مناقب الشیخین فی التفسیر و الحدیث عرض و نقد: محاضرات الشیخ نجم الدین الطبسی

اشارة

سرشناسه:طبسی، نجم الدین، 1334 -

عنوان و نام پديدآور:مناقب الشیخین فی التفسیر والحدیث عرض و نقد: محاضرات الشیخ نجم الدین الطبسی [کتاب]/ بقلم محمدفرید الانصاری، مهدی الاسفندیاری.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما ، 1390.

مشخصات ظاهری:193 ص.

شابک:978-964-397-767-2

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه: ص. [181]- 190؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع:ابوبکر، عبدالله بن ابی قحافه، 51 قبل از هجرت-13ق. -- نقد و تفسیر

موضوع:ابوبکر، عبدالله بن ابی قحافه، 51 قبل از هجرت-13ق. -- احادیث اهل سنت

موضوع:عمربن خطاب، 40 قبل از هجرت - 23ق.-- احادیث اهل سنت

موضوع:احادیث اهل سنت -- نقد و تفسیر

موضوع:اهل سنت -- دفاعیه ها و ردیه ها

موضوع:خلفای راشدین-- احادیث اهل سنت

شناسه افزوده:انصاری، محمدفرید

شناسه افزوده:اسفندیاری، مهدی

رده بندی کنگره:BP29/ط23م8 1390

رده بندی دیویی:297/9462

شماره کتابشناسی ملی:2531660

ص: 1

اشارة

مناقب الشیخین فی التفسیر والحدیث عرض و نقد

محاضرات الشیخ نجم الدین الطبسی

بقلم محمدفرید الانصاری، مهدی الاسفندیاری

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة

الحمدللّه ربّ العالمين والصلاة والسّلام على خير خلقه وأفضل بريّته محمد بن عبداللّه وعلى أهل بيته الطاهرين ، سيّما الحجة بن الحسن المهدي روحي وارواح العالمين له الفداء.

أمّا بعد : لا غرو إن قلنا إنّ ربع القرآن أو ثلثه قد نزل في أهل بيت النبي(1) ، « لأنّه ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللّه من الفضائل أكثر ممّا جاء لعليّ بن أبيطالب ،(2) كيف وقد نزلت في عليٍ ثمانون آيةٍ صفواً في كتاب اللّه لا يشاركه فيها أحدٌ من هذه الأمّة ،(3) بل لم ينزل في أحدٍ من القرآن ما نزل في عليٍ عليه السلام.(4) وما أنزل اللّه في القرآن آية « يا أيّها الّذين آمنوا » إلاّ كان عليٌّ أميرها وشريفها ، ولقد عاتب اللّه أصحاب محمّدٍ ولم يذكر عليّا الاّ بخيرٍ.(5)

ص: 5


1- شواهد التنزيل ، كما عن ابن عباس عن النبيّ ، ج 1 ، ص 68 و 70.
2- شواهد التنزيل عن احمد بن حنبل ، ج 1 ، ص 31.
3- شواهد التنزيل عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، ج 1 ، ص 66.
4- شواهد التنزيل عن يزيد بن رومان ، ج 1 ، ص 65.
5- شواهد التنزيل عن ابن عباس ، ج 1 ، ص 78. اقول : إن مؤلّف كتاب شواهد التنزيل : عبيداللّه ابن عبداللّه بن احمد الحنفى . كما قال الذهبى ؛ الامام المحدث البارع القاضى ، ابوالقاسم عبيداللّه بن احمد ... بن حسكاه القُرشي ، العامري ، النسابوري الحنفي ، الحاكم . سير اعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 269 الرقم 136 وكذلك قال عنه : تقى الدين ابو اسحاق في كتابه المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور ، ج 1 ، ص 324 الرقم 982 دار الفكر بيروت . قال : عبيداللّه بن عبداللّه ... الحافظ المتقن من أصحاب ابى حنيفه ، فاصل مسند . والصفدي في الوافي بالوفيات ، ج 19 ، ص 254 « الحنفي النيسابوري ... الحاكم الحافظ شيخ متقن ذو عناية تامة بالحديث » . وكذلك زين الدين الجمالى المتقى ت 897 في كتابه تاح التراجم في طبقات الحنفية ، ج 2 ، ص 12 ، نشر دار القلم . وامّا النسخة الخطية من الكتاب « شواهد التنزيل » فموجودة في السعودية في مكتبة مركز الملك فيصل للبحوث والدارسات الاسلامية رقم الحفظ 14269 .

وقد جمع علماء الفريقين في تفاسيرهم تفاصيل ما نزل في شأن عليٍ عليه السلام وفاطمة وأهل البيت عليهم السلام، كما خصَّه بعضهم بتأليف كتاب عنه، كالحسكاني الحنفي الذي صنّف كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام. الأمر الذي دعى الإتجاه الآخر - النواصب وشيعة الحزب الأموي - إلى اتّخاذ موقفٍ عدائيٍ تبلور في أمرين :

الأمر الأوّل : التشكيك في كلّ ما نزل بشأن عليّ عليه السلام وأهل البيت وإنكاره.

الأمر الثاني : وضع أحاديث كاذبةٍ بشأن نزول بعض الآيات الشريفة ونسبتها لبعض الصحابة ، كي لا يسبقهم عليّ في الفضائل والمناقب.

إذ أنّ العشرات من الآيات قد نزلت بفضل أميرالمؤمنين واهل البيت عليهم السلام وقلّلت من شأن مخالفيهم.

نحن وإن كنّا غير منكرين فضل الكثير من الصحابة الذين آزروا الرسول الأكرم ونصروه ودافعوا عن الإسلام وقِيَمه وعن الرسول الأعظم وشخصيته إلى أن نالواالشهادة أو توفّاهم اللّه تعالى وهم على هذه العقيدة ، والكثير منهم اتّبع

ص: 6

اميرالمؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام وسلك نهجه الذي هو نهج رسول اللّه وحارب بين يديه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وأدّى ما عليه الى أن فاز بإحدى الحُسنيين(1) ، فجزاهم اللّه عن الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين.

لكنّنا نتوقف عند الآيات التي ادّعوا ارتباطها ببعض الصحابة وجعلوها من مناقبهم ، بل اعتبروها من الأدلة على أفضليتهم وأحقّيتهم بالخلافة ، سيّما أنّ رواتها من أمثال عروة بن الزبير أو كعب أو عكرمة ، أو بعض النساء ممّن عُرفن بعدائهنّ لأميرالمؤمنين عليه السلام ، أو من المعروفين بوضعِ الأحاديث ودسِّ الإسرائيليّات.

هذا ولقد خطر بذهني منذ أمدٍ بعيدٍ أن أجمع الآيات التي أدُّعي ارتباطها ببعض الصحابة بالرغم من أنّها لم تبلغ العشرة - أو أقل - ثمّ التحقيق فيما قيل بشأن نزولها والمناقشات السنديّة والدلاليّة حولها.

فاقترحت في درسنا « أُسلوب التحقيق » هذا الموضوع على ولدَيَ العزيزين العالمين الفاضلين ، الشيخ محمّد فريد الأنصاري والشيخ مهدي الإسفندياري فبدءَا ببحث ودراسة الآيات واحدةً واحدة ثمّ طرحها في حلقات دروسنا للنقد والمناقشة ، إلى أن وفّقهما اللّه وإيّانا لتنظيم هذه المجموعة وتأليفها وتقديمها إلى المكتبة الإسلاميّة والتي أعتقد أنّها خير ما أُلّف في هذا الباب كمّا وكيفا ، وإن كنّا تلاميذ لمن تقدَّمنا ومَن عاصَرَنا كالسّيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ النباطي البياظي والشيخ المظفر والعلامة الأميني والسيّد الطباطبائي والسيّد جعفرمرتضى و... شكر اللّه سعيهم.

ثمّ إن هذا الإنجاز ألحق به مجموعة ثانية ، وهي نقد ودراسة الروايات التي ادّعى البعض ارتباطها بأُولئك ودلالتها على أفضليتهم أو الإشارة إلى مشروعيّة خلافتهم وأحقيّتهم بها وسمّيناه : «مناقب الشيخين في التفسير والحديث عرض ونقد».

ص: 7


1- انظر كتابنا « أصحاب النبي حول السيد الوصي » بقلم الشيخ بلقان الذى طبع موخرا ونزل إلى الاسواق.

ختاما ، نسأل اللّه العليّ القدير أن يوفّق ولدَيَ العزيزين الكريمين لخدمة الدّين وأن يكون هذا الإنجاز مقدمةً لإنجازات أُخرى كبيرة تنصبُّ في مصلحة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، إنَّه وليُ التوفيق.

نجم الدين الطبسي - قم المقدسة

18 رجب المرجب 1430 ه . ق

ص: 8

الآيات الكريمة وتفسيرها

الآية الأولى : وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى

الآية الثانية : وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ

الآية الثالثة : إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ

الآية الرابعة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ

الآية الخامسة : وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ

الآية السادسة : قُل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ

الآية السابعة : مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّه ِ وَالَّذِينَ مَعَهُ

الآية الثامنة : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ

ص: 9

ص: 10

الآية الأولى :

اشارة

قوله تعالى : « وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزَى »(1).

استدلال أهل السنّة :

قال الفخرالرازي : « أجمع المفسّرون منّا على أن المراد منه أبوبكر(2)... أمّا دلالته العقلية : إنَّ المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق ، لقوله تعالى : « إنّ أكرمكم عنداللّه أتقيكم » والأكرم هو الأفضل ، فدلّ على أنّ كلّ من كان أتقى ، وجب أن يكون أفضل ، فإذا كان كذلك ، وجب أن يكون المراد هو أبوبكر ، لأنّ الأُمّة مجتمعةٌ على أنّ أفضل الخلق بعد رسول اللّه! إِمّا أبوبكر أو عليّ(3) ، ولايمكن

ص: 11


1- سورة الليل ، 17 و 18 و19.
2- واعلم أن الشيعة قاطبةً يُنكرون هذا القول ويقولون أنّها نزلت في حقّ عليّ عليه السلام.
3- لكنّ الأمر ليس كذلك إذ أنّ جماعةً كثيرةً وعددا هائلاً من الصحابة والتابعين كانوا يفضّلون عليّا على أبي بكر مثل سلمان وأبيذر والمقداد وخبّاب وجابر وأبيسعيد الخدري وزيد بن أرقم وعامر بن وائلة وغيرهم. إذن فالإجماع على أفضلية أبي بكر غير محقّق من المفسرين . راجع كتاب « السلف والسلفيون » ، ص 79 و80.

حمل هذه الآية على عليّ بن أبي طالب عليه السلام لأنه قال في صفة هذا الأتقى : « وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزَى » وهذا الوصف لا يصدق على عليّ بن أبي طالب لأنه كان في تربية النبيّ لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربّيه ، وكان رسول اللّه منعما عليه نعمةً يجب إجزاؤها. أمّا أبوبكر فلم يكن للنبيّ عليه الصلاة والسّلام عليه نعمة دنيويّة ، بل أبوبكر كان ينفق على الرسول ، فعلمنا أنّ هذه الآيةلا تصلح لعليّ بن أبي طالب وتَعَيَّن حملها على أبي بكر »(1).

وبه استدلّ الإيجي في المواقف والتفتازاني في المقاصد(2).

ردّ الإستدلال :

اولاً :

إنّ الاستدلال بهذه الآية على إمامة أبي بكر يتوقّف أوّلاً على سقوط الأدلّة التي أقامها الإماميّة على عصمة عليّ عليه السلام وعدم تماميتها وإلا فالمعصوم أكرم عند اللّه سبحانه وتعالى ، ويتوقّف ثانيا على نقض ما استدل به على أفضليّة عليّ عليه السلام وإلا - فمع فرض صحة هذا الاستدلال وحجّية الحديث الوارد بعد هذه الآية - يتعارضان ، فيصبحان حجّتين متعارضتين فيتساقطان ، ولا تبقى بعدها في الآية دلالة على إمامته(3).

ثانيا :

تمامية الاستدلال متوقّفٌ على صحة القول بنزولها في أبي بكر ، والحال أنّ الأمر محلّ خلافٍ حتّى بين مفسّري أهل السنّة ، فمنهم من حمل الآية على العموم ومنهم من قال بنزولها في قصّة أبي الدّحداح وصاحب النخلة(4) ومن هنا

ص: 12


1- التفسير الكبير ، ج 31 ، ص 204.
2- المواقف ، ص 407 و 408 ؛ المقاصد ، ص 291.
3- محاضرات في الاعتقادات ، ج 1 ، ص 342.
4- الكشف والبيان ، ج 10 ، ص 221.

نسب القول بذلك في « المواقف » إلى أكثر المفسرين فالقول بنزول الآية المباركة في أبي بكر هو أحد الأقوال الثلاثة عندهم.

ثالثا :

يتوقّف استدلالهم على صحّة سند الخبر الوارد ، وإذا لم يتمّ الخبر الدالّ على نزول الآية في أبي بكر ، فإنّ هذا القول سينتقض وإذا راجعنا المصدر الذي ذُكر فيه الخبر ، نرى أنّ الحافظ الهيثمي ينقل الرواية عن الطبراني ثم يقول : « فيه - أي في سنده - مصعب بن ثابت ، وفيه ضعف »(1). وقال عثمان الدارمي عن ابن معين أيضا إنّه ضعيف وقال أبوحاتم إنّه صدوق كثير الغلط ليس بالقوي ، وقال النسائي - بعد ذكر حديث منكر عنه - إنّه ليس بالقوي في الحديث(2).

رابعا :

أنّ الخبر منقول عن آل الزبير ، ومصعب هذا هو حفيد عبداللّه بن الزبير ، وبالتالي هو حفيد أبي بكر أو سبطه من أسماء ، فهو يريد الفخر لجدّه لأمّه ،(3) كما أنّ انحرافهم عن أهل البيت عليهم السلام وعداءهم لعليٍ عليه السلام معروفٌ.

يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة - في سيرة عروة بن الزبير(4) الذي هو أخٌ لعبد اللّه بن الزبير وأحد رواة هذا الخبر - :

ص: 13


1- مجمع الزوائد ، ج 9 ، ص 51. ومصعب بن ثابت وإن رووا له من كثرة الصلاة حتى أنّه كان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة ويصوم الدهر وكان من أبلغ أهل زمانه ولكن لم يرو له البخاري ولا مسلم وضعّفه أحمد وعن ابن حبان : منكر الحديث استحق لذلك مجانبة حديثه. وعن يحيى : ليس بشيء وعن أبي حاتم : لا يحتج به. مات سنة 157 ه. سير ، ج 7 ص 27.
2- تهذيب التهذيب ، ج 8 ، ص 188 و 189.
3- السلف والسلفيون ، ص 69.
4- قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبدالملك ومعه محمّد بن عروة فدخل محمد دار الدواب فضربته دابة فخرّ ميتا ووقعت في رجل عروة الآكلة، ولم تدع وركه تلك الليلة فقال له الوليد: اقطعها، فقال: لا. فترقّت الى ساقه، فقال له: اقطعها والاّ افسدت عليك جسدك فقطعها بالمنشار وهو شيخ كبير لم يمسكه أحد. وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا (بحارالأنوار، ج 46، ص117.

« وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنّه كان يأخذه الزَّمع(1) عند ذكر عليّ عليه السلام ، فيَسُبُّه ويضرب بإحدى يديه على الأُخرى ويقول : وما يغني أنّه لم يخالف إلى ما نهي عنه وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق »(2)!

وأيضا يقول : روى الزهري(3) أنّ عروة بن الزبير حدّثه ، قال : حدثتني عائشة قالت : كنت عند رسول اللّه إذ اقبل العبّاس و عليّ ، فقال يا عائشة إنّ هذين يموتان على غير ملّتي »(4).

خامسا :

إنّ عائشة تنفي نزول الآية فيهم ، حيث قالت : لم يُنزّل اللّه فينا شيئا من القرآن(5).

سادسا :

يُردّ على قول الرازي الذي ادّعى أنّ أبا بكر هو الأتقى :

ص: 14


1- أي رعدة تعتري الانسان إذا هَمَّ بأمرٍ (لسان العرب ، ج 3 ، ص 199.
2- شرح نهج البلاغه ، ج 4 ، ص 287.
3- روى عبدالرزاق عن معمّر أنّه قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في عليّ عليه السلام ؛ فسألته عنهما يوما ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما! اللّه اعلم إني لاتهمهما في بني هاشم. شرح نهج البلاغه ، ج 4 ، ص 283 ؛ قاموس الرجال ، ج 7 ، ص 194. روى المسعودي عن حماد بن سلمة ، قال : كان عروة بن الزبير يعذّر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إيّاهم في الشعب وجمعه الحطب لتحريقهم ، ويقول : إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته ، كما أرهب بني هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم في ما سلف. مروج الذهب ، ج 3 ، ص 90. وضع معاوية قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة على عليٍ عليه السلام ، بحارالأنوار ، ج 33 ، ص 215. محمد بن شيبه : شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّا فنالا منه فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهماالسلام فجاء حتّى وقف عليهما فقال : أمّا أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك. وأمّا أنت يا زهري فلو كنت بمكّة لأريتك كرامتك ، بحارالأنوار ، ج 46 ، ص 143 ؛ شرح نهج البلاغه لإبن أبي الحديد ، ج 4 ، ص 309.
4- المصدر السابق ، ج 4 ، ص 283.
5- صحيح البخاري ، ج 6 ، ص 237.

1 - إنّه إن أراد بالأتقى مَن كان أتقى مِن جميع المؤمنين عند نزول الآية ، فينحصر في النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وإن أراد التخصيص بأنّه أتقى مِن بعض المؤمنين ، فلا يلزم من هذا القول أفضلية أبي بكر وأكرميّته على وجه الإطلاق ، وتفضيله على عليّ عليه السلام ، وعموما إذا تطرق التخصيص في الأتقى سقط الاستدلال بظاهر المقال.

2 - إن كان المراد بقوله تعالى « وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزَى » أن لا تكون عند هذا الأتقى نعمة يُكافَأُ عليها ، فلا نُسلِّم أنّ أبابكر كان بهذه المثابة ، إذ الظاهر أنّه لا يوجد شخص لا يكون لأحدٍ عليه حقُّ نعمةٍ من طعامٍ أو شرابٍ ونحوهما مع أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أيضا لم يُستثن من ذلك لأنّه كان في حِجْر عمّهِ أبي طالب عليه السلام ، والقول بأنّ مثل ذلك - أي الطعام والشراب - ليس نعمةً تُجزى ، مكابرةٌ ظاهرةٌ ، وغاية الأمر أن يكون جزاؤه أقل.

وكما أنّ عليّا عليه السلام كان في حِجْر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، كان أبو بكر في حِجْر والديهِ ، والفرق بين التربيتين تحكُّمٌ صِرفٌ ، لا يقول به إلا بليدٌ أو مكابرٌ عنيدٌ.

وإن كان المراد به أن لا يكون عنده لأحدٍ من الذين آتاهم النعمة ، نعمةٌ تُجزى ، كما هو الظاهر ويدلّ عليه سياق الآية كذلك أي لم يفعل الأتقى ما يفعل من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل اللّه « إلا ابتغاء وجه ربّه الأعلى » ، فلا نسلِّم أنّ المراد به غير عليٍّ عليه السلام خصوصا مع وجود القرائن والأدلّة(1).

سابعا :

قوله : « بل أبو بكر كان ينفق على الرسول » ، يَرِدُ عليه :

1 - لم يكن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم محتاجا لأموال أبي بكر ، كما صرّح بذلك ابن تيميّة(2).

توضيحه : أمّا قبل زواج النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم بخديجة عليهاالسلام فلأنّه صلى الله عليه و آله وسلم كان تحت كفالة

ص: 15


1- الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة ، ص 285 و 286.
2- منهاج السنة ، ج 4 ، ص 448 ، قال : « إن إنفاق أبيبكر لم يكن نفقة على النبي في طعامه وكسوته ، فإنَّ اللّه قد اغنى رسوله عن مال الخلق اجمعين... ».

أبي طالبٍ عليه السلام ، وأمّا بعد الزواج بها فقد كانت أموالها تحت تصرّفه ، هذا قبل الهجرة.

وأمّا بعد الهجرة ، فغاية ما قيل في أموال أبي بكر ، أنّه إنّما كانت عنده من مكّة إلى المدينة ، ستة آلاف درهمٍ ؛ وما قيمة هذا المبلغ مقابل صرفيّات الدولة الإسلاميّة الهائلة وميزانيّتها ؟!

2 - لم يثبت في التأريخ إنفاق أبي بكر على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم والحكومة الاسلاميّة غير تقديمه راحلة واحدة حيثُ أخذ ثمنها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، كما ورد عن ابن سعد وابن هشام والبخاري والطبري وابن كثير(1).

3 - إنّ الأحاديث المنقولة في ثراء أبي بكر مفتعلةٌ وموضوعةٌ سندا.

روي عن عائشة : « فخرت بمال أبي في الجاهلية ، وأنه كان ألف ألف أُوقيّة ، فقال لي النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : اسكتي.... ».

يردُ عليه أولاً :

في السند إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الناصبي ، وبغضه لعليّذ بن أبي طالب والعترة الطاهرة عليهم السلام معروفٌ(2).

ثانيا :

علّق الذهبي على كلام عائشة بقوله : « قلت : (ألف) الثانيةُ باطلةٌ قطعا ، فإنّ ذلك لا يتهيّأ لسلطان العصر ».

ثالثا :

إنّ عائشة لم تُدرك العهد الجاهلي - لكي تفتخر بمال أبيها - لأنّها وُلدت بعد البعثة النبويّة بأربع أو خمس سنين على ما قيل(3).(4)

ص: 16


1- الطبقات الكبرى ج 1 ، ص 154 ؛ السيرة النبوية ، ج 2 ، ص 99 ؛ صحيح البخاري ج 5 ، ص 156 ؛ تاريخ الطبري ، ج 2 ، ص 274 و 275 ؛ البداية والنهاية ، ج 3 ، ص 142.
2- ميزان الاعتدال ، ج 1 ، ص 76 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 1 ، ص 199.
3- الاصابة ، ج 8 ، ص 231.
4- راجع السلف والسلفيون ، ص 80 و81.

الآية الثانية :

اشارة

قوله تعالى : « وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُ-مَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ »(1).

استدلال اهل السنّة :

قال التفتازاني والقاضي عبدالجبار ما ملخّصه :

« التمكين والاستخلاف الذي وعده اللّه من آمن وعمل صالحا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وُجِد في أيّام أبي بكر وعمر وعثمان حصرا ، لأنّ الفتوح كانت في أيّامهم وهم فتحوا بلاد العرب والعجم من الشام ومصر ومدائن كسرى والمغرب وغيرها ، ولم يكن لغيرهم الفتوح ؛ ولو كان لغيرهم أيضا لوجب كون الآية متناولة للجميع. فإذا علمنا أنّ هذا التمكين والاستخلاف الذي تضمنته هذه الآية يكون لهؤلاء الأئمة والأصحاب ، علمنا أيضا أنّهم محقّون »(2).

ص: 17


1- سورة النور ، 55.
2- المغني ، ج 20 ، ص 326 ؛ المواقف ، ص 406.

وإليه ذهب بعض المفسرين :

قال الثعلبي في تفسيره : « وفيها دلالةٌ واضحةٌ على صحّة خلافة أبي بكر الصّدّيق وإمامة الخلفاء الراشدين.

روى سعيد بن جهمان عن سفينة(1) : قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : الخلافة من بعدي ثلاثون ، ثمّ يكون ملكاً. قال سفينة : أمسك الخلافة أبو بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان إثنتي عشرة وعليّ ستّة »(2).

وقال الفخر الرازي - بعد الكلام في اختصاص الاستخلاف بالإمامة - : « ومعلوم أنّ بعد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم الاستخلاف الذي هذا وصفه : إنّما كان في ايام أبي بكر وعمر وعثمان ، لأنّ في أيّامهم كانت الفتوح العظيمة وحصل التمكين وظهور الدين والأمن ، ولم يحصل ذلك في أيّام عليٍ رضى الله عنه لأنّه لم يتفرّغ لجهاد الكفّاراشتغاله بمحاربة من خالفه من أهل الصلاة ، فثبت بهذا دلالة الآية على صحة خلافة هؤلاء »(3).

نُجيب على ذلك :

أوّلاً :

ما ذكروه في معنى الإستخلاف - وترتّب الإمامة عليه - هو ادعاءٌ بلا دليل وتحكُّمٌ يحتاج إلى دليلٍ لإثباته.

ثانيا :

إنّ الآية مشروطة بالإيمان ، فيجب على من ادّعى تناولها القوم أن يبيّن

ص: 18


1- لقب مولى رسول اللّه قيس وقيل نجران وقيل رومان وقيل مهران ، وكنيته المشهورة أبو عبدالرحمن ، وسبب تسميته سفينة أنه حمل متاعا كثيرا لرفقائه في السفر فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « أنت سفينة ». وقال الذهبي : أعتقته اُم سلمة. مرآة العقول ، ج 5 ، ص 368 و 369.
2- الكشف والبيان ، ج 7 ، ص 115.
3- التفسير الكبير ، ج 24 ، ص 25.

إيمانهم بغير الآية(1).

ثالثا :

ليس المراد بالاستخلاف هاهنا الإمامة والخلافة على ما اعتقدوه ، بل المعنى فيه بقاؤهم على إثر من مضى مِن القوم وجعلهم بدائل عنهم وخلفا. ومن ذلك قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ في الْأَرْض ِ »(2) وقوله : « عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ... »(3) وقوله تعالى : « وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم مَايَشَاءُ »(4).

وقد ذكر أهل التأويل في قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ اَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ... »(5) أنّ المراد به كون كلّ واحدٍ منهما خلف صاحبه. ومن

المعلوم أنّ هذا الاستخلاف والتمكين في الدين لم يتأخر الى أيّام أبي بكر وعمر على ما اعتقده القوم ، بل كان في أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم حين قمع اللّه اعدائَه وأعلا كلمته ونشر رايته وأظهر دعوته وأكمل دينه ، ونعوذ باللّه أن نقول : إنّ اللّه لم يُكمل دينه لنبيه في حياته ، لكي يتلافى ذلك مَن يأتي بعده!

وهذا المعنى للاستخلاف قال به الزمخشري أيضا في تفسيره(6).

ثمّ إنّ حمله على المعنى الذي ذكرناه أقرب وأوفق بظاهر الآية ، لأنّه إذا حُمِل على الإمامة لم يعمّ جميع المؤمنين ، وإذا حُمِل على المعنى الذي ذكرناه عَمّ جميع المؤمنين(7).

ص: 19


1- الشافي ، ج 4 ، ص 45.
2- سورة الإنعام ، 165.
3- سورة الاعراف ، 129.
4- سورة الانعام ، 133.
5-
6- 5 سورة الفرقان ، 62. الكشاف ، ج 3 ، ص 251.
7- لإن لازم قوله تبارك وتعالى : « وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » أنّ الاستخلاف - في أيّ معنىً من معانيه - يشمل جميع مَن آمن وعمل الصالحات مِن مخاطبي الآية.

رابعا :

نحن نقول أيضا بأنّ المراد بالاستخلاف - في الآية - يعني الإمامة ، ولكن يجب عليهم أن يثبتوا صحّة مدّعاهم ، أي أنّ أئمتهم هم أئمّة الحقّ وخلفاء الرسول صلى الله عليه و آله وسلملكي تشملهم الآية ، وهذا أوّل الكلام(1) بل الاستدلال بالعكس أى بالاستخلاف على الحقانية .

خامسا :

إنّ كثرة الفتوح والغلبة على البلدان لا تعني التمكين المطلق ، لأنّ ذلك يوجب أنّ دين اللّه تعالى لم يستقوِ في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، من بسط نفوذه بل تمكن من ذلك في زمن الخلفاء ، وذلك : لعلمنا ببقاء بلادٍ كثيرةٍ لم يتمكّن مسلموا عهد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم من فتحها ولأنه يوحي أيضا بأنّ الدين قد استقوى في أيّام معاوية ومَن بعده مِن بني أُمية أكثر ممّا كان عليه أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله وسلموأبي بكر وعمر ، لأنّ بني أُمية فتحوا بلادا لم تُفتح قبلهم(2).

سادسا :

لو كانت هذه الآية دالّة على خلافة أبي بكر ، لكانت خلافته مستندةً لقوله تعالى : « لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ » ، لكنّ خلافة أبي بكر لم تكن بنصبٍ من اللّه ولا بنصٍّ ، بل الخلافة عند القوم ليست بالنصب بل بتعيين وانتخاب من الناس.

سابعا :

إنّ هذه الآية ترتبط بأيام المهدي عليه السلام ودولته ، كما يعتقد بعض المفسرين ، وهناك روايات في ذلك(3).

ردّ اجوبة الرازي :

وقد أجاب الرازي على الإشكالات الواردة على استدلاله بكلامٍ قابلٍ للنّقاش. فإليك كلامه ثمّ جوابنا عنه :

ص: 20


1- الشافي في الإمامة ، ج 4 ، ص 46.
2- المصدر السابق ، ج 4 ، ص 46.
3- ينابيع المودة ، ج 3 ، ص 245 ؛ عن المحجّة. أُنظر معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام، ج 7، ص 400 .

إذ يقول :

1 - إن قيل : الآية متروكة الظاهر ، لأنّها تقتضي حصول الخلافة لكلّ من آمن وعمل صالحا ولم يكن الأمر كذلك.

نُجيب عليه : إنّ كلمة « من » للتبعيض ، فقوله

« منكم » يدلّ على أنّ المراد بهذا الخطاب بعضهم.

2 - وإن قيل : لِم لا يجوز أن يكون المراد من قوله « ليستخلفنهم » هو أنّه تعالى يُسكنهم الأرض ويُمكّنُهم من التصرّف ، لا أنّ المراد منه خلافة اللّه تعالى ، ويدلّ عليه قوله « كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ » واستخلاف من كان قبلهم لم يكن بطريق الإمامة ، فوجب أن يكون الأمر في حقّهم أيضا كذلك.

نُجيب عليه : إنّ الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصلٌ لجميع الخلق ، فالمذكور هاهنا في الحقيقة هو في معرض البشارة ، ولابد أن يكون مغايرا لما ذكرتموه. وأمّا قوله تعالى : « كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ » فالذين كانوا قبلهم كانوا تارةً خلفاء بسبب النبوّة ، وتارةً بسبب الإمامة ، والخلافة متحقّقةٌ في الحالتين.

3 - وإن قيل : أليس من مذهبكم أنّه عليه الصلاة والسّلام لم يستخلف أحدا ؟! وروي عن عليٍ عليه السلام : انه قال « أترككم كما ترككم رسول اللّه ».

نُجيب عليه : وإن كان من مذهبنا أنّه عليه الصلاة والسّلام لم يستخلف احدا بالتعيين ، ولكنّه قد استخلف بذكر الوصف والأمر بالاختيار. فلا يمتنع في هؤلاء الأئمة الأربعة أن يستخلفهم اللّه تعالى وكذلك فإنّ الرسول استخلفهم أيضا ، فما قيل من أنّه عليه السلام لم يستخلف ، أُريد به على وجه التعيين ، وإذا قيل استخلف ، فالمراد على طريقة الوصف والأمر.

4 - وإن قيل : لِمَ لايجوز أن يكون المراد منه عليّا عليه السلام ، والواحد قد يعبر عنه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم كقوله تعالى : « إِنَّا انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وقال في

ص: 21

حقّ عليّ عليه السلام : « وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ». نُجيب عليه : إنّ حمل لفظ الجمع على الواحد مجازٌ ، وهو خلاف الأصل.

5 - وإن قيل : لِمَ لا يجوز أن نحمل الآية على الأئمة الاثني عشر ؟

نُجيب عليه : إنّه باطل لوجهين ، أحدهما : إنّ قوله تعالى « منكم » يدلّ على أَنّ هذا الخطاب كان مع الحاضرين ، وهؤلاء الأئمة ما كانوا حاضرين. والثاني : أنّه تعالى وعدهم القوّة والشوكة والنفاذ في العالم ولم يوجد ذلك فيهم. فثبت بهذا صحة امامة الأئمة الاربعة وبطل قول الرافضة »(1).

مناقشة هذه الاجوبة :

اشارة

1 - قوله : « إنّ كلمة مِن للتبعيض... »

فيه : إنّ هذا ادّعاءٌ بلا دليلٍ ومصادرةٌ للمعنى ، فثمّة آراء مخالفة لرأيه. قال الزمخشري : « وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ... » الآية. الخطاب لرسول اللّه ولمن معه و« منكم » للبيان كالتي في آخر سورة الفتح »(2) والآية التي في آخر سورة الفتح وأشار اليها الزمخشري ، قال فيها ابن هشام أيضا : « وعد اللّه الذين آمنوا وعملو

الصالحات منهم مغفرة... والحقّ أنّ مِن للتبيين لا للتبعيض »(3).

2 - قوله : « إنّ الاستخلاف بالمعنى الذي ذكرتموه حاصلٌ لجميع الخلق.... »

فيه : ما الدليل على أنّ الاستخلاف - أي الإسكان في الأرض والتمكّن من التصرّف - كان حاصلاً للجميع ، حيث قال بعض المفسرين في شأن نزول هذه الآية « لَمّا أُمِر الاصحاب بالهجرة الى المدينة وأُمروا بالقتال وهم على خوفهم

ص: 22


1- التفسير الكبير ، ج 24 ، ص 25.
2- الكشاف ، ج 3 ، ص 251.
3- مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 319.

لا يفارق أحدٌ منهم سلاحه ، فقالوا : أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح ؟! فأنزل اللّه هذه الآية »(1).

ومن المعلوم أنّ الأصحاب بعد إحساسهم بالخوف والفزع ، وُعدوا وبُشّروا بالأمن والتمكّن من التصرّف ، إذن كيف يُدَّعى أنّ هذا الاستخلاف كان حاصلاً لجميع الخلق ؟

3 - قوله : « إنّه وإن كان من مذهبنا أنّه عليه الصلاة والسلام لم يستخلف احدا بالتعيين ، ولكن قد استخلف بذكر الوصف والأمر بالاختيار »

فيه :

أوّلاً :

يجب عليهم أن يثبتوا أنّ تعيين الإمام ممكنٌ بذكر الوصف والنصّ الخفيّ كما يدّعونه.

ثانيا :

قد عُرِّف النصّ الخفيّ بالذي يُدرك بالتأمّل والتدبّر والفكر والنظر ، فنقول أنّ قولهم بالنصّ الخفيّ تناقض وهو باطل لأن النصّ في اللغة يعني المبالغة في إظهار المعنى الذي هو عبارة عن الصراحة والوضوح ، فإذا كان النصّ هو الإظهار والبيان ، فهو يناقض قول القائل : نصٌّ خفيٌ ، لأنّه حينئذٍ بمنزلة قول من قال : ظاهرٌ خفيٌ وواضحٌ غامضٌ وهذا متناقضٌ باطلٌ(2).

ثالثا :

لَمّا كانت بيعة أبي بكر فلتةً(3) - والفلتة هي كلّ شيء فُعِل من غير تدبّرٍ ولا تروٍّ ، أي فُجأةً - كأنّهم استعجلوا في نصبه خوف الفتنة ، فهذا يدلّ على أنّها لم تكن بنصٍّ من النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم صريحٍ ولا بنصٍّ خفيٍّ لأنّ بيعته لو كانت مأمورا بها تصريحا أو تلميحا بذكر الوصف عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لكانت بتدبيرٍ ولم تكن فلتةً(4).

ص: 23


1- معالم التنزيل للبغوي ، ج 4 ، ص 122 ؛ الكشاف ، ج 3 ، ص 251.
2- الفصول في الاصول للجصّاص ، ج 4 ، ص 76.
3- مستندا الى قول عمر : إنّ بيعة ابي بكر فلتة ولكن اللّه وقى شرها : صحيح البخاري ، ج 8 ، ص 302.
4- مسائل خلافية حار فيها أهل السنة ، ص 53.

رابعا :

فإن كان النصُّ الخفيُ معتبرا ، فالنصُّ الجليُ - وهو الغدير - أكثر اعتبارا ودلالةً ، فكيف يوخذ بالخفيّ ويترك الجليّ!! كما أشار الإربلي الى ذلك قائلاً : « ومن أغرب الأشياء وأعجبها أنّهم يقولون أنّ قوله صلى الله عليه و آله وسلم في مرضه : « مروا أبا بكرٍ يصلّي بالناس » نصٌّ خفيٌّ في توليته الأمر وتقليده أمر الأُمة ، وهو على تقدير صحته لا يدلّ على ذلك، ومتى سمعوا حديثا في أمر عليٍ عليه السلام نقلوه عن وجهه وصرفوه عن مدلوله وأخذوا في تأويله بأبعد محتملاته ، منكّبين عن المفهوم عن صريحه أو طعنوا في راويه وضعّفوه وإن كان من أعيان رجالهم وذوي الأمانة في غير ذلك عندهم »(1).

4 - قوله : « حمل لفظ الجمع على الواحد مجاز وخلاف الاصل »

نحن لا نُنكر أن هذا الاستعمال خلاف الأصل ، ولكن يجب الذهاب اليه بمعونة القرائن والأدلّة.

من جملة تلك القرائن ، الرواية التي ذُكرت عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » فقال أبو بكر أنا هو يا رسول اللّه قال صلى الله عليه و آله وسلم : لا « قال عمر أنا هو يا رسول اللّه قال صلى الله عليه و آله وسلم : « لا ، ولكنّه خاصف النعل - يعني عليّا(2) - » فيتبيّن أنّ التمكين وظهور الدين والأمن إنّما حصل في أيّام عليّ عليه السلاملا في أيّام الخلفاء الثلاثة ، لأنّ حربه عليه السلام كحرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلممأمور بهامن اللّه سبحانه دون حربهم.

ومنها : أنّ الآية صريحة بتمكين الخليفة من دين اللّه الذي ارتضاه ، وهو فرعد العلم بالدين كلّه » والخلفاء ليسوا كذلك ؛ إذن هناك قرينة عقلية مانعة عن نزول الآية في الثلاثة.

ص: 24


1- كشف الغمة ، ج 1 ، ص 286.
2- مجمع الزّوائد ، ج 5 ، ص 186 ؛ وبهذا المضمون في : مسند احمد بن حنبل ، ج 3 ، ص 501 ، ح 11364.

5 - قوله : « حمل الآية على الأئمة الاثني عشر باطلٌ لوجهين :

الأوّل :

اشارة

قوله تعالى « منكم » يدل على أنّ هذا الخطاب كان مع الحاضرين وهؤلاء الأئمة لم يكونوا حاضرين ».

وفيه :

أوّلاً :

إنّ آيات الخطاب في القرآن الكريم تشمل الغائبين أيضا كقوله :

1 - « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّه ِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً »(1).

2 - « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالَّثمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ »(2).

3 - « آمِنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ »(3).

