سرشناسه:موید،علی حیدر
عنوان و نام پديدآور:اضواء علی زیاره عاشوراء/ علی حیدر الموید
مشخصات نشر:قم: مطبعه الحیدریه، 1427ق =1385.
مشخصات ظاهری:288ص.
شابک:9645030919:30000ریال
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی
شماره کتابشناسی ملی:1028256
ص: 1
ص: 2
اضواء علی زیاره عاشوراء
علی حیدر الموید
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد للّه ربّ العالمين وصلواته على رسوله الأمين وآله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم قاطبةً إلى يوم الدين
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحیم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاخِيَرَةَ اللّهِ وابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاثَارَ اللّه ِ وَابْنَ ثَارِهِ ، وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ، عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعَا سَلاَمُ اللّه ِ أَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الاْءِسْلاَمِ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ، فَ-لَعَنَ اللّهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ ، وأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللّهُ فِيهَا ، وَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ ، بَرِءْتُ إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ،
ص: 7
وَأَوْلِيَائِهِمْ ، يَاأَبَاعَبْدِاللّهِ ؛ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَعَنَ اللّهُ آلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ، وَلَعَنَ اللّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَلَعَنَ اللّهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ شِمْرَا ، وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ ، وَأَلْجَمَتْ ، وَتَنَقَّبَتْ لِقِتَالِكَ ، بِأَبِي أَ نْتَ وَأُمِّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ ، وَأَكْرَمَنِي بِكَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهَا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الدُّنْيَا وَالاْ خِرَةِ ، يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللّهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِلَى فَاطِمَةَ ، وإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ ؛ بِمُوَالاَتِكَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ والْجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَأَبْرَءُ إِلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذلِكَ ، وَبَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَجَرَى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ ، بَرِءْتُ إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللّهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوَالاَتِكُمْ ، وَمُوَالاَةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالاَكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي
ص: 8
بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُ-بَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَ-كُمْ عِنْدَ اللّهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَارِكُمْ مَعَ إِمَامٍ هُدَىً ، ظَاهِرٍ ، نَاطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللّهَ بِحَقِّكُمْ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ ؛ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصَابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصَابَا بِمُصِيبَتِهِ ، مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَهَا وَأَعْظَمَ رَزِيَّ-تَهَا فِي الاْءِسْلاَمِ ، وَفِي جَمِيعِ السَّمَاوَاتَ وَالْأَرْضِ ، اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ ، اَللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ ، اَللّهُمَّ إِنَّ هذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ ، وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ ، اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِكَ وَلِسَانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اَللّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الاْبِدِيْنَ ، وَهذَا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيَادٍ وَآلُ مَرْوَانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ ، اَللّهُمَّ فَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، اَللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هذَا ، وَأَيَّامِ حَيَاتِي ؛ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاَةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلاَمُ .
ص: 9
ثمَّ تقول مائة مرَّة : اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَ-لَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَآخِرَ تَابِ-عٍ لَهُ عَلَى ذ لِكَ ، اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ الْسَّلام ، وَشَايَعَتْ ، وَبَايَعَتْ ، وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعَا .
ثمَّ تقُول مائة مرّة : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ، وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلاَمُ اللّهِ أَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ ، السَّلاَمُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَوْلاَدِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ .
ثمَّ تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَ نْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاًَ ، ثُمَّ الثَّانِيَ ، وَالثَّالِثَ ، وَالرَّابِ-عَ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ خَامِسَا ، وَالْعَنْ عُبَيْدَاللّهِ بْنَ زِيَادٍ وَابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَشِمْرَا ، وَآلَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَآلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ؛ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ .
ثمَّ تسجد وتقول : اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِ-هِمْ ، الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى عَظِيمِ رَزِيَّتِي ، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ ، وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحیم
يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يااَللّه ُ ، يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يا كاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبينَ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَيا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى وَبِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَيا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ خافِيَهٌ ، يا مَنْ لا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْأَصْواتُ ، وَيا مَنْ لا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ، وَيا مَنْ لا يُبْرِمُهُ اِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ، يا مُدْرِكَ كُلِّ فَوْتٍ ، وَيا جامِعَ كُلِّ شَمْلٍ ، وَيا بارِئَ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْن ، يا قاضِيَ الْحاجاتِ ، يا مُنَفِّسَ الْكُرُباتِ ، يا مُعْطِيَ السُّؤُلاتِ ، يا وَلِيَّ الرَّغَباتِ ، يا كافِيَ الْمُهِمّاتِ ، يا مَنْ يَكْفي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ ، فِي السَّمواتِ وَالْأَرْض ، اَسْألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتَِمِ النَّبِيِّينَ ، وَعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِحَقِّ فاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ ، وَبِحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، فَاِنِّي بِهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي مَقامِي هذا ،
ص: 11
وَبِهِمْ أَتَوَسَّلُ وَبِهِمْ أَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ ، وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ وَأُقْسِمُ وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالْقَدْرِ الَّذِي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمِينَ ، وَبِهِ أَبَنْتَهُمْ وَأَبَنْتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْعالَمِينَ ، حَتّى فاقَ فَضْلُهُمْ فَضْلَ الْعالَمِينَ جَمِيعاً ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمِّي وَهَمِّي وَكَرْبِي ، وَتَكْفِيَنِي الْمُهِمَّ مِنْ أُمُورِي ، وَتَقْضِيَ عَنِّي دَيْنِي ، وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَقْرِ وَتُجِيرَنِي ، مِنَ الْفاقَةِ ، وَتُغْنِيَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ اِلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَتَكْفِيَنِي هَمَّ مَنْ أَخافُ هَمَّهُ ، وَعُسْرَ مَنْ أَخافُ عُسْرَهُ ، وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ ، وَشَرَّ مَنْ أَخافُ شَرَّهُ ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ ، وَبَغْيَ مَنْ أَخافُ بَغْيَهُ ، وَجَوْرَ مَنْ أَخافُ جَوْرَهُ ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخافُ سُلْطانَهُ ، وَكَيْدَ مَنْ أَخافُ كَيْدَهُ ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخافُ مَقْدُرَتَهُ عَلَيَّ ، وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الْكَيَدَةِ ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ ، اَللّهُمَّ مَنْ أَرادَنِي فَأَرِدْهُ ، وَمَنْ كادَني فَكِدْهُ ، وَاصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمانِيَّهُ ، وَامْنَعْهُ عَنِّي كَيْفَ شِئْتَ وَأَنّى شِئْتَ ، اَللّ-هُمَّ اشْغَلْهُ عَنِّي بِفَقْرٍ لا تَجْبُرُهُ ، وَبِبَلاءٍ لا تَسْتُرُهُ ، وَبِفاقَةٍ لا تَسُدُّها ، وَبِسُقْمٍ لا تُعافِيهِ ، وَذُلٍّ لا تُعِزُّهُ ، وَبِمَسْكَنَةٍ لا تَجْبُرُها ، اَللّ-هُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَاَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي
ص: 12
بَدَنِهِ ، حَتّى تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْلٍ شاغِلٍ لا فَراغَ لَهُ ، وَأَنْسِهِ ذِكْرِي كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ ، وَخُذْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ، وَلِسانِهِ وَيَدِهِ ، وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ جَوارِحِهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذلِكَ الْسُّقْمَ ، وَلا تَشْفِهِ حَتّى تَجْعَلَ ذلِكَ لَهُ شُغْلاً شاغِلاً بِهِ عَنِّي وَعَنْ ذِكْرِي ، وَاكْفِنِي يا كافِيَ ما لا يَكْفِي سِواكَ فَإِنَّكَ الْكافِي لا كافِيَ سِواكَ ، وَمُفَرِّجٌ لا مُفَرِّجَ سِواكَ وَمُغِيثٌ لا مُغِيثَ سِواكَ ، وَجارٌ لا جارَ سِواكَ ، خابَ مَنْ كانَ جارُهُ سِواكَ ، وَمُغِيثُهُ سِواكَ ، وَمَفْزَعُهُ إِلى سِواكَ ، وَمَهْرَبُهُ إِلى سِواكَ ، وَمَلْجَأُهُ إِلى غَيْرِكَ ، وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوقٍ غَيْرِكَ ، فَأَنْتَ ثِقَتِي وَرَجائِي ، وَمَفْزَعِي وَمَهْرَبِي ، وَمَلْجَاي وَمَنْجايَ ، فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ ، وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ ، وَأَتَوَسَّلُ وَأَتَشَفَّعُ ، فَأَسْأَلُكَ يا
اَللّه ُ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكى ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ ، فَأَسْأَلُكَ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمِّي وَهَمِّي وَكَرْبِي فِي مَقامِي هذا ، كَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ ، وَكَفَيْتَهُ
هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فَاكْشِفْ عَنِّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كَما فَرَّجْتَ عَنْهُ ، وَاكْفِنِي كَما كَفَيْتَهُ ، وَاصْرِفْ عَنِّي هَوْلَ ما أَخافُ هَوْلَهُ وَمَؤُنَةَ ما أَخافُ مَؤُنَتَهُ ، وَهَمَّ ما أَخافُ هَمَّهُ بِلا مَؤُنَةٍ عَلى نَفْسِي مِنْ
ص: 13
ذلِكَ، وَاصْرِفْنِي بِقَضاءِ حَوائِجِي ، وَكِفايَةِ ما أَهَمَّنِي هَمُّهُ ، مِنْ أَمْرِ آخِرَتِي وَدُنْيايَ ، يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [ وَيا أَبا عَبْدِاللّه ِ ] ، عَلَيْكُما مِنِّي سَلامُ اللّه ِ أَبَداً ما بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما ، وَلا فَرَّقَ اللّه ُ بَيْنِي وَبَيْنَكُما ، اَللّ-هُمَّ أَحْيِنِي حَياةَ مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَأَمِتْنِي مَماتَهُمْ ، وَتَوَفَّنِي عَلى مِلَّتِهِمْ ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ ، يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيا أَبا عَبْدِاللّه ِ ، أَتَيْتُكُما زائِراً وَمُتَوَسِّلاً إِلَى اللّه ِ رَبِّي وَرَبِّكُما ، وَمُتَوَجِّهاً إِلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُما إِلَى اللّه ِ تَعالى فِي حاجَتِي هذِهِ ، فَاشْفَعا لِي ، فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللّه ِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجاهَ الْوَجيهَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسِيلَةَ إِنِّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما مُنْتَظِراً ، لِتَنَجُّزِ الْحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللّه ِ بِشَفاعَتِكُما لِي إِلَى اللّه ِ فِي ذلِكَ ، فَلا أَخِيبُ وَلا يَكُونُ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً خائِباً خاسِراً ، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً راجِحاً [راجِياً] مُفْلِحاً مُنْجِحاً ، مُسْتَجاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ حَوائِجِي ، وَتَشَفَّعا لِي إِلَى اللّه ِ ، انْقَلَبْتُ عَلى ما شاءَ اللّه ُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ ، مُفَوِّضاً أَمْرِي إِلَى اللّه ِ ، مُلْجِأً ظَهْرِي إِلَى اللّه ِ ، مُتَوَكِّلاً عَلَى اللّه ِ ، وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللّه ُ وَكَفى ، سَمِعَ اللّه ُ لِمَنْ دَعى ، لَيْسَ لِي وَراءَ اللّه ِ وَوَرائَكُمْ يا سادَتِي مُنْتَهى ، ما شاءَ رَبِّي كانَ ، وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ
ص: 14
إِلاّ بِاللّه ِ ، أَسْتَوْدِعُكُمَا اللّه َ ، وَلا جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي إِلَيْكُما ، اِنْصَرَفْتُ يا سَيِّدِي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلايَ ، وَأَنْتَ يا أَبا عَبْدِاللّه ِ يا سَيِّدِي ، وَسَلامِي عَلَيْكُما مُتَّصِلٌ مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، واصِلٌ ذلِكَ إِلَيْكُما ، غَيْرُ مَحْجُوبٍ عَنْكُما سَلامِي إِنْ شاءَ اللّه ُ ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ ، فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، إِنْقَلَبْتُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائِباً حامِداً للّه ِِ ، شاكِراً راجِياً لِلاْءِجابَةِ ، غَيْرَ آيِسٍ وَلا قانِطٍ ، آئِباً عائِداً راجِعاً إِلى زِيارَتِكُما ، غَيْرَ راغِبٍ عَنْكُما وَلا مِنْ زِيارَتِكُما ، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إِنْ شاءَ اللّه ُ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ ، يا سادَتِي رَغِبْتُ إِلَيْكُما وَإِلى زِيارَتِكُما ، بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فِيكُما وَفِي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا ، فَلا خَيَّبَنِيَ اللّه ُ ما رَجَوْتُ وَما أَمَّلْتُ فِي زِيارَتِكُما ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ .
ص: 15
لا شكّ أنّ لكلّ زيارة من زيارات الإمام الحسين عليه السلام المأثورة فضلاً لا ينكر ، ففي بعض الروايات الشريفة نجد أنّ لزيارة النصف من شعبان(1) أو النصف من رجب فضيلة خاصّة(2)، أو يوم عرفة . والذي يظهر من مجموع الروايات الواردة في زيارة الإمام الحسين عليه السلام أنّ لزيارة عاشوراء فضيلة خاصّة على غيرها من الزيارات لكثرة الخصوصيات فيها ، ومنها أنّ من يزور سيّد الشهداء عليه السلام بهذه الزيارة يحشر ملطّخا بدم الإمام الحسين
عليه السلام في زمرة الشهداء(3) وهي خاصّية لا توجد في زيارة أُخرى ، بالاضافة إلى أنّ من يزوره بهذه الزيارة يكون كمن زار اللّه في عرشه(4)، وهذه كناية عن شدّة القرب التي يصل إليه زائر الإمام الحسين ببركة هذه الزيارة ، على أنّ في زيارة عاشوراء
ص: 16
خصوصيات كثيرة لا يدرك حقيقتها إلاّ الصفوة من أولياء اللّه تعالى . وقد ضمّت زيارة عاشوراء مجموعة من الدروس العقائدية والفكرية ، بل إنّ لهذه الزيارة من الامتيازات الخاصّة التي قلّما يجدها الزائر في الزيارات الأُخرى ومنها :
إذ أنّ الظاهر من رواية صفوان بن مهران أنّ جبرائيل الأمين تلقّى هذه الزيارة عن اللّه جلّ جلاله ، وهي معنعنة بأسنادها عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله ، عن جبرائيل الأمين عن اللّه جلّ جلاله(1).
وإلى هذا المعنى يشير ثقة الإسلام النوري عليه الرحمة قائلاً : أمّا زيارة عاشوراء فكفاها فضلاً وشرفا أنّها لا تسانخ سائر الزيارات التي هي من إنشاء المعصوم وإملائه ، وإن كان لا يبرز من قلوبهم الطاهرة إلاّ ما تبلغها من الأعلى ، بل
تسانخ الأحاديث القدسية التي أوحى اللّه - جلّت عظمته - بها إلى جبرائيل بنصّها بما فيها من السلام والدعاء ، فأبلغها جبرائيل إلى خاتم النبيين صلى الله عليه و آله(2).
وهي كما دلّت عليه التجارب فريدة في آثارها من قضاء الحوائج ونيل المقاصد ، ودفع الأعادي .
ص: 17
قال الإمام الصادق عليه السلام لصفوان : « إقرأ هذه الزيارة والدعاء ، وواظب عليها ، فإنّي أضمن لقارئها عدّة أشياء منها :
- زيارة مقبولة .
- سلامه واصل غير محجوب .
- سعيه مشكور .
- يقضي اللّه حاجته ولا يرجع مأيوسا من رحمة اللّه »(1).
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « ياصفوان وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن علي بن الحسين عليهماالسلام مضمونا بهذا الضمان ، عن الحسين ، والحسين عن أخيه الحسن مضمونا بهذا الضمان ، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلاممضمونا بهذا الضمان ، وأمير المؤمنين عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضمونا بهذا الضمان ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرائيل عليه السلاممضمونا بهذا الضمان وجبرائيل عن اللّه عزّوجلّ مضمونا بهذا الضمان ، وقد آلى اللّه على نفسه عزّوجلّ أنّ من زار الحسين عليه السلام بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغا ما بلغت ، وأعطيته سؤله ثمّ لا ينقلب عنّي خائبا ، وأقلبه مسرورا قريرا عينه بقضاء حاجته والفوز بالجنّة والعتق من النار وشفّعته في كلّ من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت آلى اللّه تعالى بذلك على نفسه وأشهدنا بما شهدت به ملائكة ملكوته على ذلك .
ص: 18
ثمّ قال جبرئيل : يارسول اللّه إنّ اللّه أرسلني إليك سرورا وبشرى لك ، وسرورا وبشرى لعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة ، فدام يامحمّد سرورك وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وشيعتكم إلى يوم البعث » .
ثمّ قال لي صفوان : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : « ياصفوان إذا حدث لك حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت وادع بهذا الدعاء وسل ربّك حاجتك تأتك من اللّه واللّه غير مخلف وعده ورسوله صلى الله عليه و آله بمنّه والحمد للّه »(1).
هكذا يجب أن تكون زيارة الإمام الحسين عليه السلام التي ورد عنهم عليهم السلام أنّها تعدل زيارة اللّه في عرشه .
أنّ لزيارة عاشوراء دروسا تربوية عميقة منها :
أ - أنّ الإمام الحسين عليه السلام هو ابن رسول اللّه وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء صلوات اللّه عليهم أجمعين .
ب - أنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام هي من أعظم المصائب .
ج - وجوب التبرّء واللعن على كلّ من أسّس أساس الظلم .
وبالجملة : إنّ زيارة عاشوراء تشتمل على أُمور أُصولية تعين المرء في أن يخطو على طريق الحقّ حتّى يصل إلى الحقيقة ويثبت عندها .
ص: 19
ناهيك أنّها امتحان ومعيار لتمييز الأصل الطيّب من غيره ، وقد أُسّست هذه الزيارة للتنفّر من أعداء أهل البيت عليهم السلام من أوّلهم إلى آخرهم .
وذلك لأنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام شيّدوا أساسا لهم في محاربة زيارة عاشوراء وأهلها ، وخير شاهد على ذلك هو محاصرتهم ومحاربتهم لأمثال الشيخ الطوسي رحمه الله(1).
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « ياصفوان إذا حدث لك حاجة ، فزر بهذه الزيارة من حيث كنت وادع بهذا الدعاء وسل ربّك حاجتك تأتك من اللّه واللّه غير مخلف وعده »(2).
نعم إنّ كلّ من كانت له حاجة أو أمر مهمّ فإنّها ستقضى بقراءة زيارة عاشوراء لمدّة أربعين يوما ، والتجربة خير دليل لمن أراد أن يقف على هذه الحقيقة !
والحكايات والمكاشفات والرؤى الصادقة تخبر عن عظمة هذه الزيارة وتأثيرها في قضاء الحوائج وهي كثيرة جدّا .
ص: 20
لقد بلغت زيارة عاشوراء مبلغا عظيما عند اللّه وأهل البيت عليهم السلام وذلك لأنّ العلماء الأعلام وكبار رجال الدين اتّخذوها ذكرا ووردا لهم يتوسّلون بها إلى اللّه عندما تنزل بهم الشدائد والمشاكل .
وقد ذكر عن فضل هذه الزيارة الشريفة الكثير ، ولها كرامات لا تحصى ، أشار إليها كثير من العلماء والصالحين ، ولها آثار كثيرة في قضاء الحوائج ودفع الأعادي خاصّة إذا واظب عليها المؤمن أربعين يوما متتالية .
ومن هذا المنطلق وإشفاقا على هذه النفس الغالية والضعيفة من أن ترديها أعمالها في النار ، ورغبة لها في مرافقة السعداء والأبرار في الجنّة ، فقد عزمنا بعد
الاتّكال على اللّه أن نركب سفينة الإمام الحسين عليه السلام ولا نترك زيارته علّنا نكون معه في درجته في الجنّة بمشيئته سبحانه ، وحيث إنّ الزيارة الموجبة لدخول الجنّة لا
تتأتّى من كلّ أحد إلاّ بعد تحقّق شروطها وارتفاع موانع قبولها فقد شرعت في كتابي الذي أسميته [ أضواء على زيارة عاشوراء ] علّني أحظى بنظرة من أبي الأحرار كي ألقى الإله بها يوم الحشر قرير العين .
وقد رتّبت البحث في الكتاب على أربعة فصول :
الأوّل : تطرّقت فيه إلى المعنى العام للزيارة وآثارها ، وزيارة الأموات ، والدليل القرآني في مشروعيتها .
الثاني : خصّصته في زيارة الإمام الحسين عليه السلام والسرّ في تشريع زيارة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، وقد انتخبت أربعين حديثا في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام
ثمّ ذكرت الآثار المترتّبة على زيارته عليه السلام والآثار المترتّبة على ترك زيارته عليه السلام ،
ص: 21
خاتما هذا الفصل ببيان الآداب العامّة لزيارة الإمام الحسين عليه السلام .
الثالث : في شرح زيارة عاشوراء من حيث السند والمضمون ، وقد ذكرنا أقوال بعض العلماء الأعلام في رواة هذه الزيارة ، وعلى كلّ حال فإنّ في الزيارة الشريفة كنوزا لا تحصى في عالم معرفة الإمام المعصوم ، ينال كلّ من يتدبّر في فصولها وكلماتها معرفة جديدة حول مقام المعصوم عليه السلام عند اللّه تعالى .
الرابع : ذكر بعض النكات المهمّة في دعاء العلقمة (صفوان) الوارد استحباب الدعاء به بعد صلاة الزيارة .
وفي الختام أسأل اللّه جلّ شأنه أن يتقبّل منّي هذا القليل بقبول حسن وأن ينفع به كلّ من ألقى السمع وهو شهيد ، وأن يحشرني ووالديَّ وجميع محبّي الإمام الحسين عليه السلام تحت لواءه ، وأن يسقينا من يد جدّه وأبيه من حوض الكوثر الذي من شربه لا يظمأ أبدا إنّه سميع الدعاء قريب مجيب .
الشيخ علي حيدر المؤيّد
الكويت - 1424ه
ص: 22
كانت كربلاء حدّا فاصلاً بين الحقّ والباطل والنور والظلام ، وهي اليوم بل وعلى أبد الدهر ستكون المحكّ الذي يتجلّى به الحقّ من الباطل .
ولعلّ زيارة عاشوراء الواردة بلسان الحديث القدسي من الباري عزّوجلّ من أصرح الوثائق التي تكرّس هذا المبدأ وتحثّ الناس إليه صباحا ومساءً .
ولذا فإنّنا إذا تأمّلنا في هذه الزيارة الشريفة تتجلّى لنا الحقائق التالية :
1 - إنّ من يراجع تأريخ البشرية يلاحظ أهميّة تحديد الإنسان لمواقفه إزاء ما يجري حوله من أحداث وأُمور ، فكلّ فرد في هذه الحياة له موقف إزاء الحقّ والباطل ، فإمّا يتّبع سبيل الحقّ وينضمّ إلى أهله أو يتّبع أهل الباطل ويسير على خطى أهل الضلال .
فمنذ اليوم الذي اعتدى فيه قابيل على أخيه هابيل وقتله تعيّن على البشرية أن تحدّد موقفها إزاء هذين الخطّين ، فإمّا تقف إلى جانب هابيل المظلوم الذي قتل ظلما وعدوانا أو تتّبع هواها وتؤثر الباطل وتناصر قابيل القاتل الذي سفك أوّل دم بلا ذنب فوق هذه البسيطة .
ص: 23
وقد مثّل أبو البشر آدم عليه السلام آنذاك أهل الحقّ وحدّد موقفه إزاء قتل ولده المظلوم هابيل فحزن عليه حزنا شديدا وتألّم لقتله حتّى عدّ من البكّائين ، بينما بقي قابيل القاتل نادما على جريمته النكراء .
2 - بين الفترة والأُخرى يبعث اللّه عزّوجلّ الأنبياء والرسل لينذروا الناس ويرشدوهم إلى طريق الحقّ وسبيل الرشاد ، وعلى مرّ الزمان كان أهل الحقّ يقاسون الصعاب ويتجرّعون المشاكل ويتحدّون الضغوطات الشديدة من أهل الباطل من غير أن يتراجعوا عن موقفهم تجاه الباطل وأهله .
ففي عهد نبي اللّه نوح عليه السلام بقي أهل الباطل يهزؤون بالموحّدين ويسخرون بهم إلى أن نجّاهم اللّه تعالى من الطوفان وأغرق المشركين ، وكذا في عهد الخليل إبراهيم وأنبياء اللّه صالح وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام ، ففي عهد كلّ واحد منهم تجد أنّ أهل الباطل يكيلون للمؤمنين التُّهم ويوجّهون لهم المضايقات المختلفة علّهم يتخلّون عن أنبيائهم ويتركونهم ولكنّهم يتحدّون كلّ الصعاب ويصرّون على موقفهم تجاه الباطل ولا تأخذهم في اللّه لومة لائم .
3 - منذ اليوم الأوّل الذي صدع فيه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله بالرسالة وبلّغ ما أمره به الباري تعالى هرع أهل الباطل لإيذائه وسارعوا لمضايقته بشتّى الطرق وقد عانى منهم الكثير وتجرّع بسببهم الويلات حتّى قال مقولته المعروفة : « ما أُوذي نبي مثل ما أُوذيت »(1).
وبمرور الزمن وانتشار دعوة الحقّ وإقبال الناس على الإسلام اتّفق أهل
ص: 24
الباطل على أن يشدّدوا في مضايقة المسلمين ويبالغوا في إيذائهم فقتلوا سمية وياسرا والدي عمّار وأجبروا عمّارا على أن يسبّ النبي صلى الله عليه و آله أو يقتلونه كما قتلوا أباه فاضطرّ لسبّه لفظا وقلبه مطمئن بالإيمان .
وقد استمرّ الأمر على ذلك والمسلمون يقاسون أشدّ الظروف وأحلكها من غير أن يتراجعوا أنملة عن موقفهم إزاء الباطل وأهله حتّى دارت تلك الحروب الطاحنة وقامت تلك النزاعات الشديدة وضحّى المسلمون تلك التضحيات العظام دون أن يتخلّوا عن مبادئهم وقيمهم .
4 - إنّ من أوضح الأُمور التي تجلّت فيها مواقف المسلمين وعرف أهل الحقّ من غيرهم هو موقفهم إزاء قضية سقيفة بني ساعدة ، ففي حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان يوصي بأمير المؤمنين عليه السلام لم تكن مواقف المسلمين واضحة تجاه خلافة الإمام علي عليه السلام ولكن ريثما غمضت عينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله اتّضح موقفهم وبانت معادنهم حيث تآمروا على أهل البيت عليهم السلام في سقيفة بني ساعدة ونحّو الخلافة عن صاحبها الحقيقي .
وقد تخلّى أكثر الناس عن الحقّ آنذاك ما خلا ثلّة من المخلصين ، ففي الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام قال : «
ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة نفر سلمان وأبوذرّ والمقداد » فسأل الراوي قائلاً : فعمّار ؟ قال عليه السلام : « قد كان حاص حيصة ثمّ رجع »(1)، علما أنّ خير من وقف إزاء هذه المؤامرة على أهل البيت عليهم السلام هي الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام حيث إنّها تحدّت القوم وفضحتهم وكشفت للناس عبر
ص: 25
التأريخ عدم شرعية السقيفة وما قرّر فيها من أُمور .
وبلغ الأمر بالصدّيقة الطاهرة أنّها وقفت بكلّ صلابة أمام القوم وتحدّتهم بشجاعة حتّى عُصِرَت بين الباب والحائط وأسقطت جنينها المحسن ، ومع ذلك لم تتراجع عن موقفها وبقيت تطالب بعودة الخلافة لصاحبها الحقيقي إلى أن استشهدت وأوصت أن تدفن ليلاً مسجّلة موقفها الخالد بعدم شهادة القوم لجنازتها الطاهرة .
وبعد شهادة الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام سار أمير المؤمنين على نفس النهج حيث إنّه بقي جليس الدار ما يقارب خمس وعشرين سنة ، قاطع فيها القوم وتجنّبهم حتّى أقبل إليه الناس بعد عثمان وطالبوه بقبول الخلافة وقد وطأ الحسنان وشقّ عطفاه .
5 - لمّا تولّى أمير المؤمنين الخلافة أبى إلاّ أن يعيد الأُمور إلى ما كانت عليه في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهي أحد الأسباب التي دفعت القوم إلى معارضته والتآمر عليه فقادوا حروبا ضارية ضدّه منها حرب الجمل وصفّين والنهروان ، ومع ذلك بقي عليه السلام على موقفه وأصرّ على السير بسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله حتّى استشهد في محرابه لشدّة عدالته وصلابته في موقفه إزاء الباطل .
وكذا بالنسبة لريحانة النبي الإمام المجتبى عليه السلام فقد حاول أن يصلح حال المسلمين ويحارب معاوية السوء ولكن القوم غدروا به وتركوه وحيدا فاضطرّ للصلح الذي فضح به معاوية وكشف زيفه وغدره إلى أن استشهد مسموما من غير أن يرضخ للطاغية معاوية .
أمّا شهيد كربلاء فموقفه واضح ويكفينا أن ننظر إلى كلماته الخالدة التي توضّح مواقفه تجاه أهل الباطل ومنها :
ص: 26
أنّه لمّا دعي لمبايعة يزيد الظالم قال : « يزيد فاجر ظالم قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله » .
وقال عليه السلام لمّا خرج إلى كربلاء : « خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة »(1).
وقال أيضا : « ألا من كان منكم باذلاً فينا مهجته موطّنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل إن شاء اللّه »(2).
وقال عليه السلام : « الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار »(3).
وقال عليه السلام : « واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد »(4).
وقد صمد سيّد الشهداء صلوات اللّه عليه بوجه الظلم وبذل كلّ ما لديه لنصرة الحقّ حتّى استشهد مظلوما غريبا وسبي عياله وطافوا بهم أُسارى من بلد إلى بلد ومع ذلك لم يرضخوا للباطل بل استمرّوا في المسيرة وفضحوا يزيد الطاغية في قصره وأجبروه إلى التبرئ من جريمته النكراء والقاء اللوم على عبيداللّه بن زياد .
6 - في كلّ زمن ينبغي أن يكون للإنسان موقفا تجاه الحقّ والباطل ، فإمّا يؤثر الحقّ ويناصر أهله أو يميل إلى هواه ويتّبع الباطل ، ولا يجدي أن يتفرّج المرء
ص: 27
لما يجري حوله ويقول : الأكل مع معاوية أدسم والصلاة مع علي أكمل والوقوف على التل أسلم .
ومن الأُمور التي يتجلّى فيها موقف الإنسان تجاه الباطل وأهله هو قرائته لزيارة عاشوراء التي يعلن فيها المرء عن موقفه تجاه أُناس كثيرين ومنهم :
1 - أوّل من أسّس أساس الظلم ضدّ محمّد وآله عليهم السلام .
2 - الأُمّة التي دفعت أهل البيت عليهم السلام عن مقامهم ومراتبهم .
3 - الممهّدين لظالمي أهل البيت عليهم السلام .
4 - أشياع وأتباع ظالمي أهل البيت عليهم السلام .
5 - بنو أُميّة قاطبة .
6 - آل مروان .
7 - آل زياد .
8 - ابن مرجانة .
9 - عمر بن سعد .
10 - شمر بن ذي الجوشن .
11 - الأُمّة التي أسرجت وتهيّأت وتنقّبت لقتال سيّد الشهداء عليه السلام .
12 - أوّل ظالم ظلم محمّد وآله وآخر تابع له .
13 - الأوّل والثاني والثالث ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان .
فلمّا يقرأ الموالي هذه الزيارة الشريفة فهو يحدّد موقفه تجاه هؤلاء الظلمة ويعلن البراءة منهم ومن أفعالهم المزرية التي شوّهوا بها صفحات التأريخ ، فضلاً عن إعلان الودّ والولاء لأهل البيت عليهم السلامالواضح في عبارات هذه الزيارة الشريفة .
ص: 28
يبقى القول إنّ قراءة هذه الزيارة عبارة عن تجديد الموقف والبراءة من ظالمي أهل البيت عليهم السلام وكلّ من شايعهم وتابعهم ووالاهم أوّلهم وآخرهم والبراءة من أفعالهم السيّئة التي آذوا بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث جاروا على عترته وظلموهم وقتلوهم وشرّدوهم في البلاد كما حصل في يوم عاشوراء .
ص: 29
ص: 30
ص: 31
ص: 32
الأوّل : المعنى اللغوي والعرفي ، وهو حضور الزائر عند المزور ، فمجرّد الحضور يعتبر (زيارة) وإن لم يتكلّم بشيء ... فلو قدم شخص من الحجّ وذهبنا إلى داره يقال إنّنا زرناه . وقيل : إنّها الإتيان بقصد الإلتقاء بالمزور سواءً كان المزور حيّا أم ميّتا .
ففي مفردات الراغب الأصفهاني(1) في مادّة (زور) قال :
الزور : أعلى الصدر ، وزرت فلانا : تلقّيته بزوري ، أو قصدت زوره ، نحو وجّهته . ورجل زائر ، وقوم زور ، نحو سافر وسفر .
ص: 33
وفي لسان العرب(1) لابن منظور قال :
وقد تزاوروا : زار بعضهم بعضا ، والتزوير : كرامة الزائر وإكرام المزور للزائر أن يكرم المزور زائره ويعرف له حقّ زيارته .
وقال بعضهم : زار فلان فلانا أي مال إليه .
والمزار : موضع الزيارة .
وفي الحديث الشريف : « إنّ لزوّارك عليك حقّا » . الزور : الزائر ، وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم ، كصوم ونوم .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « تزاوروا تلاقوا وتذكّروا أمرنا وأحيوه »(2).
أي زوروا اخوانكم ويزورونكم ، ولاقوا اخوانكم ويلاقونكم ، وتذاكروا فيما بينكم أمرنا وما نحن عليه وأحيوه ولا تميتوه ، يعني تدرسونه .
وفي القاموس المحيط(3): الزائر ، والزائرون ، كالزوّار والزُّور .
زار ، كالزيارة والزور والمزار .
وقال الطريحي(4)
ص: 34
في مجمع البحرين(1): وزاره ، يزوره ، زيارة : قصده ، فهو زائر وزور وزوار . مثل : سافر وسفر وسفّار . يقال نسوة زور أيضا وزايرات .
ونحن نقرأ في الدعاء : « اللهمّ اجعلني من زوّارك » . بالواو المشدّدة ، أي من القاصدين لك الملتجئين إليك(2).
وفي الكافي الشريف(3): « من زار أخاه في جانب المصر (أي قصده)
ابتغاء وجه اللّه فهو زوره ، وحقّ على اللّه أن يكرم زوّاره » أي قاصديه .
والزيارة في العرف : قصد المزور إكراما له ، وتعظيما له ، واستيناسا به .
والمزار بالفتح يكون مصدر أو موضع الزيارة .
وعن الفاضل الدربندي(4) في (أسرار الشهادات) قال :
واعلم أنّ حقيقة الزيارة : عبارة عن حضور الزائر عند المزور ، ولم يؤخذ في حقيقتها بحسب العرف واللغة شيء زائد على ذلك ، ولم يثبت لها حقيقة شرعية ولا
ص: 35
حقيقة متشرّعة ... نعم ، إنّ جملة من الآداب والشروط الظاهرية والباطنية المعنوية قد زادت في الشرع من حيث الإعداد بها ، أو من حيث حصول الكمال والفضيلة(1).
الثاني : الزيارة في المصطلح الشرعي : لقد راج بين الناس أنّهم لمّا يخاطبوا عظيما من العظماء فإنّهم يخاطبوه حضورا ولو كانوا بعيدين عنه ، ويشهد لذلك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « من سلّم عليّ من عند قبري سمعته ، ومن سلّم عليّ من بعيد بلغته »(2)، والروايات في هذا المضمون كثيرة ، ولذا يقال في بعض زيارات النبي صلى الله عليه و آله (زيارة النبي صلى الله عليه و آله مثلاً من بعيد) .
وقد تستعمل الزيارة - مضافا إلى المعنى اللغوي - في حضور الزائر عند المزور .
ثمّ إنّ الزيارة وإن كانت مجرّد الحضور عند المزور والسلام بأي لفظ - كما في حديث يونس بن ظبيان ، عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « ... ثمّ إئت القبر يعني قبر الحسين عليه السلام وقل :
صلّى اللّه عليك ياأبا عبداللّه ... وقد تمّت زيارتك »(3)- إلاّ أنّ الألفاظ الواردة عن أهل البيت عليهم السلام لها موضوعية خاصّة ؛ لما فيها ممّا يناسب مقام المزور من الخواص فضلاً عمّا فيها من التأدّب والتعبير بما يليق بمقام المزار .
ص: 36
ولذا فإنّ الالتزام بما ورد من أهل البيت عليهم السلام في السلام في زياراتهم أو زيارة أحد أولادهم أو حتّى أصحابهم أرجح .
ويؤيّد ذلك أنّ بعض الأعلام أفتوا بذلك ومنهم خاتم المحدّثين النوري(1) في المستدرك الذي ذهب إلى استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام بالزيارة المأثورة وبنفس الآداب الواردة عنهم عليهم السلام ، ولا خصوصية للإمام الحسين عليه السلام حيث أفتى الأخير على غيره من أئمّة الهدى عليهم السلام فيتسرّى المناط إلى غيرهم .
على كل فينبغي أن تكون الزيارة خالصة لوجه اللّه تعالى لا تشوبها شائبة من رياء أو سمعة أو تفاخر أو ما أشبه ذلك ، ويتفرّع على ذلك أن يكون الدافع للزيارة الصلة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولعلي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهاالسلام وأهل البيت عليهم السلام جميعا والرحمة لهم ، والتقرّب إلى اللّه تعالى بزيارتهم لأنّهم أبواب اللّه ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أراد اللّه بدأ بهم ، ومن وحّده قبل عنهم ، ومن قصده توجّه بهم .
ففي الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام : « من زار قبر أبي عبداللّه عليه السلامبشطّ الفرات كمن زار اللّه فوق عرشه »(2).
وقد قال الصدوق(3) رحمه الله في ذلك : زيارة اللّه تعالى زيارة أنبيائه وحججه
ص: 37
صلّى اللّه عليه وآله . من زارهم فقد زار اللّه عزّوجلّ ، كما أنّ من أطاعهم فقد أطاع اللّه ، ومن عصاهم فقد عصى اللّه ، ومن تابعهم فقد تابع اللّه عزّوجلّ ، وليس ذلك
على ما تأوّله المشبّهة تعالى عن ذلك علوا كبيرا(1). وفي الدعاء : « اللهمّ اجعلني من زوّارك »(2).
بطبيعة الأمر إنّ اعتبار الآداب والشروط الظاهرية والمعنوية لا يستلزم نقلها في الشرع إلى معنى مغاير للمعنى العرفي اللغوي .
نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الحقيقة الشرعية المغايرة للمعنى العرفي اللغوي وإن لم تثبت ، إلاّ أنّ القول بثبوت الحقيقة المتشرّعة أي بمعنى اعتبار تسليم الزائر وتصليته
على المزور - ممّا هو أقرب من الحقّ . اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا الاعتبار لا يستلزم
النقل عند المتشرّعة(3).
وكيف كان ، فإنّ الحضور عند القبور الشريفة للتسليم والصلاة على أهلها بأي لفظ شاء الزائر ممّا يدخل في الزيارة المطلوبة ، فإذا كان الزائر صاحب ملكة نورانية وكانت زيارته بداعي الإخلاص والحبّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة
ص: 38
المعصومين
عليهم السلام فإنّها تعدّ من الزيارات التامّة الكاملة .
