جوهر

نفسه من كرم تفرد بخصائصه، ومجد حكم فيه على طبعه الكريم بحفظه من الشرب حفظ الراعي لقلائصه، فكانت نفسه مهذّبه، وأخلاقه مستعذبة، وسيرته عادلة، وخلاله فاضلة، وميازه إلى العفاة واصلة، وزموع المعروف بوجود وجوده عامرة آهلة، جرى من الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة والخمول في النباهة، على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليه، ولا يقاربها أحد من الأنام ولا يدانيها، وطريقة حسنة لا يشاركه فيها خلق، ولا يطمع فيها((1)).

2: وقال الشبلنجي: ومناجاته (عليه السلام) كثيرة.

3: قال في الصواعق: كان أبو الحسن العسكري وارث أبيه علماً وسخاءً((2)).

4: وقال الشيخاني: وكان علي العسكري صاحب وقار وسكون وهيبة وطمأنينة، وعفّة ونزاهة، وكانت نفسه زكية، وهمّته عليّة، وطريقته حسنة مرضية، رضي الله تعالى عنه وعن سلفه وخلفه.

ص: 298


1- كشف الغمة: ج2 ص399 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر ووفاته بها وسبب ذلك وعدد أولاده وطرف من أخباره.
2- الصواعق المحرقة: ص123.

هل هذا إمام؟

قال علي بن مهزيار: وردت على أبي الحسن (عليه السلام) وأنا شاكّ في الإمامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنّه صائف، والناس عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن (عليه السلام) لبّادة((1))

وعلى فرسه تجفاف لبود((2))، وقد عقد ذنب الفرس والناس يتعجّبون منه ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعله بنفسه؟

فقلت في نفسي: لو كان هذا إماماً ما فعل هذا.

فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إلا أن ارتفعت سحابة عظيمة هللت، فلم يبق أحد إلاّ ابتل حتى غرق بالمطر، وعاد (عليه السلام) وهو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام، ثم قلت: أُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الإمام، فلمّا قرب منّي كشف وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة((3)).

ص: 299


1- اللبادة: هي قباء من اللبد، وقيل: ما يلبس للمطر.
2- اللبود: جمع لبد وهو كل شعر أو صوف متلبد بعضه على بعض، أي متداخل.
3- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص414 فصل في آياته (عليه السلام).

نحن مشغولون بأمر الآخرة

روي أنّ المتوكل وقيل: الواثق، أمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى أن يملأ كل واحد منهم مخلاة((1)) فرسه من الطين الأحمر ويجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، فلمّا فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي.

صعد فوقه واستدعى أبا الحسن (عليه السلام) واستصعده، وقال: استحضرتك لنظارة خيول عسكري، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف((2))

ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة وأتم عدة وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟».

قال: نعم. قال: فدعا الله سبحانه تعالى، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدجّجون، فغشي على الخليفة، فقال له أبو الحسن (عليه السلام) لما أفاق من غشيته: «نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك مني ممّا تظن باس»((3)).

ص: 300


1- المخلاة: ما يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابة، جمعها مخال.
2- قال ابن الأثير في النهاية: ج1 ص279: وفي حديث الحديبية، فجاء يقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فرس مجفف، أي عليه تجفاف، وهو شيء من سلاح يترك على الفرس يقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان أيضاً، وجمعه تجافيف.
3- كشف الغمة: ج2 ص395 باب ذكر ورود أبي الحسن (عليه السلام) من المدينة إلى العسكر ووفاته بها وسبب ذلك وعدد أولاده وطرف من أخباره.

حقيقة الموت

روي أنّ الإمام علي بن محمد (عليه السلام) دخل على مريض من

أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: «يا عبد الله، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت ثيابك وتقذّرت، وتأذّيت بما عليك من الوسخ والقذرة، وأصابك قروح وجرب، وعلمت أن الغسل في حمام يزيل عنك ذلك كلّه، أما تريد أن تدخله فتغسل فيزول ذلك عنك، أوما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟».

قال: بلى يا ابن رسول الله.

قال: «فذلك الموت، هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته، فقد نجوت من كل غم وهمّ وأذى ووصلت إلى سرور وفرح».

فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمض عين نفسه ومضى لسبيله((1)).

جُمجمة مغمورة

عن المنتصر بن المتوكل، قال: زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه، فلمّا استوى الآس كلّه وحسن، أمر الفرّاشين أن يفرشوا له على دكّان في وسط البستان وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليّ وقال: يا رافضي، سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ما له من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفر، فإنّك تزعم أنه يعلم الغيب؟

ص: 301


1- الاعتقادات، للصدوق: ص56 باب الاعتقاد في الموت.

فقلت: يا أمير، إنّه ليس يعلم الغيب، فأصبحت وغدوت إلى أبي الحسن (عليه السلام) من الغد وأخبرته بالأمر.

فقال: «يا بني، امض أنت واحفر الأصل الأصفر فإنّ تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها».

قال: ففعلت ذلك، فوجدته كما قال (عليه السلام)، ثم قال لي: يا بني لا تخبرن أحداً بهذا الأمر إلاّ لمن يحدّثك بمثله((1)).

الإطلاع على الضمائر

حدّث جماعة من أهل أصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النصر وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمان وكان شيعياً، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك به القول بإمامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من أهل الزمان؟

قال: شاهدت ما أوجب ذلك علي، وذلك أني كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلّمين، فكنّا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر باحضاره؟

فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قيل: ويقدر أنّ المتوكل يحضره للقتل، فقلت: لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو؟

قال: فأقبل (عليه السلام) راكباً على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرته

ص: 302


1- الثاقب في المناقب: ص538 فصل في ظهور آياته من الإخبار بالغائبات ح1.

صفين ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقعت حبّه في قلبي فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكل، فأقبل (عليه السلام) يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدعاء له، فلمّا صار بإزائي أقبل إلي بوجهه، وقال: «استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثّر مالك وولدك».

قال: فارتعدت من هيبته ووقعت بين أصحابي، فسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟

فقلت: خير، ولم أخبرهم بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله علي بدعائه (عليه السلام) وجوهاً من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت

الآن من عمري نيفاً وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه في و لي((1)).

أنشدني شعراً

روي أنّه سُعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد (عليه السلام) أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة.

فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلاً، فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصا، وهو متوجّه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.

فحمل (عليه السلام) على حاله تلك إلى المتوكل، وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن وهو يستقبل القبلة، وكان المتوكل في مجلس الشراب،

ص: 303


1- الخرائج والجرائح ج1 ص393 ح1.

فدخل عليه والكأس في يد المتوكل، فلما رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس.

فقال (عليه السلام): «والله ما يخامر لحمي ودمي قط فاعفني».

فأعفاه، فقال: أنشدني شعراً.

فقال (عليه السلام): «إنّي قليل الرواية للشعر».

فقال: لابد، فأنشده (عليه السلام) وهو جالس:

باتوا على قُلل الجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم

وأودعوا حفراً يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعدما رحلوا

أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت محجبة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

فبكى المتوكل حتى بلّت لحيته بدموع عينيه، وبكى الحاضرون، ودفع إلى علي (عليه السلام) أربعة آلاف دينار، ثم ردّه إلى منزله مكرماً((1)).

أين الغلاة عن هذا الحديث؟

روى زيد بن علي بن الحسين بن زيد، قال: مرضت فدخل الطبيب علي ليلاً فوصف لي دواءً بليل آخذه كذا وكذا يوماً فلم يمكنّي.

فلم يخرج الطبيب من الباب حتى ورد عليّ نصر بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن (عليه السلام) يقرئك السلام ويقول لك: «خذ هذا

ص: 304


1- بحار الأنوار: ج50 ص211 باب ماجرى بينه وبين خلفاء زمانه وبعض أحوالهم وتأريخ وفاته (عليه السلام).

الدواء كذا وكذا يوماً».

فأخذته فشربته فبرئت، قال محمد بن علي: قال لي زيد بن علي: يأبى الطاعن أين الغلاة عن هذا الحديث((1)).

هيبة الإمامة

يقول محمد بن الحسن الأشتر العلوي: كنت مع أبي على باب المتوكل وأنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي

وجعفري، ونحن وقوف إذ جاء أبو الحسن الهادي (عليه السلام)، فترجّل الناس كلّهم حتى دخل.

فقال بعضهم لبعض: لم نترجّل لهذا الغلام، وماهو بأكبرنا ولا بأشرفنا ولا بأسننا، والله لا ترجّلنا له.

فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجلّن له صغرة إذا رأيتموه، فما هو (عليه السلام) إلاّ أن أقبل وبصروا به حتى ترجّل له الناس كلّهم.

فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له؟

فقالوا له: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا((2)).

أيّ النعم تريد شكرها؟

روى أبو هاشم الجعفري، قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام)، فأذن لي.