ثانيا :

إنّ ما ذكره ليس في محلّه لصحة خطاب الجمع بحضور البعض ، تغليبا للحاضرين على الغائبين ، فلا يكون عدم حضور بعض أئمتنا الاثني عشر مانعا من الوعد لهم ، لا سيّما وقد حضر عظماؤهم ، وهم أميرالمؤمنين والحسنان عليهم السلام(4)

الثاني :

اشارة

إنّه تعالى وعدهم القوة والنفاذ والشوكة ولم يوجد ذلك فيهم »

وفيه :

أوّلاً :

بناءا على اختصاص الخلفاء الثلاثة بالآية لنفاذهم وقوتهم وما إلى ذلك ،

ص: 25


1- سورة النساء ، 59.
2-
3- 2 سورة البقرة ، 155. سورة الحديد ، 7.
4- دلائل الصدق ، ج 5 ، ص 386 و 387.

نقول : لم يكن هذا النفاذ الذي ادّعيتموه في زمن الخلفاء وفي زمن عثمان موجودا حيث أنّه قُتل في بيته في أيّام إمارته وحكومته بيد المسلمين.

ثانيا :

إنّ هذا التطبيق والتفسير يستلزم أن يكون الخلفاء أعلا مرتبةً وشأنا من النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لأنّه لم يكن له صلى الله عليه و آله وسلم هذا النفاذ والتمكن الذي كان على عهد الخلفاء!!

والنتيجة :

أنّه بعد هذه الإشكالات ، لا يمكنهم الإستدلال بالآية الكريمة على أن الخلفاء محقّون في الخلافة - على ما قاله عبدالجبار - ولا إثبات خلافتهم وإمامتهم - على ما قاله الرازي - فلابدّ أن يأتوا بأدلة أخرى وسوف تعرف أنّ تلك الأدلة أيضا لا تدل على مطلوبهم ولا تثبت ذلك .

ص: 26

الآية الثالثة :

اشارة

« إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللّه ِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّه ُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »(1).

قد استدلوا بهذه الآية على فضائل موهومة كثيرة لأبي بكر.

والبحث في مقامين :

الأوّل : هل أنّ أبا بكر هو صاحب الغار ؟

الثّاني : هل تدلّ الآية على فضيلته ؟

أمّا المقام الأوّل :

هل كان أبو بكر مُرافقا للنبي صلى الله عليه و آله وسلم في الغار حقّا ؟

إنّ هذا الأمر يمكن التشكيك فيه استنادا للادلّة التالية :

ص: 27


1- سورة التوبه ، 40.

الدليل الأوّل :

صلاة أبي بكر خلف سالم مولى أبي حذيفة في مسجد قبا قبل قدوم النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

أ - عن ابن عمر : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأوّلين وأصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم في مسجد قبا وفيهم أبو بكر و عمر(1).

إن قيل : لا وجه لهذا الاشكال لأنّ الرواية دالّة على إمامته في الصلاة بعد قدوم النبي

صلى الله عليه و آله وسلم إذ المسجد في قُبا بُنِيَ بعد قدومه صلى الله عليه و آله وسلم ، مضافا إلى ذلك دلالة لفظ « كان » على استمرار الصلاة بإمامة سالم في مسجد قبا.

قلنا :

أوّلاً : يحتمل أن يكون المراد بلفظ المسجد « موضع المسجد » باعتبار مايكون وما يبنى في هذا المكان ، الشاهد على ذلك ما نقله الزركلي :

« ... وهو من السابقين إلى الاسلام كان يؤم المهاجرين الأوّلين قبل الهجرة في مسجد قبا وفيهم أبو بكر وعمر »(2).

ولا شكَّ في عدم وجود مسجد في قبا قبل الهجرة ، ومع ذلك جاء التعبير بالمسجد في هذه الرواية.

ثانيا : ما قاله بعض أعلامهم في ذيل الحديث من التوجيه الذي يدلّ على أساس هذا المطلب :

أ - قد ورد في كتاب « عمدة القاريء » : « فإن قلت : عَدُّ أبي بكر في هؤلاء مشكلٌ جداً ، لأنّه إنّما هاجر في صحبة النبيّ ، قلنا : لا إشكال إلاّ على قول ابن عمر أنّ ذلك كان قبل مجيء النبيّ ، وأجاب البيهقي بأنّه يحتمل أن يكون سالم قد

ص: 28


1- صحيح البخاري ، ج 9 ، ص 128 ؛ المدونة الكبرى ، ج 1 ، ص 119 ؛ المحلى ابن حزم ، ج 3 ، ص 123.
2- الاعلام ، ج 3 ، ص 73.

استمر بإمامتهم بعد أن انتقل النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى المدينة ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده فيها ، فيحتمل أن يقال : وكان أبو بكر يصلّي خلفه عندما جاء إلى قبا »(1).

ب - قال البيهقي : كذا قال في هذا وفيما قبله ، وفيهم أبو بكر وعمر ، ولعلّه في وقت آخر. فإنّه إنّما قدِم أبوبكر مع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ويحتمل أن تكون إمامته إيّاهم قبل قدومه وبعده ، وقول الراوي « وفيهم أبو بكر » أراد به بعد قدومه. واللّه أعلم(2).

إنّ هذا التوجيه من البيهقي دليلٌ وشاهدٌ قويٌ على أنّ ظاهر العبارة هو أنّ أبا بكر هاجر إلى المدينة قبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وإلاّ فلا صحّة لكلام البيهقي وتوجيهه.

ثالثا : أمّا استمرار إمامة سالم في الصلاة بدلالة لفظ « كان » فصحيح ، ولكن ابتداء هذا الأمر كان قبل قدوم النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، كما يلي :

أ - ... وكان سالم مولى أبي حذيفة يؤمّ المهاجرين بقبا قبل أن يقدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم(3).

ب - كان سالم يؤمّ المهاجرين بقبا وفيهم عمر ، قبل أن يقدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم(4).

ج - عن ابن عمر قال : لمّا قدم المهاجرون الأوّلون العصبة - موضع في قبا - قبل مقدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، كان يؤمهم سالمٌ مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا(5).

إذن يعرف من الجمع بين هذه القرائن أنّ أبا بكر صلّى خلف سالم بقبا وأنّ إمامة سالم كانت قبل قدوم النبي صلى الله عليه و آله وسلم .فأبو بكر قدم مع المهاجرين الأوائل العصبة - موضعٌ في قبا - وصلّى خلف

ص: 29


1- عمدة القارئ¨ في شرح صحيح البخاري ، ج 24 ، ص 254.
2- السنن الكبرى ، ج 3 ، ص 89.
3- الطبقات الكبرى ، ج 1 ، ص 153.
4- سير اعلام النبلاء ، ج 3 ، ص 107.
5- صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 281 ؛ السنن الكبرى ، ج 3 ، ص 89.

سالم قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه و آله وسلم(1).

رابعا : بعد التحقيق في الروايات الواردة في قدوم الصحابة إلى قبا والصلاة خلف سالم ووحدة السياق في جميع الالفاظ إلاّ لفظ « مسجد قبا أو بقبا » و« فيهم أبو بكر وعمر أو عمر وغيره » ، نستنتج ما يلي :

كلُّ خبيرٍ بإمكانه أن يحتمل التغيير والتصرّف في ألفاظ هذه الروايات كما عمل بعض المتأخّرين من مؤلّفي العامة في كتبهم ، حتّى في الطبعات الجديدة من كتب المتقدمين ، مثل ما حذف من صحيح البخاري وغيره من الكتب.

فعلى هذا نقول : على ما قاله البيهقي والعيني في عمدة القارئ¨فيتوجيههذا الخبر واحتمال التغيير والتصرّف في ألفاظ الخبر ، فإنّ احتمال حضور أبي بكر في الصلاة خلف سالم بقبا قبل قدوم النبيّ قويّ جدّا ، ممّا يوجب الترديد في حضوره مع النبيّ في الغار ومصاحبته ، فلا يمكن الاستدلال بهذه الآية على فضيلته.

الدليل الثاني :

عدم احتجاج أبي بكر بهذه الآية ادّعاءا لأفضليّته في أيّ موقفٍ من المواقف المهمّة ، سيّما في واقعةٍ مهمّةٍ مثل الاجتماع الذي عُقِد في السقيفةوالنزاع في تعيين الخليفة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، يؤيّد القول بعدم اعتقاد أبي بكر بهذه الفضيلة بل وعدم ادّعائه نسبة الآية لنفسه ؛ اذ غاية ما احتجّ به لأفضليته في السقيفة هذه العبارة :

« ... فكنّا معاشر المهاجرين أوّل الناس إسلاماً والنّاس لنا فيه تبع ونحن عشيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنسابا ؛ ليست قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة(2).

ص: 30


1- حلية الأولياء ، ج 1 ، ص 177.
2- الإمامة والسياسة ، ج 1 ، ص 23 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 176.

الدليل الثالث :

لم ير القافي وغيره أثرا غير أثر قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في تعقيبه حتّى انتهى إلى غار ثور ، استنادا لما يلي :

أ - ... وذكر أبو سعد في شرف المصطفى أنّ المشركين كانوا استأجروه لمّا خرج النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مهاجرا ، فقفى أثره حتى انتهى إلى غار ثور ، فرأى نسج العنكبوت على باب الغار فقال : « ههنا انتهى أثره ثمّ لا أدري ؛ أخذ يميناً أو شمالاً أو صعد الجبل » ، وهو الذي قال حين نظر الى أثر قدم النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « هذا القدم من تلك القدم التي في المقام »(1).

ب - وكرزٌ هذا هو الذي قفا أثر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ليلة الغار ، فلما رأى عليه نسج العنكبوت قال : « ههنا انقطع الأثر... »(2).

ج - ... كرز بن علقمة... الذي قفا أثر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حتّى انتهى إلى الغار ، ورأى عليه نسج العنكبوت وعشّ الحمامة ببيضها فرخوا عنه(3).

الدليل الرابع :

اعتراف عائشة بنت أبي بكر بعدم نزول أيّ آيةٍ فيهم ، إذ قالت : « ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن ، إلاّ أنّ اللّه أنزل عذري »(4) ؛ اشارة إلى الإفك الذي نراه

في ماريّة لا عائشه.

والجدير بالذكر أن هذا الاعتراف منها كان في جمعٍ من الصحابة ، وسيّما بعض الحاضرين من أولاد أبي بكر ، ولكن لم يعترض عليها احدٌ منهم.

أليس من الواجب على كلّ عالمٍ منصفٍ أن يُجيب على هذا السؤال :

أوَليست آية الغار هي أهمّ فضائل أبي بكر حسب دعواهم ؟

ص: 31


1- الاصابة ، ج 5 ، ص 436.
2- اسد الغابة ، ج 4 ، ص 161.
3- تاريخ ابن خلدون ، ج 2 ، ص 376.
4- صحيح البخاري ، ج 6 ، ص 237 ؛ تفسير ابن كثير ، ج 6 ، ص 284 ؛ الدّرالمنثور ، ج 7 ، ص 444 ؛ فتح القدير للشوكاني ، ج 5 ، ص 30 ؛ البداية والنهاية لابن كثير ، ج 8 ، ص 63.

وألا يجب على الصحابة - الذين يرون عدالة جميعهم - أن يذبّوا عن هذه الفضيلة العظمى ويدفعوا عنها كلّ ريبٍ ؟!... حتّى لا يبقى أيّ شكٍّ وريبٍ فيها ؛ مع أنّ التاريخ والنصوص تحدّثنا عن وجود الترديد والشكّ فيها ، بل انكارها من بعض التابعين!

فلِمَ لا يصحّ أن نستنتج من هذه القرائن عدم الشكّ والترديد بعدم صحبته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في الغار ، أو على اقلّ تقديرٍ عدم كونها فضيلةً له ، بل هذه منقصةٌ له على ما يأتي بيانه.

والشاهد على ذلك ما نُقل عن تابعي جليل القدر وهو محمّد بن جعفر الكوفي المعروف ب« مؤمن الطاق » والذي وصفه الحاقدون ب « الشيطان » بسبب عدم اعتقاده بفضيلة أبي بكر في آية الغار. فإنّهم لم يتحملوا صراحة لهجته في إنكار ارتباط الغار بأبي بكر ، فأخدوا يشتمونه بعباراتٍ تافهةٍ كما هو ديدنهم في سبّ ولعن وشتم من لم يكن على مسلكهم.

ومع الأسف نرى مرةً اُخرى تأثير الحميّة والتعصب في كتمان الحقائق ، بل تحريفها ، مثل ما نقل الذهبي في أحوال « مؤمن الطاق » ، إذ قال :

« محمد بن جعفر الكوفي المعروف بشيطان الطاق ، ذكره ابن حزم في غلاة الرافضة ونقل عن الحافظ : أخبرني النظام وبشر بن خالد قالا : قلنا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق : ويحك أما استحييت لمّا قلت إنّ اللّه لم يقل قط في القرآن : « ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنَا » ، قال : فضحك ضحكاً طويلاً حتّى خجلنا نحن وكأننّا نحن الذين قلنا ذلك! وقيل اسمه محمد بن علي بن النعمان وسيأتي ، وكنيته أبو جعفر... »(1).

أقول : إنّه لم ينكر نزول هذه الآية ، خلافا لما نسبوه إليه واتّهموه بذلك كذبا

ص: 32


1- تاريخ الاسلام للذهبي ، ج 11 ، ص 184 ؛ الوافي بالوفيات ، ج 4 ، ص 78.

وزورا ، بل أنكر شأن نزولها وارتباطها بأبيبكر.

ومع ذلك لا نُصّر على الإنكار ونفي تواجده في الغار. بل أوردنا وجهة نظر المنكرين ، أو المترددين في ذلك ليعلم أن المسألة ليست كما يقولون من القطع واليقين بوجوده في الغار.

وأمّا المقام الثاني : تقريب استدلالهم على فضيلته والجواب عنها

(1) يقال في قوله تعالى : « ثاني اثنين » : أنّه تعالى سمّاه ثاني اثنين فجعله ثاني محمّدٍ صلى الله عليه و آله وسلم لأنّهما كانا في الغار ، وأنّه أحد الأثنين في الفضل ؛ ولا فضل أعظم من كون أبي بكر قرينا للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم.

وقد ادّعَوا أنّه كان ثاني محمّد صلى الله عليه و آله وسلم في أكثر المناصب الدينيّة ، كالدعوة إلى الإسلام وفي الغزوات ، حيث كان أبو بكر يقف في خدمته ولا يفارقه ، فكان ثاني اثنين في مجلسه. ولما مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قام مقامه في إمامة النّاس في الصلاة ، فكان ثاني اثنين. ولما توفّي دفن بجنبه ، فكان ثاني اثنين هناك ايضا »(1).

الجواب :

أمّا قوله تعالى « ثاني اثنين » فليس فيه أكثر من إخبارٍ عن عددٍ ، وهو لا يدلّ على الفضل ، إذ قد يكون الثاني صبيّا أو جاهلاً أو مؤمنا أو فاسقا ، وقد يكون ثانيا لغيره ممن لا يشاركه في الإيمان ، ولا فضل.

إضافةً لذلك فإنّ الفضيلة في القرآن منحصرةٌ بالتقوى : « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّه ِ أَتْقَاكُ-مْ »(2) والعلم والايمان والجهاد .

ص: 33


1- التفسير الكبير ، ج 16 ، ص 64.
2- سورة الحجرات ، 13.

ويزيد العلامة المظفر : أنّه لو كان المراد (الاثنينية) في الفضل والشرف ، لكان النبي بلحاظ أنه المراد باثاني - متأخراً رتبة عن أبي بكر فى الفضل والشرف وهو كفر.

وكذلك فإنّه من الواضح كون الهدف في الآية هو الإشارة إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم كان في موقفٍ حرجٍ ولا يوجد أحد يردّ عنه أو يدفع. أمّا رفيقه ، فبدل أن يخفّف عنه ويشدّ من أزره ، أخذ يزيده إيذاءا وتعبا ، وذلك بسبب حزنه وخوفه ، فقد كان يحتاج إلى من يخفّف عنه ويسلّيه. أو على الأقل ، لم يكن له دورٌ في الدفاع عنه صلى الله عليه و آله وسلم والتخفيف من المشقّات التي يتحمّلها ، فهو قد زاد العدد فحسب إذ صار العدد بوجوده اثنين(1).

إذن ، أين الفضل في هذه القرينية والاثنينية ؟

أمّا قولهم أنّه كان ثاني الرسول في أكثر مناصب الدين ؛ فهو غير صحيحٍ ،بل مبالغةٌ مفرطةٌ ، ونحن هنا نكتفى بردّ الموارد التي ادّعاها القوم من (الاثنينية) مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم :

الأوّل : الاثنينية في الدعوة والإيمان

اُدُّعِى أنّه في نهاية ذلك اليوم الذي أسلم ، أتى بأشراف قبائل قريش... .

نقول :

أوّلاً : إنّ الدعوة فرع الإسلام. فمعنى إثنينيته في الدعوة أنّه هو أوّل من أسلم ولكن روى غير واحدٍ أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين(2).

ص: 34


1- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 548 ؛ الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، ج 4 ، ص 203.
2- تاريخ الطبرى ، ج 2 ، ص 231.

« ... محمّد بن سعد : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاما ؟ فقال : لا ، ولقدأسلم قبله أكثر من خمسين ».

وفي المقابل نرى أنّ أوّل القوم إسلاما هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام لا غيره ، وقد روى حديث سبْقهِ إلى الإسلام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والطيالسي وعبدالرزاق ابن أبي شيبه وإبن سعد البزّار وأبو يعلى والحاكم والطبراني والزهري وابن اسحاق(1) عن جمٍّ غفيرٍ من الأصحاب ، بل قال ابن حجر المكّي : « نقل بعضهم الاجماع عليه... ومن ثمّ يقال فيه كرّم اللّه وجهه »(2).

وقد نقل ابن عبدالبر في رواية انه عليه السلام (عليّا) اوّل مَن أسلم وأنه أول من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ونقل عنه عليه السلام : « لقد عبدت اللّه قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين »(3).

بل أخرج الحاكم عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أوّلكم ورودا عليّ الحوض ، أوّلكم

إسلاما ، عليّ بن أبي طالب »(4) و عن عليّ عليه السلام - فيما أخرجه البلاذري وابن عساكر وغيرهما - : « أنا الصديق الاكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم »(5)(6).

ص: 35


1- انظر دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 310.
2-
3- 2 الصواعق المحرقة ، ص 120. الاستيعاب ، ج 2 ، ص 45.
4- المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 147 ، ح 263. سكت عنه الذهبي في التلخيص ، مع أنّه في حديثٍ آخر يقول : حدّثنا مالك بن دينار ، قال : سألت سعيد بن جبير ، فقلت : يا أبا عبداللّه ، من كان حامل راية رسول اللّه ؟ قال : فنظر إليّ وقال : كأنّك رخيّ البال. فغضبت وشكوت إلى إخوانه من القراء. فقلت : ألا تعجبون من سعيد ؟ أنّي سألته « من كان حامل راية رسول اللّه ؟ » فنظر إليّ وقال : إنّك رخيّ البال. قالوا : إنّك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت ، فَسَلْه ألآن ؛ فسألته ، فقال : كان حاملها علي رضي الله عنه ، هكذا سمعته من عبداللّه بن عباس.
5- أنساب الأشراف ، ج 2 ، ص 379 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 42 ، ص 33.
6- الإمامة في أهم الكتب الكلامية ، ص 270.

وعنه

عليه السلام أيضا : « أنا عبداللّه وأخو رسوله وأنا الصدّيّق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّكذّاب مفترٍ ، لقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »(1).

ثانيا : لو تسامحنا في أنّ هؤلاء من عيون الرجال ، وأنّ قبائلهم من أشرف القبائل - كما أشار ابن ابي الحديد إلى الطعن في انسابهم(2) - فلا نسلّم أنّ إسلامهم كان بدعوة أبي بكر ، كما يشهد له ما ذكره عليّ بن برهان الدين الحلبي في « السيرة الحلبية » وأحمد زيني - المشهور ب « دحلان » - في « السيرة النبوية » ، حيث ذكرا أنَّ السبب في إسلام طلحة وعبدالرحمن هو إخبارُ الرهبان لهما بنبوة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، غاية الأمر أنّهما أخبرا أبا بكر بقصّة الرهبان قبل إسلامهما ، ثمّ أسلما على يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ،(3) كما أنّ إسلام هؤلاء لم يكن في أوّل يومٍ.

ولو كان أبو بكر بهذه المنزلة من التأثير في الدعوة بحيث أسلم بسببه هؤلاء الجماعة في أوّل إسلامه ، لظهر له الأثر الكبير بعد ذلك بحيث تُسلم مكّة عامتها في أقلّ من سنة ، وما رأيناهم نقلوا إسلام أحدٍ بسببه غير هؤلاء الذين ذكروهم مع عبدالرحمان بن عوف!

وقد كشف عن زيف هذه الدعوى أبوجعفر الاسكافي في ردّه على رسالة الجاحظ ، كما حكاه ابن أبي الحديد(4) عنه ، قال : « ما أعجب هذا القول! إذ تدّعي العثمانية لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج ، وقد أسلم ومعه ابنه عبدالرحمان - وشارك مع المشركين في بدرٍ - فما قدر أن يُدخله في الإسلام طوعا برفقه ولطف احتجاجه ، ولا كرها بقطع النفقة عنه وإدخال المكروه عليه ، ولا كان

ص: 36


1- المصنف ، ج 7 ، ص 498 ؛ السنن الكبرى ، ج 5 ، ص 107 وغيرها.
2- شرح نهج البلاغه ، ج 3 ، ص 23.
3- السيرة الحلبية ، ج 1 ، ص 394 ، 395 و 396 ؛ السيرة النبوية ، ج 1 ، ص 188 و189.
4- شرح نهج البلاغة ، ج 13 ، ص 187 - 185.

له عند ابنه عبدالرحمان من القدر ما يطيعه في ما يأمره به »... . الى أن قال : « وكان أبو قحافة فقيرا مُدْقعا(1) سيئ¨الحال،وأبوبكرعندهممُثريافائضَالمال، فلم يمكنه استمالته إلى الإسلام بالنفقة والإحسان ، وقد كانت امرأة أبي بكر أمُّ عبداللّه ابنه ، لم تُسلم وأقامت على شركها بمكّة ، وهاجر أبو بكر وهي كافرة ، فلمّا نزل قوله تعالى : « وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ »(2) طلّقها أبو بكر ، فمن عجز عن ابنه وأبيه وأمرأته ، فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز! ».

ثم قال أبوجعفر : « وكيف أسلم سعد والزبير وعبدالرحمان بدعاء أبي بكر ، وليسوا من رهطه ، ولا من أترابه ، ولا من جلسائه ، ولا كانت بينهم صداقة متقدمة ؟!

وكيف ترك أبوبكر عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، لم يدخلهما في الإسلام برفقه وحسن دعائه ، وقد زعمتم أنّهما كانا يجلسان إليه لعلمه وطريف حديثه.

وما باله لم يدخل جُبير بن مطعم في الإسلام ، وقد ذكرتم أنّه أدّبه وخرّجه ، ومنه أخذ جبير العلم بأنساب قريش ومآثرها ؟! »(3)

فكيف عجز عن هؤلاء الذين عَدَدْناهم ، وهم منه بالحال التي وصفنا ، ودعا مَن لم يكن له معه أُنسٌ ولا معرفة ، إلاّ معرفة عيان ؟!

وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب وقد كان شَكْلَه وأقربَ الناس شبها به في أغلب أخلاقه ؟! وقد أسلم بعد أربعين رجلا واحدى عشرة امرأة(4).

ص: 37


1- المُدْقِع : الفقير الذي قد لَصِقَ بالتراب من الفقر ؛ لسان العرب ، ج 2 ، ص 399.
2- سورة الممتحنة ، 10.
3- انظر : العثمانية ، ص 315. قال الذهبي : « هو من الطلقاء الذين حَسُن اسلامهم ، وقد قدم المدينة في فداء الأُسارى من قومه... وكان جبير أنسب العرب للعرب وكان يقول : إنّما أخذت النسب من أبي بكر الصدّيق. سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 267 و 268.
4- الاستيعاب ، ج 2 ، ص 75.

ولئن رجعتم إلى الانصاف لعلمتم أنّ إسلام هؤلاء لم يكن إلاّ بدعاء الرسول لهم وعلى يديه(1).

الثاني : وقوفه في خدمة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وعدم مفارقته له في الغزوات

نقول : أيّ الغزوات تقصدون ؟ أليس أُحد وخيبر وحنين والخندق من الغزوات ؟! وقد روى المورّخون خبر فراره وفرار ابن الخطاب منها!

أمّا فراره في أُحد فقد رواه أبو داود الطيالسي وابن سعد وأبوبكر البزار ، والطبراني وابن حبّان والدارقطني وأبو نعيم وابن عساكر والضياء المقدسي وغيرهم(2).

ومنها ما رواه الحاكم في المستدرك ، وصحّحه ، عن عائشة ، قالت : « قال أبوبكر : لمّا جال الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يوم أُحد ، كنت أوّل من فاء »(3).

أمّا في خيبر ، فقد روى فرارهما أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة والبزّار والطبري والطبراني والحاكم والبيهقي والضياء المقدسي والهيثمي وغيرهم(4).

وأمّا في حنين فالذي صبر مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هو عليٌّ عليه السلام فقط ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس. وهذا الحديث ذكره في المستدرك(5).

عن ابن عباس ، قال : « لعليّ أربع خصال ليست لأحد ؛ هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحفٍ ، والذي صبر معه يوم المِهْراس(6) ، وهو الذي غسّله وأدخله قبره ».

ص: 38


1- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 536 الى 538.
2- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 417 (ويذكر فيه خبر فراره عن طبقات ابن سعد في الجزء الثالث ، الصفحة 218 ؛ السيرة النبوية ، ج 3 ، ص 58 ؛ الاوائل ، ص 91 ؛ وغير ذلك).
3- المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 567.
4- مجمع الزوائد ، ج 9 ، ص 124 ؛ المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 580 و 581 و... .
5- المستدرك على الصحيحين ، ج 4 ، ص 74 و 75.
6- أي: يوم أحد ، جاء فيه عليّ عليه السلام بماء من المهراس (والمهراس اسم ماء بأُحُد: لسان العرب، ج 6، ص 327.

أمّا في الخندق ، فالجميع يعلمون كلمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم التي قالها : « لضربة عليٍّ يوم الخندق ومبارزته لعمرو بن عبدود أفضل من عبادة الثقلين »(1).

إذن ، كيف يعدّ هذا الفرار وقوفا في خدمة الرسول وعدم مفارقته في الغزوات كما ادّعيتم ؟!(2)

ولذلك نرى تراجع بعض المتعصبين عن دعواهم ولجوئهم إلى تأويل وتفسير الشجاعة بما لا ينافي الفرار فهذا ابن تيمية تراه يقَسَّم الشجاعة على قسمين : الشجاعة التي يفهمها كلّ عربيّ ومعنى آخر يراد من الشجاعة وهو قوّة القلب ، وأبو بكر كان قويّ القلب!! يقول : « إذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة شجاعة القلب فلا ريب أنّ أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان و... »(3).

الثالث : صلاته في مرض الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

نقول : أوّلاً : إنّ هذه القضية لا أساس لها لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أمر القوم بالخروج مع جيش أُسامة ، وأكّد عليه إلى آخر لحظةٍ من حياته المباركة ، وقد ثبت بأخبارٍ معتبرةٍ(4) أن أبا بكر كان في هذا الجيش ، فكيف يأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمبخروج أبي بكر في جيش أُسامة ويؤكّد على هذا الخروج إلى آخر لحظةٍ من حياته ومع ذلك يأمر أبا بكر أن يصلي بدلاً عنه ؟!

فلذلك يضطر مثل ابن تيمية لأن ينكر وجود أبي بكر في جيش أُسامة ويقول هذا كذبٌ!

ص: 39


1- شرح المواهب ، ج 8 ، ص 371 ؛ المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 573 ، ح 4383.
2- محاضرات في الاعتقاد ، ج 1 ، ص 326.
3- منهاج السنة ، ج 4 ، ص 255 و 256.
4- فتح البارى ، ج 8 ، ص 502 : قد روى ذلك - أي كون أبي بكر في جيش أُسامة - الواقدي وابن سعد وابن اسحاق وابن عساكر وغيرهم.

إذن ، تقتضي القرائن تكذيب إرسال النبيّ أبا بكر الى الصلاة.

ثانيا : لو سلّمنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هو الذي أمر أبا بكر بهذه الصلاة ، فكم من صحابيٍّ كان رسول اللّه قد أمره بأن يصلي مكانه في مسجده ؟! فهل لكم أن تَدَّعوا الأثنينية لهم ؟!(1)

ثالثا : قد ورد في تلك الأخبار أنه صلى الله عليه و آله وسلم خرج بنفسه الشريفة - سائرا على رجليه وهما تخطّان الأرض - ونحّى أبا بكر عن المحراب وصلّى تلك الصلاة بنفسه ، وهذا مذكورٌ في الروايات التي جاء في اوّلها أنّ رسول اللّه هو الآمر بهذه الصلاة بزعمهم!

مضافا إلى ذلك أنّه صلى الله عليه و آله وسلم لم يكتف بهذا المقدار ، وإنّما جلس على المنبر بعد تلك الصلاة وخطب وذكر القرآن والعترة وأمر الناس باتّباعهما والاقتداء بهما، (2)فاكّد رسول اللّه في خطبته هذه على ما أشار إليه فعله من حضوره للصلاة وعزله أبا بكر عن الإمامة وعن المحراب ، ثمّ أكّد على وجوب خروج المسلمين مع أُسامة مسرعين في ذلك.

رابعا : ينتهى جميع أسانيد هذا الخبر - أي أمره صلى الله عليه و آله وسلم بصلاة أبي بكر - الى عائشة ، وهي متّهمةٌ في نقل مثل هذه القصة لسببين : الأوّل مخالفتها لعليّ عليه السلام والثاني كونها بنت أبي بكر(3). فتحب أن تجلب الفضائل إلى أبيها.

الرابع : دفنه بجنب الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

نقول : إنّ الأدلة تدلّ على أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قد دُفن في بيت ابنته فاطمة الزهراء عليهاالسلام(4) ،

ص: 40


1- تفسير جامع أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 268.
2- جواهر العقدين ، ص 234.
3- المحاضرات في الاعتقاد ، ج 1 ، ص 348.
4- وفاء الوفاء ، ج 2 ، ص 467 و 469.

إذن فالروايات التي ذكرت أنّ : « بيت عائشة قُسِّم إلى قسمين : قِسْمٌ كان فيه القبر ، وقِسْمٌ كانت تكون فيه عائشة ، وبينهما حائط ، فكانت عائشة ربّما دخلت حيث القبر فُضُلا(1) ، فلما دفن عمر لم تدخله إلاّ وهي جامعةٌ عليها ثيابها »(2). تدلّ على استيلائها على بيت فاطمة عليهاالسلام واحتلالها له وبقيت تحتلُّ هذا البيت الطاهر. إذن أين النسبة بين هذا - أي دفن أبي بكر في بيتٍ مُحتلٍّ - والفضل له ؟

مضافا الى ذلك ، أنّ هذه الدلالة - أي دلالة دفن رجلٍ قرب النبيّ وفي جنبه على الفضل - بحاجةٍ إلى دليلٍ.

إذا وصلنا إلى هنا ، جدير علينا أن نذكر احتجاج فضّال بن الحسن على أبي حنيفة حول هذه المسألة : « مَرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه. فقال لصاحبٍ كان معه : واللّه لا أبرح أو أُخجّل أبا حنيفة. قال صاحبه : إنّ أبا حنيفة مِمّن قد علت حاله وظهرت حجّته. قال : مَهْ ، هل رأيت حجّة كافرٍ علت على مؤمنٍ ؟ ثمّ دنا فسلّم عليه فرّد وردّ القوم السلام بأجمعهم.

فقال : يا أبا حنيفة رحمك اللّه ، إن لي أخا يقول : إنّ خير الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنا أقول : إنّ أبا بكر خير الناس وبعده عمر. فما تقول أنت رحمك اللّه ؟ فأطرق مليّا ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كرما وفخرا ، أما علمتَ أنّهما ضجيعاه في قبره ، فأيّ حجّة أوضح لك من هذه ؟ فقال له فضّال: إنّي قد قلت ذلك لأخي، فقال: واللّه لئن كان الموضع لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقٌّ ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فقد أسائا وما أحسنا ، إذ رجعا في هبتهما ونكثا عهدهما ؛

ص: 41


1- أي : مقتصرة على ثياب المهنة.
2- وفاء الوفا ، ج 2 ، ص 544 ، الفصل العشرون فيما حدث من عمارة الحجرة بعد ذلك.

فأطرق أبو حنيفة ساعةً ثمّ قال له : لم يكن له ولا لهما خاصّة ، ولكنّهما نظرا في حقّ عائشة وحفصة فاستحقّا الدّفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما ، فقال له فضّال : قد قلت له ذلك ، فقال : أنت تعلم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلممات عن تسع حشايا(1) ، ونظرنا فاذا لكلّ واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثُّمن فإذا هو شبرٌ في شبرٍ ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ وبعد فما بال حفصة وعائشة ترثان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وفاطمة بنته تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة : يا قوم نحوّه عنّي فانه واللّه رافضيٌ خبيثٌ »(2).

(2) يقال : « إنّه تعالى وصف أبا بكر بكونه صاحبا للرسول صلى الله عليه و آله وسلم وذلك يدلّ على كمال الفضل ، لأنَّ الصحبة في هذا المقام العظيم منزلةٌ عظمى ، وهذه الصحبة دالّةٌ على تخصيص اللّه إيّاه بهذا المنصب وأيضا تدلّ على مؤانسته وملازمته للرسول صلى الله عليه و آله وسلم ».

وفيه :

إنّ الصحبة بما هي صحبة لا تدلّ على أكثر من المرافقة والاجتماع والاصطحاب ، وليست في التسميّة بالصحبة فضلٌ ، لأنّها قد تكون بين المؤمن والكافر وقد يكون الصاحب فاسقا كما يكون برّا تقيّا أو يكون طفلاً ، بل بهيمةً فلا يعتبر باستحقاقها ما يوجب المدح أو الذمّ ويقتضي الفضل أو النقص.

إليك بعض تلك الإستعمالات :

أ - قال اللّه تعالى في قصّةٍ عن مؤمن وكافر : « قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً »(3).

ص: 42


1- على حشاياه أيْ على فراشِه ، واحِدُها حشيّة ؛ النهاية ، ج 1 ، ص 378.
2- الفصول المختارة ، ص 74 وقد نقل عنه بحارالانوار ، ج 10 ، ص 232 ؛ و ج 31 ، ص 94.
3- سورة الكهف ، 37.

فوصَف أحدهما بالإيمان والآخر بالكفر والطغيان ، وحكَم لكلّ واحدٍ منهما بصحبة الآخر على الحقيقة وظاهر البيان ، والصحبة لم تُنافِ الاختلاف فيما بينهما في الأديان.

إن قلت : في هذه الآية - قال له صاحبه... - قرينةٌ تدلّ على الإهانة والإذلال وهو قوله : « أكفرت » ؟! ولكن هاهنا - في آية الغار - قرينة تدلّ على الإجلال والتعظيم وهي قوله تعالى : « لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنا ».

نقول : إن المستدلّ قد استدل بالصحبة فقط ، لا الصحبة مع القرينة.

مضافا الى ذلك قد تقرّر في محله أنّ هذه الفقرة من الآية - لا تحزن - تدلّ على الذمّ والنقص فيه لا الإجلال والتعظيم ، فإذا سقطت القرينة رجعت الآية إلى ظاهرها.

ب - قال اللّه سبحانه مخاطبا الكفّار الذين بهتوا نبيّه ونسبوا إليه الجنون والنقصان : « وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ »(1).

فاضافته

صلى الله عليه و آله وسلم إلى قومه بذكر الصحبة لم يوجب ذلك لهم فضلاً ولا بإقامتهم كفرا وذمّا ، فلا ينكر أن يضيف اليه صلى الله عليه و آله وسلم رجلاً بذكر الصحبة وإن كان المضاف إليه كافرا ومنافقا وفاسقا. كما أضافه الى الكافرين بذكر الصحبة وهو رسول اللّه وسيد الأوّلين والآخرين ولم يوجب لهم فضلاً ولا وفاقا في الدين ولا نفى عنهم بذلك نقصا ولا ضلالاً عن الدين.

وقد ثبت أنّ اضافته إليهم - أي اضافة النبي الى الكفّار في « وما صاحبكم » - بذكر الصحبة أكثر تأكيدا على معناها من إضافة أبي بكر بها ، لأنّ المضاف إليه أقوى في السبب من المضاف ، وهذا ظاهر البرهان.

ج - أمّا إستحقاق الصبيّ إسم الصحبة من الكامل العاقل وإن لم يوجب ذلك له

ص: 43


1- سورة التكوير ، 22 و23.

كمالاً ، فهو أظهر من أن يحتاج فيه الى الاشتهار بإفاضته على ألسن الناس ، العام منهم والخاص ، ولسقوطه بكلّ لسان.

د - قد تكون « البهائم » صاحبا ، وذلك معروفٌ في اللغة ؛ قال عبيد بن الأبرص :

بل ربّ ماءٍ أردت آجن

سبيله خائف جديب

قطعته غدوة مسيحا

وصاحبي بادن خبوب

يريد بصاحبه بعيره بلا اختلاف.(1)

وقال أُمية بن أبي الصلت :

إنّ الحمار مع الحمار مطيّةٌ

فإذا خلوت به فبئس الصاحب(2)

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فلا يثبت لأبي بكر بذكر الصحبة فضيلة وما كانت له منقبة على ما بيّناه وشرحناه.(3) فالصحبة من حيث هي لا فضلَ فيها.

أمّا في المؤانسة والملازمة نقول :

إنّ خصوصيّة المقام وتخصيص أبي بكر بالصحبة لا أثر لها إلاّ إذا كانت لحاجةٍ ورغبةٍ في أبي بكر لذاته ، فيكون الدالّ على الفضل هو الرغبة في صحبة أبي بكر لذاته ، وهو ممتنعٌ ؛ إذ لا إشارة في الآية الكريمة إليه ، وأخبارهم مردودةٌ.

على أنّ رواية البخاري وغيره ، الواردة في هجرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مصرّحةٌ بأنّ أبا بكر هو الذي طلب الصحبة لمّا قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « قد أُذن بالخروج إلى المدينة »(4).

ولا شكّ عندنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لم يصحبه إلا خشية أن يُطلِع عليه أحدا ، حيث

ص: 44


1- ديوان عبيد بن الابرص ، ص 27.
2-
3- 2 كنزالفوائد للكراجكى ، ج 2 ، ص 50. الإفصاح ، ص 189 - 187.
4- صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 156 ، ح 387 ؛ مسند احمد ، ج 7 ، ص 283 و 303.