ولو أنّه زار بالألفاظ المبتدعة من نفسه ، بل حتّى لو كانت الزيارة بألفاظ غير عربية ، إلاّ أنّ الفضل الكامل والشرف التامّ للزيارة إذا كانت بالألفاظ العربية
اللائقة بمقام المزور ، سيما إذا كانت تلك الألفاظ مروية من بعض فضلاء الرواة الثقات ، أو ممّا صنعه وصنّفه بعض العلماء الأعلام .
بالطبع فإنّ الزيارات الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام هي أفضل الزيارات ، وهي كثيرة جدّا . وقد وردت عنهم بطرق صحيحة حسب اصطلاح المتأخرين ، علما أنّها منقولة بطرق متعدّدة فضلاً عن تكرّرها في الكتب المعتبرة . وكما يبدو أنّ
قول الزائر في زيارة سيّد الشهداء [ صلّى اللّه عليك ياأبا عبداللّه ] ثلاث مرّات أو مرّة واحدة ، يعدّ من الزيارات المأثورة لوقوع ذلك في بعض الأخبار ، كما سيأتي ذلك في الفصل القادم .
كما ذكرنا أنّ الزيارة في العرف هي قصد المزور إكراما وتعظيما له واستيناسا به ، وقيل : الزيارة هي الحضور عند المزور ، وقيل : إنّها التشرّف بمحضر الإمام عليه السلام مثلاً . وعلى المعنى الأوّل للزيارة فإنّها تشمل الزيارة من قريب أو بعيد وإن كان المتبادر منه - أي القصد - الزيارة من قريب .
وعلى القول بالمعنى العرفي للزيارة تكون مصاديقها ظاهرة عندهم ، أمّا إذا نسبت إلى الإمام عليه السلام - حيّا أو ميّتا - فيكون لها شرائط خاصّة زائدة على معناها اللغوي والعرفي .
ص: 39
وحيث بلغ بنا المقام إلى هنا لا بأس أن نتطرّق إلى الأدلّة التي تدلّ على مرغوبية الزيارة مطلقا سواءً كانت بين المؤمنين أم زيارة أهل البيت عليهم السلام .
أمّا الأوّل : فنقول : إنّ زيارة المؤمنين بعضهم لبعض فضلاً عمّا فيها من الثواب الجزيل فهي تحتوي على فوائد عظيمة منها زيادة التعاطف بينهم وإحياء أمر الدين والإطّلاع على حوائجهم وقضائها وتأليف القلوب وما أشبه ذلك . ولذا أكّدت الأحاديث الشريفة على زيارة المؤمنين ، ومن ذلك : ما عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من زار أخاه للّه لا لغيره التماس موعد اللّه وتنجّز ما عند اللّه ، وكّل اللّه به سبعين ألف ملك ينادونه : ألا طبت وطابت لك الجنّة »(1).
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من زار أخاه في اللّه ، قال اللّه عزّوجلّ : إيّاي زرت وثوابك عليَّ ولست أرضى لك ثوابا دون الجنّة »(2).
حيث دلّ هذان الخبران ، على أهمية زيارة المؤمنين لما فيها من الآثار ، فضلاً عن دلالتهما على شرائط الزيارة من حيث النية وغيرها .
وعن أبي عبداللّه عليه السلام : « ما التقى مؤمنان قطّ إلاّ كان أفضلهما أشدّهما حبّا لأخيه »(3).
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « إنّ المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلاّ وجه اللّه ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا . قيل لهما : مغفورا لكما ، فاستأنفا فإذا أقبلا على المسائلة ، قالت الملائكة بعضها
ص: 40
لبعض : تنحّو عنهما فإنّ لهما سرّا وقد ستر اللّه عليهما » .
قال إسحاق : فقلت : جعلت فداك ، فلا يكتب عليهما لفظهما ، وقد قال اللّه عزّوجلّ : «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(1) قال : فتنفّس أبو عبداللّه
عليه السلام الصعداء ثمّ بكى حتّى اخضلّت دموعه لحيته وقال : « ياإسحاق إنّ اللّه تبارك وتعالى إنّما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا إجلالاً لهما وأنّه وإن
كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما فإنّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى »(2).
أقول : يظهر من الخبر شدّة لطف اللّه تعالى للمؤمنين في حال المعانقة وإجلاله تعالى لهما ، فضلاً عن بكائه عليه السلام ، عند اطّلاعه على آثار اللطف الإلهي وبذلك يعلم أنّ السبب الأساسي لهذه الألطاف الخاصّة من اللّه تعالى هو المعانقة مع
المؤمنين بالشرائط المذكورة في الرواية ، وكفى به فضلاً وفوزا وسرورا ، علما أنّ هناك أحاديث أُخر دلّت على استحباب زيارة المؤمن الميت أعرضنا عنها للإختصار .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « من لم يقدر على صلتنا ، فليصل صالحي موالينا ، ومن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا ، يكتب له ثواب
ص: 41
زيارتنا »(1).
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : « من أتى قبر أخيه المؤمن ثم وضع يده على القبر وقرأ إنّا أنزلناه سبع مرّات أمن يوم الفزع الأكبر »(2).
وقال المحدّث القمي(3) قدس سره في سفينة البحار(4) مادّة (زور) ما لفظه : وكذا يستحبّ زيارة كلّ من يعلم فضله وعلو شأنه ومرقده ورمسه من أفاضل صحابة النبي صلى الله عليه و آله كسلمان وأبي ذرّ الغفاري والمقداد وعمّار وحذيفة وجابر الأنصاري ، وكذا أفاضل أصحاب كلّ من الأئمّة عليهم السلام المعلوم حالهم من كتب رجال الشيعة كميثم التمّار(5)، ورشيد الهجري(6)،
ص: 42
وأبي بصير(1)، والفضيل بن يسار(2) وأمثالهم مع العلم بموضع قبرهم .
وكذا المشاهير من محدّثي الشيعة وعلمائهم الحافظين لآثار الأئمّة الطاهرين وعلومهم كالمفيد والشيخ الطوسي(3) والسيّدين الجليلين المرتضى والرضي(4)
ص: 44
والعلاّمة الحلّي(1) وغيرهم (رضوان اللّه تعالى عليهم) .
أقول : بغضّ النظر عن كلام المحدّث القمي فإنّ إطلاق قول الإمام الصادق عليه السلام في قوله : « فليزر صالحي موالينا » يدلّ على إستحباب زيارة الصالحين .
وأمّا الأمر الثاني : وهو في فضل زيارة النبي والأئمّة عليهم السلام حيّا وميتا ، ففي الخبر عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال للإمام علي عليه السلام : « ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أُمّه ، فابشر وبشّر أوليائك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تعيّر الزانية بزنائها ، أُولئك شرار أُمّتي لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي »(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا
ص: 45
بها ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم »(1).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال له : « ابدؤوا بمكّة واختموا بنا »(2).
نسأل اللّه تعالى أن يرزقنا بلطفه وكرمه زيارة مولانا الحجّة روحي له الفداء وصلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين بمحمّد وآله المعصومين .
للزيارة فوائد كثيرة خاصّة إذا كان المزور يمتاز بامتياز أو امتيازات كالإيمان والتقوى والعلم ونحوها .
ولذلك وردت روايات كثيرة في زيارة المؤمنين والأقارب والعلماء والصلحاء .
- زيارة الصلحاء :
1) عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، قال : « من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا »(3).
- زيارة المؤمن :
2) عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : « ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض »(4).
ص: 46
3) وعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « لزيارة المؤمن في اللّه خير من عتق عشر رقاب مؤمنات »(1).
4) قال الإمام الصادق عليه السلام : « من زار أخاه في اللّه في مرض أو صحّة لا يأتيه خداعا ولا استبدادا وكّل اللّه به سبعين ألف ملك ينادون في قفاه : أن طبت وطابت لك الجنّة ، فأنتم زوّار اللّه وأنتم وفد الرحمن حتّى يأتي منزله »(2).
5) عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام قالا : « أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقّه كتب اللّه له بكلّ خطوة حسنة ومحيت عنه سيّئة ورفعت له درجة ... وإن كان المزور يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور كان له مثل أجره »(3).
الجدير ذكره أنّ للمؤمن أوقاتا خاصّة يزور اللّه عزّوجلّ فيها منها أوقات الصلاة ، ففي الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير (قد قامت الصلاة) . قال : « أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى والوصول إلى اللّه عزّوجلّ »(4).
ص: 47
لا يخفى أنّ للزيارة آثارا كبيرة على نفسية الإنسان ، فإنّ ذكر العظيم يجسّد في نفس الإنسان معاني للعظمة ، لا يجدها من لا يذكرون العظماء في حياتهم بل ولا يعدّونها من ضروريات الحياة ، ومن هنا كان النبي الأعظم صلى الله عليه و آله يذكر كلّ يوم مرّات عديدة ومنها:
1 - في الأذان : مرّتين .
2 - في الإقامة : مرّتين .
3 - في التشهّد : مرّة .
مضافا إلى الصلاة عليه في الركوع والسجود ، ولو حسبنا الواجب والمستحبّ لكان عددا ضخما ، وبهذا العمل يبقى النبي صلى الله عليه و آلهماثلاً أمام أعيننا دائما وأبدا .. وتظلّ القيم والمبادئ التي جسّدها هذا الرسول العظيم صلى الله عليه و آله حيّة نعايشها لحظة بعد أُخرى .
وبالمقابل ومع الأسف الشديد فإنّ من الأنبياء البالغ عددهم [ 124000 ]
أو [ 300000 ] نبي ، من قد نسي ذكرهم بالمرّة ولم يعد لهم حضور إلاّ بالمقدار الذي ذكره القرآن الكريم والكتب الروائية والتأريخية .
ولذا فإنّ من المهم ذكر النبي صلى الله عليه و آله والأئمّة الأطهار عليهم السلام خاصّة سيّد الشهداء - عبر الزيارة وغيرها - حتّى يظلّ ذكرهم حيّا .. وتبقى القيم التي جسّدوها موجودة في المجتمع .
ص: 48
إنّ من يزور النبي الأكرم صلى الله عليه و آله والأوصياء من أهل بيته عليهم السلامويجلس عند مشاهدهم الطاهرة ، ويعدّد تلك المكرمات التي تحلّوا بها خاصّة إذا كان حاضر القلب ، عارفا بحقّهم ، ملتفتا إلى ما يعدّده من سجاياهم وتضحياتهم ، فبالتأكيد أنّه
لا يعود صفر اليدين ليس فقط من الثواب الذي أعدّه اللّه له ، بل ممّا تعلمه وانطبعت
عليه نفسه من تلك التضحيات والمكرمات التي تميّزت بها حياتهم ، فيتعمّق حبّهم وودّهم في قلبه وهو ما أمر به القرآن الكريم بقوله : «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1). بل إنّ زيارة أهل البيت عليهم السلام هي ضرب من تعظيم شعائر اللّه التي قال عنها القرآن الكريم : «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّه ِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»(2). بالطبع إنّنا لا نحتاج إلى كثير قول لاثبات أنّ الأصفياء والأئمّة من أهل البيت عليهم السلام من شعائر اللّه ، فإذا كان الصفا والمروة من شعائر اللّه كما يقول القرآن : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ»(3). وإذا كانت البدن التي تنحر في منى قربة إلى اللّه تعالى من شعائر اللّه كما يقول القرآن أيضا : «الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ»(4) فكيف بمن جاهدوا في سبيل اللّه حقّ الجهاد حتّى أتاهم اليقين ؟ وكيف بمن سفكت دماؤهم ذودا عن الدين وأهله كالحسين بن علي عليهماالسلام وأهل بيته وأصحابه في أرض كربلاء ؟ فهل هناك قربان في الدنيا كلّها يعادل قربان آل محمّد صلى الله عليه و آلهالذيقضى من أجل الدين. ولذا أكّدت الروايات على زيارة أهل البيت عليهم السلام
ص: 49
ومنها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : قال الحسن بن علي عليهماالسلاملرسول
اللّه صلى الله عليه و آله : ياأبتاه ما جزاء من زارك ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « يابني من زارني حيّا
أو ميّتا أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان عليَّ أن أزوره يوم القيامة فأُخلّصه من ذنوبه»(1). وقال صلى الله عليه و آله:«من زارنيحيّا أو ميّتاكنت له شفيعا يوم القيامة»(2).
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « من زارني غُفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا »(3). وعن أبي الحسن العسكري عليه السلام ، قال : « من زار جعفرا وأباه عليهماالسلام لم يشك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى »(4).
- الزيارة عمارة القلب :
عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « تزاوروا ، فإنّ في زيارتكم إحياءً لقلوبكم وذكرا لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ، ظللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم »(5).
- الزيارة عنوان المحبّة والمودّة :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الزيارة تنبت المودّة »(6). وقال صلى الله عليه و آله : « زر غبا تزدد حبّا »(7).
ص: 50
كان المسلمون متّفقين على مشروعية الزيارة سواءً كان ذلك للأحياء أم للأموات إلى أن ظهر الوهّابيون ومنعوا زيارة الأموات واحتجّوا على ذلك برواية البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال :
« لا تشدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا » (أي مسجد الرسول صلى الله عليه و آله)(1).
ومع الاغماض عن الخدشة في السند ، فقد طعن المحقّقون من علماء الحديث في الخبر وضعّفوه ، وقالوا :
إنّ الحصر في الحديث إضافي لا حقيقي ، أي لا تشدّ الرحال إلى مسجد من المساجد ، إلاّ إلى هذه الثلاثة ؛ لأنّ هذا الاستثناء مفرّق قد حذف فيه المستثنى منه ، علما أنّه يمكن تقدير المسجد في الخبر فيتمّ المعنى .
من جانب آخر فإنّ من المتعيّن بين المسلمين جواز السفر وشدّ الرحال للتجارة ، وطلب العلم ، والجهاد ، والتداوي ، وزيارة العلماء الصلحاء ، والنزهة والقضاء وغيرها ممّا لا يحصى .
ولو قيل : إنّها خصّصت بالدليل للزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن ،
ص: 51
مضافا إلى أنّه لا يستفاد من الخبر حرمة السفر حتّى بالنسبة إلى سائر المساجد أيضا بل هي ظاهرة في أفضلية المساجد المذكورة على ما عداها .
والدليل على ذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله والصحابة كانوا يذهبون كلّ سبت إلى مسجد قباء الذي يبعد عن المدينة ثلاثة أميال ، ركبانا ومشاةً لقصد الصلاة كما جاء في بعض المصنّفات(1).
ناهيك أنّ الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام - كما في الخبر - كانت تزور قبر عمّها حمزة بين اليومين والثلاثة ، وكلّ جمعة(2).
ممّا يدلّ على جواز السفر للزيارة ، لعدم تحقّق الفرق بين السفر الطويل والقصير وبين أُحد والمدينة .
أضف إلى ذلك أنّ القرآن الكريم حثّ على السفر لطلب العلم والجهاد في سبيل اللّه وطلب الرزق وصلة الرحم وزيارة الوالدين وغير ذلك بما لا يحصى كثرة ، فممّا ورد في السفر لتحصيل العلم قوله سبحانه وتعالى : «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(3).
وقال صلى الله عليه و آله : « من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا من طرق
ص: 52
الجنّة »(1). وعلى هذا فقس .
أمّا السيرة فيكفينا ما رواه ابن عدي في الكامل مسندا عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني »(2).
والزيارة بعد الحجّ لا تكون إلاّ بشدّ الرحال .
وهذا ما ذهب إليه أبو حامد الغزالي(3) في كتاب آداب السفر من كتابه الموسوم ب- (إحياء علوم الدين) حيث قال ما نصّه : القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لجهاد أو حجّ ... إلى أن قال : ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء
وقبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكلّ من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرّك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدّ الرحال لهذا الفرض ، ولا يمنع هذا من قوله صلى الله عليه و آله : « ولا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد
ص: 53
الحرام ، والمسجد الأقصى » لأنّ ذلك في المساجد فإنّها متماثلة - أي في الفضيلة - بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتا عظيما بحسب اختلاف درجاتهم عند اللّه عزّوجلّ(1).
وبالجملة على فرض صحّة الحديث فلا دلالة فيه على حرمة أو كراهة شدّ الرحال إلى زيارة قبور الأولياء والصالحين ، بل إنّ إجماع الأُمّة وسيرتهم من عهد الرسول صلى الله عليه و آله إلى يوم عصرنا هذا على اعتبار زيارة قبور الأولياء والصالحين .
لقد ضمّ التاريخ الإسلامي بين صفحاته العديد من الشواهد على جواز الزيارة ومن ذلك أنّ بلال بن رباح ، مؤذّن النبي صلى الله عليه و آله قال : لمّا رحل عمر بن الخطّاب من فتح بيت المقدس فصار إلى جابيه أن يقرّه بالشام ففعل ، ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه النبي صلى الله عليه و آله وهو يقول : « ما هذه الجفوة يابلال ، أما آن لك أن تزورني يابلال !! » فانتبه حزينا وجلاً خائفا ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى
قبر النبي صلى الله عليه و آله فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين عليهماالسلام
يضمّهما ويقبّلهما ، فقالا له : « يابلال نشتهي أن نسمع آذانك » ، فلمّا قال : اللّه أكبر ، ارتجّت المدينة ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، ازدادت رجّتها ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، خرجت العواتق من خدورهنّ وقالوا : بُعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 54
فما رؤى بالمدينة أكثر باكية منه من ذلك اليوم(1).
وقال الحافظ عبدالغني وغيره : لم يؤذّن بلال بعد النبي صلى الله عليه و آله إلاّ مرّة واحدة في قدومه إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه و آله(2).
وفي فتوح الشام : أتى عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح بإسلامه ، قال له : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي صلى الله عليه و آله وتتمتّع بزيارته ، فقال : نعم(3).
دلّت بعض الآيات على جواز الزيارة سواءً كانت للأحياء أم للأموات ومنها قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّه َ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ
لَوَجَدُوا اللّه َ تَوَّابا رَحِيما»(4).
فقد قال السبكي فيما حكاه عن السمهودي(5) في (وفاء الوفا)(6): العلماء
ص: 55
فهموا في الآية العموم لحالتي الموت والحياة واستحبّوا لمن أتى القبر أن يتلوها ، لما دلّ على حياته البرزخية وسماعه تسليم من يسلّم عليه وعرض الأعمال عليه .
وروي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : « من سلّم عليَّ من عند قبري سمعته ، ومن سلّم عليَّ من بعيد بلغته »(1). وبمضمونه روايات كثيرة .
وعن الحسين بن علي عليهماالسلام أنّه قال للنبي صلى الله عليه و آله : « ياأبتاه ما جزاء من زارك ؟ » فقال صلى الله عليه و آله : « يابني من زارني حيّا أو ميّتا أو زار أباك أو زار أخاك كان حقّا عليَّ أن أزوره يوم القيامة ، فأُخلّصه من ذنوبه »(2).
إذن وكما يستفاد من الأخبار أنّ الحكمة من مشروعية زيارة القبور ، أنّ الإنسان خلق للآخرة لا للدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، والعاقل من أكثر من ذكر الموت وما يفضي بعد الموت ، بل إنّ أكيس الناس أكثرهم ذكرا للموت ، وأشدّهم استعدادا إليه ، أُولئك الأكياس ذهبوا بخير الدنيا وشرف الآخرة ، والإنسان في زحمة الدنيا ومشاغلها وهمومها يحتاج إلى أن يفكّر في نفسه ، في مأكله ومشربه ومستقبله .
ولكن عندما يفقد حبيبا أو عزيزا يتذكّر الموت ، وعندما يزور المقابر ويتقلّب على قبور الراحلين من أقرانه وأحبّائه ومن استأنس معهم ، عندئذ ينشغل عن لهوه وشهواته ويتفكّر في مصيره ، ويقرّر العودة إلى ربّه ، ويندم على ما قدّمت يداه . فتكون زيارته للقبور إيقاظا وتذكرة وتهذيبا له ، وهذا ما دلّت عليه
ص: 56
العشرات من النصوص الواردة في شأن زيارة القبور .
ورد في السنّة النبوية الشريفة كثير من النصوص الصحيحة المتّفق عليها والتي يستفاد منها جواز زيارة الأموات . وإليك جملة منها :
1 - عن النبي صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ، فإنّها ترقّ القلب ، وتدمع العين ، وتُذكّر الآخرة ، ولا تقولوا هجرا »(1).
وعن عبيداللّه بن مسعود مرفوعا عنه صلى الله عليه و آله ، قال : « ألا فزوروا القبور فإنّها تزهد في الدنيا وتذكّر الآخرة »(2).
وعن أبي هريرة مرفوعا عنه صلى الله عليه و آله : « فزوروا القبور فإنّها تذكّر الموت »(3).
ولنعم ما قال الشاعر في الاتّعاظ بزيارة القبور حيث قال :
قف بالقبور وقل على ساحاتها
من منكم المغمور في ظلماتها
ومَنْ المكرم منكم في قعرها
قد ذاق برد الأُنس من روعاتها
ص: 57
أمّا السكون لذي العيون فواحد
لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسنٍ
تعفّ الحقائق بعد في حاناتها
أمّا المطيع فنازل في روضة
يفضي إلى ماشاء في حوراتها
والمجرم الطاغي بها يتقلّب
في حفرة يأوي إلى حيّاتها
وعقارب تسعى إليه فروحه
في شدّة التعذيب من لدغاتها(1)
2 - جاء في صحيح مسلم ، وسنن ابن ماجة ، عن أبي هريرة ، قال : أنّ النبي صلى الله عليه و آله زار قبر أبيه فبكى وأبكى(2).
وزاد الترمذي : فقد أذن اللّه لنبيّه صلى الله عليه و آله في زيارة قبر أُمّه(3).
3 - جاء في سيرة الرسول صلى الله عليه و آله أنّه كان يخرج إلى البقيع ويزور القبور قائما ويدعو عندها ، وكان صلى الله عليه و آله يقول : « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون أسأل اللّه لي ولكم العافية »(4).
وما رواه ابن أبي شيبة : أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يأتي قبور الشهداء بأُحد ويقول : «
السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار »(5).
ونقل مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه أنّ النبي صلى الله عليه و آله زار البقيع مع عائشة وعلّمها كيفية الزيارة ، وإليك نصّ الحديث :
ص: 58
قالت عائشة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : « أمرني ربّي أن آتي البقيع فاستغفر لهم » ، قلت : كيف أقول يارسول اللّه ؟ قال : « قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم اللّه المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون »(1).
4 - كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كذلك يأتي إلى قبور الكوفة زائرا فيقول : « السلام عليكم ياأهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات اللهمّ اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم » . ثمّ يقول : « الحمد للّه الذي جعل لنا الأرض كفاتا أحياءً وأمواتا ، والحمد للّه الذي منها خلقنا ، وإليها معادنا ، وعليها محشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن اللّه عزّوجلّ »(2).
كما وقف عليه السلام على قبر خباب ، فقال : « رحم اللّه خبابا لقد أسلم راغبا وجاهد طائعا وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالاً ولن يضيّع اللّه أجر من أحسن عملاً »(3).
وعلى هذا كانت سيرة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام .
5 - جاء في كتاب (وفاء الوفا) للسمهودي بسنده عن ابن عباس ، أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : « لو أحد يمرّ بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا ، فسلّم عليه إلاّ
ص: 59
عرفه وردّ عليه السلام »(1).
وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية(2) ج44 ص331 ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه و آله.
6 - ذكر السمهودي في وفاء الوفا : أنّ زيارة قبور الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء وسائر المؤمنين لبركة(3).
وقد قال الغزالي : كلّ من تبرّك بمشاهدته يتبرّك بزيارته بعد موته ويجوز شدّ الرحال لهذا الفرض(4).
وقال الفيروزآبادي(5) صاحب القاموس في (سفر السعادة) :
ومن العادات النبوية زيارة القبور والدعاء والاستغفار ، ومثل هذه الزيارة مستحبّ .
وقال : إذا رأيتم المقابر فقولوا : السلام عليكم أهل الديار (إلى آخر ما ذكر) .
ص: 60
ثمّ قال : وكان يقرأ وقت الزيارة من نوع الدعاء الذي كان يقرؤه في صلاة الميّت(1).
7 - هناك كثير من الأحاديث الواردة في مشروعية الزيارة خاصّة زيارة النبي صلى الله عليه و آله وعترته عليهم السلام ، أورد السمهودي بعضها في كتابه (وفاء الوفا)(2) ومنها :
- عن النبي صلى الله عليه و آله : « من زار قبري وجبت له شفاعتي » .
- وعن النبي صلى الله عليه و آله : « من زار قبري حلّت له شفاعتي »(3).
- وقال صلى الله عليه و آله : « من جاءني زائرا لا تحمله حاجةً إلاّ زيارتي كان حقّا عليَّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة »(4).
- وعنه صلى الله عليه و آله : « من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي »(5).
- وقال صلى الله عليه و آله : « من زارني بالمدينة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة »(6).
ص: 61
ص: 62
ص: 63
ص: 64
إنّ النفوس القدسيّة [ خاصّة نفوس المعصومين عليهم السلام ] حتّى بعد شهادتهم تكون أُمور هذا العالم ظاهرة منكشفة عندهم ، بل إنّ المعصومين عليهم السلام لهم القوّة والتمكّن على التأثير والتصرّف في هذا العالم ، لأنّهم أحياء عند ربّهم يُرزقون فيما
آتاهم اللّه من فضله ، وكلّ من يحضر مراقدهم لزيارتهم يطّلعون عليه ويفاض عليه من رشحات أنوارهم ويشفعون إلى اللّه في قضاء حوائجه ونجاح مقاصده وغفران ذنوبه .
ففي الخبر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ اللّه جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وإنّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم وتحتمل المذلّة والأذى ، فيعمّرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّبا منهم إلى اللّه ومودّة منهم لرسوله، أُولئك ياعلي المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي ، وهم زوّاري غدا في الجنّة ، ياعلي من عمّرقبوركم وتعاهدهافكأنّماأعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس»(1).
ص: 65
كما أنّ في الزيارة صلة أهل البيت عليهم السلام وبرّهم وإدخال السرور عليهم وتجديد عهد ولايتهم وإحياء أمرهم وإعلاء كلمتهم وغيرها .
فقد ذكر السيّد المرتضى(1) نقلاً عن شيخه المفيد(2) قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام الحسن عليه السلام : « من زارك بعد موتك أو زار أباك أو زار أخاك فله الجنّة »(3). وفي حديث آخر أنّه صلى الله عليه و آله قال له : « تزورك طائفة يريدون بيَّ برّي وصلتي ، فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف ، فأخذت
ص: 66
بأعضادها ، فأنجيتها من أهواله وشدائده »(1).
وعلى الرغم أنّ الروايات تشير إلى فضل وثواب زيارة الأئمّة المعصومين عليهم السلام قاطبة إلاّ أنّ كثيرا من النصوص المعتبرة تشير إلى الثواب العظيم لزيارة الإمام الحسين عليه السلام فهي كما في بعض الأخبار تعدل حجّة مقبولة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي بعضها أنّها تعدل ثلاثين حجّة ، وبعضها تعدل مائة حجّة ، وبعضها تعدل ألف حجّة ، ومن ذلك ما روي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه أخبره عن قتل الإمام الحسين عليه السلام - إلى أن قال صلى الله عليه و آله - : « من زاره عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجّة وألف عمرة ، ألا ومن زاره فقد زارني ، ومن زارني فكأنّما زار اللّه ، وحقّ على اللّه أن لا يعذّبه بالنار »(2).
وفي رواية بشير الدهّان : « إنّ الرجل منكم ليغتسل على شاطئالفرات ثمّ
يأتي قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه فيعطيه اللّه بكلّ قدم يرفعها ويضعها مائة حجّة مقبولة ومائة عمرة مبرورة »(3).
وقال
صلى الله عليه و آله : « من زاره كتب اللّه له تسعين حجّة من حججي »(4).
بالطبع إنّ هذا الاختلاف محمول على اختلاف مراتب الزائرين بحسب قوّة إيمانهم ، ودرجات معرفتهم باللّه وبحقّ النبي وأهل بيته صلّى اللّه عليهم ، وبحقّ
ص: 67
الحسين عليه السلام خاصّة ، ومقدار اليقين بفضيلته وخصائصه التي من جملتها خصوصية قوله صلى الله عليه و آله : « وأنا من حسين »(1). ومع تحقّق كلّ هذه الأُمور تكون زيارته عليه السلام تعادل حجّ النبي صلى الله عليه و آله ، وحري بالشيعة طيلة السنة خاصّة في شهري محرّم وصفر أن لا يغفلوا عن زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ؛ فإنّ في زيارته دروسا وتعاليم راقية في التوحيد والنبوّة والمعاد والأخلاق والإخلاص والتولّي والتبرّي والصلاة والزكاة وغيرها من الأُصول والفروع .
بل ينبغي للزائر أن يلتفت في زيارته أنّ سرّ محبوبية الإمام الحسين عليه السلام عند اللّه وعند الخلق هو أنّه عليه السلام كان مطيعا للّه والرسول في جميع ما أتيا به ولذا نقول في زيارته عليه السلام : « أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت اللّه ورسوله حتّى أتاك اليقين ... » الخ(2).
وعلى الزائر أيضا أن يتوجّه في الزيارة أنّ علّة نهضة الإمام الحسين عليه السلام وقتاله استنقاذ المسلمين من الجهل والضلالة والظلمة حيث يقول الزائر في زيارته عليه السلام: « وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة »(3).
خلاصة القول هناك سرّ في هذه الزيارة لا يمكن لكلّ أحد اكتشافه أو الوصول إليه ، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام سرّ من أسرار اللّه ، وزيارته الجامعة للشرائط كذلك فهي سرّ من أسرار اللّه .
ص: 68
بما أنّ الروايات الواردة في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام كثيرة لا تكاد تحصى ، فقد قرّرت بعونه تعالى اختيار أربعين حديثا من الأحاديث الواردة في الكتب المعتبرة تأسّيا بقول الإمام الصادق عليه السلام« من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثا بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما »(1)، أمّا الأحاديث فهي :
1 - عن هارون بن خارجة قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : « وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زاره عارفا بحقّه شيّعوه حتّى يبلّغوه مأمنه ، وإن مرض عادوه غدوة وعشية ، وإن مات شهدوا جنازته واستغفروا له يوم القيامة »(2).
2 - عن الحسين بن محمّد ... عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال : سمعته يقول : «
من أتى الحسين عليه السلام عارفا بحقّه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر »(3).
3 - عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام فإنّ اتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه »(4).
ص: 69
4 - عن الريّان بن شبيب ، عن الرضا عليه السلام قال في حديث له : « يابن شبيب إن سرّك أن تلقى اللّه ولا ذنب عليك فزر الحسين عليه السلام »(1).
5 - عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « ما بين قبر الحسين عليه السلامإلى السماء مختلف الملائكة »(2). وقال : « من زار قبر الحسين عليه السلام جعل ذنوبه جسرا على باب داره ثمّ عبره كما يخلف أحدكم الجسر وراءه إذا عبر »(3).
6 - عن عبداللّه بن هلال ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك ما أدنى لزوّار الحسين عليه السلام ؟ فقال لي : « ياعبداللّه إنّ أدنى ما يكون له أن يحفظ في نفسه وماله حتّى يردّه إلى أهله ، فإذا كان يوم القيامة كان اللّه الحافظ له »(4).
7 - عن الرضا عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام قال : « سئل جعفر بن محمّد عليه السلام عن زيارة قبر الحسين عليه السلام ، فقال : أخبرني أبي عليه السلام أنّ من زار قبر الحسين بن علي عليهماالسلام عارفا بحقّه كتبه اللّه في علّيين ، ثمّ قال : إنّ حول قبره سبعين ألف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة »(5).
8 - عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبداللّه جعفر بن محمّد عليه السلام يقول : «
إنّ
ص: 70
الحسين بن علي عليهماالسلام عند ربّه ينظر إلى موضع معسكره ، ومن حوله من الشهداء معه ، وينظر إلى زوّاره وهو أعرف بحالهم ، وبأسمائهم وأسماء آبائهم ، ودرجاتهم ، ومنزلتهم عند اللّه عزّوجلّ من أحدكم بولده ، وإنّه ليرى من يبكيه ، فيستغفر له ويسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإنّ زائره لينقلب وما عليه من ذنب »(1).
9 - عن عبداللّه الطحّان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « ما من أحد
يوم القيامة إلاّ وهو يتمنّى أنّه زار الحسين بن علي عليهماالسلاملما يرى ما يصنع
بزوار الحسين بن علي من كرامتهم على اللّه »(2).
10 - عن صالح بن ميثم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من سرّه أن يكون على موائد نور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين بن علي عليهماالسلام »(3).
11 - عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلاميقول : « إنّ لزوّار الحسين بن علي عليهماالسلام يوم القيامة فضلاً على الناس » ، قلت : وما فضلهم ؟ قال : «
يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاما وسائر الناس في الحساب »(4).
ص: 71
12 - عن عبدالرحمن بن كثير قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : « لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن علي عليهماالسلام لكان تاركا حقّا من حقوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأنّ حقّ الحسين عليه السلام فريضة من اللّه تعالى واجبة على كلّ مسلم »(1).
13 - عن عنبسة بن مصعب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من لم يأت قبر الحسين عليه السلام حتّى يموت كان منتقص الدين ، إن أُدخل الجنّة كان دون المؤمنين فيها »(2).
14 - عن أبان ، عن عبدالملك الخثعمي ، عن أبي عبداللّه عليه السلامقال : « لا تدع زيارة الحسين بن علي عليهماالسلام ومر أصحابك بذلك يمدّ اللّه في عمرك ، ويزيد في رزقك ، ويحييك اللّه سعيدا ، ولا تموت إلاّ شهيدا ، ويكتبك سعيدا »(3).
15 - عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث طويل ، أنّه أتاه رجل فقال : هل يزار والدك - يعني الحسين عليه السلام ؟ قال : « نعم » ، قال : فما لمن زاره ؟ قال : « الجنّة إن كان يأتمّ به » ، قال : فما لمن تركه رغبة عنه ؟ قال : « الحسرة يوم الحسرة »(4).
16 - عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر الحسين بن علي عليهماالسلام في النصف من شعبان ، فإنّ أرواح النبيين تستأذن اللّه في زيارته فيؤذن لهم »(5).
ص: 72
17 - عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام فإنّ اتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من اللّه عزّوجلّ »(1).
18 - عن بشير الدهّان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثمّ لم يزل يقدّس بكلّ خطوة حتّى يأتيه ، فإذا أتاه ناجاه اللّه فقال : عبدي سلني أعطك ، أدعني أجبك »(2).
19 - عن سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : « عجبا لأقوام يزعمون أنّهم شيعة لنا ويقولون : إنّ أحدهم يمرّ به دهره لا يأتي قبر الحسين عليه السلام جفاء منه وتهاونا وعجزا وكسلاً ! أما واللّه لو يعلم ما فيه من الفضل ما تهاون ولا كسل ! » قلت : وما فيه من الفضل ؟ قال : « فضل وخير كثير ، أمّا أوّل ما يصيبه أن يغفر له ما مضى من ذنوبه ، ويقال له استأنف العمل »(3).
20 - عن جابر المكفوف ، عن أبي الصامت قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وهو يقول : « من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب اللّه له بكلّ خطوة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيّئة ، ورفع له ألف درجة »(4).
ص: 73
21 - عن علي بن ميمون الصايغ قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : « ياعلي بلغني أنّ أُناسا من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ؟ » قلت : جعلت فداك إنّي لأعرف أُناسا
كثيرا بهذه الصفة ، فقال : « أما واللّه لحظّهم أخطأوا ، وعن ثواب اللّه زاغوا ، وعن جوار محمّد صلى الله عليه و آله في الجنّة تباعدوا »(1).
22 - عن أبي عبكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال : « من كان لنا محبّا فليرغب في زيارة قبر الحسين عليه السلام فمن كان للحسين عليه السلام محبّا زوّارا
عرفناه بالحبّ لنا أهل البيت ، وكان من أهل الجنّة ، ومن لم يكن للحسين عليه السلام زوّارا كان ناقص الإيمان »(2).
23 - عن الحسين بن محمّد قال : قال أبو الحسن موسى عليه السلام : « أدنى ما يثاب به زائر أبي عبداللّه - الحسين عليه السلام - بشطّ الفرات ، إذا عرف حقّه وحرمته وولايته ، أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر »(3).
24 - عن الهيثم بن عبداللّه ، عن الرضا علي بن موسى ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال الصادق عليه السلام : « إنّ أيّام زائري الحسين بن علي عليهماالسلام لا تعدّ من آجالهم »(4).
25 - عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام يقول : قلت له : من أتى قبر الحسين عليه السلام ما له من الأجر والثواب ؟ قال : « ياشعيب ما صلّى عنده أحد ودعا له دعوة إلاّ استجيب له عاجله وآجله » ، قلت : زدني فيه ، قال : « أيسر ما يقال
ص: 74
لزائر الحسين عليه السلام قد غفر لك ياعبداللّه فاستأنف اليوم عملاً جديدا »(1).
26 - عن قدامة بن مالك ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من أراد زيارة قبر الحسين عليه السلام لا أشرا ولا بطرا ولا رياءً ولا سمعة ، محصت ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء ، فلا يبقى عليه دنس ، ويكتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة ، وكلّما رفع قدما عمرة »(2).
27 - عن ابن بكير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : إنّ قلبي ينازعني إلى زيارة قبر أبيك ، وإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتّى أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المصالح ، فقال : « يابن بكير ، أما تحبّ أن يراك اللّه فينا خائفا ؟ أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه اللّه في ظلّ عرشه ؟ وكان يحدّثه الحسين عليه السلام تحت العرش وآمنه اللّه من أفزاع يوم القيامة ، يفزع الناس ولا يفزع ، فإن فزع وقّرته الملائكة ، وسكّنت قلبه بالبشارة »(3).
28 - عن داود بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من زار قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة غفر اللّه له البتة ، ولم يخرج من الدنيا وفي نفسه حسرة منها وكان مسكنه في الجنّة مع الحسين بن علي عليه السلام »(4).
29 - عن عبداللّه بن ميمون ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : ما لمن زار
ص: 75
قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه غير مستكبر ولا مستنكف ؟ قال عليه السلام : « يكتب له ألف حجّة مقبولة ، وألف عمرة مقبولة ، وإن كان شقيّا كتب سعيدا ، ولم يزل يخوض في رحمة اللّه »(1).
30 - عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من أراد اللّه به الخير قذف في قلبه حبّ الحسين عليه السلام وحبّ زيارته ، ومن أراد اللّه به السوء قذف في قلبه بغض الحسين عليه السلام وبغض زيارته »(2).
31 - وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « واللّه إنّ اللّه ليباهي بزائر الحسين والوافد يفده ، الملائكة المقرّبين وحملة عرشه حتّى أنّه ليقول لهم : أما ترون زوّار قبر الحسين عليه السلام أتوه شوقا إليه وإلى فاطمة ، أما وعزّتي وجلالي
وعظمتي لأُوجبن لهم كرامتي » ... الحديث ، وفيه ثواب جزيل(3).