فلمّا جلست، قال: «يا أبا هاشم، أيّ نعم الله عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدّي

ص: 305


1- الكافي: ج1 ص502 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ح9.
2- الثاقب في المناقب: ص543 فصل في ظهور آياته في معان شتى ح484.

شكرها؟».

قال أبو هاشم: فوجمت، فلم أدر ما أقول له.

فابتدأ (عليه السلام) فقال: «رزقك الإيمان، فحرّم به بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل.

يا أبا هاشم، إنّما ابتدأتك بهذا، لأنّي ظننت أنّك تريد أن تشكو إلي من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار، فخذها»((1)).

في خان الصالعيك

عن صالح ابن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقلت له: جُعلت فداك في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصّعاليك.

فقال (عليه السلام): «هاهنا أنت يا ابن سعيد» ثمّ أومأ بيده وقال: «انظر».

فنظرت، فإذا آنا بروضات آنقات وروضات باسرات((2)) فيهنّ خيرات عطرات، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء وأنهار تفور، فحار بصري وحسرت عيني.

فقال (عليه السلام): «حيث كنّا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك»((3)).

ص: 306


1- من لا يحضره الفقيه: ج4 ص401 ومن ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجزة التي لم يسبق إليها ح5863.
2- الأنق: الفرح و السرور، والبُسر بضمّ الموحّدة: الغض من كلّ شيء، والماء الطري القريب العهد بالمطر، والبسرة من النبات أوّلها.
3- بصائر الدرجات: ج1 ص406 باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم يسيّرون في الأرض من شاءوا من أصحابهم بالقدرة التي أعطاهم الله ح7.

ما حاجتك؟

روي أنّ الإمام الهادي (عليه السلام) خرج ذات يوم من سرّ من رأى إلى قرية له لمهم عرض له، فجاء رجل من بعض الأعراب يطلبه في داره فلم يجده وقيل له: إنّه (عليه السلام) ذهب إلى الموضع الفلاني فقصده إلى موضعه، فلمّا وصل إليه قال (عليه السلام) له: «ما حاجتك؟».

فقال له: أنا رجل من أعراب الكوفة المستمسّكين بولاء جدّك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وقد ركبتني ديون فادحة أثقل ظهري حملها ولم أر من أقصده لقضائها سواك.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «كم دينك؟».

فقال: نحو العشرة آلاف درهم.

فقال (عليه السلام): «طب نفساً وقرّ عيناً يُقضى دينك إن شاء الله تعالى».

ثم أنزله، فلمّا أصبح قال له: «يا أخا العرب أُريد منك حاجة لا تعصيني فيها ولا تخالفني، والله الله فيما آمرك به وحاجتك تقضى إن شاء الله تعالى».

فقال الأعرابي: لا أخالفك في شيء ممّا تأمرني به.

فأخذ أبو الحسن (عليه السلام) ورقة وكتب فيها بخطّه ديناً عليه للأعرابي المذكور، وقال: «خذ هذا الخطّ معك فإذا حضرت سرّ من رأى فتراني أجلس مجلساً عاماً فإذا حضر الناس واحتفل المجلس فتعال إليّ بالخط وطالبني وأغلظ عليّ في القول ولا عليك، والله الله أن تخالفني في شيء ممّا أوصيك به».

فلمّا وصل أبو الحسن (عليه السلام) إلى سرّ من رأى جلس مجلساً عاماً وحضر عنده جماعة من وجوه بالناس وأصحاب لخليفة المتوكل وأعيان البلد وغيرهم، فجاء ذلك الأعرابي وأخرج الخطّ وطالبه بالمبلغ المذكور وأغلظ عليه في الكلام،

ص: 307

فجعل أبو الحسن (عليه السلام) يعتذر إليه ويطيّب نفسه بالقول ويعده بالخلاص عن قريب وكذلك الحاضرون وطلب منه المهلة ثلاثة أيام.

فلمّا انفكّ المجلس نقل ذلك الكلام إلى الخليفة المتوكل، فأمر لأبي الحسن (عليه السلام) على الفور بثلاثين ألف درهم، فلمّا حملت إليه تركها إلى أن جاء الأعرابي، فقال له: «خذ هذا المال فاقض منه دينك واستعن بالباقي على وقتك والقيام على عائلتك».

فقال الأعرابي له: يا ابن رسول الله والله في العشرة آلاف بلوغ مطلبي ونهاية إربي وكفاية لي.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): «والله لتأخذنّ ذلك جميعه وهو رزقك الذي ساقه الله إليك ولو كان أكثر من ذلك ما نقصناه».

فأخذ الأعرابي الثلاثين ألف درهم وانصرف وهو ويقول: الله أعلم

حيث يجعل رسالته((1)).

دعاء لا يخيب من دعا به

روى أبو محمد الفحّام، قال: حدّثني أبو الحسن محمد بن أحمد، قال: حدّثني عمّ أبي، قال: قصدت الإمام (عليه السلام) يوماً، فقلت: يا سيّدي، إنّ هذا الرجل قد أطرحني وقطع رزقي وملّني، وما أتهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك، فإذا سألته شيئاً منه يلزمه القبول منك، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمسألته.

فقال (عليه السلام): «تُكفى إن شاء الله».

فلمّا كان في الليل طرقني رسل المتوكل، رسول يتلو رسولاً، فجئت والفتح

ص: 308


1- كشف الغمة: ج2 ص374-375 وأمّا مناقبه (عليه السلام).

على الباب قائم فقال: يا رجل، ما تأوى في منزلك بالليل؟

كدّ هذا الرجل ممّا يطلبك، فدخلت وإذا المتوكل جالس في فراشه، فقال: يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا نفسك، أيّ شيء لك عندي؟

فقلت: الصلة الفلانية، والرزق الفلاني، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح: وافى علي بن محمد إلى هاهنا؟

فقال: لا. فقلت: كتب رقعة؟

فقال: لا.

فولّيت منصرفاً فتبعني، فقال لي: لست أشكّ أنّك سألته دعاء لك، فالتمس لي منه دعاء، فلمّا دخلت إليه (عليه السلام) قال لي: «يا أبا موسى، هذا وجه الرضا».

فقلت: ببركتك يا سيّدي، ولكن قالوا لي: إنّك ما مضيت إليه ولا سألته.

فقال: «إنّ الله تعالى علم منّا أنا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه، ولا

نتوكل في الملمّات إلاّ عليه، وعودنا إذا سألنا الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا».

قلت: إنّ الفتح قال لي كيت وكيت.

قال: «إنّه يوالينا بظاهره، ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به، إذا أخلصت في طاعة الله، واعترفت برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبحقّنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك».

قلت: يا سيّدي فتعلمني دعاء اختص به من الأدعية؟.

قال: «هذا الدعاء كثيراً ما أدعو الله به، وقد سألت الله أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو:

يَا عُدَّتِي عِنْدَ الْعُدَدِ، وَيَا رَجَائِي وَالْمُعْتَمَدُ، وَيَا كَهْفِي وَالسَّنَدُ، وَيَا وَاحِدُ يَا

ص: 309

أَحَدُ، وَيَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَنْ خَلَقْتَهُ مِنْ خَلْقِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي خَلْقِكَ مِثْلَهُمْ أَحَداً، صَلِّ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَافْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا»((1)).

دعا لك قبل أن يراك

روى أبو هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سرّ من رأى من البرص ما ينغّص عليه عيشه، فجلس يوماً إلى أبي علي الفهري، فشكا إليه حاله، فقال له: لو تعرّضت يوماً لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك.

فجلس له يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: «تنح عافاك الله ثلاث مرّات».

فابتعد الرجل ولم يجسر أن يدنو منه وانصرف، فلقي الفهري فعرّفه الحال وما قال.

قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامض فإنّك ستعافى، فانصرف

الرجل إلى بيته فبات ليله، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئاً من ذلك ((2)).

عمل الأنبياء والمرسلين

روى الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق.

فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟

ص: 310


1- أمالي الطوسي: ص280 المجلس العاشر ح538.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص399 الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام) ح5.

فقال (عليه السلام): «يا علي قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي».

فقلت له: ومن هو؟

فقال: «رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وآبائي (عليهم السلام) كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين»((1)).

عبادة تبكي الطغاة

بعضهم وشى الإمام (عليه السلام) عند المتوكل على أنّ في منزله أسلحة وأنّه يطلب الخلافة، فوجّه إليه رجالاً هجموا عليه فدخلوا داره فوجدوه في بيته، وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه الشريف ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، وهو يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد.

فحملوه (عليه السلام) إليه على ألبسته المذكورة، فلما رآه عظّمه وأجلسه إلى جنبه، فكلّمه فبكى المتوكل بكاءً طويلاً، ثم قال: يا أبا

الحسن عليك دين؟

قال (عليه السلام): «نعم أربعة آلاف دينار»، فأمر المتوكل بدفعها إليه ثم ردّه إلى منزله مكرّماً((2)).