أحسّ بخروجه ، وجاءت به بعض روايات القوم ،(1) وكيف يكون في صحبة

ص: 45


1- كما نقله في الإحقاق ، 479 الطبعة الحجرية عن النور والبرهان لأبي القاسم الصباغ من علماء الجمهور.

أبي بكر خيرٌ للنبي صلى الله عليه و آله وسلم وقد ابتلى به فوق بلائه ، واحتاج الى مداراته في دفع الخوف عنه ؟!

ولو كان لأبي بكر فضلٌ ، لعبّر اللّه سبحانه عنه ببعض ألفاظ التعظيم والإكرام ، ك « الأخ » و« النفس » ونحوهما ، لا ب« الصاحب » كما عبَّر عن عليٍّ ب« الأنفس » في آية المباهلة و« الذين آمنوا » كما في آية الولاية.(1)

ثمّ إنّ ما ادّعوه من مؤانسة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، به فهو توهّمٌ وظنٌّ يكشف بطلانَهُ الاعتبارُ وذلك لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مؤيّدٌ بالملائكة المقرّبين الكرام ، والوحي ينزل عليه من اللّه تعالى حالاً بحال ، والسكينة معه في كلّ مكانٍ ، وجبرئيل عليه السلامآتيه بالقرآن ، وعصمته والتوفيق من اللّه تعالى والثقة بما وعده من النصر والظفر يرفع عنه الوحشة ، فلا حاجة إلى أنيس سوى ما ذَكرنا ، لا سيّما وأبو بكر منقوصٌ عن منزلة الكمال ، خائفٌ وجلٌ ، يحتاج الى التسكين والرفق والمداراة.

وبعد : فلو كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مؤنسٌ على ما ادّعاه البعض ، لم يكن لأبي بكر بذلك فضل في الدين ، لانالأُنسقديكونلأهلالتقوىوالإيمانبأمثالهممن أهل الايمان ، وبمخالفيهم من أهل الضلال وحتّى البهائم والشجر والجمادات ، بل ربما أنس العاقل بمن يخالفه في دينه ، واستوحش ممّن يوافقه ، وكان أنسه بعبده - وإن كان ذمّيا - أكثر من أنسه بعالمٍ وفقيهٍ - وإن كان مهذّبا - ويأنس بوكيله أحيانا ولا يأنس برئيسه ، كما يأنس بزوجته أكثر من أنسه بوالدته ، ويأنس إلى الأجنبي فيما لا يأنس فيه إلى الأقرب منه ، وتأتي عليه أحوالٌ يرى أن الاستئناس ببعيره وفرسه أولى من الاستئناس بأخيه وابن عمه ، كما يختار المسافر استصحاب مَن يخبره بأيّام الناس ويضرب له الأمثال وينشده الأشعار ويلهيه بالحديث عن الذكر وما يبهج الخواطر بالبال ، ولا يختار استصحاب أعبد الناس ولا أعرفهم بالأحكام

ص: 46


1- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 550 - 548.

ولا أقرأهم للقرآن. فإذا كان الأمر على ما وصفناه ، لم يثبت لأبي بكر فضلٌ بالأنس به ، حتّى وإن سلّمنا به ولم نعترض على بطلانه بما قدّمناه.(1)

(3) يقال :(2) « في قوله تعالى : « لا تحزن » دلالةٌ على أنّ هذا النهي ، نهيٌ عن الحزن مطلقا ، وذلك يقتضي أن لا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة ، قبل الموت وعند الموت وبعد الموت ».

وفيه نقول :

إنّ ظهور الحزن منه في موطنٍ لا ينبغي للمؤمن حقّا أن يحزن فيه - خاصّةً بعد ما رأى من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة التي توجب اليقين بأنّ اللّه يردّ عن نبيّه ويحفظه من أعدائه - دليلٌ على نقصانه ؛ فقد ظهر على يد النبيّ من الآيات البيّنات والكرامات الظاهرة ما يشهد لكلّ مؤمن بالحفظ والسلام ، كإنبات الشجرة ونسج العنكبوت وتعشيش الطائر وخروج النبيّ من بين القوم في حالٍ لا يمكن لغيره الخروج حينها. وإنّ أبا بكر بعد كلّ هذا ، كان غير مصدّقٍ بحفظ اللّه لنبيّه ، غير واثقٍ بنصرته له مع رؤيته لكل هذه الآيات. فالآية من أوضح الأدلّة على ذمّهِ ، لعدم إدخالها له بالسكينة ودلالتها على حزنه في مقامٍ لا يحزن فيه كامل الإيمان ، بل أيّ مؤمنٍ كان ؛ وإعراضها عن مدحه أصلاً ودلالتها على حزنه كما يقتضيه النهي.

وإن كان أبو بكر على يقينٍ من نصرة اللّه لنبيّه ، لكنّه حزن على نفسه خوفا من أن يلحق به أذىً من قِبل قريش ، فإنّه يحتاج في هذه الحال الى التطمين ، الذي أكّد له أنّ اللّه تعالى عارفٌ بحاله وبمطالبه الشخصية ، وهو مع الرسول في

ص: 47


1- الإفصاح ، ص 186 و 187.
2- والقائل هو الرازي في تفسيره ، ج 16 ، ص 65.

مكانٍ واحدٍ ، ومن الظاهر أنّ حفظ الرسول يستلزم حفظ من اجتمع معه في المكان أيضا.(1)

وأخيرا نقول ، كيف يُقاس من يحزن ويهلع - مع وجود هذه الآيات الواضحة - بمن شرى نفسه ابتغاء مرضات اللّه وبات على زيّ النبيّ وبين من يطلبون سفك دمه ولا يُرجى منهم الخروج ، حتّى استحقّ أن يباهي اللّه به ملائكته وأن ينزل في شأنه آية(2) تبيّن كيف باع نفسه للّه ؟!(3)

إن قلت : إن كان كذلك ، فيجب في قوله تعالى لموسى عليه السلام : « لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى »(4) أن يدلّ على أنّه كان عاصيا في خوفه! وذلك طعنٌ في الأنبياء ويجب في قوله تعالى في إبراهيم عندما قالت الملائكة له « لا تخف » في قصة العجل المشوي مثل ذلك ، ويجب في قوله تعالى لنبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم : « لا يحزنك قولهم... »(5) وغيرها من الآيات مثل ذلك.

نقول : أمّا موسى ، فلم يحزن خوفا على نفسه أو مِن عدم غلبته ، بل خاف تأثير السحرة على البسطاء بإيهامهم وامكان معارضة آياته تشبّثا في مقام الجدال بالأمور الصورية الكاذبة ، فيعسر عليه الإنتصار والغلبة سريعا ، ولذا قال سبحانه : « لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى »(6) فليس نهيه نهي تحريمٍ ، بل للتطمين بالنصر السريع بإلقاء عصاه.

ص: 48


1- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ج 4 ، ص 204 و 205.
2- سورة البقرة ، 207.
3- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 551 و 552.
4- سورة طه ، 68.
5- سورة يس ، 76.
6- سورة طه ، 68 و 69.

إذن ، النهي له ولنبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم ولغيرهما ، ليس نهي تحريمٍ وإنّما هو تانيس وتبشير بالنصر السريع وللتنبيه على عدم الإعتناء بقولهم وعدم استحقاقهم للحزن والأسف.

فحزن النبيِّ وحزن سائر الأنبياء هنا يدلّ على عمق إيمانهم وفنائهم في ذات الله تعالى ، وهو لا يقاس بحزن مَن يحزن مِن أجل نفسه فقط.

والآيات صريحةٌ فيما نقول : فنجد آيةً تقول : إنّه صلى الله عليه و آله و سلم:کان یحزن لمسارعةً فومه فی الکفر « وَ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ »(1) وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ. (2) وأُخرى تقول إنّه يحزن لما بدا له من تكذيبهم إياه : « قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ ».

وثالثة تقول : إنّه كان يحزن لاتّخاذهم آلهةً من دون اللّه « فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ »(3) وهكذا سائر الآيات ، كما لا يخفى على من لاحظها.

فالآيات على حدّ قوله تعالى : « فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ »(4) فهو حزنٌد حسنٌ منه صلى الله عليه و آله وسلم وهو يدلّ على كمال صفاته وسجاحة أخلاقه ، صلوات اللّه عليه وعلى آله الطاهرين.(5)

لمزيد البيان نقول : إنّ ما يوجب العدول عن ظاهر النهي في الآيات المذكورة ، هي دلالة عقلية من أنّ عصمة الانبياء ناشئةٌ عن إجتنابهم الآثام.

وإذا كان الاتّفاق حاصلاً على أنّ أبا بكر لم يكن معصوما كعصمة الأنبياء وجب

ص: 49


1- سورة آل عمران ، 176 ؛ سورة المائدة ، 41.
2- سورة الأنعام ، 33.
3- سورة يس ، 76.
4- سورة فاطر ، 8.
5- الصحيح من سيرة النبي ، ج 4 ، ص 210 و 211.

أن يجرى كلام اللّه تعالى على ظاهر النهي وحقيقته وقبح الحال التي كان عليها ، إذ لا صارف يصرف عن ذلك.(1)

(4) قوله تعالى : « إنّ اللّه معنا » قيل : لا شكَّ أنَّ المراد من هذه المعيّة ، المعيّة بالحفظ والنُّصرة ، فالرسول شرك بين نفسه وبين أبي بكر في هذه المعية.

نقول :

أولاً : إنّ هذه الفقرة من الآية جاءَت على سبيل الإخبار لأبي بكر والتذكير له بأن اللّه تعالى سوف يحفظهم من أَعيُن المشركين ، وليس في ذلك فضيلة له ، بل فيه إخبارٌ بأنّ اللّه ينجّيهم من أيدي أعدائهم وسوف ينجّي اللّه أبا بكر مقدمةً لنجاة نبيّه ، مادام كون هذا العمل متوقفا على ذاك.

وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول : « وَ ما كانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ »(2) إذن، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبيّ لا يوجب فضلاً للمشركين(3).

أيضا معناه أنّه عالم بحالنا ، كما قال تعالى : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ »(4) وليس في ذلك أيضا فضلٌ.(5)

ثانيا : قد تكون « مَعَنا » للواحد العظيم كما تكون للجماعة وعلى ذلك أنّ لفظة « مَعَنا » تختصُّ بالنبيّ وحده دون من كان معه ، وأيضا تكون للموعظة والتخويف كما تكون للتسكين والتبشير وإذا احتملت هذه الأقسام لم تقتض فضلاً ، إلا أن ينضمّ إليها دليلٌ من غيرها.(6)

ص: 50


1- الفصول المختاره ، 43.
2- سورة انفال ، 33.
3- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ج 4 ، ص 203 و 204.
4- سورة المجادلة ، 7.
5-
6- 5 الشافي ، ج 4 ، ص 26. الإفصاح ، ص 190.

إذن ، فالمقصود بالنصرة والرعاية واقعا هو النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وأمّا أبو بكر فتابعٌ محضٌ ، ولذا خصّ اللّه تعالى النبيَّ بقوله : « فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا... » والتَّبعية في النصرة لِأجل الاجتماع لا تدلّ على فضلٍ بلا ضرورةٍ.(1)

(5) يقال : في قوله تعالى : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » أنّ السكينة قد أُنزلت على قلب أبي بكر لأنّه هو المحتاج إليها لِما إعتراه من الحزن.

نقول :

أوّلاً : إنّ إنزال السكينة على أبي بكر ادّعاءٌ باطلٌ لأنّها نازلةٌ على خصوص النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، لأنّ الضمائر المتأخّرة والمتقدّمة في الآية كلّها ترجع إليه صلى الله عليه و آله وسلم بلا خلاف ، وذلك في الكلمات التاليه :

« تنصروه ، نصره ، يقول ، أخرجه ، لصاحبه ، أيّده » فرجوعُ ضميرٍ في وسطها إلى غير النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يكون خلاف الظاهر ويحتاج إلى قرينةٍ قاطعةٍ.(2)

ثانيا : ليس هذا أمرا مسلَّما به ، كما أنّه قد نُقل عن بعض مفسريهم أنّ الضمير في : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم.(3)

ثالثا : إنّ الضمير في « وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا » يرجع الى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، لأنّ التأييد بالجنود مختصٌ به صلى الله عليه و آله وسلم - كما قاله المفسرون - (4) وهذه الفقرة معطوفةٌ على « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » والمعطوف والمعطوف عليه في الحكم سواءٌ فالضمير في « عليه » يرجع الى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم .

وما قيل في أنّ التأييد بتلك الجنود نزل في غزوة بدر ؛ ليس في محلّه لأنّه

ص: 51


1- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 550.
2- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ج 4 ، ص 206.
3- نظير ما نقل ابن جوزي عن مقاتل في « زاد المسير ، ج 3 ، ص 300 ».
4- مجمع البيان ، ج 5 ، ص 58 ؛ الميزان ، ج 9 ، ص 289 ؛ تفسير روح المعاني ، ج 10 ، ص 405 وغيرها.

يوجب التفكيك في السياق ، وإن التزم بعضهم - فرارا من شناعة التفكيك في السياق - بأنّ الضمير في « وأيّده » أيضا راجعٌ الى أبي بكر ، لكن لازم هذا القول كون إنزال السكينة والتأييد بالجنود عائدين إليه دون النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مع أنّ نزول هذه الفقرة من الآية في قصّة الغار مُتَّفق عليه ، كما قاله ابن الجوزي والسيوطي(1) وغيرهما.

إشكالٌ وجوابٌ :

إن قيل : إنّ السكينة مختصّةٌ بأبي بكر لاحتياجه إليها بخلاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فإنّه عالمٌ بأنّه محروس من اللّه تعالى وأنّ إحتياج النبيّ للسكينة يكشف عن اضطرابٍ في قلبه وحزنه ، ولا يمكن للمحزون والمضطرب المحتاج للسكينة أن يسكّن غيره ويقول له : « لا تحزن ».

قلنا :

أوّلاً : قال تعالى في سورة التوبة في الآية 26 عن واقعة حنين : « ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤمِنِينَ». وقال في سورة الفتح في الآية 26 : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَةَ عَلَى رسوله وعلى المؤمنين ».

فهاتان الآيتان تدلاّن على نزول السكينة عليه صلى الله عليه و آله وسلم ، لذلك لا يصحّ ما ذُكر من عدم احتياج النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى السكينة.

ومن جهةٍ ثانيةٍ نرى أنّه تعالى قد ذكر نزول السكينة على المؤمنين ، فقال : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤمِنِينَلِيَزْدادُواإِيماناًمَعَإِيمانِهِمْ... ».(2)

وقال : « فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ».(3)

ص: 52


1- زاد المسير، ج 3، ص 299؛ الدر المنثور، ج 3 ص 245.
2- سورة الفتح ، 4.
3- سورة الفتح ، 18.

وهنا قد يتساءل البعض عن سرّ إخراج أبي بكر من السكينة ، وسبب حرمانه منها هنا ، مع أنّ اللّه قد أنزلها على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم هنا ، وكذلك أنزلها عليه وعلى المؤمنين في غير هذا الموضع ؟!

أقول : لربّما يمكن الجواب بأنّ إنزالها على الرسول هنا يكفي ؛ لأنّ في نجاته نجاةً لصاحبه ، وفي خلاصه خلاصا له.

ولكنّه جوابٌ متهالكٌ ، لأنّ السكينة إنّما توجب اطمئنان القلب ، وذهاب القلق ، وهو أمر آخر غير النجاة والخلاص.

فيبقى السؤال الآنف بحاجةٍ إلى جواب!

ثانيا : إنّ السكينة هي نعمةٌ من اللّه تعالى ، ولا يجب في نزول النعمة الاتّصاف بما يضادّها ، ولذلك تنزل الرحمة بعد الرحمة ، وقد يكون نزول السكينة يؤدّي إلى زيادة الإيمان ، فقد قال تعالى مشيرا إلى ذلك : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤمِنِينَلِيَزْدادُواإِيماناًمَعَ إِيمانِهِمْ.. »(1).

ثالثا : من أين علموا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لم يكن بحاجةٍ إلى السكينة مع عدم وجود ما يدلّ عليه في الآية ؟! فلتكن كآية (حنين) ، بمعنى أنّ هذه السكينة بمثابة الإعلام بأنّ مرحلة الخطر القصوى قد انتهت ؟!

ولماذا لا يظنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : أنّ حزن أبي بكر ، ورعبه وخوفه ، وبكاءه ، قد كان لمشاكل أُخرى وهو صلى الله عليه و آله وسلم وإن كان يعلم أنّه سوف ينجو منها في النهاية ، إلا أنّها تشكّل على الأقلّ عراقيل وموانع ، تؤخّر وصوله إلى هدفه الأقصى والبعيد.

رابعا : يرى بعض المفسرين المعاصرين أنّ الآية مسوقةٌ لبيان نصر اللّه تعالى لنبيّه ، حيث لم يكن معه أحدٌ يتمكن من نصرته ، ومن هذا النصر إنزال السكينة عليه ، وتقويته بالجنود ، ويدل على ذلك تكرار كلمة « إذ » ثلاث مرات ، كل منها

ص: 53


1- سورة الفتح ، 4.

بيان لما قبله بوجهٍ ، فتارة لبيان وقت النصر ، وأخرى لبيان حالته صلى الله عليه و آله وسلم ، وثالثة لبيان وقت هذه الحالة ؛ فالتأييد بالجنود كان لمن نزلت السكينة عليه.(1)

ويقول بعض الأعلام(2) : « إنّ أبا بكر لمّا لم يستجب لطلب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في أن لا يحزن ولا يخاف ، فإنّ السكينة نزلت على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وبقي أبو بكر على عدم سكينته ، الأمر الذي يدلّ على أنّ أبا بكر لم يكن مؤهّلاً لهذا التفضّل والتكرّم من اللّه تعالى ».(3)

(6) من الوجوه التي يمكن أن تُعَدُّ برأيهم فضيلةً لأبي بكر ، هي مواساته مع الرسول صلى الله عليه و آله وسلم حيث قيل إنّه اشترى الراحلة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وأنّ عبدالرحمان بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر هما اللذان كانا يأتيانهما بالطعام. وهو أمر ابنه عبدالرحمان أن يشتري جملين ورحلين وكسوتين ويفصل أحدهما لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم.

وفيه :

كيف يصحّ هذا ورسول اللّه لم يرضَ أن يأخذ من أبي بكر بعيرا إلاّ بثمنه عند الهجرة في تلك الحالة الشديدة كما رواه البخاري(4) وأحمد(5) عن عائشة وذكره الطبري في تأريخه(6) وابن الأثير في « الكامل » .(7)

وكيف يمكن أن يُدّعى لأبي بكر بذل المال وقد أشفق أن يُقدّم بين يدي نجواه

ص: 54


1- راجع تفسير الميزان ، ج 9 ، ص 280.
2- هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني « رحمه اللّه ».
3- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ج 4 ، ص 209.
4- صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 156 ، ح 387 ، باب هجرة النبيّ إلى المدينة.
5- مسند أحمد ، ج 7 ، ص 283 و 303. ذكر احمد الرواية الطويلة وفيها :... فقال أبوبكر : فَخُذْ بأبي أنت يا رسول اللّه إحدى راحلتي هاتين. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : بالثمن.
6- تاريخ الطبري ، ج 2 ، ص 274 و 275.
7- الكامل في التاريخ ، ج 2 ، ص 104.

صدقةً يسيرةً ، وترك أهله المحتاحين بلا شيءٍ يوم الهجرة وأخذ ماله معه وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم كما رواه أحمد عن أسماء بنت أبي بكر ورواه الحاكم وصحّحه على شرط مسلم.(1)

ولَمّا كان بذل ماله امرا خلاف الواقع ، اضطر مثل ابن تيميّة إلى تأويله فقال :

« إنّ إنفاق أبي بكر لم يكن نفقةً على النبيّ في طعامه وكسوته ، فإنّ اللّه قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونةً له على إقامة الدّين ، فكان إنفاقه فيما يحبّه اللّه ورسوله ، لا نفقةً على نفس الرسول ».(2)

نقول : فلا فرق حينئذٍ بين أبي بكر وبين سائر الصحابة الذين كانوا ينفقون أموالهم في سبيل الإسلام ، فأين الفضيلة إذن ؟(3)

والحقيقة هي أنّهم لَمّا رأوا أنّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لم يقبل الراحلتين من أبي بكر إلا بدفع ثمنهما ، ورأوا في ذلك تضعيفا للخليفة الأوّل ، وفي مقابل ذلك هم يروون أن عليّا عليه السلام يبذل نفسه في سبيل اللّه ، وتنزل في حقّه الآيات ، عوضوا أبا بكر عن ذلك بأنّه قد علّف الراحلتين مدةً طويلةً!!

استنادا لما تقدّم نقول : إنّ شراء الرسول للراحلتين ، أو شراء أمير المؤمنين علي عليه السلام للرواحل(4) يبيّن : أن أبا بكر قد هاجر على نفقة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وليس على نفقته الخاصّة.(5)

وأمّا بالنسبة لِما زعموه من أنّ أسماء وأخاها كانا يذهبان بالطعام إليهما في

ص: 55


1- المستدرك على الصحيحين ، ج 3 ، ص 538 ، ح 4326.
2- منهاج السنة ، ج 4 ، ص 448.
3- دلائل الصدق ، ج 6 ، ص 532.
4- قال ابن عساكر في تأريخه : « استأجر عليّ عليه السلام ثلاث رواحل للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط » تاريخ مدينة دمشق ، ج 42 ، ص 68.
5- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ج4 ، ص 236 و 237.

المساء إلى الغار وأنّهما هما اللذان هَيّئا الزاد لهما عند سفرهما إلى المدينة.

فيرد عليه :

أوّلا : إنّهم يقولون في مقابل ذلك : بعد غياب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وأبي بكر مضت ثلاث ليال ولا يدرون أين توجّه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، حتّى علموا ذلك من هاتف الجنّ في أبيات أنشدها!

والقول : إنّ المراد : بعد ثلاثة أيّام من خروجه من الغار ، إذ قد صرحوا بأنّهم علموا بخروجه إلى المدينة في اليوم الثاني من خروجه من الغار ،(1) هكذا ذكر الحلبي الشافعي ، والعهدة في ذلك عليه.

ويقول مغلطاي : « ولم يعلم بخروجه عليه الصلاة والسلام إلاّ عليّ وأبو بكر رضي اللّه عنه ؛ فدخلا غارا بثور الخ... »(2).

ثانيا : لقد ورد أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام هو الذي كان يأتي النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمبالطعام والشراب إلى الغار.(3)

بل لقد ورد أن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قد أرسل إلى عليّ ليرسل إليه بزادٍ وراحلةٍ ففعل ،وأرسل ذلك إليه.

وأرسل أبو بكر لابنته ، فأرسلت إليه بزادٍ وراحلتين ، أي له ولعامر بن فهيرة كما في الرواية ، ولعلّها هي التي اشتراها منه عليّ أيضا.(4)

وقد احتجّ عليه السلام بذلك يوم الشورى ، فقال : « نشدتكم باللّه ، هل فيكم أحدٌ كان

ص: 56


1- السيرة الحلبية ، ج 2 ، ص 70.
2- سيرة مغلطاي ، ص 32.
3- تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام عليّ ، ج 42 ص 68 ، وإعلام الورى ، ص 190 ، والبحار ، ج 19 ص 84 عنه ، وتيسير المطالب في أمالي الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ص 121.
4- إعلام الورى ، ص 63 ، والبحار ، ج 19 ، ص 69 و 75 و 84 ، عنه وعن الخرائج وعن قصص الأنبياء.

يبعث إلى رسول اللّه الطعام وهو في الغار ، ويخبره الأخبار غيري ؟! »

قالوا : لا.(1)

ثالثا : قد ورد أنّ عبدالرحمان بن أبي بكر أسلم بعد أُحُدٍ ، أي بعد السنة الثالثة من الهجرة ،(2) وأنّه في زمان الهجرة كان مع كفّار قريش ، فكيف يتبرّع ويأتي بالطعام للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ؟

الكلمة الأخيرة :

قد يلاحظ القارى ء الفطن المنصف أنّهم بهذه الأساطير الموضوعة يريدون أن يؤسّسوا مكانةً لأبي بكر في مقابل عليّ عليه السلام وشراء نفسه إبتغاء مرضاة اللّه وسائر فضائله التي نزلت فيها آياتٌ كثيرةٌ.

وفي الختام نشير إلى إحتجاجين حول هذه الآية ، أحدهما لهشام بن الحكم على هاورن الرشيد والثاني للشيخ المفيد على عمر في المنام.

الاحتجاج الأوّل : « قال هارون الرّشيد لجعفر بن يحيى البرمكي : إنّي أُحبُّ أن أسمع كلام المتكلّمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون ، فأمر جعفر المتكلّمين فأُحضِروا داره وصار هارون في مجلس يسمع كلامهم وأرخى بينه وبين المتكلّمين سترا فاجتمع المتكلّمون وغصّ المجلس بأهله ينتظرون هشام ابن الحكم فدخل عليهم هشام وعليه قميصٌ إلى الرُّكبة وسراويل إلى نصف السّاق فسلّم على الجميع ولم يخصّ جعفرا بشيءٍ ، فقال له رجلٌ من القوم : لِمَ فضلّت عليّا على أبيبكر واللّه يقول : « ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنَا »(3) ، فقال هشام : فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت ،

ص: 57


1- الإحتجاج للطبرسي ، ج 1 ، ص 329.
2- الاستيعاب ، ج 1 ، ص 496.
3- سورة التوبة ، 40.

أكان للّه رضيٌّ أم غير رضيٍ ؟ فسكت فقال هشام : إن زعمت أنّه كان للّه رضيٌّ ، فلم نهاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فقال : « لا تحزن » ؟! أنهاه عن طاعة اللّه ورضاه ؟! وإن زعمت أنّه كان للّه غير رضيٍّ ، فلم تفتخر بشيءٍ كان للّه غير رضيٍّ ؟! وقد علمت ما قد قال اللّه تبارك وتعالى حين قال : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ».

ولكنّكم قلتم وقلنا وقالت العامّة : الجنّة اشتاقت إلى أربعة نفرٍ ، إلى عليّ بن أبي طالب

عليه السلام والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، فضلّنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا وقالت العامّة : إنّ الذّابّين عن الإسلام أربعة نفرٍ : عليّ بن أبي طالب عليه السلام والزبير بن العوّام وأبو دجانة الأنصاري وسلمان الفارسيّ ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا ، وقالت العامّة : إنَّ القرّاء أربعة نفرٍ : عليّ بن أبي طالب عليه السلاموعبداللّه ابن مسعود وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا ، وقالت العامّة : إنَّ المطهّرين من السّماء أربعة نفرٍ : علي بن أبي طالب

عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضلّنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا ، وقالت العامّة : إنَّ الأبرار أربعة نفرٍ : عليّ بن أبي طالب عليه السلاموفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

وقلتم وقلنا ، وقالت العامّة : إنَّ الشهداء أربعة نفرٍ : عليّ بن أبي طالب عليه السلاموجعفر

ص: 58

وحمزة بن عبدالمطلّب وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلّب ، فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلّف عنها صاحبكم ، ففضّلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة.

قال : فحرّك هارون السّتر وأمر جعفر النّاس بالخروج فخرجوا مرعوبين وخرج هارون إلى المجلس ، فقال : « من هذا ابن الفاعلة ، فواللّه لقد هممت بقتله وإحراقه بالنّار ».(1)

الاحتجاج الثاني : « عن الشيخ المفيد - أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان قدس سره- أنّه قال : « رأيت في المنام سنةً من السنين كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقةً دائرةً فيها ناسٌ كثيرٌ ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هذه حلقةٌ فيها رجلٌ يقصُّ. فقلت : من هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب. ففرّقت الناس ودخلت الحلقة ، فإذا أنا برجلٍ يتكلّم على الناس بشيءٍ لم أحصله فقطعت عليه الكلام ، وقلت : أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول اللّه تعالى : « ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ » ؟

فقال : وجه الدلالة على فضل أبيبكر من هذه الآية في ستة مواضع :

الأوّل : إنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وذكر أبا بكر فجعله ثانيه ، فقال : « ثَانِيَ اثْنَيْنِ اِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ».

والثاني : أنّه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد ، لتأليفه بينهما فقال : « إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ».

الثالث : أنّه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة ، فقال : « إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ».

الرابع: أنّه أخبر عن شفقة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال: «لاَتَحْزَنْ».

ص: 59


1- الإختصاص ، ص 96 - 98 ؛ بحار الانوار ، ج 10 ، ص 298 .

الخامس : أنّه أخبر بأنّ اللّه معهما على حدٍّ سواءٍ ناصرا لهما ودافعاً عنهما فقال : « إِنَّ اللّه َ مَعَنَا ».

السادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر ، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلملم تفارقه السكينة قط ، فقال : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ».

فهذه ستة مواضع تدلّ على فضل أبي بكر من آية الغار ، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها. فقلت له : حبرت كلامك في الإحتجاج لصاحبك عنه ، وإنّي بعون اللّه سأجعل جميع ما أتيت به كرمادٍ اشتدّت به الريح في يومٍ عاصفٍ.

أمّا قولك : إنّ اللّه تعالى ذكر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وجعل أبا بكر ثانيه ، فهو إخبارٌ عن العدد ، لعمري لقد كانا اثنين ، فما في ذلك من الفضل ؟!

ونحن نعلم ضرورة أن مؤمناً ومؤمناً ، أو مؤمناً وكافراً اثنان ، فما أرى لك في ذكر العدد طائلاً تعتمده.

وأمّا قولك : أنّه وصفهما بالاجتماع في المكان ، فإنّه كالأوّل ، لأنّ المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد من المؤمنين والكفار على حدٍّ سواءٍ.

وأيضا : فإنّ مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أشرف مكانا من الغار ، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفّار ، وفي ذلك قوله عزّوجلّ : « فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَ-مِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ».(1)

وأيضا : فإنّ سفينة نوحٍ قد جمعت النبيّ والشيطان والبهيمة والكلب ، والمكان بذاته لا يدلّ على ما أوجبت من الفضيلة ، فبطل فضلان.

وأمّا قولك : أنّه أضاف إليه بذكر الصحبة ، فهو أضعف من الفضلين الأوّلين : لأنّ اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر ، والدليل على ذلك قوله تعالى : « قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ».

ص: 60


1- سورة المعارج ، 36.

وأيضا : فإن كلمة (الصحبة) تطلق على العاقل والبهيمة ، والدليل على ذلك كلام العرب الذي نزل به القرآن ، فقال اللّه عزّوجلّ : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ » أنّهم سموا الحمار صاحبا فقالوا :

إن الحمار مع الحمار مطيّة

فإذا خلوت به فبئس الصاحب

وأيضا : قد سموا الجماد مع الحيّ صاحباً ، فقالوا في السيف شعراً :

زرت هنداً وذاك غير اختيان

ومعي صاحب كتوم اللسان

يعني : السيف. فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة ، وبين الحيوان والجماد ، فأيّ حجّة لصاحبك فيه ؟!وأمّا قولك : أنّه قال : « لا تحزن » ؛ فإنّه وبالٌ عليه ومنقصةٌ له ودليلٌ على خطئه ، لأنّ قوله : « لا تحزن » نهيٌ وصورة النهي قول القائل : « لا تفعل » لا يخلوا إمّا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعةً أو معصيةً ، فإن كان « طاعةً » فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملا ينهى عن الطاعات ، بل يأمر بها ويدعو إليها ، وإن كان « معصيةً » فقد نهاه النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمعنها ، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنّه نهاه.

وأمّا قولك : أنّه قال : « إنّ اللّه معنا » ، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قد أخبر أنّ اللّه معه ، وعبّر عن نفسه بلفظ الجمع ، كقوله : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ».

وقيل أيضا في هذا : إنّ أبا بكر قال : « يا رسول اللّه حزني على أخيك عليّ بن أبي طالب ما كان منه » فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : « لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّه َ مَعَنا » أي : معي ومع أخي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وأمّا قولك : إنّ السكينة نزلت على أبي بكر ، فإنّه تركٌ للظاهر : لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده بالجنود ، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا » فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهوصاحب الجنود ، وفي هذا إخراجُ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم من النبوة على أنّ هذا الموضع

ص: 61

لو كتمته على صاحبك كان خيرا له لأنّ اللّه تعالى انزل السكينة على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها ، فقال - في أحد الموضعين - : « فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ».

وقال في الموضع الآخر : « أَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِين وأَنْزَلَ جُنُودا لَمْ تَرَوْهَا » وعندما خصّه في هذا الموضع وحده بالسكينة قال : « فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ »فلو كان معه مؤمنٌ لأشركه معه في السكينة كما أشرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدلّ إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان ، فلم يحر جواباً وتفرق الناس واستيقظت من نومي ».(1)

ص: 62


1- الإحتجاج ، ج 2 ، ص 607 - 612.

ص: 63

الآية الرابعة :

اشارة

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّه ُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ »(1)

وجه الاستدلال بها :

قد يقال إنّ هذه الآية نزلت في حقّ أبي بكر ، إذن هو الموصوف بالصفات الموجودة في الآية ، ومَن تثبت له هذه الصفات يجب أن يقطع بصحة إمامته ، إذ لو كانت إمامته باطلة ، لما كانت هذه الصفات لائقة به.

- أمّا وجه ادّعاء نزولها في حقّه :

هذه الآية مختصة بمحاربة المرتدين ، وأبو بكر هو الذي تولّى محاربة فرقٍ عديدةٍ منهم ، كفزارة وغطفان وبني سليم وغيرهم.

ص: 64


1- سورة المائدة ، 54.

ولو أخذنا بنظر الاعتبار محاربة عليٍ عليه السلام للمرتدّين أيضا ، نقول إنّ محاربة أبي بكر لهم كانت أعلى رتبةً وأكثر تأثيرا في الإسلام من محاربة عليٍ مع من خالفه في الإمامة ، لأنّ أبا بكر هو الذي قهر مسيلمة وطليحة وحارب الطوائف السبعة من المرتدين ومانعي الزكاة وعندما فعل ذلك ، استقرّ الإسلام وانبسطت دولته.

فثبت أنّ محاربة أبي بكر أعظم تأثيرا في نصرة الإسلام وتقويته من محاربة عليٍ عليه السلام ، ومن المعلوم أنّ الآية في مقام تعظيم قومٍ يسعون في تقوية الدين ونصرة الإسلام ، ولمّا كان أبو بكر هو المتولّي لذلك ، وجب أن يكون هو المراد بالآية.(1)

- وأمّا ثبوت الصّفات التي في الآية له :

لقد وصف تعالى الذين أرادهم بهذه الآية بصفاتٍ :

أوّلها : « يحبّهم ويحبّونه » » ومن وصفه اللّه تعالى بذلك ، يمتنع أن يكون ظالما وذلك يدلّ على أنّه كان محقّا في إمامته.

ثانيها : قوله تعالى « أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ » وهذا القول لا يليق إلاّ به ، لأنّه كان يذبّ عن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم حين كان عليه الصلاة والسلام في مكّة ، وكان يلازمه ويخدمه. وفي وقت خلافته لم يلتفت إلى قول أحدٍ وأصرّ على أنّه لابدّ من المحاربة مع مانعي الزكاة والمرتدّين.

ثالثها : قوله تعالى « يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ » فهذا المعنى يشترك فيه أبو بكر وعليّ عليه السلام إلاّ أنّ حظّ أبي بكر فيه أتمّ وأكمل ، وذلك لأنّ مجاهدة أبي بكر مع الكفّار كانت في أوّل البعثة وآنذاك كان الإسلام في غاية الضعف، وكان أبو بكر يجاهد الكفّار بمقدار قدرته ويذبّ عن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بغاية

ص: 65


1- التفسير الكبير ، ج 12 ، ص 21.

وسعه ، وأمّا عليّ عليه السلام فإنّه إنّما شرع في الجهاد يوم بدرٍ وأُحدٍ وفي ذلك الوقت كان الإسلام قوّيا(1) وكانت العساكر مجتمعة.

نقول في الجواب :

يلاحظ من الادّعاء السابق أنّ المتوهم زعم أمرين ، أحدهما نزول الآية في شأن أبي بكر ، والثاني ثبوت الصفات في الآية في حقّه.

نحن بعون اللّه تعالى سنبدأ في البحث ونُجيب عن كلا الأمرين.

فنقول :

إنّنا لا نسلّم نزول هذه الآية في أبي بكر ولا نرى ثبوت تلك الصفات له لوجوهٍ :

الوجه الأوّل : يظهر للباحث المتتبّع أنّ ما وصفوه بالرّدّة في عصر أبي بكر لم يكن بالارتداد عن الإسلام ، وإليك تفصيله :

قد ورد « ردّ » في القرآن الكريم بمعنى (الإرجاع) عن الدين وصرف المسلمين عن الإسلام كما في الآية التالية : « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ »(2) و ورود « إرتدّ » بمعنى « رجع » عن دينه كما في الآية 54 من سورة المائدة والآية 217 من سورة البقرة ثمّ شاع استعماله في المعنى الأخير عند المسلمين حتّى أنّه لا يتبادر إلى ذهن السامع معنىً غيره. والرّدّة : اسم من الارتداد.

عندما انتشر خبر وفات النبيّ في الجزيرة العربيّة ، كان سكّانها العرب على قسمين : منهم من كان قد أسلم قبل ذلك ، ومنهم من لم يكن قد أسلم.

ص: 66


1- فلذا فرّ الصحابة من الحروب وفيهم أبوبكر وعمر وعثمان يوم أُحد.
2- سورة آل عمران ، 100.

أمّا غير المسلمين منهم ، فقد قويت شوكتهم وظهرت معارضتهم ، ولكنّ المسلمين منهم ، تربّصوا وتريّثوا واشرأبّت أعناقهم إلى المدينة يترقّبون أخبارها ، وإذا بهم يسمعون أنّ عاصمة الإسلام تغلي كالمِرْجل ومنها أخبار « بيعة أبي بكر » ، وما جرى يومذاك في الواقع هو أعظم مما بلغنا بعد مئات السنين. إذ بلغهم تناحُر أصحاب الرسول على البيعة وتأخّر عامّة بني هاشم وامتناع سعد رئيس الخزرج عنها ، إلى غير ذلك من أحداثٍ ، ولذلك لم تعترف عشائر من عرب الجزيرة - الذين كانوا قد أسلموا - ببيعةٍ كهذه ليرسلوا زكاتِهم الى المدينة. ولهذا تخلّف مَن تخلّف مِن المسلمين عن دفع الزكاة إلى مدينة الرسول بعد وفاته ، وكان مردّ ذلك إلى عدم الخضوع لأبي بكر والامتناع عن بيعته ، لا الامتناع عن أداء الزكاة وقبول الصلاة.