32 - عن ابن مسكان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سمعه يقول : « من زار الحسين عليه السلام يريد به وجه اللّه أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أُمّه وشيعته الملائكة في مسيره - إلى أن قال - وسألت الملائكة المغفرة له من ربّه ، ونادته الملائكة (طبت وطاب من زرت) وحفظ في أهله »(4).
33 - عن أبي أُسامة بن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلاميقول : « من
ص: 76
أتى قبر الحسين عليه السلام تشوّقا إليه كتبه اللّه من الآمنين يوم القيامة ، وأُعطي كتابه بيمينه ، وكان تحت لواء الحسين بن علي عليه السلامحتّى يدخل الجنّة ، فيسكنه في درجته إنّ اللّه سميع عليم »(1).
34 - عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من أحبّ أن يكون مسكنه في الجنّة ومأواه الجنّة فلا يدع زيارة المظلوم » ، قلت : ومن هو ؟ قال : «
الحسين عليه السلام ، فمن أتاه شوقا إليه وحبّا لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهوحبّا لفاطمة عليهاالسلام ، وحبّا لأمير المؤمنين عليه السلام ، أقعده اللّه على موائد الجنّة يأكل معهم والناس في الحساب »(2).
35 - عن علي بن محمّد بن فيض بن المختار ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه سئل عن زيارة الحسين عليه السلام فقيل له : هل في ذلك وقت أفضل من
وقت ؟ فقال عليه السلام : « زوروه صلّى اللّه عليه في كلّ وقت وفي كلّ حين ، فإنّ زيارته عليه السلامخير موضوع ، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير ، ومن قلّل قُلّل له ، وتحرّوا بزيارتكم الأوقات الشريفة فإنّ الأعمال الصالحة فيها مضاعفة ، وهي أوقات مهبط الملائكة لزيارته »(3).
36 - عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث طويل قال : قال لي : « هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ » قلت : نعم على خوف ووجل ، فقال : « ما كان
ص: 77
من هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف ، ومن خاف في إتيانه أمن اللّه روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وسلّمت عليه الملائكة ، وزاره النبي صلى الله عليه و آله وانقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء واتّبع رضوان اللّه ... » الحديث(1).
37 - جاء في كامل الزيارات : « من زار قبر الحسين بن علي عليهماالسلام يوم عاشوراء عارفا بحقّه كان كمن زار اللّه في عرشه »(2).
38 - وجاء أيضا في بشارة المصطفى : « أنّ من زار الحسين عليه السلام كمن زار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكمن زار عليا عليه السلام »(3).
39 - وروى في الاقبال : « إنّ الملائكة وأرواح النبيين يستأذنون اللّه في زيارته - زيارة الحسين عليه السلام - فيؤذن لهم ... »(4).
40 - وجاء في كامل الزيارات : « إنّ زيارة قبر الحسين عليه السلامأفضل ما يكون
من الأعمال »(5).
ص: 78
دلّت النصوص المستفيضة على أنّ اتيان قبر الإمام الحسين عليه السلاملزيارته يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع المدافع السيّئة ومنها ميتة السوء ، ويوجب كشف الهموم ، وقضاء الحوائج ، وإجابة الدعاء ، وغفران الذنوب ، والتوفيق الدائم ، وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات ، ورفع الهموم والكربات ، والحفظ في النفس والمال ، والراحة عند الموت ، وسعة القبر ، والأمن عند الحساب ، والنجاة من النار ،
والفوز بالجنّة بل الفوز بمرافقة النبي صلى الله عليه و آله وأهل بيته .
فمن هذه الآثار المذكورة في الأخبار الشريفة هو :
- عبادة المكرّمين : فإذا زار الموالي الإمام الحسين عليه السلام فإنّه يحصل على مرتبة من مراتب عبادة المكرّمين ، وهم الملائكة ، الذين يكون علو مراتبهم بمراتب عبادتهم ، نعم إنّ زائر الإمام الحسين سلام اللّه عليه ينال بزيارته صلاة الملائكة
وتسبيحهم وتقديسهم وطول عبادتهم إلى يوم القيامة ، وبهذا يظهر معنى الرواية الشريفة : « من أتى قبر الحسين عليه السلام شوقا إليه كان من عباد اللّه المكرّمين »(1).
- عبادة المصطفين : كما أنّ زائر الإمام الحسين عليه السلام يحصل مرتبة من مراتب عبادة المصطفين ، وهم الأنبياء سلام اللّه عليهم أجمعين ، بل إنّ من خواص زيارة الإمام الحسين عليه السلام هو الكون مع النبي صلى الله عليه و آلهوالأوصياء في درجاتهم والأكل معهم على موائدهم ومصافحتهم والحوز على دعائهم والتحدّث معهم وسلامهم
ص: 79
عليه ، كما جاء في الروايات(1).
- ثواب العبادات : من زيارة الإمام الحسين عليه السلام ينال الزائر ثواب العبادات بما فيها خطابات الصلاة ، والزكاة والحجّ ، والجهاد والمرابطة ، والصدقات والآداب والمستحبّات ، وثواب أعلى درجات النيّات ، وثواب عبادة العمر كلّه بل الدهر كلّه(2).
- الخلاص من الذنوب : كما تخلّص زيارة الإمام الحسين عليه السلامصاحبها من الذنوب تخليصا تامّا ، وقد ورد ما يقرب على أربعين حديثا من الأحاديث المعتبرة أنّ زائر الإمام الحسين عليه السلام يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، بل في بعضها أنّ الزائر يكون كيوم ولدته أُمّه ، وفي بعضها يمحّص صاحبها من الذنوب كما يمحّص الثوب الوسخ في الماء ، خاصّة إذا كانت الزيارة مشتملة على البكاء ، كما ورد في وصية الإمام الرضا عليه السلام للريّان بن شبيب حيث قال عليه السلام : « يابن شبيب إن بكيت على الحسين عليه السلام حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا ، قليلاً كان أو كثيرا »(3).
فإنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام وزيارته يوجبان مغفرة الذنوب جميعا ، وليس الذنوب الماضية فقط ، بل قد توجب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام مغفرة الذنوب
المستقبلة أيضا . فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لو تعلم أيّها الباكي ما أُعد لك
ص: 80
لفرحت أكثر ممّا جزعت »(1).
- الشفاعة للآخرين : فإنّ زائر الإمام الحسين عليه السلام يكون سببا لخلاص غيره ، ففي رواية سيف التمّار ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « زائر الحسين عليه السلام مشفّع يوم القيامة لمائة رجل كلّهم قد وجبت لهم النار »(2).
بالاضافة إلى ذلك فإنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام توجب غفران ذنوب والدي الزائر وكلّ من يحبّ .
- الآثار العجيبة لزيارة الإمام الحسين عليه السلام : إنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام تزيد في الأعمار ، وتوسّع في الأرزاق ، وتوجب طول العمر ، وحفظ النفس والمال(3).
كما إنّها تورث الاطمئنان في العقائد الحقّة ورفع الشبهات ، ففي زيارة عرفة ورد إنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام تورث الاطمئنان في العقائد الحقّة(4). ولا يخفى أنّ هذا الأثر أعلى من كلّ أثر ، إذ أنّ كلّ أثر يتوقّف عليه .
ومن الآثار العجيبة - كما ورد في الروايات - لزيارة الإمام الحسين عليه السلام أنّها تهوّن سكرات الموت ، وتؤمن ضغطة القبر(5).
ومنها أنّها تدفع مدافع السوء ، وميتات السوء ، بل ورد في بعض الروايات
ص: 81
أنّ زائر الإمام الحسين عليه السلام يدخل في ضمان النبي صلى الله عليه و آله حيث ضمن الرسول صلى الله عليه و آله لمن زاره أو أباه أو أخاه أو أُمّه أن يزوره يوم القيامة ويخلّصه من أهوالها وشدائدها .
ففي الخبر الشريف : « إنّ زائر الحسين عليه السلام من الآمنين يوم القيامة »(1).
كما أنّ الإمام الحسين لا يأته لهفان أو مكروب أو مغموم أو ذو عاهة إلاّ نفّس اللّه كربته وكشف غمّته ، وعافاه من عاهته وأعطاه مسألته .
ففي الخبر أنّ الإمام الصادق عليه السلام مرض ، فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيرا يدعو له عند قبر الحسين عليه السلام ، فوجدوا رجلاً فقالوا له ذلك ، فقال : أنا أمضي ولكن الحسين إمام مفترض الطاعة وهو إمام مفترض الطاعة ، فرجعوا إلى الإمام الصادق عليه السلام وأخبروه ، فقال عليه السلام : « هو كما قال ، ولكن أما عرف أنّ للّه تعالى بقاعا يستجاب فيها الدعاء ، فتلك البقعة من تلك البقاع »(2).
وفي حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه و آله في الحسين عليه السلام : « وإنّ الاجابة تحت قبّته ، والشفاء في تربته »(3).
إنّ الآثار المترتّبة على ترك زيارة الإمام الحسين عليه السلام مع القدرة على زيارته كثيرة أشارت الروايات الشريفة إلى بعضها وهي :
ص: 82
1 - الزيغ عن ثواب اللّه : عن علي بن ميمون الصايغ ، أنّه قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : « ياعلي بلغني أنّ أُناسا من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام » . قلت : جعلت فداك إنّي لأعرف أُناسا كثيرا بهذه الصفة ، فقال : « أما واللّه لحظّهم أخطأوا ، وعن ثواب اللّه زاغوا ، وعن جوار محمّد صلى الله عليه و آله في الجنّة تباعدوا »(1).
2 - عقّ أهل البيت عليهم السلام : عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « إنّ من ترك
زيارته عليه السلام وهو قادر على ذلك فقد عقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوعقّنا »(2). أي يكون عاقّا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وعاقّا لأهل البيت جميعا عليهم السلام.
3 - ترك حقوق الرسول صلى الله عليه و آله : عن عبدالرحمن بن كثير ، عنه
عليه السلام ، قال : «
لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن علي عليهماالسلام ؛ لكان تاركا حقّا من حقوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله،لأنّ حقّ الحسين فريضه من اللّه تعالى واجبه على كلّ مسلم»(3).
وفي رواية أُخرى : « لو أنّ أحدكم حجّ ألف حجّة ثمّ لم يأت قبر الحسين عليه السلام ، لكان تاركا حقّا من حقوق اللّه تعالى »(4).
4 - انتقاص الإيمان : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام، قال : « من لم يأت قبر الحسين عليه السلام من شيعتنا ، كان منتقص الإيمان ، منتقص الدين »(5).
ص: 83
5 - المراتب الدانية : فإنّ تارك زيارة الإمام الحسين إن دخل الجنّة ، كان دون كلّ المؤمنين،كماقال الصادق عليه السلام:«إن أُدخل الجنّه كان دون المؤمنين فيها»(1).
6 - نقصان العمر والرزق : فإنّ تركها يؤدّي إلى نقص العمر والرزق وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة،وفيبعض الروايات أنّ تركهامؤثّرفينقص سنه من العمر.
ففي الخبر : « من لم يزر قبر الحسين عليه السلام فقد حرم خيرا كثيرا ونقص من عمره سنة »(2).
7 - الخروج من ربقة التشيّع : فلا يكون تارك زيارة سيّد الشهداء عليه السلام
جحودا لها من شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « من لم يأت قبرالحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعة حتّى يموت ، فليس هو لنا شيعة»(3).
8 - الحسرة والندامة : فإنّ تارك زيارة الإمام الحسين عليه السلاميكون مصيره الحسرة والندامة ، كما قال الصادق عليه السلام لمّا سئل : فما لمن تركه رغبة عنه ؟
قال
عليه السلام : « الحسرة يوم الحسرة »(4).
9 - دخول النار : عن هارون بن خارجة ، عن الصادق ، قال :
سألته عمّن ترك زيارة قبر الحسين عليه السلام من غير علّة ، فقال : « هذا رجل من أهل النار »(5).
ص: 84
قال تعالى : «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوىً»(1) وقال عزّوجلّ : «لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ»(2).
فإنّ الآية الأُولى تومئ إلى لزوم إكرام البقاع المقدّسة وخلع النعلين فيها بل عند القرب منها لا سيّما في الطف والغري ، لما روي أنّ الشجرة كانت في كربلاء والغري(3) قطعة من الطور . وتدلّ الآية الثانية على لزوم خفض الصوت عند النبي صلى الله عليه و آله لما روي أنّ حرمتهم بعد الموت كحرمتهم في الحياة ، وكذا عند قبور سائر الأئمّة الأطهار عليهم السلام لما ورد أنّ حرمتهم كحرمة النبي صلى الله عليه و آله(4).
ومن منطلق المعرفة بالإمام الحسين عليه السلام وبمقامه العظيم عند اللّه عزّوجلّ ، وكونه إماما مفترض الطاعة قُتل في أعظم كارثة إنسانية دينية عرفها التأريخ ، ولأهمية البكاء وحضور القلب عند زيارته عليه السلام ، ورد في الروايات أن يكون الزائر عارفا بحقّ الإمام الحسين عليه السلام ، وزيادة على خصوصية في ذلك بأن تكون الزيارة خالصة لوجه اللّه ، وأن يكون محتسبا لا أشرا ولا بطرا ولا لسمعة(5)، وتكون
ص: 85
الزيارة بداعي صلة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ورحمة للإمام الحسين عليه السلام ، فيقصد بها جبر ما ورد عليه بزيارته .
ومن هنا يتّضح أهمية الآداب التالية :
1 - الصوم ثلاثة أيّام آخرها الجمعة ، والغسل ليلتها ، ثمّ الخروج لزيارة الإمام الحسين عليه السلام تاركا الطيّب والدهن والكحل ، لما ورد عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « إذا أتيت الحسين عليه السلام فما تقول ؟ » قلت : أشياء سمعتها من رواة الحديث ممّن سمع من أبيك ، قال : « أفلا أُخبرك عن أبي ، عن جدّي علي بن الحسين عليه السلام كيف كان يصنع في ذلك ؟ » قال : قلت : بلى ، قال :
« إذا أردت الخروج إلى أبي عبداللّه عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيّام يوم الأربعاء ، ويوم الخميس ، ويوم الجمعة ، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثمّ قم فانظر في نواحي السماء ، واغتسل تلك الليلة قبل المغرب ، ثمّ تنام على طهر ، فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ، ولا تطيّب ، ولا تدهن ، ولا تكتحل حتّى تأتي القبر »(1).
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ثمّ تأتي نينوى - أي كربلاء - فتضع رحلك بها ، ولا تدهن ، ولا تكتحل »(2).
2 - الملازمة للحزن والشعث والجوع والعطش .
ورد عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : « إذا زرت أبا عبداللّه الحسين عليه السلام فزره
وأنت حزين مكروب شعث مغبر ، جائع ، عطشان ، فإنّ الحسين عليه السلام قتل حزينا
ص: 86
مكروبا شعثا جائعا عطشان ، واسأله الحوائج وانصرف عنه ولا تتّخذه وطنا »(1).
3 - كما ينبغي للزائر أن يجتنب الملذّات من الأطعمة والأشربة عند قبر الإمام الحسين وذلك لما جاء عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « بلغني أنّ قوما إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الحلاوة والأخبصة(2) وأشباهه ، ولو
زاروا قبور آبائهم وأحبّائهم ما حملوا معهم هذا »(3).
وعنه
عليه السلام قال : « يأتون قبر أبي عبداللّه عليه السلام فيتّخذون سفُرا ، أما إنّهم لو أتوا قبور آبائهم وأُمّهاتهم لم يفعلوا ذلك » ، قلت : فأي شيء يأكلون ؟ قال : «
الخبز »(4).
4 - هيئة الزائر : فحري بالزائر أن يكون على حالة من الخشوع والسير بخطوات العبيد الأذلاّء ، وكثرة ذكر اللّه تعالى وترك الفضول من الكلام والخصومات والجدال والمراء وكثرة الإيمان ، وأن يطأطأ رأسه ولا يلتفت إلى أعلاه ، ولا إلى جوانبه وأن يشغل لسانه وهو يمضي إلى الحرم المطهّر بالتكبير والتهليل والحمد والتسبيح والتهليل .
وإلى ذلك يشير الإمام الصادق عليه السلام قال : « من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا ،
ص: 87
كتب اللّه له بكلّ خطوة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيّئة ، ورفع له ألف درجة ، فإذا أتيت الفرات فاغتسل ، وعلّق نعليك ، وامش حافيا ، وامش مشي العبد الذليل »(1).
كما ينبغي للزائر أن يترك اللغو وما لا ينبغي من الكلام ، بل ينبغي له ترك الكلام والحديث بأي أمر من أُمور الدنيا ، فهو مذموم ومانع للرزق ، ومدعاة لقساوة القلب خاصّة في هذه البقعة الطاهرة والتي هي أحد البيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إذا زرتم أبا عبداللّه عليه السلام ، فالزموا الصمت إلاّ عن الخير »(2).
5 - الغسل للزيارة : عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى : «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(3) قال : « الغسل عند لقاء كلّ إمام »(4).
وقال
عليه السلام أيضا : « من اغتسل بماء الفرات ، وزار قبر الحسين عليه السلامكان كيوم ولدته أُمّه صفرا من الذنوب »(5).
وعنه عليه السلام قال : « من أتى قبر الحسين بن علي عليه السلام فتوضّأ واغتسل في
ص: 88
الفرات ، لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلاّ كتب اللّه له حجّة وعمرة »(1).
6 - الثياب الطاهرة : بأن يلبس الزائر ثيابا طاهرة ، نظيفة ، والأولى أن تكون ، فإنّ البياض لباس أهل الجنّة . وإذا بلغ باب الحرم الشريف يقف بوقار ويستأذن ، ويجتهد لتحصيل الرقّة والخضوع والانكسار ، والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنوّر وجلاله ، وإنّه يرى الزائر ويسمع كلامه ، ويردّ عليه سلامه .
7 - تقبيل العتبة العالية المباركة للحرم المقدّس : فعن الشيخ الشهيد(2) رحمه الله
قال : ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر للّه تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى(3).
وأن يقدّم للدخول رجله اليمنى ، وعند الخروج رجله اليسرى ، كما ندب ذلك عند دخول المساجد والخروج منها .
8 - استقبال القبر : بأن يقف الزائر مستقبلاً القبر الشريف ، وإذا فرغ من
ص: 89
الزيارة فليضع خدّه الأيمن على الضريح ويدعو اللّه بتضرّع وخشوع ، ثمّ يضع خدّه الأيسر ويدعو اللّه تعالى أن يجعله من أهل شفاعة صاحب القبر ويبالغ في الدعاء والإلحاح على اللّه فإنّه موضع الإجابة ، ثمّ يمضي إلى جانب الرأس على يمينه حال استدبار القبلة ويقف مستقبل القبلة فيدعو اللّه تعالى .
وقد دعت إلى ذلك كثير من الأخبار منها ما عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام وجعفر بن محمّد عليهماالسلام يقولان : « إنّ اللّه عوّض الحسين عليه السلاممن قتله أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيّام زائريه (زائره) جائيا وراجعا من عمره »(1).
9 - التكبير قبل الزيارة : فإذا استقبل الزائر القبر الشريف وأراد البدء بالزيارة عليه أن يكبّر ، ففي الخبر : « إنّ من كبّر أمام الإمام عليه السلام وقال : لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، كتب له رضوان اللّه الأكبر »(2).
وعلى الزائر أن يسبّح اللّه بتسبيح الإمام علي عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليهاالسلام ، فعن أبي سعيد المدائني قال : أتيت الصادق عليه السلام فسألته : أأذهب إلى زيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ فأجاب : « بلى ، أئت قبر الحسين عليه السلام - إلى أن قال : - فإذا زرته ياأبا سعيد فسبّح عند رأسه بتسبيح أمير المؤمنين عليه السلام ألف مرّة ، وسبّح عند رجليه بتسبيح الزهراء عليهاالسلام ألف مرّة ، ثمّ صلّ عنده ركعتين ، تقرأ فيهما
ص: 90
يس ، والرحمن ، فإذا فعلت ذلك كتب اللّه لك ثواب ذلك إن شاء اللّه تعالى » ، قال : قلت : جعلت فداك علّمني تسبيح علي وفاطمة عليهماالسلام ، قال : « نعم ياأبا سعيد تسبيح علي عليه السلام هو : سبحان اللّه الذي لا تنفذ خزائنه ، سبحان الذي لا تبيد معالمه ، سبحان الذي لا يفنى ما عنده ، سبحان الذي لا يشرك أحدا في حكمه ، سبحان الذي لا اضمحلال لفخره ، سبحان الذي لا انقطاع لمدّته ، سبحان الذي لا إله غيره » . وتسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلام هو : « سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم ، سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف ، سبحان ذي الملك الفاخر القديم ، سبحان ذي البهجة والجمال ، سبحان من تردّى بالنور والوقار ، سبحان من يرى أثر النمل في الصفا ووقع الطير في الهواء »(1).
10 - صلاة الزيارة : وأقلّها ركعتان ، فعن أبي حمزة الثمالي ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « صلّ عند رأسه ركعتين ، تقرأ في الأُولى الحمد ويس ، وفي الثانية الحمد والرحمن ، وإن شئت صلّيت خلف القبر وعند رأسه أفضل »(2).
ومن آداب الزيارة تلاوة شيء من القرآن عند الضريح وإهداؤه للمزور ، والمنتفع بذلك الزائر ، وفيه تعظيم للمزور .
ص: 91
11 - قراءة زيارة وارث : التي أوصى بها الإمام الصادق عليه السلامالمفضّل بن عمر فقال : « يامفضّل إذا أتيت قبر الحسين بن علي عليهماالسلام فقف بالباب وقل هذه
الكلمات ، فإنّ لك بكلّ كلمة منها كفلاً من رحمة اللّه » ، فقلت : ما هي جعلت فداك ؟ قال : « تقول : السلام عليك ياوارث آدم صفوة اللّه ، السلام عليك ياوارث نوح نبي اللّه ، السلام عليك ياوارث إبراهيم خليل اللّه ، السلام عليك ياوارث موسى كليم اللّه ، السلام عليك ياوارث عيسى روح اللّه ، السلام عليك ياوارث محمّد صلى الله عليه و آله حبيب اللّه ، السلام عليك ياوارث علي وصي رسول اللّه ، السلام عليك ياوارث فاطمة بنت رسول اللّه ، السلام عليك أيّها الشهيد الصدّيق ، السلام عليك أيّها الوصي البارّ التقي ، السلام على الأرواح التي حلّت بفنائك ، وأناخت برحلك ، السلام على ملائكة اللّه المحدقين بك ، أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وعبدت اللّه مخلصا حتّى أتاك اليقين ، السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته »(1).
لقد بكى الأنبياء - وهم أشرف الخلق - الإمام الحسين عليه السلاموذرفوا لمصابه
الدموع قبل وقوع مصيبة كربلاء ، وحيث إنّ اللّه عزّوجلّ بعث الرسل والأنبياء لهداية الناس لعبادته سبحانه وتعالى وترك الأوثان والنجوم ، ونشر القيم ؛ والعدل
ص: 92
والإخاء ... بين الناس لزم أن يتحلّى الأنبياء والرسل بمميّزات وصفات خاصّة يهبها اللّه لهم ، فمن الطبيعي أن يكون الأنبياء هم أكثر الناس معرفة وإحاطة بما تتطلّبه الرسالة من معرفة وإيمان ؛ ولذا كان سرُّ تعظيمهم للإمام الحسين عليه السلام .
وهم أيضا أعلم بحجم التضحيات الملقاة على عاتق الرسل ؛ ولذا كان بكائهم على سيّد الشهداء عليه السلام .
وما ينطبق على الأنبياء والرسل ينطبق على الأوصياء لا سيّما الأئمّة المعصومين عليهم السلام ومن باب أولى .
فقد روى صاحب الدرّ الثمين(1) في تفسير قوله تعالى : «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ»(2) « أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبي والأئمّة عليهم السلام ، فلقّنه جبريل قل :
ياحميد بحقّ محمّد ، ياعالي بحقّ علي ، يافاطر بحقّ فاطمة ، يامحسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان . فلمّا ذكر الحسين عليه السلام سالت دموعه
وانخشع قلبه ، وقال :
ياأخي جبريل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟ قال جبريل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، فقال : ياأخي وما هي ؟ قال : يقتل عطشانا غريبا وحيدا فريدا ، ليس له ناصر ولا معين ، ولو
ص: 93
تراه ياآدم وهو يقول : وا عطشاه وا قلّة ناصراه ، حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان ، فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف ، وشرب الحتوف ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه ، وينهب رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان ، كذلك سبق في علم الواحد المنّان ، فبكى آدم وجبريل بكاء الثكلى »(1).
وعن المنتخب : « أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا ، ولمّا مرّت به بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق ، فدعا ربّه وقال : إلهي طفتُ جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يانوح ، في هذا الموضع يقتل الحسين عليه السلام سبط محمّد خاتم النبيين وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل ياجبرائيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سموات وسبع أرضين ، فلعنه نوح أربع مرّات فسارت السفينة حتّى بلغت الجودي واستقرّت عليه »(2).
وقال الإمام الرضا عليه السلام : « لمّا أمر عزّوجلّ إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي نزل عليه تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل
ص: 94
الثواب على المصائب ، فأوحى اللّه عزّوجلّ : ياإبراهيم من أحبّ خلقي إليك ؟ فقال :
ياربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد صلى الله عليه و آله فأوحى اللّه إليه : أفهو أحبّ إليك أم نفسك ؟ قال :
بل هو أحبّ إليّ من نفسي ، قال : فولده أحبّ إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ، قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال :
ياربّ ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ، قال : ياإبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي ، فجزع إبراهيم عليه السلام بذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي ... » الحديث(1).
وروي « أنّ موسى عليه السلام كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك(2) في رجليه ، وسال دمه ، فقال :
إلهي أي شيء حدث منّي ؟ فأوحى إليه :
أنّ هنا يقتل الحسين عليه السلام وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه ، فقال : ربّ ومن يكون الحسين ؟ فقيل له :
ص: 95
هو سبط محمّد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال :
ومن يكون قاتله ؟ فقيل :
هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه »(1).
وفي رواية عن الحجّة القائم عجّل اللّه فرجه الشريف ، قال :
« إنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلّمه إيّاها ، وكان زكريا إذا ذكر محمّدا وعليا وفاطمة والحسن عليه السلامسرى عنه همّه وانجلى كربه ، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلامخنقته العبرة ووقعت عليه
البهرة(2) فقال عليه السلام ذات يوم : إلهي ما لي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه اللّه تعالى عن قصّته فقال :
كهيعص ؛ فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد لعنه اللّه وهو ظالم الحسين عليه السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره .
فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيهنّ الناس الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكان يرثيه :
إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية
ص: 96
بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحلّ كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ ثمّ كان يقول :
اللهمّ ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، فإذا رزقتنيه فأفتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا صلى الله عليه و آله حبيبك بولده .
فرزقه اللّه يحيى عليه السلام وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك »(1).
وروي « أنّ عيسى عليه السلام كان سائحا في البراري ومعه الحواريون ، فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق ، فتقدّم عيسى إلى الأسد ، فقال له :
لِمَ جلست في هذا الطريق ؟ وقال : لا تدعنا نمرّ فيه ؟
فقال الأسد بلسان فصيح : إنّي لم أدع لكم الطريق حتّى تلعنوا يزيدا قاتل الحسين عليه السلام ، فقال عيسى عليه السلام :
ومن يكون الحسين ؟ قال :
هو سبط محمّد النبي الأُمّي وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله ؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع ، خصوصا أيّام عاشوراء ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيدا ودعا عليه وأمّن الحواريون على دعائه فتنحّى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم »(2).
ص: 97
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « كان النبي صلى الله عليه و آله في بيت أُمّ سلمة ، فقال لها : لا يدخل عليَّ أحد ، فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل ، فما ملكت معه شيئا حتّى دخل على النبي صلى الله عليه و آله ، فدخلت أُمّ سلمة على أثره فإذا الحسين على صدره ، وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شيء يقلّبه ، فقال النبي صلى الله عليه و آله :
ياأُمّ سلمة إنّ هذا جبريل يخبرني إنّ هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيه عندك ، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي .
فقالت أُمّ سلمة : يارسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه ، قال :
قد فعلت ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليّ :
إنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وإنّ له شيعة يشفّعون فيشفِّعون وأنّ المهدي من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته هم واللّه الفائزون يوم القيامة »(1).
وعن عبداللّه بن عباس قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه و آله والحسن عليه السلام على عاتقه والحسين عليه السلامعلى فخذه يلثمهما ويقبّلهما ويقول :
« اللهمّ وال من والاهما وعاد من عاداهما » ثمّ قال :
يابن عباس كأنّي به وقد خضّبت شيبته من دمه ، يدعو فلا يجاب ، ويستنصر فلا ينصر ، قلت : فمن يفعل ذلك يارسول اللّه ؟ قال : شرار أُمّتي ، لا
ص: 98
أنالهم شفاعتي »(1).
وعن ابن عباس ، قال :
لمّا اشتدّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله مرضه الذي مات فيه ، ضمّ الحسين عليه السلامإلى صدره ، يسيل من عرقه عليه ، وهو يجود بنفسه ويقول :
« ما لي وليزيد ، لا بارك اللّه فيه ، اللهمّ العن يزيدا » ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبّل الحسين عليه السلام وعيناه تذرفان ويقول :
« أما إنّ لي ولقاتلك مقاما بين يدي اللّه عزّوجلّ »(2).
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال :
« كان الحسين مع أُمّه تحمله ، فأخذه النبي صلى الله عليه و آله وقال :
لعن اللّه قاتلك ، ولعن اللّه سالبك ، وأهلك اللّه المتوازرين عليك ، وحكم اللّه بيني وبين من أعان عليك .
قالت فاطمة الزهراء : ياأبتِ أي شيء تقول ؟!
قال : يابنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل ، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم .
قالت : ياأبه وأين هذا الموضع الذي تصف ؟
قال : موضع يقال له كربلا ... .
ص: 99
قالت : ياأبة فيقتل ؟
قال : نعم يابنتاه ... فقالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
ياأبه إنّا للّه وبكت ... » الحديث(1).
ص: 100
ص: 101
ص: 102
قبل أن نشرع بشرح هذه الزيارة الشريفة لا بأس من البحث في مسألتين مهمّتين ، الأُولى هي مشكلة السند التي يتذرّع بها البعض في ردّهم للزيارة ، والثانية شبهة اللعن التي جعلت بعض عوام الناس يشكّكون في أصل صدور الزيارة عن أهل البيت عليهم السلام .
أمّا مسألة السند فنقول : روى الشيخ الجليل جعفر بن محمّد ابن جعفر بن موسى بن قولويه(1) في كتابه المسمّى ب- (كامل الزيارات)(2) عن حكيم بن داود
ابن حكيم وغيره ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، وصالح بن عقبة جميعا ، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ،
ص: 103
ومحمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :
« من زار الحسين بن علي عليهماالسلام يوم عاشوراء يوم العاشر من الشهر حتّى يظلّ عنده باكيا لقي اللّه يوم القيامة مع ثواب ألف حجّة ، وألف عمرة ، وألف ألف غزوة ، وثواب كلّ عمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومع الأئمّة الراشدين » .
قال : قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بُعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير في ذلك اليوم ؟ قال : « إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء ، أو صعد سطحا في داره وأومأ إليه بالسلام ، واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلّى بعده ركعتين ، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ، ثمّ ليندب الحسين ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت ، وليعزّ بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السلام فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه جميع هذا الثواب » .
فقلت : جعلت فداك أنت الضامن لهم والزعيم ؟
قال : « أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك » .
قال : قلت : كيف يُعزّي بعضهم بعضا ؟
قال : « يقولون : [ عظّم اللّه أُجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلاموجعلنا وإيّاكم
من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي عليه السلام من آل محمّد ] فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل ، فإنّه يوم نحس لا يقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن
ص: 104
قضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ رُشدا ، ولا تدّخرن لمنزلك شيئا ، فإنّه من ادّخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم لم يُبارك له فيما يدّخره ، ولا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجّة ، وألف عمرة ، وألف غزوة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان له ثواب مصيبة كلّ نبي ورسول وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة »(1).
وعن الإمام الرضا عليه السلام : « من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم مصيبته وحزنه وبكائه يجعل اللّه عزّوجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادّخر وحُشر يوم القيامة مع يزيد وعبيداللّه بن زياد وعمر بن سعد (لعنهم اللّه) إلى أسفل درك من النار »(2).
قال صالح بن عقبة الجهني ، وسيف بن عميرة ، قال علقمة بن محمّد
الحضمري : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا زرته من قريب ، ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب ، وأومأت إليه من بعد البلاد ومن سطح داري بالسلام . قال : فقال : « ياعلقمة إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول ، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، وكتب اللّه لك بها ألف
ص: 105
ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيّئة ، ورفع لك مائة ألف درجة ، وكنت ممّن استشهد مع الحسين بن علي عليهماالسلام حتّى تشاركهم في درجاتهم لا تعرف إلاّ في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتب لك ثواب كلّ نبي ورسول وزيارة من زار الحسين عليه السلاممنذ يوم قتل عليه السلام [ السلام عليك ياأبا عبداللّه ، السلام عليك يابن رسول اللّه ... ] »(1).
قال آية اللّه العظمى حبيب اللّه الشريف الكاشاني قدس سره(2) عن سند زيارة عاشوراء(3): وابن قولويه مؤلّف كتاب (كامل الزيارات) كان شيخا جليلاً ، وثقة نبيلاً ، تتلمّذ عنده شيخنا المفيد رحمه الله ، وقد قيل في حقّه : [ إنّ كلّ ما يوصف الناس به من جميل وفقه إلاّ وهو فوقه (4)].
ولكن حكيم بن داود مجهول لم أقف على حاله في الرجال ، إلاّ أنّ في رواية مثل هذا الشيخ(5) عنه نوع دلالة على حسن حاله .
ومحمّد بن موسى الهمداني ضعّفه القميون بالغلو(6)، وربما يقال : إنّه كان
ص: 106
يضع الحديث .
ومحمّد بن خالد(1) لم أقف على من وثّقه ولكن قد يقال : إنّ رواية الأجلّة عنه دليل الاعتماد ، وسيف بن عميرة ثقة ولكن ربما يقال : إنّه كان واقفيا .
وصالح بن عقبة(2) قيل : كتابه معتمد الأصحاب ، وقيل : إنّه غال كذّاب وعلقمة بن محمّد لم أرَ من صرّح بتوثيقه .
وأضاف المولى الكاشاني قدس سره بقوله :
وبالجملة سند هذه الرواية ضعيف ، ولكن ضعفه بالشهرة منجبر ، مع أنّ شيخنا الطوسي رحمه الله رواه أيضا في مصباحه(3)، على أنّ قاعدة التسامح في أدلّة السنن كفتنا مؤونة الاهتمام بتحقيق السند .
أقول : إنّ لزيارة عاشوراء أكثر من طريق منها السند المذكور في كتاب كامل الزيارات والخدش في بعضها لا يمسّ في البقية المعتبرة ، ونحن نشير إلى سند الشيخ الطوسي فيها ونستعرض حال رجالاتها ليتّضح سلامة طريق هذه الزيارة الشريفة .
1 - الشيخ الطوسي : وهو غني عن التعريف والتوثيق ، فهو كالشمس في رابعة النهار ولذا فإنّنا لا نكلّف أنفسنا عناءً في البحث عن وثاقته .
2 - ابن أبي جيد : وهو إن لم يرد في حقّه توثيق خاصّ إلاّ أنّ كونه من مشايخ الإجازة ومشايخ النجاشي والطوسي تجعله من الموثّقين ولذا قال السيّد الخوئي في
ص: 107
حاله : ثقة لأنّه من مشايخ النجاشي(1).
نعم ناقش البعض في دلالة شيخوخة الإجازة للنجاشي على الوثاقة فتكون هذه القرينة مبنائية .
3 - محمّد بن الحسن بن الوليد : وهو شيخ جليل القدر قال النجاشي في حقّه : أبو جعفر شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم ويقال إنّه نزيل قم وما كان أصله منها ، ثقة ثقة ، عين ، مسكون إليه(2).
وقال الشيخ الطوسي في حقّه : محمّد بن الحسن بن الوليد القمي ، جليل القدر عارف بالرجال موثوق به(3).
4 - علي بن إبراهيم : وهو من أجلاّء الطائفة قال النجاشي في حقّه : علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي ، ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فأكثر وصنّف كتبا(4).
5 - إبراهيم بن هاشم : فهو وإن لم يرد في حقّه توثيق خاص من النجاشي أو الطوسي أو الكشي إلاّ أنّ العلاّمة قال في حقّه : لم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص والروايات عنه كثيرة والأرجح قبول قوله .
وبالإضافة إلى ذلك هناك بعض القرائن التي تدلّ على وثاقته منها :
ص: 108
1 - كثرة رواية ولده علي بن إبراهيم عنه والحال أنّه أي علي ابن إبراهيم صرّح في مقدّمة تفسيره أنّه لا يروي في تفسيره إلاّ عن الثقات .
2 - إنّ إبراهيم بن هاشم ورد في اسناد كثيرة من كتاب كامل الزيارات ، الذي شهد مؤلّفه بوثاقة كلّ من ورد اسمه في كتابه .
3 - حكم كثير من علمائنا الأعلام في كتبهم بصحّة الروايات التي يقع في سندها إبراهيم بن هاشم ومنهم العلاّمة في التذكرة والمختلف ، الشهيد الأوّل في الدروس ، الكركي(1) في جامع المقاصد ، الشهيد الثاني(2) في المسالك والروضة ، العلاّمة في حواشي الإرشاد وقواعد الأحكام ، الفاضل المقداد(3) في المناهل ،
ص: 109
السيّد محمّد(1) في المدارك ، البحراني في الحدائق(2) وغيرهم .
4 - أشار السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث أنّ عدد الروايات التي وقع إبراهيم بن هاشم في إسنادها (6414) موردا ولا يوجد من الرواة مثله في كثرة الرواية ، ولوجود هذا العدد الكبير من الروايات وحمل كثير من علمائنا الأعلام
ص: 110
على كون هذه الأخبار صحيحة يوعز بتوثيقهم له .
6 - محمّد بن إسماعيل بن بزيع : ويكفي في توثيقه الرواية التالية : عن الحسين ابن خالد الصيرفي قال : كنّا عند الرضا عليه السلام ونحن جماعة ، فذكر محمّد بن إسماعيل ابن بزيع فقال عليه السلام : وددت أنّ فيكم مثله(1).
وقال النجاشي(2) في حقّه : كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم ، كثير العمل ، له كتب(3).
وقال الشيخ الطوسي عنه : محمّد بن إسماعيل بن بزيع ثقة ، صحيح كوفي ، مولى المنصور(4).
وبهذا يكون سند الزيارة صحيحا لا خدشة فيه فضلاً عن بقية الأسانيد لها والتي تصحّح بشكل وبآخر ومنها عمل المشهور الذي أشار إليه المولى الكاشاني ، أمّا قاعدة التسامح فهي قاعدة أُصولية في خصوص المستحبّات ، ومضمون هذه القاعدة : [ إنّ من بلغه عن النبي صلى الله عليه و آله ثواب على عمل فعمله ، كان له ذلك الثواب ، وإن كان النبي صلى الله عليه و آله لم يقله ] .
ص: 111
وهذه القاعدة مستندة إلى صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه »(1).