ص: 311


1- الكافي: ج5 ص75 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة (عليهم السلام) في التعرّض للرزق ح10.
2- مروج الذهب: ج4 ص11 المتوكل وعلي بن محمد العلوي.

في مجلس الواثق

يقال: إنّ يحيى بن أكثم كان في مجلس الواثق بحضور الفقهاء، فقال: من حلق رأس آدم (عليه السلام) حين حج؟

فلم يحر أحدهم بالجواب.

فقال الواثق: أنا أحضر لكم من ينبئكم بالخبر، فبعث إلى الإمام الهادي (عليه السلام) فاحضر، فقال: يا أبا الحسن من حلق رأس آدم؟

فقال (عليه السلام): «سألتك بالله يا أمير إلاّ عفيتني».

قال: أقسمت عليك لتقولن.

قال: «أمّا إذا أبيت فإنّ أبي حدّثني عن جدّي عن أبيه عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمر جبرئيل أن ينزل بياقوتة من الجنّة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه فحيث بلغ نورها صار حرماً»((1)).

حدّ المال الكثير

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، قال: لمّا سُم المتوكل نذر إن عوفي أن يتصدّق بمال كثير، فلمّا عُوفي سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: مائة ألف، وقال بعضهم: عشرة آلاف، فقالوا فيه أقاويل مختلفة، فاشتبه عليه الأمر، فقال رجل من ندمائه يقال له صفعان: ألا تبعث إلى هذا الأسود فتسأل عنه؟

فقال له المتوكل: من تعني ويحك؟

ص: 312


1- مستدرك الوسائل: ج9 ص330 باب وجوب احترام الحرم وحكم صيده وشجره ح11022.

فقال له: ابن الرضا.

فقال له: وهو يحسن من هذا شيئاً؟

فقال: إن أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا، وإلا فاضربني مائة

مقرعة.

فقال المتوكل: قد رضيت، يا جعفر بن محمود صر إليه وسله عن حدّ المال الكثير.

فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) فسأله عن حدّ المال الكثير.

فقال (عليه السلام): «الكثير ثمانون».

فقال له جعفر: يا سيّدي إنّه يسألني عن العلّة فيه.

فقال له أبو الحسن (عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ يقول: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ»((1))

فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين»((2)).

دعوة مستجابة

قال ابن سنان: دخلت على أبي الحسن الهادي (عليه السلام)، فقال: «يا محمّد حدث بآل فرج حدث»؟

فقلت: مات عمر.

فقال: «الحمد لله على ذلك» أحصيت له أربعاً وعشرين مرّة، ثم قال: «أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن عليّ أبي؟».

قال: قلت: لا.

ص: 313


1- سورة التوبة: 25.
2- الكافي: ج7 ص463-464 باب النوادر ح21.

قال: «خاطبه في شيء قال أظنّك سكراناً!، فقال أبي: اللهم إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الخرب وذلّ الأسر، فوالله ما أن ذهبت الأيام حتى خرب ماله وما كان له، ثم أُخذ أسيراً فهو ذا مات»((1)).

إنّه الإمام حقّاً

روى سعيد بن سهل البصري، قال: اجتمعنا في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى وأبو الحسن (عليه السلام) معنا، فجعل رجل يلعب ويمزح ولا يرى له إجلالاً، فأقبل على جعفر، وقال (عليه السلام): «إنّه لا يأكل من هذا الطعام، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عيشه».

فقدّمت المائدة فقال: ليس بعد هذا خبر وقد بطل قوله، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام، فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي، وقال له: إلحق أمّك فقد وقعت من فوق البيت وهي إلى الموت أقرب.

فقال جعفر: قلت: والله لا وقفت بعد هذا، وقطعت عليه أنّه الإمام((2)).

خذ عدوّ الله

عن زرّافة حاجب المتوكّل أنّه قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكّل يلعب لعب الحقّة((3))

لم يُر مثله، وكان المتوكّل لعّاباً، فأراد أن يخجل عليّ بن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقال لذلك الرجل: إن أنت أخجلته أعطيتك ألف

ص: 314


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص397 فصل في آياته (عليه السلام).
2- الثاقب في المناقب: ص537 فصل في بيان ظهور آياته في الإعلام عن آجال الناس ح475.
3- الحقّ والحقّة، بالضمّ: الوعاء من الخشب و غيره، و كان المشعبذين يلعبون بالحقّة نحوا من اللّعب.

دينار زكيّة.

قال: تقدّم بأن يخبز رقاق خفاف، واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، ففعل وأحضر عليّ بن محمّد (عليه السلام) للطعام وجعلت له مسوّرة((1))

عن يساره، وكان عليها صورة أسد وجلس اللاعب إلى جانب المسوّرة.

فمدّ عليّ بن محمّد (عليه السلام) يده إلى رقاقة، فطيّرها ذلك الرجل في الهواء، ومدّ يده إلى أخرى فطيّرها ذلك في الهواء، ومدّ إلى أخرى ثالثة فطيّرها، فتضاحك الجميع.

فضرب عليّ بن محمّد (عليه السلام) يده على تلك الصورة التي في المسوّرة وقال: «خذ عدوّ اللّه»، فوثبت تلك الصورة من المسوّرة فابتعلت الرجل، وعادت في المسوّرة كما كانت، فتحيّر الجميع، ونهض عليّ بن محمّد (عليه السلام) يمضي، فقال له المتوكّل: سألتك إلّا جلست ورددته، فقال (عليه السلام): «واللّه لا يُرى بعدها، أتسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه؟».

وخرج (عليه السلام) من عنده فلم يُر الرّجل بعد ذلك((2)).

ما قال لك الرجل؟

روى أبو هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مرّ بغا((3))

أيام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن (عليه السلام): «أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي».

ص: 315


1- المسوّر والمسوّرة: متّكأ من جلد.
2- الخرائج والجرائح: ج1 ص400-401 الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام) ح6.
3- هو بغا الكبير، أبو موسى التركي، مقدم قوّاد المتوكل.

فخرجنا، فوقفنا، فمرّت بنا تعبئته، فمرّ بنا تركي، فكلمه أبو الحسن (عليه السلام) بالتركي فنزل عن فرسه، فقبّل حافر فرس الإمام (عليه السلام) .

فحلّفت التركي، فقلت له: ما قال لك الرجل؟

قال: هذا نبي؟

قلت: ليس هو بنبي.

قال: دعاني باسم سمّيت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه

أحد إلى الساعة((1)).

ابعثوا إلى كربلاء

روى أبو هاشم الجعفري، قال: بعث إليّ أبو الحسن (عليه السلام) في مرضه وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة فأخبرني محمد ما زال يقول: ابعثوا إلى الحير، ابعثوا إلى الحير،

فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحير؟

ثم دخلت عليه وقلت له: جعلت فداك أنا أذهب إلى الحير.

فقال: «انظروا في ذلك» إلى أن قال: فذكرت ذلك لعلي بن بلال، فقال: ما كان يصنع بالحير؟ هو الحير، فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال (عليه السلام) لي: «اجلس»، حين أردت القيام، فلمّا رأيته أنس بي ذكرت له قول علي بن بلال.

فقال لي: «ألا قلت له: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يطوف بالبيت، ويقبّل الحجر، وحرمة النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمن أعظم من حرمة البيت،

ص: 316


1- إعلام الورى: ج2 ص117 الفصل الثالث في ذكر طرف من دلائله ومعجزاته ومناقبه (عليه السلام).

وأمره الله عزّ وجلّ أن يقف بعرفة، وإنّما هي مواطن تحبّ الله أن يذكر فيها، فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يُدعى فيها، وذكر عنه أنه قال: ولم احفظ عنه قال: إنّما هذه مواضع يحب الله أن يعبد فيها، فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب الله تعالى أن يعبد، هلاّ قلت له كذا؟».

قال: قلت: جعلت فداك لو كنت أحسن مثل هذا لم أرد الأمر إليك((1)).

إنّهم لايعلمون ما نعلم

عن الحسن بن محمّد بن عليّ، قال: جاء رجل إلى عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى (عليه السلام) وهو يبكي و يرتعد فرائصه، فقال: يا ابن رسول اللّه إنّ فلاناً يعني الوالي أخذ ابني واتّهمه بموالاتك، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك، ثم يدفنه في أصل الجبل.

فقال (عليه السلام): «فما تشاء؟».

فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.

فقال: «اذهب فإنّ ابنك يأتيك غداً إذا أمسيت ويخبرك بالعجب من أمره».