قال ابن كُثير : « وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرّون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة ، ومنهم مَن امتنع مِن أداء الزكاة إلى الصدّيق وأنشد بعضهم(1) :

أطعنا رسول اللّه ما دام بيننا

فوا عجباً ما بالُ مُلك أبي بكر ؟!(2)

ورَوى في موضعٍ آخر(3) عن أبي مخنف : « إنّ خيل طَى ءٍ كانت تلقى خيلَ بني أسد وفزارة قبل قدوم خالد عليهم فيتشاتمون ولا يقتتلون ، فيقول أسد وفزارة : « لا واللّه لا نبايع أبا الفصيل(4) أبدا ، فتقول لهم خيل طى ءٍ : نشهد ليُقاتِلُنّكم حتى تُكَنّوه أبا الفحْل الأكبر(5) ».

ص: 67


1- بهامش الأحكام السلطانية : إنّ القائل هو حارثة بن سراقة ، وفي منتهى الآمال للقمي ، ج 1 ، ص 209 ، القائل : مالك بن نويرة.
2-
3- 2 البداية والنهاية ، ج 6 ص 222. البداية والنهاية ، ج 2 ، ص 48.
4- كانوا يكنّونه « أبا الفصيل » غمزاً به لأنّ « البكر » هو الفتى من الإبل و« الفصيل » ولد الناقة إذا فصل عن أُمّه.
5- تقول أسد وفزارة لا نبايع أبا الفصيل ، أي أن أبا بكر أبو الفصيل : فتقول لهم طى ء : إنّ أبا بكر سيقاتلكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر.

ثمّ إنّ أبا بكر حارب أُولئك الأعراب وقتلهم حتى لم يبقَ معارضٌ له ولبيعته. ثمّ توجّه إلى حرب بقية المشركين والمتنبئين الذين كانوا منتشرين في الجزيرة العربيّة منذ عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، حتّى إذا ما أبادوهم ، اتّجه نحو الفتوحات. وقد سمّى المؤرّخون جميع الحروب التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله وسلمبين جيوش أبي بكر وعرب الجزيرة ب« حروب الرّدّة » كما سمّوا جميع المخالفين لابي بكر عن الذين كانوا خارج المدينة ب « المرتدين » والحال أنّهم كانوا بين المسلم الذي لم يبايع أبا بكر ولم يدفع الزكاة إليه والكافر ، الذي لا يصحّ تسميته بالمرتدّ.(1)

الوجه الثّاني : قد نقل بعض المفسرين عدم نزولها في أبي بكر وأكّدوا نزولها في غيره. فمن آرائهم : نزولها في عليّ عليه السلام(2) كما روى الثعلبي ، ونزولها في الفرس ،(3) ونزولها في الأنصار(4) ؛ وليس قول من زعم نزولها في أبي بكر أولى مِن قول مخالفيه.

الوجه الثالث : الحقّ انّها نازلة في أميرالمؤمنين عليه السلام لأسبابٍ :

منها : ما رواه الفريقان ؛ فقد عرفت رواية الثعلبي له ، ويؤيّد صحّة رواية الثعلبي ما ورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال يوم البصرة : « واللّه ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم » ثم تلاها(5) ومثله عن عمار وحذيفة.(6)

ومنها : انطباق أوصاف مَن يأتي اللّه به - المذكورة في الآية - على أميرالمؤمنين عليه السلام دون غيره. وإليك اثبات انطباقها على عليّ عليه السلام وعدم انطباقها

ص: 68


1- عبداللّه بن سبأ وأساطير أُخرى ، ج 1 ، ص 169.
2- عمدة عيون صحاح الأخبار ، ص 158 ، ح 244 عن الثعلبي ؛ تفسير البحر المحيط ، ج 3 ، ص 511.
3- تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 79 ؛ تفسير الكشاف ، ج 1 ، ص 646 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 132.
4- تفسير السّدى ، ص 231 ؛ تفسير الطبري ، ج 6 ، ص 340.
5- مجمع البيان ، ج 3 ، ص 359.
6- تفسير التبيان ، ج 5 ، ص 356 ؛ المناقب ، ج 3 ، ص 174.

على أبي بكر وصاحبه :

- قوله تعالى « يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه » في أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال يوم خيبر بعد ما رجع أبو بكر و عمر منهزمين : « لأُعطيَنَّ الراية غدا إلى رجلٍ يحبُّ اللّه ورسوله ويحبُّه اللّه ورسوله ، كرّار غير فرّار »(1) وهو ظاهر بل صريح في التعريض بمن فرّ وأنّه ليس على هذه الأوصاف.(2)

- قوله تعالى « أذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين » : معلوم بلا خلاف حالة أميرالمؤمنين

عليه السلامفي الخشوع والتواضع وزمّ نفسه وقمع غضبه وأنّه ما رُؤِي طائشا ولا مستطيرا(3) في حالٍ من احوال الدنيا ، وحال أبي بكر وعمر معلومٌ في هذا الباب. أمّا أحدهم فأنّه اعترف طوعا بأنّ له شيطانا يعتريه عند غضبه ، وأمّا الآخر فكان معروفا بالحدّة والعجلة ، مشهورا بالفظاظة والغلظة.

- قوله تعالى « أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرين » : فإنّما العزّة عليهم تكون بقتالهم وجهادهم والانتصاف منهم ، وهذه الحالة والمواصفة لم يسبق أميرالمؤمنين عليه السلامإليها سابق في الحقيقة ولا لحقه فيها لاحق. لأنّ وصف مجاهدته ومواساته مع الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وأوليّة إسلامه أبرز وأظهر من الشمس وغنيٌّ عن البيان ،(4) وفي

مقابله وصف

ص: 69


1- جاءت هذه الرواية في أُمّهات مصادر الجمهور ؛ إذن لا وجه لتوهم الرازي في تفسيره : « أنّ هذا الخبر من باب الآحاد فلا يجوز التمسك به ».
2- دلائل الصدق ، ج 5 ، ص 82 و 83.
3- الطَّيْش: خفّة العقل والنَّزَق لسان العرب ، ج 4 ، ص 215 ؛ مستطير: شرّير. استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمرٍ - وكانت حاملاً - فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها ؛ وهو الذي كسر يوم السقيفه سيف الزبير ودفع في صدر المقداد ووطى ء سعد بن عبادة وقال: اقتلوا سعدأ وحطّم أنف الحباب بن المنذر وتوعّد مَن لجأ الى دار فاطمة عليهاالسلام من الهاشميين ، وهو الذي نفح اخته بيده فَدِمَي وجهها وكان له درةٌ أهيب مِن سيف الحجاج. شرح نهج البلاغة ، ج 1 ، ص 135 و 137 و 141.
4- نقتصر على موردين وعلى الباحث أن يراجع أمثالهما : أ : قال إبن أبي الحديد : « فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود ، فإنّها أجلّ من أن يقال جليلة ، وأعظم من أن يقال عظيمة ، وما هي إلاّ كما قال شيخنا أبو الهذيل ، وقد سأله سائل : أيّما أعظم منزلة عنداللّه ، عليّ أو أبوبكر ؟ فقال : يابن أخي ، واللّه لمبارزة عليّ عمروا يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم وتربى عليها ، فضلاً عن أبي بكر وحده ». راجع شرح نهج البلاغة ، ج 19 ص 38. ب : عن أبي عبداللّه عليه السلام : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كان بمكّة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب ، وأَغروا به الصبيان ، وكانوا إذا خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يرمونه بالحجارة والتراب ، وشكا ذلك إلى عليّ عليه السلام فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه ، إذا خرجت فأخرجني معك ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ومعه أميرالمؤمنين عليه السلام ، فتعرض الصبيان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كعادتهم ، فحمل عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ، فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا علي ، قضمنا عليّ ، فسمّي لذلك « ألْقُضَم » وقد يقال : ان طلحة بن أبي طلحة لما برز اليه علي بن أبيطالب عليهماالسلام يوم أحد سأل عليّا : من هو ؟ فاخبره. فقال : قد علمتُ ياقضم إنه لا يجسر عليّ أحدٌ غيرك. راجع : البحار ، ج 20 ، ص 52 وتفسير القمي ، ص 77 و 78.

تأخر إسلام أبي بكر وعمر وفرارهما من الحروب أيضا أظهر من الشمس وغنيٌ عن البيان.(1)

إذن ما قيل من ذبّ أبي بكر عن الرسول حينما كان صلى الله عليه و آله وسلم في مكّة وملازمته وخدمته ؛ توهّمٌ وليس بصحيحٍ.

- قوله تعالى « يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ » : قد مرّ الجواب في الفقرة السابقة ، ولمزيدٍ من البيان ؛ نقول إنّ هذا وصفُ أميرالمؤمنين عليه السلام مستحقٌ له بالاجماع ، وهو منتفٍ عن أبي بكر وعمر بالاجماع أيضا لأنه لا قتيل لهما في الإسلام ولا جهاد بين يدي الرسول صلى الله عليه و آله وسلم(2) فضلاً عن الأكملية والأتمية.

وما قيل من : « أنّ مجاهدة أبي بكر كانت في أوّل البعثة وأنّه ذبّ عن الرسول بغاية وسعه ولذلك تُفضل مجاهدته على جهاد عليّ عليه السلام لأنّه شرع في الجهاد يوم

ص: 70


1- راجع هذا البحث في آية الغار المتقدمة.
2- الشافي ، ج 4 ، ص 44.

بدرٍ وأحدٍ وكان الإسلام في ذلك الوقت قويّا » ليس بصائبٍ ، وسالبٌ بانتفاء الموضوع ، لأنّه بين أيدينا تعابير كثيرة تثبت ذلك ، مثل : « لم يرمِ أبو بكر بسهمٍ قطّ ولا سلّ سيفا ولا أراق دما »(1) فعلى المدّعي أن يثبت مجاهدته أوّلاً ، ثمّ تفضيلها على مجاهدة عليّ عليه السلامبعد ذلك.

- قوله تعالى « ذلِكَ فَضْلُ اللّه ِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ » : لا يخفى أنّ ما في هذه الآية من الدّلالة على رفعة شأن عليّ عليه السلام وعلوّ مكانه ووصفه بكونه محبّا ومحبوبا لربّه ومجاهدا في سبيله على الجزم واليقين ، بحيث لا يبالى في اللّه لومة اللاّئمين ؛ ورحمته على المؤمنين وصولته على الكافرين ، وتعقيب جميع ذلك بقوله : « ذلِكَ فضْلُ اللّه ِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ »تعظيما لشأن تلك الصفات وتفخيما لها، فكيف لايستحق الخلافة والإمامة من هو بهذه الصفات وكيف يستحقها مَن اتّصف بأضدادها ؟!(2)

الوجه الرابع : مقتضى الأخبار نزولها في عليّ عليه السلام : فمنها : المصرّحة بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال : « إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ». قال أبو بكر وعمر : أنا هو! قال صلى الله عليه و آله وسلم : « لا ، ولكنّه خاصف النعل » ؛ يعني عليّا(3) وهو يستلزم أن يكون مَن يأتي به اللّه لحرب المرتدين هو عليّ عليه السلام لا أبو بكر ؛ لأنّ حرب أميرالمؤمنين على التأويل دون أبي بكر ، فلابُدّ أن يكون المنذر في الكتاب العزيز بحربه هو عليّ عليه السلام.

ومنها : الأخبار الكثيرة التي أنذر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فيها الناس بعليّ خاصة ، وقال : « لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللّه رجلاً... » يعني عليّا ، فالأنسب أن يكون هو المنذر به في الآية.

ص: 71


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 13 ، ص 194.
2- بحارالانوار ، ج 36 ، ص 34.
3- مسند احمد ، ج 3 ، ص 501 ؛ المستدرك ، ج 4 ، ص 90 وصحّحه على شرط الشيخين ؛ مسند أبي يعلى ، ج 1 ، ص 348.

وقد روى أحمد عن عليّ عليه السلام ، قال : « جاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أناسٌ عن قريشٍ ، فقالوا : يا محمّد! إنّا جيرانك وحلفاؤك ، وإنّ أُناسا من عبيدنا قد أتوك ، ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه ، إنّما فرّوا من ضياعنا وأموالنا ، فارددهم إلينا. فقال لأبي بكر : ما تقول ؟ قال : صدقوا ، إنّهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغيّر وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم. ثمّ قال لعمر : ما تقول ؟ قال : صدقوا ، إنّهم جيرانك وحلفاؤك. فتغيّر وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم. فقال : « يا معشر قريش! واللّه ليبعثنّ اللّه عليكم رجلاً قد امتحن اللّه قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين ، أو يضرب بعضكم ». فقال أبو بكر : أنا يا رسول اللّه ؟ قال : لا. قال عمر : أنا يا رسول اللّه ؟. قال : « لا ، ولكنّه الذي يخصف النعل » ؛ وكان أعطى عليّا نعلاً يخصفها.(1)

ومثله في خصائص النسائي(2) ونقل في « الكنز » نحوه ، عن الخطيب وعن الترمذي ، قال : وقال : حسنٌ صحيحٌ.(3) وعن ابن جرير ، قال : وصححه(4) وعن ابن أبي شيبة ، وابن جرير والحاكم في « المستدرك ».(5)

ونظائره كثيرةٌ في الأخبار التي تفيد أن سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وعادته كانت في الإنذار بعليٍّ(6) فتحمل عليه الآية ؛ لإنّ إنذاره من إنذار اللّه تعالى ، وما كان ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحيٌ يوحى.

ولو كان أبو بكر صالحا لذلك لَما ردّه النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم. مع أنّه يُعلم من قول أبي بكر : « صدقوا... إنّهم جيرانك وحلفاؤك » أنّه ليس ممّن لا يخاف لومة لائم ؛ فلا يكون

ص: 72


1- انظر فضائل الصحابة لأحمد ، ج 2 ، ص 806 ، ح 1105.
2- خصائص الإمام عليّ عليه السلام ، ص 217 ، ح 156.
3- كنزالعمال ، ج 13 ، ص 173.
4- كنزالعمال ، ج 13 ، ص 173.
5- مصنف ابن ابى شيبة ، ج 7 ، ص 497 ؛ المستدرك على الصحيحين ، ج 2 ، ص 447.
6- انظر : سنن الترمذي ، ص 978 ؛ السنن الكبرى ، ج 5 ، ص 127 ؛ المصنّف ، ج 7 ، ص 497 وغير ذلك.

مرادا بالآية هو وأشباهه.

كما أنّه يُعلم مِن ردّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم له ، بعد وصفه لمن يبعثه بأنّه امتحن اللّه قلبه بالإيمان ، أنّه ليس على هذا الوصف ، وإلاّ لما ردّه ، فلا يكون ممّن يحبّ اللّه ويحبّه اللّه ُ ؛ إذ لا يكون كذلك إلاّ صاحب الإيمان الكامل الممتَحن قلبه به ؛ وحينئذٍ فلا يكون مرادا بالآية.

وأيضا : فقد جعل النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في بعض هذه الأحاديث وغيرها عليّا منه أو كنفسه. فيكون هو الأحقّ بالأوصاف المذكورة في الآية وهو المقصود فيها.

هذا وممّا يستوقف الفكر ويُثير العجب ، قول عمر : « صدقوا » بعد ما تغيّر وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من قول أبي بكر! ولكنّه ليس بأعجب من قوله : « إنّ الرجل ليهجر »! إلى كثيرٍ من أقواله وأفعاله معه.

ولا ندري كيف تجرّأ هو وصاحبه أن يجعلا للكافرين على المؤمنين سبيلاً ، ويردّا من آمنوا باللّه ورسوله ، إطاعةً وخدمةً لمن كفر بهما ؟!

وكيف مع هذا يكونان إمامَين للناس. ويُؤَمَّنان على الأُمّة وأنفسها واموالها ؟!(1)

ص: 73


1- دلائل الصدق ، ج 5 ، ص 90 و 91.

الآية الخامسة :

اشارة

« وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللّه ُ لَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ »(1)

قيل هذه الآية دالّةٌ على أفضلية أبي بكر بدليلين :

الدليل الأوّل : انّها نزلت في أبي بكر.

الدليل الثاني : إذا ثبت أنّه هو المراد من قوله « أُولوا الفضل » فهو الأفضل بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم.

سنبدأ في بيان الدليلين أوّلا ، ثمّ نورد عليهما ونناقشهما :

أمّا استدلال المتوهّم لنزولها فيه :

يقال أنّ الآية نزلت في أبي بكر حيث حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خاله وقد كان يتيما في حجره وكان ينفق عليه وعلى قرابته ، فلمّا نزلت آية الإفك وكان ما كان من مسطح في عائشة قال لهم أبوبكر : « قوموا ، فلستم منّي ولست

ص: 74


1- سورة النور ، 22.

منكم » وحلف أن لا ينيل مسطحا خيرا أبدا. فلما نزلت الآية تحلل من يمينه وجعل له مِثْلَي ما كان له قبل ذلك اليوم.

وأمّا وجه الأفضلية له :

أجمع المفسّرون على أنّ المراد من قوله « أُولوا الفضل » أبو بكر ، وهذه الآية تدلّ على أنّه كان أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لأنّ من الواضح أنّ الفضل المذكور في الآية يكون في الدين ، فلو كان غيره مساويا له في الدرجات في الدين لم يكن هو صاحب الفضل ، لأنّ المساوي لا يكون فاضلاً. فبما أنّ الأُمة اجتمعت على كون الافضل إمّا أبوبكر وإمّا عليّ وبما أنّ المراد من الآية ليس عليا - لانّه لم يكن من أولي السعة في الدنيا في ذلك الوقت - فيثبت حينها أن المراد منه أبو بكر وأنّه هو الأفضل ، والأفضل عقلاً هو الإمام لا غيره.

والدليل الثاني على صحة إمامته في هذه الآية هو أنّ إمامته لو كانت على خلاف الحقّ ، لما كان مغفورا له على الإطلاق والحال انه موصوف بهذه الفقرة من الآية « يغفراللّه لكم » وهذا الكلام بصيغة المستقبل وغير مقيّد بشيءٍ يدلّ على أنّه سبحانه قد غفر له في ما بقيَ من عمره على الإطلاق!

نقول في الجواب :

أوّلاً : لا نرى صحة دعوى نزول الآية في أبي بكر ، وهو كما استوفاه السيد جعفر مرتضى العاملي ، وإليك نصّ عبارته :

« إنّ ذلك لا يصحّ ، وذلك للأمور التالية :

أوّلاً : روى عبدالرزاق ، عن ابن جريج ، ومعمر ، قالا : أخبرنا هشام بن عروة ، عن عائشة ، أنها أخبرته : أنّ أبا بكر لم يكن يحنث في يمين يحلف بها ، حتّى أنزل

ص: 75

اللّه كفارة الأيمان ، فقال : واللّه لا أرى يمينا حلفت عليها ، أرى غيرها خيرا منها ، إلاّ قبلت رخصة اللّه ، وفعلت الذي هو خير.(1) والسند صحيح عند الراغبين في منح عائشة وأبيها الأوسمة والكرامات.

ومن المعلوم : أنّ آية كفارة الأيمان قد جاءت في سورة المائدة ، وهي قد نزلت في أواخر حياة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم. فكيف حنث أبو بكر في قضيّة مسطح ، ثمّ قال : « لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرا منها إلاّ تحللتها ، وأتيت الذي هو خير.»

؟!(2)

إنّ هذا القول ينافيه قول عائشة السابق ويدفعه ، إذ إن عائشة تقول : إنّ أبا بكر قد قال هذا القول عندما نزلت آية كفارة الأيمان ، لا في مناسبة الإنفاق على مسطح ، وهو دليلٌ على عدم حنثه بيمينه في مسطح ، إن كان قد حلف حقّا!

ثانيا : أخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال : كان ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قد رموا عائشة بالقبيح ، وأفشوا ذلك ، وتكلّموا فيه. فأقسم ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، منهم أبو بكر : أن لا يتصدّقوا على رجلٍ تكلّم بشيءٍ من هذا ، ولا يصلوه إلخ...(3) وروي مثل ذلك عن الضحّاك أيضا.(4)

وهذا يعني : أنّ الآية لم تنزل في أبي بكر خاصّةً ، بل نزلت في ناسٍ منه أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم. ولعل قول الراوي : « منهم أبوبكر » قد جاء على سبيل الانصياع لرواية حديث الإفك التي تتوارد عليها العلل ، وتعبث بها الحقائق الثابتة أيّما عبثٍ.

ومهما يكن من أمرٍ ، فإنّ السؤال هو : لماذا تحصر الروايات نزول الآية

ص: 76


1- المصنف لعبد الرزاق ، ج 8 ، ص 497 ، وفي هامشه قال : وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه مخطوط ، ص 181 .
2- الدر المنثور ، ج 6 ، ص 162 عن إبن المنذر.
3- جامع البيان ، ج 18 ، ص 124 ؛ الدّرالمنثور ، ج 6 ، ص 163 ؛ المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 284.
4- جامع البيان ، ج 18 ، ص 124.

في خصوص أبي بكر ؟!

أضف إلى ذلك : أنّ الطبرسي رحمه الله قد ذكر هذه الرواية في مجمعه ، لكنّه لم يذكر فيها أبابكر.(1)

ثمّ لماذا تخصيص أبي بكر بالذكر هنا من بين سائر من حلف من أولئك الصحابة ؟ فهل لحلفه خصوصية ؟ أو طعم أو لون خاص ؟ لست أدري!!

ولكنّ الذي يتبادر إلى الذهن : أن تكون رواية الطبرسي هي الصحيحة ، وأنّ ذكر أبي بكر هنا ليس إلا من تزيّد الرواة ، ولا سيّما بملاحظة ما سيأتي من أنّ مسطحا لم يكن ممن جاء بالإفك أصلاً.

بقي أن نشير هنا : إلى أنّ رواية الطبرسي هذه هي الموافِقة لظاهر القرآن ، الذي عبّر عن هؤلاء الصحابة بصيغة الجمع ، كما أنّه جاء بثلاثة أنواعٍ من أناس قد حلف الصحابة على عدم نفعهم ، عبّر عنهم كلّهم بصيغة الجمع ، وهم : أولو القربى ، والمساكين ، والمهاجرين. فجَعْل ذلك كلّه متوجها إلى رجلٍ واحدٍ ، هو مسطح ، خلاف الظاهر.

ثالثا : لقد أنكر مسطح نفسه أن يكون ممن خاض في الإفك ، وأقسم أنّه ما قذف عائشة ، ولا تكلّم بشيءٍ ، فقال له أبو بكر : لكنّك ضحكت ، وأعجبك الذي قيل فيها ، قال : لعلّه قد كان بعض ذلك. فأنزل اللّه في شأنه : « وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ » الآية.(2)

ولعلّ ما ورد في مرسلة سعيد بن جبير من قوله : « ... وخاض بعضهم ، وبعضهم أعجبه ».(3) ناظر إلى هذا.

ص: 77


1- مجمع البيان ، ج 7 ، ص 234.
2- الدّر المنثور ، ج 6 ، ص 163 ، عن ابن أبي حاتم ، عن مقاتل.
3- فتح الباري ، ج 9 ، ص 400 ، وأشار إليه النيسابوري ، هامش الطبري ، ج 18 ، ص 68.

إذن فكيف حلف أبو بكر أن لا ينفعه بنافعةٍ أبدا ؟

وكيف تقول عائشة في روايتها : إنّه كان قد خاض في الإفك حتى نزلت الآية الشريفة في حقّه ؟!

رابعا : في روايةٍ عن ابن سيرين : أنّ أبا بكر حلف في يتيمين كانا في حجره ، أحدهما : مسطح ، الذي شهد بدرا ، والآية نزلت بهذه المناسبة.(1)

ونحن لا نعرف لماذا عبّر ابن سيرين عن مسطح بأنّه يتيم ، مع أنّه قد شهد بدرا! فهل الذي يشهد بدرا يكون صغيرا بحيث يطلق عليه أنّه يتيم في حجر من يربيه ؟! أليس قد مضى على بدرٍ من حين الإفك أكثر من أربع سنين ؟! أليس شهوده بدرا يدلّ على أنّه كان حينئذٍ في سنّ البلوغ على الأقل ، وقادرا على الحرب ، ويجيد الطعن والضرب ؟! وإلا لكان صلى الله عليه و آله وسلم قد ردّه كما ردّ ابن عمر.

وهل يصحّ إطلاق عبارة : « يتيم في حجر فلان » على الرجل الكامل العاقل ؟!

وإذا كان قد جلد حدا أو حدين ، كما في بعض الروايات ، فهل يجلد اليتيم القاصر ؟!

خامسا : نقول كلّ ذلك مع غضّ النظر عن التناقض الشديد في الرواية التي تتحدث عن أبي بكر ومسطح ، كما ربّما يظهر ذلك مما ذكرناه آنفا.(2)

سادسا : قد روي من طرق شيعة أهل البيت عليهم السلام : أنّ سبب نزول هذه الآية : أنّه

ص: 78


1- فتح الباري ، ج 9 ، ص 400 عن ابن مردويه والدرالمنثور ، ج 6 ، ص 163 عن ابن مردويه ، وعبد بن حميد. وفي جامع البيان ، ج 18 ، ص 124 : « إن أبابكر حلف أن لا ينفع يتيما كان في حجره ». ونقل رواية الحسن ومجاهد أيضا ، في مجمع البيان ، ج 7 ، ص 234 ، ونص على يتمه أيضا في السيرة الحلبية ، ج 2 ، ص 397 ، فراجع.
2- وأيضا مع غضّ النظر عن أنّ هذه الرواية لم تُرو إلا عن عائشة ، وابن عباس من الصحابة. وقد كان ابن عباس حين الإفك صغيرا ، يتراوح عمره بين الست والتسع سنين ، لو كان الإفك في سنة ست ، فتبقي رواية عائشة فقط. فتأمل.

جرى كلامٌ بين بعض الأنصار ، وبين بعض المهاجرين ، فتظاهر المهاجرون عليهم ، وعلوا في الكلام ، فغضب الأنصار من ذلك. وآلت بينها : أن لا تبرّ ذوي الحاجة من المهاجرين ، وتقطع معروفها عنهم ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ، فاتعظت الأنصار ».(1)

سابعا : إنّ إنفاق أبي بكر على مسطح غريبٌ ، وعجيبٌ ولا سيّما في فترة وقعة المريسيع ، التي كانت من الفترات الصعبة على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وأهل بيته ، حتّى أنّه ربّما كانت تمضي عليه ثلاثة أيّامٍ بلا طعامٍ.

وكان يشدّ الحجر على بطنه من الجوع ، ولم تنفرج الحالة إلاّ بعد خيبر ، كما تقول عائشة في معرض وصفها لحالة النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته المقرحة للقلوب في هذه الفترة.(2)

وقد ذكرت : أنّ الأنصار كانوا دائما يتفقّدونهم بجفان الطعام ، وجفنة سعد بن عبادة مشهورة.

فإذا كان أبو بكر من أهل الفضل والسعة في المال ، كما تنصّ عليه الآية ، فلماذا لم يكن ينفق على ابنته ؟! فضلاً عن أن يهدي للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته ، كما كان يفعل سعد بن عبادة! وإذا كان يفعل ذلك ، فلماذا لم يروِ لنا أحدٌ شيئا يذكر من ذلك ؟!

لا مال لأبيبكر لينفق على أحد :

ولقد كان أبو بكرٍ خياطا ، ولم تكن حصّته في الغنائم إلا كواحدٍ من المسلمين ، ولهذا احتاج إلى مواساة الأنصار له(3) في المدينة.

ص: 79


1- تلخيص الشافي ، ج 3 ، ص 216.
2- راجع : طبقات ابن سعد ، ج 1 ، ص 276 ؛ وليراجع من ص 271 حتى 276.
3- تلخيص الشافي ، ج 3 ، ص 237.

وأمّا المال الذي يقال : إنّه حمله من مكّة إلى المدينة : خمسة آلاف أو ستة آلاف ، فنحن لا نجده أنفق منه على ابنته أسماء التي تزوجت الزبير ، وهو فقير لا يملك شيئا سوى فرسه ، فكانت تخدم البيت ، وتسوس الفرس ، وتدقّ النّوى لناضحه ، وتعلفه ، وتستقي الماء ، وتنقل النّوى على رأسها من أرض الزبير التي أقطعه إيّاها الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، على بعد ثلثي فرسخٍ من المدينة.(1)

فلماذا لا ينفق على ابنته ، ويكفيها حاجاتها ، وهي بتلك الحالة من التعاسة والفقر » ؟!(2)

- ثانيا : إذا ثبت أنّ المراد من الآية ليس أبا بكر ، لا يبقى محلّ لذلك التوهّم وينتفي المحمول بانتفاء موضوعه.

ولكن لو سامحنا عن هذا ، وسلّمنا النزول فيه - مع غضّ النظر عن كلّ ما تقدّم آنفا - نقول :

ما الدليل على إثبات الفضيلة لأبي بكر بهذه الآية فضلاً عن أفضليته ؟! إذن على المدّعي أن يثبت الفضيلة له بهذه الآية أوّلاً ، ثمّ الأفضلية ثانيا. فاذا بيّنا عدم استفادة أيّ فضلٍ منها ، تنتفي الأفضلية بطريقٍ أولى.

فيرجع البحث إلى إثبات : هل تدلّ الآية على فضل أبي بكر أم لا ؟

فنقول ، لا يخلو امتناع أبي بكر عيلولة مسطح والإنفاق عليه من أن يكون مرضيا للّه تعالى ، وطاعةً له ورضوانا ، أو أن يكون سخطا للّه ومعصيةً وخطأً ، فلو كان مرضيا للّه سبحانه وقربة إليه لما زجر عنه وعاتب عليه ، وأمر بالانتقال عنه وحضّ على تركه ، وإذا لم يك للّه تعالى طاعةً ، فقد ثبت أنّه معصيةٌ مسخوطةٌ

ص: 80


1- صحيح البخاري باب الغيرة في النكاح ، ومسلم كتاب النكاح ، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق ، ومسند أحمد ، ج 7 ، ص 486 ، ودلائل الصدق ، ج 6 ، ص 533.
2- الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم ، ج 13 ، ص 194 - 199.

وفسادٌ في الدين ، وهذا دالٌّ على نقص الرجل وذمّه ، وهو بالضدّ ممّا توهّموه.(1)

إذن ما قيل : « أنّ الآية دالّة على المدح واللّه لا يمدح الفضل الدنيوي فالفضل في الآية يكون في الدين » توهّم وغير صحيحٍ.

على أنّ مسطحا من بني عبد مناف ، وهو من ذوي القربى للنبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وما نزل من القرآن في إيجاب صلته وبرّه والنفقة عليه فإنّما هو شيءٌ على استحقاقه ذلك عند اللّه تعالى ، ودالٌّ على فضله ، وعائدٌ على قومه بالتفضّل وأهله وعشيرته ، وكاشفٌ عمّا يجب بقرابة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم من التعظيم لمحسنهم ، والعفو عن مسيئهم ، والتجاوز عن الخاطى ء منهم ، وليس يتعدّى ذلك إلى المأمور به ، ولا يكسبه شيئا ، وفي هذا إخراجٌ لأبي بكر من الفضيلة بالآية على ما شرحناه.

على أنّ مسطحا ، وإن كان من بني عبد مناف ، فإنّه ابن خالة أبي بكر ، لأنّ أُمّه أُثاثة بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ، وكان أبو بكر يموّنه لرحمه منه ، دون حقّه بالهجرة والإيمان ، فلمّا كان منه من أمر عائشة ما كان امتنع من عيلولته وجفاه ، وقطع رحمه غيظا عليه وبغضا له ، فنهاه اللّه تعالى عن ذلك ، وأمره بالعود إلى برّه ، وأخبره بوجوب ذلك عليه لهجرته وقرابته من النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ودلّ بما أنزله فيه على خطئه في حقوقه وقطيعته من استحقاقه لضدّ ذلك بإيمانه وطاعته للّه تعالى وحسن طريقته ؛ فأين يخرج من هذا فضل لأبي بكر ؟! إلاّ أن تكون المثالب مناقب ، والذمّ مدحا ، والقبيح حسنا ، والباطل حقّا! وهذا نهاية الجهل والفساد.

وأمّا قولهم : أنّ أبا بكر كان من أهل السعة في الدنيا بظاهر القرآن ؛ فالقول فيه كالمتقدّم سواءٌ ، ومن بعد ذلك فإنّ الفضل والسعة والنقص والفقر من باب التضايف ؛ فقد يكون الإنسان من ذوي الفضل بالإضافة إلى مَن دونه مِن أهل

ص: 81


1- الإفصاح ، ص 178.

الضائقة والفقر ، ويكون مع ذلك مسكينا بالإضافة إلى مَن هو أوسع حالاً منه ، وفقيرا إلى مَن هو محتاج إليه.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، لم ينكر وصف أبي بكر بالسعة عند إضافة حاله إلى مسطح ونظائره من المضطرّين بالفقر ومَن لا معيشة له ولا عائدة عليه ، كما يكون السقف سماءا لمن هو تحته ، وتحتا لمن هو فوقه ويكون الخفيف ثقيلاً عند ما هو أخفّ منه وزنا ، والقصير طويلاً بالإضافة إلى من هو أقصر منه ؛ وهذا ما لا يقدح في قول الشيعة ، ودفعها الناصبة [اتباع مدرسة الخلفاء] عمّا ادّعته لأبي بكر من الإحسان والإنفاق على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، حسب ما تخرّصوه من الكذب في ذلك ، وكابروا به العباد ، وأنكروا به ظاهر الحال ، وما جاء به التواتر من الأخبار ، ودلّ عليه صحيح النظر والاعتبار ، وهذا بيّنٌ لمن تدبّره.

ثمّ نقول لهم : خبّرونا عما ادّعتيموه لأبي بكر من الفضل ، هل كان موجبا لعصمته من الضلال في مستقبل الأحوال ودالاًّ على صوابه في كلّ فعلٍ وقولٍ ، وأنّه لا يجوز عليه الخطاء والنسيان ؟!

فإن ادّعوا له العصمة من الآثام ، خرجوا عن الاجماع وتفرّدوا بالمقال ودفعوا الأخبار فإذا كانت العصمة مرتفعة عنه والخطأ جائزا عليه لم يُفد هذه الفضيلة المتوهّمة لإمامته شيئا(1).

ص: 82


1- الإفصاح ، ص 178 - 183.

ص: 83

الآية السادسة :

اشارة

« قُل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّه ُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ».(1)

استدلّ بعض العامّة على إمامة أبي بكر بهذه الآية من سورة الفتح :

أمّا كيفيّة الاستدلال :

قال اللّه تعالى في الآية 11 من هذه السورة : « سَيَقُولُ لَكَ الْمُ-خَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ »(2) وجاء في الآية 15 منها : « سَيَقُولُ الْمُ-خَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللّه ِ قُل لَن تَتَّبِعُونَا كَذلِكُمْ قَالَ اللّه ُ مِن قَبْلُ »(3) يعني قوله في

الآية 83 من سورة التوبة : « لَن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً » ،(4) ثمّ قال :

ص: 84


1- سورة الفتح ، 16.
2- سورة الفتح ، 11.
3-
4- 3 سورة الفتح ، 15. سورة التوبة ، 83.

« قُل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّه ُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ».(1)

فتبيّن أنّ الذي يدعو هؤلاء المخلّفين من الأعراب إلى قتال قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ غير النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لأنّه تعالى قد بيّن أنّهم لا يخرجون معه ولا يقاتلون معه عدوّا بالآية المتقدّمة ولم يدعهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى قتال الكفّار أحد إلاّ أبو بكر وعمر وعثمان ، لأنّ أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل ، فقال بعضهم : عَنِيَ بقوله : « سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ » بني حنيفة ، وقال بعضهم : عَنِيَ بذلك فارس والروم ، وأبو بكر هو الذي دعى إلى قتال بني حنيفة ، وقتال فارس والروم ، ودعاهم بعده إلى قتال فارس والروم عمر ؛ فإذا كان اللّه تعالى قد بيّن أنّهم بطاعتهم لهما يؤتيهم اللّه أجرا حسناً ، وإن تولّوا عن طاعتهما يعذّبهم اللّه عذابا أليماً ، صحّ أنّهما على حقٍّ وأنّ طاعتهما طاعة اللّه ، وهذا يوجب صحة إمامتهما وصلاحهما لذلك.(2)

والمؤيّد لذلك قوله تعالى : « تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ » لأنّ مشركي العرب والمرتدّين هم الذين لا يقبل منهم إلاّ الإسلام أو السيف عند أبي حنيفة ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب. والمجوس تقبل منهم الجزية ،(3) وعند الشافعي لا تقبل الجزية إلاّ من أهل الكتاب والمجوس دون مشركي العجم والعرب.(4)

ولكن نقول :

هذا ليس أكثر من دعوى عارية عن البرهان ، وذلك لأنّ مضمون الآيات المذكورة

ص: 85


1- سورة الفتح ، 16.
2- الشافي في الإمامة ، ج 4 ص 33.
3- بدائع الصنائع ، ج 7 ، ص 164 و 165.
4- الكشاف ، ج 4 ص 338.

ينبيء عن منع المخلّفين من اتّباع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عند الانطلاق إلى المغانم التي سأله القوم اتّباعه ليأخذوها ، ولا حظر عليه صلوات اللّه عليه وآله من اخراجهم معه في غير ذلك الوجه ولا منع له من إيجاب الجهاد عليهم معه في مغازٍ أُخر.

واتّفق المفسّرون(1) على أنّ منع اللّه تعالى المخلّفين من اتّباع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمفي الوصول الى المغانم كان في فتح خيبر ، ولا اختلاف بين أهل السِّيَر والآثار في أنّ الغزوات العديدة التي قام بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بعد غزوة خيبر كان قد دعى فيها إلى جهاد الكفّار. فكيف يكون الداعي لهؤلاء غير النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مع ما ذكرناه من الحروب التي كانت بعد خيبر ؟! ولقي المسلمون في تلك المقامات من أعدائهم ما انتظم وصف اللّه تعالى له بالبأس الشديد ، لا سيّما بمؤتة وحنين وتبوك إضافةً لما كان قبلها وبينها وبعدها من الغزوات.

مضافا إلى ذلك : لو أراد اللّه تعالى منع المخلّفين من اتّباع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في جميع غزواته لما خصّ ذلك بوقتٍ معينٍ دون ما سواه ، ولكان الحظر له واردا على الاطلاق ، وبما يوجب عمومه في كلّ حال ، ولمّا لم يكن الأمر كذلك بل كان مختصّا بزمان الغنائم التي تضمن البشارة فيها القرآن وبوصف مسألتهم له بالاتّباع دون حال الامتناع منه أو الإعراض عن السؤال ، دلّ على بطلان هذا التوهّم.

