تعلیقه علی کتاب سبیل النجاه

اشارة

تعلیقه علی کتاب سبیل النجاه

« کتاب سبیل النجاة الأصل فی الکلم الطیّب »

السیّد قاسم علی احمدی

مشخصات کتاب: 45ص

موضوع: اعتقادات - امامت - غدیر

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم و به نستعین

و صلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد وآله الطاهرین

و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین.

بسم الله الرحمن الرحیم ، اللّهمّ صلّ علی محمّد و آل محمّد و عجّل فرجهم .

أقول: کتاب «الکلم الطیّب» بمنزلة الترجمة لهذا الکتاب «أی سبیل النجاة» کما اعترف مؤلفه السیّد عبد الحسین الطِیّب الاصفهانی رحمه الله.(1)و قد سألنی بعض الاخوان أن اُعَلّق و اُبیّن و أکتب له - مجملاً و عجالةً – بعض موارد الإشکال و النقد أو التوضیح علی هذا الکتاب فیلزم علیّ إجابته، فها أنا أشرع بحمدالله تعالی و توفیقه بنقد بعض مواضع الکتاب و التعلیق علیه. و أسئل الله تعالی أن یجعله ذخراً لی فی یوم لا ینفع مال و لا بنون.

قال المصنّف فی ص22:

«و أنّ ما يصدر في العالم فمن اللّه، و أنّ الأسباب و الوسائط كلّها مقهورة تحت قدرته، حتّى في مثل أفعال العباد الصادرة عنهم باختيارهم.»

ص: 2


1- - سبیل النجاة: 320.

أقول: فللعباد الاختیار فی الفعل و الترک و أنّه لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الامرین، فالقول بأنّ العباد مجبورون فی أفعالهم یستلزم الظلم و القول بأن لا مدخل لله تعالی مطلقاً فی أفعال العباد کفر، بل لله تعالی مَدخل بالهدایات و التوفیقات و ترکها – المعبّر فی عرف الشرع بالاضلال – و لا یصیر العبد بتلک التوفیقات مجبوراً بالفعل و لا بترکها فی الترک کما أفاده العلامة المجلسی رحمه الله فی اعتقاداته. و علی هذا فإن کان مراد المؤلّف ما ذکرناه فهو المطلوب و إلا فإن أراد بعموم کلامه ما یشمل المعاصی و الذنوب فهو باطل و مستلزم للجبر.

قال المصنّف فی ص 23:

«إنّ جميع المهيات الممكنة ظهورها بوجودها، و أنّه تعالى حقيقة الوجود، و بحت الوجود، و صرف الوجود، و الوجود نور، و المهية ظلمة، وإنّما يظهر بالنور الظلمة، فهو تعالى ظاهر بذاته مظهر لغيره، كما هو معنى النور {اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}»(1)

ص: 3


1- _ سورة النور: 35 .

أقول: القول بأنّ الذات الإلهیّة المقدّسة مساویة للوجود و انه لا یصدر منها إلا الوجود و أنّه صِرف الوجود و أنّ بسیط الحقیقة کلّ الاشیاء و.... واضح البطلان؛ فإنّ لفظة «الله» اسم علم للذات الإلهیّة المقدّسة المباینة لغیرها من الموجودات. و أما کلمة «الوجود» فهی لغةً و عرفاً تعنی التحقّق و الثبوت، و علیه فلاربط بین لفظة الجلالة و بین کلمة «الوجود» فهما من المعانی المتخالفة مثل زید و الشجاعة.

ببیان آخر: قد یراد من کلمة «الوجود» المعنی الحرفی الرابط و الذی یرادفه فی الفارسیة (است) و قد یراد به المعنی المصدری المتضمّن للنسبة إلی الفاعل و الذی یرادفه فی الفارسیة (بودن) و قد یراد به اسم المصدر الفاقد فی نفس مفهمومه للنسبة إلی الفاعل و الذی یرادفه فی الفارسیة (هستی)، و هذه الاصطلاحات الثلاثة مستعملة فی العرف و اللغة. و قد یراد بکلمة «الوجود» نفس الحقیقة العینیّة والذی یحکی عنها بهذا المفهوم العام. و یعبّر عنها فی کلماتهم «بالحقیقة البسیطة النوریّة التی حیثیّة ذاتها حیثیّة الإباء عن العدم و منشئیّة الآثار» و یعبّر عنها أیضا فی لسان القوم «بحقیقة الوجود» و هی التی اختلف فی أصالتها و عدمها. فهذا المعنی لکلمة «الوجود» مجرّد

ص: 4

اصطلاح مبنیّ علی الإدّعاء و فاسد بالأدلّة العقلیة و النقلیة و لا ربط له بکلمة «الوجود» عرفاً و لغةً و عقلاً.

و علی هذا، فالقول بأنّ الله تعالی هو الوجود - مضافاً إلی ما ذُکر – إخبار عن حقیقة ذاته تعالی و تعیین کنهه سبحانه بحقیقة الوجود التی هی حقیقة جمیع الأشیاء عندهم – بالرّشح و الفیضان أو التطوّر و التجلّی – و هو ممنوع عقلاً و شرعاً.

لا یخفی أنّه فرق بین القول بأنّه تعالی «موجود ثابت محقّق» کما فی الأخبار، و بین القول بأنّه سبحانه «وجود»؛ لأنّ الأوّل إخبار عن کونه تعالی شیئاً حقیقاً لا موهوماً و لا باطلاً، بخلاف الثانی فإنّه إخبار عن معرفة کنهه و حقیقة ذاته سبحانه و إن لم یفهم حقیقةَ الوجود واعترف بعجزه عن درک حقیقة الوجود و قال «بأنّ کنهه لا یدرک»، إلا أن یراد من القول «بأنّه تعالی وجود» أنّه ثابت و متحقّق و موجود.

کما أنّ قول المصنّف: «الوجود نور و الماهیّة ظلمة» مبتنٍ علی أصالة الوجود و اعتباریة الماهیة، مع أنّ ما استدلوا بها لأصالة الوجود کلّها مبتنیة علی مقدمات غیر مسلّمة أو مصادرة علی المطلوب. و المراد من الوجود عند

ص: 5

القائلین بأصالة الوجود لیس المعنی الکلی الانتزاعی و المحمول علی الأشیاء و هو الذی یُعدّ من المعقولات الفلسفیّة الثانیة بل المقصود من الوجود هو نفس الحقیقة العینیّة و هو المعنی الذی جاء به ملاصدرا. فالقول بأصالة الوجود معناه: أنّه لا تحصّل للأشیاء حقیقةً و إنّما الثابت فی الخارج وجودٌ محضٌ، فما نراه و نسمّیه شجراً و حجراً و انساناً و أرضاً و سماءً.... کلّه و هم و خیال علی هذا المبنی؛ لأنّ الذی متحصّل فی الخارج إنّما هو الوجود فقط و الوجود شیء واحد لا تمایز و لا تفاوت فیه.

و أمّا القائلون بأصالة الماهیة فمرادهم من الماهیة هو: ما به الشیء هو هو، لا القالب الذهنی و لا الحدّ العقلی المنتزع من الأشیاء و إلا فالماهیة بمعنی القالب الذهنی و الحدّ العقلی لا شکّ فی اعتباریتها حتّی عند القائلین بأصالة الماهیة.

قال المصنّف فی ص 24:

«استدلّ عليه (علی الله تعالی): تارةً بتقسيم الموجود إلى الواجب و الممكن، و كلّ ممكن لابدّ و أن ينتهي إلى الواجب، وإلاّ لزم الدور أو التسلسل، و كلاهما محال باطل. و اُخرى بالتقسيم إلى القديم و الحادث، و أنّ كلّ حادث

ص: 6

يحتاج في وجوده إلى محدث حتّى ينتهي إلى القديم، و إلاّ لدار أو تسلسل. و ثالثة بدلالة الآثار على المؤثّر، كما نطقت به الكتاب و السنّة.»