فانصرف الرجل فرحاً، فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غداً إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة، فسرّه وقال: ما خبرك يا بنيّ؟

فقال: يا أبت إنّ فلاناً يعني الحاجب صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك، ثمّ يصعدني من غداة إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبراً في هذه الساعة، فجعلت أبكي وقوم موكّلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوهاً وأنظف منهم ثياباً

ص: 317


1- الكافي: ج9 ص292-293 ح8152.

وأطيب منهم روائح، والموكّلون بي لا يرونهم، فقالوا لي: ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرّع؟

فقلت: ألا ترون قبرا محفوراً وجبلاً شاهقاً، وموكّلون لا يرحمون يريدون أن يدهدهوني منه ويدفنوني فيه؟

قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفنّاه في القبر، أتحترز بنفسك فتكون خادماً لقبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)؟

قلت: بلى واللّه، فمضوا إلى الحاجب فتناولوه وجرّوه وهو يستغيث ولا يسمعون به أصحابه ولا يشعرون به، ثمّ صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه، فلم يصل إلى الأرض حتى تقطّعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجّوا عليه بالبكاء واشتغلوا عنّي، فقمت وتناولني العشرة

فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأكون خادماً، ومضى.

وجاء الرجل إلى عليّ بن محمّد (عليه السلام) فأخبره، ثمّ لم يلبث إلّا قليلاً حتّى جاء الخبر بأنّ قوماً أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل ودفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الّذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر.

فجعل عليّ بن محمّد (عليه السلام) يقول للرجل: «إنّهم لا يعلمون ما نعلم» ويضحك ((1)).

ص: 318


1- الثاقب في المناقب: ص543-544 فصل في ظهور آياته في معان شتى ح485.

13-من قصص الإمام العسكري(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

* والده: علي الهادي (عليه السلام).

* والدته: حديث، وقيل: سوسن. وكانت مفزع الشيعة بعدة وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) كما في حديث السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في العاشر من شهر ربيع الثاني سنة اثنين وثلاثين ومائتين.

* كناه (عليه السلام): أبو محمد، وأبو الحسن.

* ألقابه (عليه السلام): الهادي، والنقي، والخالص، والسراج، والعسكري، والصامت، والرفيق، والزكي، وكان هو وأبوه وجدّه كل منهم يعرف في زمانه بابن الرضا.

* نقش خاتمه: (سبحان من له مقاليد السموات والأرض)، و(إنّ الله شهيد)، و(الله وليّي).

ص: 319

قالوا في حقه (عليه السلام)

بلغ مقام الإمام العسكري (عليه السلام) كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) من الفضل حتى أن ألد أعدائهم لا يستطيعون إنكار فضائلهم ومناقبهم بل أقروا بذلك.

1: قال الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان، لولده أحمد وهو يحدّثه عن الإمام العسكري (عليه السلام): يا بني، لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس، ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا، وإنّ هذا ليستحقّها في فضله وعفافه، وهديه وصيانته، وزهده وعبادته، وجميل أخلاقه وصلاحه((1)).

2: قال ابن الراوندي فيه: تعظّمه الخاصّة والعامّة....ويبجّلونه ويقدّرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته... كان جليلاً نيبلاً فاضلاً كريماً، يحتمل الأثقال ولا يتضعضع للنوائب((2)).

3: نقل ابن أبي الحديد قول من قال: من الذي يعد من قريش أو من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ، فمنهم خلفاء ومنهم مرشّحون...وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم((3)).

4: قال الحضرمي الشافعي: أبو محمد الحسن الخالص ابن علي العسكري،

ص: 320


1- الكافي: ج1 ص504 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ح1.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص902 فصل في معجزات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أخلاقياً.
3- شرح نهج البلاغة: ج15 ص278 ذكر الجواب عما فخرت به بنو أميّة.

كان عظيم الشأن جليل المقدار، وقد زعمت الشيعة الرافضة أنّه

والد المهدي المنتظر((1)).

5: قال سبط ابن الجوزي: وكان عالماً ثقة روى الحديث عن أبيه عن جدّه، ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز ذكره جدّي أبو الفرج في كتابه المسمّى ب (تحريم الخمر) ونقلته من خطّه((2)).

ص: 321


1- قادتنا كيف نعرفهم: ج7 ص115.
2- تذكرة الخواص: ص324.

خذ واكتم

روى أبو هاشم أنّه ركب أبو محمد العسكري (عليه السلام) يوماً إلى الصحراء فركبت معه، فبينما يسير قدّامي، وأنا خلفه، إذ عرض لي فكر في دَين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكر في أيّ وجه قضاؤه، فالتفت (عليه السلام) إلي وقال: «الله يقضيه».

ثم انحنى (عليه السلام) على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض، فقال: «يا أبا هاشم انزل فخذ واكتم»، فنزلت وإذا سبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفّي وسرنا.

فعرض لي الفكر، فقلت: إن كان فيها تمام الدين وإلاّ فإنّي أُرضي صاحبه بها، ويجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء، وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها، فالتفت (عليه السلام) إليّ ثم انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الأولى ثم قال: «انزل وخذ واكتم»، قال: فنزلت فإذا بسبيكة فجعلتها في الخفّ الآخر وسرنا يسيراً ثم انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي.

فجلست وحسبت ذلك الدَين، وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدَين ما زادت ولا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت((1)).

ص: 322


1- الثاقب في المناقب: ص217 فصل في بيان آيات روح الله عيسى بن مريم ممّا ذكره الله تعالى في القرآن ح191.

صلاة بين السباع

عن علي بن محمد، عن جماعة من أصحابنا، قالوا: سُلّم أبو محمد (عليه السلام) إلى نحرير وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتق الله فإنّك لا تدري من في منزلك؟ وذكرت له صلاحه وعبادته، وقالت: إنّي أخاف عليك منه.

فقال: والله لأرمينّه بين السباع، ثم استأذن في ذلك، فأذن له، فرمى به إليها، فلم يشكّوا في أكلها، فنظروا إلى الموضع، فوجدوه (عليه السلام) قائماً يصلّي وهي حوله، فأمر بإخراجه إلى داره((1)).

الإخبار بهلاك المهتدي

عن أحمد بن محمد، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنا، فقد بلغني أنه يتهدّدك ويقول: والله لأجلينّهم عن جديد الأرض.

فوقّع أبو محمد (عليه السلام) بخطّه: «ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به».

فكان كما قال (عليه السلام)((2)).

ص: 323


1- إعلام الورى: ج2 ص151 الفصل الرابع في ذكر طرف من مناقبه وخصائصه ونبذ من أخباره (عليه السلام).
2- الكافي: ج1 ص510 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ح16.

مع فيلسوف العراق

عن أبي القاسم الكوفي: أنّ إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وأنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فقال له أبو محمد (عليه السلام): «أما فيكم رجل رشيد يردع استأذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله القرآن؟».

فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره.

فقال له أبو محمد (عليه السلام): «أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك؟».

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأُنسة في ذلك، فقل: قد حضرتني مسأله أسألك عنها، فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول لك إنّه من الجائز لأنّه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه».

فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ، فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه ورأي ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر، فقال: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟

فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك.

فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من

ص: 324

أين لك هذا؟

فقال: أمرني به أبو محمد (عليه السلام).

فقال: الآن جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم

إنّه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه((1)).

أدرك دين جدّك

عن علي بن الحسن بن سابور قال: كان في زمن الحسن الأخير (عليه السلام) قحط، فخرجوا للاستسقاء ثلاثة أيام، فلم يمطر عليهم.

قال: فخرج يوم الرابع بالجاثليق مع النصارى فسقوا، فخرج المسلمون يوم الخامس فلم يمطروا، فشك الناس في دينهم.

فأخرج المتوكل الحسن (عليه السلام) من الحبس، وقال: أدرك دين جدّك يا أبا محمد، فلمّا خرجت النصارى ورفع الراهب يده إلى السماء قال أبو محمد (عليه السلام) لبعض غلمانه: «خذ من يده اليمنى ما فيها» فلما أخذه كان عظماً أسود.

ثم قال (عليه السلام): «استسق الآن».

فاستسقى فلم يمطر، وأصحت السماء، فسأل المتوكّل عن العظم، قال (عليه السلام): «لعلّه أخذ من قبر نبي ولا يكشف عظم نبي إلا ليمطر»((2)).

ص: 325


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص424 فصل في المقدمات.
2- الإرشاد: ج2 ص302 فصل في فضائل الإمام علي الهادي (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.

أهل بيت الرحمة

روى إبراهيم بن محمد الطاهري، فقال: مرض المتوكل من خراج خرج به، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة، وهو قد أشرف به على الموت، فنذرت أُمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن (عليه السلام) مالاً جليلاً من مالها.

وقال له الفتح بن خاقان: قد عجز الأطبّاء، لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن (عليه السلام) فسألتَه، فربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك.

قال: ابعثوا إليه.

فمضى الرسول ورجع، فقال (عليه السلام): «خذوا كسب الغنم فديفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج، فإنّه نافع بإذن الله».