وتوهّم حظر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم عليهم بالاتّباع له على كلّ حالٍ بقوله جلّ اسمه في سورة التوبة : « لَن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً »(2) وأنّ هذا هو المراد بقوله في سورة الفتح : « كَذلِكُمْ قَالَ اللّه ُ مِن قَبْلُ »(3) على أنّه صلى الله عليه و آله وسلم منع من اخراجهم

ص: 86


1- معالم التنزيل ، ج 5 ، ص 104 ؛ الكشاف ، ج 4 ، ص 337 ؛ التفسير الكبير ، ج 28 ، ص 90 ؛ تفسير القرطبي ، ج 16 ، ص 270.
2- سورة التوبة ، 38.
3- سورة الفتح ، 15.

معه أبدا. وبهذا ثبت أنّ قولهم أن الداعي لهم إلى قتال القوم الذين وصفهم بالبأس الشديد هو غيره ، وهو أبو بكر وعمر وعثمان ، باطلٌ ، لأنّها نزلت في غزوة تبوك بإجماع علماء الأمّة بقرينة الآية السابقة وما قبلها : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ».(1) ولا خلاف أنّ الآيات التي نزلت في سورة الفتح نزلت في المتخلّفين عن الحديبيّة وبين هاتين الغزوتين من تفاوت الزمان ما لا يختلف فيه اثنان من أهل العلم ، وبين الفريقين أيضا في النعت والصفات اختلاف في ظاهر القرآن ، فكيف يكون ما نزل بتبوك - وهي في سنة تسعٍ من الهجرة - متقدماً على النازل في عام الحديبيّة - وهي سنة ستٍّ -(2) ولا يجوز أن يقال في القرآن بالآراء وبما يحتمل من الوجوه في كلّ موضعٍ دون الرجوع إلى تاريخ نزول الآية والأسباب التي وردت عليها وتعلّقت بها.(3)

وممّا يُثبتُ أنّ هؤلاء المخلّفين غير أُولئك - أنّنا لو لم نرجع في ذلك إلى نقل وتاريخ - قوله في هؤلاء : « فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّه ُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً »(4) فَلَمْ يُقطع فيهم على طاعة ولا معصية ، بل ذكر الوعد والوعيد على ما يفعلونه من طاعةٍ أو معصيةٍ ، وحكم المذكورين في آية التوبة بخلاف هذا ، لأنّه تعالى بعد قوله : « إِنَّكُم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ » ، قال : « وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَداً وَلاَتَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّه ُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا

ص: 87


1- سورة التوبة ، 38.
2- الافصاح ، ص 108 - 112.
3- الشافي في الامامة ، ج 4 ، ص 39.
4- سورة الفتح ، 16.

فِي الْدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ »(1) واختلاف أحكامهم وصفاتهم يدلّ على اختلافهم حتّى لو سلّمنا أنّ المذكورين في آية سورة الفتح غير المذكورين في آية التوبة.(2)

لو سلّمنا : تنزّلاً أنّ ما توهّموه من تضمّن الآية لوجوب طاعة داعِ المخلّفين من الأعراب بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وصدّقنا ما ادّعوه لأبي بكر وعمر وعثمان ، لكانت دلالة ذلك على إمامة أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السلامأولى من دلالته على إمامة من ذكروه ، وذلك لأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قد دعا بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمإلى قتال الناكثين بالبصرة والقاسطين بالشام والمارقين بالنهروان ، واستنفر كافّة المسلمين الى قتالهم وحربهم وجهادهم ، حتّى ينقادوا بذلك إلى دين اللّه تعالى الذي هجروه ويخرجوا به عن الضلال الذي اكتسبوه.

وثبت عند أهل العلم أنه لم تُرَ حرب في جاهليّةٍ ولا إسلامٍ أصعب ولا أشدّ من حرب صفّين ، ولا سيّما ما جرى من ذلك ليلة « الهرير » ، حتى فات أهل الشام فيها الصلاة وصلّى أهل العراق بالتكبير والتهليل والتسبيح ، بدلاً من الركوع والسجود والقراءة ، لما كانوا عليه من الاضطرار بتواصل اللقاء في القتال حتّى كلّت السيوف بينهم لكثرة الضراب وفنى النبل وتكسّرت الرماح بالطعان ولجأ كلّ امرى ءٍ منهم عند عدم سلاحه الى قتال صاحبه بيده وفمه ، حتّى هلك جمهورهم بما وصفناه وانكشفت الحرب بينهم عن قتل نيفٍ وعشرين الف إنسانٍ على قول المقلّ. فأمّا أهل النهروان ، فقد بلغ وظهر من شدّتهم وبأسهم وصبرهم على القتال مع أميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة والشام ما لم يختلف فيه اثنان من أهل العلم وظهر من إقدامهم بعد التحكيم على قتل النفوس والاستسلام للموت والبأس والنجدة ما

ص: 88


1- سورة التوبة ، 83 و84 و 85.
2- الشافي في الامامة ، ج 4 ، ص 39.

يستغنى به أهل العلم عن الاستدلال والاستخراج لمعناه ، ولو لم يدلّ على عظم بأسهم وشدّتهم في القتال ، إلاّ أنّهم كانوا بالاتّفاق أربعة آلاف إنسانٍ ، فصبروا على اللقاء حتّى قتل سائرهم ؛ سوى أربعة أشخاصٍ شذّوا منهم ، على ما جاءت به الاخبار ، ولم يجر أمر أبي بكر وعمر في الدعوة مجرى أميرالمؤمنين عليه السلام لأنّهما كانا مكتفين بطاعة الجمهور لهما وانقياد الجماعات الى طاعتهما وعصبية الرجال لهما ، فلم يظهر من دعائهما إلى قتال من سُيّر إليه الجيوش ما ظهر من أمر أميرالمؤمنين عليه السلام في الاستنفار والترغيب في الجهاد والترهيب من تركه والاجتهاد في ذلك والتكرار له حالاً بعد حالٍ لتقاعس الناس عن نصرته وخذلان من خذله من أعداء اللّه الشاكّين في أمره والمعاندين له ، وما مُنيَ به من تمويه خصومه وتعلّقهم في استحلال قتاله بالشبهات.

فتبين ممّا ذكرنا أنّه وإن سلّمنا للخصوم فيما ادّعَوهُ في تفسير الآية ، إلاّ أنّ الحجج والبراهين التي جاؤا بها في الحقيقة ينصرف تأويلها إلى أمير المؤمنين عليه السلام دون مَن أثبتوها لهم.

ولو تكافأ القولان ولم يكن لأحدهما رجحان على الآخر في الحجّية فسوف يسقط ما حكموا به من تخصيص أبي بكر وعمر ، بدلالة الآية على الترتيب الذي استندوا عليه في ادّعائهم عند الاستدلال ، وهذا ظاهرٌ جليٌّ وللّه الحمد.(1)

فان قيل : هذا فاسدٌ من وجهين :

أحدهما : قوله تعالى: « تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ »(2) والذين حاربوا أميرالمؤمنين عليه السلام كانوا على الإسلام ، ولم يقاتلوا وهم كفّارٌ. فهو لم يقاتلهم ليسلموا ، بل كان

ص: 89


1- الإفصاح ، ص 114 - 117.
2- سورة الفتح ، 16.

يقاتلهم ليردّهم إلى طاعته والدخول في بيعته ويردّهم عن البغي.

والثاني : إنّنا لا نعرف هل أنّ الذين عناهم بذلك منهم مَن بقي إلى ايّام أميرالمؤمنين عليه السلام ، كما علمنا أنّهم كانوا باقين الى أيّام أبي بكر ؟ فوجب بهذا أنّ الذي دعوا هؤلاء المخالفين إلى قتال قوم أُولي بأسٍ شديدٍ هم أبوبكر وعمر.(1)

قلنا :

اوّل ما فيه أنّهم غير مسلمين عند الجميع من العامّة والشيعة ، لأنّ الكبائر تخرج من الإسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان ، لأنّ الإيمان هو الإسلام على مذاهبهم ، ومذهبنا نحن في محاربي أميرالمؤمنين عليه السلام معروفٌ ، لأنّهم برأينا كفّارٌ بحربهم ، لأسبابٍ نذكر بعضا منها كما يلي :

أوّلاً : إنّ من حاربه كان مستحلاًّ لقتاله مظهرا لأنّه في ارتكابه على حقٍّ ، ونحن نعلم أنّ من أظهر استحلال شرب جرعة خمرٍ فهو كافر بالإجماع ، واستحلال دماء المؤمنين فضلاً عن أكابرهم وأفاضلهم ، أعظم من شرب الخمر واستحلاله ، فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفاراً. (وروَوا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : سباب المؤمن أو المسلم فسوق وقتاله كفر.)

ثانيا : أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال لعليّ عليه السلام بلا خلاف بين أهل النقل : « حربك يا عليّ حربي وسلمك سلمي ».(2)

ونحن نعلم أنّه لم يرد الاّ التشبيه بينهما في الأحكام ، ومن أحكام محاربي النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم الكفر بلا خلاف ، فمن يحارب أمير المؤمنين عليه السلام أيضا فهو كافرٌ.

ثالثا: أنّه صلى الله عليه و آله وسلمقال له بلا خلاف أيضا: « اللهُّم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر

ص: 90


1- الشافي ، ج 4 ، ص 33 و 34.
2- بحارالأنوار ، ج 32 ، ص 321.

من نصره واخذل من خذله »(1) وقد ثبت عندنا أنّ العداوة من اللّه لا تكون إلا للكفار الذين يعادونه دون فسّاق أهل الملّة ، إذن ، عدوّ أمير المؤمنين عليه السلام كافرٌ كذلك.

رابعا : قوله : « إنّا لا نعلم بقاء هؤلاء المخلفين إلى أيّام أمير المؤمنين عليه السلام كما علمنا بقاءهم إلى أيّام أبي بكر » ، فليس بشيءٍ لأنّه إذا لم يكن معلوماً ومقطوعاً عليه فهو مجوّز غير معلومٍ خلافه ، والجواز كافٍ لنا في هذا الموضع.

ولو قيل له : من أين علمت بقاء المخلفين المذكورين في الآية إلى أيّام أبي بكر على سبيل القطع ؟ لكان يفزع إلى أن يقول أنّ حكم الآية يقتضي بقاءهم حتى يتمّ كونهم المؤمنين.

فإن قيل : كيف يكون أهل الجمل وصفّين كفّارا ، ولم يعاملهم أميرالمؤمنين عليه السلام معاملة الكفّار ، لأنّه ما سباهم ولا غنم أموالهم ولا اتبع موليهم ».(2)

قلنا : أحكام الكفر تختلف ، وإن شملهم اسم الكفر ، لأنّ فيهم من يقتل ولا يستبقى ، وفيهم من تؤخذ منه الجزية ولا يحل قتله الاّ بسببٍ طارئ غير الكفر وما إلى ذلك. فعلى هذا ، يجوز أن يكون هؤلاء القوم كفّارا وإن لم يعاملهم معاملة أهل الكفر ، لأنّنا قد بيّنا أحكام الكفّار. ونرجع في أنّ حكمهم مخالفٌ لأحكام الكفّار إلى فعله عليه السلام وسيرته فيهم ، على أنّنا لا نجد مِن الفسّاق مَن حكم عليه أن يقتل مقبلاً ولا موليا ، ولا يجهز على جريحه ؛ إلى غير ذلك من الأحكام التي سير بها في أهل البصرة وصفّين.

فإذا قيل في جواب ذلك : إنّ أحكام الفسق مختلفةٌ وفعل أميرالمؤمنين عليه السلامهو الحجّة في ما أجراه من أحكامٍ بحقّ أهل البصرة وصفّين.

ص: 91


1- الأمالي للشيخ الصدوق ، ص 356 ؛ مسند احمد ، ج 1 ، ص 118 ؛ مجمع الزوائد للهيثمى ، ج 9 ، ص 105 ؛ شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ، ج 2 ، ص 289.
2- شرح نهج البلاغة - لإبن أبي الحديد ، ج 13 ، ص 134.

قلنا : إنّ رأينا هو هذا بحدّ ذاته ، ولو سلّمنا أنّ الداعي لهؤلاء المخلفين هوأبو بكر ، لأنّه ليس في الآية دلالةٌ على مدح الداعي ولا إمامته لأنّه يجوز أن يدعو إلى الحقّ والصواب مَن ليس عليهما ، فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجبا في نفسه لا بدعوة الداعي إليه ، وأبو بكر عندما دعى إلى قتال أهل الردّة لا فضل له بذلك ، لأنّ هذا يجب على المسلمين بلا دعاء داعٍ والطاعة فيه طاعة اللّه ؛ فمن أين ذيكون الداعي على حقٍّ وصوابٍ عندما لا يكون فيما دعا إليه طاعة ؟!

ويمكن أيضا أن يكون قوله تعالى : « ستدعون » إنّما أراد به دعاء اللّه تعالى بوجوب القتال عليهم ، لأنّه دلّهم على وجوب قتال المرتدين ودفعهم عن بيضة الإسلام.(1)

وأمّا القول : « لأنّ أهل التأويل لم يقولوا في هذه الآية غير وجهين من التأويل » ، فباطلٌ لأنّ أهل التأويل قد ذكروا أشياء أُخر لم يذكرها ، لأنّ ابن المسيّب(2) روى عن الضحاك في قوله تعالى : « سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ »(3) قال : هم ثقيفٌ. وروى هيثم عن أبي بشير عن سعيد بن جبير قال : هم هوازن يوم حنين. وروى الواقدي عن معمّر عن قتادة ، قال : هم هوازن وثقيف.(4) فكيف ذكر من قول أهل التأويل ما يوافقه مع اختلافه في الرواية عنهم ؟! على أنّنا لا نرجع في كلّ ما يحتمله تأويل القرآن إلى أقوال المفسّرين ، فإنّهم ربّما تركوا مما يحتمله القول وجهاً صحيحا.(5)

ص: 92


1- الشافي ، ج 4 ، ص 40 - 42.
2- من التابعين.
3- سورة الفتح ، 16.
4- تفسير الطبري، ج 26، ص 96.
5- الشافي ، ج 4 ، ص 39 و 40.

ص: 93

الآية السابعة :

« مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّه ِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّه ِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاْءِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ».(1)

قد يقال ، قد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم والرؤساء الذين كانوا معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان.(2)

نقول : ما الفرق بين أبي بكر وعمر وعثمان ومن تُضيفوه إليهم في الفضل كطلحة والزبير وسعد وسعيد وأبي عبيدة وعبدالرحمن ؟! وما الفرق بين أبي هريرة

ص: 94


1- سورة الفتح ، 29.
2- الإفصاح ، ص 139.

وأبي الدرداء وعمرو بن العاص وأبي موسى الاشعري والمغيرة بن شعبة وأبي الاعور السلمي ؟! بل لا يختصون منه بشيءٍ أكثر ممّا اختصّ به أبوسفيان صخر بن حرب وعبداللّه بن أبي السرح والحكم بن أبي العاص ومروان بن أبي العاص ومروان بن الحكم وأشباههم من الناس ، لأنَّ كلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحه القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه إضافةً إلى عبداللّه بن أبي سلول ومالك بن نويرة وفلان وفلان ، إذ أنّ جميع هؤلاء هم من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وكانوا معه ، وأكثرهم نصرةً للإسلام والجهاد بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وكانت لهم الآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره ممّن سمّيناه ؟! وما وجه دلالتها منه على إمامتهم ؟! فلا يمكننا تصوّره ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحدٌ من العقلاء.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عما وصف اللّه تعالى به من كان مع نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم بما تضمنه القرآن ، أهو شاملٌ لكلّ من كان معه عليه الصلاة والسلام في الزمان ؟ أم في الصقع والمكان ؟! أم في ظاهر الإسلام ؟ أم في ظاهره وباطنه على كل حالٍ ؟! أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ؟! أم لقسم آخر غير ما ذكرناه ؟! فإن قالوا : هو شاملٌ لكلّ من كان مع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام ، ظهر سقوطهم وبان جهلهم وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقلٌ.

وإن قالوا : إنّه يشمل كلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً دون من عدّدتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمتكم وأصحابكم ومن تسمون « أوليائكم » ، الذين تدّعون أنّهم في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذٍ على هذا الكلام ، وإلا فأنتم مدّعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّةٌ ولا لكم عليه دليلٌ ،

ص: 95

وهيهات أنّ تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآنٌ ولا خبرٌ عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ومن اعتمد فيه على غير هذين فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

وإن قالوا : أنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة إنّما هي علامةٌ على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام دون أن تكون منتظمةً لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه بأنّه مستحقٌّ لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سم الخياط.

ثمّ يقال لهم : إنّ اللّه تعالى ميّز قوما من أصحاب نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم في كتبه الأُولى وأثبت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفردوا بها من جملة المسلمين ، وتميّزوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين ، فقال سبحانه : « مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّه ِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّه ِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاْءِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ».(1)

وكان تقدير الكلام : إنّ الذين ذكر نا أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك - يا محمّد - هم أشدّاء على الكفّار ورحماء بينهم ، هم الذين تراهم ركّعاً سجّدا يبتغون فضلاً من اللّه ورضوانا.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فيجب علينا استقراء الجماعة لكشف هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذن منبّهٌ على ذمّهِ وكاشفٌ عن نقصهٍ ومخرجٌ له عن منازل التعظيم.

ص: 96


1- سورة الفتح ، 29.

فنظرنا في ذلك ودقّقنا في الأمر ، فوجدنا أميرالمؤمنين عليه السلام وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطّلب وعبيدة بن الحارث وعمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود وأبا دجانة وأمثالهم من المهاجرين والأنصار رضي اللّه عنهم ، قد تحلّوا بصفات الممدوحين من الصحابة في متضمن القرآن. وذلك أنّهم بارزوا أعداء الملّة وكافحوا الشجعان منهم وقتلوا الابطال منهم وسفكوا في طاعة اللّه سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهم صلى الله عليه و آله وسلمالكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم اللّه تعالى في محكم القرآن. وكانوا من التواصل على أهل الإسلام والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل اللّه تعالى القربات فلم يدفعهم عن علوّ الرتبة في ذلك أحدٌ ، ثمّ نظرنا فيما ادّعوه لأئمتهم من هذه الصفات ، فلم نجد لأحدٍ منهم مقاما في الجهاد ولا عرف لهم قتيلٌ من الكفّار ، بل ظهر منهم الجزع في مواطن القتال وفرّوا في يوم أُحد وخيبر وحنين وولّوا الأدبار مع الوعيد لهم على ذلك في جليّ البيان ، وسلّموا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم للحتوف في مقامٍ بعد مقامٍ ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيّين بالمدحة في القرآن ولو كانوا على سائر ماعدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموعٌ الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه مما لا يمكن دفعه إلا بالعناد.

إضافةً لذلك ، فقد اتّفق الجميع على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعداً وسعيدا وأبا عبيدة وعبد الرحمن قد عبدوا قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمالأصنام ، وكانوا دهراً طويلا يسجدون للأوثان من دون اللّه تعالى ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتةً في التوراة والإنجيل بذكر السجود على ما نطق به

ص: 97

القرآن وثبت لأميرالمؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام - الذين ندب النبيّ إلى الرجوع إليهم عند الاختلاف وأمر باتّباعهم في الدين وأمن متّبعهم من الضلال - ذلك للاتّفاق على أنّهم لم يعبدوا غير اللّه تعالى قط ، ولا سجدوا لأحدٍ سواه ، وكان مثلهم في التوراة والإنجيل واقعا موقعه على ما وصفناه.

ويؤكّد ذلك أنّ اللّه تعالى مدح من وصف بالآية بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ولا استدامه لما استحقّ به المدحة في الاستقبال ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ووقع منهم في إنكار حقّ أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان الإيمان في الخاتمة ، على أنّ في جملتهم من يتغيرحاله فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال فيما اتّصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال : « كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ».(1)

فجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، فبطل ما تعلّقوا به من جميع الجهات.(2)

ص: 98


1- سورة الفتح ، 29.
2- الإفصاح ، ص 139 - 149.

ص: 99

الآية الثامنة :

اشارة

« وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ».(1)

يرى بعض مفسّري العامّة(2) أنّ هذه الآية من أدلّ الدّلائل على فضل أبي بكر وعلى صحة إمامته ، لأنّ المراد من السابقين في الآية ، السابقون في الهجرة والنصرة ، وأنّ أسبق الناس إلى الهجرة هو أبو بكر ، لأنّه كان في خدمة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم فكان مصاحبا له في كلّ موطنٍ وموضعٍ ، فكان نصيبه من هذا المنصب أعلا من نصيب غيره حتّى مِن نصيب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لأنّه وإن كان من المهاجرين الأوّلين ، إلا أنّه هاجر بعد هجرة الرسول ، والسبق إلى الهجرة إنّما حصل لأبي بكر فكان نصيبه من هذه الفضيلة أوفر.

فإذا ثبت هذا ، صار أبو بكر محكوما عليه بأنّه رضي اللّه عنه ورضي هو عن اللّه ، ولذلك وجب أن يكون إماما حقّا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم .

ص: 100


1-
2- 1 سورة التوبة ، 100. التفسير الكبير ، ج 16 ، ص 168 و 169.

نقول :

هذا الكلام لا يصلح أن يقع عليه اسم الاستدلال ، وإنّما هو مكابرةٌ واضحةٌ واهنةٌ ؛ مِن أوّله إلى آخره.

ولكن لأجل أن لا يبقى مجالٌ للعذر ، نقول في الجواب :

أوّلاً : لا نسلّم أنّ السبق هاهنا هو السبق في الهجرة ، لأنّ لفظ « السابقين » في الآية مطلقٌ غير مضافٍ ويحتمل أن يكون مضافا إلى إظهار الإسلام أو إلى اتّباع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أو إلى الصلاة نحو القبلتين أو إلى الحضور في بدرٍ أو إلى بيعة الرضوان ، كما نُقل ذلك عن بعض المفسرين.

1 - فقد قال ابن أبي حاتم في تفسيره(1) : « حدّثنا عليّ بن الحسين حدّثنا

أبو الجماهير حدّثنا سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب قوله : « والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار » ، قال : هم الذين صلّوا القبلتين جميعا وهم أهل بدرٍ ، وروي عن الشعبي في إحدى الروايات وعن الحسن وابن سيرين وقتادة : أنّهم الذين صلّوا مع النبيّ القبلتين.

2 - حدّثنا عليّ بن الحسين حدّثنا مسدد حدّثنا يحيى القطّان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر ، قال : والسابقون الأوّلون ، من أدرك بيعة الرضوان. وروي عن ابن سيرين مثل ذلك ».

بل يحتمل أن يكون المراد به هو السبق إلى الخيرات والتقدّم في فعل الطاعات ، ويكون قوله : « الأوّلون » تأكيدا لمعنى السبق ، وقد قال اللّه تعالى : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »(2) وقال تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ

ص: 101


1- تفسير ابن أبي حاتم الرازي ، ج 6 ، ص 1868.
2- سورة الواقعة ، 10.

اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللّه ِ ».(1)

إذن ، لا يبقى وجهٌ للاستدلال بتخصيص المهاجرين والأنصار ، إذ مع ذكر « والذين اتّبعوهم بإحسانٍ » - وهو عامٌ في الجميع - لا يكون هناك تخصيصٌ ، مع أنّه لا يمتنع أن يخص المهاجرين والأنصار بحكمٍ هو لغيرهم ، إمّا لفضلهم وعلوّ قدرهم أو لغير ذلك من الوجوه.(2)

ثانيا : إذا سلّمنا بأنّ المراد بالسبق ما قالوا، فلابدّ من أن يكون مشروطا بالإخلاص في الباطن والموافاة بما يتوجه الوعد بالثواب عليه. كما قال العلامة الطباطبائي :

« إنّ الحكم بالفضل ورضى اللّه سبحانه في الآية مقيّدٌ بالإيمان والعمل الصالح على ما يعطيه السياق ، فان الآية تمدح المؤمنين في سياقٍ تذمّ فيه المنافقين بكفرهم وسيئات أعمالهم ويدلّ على ذلك سائر المواضع التي مدحهم اللّه فيها أو ذكرهم بخيرٍ ووعدهم وعدا جميلاً ، فقد قيّد جميع ذلك بالإيمان والعمل الصالح كقوله تعالى : « لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّه ِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ »(3) إلى آخر الآيات الثلاث.

وقوله تعالى : « مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّه ِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ - إلى قال - وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً »(4) أو نظائرهما في الآية السابعة من سورة المؤمن والآية الحادية والعشرين من سورة الطور.

ولو كان الحكم في الآية غير مقيدٍ بقيد الإيمان والعمل الصالح وكانوا مرضيّين عند اللّه مغفورا لهم أحسنوا أو أساؤوا واتّقوا أو فسقوا ، كان ذلك تكذيبا صريحا

ص: 102


1- سورة فاطر ، 32.
2- الشافي ، ج 4 ، ص 50 و 51.
3- سورة الحشر ، 8.
4- سورة الفتح ، 29.

لقوله تعالى : « فَإِنَّ اللّه َ لاَيَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ »(1) وقوله : « وَاللّه ُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ »(2) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالّة مطابقةً أو إلتزاما على أنّ اللّه لا يرضى عن الظالم والفاسق وكلِّ من لا يطيعه في أمرٍ أو نهيٍ ، وليست الآيات ممّا يقبل التقييد والنسخ.

وليس مدلول الآية أنّ من صدق عليه أنّه مهاجرٌ أو أنصاريٌّ أو تابعٌ فإنّ اللّه قد رضي عنه رضىً لا سخط بعده وأوجب في حقّه المغفرة والجنّة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء ، إتّقى أو فسق ».(3)

فعلى المدّعي أن يثبت إيمان أبي بكر بغير الآية وأن يثبت أيضا أنّ هجرته مع الرسول صلى الله عليه و آله وسلم - التي هي أساس استدلالهم - مرضيّةٌ عند اللّه ؛ وقد استوفينا البحث حول هذه المسألة في آية الغار وبيّنا هناك أنّه لا فضل ولا فضيلة له بهذه الهجرة والمصاحبة ، والفضل كلّه لمن يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه وبات على فراش النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم.

ثالثا : بدلالة الجمع في الآية ، يجب أن تُحمل على الجمع لا على فردٍ واحدٍ ، والصحيح أن يقال أنّ الآية تقسّم المؤمنين من الأُمة إلى ثلاثة أصنافٍ : صنفان هما السابقون الاولون من المهاجرين والأنصار ، والصنف الثالث هم الذين اتّبعوهم بإحسانٍ ، فلذلك يكون تطبيق الآية على أبي بكر وعلى امامته غير صحيحٍ ، فإذا كان ما قيل - من أن أبي بكر رضي اللّه عنه وهو رضي عن اللّه وذلك يثبت له الفضل بأعلا درجاته - هو الدليل على إثبات إمامته ، يجب أن نقول بإمامة الأصناف الثلاثة التي قلنا بدخولهم في الآية جميعا!!

ص: 103


1- سورة التوبة ، 96.
2- سورة آل عمران ، 57.
3- تفسير الميزان ، ج 9 ، ص 387 - 389.

الأحاديث

اشارة

الحديث الأوّل : اقتدوا باللّذَينِ من بعدي

الحديث الثانى : وأين مثل ابي بكر

الحديث الثالث : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء

الحديث الرابع : ما طلعت شمس ولا غربت

الحديث الخامس : خير أُمّتي أبو بكر ثمّ عمر

الحديث السادس : لو كنت متخذا من امتي خليلاً

الحديث السابع : ألا انَّ خير هذه الامة ابو بكر

الحديث الثامن : أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك

الحديث التاسع : هما سيدا كهول أهل الجنة

ص: 104

ص: 105

الحديث الأوّل :

اشارة

« اقتدوا باللّذَينِ من بعدي ، أبي بكر وعمر ».

أنّه من الأحاديث التي ينسبها بعض مؤلفي الصحاح إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم.

وهذا الحديث اقوى براهينهم دلالة ولذا تراهم يهتمون به كثيرا ويستندون اليه قديما وحديثا حتى قال الحاكم النيسابوري : « هذا حديث من أجلِّ ما روي في فضائل الشيخين ».(1)

كما أنّ هذا الحديث قد نقل ايضا في غير الصحاح وادّعى مَن نقلها صحتها تبعا للصحاح. فلذلك صارت مستندا في الابحاث العقائدية والفقهية والاصولية.

أمّا في الفقه ، فقد رجّحوا حكم الشيخين على سائر الاحكام في باب القضاء ، استنادا إلى هذا الحديث.

قال عبد اللّه بن قدامه في « المغني » في موضوع « جزاء دواب الصيد... » :

« ... أحدهما قضت فيه الصحابة ، فيجب فيه ما قضت... ولنا قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم » وقال: « اقتدوا باللّذَينِ من بعدي،

ص: 106


1- الامامة - للسيد على الميلاني : ص 114.

أبي بكر وعمر» ولأنّهم أقرب الى الصواب وأبصر بالعلم فكان حكمهم حجة على غيرهم...».(1)

وقال السرخسي في المبسوط مثله(2).

أمّا في العقائد والكلام ، فقد عدّوا هذا الحديث من أدلة خلافة أبي بكر.

قال التفتازاني في أدلّة افضليّة أبي بكر على اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

"... لنا اجمالاً أنّ جمهور عظماء الملة وعلماء الأُمة أطبقوا على ذلك... وتفصيلاً الكتاب والسنة والأثر والامارات...

أمّا السنة فقوله عليه السلام : « اقتدوا باللّذَينِ من بعدي ، أبي بكر و عمر... »"(3).

وقال ابن أبي العز الحنفي :

... والدليل على اثبات خلافة الصديق رضى الله عنه بالنص... ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « اقتدوا باللذين من بعدي ، أبي بكر وعمر... »(4).

وقد قال به ابن عبدالبر(5) وغيره.

ولنبدأ في البحث حول هذا الحديث في امرين :

الأول : دراسة في السند واقوال العلماء فيه.

والثاني : دراسة في دلالته ومفهومه.

أمّا الأمر الأول : سند الحديث واقوال العلماء فيه

أولاً : صرح الحاكم في المستدرك بعدم وجود هذا الحديث في الصحيحين(6)

ص: 107


1- المغني ؛ ج 3 ، ص 546.
2- المبسوط ؛ ج 16 ، ص 76.
3-
4- 3 شرح المقاصد ؛ ج 5 ، ص 291 و 292. شرح العقيدة الطحاوية ؛ ص 471 و 742.
5- التمهيد ؛ ج 9 ، ص 384 ؛ والشافعي كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ؛ ج 10 ، ص 48.
6- المستدرك على الصحيحين ؛ ج 4 ، ص 24.

وقد ذهب بعضهم إلى عدم حجية ما ليس في الصحيحين.

ثانيا : نقل هذا الحديث ابن ماجة والترمذي في سننهما ولم يتعرّض له سائر اصحاب الصحاح. وسيأتي الكلام في اعتبار كتاب ابن ماجة ومدى اعتبار روايات الترمذي.(1)

سوف نتناول سنده وطرقه في سنن ابن ماجة وسنن الترمذي ، وايضا في سائر الكتب وإن اعتقد بعض علمائهم عدم الاستناد إلى ما أعرض عنه الصحيحان معا.

وقد نُقل هذا الحديث في سنن ابن ماجة وسنن الترمذي ، ولم يُنقل في سائر الصحاح كما ذكرنا.

ثم إنّ السند ينتهي في هذين الكتابين الى حذيفة بن اليمان وعبداللّه بن مسعود ، ولكن نُقل في سائر الكتب بطريقهما وطريق أنس بن مالك ، وعبداللّه بن عمر ، وأبي بكرة ، وجدة عبد اللّه بن أبي هذيل ، وأبي الدرداء.

(1) رواية حذيفة :

إنّ أشهر طريقٍ لهذا الحديث هو طريق حذيفة بن اليمان ، لكن في السند عبد الملك بن عمير وعمرو بن هرم.

أمّا بالنسبة لعبدالملك بن عمير ، فنقول :

اولاً: هو رجل مُدلّس ضعيف كثيرالغلط مضطرب الحديث جدا. قال الذهبي عنه:

ص: 108


1- قال الذهبي : في « الجامع » للترمذي علم نافع... لو لا ما كدّره باحاديث واهية ، بعضها موضوع ،... ويترخص في قبول الاحاديث ولا يشدّد ونفسه في التضعيف رخْو ». سير اعلام النبلاء ؛ ج 10 ، ص 612 و 613. وللاطلاع على اقوال العلماء حول سنن ابن ماجه انظر : تهذيب التهذيب ؛ ج 7 ، ص 498 و 499 ؛ تذكرة الحفاظ ؛ ج 2 ، ص 148 ؛ شرح سنن النسائي ؛ ج 1 ، ص 5.

« قال أبو حاتم : ليس بحافظ تغير حفظه ، وقال أحمد : ضعيف ، يغلط ، وقال ابن معين : مخلط ، وقال ابن خراش : كان شعبة لا يرضاه ، وذكر الكوسج عن احمد : انه ضعّفه جدا ».(1)

وقال ابن حجر :

« قال علي بن الحسن الهسنجاني عن أحمد : عبدالملك مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها.

وقال اسحاق بن منصور : ضعفه احمد جدا. وقال صالح بن منصور : ضعفه أحمد جدا. قال اسحاق بن منصور عن ابن معين : مخلط. وقال العجلي :... تغير حفظه قبل موته »(2).

فمن العجيب جدا رواية أحمد في مسنده حديث الاقتداء وغيره عن هذا الرجل الذي يصفه بالضعف والخطأ ، وقد جعل المسند حجةً بينه وبين اللّه!!(3)

ثم ان عبد الملك بن عمير كان فاسقا جريئا على اللّه. يقول الطوسي رحمه الله في تلخيص الشافي :

« وهو الذي قتل عبد اللّه بن يقطر رسول الحسين عليه السلام الى مسلم بن عقيل ، حيث رمى به ابن زياد من فوق القصر - وبه رمق - فأجهز عليه ، فلما عوتب على ذلك ، قال : إنّما اردت أن أُريحه ، استهزاءا بالقتل وقلةَ مبالاة. وكان يتولى القضاء لبني أمية ، وكان مروانيا شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ومَن هذه صورته لا تقبل روايته ».(4)

ص: 109


1- ميران الاعتدال ؛ ج 2 ، ص 660.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 5 ، ص 311.
3- الرسائل العشر في الاحاديث الموضوعة ؛ ص 11.
4- تلخيص الشافي ؛ ج 3 ، ص 33 - 35 ؛ روضة الواعظين ص 196 ؛ مقتل الحسين للخوارزمي ؛ ج 1 ، ص 327.

وقال المفيد رحمه الله ايضا في حالاته :

« فأما عبدالملك بن عمير ، فمن أبناء الشام وأجلاف محاربي أمير المؤمنين عليه السلام المشتهرين بالنصب والعداوة له ولعترته ولم يزل يتقرب الى بنيأمية بتوليد الاخبار الكاذبة في أبي بكر وعمر ، والطعن في أميرالمؤمنين عليه السلام ، حتى قلّدوه القضاء وكان يقبل فيه الرشا ، ويحكم بالجور والعدوان وكان متجاهرا بالفجور والعبث بالنساء ، فمن ذلك أن الوليد بن سريع خاصم أُخته كلثم بنت سريع إليه في أموال وعقار ، وكانت كلثم من أحسن نساء وقتها واجملهنّ فاعجبته ، فوجّه القضاء على أخيها تقربا إليها ، وطمعا فيها ، فظهر ذلك واستفاض عنه ، فقال فيه هذيل الاشجعي وهجاه ما ابتداؤه :

أتاهُ وليدُ بالشهودِ يقودُهم

على ما ادّعى من صامت المالِ والخولِ

يسوقُ إليهِ كَلْثما وكلامُها

شفاءٌ من الداءِ المخامرِ والخبلِ(1)

ثانيا :

إنّ الطريق الذي ينتهي إلى حذيفة هو : « عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن خراش عن حذيفة ».

مع أنّ « عبد الملك بن عمير » لم يسمع هذا الحديث من « ربعي بن خراش » و« ربعي » لم يسمع من « حذيفة بن اليمان » ، ذكر ذلك المناوي ناقلاً عن البزّار كابن حزم : « لا يصح ، لانّ عبد الملك لم يسمعه من ربعي وربعي ، لم يسمع من حذيفة. لكن له شاهد ».(2)

نقول : يمكن أنّ الشاهد هو حديث حذيفة بسند آخر عن ربعي ، فهو ما ذرواه الترمذي :

ص: 110


1- الإفصاح ؛ ص 220 ؛ شرح نهج البلاغه ؛ ج 17 ، ص 45.
2- فيض القدير ؛ ج 2 ، ص 78.

« حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي ، حدثنا وكيع ، عن سالم بن العلاء المرادي ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن خراش ، عن حذيفة »(1).

وفي سنده رواة ضعاف ، وهم :

1 - سالم بن العلاء المرادي ، وقد قال ابن حزم بعد أن روى الحديث : « سالم ضعيف »(2) وقال العسقلاني : « قال الدوري عن ابن معين : ضعيف الحديث ».(3)

وقال ايضا : « ذكره العقيلي... وضعفه ابن الجارود ».(4)

وقال الذهبيُّ : « ضعفّه ابن معين والنسائي ».(5)

2 - عمرو بن هرم : وقد ضعفه القطّان.(6)

3 - « وكيع بن جرّاح » وهو مقدوح.(7)

غير أن في أكثر طرق حذيفة عن ربعي : مولى ربعي بن خراش ، وهو مجهول كما نص عليه ابن حزم :

« وقد سمّى بعضهم المولى ، فقال : هلال مولى ربعي ، وهو مجهول لا يعرف من هو اصلاً ».(8)

(2) رواية عبد اللّه بن مسعود :

نقل هذا الحديث عن عبد اللّه بن مسعود من طريقين رواهما ابن عساكر في

ص: 111


1- سنن الترمذي ؛ باب مناقب ابي بكر وعمر ؛ ص 968.
2- الإحكام في اصول الاحكام ؛ ج 2 ، ص 251.
3- تهذيب التهذيب ؛ ج 3 ، ص 252.
4- لسان الميزان ؛ ج 3 : ص 7.
5- ميزان الاعتدال ؛ ج 2 ، ص 112.
6- ميزان الاعتدال ؛ ج 3 ، ص 291.
7- ميزان الاعتدال ؛ ج 4 ، ص 312.
8- الإحكام في اصول الاحكام ؛ ج 2 : ص 251.

تأريخه ، هما :

الطريق الأّول : فيه إبراهيم بن اسماعيل الكهيل وأبوه إسماعيل بن يحيى بن سلمة وأبوه يحيى بن سلمة.

أمّا « يحيى بن سلمة » ، فهو رجل ضعيف ، متروك ومُنكر الحديث.

قال الحافظ ابن حجر : قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ضعيف الحديث.

وقال مضر بن محمد الأسدي ، عن يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال ابو حاتم منكر الحديث ، ليس بالقوي.

وقال البخاري : في حديثه مناكير ، وقال الترمذي : يضعّف في الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة(1).