أقول: إنّ طریق معرفته تعالی بإدراک العقل هو الاستدلال علیه بآیاته و آثاره و أفعاله تعالی. و البرهان الممکن إقامته علی إثبات الواجب تعالی هو البرهان الإنّی الذی ینتقل فیه من المصنوع إلی الصانع (و المعلول إلی العلة) لأنّا نستدلّ من المصنوع الذی هو المعلول علی الصانع الذی هو العلّة بملاحظة الصنع والإبداع و التکوین، و لا یمکن إقامة البرهان الّلمّی الذی ینتقل فیه من العلة إلی المعلول؛ إذ لا علّة له تعالی. و لا یخفی أنّ البرهانین المذکورین فی المتن یرجعان إلی هذا البرهان.

قال المصنّف فی ص 28:

«أنّه تعالى صرف الوجود، و بحت الوجود، و لا ماهية له، أي: لا حدّ له؛ لأنّ الماهية عبارة عن حدّ الوجود، و لا يعقل التعدّد في صرف الوجود؛ لأنّ التعدّد إنّما هو في الماهيات، حيث يكون لكلّ منهما حدّ من الوجود لم يكن في

ص: 7

الآخر، فيلزم التركّب من الوجود و الماهية، فيلبس لباس الإمكان، و يحتاج في وجوده إلى موجد، وإلى بقاء وجوده، و إلى نفس وجوده».

أقول: قد قلنا فیما تقدّم أنّ اطلاق «الوجود» علیه تعالی و القول بأنّ ذاته سبحانه مساویةٌ للوجود، فاسدٌ من الأساس کما أنّ القول بأنّ الماهیة عبارةٌ عن حدّ الوجود هو مبنیّ علی القول بأصالة الوجود و اعتباریة الماهیة.

و المستفاد من الکتاب و السنة و العقل هو أنّه تعالی لا تُدرک ذاته و لا صفاته و مبائنٌ لمخلوقاته و منزّه عن الإدراک و التصوّر و التوهّم مع أنّ له تحقّق و ثبوت فی الخارج، و لیست مباینته تعالی للأشیاء من جهة الأمر الاعتباری «أی الماهیة» ببیان أنّ الممکن زوج ترکیبی له ماهیة و وجود، و هو تعالی منزّه عن الماهیة، و أمّا فی حقیقة الوجود فهو متّحد مع سائر الأشیاء.

و بعبارة اُخری: کان الله تعالی متعالیاً عن ملاک المصنوعیّة و المخلوقیّة – و هو قابلیّة الوجود و العدم و الزیادة و النقیصة و کونه ذا جزء و عدّ و مقدار و زمان و مکان – و لیس هو تعالی حقیقة الوجود التی تشترک فیها الممکنات أو مصداقاً لمفهوم یطلق علی الاُمور المشترکة فی حقیقة الوجود.

ص: 8

فما ذکره الماتن رحمه الله من «أنّه تعالی صرف الوجود.... و لا یعقل التعدد فی صرف الوجود؛ لأنّ التعدد إنّما هو فی الماهیّات حیث یکون لکلّ منهما حدّ من الوجود لم یکن فی الآخر» مبنیّ علی أساس غیر صحیح و هو القول بأصالة الوجود و ثبوت الحقیقة البسیطة النّوریّة التی حیثیة ذاتها حیثیة الإباء عن العدم، و قد تقدّم بطلانه.

فبعد قیام الأدلّة القطعیّة الدالّة علی تنزّهه سبحانه عن کلّ ما یتّصف به المخلوقات من قبیل الزمان و المکان و الشبه و المثل و..... غیرها من الاوصاف التی تجری علی المخلوقات و قیام الأدلّة علی أنّه تعالی یکون ذاتاً متفرّداً متوحّداً منزّهاً عن کلّ ما سواه، لا وجه لما ذکره الماتن: «من أنّه لو لم یکن الله تعالی صرف الوجود یلزم ترکّبه تعالی من الوجود و الماهیة و تلبّسه بلباس الامکان».

قال المصنّف ص 29:

«أنّه تعالی لیس له الوحدة العددیّة؛ لأنّ الواحد بالعدد ممّا تقبل التعدّد فیه و قد ظهر أنّه من المستحیل. و منه ظهر أنّ قول النصارى أنّه تعالى ثالث ثلاثة(1)

ص: 9


1- _ إشارة إلى قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} المائدة: 73.

كفر، لا من جهة الشرك فقط، بل من جهة فرض قابلية التعدّد، وإثبات الماهية له تعالى».

أقول: إنّ الذی ظهر من کلامه هو: «أنّ تعدّد صِرف الوجود مستحیل؛ لأنّه.....» و قد قلنا إنّ المبنا باطل و خلاف المعارف الأوّلیة الدینیّة. نعم لا شکّ أنّ الواجب تعالی لیس مورداً للوحدة العددیّة حتّی نحتاج فی نفی التعدّد إلی الدّلیل؛ لأنّ الوحدة العددیّة لا تتطرّق إلا فیما أمکن له الثانی، و ما هو مورد للتعدّد ممّا هو داخل فی جامع.

الله تعالی واحد بمعنی أنّه لا یتطرّق فیه التعدّد و الکثرة و أنّه أحدیّ المعنی أی لا ینقسم لا عقلاً و لا وهماً و لا خارجاً، و لا یشارک مع المخلوقات فی شیء و لیس له شبه فی الأشیاء، بل کلّ ما یمکن فی الخلق یمتنع من صانعه و لا یجری علیه ما هو أجراه علی خلقه. کما عن مولانا الصادق علیه السلام: «لا یلیق بالذی هو خالق کلّ شیء إلا أن یکون مبائناً لکلّ شیء متعالیاً عن کلّ شیء سبحانه و تعالی» و عن أمیرالمؤمنین علیه السلام: «من قَرَنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّأ و من جزّأ فقد جهله». و عنه علیه السلام: «من وصف الله فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد أبطل أزله»

ص: 10

و الحاصل، أنّ وحدته تعالی لیست من سنخ سائر الموجودات، فوحدتها عددیّة قابلة للتّکرّر و التکثّر بخلاف وحدته تعالی؛ فإنّها لیست من باب الأعداد فهو لا یتثنّی و لا یمکن أن یکون له ثانٍ فلا شبیه له و لا نظیر، فأیّ تسانخ بینه سبحانه و بین سائر الموجودات بعد عدم إمکان الشبیه و المثیل له.

قال المصنّف فی ص 29:

«و أمّا الواحد بمعنى أنّه لا شبيه له و لا نظير، فهو كذلك؛ لأنّ صرف الوجود لا شبيه له و لا نظير، بل كلّ موجود سواه مركّب من الوجود و الماهية، فليس شبيهاً له».

أقول: لا شک فی أنّه تعالی لا شبیه له و لا نظیر، ولکن الإخبار عن کنه ذاته تعالی بأنّه سبحانه «وجودٌ أو حقیقةُ الوجود أو صِرف الوجود أو کلّ الوجود» إخبار عن حقیقة ذاته و إن لم یفهم و لم یدرک حقیقة الوجود، و هو ممنوع عقلاً و شرعاً. کما أنّه تشبیه بالمخلوق و تنظیر له – لو قلنا بأصالة الوجود و وحدته – و هو فی الحقیقة إثباتٌ للمثل و الشبه له تعالی و هو المنفی بقوله سبحانه: «لیس کمثله شیء» و غیر ذلک من الأدلّة النقلیّة و العقلیّة.