فهزأ الأطبّاء به، فقال الفتح: وهل يضرّ ذلك؟

قالوا: لا، ولكن لا ينفع، فقلت: والله لأرجونّ الصلاح به.

فأحضر الكسب، وديف بماء الورد ووضع على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه، وبشرت أُمّ المتوكل بعافيته، فحملَتْ إلى أبي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها.

ولمّا كان بعد أيام كثيرة، سعى البطحائي بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل، وقال: عنده أموال وسلاح، فتقدّم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح، ويحمله إليه.

قال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) ليلاً ومعي سُلّم، فصعدت منه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، ولم أدر كيف أصل إلى الدار؟

فناداني أبو الحسن (عليه السلام): «يا سعيد توقّف حتى تؤتى بالمصباح».

ص: 326

فأتوني بالشمع، فنزلت، فوجدت عليه جبة صوف، وقلنسوة صوف، وسجّادة على حصير بين يديه، وهو مقبل إلى القبلة، فقال (عليه السلام) لي: «دونك البيوت»، فدخلتها وفتشتها، فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت بدرّة

مختومة بخاتم أُمّ المتوكل، وكيساً مختوماً معها.

فقال لي أبو الحسن (عليه السلام): «دونك المصلّى». فرفعته، فوجدت سيفاً في جفن ملبوس، فأخذت ذلك أيضاً، وصرت إلى المتوكل.

فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة، بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة، فقالت: نذرت في علّتك إن عُوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه لمّا عُوفيت.

فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى، وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام)، واردد عليه السيف والكيس بما فيه.

فحملت جميع ذلك إليه واستحييت منه، فقلت: يا سيدي عزّ علي بدخولي عليك دارك بغير إذنك، ولكنّي مأمور. فقال: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»((1))،((2)).

الإمام في الحبس

روى علي بن عبد الغفار، فقال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حَبَس أبا محمد العسكري (عليه السلام)، فقال لهم صالح: وما أصنع قد

ص: 327


1- سورة الشعراء: 227.
2- الخرائج والجرائح: ج2 ص678 فصل في أعلام الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام) ح8.

وكلّت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه، فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا، ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمعوا ذلك انصرفوا خائبين((1)).

وفي الإرشاد: روى محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: دخل العباسيون على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد (عليه السلام) فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع.

فقال لهم صالح: ما أصنع به؟!

قد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، ثم أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟

فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمّا سمع ذلك العبّاسيون انصرفوا خاسئين((2)).

تحلف بالله كاذباً

روى إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس، قال: قعدت لأبي محمد (عليه السلام) على ظهر الطريق، فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة، وحلفت أنّه ليس عندي درهم فما فوقه ولا غداء ولا عشاء.

ص: 328


1- الكافي: ج1 ص512 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ح23.
2- الإرشاد ج2 ص334 فصل شذرات من فضائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.

قال: فقال (عليه السلام): «تحلف بالله كاذباً، وقد دفنت مائتي دينار، وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطيّة، أعطه يا غلام ما معك».

أعطاني غلامه مائة دينار، ثم أقبل علي فقال لي: «إنّك تُحرّم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها».

وصدق (عليه السلام) وذلك أنّني أنفقت ما وصلني به واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه، وأنغلقت علي أبواب الرزق، فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها، فنظرت فإذا ابن عم لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها على شيء((1)).

آجرك الله

روى محمد بن الحسن بن شمّون، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو الله لي من وجع عيني، وكانت إحدى عيني ذاهبة والأخرى على شرف ذهاب.

فكتب (عليه السلام) إلي: «حبس الله عليك عينك»، فأفاقت الصحيحة.

ووقّع (عليه السلام) في آخر الكتاب: «آجرك الله وحسن ثوابك».

فاغتممت لذلك ولم أعرف في أهلي أحداً مات، فلما كان بعد أيام جاءتني وفاة ابني طيب فعلمت أنّ التعزية له((2)).

ص: 329


1- الإرشاد: ج2 ص332 فصل في شذرات من فضائل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ومناقبه ومعاجزه.
2- الكافي: ج1 ص510 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ح17.

إنّا ببلد سوء

روى داود بن الأسود خادم أبي محمد (عليه السلام) قال: دعاني سيّدي أبو محمد العسكري (عليه السلام) فدفع إليّ خشبة كأنّها رجل باب مدورة طويلة ملء الكف، فقال: «صر بهذه الخشبة إلى العمري»، فمضيت.

فلمّا صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق، فناداني السقّاء ضح عن البغل، فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت بها البغل فانشقت، فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمّي، فجعل السقّاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي، فلمّا دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب الثاني، فقال: يقول لك مولاي أعزّه الله: «لم ضربت البغل وكسرت رجل الباب».

فقلت له: يا سيّدي لم أعلم بما في رجل الباب.

فقال: «ولم احتجت أن تعمل عملاً وتحتاج أن تعتذر منه، إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك التي أمرت بها، وإيّاك أن تجاوب من يشتمنا أو تعرفه من أنت، فإنّا ببلد سوء ومصر سوء، وامض في طريقك، فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك»((1)).

ص: 330


1- مناقب آل أبي طالب (عليه السلام): ج4 ص428 فصل في معجزاته (عليه السلام).

معنى المشكاة في الآية

روى محمد بن درياب الرقاشي، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن المشكاة، وأن يدعو لامرأتي وكانت حاملاً على رأس ولدها أن يرزقني الله ذكراً، وسألته أن يسمّيه.

فرجع الجواب: «المشكاة((1)) قلب محمد (صلى الله عليه وآله)»، ولم يجبني عن امرأتي بشيء، وكتب في آخر الكتاب: «عظّم الله أجرك، وأخلف عليك»، فولدت ولداً ميّتاً وحملت بعده فولدت غلاماً((2)).

أبشر بالفرج سريعاً

روى عمر بن أبي مسلم، فقال: كان سميع المسمعي يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء بالفرج منه.

فرجع الجواب: «أبشر بالفرج سريعاً، وأنت مالك داره».

فمات بعد شهر واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته((3)).

ص: 331


1- كشف الغمة ج2 ص422 باب ذكر طرف من أخبار أبي محمد (عليه السلام) ومناقبه وآياته ومعجزاته.
2- في الآية الكريمة: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليمٌ» سورة النور: 35.
3- إثبات الهداة: ج5 ص38 الفصل السابع ح97.

ص: 332

14-من قصص الإمام المهدي(عليه السلام)

مقدمة:

هو الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

* والده: الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

* والدته: السيّدة نرجس (عليها السلام).

* ولادته: وُلد (عليه السلام) في الخامس عشر من شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين.

* كنيته: أبو القاسم،ككنية جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).

* ألقابه: الحجّة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان.

المهدي (عليه السلام) في القرآن

وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة في الإمام المهدي (عليه السلام) منها:

1. قوله عزّ وجل: ­«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ

ص: 333

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ»((1))، قال أبو عبد الله الكنجي حول الآية: وأمّا بقاء المهدي (عليه السلام) فقد جاء في الكتاب

1. والسنّة، أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عز وجل: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ» قال: هو المهدي من عترة فاطمة (عليه السلام)((2)).

2. قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ»((3))، حيث ذكر مقاتل بن سليمان وغيره من المفسّرين إنّ هذه الآية نزلت في المهدي(عليه السلام)((4)).

3. قوله سبحانه: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»((5)).

المهدي (عليه السلام) في السنّة

الروايات في الإمام المهدي (عليه السلام) كثيرة جداً رواها الفريقان، منها:

ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً»((6)).

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكّراً

ص: 334


1- سورة التوبة: 33.
2- ينابيع المودة ج3 ص239.
3- سورة الزخرف: 61.
4- الفصول المهمة ص1122.
5- سورة القصص: 5.
6- إثبات الهداة ج5 ص238 الفصل السادس ح111.

تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟

فقال (عليه السلام): «لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكنّي فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»((1)).

وعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت الحسين بن علي (عليه السلام) يقول: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عز ّوجلّ ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله (عليه السلام) يقول»((2)).

الشبه بالأنبياء (عليهم السلام)

1. عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء (عليه السلام): سنّة من موسى وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمد (عليه السلام)، فأمّا من موسى: فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالحبس، وأمّا من عيسى فيقال: إنّه مات، ولم يمت، وأمّا من محمد (عليه السلام) فالسيف»((3)).

2. عن ضريس الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إنّ

ص: 335


1- الكافي: ج1 ص338 باب في الغيبة ح7.
2- كمال الدين: ج1 ص318 باب ما أخبر به الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم وأنه الثاني عشر من الأئمة ح4.
3- كمال الدين: ج1 ص327 باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح6.