وقال ابن حبّان : في أحاديث ابنه إبراهيم بن يحيى عنه مناكير.(2)

وقال الذهبي فيه : قال أبو حاتم وغيره : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك ، وقال عباس بن يحيى : ليس بشي ، لا يكتب حديثه.(3)

واما ابنه « إسماعيل بن يحيى » فهو أيضا ضعيف متروك.

قال الذهبي : قال الدارقطني متروك.(4)

واما ابنه « إبراهيم بن اسماعيل بن يحيى » ، فهو رجل لين ومتروك.

وقال ابن حجر فيه : قال ابن أبي حاتم : كتب أبي حديثه ولم يأته ولم يذهب بي إليه ولم يسمع منه زهادة ، وسألت أبا زرعة عنه ، فقال : يذكر عنه أنه كان يحدّث بأحاديث عن أبيه ثم ترك أباه فجعلها عن عمه لأن عمه ، أحلى عند الناس.

ص: 112


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 241.
2- تهذيب الكمال ؛ ج 20 ، ص 113 و 114 رقم 7432.
3- ميزان الاعتدال ؛ ج 4 ، ص 381.
4- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 254 ؛ تهذيب التهذيب ؛ ج 1 ، ص 345.

وقال العقيلي عن مطِّين : كان ابن نمير لا يرضاه ويضعفه ، وقال : روى احاديث مناكير ، قال العقيلي : ولم يكن ابراهيم هذا يقيم الحديث.(1)

وقال الذهبي : ليّنه أبو زرعة وتركه أبو حاتم.(2)

مضافا الى ذلك ، قال الترمذي بغرابة هذا الحديث ويقول : « هذا حديث غريب عن هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل وهو يضعّف في الحديث.(3)

الطريق الثاني : عن ابن مسعود ، فهو :

عن أحمد بن سعد البغدادي عن محمد بن عبدالعزيز بن ربيعة الكلابي عن أحمد بن رشد بن خيثم عن حميد بن عبدالرحمان عن الحسن بن صالح عن فراس بن يحيى عن الشعبي عن علقمة بن قيس عن عبد اللّه بن مسعود.

ففيه رواة مجهولون ، كمحمد بن عبدالعزيز بن ربيعة الكلابى وأحمد بن رشد ابن خيثم.

ثمّ إنّ الحسن بن صالح يقال له إبن حىّ.

قال محمد بن عبد اللّه بن عمار الموصلي ، عن يحيى بن سعيد القطان : كان سفيان الثوري سييء الرأي في الحسن بن حيّ.

وقال زكريا بن يحيى السّاجي عن أحمد بن محمد البغدادي : سمعت أبا نعيم يقول : دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القِبْليّ فإذا الحسن بن صالح يصلي ، قال : « نعوذ باللّه من خشوع النفاق » ؛ وأخذ نعليه ، فتحول الى سارية أُخرى.(4)

ص: 113


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 1 ، ص 130.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 20.
3- سنن الترمذي ؛ ص 996 ، كتاب مناقب ، باب مناقب عبداللّه بن مسعود ؛ ح 3814.
4- تهذيب الكمال ؛ ج 4 ، ص 350.

(3) رواية أنس بن مالك

الطريق الاول لها : « ... عن ابراهيم بن يونس عن هارون بن زياد المصيصي عن الحارث بن عُمير عن حُميد الطويل عن أنس ».

أمّا « هارون بن زياد » ، فقد قال الذهبي عنه : « قال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث على الثقات ، وقال الأزدي : ضعيف ، وقال أبو حاتم : متروك الحديث.(1)

وأمّا « الحارث بن عمير » ، فقد قال العسقلاني عنه : قال الأزدي : ضعيف ، منكر الحديث ، وقال الحاكم : روى عن حميد الطويل أحاديث موضوعة ، ونقل ابن الجوزي عن ابن خزيمة أنه قال : الحارث بن عمير كذاب ، وقال ابن حبان : كان ممّن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات.(2)

أمّا الطريق الثاني لرواية أنس :

ففي جميع أسانيده : مسلم بن صالح عن حمّاد بن دليل عن عمر بن نافع عن عمرو بن هرم.

أمّا « عمر بن نافع الثقفي »

وقال الذهبي عنه : قال ابن معين : ليس حديثه بشيء.(3)

وقال العسقلاني عنه : ذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء.(4)

أمّا « حماد بن دليل » فقد ضعّفه الأزدي(5) وأورده الذهبي في « المغني في الضفعاء ».(6)

ص: 114


1- ميزان الاعتدال ؛ ج 4 ، ص 283.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 2 ، ص 123.
3- ميزان الاعتدال ؛ ج 3 ، ص 227.
4- تهذيب التهذيب ؛ ج 6 ، ص 106.
5-
6- 5 ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 590. المغني في الضعفاء ؛ ج 1 ، ص 286.

وأورده ابن عدي في « الكامل في الضعفاء »(1) وكذلك إبن جوزي أورده في « الضعفاء ».(2)

(4) رواية عبد اللّه بن عمر

فلها طريقان :

الطريق الأوّل : « ... حدثنا أحمد بن صليح بن وضاح حدثنا ذوالنون حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر بحديث : « اقتدوا باللّذَينِ من بعدي... ».

قال الذهبي : هذا غلط ؛ واحمد لا يعتمد عليه و مثله ابن حجر.(3)

وقال الدارقطني : ذوالنون بن إبراهيم روي عنه عن مالك أحاديث في أسانيدها نظر.(4)

والطريق الثاني : محمد بن عبد اللّه بن عمر بن قاسم ، عن مالك عن نافع عن ابن عمر.

أمّا محمد بن عبد اللّه بن عمر العمري ، قال ابن حبان عنه : « لا يجوز الاحتجاج به(5) ، وقال ايضا : « محمد بن عبد اللّه بن عمر يروي عن مالك وأبيه عجائب لا يجوز الاحتجاج بها بحال ».(6)

(5) رواية ابي الدرداء :

قال الهيثمي : عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « اقتدوا باللذَينِ من

ص: 115


1- الكامل في الضعفاء ؛ ج 2 ، ص 249.
2- الضعفاء والمتروكين ؛ ج 1 ، ص 233.
3- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 105 ؛ لسان الميزان ؛ ج 1 ، ص 188.
4- تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 17 ، ص 399 ؛ سير اعلام النبلاء ؛ ج 10 ، ص 17.
5- ميزان الاعتدال ؛ ج 3 ، ص 596.
6- المجروحين ؛ ج 2 ، ص 282.

بعدي ، أبي بكر وعمر » رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.(1)

ونقل ابن عساكر الحديث هكذا : أخبرنا إسماعيل بن عياش عن المطعم بن المقدام الصنعاني عن عنبسة بن عبد اللّه الكلاعي عن أبي ادريس الخولاني عن أبي الدرداء.

وفي سنده إسماعيل بن عياش الحمصي أبو عتبة ، وهو ضعيف ويخلط في الرواية.

قال ابن حجر : في مقدمة صحيح مسلم عن أبي اسحاق الفزاري أُكتب عن « بقية » ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين ولا تكتب عن « إسماعيل » ما روى عن المعروفين ولا غيرهم.(2)

قال العقيلي : إسماعيل بن عياش الحمصي ابو عتبة إذا حدّث عن غير أهل الشام اضطرب وأخطأ.(3)

وأيضا قال العقيلي : لا تكتبوا عن اسماعيل بن عياش عن من يعرف ولا عن من لا يعرف.(4)

وقال الرازي : عن أحمد بن أبي الحواري ، قال سمعت وكيعا يقول : قدم علينا إسماعيل بن عياش فأخذ مني أطرافاً لإسماعيل بن أبيخالد فرأيته يخلط في أخذه.(5)

وأيضا قال الرازي : رباح بن خالد قال : سمعت ابن المبارك يقول : إذا اجتمع إسماعيل بن عياش وبقيةُ في الحديث ، فبقيةُ احبّ إلي.(6)

ص: 116


1- مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 53.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 1 ، ص 334.
3- الضعفاء للعقيلي ؛ ص 50.
4- الضفعاء للعقيلي ؛ ص 52.
5-
6- 5 الجرح والتعديل ؛ ج 2 ، ص 130. الجرح والتعديل : ج 1 ص 231.

(6) رواية أبيبكرة :

ذكر ابن عساكر حديثه في تأريخه بهذا النحو : أخبرنا ابوعلي محمد بن هارون بن شعيب ، أخبرنا بكر بن سهل ، أخبرنا ابراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك ، أخبرنا حماد بن زيد ، أخبرنا أيوب عن الحسن عن أبي بكرة.(1)

وفيه « ابراهيم بن البراء بن النضر » وهو رجلٌ ضعيف جدا يروي الأباطيل.

قال ابن حبان : إبراهيم بن البراء شيخ كان يدور بالشام ويحدِّث عن الثقات بالموضوعات ، لا يحل ذكره الاّ على سبيل القدح فيه.(2)

وضعّفه الهيثمي بقوله : وفيه ابراهيم بن البراء ، وهو ضعيفٌ جدّا.(3)

وكما قال عنه ابن عدي : ضعيفٌ جدا ، حدث عن شعبة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم من الثقات بالبواطيل.

قال الشيخ : وابراهيم بن البراء هذا احاديثه التي ذكرتها وما لم اذكرها ، كلها مناكير موضوعة ومن اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدا وهو متروك الحديث.(4)

(7) رواية جدّة عبد اللّه بن أبي هذيل :

رواها ابن حزم حيث قال : حدثنا محمد بن كثير الملائي حدثنا المفضّل الضبّي

ص: 117


1- تأريخ مدينة دمشق ؛ ج 44 ، ص 227.
2- لسان الميزان : ج 1 ص 38.
3- مجمع الزوائد : ج 2 ص 290.
4- الكامل في ضعفاء الرجال ؛ ج 1 ، ص 255. أضف الى ذلك أنّ لأبي بكرة قصة مشهورة مع عمر بن الخطاب لما شهد ابو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بالزنا فاستتاب نافعا وشبل بن معبد فقبل شهادتهما واستتاب أبا بكرة فأبى فجلّده ولم يقبل شهادته تهذيب الكمال ؛ ج 19 ، ص 151. فهل يجوز لابي بكرة أن يستنكف استتابة عمر مع سماعه وجوب الاقتداء به من النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟

عن ضرار بن مرّة عن عبد اللّه بن أبي هذيل عن جدّته.(1)

ثم قال عنه : وأمّا رواية : « إقتدوا... » فحديث لا يصح ، لأنه مرويٌّ عن مولى الربعي ، وهو مجهول وعن المفضل الضبي وليس بحجة ، كما حدثنا احمد بن محمد بن الجسور.(2)

ثم من هي هذه الجدّة التي يروى عنها عبداللّه بن أبي هذيل ؟

اقوال العلماء حول سند الحديث

بعد البحث حول اسانيد هذا الحديث واثبات الجرح في بعض رواته ، نذكر آراء بعض علمائهم في الطعن على هذا الحديث :(3)

1 - أبوحاتم الرازي والبزّار :

نقل المناوي كلامهما في فيض القدير حيث قال : « وأعلّه أبوحاتم ، وقال البزّار كابن حزم : لا يصحّ لأنّ عبد الملك لم يسمعه من ربعي وربعي لم يسمعه من حذيفة ، لكن له الشاهد ».(4)

2 - أبو عيسى الترمذي :

قال في « سننه » - بعد ذكر الحديث من طريق ابن مسعود - : هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه الا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ويحيى بن سلمة يُضَعَّف في الحديث وأبو الزعراء ، اسمه عبد اللّه بن هاني ،

ص: 118


1- الإحكام في اصول الاحكام ؛ ج 2 ، ص 250.
2- المصدر السابق.
3- قد استفدنا كثيرا في هذا المجال من كتاب « رسالة في حديث الاقتداء بالشيخين » لآية اللّه السيد علي الميلاني.
4- فيض القدير ؛ ج 2 ، ص 78.

وأبو الزعراء الذي روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة اسمه عمرو بن عمرو وهو ابن أخي ابي الأحوص صاحب ابن مسعود ».(1)

3 - أبو جعفر العقيلي :

قال العقيلي في « الضعفاء الكبير » : « محمد بن عبد اللّه بن عمر بن القاسم العمري عن مالك. ولا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحديث.

وحديث « مالك عن نافع عن ابن عمر » منكر لا أصل له من حديث مالك ».(2)

4 - ابو بكر النقاش :

ذكر الذهبي طعنه وقال : « وقال أبو بكر النقاش : هو واهٍ ».(3)

5 - أبوالحسن الدارقطني :

قال الحافظ الدارقطني بعد أن أخرج الحديث بسنده عن العمري : « لا يثبت والعمري هذا ضعيف ».(4)

6 - أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الاندلسي :

بعد أن ناقش في سند الحديث من طريق حذيفة في « الإحكام »(5) يقول في « الفصل »(6) : « ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما روي : « اقتدوا باللذَينِ من

ص: 119


1- سنن الترمذي ؛ ص 996 ح 3814.
2- الضعفاء للعقيلي ؛ ص 668.
3- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 142.
4- لسان الميزان : ج 5 ص 237.
5- الإحكام في أصول الأحكام ؛ ج 2 ، ص 150 و 251.
6- الفصل في الملل والنحل ؛ ج 3 ، ص 27.

بعدي أبي بكر وعمر ».

قال أبو محمد : ولكنه لم يصح ، ويعيذنا اللّه من الاحتجاج بما لا يصح ».

7 - برهان الدين العبري الفرغاني :

فقد صرح بعدم الاستناد والاستدلال بهذا الحديث - بعد أن نقل القول بحجية اجماعهما - :

« الجواب أن الحديث موضوع لما بيّناه في شرح الطوالع ».(1)

8 - شمس الدين الذهبي :

قد استشهد الذهبي لابطال الحديث بكلمات علماء الرجال والحديث حيث ذَكَر كلماتهم(2) بعد ذِكْر بعض طرق هذه الرواية وقد نقلنا كلامه خلال أبحاثنا.

9 - ابن حجر العسقلاني :

قال في ترجمة « أحمد بن صليح »(3) و « غلام خليل »(4) و« محمد العمري »(5) بضعفهم وعدم الاعتماد عليهم وكذبهم وأكّد على عدم صحة ما نقلوه بهذه الألفاظ ، وقال : « هذا حديث منكر لا أصل له » و« هذا غلطٌ » وما إلى ذلك.

10 - شيخ الاسلام احمد بن يحيى الهروي :

قد عدّ الهروي هذا الحديث من موضوعات أحمد الجرجاني.(6)

ص: 120


1- شرح المنهاج : مخطوط.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ص 105 و 141 و ج 3 ، ص 610 ؛ تلخيص المستدرك : ج 3 ص 75.
3- لسان الميزان ؛ ج 1 ، ص 188.
4- لسان الميزان ؛ ج 4 ، ص 420.
5- لسان الميزان ؛ ج 5 ، ص 237.
6- الدر النضيد ؛ 97.

11 - ابن درويش الحوت :

فقد نقل كلام أبي حاتم والبزار وابن حزم والهيثمي في تضعيف هذا الحديث.(1)

الامر الثاني : دراسة في دلالة الحديث

قلنا : اولاً :

على فرض صحة الحديث ، فلا يلزم من لفظ الاقتداء ، العموم بل هو صادر في واقعة خاصة : وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان سالكاً بعض الطرق وكان أبو بكر وعمر متأخرين عنه قادمين على أثره ، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم لبعض من سأله عن الطريق الذي سلكه في إتباعه واللحوق به : « اقتدوا باللذَينِ من بعدي ».(2) وعني في سلوك الطريق دون غيره. وهذا القول - وإن كان غير مقطوع به - فلفظ الخبر يحتمله كاحتماله لغيره فأين الدلالة على النص ؟

ثانيا : وقوع التحريف فيه ، وذلك لأنّهم لم يرووا أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، بالجرّ وإنّما رووا « أبو بكر وعمر » بالرّفع ، ومنهم من روى « أبا بكر وعمر » بالنصب ، فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب : اقتدوا باللذين من بعدي كتاب اللّه والعترة يا أبا بكر وعمر ، ومعنى قوله بالرفع : اقتدوا أيّها الناس وأبو بكر وعمر باللذَينِ من بعدي ، كتاب اللّه والعترة.(3)

فأمر صلى الله عليه و آله وسلم بالاقتداء باللذَينِ من بعده ، وهما الكتاب والعترة ، وهما الثِّقلانِ ، اللّذَانِ طالما أمر صلى الله عليه و آله وسلم بالاقتداء والتمسك والاعتصام بهما ، فأراد صلى الله عليه و آله وسلمتخصيصهما ب (أبي بكر وعمر) بالأمر باتباع الكتاب والعترة بعد عمومها به ودخولهما في جملة

ص: 121


1- أسنى المطالب ؛ 48.
2- تلخيص الشافي ؛ ج 3 ، ص 38.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام ؛ ج 2 ، ص 201.

المخاطبين من سائر الناس لكونه عالما بما اوحى اللّه تعالى إليه بأن أوّل ناقضٍ لأمره في ذلك وعادل عنه هذان الرجلان ، فأراد عليه السلامتأكيد الحجة عليهما.(1)

وقد صرّح الغزالي بذلك في بعض كتبه.(2)

ثالثا : للحديث تكملة وهي : « واهتدوا بهدي عمار وسيرته ».

وهداه معروف ، وهو الذي قال يوم بويع عثمان : « يا معشر قريش » أمّا اذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم هاهنا مرّة ، وهاهنا مرة فما أنا بآمنٍ أن ينزعه اللّه ، فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله ».(3)

وقال يوم السقيفة معترضا على أبيبكر : « يا معاشر النّاس ويا معاشر المسلمين إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به وأحق بإرثه وأقوم بأمور الدين وآمن على المؤمنين واحفظ لملته وأنصح لامته ، فمروا صاحبكم فليرد الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف امركم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفون فيما بينكم ويطمع فيكم عدوكم ، فقد علمتم أن بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم و على (أقرب منكم إلى نبيكم وهو) من بينهم

ص: 122


1- الافصاح ؛ ص 223 و 224.
2- قال الذهبي : ذكر أبو حامد في كتابه « سر العالمين وكشف ما في الدارين » ، فقال في حديث : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أنّ عمر قال لعلي : بخٍ بخٍ ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة. قال أبوحامد : وهذا تسليم ورضى ، ثم بعد ذلك غلب عليه الهوى حبّا للرياسة ، وعقد البنود وخفقان الرّايات وازدحام الخيول في فتح الأمصار وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف ؛ فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلاً ، فبئس ما يشترون آل عمران : 187 ؛ مجموعه رسائل الغزالي ؛ ص 483 المكتبة التوفيقية ، تحقيق ابراهيم أمين محمد ؛ قال الذهبي : وسرد كثيرا من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الامامية ، وما أدري ما عذره في هذا ؟ والظاهر أنّه رجع عنه وتبع الحق ، فان الرجل من بحور العلم (سير اعلام النبلاء ؛ ج 14 ، ص 323).
3- مروج الذهب ؛ ج 2 ، ص 360 ؛ انظر الغدير ؛ ج 10 ، ص 170.

وليكم بعهد اللّه ورسوله وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند سد النبي أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه وايثاره اياه بكريمته فاطمة دون سائر من خطباها إليه ، وقوله صلى الله عليه و آله وسلم « انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها » وانكم جميعا مضطرون فيما أشكل عليكم من أمورد دينكم إليه وهو مستغن عن كل أحد منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه ، فما لكم تحيدون عنه وتبتزون عليا حقه وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة بئس للظالمين بدلاً ، اعطوه ما جعله اللّه له ولا تتولوا عنه مدبرين ، ولا ترتدوا على اعقابكم(1).

رابعا : يلزم منه عصمة أبي بكر وعمر من الآثام ، ونفي السهو والغلط عنهما في كافّة الأحوال ، فلو لم يكونا معصومين لكان المقتدي بهما ضالاًّ عن الصراط وذلك قول اللّه تعالى عندما أمر نبيه صلى الله عليه و آله وسلم بالاقتداء بمن تقدم من انبيائه عليهم السلامفي قوله تعالى « أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّه ُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » ولم يجز في حكمته فرض الاقتداء بمن ذكرناه مع انتفاء العصمة عنهما. وان أبا بكر وعمر لم يكونا معصومين عن الخطأ إجماعا واقرارهما على انفسهما بذلك أظهر حجةٍ على إختلاق الخبر وفساده.

خامسا استحالة اتباعهما : مع أن التباين بين أبي بكر وعمر في كثير من الاحكام(2)

ص: 123


1- الاحتجاج ، ج 1 ، ص 102 ، باب ما جرى بعد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم.
2- 1 - عن سعيد بن جبير ، قال : ذكر أبو بكر وعمر عند عبد اللّه عمر : فقال رجل : «كانا واللّه شمسي هذه الامة ونوريها ، فقال ابن عمر : وما يدريك ؟ قال الرجل : أو ليس قد ائتلفا! قال ابن عمر : بل اختلفا لو كنتم تعلمون! أشهد اني كنت عند أبي يوما ، قد امرني أن أحبس الناس عنه ، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر : دويبة سوء ، ولهو خير من أبيه ، فأوحشني ذلك منه ، فقلت : يا أبت ، عبد الرحمن خير من أبيه! فقال : ومن ليس بخير من أبيه لا أم لك! ائذن لعبد الرحمن ، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه - وقد كان عمر حبسه في شعر قاله - فقال عمر : ان في الحطيئة أَوَدا فدعني أُقوِّمه بطول حبسه ، فألحّ عليه عبد الرحمن وأبى عمر ، فخرج عبد الرحمن ، فأقبل عليّ أبي وقال : أفي غفلة أنت الى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تيم عليّ وظلمه لي! فقلت : لا علم لي بما كان من ذلك ، قال : يا بنيّ فما عسيتَ أن تعلم ؟ فقلت : واللّه لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم ، قال : ان ذلك لكذلك على رغم أبيك وسُخْطه ، قلت : يا أبت ، أفلا تجلّى عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم ؟ قال : وكيف لي بذلك مع ما ذكرتَ انه أحب الى الناس من ضياء أبصارهم! اذن يُرْضَخ رأس أبيك بالجندل. قال ابن عمر : ثم تجاسر واللّه فجسر ، فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس ، فقال : أيها الناس ، إن بيعة أبيبكر كانت فلتة وقي اللّه شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه». 2 - وروى الهيثم بن عدي ، عن مجالد بن سعيد ، قال : غدوت يوما إلى الشعبي وأنا أريد أن أساله عن شيء بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله ، فأتيته وهو في مسجد حَيِّه وفي المسجد قوم ينتظرونه ، فخرج فتعرّفت إليه ، وقلت : «أصلحك اللّه! كان ابن مسعود يقول : ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة ، قال : نعم ، كان ابن مسعود يقول ذلك ، وكان ابن عباس يقوله ايضا - وكان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها ، ويصرفها عن غيرهم» - فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد ، فجلس إلينا ، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر ، فضحك الشعبي وقال : «لقد كان في صدر عمر ضِب» [ الضب = الحقد والعداوة وجمعه ضباب ] على أبي بكر ، فقال الأزدي : «واللّه ما رأينا ولا سمعنا برجل قط كان أسلسَ قيادا لرجل ، ولا أَقْوَلَ فيه بالجميل من عمر في أبي بكر» فأقبل علىّ الشعبي وقال : «هذا مما سألت عنه» ثم أقبل على الرجل وقال : «يا أخا الأزد ، فكيف تصنع بالفلتة التي وقى اللّه شرها! أترى عدوّا يقول في عدو يريد ان يهدم ما بني لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر ؟! فقال الرجل : سبحان اللّه! أنت تقول ذلك يا أبا عمرو! فقال الشعبي : انا أقوله ؟! قاله عمر بن الخطاب على رؤس الاشهاد ، فلُمْه أو دَعْ». فنهض الرجل مغضَبا وهو يُهَمْهِمُ في الكلام بشيء لم أفهمه ، قال مجالد : فقلت للشعبي : «ما أحسِب هذا الرجل الا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس ويبثه فيهم»! قال : «اذن واللّه لا أحفل به ، وشيء لم يحفِل به عمر حين قام على رؤوس الاشهاد من المهاجرين والأنصار أحفل به انا! أذيعوه أنتم عنى أيضا ما بدا لكم». 3- عن ابي موسى الأشعري قال : «حججت مع عمر... ثم نظر المغيرة اليّ وتبسم ، فرمقه عمر ، فقال : مم تَبَسَّمْتَ أيها العبد! فقال من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك ، قال : وما ذاك الحديث ؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش ، وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر ، فتنفس الصعداء ثم قال : ثكلتك أمك يا مغيرة! وما تسعة أعشار الحسد! بل وتسعة أعشار العشر ، وفي الناس كلهم عشر العشر ، بل وقريش شركاؤهم أيضا فيه! وسكت مليّا وهو يتهادي بيننا ، ثم قال : ألا أخبركما بأحسَد قريش كلها ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : وعليكما ثيابكما ، قلنا : نعم ، قال : وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما ؟ قلنا يا أميرالمؤمنين ، وما بال الثياب ؟ قال : خوف الإذاعة منها...». فخرج وأغلق الباب خلفه ، ثم اقبل علينا ، فجلس معنا ، وقال : «سَلا تُخْبَرا ، قلنا نريد أن يخبرنا أميرالمؤمنين بأحسد قريش ، الذي لم يأمن ثيابنا على ذكره لنا ، فقال : سألتما عن معضلة ، وسأخبركما فليكن عندكما في ذِمَّةٍ منيعة وحرزٍ ما بقيت ، فإذا مِتُّ فشأنكما وما شئتما من إظهار أو كتمان». قلنا : «فإن لك عندنا ذلك ، قال أبو موسى : وأنا أقول في نفسي : ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف أبي بكر له كطلحة وغيره ، فإنهم قالوا لأبي بكر : أتستخلف علينا فظّا غليظا ، وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي ، فعاد إلى التنفس ، ثم قال : من تريانه ؟ قلنا : واللّه ما ندري إلا ظنا! قال : ومن تظنان ؟ قلنا : عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الامر عنك ، قال : كلا واللّه! بل كان أبو بكر أعقَّ ، وهو الذي سألتما عنه ، كان واللّه أحسد قريش كلها ، ثم أطرق طويلا ، فنظر المغيرة إليّ ونظرت إليه ، وأطرقنا مليّا لإطراقه وطال السكوت منّا ومنه ، حتى ظننا انه قد ندِم على ما بدا منه». شرح نهج البلاغه ؛ ج 2 ، ص 277 - 280 .

ص: 124

يمنع من فرض الاقتداء بهما على كل حال لاستحالة اتباعهما فيما اختلفا فيه ووجوب خلاف احدهما في وفاق صاحبه وخلاف صاحبه في اتباعه وقد ثبت أن اللّه تعالى لا يكلف عباده المحال ، ولا يشرع ذلك من قبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وإذا بطل وجوب الاقتداء بهما في العموم لم يبق - ان سلم الحديث - الا وجوبه فيالخصوص ، وذلك غير موجب للفضل فيهما ولا مانع من ضلالهما ونقصهما ، وهو حاصل في مثل ذلك من أهل الكتاب ، ولِوِفاق المسلمين لهم في خاصٍّ من الاقوال مع كفرهم وضلالهم بالاجماع فبان بما وصفناه سقوط الحديث وفساد معانيه على ما قدمناه.(1)

سادسا : إنه خبر واحد لا يفيد علما ، ومسألة الامامة علمية ، وقد ردّ أبو حنيفة

ص: 125


1- الافصاح ؛ ص 223.

خبر الواحد فيما تعمّ به البلوى.(1)

سابعا : ولو سلّمنا صحّته فلا يمكن العمل به إنْ أُريد الاقتداء بهما في كلّ الأُمور لما قدمنا من اختلافهما ، وهو يمنع عموم الاقتداء بهما لاجماع الامة على سلب العصمة عنهما وان أريد بعضها قلنا : بطل اختصاص الاقتداء بهما لعموم : « أصحابي كالنجوم فبأَيِّهم اقتديتم اهتديتم » ، ومثل ذيل الرواية : « واهتدوا بهدي عمار » ففيه الامر ولم توجبوا خلافته ولا خلافة غيره من الصحابة!

وإن قيل بخلافتهم جميعا ، فهذا القول باطلٌ أيضا لقتل بعضهم بعضاً وبراءة بعضهم من بعض ، فلو كان الاقتداء بكل واحد منهم صوابا ، كان الاقتداء بكل واحد خطأ لشهادة بعضهم على بعض بالخطأ.(2)

ثامنا : لو كان الحديث صحيحاً ، لاحتج به أبو بكر في السقيفة لأنه أدلُّ من قوله : « الأئمة من قريش » مع أهميته لهم كما ذكرنا سابقا من ان هذا حديث من اجل ما روي في فضائل الشيخين.

تاسعا : لو صح الحديث ، يلزم من معنى الاقتداء بهما كونهما امامين في عصرٍ واحدٍ ، وهو باطلٌ لأنّ الاقتداء بإثنين - مع وجود خلافات شديدة بينهما كما ذكرنا - في زمن واحد محال عقلا.(3)

عاشرا : حول حديث أبي الدرداء :

نقل أحمد حديثا عن أُم الدرداء ، قالت : « دخل عليها يوما ابو الدرداءمغضبا فقالت : ما لك ؟ قال : واللّه ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمّد صلى الله عليه و آله وسلم الا انهم يصلون جميعا.(4)

ص: 126


1- الصراط المستقيم ؛ ج 3 ، ص 145 ؛ المحصول ؛ ج 3 ، ص 1045.
2- الصراط المستقيم ؛ ج 3 ، ص 145 و 146.
3- الصراط المستقيم ؛ ج 3 ، ص 145 و 146.
4- مسند أحمد : ج 6 ، ص 251.

ولو كان أبو الدرداء قد سمع قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « اقتدوا باللَذينِ من بعدي » لما قال هذا البتة.(1)

ولما تنكّر الاوضاع ولكان اللازم عليه اتباع الشيخين ، لا الاستياء من الامور.

ص: 127


1- رسالة في حديث الاقتدا بالشيخين : السيد علي الميلاني المطبوع ضمن الرسائل العشر ؛ ص 17.

الحديث الثانى :

اشارة

« وأين مثل ابي بكر ، كذّبني الناس وصدّقني ، وآمن بي ، وزوجني إبنته ، وجهّزني بماله ، وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف ».(1)

نقول : هذا الحديث مردودٌ وغير مقبول من ناحية سنده أولاً ، ودلالته ثانيا.

أمّا السند :

أوّلاً : ادرج السيوطي والحافظ ابن عراق وابن الجوزي هذا الحديث في الروايات الموضوعة وأذعنوا بعدم صحته.(2)

ثانيا : قد ذُكر الحديث في تاريخ مدينة دمشق بهذا السند : « ... نا عثمان بن أحمد الدقاق نا عبيد بن محمد بن خلف البزار نا إسحاق بن بشر الكاهلي نا جعفر بن سعيد الكاهلي عن أبيه عن مجاهد عن إبن عباس قال... ».

ص: 128


1- تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 30 ، ص 111 ؛ ج 30 ، ص 155 ؛ المواقف ؛ ص 408 ؛ شرح المقاصد ؛ ج 5 ، ص 293.
2- اللآلى ء المصنوعة بالاحاديث الموضوعة : 1/295 ؛ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة ؛ ج 1 ، ص 344 ؛ الموضوعات ؛ ج 1 ، ص 235.

و« اسحاق بن بشر الكاهلي » رجل كذاب ومتروك الحديث ووضّاع.(1)

قال العقيلي : « كان ببغداد منكر الحديث ».(2)

وقال الرازي : « سمعتُ ابا زرعة يقول : كان يكذب يحدِّث عن مالك وأبي معشر بأحاديث موضوعة ».(3)

وقال الذهبي : « قال مطّين : ما سمعتُ أبا بكر بن أبي شيبة كذّب أحدا الا اسحاق بن بشر الكاهلي وكذا كذّبه موسى بن هارون وأبو زرعة ».(4)

وقال ابن الجوزي : « قال فيه الفلاس : متروك الحديث ، وقال الدارقطني : كذاب متروك في عداد من يضع الحديث ، وقال ابن حبّان : كان يضع على الثقات لا يحلّ كَتْب حديثه الاّ على التعجب ».(5)

وقال الخطيب : « أخبرنا السمسار ، أخبرنا الصفار ، حدثنا ابن قانع ، قال : اسحاق بن بشر الكاهلي كوفي ضعيف ».(6)

ثالثا : أعرض البخاري ومسلم عن هذا الحديث ولم يذكراه في كتابيهما وقد ورد في محله أن بعض العلماء ردّ أو تأمّل فيما ليس في كتابهما.

وأما من ناحية دلالته :

ففيها أمور غير صحيحة لابدّ من الاشارة إليها فيما يلي :

ص: 129


1- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 186 ؛ اللآلي المصنوعة ؛ ح 2 ، ص 128 ، 130 و 164 ؛ الضعفاء الكبير ؛ ج 1 ، ص 56 رقم 115 ؛ الجرح والتعديل ؛ ج 2 ، ص 149 ؛ الكامل في ضعفاء الرجال ؛ ج 1 ، ص 342 رقم 172 ؛ لسان الميزان ؛ ج 1 ، ص 355 و 356.
2- الضعفاء للعقيلي ؛ ص 56.
3- الجرح والتعديل ؛ ج 2 ، ص 149.
4- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 : ص 186.
5-
6- 5 الموضوعات ؛ ج 1 ، ص 236. تاريخ بغداد ؛ ج 6 ، ص 327.

أ. تصديقه للنبي صلى الله عليه و آله وسلم :

نقول إنّ معنى هذه الفقرة من الحديث - « كذبني الناس وصدقني » على فرض صدقها لا يخرج عن احتمالين :

الاول : « كذبني جميع الناس وأبو بكر فقط صدقني » وهذا يعني انه هو أول من أسلم! ولكن روى غير واحد أنه اسلم قبله أكثر من خمسين شخصا.(1) اذن ليس في

هذا الاسلام والتصديق الذي كان بعد إسلام جماعة من الناس سبقٌ حتى يستحق المدح بسبق التصديق ، فلم يبق له في الكلام مجالٌ للمدح.

الثاني : « كذبني أكثر الناس وصدقني أبو بكر ايضا فيمن صدقني » فجميع من صدق النبي صلى الله عليه و آله وسلم في مكة وفي المدينة داخلٌ فيه فلا اختصاص له بذلك ولا مدح في الحديث يوجب فضلاً له على سائر الصحابة.

ب. تزويج النبي صلى الله عليه و آله وسلم ابنته :

نسأل هنا : هل هذا الفضل لأبي بكر حين زوّج النبي ابنته ، أم للنبي صلى الله عليه و آله وسلمحين رضي بالتزويج وقَبِلَها ؟! أليس تخصيص الفضل لأبي بكر اساءة للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟!

وكذلك فأي من الناس يخطب النبي صلى الله عليه و آله وسلم إليه ابنته فلا يزوجه اياها حتى يكون تزويج ابي بكر ابنته اياه منّة عليه يستحق بها ثناء من النبي صلى الله عليه و آله وسلم وثوابا عظيما من اللّه كما هو مدعى المستدل ، فلو خطب من الأكاسرة والقياصرة والتبابعة ، لعدّو خطبته بناتهم من أجلّ النعم الواصلة إليهم ، فكيف بغيرهم.(2)

ج. تجهيزه النبي صلى الله عليه و آله وسلم بماله :

نقول : أخبرونا متى وقع هذا التجهيز والانفاق ؟! مع أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم لم يكن

ص: 130


1-
2- 1 تاريخ الطبري ؛ ج 2 ، ص 231. منار الهدى في النص على إمامة الاثنى عشر عليهم السلام ؛ 318.

محتاجا لأموال أبي بكر ،(1) إذ انه صلى الله عليه و آله وسلم قبل الزواج مِن خديجة عليهاالسلام كان تحت كفالة أبي طالب عليه السلاموبعد الزواج منها كانت اموالها بين يديه ، هذا كله قبل الهجرة.

وأمّا بعد الهجرة فغاية ما قيل في أموال أبي بكر ، أنّه كان عنده في الهجرة من مكة الى المدينة ستة آلاف درهم فحسب(2) وما قيمتها تجاه مصارف الدولة الاسلامية الهائلة وميزانيتها الضخمة ؟!

كما أنّ أبابكر احتاج الى سُفرةٍ عندما سافر مع النبي صلى الله عليه و آله وسلم الى المدينة ، فلم يستطع شراءها و كان ثمنها درهم فقط ، فقطعت ابنته أسماء نطاقها نصفين فأعطته نصفا ليكون له سفرة فسميت لذلك ذات النطاقين.

وكذلك كيف يمكن أن يُدّعى لابي بكر بذل المال وقد أشفق أن يقدم بين يدى نجواه صدقة يسيرة ؟! ولو أنّه كان قادرا على ذلك ولم يفعله ، لكان مذنبا يجب عليه التوبة وطلب العفو من اللّه تعالى.

فضلاً على أنّه لم يثبت في التأريخ انفاق ابي بكر على النبي صلى الله عليه و آله وسلمأو على الحكومة الاسلامية غير تقديمه راحلةً واحدة مع أخذ ثمنها من رسول اللّه.(3)

مع أنّ الاحاديث المنقولة في ثراء أبي بكر مفتعلة وموضوعة سندا.(4) في الحقيقة ليس لأبي بكر مال حتى ينفقه على أحد ، وانه كان خياطا ولم يكن سهمه من الغنائم الاكواحدٍ من المسلمين. ولهذا احتاج الى مواساة الانصار له

ص: 131


1- كما صرّح بذلك ابن تيمية : منهاج السنة ؛ ج 4 ، ص 448.
2- المستدرك على الصحيحين ؛ ج 3 : ص 538 ح 4326.
3- البداية والنهاية ؛ ج 3 ، ص 147 ؛ الطبقات الكبرى ؛ ج 1 ، ص 154 ؛ السيرة النبوية ؛ ج 2 ، ص 99 ؛ تاريخ الطبري ؛ ج 2 ، ص 274 و 275.
4- ميزان الاعتدال ؛ ج 3 ، ص 375 ؛ تهذيب التهذيب ؛ ج 6 ، ص 453 و 454/325 ؛ راجع جزء الاول من هذه المجموعة.

في المدينة(1) وأن الانصار كانوا دائما يتفقدونه بجفان الطعام ، وجفنه سعد بن عبادة مشهورة.

وعلى ضوء هذا كله ولمّا كان بذل ماله أمرا خلاف الواقع ، إضطر مثل ابن تيمية الى تأويله ، فقال : « إن انفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم في طعامه وكسوته ، فإنّ اللّه قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونة له على إقامة الدين ، فكان انفاقه فيما يحبه اللّه ورسوله ، لا نفقة على نفس الرسول ».(2)

اقول : وهذا أيضا عرفت بطلانه وعدم مطابقته للواقع التاريخي.