وهي زيارة الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من محرّم من كلّ سنة ، فهو اليوم الذي قتل فيه سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه الكرام في أرض كربلاء سنة (61) من الهجرة . وفي أوّل يوم من هذا الشهر الحرام يفد الزائرون لزيارة الإمام الحسين عليه السلام إلى الثالث عشر منه ، وهو يوم (ثالث الإمام) لما ورد في فضل زيارته عليه السلام في اليوم العاشر من أحاديث ، ومنها ما رواه جابر الجعفي ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وبات عنده كان كمن استشهد بين يديه »(2). وعن المدائني عنه عليه السلام قال : « من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السلام وشهد معه »(3). وغيرها من الروايات الواردة في
فضيلة زيارته في ذلك اليوم ، إذ أنّ في ذلك إعلانا لأمرهم وإحياءً لقضيتهم ، وحياةً
للدين والإسلام بعد ما اقترفته تلك الفئة الباغية من الإجرام الفظيعة في مثل ذلك اليوم . ولذلك تكثر فيه الجماعات وتزداد الاجتماعات ، وتقام المآتم في طول البلاد الإسلامية وعرضها .
ص: 112
وفي يوم العاشر من شهر محرّم الحرام تستحبّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام من قرب أو بعد . فقد قال السيّد الأمين(1) في (مفتاح الجنّات)(2): كيفيتها من بُعد أو قرب أن يشير إليه عليه السلام بالسلام ، إن كانت من بُعد ، والظاهر أنّ المراد بالاشارة إليه بالسلام أن يتوجّه إلى جهة مشهده الشريف ثمّ يصلّي ركعتين للزيارة إن كانت من بُعد ، لما ورد أنّ صلاة الزيارة إن كانت من بعد تصلّي قبل الزيارة ، وإن كانت من قرب تصلّي بعدها . وأن يكون في الزيارة من بعد على سطح داره أو في فلاة ، وأن يزور أمير المؤمنين عليه السلام قبل زيارة الإمام الحسين عليه السلامإن كانت الزيارة من قرب أو من بُعد ، لما رواه الشيخ في المصباح عند ذكره لزيارة عاشوراء ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة قال : خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبداللّه عليه السلام فسرنا إلى الحيرة ، فلمّا فرغنا من الزيارة - يعني زيارة أمير المؤمنين عليه السلام - صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبداللّه عليه السلام فقال لنا :
تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان ، من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام من هاهنا وأومأ إليه أبو عبداللّه عليه السلام بالسلام وأنا معه ، قال :
فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء ، ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام فودّع في دبّرها أمير المؤمنين عليه السلام ، وأومأ إلى الحسين عليه السلام بالتسليم منصرفا وجهه نحوه وودّع .
ص: 113
فإذا أردت أن تزور زيارة عاشوراء وصلّيت ركعتين ، إن كانت الزيارة من بُعد فالأولى بعد الركعتين أن تزور أوّلاً أمير المؤمنين عليه السلامثمّ تزور الحسين عليه السلام ، خصوصا إن أردت أن تعمل عمل عاشوراء عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فتزور أوّلاً أمير المؤمنين عليه السلام .
وإن كانت الزيارة من قرب فزره بإحدى هاتين الزيارتين بدون أن تصلّي ركعتين . فإذا فرغت من زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فزر الحسين عليه السلام متوجّها إلى جهة قبره الشريف إن كانت الزيارة من بُعد . وإن كانت عند أمير المؤمنين عليه السلام فزره بها من عند رأس أبيه أمير المؤمنين عليه السلام . وإن كنت في كربلاء فتتوجّه إلى قبره الشريف ، بعد ما تزور أباه عليه السلام بإحدى الزيارتين ، علما بأنّ أُولاهما هي المشهورة .
من أبرز المسائل المهمّة في زيارة عاشوراء الشريفة هي مسألة اللعن الوارد فيها أكثر من مرّة ، فقد حاول كثير من الناس ردّ الزيارة لاحتوائها على اللعن الشديد مدّعين أنّه ليس من سيرة المعصومين عليهم السلام ولا من شيمتهم .
وحيث إنّ هذه الشبهة انطلت على عقول بعض البسطاء من عامّة الناس وجدنا من الجدير أن نفرد لها بحثا مستقلاً يوضّح رؤية الشارع المقدّس تجاه اللعن معتمدين في ذلك على مصادر العامّة .
وقبل أن نشرع بردّ هذه الشبهة لا بأس من معرفة معنى اللعن وما هو الفرق بينه وبين الشتم والسبّ ، فقد قال الراغب الأصفهاني : اللعن : الطرد والإبعاد على
ص: 114
سبيل السخط ، وذلك من اللّه تعالى في الآخرة عقوبة ، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه ، ومن الإنسان دعاء على غيره(1).
أمّا السبّ ، فقد قال ابن الأثير هو الشتم(2).
وكما يبدو أنّ السبّ والشتم مترادفتان ولا فرق بينهما سوى ما ذكره الراغب بأنّ السبّ هو الشتم الوجيع(3).
جاءت مادّة لعن في القرآن الكريم حوالي 37 مرّة منسوبة إلى اللّه تعالى ، ومرّة منسوبة إلى الناس ، وقد قسّم اللعن إلى أربعة أقسام هي :
1 - لعن إبليس : مثل قوله تعالى : «وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»(4).
2 - لعن الكافرين : مثل قوله تعالى : «إِنَّ اللّه َ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرا»(5).
3 - لعن أهل الكتاب : مثل قوله : «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ»(6).
4 - اللعن العام حيث وجّه فيه اللعن إلى كلّ من يتحلّى بصفات خاصّة حتّى
ص: 115
لو كان مسلما ، كما لو كان كاذبا حيث قال تعالى : «وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ»(1).
أو كان ظالما ويدلّ عليه قوله : «أَلاَ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ»(2).
وهنا يطرح سؤال مهمّ ألا وهو إذا كان الباري تعالى ورسله يلعنون ، فلماذا يخالف العامّة الشيعة في اللعن ؟
الجواب : لأنّ اللعن يخالف نظرية ابتدعوها وهي نظرية عدالة الصحابة حيث إنّ كثيرا ممّن يسمّونهم صحابة كانوا ظالمين وما أشبه فيشملهم اللعن ولذا فقد اضطرّوا إلى التخلّي عن اللعن وتوجيه أدلّته .
مقابل العامّة الذين رفضوا اللعن وأوّلوا أدلّته تمسّك الشيعة به وصرّح فقهاؤهم بجوازه حتّى لمن يسمّونهم بالصحابة ولذلك فإنّ نظرية عدالة الصحابة مردودة عند الشيعة للأدلّة التالية :
1 - إنّ الإيمان بعدالة كلّ الصحابة يستلزم القول أنّ المناط في العدالة هو صحبة الرسول صلى الله عليه و آله وإن فعل ما فعل .
ص: 116
2 - إنّ القول بعدالة الصحابة مخالف لصريح القرآن الكريم الدالّ على وجود منافقين وفاسقين بين صحابة الرسول صلى الله عليه و آله .
3 - كما أنّ القول بعدالتهم منافٍ لصريح السنّة النبوية الدالّة على غضب الرسول صلى الله عليه و آله لكثير منهم .
4 - العدالة لجميع الصحابة يعارض آيات القرآن المصرّحة باللعن لكلّ من يتّصف بصفات اللعن وإن كان مسلما .
بالإضافة إلى الآيات القرآنية المصرّحة بجواز اللعن هناك بعض الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه و آله صريحة باللعن منها :
ما أخرجه الحاكم وصحّحه عن عمر بن مرّة الجهني وكانت له صحبة أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلى الله عليه و آله ، فعرف النبي صوته وكلامه ، فقال : «
ائذنوا له ، عليه لعنة اللّه عليه وعلى من يخرج من صلبه ، إلاّ المؤمن منهم ، وقليل ما هم »(1).
روى البلاذري : أنّ الحكم بن العاص كان جارا لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهفي الجاهلية وكان أشدّ جيرانه أذىً له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد الفتح وكان مغموصا عليه في دينه ، فكان يمرّ خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّى قام خلفه فأشار باصبعه ، فبقى على تخلّجه وأصابته وخبله ،
ص: 117
واطّلع على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة ، وقال : « من عذيري من هذا الوزغ اللعين »(1).
وعن ابن أبي الحديد عن عاصم الليثي عن أبيه ، قال : أتيت مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والناس يقولون : نعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لعن اللّه التابع والمتبوع »(2).
وعن عائشة أنّها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول لأبيك وجدّك أبي العاص بن أُميّة : « إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن »(3).
وعن أبي ذرّ الغفاري قال لمعاوية : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول وقد مررت به : « اللهمّ العنه ولا تشبعه إلاّ بالتراب »(4).
ومن العجيب قولهم لا يجوز لعن الصحابة والحال أنّ نفس الصحابة كانوا يلعنون بعضهم بعضا والشواهد على ذلك كثيرة نذكر واحدا فقط :
فقد وجّه محمّد بن أبي بكر رسالة إلى معاوية قال فيها : وقد رأيتك تساميه -
ص: 118
الإمام علي عليه السلام - وأنت أنت ، وهو هو أصدق الناس نيّة ، وأفضل الناس ذرّية ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عمّ أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمّه سيّد الشهداء يوم أُحد ، وأبوه الذابّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن حوزته ، وأنت اللعين ابن اللعين(1).
أشكل البعض على اللعن فقال : إنّه يخالف بعض الروايات الناهية عن السبّ واللعن ومنها :
أُتي بابن النعمان إلى النبي صلى الله عليه و آله فجلده ، ثمّ أُتي به فجلده مرارا أربعا أو خمسا ، فقال رجل : اللهمّ العنه ما أكثر ما يشرب ؟ وما أكثر ما يجلد ؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله : « لا تلعنه فإنّه يحبّ اللّه ورسوله »(2).
وفي ردّه نقول : أوّلاً نحتاج إلى مراجعة سند الرواية .
ثانيا : هناك تعارض بينها وبين الآيات الكثيرة المصرّحة بجواز اللعن .
ثالثا : الرسول صلى الله عليه و آله يصرّح أنّ الرجل يحبّ اللّه ورسوله ، وربما كانت هذه إشارة إلى صدق توبته وإيمانه ومعها لا يصحّ لعنه .
وأشكل البعض أيضا فقال : إنّ اللعن بالتعيّن كأن يقول : اللهم العن زيدا غير جائز وإنّما اللعن الجائز هو اللعن بالكل كأن يقول : اللهمّ العن الكافرين أو
ص: 119
الظالمين ؟
وفي ردّه يقال : هذا يخالف لنفس القرآن الذي صرّح باسم بني اسرائيل في الآية التي ذكرناها قبل قليل .
ثانيا : هذا يخالف سيرة الرسول صلى الله عليه و آله الذي نصّ على اسم معاوية ومروان وغيرهما في اللعن .
ثالثا : لا دليل على كلامكم ، فما ادّعي أنّهم قد يتوبوا فيكون ذلك وصمة لهم إذ أنّ اللعن فيه شرائط إذا ثبتت فيجوز ، أمّا في المستقبل وبعد توبته فهذا لا يمنع من جواز اللعن في الحال والترحّم عليه في المستقبل كما هو بالنسبة للحرّ الرياحي الذي كان ملعونا قبل توبته ثمّ صار من أنصار سيّد الشهداء عليه السلام .
وأشكل أيضا : أنّ هناك روايات تذمّ اللاعن منها : ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ليس المؤمن بالطعّان ولا باللّعان ولا بالسبّاب ولا البذيء »(1).
وقوله
صلى الله عليه و آله : « لا يكون المؤمن لعّانا »(2).
وقوله
عليه السلام : « كرهت لكم أن تكونوا لعّانين » .
وفي ردّه إنّ هذا موجّه لمن يجري على لسانه بنحو مستمرّ بسبب أو بدون سبب أمّا الذي يلعن مع الدليل فهذه الروايات غير ناظرة إليه وخير دليل على ذلك هي صيغة فعّال الدالّة على المبالغة فالذي يلعن باستمرار بدليل أو بدونه هو مراد الروايات .
ص: 120
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ
··· -···
والآن وبعد إزاحة هاتين الشبهتين لنشرع بشرح الزيارة والتي ابتدأت ب- :
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ] .
ممّا لا يكاد يخفى على أحد أنّ السلام تحية الإسلام ، وأنّ التسليم وسيلة التعظيم والتكريم ، أي تعظيم المحبّ للمحبّ للتأليف بين القلوب . وقد ورد عن النبي صلى الله عليه و آلهأنّه قال : « ابدؤا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه »(1). وعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « إنّ اللّه يحبّ افشاء السلام »(2). وعن الإمام الصادق عليه السلامقال : « البادي بالسلام أولى باللّه ورسوله »(3).
وقد اختلف في معنى هذا اللفظ (أي السلام) ، فقيل : الدعاء أي سلمت من المكاره(4)، وقيل(5): أنّه اسم اللّه عليك أي أنت في حفظه ، كما يقال اللّه معك ، وإذا قيل : السلام علينا أو السلام على الأموات فليس المراد به الإعلام بالسلامة يقينا ،
ص: 121
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وربما يقال : إنّ المراد منه الدعاء(1) بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا أو عذاب الآخرة أو كليهما .
فالمراد من هذه العبارة عدّة احتمالات :
الأوّل : أن يكون دعاءً ... أي تكون الجملة جملة انشائية كسائر الأدعية التي نطلبها من اللّه تعالى ، فنطلب من اللّه تعالى السلامة من كلّ آفة وعيب للطرف الذي
نسلّم عليه .
الثاني : أن تكون جملة خبرية ... أي أنّ السلامة ثابتة لك .
الثالث : أن تكون تحية ... فإنّ كلّ قوم لهم تحية خاصّة ، فالجاهليون - مثلاً - عندما كانوا يتلاقون كانوا يقولون (أنعم صباحا) أو (مساءً) .
ويبدو أنّ أصل الجملة كانت دعاءً (أي المعنى الأوّل) إلاّ أنّها نقلت عنها إلى المعنى الثالث فهي تحية .
ويدلّ على ذلك قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ»(2) وقوله تعالى : «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ»(3) وقوله تعالى : «جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا
ص: 122
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
سَلاَمٌ»(1).
إذ أنّ المراد في هذه الآيات تسليم تلك الجنّات بما فيها من النعم الدائمات إليهم ، فإنّ هذا أعظم التحيّات ، ويلزمها السلام من الآفات والحياة التي لا يموت بعدها أبدا ، لأنّ السلام مصدر سلم بتشديد العين ، ومصدر سلم بتخفيضها إنّما هو السلامة(2).
ومن معاني السلام عليه عليه السلام أن يسلّم اللّه له ما جعله له ، بأن يجعله حرما آمنا لمن توسّل به ، وتمسّك به واستشفع به ، وحصّل علاقة ورابطة به ، فإنّ ذلك أحد معاني السلام على النبي والأئمّة الأطهار عليهم السلام فيكون السلام من الزائر : إنّه سلّم نفسه وماله ومطلق ما يتعلّق به من بدو وجوده إلى الأبد إلى الإمام عليه السلام بحيث لا يرغب بشيء ممّا يتعلّق بعالم وجوده عنه عليه السلام ووطّن نفسه بافنائها في إرادته ووقّفها عليه عليه السلام .
وهذا في الحقيقة تعليم للأُمّة ليتوسّلوا به للوصول إلى درجة القربة حسب اختلاف مراتب استعدادهم للكمالات الإمكانية ، وإلاّ قدرة حقيقته عليه السلام مكنونة ، وجوهرة لطيفته مصونة عن كلّ آفة ، وكذا جسمه اللطيف وجسده الشريف ويدلّ عليه قوله عليه السلام : [ وعلى أجسامكم وعلى أجسادكم ] لأنّهما ليسا كسائر الأجسام والأجساد التي تفنى وتبلى كما ورد به روايات كثيرة منها ما عن النبي صلى الله عليه و آله :
ص: 123
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
« إنّ اللّه حرّم لحومنا على الأرض أن تُطعم منها شيئا »(1). وروي عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ اللّه عزّوجلّ حرّم عظامنا على الأرض وحرّم لحومنا على الدود أن تطعم منها شيئا »(2).
إذن فالخطاب غير مختص بالأرواح بالحقيقة ، وإنّما يشمل جسد الإمام وروحه عليه السلام كما تقول في الزيارة : [ صلوات اللّه عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم ] فلولا الخصوصية الموجودة في أبدانهم عليهم السلام لما صار هناك معنى محصّل من السلام والصلوات عليها !!
أمّا قولنا ياأبا عبداللّه فهي من كُناه المعروفة ، والغرض منها إظهار العظمة فلا يلزم أن يكون في ولده من يتّصف بهذه التسمية ، ومع ذلك فقد كان له في ولده من يسمّى بهذا الاسم(3)، ولا يخفى أنّ في السلام عليه صلوات اللّه عليه بكنيته إشارة إلى حضوره ومشاهدته لمقام الزائر لما ورد في الأخبار أن ينادي الإنسان عند حضوره بكنيته ومن ذلك :
ما عن أبي الحسن عليه السلام قال : « إذا كان الرجل حاضرا فكنّه ، وإذا كان غائبا
ص: 124
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ
··· -···
فسمّه »(1).
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللّهِ ] .
من الآيات التي يستدلّ بها على بنوّة الإمام الحسين عليه السلام لرسول اللّه صلى الله عليه و آله هي آية المباهلة حيث قال تعالى : «أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»(2). فقد أجمعت الشيعة على أنّها مختصّة بالحسنين عليهماالسلام ، وكذلك العامّة كالسيوطي والقرطبي في تفسيرهما(3). ولا ينافي ذلك قوله تعالى : «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ...»(4) لأنّ الآية في صدد نفي التبنّي وإلاّ فمن المسلّم أنّها ليست في مقام نفي البنوّة ، هذا مع اختصاص المورد
بزيد بن حارثة الذي تبنّاه النبي صلى الله عليه و آله(5) وحكايته معروفة .
على كل فلا خفاء في كون سيّد الشهداء عليه آلاف التحية والثناء ابنا لأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليهاالسلام ظاهرا وباطنا ، جسدا وروحا على الاطلاق الحقيقي ، وكذا لا خفاء في كونه عليه السلام ابنا للرسول صلى الله عليه و آله فعن أبي الجارود ، عن
ص: 125
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
الباقر
عليه السلام ، قال : قال لي : « ياأبا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين عليهماالسلام؟ » قلت : يُنكرون علينا إنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : « فبأي شيء احتججتم عليهم ؟ » قلت : بقول اللّه في عيسى بن مريم : «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيَْمانَ»(1) فجعل عيسى من ذرّية إبراهيم . قال : « فأي شيء قالوا لكم ؟ » قال : قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب . قال : « فبأي شيء احتججتم
عليهم ؟ » قال : قلت : احتججنا عليهم بقول اللّه تعالى : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»(2) قال : « فأي شيء قالوا لكم ؟ » قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد فيقول أبناؤنا وإنّما هما ابن واحد .
فقال
عليه السلام : « واللّه ياأبا الجارود لأعطينّكها من كتاب اللّه مسمّى لصلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يردّها إلاّ كافر » . قال : قلت : جعلت فداك وأين ؟ قال : « حيث قال اللّه : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» إلى قوله : «وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلاَبِكُمْ»(3) فاسألهم ياأبا الجارود هل حلّ لرسول اللّه نكاح حليلتهما ؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا واللّه وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما واللّه إبناه لصلبه ، وما حرّمها عليه إلاّ الصلب »(4).
ص: 126
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
فالحسين
عليه السلام ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لوجوه لا تخفى على أُولي النهى ، وهذا ممّا يثبت بالأخبار المتظافرة بل المتواترة والمروية عن الخاصّة والعامّة .
ففي رواية جابر ، عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « إنّ كلّ بني أُمّ ينتمون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم »(1). وقال صلى الله عليه و آله : « حسين منّي وأنا من حسين »(2). وقال صلى الله عليه و آله : « هذان أي الحسن والحسين عليهماالسلام ابناي إمامان »(3).
وتشمل هذه الأقوال على معنى واحد كلّي يندرج تحته المعنيان ، فيجوز استعمال اللفظ فيه ولو مجازا في باب الحقيقة والمجاز المشترك ، وكذا حمل مثل هذه الأقوال في المجازين ، كما في المقام لو قلنا : بأنّ استعمال الابن في ابن البنت بل مطلق غير الولد للصلب تجوّز ، فهذا من باب سبك المجاز من المجاز ، ولكن العارف يرى هذا الاستعمال من قبيل الحقيقة كما ذهب إليه السيّد المرتضى رحمه الله(4).
وأنّ هناك كثيرا من الأحاديث في فضائل الإمام الحسين عليه السلاموردت بحقّه من جدّه المصطفى ودوّنت في كتب الفرق الإسلامية ، نورد جملة منها تناسب
ص: 127
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
المقام والمقال .
فعن أحمد بن حنبل بسنده عن الإمام علي عليه السلام قال : « لمّا ولد الحسين ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلت حربا ، فقال : بل هو حسين »(1).
وعن المتّقي الهندي(2) بسنده ، قال النبي صلى الله عليه و آله : « سمّى هارون ابنيه شبّرا
وشبيرا ، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحسين باسمي هارون ابنيه »(3).
وقد نقلنا هذه الأحاديث القليلة من كتب العامّة كي نعرّف التابعين لهذه المدرسة فضائل سيّد شباب أهل الجنّة وخير شباب المسلمين من الأوّلين والآخرين ، وكيف أنّ اتباع هذه المدرسة لم يعرفوا قدر فلذة كبد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكيف أنّهم أحبّوا الصحابة أكثر ممّا أحبّوا العترة الطاهرة ، والحال أنّ طاعتهم ومودّتهم واجبة في كتاب اللّه الحكيم والسنّة الشريفة ، حيث قال عزّ من قائل :
ص: 128
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاخِيَرَةَ اللّهِ وابْنَ خِيَرَتِهِ
··· -···
«قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1).
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي »(2).
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاخِيَرَةَ اللّهِ وابْنَ خِيَرَتِهِ (3)].
أي من اختاره اللّه من خلقه ، فإنّه أبو الأئمّة التسعة المعصومين عليهم السلام ، وهم خلفاء ربّ العالمين وأئمّة المسلمين ، والذين اختارهم اللّه من العالمين واصطفاهم على الملائكة المقرّبين ، فعن الإمام الصادق عليه السلامفي خطبة له يذكر فيها حال الأئمّة عليهم السلام قال : « فلم يزل اللّه تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين من عقب كلّ إمام ويصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما بيّنا وهاديا نيّرا وإماما قيّما وحجّة عالما أئمّة من اللّه يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج اللّه ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد وتستهلّ بنورهم البلاد »(4).
ص: 129
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقد افتخر الإمام عليه السلام بكونه ابن خيرة الخلق في رجزه المعروف فقال : «
خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ أُمّي فأنا ابن الخيرتين »(1).
وبالرغم أنّ الإمام الحسين عليه السلام مدحه جميع الأنبياء والملائكة ، وعباد اللّه الصالحين ؛ إلاّ أنّ خصوصيته في الممدوحية أنّه ممدوح الأولياء والأعداء . فقد اختصّ بمدح أعدائه له ، فقد مدحه معاوية في وصيته ليزيد(2)، ومدحه ابن سعد في بعض أبياته(3)، ومدحه سنان حين اشتغل بقتله ، فقال :
اقتلك اليوم ونفسي تعلم
علما يقينا ليس فيه مكتم
ولا مجال لا ولا تكتم
إنّ أباك خير من تكلّم(4)
ومدحه رافع رأسه الشريف حين جاء به إلى ابن زياد ، فقال :
املأ ركابي فضّة وذهبا
إنّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أُمّا وأبا
وخيرهم إذ ينسبون نسبا(5)
وهذا ما أكّده يزيد لعنه اللّه وهو يشير إلى الرأس الشريف قائلاً : إنّ هذا - أي
ص: 130
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
الإمام الحسين عليه السلام - كان يفتخر عليَّ ، ويقول : أبي خير من أبي يزيد ، وأُمّي خير من أُمّه ، وجدّي خير من جدّه ، وأنا خير منه ، فهذا الذي قتلته .
وأمّا قوله : أبي خير من أبي يزيد ، فلقد حاجّ أبي أباه ، فقضى اللّه لأبي على أبيه .
وأمّا قوله : أُمّي خير من أُمّ يزيد ، فلعمري لقد صدق ، فإنّ فاطمة بنت رسول اللّه خير من أُمّي .
وأمّا قوله : جدّي خير من جدّه ، فليس لأحد يؤمن باللّه واليوم الآخر يقول بأنّه خير من محمّد صلى الله عليه و آله .
وأمّا قوله : بأنّه خير فلعلّه لم يقرأ هذه الآية : «قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي
الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ»(1).
وقد ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : « وخير شبابكم الحسن والحسين »(2).
نعم لقد كان الإمام الحسين عليه السلام رمزا للشهامة والإباء ، وانموذجا للقيم السامية والمثل العليا ، ومدرسة للشهادة والتضحية في سبيل اللّه ، وأُسوة في العشق
ص: 131
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ
··· -···
الإلهي والذوبان في اللاهوت ، وقدوة في الصبر والاستقامة والثبات على المبدأ والخُلُق النبوي الكريم ، وكلّ من يراجع سيرته العطرة وتاريخه المشرق يجد فيهما هذه الخصال الكريمة والصفات الحميدة والسيرة الشريفة ، فهو حقّ خيرة العباد .
وكيف لا يكون كذلك وقد تربّى في أحضان الطهر والعفاف ، وتغذّى ورضع من ثدي الإيمان ولذا نقول في زيارته : « أشهد أنّك طهر طاهر مطهّر من طهر طاهر
مطهّر ، طهرت وطهرت بك البلاد وطهرت أرض أنت بها »(1).
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ] .
أمّا كونه ابنا لأمير المؤمنين عليه السلام فهو ممّا لا شكّ فيه . وأمير المؤمنين من ألقاب أبيه علي عليه السلام ، سمّاه اللّه به حين أخذ الميثاق له على عباده ، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة منها : عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « اللّه سمّاه ، وهكذا أنزل اللّه في كتابه : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(2) وأنّ محمّدا رسولي وأنّ عليا أمير المؤمنين »(3).
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لو يعلم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال اللّه عزّوجلّ : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ
ص: 132
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بِرَبِّكُمْ» قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(1).
وهذا اللقب من مختصّات الإمام علي عليه السلام فلا يجوز لأحد أن يطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين ؛ وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة علما أنّ بعضها تصرّح أنّه لا يتسمّى به أحد غيره إلاّ مفترٍ كذّاب ، فعن أبي حمزة الثمالي قال : سألت أبا جعفر
محمّد بن علي الباقر عليه السلام : يابن رسول اللّه لِمَ سمّي علي عليه السلام أمير المؤمنين وهو اسم ما سمّي به أحد قبله ولا يحلّ لأحد بعده ؟ قال : « لأنّه ميرة العلم يُمتار منه ولا يمتار من أحد غيره »(2). وفي بعض الروايات « لا يدّعي هذا اللقب أحد إلاّ كان منكوحا وإن لم يكن كذلك ابتلي به »(3)، وهو قول اللّه في كتابه : «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانا مَرِيدا ...»(4).
ص: 133
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أمّا كون الإمام علي عليه السلام سيّد الوصيين لسيّد النبيين ، لأنّ اللّه فضّلهما على سائر الأنبياء والأوصياء في مقام الرسالة والولاية المطلقتين ، فما من نبي ولا ولي إلاّ
وهو تحت لوائهما ، فالنبي صلى الله عليه و آلهسيِّد المرسلين والإمام علي عليه السلام سيِّد الوصيين .
وقد افتخر عليه السلام بتلك السيادة ، كما في خطبة له ، فقال : « أنا قسيم النار ، أنا خازن الجنان وصاحب الأعراف ، وأنا أمير المؤمنين ويعسوب المتّقين وآية السابقين ولسان الناطقين وخاتم الوصيين ... »(1).
وعن ابن عباس قال : نظر النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام فقال : « أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة »(2). والمراد بالسيّد الأشرف ، وربما يراد منه المفترض الطاعة . كما روي عن عائشة قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله ، فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال صلى الله عليه و آله : « هذا سيّد العرب » ، فقلت : يارسول اللّه ألست سيّد
ص: 134
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
العرب
؟ قال : « أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب » ، قلت : وما السيّد ؟ قال صلى الله عليه و آله : « من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي »(1). وعن أبي ذرّ الغفاري قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آلهلعلي عليه السلام : « من أطاعك فقد أطاعني ، ومن أطاعني أطاع اللّه ، ومن عصاك عصاني »(2).
وإذا كان هو سيّد العرب فكذلك هو سيّد غيرهم إذ العرب كانوا سادة الناس باعتبار الرسالة فيهم ومنهم فهو سيّد غيرهم بطريق أولى ، وثانيا إنّ العرب اختارهم اللّه على غيرهم كما في بعض أحاديث الاختبار فسيّدهم سيّد غيرهم أو يكون المعنى أنّه سيّد العرب الذين بلغهم الإسلام وهم محلّ الكلام فهو سيّد غيرهم لأنّ غيرهم مشاركون لهم في التكليف وهذا في حياة النبي صلى الله عليه و آله وبعد وفاته حيث نصبه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في حال حياته بالأصالة وبحديث الغدير نصب عليا عليه السلام بعد الوفاة ، وهو عليه السلام منصوبا عن النبي صلى الله عليه و آله على العرب خاصّة في حال حياته ، فكان مفترض الطاعة لهم حينئذ بالنيابة ، ويدلّ على ذلك حديث المنزلة حيث قال صلى الله عليه و آله له عليه السلام : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي »(3).
ص: 135
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ
··· -···
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ ] .
فقد ورد في الروايات الواردة في وجه التشابه بين سيّد الشهداء عليه السلام ونبي اللّه يحيى أنّ كلّ منهما قد بشّر به قبل ولادته ، فبشارة الأوّل : «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى»(1) وبشارة الثاني : « يامحمّد إنّ اللّه يبشّرك بمولود من فاطمة »(2) والمراد بالأُمّ هي فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فقد ورد في بعض الأخبار أنّه
سئل الإمام الصادق عليه السلام عن فاطمة لِمَ سمّيت زهراء ؟ فقال : « لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض »(3).
ولكن يحتمل أن يراد بالتسمية مطلق الوصف ، كما في حديث تسميتها بالمحدّثة(4).
وفاطمة من الفطم وهو القطع ، سمّيت بهذا الاسم ، لأنّ اللّه فطم من أحبّها من النار ، كما رواه الصدوق رحمه الله عن أبي هريرة قال : « إنّما سمّيت فاطمة ، لأنّ اللّه تعالى فطم من أحبّها من النار »(5). وفي بعض الروايات : « لأنّ اللّه فطمها وذرّيتها من النار »(6).
ص: 136
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وفي بعضها : « لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها »(1). أو لأنّه فطمها بالعلم وعن الطمث كما روي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « لمّا ولدت فاطمة عليهاالسلام أوحى اللّه
عزّوجلّ إلى ملك ، فأنطق به لسان محمّد فسمّاها فاطمة ، ثمّ قال : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث » ، ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : « واللّه لقد فطمها اللّه تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق »(2).
والزهراء من ألقاب فاطمة عليهاالسلام ، وقد وردت في وجه تسميتها أخبار ، ففي بعضها : « لأنّ اللّه عزّوجلّ خلقها من نور عظمته »(3). وفي بعضها : إنّه تعالى خلق نور فاطمة عليهاالسلام بعد أن أحاطت الظلمة بالملائكة فرفعها به والحديث طويل .
وفيه « ثمّ أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى اللّه أن يكشف عنهم تلك الظلمة ، فتكلّم اللّه بكلمة ، فخلق منها روحا ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من
ذلك الروح نورا ، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها أمام العرش ، فزهرت المشارق والمغارب ، فهي فاطمة الزهراء ، فلذلك سمّيت الزهراء »(4).
والمراد بكونها عليهاالسلام سيّدة نساء العالمين ، أنّها أشرف من جميع نساء العالمين من الأوّلين والآخرين وليس نساء عالمها وأهل زمانها كما كانت السيّدة مريم عليهاالسلام .
ص: 137
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ويدلّ على ذلك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لها : « يافاطمة أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين ، وسيّدة نساء المؤمنين ، وسيّدة نساء هذه الأُمّة »(1).
وعن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في فاطمة : « أنّها سيّدة نساء العالمين » أهي سيّدة نساء عالمها ؟ فقال : «
ذاك لمريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وفاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين »(2).
وفي هذه النسبة أيضا فخر ظاهر وشرف باهر للحسين عليه السلام ، كيف لا يكون ذلك ، وهو ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله التي لها من الفضل ما لا ينكره حتّى المخالف(3).
وقد افتخر الإمام الحسين عليه السلام بهذه النسبة ، فقال :
والدي شمس وأُمّي قمر
فأنا الكوكب وابن الفرقدين
فضّة قد صفيت من ذهب
فأنا الفضّة وابن الذهبين
من له جدٌّ كجدّي في الورى
أو كشيخي فأنا ابن العلمين
أُمّي الزهراء حقّا وأبي
وارث العلم ومولى الثقلين(4)
ص: 138
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقد يقال : إنّ فاطمة عليهاالسلام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلامأفضل من سائر الأئمّة عليهم السلام . ويدلّ على ذلك :
1 - ما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، حيث قال لأُخته زينب عليهاالسلام : « أبي خير منّي ، وأُمّي خير منّي ، وأخي خير منّي »(1).
2 - قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « الحسن والحسين فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما أفضل منهما »(2).
3 - عن الإمام الصادق عليه السلام : « لولا أنّ أمير المؤمنين تزوّجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة ، آدم فمن دونه »(3).
وفي الحديث الشريف عن جبرئيل قال : « يامحمّد إنّ اللّه جلّ جلاله يقول : لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض ، آدم فمن دونه »(4).
4 - عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، قال : « نحن حجج اللّه على خلقه ، وجدّتنا فاطمة حجّة علينا »(5).
ص: 139
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاثَارَ اللّه ِ وَابْنَ ثَارِهِ ، وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ
··· -···
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاثَارَ اللّه ِ وَابْنَ ثَارِهِ ، وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ] .
الثأر بسكون الهمزة ، ويجوز تخفيفه بقلبه ألفا ، كالرأس والفأس ، والكأس ، وغير ذلك ممّا كان قبل الهمزة فيه مفتوحا كما يقلب ياء في المكسور ، وواوا في المضموم كالبير في البئر ، والسور في السؤر : الذّحل(1) بالذال المعجمة والحاء المهملة الساكنة ، وقد تفتح ؛ الحقد والعداوة ، وبمعناه الثؤرة بالضم أيضا ، قال الشاعر :
شفيت به نفسي وأدركت ثؤرتي
بني مالك هل كنت في ثؤرتي نكسا(2)
يقال : أدرك ثأره أي حقده بقتل قاتله ، ويقال : ثأرت القتيل بالقتيل إذا قتلت قاتله ، ويقال : ثأرتك بكذا ، أي أدركت به ثأري منك ، ويقال : أثأرت من فلان أي أدركت ثأري منه ، وكثيرا ما يستعمل في طلب الثأر(3).
والذحل والوتر في المطالبة بالدم والانتقام من القاتل ، وفي بعض الدعوات : « اللهمّ اطلب بذحلهم ووقرهم ودمائهم »(4).
قال الطريحي(5): يقال طلب بذحله أي بثأره ، والذحل الثأر ، وكذا الوتر
ص: 140
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بالفتح وكرّر التأكّد . والمراد بكونه ثأر اللّه : أنّ اللّه هو الذي يطلب بثأره وينتقم من
أعدائه ، كما قال عزّوجلّ : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»(1)، وفي ذلك إشارة إلى ما يعطى أولياءه في زمن الرجعة من القوّة والسلطنة والغلبة على أعداء آل محمّد صلى الله عليه و آله فيقتلونهم عن آخرهم بأشدّ قتلة وينكّلون بهم بأشدّ تنكيل .
فعن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما ...» قال : « نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل وليّه أهل الأرض به ما كان مسرفا ، ووليّه القائم عليه السلام »(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « نزلت في قتل الحسين عليه السلام ، أي ولي الحسين
كان منصورا »(3).
والثائر على صيغة اسم الفاعل : هو الذي لا يبقي على شيء حتّى يدرك ثأره ، فالمعنى أنّه الذي يطلب ثأره بإذن اللّه فيكون ثار اللّه (4).
وفي مجمع البحرين : ولعلّه مصحّف من ياثار اللّه وابن ثائره(5).
وأهمّ معاني الثار ، هي :
ص: 141
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
1 - الثار : أي القتيل ، يقال ثأرت القتيل بالقتيل(1).
2 - الثار : أي إدراك دمه وطلبه(2).
والحسين
عليه السلام ثار اللّه بكلا المعنيين .
أوّلاً : لأنّه قتيل اللّه ، أي في سبيل اللّه ، ويكفي في الإضافة أدنى نسبة ، وتوضيح ذلك : أنّ هناك أُمورا تنسب إلى اللّه تعالى لكنّها ليست بمعانيها الحقيقية ... بل هي منزلة على نوع من المجاز والتأويل . كأن نقول : (بيت اللّه) فمن المسلّم أنّ اللّه تعالى ليس له بيت كما للناس ، أو كأن نقول أيضا : شهر اللّه ، فالمعنى أنّ هذا الشهر
منسوب إلى اللّه ، وهذه النسبة نسبة تشريفية .
وقد جاء في الآية : «نَاقَةَ اللّه ِ وَسُقْيَاهَا»(3) فإنّ اللّه تعالى ليس له ناقة
بالخصوص بل كلّ النوق له ، وإنّما هذا مزيد من اختصاص .. وارتباط .. ونوع من أنواع التشريف .
و (ثأر اللّه) هنا أي دم اللّه ، بالطبع فإنّ اللّه عزّوجلّ ليس له دم ، ولكنّه من
باب التشريف والتعظيم لهذا الدم الذي أُريق ، فهو له مزية لا توجد في غيره ، وله ارتباط باللّه لا يوجد في غيره .
وقد يكون المراد من الثار هو الدم فيكون المعنى أنّه (دم اللّه) أي أنّ المختصّ
ص: 142
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بمطالبة هذا الدم هو اللّه .. والولي الحقيقي به هو اللّه تعالى ، فلكلّ دم وليّ كما جاء في الآية «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا»(1). ونقرأ في الدعاء « أشهد أنّ اللّه تعالى الطالب بثارك »(2).
فمن هو ولي دم الحسين عليه السلام ؟ الجواب : هو اللّه تعالى ، وقد انتقم اللّه تعالى لهذا الدم من قتلته بأنواع الانتقام(3).
وأمّا الانتقام الثاني فهو في عهد الإمام الحجّة (عجّل اللّه فرجه الشريف) ، ففي الحديث : إذا خرج القائم يطلب بدم الحسين عليه السلام ويقول : « نحن أولياء الدم وطلاّب الترة »(4).
وفي دعاء الندبة نقرأ « أين الطالب بدم المقتول بكربلاء » .
ومن هنا ركّز الشعراء في شعرهم على أنّه صلوات اللّه عليه صاحب الثأر ، يقول السيّد حيدر الحلّي(5) في عينيته مخاطبا الإمام الحجّة عليه السلام :
ص: 143
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
واطلب به بدم القتيل
بكربلا في خير شيعة
وقال الشيخ الفرطوسي(1):
أما آن للموتور أن يطلب الوترا
فيشفي بأخذ الثار أفئدة حرّى
وقال السيّد جعفر الحلّي رحمه الله(2):
أدرك تراتك أيّها الموتور
فلكم بكلّ يد دم مهدور
ما صارم إلاّ وفي شفراته
نحر لآل محمّد منحور
أنت الولي لمن بظلم قتلوا
وعلى العرى سلطانك المنصور
ص: 144
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
وفي قصيدة أُخرى يقول :
ياقمر التم إلى مَ السرا
ذاب محبّوك من الانتظار
وفي نفس زيارة عاشوراء نقول : [ فأسأل اللّه أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور ] . [ وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام هدى ناطق ] . وأمّا الانتقام الثالث فهو في الآخرة .