ص: 11

قال المصنّف فی ص 30:

«أنّ ذاته المقدّسة كما عرفت صرف الوجود، و بحت الوجود، و لا ماهية له، و لا حدّ لوجوده، فوجوده تامّ فوق التمام، بحيث لا نهاية لوجوده، بل هو تعالى واجد لجميع مراتب الوجود»

أقول: هذا الکلام کله یبتنی علی مبانی فاسدة نذکر بعضها علی سبیل التنبیه و التذکّر: منها: أنّ الأصل الأصیل و المتحقّق فی الخارج هو الوجود لا الأشیاء الخارجیّة، و هو مردودٌ بأنّ مفهوم الوجود من المفاهیم العامّة الانتزاعیّه التی ینتزع فیها معنی عام من اُمور متباینة من جهة واحدة و هو طرد العدم کمفاهیم الثبوت و الکون و الماهیة و.... و لا یجب أن تکون المفاهیم العامة من الامور المتاصّلة بل تکون من المفاهیم العامة المنتزعة و المعقولات الثانیة التی یکون العروض فیها فی الذهن و الاتّصاف فی الخارج.

منها: کون الوجود ذی مراتب أعلی مراتبها هو الواجب و المرتبة الضعیفة هو المخلوق و القول بذلک یستلزم توالی فاسده کثیره: الف) اشتراک الخالق و المخلوق فی حقیقة الذات و السنخیّة بینهما.

ص: 12

ب) یلزم کون الحقیقة الواحدة واجبة الوجود فی مرتبة عالیة و ممکنة الوجود فی مرتبة ضعیفة، فالحقیقة الواحدة ( أی الوجود الذی عندهم بسیط لا جزء له و لا جنس و لا فصل له فیرجع ما به الامتیاز فیه إلی ما به الاشتراک) واجبةٌ و ممکنةٌ و هو اجتماع النقیضین.

ج) یلزم واجدیته تعالی لجمیع مراتب الوجود و إحاطته سبحانه لذاته ولوجوده، لکلّ شیء و هذا یستلزم الشمول و الحوایة و وحدة الوجود ... و غیرها من المفاسد التی لا مجال لبیانها هنا و سیأتی بعضها فی التعالیق الآتیة. و لاحظ لوضوح ما ذکرناه، کتابنا «تنزیه المعبود فی الردّ علی وحدة الوجود»

قال المصنّف فی ص 30:

«إنّ العلم أمر وجودي، و مرتبة من مراتب الوجود، و الجهل أمر عدمي؛ لأنّه عبارة عن فقدان العلم ممّن شأنه وجدانه، فلو كان ذاته تعالى جاهلاً، لزم فقدان مرتبة من مراتب الوجود، فيصير محدوداً من حدّين: حدّ وجودي، و حدّ عدمي، و هو الجهل».

ص: 13

أقول: بما ذکرنا ه - فی ما تقدّم و نذکره فی التعالیق الآتیة - یظهر الاشکال فی المقام و نظائره.

قال المصنّف فی ص30:

«و كالقدرة و الحياة و السمع و البصر و الإرادة و الإدراك، و مرجع الأربعة الأخيرة إلى العلم و..... من صفات الذات؛ لأنّ ضدّ جميعها أمر عدمي، و توجب فقدان مرتبة من مراتب الوجود من العجز و الموت، و عدم العلم بالمسموعات و المبصرات و المدركات و المصالح و..... و يكون جميعها حدود عدمية، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً. و من هذا البيان ظهر لك اُمور: الأوّل: أنّه لا نهاية لشيء من تلك الصفات؛ (ای العلم و الحیاة و السمع و البصر و الارادة و الإدراک)؛ لأنّ الالتزام بنهاية شيء منها يوجب المحذور المذكور، و مساوق مع إنكارها رأساً في ذلك.

أقول: لا یخفی أنّ القول باحاطته تعالی ذاتاً لخلقه و اتّصافه سبحانه بلا نهایة، فاسد من أساسها؛ لأنّ القول بالاحاطة الذاتیة لخلقه یستلزم الحوایة و

ص: 14

الشمول. و توصیفه سبحانه بغیر المتناهی بمعنی أنّه محیط بوجوده علی ما سواه خلاف البراهین العقلیة والنقلیة کما مرّ.

مضافا إلی أنّ التناهی و عدمه – بهذا المعنی – بالنسبة إلی ذاته سبحانه من ملکات المقدار والمخلوق و لا یتّصف بهما ذاته القدّوس الأزلی.

و بعبارة اُخری: أنّ عدم تناهی الذات – بحیث تحیط و تشمل بوجود ها جمیع ما سوی الله – و التناهی من شؤون ذی الأجزاء و ما کان ذا مقدار و عدد و لا ینسب إلی ما هو مباین و متعال عنه و منزّه عن الزمان و المکان و عن قابلیّة الاستعداد الوجودی. و امکان المزاحمة بین الموجود المخلوق ذی أجزاء و مقدار و عدد و ا لقابل للزیادة و النقیصة ..... و بین الموجود المتعالی عن ذلک کله و المبائن عن خلقه، ممنوع؛ إذ لیست النسبة بینه سبحانه و بین خلقه، نسبة القرب و البعد و الدخول و الخروج و النهایة و اللانهایة و.... لأنّها من ملکات المقادیر و المخلوقات، و آیة المصنوعیة و المخلوقیة و الاحتیاج و لا تتّصف بها ذاته المتعالیة عن ذلک کما هو واضح.

قال المصنّف فی ص 31:

«الثانی: أنّ هذه الصفات عين ذاته تعالى، و كذلك كلّ واحد منها عين

ص: 15

الآخر؛ لما عرفت من أنّ ذاته المقدّسة أعلى مراتب الوجود ببساطتها، فلا يشذّ منه مرتبة من مراتبها من الوجودات المتكثّرة. و لو أردت المثال لذلك و للّه المثل الأعلى، تأمّل في النور، فإنّ أعلا مراتب النور نور واحد بسيط، و حاوي لجميع ما دونه من المراتب، و عين تلك المراتب».

أقول: إنّ معنی واجدیة ذاته سبحانه لمراتب الوجود ثم التمثیل لذلک بالنور و حوایة ذلک لجمیع مراتب ما دونه بل عین تلک المراتب، هو وحدة الوجود و عینیّة ذاته القدوس – العیاذ بالله – لمراتب مادونه. و هذا فساده أظهر من أن یخفی؛ إذ کیف یمکن أن نعتقد أنّه سبحانه مع تنزّهه عن الجزء و الکلّ و المادّة و المقدار و الشبه و المثل و الترکیب .... واجد لذلک کلّه بل عین ذلک.

و تأویلاتهم الباردة فی المقام – من إرجاع أدلّة التنزیه و الأخبار المذکورة إلی جهة الماهیة لا الوجود – بعد قولهم بأصالة الوجود و اعتباریة الماهیة و عدمیتها – واضح البطلان لا یشک فیه ذو مسکة و انصاف.

فالاعتقاد بوحدة حقیقة الوجود – و لو کانت ذات تشکّک و مراتب متفاوتة – یستلزم عدم تصوّر مرتبة إلا و هی قابلة للزیادة و الکمال فلا تقف إلی حدّ

ص: 16

و مرتبة غیر قابلة للاشتداد إلا و یتصوّر أشدّ و أتمّ منها؛ لأنّ ذلک خلاف ذاتها فلا یمکن – و الحال هذه – إثبات الباری تعالی کما لا یخفی.

مضافاً إلی أنّ ذلک لا یتصوّر إلا فی ما کانت نسبة الأشیاء إلی الخالق تعالی نسبةَ العینیّة و السنخیّة لا الخالقیة و المخلوقیة؛ لأنّ تصوّر التفاضل و الاشتداد و عدمهما بین الشیئین، فرع السنخیة و المشابهة لا البینونة.