د. المواساة بنفسه :

نقول : متى كانت تلك المواساة ؟ هل كانت في مكة وفي شعب ابي طالب حين حوصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأصحابه على يد قريش ؟ ام حين ايذائهم للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟ أم كانت في المدينة خلال الحروب ؟! فما بلغنا من أيام النبي صلى الله عليه و آله وسلم في مكة هو أن مَن قام بحمايته وواساة بنفسه وذبّ عنه في جميع تلك المهالك هو سيدنا أبوطالب وبنوه ورهطه ، لاسيّما أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام ، ومبيته في فراش النبي صلى الله عليه و آله وسلم في أيام الشعب وقصة القُضم عنه مشهورة.(3)

وأمّا ما بلغنا من أيام النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديثه وغزواته وحروبه مع الاعداء هو صَبْرُ علي عليه السلام وثباته معه في كل غزوة وايثاره وشجاعته ، وفي المقابل فرار أبي بكر وزميله من المعارك!

فلا نعلم ما هو الموقف الذي اختص به دون غيره لمواساة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟!

ص: 132


1- تلخيص الشافي ؛ ج 3 ، ص 237.
2- منهاج السنة ؛ ج 1 ، ص 448.
3- أنظر : بحارالأنوار 20/52 ؛ تفسير القمي ؛ ص 78 ؛ وكتابنا : مع الركب الحسيني ج 2 ، ص 14 وقد ذكرنا هذه القصة في القسم الاوّل من هذه المجموعة.

ه- مجاهدته ساعة الخوف :

نقول إن كان قصدهم من ساعة الخوف هجرة النبي صلى الله عليه و آله وسلم الى المدينة وحديث الغار ، ففيه ما فيه كما تقدم في القسم الاوّل من هذه المجموعة بالتفصيل.

وإن كان قصدهم منها حضوره في الحروب والغزوات مع النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فماذا نصنع بالأخبار التي في أيدينا من هروبه وفراره في بدر وأُحد والخندق وحنين وغيرها من الحروبَ والغزوات ؟! كما مرّ في القسم الأوّل من هذا الكتاب.

والنتيجة :

إذا تأملنا هذه الأُمور كلّها ، علمنا أن هذا الخبر ليس بصحيح وليس من قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. وأنّما وُضِع هذا الحديث ليُعارض ما ورد متواترا ومشهورا عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في علي عليه السلام من سبق إيمانه وإسلامه وإنفاقه وفداء النبي صلى الله عليه و آله وسلم بنفسه ومواساته له وذبّه عنه في ساعة الخوف صابرا محتسبا.

ص: 133

الحديث الثالث :

اشارة

« عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين... »

وتعتبر هذه الرواية من اهم مستنداتهم إذ جاء في بعض كتبهم :

« حدّثنا موسى بن أيوب النصيبي وصفوان بن صاع الدمشقي ، قالا : حدثنا الوليد بن مسلم الدمشقي ، حدثنا ثور بن يزيد ، حدّثني خالد بن معدان ، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي ، قالا : أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه : « وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ » ،(1) فسلمنا وقلنا : أتيناك زائرين ومقتبسين فقال العرباض : صلى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصبح ذات يوم ثم اقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال قائل : يا رسول اللّه كأنّها موعظة مودع فما تعهد الينا ؟

فقال

صلى الله عليه و آله وسلم : أُوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعلكيم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين

ص: 134


1- سورة التوبة : 92.

فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأُمور فإنّ كلّ محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة.(1)

أمّا اهم الكتب التى ورد فيها الحديث :

1 - أخرجه الترمذي بأسانيد ثلاثة.

2 - وأخرجه أبو داود بإسنادٍ واحدٍ.

3 - وأخرجه ابن ماجه باسانيد ثلاثة.

4 - وأخرجه أحمد والحاكم باسانيد خمسة.

وبعبارات والفاظ مختلفة تنتهي جميع الطرق الى العرباض بن سارية السلميالحمصي الصحابي ، وهو الراوي الوحيد لهذا الحديث. وكان من أهل الصفّة ، سكن الشام ونزل حمص.(2)

ويرد على هذا الحديث :

أوّلاً : لم يرو الشيخان عن هذا الرجل ، وإنّما ورد حديثه في السنن الأربعة ،(3) مات سنة 75 ه .(4)

ثانيا : إنّ العرباض هذا هو الذي ينسب اليه الحديث الموضوع في فضل معاوية - أو أنه نسب إليه - وهو ما أخرجه احمد ، قال : « حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن معاوية - يعني ابن صالح - عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن زياد ، عن ابي رهم ، عن العرباض بن سارية السلمي ، قال : سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -

ص: 135


1- المستدرك على الصحيحين ج 1 ، ص 289 و 290 ح 338.
2- الاصابة ؛ ج 4 ، ص 399.
3- تهذيب التهذيب ؛ ج 5 ، ص 538.
4- الاصابة ؛ ج 4 ، ص 399.

وهو يدعونا الى السحور في شهر رمضان : « هلّموا الى الغذاء المبارك » ثم سمعته يقول : « اللّهم علّم معاوية الكتاب والحساب و قه العذاب ».(1)

فإنّه وان اكتفى ابن القطان بتضعيفه(2) لكنه كذب بلا ارتياب ، إذ صرح علماء الحديث بعدم صحة حديث واحد فى فضل معاوية ، كابن تيمية فقال : « طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا احاديث عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في ذلك كلّها كذب ».(3) والعيني فى شرحه على البخاري(4) والشوكاني ،(5) والا لأخرج في الصحاح وغيرها وعقد به بابٌ لمناقب معاوية ، كيف وهو حديث تكذبه الوقائع والحقائق والبراهين والوثائق ، وتكذبه الأدلة المحكمة من الكتاب والسنة المتقنة ، القائمة بتحريم ما استباحه معاوية من قتل النفوس وتغيير الأحكام وارتكاب المحرّمات القطعية كبيع الخمر والأصنام وشرب للخمر وأكل للربا ، وغير ذلك مما لا يحصى ، لكن العرباض سكن بلاد الشام ، ونزل حمص بلد النواصب ، وفي ظروف راجت فيها الأكاذيب والافتراءات فتأثّر بالأجواء وجعل يتقوّل على اللّه والرسول التقوّلات ، تزلّفا الى الحكام ، وطمعا في حطام الدنيا.

وثالثا : إنّ رواة هذا الحديث عن العرباض أربعة ، هم : عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر ويحيى بن ابي المطاع ومعبد بن عبد اللّه بن هشام.

والرواة عن هؤلاء ثلاث ، هم : خالد بن معدان وضمرة بن حبيب وعبد اللّه بن العلاء بن الزبير ، والرواة عنهم ست ، هم : بحير بن سعيد وثور بن يزيد وعمرو بن أبي سلمة التنيسي والوليد بن مسلم عالم الشام ومعاوية بن صالح ومحمد بن

ص: 136


1- مسند احمد ؛ ج 5 ، ص 111 ح 16702.
2- المغني عن حمل الاسفار - هامش احياء العلوم ؛ ج 1 ، ص 59.
3- منهاج السنة ؛ ج 2 ، ص 297.
4- عمدة القاري ؛ ج 16 ، ص 249 ؛ فتح الباري ؛ ج 7 ، ص 476 ؛ ارشاد السارى ؛ ج 6 ، ص 140 و 141 .
5- الفوائد المجموعة 407.

إبراهيم بن الحارث التميمي الدمشقي. والرواة عنهم ثمان ، هم : بقية بن الوليد وأبو عاصم النبيل والوليد بن مسلم وعبد اللّه بن أحمد بن بشير وعبدالرحمن بن مهدي وعبد الملك بن الصباح المسمعي ويحيى بن أبي كثير واحمد بن عيسى بن زيد التنيسي.

أمّا احوال بعض الرواة من العرباض :

1 - يحيى بن أبي المطاع الشامي : روايات عن عرباض مرسلة ؛ فيه ما يلي : أوّلاً : لم يرو عنه الاّ ابن ماجة.(1)

ثانيا : قال عنه ابن القطان : « لا يعرف حاله ».(2)

ثالثا : إنّه كان يروى عن العرباض ولم يلقة ، وهذه الرواية من تلك النماذج.

قال الذهبي : « وقد استبعد دحيم لقيّه العرباض ، فلعله أرسل عنه ، فهذا في الشاميين كثير الوقوع ، يروون عمن لم يلقوهم ».(3)

وقال ابن عساكر والذهبي : « قال أبو زرعة لدحيم تعجباً من حديث الوليد ابن سليمان قال : صحبت يحيى بن أبي المطاع كيف يحدِّث عبد اللّه بن العلاء ابن الزبير عنه أنه سمع العرباض مع قرب عهد(4) يحيى ؟ قال : أنا من أنكر الناس لهذا والعرباض قديم الموت ».(5) فالحديث مرسل إذ لم يلق يحيى بن أبي المطاع العرباض.

ص: 137


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 296.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 297.
3- ميزان الاعتدال ؛ ج 4 ، ص 410.
4- يعني : لم يدركه.
5- تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 297.

2 - حجر بن حجر الحمصي :

لم يرو عنه الا أبو داود.

قال ابن حجر : « روى عن العرباض بن سارية وعنه خالد بن معدان ، روى له ابو داود حديثاً واحدا في طاعة الأمير ، قلت : أخرج الحاكم حديثه ».(1)

وهو هذا الحديث الذي نحن بصدد مناقشته وإليه أشار الذهبي بقوله : « ما حدّث عنه سوى خالد بن معدان بحديث العرباض مقرونا بآخر ».(2) يعني به : عبدالرحمن بن عمرو السلمي حيث جاء فيه عنهما قالا : « أتينا العرباض... ».

3 - عبدالرحمن بن عمرو الشامي :

يرد عليه :

أولاً : « عبدالرحمن بن عمرو » : فهو المعروف في رواية هذا الحديث عن « العرباض بن سارية » وإليه ينتهي أكثر طرقه والسنن وغيرها... وليس له فيها الا هذا الحديث ، قال ابن حجر : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة ، صححه الترمذي قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك ».(3)

وزعم القطان الفاسي أنّه لا يصح بجهالة حاله ».

ومع فرض صحة السند ، يرد عليه أيضا :

ثانيا : لا يمكن الاستدلال به لأنّه من الآحاد ، وبه قال ابن همام في مبحث الاجماع والسهالوي وغيرهما بعد أن ذكر حديث الاقتداء وحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء : « أُجيب : يفيدان أهلية الاقتداء ، لا منع الاجتهاد وعليه أنّ ذلك مع

ص: 138


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 2 ، ص 190.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 466.
3- تهذيب التهذيب ؛ ج 5 ، ص 147.

إيجابه ، إلا أن يُدْفع بأنّه آحاد وبمعارضته باصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وخذوا شطر دينكم عن الحميراء ؛ إلا أنّ الأوّل لم يعرف ».(1)

وقال نظام الدين السهالوي في الصبح الصادق : « والجواب أنّهما من أخبار الآحاد فلا تثبت به حجية الاجماع القطعي الحجية ».

وفيه أيضا : « ويمكن أن يجاب أيضا بأنهما من الآحاد ، وأدّلتنا الدالة على حجية الاجماع معممة ، وهي قطعية فلا يعارضانها وكذا قال عبدالعلي ».(2)

ثالثا : إنّ هذا الحديث مثل حديث : « اقتدوا باللذَينِ من بعدي » ، فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقه لطريقته - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - من جهاد الاعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها.

فإنّ الحديث عام لكل خليفة راشد ولايخص الشيخين ، ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرّع طريقةً غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم إنّ عمر نفسه الخليفة الراشد سمى ما رآه من تجميع صلاته ليالي رمضان - أي صلاه التراويح - بدعةً ، ولم يقل : إنّها سنة ، فتأمل.(3)

رابعا : إنّ الصحابة - رضي اللّه عنهم - خالفوا الشيخين في مواضع ومسائل شتّى فيدلُّ هذا على أنّ ما قاله وفَعَله الخلفاء لم يكن بحجة يجب الأخذ بها.(4)

خلاصة البحث :

1 - إنّ هذا الحديث يتناقض مع حال الصحابة أنفسهم ، إذ أنّهم كثيرا ما كانوا

ص: 139


1- التحرير لابن همام بشرح ابن امير الحاج ؛ ج 3 ، ص 98.
2- فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ؛ ج 2 ، ص 509.
3- سبل السلام ؛ ج 2 ، ص 386.
4- المسائل الخلافية - للطبسي.

يخالفون أبا بكر وعمر ، فهل ترى خالفوا قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بمخالفتهم سنة الخلفاء ؟ بل خالف الخلفاءُ بعضُهم الآخرَ فى موارد كثيرة.

2 - إنّ هذا الحديث بجميع طرقه وأسانيده ينتهي الى العرباض بن سارية السلمي ، فهو الراوي الوحيد له ؛ وهذا يؤدّي إلى الشك في صدوره ، لأنّه يدّعي أنّ صدور الحديث كان في المسجد وكان بعد الصلاة وبعد موعظةٍ بليغةٍ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، ثم طلب منه أن يعهد به الى الأُمّة. حينئذٍ كيف لم يُعهد نقله من غير العرباض ؟!(1)

3 - إنّ هذا الحديث إنّما حدّث به في الشام وتناقله وأشاعه أهل الشام وأكثر رواته من أهل حمص بالخصوص ، وقد كان هؤلاء من أنصار معاوية وأشدّ أعداء أمير المؤمنين علي عليه السلام. فهذا يثير الشبهة في أن الحديث موضوع لصالح معاوية وتثبيت حكومته ، لأنّه كان منصوباً من قبل الخليفتين الثاني والثالث.

4 - إنّ هذا الحديث مما أعرض عنه البخاري ومسلم وكذا النسائي من أصحاب السنن ، وقد بنى غير واحد من العلماء الكبار من أهل السنة على عدم الاعتناء بحديث اتفق الشيخان على الإعراض عنه وان اتفق أرباب السنن على اخراجه والعناية به لا سيما أنّ الشيخين قد أعرضا عنه.

5 - ثمّ إنّ الذين أثبتوه في كتبهم منهم من صححه ، كالترمذي والحاكم ، ومنهم من سكت عنه كأبي داود ، ومنهم من حكم عليه بالبطلان كابن القطان.

6 - اضف الى ذلك كله : الارسال في روايات الشاميين كما صرّح بذلك الذهبي قائلاً : « وقد استبعد دحيم لقيّه للعرباض ، فلعله أرسل عنه ، فهذا في الشاميين كثير الوقوع ، يروون عمن لم يلحقوهم. »(2) قال ذلك في يحيى بن أبي المطاع الشامى .

ص: 140


1- لعله مثل حديث « ما تركناه صدقة » إذ لم يُرْوَ عن غير أبي بكر!!
2- ميزان الاعتدال ، ج 4 ، ص 410 .

ص: 141

الحديث الرابع :

اشارة

« ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبيبكر ».

هذا الحديث - الذي يُذكر في بعض كتبهم بهذا المضمون(1) - من الاحاديث التي استدل بها القوم في صغرى قضية الافضلية. والقضية هكذا : الامام هو الافضل ؛ وأبو بكر بمصداق هذا الحديث - والأحاديث التي تكون بهذا السياق - هو الافضل ، فهو الامام بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم. ولكنّنا نحن نناقش هذه الصغرى ولا نقبلها.

فنقول :

أوّلاً : إن الحديث حتى لو كان صحيحا عندهم فهو ليس بحجةٍ علينا لكونه روي من طرقهم فقط ، فكيف ورواته كذّابون ومدلّسون بشهادة كبار علمائهم ؟! فإليك بعض عباراتهم(2) حول هذا الحديث :

قال الحافظ نورالدين الهيثمي (م 807 ه) ، - بعد نقل حديثٍ عن جابر

ص: 142


1- تاريخ بغداد ؛ ج 12 ، ص 438 ؛ فضائل الصحابة ؛ ج 2 ، ص 144.
2- الامامة في اهم الكتب الكلامية ؛ ص 121.

بمضمون هذا الحديث - : « رواه الطبراني في الاوسط. وفيه إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذاب. وعن أبي الدرداء قال : رآني رسول اللّه وأنا أمشي امام أبي بكر ، فقال : « لا تمش أمام من هو خير منك ، إنّ أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت ». رواه الطبراني وفيه بقيّة - بقية بن الوليد - وهو مدلّس ».(1)

مضافا على أنَّ في بعض طرقه عبداللّه بن سفيان الواسطي الذي قال العقيلي فيه : « لا يتابع على حديثه »(2) وقال الذهبي : « تابعيٌ مجهول ».(3)

ثانيا : ان هذا الحديث يكذبه قول أبي بكر على المنبر : « أقيلوني لستُ بخيركم »(4) ومع هذا لا يعدّ من الصحاح ، فلا يعارض ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « عليٌّ خيرالبشر من أبى فقد كفر(5) وخير البرية(6) وخير من أخلف(7) ، وقد رواه من العامة عددٌ كثير ، منهم الاصفهاني والشيرازي والديلمي والخوارزمي والبلاذري والطبراني وابن مردويه وابن حنبل.(8)

فإنْ قيل : إنّما هو أراد كسر نفسه لا رد قول الرسول ؛ نقول : إنّ الأفضلية حكم

ص: 143


1- مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 44.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 2 ، ص 430.
3- تهذيب الكمال ؛ ج 15 ، ص 43.
4- الصواعق المحرقة ؛ ص 11 ؛ قد ورد فى شرح نهج البلاغة ؛ ج 1 ، ص 169 : « ولَّيتكم ولستُ بخيركم ». وفي تفسير الآلوسي ؛ ج 27 ، ص 18 : « أقيلوني فلست بخيركم ».
5- سير اعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 205 ؛ ميزان الاعتدال ، ج 2 ، ص 472 و ج 2 ، ص 271 ؛ لسان الميزان ، ج 2 ، ص 252 ؛ تاريخ الاسلام ، ج 26 ، ص 177 ؛ البداية والنهاية ، ج 7 ، ص 395 ؛ تاريخ بغداد ، ج 7 ، ص 433 ؛ ينابيع المودة ، ج 2 ، ص 273.
6- الدر المنثور ؛ ج 8 ، ص 6589 ؛ فتح القدير ؛ ج 5 ، ص 688.
7- شرح الأخبار ؛ ج 2 ، ص 366.
8- شواهد التنزيل ، ج 1 ، ص 99 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 42 ، ص 57 ؛ لسان الميزان ، ج 2 ، ص 102 ؛ كتاب الأربعين ؛ ص 507.

من الاحكام ولا يجوز إخفاؤها ونعمة من نعم اللّه يجب إظهارها ولا يجوز الإخبار بضد الحكم وكتمان نعمة اللّه ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « أنا سيدالمرسلين ولا فخر »(1) وقال عليٌّ عليه السلام : « أنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب.(2)

اضافةً إلى أنّ المقام هو مقام إظهار الحجة ، لأنه إذ ذاك كان في مخاصمة الانصار ومخاصمة علي عليه السلام في أمر الخلافة وطلبها منه ، فلا موضع لكسر النفس وهضمها في ذلك الوقت.(3)

ثالثا : إنْ كان هذا الحديث صحيحا ، لماذا لم يستدل عمر به في السقيفة على أفضلية أبي بكر.

رابعا : على فرض صحّة هذ الحديث ، لكنّه معارض بكثير من الاخبار الواردة في فضل علي عليه السلام ، مثل قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « الصديقون ثلاثة حبيب النجار ومؤمن آل فرعون وعليّ بن أبيطالب عليه السلام وهو أفضلهم »(4) وقوله صلى الله عليه و آله وسلمفيه : « سيدالمسلمين ويعسوب المؤمنين(5) وأعظمهم عنداللّه مزية ».(6)

خامسا : إنّ هذا الحديث - على فرض صحته - يدل على أنّه ما طلعت الشمس على أحدٍ افضل من أبي بكر ولا يدل على أنه افضل من غيره ، اذ لا يدل على ان الشمس ما طلعت على من هو مساوي لابي بكر في الفضل ، فلا دلالة فيه على أفضليته المطلقة.

ص: 144


1- كتاب الاوائل ؛ ص 42.
2- سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ص 135.
3- منار الهدى في النص على امامة الاثنى عشر ؛ 324.
4- فيض القدير ؛ ج 4 ، ص 311 ؛ الدر المنثور ؛ ج 7 ، ص 53 ؛ تذكرة الخواص ؛ ج 1 ، ص 340 ، نشر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام.
5- الكامل في ضعفاء الرجال ؛ ج 7 ، ص 178 ؛ تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 42 ، ص 302.
6- الجامع الصغير ؛ ج 2 ، ص 178 ؛ شرح نهج البلاغة ؛ ج 1 ، ص 19.

سادسا : إن طرق هذا الحديث تنتهى الى أبي الدرداء ، وقد تفرّد بنقله ، وكذلك فإنّ هذا الحديث ليس بمتواتر ، بل هو خبر واحد فلا يحكم بصحته.

خاتمة :

وفي الختام نذكر ما في كتاب الصحائف حول هذا الحديث - على ما نُقل منه في كتاب هداية السعداء - ونحيل القضاء عليه إلى القاري الفطن.

قال ملك العلماء شهاب الدين دولت آبادى الهندي ، في كتاب هداية السعداء في الهداية الاولى ، الجلوة السابعة بعد التمهيد : « وفي الصحائف في الفصل الثالث ، في أفضل الناس بعد النّبي ، المراد بالأفضل ههنا أن يكون أكثر ثوابا عند اللّه واختلفوا فيه. فقال أهل السنّة وقدماء المعتزلة إنّه أبو بكر ، وقال الشيعة وأكثر المتأخرين من المعتزلة هو عليّ.

إستدل أهل السنة بوجهين :

الأوّل : قوله تعالى « وسيجنّبها الأتقى الذي يؤتي ماله » السورة ، والمراد هو أبو بكر رضي اللّه عنه عند أكثر المفسّرين ، والأتقى أكرم عند اللّه تعالى ، لقوله : « إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم » ، والأكرم عند اللّه أفضل.

الثاني : قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « واللّه ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيّين والمرسلين أفضل من أبي بكر ».

واحتجّت الشيعة بأنّ الفضيلة إمّا عقليّة أو نقليّة ، والعقليّة إمّا بالنّسب أو بالحسب ، وكان عليّ أكمل الصّحابة في جميع ذلك ، فهو أفضل.

أمّا بالنّسب ، فلأنّه أقرب إلى رسول اللّه ، والعبّاس وإن كان عمّ رسول اللّه لكنّه كان أخا عبد اللّه من الأب وكان أبوطالب أخا منهما ، وكان عليّ هاشميّا من الأب والأمّ ، لأنّه عليّ بن أبيطالب بن عبدالمطّب بن هاشم ، وعليّ بن فاطمة بنت أسد بن هاشم ، والهاشمي أفضل لقوله صلى الله عليه و آله وسلم « اصطفى من ولد إسماعيل قريشا

ص: 145

واصطفى من قريش هاشما ».

وأمّا الحسب ، فلأنّ أشرف الصّفات الحميدة الزهد والعلم والشجاعة ، وهو فيها أتمّ وأكمل من الصّحابة.

أمّا العلم ، فلأنّه ذكر في خطبه من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يوجد في الكلام لأحدٍ من الصحابة ، وجميع الفرق ينتهي نسبتهم إليه ، فإنّ المعتزلة ينسبون أنفسهم إليه ، والأشعريّ أيضا منتسب إليه لأنّه كان تلميذا للجبائي المنتسب إلى عليّ ، وانتساب الشيعة بيّن ، وابن عبّاس رئيس المفسّرين كان تلميذا له وعلم منه تفسير كثير من المواضع التي تتعلق بالعلوم الدقيقة مثل الحكمة والحساب والشعر والنّجوم والرّمل وأسرار الغيب ، وكان في علم الفقه والفصاحة في الدرجة العليا وعلم النحو منه ، وأرشد أبا الأسود الدوئلي إليه ، وكان عالما بعلم السلوك وتصفية الباطن الذي لا يعرفه إلاّ الأنبياء والأولياء حتّى أخذه جميع المشايخ منه أو من أولاده أو من تلامذتهم ، وروي أنّه قال : « لو ثنيت الوسادة ثمّ جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزّبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، واللّه ما من آيةٍ أنزلت في برٍّ أو بحرٍ أو سهلٍ أو جبلٍ أو سماءٍ أو ارضٍ أو ليلٍ أو نهارٍ إلاّ وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أيّ شيء نزلت » ، وروي أنّه قال : « لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا »(1) ، وقال صلى الله عليه و آله وسلم : « أقضاكم علي » ،(2) والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم.

وأمّا الزهد ، فلما علم منه بالتواتر من ترك اللذّات الدنيويّة والإحتراز عن المحظورات من أوّل العمر إلى آخره مع القدرة ، وكان زهّاد الصّحابة ، كأبي ذر

ص: 146


1- شرح المقاصد في علم الكلام؛ ج 5 ، ص 212؛ ينابيع المودة؛ ج 1 ، 203؛ الوافي بالوفيات؛ ج 8 ، ص 77.
2- شرح نهج البلاغة ؛ ج 1 ، ص 23 ؛ تمهيد الاوائل وتلخيص الدلائل ؛ 543.

وسلمان الفارسي وأبي الدرداء ، تلامذته.

وأمّا الشجاعة ، فغنيّة عن الشرح ، حتّى قال جبرئيل في السماء : « لا فتى إلاّ علي لا سيف إلاّ ذوالفقار » ، وقال صلى الله عليه و آله وسلم يوم الأحزاب : « لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين ».

وكذا السخاء ، فإنّه بلغ فيه الدّرجة القصوى حتّى أعطى ثلاثة أقراص ما كان له ولأولاده غيرها عند الإفطار ، فأنزل اللّه تعالى « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكينا وَيَتِيما وَأَسِيرا ».

وكان أولاده أفضل أولاد الصحابة كالحسن والحسين ، وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « هما سيّدا شباب أهل الجنّة » ، ثمّ أولاد الحسن مثل الحسن المثنّى والحسن المثلّث وعبد اللّه بن المثنى والنفس الزكيّة ، وأولاد الحسين مثل الأئمّة المشهورة وهم ( تسعة ) من صلب الحسين عليه السلام.

وكان أبوحنيفة ومالك أخذا الفقه من جعفرالصادق والباقون منهما ، وكان أبو يزيد البسطامي سقّاءا في دار جعفر الصادق ، والمعروف الكرخي أسلم على يد عليّ الرّضا وكان بوّاب داره.

وأمّا الفضائل النقليّة ، فما روي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

الأولى : خبر الطير ، وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطّير » ، فجاء عليٌّ وأكل معه.

الثانية : خبر المنزلة ، وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، وهذا أقوى من قوله في حقّ أبي بكر : « واللّه ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النّبي على أفضل من أبي بكر » ، لأنّه إنّما يدلّ على أنّ غيره ليس أفضل منه ، لا على أنّه أفضل من غيره. وأيضا يدلّ على أنّ الغير ما كان افضل منه لا على أنّه ما يكون ، فجاز ان لا يكون عند ورود هذا الخبر ويكون بعده.

ص: 147

وأيضا : خبر المنزلة يدلّ على أنّ له مرتبة الأنبياء ، لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : « إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، وخبر أبي بكر إنّما يدلّ على أنّ غيره ممّن هو أدنى من مراتب الأنبياء ليس أفضل منه ، لقوله صلى الله عليه و آله وسلم بعد النبيّين والمرسلين ، فجاز أن يكون عليّ أفضل منه.

الثالثة : خبر الراية ، روي أنّه صلى الله عليه و آله وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ، ثمّ بعث عمر فرجع منهزما ، فبات رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مغتمّا ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية وقال : « لاُعطينّ الراية رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله كرّارا غير فرّار » ، فتعرّض له المهاجرون والأنصار فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أين عليّ ؟ » فقيل : إنّه أرمد العينين ، فتفل في عينيه ثمّ دفع إليه الراية.(1)

الرابعة : خبر السيادة ، عن الحسن بن علي قال قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يا أنس انطلق فادع لي سيد العرب يعني عليّا فقالت عائشة الست سيد العرب قال أنا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب.(2)

الخامسة : خبر المولى ، قال النّبي صلى الله عليه و آله وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

وروى أحمد والبيهقي في فضائل الصّحابة أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى يوشع في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى وجه عليّ.(3)

السادسة : روي عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني وينجز وعدي علي بن أبي طالب.(4)

ص: 148


1- مسند أحمد ؛ ج 1 ، ص 160 ؛ صحيح البخاري ؛ ج 4 ، ص 123.
2- مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 131.
3- شرح نهج البلاغة ؛ ج 7 ، ص 150 ؛ فتح الملك العلي ؛ 69 ؛ تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 42 ، ص 313.
4- شرح نهج البلاغة ؛ ج 13 ، ص 158.

السّابعة : روي عن ابن مسعود أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : « علي خير البشر ، من أبى فقد كفر.(1)

الثامنة : روي أنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال في ذي الثُديَة - كان رجلاً منافقا - : « يقتله خير الخلق » ،(2) وفي رواية : « خير هذه الأمّة » ، وكان قاتله علي بن أبيطالب ، وقال صلى الله عليه و آله وسلملفاطمة : « إنّ اللّه تعالى اطّلع على أهل الدنيا واختار منهم أباك واتّخذه نبيّا ثمّ اطلع ثانيا فاختار منهم بعلك »(3) إنتهى ما نقل عن هداية السعداء.

فهل يبقى لأحد حجةٌ بعد هذا الكلام الرصين والحجة الدامغة ؟!

ص: 149


1- الكامل في التاريخ ؛ ج 4 ، ص 10 ؛ تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 42 ، 372.
2- مجمع الزوائد ؛ ج 6 ، ص 239 ؛ صحيح مسلم ؛ ج 3 ، ص 112.
3- ينابيع المودة ؛ ج 3 ، ص 269.

الحديث الخامس :

اشارة

« خير أُمّتي أبو بكر ثمّ عمر ».

أورده المتقي الهندي في الكنز عن الخطيب البغدادي وابن عساكر(1) وعن الديلمي(2) ولكن يرد عليه الاشكال في السند والدلالة ويكفينا النقاش في بعض طرق الحديث.

فنقول :

الأوّل : الخلل في السند :

فهذا الحديث مردود من وجوه : لهذا الحديث - على بعض الطرق - ذيل يدلّ على أفضلية امير المؤمنين ، حيث روي عن عائشة أنّها قالت : « قلت يا رسول الله : من خير الناس بعدك ؟ قال : « أبو بكر ». قلت : ثمّ من ؟ قال : « عمر ».

قالت فاطمة : « يا رسول الله لم تقل فى عليّ شيئاً ؟ »

قال : « يا فاطمة ، عليّ نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً ».

ص: 150


1- كنز العمال ؛ ج 11 ، ص 563 ، الرقم 4 - 32663.
2- كنزالعمال ؛ ج 12 ، ص 13 ، الرقم 36115.

ولهذا فقد تكلم في سنده بعض علمائهم مثل أبوالحسن عليّ بن محمّد بن العراق الكناني بهذه العبارة بعد نقل الحديث مع تتمته : « (ابن الجوزي) من طريق خالد بن إسماعيل وفيه أيضا محمد بن أحمد بن مهدي ضعيف جدا ، قال السيوطي وجاء أيضا من حديث عمرو بن العاص أخرجه ابن النجار في تاريخه من طرق. (قلت) فى أحدها عبدالسلام بن صالح وهو أبو الصلت الهروي ، وفي بعضها من لم يسم ، وفي بعضها حدثنا ابو الربيع الكسائي الحسين بن الهيثم الرازي حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي في دار ابن دلوقا حدثنا هيثم عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن الهيثم الرازي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه. وقد قال الذهبي في الميزان في ترجمة ظفر بن محمد الحذاء : قال ابن بطة في ابانته حدثنا ظفر بن محمد حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا محمد بن الصباح فذكر السند المذكور ،(1) لكن السعد أسقط الذيل تبعا لشيخه العضد ليتم الاستدلال ».

الثاني : إنَّ الحديث معارض لبعض الروايات : مثل ما ادعوه فى فضل عمر من أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ».(2)

كأنّه

صلى الله عليه و آله وسلم تردّد فى أنّ عمر هل هو نبيّ أم لا!! ولو قررنا هذا الدليل بأنه لو كان بعده صلى الله عليه و آله وسلم نبي لكان عمر ، فيكون حينئذ خيراً من غيره وأنّ عمر وحده صالح لنيل النبوة على تقدير استمرار النبوة وعدم ختمها ، يلزم ان يكون عمر أفضل من أبي بكر فتعارض هذه الرواية مع ما نحن فيه.(3)

وقد يقال أيضا انه معارض بما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم خير الصحابة أربعة... .(4)

ص: 151


1- تنزيه الشريعة ؛ ج 1 ، ص 367.
2- سنن الترمذي 5/919 ، باب فى مناقب عمر بن الخطاب.
3- الامامة في اهم الكتب الكلامية ؛ ص 258.
4- سنن ابن داود ؛ ج 3 ، ص 36 ، كتاب الجهاد ، ح 2611.

الحديث السادس :

اشارة

« لو كنت متخذا من امتي خليلاً لاتخذت أبابكر ولكن أخي وصاحبي »

رواه البخاري ومسلم - وهو في رواية البخاري قطعة من حديث يشتمل على جمل عديدة تعد كلّ واحدة منها فضيلة مستقلة من فضائل أبي بكر فهو اقواها سندا وادلها دلالة لكن راويه هو إسماعيل بن عبداللّه بن أبي اويس ابن أخت مالك بن أنس ونسيبه.(1)

قبل البحث في احواله - إسماعيل بن عبداللّه - نقول إن اسانيد هذا الحديث

ص: 152


1- صحيح البخاري ؛ ج 5 ، ص 153 ، ح 368. طبعة عالم الكتب بيروت - باب هجرة النبى صلى الله عليه و آله وسلم واصحابه إلى المدينة.

ترجع إلى أربع من الصحابة : أبي سعيد الخدري وابن عباس وابن الزبير وعبداللّه بن مسعود وهذا الحديث بجميع طرقه مردود من جهة السند والدلالة :

أمّا سنده :

الاوّل : ما نقل عن أبي سعيد الخدري :

فينحصر الطريق إليه بما فيه اسماعيل بن عبداللّه الذي قال فيه ابن معين : « هو وابوه يسرقان الحديث ». وقال يحيى : « مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء ».

وقال النسائي : « ضعيف ». وقال مرة أخرى : « غير ثقة ».

وقال ابن عدى : « يروى عن خاله أحاديث غرائب لايتابعه عليها أحد ».

وذكره الدولابي في الضعفاء ، وقال : « سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : ابن ابي أويس كذّاب... ».

وقال الدارقطني : « لا أختاره في الصحيح ».

وقال ابن حزم في المحلى : « قال أبو الفتح الأزدي : حدثني سيف بن محمد : ان ابن أبي أويس كان يضع الحديث ».

وأخرج النسائي من طريق سلمة بن شبيب أنّه قال : « سمعت إسماعيل بن أبي أُويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيءٍ فيما بينهم ».(1)

والثاني : ما نقل عن ابن عباس

ففيه : جرير بن حازم

قال مهنأ عن أحمد : جرير كثير الغلط وقال ابن حبان في الثقات كان يخطى ء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه.

حدّثني حسين عن الأثرم قال : قال أحمد : جرير بن حازم حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ.

نسبه يحيى الحماني إلى التدليس. قال الأزدي : جرير صدوق خرج عنه بمصر

ص: 153


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 1 ، ص 322 - 323..

أحاديث مقلوبة ولم يكن بالحافظ حمل رشدين وغيره عنه مناكير.(1)

ص: 154


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 2 ، ص 62.

وفيه : داود بن منصور النسائي - أبو سليمان الثغري.

قال العقيلي : يخالف في حديثه.(1)

قال ابن يونس : أحاديثه موضوعة.(2)

وفيه : عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي أبو محمّد البصري :

كان يحيى بن سعيد لا يرضاه.(3)

وفيه : أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس أبو بكر النجاد :

قال الدارقطني : حدث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله.(4)

وقال الخطيب : كان قد عمى في الآخر ، فلعل بعض الطلبة قرأ عليه ذلك.(5)

وقال ابن عبدان : لا يدخل في الصحيح.(6)

قال الخطيب : كان قد أضر أى عمى بصره فلعّل بعضهم قرأ عليه ما ذكره الدارقطني.(7)

والثالث : ما نقل عن ابن الزبير

ففيه وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي أبو سفيان الكوفي :

قال عبداللّه بن أحمد عن أبيه في موضع آخر ابن مهدي أكثر تصحيفا من وكيع ووكيع أكثر خطأ منه وقال في موضع آخر أخطأ وكيع في خمسمائة حديث.

ص: 155


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 3 ، ص 175.
2- المغني في الضعفاء ؛ ج 1 ، ص 221.
3- تهذيب الكمال ؛ ج 19 ، ص 463.
4- الوافي بالوفيات ؛ ج 6 ، ص 247.
5- ميزان الاعتدال ؛ ج 1 ، ص 101.
6- المختلطين للعلائى ؛ ج 1 ، ص 7 و سئوالات حمزه للدارقطني 236.
7- الوافي بالوفيات ؛ ج 6 ، ص 400.

قال الشاذكوني وابن عمّار : قال لنا أبو نعيم : ما دام هذا يعني وكيعا حيا مايفلح أحد معه.

قال محمد بن نصر المروزي : كان يحدث بآخره من حفظه فغير ألفاظ الحديث كأنه كان يحدث بالمعني ولم يكن من أهل اللسان.(1)

الفضل بن محمّد الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : وأين مثل وكيع ؟! ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الاكثار منه فكان متأولا في شربه ، ولو تركه تورعا ، لكان أولى به ، فإن من توقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور.(2)

قال إسحاق بن بهلول : قدم علينا وكيع ، فنزل في مسجد الفرات ، وسمعت منه ، فطلب مني نبيذا ، فجئته به ، وأقبلت أقرأ عليه الحديث ، وهو يشرب ، فلما نفد ما جئته به ، أطفأ السراج.

قلت : ما هذا ؟ قال : لو زدتنا ، زدناك.

ص: 156


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 11 ، ص 114.
2- فقد أخرج أبو داود في الأشربة : باب النهي عن المسكر ، والترمذي في الأشربة : باب ما جاء كل مسكر حرام ، كلاهما عن قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن بكر بن داود بن أبي الفرات ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبداللّه ، قال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم : « ما أسكر كثيره فقليله حرام ». وهذا إسناده قوي ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن حبان ، وأخرجه ابن ماجة من طريق عبدالرحمن بن إبراهيم ، عن أنس بن عياض ، عن داود بن بكر بهذا الاسناد ، وفي الباب عن ابن عمر عند ابن ماجة ، وعن عبداللّه بن عمرو عنده أيضا ، وأخرج مالك في الموطأ ؛ ج 2 ص 845 باب تحريم الخمر ، ومن طريقه البخاري ؛ ج 10 ، ص 35 في الاشربة : باب الخمر من العسل وهو البتع ، ومسلم في الأشربة : باب بيان أن كل مسكر خمر ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : سئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن البتع فقال : « كلّ شراب أسكر حرام ». وأخرج أحمد ؛ ج 4 ، ص 267 ، وأبو داود ، والترمذي عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) : إن من العنب خمرا ، وإن من التمر خمرا وان من العسل خمرا ، وان من البر خمرا ، وان من الشعير خمرا ،

وقال نعيم بن حماد : تعشينا عند وكيع - أو قال : تغدينا - فقال : أي شيء تريدون أجيئكم منه : نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان ؟ فقلت : تتكلم بهذا ؟ قال : هو عندي أحل من ماء الفرات ، قلت له : ماء الفرات لم يختلف في حله ، وقد اختلف في هذا.