ولا يخفى أنّه هناك ثأر إيجابي وآخر سلبي .
فالأوّل : هو الانتقام للحقّ والمبدأ ، كما يثأر الإمام الحجّة عليه السلاملأُمّه
الزهراء عليهاالسلام وللحسين عليه السلام بشعاره « يالثارات الحسين » وقد مرّ ذكره .
أمّا الثاني : فهو الانتقام للعصبية أو للقومية ونحو ذلك ، ومثال ذلك ما فعله الطاغية يزيد بن معاوية ثأرا لأجداده فقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وقد صرّح بذلك يزيد نفسه ، فقال : « يوم بيوم بدر »(1) أو كما قال أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء : وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين(2).
[ وابن ثاره ] لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو أيضا ثأر اللّه ، لأنّه قتيل في سبيل اللّه ، واللّه سبحانه يقتصّ من أعدائه وخصومه .
وقد يطلق الثأر على الدم المسفوك بغير حقّ ، أي دم المقتول ظلما ، سواء أطلبه وليه من القاتل كدم أمير المؤمنين عليه السلام أم لا ، كدم أبي عبداللّه الحسين وأهل
ص: 145
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بيته
عليهم السلام . ويشهد لهذا المعنى الأدعية المأثورة عنهم ، ففي دعاء الندبة نقرأ : « أين الطالب بذحول(1) الأنبياء وأبناء الأنبياء ، أين الطالب بدم المقتول بكربلا »(2).
وعلى هذا يكون المراد من قوله عليه السلام [ السلام عليك ياثار اللّه وابن ثاره ]
أي جعلهما ثأرين للّه ؛ لأنّه الطالب لدمائهما من قتلتهما .
[ والوتر الموتور ] الوتر : الفرد ، والموتور : تأكيد للوتر من قبيل قولهم : (برد بارد) ، (وليل أليل) وفي التنزيل : «وَحِجْرا مَحْجُورا»(3).
وقد يكون المراد ب- (الموتور) من قتل أقرباؤه وأصحابه ، فصار فردا لم ينصره أحد ، أو أن يكون من قبيل قوله : « أنا الموتور » . أي صاحب الوتر ، أي الطالب بالثأر من الوتر والوتيرة ، والوترة وهو طلب الثار .
وهناك معاني أُخرى للوتر :
1 - الوتر بمعنى الفريد ، إذ أنّ الإمام الحسين عليه السلام فريد في خصوصياته وصفاته ، ونهجه ومظلوميته ، ولتفرّده في الكمال في عصره . وبهذا يكون معنى الموتور ، أي جعله اللّه سبحانه تكوينا موتورا في صفاته وخصوصياته .
2 - الوتر بمعنى المصاب بظلم والموتور : هو الذي قتل له قتيل فلم يدرك
ص: 146
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بدمه ، والإمام الحسين عليه السلام هكذا ... وإن قتل يوم كربلاء كثيرا من أعدائه أضعاف من قُتل من أوليائه إلاّ أنّه لو قتل جميعهم لم يعدل سهما خرق حلقوم طفله الرضيع .
وهذه العبارة من الزيارة [ ياثار اللّه وابن ثاره والوتر الموتور ] تذكير لنا بالحقّ المضيّع للإمام الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلامالذين ضحّوا من أجل الحقّ ، لنعمل نحن من أجل حفظ هذا الحقّ .
على كلّ فالموتور هو الذي قتل له قتيل ولم يدرك بدمه(1)، ويحتمل أن يكون بمعنى المقطوع عن الأهل والأعوان ، والغريب عن الأوطان والمعنى أنّه الفريد الوحيد الذي لا ناصر له ولا معين ، والقتيل الذي لم يدرك بثأره أحد كما هو حقّه وإنّما الطالب بثاره هو اللّه المنتقم فإنّه قتيل اللّه وابن قتيله كما ورد في زيارته أيضا : « السلام عليك ياحجّة اللّه وابن حجّته ، السلام عليك ياقتيل اللّه وابن قتيله ، السلام عليك ياثأر اللّه وابن ثأره ، السلام عليك ياوتر اللّه الموتور في
السماوات والأرض ، أشهد أنّ دمك سكن في الخلد ... إلى قوله : أشهد أنّك حجّة اللّه وابن حجّته وأشهد أنّك قتيل اللّه وابن قتيله ، وأشهد أنّك ثأر اللّه وابن ثأره ، وأشهد أنّك وتر اللّه الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنّك قد بلّغت ونصحت .. »(2).
ص: 147
السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ
··· -···
[ السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ ] .
المراد بالأرواح أرواح أصحابه وأعوانه الذين استشهدوا بين يديه ونزلوا بفناء محبّته والوفاء بعهود مودّته واستقاموا على طريق بيعته حتّى قال عليه السلام في حقّهم : « لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي »(1).
ويحتمل أن يراد بالأرواح أجسادهم الشريفة الطاهرة المدفونة في الروضة المقدّسة الطيّبة لطهارتها ، ونزاهتها عن الأدناس البشرية والعلائق العنصرية فصارت بمنزلة الأرواح اللطيفة المجرّدة .
وعددهم على المعروف (72) شخصا ، وأسماؤهم - أو جملة منهم - مذكورة في زيارة نقلها السيّد ابن طاووس في الإقبال عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام(2) إلاّ أنّ هذا المعنى للأرواح خلاف الظاهر من العبارة .
وعلى أي حال سواءً قلنا أنّ المراد هم صحابته ممّن استشهدوا معه ودفنوا معه في حرمه الشريف أم مطلق صحابته وإن لم يدفنوا إلى جواره فإنّ للنزول والدفن إلى جوار سيّد الشهداء صلوات اللّه عليه موضوعية خاصّة ، فإنّ من ينزل بساحته يختلف عن غيره .
ولذا جرت سيرة العلماء الأعلام منذ القدم على الوصيّة بالدفن إلى جوار
ص: 148
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
سيّد الشهداء وبالقرب منه لما في ذلك من بركات وآثار عجيبة يدركها الإنسان في تلك العوالم التي يمرّ بها بعد وفاته .
أمّا الحلول فمعناه النزول ، يقال : حلّ المكان وبه نزل(1)، وفناء الدار بالكسر ما اتّسع من أمامها .
ويمكن أن يراد بحلولها بفنائه وساحته حشرها معه في حضرة القدس ، فإنّ المرء يحشر مع من يحبّه ، والأخبار متظافرة بذلك(2). ولهذا قال الإمام الرضا عليه السلام لابن شبيب : « إن أردت أن تكون معهم في درجاتهم فقل متى ما ذكرتهم : «يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزا عَظِيما»(3)»(4).
وعلى أي حال فإنّ هؤلاء العارفين الكاملين ، الذين ربّاهم الإمام الحسين عليه السلام وبلغ بهم أعلى مراتب السعادة ، تقطّعت قلوبهم ، وانخلعت أفئدتهم وعقولهم ، وأدركتهم الهضيمة ، وذابت قلوبهم كما يذوب الملح في الماء . وهذه شهادة ما وراءها شهادة ، وسعادة لا تضاهيها سعادة ، وكلّ ذلك لأجل مقامهم وعلو مرتبتهم في الجهاد . وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من كان بعدهم »(5).
ص: 149
عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعَا سَلاَمُ اللّه ِ اَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
··· -···
فهم (رضوان اللّه عليهم) قد سبقوا في الجهاد كلّ مجاهد ؛ لأنّهم أقدموا على الموت وعلى القتل بعد علمهم ويقينهم به ، وعدم احتمالهم النجاة بإخبار الإمام عليه السلام ، فإنّه لم يتّفق لأحد من المجاهدين أن يقدم على الجهاد مع العلم بعدم الظفر والقتل ،
كلّ ذلك امتثالاً لأمر اللّه ، وثباتا في الدين ، وإعلاءً لكلمة اللّه .
[ عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعَا سَلاَمُ اللّه ِ اَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ] .
[ عليكم ] خبر مقدّم و [ سلام اللّه ] مبتدأ مؤخّر و [ منّي ] ظرف متعلّق بعامل مقدّر خاصّ كالسؤال والالتماس والاستدعاء ، وهو حال للمبتدأ ولو باعتبار ضميره المستتر في الخبر و [ جميعا ] حال مؤكّدة لضمير الجمع .
قال البيضاوي(1) في قوله تعالى : «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعا»(2) و [ جميعا ] حال في اللفظ تأكيد في المعنى ، كأنّه قيل : اهبطوا أنتم أجمعون . ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط في زمان واحد ، كقولك : جاءوا جميعا . انتهى(3).
والتقدير عليكم جميعا سلام اللّه سؤالاً والتماسا واستدعاءً منّي ، فكأنّه قال : أسأل اللّه أن يسلّم عليكم جميعا ، وإنّما أضاف السلام إلى اللّه وجعل نفسه سائلاً ولم يضفه إلى نفسه فيقول : عليكم منّي السلام تعظيما وتبجيلاً للسلام ، والتحيّة لأجل
ص: 150
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
تعظيم المسلّم عليه ؛ لأنّ سلام الخالق وتحيّته فوق سلام المخلوقين وتحيّتهم وتحقيرا لسلام نفسه بدعوى أنّ سلامه وتحيّته لا يليق بعلوّ مقامهم صلوات اللّه عليهم ، وفي
إضافة السلام إلى اللّه إشارة إلى أنّ اللائق بهم سلامه تعالى ، كما قيل :
سلام من الرحمن نحو جنابكم
فإنّ سلامي لا يليق بباكم
وقد ذكرنا أنّ [ جميعا ] قيد لضمير الجمع ، وكلمة [ منّي ] قيد للمبتدأ ، ولذا فمن حقّ كلّ واحد منهما أن يتّصل بمقيّده ، فيقال : [ عليكم جميعا منّي سلام اللّه ] .
ثمّ إنّ قوله [ أبدا ] يفيد التأبيد ، وقوله [ ما بقيت ] يفيد التوقيت بناء على ظاهره من البقاء في الدنيا . وكذا قوله : [ وبقي الليل والنهار ] إلاّ أنّ مدّة البقاء في الأوّل قصيرة ، وفي الثاني طويلة فيقع التنافي بين التأبيد والتوقيت وبين الطويل والقصير ، لكن يمكن حفظ البقاء أبدا على ظاهره من التأبيد والتصرّف في الباقي بإرادة بقاء النفس الناطقة أبدا في الدنيا والآخرة ، وإرادة التأبيد من بقاء الليل والنهار يجعله من مصطلحات العرف وكناياتهم في إفادة التأبيد نظير قوله تعالى : «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّه ُ لَهُمْ»(1). وقوله عليه السلام في الصلوات الطويلة في أيّام شهر رمضان : « على محمّد وآله السلام كلّما طلعت شمس أو غربت ، على محمّد وآله السلام كلّما طرفت عين أو برقت ، على محمّد وآله السلام كلّما ذكر السلام ، على محمّد وآله السلام كلّما سبّح اللّه ملك أو قدّسه »(2)، فتعليق
ص: 151
يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الاْءِسْلاَمِ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ
عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ
··· -···
السلام على طلوع الشمس وغروبها وإن كان توقيتا بحسب اللفظ إلاّ أنّ الفقرات الباقية قرينة على إرادة التأبيد .
[ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى
جَمِيعِ أَهْلِ الاْءِسْلاَمِ ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ] .
[ الرزية ] بالتشديد أصله الرزيئة بالهمز لأنّه مهموز مشتقّ من الرّزء فخفّفت الهمزة بالقلب والادغام ، وربما تُبقي الهمزة على حالها فيقال : رزيئة من الرزء وهو المصيبة بفقد الأعزّة والأحباب(1).
واللام في لقد لتوطئة القسم ، أي واللّه لقد عظمت الرزية ، وهو يعتبر نداء لتجديد الحزن وتوفير البكاء عليه ، فإنّه لا يذكر عند مؤمن إلاّ وحزنه يتجدّد وعبرته تجري ، كما ورد على لسانه عليه السلام ، حيث قال : « أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر »(2).
فإنّ استشهاد أبي عبداللّه الحسين عليه السلام لم تكن حادثة عادية كبقية الحوادث ، وإنّما كانت رزية عظيمة ، تركت آثارا كبيرة في عمق الضمير الإنساني وفي عمق
ص: 152
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
السماوات والأرض . ولقد ورد في مكان آخر من الزيارة [ مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع أهل السماوات والأرض ] ، فإنّ بعض المصائب قد تهون في مقابلها مصائب الآخرين من جهتين :
أوّلاً : عظم المصيبة وشدّتها وفضاعتها .
ثانيا : هدفها وسموّها المبدئي .
ومصيبة الإمام الحسين عليه السلام تعدّ أعظم مصيبة مرّت على أهل الأرض
والسماء لأنّها جمعت الجهتين معا .
ولذا نرى في العالم المحبّون للإمام الحسين عليه السلام يقيمون المجالس وأنواع الشعائر تعظيما لذكراه الخالدة .
ولنعم ما قال الخطيب الحسيني العلاّمة الشيخ عبدالزهراء الكعبي رحمه الله(1):
ص: 153
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
عجّت لندبك يابن بنت محمّدٍ
هذه الأنام على اختلاف لغاتها
أو كيف لا تبكي عليك وأنت قد
ضحّيت نفسك في سبيل نجاتها
أمّا إنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام جلّت وعظمت عند أهل الإسلام وأهل السماوات فلأُمور منها :
1 - أنّها جمعت كلّ مصائب الأنبياء والأولياء ، إذ أنّ الإمام الحسين عليه السلام
وارث الأنبياء والأولياء ، ولذا نقول في زيارة وارث : « السلام عليك ياوارث آدم صفوة اللّه ... »(1).
2 - أنّها جمعت كلّ المصائب التي يمكن أن يصاب بها الناس في الدنيا ، حيث ضمّت فقد الأولاد والأُخوة والأصدقاء حتّى الرضيع الصغير ، ونهب الأموال وسبي النساء ، وحرق البيوت والسحق بالخيول ... وهكذا ، فكلّ مصاب جلل يمكن أن يصاب به إنسان في الدنيا أُصيب به الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، لذلك تجلّ مصيبته وتعظم على سائر المصائب .
3 - إنّ عظم المصيبة ينشأ من عظم المصاب ، والإمام الحسين عليه السلام له مقام سامي ورفيع عند اللّه تعالى ، والذي يصيبه بأذى يؤذي اللّه سبحانه ، أليس قال عليه السلام:
« رضا اللّه رضانا أهل البيت »(2) وبالطبع فإنّ إيذاء اللّه ، وإيذاء صاحب المقام
ص: 154
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
الرفيع عند اللّه سبحانه أمر عظيم وجليل لما فيه من انتهاك لعظمة الخالق وتجاوز لحدوده وانتهاك لكرامته .
وربما يستفاد من هذه المقاطع من الزيارة الايحاءات التالية :
- أنّ الإمام الحسين عليه السلام ليس للشيعة فقط بل هو للمسلمين كافّة ، فرسول اللّه صلى الله عليه و آله رسول الأُمّة ... والإمام الحسين عليه السلام ابن بنته ، والإمام علي عليه السلام إمام لكلّ الأُمّة .. والحسين عليه السلام ابنه ، والسيّدة الزهراء عليهاالسلام مقدّسة عند جميع المسلمين والحسين ابنها .
ولذا فإنّ فاجعة كربلاء هي فاجعة لكلّ مسلم ... وهي فاجعة عظيمة ... فإذا لم تهزّ وتحرّك هذه المصيبة إنسان ما - كما نرى عند البعض - فلابدّ أن نشكّ في
إسلامهم ، ومن هنا كتب الشيعة والعامّة في الإمام الحسين عليه السلام . بل إنّ الإمام عليه السلام عماد الكون ... وبيمنه رزق الورى ... وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ... وهو العلّة الغائية في الخلق .. فلا عجب أن تتفاعل السماوات والأرض .. لمصرعه عليه السلام .
وقد روى المؤرخون - العامّة والخاصّة - الانعكاسات التي كانت لمقتله عليه السلام في الكون ومنها :
ما قاله الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ أبا عبداللّه عليه السلام لمّا مضى بكت عليه السماوات السبع وما فيهنّ والأرضون السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وما يتقلّب في الجنّة والنار من خلق ربّنا وما يُرى وما لا يُرى »(1).
ص: 155
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقال الإمام الباقر عليه السلام : « بكت الإنس والجنّ والطير والوحش على الحسين بن علي عليهماالسلام حتّى ذرفت دموعها »(1).
وقالت السيّدة زينب عليهاالسلام - كما ذكرت ذلك كتب المقاتل - : « أوعجبتم أن مطرت السماء دما »(2).
ومن أبيات للمعرّي قال فيها :
وعلى الدهر من دماء الشهيدين
علي ونجله شاهدان
وهما في أواخر الليل فجران
وفي أوليائه شفقان(3)
والأخبار من هذا القبيل متواترة ، وتأثيرها على أهل السماوات أعظم ، ولكن تأثيرها على سائر الموجودات لا يخفى على من تأمّل وتدبّر .
وحيث إنّ أهل السماوات أكثر اطّلاعا على عوالم الغيب والمعنويات من أهل الأرض ولشدّة إدراكهم للحقائق المحسوسة وغيرها فإنّهم يقدرون الأعمال والأحداث حقّ قدرها كما جاء في الزيارة [ وجلّت وعظمت مصيبتك في السماوات ] ؛ فإنّ أهل السماوات غير مقيّدين بالموت كأهل الأرض ، وإنّما يواكبون البشرية في سرّاءها وضرّاءها ، ويشاهدون كلّ ما يجري في الأرض من أحداث ، ولأنّهم لم يشاهدوا مثل مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، أصلاً فإنّ تعجّبهم الشديد لهذه
ص: 156
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
المصيبة كان بهذه الصورة التي أخبر المعصوم عليه السلام عنها . وهناك احتمالات أُخرى .
وحيث بلغ بنا المقام إلى هنا ينبغي أن نلتفت إلى أُمور وهي :
1 - عظمة الإمام الحسين عليه السلام وعظم مصائبه ونجلّها كلّ اجلال .
2 - أن نهتمّ لترويج هذه المصائب عبر إقامة الشعائر وعقد المجالس وطباعة الكتب الحسينية ونحوها .
3 - أن نعرف مقدار الثواب الذي يحصله المؤمن من هذه الخدمات الجليلة ، فإنّها أعمال تحظى بالعظمة حتّى عند أهل السماوات .
الجدير ذكره أنّ مجموعة من الأخبار أشارت إلى تأثير مقتل الإمام الحسين عليه السلام على السماوات والأرض بالتفصيل حيث ذكر فيها ما ترك مصرع سيّد الشهداء عليه السلام من آثار في المنظومة الكونية وعلى حياة الناس وجميع ما خلق اللّه جلّ جلاله ، من بكاء السماء دما ، وبكاء الحيتان في البحار والوحوش في الفلوات والأشجار في الغابات والطيور في الهواء ، وغيرها من الآثار السماوية والكونية في أعماق الفضاء والمجرّات والنيران والجنان والحور والولدان ، فضلاً عن اقشعرار أظلّة العرش وأظلّة الخلائق لسفك هذه الدماء الزاكية .
ومنها : ما ذكره البلاذري(1) بسنده ، عن أبي حصين أنّه قال :
ص: 157
فَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
··· -···
لمّا قتل الحسين مكثوا شهرين أو ثلاثة أشهر ، وكأنّما يلطّخ الحيطان بالدم ، من حين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس(1).
وروى أيضا بسنده ، عن أبي قبيل أنّه قال :
إنّ السماء أظلمت يوم قتل الحسين حتّى رأوا الكواكب(2).
وروى الطبراني بسنده ، عن محمّد بن سيرين أنّه قال :
لم تر هذه الحمرة في آفاق السماء حتّى قتل الحسين(3).
وروى أيضا بسنده ، عن ابن شهاب أنّه قال :
ما رفع حجر بالشام يوم قتل الحسين إلاّ عن دم(4).
وروى أيضا بسنده ، عن الزهري قال :
لمّا قتل الحسين بن علي عليهماالسلام لم يرفع حجر ببيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط(5).
[ فَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ] .
(اللعن) كما ذكرنا هو الطرد والإبعاد ، وهو من أخطر الأدعية التي يدعى بها على الأشخاص ، إذ أنّ كلّ ما عند الإنسان منوط برحمة اللّه وفضله وإحسانه ، وإذا
ص: 158
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أبعد عن رحمته عزّوجلّ صار من الهالكين . أمّا كون أعداء أهل البيت عليهم السلام يستحقّون اللعن فقد وردت به كثير من الأخبار ومنها ما ورد عن ميثم التمّار ، قال : وجبت لعنة اللّه على قتلة الحسين ، كما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس(1).
وقال رجل للإمام الصادق عليه السلام : يابن رسول اللّه إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم ، ولست أملك إلاّ البراءة من أعدائكم ، واللعن عليهم فكيف حالي ؟
فقال له عليه السلام : « حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللّه ، قال :
من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ اللّه صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش ، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعنا ساعدوه فلعنوا من يلعنه ، ثمّ ثنّوه ، فقالوا : اللهمّ صلّ على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل اللّه قد أجبت دعاءكم ، وسمعت نداءكم ، وصلّيت على روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار »(2).
ولا يخفى أنّ المراد بقوله عليه السلام [ أُمّة ] هي جماعة ، ويظهر من هذا أنّ الذين أسّسوا أساس الظلم لم يكونوا فردا بل جماعة متعاونة حتّى في عهد النبي صلى الله عليه و آله وكانوا حلفاء . وقد ظهر تحالفهم بوضوح بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله(3).
ص: 159
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقوله
عليه السلام : [ أسّست ] أشارت أنّ الأحداث التي تلت قضية غصب أهل
البيت عليهم السلام حقّهم إنّما هي سيّئة لتلك الجرائم السابقة ، ولهذا قال الشيخ الأصفهاني قدس سره(1):
سهم أتى من جانب السقيفة
وقوسه على يد الخليفة
وقال السيّد علي الترك رحمه الله(2):
رأس المفاسد لم يهيج فتنةً
إلاّ وأوقدت السقيفة نارها
ولذا ورد اللعن على أوّل من أسّس أساس الظلم ، وزرع بذر الجور وهم صنما قريش وجبتاهما وأتباعهما ممّن أعانوهما على غصب الخلافة من أهلها ، فهم
ص: 160
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أوّل ظالم ظلم حقّ آل محمّد صلى الله عليه و آله ، وهم العلّة الأُولى الموجبة لوقوع هذه المصيبة العظمى ، وحدوث هذه الرزية الكبرى ، فاستحقّا اللعن أوّلاً .
بالطبع هذا اللعن لا يختصّ بمن صدر عنه القتل والظلم فعلاً ، وإنّما يشمل كلّ من هيّأ أسباب ذلك وأسّس أساس الظلم والجور من أوّل الأمر ، وهم الغاصبون لحقّ الإمام علي عليه السلام في يوم السقيفة .
ولذا قال الشاعر القاضي ابن قريعة(1) في أبياته :
لولا حدود صوارم
أمضى مضاربها الخليفة
لنشرت من أسرار آل
محمّد جملاً ظريفة
وأريتكم أنّ الحسين
أُصيب في يوم السقيفة
فمنذ ذلك اليوم طرحوا في أراضي قلوب الجاهلين بذور الكفر والنفاق ، وأثبتوا فيها عروق أشجار الضلالة والشقاق ، فأثمرت المعاداة لأهل بيت النبوّة والإعراض عن منهجهم وطريقتهم السنية ، فصنعوا ما صنعوا ، وظلموا حقّ العترة «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ»(2).
وقد ورد في بعض الأخبار أنّه : « ما أُهريق محجمة من دم ولا أخذ مال غير
ص: 161
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
حلّه ولا قلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما »(1).
وقد أجاد الشاعر الحاج هاشم الكعبي الحائري رحمه الله(2) حيث قال :
تاللّه ما سيف شمر نال منك
ولا يدا سنان وان جلَّ الذي ارتكبوا
لولا الأُولى أغضبوا ربّ العلى وأبوا
نصّ الولاء وحقّ المرتضى غصبوا
ص: 162
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا
وما السبب لو لم ينج السبب
كفّ بها أُمّك الزهراء قد ضربوا
هي التي أُختك الحوراء بها سلبوا
وإنّ نار وغى صاليت جمرتها
كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب
تاللّه ما كربلا لولا السقيفة وال-
-أقوام تعلم لولا النار ما الحطب
والأساس : أصل البناء ، بل أصحّ كلّ شيء كالأُسّ مثلّثة . وأسّست أساس الظلم أي بنت بنيانه(1).
واعلم أنّ أهل الحقّ والباطل لهم نهجين :
1 - نهج التأسيس .
2 - نهج المداومة والاستمرار .
فإنّ المؤسّس لنهج الحقّ والخير ثوابه أكثر من الذي يأتي من بعده ويسير على نهجه ، كما أنّ عقاب المؤسّس لنهج الظلم والتعدّي أكثر من الذي يمشون بالظلم من بعده .
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله : « من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من
ص: 163
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة »(1).
وقد كان نهج رسول اللّه صلى الله عليه و آله التأسيس للشرع ، وأمير المؤمنين عليه السلام نهج الإدامة ، كما أشار بقوله صلى الله عليه و آله: « أُقاتل على التنزيل وعلي يقاتل على التأويل »(2).
كما كان في الإسلام نهج سلبي أسّسه بعض الأوائل شيّد على أساس ظلم أهل البيت عليهم السلام وغصب حقوقهم ، ولذا فإنّ ذنوب العصاة والمذنبين ترجع إليهم ، وهؤلاء تأثيرهم في ضرب الإسلام أكبر وأعظم من غيرهم ، فلولاهم لما وصل معاوية إلى الحكم وقتل الإمام علي والحسن عليهم السلام ، ولولاهم لما ظلمت الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام ، ولولاهم لما وصل يزيد الطاغية إلى الحكم وقتل الإمام الحسين عليه السلام
وضرب الكعبة بالمنجنيق وأباح مدينة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثة أيّام .. وهكذا .
مجمل هذه الأُمور تجعل الزوّار يلعنون أوّل من أسّس أساس الظلم لأنّه الممهّد والمهيئ للأجواء السياسية والاجتماعية للظلم والتعدّي .
وقد ورد في الزيارة أيضا فقرات أُخرى لللّعن ولكن بصور مختلفة حيث تقول :
- لعن اللّه أُمّة دفعتكم عن مقامكم .
- ولعن اللّه أُمّة قتلتكم بالأيدي والألسن .
ص: 164
وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ ، وأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللّهُ فِيهَا
··· -···
- ولعن اللّه الممهّدين لهم بالتمكين من قتالكم .
وبما أنّ الجميع يشتركون في نهج واحد وهدف واحد وغاية واحدة ، فيكون مصيرهم واحد ، وكذا الحال بالنسبة لأهل الحقّ ، فإنّ العامل بالحقّ والمشجّع عليه يستحقّ المدح والثناء ، إذ لا نجاة إلاّ بهم ، ولا حقّ في غيرهم ، واللّه تعالى لم يجعل له بابا وواسطة إلاّ إيّاهم عليهم السلام ، فهم أهل اللّه ومعدن علمه وحكمه .
[ وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ ، وأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللّهُ فِيهَا ] .
المراد بالمقام والمرتبة هنا هو التصرّف في أُمور الأُمّة والتسلّط على إجراء الأحكام وإقامة الحدود والجمعة والجماعة . وبالجملة بسط يدهم في كلّ ما يريدون من أُمور الخلق ، وقد منعوا من ذلك .
ولأهل البيت عليهم السلام مقامان :
1 - المقام الواقعي : وهي حقيقة الإمامة بما لها من الخصائص والآثار ، ومنها كونهم عليهم السلام العلّة الغائية لوجود الموجودات ، وأنّهم بهم يمسك اللّه السماوات أن تقع على الأرض إلاّ باذنه ، وأنّ قلوبهم أوعية من خشية اللّه تعالى ... .
2 - المقام الظاهري : أي الرئاسة الظاهرية والسلطنة الصورية .
أمّا المقام الأوّل ، فهو غير قابل (للرفع) ولا (للازالة) ، فإنّه حقيقة تكوينية وعطاء إلهي ، لا يمكن إزالته أبدا .
ص: 165
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
فأمير المؤمنين عليه السلام وهو في بيته كان له مقامه الواقعي وإن لم يكن خليفة ظاهرا ، فالقابل للرفع والإزالة هو المقام الظاهري فقط ، فهو القابل للغصب .
وهذه الجملة تساوق في مفادها دعاء الصحيفة السجّادية حيث قال عليه السلام :
« اللهمّ أنّ هذا المقام (إشارة لعيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة) لخلفاءك وأصفيائك ومواضع أُمنائك في الدرجة الرفيعة التي خصصتهم بها ابتزّوها »(1).
وعلى كلّ فينبغي أن نعرف أنّ للمقام الظاهري والواقعي آثارا ، والغاصبون وإن لم يستطيعوا أن يسلبوا بركات الآثار للمقام الواقعي ، فإنّ الكلّ يستفيد من بركات وجودهم . وفي هذا العصر والزمان ينتفع الكلّ من بركات وجود الإمام المهدي (عجّل اللّه تعالى فرجه) كما ينتفعون بالشمس إذا غيّبها السحاب ، إلاّ أنّهم
حرموا الأُمّة بهذا العمل من بركات المقام الظاهري ، فضاعت وفقدت العلوم بدفعهم الأئمّة عليهم السلام عن مقامهم الظاهري ، وحرّفت السنن وتخبّطت البلاد ، وعمّ الظلم والجور وانتشر الفساد ... .
وإلى هذا أشارت الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام بقولها : « ثمّ احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا و... »(2).
فقوله عليه السلام : [ رتّبكم اللّه فيها ] أي بالأمر والتكليف دون الجعل . يعني أمر اللّه
ص: 166
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
الناس أن يعتقدوا بمرتبتكم هذه ، ويجعلونكم أئمّة يهتدون بكم ، ويقتدون بآثاركم ويطيعون أوامركم ، كما قال عزّوجلّ : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1). وقد وصّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أُمّته بذلك ، فقال : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(2). إلاّ أنّهم ومع الأسف الشديد خالفوا هذه الأوامر وبدّلوا دين اللّه وغيّروا سنّة نبيّه ،
فجعلوا هذا المقام لأعداء ذرّيته رغبة عن مرضاة اللّه ، وحرصا على حطام الدنيا .
فقد جعل اللّه عزّوجلّ في آية المودّة : «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) عهدا منه سبحانه وتعالى ، وفرضا واجبا على الأُمّة ، وأمر نبيّه الأكرم صلى الله عليه و آله أن يبيّن للناس كيف تكون هذه المودّة ، لتكون مشعلاً وضّاءً للهداية وسبيلاً لمعرفة الحقّ وأهله ، علما أنّ المودّة في هذا المقام ليست لنفع دنيوي ، أو
لكسب مادّي لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو لأهل بيته ، أو رفع مقامهم عند اللّه ، ولأنّهم استغنوا بما وعدهم اللّه عن كلّ ذلك ، وإنّما النفع والأجر يعود إلى من اتّبعهم وودّهم
ووالاهم حقّ الموالاة من الأُمّة ، ويؤيّد ذلك قوله تعالى :
«قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ»(4).
فالأجر يعود إليهم والنفع والفائدة عليهم - أي على الأُمّة - إذا ودّتهم
ص: 167
وَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ
··· -···
ووالتهم بحقّ .
وبالمقابل إذا قصّرت الأُمّة في مودّتها لهم عليهم السلام فإنّ أعمالها تكون مبتورة - وغير مقبولة - ومن الذين نصّت الآية على مودّتهم ، هو سيّد الشهداء عليه السلام فهو خامس أصحاب الكساء ومن أهل بيت النبوّة عليهم السلام ، الذين جعلهم اللّه تعالى طريقا يؤدّي إلى مرضاته وشرطا لقبول الأعمال وصحّة العبادات ، وهم المشعل الوضّاء الذي جعله اللّه عزّوجلّ في طريق الهداية والنجاة ، وهم السفينة التي من ركبها نجى
ومن تخلّف عنها غرق وهلك وهوى .
وبالرغم أنّ أهل البيت عليهم السلام جميعا سفن للنجاة إلاّ أنّ سفينة سيّد الشهداء أوسع وفي لجج البحار أسرع(1).
[ وَلَعَنَ اللّهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ ] .
إنّ (اللعن) من أخطر الأدعية التي يدعى بها على إنسان ؛ لأنّ كلّ ما لدينا من النعم المادّية والمعنوية هي فيض من الرحمة الإلهية ، فإذا طرد اللّه الإنسان عن
رحمته يحرم من جميع هذه النعم أو من النعم المعنوية على الأقل .
ويكفي أن نرى أنّ اللّه تعالى عندما طرد الشيطان من رحمته ماذا حلّ به ؟ وهنا نعرف أنّ عمل هؤلاء كان أخبث الأعمال حيث استحقّوا طلب أخطر العقوبات عليهم .
ص: 168
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أمّا قوله عليه السلام : [ لعن اللّه ] فقد ورد هذا التعبير [ الأُمّة ] على لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في روايات العامّة حيث قال صلى الله عليه و آله : « تقتله أُمّتي » فراجع ذلك في مستدرك الصحيحين الجزء الثالث ، باسناده عن أُمّ الفضل .
ينبغي الالتفات أنّ قضية كربلاء لم تكن شهابا ظهر من المجهول فجأة ، بل كانت نتيجة لتمهيدات استمرّت [ 50 ] عاما ... !!
فلولا السقيفة ومآسيها لم تحدث فاجعة كربلاء المؤلمة ، ولولا لطمة الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام ... لم تكن ضربة السيّدة زينب عليهاالسلام .
وإلى هذا المعنى يشير الشاعر في أبياته قائلاً :
تا اللّه ما كربلاء لولا السقيفة وال-
-أقوام تعلم لولا النار ما الحطب
وقال :
كفّ بها أُمّك الزهراء قد ضربوا
هي التي أُختك الحوراء بها سلبوا
وقال الآخر :
سهم أتى من جانب السقيفة
وقوسه على يد الخليفة
فهذه الأحداث كلّها حلقات مترابطة ... ابتدأت من ذلك اليوم .
ومن هنا نفهم سرّ إصرار الزهراء عليهاالسلام على مقاوتهم .
[ قتلتكم ] فالظاهر من القاتل من باشر القتل ، ويمكن أن يندرج فيه مطلق
ص: 169
بَرِءْتُ اِلَى اللّهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ، وَأَوْلِيَائِهِمْ
··· -···
من يسعى فيه ، بل مطلق من يرضى به كما في بعض الأخبار .
والممهّد على بناء الفاعل المهيئ للأسباب والمسهّل للأُمور في كلّ باب . وأصله من المهد وهو موضع يهيّأ للصبي ويوطّأ(1).
والتمكين إعطاء المِكنة والتمكّن من الفعل وعدم المنع منه بل المساعدة عليه ، والمراد بهم سلاطين الجور الذين نصبوا العداوة لأهل البيت عليهم السلام وحرّضوا أتباعهم على قتالهم ، وهيّئوا لهم أسباب قتلهم ببذل الأموال وإعداد الرجال والحثّ على القتال .
[ بَرِءْتُ اِلَى اللّهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ ، وَأَتْبَاعِهِمْ ، وَأَوْلِيَائِهِمْ ] .
إنّ الإيمان بأهل البيت عليهم السلام لا يتمّ إلاّ مع الكفر بعدوّهم والبراءة منهم ، ولا يجتمع حبّ أهل البيت عليهم السلام مع حبّ أعدائهم ، فإنّ المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعدائه ، وقد أشار اللّه تعالى إلى ذلك بقوله : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ
بِاللّه ِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»(2).
فكما لا يكون إيمان بدون الولاية كذلك لا يكون بدون البراءة ، ولذا قال تعالى : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّه ِ وَرَسُولِهِ»(3) أي براءة صدرت من اللّه تعالى ، بل إنّ التمام والكمال في مرتبة المحبّة لآل الرسول والمودّة لا يحصلان لأحد إلاّ بتمام مرتبة التبرّي
ص: 170
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
من أعدائهم .
وشيعة الرجل هم أتباعه وأنصاره ، والجمع أشياع وشيع كعنب ، فأشياعهم وأتباعهم مرادفان ، ويمكن تخصيص الأوّل بالخواص والمتابعين لهم حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة . وأوليائهم محبّوهم مطلقا . الملفت للإنتباه أنّ الزيارة تنصّ على عدم الاقتصار بالبراءة من أعداء أهل البيت عليهم السلام بل تشمل أشياعهم وأتباعهم لكونهم أولياء الطاغوت ، كما أنّ أشياع أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم وأوليائهم أولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، كما جاء في الآية الكريمة
«أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّه ِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»(1).
إذن المؤمن الحقيقي من آمن بمقام آل الرسول عليهم السلام ، المحبّ لهم بالسرّ والعلانية ، ومن كان كذلك فهو لا محالة محبّ لأوليائهم ومعادٍ لأعدائهم ، كما في زيارة الجامعة : « مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم ، موالٍ لكم ولأوليائكم ، مبغض لأعدائكم »(2).
ص: 171
يَاأَبَاعَبْدِاللّهِ
؛ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
··· -···
[ يَاأَبَاعَبْدِاللّهِ ؛ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
] .
قد يقال إنّ المنادى في قوله عليه السلام ياأبا عبداللّه هم أهل البيت عليهم السلام عامّة بقرينة الجمع في سالمكم وحاربكم ، وربما يقال أيضا أنّ المراد به خصوص سيّد الشهداء عليه السلام وذلك تعظيما وتفخيما لشأنه ، كما في قوله تعالى : «وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ»(1). فإنّ من عادة العرب أن يخاطبوا الواحد بالجمع عند التعظيم .
إنّ الحياة الإنسانية قائمة على أساس التدافع والتنافس ، وإلى ذلك يشير قوله تعالى : «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ...»(2) من هنا كانت الحاجة إلى القانون المنظّم لعلاقات الناس أمرا لابدّ منه ، وحالة التدافع بين الناس تفرض على الناس أحد أمرين :
- التفاهم والاتّفاق وذلك إذا ساد القانون فيهم ، والتزم كلّ إنسان بحدوده .
- الحرب إذا تجاوز كلّ إنسان حدوده ولم يرع حقوق الآخرين .
وحيث إنّ الإسلام يحفظ الحقوق ويدعو الناس أن لا يتجاوزوا على حقوق الغير ، كانت حالة السلام هي الأصل والحرب استثناء عند الضرورات القصوى
ص: 172
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
التي يفرضها الأعداء على المسلمين ، لذلك كانت حروب الإسلام دفاعية وليست هجومية .
و (السلم) بالكسر والمسالم المصالح الراضي بالحكم(1)، كما أنّ الحربي هو المحارب الذي لا يرضى بالحكم ، وإلى هذا المعنى يرجع سائر المعاني كالمحبّة والولاية والانقياد .
و (سلم) مصدر بمعنى المسالمة والصلح والتوافق ، والمفروض - ظاهرا - أن تستخدم كلمة (مسالم) التي هي اسم فاعل ، وكذلك (محارب) . ولكن الإمام عليه السلام عبّر بالمصدر فقال : [ حرب ، وسلم ] . وفي ذلك دلالة على المبالغة في المسالمة والمحاربة .