فالاعتقاد بکون المخلوق مرتبةً من ذات الخالق، ینافی القول بوجود ما سوی الله و مخلوقیّته؛ فإنّ ما سوی الله فعل له تعالی أوجده و أبدعه بمشیّته و إرادته لا من شیء أی لا من رشح و إشراق من نفسه و لا من تطوّر و تشأون فی نفسه.... و علی هذا فلیس ما سوی صادراً عن ذاته تعالی حتی یکون جزئه أو کلّه أو مرتبة من مراتب وجوده أو.... بل الله تعالی أحدث و اخترع الخلق بالإرادة و المشیّة لا بالذات.

قال المصنّف فی ص 31:

«الثالث: أنّ الاختلاف بين تلك الصفات مع الذات و بعضها مع الآخر، إنّما هو في المفهوم، كاختلاف مراتب الوجود كلاًّ مع الآخر، و من هنا لا يصحّ أنّ يقال: إنّه تعالى علم و قدرة و حياة و سمع و بصر و هكذا؛ لأنّ كلّ منها مرتبة

ص: 17

من مراتب الوجود، و هو تعالى أعلى المراتب».

أقول: بعد إبطال القول بالمراتب للوجود و بطلان القول بأنّه تعالی أعلی مراتب الوجود، یظهر بطلان ما یتولّد منه و یتفرّع علیه. و لا یلزمنا البحث مفصّلاً عن حول صفاته تعالی (کالعلم و القدرة و الحیاة... ) بعد وضوح أنّ مذهب أهل البیت علیهم السلام فی صفاته تعالی أنّ صفات الذات عین الذات، فمن راجع الأخبار یعلم أنّه سبحانه، علمٌ و حیاةٌ و قدرة.... و لیست هذه الصفات إلا الذات المجرّد عن کلّ قید و تقیّد.

قال المصنّف فی ص 31:

«و كذا لا يصحّ أن يقال: العلم قدرة، و القدرة حياة و هكذا؛ لأنّ كلّ واحد منها مرتبة مخالفة لمرتبة اُخرى، بل يقال: إنّه تعالى عالم قادر حيٌّ سميعٌ بصيرٌ و هكذا، و كذلك يقال: العالم قادر، و القادر حيٌّ، و الحيُّ سميع و هكذا؛ لأنّ وجوده تعالى أعلى المراتب، و حاوي لجميع المراتب».

أقول: بالرجوع إلی ما ذکرناه آنفاً یظهر ما فی هذه العبارة، مضافاً إلی محاذیر اُخری لا مجال لذکرها هنا.

ص: 18

قال المصنّف فی ص33:

«أمّا الصفات الجلالية، أي: صفات النقص المعبّر عنها بالسلبية، أي: سلب النقائص، و هي كلّ صفة تكون موجبة لمحدودية الذات، و لفاقديتها بعض مراتب الوجود، فهي منفية عن ذاته المقدّسة»

أقول: قد تقدّم ما فی هذه العبارة من الاشکال حیث إنّه فرض أنّ الله تعالی «وجود» و الوجود له مراتب بالشدّة و الضعف و النهایة و اللانهایة.

قال المصنّف فی ص33:

«و قد عرفت أنّه تعالى صرف الوجود، و بحت الوجود، و لا ماهية له و لا حدّ، فلا تركيب».

أقول: قد تقدّم آنفاً ما فیه.

قال المصنّف فی ص33:

«و كذا ظهر عدم كونه تعالى جوهراً، و لو كالعقل المجرّد عن المادّة ذاتاً و فعلاً؛ لأنّه أيضاً مركّب عن الوجود و الماهية».

ص: 19

أقول: لا یخفی أنّ المراد من العقل عند الفلاسفة لیس هو العقل الذی نعتقد أنّه من شرائط العامة للتکلیف فی کلّ شخص، بل المراد منه هو العقول العشرة .... و هو ما یسمّی فی الشرع - عندهم - بالملائکة و قد ذکر جمع و منهم صاحب الشوارق بأنّ المراد من العقل العاشر (أی العقل الفعّال) هو جبرائیل، و هو مجرّد ذاتاً و فعلاً عندهم. و المصنّف و إن کان قائلاً بتجرّد العقل و لکن اعترف فی بحث المعاد بجسمانیّة الملائکة تبعاً للأخبار و الآثار، لعلّه لا یخضع للاصطلاح التی عندهم.

علی کلّ حال، أنّ الاعتقاد بوجود الموجود البسیط و عالم المجرّدات من الاوهام و لا دلیل علیه، و یدلّ علی ما ذکرناه طوائف من الاخبار المتواترة:

منها: أنّ الائمّة علیهم السلام اکتفوا فی مقام بیان وصفه تعالی و حصر عنوان الخالق و المعبود بنفی الجسمیّة و الصورة و الشبه.... و هذا لا یتمّ إلا بإنکار المجرّدات و إلا یلزم دخول المجرّدات فی هذه الاوصاف و عدم حصر الخالق و المعبود فیه تعالی.

منها: ما تدلّ علی التغیّر و التبدّل و الفناء و الزوال و.... لغیره تعالی و هو ینافی الاعتقاد بوجود المخلوق المجرّد عن الزمان و المکان و المقدار و...

ص: 20

منها: ما دلّ علی أنّ ما سوی الله تعالی متجزّیء و منقسم بالقلة و الکثرة. فهذه الأخبار و غیرها تدلّ علی اختصاص تلک الصفات بالله تعالی. و لو قیل بوجود مجرّد سوی الله لکانت مشترکة مع الله سبحانه فیها.

منها: الأدلة القطعیة الدالة علی حدوث ماسوی الله تعالی تدلّ علی ذلک؛ لأنّ کلّ من قال بوجود العقل المجرّد ذاتاً و فعلاً، قال بقدمه المستلزم لقدم العالم و القائل بالقدیم سوی الله و إن کان إمامیاً کافر باجماع المسلمین.

و قد ثبت فی محله أنّ النفس(1)

و العقل مادیة، أجسام لطیفة. و کذا الملائکة التی تسمّی عند الفلاسفة بالعقول، فانها اجسام لطیفة نورانیة اولی اجنحة مثنی و ثلاث و رباع و اکثر قادرون علی التشکل بالاشکال المختلفة و انّه سبحانه یورد علیهم بقدرته ما یشاء من الاشکال و الصور علی حسب الحکم و المصالح و لهم حرکات صعودا و هبوطا و کانوا یراهم الانبیاء و الاوصیاء علیهم السلام و القول بتجردهم و تاویلهم بالعقول و النفوس الفلکیة فاسد باطل و طرح للاخبار المتواترة بلاحجة.

ص: 21


1- - فلاحظ (شرح رساله) اعتقادات: 304 – 319.

قال المصنّف فی ص34:

ولوجوده (تعالی) حدّان: وجودي، و عدمي، و فاقد لمراتب كثيرة من الوجود؛ لأنّ نسبة المحدود إلى غير المحدود كنسبة المتناهي إلى غير المتناهي.

أقول: تقدّم ما فیه فیما سبق.

قال المصنّف فی ص34:

الغنى أمر وجودي، و هو واجديته لجميع مراتب الوجود، و الاحتياج عبارة عن فقدان بعض المراتب.

أقول: قد مرّ ما فیه.

قال المصنّف فی ص 36:

تزييف قاعدة الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد... و استدلّوا على ذلك: بأنّه لا بدّ من مناسبة و ربط بين العلّة و المعلول، و إلاّ لزم أن يؤثّر كلّ شيء في كلّ شيء، و عليه فذاته المقدّسة تكون في غاية البساطة و الوحدة، و لا ربط بين البسيط و المركّب، و بين الواحد و المتعدّد.... ثمّ أشکل علیه بأنّ إطلاق العلّة التامّة على اللّه تعالى غلط صرف؛ لأنّه يلزم سلب القدرة و الاختيار، بل قد

ص: 22

عرفت آنفاً تبعية أفعاله تعالى للمصالح و المفاسد.