صاحب هذا الأمر فيه سنّة من يوسف يصلح الله عزّ وجلّ أمره في ليلة واحدة»((1)).

3. عن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: «في القائم منّا سنن من الأنبياء: سنّة من أبينا آدم، وسنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيوب، وسنّة من محمد (صلوات الله عليهم)، فأمّا من آدم ونوح (عليهما السلام) فطول العمر، وأمّا من إبراهيم (عليه السلام) فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمّا من موسى (عليه السلام) فالخوف والغيبة، وأمّا من عيسى (عليه السلام) فاختلاف الناس فيه، وأمّا من أيوب (عليه السلام) فالفرج بعد البلوى، وأمّا من محمد (صلى الله عليه وآله) فالخروج بالسيف»((2)).

4. عن محمد بن مسلم الثقفي الطحّان، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلّى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدءاً: «يا محمد بن مسلم إنّ في القائم من آل محمد (عليه السلام) شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متّى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد (صلوات الله عليهم):

فأمّا شبهه من يونس بن متى (عليه السلام): فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن.

وأمّا شبهه من يوسف بن يعقوب (عليه السلام): فالغيبة من خاصته وعامّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب (عليه السلام) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

ص: 336


1- كمال الدين: ج1 ص329 باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح12.
2- كمال الدين: ج1 ص321-322 باب ما أخبر به سيد العابدين علي بن الحسين من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح3.

وأمّا شبهه من موسى (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عزّ وجلّ في ظهوره ونصره وأيده على عدوّه.

وأمّا شبهه من عيسى (عليه السلام): فاختلاف من اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم: ما وُلد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل

وصُلب.

وأمّا شبهه من جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله): فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله (عليه السلام)، والجبّارين والطواغيت، وأنّه ينصر بالسيف والرعب، وأنّه لا تردّ له راية»((1)).

غيبة الإمام الحجّة (عليه السلام)

للإمام المهدي (عليه السلام) غيبتان، صغرى وكبرى، وفي الروايات طول غيبته (عليه السلام) وتعرّض المؤمنين إلى امتحان صعب.

فعن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «منّا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يُحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)»((2)).

ص: 337


1- كمال الدين ج1 ص327 باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح7.
2- كمال الدين ج1 ص317 باب ما آخبر به الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح3.

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنه قال: «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ جلّ جلاله فيقول: عبادي وإمائي، آمنتم بسرّي وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب

منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي»((1)).

وعن الحسن بن محبوب، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، قال: قال لي: «لا بد من فتنة صمّاء صيلم((2)) يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وكل حرّى وحرّان، وكل حزين ولهفان، ثم قال (عليه السلام): بأبي وأمّي سمي جدّي (عليه السلام) وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوب النور، يتوقّد من شعاع ضياء القدس يحزن لموته أهل الأرض والسماء، كم من حرّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حرّان حزين عند فقدان الماء المعين، كأنّي بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمة»((3)).

ص: 338


1- كمال الدين: ج1 ص330 باب ما أخبر به أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح15.
2- الصيلم: الأمر الشديد والداهية، روالفتنة الصماء هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها لأن الأصم لا يسمع الاستغاثة ولا يقلع عمّا يفعله.
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص9-10 باب فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الأخبار المنثورة ح14.

الغيبة الصغرى

كان الاستتار منذ بدايات ولادة الإمام (عليه السلام)، وربما يعد السنين الخمس التي عاشها الإمام (عليه السلام) مع والده العسكري (عليه السلام) ضمن الغيبة الصغرى، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء.

وفي الغيبة الصغرى كان الشيعة يتصلون بالإمام (عليه السلام) عبر النوّاب الأربعة وهم:

1. أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمْري الزيّات الأسدي: الذي كان بخدمة الإمام الهادي (عليه السلام) وعمره إحدى عشرة سنة، ثم انتقل إلى رفقة الإمام العسكري (عليه السلام) حتى شهادته، فعيّنه الإمام المهدي (عليه السلام) نائباً عنه.

وقد قال في حقه الإمام الهادي (عليه السلام): «العَمْري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون».

وكذلك قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) «العَمْري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان، وما قالا فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان»((1)).

دفن العَمْري في الجانب الغربي ببغداد في شارع الميدان، وله مقام معروف يزار فيه.

1. أبو جعفر محمد بن عثمان العَمْري الأسدي الزيّات: الذي حل محل أبيه ونال شرف خدمة الإمام العسكري والإمام الحجّة (عليه السلام) ما يقارب خمسين سنة، قال في حقه الإمام المهدي (عليه السلام): «والإبن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة

ص: 339


1- الكافي: ج1 ص330 باب في تسمية من رآه (عليه السلام) ح1.

2. الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضّر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسدّه، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل، تولاه الله»((1)).

وفي التوقيع الشريف: «وأمّا محمد بن عثمان العَمْري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي وكتابه كتابي»((2)).

دُفن ببغداد قرب باب سلمان، وقبره معروف يزار ويتبرّك به

المسلمون، وهو معروف عند أهل بغداد بالشيخ الخلاّني.

3. أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، صاحب كتاب (التأديب).

فقد نقل جماعة من بني نوبخت: أنّ أبا جعفر العَمْري لما اشتدّت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام وأبو عبد الله بن محمد الكاتب وأبو عبد الله الباقطاني وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله بن الوجناء وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا على أبي جعفر (رضوان الله عليه)، فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟

فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام) والوكيل له والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوّلوا عليه في مهماتكم فبذلك أمرت وقد بلغت((3)).

دُفن في بغداد وقبره معروف في سوق الشورجة.

1. أبو الحسن علي بن محمد السمري: وهو ممّن أدرك صحبة الإمام العسكري (عليه السلام)، ثم تولّى السفارة الخاصة عن الإمام المهدي (عليه السلام) بتنصيص من النائب السابق عليه، ويقال: إنّه أخبر بموت والد الشيخ الصدوق في الري وهو في

ص: 340


1- الغيبة: ص362 أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه ح325.
2- الكافي: ج1 ص312 باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ح6.
3- الغيبة: ص371 في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ح342.

2. بغداد، فقال لجمع من المشايخ عنده: آجركم الله في علي بن الحسين فقد قُبض في هذه الساعة، قالوا: فأثبتنا تاريخ الساعة واليوم والشهر، فلما كان بعد سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً، ورد الخبر أنّه قُبض في تلك الساعة((1)).

قبل وفاته بستّة أيام ورد التوقيع التالي: بسم الله الرحمن الرحيم، ياعلي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة. فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره،

وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ((2)).

دُفن ببغداد في مزاره المعروف اليوم قرب قبر الشيخ الكليني على شاطئ دجلة عند الجسر العتيق.

ص: 341


1- الغيبة: ص396ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري ح366.
2- الثاقب في المناقب: ص603 فصل في بيان ظهور آياته (عليه السلام) من الإخبار بالغائبات ح551.

أهمية الصلاة في وقتها

روى الزهري، قال: طلبت هذا الأمر طلباً شاقاً حتى ذهب لي فيه مال صالح، فوقّعت إلى العَمْري وخدمته ولزمته وسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فقال لي: ليس إلى ذلك وصول، فخضعت فقال لي: بكّر بالغداة، فوافيت فاستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة بهيئة التجّار، وفي كمّه شيء كهيئة التجّار.

فلمّا نظرت إليه دنوت من العَمْري فأومأ إليّ، فعدلت إليه وسألته فأجابني عن كل ما أردت، ثم مرّ ليدخل الدار وكانت من الدور التي لا يكترث لها فقال العَمْري: إن أردت أن تسأل سل، فإنّك لا تراه بعد ذا، فذهبت لأسأل فلم يسمع ودخل الدار، وما كلّمني بأكثر من أن قال: «ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النجوم، ملعون ملعون من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم ودخل الدار»((1)).

مؤامرة على الوكلاء

روى الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روز حسني، وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال وله وكلاء وسموا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمّ الوزير بالقبض عليهم.

فقال السلطان: اطلبوا أين هذا الرجل فإنّ هذا أمر غليظ.

فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء، فقال السلطان: لا ولكن

ص: 342


1- الغيبة للطوسي: ص271 فصل أخبار بعض من رأى صاحب الزمان (عليه السلام) وهو لايعرفه فيما بعد.

دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه.

قال: فخرج بأن يتقدّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر، فاندسّ لمحمد بن أحمد رجل لا

يعرفه وخلا به، فقال: معي مال أريد أن أوصله، فقال له محمد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطّفه ومحمد يتجاهل عليه وبثّوا الجواسيس وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدّم إليهم((1)).

ما عرفنا لهذا دواءً

روى محمد بن يوسف الشاشي، قال: خرج بي ناصور على مقعدتي فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً، فقالوا: لا نعرف له دواء، فكتبت رقعة أسأل الدعاء.

فوقّع (عليه السلام) إلي: «ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة».