ففي حاشية الملاّ عبداللّه قال :
إذا قلنا (زيد عدل) فهذا مبالغة في اتّصافه بالعدالة حتّى كأنّه أصبح عين العدل .. لا أنّه - فقط - متّصف بالعدالة .
وكذا الحال في الزيارة ، فلكثرة المسالمة كأنّه تحوّل إلى عين السلم ، ومن كثرة المحاربة - أو شدّتها - كأنّه تحوّل إلى عين الحرب .
بالطبع إنّ الحرب على قسمين ، حرب هدفها الحقّ وأُخرى هدفها الباطل . أمّا الأُولى فهي التي تكون من أجل الدفاع عن الدين أو العرض أو إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، كحروب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، قال اللّه تعالى :
ص: 173
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
«مَا لَكُمْ لاَتُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ»(1)، والثانية فهي التي تنشب من أجل أهداف دنيوية . كما أنّ الحروب التي تنشب من أجل المبادئ الحقّة هي من أسمى الحروب المقدّسة ، ولذلك يعد اللّه عزّوجلّ بنصر المقاتلين فيها «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا»(2) «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّا»(3). ونحن بدورنا يجب أن نتضامن مع أهل المبادئ الحقّة وندافع عنهم وننصرهم ، وبالمقابل علينا أن نحارب الذين يحاربون اللّه ورسوله ويظلمون الناس ويقتلون المؤمنين .
والمراد بالسلم هنا الصلح والطاعة والاستسلام والمحبّة والولاية والإسلام ، والمسالم أي المصالح بترك الجهاد والمحاجّة وفعل التقيّة ، أو مطيع أو منقاد أو محبّ أو ولي أو مسلم ، وهذه السبعة المثاني في السلم تجري في سالمكم ، وكلّ منها يكون بالجنان واللسان والأركان .
والمراد بحرب لمن حاربكم ، البراءة من أعدائكم التي هي ركن السلم الذي هو الولاية ، كما ورد في تفسير قوله تعالى :
«ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً»(4).
فالولاية مادّة الإيمان من النور ، والبراءة صورته من الرحمة التي هي صبغة اللّه التي صبغ فيها أحبّاء أمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 174
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقوله
عليه السلام [ إلى يوم القيامة ] أي أبدا دائما ، فالمسالمة مع المسالم ، والمحاربة مع المحارب مستمرّان وليس لها أمد محدود ، نعم بعض الناس يسالمون ويحاربون فترة ثمّ يسأمون ، إلاّ أنّ المؤمن الحقيقي لا يتعب ولا يملّ ولا يتهاون إلى النهاية ولذا جاء قوله عليه السلام إلى يوم القيامة .
ومن هنا فإنّنا لا نستطيع أن نجمع بين الاعتقاد باللّه عزّوجلّ واللات أو بين [ النبي صلى الله عليه و آله ] ومسيلمة الكذّاب ، ولا يمكن الجمع بين محبّة أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية السوء ، ولا بين الإمام الحسين عليه السلامويزيد الطاغية كما يفعل بعض المسلمين . وقد دعا اللّه عزّوجلّ إلى ذلك حينما اقترح الكفّار على الرسول صلى الله عليه و آله بأن يعبدوا اللّه سنة ويعبد المسلمون آلهتهم سنة ، فنزل قوله تعالى : «لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ»(1).
وهذا النصّ في الزيارة ليس بغريب ، فهو مقتبس من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله
حين خاطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال : « حربك حربي وسلمك سلمي »(2). وقال صلى الله عليه و آله للإمام الحسين وأبيه وأخيه عليهم السلام : « إنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم »(3). فهم أهل الحقّ بل الحقّ نفسه ، يقول النبي صلى الله عليه و آله : « علي مع الحقّ
ص: 175
وَلَعَنَ اللّهُ آلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ، وَلَعَنَ اللّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَلَعَنَ اللّهُ عُمَرَ ابْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ شِمْرَا
··· -···
والحقّ مع علي »(1).
ولذا ينبغي علينا أن ندافع عنهم بشتّى الطرق ونتضامن مع محبّيهم ونسالمهم ونكنّ لهم المحبّة والولاء والانقياد ، بل إنّ ذلك من شرائط الإيمان كما قال تعالى :
«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(2).
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « أتدري ما السلم ؟ » قال : قلت : لا أعلم ، قال : « ولاية علي والأئمّة الأوصياء من بعده » ، قال : « وخطوات الشيطان واللّه ولاية فلان وفلان »(3).
[ وَلَعَنَ اللّهُ آلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ، وَلَعَنَ اللّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَلَعَنَ اللّهُ عُمَرَ ابْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللّهُ شِمْرَا ] .
لقد استحقّ هؤلاء اللعن ، لظلمهم آل محمّد عليهم السلام الذين هم أبواب الرحمة ، والإيمان وأُمناء الرحمان وأولياء النعم كافّة ، ومن بهم تنزل البركات وتمطر السماوات ، فعن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعدلوا عن وصيّته لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب » ، ثمّ
تلا هذه الآية : «أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّه ِ كُفْرا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *
ص: 176
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
جَهَنَّمَ»(1) ثمّ قال : « نحن النعمة التي أنعم اللّه بها على العباد وبنا يفوز من فاز »(2).
وقد بدأ اللعن بآل زياد وآل مروان ، إشارة إلى كونهما المنشأ لطغيانهم وظلمهم ، والمربّين لهم . ولا يخفى أنّ (زياد ومروان) داخلان في حكم اللعن أيضا ، كما أنّ فرعون داخل في حكم آل فرعون ، فاللعن عليهما في حكم اللعن على الكل .
[ ومروان ] هو مروان بن الحكم ، وهو المعروف ب- (ابن الطريد) حيث طرد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أباه ، ففي الحديث أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهقال : « إذا رأيتم الحَكَم فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة »(3).
ويحتمل أن يكون المراد ب- [ بني أُميّة ] كلّ من عادى أهل البيت عليهم السلام وإن لم ينتموا إليهم حسب النسب الظاهري . [ وابن مرجانة ] هو ابن زياد اللعين ، وتخصيصه بالذكر مع دخوله في العموم وهو [ آل زياد ] لشدّة ظلمه وطغيانه ، كما لا يخفى على من تتبّع في وقائعه من معاداته لأهل بيت الرسول عليهم السلام وحثّه على قتل
الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وبعثه عمر بن سعد وشمرا وأشباههما إلى كربلاء لذلك ، وهتكه عترة الرسول في مجلسه حيث تجاسر عليهم بأقواله وأفعاله لعنه اللّه لعنا وبيلاً أبدا دائما ، وكان ابن زياد معروفا بالدعي إذ أنّ أباه زياد بن سمية وكانت
ص: 177
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أُمه سمية مشهورة بالزنا ، وقد ولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، فادّعى معاوية أنّ أبا سفيان زنا بأُمّ زياد فأولدها زيادا ، وأنّه أخوه فصار اسمه الدعي وكانت عائشة تسمّيه زياد ابن أبيه ، لأنّه ليس له أب معروف(1).
وأمّا عمر بن سعد فقد نسبوا أباه إلى غير أبيه ، وأنّه رجل من بني عذرة وكان خدنا(2) لأُمّه ، ويشهد بذلك قول معاوية حين قال سعد له : أنا أحقّ بهذا الأمر منك ، فقال معاوية له : يأبى عليك بنو عذرة وضرط له(3).
ويكفي هؤلاء الظلمة قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حقّهم : « إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي عليهماالسلام ، ويحيى بن زكريا - على نبيّنا وآله وعليهما السلام - »(4).
وعلى كلّ فهناك لعن يعمّ هذه العوائل جميعا (آل زياد وآل مروان) لخباثتهم ودناءتهم وكيدهم للإسلام ، وفي مقابل هذه الأُسر الملعونة هناك أُسر طيّبة اصطفاها اللّه سبحانه ومنها : آل إبراهيم ، وآل عمران ، و [ وآل البيت فهم من آل إبراهيم ] فإنّهم كانوا «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ...»(5).
ص: 178
وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً اَسْرَجَتْ ، وَاَلْجَمَتْ ، وَتَنَقَّبَتْ لِقِتَالِكَ
··· -···
وقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام هذه الآية «ذُرِّيَّةً ...» حين أراد البراز يوم عاشوراء ولده علي الأكبر عليه السلام .
ولو لم يكن في حقّ بني أُميّة إلاّ التعبير القرآني حيث وصفهم بالشجرة الملعونة لكفى ، فعن عائشة أنّها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لأبيك وجدك : « إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن »(1).
نعم ، هناك استثناءات قليلة لا يشملها هذا اللعن لم تذكر ، لأنّ النادر كالمعدوم ، ومنهم خالد بن سعيد بن العاص ، وأبو العاص بن الربيع اللذان ثبتا مع أمير المؤمنين عليه السلام .
[ وَلَعَنَ اللّهُ أُمَّةً اَسْرَجَتْ ، وَاَلْجَمَتْ ، وَتَنَقَّبَتْ(2) لِقِتَالِكَ ] .
من المسلّمات أنّ لكلّ عمل نتيجة ومكسبا ، إلاّ أنّ بعض الأعمال يجني نتائجها المباشر لها إن شرّا فشرّ وإن خيرا فخير ، وبعضها تعمّ نتائجها السيّئة حتّى
غير المباشرين لها كالسكوت على الظلم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد قال تعالى : «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً»(3) وفي الحديث « الساكت عن الظلم شيطان أخرس »(4) وما ذلك إلاّ لأهمية العمل ودوره
الكبير ، وهنا نعرف لماذا جاء اللعن بعنوان أُمّة كاملة رغم أنّها لم تباشر القتل .
ص: 179
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
فالسرج واللجام والتنقّب من مقدّمات ذلك العمل الخطير ، ولولاها لما وقع الفعل المباشر بالقتل . ولذا يقول عليه السلام في الزيارة : [ أسرجت وألجمت ] أي جعلوا السرج واللجام على خيولهم ومراكبهم . والذي يبدو أنّ المراد بالتنقّب هو محجر العين ، إذ أنّ من عادة العرب التنقّب أي أخذ النقاب في الحروب . وقوله عليه السلام : « تهيّأت » أي استعدّت بإعداد أسلحة الحرب ، والظاهر أنّ المراد بهم الأتباع من الجيوش والعساكر فإنّهم مستحقّون اللعن كالرؤساء المباشرين بالقتل ومنهم ابن مرجانة وابن سعد وابن زياد ، وقد أشارت إليهم الزيارة .
إذن التعميم باللعن يشمل عند التحقيق وإمعان النظر كلّ من رمى الإمام عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام بسهم أو ضربهم بسيف أو خنجر أو حجر أو طعنه برمح ونحو ذلك . بل يشمل كلّ من حضر في معسكر ابن زياد ولو لم يباشر بأي عمل من أعمال القتل . ولهذا ذكرت الزيارة أقواما بالقول [ لعن اللّه أُمّة أسرجت وألجمت وتنقّبت
وتهيّأت لقتال الإمام الحسين عليه السلام ] مع أنّها لم تباشر القتل وذلك للأسباب التالية :
1 - لأنّ الذي يزرع عليه أن يحصد النتائج ، والذي يمهّد للظالمين يكتوي بنار ظلمهم ، لذا ورد « من أعان ظالما سلّطه اللّه عليه »(1) و « من سلّ سيف البغي قتل به »(2).
2 - السرج والتنقّب واللجام أسباب ومقدّمات ، ولولاها لما تمكّن المباشر
ص: 180
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
من القتل .
3 - إنّهم هيّأوا السبب لقتل الإمام وأهل بيته عليهم السلام ، فكذلك يجب أن ينالوا نفس الجزاء كأثر وضعي للعمل ، لذلك لا تجد أحدا ممّن شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام إلاّ ونال شرّ الجزاء ووصل إلى أسفل سافلين والأخبار والقصص في ذلك كثيرة .
فالأُمّة التي تستعدّ لقتل المظلوم وتتهيّأ لانتهاك حرمته بمبايعة الظالم ومعاونته ، تستحقّ اللعن والعذاب كما لعن بني إسرائيل وغيرهم .
وممّا ذكرنا تتّضح عدّة أُمور منها :
- إنّ البعض يتصوّر أنّ السكوت على الظلم أو الدخول معه أو معاونته ومصادقته بقول أو فعل لخوف أو لغيره لا ضير فيه ، وهذا اشتباه بل أنّ أوّل المتضرّرين به سيكون هو !!
- إنّ مناط اللعن غير مقتصر على الأفعال بل قد يستوجب الإنسان اللعن بسكوته والتخاذل ، وقد ورد في ذلك العديد من الروايات والأحاديث ومنها قوله عليه السلام : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه »(1) وهذا اللعن يناله العالم لسكوته .
- كما نزرع نحصد نتائج أفعالنا ، وكلّما هيّئنا مقدّمات حسنة نكسب نتيجة
ص: 181
بِأَبِي أَ نْتَ وَأُمِّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ
··· -···
حسنة ، وبالعكس ، لذلك علينا أن نهتمّ بالمقدّمات الحسنة لنحصل على أُمّة صالحة وسعيدة .
[ بِأَبِي(1) أَ نْتَ وَأُمِّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ ] .
أمّا قوله عليه السلام [ مصابي ] فهو مصدر ميمي مبني للمفعول أو بمعنى الفاعل ، وهو المصيبة ، مضاف إلى اسم المفعول ، أي عظم اصابتي وابتلائي بك أو مصيبتي وبليّتي بك .
وإنّما يعظم المصاب على المحبّ وإن لم تعظم المصيبة في نفسها ، فكيف إذا كانت المصيبة عظيمة في نفسها مثل مصيبة الإمام الحسين عليه السلام التي تصغر دونها جميع المصائب ؟! فقد ورد أنّ مصيبته عليه السلام أعظم المصائب ، وقد بكت لمصيبته السماوات السبع والأرضون ، وارتجّ لها العرش ، وضجّ الحافّون حوله ، فعن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : « إنّ الحسين عليه السلام بكت لقتله السماء والأرض واحمرّتا ولم تبكيا على أحد قطّ إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين ابن علي عليهماالسلام »(2).
وقوله عليه السلام : [ بأبي أنت وأُمّي ] فهو تركيب مشتمل على خبر مقدّم ومبتدأ مؤخّر ، والباء للتعدية والمتعلّق محذوف ، أو مستفاد من الحرف على ما قيل ، ولكن الظاهر أنّ الباء للتعدية ، كما يقال : فديتك بنفسي ، حيث عدّى إلى المفعول الآخر
ص: 182
فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ ، وَأَكْرَمَنِي بِكَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَأرِكَ
مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
··· -···
بالباء ، فالفعل متعدٍّ إلى أحد المفعولين بالنفس وإلى النفس بالحرف .
ومن هنا ربما يقال : إنّ هذا التركيب في الأصل جملة فعلية أي (فديتك) بأبي وأُمّي فجعلتهما فداءً لك ووقايةً لنفسك ، وجاءت الجملة اسمية قصدا إلى الدوام والاستمرار كما في (الحمد للّه) . على أنّ هذا التركيب كثيرا ما يستعمل في حقّ من يراد تعظيمه واحترامه مطلقا من باب الكناية من غير ملاحظة معناه الوضعي .
وتقديم الأب على الأُمّ من باب تقديم الأعزّ الأشرف في مقام البذل ، كما في حديث الإمام علي عليه السلام في إنفاقه الذهب قبل التبن(1).
والمعنى أفديك بأبي وأُمّي ، وهذه الجملة تستعمل لبذل الحبيب والعزيز وقاية للأحبّ والأعزّ عند توهّم محارزة تغيّر الأحبّ والأعزّ أو تبدّله ، ولذا لا يستعمل بالنسبة إليه تعالى إذ لا يجوز عليه التغيّر .
[ فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ ، وَأَكْرَمَنِي بِكَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَأرِكَ مَعَ إِمَامٍ
مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ(2) بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ] .
الإكرام : الإعظام والإعزاز(3)، وأكرم مقامك أي بالشهادة الكلّية .
ص: 183
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
والمراد بأكرمني بك : أكرمني بمعرفتك ومحبّتك . [ أن يرزقني ] أي في زمان الرجعة التي هي من ضروريات مذهب الإمامية المدلول عليها بالآيات في القرآن(1)، والأخبار المتواترة ، ففي بعضها أنّ الإمام الصادق عليه السلام سئل عن الرجعة أحقّ هي ؟ قال : « نعم » ، فقيل له : من أوّل من يخرج ؟ قال : « الحسين عليه السلام على أثر القائم » ، فقلت : ومعه الناس كلّهم ؟ قال : « لا ، بل كما ذكره اللّه في كتابه : «يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجا»(2)»(3).
[ مع إمام منصور ] أي بالآيات والجنود من الملائكة والشيعة من الجنّ والإنس ، والمراد به القائم المنتظر عليه السلام الذي سيظهر بالضرورة من مذهبنا ، وهو محمّد بن الحسن العسكري عليهماالسلام ، كما ورد في الأخبار المتواترة ، فالتنكير للتعظيم والتفخيم كما في قوله تعالى : «فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ»(4) أي رسل عظام لا لعدم التعيين والنكارة ، فالقائل بالمهدوية النوعية منكر لضرورة من مذهب الاثني عشرية .
وقد ورد في زيارة الجامعة : « معترف بكم ، مؤمن بإيابكم مصدّق
ص: 184
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم »(1).
وفي العبارة تصريح بثبوت رجعتهم عليهم السلام إلى الدنيا لما وعدهم اللّه من الدولة والنصرة ، كيف وقد روي : « عمر الدنيا مئة ألف سنة لسائر الناس عشرون ألف سنة وثمانون ألف سنة لآل محمّد عليهم السلام »(2).
وقد انفردت الإمامية بالاعتقاد بالرجعة ، واعتمدتها كضرورة من ضروريات المذهب ، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها ، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات(3) وفي كلّ وقت ، كالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد .
وقد دلّت عليها آيات كثيرة وأخبار متواترة ، تزيد على المئتين ، بل عن بعضهم أنّه وقف على ستمائة وعشرين حديثا ومنها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « أيّام اللّه ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة »(4).
وقال عليه السلام : « من يكرّ في رجعة الحسين بن علي عليهماالسلام فيمكث في الأرض
ص: 185
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أربعين ألف سنة حتّى يسقط حاجباه على عينيه »(1).
وعن إبراهيم قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يقول اللّه : «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا»(2) فقال : « هي واللّه النصاب » ، قلت : رأيناهم دهرهم أطول في الكفاية حتّى ماتوا ، فقال : « واللّه ذاك في الرجعة يأكلون العذرة »(3).
وعن جميل ، عنه عليه السلام ، قال : قلت له : قول اللّه : «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»(4) قال : « ذلك واللّه في الرجعة ، أما علمت أنّ أنبياء اللّه كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمّة قتلوا ولم ينصروا ، فذلك في الرجعة » ، قلت : «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ»(5) قال : « هي الرجعة »(6).
وعنه عليه السلام أيضا ، قال أمير المؤمنين عليه السلام في قول اللّه : «رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ»(7) قال : « هو إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفّان
ص: 186
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وشيعته ، ونقتل بني أُميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين »(1).
وفي بعضها عنه عليه السلام قال : « إنّ إبليس قال : «أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(2) فأبى اللّه ذلك ، فقال : «فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»(3) فإذا كان
يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق اللّه آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السلام » ، قلت : وأنّها لكرّات ؟ قال :
« نعم ، لكرّات وكرّات ، ما من إمام في قرن إلاّ ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل اللّه المؤمن على الكافر »(4).
وعن أحدهما عليهماالسلام في قول اللّه : «وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَعْمَى»(5). قال : « في الرجعة »(6).
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « ليس أحد من المؤمنين قتل إلاّ سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلاّ سيرجع حتّى يقتل »(7).
ص: 187
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وعن أبي إبراهيم عليه السلام قال : « لترجعنّ نفوس ذهبت ، وليقتصنّ يوم يقوم ، ومن عذّب يقتصّ بعذابه ، ومن أُغيظ أغاظ بغيظه ومن قتل اقتصّ بقتله ويردّ لهم أعداءهم معهم حتّى يأخذوا بثأرهم ، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهرا ، ثمّ يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ، ويصير عدوّهم إلى أشدّ النار عذابا ، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم »(1).
وعن الإمام الصادق عليه السلام في قول اللّه : «كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»(2) قال : « مرّة بالكرّة ، وأُخرى يوم القيامة »(3).
وفي بعضها عن علي عليه السلام قال :
« وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول »(4).
وعنه عليه السلام : « كأنّي بسريرٍ من نور قد وضع عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين جالسا على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبّة خضراء ، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه ، فيقول اللّه لهم : أوليائي سلوني فطالما أُوذيتم وذلّلتم واضطهدتم ، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيتها لكم فيكون أكلهم وشربهم من
ص: 188
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
الجنّة
»(1).
وعن الإمام الباقر عليه السلام : « واللّه ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنين وتزداد تسعا » ، قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : « بعد القائم عليه السلام » ، قلت : وكم يقوم القائم عليه السلام في عالمه ؟ قال : « تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين عليه السلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه ، فيقتل ويسبي حتّى يخرج السفّاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام »(2).
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهماالسلام . وإنّ الرجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضا ، أو محض الشرك محضا »(3).
وعن الإمام الباقر عليه السلام : « إنّ رسول اللّه وعليا عليهماالسلام سيرجعان »(4).
وفي بعضها إنّ الصادق عليه السلام قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر اللّه مقداره في
ص: 189
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
القرآن : «فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»(1) « وهي كرّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة ، ويملك علي عليه السلام في كرّته أربعة
وأربعين ألف سنة »(2).
أقول : إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر ، مع ما روته كافّة الشيعة خلفا عن سلف ، وظنّي أنّ من يشكّ في مثل هذه الأخبار فهو شاكّ في أئمّة الدين ، لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ليس منّا من لم يقل
بمتعتنا ، ويؤمن برجعتنا »(3).
والحاصل : إنّ هذا أمر ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به ، وقد أخبر به الصادقون المعصومون عليهم السلام قطعا فيجب الاعتقاد به ، ولو من باب التسليم المأمور به في الآية الكريمة حيث قال تعالى : «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»(4).
ومع هذه الأخبار المعتبرة(5) لا يصغى إلى الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلى الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وانكاره ، وما هذا إلاّ كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات التي أنكروها بغية إطفاء نور اللّه تعالى فيها ولذا قال تعالى : «يُرِيدُونَ
ص: 190
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّه ُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1).
وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهم السلام يرجعون إلى الدنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، ولا يلتفت إلى من يؤوّلون هذه الأخبار بخلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متابعة لهوى أنفسهم وسوء آرائهم .
وعلى الرغم من التسليم بأصل الرجعة إلاّ أنّ الأخبار مختلفة ظاهرا في كيفيتها ، وترتيب من يرجع من الأئمّة عليهم السلام(2)، علما أنّها لا تصدق على ظهور القائم عليه السلام فإنّه عليه السلام حي موجود الآن لا شكّ في حياته ، يظهر متى شاء اللّه ، فيملأ الأرض قسطا وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجورا(3).
فإذا مضى من أوّل ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف تسع وخمسون سنة خرج الإمام الحسين عليه السلام وهو صامت إلى أن تمضي إحدى عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّى (سعيدة) وهي شقيّة ، فيتولّى الإمام الحسين عليه السلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده(4). إذن الرجعة من زمن خروج الإمام
الحسين عليه السلام إلى أن يرفع مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسائر الأئمّة عليهم السلام إلى السماء ، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم اللّه .
ص: 191
اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهَا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الدُّنْيَا وَالاْ خِرَةِ
··· -···
[ اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهَا بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الدُّنْيَا وَالاْ خِرَةِ ] .
الظاهر أنّ (الوجيه) بمعنى صاحب الجاه والمقام والمنزلة(1) والعزّ ، وفي هذه الفقرة ثلاث ملاحظات :
أوّلاً : أنّ الأفراد عادة ما يطلبون (الوجاهة الاجتماعية) عند الناس ، ولا مانع من ذلك في حدّ ذاته ، إلاّ أنّ نظر المؤمن أن يكون وجيها عند اللّه تعالى ، وإذا
حصل التعارض بين الوجاهتين ، فالمهمّ - عند المؤمن - أن تكون الوجاهة عند اللّه لا عند الناس .
وإلى ذلك يشير الشاعر في قوله :
فياليت ما بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
ومن هذا الوجه قوله عليه السلام في الزيارة : [ عندك وجيها ] ، فهو يطلب الوجاهة عنده تعالى ، إذ أنّه لا اعتناء بالعزّ والجاه عند الخلق ، وإنّما العزّ الحقيقي هو العزّ عند الخالق .
ثانيا : الوجاهة عند اللّه تعالى لها مرحلتان :
(1) وجاهة دنيوية : وهي تكون بأُمور : أوّلها : التقوى ، قال تعالى : «إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ»(2). وثانيها : العلم قال تعالى : «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
ص: 192
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»(1) وثالثها : الجهاد قال تعالى : «فَضَّلَ اللّه ُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرا عَظِيما»(2).
(2) وجاهة أُخروية : وهي تكون بالمقامات والدرجات العليا .
والمؤمن يطلب كلتيهما ، كما قال الشاعر :
وواحد فاز بكلتيهما
قد جمع الدنيا مع الآخرة
ثالثا : أنّنا نحتاج إلى (وسيط) لنيل هذه الوجاهة ، وأهل البيت عليهم السلام وإن كانوا جميعا وسطاء لنيل الوجاهة عند اللّه تعالى ، إلاّ أنّ سفينة الحسين عليه السلام أوسع وفي لجج البحار أسرع .
ولذا يطلب الداعي الوجاهة عنده تعالى به عليه السلام ، كما أشار إلى ذلك الشيخ الأميني رحمه الله(3)
ص: 193
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
في الغدير(1) في قصّة الشاعر الخليعي(2) وذكر هذين البيتين :
إذا شئت النجاة فزر حسينا
لكي تلقى الإله قرير عين
فإنّ النار ليس تمسّ جسما
عليه غبار زوّار الحسين
وفي حديث عائشة كان لعلي عليه السلام وجه من الناس حياة فاطمة(3) أي جاه وعزّ فقدهما بعدها(4). إذن قوله عليه السلام [ وجيها ] أي مقرّبا عندك بالحسين عليه السلام ، أي بمحبّته ومعرفته ، أو بشفاعته ، فالمؤمن العارف بحقّه عزيز في الدنيا لما يعطى من الكرامة ، والدولة بسبب تقرّبه إلى الإمام الحسين عليه السلام ، وفي الآخرة لما يناله من الدرجات الرفيعة في الجنّة ببركته والحشر في زمرته . وقد ورد أنّ شيعتهم معهم ، كما ورد في كلام الإمام الحجّة عليه السلام : « وأحيهم في عزّنا وملكنا أو سلطاننا »(5).
ص: 194
يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللّهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِلَى فَاطِمَةَ ، وإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ ؛ بِمُوَالاَتِكَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ والْجَوْرِ عَلَيْكُمْ
··· -···
وفي بعض الأخبار : « إنّا خلقنا من نور اللّه وخلق شيعتنا من دون ذلك النور ، فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلى بالعليا » ، وفيه « يامفضّل أتدري لِمَ
سمّيت الشيعة شيعة ؟ يامفضّل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترى هذه الشمس أين تبدو ؟ » قلت : من المشرق ، قال : « وإلى أين تعود ؟ » قلت : إلى المغرب ، قال عليه السلام :
« هكذا شيعتنا ، منّا بدؤوا وإلينا يعودون »(1).
[ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ؛ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللّهِ ، وَإِلَى رَسُولِهِ ، وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِلَى فَاطِمَةَ ، وإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ ؛ بِمُوَالاَتِكَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ والْجَوْرِ عَلَيْكُمْ ] .
هنا يذكر عليه السلام في الزيارة ترتيب الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وبين مراتبهم بالترتيب الذكري إلى الترتيب الواقعي ، واختصاص الإمام الحسين عليه السلام بجملة من الأُمور للشهادة لا ينافي أفضلية الإمام الحسن عليه السلام في رتبة الإمامة والولاية . وأنّ نسبة الإمام الحسن إلى الإمام الحسين عليهماالسلام كنسبة الإمام علي عليه السلام إلى الحسن ، وهذا لا ينافي كون الإمام الحسن عليه السلام أكبر من الإمام الحسين عليه السلام ؛ لأنّ الكبر والصغر لا دخل لهما في الأفضلية ، فإنّ القائم المنتظر - عجّل اللّه تعالى فرجه - أفضل
ص: 195
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
من الأئمّة الثمانية عليهم السلام ، كما دلّ عليه قوله صلى الله عليه و آله : « تاسعهم قائمهم أفضلهم »(1). مع أنّه عليه السلامليس أكبر بحسب الظاهر منهم .
والأفضلية إنّما هي بأُمور ذاتية تكوينية إلهية ، قد خفيت على الخلق ، ونحن لا ندرك التفاضل بين أئمّتنا عليهم السلام إلاّ بإرشاداتهم وبياناتهم عليهم السلام ، فإنّ العقول والأفئدة تقصر عن إدراك ذلك(2).
وعليه فإنّ حدود الولاية وأسرار الإمامة ، أصلها من النبي محمّد صلى الله عليه و آله على جهة الإجمال والبساطة ، لكنّها تمايزت وتقدّرت بالبروج الاثنى عشر والأئمّة الاثني عشر في الكرسي ؛ فوجب أن تكون الأئمّة عليهم السلام في مقام التفصيل والتمييز كلّها من نسل علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ لأنّ مقامه مقام الكرسي ، ولذا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: « إنّ اللّه جعل ذرية كلّ نبي من صلبه ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).
ويظهر من هذه الفقرة أنّ الإيمان لا يستكمل إلاّ بالولاية والبراءة ، وقد تكرّرت كلمة (البراءة) كثيرا في هذه الزيارة وغيرها من الزيارات والنصوص الشرعية ، ولعلّ من أسباب هذا التأكيد لأهمية هذا الركن ، وغفلة كثير من الناس عنه ، إذ أنّ الناس - عادةً - ما يعرفون من الدين جانب الاثبات (التولّي) أمّا جانب
ص: 196
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
التبرّي فهم لا يعرفونه ولا يولونه الاهتمام المنشود ، وفي الواقع كما أنّ (التولّي) ركن مهم من أركان الدين كذلك (التبرّي) فهو ركن آخر ولا يتم الدين إلاّ بهما معا ، ولمزيد من التوضيح نقول :
لو أنّ شخصا قبل (أُلوهية اللّه تعالى) من دون أن يرفض سائر الآلهة ، فهل يقبل منه ذلك ؟ بالطبع لا .
ومن هنا فإنّ الرسول صلى الله عليه و آله من اليوم الأوّل طرح النفي والإثبات معا حيث قال صلى الله عليه و آله : « قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا »(1) ف- (لا إله) نفي لكلّ الآلهة الزائفة و (إلاّ اللّه) استثناء واحد ينبثق من ضمير ذلك الرفض .
وهكذا الأمر في النبوّة ، فلو أنّ شخصا قبل نبوّة النبي صلى الله عليه و آله وقبل معه (نبوّة مسيلمة) فهل يقبل اللّه منه ذلك ؟ الجواب طبعا لا .
وكذا الحال بالنسبة للإمامة ، فلابدّ من قبول أهل البيت عليهم السلاموالتمسّك
بولايتهم ورفض أعدائهم والتبرّي منهم ، وإظهار ذلك باللسان مطلوب في مقام الإيمان ، ليكون الظاهر عنوان الباطن .
ويستفاد من هذه الفقرة في الزيارة أيضا أنّ إظهار التقرّب إلى اللّه ، ورسوله ، وابنته فاطمة الزهراء عليهاالسلام وابنها الإمام الحسن عليه السلام ، لا يكون إلاّ بموالاة الإمام الحسين عليه السلام ومعاداة أعدائه . والعجب كلّ العجب من تلك العصابة التي كانت تتقرّب إلى اللّه بقتله !!! فقد هتكوا حرمة نبيّهم صلى الله عليه و آله بقتل بنيه ، وسبي ذراريه ، وأساؤوا الصنع فيهم بما لم يسبقهم إليه أحد من الملل السابقة مع ما أكّده النبي صلى الله عليه و آله
ص: 197
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
في حقّهم من الوصية بمودتهم ومحبّتهم ، حتّى جعل ذلك أجرا لأتعابه في تبليغ النبوّة ، كما قال تعالى : «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)، فقد أخرج السيوطي في الدرّ المنثور ، عن ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية ، قالوا : يارسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم ؟ قال صلى الله عليه و آله : « علي وفاطمة وولداها »(2).
فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم الرسول صلى الله عليه و آله ببغض العترة ، ونصب العداوة لهم أو يمكنهم الزيادة على ما صنعوا ؟
لا أتصوّر أنّهم كانوا يزيدون على ما صدر عنهم من الظلم والطغيان ومعصية الرحمان .
ولنعم ما قيل :
قد أبدلوا الودّ في القربى ببغضهم
كأنّما ودّهم في الذكر بغضاء
وقيل أيضا :
هم أهل بيت رسول اللّه جدّهم
أجر الرسالة عند اللّه ودّهمُ
هم الأئمّة دان العالمون لهم
حتّى أقرّ لهم بالفضل ضدّهم
سعت أعاديهم في حطّ قدرهم
فازداد شأنا ومنه ازداد حقدهم
ونابذوهم على علمٍ ومعرفةٍ
منهم بأنّ رسول اللّه جدّهم
ص: 198
وَأَبْرَءُ إِلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذلِكَ ، وَبَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَجَرَى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ ، بَرِءْتُ إِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللّهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوَالاَتِكُمْ ، وَمُوَالاَةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالاَكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ
··· -···
كأنّ قربهم من جدّهم سببٌ
للبعد عنهم وإنّ القربَ بعدهم
لو أنّهم أُمروا بالبغض ما صنعوا
فوق الذي صنعوا لو جُدَّ جِدّهمُ
[ وَأَبْرَءُ إِلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذلِكَ ، وَبَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَجَرَى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى اَشْيَاعِكُمْ ، بَرِءْتُ اِلَى اللّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ اِلَى اللّهِ ثُمَّ اِلَيْكُمْ بِمُوَالاَتِكُمْ ، وَمُوَالاَةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالاَكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ ] .
ربما كان السرّ في هذا التقرّب أنّ اللّه تعالى هو الآمر بموالاتهم ومحبّتهم والاعتصام بهم ، والناهي عن معاداتهم وبغضهم ، فالموالي لهم موالٍ له تعالى ، ويكون حبّهم في طول حبّ اللّه تعالى ، فلا تعارض في المقام ، بل إنّه تعالى جعلهم بمثابة القناة التي يوصل من خلالها إلى حبّه تعالى ، فلولا حبّهم لا يصل العبد إلى مرضاة اللّه وإن كان محبّا للّه ، لأنّه سبحانه قيّد حبّه بحبّهم ، فلا يمكن عبادة اللّه على الوجه المرضيّ له إلاّ بإرشادهم ودلالتهم ، ولا يكون ذلك إلاّ بتصديقهم واتّباعهم ،
ص: 199
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ولا يحصل ذلك إلاّ بموالاتهم وموالاة أوليائهم ومعاداة أعدائهم والبراءة من محاربيهم ومبغضيهم ، فيجب أن يكون ذلك مستمرا في جميع الأحوال . وهذا ما صرّحت به الزيارة الجامعة حيث ورد فيها : « ... من والاكم فقد والى اللّه ، ومن عاداكم فقد عادى اللّه ، ومن أحبّكم فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغضكم فقد أبغض اللّه ، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه »(1). ويؤكّد هذا ما قاله الرسول صلى الله عليه و آله في حقّ الإمام علي عليه السلام ، قال : « ياعلي حربك حربي ، وحربي حرب اللّه »(2).
وقوله
صلى الله عليه و آله لفاطمة الزهراء عليهاالسلام : « فاطمة بضعة منّي ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه »(3).
بل إنّنا محتاجون إلى أهل البيت عليهم السلام نظرا لكونهم عليهم السلام أبواب رحمته ووسائل نعمته ، وأنّهم عليهم السلام بهم ينزل الغيث ، وبهم نرزق ، وبهم نثاب ، وبهم
نعاقب ؛ ولأنّ موالاتهم عليهم السلام هي موالاة اللّه سبحانه ، وحبّهم عليهم السلامحبّه تعالى ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « ... وبعبادتنا عُبد اللّه عزّوجلّ ، ولولانا ما عبد اللّه »(4). وعن أمير المؤمنين عليه السلامقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا
ص: 200
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
نفارقه ولا يفارقنا »(1).
أمّا قوله عليه السلام : [ سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ] فالسلم : الصلح والطاعة . وبمعنى الاستسلام والمحبّة ، أي إنّي محبّ لمن أحبّكم بهوى القلب وثناء اللسان وعمل الأركان ، بل المراد الحقيقي من السلم هي الولاية . وإلى ذلك يشير قوله عليه السلام في تفسير الآية المباركة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(2) حيث قال : « هي ولايتنا »(3).
وفي تفسير قوله : «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» قال الإمام الصادق عليه السلام : « في ولاية علي » . والأحاديث متظافرة بأنّ المراد من السلم هي الولاية ، وأنّ خطوات الشيطان هو موالاة أعدائهم . وبهذا يكون المراد من قوله عليه السلام : [ وحرب لمن حاربكم ] البراءة من أعدائهم .
وقوله
عليه السلام : [ ولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم ] أي محبّ لكم ولأوليائكم ، وصديق وناصر ، ومتابع بالقلب واللسان والأركان .
إذ أنّ الحياة قائمة على أساس الحبّ والبغض ، والتولّي والتبرّي في كلّ شيء ، فإنّ أهل الحقّ يتولّون الحقّ ، وأهل الباطل يتولّون الباطل أمّا قوله صلى الله عليه و آله : « اللهمّ والي من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره »(4).
ص: 201
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ففيه إشارة بأنّ الدين لا يكمل إلاّ بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلاّ بمحبّة ذرّية سيّد الأنام ، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه و آلهوعترته المعصومين عليهم السلام بذلك .
فعن الإمام الرضا عليه السلام : « أنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين ، وصلاح الدين وعزّ المؤمنين ، إنّ الإمامة رأس الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والأحكام »(1).
وفي الحديث القدسي : « يامحمّد ، لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم لم أُدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي »(2).
وعن الإمام الباقر عليه السلام : « بُني الإسلام على خمس - إلى قوله - : ولم ينادِ بشيء كما نودي بالولاية »(3).
وعن النبي صلى الله عليه و آله في كلامه لأمير المؤمنين عليه السلام : « لو أنّ عبدا عبد اللّه ألف عام ما قبل اللّه ذلك منه إلاّ بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك ، وأنّ ولايتك لا يقبلها اللّه
ص: 202
فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي
الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ
··· -···
إلاّ بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك »(1).
وفي الزيارة الجامعة نقرأ : « ... سعد من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب
من جحدكم ، وضلّ من فارقكم ، وفاز من تمسّك بكم ، وأمن من لجأ إليكم ، وسلم من صدّقكم ، وهدي من اعتصم بكم ، من اتّبعكم فالجنّة مأواه ، ومن خالفكم فالنار مثواه »(2).
[ فَأَسْأَلُ اللّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ] .