أقول: لا یخفی أنّ اطلاق العلة و المعلول - بالمعنی المصطلح عند الفلاسفة – علی الله تعالی و خلقه فاسد بالبراهین العقلیة و النقلیة کما بین فی محلّه و اعترف بذلک الماتن رحمه الله.

و الذی یجب أن یعلم هنا: أنّ الالتزام بقاعدة «الواحد» موجب لإنکار کثیر من ضروریات المذهب و مسلماته کإنکار قدرته تعالی و اختیاره و إنکار الخلق و الایجاد لا من شیء و حدوث العالم و البینونة بینه تعالی و بین خلقه و....(1)

و نعم ما قال العلامة المجلسی رحمه الله فی هذا المقام: و لعمری! من قال بأنّ الواحد لا یصدر عنه إلا الواحد و.... کیف یؤمن بما أتت به الشرایع و نطقت به الآیات و تواترت به الروایات من اختیار الواجب و أنّه یفعل ما یشاء و یحکم ما یرید....(2)

قال المصنّف فی ص 38:

«فهنا اُمور ثلاثة: العلم بالصلاح و هو المراد من الإرادة و الإيجاد، و هو

ص: 23


1- - فلاحظ شرحنا علی تجرید الاعتقاد.
2- - بحار الانوار: 8/328.

المراد من المشيئة، و الموجَد بالفتح و هو المراد من الشيء، و لا نجد أمراً رابعاً نسمّيه باسم الإرادة أو المشيئة، مضافاً إلى أنّ ذاته المقدّسة ليست محلاًّ للحوادث، فلا يعرضه شيء».

أقول: المستفاد من القرآن و العترة أنّ الإرادة من الله تعالی هی فعل الله و إحدا ثه و إیجاده و لیست الإرادة بمعنی الابتهاج و لا بمعنی المراد و لا بمعنی الاختیار و لا بمعنی العلم. و الأخبار فی ذلک کثیرة جداً، منها: ما فی صحیح عاصم بن حمید عن أبی عبدالله علیه السلام: «إنّ المرید لا یکون إلا لمراد معه بل لم یزل الله عالماً قادراً ثمّ أراده. و منها: ما فی صحیح محمد بن مسلم عن أبی عبدالله علیه السلام: «المشیة محدثة» و....(1)

و أمّا ما أفاده رحمه الله: «من أنّ ذاته المقدّسة ليست محلاًّ للحوادث، فلا يعرضه شيء» فنقول: الارادة و المشیة من صفات الفعل و الحادث مثل الخلق و الرزق و الکلام و لا یلزم من صفات الفعل و کونها حادثة، عروض شیء علیه تعالی و وقوع ذاته سبحانه محلاً للحوادث کما هو واضح. نعم حدوث صفات الذات علیه تعالی یلزم ما ذکره رحمه الله تعالی.

ص: 24


1- - فلاحظ تنزیه المعبود: 173-179.

قال المصنّف فی ص41:

«أنّ الإرادة من صفات الذات، و مرجعها إلى نوع خاصّ من العلم، كالسمع و البصر و الإدراك و نحوها».

أقول: کون ارادة الله تعالی من صفات الذات یستلزم المفاسد الکثیرة.(1)و نعم ما أفاد القاضی سعید القمی حیث قال: «إنّ حدوث الارادة و المشیة من مقرّرات طریقة أهل البیت علیهم السلام بل من ضروریات مذهبهم»(2)

و قد سبقه فی ذلک الشیخ الکلینی و الصدوق و المفید و الطوسی و الحلبی و رحمهم الله تعالی.

قال المصنّف فی ص43:

«إنّ جميع أسبابه تحت قدرته (تعالی) و مشيئته حتّى اختيار العبد و استناده إلى العبد، لصدوره عنه باختياره الذي هو أحد الأسباب التي أوجد اللّه تعالى».

ص: 25


1- - ذکرناها فی شرح رساله اعتقادات علامه مجلسی 175-185، و شرح تجرید الاعتقاد.
2- - شرحه علی التوحید: 2/507.

أقول: قد تقدّم بعض الکلام فیما سبق.

قال المصنّف فی ص44:

«إنّ البداء في أفعاله تعالى من مسلّميات مذهب الشيعة، و قد ورد به أخبار كثيرة، خلافاً للعامّة العمياء. و الوجه فيه: أنّ أفعاله تعالى قد تقدّم أنّه موافق للحكم و المصالح بمقتضى عدله، و من الواضح أنّها تختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و الحالات، سيّما الحالات البشرية».

أقول: إنّ الاعتراف بالبداء یحثّ علی العبادات و یرغّب فی الصدقات و یوجب التدارک لما فات و الاصلاح لما آت و..... و علیه مدار استجابة الدعاء و الرغبة و الرهبة الموجبتین للطلب و تحمّل المشقّة و وقوف العبد بین الخوف و الرجاء و طلب السعید الثبوت علی سعادته و الشقیّ المحو عن الشقاء.

قال المصنّف فی ص45:

«إنّه كما يجب الاعتقاد بالتوحيد الذاتي و الصفاتي كما تقدّم بيانهما، كذلك يجب الاعتقاد بالتوحيد الأفعالي، أي: جميع أفعال الربوبية صادرة عن ذاته المقدّسة،

ص: 26

و لا شريك له و لا وزير له».

أقول: و ما قد یُسمع من کلام بعضهم فی معنی التوحید الافعالی من «أنّه لا فعل إلا فعله تعالی کما لا وجود إلا وجوده» عاطل و باطل بالادلة العقلیة و النقلیة القطعیة.

قال المصنّف فی ص45:

«ثمّ للتوحيد الأفعالي مراتب قشر القشر، كإقرار المنافق، أو قشر كإقرار العامّة، و ليست كإقرار الخواصّ، و لبّ اللبّ و هو المعبّر عنه بالفناء».

أقول: و لا یخفی أنّ الفناء فی الله یمکن أن یفسّر بوجوه:

الاول: أنّ العبد یفنی هواه فی هوی الله تعالی و إرادته فی إرادة الله و لا یرید إلا ما أراد الله سبحانه و هذا معنی صحیح و یسمّی بالفناء الارادیّ.

الثانی: بمعنی توجّه الانسان إلی الله تعالی و الغفلة عن جمیع ما سواه حتی عن نفسه و هذا أیضاً صحیح و یسمّی بالفناء الحکمی.

ص: 27

الثالث: بمعنی الوصول فی ذاته سبحانه و فناء العبد فی ذاته عزّوجلّ و هذا معنی فاسد بالأدلة القطعیّة العقلیّه و النقلیّة و هذا هو مراد القائل بوحدة الوجود من العرفاء و الفلاسفة.

قال المصنّف فی ص46:

«أنّ واجب الوجود منحصر في الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية» أقول: اللائقة بذاته القدّوس.

و قال: «إنّ جميع ما في الوجود صادر عنه ليس إلاّ» أقول: بالإرادة و المشیّة الحادثة.

قال المصنّف فی ص 144 «بحث

الامامة»:

من الشرائط المعتبرة في الإمام الأكملية و الأفضلية على جميع الرعية في جميع الكمالات البشرية، و الصفات الانسانية، و هذا الشرط يتضمّن اُموراً:... الثاني: كون تلك الملكات كلّها في أعلا مراتبها؛ لوضوح أنّ كلاًّ منها له مراتب غير متناهية، و كلّ مرتبة دون المرتبة العليا ناقصة بالنسبة إلى فوقها،

ص: 28

فتكون كالفاقد لها، و المراد من أعلا المراتب التي يمكن أن يكون الانسان واجداً لها.