قال: فما أتت علي جمعة حتى عوفيت وصار مثل راحتي، فدعوت طبيباً من أصحابنا وأريته إيّاه، فقال: ما عرفنا لهذا دواءً((2)).

هذا صاحبكم

روى يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، قلت له: سيدي من صاحب هذا الأمر؟

فقال: ارفع الستر.

ص: 343


1- الكافي: ج2 ص676 باب مولد الصاحب (عليه السلام) ح1386.
2- الإرشاد: ج2 ص357-358 فصل شذرات من معاجز الإمام المهدي (عليه السلام) ودلائله.

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام).

ثم قال (عليه السلام) لي: «هذا صاحبكم». ثم وثب، فقال له: «يا بني

ادخل إلى الوقت المعلوم»، فدخل البيت، وأنا أنظر إليه.

ثم قال لي: «يا يعقوب انظر من في البيت»؟.

فدخلت فما رأيت أحداً ((1)).

أُخرج في القافلة الأخيرة

روى أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: حدّثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاج، وهي سنة تناثر الكواكب، أنّ والدي (رضي الله عنه) كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) يستأذن في الخروج إلى الحج.

فخرج في الجواب: «لا تخرج في هذه السنة».

فأعاد فقال: هو نذر واجب أفيجوز لي القعود عنه؟

فخرج الجواب: «إن كان لابد فكن في القافلة الأخيرة».

فكان في القافلة الأخيرة، فسلم بنفسه، وقتل من تقدمه في القوافل الأُخر((2)).

ص: 344


1- كمال الدين: ج2 ص407 باب ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) عن وقوع الغيبة بابنه القائم (عليه السلام) وأنه الثاني عشر من الأئمة (عليه السلام) ح2.
2- بحار الأنوار: ج51 ص293 ب15 ح1 عن غيبة الشيخ الطوسي: ص320 ف4 ح

أقمناك مكان أبيك

روى محمد بن إبراهيم بن مهزيار، قال: شككت عند مضي أبي محمد العسكري (عليه السلام) واجتمع عند أبي مال جليل، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيّعاً، فوعك وعكاً شديداً، فقال: يا بني ردّني فهو الموت، وقال لي: اتق الله في هذا المال وأوصى إليّ فمات.

فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري داراً على الشط ولا أخبر أحداً بشيء وإن وضح لي شيء كوضوحه في أيام أبي محمد العسكري (عليه السلام) أنفذته وإلا قصفت به.

فقدمت العراق واكتريت داراً على الشط وبقيت أياماً، فإذا أنا برقعة مع رسول فيها: «يا محمد معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا»، حتى قصّ علي جميع ما معي ممّا لم أحط به علماً، فسلّمته إلى الرسول وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس واغتممت، فخرج إلي: «قد أقمناك مكان أبيك فاحمد الله»((1)).

إلحقوا صاحبكم

روى العلامة الأربلي قال: حكى لي السيّد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أنّ أباه عطوة كان به أدرة وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ويقول:

لا أصدّقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجئ صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض.

ص: 345


1- الكافي: ج1 ص518 باب مولد الصاحب (عليه السلام) ح5.

وتكرّر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا فأتيناه سراعاً، فقال: الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي.

فخرجنا فلم نر أحداً، فعدنا إليه وسألناه، فقال: إنه دخل إلي شخص، وقال: يا عطوة، فقلت: من أنت؟

فقال: أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك ممّا بك، ثم مدّ يده فعصر قروتي ومشى ومددت يدي فلم أر لها أثراً.

قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبه، واشتهرت هذه القصّة

وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقرّ بها((1)).

تشرّف العلامة القزويني

نقل العلامة النوري عن ابن العلامة القزويني، قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلّة اُريد زيارة الحسين (عليه السلام) ليلة النصف منه، فلمّا وصلت إلى شطّ الهنديّة، وعبرت إلى الجانب الغربيّ منه، وجدت الزوّار الذاهبين من الحلّة وأطرافها، والواردين من النجف ونواحيه، جميعاً محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهنديّة، ولا طريق لهم إلى كربلاء، لأنّ عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق، وقطعوه عن المارّة، ولا يدَعون أحداً يخرج من كربلاء، ولا أحداً يلج إلّا انتهبوه.

قال: فنزلت على رجل من العرب وصلّيت صلاة الظهر والعصر، وجلست

ص: 346


1- كشف الغمة: ج2 ص497 الباب الخامس والعشرون في الدلالة على كون المهدي (عليه السلام) حياً باقياً مذ غيبته إلى الآن.

أنتظر ما يكون من أمر الزوّار، وقد تغيّمت السماء ومطرت مطراً يسيراً.

فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوّار بأسرها من البيوت متوجّهين نحو طريق كربلاء، فقلت لبعض من معي: أُخرج واسأل ما الخبر؟

فخرج ورجع إليّ وقال لي: إنّ عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية، وتجمّعوا لايصال الزوّار إلى كربلاء، ولو آل الأمر إلى المحاربة مع عنزة.

فلمّا سمعت قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له، لأنّ بني طرف لا قابليّة لهم على مقابلة عنزة في البرّ، وأظنُّ هذه مكيدة منهم لإخراج الزوّار عن بيوتهم لأنّهم استثقلوا بقاءهم عندهم، وفي ضيافتهم.

فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار إلى البيوت، فتبيّن الحال كما

قلت، فلم تدخل الزوّار إلى البيوت وجلسوا في ظلالها والسماء متغيّمة، فأخذتني لهم رقّة شديدة، وأصابني انكسار عظيم، وتوجّهت إلى الله بالدعاء والتوسّل بالنبي وآله، وطلبت إغاثة الزوّار ممّا هم فيه.

فبينما أنا على هذا الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع كريم لم أرَ مثله وبيده رمح طويل وهو مشمّر عن ذراعيه، فأقبل يخبُّ به جواده حتى وقف على البيت الذي أنا فيه، وكان بيتاً من شعر مرفوع الجوانب، فسلّم فرددنا عليه السلام، ثم قال: يا مولانا يسمّيني باسمي بعثني من يسلّم عليك، وهم كنج محمّد آغا وصفر آغا، وكانا من قوّاد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوّار، فإنّا قد طردنا عنزة عن الطريق، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانيّة على الجادّة.

فقلت له: وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟

قال: نعم، فأخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً، فقلت: بخيلنا، فقُدِّمت إلينا، فتعلّق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده، وقال: يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوّار وأقم الليلة حتى يتّضح الأمر، فقلت له: لابدّ من

ص: 347

الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة.

فلمّا رأتنا الزوّار قد ركبنا، تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب، فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنّه الأسد الخادر، ونحن خلفه، حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود، ثمّ نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نَرَ له عيناً ولا أثراً، فكأنّما صعد في السماء أو نزل في الأرض ولم نَرَ قائداً ولا عسكراً.

فقلت لمن معي: أبقي شك في انّه صاحب الأمر؟

فقالوا: لا والله، وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأنّي رأيته قبل ذلك، لكنّني لا أذكر أين رأيته، فلمّا فارقنا تذكّرت أنّه هو الشخص الذي زارني بالحلة، وأخبرني بواقعة السليمانيّة.

وأمّا عشيرة عنزة، فلم نَرَ لهم أثراً في منازلهم، ولم نَرَ أحداً نسأله عنهم، سوى أنّا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرّ، فوردنا كربلاء تخبّ بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلاد، وإذا بعسكر على سور البلد،

فنادوا من أين جئتم، وكيف وصلتم؟

ثمّ نظروا إلى سواد الزوّار ثمّ قالوا: سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوّار أجل أين صارت عنزة؟

فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكّة ربّ يرعاها.

ثم دخلنا البلد فإذا أنا بكنج محمد آغا جالساً على تخت قريب من الباب فسلّمت عليه فقام في وجهي، فقلت له: يكفيك فخراً أنّك ذكرت باللسان.

فقال: ما الخبر؟ فأخبرته بالقصّة.

فقال لي: يا مولاي من أين لي علم بأنّك زائر حتّى أرسل لك رسولاً وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفاً من

ص: 348

عنزة، ثمّ قال: فأين صارت عنزة ؟ قلت: لا علم لي سوى أنّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرّ كأنّها غبرة الظعائن ثمّ أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف، فكان مسيرنا كلّه في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات، ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء.

فلمّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلّاحين الذين في بساتين كربلاء قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهّم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلى صوته يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزُّؤام عساكر الدّولة العثمانية تجبّهت عليكم بخيلها ورجلها، وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنّكم تنجون منهم.

فألقى الله عليهم الخوف والذّل حتّى أنّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالاً بالرحيل، فلم تمضِ ساعة حتّى ارتحلوا بأجمعهم وتوجّهوا نحو البرّ.