بما أنّ يوم عاشوراء هو من أعظم الأيّام حيث بلغ الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه المقامات الرفيعة والسامية ، فإنّ زيارته عليه السلام في هذا اليوم العظيم ترتقي بالعبد إلى المقامات المعنوية الرفيعة حتّى يصبح الزائر للإمام الحسين عليه السلام في هذا اليوم المأساوي كمن زار اللّه في عرشه ، وقد ثبت بالتجربة أنّ المواظبة على زيارة عاشوراء تقضي الحوائج الكثيرة(3).
من هنا فإنّ دعاء العبد في هذا اليوم يكون مستجابا لمن زار سيّد
الشهداء عليه السلام أو قصد مشهده الشريف ، فلابدّ أن تنتهز الفرصة لطلب أهمّ ما
ص: 203
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
يرتجى من اللّه فيه ، ومن أهمّ هذه الطلبات التي وردت في فقرات الزيارة [ معرفة أهل البيت عليهم السلام] . والمراد بمعرفتهم أن يعرف بالدليل ، ويعتقد بالاعتقاد الجازم الذي لا يزول بالتشكيك بأنّهم « أهل بيت النبوّة ، وموضع الرسالة ، ومختلف
الملائكة ، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة، وخزّان العلم، ومنتهى الحلم وأُصول الكرم ، وقادة الأُمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار ... »(1).
وحقيقة أنّ معرفة أهل البيت عليهم السلام كرامة من اللّه لنا ، إذ أنّ كثيرا من الناس حُرموا هذه الكرامة العظيمة ، بل إنّها نعمة من اللّه علينا و «الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللّه ُ»(2) فكم هو الفرق بين من إمامه يقول : «
سلوني قبل أن تفقدوني .. »(3) ومن يقول إمامه : كلّ الناس أفقه منك يافلان حتّى المخدّرات ...(4) وكم الفرق بين من إمامه سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام ومن إمامه يزيد شارب الخمور ، راكب الفجور ، وقاتل النفس المحترمة .
يقول أبو فراس الحمداني(5):
ص: 204
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
تنشأ التلاوة من أبياتهم سحرا
وفي بيوتكم الأوتار والنغم
منكم علية(1) أم منهم وكان لهم
شيخ المغنّين إبراهيم أم لكم(2)
بالطبع المراد بالولاية بمراتبها المختلفة وهي :
1) المحبّة 2) النصرة 3) الاقتداء .
فإن من يتولّى أهل الحقّ يتولاّهم في الرتب الثلاثة ، والذي يتولّى أهل الباطل كذلك يتولاّهم في الرتب الثلاثة ، ولذا يحشر الإنسان يوم القيامة مع من يحبّه ويتولاّه(3)، وكلّ أُمّة تدعى بإمامها .
وقد ورد هذا المضمون في الآيات ومنها قال اللّه تعالى : «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(4).
بل إنّ الموالاة والمعاداة لها أثر كبير على سعادة الإنسان وعاقبته ومصيره ، فالذي يدّعي إنّه يوالي أهل البيت عليهم السلام ينبغي أن يكون عمله وموقفه ونهجه
ص: 205
0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0
··· -···
متطابقا مع نهجهم . محبّة في القلب ، ونصرة باليد واللسان ، والاقتداء بهم عليهم السلام في السلوك والعمل . وكذا الحال بالنسبة لأهل الباطل ، أليس نقول في الزيارة أيضا : [ برئت إلى اللّه وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم ] لنميّز أهل الحقّ من أهل الباطل .
هذا ولمعرفة أهل البيت عليهم السلاممراتب ، منها :
1 - معرفة أنّهم أئمّة .
2 - معرفة بعض مقاماتهم المعنوية .
3 - معرفة كنههم وحقيقتهم والاحاطة بهم .
والثالث غير ممكن لنا ، إذ لا يستطيع الإناء الصغير أن يحتوي ماء البحر ، أليس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين : « ياعلي ما عرفك إلاّ اللّه وأنا »(1).
كما أنّ للمعرفة مراتب ودرجات منها معرفة سلمان الفارسي ، أو أبي ذرّ الغفاري أو عوام الشيعة ، وكلّما ازداد الإنسان من هذه المعرفة ازداد قربا إلى اللّه .
نعم بعض ضعاف النفوس ينكرون كلّ فضيلة وكلّ كرامة ممّا يدلّ على ضعف معرفتهم ، ففي الحديث عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « ياجابر عليك بالبيان والمعاني » ، قال : فقلت : وما البيان وما المعاني ؟ قال : قال علي
عليه السلام : « أمّا
البيان فهو أن تعرف أنّ اللّه ليس كمثله شيء فتعبده ولا تشرك به شيئا ، وأمّا المعاني فنحن معانيه ، ونحن جنبه ويده ولسانه وأمره وحكمه وعلمه وحقّه ،
ص: 206
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
إذا شئنا شاء اللّه ، ويريد اللّه ما نريد - إلى أن قال عليه السلام - : ياجابر أو تدري ما المعرفة ؟ المعرفة إثبات التوحيد أوّلاً ثمّ معرفة المعاني ثانيا ثمّ معرفة الأبواب ثالثا ثمّ معرفة الإمام رابعا ثمّ معرفة الأركان خامسا ثمّ معرفة النقباء سادسا ثمّ معرفة النجباء سابعا »(1).
أمّا قوله عليه السلام [ معكم ] فإنّ المعيّة على أقسام :
1 - القلبية ، 2 - اللسانية ، 3 - العملية .
والمعيّة الشاملة والكاملة هي التي جمعت الثلاثة وبخلافها المعيّة الناقصة المتمثّلة بقول الفرزدق للإمام الحسين عليه السلامحيث قال : قلوبهم معك وسيوفهم عليك(2).
فالمراد ب- [ معكم ] أن يوفّق في الدنيا لمتابعتهم حذو النعل بالنعل كما هو مقام الشيعي الكامل ، وأن يحشر في الآخرة معهم في درجتهم كما ورد في الروايات الكثيرة(3).
ص: 207
وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُ-بَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَ-كُمْ عِنْدَ اللّهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَارِكُمْ مَعَ إِمَامٍ هُدَىً ، ظَاهِرٍ ، نَاطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ
··· -···
[ وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُ-بَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَ-كُمْ عِنْدَ اللّهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَ-لَبَ ثَأرِكُمْ(1) مَعَ إِمَامٍ هُدَىً(2)، ظَاهِرٍ ، نَاطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ] .
كلمة [ قدم ] تستخدم في معاني :
1 - المعنى المشهور وهو : الرجل .
2 - السابقة في الأمر(3).
3 - كلّ ما قدّمته من خير .
4 - كلّ ما تقدّمت به ولم تبطأ به ... الخ .
والذي يظهر في بادئ النظر : أنّ القدم بمعنى (الموقف) .
بيان ذلك :
فإنّ العرب تطلق اللفظ الموضوع للسبب على المسبّب ، واللفظ الموضوع للمسبّب على السبب ، ومن ذلك إطلاق (اليد) على (النعمة) ، فاليد سبب ، والنعمة مسبب . ومن ذلك قولهم : (لفلان عندي يد) أي نعمة .
ص: 208
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وكذا الحال بالنسبة للزيارة ، فالقدم سبب للموقف ، إذ أنّ الإنسان تارةً يثبت في الكرب وثباته يكون بوسيلة (قدمه) وأُخرى : لا يثبت ، وعدم إثباته أيضا يكون بوسيلة قدمه .
إذا فالمراد من كلمة قدم هو (الموقف) ، والموقف تجاه أهل البيت عليهم السلام قد يكون صادقا ... بلا غش ولا خيانة ، وأُخرى : يكون كاذبا .
والقدم الصادقة تارة تكون ثابتة ، وأُخرى لا .
وعليه فإنّنا نطلب من اللّه تعالى : أوّلاً : أن يكون لنا موقف صادق ، وثانيا : الثبات في ذلك . وإلاّ فكثير من الناس لم تكن لهم قدم صدق أو لم يثبتوا على مواقفهم ومن ذلك هو :
- موقف أنس بن مالك ، قال : (نسيت) .
- موقف سعد بن أبي وقّاص ، قال : (شككت) وطلب سيفا ناطقا .
- موقف أهل الكوفة ، (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) .
- موقف الذين تخلّوا عن الإمام عليه السلام ليلة عاشوراء .
- موقف عبيد بن الحرّ الجعفي .
- موقف الذي قالت له الزهراء عليهاالسلام : « لا كلّمتك بالفصيح من رأسي أبدا »(1).
ص: 209
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وأمّا الآخرة فربما يكون المراد من كلمة قدم صدق هي الشفاعة .
والتثبيت : هو الإدامة على الحالة السابقة ، ففي الدعاء نقرأ : « اللهمّ ثبّتي على دينك ما أحييتني ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني »(1).
وفي الزيارة الجامعة : « فثبّتني اللّه أبدا ما حييت على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم ، وفّقني لطاعتكم ، ورزقني شفاعتكم ، وجعلني من خيار مواليكم »(2).
والمراد بالمقام المحمود الشفاعة الخاصّة بهم(3)، إذ أنّ الشفاعة لأهل البيت عليهم السلام وللإمام الحسين عليه السلام ثابتة في الدنيا والآخرة ، وقد وردت في ذلك كثير من الروايات .
ففي الدعاء ورد : « اللهمّ إنّي لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمّة الأبرار لجعلتهم شفعائي ... » الخ(4).
ولا يخفى أنّ في إضافة (الثار) إلى ضمير النفس ، إشارة إلى أنّ كلّ مؤمن ولي هذا الدم ، فهو ثاره الذي يطلبه بشرط أن يكون مع إمام هدى من آل محمّد عليهم السلام ، والمراد به هنا الإمام القائم (عجّل اللّه تعالى فرجه) .
ص: 210
وَأَسْأَلُ اللّهَ بِحَقِّكُمْ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ ؛ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصَابِي
بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصَابَا بِمُصِيبَتِهِ ، مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَهَا وَأَعْظَمَ
رَزِيَّ-تَهَا فِي الاْءِسْلاَمِ ، وَفِي جَمِيعِ السَّمَاوَاتَ وَالْأَرْضِ
··· -···
[ وَأَسْأَلُ اللّهَ بِحَقِّكُمْ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ ؛ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصَابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصَابَا بِمُصِيبَتِهِ(1)، مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَهَا وَأَعْظَمَ رَزِيَّ-تَهَا فِي الاْءِسْلاَمِ ، وَفِي جَمِيعِ السَّمَاوَاتَ وَالْأَرْضِ ] .
إنّ السؤال الذي يبدأ به بحقّ أهل البيت عليهم السلام وبجاههم عند اللّه تعالى مقرون بالإجابة ، لأنّ حقّهم أعظم الحقوق ، وشأنهم أعلى الشؤون ، واللّه تعالى لا يردّ دعاء إذا سئل فيه بهم عليهم السلام ، كما نطقت به روايات كثيرة ، ومنها ما رواه الديلمي عن مسند أحمد ، أنّ النبي صلى الله عليه و آلهقال : « الدعاء محجوب حتّى يصلّى على محمّد وأهل بيته »(2). وذكر العلاّمة المجلسي في البحار ، عن الإمام علي عليه السلامقال : « صلّوا على محمّد وآل محمّد ، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد ... »(3).
أمّا قوله عليه السلام : [ أن يعطيني بمصابي بكم ] فقد مرّ في قوله [ لقد عظم مصابي بك ] بأنّ المصاب مصدر ميمي بمعنى الفاعل أو مبني للمفعول مضاف إلى اسم
ص: 211
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
المفعول ، والتقدير هنا بمصيبتي وبليتي بكم أو باصابتي وابتلائي بكم على حذو ما مرّ هناك .
والمصاب الأوّل مصدر ميمي بمعنى المصيبة ، والثاني بمعنى من إصابته المصيبة . وقد وردت أخبار وروايات كثيرة في عظم أجر المبتلى بالمصائب منها : عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال : « إنّ اللّه إذا أحبّ عبدا غثّه بالبلاء غثّا وشجّه بالبلاء شجّا ، فإذا دعاه قال : لبّيك عبدي لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر ، ولئن أخّرت لك فما ادّخرت لك خير لك »(1).
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قرض بالمقاريض »(2).
وفي رواية النخعي ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « من أُصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبي صلى الله عليه و آله فإنّه من أعظم المصائب »(3).
ولا شكّ أنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام من أعظم مصائب النبي صلى الله عليه و آله ، وكذا مصائب غيره من المعصومين عليهم السلام ، فإنّ مصيبة النبي صلى الله عليه و آله أعظم المصائب ، ولا ينافيه أنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلامأعظمها .
أمّا قوله عليه السلام : [ أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة ] فقد وردت العبارة مختلفة ،
ص: 212
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ففي بعض النسخ بمصيبته مضافا إلى الضمير ، وفي البعض الآخر بمصيبة منكرا منوّنا . وعلى الأوّل فالباء متعلّق بيعطي والضمير للمصاب ، وعلى الثاني فالباء متعلّق بالمصاب وهو باء التعدّية الذي تضمن معنى الجعل والتصيير ، كما مرّ عند قوله عليه السلام[ لقد عظم مصابي بك ] أي أفضل أجر وثواب يعطي من أُصيب بمصيبة
من مصائب الدنيا ، أي من أصابه اللّه بها وجعلها بحيث تصيبه ، ثمّ إنّ التعبير عن الشدّة والصدمة بوصف المصيبة حين إسناد فعل الاصابة مع أنّ الاتّصاف بعد تعلّق الفعل . وبعبارة أُخرى التعبير عن ذات الفاعل بوصف الفاعلية عند إسناد الفعل مع أنّ الاتّصاف بذلك الوصف متأخّر عن تعلّق الفعل مجاز شايع بعلاقة المشارفة ، كقوله تعالى : «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ...»(1) وقوله عزّوجلّ : «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ ...»(2) وقوله : «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ...»(3) وقوله «يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ ...»(4) وقوله : «يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي ...»(5) وقوله : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ...»(6).
وعلى أي حال فقد ورد هذا التجوّز في الكلام الفصيح كثير ومنه : « من قتل
ص: 213
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
قتيلاً فله سلبه »(1).
وقوله
عليه السلام : [ ما أعظمها ] وصف لمصيبة على تقدير مقول في حقّها
، فإنّ فعل التعجّب إنشاء ، والجملة الانشائية لا تقع صفة كما لا تقع خبرا على المشهور بين النّحاة(2).
والتقدير ياعباد اللّه تعجّبوا من مصيبة عظيمة بلغت في الشدّة والعظمة إلى حدّ يقال في حقّها [ ما أعظمها وأعظم رزيتها ] . فالمراد استعجاب مصيبته واستعظامها .
وقد مرّ أنّ الرزية بمعنى المصيبة ، فيلزم إضافة الشيء إلى نفسه ، ولذا يكون المراد بالمضاف لوازم الرزية والمصيبة من حرقة القلوب ، وسكب الدموع ، ودوام الغمّ والهمّ والحزن والجزع والفزع والنياح والصراخ وإقامة المآتم وغير ذلك ممّا لا
يخفى على الأعداء فضلاً عن الأولياء ، كما قيل :
حزن طويل أبى أن ينجلي أبدا
حتّى يقوم بأمر اللّه قائمهُ
ص: 214
اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ ، اَللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ
··· -···
[ اَللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ ، اَللّهُمَّ
اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحمَّدٍ ].
أمّا قوله عليه السلام [ مقامي ] فهو المقام الرفيع لزائر الإمام الحسين عليه السلام ، وتناله من النيل وهو الإصابة(1).
يقال : نال خيرا إذا أصابه ، والأمر منه نَلْ بفتح النون . لا من النوال وهو الأجر والحظّ ، ومنه النوال للعطاء(2). والفعل منه نال ينول والأمر نُلْ بضمّ النون .
وقوله
عليه السلام : [ ممّن تناله ] أي من الذين يستحقّون ذلك بالمحبّة والمعرفة
بحقّهم ، فإنّ زائري الإمام الحسين عليه السلام العارفين بحقّه تنالهم من الصلوات والرحمة والمغفرة ما لا يحصى ، كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار الواردة في باب زيارته .
ومنها : ما ورد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : « من زار قبر أبي عبداللّه عليه السلام بشط الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه »(3). وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «
من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه كتبه اللّه في أعلى علّيين »(4).
ص: 215
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقّه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر »(1).
وفي بعض الأخبار : « من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب اللّه له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة »(2).
و « ما من أحد يوم القيامة إلاّ وهو يتمنّى أنّه من زوّار الحسين لما يرى ممّا يصنع بزوّار الحسين عليه السلام من كرامتهم على اللّه تعالى »(3).
وقوله
عليه السلام : [ صلوات ورحمة ومغفرة ] بهذه الألفاظ الثلاثة للتعظيم أو التكثير أو النوعية . والفرق بينهما أنّ الرحمة أعمّ من الصلاة والمغفرة ؛ لأنّها تشمل
المذنب وغيره ، أمّا الصلاة فهي تختصّ بمن لا ذنب له ، والمغفرة بمن له ذنب .
وقوله
عليه السلام : [ اللهمّ اجعل محياي محيا محمّد وآل محمّد ومماتي ممات محمّد وآل محمّد ] أي اجعل حياتي مثل حياتهم في الرغبة إلى الخيرات والأعمال الصالحة ، ومماتي مثل مماتهم في استحقاق الصلاة والرحمة والفوز بالسعادات الدائمة .
وبما أنّ لكلّ شيئا مبدأ ومنتهى بما فيها حياة الإنسان ، ولأنّ النتيجة تتبع المقدّمات ، كان على الإنسان أن يفكّر دائما في مبدأه ليصل إلى منتهاه بخير وسلامة .
وخير مبدأ يعيش عليه الإنسان ليضمن حياة صالحة في الدارين هو أن
ص: 216
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
يعيش عيشة الصالحين والسعداء ويحيى حياتهم ويموت مماتهم . وأهل البيت عليهم السلام هم السعداء والصالحون ، وحياتهم حياة السعادة والصلاح «أُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ...»(1).
ومن هنا كان على الإنسان أن يسأل اللّه سبحانه دائما أن يجعل حياته حياتهم عليهم السلام .
وقريب من عبارة الزيارة الدعاء الذي نقرأه في قنوت صلاة العيد ، حيث نقول : « وادخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدا وآل محمّد وأخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّدا وآل محمّد »(2).
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه و آله قال : « من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة عدن قضب غرسه ربّي بيده فليتولّ عليا والأوصياء من بعده وليسلّم لفضلهم فإنّهم الهداة المرضيّون »(3).
الجدير بالذكر أنّ التعبير ورد هكذا : [ محياي محيا محمّد وآل محمّد ومماتي ممات محمّد وآل محمّد ] ولم يعبّر عن ذلك (بحياتهم وموتهم) إذ أنّ حياتهم وموتهم يرتبط بهم شخصيا عليهم السلام . أمّا محياهم ومماتهم فيرتبط بهم وبغيرهم ، وذلك لأنّ محياهم ومماتهم يعني الحالة التي عاشوا فيها في الحياة ، والحالة التي ماتوا عليها
ص: 217
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وخرجوا من الحياة .
و [ محياي ومماتي ] مصدران ميميّان ، ويحتمل كونهما اسمي زمان ، أي اجعلني بحيث أحيى في زمان حياتهم وهو زمان الرجعة ، وأموت في زمان مماتهم أي عند رفعهم إلى السماء بعد انقضاء الدنيا .
قال الطريحي : قوله [ محياي ومماتي للّه ] : قد يفسّران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجّزة والتي تصل إلى الغير بعد الموت كالوصية للفقراء بشيء أو معناه ، أنّ الذي أتيته في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح للّه خالصا(1).
ومن الواضح أنّ المقصود من العبارة [ أحيني حياتهم وأمتني مماتهم ] ليست الجهات المادّية . بل المراد الجهات المعنوية .. كالأخلاق والعبادة والشهادة في سبيل
اللّه تعالى ، وبعبارة أن تكون حياتهم المعنوية عليهم السلام مقياسا ومثلاً أعلى لنا ، فنحاول أن نقتدي بهم بقدر الامكان ... وإن كنّا لا نستطيع أن نكون مثلهم تماما . كما أشار إلى ذلك الإمام علي عليه السلام ، قائلاً : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني ... »(2).
ولا يختلف اثنان أنّ حياة محمّد وآله ومماتهم كانتا مثلاً للحقّ والفناء في ذات اللّه تعالى ، وبذلك يطلب الداعي بهذا الدعاء ، أي يحيى على الحقّ ويموت عليه .
ص: 218
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
بالطبع إنّ محياهم عليهم السلام يحتاج إلى صبر وجهاد واستقامة وإلى ذلك يشير عليه السلام: « إنّ أمرنا صعب مستصعب »(1) وهو أيضا يحتاج إلى تسديد وتوفيق من اللّه ، إذ لا يمكن للإنسان أن يعتمد على نفسه فيه ، إذ لا يضمن لنفسه النجاح لذلك يسأل اللّه أن يجعل محياه محيا محمّد وآل محمّد .
بل إنّ محيا أهل البيت عليهم السلام يختلف من زمان لزمان ومن إمام لإمام ، حيث كانت أدوارهم مختلفة ، فمن الأئمّة من قام بدور العالم الفقيه ، ومنهم الحاكم العادل ، ومنهم السجين المعذّب ، ومنهم المقتول المظلوم ، وكلّ منهم كان له أُسلوبه ونهجه المتناسب مع دوره .
وعليه فالمؤمن الذي يريد أن يحيا حياتهم عليهم السلام ينبغي أن يكيّف نفسه مع محياهم في كلّ ظرف وحالة يمرّ بها ويقتدي بهم في ذلك ، فينظر إلى أهل البيت عليهم السلام كيف تعاملوا مع الجهلاء ، وكيف تعاملوا مع الظالمين فيتعامل وهكذا ، فإن مات على ذلك يكون قد مات مماتهم .
بالطبع فإنّ مماتهم عليهم السلام كان على الفوز والفلاح ، لذا قال الإمام علي عليه السلام حين قتل : « فزت وربّ الكعبة »(2). وكذلك علي الأكبر بن الإمام الحسين عليهماالسلام قال : « لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا »(3).
ص: 219
اَللّهُمَّ إِنَّ هذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ ، وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ ، اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِكَ وَلِسَانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
··· -···
وربما كان المراد من قوله عليه السلام : (محيا وممات) اسم مكان أي مكان حياتي ، مكان حياتهم . ومكان موتي ، مكان موتهم . والسؤال هنا : لماذا نطلب ذلك ؟
لأنّ هذه الأماكن مشبعة بالخير والبركة ، فهي بلاد متبرّكة بوجودهم ، وحياتهم ... كما هو واضح في العتبات المقدّسة في المدينة المنوّرة والنجف الأشرف وكربلاء المقدّسة .
ولذا كان العلماء الأعلام يتحمّلون المشاق والمصاعب ويهاجرون بلادهم ولو مشيا على الأقدام ليسكنوا تلك البلاد ويجاوروا هذه المشاهد المباركة والمقدّسة .
[ اَللّهُمَّ إِنَّ هذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ ، وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ ، اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِكَ وَلِسَانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ] .
المراد بهذا اليوم : يوم عاشوراء ، فهو يوم تبرّك به أعداء أهل البيت عليهم السلام بقتلهم الإمام الحسين عليه السلام فمن كلام للعلاّمة المجلسي رحمه اللهقال : أن تزوره في كلّ يوم ، هذه الرخصة تستلزم الرخصة في تغيير عبارة الزيارة أيضا ، كأن يقول : اللهمّ إنّ يوم قتل الحسين عليه السلاميوم تبرّكت به(1). (انتهى) .
ص: 220
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وهذا هو الحقّ فإنّك إذا زرت بهذه الزيارة يوم عاشوراء ، فقولك هذا يوم تبرّكت به أو فرحت به .
هذا إشارة إلى اليوم الموجود الحاضر ، والخبر يوم كلّي موصوف بمضمون الجملة ، والحمل من قبيل حمل الكلّي المقيّد على الفرد ، كقولك : هذا رجل عالم . والمعنى أنّ هذا اليوم الحاضر فرد من أفراد اليوم الكلّي الذي تبرّكت به بنو أُميّة
وفرحت به آل زياد ، وهم وإن تبرّكوا وفرحوا في كلّ سنة من سني ملكهم بيوم حاضر شخصي إلاّ أنّ ذلك لأجل تبرّكهم وفرحهم بيوم كلّي صادق على تلك الأفراد وهو يوم عاشوراء ويوم قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فتبرّكهم وفرحهم حقيقة وأصالة إنّما هو بذلك اليوم الكلّي ، ثمّ إنّ يوم قتل الإمام الحسين عليه السلام حقيقة وإن كان يوما واحدا شخصيا لا كلّيا وهو العاشر من شهر المحرّم الحرام سنة ستين من الهجرة ، وهذا لا يقبل التعدّد والتجدّد في كلّ سنة ، إلاّ أنّ بناء العرف ودأبه وديدنهم
أنّه متى حدثت حادثة عظيمة محبوبة أو مكروهة في يوم من أيّام السنة ، فكلّما يأتي مثل ذلك اليوم في السنين اللاحقة ينزلونه منزلته ويجرون عليه أحكامه ، فيقولون : هذا يوم مولد النبي صلى الله عليه و آله ، وهذا يوم مبعثه ، وهذا يوم وفاته ، فيقيمون مراسم ذلك اليوم من التهنية والتعزية .
وقد جرى الشرع أيضا على ذلك ، ففي دعاء يوم ولادة الإمام الحسين عليه السلام
نقرأ : « اللهمّ إنّي أسألك بحقّ المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل
ص: 221
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
استهلاله وولادته »(1).
وفي دعاء ليلة ولادة صاحب الأمر عليه السلام : « اللهمّ بحقّ ليلتنا هذه ومولودها »(2).
وفي دعاء يوم الغدير : « أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعلني في هذا اليوم الذي عقدت فيه لوليّك العهد في أعناق خلقك ... »(3).
وفي بعض زيارات عاشوراء : « اللهمّ وأهلك من جعل يوم قتل ابن نبيّك عيدا »(4) ومن المعلوم أنّ عيدهم هذا ليس يوم شهادته عليه السلامحقيقة يوم الشهادة من السنة الثانية والثالثة وهكذا ، فكما أنّ مثل يوم الشهادة يوم عيد وسرور للأعداء فكذلك هو يوم مصيبة وحزن للأولياء .
وقد وقع التصريح بهذه المماثلة في بعض الروايات ، ففي رواية عبداللّه بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألقيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه ، فقلت : ياابن رسول اللّه ممّ بكاءك لا أبكى اللّه عينيك ؟ فقال لي : « أو في غفلة أنت ؟! أما علمت أنّ الحسين بن علي عليهماالسلام أُصيب في مثل هذا اليوم - إلى أن قال : - وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجا
ص: 222
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
عن رسول اللّه »(1).
وقال الإمام الرضا عليه السلام : « من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه يجعل اللّه عزّوجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادّخر ، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيداللّه بن زياد وعمر بن سعد (لعنهم اللّه) إلى أسفل درك من النار »(2).
وبالجملة فإنّ يوم قتل الإمام الحسين عليه السلام حقيقي وعرفي ومجازي ، أمّا الأوّل فهو جزئي شخصي لا يقبل التعدّد . والثاني كلّي يقبل التعدّد والتجدّد في كلّ سنة .
ويدلّ على هذا المعنى قول الإمام الحسن عليه السلام : « لا يوم كيومك ياأبا عبداللّه »(3). وقول الإمام الرضا عليه السلام : « فعلى مثل الحسين ، فليبك الباكون ، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء »(4).
وأشار إلى هذا المعنى أحد الشعراء بقوله :
كانت مآتم بالعراق تعدّها
أُميّة بالشام من أعيادها
قوله عليه السلام : [ وابن آكلة الأكباد ] والمراد منه هي هند أُمّ معاوية التي أرادت أن
ص: 223
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
تأكل كبد حمزة عمّ الرسول صلى الله عليه و آله ، وقصّتها معروفة في كتب السير(1).
والمراد بابنها في هذه العبارة يزيد بن معاوية لا معاوية ؛ لأنّه لم يكن حيّا في واقعة الطف والتي وقعت عام [ 61ه ] بين الحقّ المتجسّد بالإمام الحسين عليه السلام ، والباطل الكفر المتجسّد بيزيد وأعوانه الظلمة .
واللعين الأول وصف ليزيد ، والثاني لأبيه معاوية أو أبي سفيان وكانا ملعونين على لسان النبي صلى الله عليه و آله ، كما كان يزيد لعينا لأهل السماوات والأرض .
فمن كلام للإمام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية : « وأنتم في رهط قريب من عدّة أُولئك لعنوا على لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء اللّه على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله كلّكم - إلى أن قال عليه السلام - : أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ ما أقول حقّ ؟ إنّك يامعاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر ، ويقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن اللّه القائد والراكب والسائق ، فكان أبوك الراكب ، وأنت ياأزرق السائق وأخوك هذا القاعد - ثمّ قال عليه السلام - : أُنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه لعن أبا سفيان في سبعة مواطن ؟
أوّلهنّ : حين خرج من مكّة إلى المدينة ، وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به ، ثمّ صرفه اللّه عنه .
والثاني : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.
والثالث : يوم أُحد ، يوم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : [ اللّه مولانا ولا مولى لكم
ص: 224
] 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقال أبو سفيان : [ لنا العزّى ولا عزّى لكم ] فلعنه اللّه وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون .
والرابع : يوم حنين ، يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن ، وجاء عيينة بغطفان واليهود فردّهم اللّه عزّوجلّ بغيظهم لم ينالوا خيرا ، هذا قول اللّه
عزّوجلّ له في سورتين في كلتيهما يسمّي أبا سفيان وأصحابه كفّارا ، وأنت يامعاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكّة ، وعلي يومئذ مع رسول اللّه وعلى رأيه ودينه .
والخامس : قول اللّه عزّوجلّ : «وَالْهَدْىَ مَعْكُوفا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ»(1) وصددت أنت وأبوك ومشركوا قريش رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلعنه اللّه لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة .
والسادس : يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش ، وجاء عيينة بن حصن بن بدر بغطفان ، فلعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله القادة والأتباع والساقة إلى يوم القيامة ، فقيل : يارسول اللّه أما في الأتباع مؤمن ؟ فقال : لا تصيب اللعنة مؤمنا من الأتباع ، وأمّا القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناج .
والسابع : يوم الثنية ، يوم شدّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله اثنا عشر رجلاً ، سبعة منهم من بني أُمية ، وخمسة من سائر قريش ، فلعن اللّه تبارك وتعالى
ص: 225
اَللّهُمَّ الْعَنْ اَبَا سُفْيَانَ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الاْبِدِيْنَ
··· -···
ورسوله من حل الثنية غير النبي وسائقه وقائده »(1).
[ اَللّهُمَّ الْعَنْ اَبَا سُفْيَانَ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ، عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الاْبِدِيْنَ ] .
لا يختلف اثنان أنّ قاتل الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام يوم عاشوراء هو يزيد ابن معاوية الفاسق الفاجر ، فهو الذي بعث إلى أعوانه في العراق بكتاب رسمي أمرهم فيه بقتل الإمام الحسين وأصحابه وأهل بيته وسبي ذراريهم من آل البيت النبوي الشريف وأن يأتوا برؤوس القتلى إلى الشام . ولم يختلف أهل السير في لعن قاتل الإمام الحسين عليه السلام ؛ لأنّه قد ثبت بالنصّ الصريح على لسان النبي كفره وزندقته وخروجه عن الإسلام .
فقد روى أبو الفرج الأصبهاني(2) قائلاً : كان يزيد بن معاوية أوّل من سنّ الملاهي في الإسلام ، وأظهر الفتك ، وشرب الخمر(3).
ص: 226
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقال البلاذري : وكان يزيد أوّل من أظهر شرب الشراب(1).
وأردف ابن كثير قائلاً : اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور والغناء(2).
إلى غير ذلك من المخازي الجسام والقبائح العظام التي لا تنسى ما دامت الليالي والأيّام .
بل إنّ الأخبار في فضل اللعن على أعداء آل الرسول سيما قتلة ذرّيتهم متواترة : ففي رواية الريّان بن شبيب ، عن الإمام الرضا عليه السلامقال : « يابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنّة ، فألعن قتلة الحسين »(3).
وعن النبي صلى الله عليه و آله قال : « ألا ولعن اللّه قتلة الحسين عليه السلام ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم »(4).
وعن الفضل عن الإمام الرضا عليه السلام قال : « من نظر إلى الفقّاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل يزيد ، يمحو اللّه بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم »(5).
كما ورد لعنهم في القرآن الكريم ، حيث قال اللّه تعالى :
ص: 227
وَهذَا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيَادٍ وَآلُ مَرْوَانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ
··· -···
«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ»(1).
وقال عزّوجلّ :
«فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ»(2) وهناك آيات أُخر ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أوّليا(3).
فإذا كان اللّه عزّوجلّ يلعن في القرآن كيف لا يكون اللعن جائزا ؟!
[ وَهذَا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيَادٍ وَآلُ مَرْوَانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِ (4)].
الناس صنفان .. صنف على الحقّ وصنف على الباطل ، ولكلّ صنف روّاد وقادة ، ومراسم ومظاهر وسمات . أمّا روّاد الحقّ فهم الأنبياء والأولياء والعلماء ونحوهم ، ومراسمهم في إظهار الحقّ عديدة . منها مثلاً :
التقوى والإحسان ، والحلم والكرم ، والعفو عند المقدرة ، وهي من أهمّ صفاتهم وإلى عفو أهل البيت عليهم السلام ، عند المقدرة ولئامة أعدائهم أشار ابن
ص: 228
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
الصيفي(1) الشاعر في أبياته قائلاً :
ملكنا فكان العفو منّا سجية
ولمّا ملكتم سال بالدم أبطح
فإنّ العفو عند المقدرة من أهمّ صفات أهل الحقّ ، الذين يراعون الحقّ والمبدأ والإنصاف في التعامل حتّى مع الخصم ، فمن وصايا أمير المؤمنين علي عليه السلام لأصحابه : « لا تجهزوا على جريح(2) .. لا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ... »(3) وهذه الصفات تتجسّد خارجا في أهل البيت عليهم السلام .
ومن الأمثلة على ذلك هو موقف الإمام علي عليه السلام مع معاوية عندما أباح له الماء مع جنده ، وموقف الإمام الحسين عليه السلام مع الحرّ الرياحي عندما سقاه الماء ...الخ.
أمّا صفات أهل الباطل فهي :
1 - الدجل والخداع والتضليل : كسياسة معاوية في خداع الناس وتلبّسه
بالتديّن ، وأُسلوب يزيد ، وخداع عمر بن سعد عندما كان يقول : ياخيل اركبي
ص: 229
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وبالجنّة ابشري ودوسي صدر الحسين(1). كلّ ذلك ليوهم أصحابه وجنده بأنّه
على الحقّ .
2 - التشفّي والإنتقام في الإنتصار على الخصم :
فآل زياد وآل مروان قتلوا الإمام الحسين عليه السلام تشفّيا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واتّخذوا ذلك اليوم عيدا وعمدوا إلى خدع الناس لتضيع الحقيقة عليهم .
هذه صفات أهل الباطل فهي تتشفّى وتخدع الناس .
ومن هنا ينبغي أن نكون من أهل الحقّ ، نراعي الحقّ والمبدأ في كلّ خطوة من خطواتنا ، فإذا انتصرنا في المعركة لا يدعونا ذلك للإنتقام ، وإذا ربحنا في تجارة نعطي الحقوق ، ولا يدعونا ذلك للتعالي على الناس وعدم مساعدة الفقراء ، وإذا تولّينا منصبا نستخدمه لخدمة الناس كي لا تضيع حقوقهم وهكذا .
ولو لم يكن في التأريخ سوى شماتة آل زياد وآل مروان بأهل البيت عليهم السلام بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام لكفى ، ففي كتب المقاتل جاء أنّ أهل البيت عليهم السلام عندما دخلوا الكوفة قالوا لهم : الحمد للّه الذي قتلكم وأهلككم ، وأراح البلاد من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم(2). وقال ابن زياد لزينب عليهاالسلام :
ص: 230
اَللّهُمَّ فَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، اَللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هذَا ، وَأَيَّامِ حَيَاتِي ؛ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاَةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلاَمُ
··· -···
الحمد للّه الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم(1)، وقال لمّا صعد المنبر : الحمد
للّه الذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذّاب بن الكذّاب(2).
[ اَللّهُمَّ فَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، اَللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هذَا ، وَأَيَّامِ حَيَاتِي ؛ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاَةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلاَمُ (3)].
اللعن كما أشرنا هو الطرد والإبعاد عن الخير والرحمة ، وهو مقابل للصلاة التي هي بمعنى التعظيم والتكريم والتبجيل والتجليل سواءً كانت منه تعالى أم من الملائكة أم من المؤمنين ، فالصلاة على النبي وآله يقابله اللعن على أعدائهم . وفي بعض الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلامرجحان اللعن والبراءة على الصلاة على محمّد وآله ومنها :
ص: 231
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
جاء رجل خيّاط بقميصين إلى الإمام الصادق عليه السلام وقال : عندما كنت أُخيط أحد القميصين ، كنت أُصلّي على محمّد وآل محمّد ، وعندما أُخيط القميص الآخر كنت ألعن أعداء محمّد وآل محمّد ، فأي القميصين تختاره ؟
فاختار الإمام الصادق عليه السلام القميص الذي كان الخيّاط عند خياطته يلعن أعدائهم ، فقال : « إنّي أُحبّ هذا القميص أكثر »(1).
وفي رواية أُخرى إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يطوف بالكعبة فرأى رجلاً متعلّقا بأستار الكعبة وهو يصلّي على محمّد وآله فسلّم عليه ومر به ثانيا ولم يسلّم
عليه . فقال : ياأمير المؤمنين ، لِمَ لم تسلّم عليَّ هذه المرّة ؟
فقال
عليه السلام : « خفت أن أشغلك عن اللعن وهو أفضل من السلام وردّ السلام ومن الصلاة على محمّد وآل محمّد »(2).
أمّا قوله عليه السلام : [ اللهمّ فضاعف عليهم اللعن ] فهو دعاء عليهم بمضاعفة اللعن والعذاب ليكون عذابهم مثل عذاب جميع أهل النار ، ففي الخبر عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : « إنّ قاتل الحسين بن علي عليهماالسلام في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شدّ يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكّس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم وله ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله ، كلّما نضجت جلودهم بدّل اللّه
ص: 232
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
عليهم الجلود حتّى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة ويُسقون من حميم جهنّم ، فالويل لهم من عذاب النار »(1).
وفي رواية عنه صلى الله عليه و آله قال : « إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلاّ بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا »(2).
ثمّ إنّ التقرّب إلى اللّه عزّوجلّ بالبراءة والولاية لما تقدّم من أنّ كمال الإيمان بهما ، ولا يعرف الإيمان إلاّ منهما ، ولا يتقرّب إلى اللّه إلاّ بالإيمان الكامل ، وقد قدّمت البراءة لكونها أهمّ ، فالإيمان لا يتمّ إلاّ مع الكفر والبراءة من أعداء آل محمّد عليهم السلام ، وأنّ حبّهم لا يجتمع مع حبّ أعدائهم ، فإنّ المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعدائه ، وقد أشار اللّه تعالى إلى ذلك بقوله : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللّه ِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»(3).
ص: 233
ثمَّ تقول مائة مرَّة : اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَ-لَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَآخِرَ تَابِ-عٍ لَهُ عَلَى ذ لِكَ ، اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ ، وَشَايَعَتْ ، وَبَايَعَتْ ، وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعَا
··· -···
[ ثمَّ تقول مائة مرَّة : اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَ-لَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَآخِرَ
تَابِ-عٍ لَهُ عَلَى ذ لِكَ ، اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ ، وَشَايَعَتْ ، وَبَايَعَتْ ، وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعَا (1)].