أقول: من راجع الأخبار و تأمّل فیها یجد الأخبار الکثیرة تدلّ علی أنّ المحلّ قابل والله تعالی یقدر علی الإفاضة و الإعطاء بما یشاء علی علمهم و درجاتهم و... فلاحظ روایات إزدیاد علومهم علیهم السلام فی «لیالی القدر» و «الجمعه» و «یؤماً فیوماً» و «آناً فآناً».

قال المصنّف فی ص324 «بحث المعاد»:

وأمّا الروح الإنساني المعبّر عنها بالجوهر الملكوتية واللطيفة الربّانية، فهو جوهر مجرّد عن المادّة والمادّيات، خلقه اللّه بقدرته من عالم الأمر من المجرّدات العلوية، لا مادّة له ولا صورة، وليس له أبعاد ثلاثة، ولا يقبل القسمة ولا التجزية، وليس له مكان، ولا يكون حالاًّ في شيء ولا محلاًّ لشيء، ولا يدخل في شيء، ولا يخرج من شيء.

أقول: قد تقدّم فی بحث التوحید أنّ القول بعالم المجرّدات و بوجود مجرّد سوی الله تعالی أمر موهوم لا دلیل علیه بل الدلیل علی خلافه. و قد قلنا

ص: 29

هناک «أنّ الروح جسم لطیف قد اُلبس قالباً کثیفاً» و تدلّ علیه الروایات المتواترة. والأدلة علی تجرّدها مدخولة کما حقّق فی محلّه. و البحث عن جسمیّة الروح و دفع التوهّمات التی ذکرها المصنّف - فیما سیأتی – لإثبات تجرّد النفس، یقتضی مجالاً أخر.

قال المصنّف فی ص324 «بحث المعاد»:

والحقّ أنّ تعلّقه (الروح) بالبدن تعلّق تدبّري وارتباطي إحاطي، كإحاطة اللّه تعالى بمصنوعاته بالإحاطة القيّومية «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»(1)

أقول: لو لم نناقش فی سنده فنقول: هذا الحدیث یدلّ علی الآیات الأنفسی کآیات اُخری تدلّ علیها و لا یرتبط بما استدلّ له.

قال المصنّف فی ص 325 «بحث المعاد»:

(فی اثبات وجود الروح) أنّا نشاهد بالوجدان أنّ العقل ربما يقوى مع ضعف البدن، ويضعف مع قوّته، ألا ترى أنّ الأنبياء والأولياء والعلماء والفلاسفة كيف يكون عقولهم في المراتب العالية، مع كون أبدانهم الشريفة

ص: 30


1- . مصباح الشريعة ص 13، بحارالأنوار 2: 32 ح 22 .

نحيفة ضعيفة، و بالعكس كثير من الناس يكون أبدانهم في غاية القوّة و عقولهم في غاية الضعف، فلو كان الروح مادّيّاً غير مجرّد لزم أن يقوي بقوّة البدن ويضعف بضعفه.

أقول: هذه الأدلة لإثبات تجرّد النفس أوهن من بیت العنکبوت و الجواب عنها یقتضی مجالاً آخر.

«تبصرة»

قال المصنّف:« ألا ترى أنّ .... الفلاسفة كيف يكون عقولهم في المراتب العالية...» أقول: کلّما شاهدنا من أعاظم الفلاسفة و أکابرهم فی کتبهم و آثارهم هو تخالف آرائهم و کلماتهم للأنبیاء و الأوصیاء علیهم السلام الذین هم أرباب العقول الکاملة و أصحاب البصائرة النافذة و کلماتهم هو الموافق للعقول النیّرة و الأفهام المستقیمة. و هذا أظهر شاهد علی سخافة عقلهم و رأیهم، مثلاً لاحظ کلمات ملاصدرا فی التوحید فإنّه یقول: «فکما وفّقنی الله بفضله و رحمته علی الإطلاع علی الهلاک السرمدی و البطلان الأزلی للماهیّات الإمکانیّة و الأعیان الجوازیّة، فکذلک هدانی ربّی بالبرهان النیّر العرشی إلی صراط المستقیم من کون الموجود و الوجود منحصرة فی حقیقة

ص: 31

واحدة شخصیّة لا شریک له فی الموجودیّة الحقیقیّة و لا ثانی له فی العین و لیس فی دار الوجود غیره دیّار. و کلّما یتراءی فی عالم الوجود أنّه غیر الواجب المعبود فإنّما هو من ظهورات ذاته و تجلّیات صفاته التی هی فی الحیقیقة عین ذاته»(1)و

قال: «إنّ واجب الوجود بسیط الحقیقة غایة البساطة و کلّ بسیط الحقیقة کذلک فهو کلّ الأشیاء، فواجب الوجود کلّ الأشیاء لا یخرج عنه شیء من الأشیاء».(2)

و لاحظ کلماته فی المعاد فتارة ینکر جسمانیّة المعاد و یوّول بالبدن المثالی.(3) و یقول: «بأنّ الجنّة الجسمانیّة عبارة عن الصّور الإدراکیّة القائمة بالنفس الخیالیة».(4) و تارة ینکر خلود أهل النار علی وجه التعذیب و یقول: «إنّهم یلتذّون بما هم فیه من نار و...» و مخالفة هذه الکلمات للبراهین العقلیة القطعیّة و محکمات الکتاب و متواترات العترة واضح لائح لمن له أدنی معرفة و تحصیل و اطلاع علی أوضاع الشریعة.

ص: 32


1- - الاسفار: 2/292.
2- - الاسفار: 2/368.
3- - الاسفار: 9/31.
4- - الاسفار: 9/342 فصل 27.

قال المصنّف فی ص326 «بحث المعاد»:

وهذا دليل قوي على تجرّدها، إلى غير ذلك من الوجوه. وهذا مع قطع النظر عن الآيات والأخبار الدالّة على المطلوب، ومع قطع النظر عن قاعدة إمكان الأشرف المثبتة للعقول المجرّدة.

أقول: إبطال قاعدة إمکان الأشرف و العقول المجرّدة یقتضی مجالاً آخر و قد أجبنا عنها بوجوه کثیرة فی شرحنا علی تجرید الاعتقاد.

قال المصنّف فی ص326 «بحث المعاد»:

لا يخفى أنّ فناء كلّ شيء بزوال صورته، وتفرّق أجزائه، وتبدّل موادّه، والمجرّد إذا لم يكن له صورة ولا أجزاء ولا مادّة، فكيف يتصوّر له الفناء والزوال.

أقول: کما یمکن إیجاد المجرّدات – علی فرض وجودها – یمکن أیضاً إعدامها. إلا أن یقال: إنّ المجرّد لا یمکن إیجاده کما لا یمکن إعدامه؛ لأنّه قدیم و من قواعدهم المسلّمة «ما ثبت قدمه امتنع عدمه». و لکنّه ینافی التوحید و یساوق الشرک؛ لأنّ التأثیر فی القدیم محال.

ص: 33

قال المصنّف فی ص328 «بحث المعاد»:

«تذكرة:فاعلمي يا أيّتها النفس أنّ المدّة في الاستكمال قصيرة، وتحصيل الكمالات صعبة عسيرة، والعوائق والموانع كثيرة، فلا تهنئي ولا تغفلي، فإنّ لك غداً حسرة طويلة. ثمّ إنّه ثبت في الحكمة في بحث اتّحاد العقل والعاقل والمعقول أنّ تلك الصور العلمية، والملكات النفسية، والأخلاق الفاضلة، والعبادات الإلهية، كلّها ليست من العوارض العارضة للعقل، كالصور الارتسامية، بل يورث سعة الروح وقوّته وعظمته، فهي تتّحد معه اتّحاداً حقيقياً لا تركيبياً انضمامياً».