فقلت له: صف لي الفارس، فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه، وهو الفارس الذي جاءنا((1)).

لقاء الشيخ الكاتب

نقل الشيخ الطبري الشيعي فقال: حدّثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلّدت عملاً من أبي منصور بن الصالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثم قصدت مقابر((2)) قريش ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت ابن جعفر

ص: 349


1- النجم الثاقب: ج2 ص342 الحكاية الخامسة والتسعون.
2- أي حرم الإمامين الكاظمين عليهما السلام.

القيّم أن يغلق الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع، لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان ممّا لم آمنه، وخفت من لقائي له.

ففعل وقفل الأبواب وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثت أدعو وأزور وأصلّي.

فبينما أنا كذلك إذ سمعت وطأة عند مولانا موسى (عليه السلام)، وإذا رجل يزور، فسلّم على آدم وأولي العزم (عليه السلام)، ثم الأئمة (عليهم السلام) واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان (عليه السلام) فلم يذكره، فعجبت من ذلك وقلت: لعلّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهب لهذا الرجل.

فلمّا فرغ من زيارته صلّى ركعتين، وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر (عليه السلام)، فزار مثل الزيارة وذلك السلام، وصلّى ركعتين، وأنا خائف منه، إذ لم أعرفه، ورأيته شاباً تاماً من الرجال، عليه ثياب بيض، وعمّامة محنك بها بذؤابة وردى على كتفه مسبل، فقال لي: يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟.

فقلت: وما هو يا سيدي.

فقال: تصلّي ركعتين، وتقول:

«يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ الْمَنِّ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ الْيَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، يَا مُنْتَهَى كُلِّ نَجْوَى، يَا غَايَةَ كُلِّ شَكْوَى، يَا عَوْنَ كُلِّ مُسْتَعِينٍ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، يَا رَبَّاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا سَيِّدَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مَوْلَيَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا غَايَتَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَا مُنْتَهَى رَغْبَتَاهْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَبِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (عليهم السلام) إلاّ مَا كَشَفْتَ كَرْبِي، وَنَفَّسْتَ هَمِّي، وَفَرَّجْتَ عَنِّي، وَأَصْلَحْتَ حَالِي" وتدعو بعد ذلك بما شئت

ص: 350

وتسأل حاجتك.

ثم تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مائة مرّة في سجودك: "يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اكْفِيَانِي فَإِنَّكُمَا كَافِيَايَ، وَانْصُرَانِي فَإِنَّكُمَا نَاصِرَايَ".

وتضع خدّك الأيسر على الأرض، وتقول مائة مرة: " أَدْرِكْني " وتكررها كثيراً.

وتقول: "الْغَوْثَ الغَوْثَ" حتى ينقطع نفسك، وترفع رأسك، فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله تعالى.

فلمّا شغلت بالصلاة والدعاء خرج، فلمّا فرغت خرجت لابن جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل، فرأيت الأبواب على حالها مغلقة مقفلة، فعجبت من ذلك، وقلت: لعلّه باب هاهنا ولم أعلم، فأنبهت ابن جعفر القيّم، فخرج إليّ من بيت الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها. فحدّثته بالحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه)، وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوها من الناس.

فتأسفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصحابي وأصدقائي ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطه فيها كل جميل.

فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام والتزمني وعاملني بما لم

أعهده، وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه) فإني رأيته في النوم البارحة يعني ليلة الجمعة وهو يأمرني بكل جميل ويجفو علي في ذلك جفوة خفتها، فقلت: لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك

ص: 351

وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى وبلغت منه غاية لم أظنها وذلك ببركة مولانا (صلوات الله عليه)((1)).

لقد دعونا لك

روي أنّه اجتمع علي بن الحسين بن بابويه مع أبي القاسم الحسين بن روح وسأله مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب (عليه السلام) ويسأله فيها الولد فكتب إليه: «قد دعونا الله لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيرين».

فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أُمّ ولد، وكان أبو عبد الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عليه السلام) ويفتخر بذلك ((2)).

هداية ياقوت الدهّان

نقل الشيخ علي الرشتي وقال: سافرت من مدينة كربلاء المقدّسة إلى النجف الأشرف عن طريق (طويريج)، فركبنا السفينة، وكان معنا جماعة مشغولين باللهو واللعب، بخلاف رجل منهم حيث كان يبدو عليه الوقار والهدوء، وكان لا يشاركهم إلاّ عند تناول الطعام وهم يستهزؤون به ويوجّهون إليه الكلمات اللاذعة ويطعنون في مذهبه.

فسألته عن الجماعة وسبب ابتعاده عنهم وعدم مشكرته إيّاهم، فقال: هؤلاء أقربائي وهم من العامّة وقد كنت مثلهم لأنّ والدي من العامة إلا أنّ والدتي من شيعيّة، وقد منّ الله عزّ وجلّ عليّ بالتشيّع ببركة الإمام صاحب العصر والزمان (عليه السلام).

ص: 352


1- بحار الأنوار: ج88 ص349 ب2 ح11 عن دلائل الطبري.
2- الهداية: ص207 إخبار الإمام بولادته.

فسألته عن سبب هدايته وتشيّعه؟

فقال: اسمي (ياقوت) وعملي دهّان في مدينة الحلّة، وقد خرجت في بعض السنين إلى البراري خارج الحلّة لشراء الدهن، فاشتريت كمية من الدهن ورجعت مع الجماعة، فوصلنا ليلاً إلى منزل فبتنا فيه تلك الليلة، فلمّا انتبهت من النوم رأيت أنّ الجماعة قد رحلوا جميعاً، فخرجت في أثرهم فضللت وكان الطريق قفراً والأرض ذات سباع، فبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش.

فأخذت أستغيث بالخلفاء فلم أنال منهم شيئاً، وكنت قد سمعت من والدتي أنها قالت: إنّ لنا إماماً حيّاً يكنّى (أبا صالح) يرشد الضال ويغيث الملهوف ويعين الضعيف، فعاهدت الله إن أغاثني ذلك الإمام أن أعتنق مذهب التشيّع.

فناديت بتوجه: يا أبا صالح أدركني. وإذا بي أرى رجلاً يمشي إلى جانبي وقد تعمّم بعمامة خضراء، فدلّني على الطريق، وأمرني باعتناق مذهب أمّي، وقال: ستصل إلى قرية أهلها من الشيعة. فقلت له: ألا ترافقني إلى القرية؟

فقال (عليه السلام): قد استغاث بي ألف إنسان وأريد أن أغيثهم، ثم غاب عنّي، فمشيت قليلاً وإذا بي أصل إلى القرية وكانت تبعد عن المنزل الذي كنت فيه مسافة بعيدة، وقد وصلت الجماعة بعدي إلى القرية بيوم، ودخلت الحلّة وذهبت إلى السيد مهدي القزويني وذكرت له قضيتي وتعلّمت منه معالم التشيّع.

إرشاد الزائر القطيفي

يُنقل عن الآقا ضياء العراقي (رحمه الله) أنه قال: قصد أحد شيعة القطيف زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، وفي الطريق نفذت أمواله

وبقي حائراً، لايستطيع الرجوع إلى وطنه ولا مواصلة الطريق، فتوسّل بإمام الزمان (عليه السلام) ليخلّصه

من هذه الحيرة.

ص: 353

وبينما هو كذلك إذا بسيّد نوراني جليل القدر يتعرّف عليه ويقدّم له بعض الأموال لتوصله إلى سامراء، ومن ضمن الأمور التي قالها السيد له: راجع في سامراء وكيلنا الميرزا محمد حسن الشيرازي (قدس سره) ليعطيك من أموالنا التي عنده لتزور جدّي علي بن موسى الرضا (عليه السلام).

يقول القطيفي: تساءلت من السيد قائلاً: إذا سألني السيد الشيرازي عن صفاتك ماذا أجيبه؟

فقال: قل له: العلامة هي أنك سافرت في الصيف برفقة الملا علي كني (رحمه الله) إلى حرم عمّتي زينب (عليها السلام) وكان الحرم مزدحماً بالزوار والأوساخ قد تجمعت، فخلعت عباءتك وكنست بها الحرم الشريف، وكان الشيخ علي كني يحمل الأوساخ بيده إلى خارج الحرم، وكنت آنذاك حاضراً أشاهدكما.

يقول القطيفي: لما التقيت بالميرزا الشيرازي (قدس سره) ونقلت له القصة قام إجلالاً لي واحتضنني وقبّل ما بين عينيّ وبارك لي هذا التوفيق.

وأضاف القطيفي قائلاً: كما ذهبت إلى الملا علي كني (قدس سره) ونقلت له القصة، فقام هو الآخر لي إجلالاً واحتضني وقبّل ما بين عيني إلاّ أنه كان حزيناً لأنّ الإمام (عليه السلام) لم يحيلني عليه.

* * *

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

ص: 354

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.