أقول : ذكر الحاج المولى محمّد شريف بن الرضا الشيرواني التبريزي في كتابه الصدف المشحون بأنواع العلوم والفنون ج2 قال : حدّثني محمّد بن الحسن الطوسي في الروضة الرضوية يوم الاثنين 4 محرّم 1248ه قال : حدّثني رئيس المحدّثين العالم المحقّق الشيخ حسين آل عصفور البحراني قال : حدّثني والدي عن أبيه عن جدّه بسنده إلى الإمام أبي الحسن علي الهادي النقي عليه السلام إنّ : « من قرأ مرّة اللعن في زيارة عاشوراء ثمّ قال : اللهمّ العنهم جميعا تسعا وتسعين مرّة كفى عن المائة وكذا السلام »(2) فربما دلّ ذلك على كفاية اللعن والسلام مرّة مع القول تسع وتسعين مرّة عن القول مائة مرّة .
بالطبع المراد باللعن هنا ليس خصوص أوّل من ظلم وآخر من تبعه حتّى
ص: 234
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ينحصر اللعن في شخصين أو نحوهما ويخرج ما بين الطرفين على كثرته الكاثرة عن مورد اللعن مع أنّ آخر من تبع لا يتحقّق إلاّ بانقضاء الدنيا ، فإنّ هذا المعنى ليس
بمراد قطعا وإن أوهمه ظاهر العبارة ، بل المراد بأوّل ظالم من ابتدأ بالظلم وأسّس أساسه واحدا كان أو متعدّدا ، وبآخر تابع كل من تبع هذا المؤسّس في ظلمه سواء عاصره أو جاء بعده ورضي بأفعاله ، وسار على نهجه ، وآخريته بالقياس إلى أوّلية متبوعه لا بالقياس إلى أتباع أُخر سابقة عليه .
وقد يكون المراد بأوّل ظالم من تقدّم على وصيّه وغصب حقّه وتقمّص الخلافة وهو يعلم أنّ محلّه منها محل القطب من الرحى(1)، وبآخر تابع كلّ من لحقه من بني أُمية وبني العبّاس .
والعصابة ، بكسر العين : الجماعة من الناس والخيل والطير ، وقيل : هم من العشرة إلى الأربعين(2).
وقوله
عليه السلام : [ وبايعت وتابعت ] قال المحقّق الداماد في الرواشح السماوية :
كلتاهما بالمثنات من تحت بعد الألف قبلها موحّدة في الأُولى ومثنّاة من فوق في الثانية ، للتخصيص بعد التعميم ، إذ المبايعة بالباء الموحّدة مفاعلة من البيعة بمعنى
المعاقدة والمعاهدة سواء كان على الخير أم على الشرّ .
والمتابعة بالمثنّاة من فوق معناها : المجاراة والمساعاة والمعاضدة والمسايرة
ص: 235
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
على الشرّ ولا تكون في الخير . وكذلك التتابع التهافت على الشرّ والتسارع إليه مفاعلة وتفاعلاً ، من التيعان ، يقال : القيء ... ذاب وسال على وجه الأرض ، إلى كذا إذا ذهب إليه وأسرع .
وبالجمة بناء المفاعلة والتفاعل لا يكون إلاّ للشرّ . وجماعة القاصرين من أصحاب العصر يصحّفونها ويقولون : تابعت بالباء الموحّدة(1).
إذن اللعن يعمّ ويشمل جميع الظالمين إلى يوم الدين ، ولذا ورد قوله عليه السلام : [ اللهمّ العنهم جميعا ] .
ص: 236
ثمَّ تقُول مائة مرّة : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ، وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلاَمُ اللّهِ أَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ ، السَّلاَمُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى عَلِيِّ ابْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَوْلاَدِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ
··· -···
[ ثمَّ تقُول مائة مرّة : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاأَبَا عَبْدِاللّهِ ، وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ
بِفِنَائِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلاَمُ اللّهِ أَبَدَا مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ جَعَلَهُ اللّه ُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ ، السَّلاَمُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى عَلِيِّ ابْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَوْلاَدِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ ] .
جاء في بعض النسخ(1) زيادة [ وأناخت برحلك بعد بفنائك ] يقال : أنخت الجمل : استناخ أي أبركته فبرك ، ورحل البعير بالفتح(2) كالسرج للفرس ، أي أبركت جمالهم لشدّ الرحال عليها في نصرتك ، والمسائرة معك في مجاهدة الأعداء ، ويحتمل أن يكون كناية عن فوزهم بالشهادة معه عليه السلام .
وقوله عليه السلام : [ ولا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتكم .. ] وفي بعض النسخ [ آخر العهد منّي لزيارتك ] الضمير مبهم يفسّره العهد المذكور بعده ، كقوله تعالى : «فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ»(3) قال في محكي الكشّاف : يجوز أن يكون الضمير مبهما
ص: 237
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
يفسّره الأبصار المذكور بعده . والمعنى [ ولا جعل اللّه عهدي هذا لزيارتكم أو لزيارتك آخر العهد منّي لها ] . وارجاع الضمير إلى السلام المذكور أوّلاً بعيد لا يناسب المفعول الثاني لجعل ، بل المناسب أن يقال : ولا جعله اللّه آخر تسليمي أو سلامي عليك ، كما وقع نظير ذلك في رواية يونس ابن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن وداع قبر النبي صلى الله عليه و آله فقال : تقول : « صلّى اللّه عليك ، السلام عليك لا جعله اللّه آخر تسليمي عليك ... » الحديث(1).
ولابدّ من اتّحاد مفعولي جعل بالنوع ، كقولك : لا جعل اللّه وداعي هذا آخر الوداع ، أو زيارتي آخر الزيارة ، أو صلاتي آخر الصلاة أو تسليمي آخر التسليم .
وأمّا مع اختلافهما بالنوع كقولك : ولا جعل اللّه وداعي آخر الزيارة أو بالعكس أو صلاتي آخر التسليم أو بالعكس أو تسليمي آخر الزيارة أو آخر الوداع ونحو ذلك ، فكلّ ذلك تعبير منحرف عن الاستقامة مختلّ النظام والانتظام كما لا يخفى .
ثمّ إنّ العهد قد ذكروا له معاني كاليمين والأمان والوصية والمدّة والزمان والوقت والحضور ، كما قد يقال : اعتقل لسان رجل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أي في مدّته وزمانه . أو ربما يقال : وجّهني إلى رسول اللّه لأُجدّد به عهدا ، أي حضور ، إلى أن قال : وفي الدعاء [ اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي ] أي آخر الحضور ، ولا يخفى أنّ الحضور مأخوذ في معنى الزيارة ، فيصير المعنى في المقام آخر الحضور منّي
ص: 238
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
لحضورك ، وفيه من البشاعة ما لا يخفى .
فالأولى تفسير العهد في المقام بالوقت والزمان ، أي لا جعل اللّه وقتي وزماني هذا لزيارتك آخر وقتي وزماني لها .
والزيارة كما تقدّم في العرف : قصد المزور إكراما له وتعظيما له ، وفي اللغة : زاره ، قصد لقائه إكراما له . ولا يخفى أنّ اللقاء أو الحضور ونحوهما مقدّر في العبارة
قطعا ، ومع ذلك فالظاهر أنّه بمجرّد القصد من دون تحقّق اللقاء والحضور لا يصدق الزيارة وأنّه قد زار ، فلابدّ أن يفسّر الزيارة بأنّه الحضور عند العظيم بقصد الإكرام
والتعظيم . أمّا الذهاب والمجيئ والاتيان والمسير ونحوهما ، فكلّ ذلك من مقدّمات الزيارة خارج عن مفهومها ، كقولك ذهبت أو سرت إلى فلان لزيارته أو جاءني فلان لزيارتي . وتوهّم دخول ذلك في مفهومها خطأ ، إذ لا ينطبق عليه الاطلاقات الواردة في الأخبار ، كقوله صلى الله عليه و آله للإمام الحسين عليه السلام(1): « يابني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة » . وفي رواية أُخرى(2): « من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة . ومن جاءني زائرا وجبت له شفاعتي » . إلى غير ذلك ممّا ورد على هذا النمط من الروايات .
وقوله
عليه السلام [ وعلى علي بن الحسين ] لا ريب أنّ المراد به علي ابن الحسين الشهيد لا الإمام زين العابدين عليه السلام ؛ لأنّ هذه الزيارة لخصوص الشهداء .
ص: 239
ثمَّ تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَ نْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاًَ ، ثُمَّ الثَّانِيَ ، وَالثَّالِثَ ، وَالرَّابِ-عَ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ خَامِسَا ، وَالْعَنْ عُبَيْدَاللّهِ ابْنَ زِيَادٍ وَابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَشِمْرَا ، وَآلَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَآلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ؛ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ
··· -···
[ ثمَّ تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَ نْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاًَ ، ثُمَّ الثَّانِيَ ، وَالثَّالِثَ ، وَالرَّابِ-عَ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ خَامِسَا ، وَالْعَنْ عُبَيْدَاللّهِ بْنَ زِيَادٍ وَابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَشِمْرَا ، وَآلَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَآلَ زِيَادٍ ، وَآلَ مَرْوَانَ ؛ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ (1)].
أشرنا سابقا أنّ اللعن هو الطرد والإبعاد عن الخير والرحمة ، وهو مقابل الصلاة التي هي بمعنى التعظيم والتكريم سواءً كانت منه تعالى أم من الملائكة أم من المؤمنين ، إلاّ أنّ التعظيم والتبجيل من الكل إنّما هو بما يناسبه ، فمن اللّه المرحمة ، ومن الملائكة المدح والتزكية ، ومن المؤمنين الدعاء ، فهو مشترك معنوي لا لفظي ، وتقابلهما كتقابل محلّيهما ، إذ محلّ الصلاة نور ومحلّ اللعن ظلمة ، فالصلاة على النبي
وآله يقابله اللعن على أعدائهم ، كما أنّ الصلاة تكون من اللّه ومن خلقه لقوله تعالى : «إِنَّ اللّه َ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ...»(2).
ص: 240
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
ولقوله في الدعاء المعروف : صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد . فكذلك اللعن يكون منه تعالى ومن الخلق قضاء لحقّ المقابلة ، مضافا إلى قوله تعالى : «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ»(1).
وحيث إنّ لعن غير اللّه ليس له أثر في أهل اللعن إلاّ بعد موتهم ، إذ أثره منحصر في العذاب الأُخروي وهو بيد اللّه تعالى ، فسّر لعن غيره تعالى بالدعاء على أهله باللعن ، ففي عند قوله عزّوجلّ : «عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(2) اللعنة إنّما تكون على وجه الدعاء ، ومن اللّه على وجه الحكم .
وفي تفسير النيشابوري عند قوله تعالى : «وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ ...»(3) يدعو عليهم باللعن اللاعنون .
فالمراد باللعن في قوله عليه السلام : [ أوّل ظالم باللعن منّي ] هو لعنة اللّه تعالى لا لعنة الزائر . وكلمة [ منّي ] حال لللعن ، بتقدير معنى السؤال والاستدعاء ، فهي نظير [ منّي ] في قوله عليه السلام : [ عليكم منّي جميعا سلام اللّه أبدا ] .
فالمعنى [ اللهمّ خصّ أنت أوّل ظالم بلعنتك ] سؤالاً واستدعاءً منّي ، فهو مثل
قولك : [ اللهمّ العنه كما تقول في مقابله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ] .
ص: 241
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقد لوحظ ترتّبهم في الظلم بتقمّص الخلافة . فالمراد بالأوّل والثاني والثالث ، الثلاثة الذين غصبوا حقّ وصي الرسول صلى الله عليه و آله وتقدّموا عليه(1). وبالرابع معاوية .
فالمتكلّم المؤمن يسأل اللّه أن يلعنهم على الترتيب حسب ترتّبهم في الظلم ، يعني خصّ أوّل ظالم [ بأوّل لعنك ] والثاني [ بالثاني ] وهكذا إلى الخامس .
ومن لطيف ما ذكر في هذا المقام أنّ بعضهم وشى بالشيخ الطوسي قدس سره إلى الخليفة العبّاسي على أنّه وأصحابه يسبّون الصحابة - وكتابه المصباح يشهد بذلك - فإنّه ذكر أنّ من دعاء يوم عاشوراء : (اللهمّ خصّ أوّل ظالم باللعن منّي وابدأ به أوّلاً ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ، اللهمّ العن يزيد خامسا) .
فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب ، فلمّا حضر الشيخ ووقف على القصّة ألهمه اللّه تعالى أن قال : ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنّته السعاية ، بل المراد بالأوّل : قابيل قاتل هابيل وهو أوّل من سنّ القتل والظلم . وبالثاني : قيدار - عاقر ناقة صالح - ، وبالثالث : قاتل يحيى ابن زكريا عليهماالسلام - قتله لأجل بغي من بغايا بني إسرائيل ، وبالرابع : عبدالرحمان بن ملجم - قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ورفع شأنه ، وانتقم من الساعي وأهانه(2).
ص: 242
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
وقوله
عليه السلام : [ إلى يوم القيامة ] فهي وإن أفادت بظاهرها التوقيت والتحديد
في اللعن ، لكن قد مرّ في نظيرها وهو قوله عليه السلام : [ عليكم منّي جميعا سلام اللّه أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار ] بأنّ المراد بأمثال ذلك التأبيد .
فهذه من مصطلحات العرف وكناياتهم في إفادة التأبيد كقوله عليه السلام : على محمّد وآله السلام كلّما طلعت شمس أو غربت .
قال الفاضل النيشابوري في سورة هود عند قوله تعالى : «لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ»(1).
القرآن قد ورد على استعمالات العرب وأنّهم يعبّرون عن الدوام والتأبيد بقولهم : ما دامت السموات والأرض . ونظيره قولهم : ما اختلف الليل والنهار .
ثمّ قال في سورة الحجر عند قوله تعالى : «وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»(2).
ضرب يوم الدين أي يوم الجزاء ، حدّ اللعنة جريا على عادة العرب في التأبيد كما مرّ في قوله : ما دامت السماوات والأرض .
ص: 243
ثمَّ تسجد وتقول : اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِ-هِمْ ، الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى عَظِيمِ رَزِيَّتِي ، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ ، وَاَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
··· -···
[ ثمَّ تسجد وتقول : اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِ-هِمْ ، الْحَمْدُ
لِلّهِ عَلَى عَظِيمِ رَزِيَّتِي(1)، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ ، وَاَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ] .
الفرض من إضافة الحمد إلى الشاكرين دون الحامدين هو الجمع بين الحمد والشكر على مصابهم حمدا معه شكرا ، إذ أقصى ما عليه حمد الشاكرين أنّه حمد معه شكر . وكلمة [ على ] متعلّقة بالحمد والشكر من باب التنازع لأنّ مدخولها نعمة كما يأتي ، وتعدية الحمد إلى النعمة [ بعلى ] شايع كثير ، ومنه ما يأتي من قوله : الحمد للّه على عظيم رزيتي .
وأمّا تعدية الشكر إليها (بعلى) فإنّي وإن لم أجدها في كتب اللغة بل اقتصر في الطراز نقلاً عن اللحياني على تعديته إلى كلّ من المنعم والنعمة بأحد أُمور ثلاثة بنفسه وبالباء وباللام ، وذكر في القاموس كلّها إلاّ تعديته إلى النعمة باللام .
كما ورد في خبر مروي في مسكن الفؤاد ، عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه دخل على
الأنصار ، فقال : « أمؤمنون أنتم ؟ » فسكتوا ، فقال رجل : نعم يارسول اللّه . فقال :
ص: 244
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
« وما علامة إيمانكم ؟ » قالوا : نشكر على الرخاء ، ونصبر على البلاء ، ونرضى بالقضاء . فقال صلى الله عليه و آله : « مؤمنون وربّ الكعبة »(1).
وكلمة (المصاب) مصدر ميمي كما في قوله عليه السلام : [ لقد عظم مصابي بكم ] و [ أن يعطيني بمصابي بكم ] وإضافته إلى ضمير الجمع الراجع إلى الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه لا إلى الشاكرين ، كما لا يخفى من باب الإضافة إلى السبب كضرب السوط ، وضرب السيف . إذ يجوز إضافة المصدر إلى جميع متعلّقات الفعل ولو بعيد ، كقوله تعالى : «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»(2) أي مكركم في الليل والنهار . وقوله : «فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ..»(3) أي ذكره عند ربّه . وقوله : «لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»(4) أي مقامه عند ربّه .
والتقدير هنا على مصابي بهم عليهم السلام ولأجلهم أو على مصاب الشاكرين بهم ولأجلهم على حدّ ما مرّ من قوله [ بمصابي بكم ] وإنّما قلنا ذلك لأنّ متعلّق الشكر لابدّ أن يكون نعمة للشاكر ، إذ لا معنى للشكر على نعمة للغير وإن كان متعلّق الحمد أعمّ من ذلك على ما قالوا .
ثمّ إنّ كون مصابهم نعمة إنّما هو باعتبار تحمّله والصبر عليه ، إذ تحمّل المصائب والصبر عليها من أفاضل نعم اللّه تعالى .
والرزق ما ينتفع به .
ص: 245
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
والشفاعة مصدر شفع كمنع وهي السؤال في التجاوز في الذنوب ، فشفاعة النبي صلى الله عليه و آله أو غيره عبارة عن دعائه اللّه تعالى وطلبه منه غفران ذنوب الآخرين ، ولا تكون الشفاعة إلاّ من كان له قابلية للشفاعة فهي لا تشمل من نصبوا العداء لآل الرسول صلى الله عليه و آله أو الكافرين لأنّ شمولها لهم خلاف العدالة الإلهية وأن يتساوى المحسن والمسيئ غير القابل عند اللّه تعالى وهذا قبيح عليه تعالى عن ذلك .
وعلى كل فإنّ الإمام الحسين والأئمّة من ولده عليهم السلام يشفعون لشيعتهم ، وشيعتهم لمحبّيهم وأصدقائهم وجيرانهم من المؤمنين حتّى يقول أعدائهم :
«فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1).
والشفاعة المقبولة يراد منها التصرّف المطلق في أمر الحساب والجنّة والنار ، وهي ولاية اللّه سبحانه الولاية العامّة المطلقة ؛ لأنّه تعالى خلق كلّ شيء لهم عليهم السلام ، وهم محالّ مشيئته وألسن إرادته «وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ»(2).
أمّا قوله عليه السلام : [ ويوم الورود ] فالمراد به إمّا هو يوم القيامة لورود الخلق على حساب اللّه أو لورود المؤمنين على الحوض والكافرين على الجحيم أو يوم ورود الإنسان على عالم البرزخ . وأشارت إلى هذا المعنى الآية القرآنية في سورة هود : «يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ»(3).
[ والمهج ] جمع المهجة ، وهي دم القلب خاصّة(4).
ص: 246
و [ دون الحسين عليه السلام ] أي بحضرته .
ص: 247
ص: 248
ص: 249
بعد أن فرغنا من شرح هذه الزيارة الشريفة لا بأس من الإشارة إلى بعض النكات المهمّة في دعاء العلقمة المعروف الذي ورد استحباب الدعاء به بعد صلاة الزيارة .
وقبل أن نشرع ببيان النكات المهمّة في هذا الدعاء الشريف ينبغي الإشارة إلى أهميّة الدعاء بشكل عام عند زيارة أبي عبداللّه الحسين عليه السلام وتأكيد أهل البيت عليهم السلام عليه في أحاديثهم ثمّ نشير إلى خصوصية الدعاء بهذا الدعاء الشريف بعد زيارة عاشوراء .
أمّا بالنسبة إلى الدعاء لدى زيارة سيّد الشهداء عليه السلام فقد تواترت به أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، وحتّى الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم كانوا إذا اشتدّت بهم الأُمور بعثوا من يدعو لهم تحت قبّة أبي عبداللّه عليه السلام .
فقد روى ابن فهد في عدّة الداعي أنّ الإمام الصادق عليه السلام مرض فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيرا يدعو عند قبر الحسين عليه السلام ، فوجدوا رجلاً فقالوا له ذلك ، فقال : أنا أمضي ولكن الحسين إمام مفترض الطاعة ، وهو إمام مفترض الطاعة ، فرجعوا إلى الصادق عليه السلام وأخبروه فقال : « هو كما قال ، ولكن ما عرف أنّ
ص: 250
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
للّه تعالى بقاعا يستجاب فيها الدعاء فتلك البقعة من تلك البقاع »(1).
وعن أبي هاشم الجعفري قال : بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام في مرضه وإلى محمّد ابن حمزة ، فسبقني إليه محمّد بن حمزة فأخبرني محمّد ما زال يقول : « ابعثوا إلى
الحير » ، ابعثوا إلى الحير ، فقلت لمحمّد : ألا قلت له : أنا أذهب إلى الحير ؟ ثمّ دخلت عليه وقلت له : جعلت فداك أنا أذهب إلى الحير ، فقال : انظروا في ذلك (إلى أن قال :) فذكرت ذلك لعلي بن بلال ، فقال : ما كان يصنع بالحير ؟ هو الحير ، فقدمت العسكر فدخلت عليه ، فقال لي اجلس حين أردت القيام ، فلمّا رأيته آنس بي ذكرت له قول علي بن بلال ، فقال لي : « ألا قلت له : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يطوف بالبيت ، ويقبّل الحجر ، وحرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره اللّه عزّوجلّ أن يقف بعرفة ، وإنّما هي مواطن يحبّ اللّه أن يذكر فيها ، فأنا أُحبّ
أن يدعى لي حيث يحبّ اللّه أن يدعى فيها » ، وذكر عنه أنّه قال : ولم أحفظ عنه قال : « إنّما هذه مواضع يحبّ اللّه أن يعبد فيها ، فأنا أُحبّ أن يدعى لي حيث يحبّ اللّه تعالى أن يعبد ، هلاّ قلت له كذا ؟ » قال : قلت : جعلت فداك لو كنت أحسن مثل هذا لم أردّ الأمر إليك(2).
وعن أبي هاشم الجعفري قال دخلت أنا ومحمّد بن حمزة عليه يعني أبا الحسن عليه السلام نعوده وهو عليل فقال لنا : « وجّهوا قوما إلى الحاير من مالي » ، فلمّا
ص: 251
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
خرجنا من عنده قال لي محمّد بن حمزة : المشير يوجّهنا إلى الحاير وهو بمنزلة من في الحاير ؟ قال : فعدت إليه فأخبرته ، فقال لي : « ليس هو هكذا إنّ للّه مواضع يحبّ أن يعبد فيها وحاير الحسين عليه السلام من تلك المواضع »(1).
وقال أبو هاشم الجعفري : دخلت على أبي الحسن علي بن محمّد عليهماالسلام وهو محموم عليل فقال لي : « ياأبا هاشم إبعث رجلاً من موالينا إلى الحائر يدعو اللّه لي » ، فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال فأعلمته ما قال لي وسألته أن يكون الرجل الذي يخرج فقال : السمع والطاعة ولكنّني أقول : إنّه أفضل من الحائر إذ كان بمنزلة من في الحائر ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحائر فأعلمته عليه السلام ما قال فقال لي : « قل له : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أفضل من البيت والحجر وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر وإنّ للّه تعالى بقاعا يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحاير منها »(2).
إذن الدعاء عند قبر سيّد الشهداء عليه السلام من الأُمور التي التزم بها أهل البيت عليهم السلام وقت الشدائد ، ولا يكاد أحد أن يشكّك في مضمونية الإجابة لمن يقصد حرمه الشريف ويدعو تحت قبّته الشريفة .
بل إنّ من خصائص سيّد الشهداء عليه السلام إجابة الدعاء تحت قبّته الشريفة ، فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه أخبره بقتل الإمام الحسين عليه السلام إلى أن قال : « من زاره
ص: 252
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجّة وألف عمرة ، ألا ومن زاره فقد زارني ، ومن زارني فكأنّما زار اللّه ، وحقّ على اللّه أن لا يعذّبه بالنار ، ألا وإنّ الإجابة
تحت قبّته ، والشفاء في تربته ، والأئمّة من ولده »(1).
بالطبع لم يقتصر الأئمّة الأطهار عليهم السلام في أحاديثهم الشريفة على أهميّة الدعاء عند قبر أبي عبداللّه عليه السلام ، بل إنّهم دعوا إلى الدعاء بعد مطلق الزيارة لسيّد الشهداء حتّى لو كانت عن بُعد .
عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : « من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكيا لقي اللّه عزّوجلّ يوم القيامة بثواب ألفي الف حجّة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة ، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومع الأئمّة الراشدين عليهم السلام » . قال : قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بُعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في
ذلك اليوم ، قال : « إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحا مرتفعا في داره ، وأومأ إليه بالسلام واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلّى بعده ركعتين ، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على
ص: 253
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
اللّه عزّوجلّ جميع هذا الثواب »(1).
ومن الأدعية الشهيرة التي ورد الدعاء بها بعد زيارة عاشوراء الشريفة هو دعاء العلقمة المعروف المليء بالمعارف الإلهية ، وها نحن نتعرّض إلى بعض النكات المختصرة في هذا الدعاء ومن اللّه تعالى العون وعليه الاتّكال .
ص: 254
يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يااَللّه ُ ، ...
وَيا
مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، ...
··· -···
[ يا اَللّه ُ يا اَللّه ُ يااَللّه ُ ... ] وهذا من سنن الدعاء وآدابه أن يبتدأ الداعي بالثناء على اللّه تعالى وحمده وتمجيده ، ومن يلاحظ الأدعية الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام يجدها عادة ما تبتدئ بالحمد والثناء على اللّه تعالى .
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إيّاكم إذا أردتم أن يسأل أحدكم ربّه شيئا من حوائج الدنيا حتّى يبدأ بالثناء على اللّه عزّوجلّ والمدحة له والصلاة على النبي صلى الله عليه و آله ثمّ يسأل اللّه حوائجه »(1).
[ وَيا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ] الوريدان : عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها ، متّصلان بالوتين يردان من الرأس إليه ، وقيل : سمّي وريدا لأنّ الروح ترده ، وقيل : هو عرق بين العنق والمنكب ، والحبل العرق ، وإضافته للبيان أي نحن أعلم بحاله ممّن كان أقرب إليه من حبل الوريد والنسبة تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنّه موجبه ، وحبل الوريد مَثل في القرب ، قال الشاعر : والموت أدنى لي من الوريد كذا ذكره البيضاوي ، وقيل : الوريد عرق متعلّق بالقلب يعني : نحن أقرب إليه من قلبه ، أو نحن أقرب إليه من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه ، والعبارة مقتبسة من القرآن الكريم حيث قال تعالى : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(2).
ص: 255
وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، ...
··· -···
وهذه العبارة أيضا تتضمّن نوعا من التمجيد ، لما ورد عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : « إنّ في كتاب علي عليه السلام : إنّ المدحة قبل المسألة فإذا دعوتم اللّه فمجّدوه » ، قال : قلت : كيف نمجّده ؟ قال : « تقول : يامن هو أقرب إليّ من حبل الوريد يامن يحول بين المرء وقلبه يامن هو بالمنظر الأعلى يامن ليس كمثله شيء »(1).
وقد ورد مثل هذا الاقتباس في عديد من أدعية أهل البيت عليهم السلام
وأحاديثهم ، بالطبع المراد بالقرب هنا ليس مادّيا بل هو قرب من غير مماسة .
[ وَيا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ] الإحالة في اللغة بمعنى الحجز ، يقال : حال النهر بيننا حيلولة أي : حجز ومنع الاتّصال ، ومنه قوله تعالى : «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ»(2).
وفي القاموس : وكلّ ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما .
والقلب إمّا هو العقل أو العزم والنيّة .
وقد قال المفسّرون : هذا تمثيل لغاية قربه من العبد وإشعار بأنّه مطّلع على سرائر قلبه أو حثّ على المبادرة إلى تخلية القلب وتصفيته قبل أن يحول اللّه بينه وبين صاحبه بالموت وغيره .
وللسيّد المرتضى في أماليه وجوه ذكرها في معنى الإحالة :
ص: 256
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أوّلها : أن يريد بذلك أنّه تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت وهذا حثّ منه عزّوجلّ على الطاعات والمبادرة لها قبل الفوت .
ثانيها : أنّه يحول بين المرء وقلبه بإزالة عقله وإبطال تميّزه وإن كان حيا ، وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه : إنّه بغير قلب ، قال تعالى : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»(1).
ثالثها : أن يكون المعنى المبالغة في الأخبار عن قربه من عباده وعلمه بما يبطنون ويخفون وأنّ الضمائر المكنونة له ظاهرة ، والخفايا المستورة لعلمه بادية ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» ونحن نعلم أنّه تعالى لم يرد قرب المسافة بل المعنى الذي ذكرناه ، وإذا كان جلّ وعزّ هو أعلم بما في
قلوبنا منّا وكان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه ونسهو عنه ونضلّ عن علمه ، وكلّ ذلك لا يجوز عليه جاز أن يقول أنّه يحول بيننا وبين قلوبنا لأنّه معلوم في الشاهد أنّ
كلّ شيء يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما ، والعرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة ، فيقول : فلان أقرب إلى قلبي من فلان .
رابعها : ما أجاب به بعضهم من أنّ المؤمنين كانوا يفكّرون في كثرة عدوّهم وقلّة عددهم فيدخل قلوبهم الخوف فأعلمهم تعالى أنّه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدله بالخوف الأمن ، ويبدل عدوّهم بظنّهم أنّهم قادرون عليهم الجبن والخور .
ويمكن في الآية وجه خامس وهو أن يكون المراد أنّه تعالى يحول بين المرء
ص: 257
وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، ...
··· -···
وبين ما يدعوه إليه قلبه من القبائح بالأمر والنهي والوعد والوعيد .
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه(1).
[ وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ] أمّا كونه رحمانا فهو لعموم الناس ، وهو في نفس الوقت رحيم بالمؤمنين ، وعلى العرش استوى أي استوت سلطته على كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء ولا تتقلّص قدرته بالنسبة إلى شيء ولا تختلف نسب الأشياء من حيث السلطة والقدرة إليه تعالى .
وعن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سئل عن قول اللّه عزّوجلّ : «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فقال : « استوى على كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء »(2).
وقد ذكر للاستواء معانٍ عدّة :
الأوّل : هو التمكّن على الشيء .
الثاني : قصد الشيء والإقبال عليه .
الثالث : الاستيلاء على الشيء .
الرابع : الاعتدال ، يقال : سويت الشيء فاستوى أي : اعتدل .
الخامس : المساواة في النسبة .
وتحقيق المقال أن نقول : إنّ المعنى الأوّل محال عليه تعالى ، لأنّه مستلزم للمكان والجسم ، وأمّا سائر المعاني ، فذهب جماعة من أرباب التفسير إلى إرادة
ص: 258
وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ...
··· -···
المعنى الثاني منها ، بمعنى : أنّه أقبل على خلقه وقصد إلى ذلك .
وذهب إليه أبو العبّاس أحمد بن يحيى الفرّاء والزجّاج وهو الظاهر من الأخبار ، والمراد من المعنى الثالث : أنّه تعالى استولى على العرش وملكه ودبّره ، كما
ذهب بعض أرباب الحديث إلى جواز إرادة المعنى الرابع بأن يكون كناية عن نفي النقص عنه تعالى من جميع الوجوه ، وعلى هذا يكون قوله (على العرش) في محلّ النصب على الحال ، وأمّا المعنى الخامس ، فهو ما يستفاد من أكثر الأخبار .
[ وَيا مَنْ يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ ] خائنة الأعين : هو الغمز بها ، وإنّما قيل له خائنة الأعين لأنّه يشبه الخيانة من حيث أنّه يخفي ، وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى هذا المعنى في جوابه لعبدالرحمن ابن مسلمة الجريري الذي سأله عن قوله عزّوجلّ : «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ» ، فقال عليه السلام : « ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشيء وكأنّه لا ينظر إليه فذلك خائنة الأعين »(1).
ومن كلام للعلاّمة المازندراني في شرحه على أُصول الكافي قال فيه : المراد بخائنة الأعين نظراتها إلى ما لا ينبغي وتحريك الجفون للغمز ونحوه ، وبمخفيات الصدور قصودها ومكنوناتها التي لم تجر على اللسان ولم يتعلّق بالبيان(2).
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله : يعلم خائنة الأعين ، أي : خيانتها ، وهي مسارقة
ص: 259
وَيا مَنْ لا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ، وَيا مَنْ لا يُبْرِمُهُ اِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ، ...
··· -···
النظر إلى ما لا يحل النظر إليه(1).
والخائنة مصدر مثل الخيانة كما أنّ الكاذبة بمعنى الكذب ، وقيل : إنّ تقديره : يعلم الأعين الخائنة ، وقيل : هو الرمز بالعين ، وقيل هو قول الإنسان : ما رأيت وقد رأى ، ورأيت وما رأى .
وما تخفي الصدور أي : ما يضمره ، وفي مضمون الخبر : إنّ النظرة الأُولى لك ، والثانية عليك ، وفي هذا تكون الثانية محرّمة ، فهي المراد بخائنة الأعين .
[ وَيا مَنْ لا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ] قال العلاّمة المجلسي رحمه الله قوله عليه السلام : « يامن لا تغلّطه الحاجات » : أي لا تصير كثرة عرض الحاجات عليه في ساعة واحدة سببا لأن يغلط فيها كما في المخلوقين(2).
وهذا كما قال العلاّمة الطهراني في كتابه القيّم (شفاء الصدور) ثناءً على اللّه تعالى المحيط علمه بكلّ شيء ، والذي لا تعرض عليه الغفلة كبني البشر لما تختلف عليهم المسئلات(3)
[ وَيا مَنْ لا يُبْرِمُهُ اِلْحاحُ الْمُلِحِّينَ ] يامن لا يبرمه من باب الإفعال أي لا يصير إلحاح الملحّين موجبا لبرمه أي ملاله ، والإلحاح في سؤال اللّه تعالى مندوب إليه ،
وفيسؤال الناس مكروه، وقد وردت باستحبابه عدّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام ،
ص: 260
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
فعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : « إنّ اللّه كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحبّ ذلك لنفسه ، إنّ اللّه جلّ ذكره يحبّ أن يسأل ويطلب ما عنده »(1).
وعنه
عليه السلام قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : رحم اللّه عبدا طلب من اللّه عزّوجلّ حاجة فألحّ في الدعاء استجيب له أو لم يستجب » وتلا هذه الآية : «وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّا»(2).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « واللّه لا يلحّ عبد مؤمن على اللّه عزّوجلّ في حاجته إلاّ قضاها له »(3).
وعنه
عليه السلام قال : « لا واللّه لا واللّه لا يلحّ عبد على اللّه عزّوجلّ إلاّ استجاب له »(4).
وربما يفسّر الإلحاح بالعزم وحسن الظنّ باللّه سبحانه في الإجابة وقد يراد به التشدّد والتلبّث والملازمة للدعاء وعدم التواني والتراخي فيه .
ولا يخفى ، إنّما أحبّ اللّه تعالى الملحّين من عباده لدوام ملازمتهم لبابه وإنزال فقرهم وفاقتهم بعزّ جنابه ونشر آمالهم ومهماتهم لديه وعكوفهم في سؤال حوائجهم عليه ، سواء كانوا في محنة وبلاء أو في نعمة ورجاء ، لا تقطعهم المحن عن
ص: 261
يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَانٍ ، ...
وَبِاسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، ...
··· -···
الرجوع إليه ، ولا تشغلهم النعم عن العكوف عليه . وفيه اعتراف بسعة جوده وكرمه وإيقان بشمول إحسانه ونعمه ، ولذلك ورد في الثناء عليه سبحانه : « يامن لا يبرمه إلحاح الملحّين » .
وفي خطبة الأشباح لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : « إنّه الجواد الذي لا
يقبضه سؤال السائلين ، ولا يبخله إلحاح الملحّين »(1).
[ يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَانٍ ] الشأن هو الأمر والحال ، والمراد من العبارة كما قال الكفعمي : أي في كلّ وقت وحين يحدث أُمورا ويجدّد أحوالاً من إهلاك وإنجاء ، وحرمان وإعطاء ، وغير ذلك(2).
وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد قيل له : ما ذلك الشأن ؟ فقال : « من شأنه سبحانه وتعالى أن يغفر ذنبا ويفرّج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين »(3).
وهذا ردّ لقول اليهود لعنهم اللّه « يد اللّه مغلولة » وقولهم « إنّ اللّه لا يقضي يوم السبت شيئا » وقول الحكماء والمنكرين للبداء .
[ وَبِاسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ] تظافرت الأخبار الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام أنّهم عندهم الاسم الأعظم ، ومن ذلك ما ورد عن عبداللّه بن بكير عن
ص: 262
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
أبي عبداللّه عليه السلام قال : كنت عنده فذكروا سليمان وما أُعطي من العلم وما أُوتي من الملك ، فقال لي : « وما أُعطي سليمان بن داود إنّما كان عنده حرف واحد من الاسم الأعظم وصاحبكم الذي قال اللّه : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» وكان واللّه عند علي عليه السلام علم الكتاب » ، فقلت : صدقت واللّه جعلت فداك(1).
وعن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» . قال : ففرج أبو عبداللّه عليه السلام بين أصابعه فوضعها على صدره وقال : « واللّه عندنا علم الكتاب كلّه »(2).
وعن سدير قال : كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبداللّه عليه السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلمّا أخذ مجلسه قال : « ياعجبا لأقوام يزعمون إنّا نعلم الغيب وما يعلم الغيب إلاّ اللّه عزّوجلّ ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي فما علمت في أي بيوت الدار هي » .
قال سدير : فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول : كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنّك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب .
قال : فقال : « ياسدير ألم تقرأ القرآن ؟ » قلت : بلى . قال : « فهل وجدت
ص: 263
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
فيما قرأت من كتاب اللّه عزّوجلّ : «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» ، قال : قلت : جعلت فداك قد قرأته ، قال : فهل عرفت الرجل ؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب » ؟
قال : قلت : أخبرني به .
قال : « قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب » .
قال : قلت : جعلت فداك ما أقلّ هذا ؟
فقال : قال : « ياسدير ما أكثر هذا ، أن ينسبه اللّه عزّوجلّ إلى العلم الذي أخبرك به ياسدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّوجلّ أيضا : «قُلْ كَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» .
قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال : « أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه ؟ » .
قلت : لا ، بل من عنده علم كلّه ، قال : فأومأ بيده إلى صدره وقال : « علم الكتاب واللّه كلّه عندنا علم الكتاب واللّه كلّه عندنا »(1).
هذا آخر ما حرّرناه في شرح زيارة عاشوراء والحمد للّه ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّد أنبياء اللّه وعترته الطاهرين صفوة اللّه ، راجين من اللّه
تعالى أن يعفو عن تقصيرنا وقصورنا في أداء أقلّ ما ينبغي في هذا الشرح من
ص: 264
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0 0
··· -···
الواجب المقدور ، فقد كتبت هذه الوريقات مع انشغال البال وتفاقم الأحوال ، وقصور الباع في أيّام قلائل ، وقلّة التتبّع والإطّلاع وحقارة البضاعة وكثرة الإضاعة .
أسأل اللّه العفو عن زلاّتي والمسامحة لخطيئاتي والغفران لذنوبي والستر لعيوبي والحشر مع أئمّتي وسادتي وأن لا يفرّق بيني وبينهم طرفة عين في الدنيا والآخرة بحقّ محمّد وآله الخيرة المصطفين .
ص: 265