أقول: ما ذکره الماتن من الموعظة فی بیان قصر العمر و صعوبة تحصیل الکمالات و وجود الموانع الکثیرة و الحسرة الطویلة فی یوم الحسرة أمر وجیه فجدیر لأهل التقوی الاهتمام الشدید التام بهذا الأمر ضرورةً و عدم إهمالها بذلک. و لکنّه استشهد بما ثبت فی بحث الفلسفة «من اتحاد العقل و العاقل و المعقول» مع أنّ فساد هذه القاعدة و ما اشتملت علیه من منافاتها لشریعة القویمة غنیّ عن البیان. و هذا من غرائب ما ذهب إلیه و لا یکاد ینقضی تعجّبی من المصنّف کیف ذهب یمیناً و شمالاً.... فی بیان المعارف الإلهیّة و

ص: 34

تشریح القواعد الدینیّة مع أنّ المراجعة بالأخبار و الآثار یغنیه عن التمسّک بهذه الوجوه الواهیة و السلوک لأمثال هذه المسالک المظلمة.

قال المصنّف فی تعلیقة الکتاب فی ص337 «بحث المعاد»:

المراد (بالصورة التی بها يمتاز الأجسام بعضها عن بعض، و هي بمنزلة الفصول للأجناس....) الصورة الجسمية، وإلاّ فسيأتي وجود الصور بلا مادّة، كالقالب المثالي، والصور البرزخية، والمثل الأفلاطونية على القول بها.

أقول: ما ذکره رحمه الله فی هذه التعلیقة غیر تامّ؛ فإنّ الروح بعد الموت تتعلّق بالبدن اللطیف المثالی الشبیه بالبدن الدنیوی، لا الصورة بلا مادّة کما هو مسلک الفلاسفة.....

قال المصنّف فی ص339 فی «بحث إثبات المعاد الجسمانی»:

إنّه قد حقّق في محلّه إثبات الحركة الجوهرية، وهي أنّ موضوع تلك الحركة هو صورة ما التي بمنزلة الكلّي الطبيعي الموجودة بوجود أوّل صورة للهيولى.... وإن كانت الصور تتبدّل آناً فآناً، وهذه الصورة الكلّية متّحدة مع الهيولى الجسمية الباقية في تبدّلات الأجسام. وحينئذ فإن عدمت الصور

ص: 35

بالكلّية، وعدمت تلك الصورة، وعدمت الهيولى، فإعادته شيء آخر؛ لأنّ شيئية الشيء بالصورة. وأمّا إن بقيت هذه الصورة الكلّية، فهي حافظة للوحدة، ويقال: هي هي، وهذا ممّا لا إشكال فيه، ولا شبهة تعتريه.

أقول: إثبات المعاد الجسمانی بالأدلة القطعیّة الشرعیّة من الکتاب و السنّة و لا یحتاج إلی هذه المنسوجات التی لا طائل تحته.

قال المصنّف فی ص357 «بحث المعاد»:

وأمّا القول الخامس المنسوب إلى جماعة من المتكلّمين وكثير من الأخباريين من إنكار المعاد الروحاني، فهو مبني على إنكارهم الروح المجرّد، وأنّ المجرّد مختصّ بذات اللّه تعالى، وتخيّلهم أنّ القول بالتجرّد في الممكنات يوجب الشرك، وقد تقدّم في أوّل هذا الكتاب البراهين المثبتة لتجرّد الروح.

أقول: الأدلة التی اُقیمت علی تجرّد الروح کلّها مدخولة و محجوجة بالأدلة القطعیّة التی تدلّ علی خلافها. والالتزام بالمعاد الجسمانی و الروحانی لا یتوقّف علی تجرّد الروح بل ثابت بالادلة الشرعیّة القطعیّة.

ص: 36

قال المصنّف فی ص362 «بحث المعاد»:

أنّه قد اختلفت الكلمات في حقيقة الملائكة، فذهب جماعة من الحكماء أنّهم عقول مجرّدة عن المادّة والصورة من العقول الطولية والعرضية والكلّية والجزئية، الصادرة عن الواجب تعالى بالترتيب المذكور في كلماتهم. وذهب جماعة منهم بأنّهم أرباب الأنواع والمثل الأفلاطونية، لهم صور عارية عن الموادّ، خالية عن القوّة والاستعداد، المدبّرة لعالم الخلق. وذهب جماعة بأنّهم عبارة عن القوى، كالقوّة القاضية والنامية ونحوها. ثمّ قال: نحن لا نتاحاشا عن وجود العقول المجرّدة والمثل الأفلاطونية، لكن لا لما ذكروه من أصلهم.....

بل مقتضى الظواهر القرآنية أنّ الملائكة أجسام، كقوله تعالى: «أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ»(1)

و قوله تعالى: «يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا»(2)

و قوله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ»(3)

إلى غير ذلك من الآيات. بل الأخبار متواترة

ص: 37


1- سورة فاطر: 1 .
2- سورة النبأ: 38 .
3- سورة القدر: 4 .

ناصّة في كيفية عباداتهم ونزولهم و صعودهم و نحوها، غاية الأمر ليسوا من تلك العناصر المركّبة، بل أجسام لطيفة ألطف من الهواء ومن الجنّ، وليس خارجاً عن قدرة الخالق إيجادهم، فهم أجساد نورية متشكّلة بأشكال مختلفة.

أقول: هذه الأقوال التی ذکرها أشبه بأضغاث الأحلام و إنکار لما ثبت فی الدین ضرورة من النصوص المتواترة القطعیة فی الملائکة و کیفیّة شؤنها..... فلاحظ بحار الأنوار حیث جمع العلامة المجلسی رحمه الله تعالی الأخبار الواردة فیها فی مجلّد، فمن راجعها لا یبقی له شک فی جسمانیّتها و عدم تجرّدها کما اعترف به المصنّف فی المتن و إن رجع عنه فی التعلیقة فی هذا الموضع حیث قال: «الآيات والأخبار يمكن انطباقها على الصورة بلا مادّة، فليست صريحة في الجسمية.» و لکنّه مخالف لصراحة الأخبار الکثیرة التی من راجع إلیها لا یبقی له ریب فیما ذکرناه.

قال المصنّف فی ص372 فی «سؤال القبر»:

وما ترى في بعض الأخبار من جلوسه وكتبه بقلم يده ومداد فمه وصفحة كفنه جميع ما صدر منه في هذه النشأة، وإلقائه في عنقه إلى يوم القيامة، وكذا ما

ص: 38

ورد في فشار(1) القبر، إلى غير ذلك، فهو وارد على باطن هذا البدن لا ظاهره، ويتألّم أو يتنعّم الروح منه أشدّ تألّم وتنعّم.

ثمّ قال: والعجب من صاحب الكفاية في دعواه تواتر الأخبار في كون هذا البدن العنصري مورداً للسؤال والعذاب، بل دعوى ضرورة الدين. ثمّ أجاب بقوله: إن كان المراد هذا البدن بباطنه مع تعلّق الروح الإنساني به، فنعم الوفاق وهو حقّ. وإن كان هذا البدن بظاهره مع الحسّ والحركة الحيوانية، فلا دليل عليه فضلاً عن التواتر والضرورة.

أقول: تأویل الأخبار الدالة علی دخول الروح فی البدن العنصری الدنیوی و وجود ضغطة القبر علی هذا البدن مع عدم امتناعه، لشبهة موهوم، بعید عن دأب المتّقین و العلماء المتمسّکین بالقرآن و العترة. فبالرجوع إلی مجامیع الحدیثیّة یظهر دلالة الأخبار علی خلاف ما ذهب إلیه السیّد المصنّف .

ص: 39


1- كلمة فارسية بمعنى العصر والتضايق في القبر .

قال المصنّف فی ص372 «بحث المعاد»:

إنّ الروح قد تعلّق بعد مفارقة هذا البدن إلى القالب المثالي الذي هو شبيه هذا البدن، لكن الصورة فقط بلا مادّة عنصرية.

أقول: قد تقدّم سابقاً بطلان هذا الإدّعاء أی الصورة بلا مادّة، فلاحظ.

قال المصنّف فی ص410 «بحث المعاد»:

والقدر المسلّم من الإحباط الكفر والضلالة، فإنّهما يحبطان جميع الحسنات، قال تعالى: «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً»(1).....

وأمّا سائر المعاصي، فلم يقم دليل قطعي على حبط الأعمال الصالحة بها.

أقول: قد ورد بعض الأخبار فی أنّ إتیان بعض المعاصی یوجب حبط بعض الطاعات کقوله علیه السلام: «إِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَب» و... کما أنّ إتیان بعض الطاعات یوجب تکفیر بعض السیّئات، فلاحظ الأخبار فی ذلک حتی تظهر لک ما ذکرناه و قد اعترفه المصنّف فی التکفیر دون الإحباط فتأمّل!

ص: 40


1- سورة الفرقان: 23 .

قال المصنّف فی ص411 فی «بحث المعاد فیما یسأل عنه یوم القیامة»:

«السؤال عن النعم الإلهية... وقد قال تعالى: «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ»(1)

ولا ينافيه ما ورد في بعض الأخبار من تفسير النعيم بنعمة ولاية أميرالمؤمنين علیه السلام؛ لما ذكرناه غير مرّة أنّ الأخبار الواردة في تفسير الآيات لبيان المصاديق، فلا مانع من الأخذ بإطلاقها، ومن المعلوم أنّ الولاية أعظم مصاديق النعمة.

أقول: کلامه رحمه الله لایصحّ علی إطلاقه بل قد یکون لبیان المصادیق و قد یکون تفسیراً له و لا یشمل غیره....

قال المصنّف فی ص417 «بحث المعاد فی أصحاب الاعراف»:

وأمّا أطفال الكفّار.... فلعلّ اللّه يجعلهم في مكان غير الجنّة والنار يتنعّمون ببعض النعم. وأمّا الأخبار الدالّة على أنّهم يؤمر بهم في دخول النار، فإن أطاعوا يصير النار لهم برداً وسلاماً فيدخلون الجنّة، وإن خالفوا فيدخلون النار، لا يناسب مع القواعد العدلية بظاهرها.

ص: 41


1- سورة التكاثر: 8 .

أقول: إذا أعطاهم الله تعالی فی یوم القیامة ما کان للمکلّفین فی الدنیا من الشرائط و أتمّ حجّته علیهم ثم اختبرهم هناک فهو لا ینافی قواعد الإمامیة.

قال المصنّف فی ص421 «بحث المعاد فی الجنة والنار»:

وأمّا موضعهما، فلم نجد في الآيات والأخبار شيء يدلّ على ذلك، إلاّ قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى»(1)

وإلاّ النبوي المروي عن أنس بن مالك «فوق السماوات السبع تحت العرش»(2)

والعلوي المروي عن أبي هريرة وسلمان عنه علیه السلام في جواب الجاثليق «الجنّة تحت العرش، والنار تحت الأرض السابعة السفلى»(3) ثمّ أجاب بقوله: أمّا الآية الشريفة، فلا دلالة لها؛ لأنّ الكلام في موضع سدرة المنتهى كالكلام في موضع الجنّة. وأما الخبران، فمضافاً إلى ضعف سنديهما كونهما أخبار آحاد لا يفيد في المقام شيئاً.

ص: 42


1- سورة النجم: 13 - 15 .
2- بحار الأنوار 8: 83 و 84 .
3- البرهان في تفسير القرآن 4: 728 و 5: 297 .

أقول: یمکن أن یستدلّ له بقوله تعالی: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً»(1) فأخبر الله تعالی عن أنّه أهبطهم بعد تلقي الكلمات و التوبة و هو یدلّ علی أنّ آدم علیه السلام هبط من فوق الأرض إلیها. و قد ورد عن الصادق علیه السلام أنّه قال: «.... اهبطا من سماواتی إلی الأرض فإنّه لا یجاورنی فی جنّتی عاص و لا فی سماواتی...»(2) و ورد أیضاً أنّ آدم علیه السلام هبط علی جبل صفا... اللهمّ إلا أن یقال: إنّ هذه الأدلة و ما ذکره المصنّف رحمه الله فی خلق الجنّة و النّار بعضها ورد فی جنّة الدنیا و البحث فی موضع جنّة الخُلد.

قال العلامة المجلسی رحمه الله فی مرآة العقول:

و اختلف في أن جنة آدم عليه السلام هل كانت في الأرض أم في السماء؟ و على تقدير كونها في السماء هل هي الجنة التي هي دار الثواب و جنة الخلد؟ أم غيرها، فذهب أكثر المفسرين و أكثر المعتزلة إلى أنها جنة الخلد، و قال أبو هاشم: هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد، و قال: أبو مسلم الأصبهاني و أبو القاسم البلخي، و طائفة هي بستان من بساتين الدنيا في الأرض كما يدل

ص: 43


1- - سورة البقرة 37، 38.
2- - تفسیر العیاشی: 2/11.

عليه هذا الخبر، و استدل أكثرهم بالوجه المذكور في الخبر و أورد عليه بأن عدم الخروج إنما يكون بعد دخولهم بجزاء العمل لا مطلقا و الخبر يدل على أنه لا يخرج من يدخله مطلقا، و يشكل بدخول الملائكة و دخول الرسول صلى الله عليه و آله ليلة المعراج. إلا أن يأول بالدخول على وجه الإسكان و النزول، لا على وجه المرور و العبور، و الحق أن الجمع بين الايات في ذلك مشكل، إذ ظاهر أكثر الايات و الأخبار كونها في السماء و كونها جنة الخلد و هذا الخبر و بعض الأخبار النادرة صريحة في كونها في الأرض، و للتوقف فيه مجال، و ظاهر الشيخ في التبيان و الطبرسي في مجمع البيان اختيار أنها دار الخلد و الله يعلم.(1)

قال المصنّف فی ص444 «بحث المعاد فی الخلود»:

حقّق في محلّه أنّ الأصل هو الوجود، والماهية أمر اعتباري، و الوجود مقول بالتشكيك، له مراتب غير متناهية من حيث الكمال والنقص، والشدّة والضعف، وأفراد متفاوتة أعلا مراتبه وجود الحقّ غير المتناهي شدّةً وعدّةً ومدّةً، وأدنى مراتبه وجود مادّة الموادّ الهيولى الإمكانية، وبينهما مراتب

ص: 44


1- - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج 14، ص: 230.

متفاوتة، فأين التراب وربّ الأرباب، وأين الممكن مع الواجب والفقير والغني والناقص والكامل.

أقول: قد تقدّم منّا فی بحث التوحید أنّ هذا القول أیضاً فاسد و کاسد و مآله إلی وحدة الوجود التی اعترف المصنّف بفسادها و یلزم منه السنخیة و المشابهة بینه تعالی و بین خلقه بل العینیّة و غیر ذلک من التوالی الفاسدة التی فی القول بوحدة الوجود فلاحظ کتابنا «تنزیه المعبود فی الردّ علی وحدة الوجود».

«قد تمّ بحمد الله تعالی فی ثالث عشر شهر رجب المرجّب سنة 1441 قمری، مطابق 18/12/1398 ش، قم المقدسة، أنا العبد الفانی السیّد قاسم علی أحمدی»

«والحمد لله ربّ العالمین»

ص: 45

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.