قلت : الرجل سامحه اللّه لو لم يعتقد إباحته ، لما قال هذا.

وقال أبو سعيد الاشجع : كنت عند وكيع فجاءه رجل يدعوه إلى عرس ، فقال : أثم نبيذ ؟ قال : لا ، قال : لانحضر عرسا ليس فيه نبيذ ، قال : فإني آتيكم به.

فقام.

وقد سئل أحمد بن حنبل : إذا اختلف وكيع وعبدالرحمن ، بقول من نأخذ ؟ فقال : نوافق عبدالرحمن أكثر ، وخاصة في سفيان ، كان معنيا بحديثه وعبدالرحمن يسلم منه السلف ، ويجتنب شرب المسكر ، وكان لا يرى أن يزرع في أرض الفرات.(1)

محمد بن أحمد بن مسعود : سمعت عبداللّه بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : أخطأ وكيع في خمس مئة حديث.

قال عبداللّه بن أحمد ، عن أبيه : ابن مهدي أكثر تصحيفا من وكيع ، لكنه أقل خطأ.(2)

والرابع ما نقل عن عبداللّه بن مسعود :

ففيه : أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرّقاشي :

قال الدارقطني : صدوقٌ ، كثير الخطأ ، لكونه يحدِّث من حفظه.(3)

ص: 157


1- أورده في تهذيب الكمال ؛ ج 19 ، ص 397 ، ح 1464 ؛ وذكره الفسوي في تاريخه ؛ ج 2 ، ص 170 إلى قوله « بحديث سفيان ».
2- سير أعلام النبلاء ؛ ج 9 ، ص 140.
3- سير أعلام النبلاء ؛ ج 25 ، ص 175.

وعبدالملك بن محمّد بن عبداللّه الرقاش صدوق موصوف بالخير والصلاح ولكن له أخطاء وأوهام في المتون والأسانيد. والعمدة في معرفة اختلاطه ومعرفة من سمعوا منه في الاختلاط ومن سمعوا قبله هو ما روي عن الإمام ابن خزيمة أنه قال : حدّثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد. وهو ما أخذ به الحافظ العراقي فقال : وظاهر كلام ابن خزيمة أن من سمع منه بالبصرة قبل أن يخرج إلى بغداد فسماعه صحيح وإن من سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط أو مشكوك فيه. وقال أيضا : « وليس صريحا في عبارته بل هو ظاهر منها » وهو أيضا ما سار عليه ابن حجر في التقريب فقال : « صدوق يخطيء تغير حفظه لما سكن بغداد ».(1)

وفيه : محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان أبو بكر العبدي البصري بندار :

وقال عبداللّه بن محمّد بن سيار : سمعت أبا حفص الفلاس ، يحلف ان بندارا يكذب فيما يروي عن يحيى.

وقال ابن سيار ايضا : سمعت أبا موسى ، وكان قد صنف حديث داود بن أبي هند ، ولم يكن بندار صنفه ، فسمعت أبا موسى يقول : منا قوم لو قدروا ان يسرقوا حديث داود ، لسرقوه ، يعني : به بندارا.

وقال : عبداللّه بن علي بن المديني : سمعت أبي وسألته عن حديث رواه بندار عن ابن مهدي ، عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبداللّه ، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : « تسحروا » قال : هذا كذب حدّثني أبو داود موقوفا ، وانكره اشد الانكار.

قال أبوالفتح الأزدي: حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري، حدّثنا عبداللّه بن الدورقي،

ص: 158


1- الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط ؛ ج 1 ، ص 222.

قال : كنا عند ابن معين ، وجري ذكر بندار ، فرأيت يحيى لا يعبأ به ، ويستضعفه.

ورأيت القواريري لا يرضاه ، وقال : كان صاحب حمام.(1)

وفيه : أبو معاوية - محمّد بن حازم مولى بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم السعدي الكوفي الضرير.

قال عبداللّه بن أحمد عن أبيه : أبو معاوية في غير حديث الأعمش مضطرب ، لا يحفظها حفظا جيّدا.

قال يحيى بن معين : وروى أبو معاوية عن عبيداللّه أحاديث مناكير.

وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ، ربما دلس ، كان يرى الارجاء ، فيقال : ان وكيعا لم يحضر جنازته لذلك.

وقال العقيلي : ثقة ، يري الارجاء وكان لين القول فيه.

وقال أبو داود : كان رئيس المرجئة بالكوفة.(2)

وأمّا دلالته :

أوّلاً :

إنّه معارَضٌ بأحاديث أُخرى - وإن كانت موضوعة - تنصّ على انه صلى الله عليه و آله وسلمقد اتخذه خليلا مثل قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « لكلّ نبي خليل في أُمته وإن خليلي أبو بكر ».(3) وبآخر ينصّ على أنّه اتّخذ عثمان خليلاً ، وهذا لفظه : « إنّ لكلّ نبيّ خليلاً من أُمته ، وإنّ خليلي عثمان بن عفان » فيكون عثمان أفضل من أبي بكر لأنّه صلى الله عليه و آله وسلم قال في حقّ أبي بكر بلفظ « لو » بمعنى الامتناع. ولكن اتخذ صلى الله عليه و آله وسلمعثمان خليلاً وأيضا أبو هريرة. على ما إدعاه هو وان كذّبه أميرالمؤمنين عليه السلام.

ص: 159


1- سير اعلام النبلاء ؛ ج 12 ، ص 147.
2- سير اعلام النبلاء ؛ ج 9 ، ص 78.
3- كنزالعمال ؛ ج 11 ، ص 553.

لكن كلّها موضوعة ، وقد نصّ على وضع الأخير منها غير واحد.(1)

ثانيا :

وعلى فرض الصحة ، لكنّ هذا مستحيل لأنّه صلى الله عليه و آله وسلم آخى بين أصحابه وأخّر عليا عليه السلام ، فقال له في ذلك : « ما أخّرتك الا لنفسي ». فأيّ الروايتين تثبت ، سوف تبطل الأخرى. وعلى ما مرّ من ضعف سند حديث : « لو كنت متخذا خليلا »... وصحة حديث الاخوة بين الفريقين ، فالنتيجة واضحة.

ثالثا :

وأنت ترى إنه نفيٌ للخلّةِ بسبب وجود (لو) ، فلا اثبات لها ، نعم فيه خلّة فرضية لا تساوي الأخوّة الفعلية ، فكيف يقابل بما روي اتفاقا من اتخاذه صلى الله عليه و آله وسلم لعليّ عليه السلام أخا والأخوة أفضل من الخلّة.

رابعا :

الأخوّة عامة بالنسبة الى جميع المسلمين ، كما قال تعالى : « إنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة » ، فلا دلالة فيها على امتياز مخصوص لأبي بكر ، مع أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قد آخى بينه وبين علي بن أبيطالب عليه السلام كما في سنن ابن ماجة ، قال عليٌّ : « أنا عبد اللّه وأخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب ».(2) وفي السيرة النبوية : قال صلى الله عليه و آله وسلم : « تآخَوا في الله أخوين » ، ثمّ أخذ بيد علي بن أبيطالب عليه السلام فقال : « هذا اخي ».(3)

خامسا :

أنها لو تمت فهم منفردون بها ، وليست حجة علينا.

سادسا :

انّها لو صحت فلابد أن يحتج بها أبو بكر في السقيفة فلا نرى أحدا يقول بهذا.

سابعا :

انّها لو كانت ثابتة عن رسول اللّه فلماذا صرح جمع من أعاظم الصحابة والتابعين وتابعيهم بأفضلية عليّ عليه السلام(4).

ص: 160


1- تنزيه الشريعة ؛ ج 1 ، ص 392.
2- سنن ابن ماجه؛ ج 1، ص 135.
3- السيرة النبوية ؛ ج 2 ، ص 114.
4- أنظر : الاستيعاب ترجمة عليّ عليه السلام ؛ ج 3 ، ص 109.

إنّ هذه الروايات - لو كنت متخذا - على كثرتها فهي لم تستطع طمس الحقائق وقلبها رغم أنّها حققت نجاحا كبيرا فى هذا الشأن ، لكن الباحث المنصف يستطيع التوصل إلى الحقيقة إذا ما تناول الامر بشكلٍ موضوعيٍّ وطرح رداء التعصب والتقليد الأعمى.

فهذه الأحاديث قد رواها أهل السنة فقط اما غيرهم فلم تصح عندهم ثمّ لم يذكرها أئمتهم فيما رووه من حديث ، اذن فهي محل نظر ، فيحتمل أن تكون صحيحةً ، ويحتمل أن تكون غير صحيحةٍ ، وإن صحت فلا تدلّ على مدّعاهم في بعض الصحابة ، فكلّ ذي فضل له فضله ، وذلك فضل اللّه يوتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ولكنّ ذلك مشروطٌ بالاستقامة على التقوى حتى لقاء اللّه تعالى.

أمّا مَن هَتَك أستارَ التقوى ، وتلطّخ بكبائر العصيان ، فلا حرمة له ولا كرامة وهو عند اللّه من الخاسرين ، ومن هنا جاء عن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم : « ليردن عليَّ الحوض رجالٌ ممن صاحبني حتّى إذا رفعوا إليَّ اختلجوا ، فلأقولن : أي ربِّ ، أصحابي أصحابي ، فليقولن لي : إنّك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ». وفي روايةٍ : « فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النِّعَم ».

وأحاديث الذود عن الحوض - للرجال من الصحابة - كثيرة ، كما ذكرت في مسلم ، والبخاري(1) ، ورويت في غيرهما أيضا.

وروي عن أُسامة بن زيد ، قال : أشرف النبي صلى الله عليه و آله وسلم على أطُم من آطام المدينة. فقال : « هل ترون ما أرى ؟ » إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر » متفق عليه.(2)

ص: 161


1- صحيح مسلم ؛ ج 3 ، ص 1296 - 1298 ؛ صحيح البخاري ؛ ج 2 ، ص 258 ، ج 4 ، ص 148 ، ج 5 ، ص 271 و 272.
2- صحيح البخاري ؛ ج 6 ، ص 435 ؛ صحيح مسلم ؛ ج 8 ، ص 168.

وقال

صلى الله عليه و آله وسلم للأنصار : « إنّكم ستلقون بعدي أثرةً ، فاصبروا حتى تلقوني » متفق عليه.(1)

وقال

صلى الله عليه و آله وسلم : « ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ».(2)

فكلّ هذه الأحاديث والسنن تدلّ على خلاف ما يدّعى من الخلّة ، وتصحح ايضاً رأى اتباع أهل البيت ، والزيدية من أنّ الصحابة كغيرهم ، وأنّهم معرضون للفتنة ، وإنّ فيهم الشّقيَّ وفيهم السعيد.

ص: 162


1- صحيح البخاري ؛ ج 9 ، ص 358 ؛ صحيح مسلم ؛ ج 3 ، ص 108.
2- صحيح البخاري ؛ ج 2 ، ص 273 ؛ مسند أحمد ؛ ج 3 ، ص 90.

الحديث السابع :

اشارة

روى المتقى : عن أبي البختري قال : خطب عليٌّ فقال : « ألا أنَّ خير هذه الامة بعد نبيها ، ابو بكر وعمر ».(1)

لكن فيه ايضا من جهة السند والدلالة ما يلي :

أقول : له طرق اخرى يراجع :

أمّا من جهة السند :

إنّ أبا البختري لم يسمع من عليٍّ عليه السلام شيئا ، وإنّما كان يرسلعنه كثيرا.

قال ابن حجر : « سعيد بن فيروز وهو ابن أبي عمران ، أبوالبختري الطائي مولاهم الكوفي روى عن أبيه و ابن عباس وابن عمر وابي سعيد وأبي كبشة وأبي برزة ويعلي بن مرّة وأبي عبدالرحمن السلمي والحارث الأعور وهو ثبت ولم يسمع من عليٍّ شيئا(2).

ولكثرة روايته عن الأصحاب مع عدم سماعه عنهم ، حكم بعض نَقَدَةِ الحديث

ص: 163


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 4 ، ص 60 ؛ تهذيب الكمال ؛ ج 7 ، ص 279.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 3 ، ص 362.

بضعف مراسيله. قال ابن سعد : « كان كثير الحديث يرسل حديثه ويروي عن الصحابة ؛ ولم يسمع من كثير احد ، فما كان من حديثه سماعا فهو حسن ، وما كان عن إرسالٍ فهو ضعيف ».

أمّا من جهة الدلالة :

أوّلاً : ما رُوي في هذا الحديث مستحيل ، إذ لو كانا كذلك وانّهما أفضل الأُمّة ما ولّى النبي صلى الله عليه و آله وسلمعليهما مرّةً عمرو بن العاص ومرّة أُسامة ابن زيد.

ثانيا : مَن راجع الأخبار والسير ونظر إليها بدون العصبية والهوى يعلم مِن أحوال أميرالمؤمنين والمشهور من أقواله وأفعاله أنه كان يقدّم نفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة وأنه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدم عليه.(1)

على أنه لا يجوز أن يقول هذا الحديث الموضوع مَن قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فيه في قضية الطير المشوي : « اللّهمّ إئتني بأحب خلقك إليك يأكل معي مِن هذا الطائر »(2) فجاء عليه السلام من بين الجماعة وأكل معه ، ولا مَن يقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم لإبنته فاطمة عليهاالسلام : « إن اللّه عزّوجلّ إطلع على أهل الأرض إطلاعة فاختار منها رجلين جعل أحدهما أباك والأخر بعلك »(3) وقال صلى الله عليه و آله وسلم فيه : « عليٌّ سيد العرب »(4) و« خير أمتي » و« خير مَن أخلف بعدي »(5) و« عليٌّ خير البشر من أبى فقد كفر»(6). وروي

ص: 164


1- وقد ذكر في شرح نهج البلاغه ما جرى بينه وبين عثمان فقال له : « أبوبكر وعمر خيرٌ منك » فقال عليه السلام : « أنا خيرٌ منك ومنهما عبدتُ اللّه قبلهما وعبدتُه بعدهما » ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ؛ ج 20 ، ص 262 وأيضا قال عليه السلام : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد » كنزالعمال ؛ ج 6 ، ص 218.
2- قد روى حديث الطير جماعة من العلماء كالترمذي في سننه ؛ ج 2 ، ص 299 ؛ والنسائي في خصائصه ، ص 5 والحاكم في مستدركه ؛ ج 3 ، ص 130 و 131 والخطيب في تاريخه ؛ ج 3 ، ص 171 و... .
3- مستدرك الحاكم ؛ ج 4 ، ص 129 ؛ مسند أحمد ؛ ج 5 ، ص 26.
4- مستدرك الحاكم؛ ج 3، ص 124؛ حلية الاولياء؛ ج 1، ص 63 و ج 5، ص 38.
5- كنزالعمال ؛ ج 6 ، ص 154. 6 تاريخ بغداد ؛ ج 3 ، ص 19.

عن عائشة في قصة الخوارج لما سألها مسروق فقال لها « باللّه يا أمّه لا يمنعك ما بينك وبين عليّ أن تقولي ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فيه وفيهم » فقالت : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ».(1)(2)

ثالثا : يتناقض الحديث مع ما رواه مسلم عن عليّ عليه السلام فيهما : « إنّهما كاذبان آثمان غادران خائنان » ، ومعه كيف يعقل إنّه عليه السلام يفضلهما على أبي ذر والمقداد وعمار وسائر الصحابة وإليك النص :

« حدثنا جويرة عن مالك عن الزهري ، أنّ مالك بن أوس حدثه قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب ، فجئته حين تعالى النهار... ثمّ نشد عباسا وعليّا بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك قالا نعم قال فلما توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال أبو بكر : « أنا وليُّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « ما نورث ما تركناه صدقة ».

فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا واللّه يعلم إنّه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى أبو بكر وأنا وليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ووليّ أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا.(3)

ص: 165


1- قد ذُكر إخباره صلى الله عليه و آله وسلم عن الخوارج وقتالهم لعليّ عليه السلام في الكتب منها : صحيح البخاري ؛ ج 4 ، ص 189 ؛ صحيح المسلم ؛ ج 1 ، ص 750 ؛ المستدرك ؛ ج 2 ، ص 145 و 147 و... .
2- الشافي في الامامة ؛ ج 3 ، ص 101.
3- صحيح مسلم ؛ ج 3 ، ص 1377 - 1379 ، كتاب الجهاد والسير باب حكم الفيء.

ص: 166

الحديث الثامن :

اشارة

« أدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتّى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنّ ويقول قائل أنا أولى ويأبى اللّه والمؤمنون الاّ أبا بكر ».(1)

قد روى مسلم هذا الحديث في زمرة فضائل أبي بكر لكن يرد عليه اشكالات سندية ودلالية :

أمّا السند ففيه :

أ - إبراهيم بن سعد : وقد ضعفه أحمد بن حنبل : « قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ذكر عند يحيى بن سعيد ، عقيل وإبراهيم بن سعد فجعل كانه يضعفهما »(2)

وكان إبراهيم يجيد صناعة الغناء.(3)

قال الذهبي : « كان ممن يترخص فى الغناء على عادة أهل المدينة وكأنه لِيمَ في

ص: 167


1- صحيح مسلم ؛ ج 4 ، ص 1857 ، باب من فضائل أبي بكر.
2- سير أعلام النبلاء ؛ ج 7 ، ص 554.
3- المصدر السابق ؛ ج 7 ، ص 554.

ذلك فانزعج على المحدثين وحلف أنّه لا يحدث حتى يغني قبله.(1)

ب - وفيه : يزيد بن هارون : روى أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى أنّه قال : « يزيد بن هارون لا يميز ، ولا يبالي عمّن روى ».

وأحمد بن أبي خيثمة عن أبيه قال : « كان يعاب على يزيد حيث ذهب بصره ، ربّما سئل عن حديث لا يعرفه ، فيأمر جارية له تحفِّظه إيّاه من كتابه.(2)

وقال أحمد بن حنبل : « سماع يزيد من ابن أبي عروبة ضعيف ، اخطأ في أحاديث ».(3)

أمّا الزهري وعروة بن الزبير ، فحالهما واضح ، إذ هما من رؤس المنحرفين عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. كما قال ابن ابى الحديد فى شرحه على نهج البلاغة : « وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام. وروى جرير بن عبد الحميد عن محمّد بن شيبة ، قال : شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّا عليه السلامفنالا منه ، فبلغ ذلك عليّ بن الحسين عليهماالسلام فجاء حتّى وقف عليهما فقال : امّا أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك ، وامّا أنت يا زهري فلو كنت بمكّة لأريتك كبر أبيك. وقد روي من طرق كثيرة أنّ عروة بن الزبير كان يقول : لم يكن أحد من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يزهو الاّ عليّ بن أبيطالب وأسامة بن زيد.

وروى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة قال : « كان أبي إذا ذكر عليّا نال منه ».(4)

ص: 168


1- سير أعلام النبلاء ؛ ج 7 ، ص 552.
2- المصدر السابق ؛ ج 8 ، ص 231.
3- المصدر السابق ؛ ج 8 ، ص 231.
4- شرح نهج البلاغه ؛ ج 4 ، ص 309.

وأيضا قال المجلسي رحمه الله : « محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب الزهري على ما يظهر من كتب التراجم من المنحرفين عن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلام ، كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير وجدّه عبيد اللّه مع المشركين يوم بدر ، وكان هو أكثر عمره عاملاً لبني مروان ويتقلّب في دنياهم ، جعله هشام بن عبد الملك معلم أولاده وأمره أن يملي على أولاده أحاديث ، فأملى عليهم أربعمائة حديثٍ. وأنت خبير بأنّ الذي خدم بني أمّية منذ خمسين سنة ، ما مبلغ علمه ؟! وماذا حديثه ؟! ومعلوم إنّ كلّ ما أملى من هذه الأحاديث هو ما يروق هؤلاء ولا يكون فيه شيء من فضل عليّ عليه السلام وولده. ومن هنا أطراه علماؤهم ورفعوه فوق منزلته بحيث تعجب ابن حجر من كثرة ما نشره من العلم.

أمّا كتاب الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام يعظه ، وقد حذره الإمام زين العابدين عليه السلام من مساعدة الظالمين :

... أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلّما إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيّهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم الاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك وما أيسر ما عمّروا لك فكيف ما خرّبوا عليك. فانظر لنفسك فانّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤولٍ ».(1)

ص: 169


1- بحارالأنوار ؛ ج 78 ، ص 132. وقال الآلوسي في تفسيره في ذيل الآية الشريفة « ولا تركنوا الى الذين ظلموا... » هود : 113 وما احسن ما كتبه بعض الناصحين للزهري حين خالط السلاطين وهو : ... وإعلَمْ أن أيسر ما إرتكبت واخف ما احتملت انك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلاً حين أدناك اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم وجسرا يعبرون عليك الى بلائهم وسلما يصعدون فيك الى ضلالهم يدخلون الشك بك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء... (روح المعاني ؛ ج 12 ، ص 480 و 481)

أمّا من جهة الدلالة :

أوّلاً :

إنّ أبا بكر لم يكن بالمدينة لأنّه ممّن أمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمبالخروج مع اُسامة ، وقد لعن المتخلّف عنه كما روي ذلك من الواقدي وابن سعد وابن إسحاق وابن الجوزي وابن عساكر ، فلم يكن بالمدينة.(1)

ثانيا :

لم يكن له طريق آخر غير ما روي عن عائشة ، وهي في نقلها لأمثال هذه الأحاديث التي تعظِّم من شأن أبيها على حساب التقليل من شأن علي عليه السلاموالنكاية به متهمة.

ثالثا :

روي عن ابن عباس ما يعارضه ، حيث سئل : « أوصى رسول اللّه ؟ ، قال : لا ؛ - فقيل له - فكيف كان ذلك ؟ قال : قال رسول اللّه : ابعثوا إلى عليّ فادعوه ، فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر. فاجتمعوا عنده جميعا : فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : انصرفوا فان تك لي حاجة أبعث إليكم فانصرفوا ».(2)

فإنّه طلب عليّا عليه السلام ليوصي إليه ، لكنّهما بعثتا إلى الرجلين فصرفهما.

رابعا:

فلو سلمنا حضور أبي بكر عنده صلى الله عليه و آله وسلم لكنّه أمره بالانصراف ولم يكتب شيئا.

خامسا :

روى الدارقطني أيضا ما يعارضه ونقل السيوطي في اللآلي المصنوعة عن الدارقطني ، انّه أخرج عن عائشة قالت : « لما حضر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالموت

ص: 170


1- فتح الباري ؛ ج 8 ، ص 502 ؛ تأريخ الإسلام ، غزوات النبي صلى الله عليه و آله وسلم : 714.
2- تأريخ الطبري ؛ ج 3 ، ص 64 ومع اختلاف يسير تاريخ ابن عساكر ؛ ج 42 ، 393 ؛ الرياض النضرة ؛ ج 3 ، ص 141 ؛ وكفاية الطالب ؛ ص 262 و 263 ؛ ذخائر العقبى ؛ ص 88 و 89.

قال : أدعوا لي حبيبي.

فدعوت له أبا بكر ، فنظر ، ثمّ وضع رأسه ، فقال : أدعوا لي حبيبي.

فدعوا له عمر ، فنظر إليه ، ثمّ وضع رأسه ، وقال : أدعوا لي حبيبي.

فقلت ويلكم : أدعوا له علي بن أبيطالب ، فو اللّه ما يريد غيره فلمّا رآه أفرد الثوب الذي كان عليه ، ثمّ أدخله فيه فلم يزل محتضنه حتّى قبض ويده عليه ».(1)

سادسا :

إنّ هذا الحديث وضع ليقابل به حديث القرطاس المتفق عليه ، الذي منع عمر بن الخطاب فيه عن كتابة الكتاب وتفوّه بعبارته المشهورة « إنّ الرجل ليهجر » فلو صح فإنّ حديث القرطاس مقدّم عليه.

سابعا :

هل المقصود ب « أخاك » هو عبد الرحمن ؟ وما كان دوره انذاك ؟ حتّى يطلبه النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؟

ص: 171


1- مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر ؛ ج 18 ، ص 21 ؛ تأريخ دمشق لابن عساكر ؛ ج 42 ، ص 393 ؛ المناقب للخوارزمي ؛ فصل 6 ، ص 68 ؛ كفاية لطالب ؛ باب 62 ، ص 262 و 263.

ص: 172

الحديث التاسع :

اشارة

« هما سيدا كهول أهل الجنة ، ما خلا النبيين والمرسلين ».(1)

نقول :

أوّلاً : قد نُقل هذا الحديث من طرقهم وفي مصادرهم فقط ولم ينقله أحدٌ من أصحابنا ، إذن هذه الرواية ليست حجّةٌ علينا.

ثانيا : إعراض البخاري ومسلم عنه ولم يذكراه في كتابيهما وقد ورد في محله أنّ بعض العلماء ردّ أو تأمّل فيما ليس في كتابيهما.

ثالثا : لم يخرِّج أحمد هذه الرواية : في مسنده - وانما أوردها إبنه عبد اللّه في زوائده ، وقد نص أحمد على أنّ ما ليس في المسند فليس بحجّةٍ.

رابعا : في رواتها ضعفاء متروكون.

فلنبدأ بذكر بعض أسانيد الرواية ثمّ نناقش في رجالها ثم نذكر وهن دلالتها.

ص: 173


1- تاريخ مدينة دمشق ؛ ج 7 ، ص 118 ؛ ج 14 ، ص 131 ؛ ج 30 ، ص 165 ؛ المراصد على شرح المقاصد ؛ ص 292 ؛ الطرائف في التعليق على شرح المواقف ؛ ص 64.

الأمر الأوّل أسانيدها :

أ - ما جاء به الترمذي :

- حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدّثنا محمد بن كثير العبدي عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لأبي بكر وعمر : « هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ».

قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

- حدّثنا على بن حجر ، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن علي بن الحسين عن علي بن أبيطالب ، قال : « كنت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، إذ طلع أبو بكر وعمر ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ، يا علي لا تخبرهما ».

قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه. والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث ولم يسمع علي بن الحسين من علي بن أبيطالب وقد روى هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه ، وفي الباب عن أنس وابن عباس.(1)

ب - ما جاء به ابن ماجه :

- حدّثنا هشام بن عمار ، حدثنا سفيان عن الحسن بن عمارة عن فراسة عن الشعبي عن الحارث عن علي ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا علي ماداما حيّين ».(2)

- حدثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ، حدثنا عبدالقدوس بن بكر بن

ص: 174


1- سنن الترمذي ؛ ص 968.
2- سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ، ص 115.

خنيس ، حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ».(1)

ج - ما جاء به عبد اللّه بن أحمد :

- حدثنا وهب بن بقية الواسطي ، حدثنا عمر بن يونس - يعني اليمامي - عن عبد اللّه بن عمر اليمامي عن الحسن بن زيد بن الحسن ، حدّثني أبي ، عن أبيه عن علي رضى الله عنه ، قال : « كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم فأقبل أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، فقال : يا علي هذان سيّدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين ».(2)

د - ما جاء به الهيثمي :

- عن أبي سعيد الخدري قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لأبي بكر وعمر هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين ».

رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه علي بن عابس وهو ضعيف.

- وعن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين ، لا تخبرهما يا علي ».

رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه المقدام بن داود ، وقد قال ابن دقيق المعيد إنّه وثق وضعفه النسائي وغيره.

- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال بمثل حديث متنه ان النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي ».

ص: 175


1- المصدر السابق ؛ ج 1 ، ص 119.
2- مسند أحمد ؛ ج 1 ، ص 129.

رواه البزار وقال : لا نعلم رواه عن عبيد اللّه بن عمر الاّ عبد الرحمان ابن مالك بن مغول ، قلت : وهو متروك.(1)

ه - ما جاء به ابن أبي شيبة :

حدثنا زيد بن حباب عن موسى بن عبيدة قال : أخبرني أبو معاذ عن خطاب أو أبي الخطاب عن علي قال : بينا أنا جالس عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال : « يا علي! هذان سيّدا كهول أهل الجنة الاّ ما كان من الأنبياء ، فلا تخبرهما »(2).

و - ما جاء به ابو يعلى الموصلي :

- حدّثنا زهير ، حدّثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي عن علي قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم فأقبل أبو بكر وعمر فقال : « هذان سيدا كهول اهل الجنة من الاوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ».(3)

ز - ما جاء به ابن حبان :

« أخبرنا محمّد بن اسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف ، حدّثنا محمّد بن عقيل بن خويلد ، حدّثنا خنيس بن بكر بن خنيس ، حدّثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أبو بكر وعمر سيدا كهول اهل الجنة من الاوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ».(4)

ح - ما جاء به الطبراني :

- حدثنا أحمد قال : حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال : حدّثنا عبيد بن الصباح قال : حدّثنا فضيل بن مرزوق عن فراس عن الشعبي عن الحارث عن علي

ص: 176


1-
2- 1 مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 53. المصنف ؛ ج 7 ، ص 473.
3-
4- 3 مسند أبي يعلى ؛ ج 1 ، ص 207 ، ح 624. صحيح ابن حبان ؛ ج 6 ، ص 256.

قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم فأقبل ابو بكر وعمر فقال : « هذان سيّدا كهول اهل الجنّة

ص: 177

من الاوّلين والآخرين خلا النبي ».(1)

- حدّثنا محمّد بن أحمد بن عنبسة البزار المصيصي ، حدثنا محمّد بن كثير المصيصي ، حدثنا الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال : نظر النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى أبي بكر وعمر ، فقال : « هذان سيدا كهول اهل الجنة ».

لم يرو هذا الحديث عن الاوزاعي الاّ محمد بن كثير ولم يروه عن قتادة الاّالاوزاعي.(2)

- حدّثنا مقدام ، حدثنا عمي سعيد بن عيسى ، حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أبو بكر وعمر سيدا كهول اهل الجنة من الاوّلين والآخرين ، ولا تخبرهما يا علي ».

لم يرو هذا الحديث عن جعفر بن محمّد الاّ سفيان بن عيينة وتفرد به سعيدابن عيسى.(3)

الأمر الثاني النقاش السندي :

اشارة

إنَّ طرق هذه الأسانيد تنتهي إلى هؤلاء الصحابة : علي عليه السلام ، جابر بن عبد اللّه ، أبو سعيد الخدري ، أبي جحيفة ، أنس بن مالك ، عبيد اللّه بن عمر ؛ ولكن جميع الطرق ضعيفةٌ ساقطةٌ عن الاعتبار :

أوّلاً : ما رُوي عن علي عليه السلام :

فقد رُوى عنه بخمسة طرق ، هي :

ص: 178


1- المعجم الاوسط ؛ ج 1 ، ص 369 و 370.
2- المعجم الاوسط ؛ ج 5 ، ص 147.
3- المعجم الاوسط ؛ ج 6 ، ص 291.

الطريق الأوّل :

عن الوليد بن محمّد الموقري ، عن الزهرى ، عن علي بن الحسين عليهماالسلام ؛ وقد نبّه على ضعفه الترمذي لسببين :

1 - إنّ الوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث.

قال ابن المديني : « ضعيف لا يكتب حديثه » ؛ قال الجوزجاني : « كان غير ثقة ، يروى عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها اصول » ؛ قال ابو زرعة الرازي : « ليّن الحديث » ؛ قال أبوحاتم : « ضعيف الحديث » ؛ قال النسائي : « ليس بثقة ، منكر الحديث » ؛ قال ابن خزيمة : « لا يحتج به » ؛ قال ابن حبان : « روى عن الزهري أشياء موضوعة » ؛ قال ابن معين : « كذّاب ».(1)

2 - على مبنى القوم فإنّ عليّ بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبيطالب والواسطة بينهما غير مذكور. فالحديث مرسلٌ ؛ فضلاً عن ضعف سنده بالوليد الموقري.

الطريق الثاني :

عن طلحة بن عمرو عن وكيع ، عن يونس بن أبي اسحاق ، عن الشعبي ، وفيه :

1 - يونس بن أبي إسحاق. قال ابن حزم : « ضعّفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل جدا » ؛ وقال أحمد : « حديثه مضطرب » ؛(2) قال أبوحاتم : « كان صدوقا إلاّ انّه لا يحتج بحديثه » ؛ وقال علي بن المديني : « سمعت يحيى وذكر يونس بن أبي إسحاق فقال : كانت فيه غفلة شديدة ».(3)

2 - طلحة بن عمرو. قال أحمد : « لا شيء ، متروك الحديث » ؛ قال ابن معين : « ليس بشيء ، ضعيف » ؛ قال الجوزجاني : « غير مرضي في حديثه » ؛ قال

ص: 179


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 165 و 166.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 4 ، ص 483.
3-

أبوحاتم : « ليس بقوي » ؛ قال أبو داود : « ضعيف ».(1)

3 - لم يرو الشعبي عن علي عليه السلام كما صرّح بذلك الحاكم النيسابوري في مقدمة كتابه فضائل فاطمة ، فالرواية مرسلة.

الطريق الثالث :

عن داود ، عن الشعبي ، عن الحارث.

ونكتفي بذكر ترجمة الحارث :

أمّا الحارث فهو الحارث بن عبد اللّه الأعور. قال ابو زرعة عنه : « لا يحتج بحديثه » ؛ قال أبو حاتم : « ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه » ؛ قال النسائي : « ليس بالقوي » ؛ قال الدارقطني : « ضعيف » ؛ قال ابن عدي : « عامة ما يرويه غير محفوظ » ؛ قال الشعبي - الرّاوي عنه - : « كان كذّابا »!!(2) وقد وقع هذا عندهم موقع اشكال! كيف يكذّبه ثمّ يروى عنه ؟! إن هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه. هذا ولكن رأى الإمامية فيه مختلف عما يقوله العامة.

الطريق الرابع :

عن عبد اللّه بن عمر اليمامي ، عن الحسن بن زيد بن الحسن ، عن زيد بن الحسن ، عن الحسن ، وفيه :

1 - إنه ممن أعرض عنه أحمد بناءا على ما تقدّم قبل الورود في أسانيده.

2 - إن فيه الحسن بن زيد ، قال ابن معين : « ضعيف » ، وقال ابن عدي : « أحاديثه عن أبيه أنكر مما روى عن عكرمة ».(3)

الطريق الخامس :

عن زيد بن الحباب ، عن موسى بن عبيدة عن أبي معاذ عن

ص: 180


1- 3 تهذيب التهذيب ؛ ج 9 ، ص 455. تهذيب التهذيب ؛ ج 4 ، ص 115 و 116.
2- تهذيب التهذيب ؛ ج 2 ، ص 116 و 117.
3- المصدر السابق ؛ ج 2 ، ص 259.

الخطاب (أبي الخطاب).

وفيه زيد بن الحباب ، قال ابن حجر : « قال أبوداود سمعت أحمد يقول : زيد بن الحباب كان كثير الخطأ ، وقال المفضل بن غسان عن ابن معين : كان يقلب حديث الثوري ، وقال ابن حبان : وأمّا روايته عن المجاهيل ففيها المناكير ».(1)

ثانيا : ما روي عن أبي جحيفة :

فيه عبدالقدّوس بن بكر بن خنيس ، قال ابن حجر : « ذكر محمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة انّهم ضربوا على حديثه ».(2)

ج - ما رُوي عن أبي سعيد الخدري :

قال الهيثمي : « وفيه علي ابن عابس وهو ضعيف ».(3)

د - ما رُوي عن إبن عمر :

ففيه عبد الرحمان بن مالك بن مغول ، وكان كذّابا أفّاكا لا يشكّ فيه أحدٌ ، فقد كان يضع الحديث.(4)

ه - ما رُوي عن جابر بن عبد اللّه :

عن سعيد بن عيسى عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر.

رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه المقدام بن داود ، وقد قال ابن دقيق المعيد : « إنّه وثق وضعفه النسائي وغيره ».(5)

ص: 181


1- تهذيب التهذيب ؛ ج 3 ، ص 220.
2- المصدر السابق ؛ ج 5 ، ص 271.
3- مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 53.
4- ميزان الاعتدال ؛ ج 2 ، ص 584 ، رقم 4949 ؛ اللآلي المصنوعة ؛ ج 1 ، ص 446.
5-

وأيضا قالا : « لم يَروِ هذا الحديث عن جعفر بن محمّد الاّ سفيان بن عيينة تفرد به سعيد بن عيسى ».(1)

و « سفيان بن عيينة » من المدلسين كما قال به الذهبي في الميزان.(2)

و - ما رُوي عن أنس :

ففيه قتادة وكان مدّلسا ، يرمى بالقدر ، رأسا في بدعةٍ ويدعو إليها ، حاطب ليل ، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم.(3)

وأمّا أنس بن مالك نفسه فقد قيل إنّه لا يجوز الاعتماد عليه ، لا سيّما في مثل هذا الحديث ، فقد ثبت موقفه المريب والإنحيازي في حديث الطائر المشوي وكتمه للشهادة بالحقّ حتّى دعا عليه عليّ عليه السلام وهو مع الحقّ.(4)

الأمر الثالث : في دلالتها :

أ - المراد في قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « سيّدا كهول اهل الجنة » لا يخلو من أمرين :

1 - أنّهما سيّدا الكهول الذين في الجنة.

2 - أنّهما سيدا مَن يدخل الجنة مِن كهول الدنيا.

وكلاهما باطل ، لأنّه معارضٌ لقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « نحن بنو عبد المطلب سادة

ص: 182


1- 5 مجمع الزوائد ؛ ج 9 ، ص 53. المعجم الاوسط ؛ ج 5 ، ص 147.
2- ميزان الاعتدال ؛ ج 2 ، ص 171.
3- تهذيب التهذيب ؛ ج 6 ، ص 483 - 489.
4- كان ذلك في قضية مناشدة أميرالمؤمنين عليه السلام الناس في رحبة الكوفة بأن مَن شهد منهم غدير خم فليقم ويشهد ، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفرٍ منهم... فدعا عليهم الإمام عليه السلام. روى ذلك ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون. راجع كتاب الغدير ؛ ج ، ص 192. و كتاب الرسائل العشر ، الحديث الثالث من الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة.

أهل الجنة أنا و عليّ وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي ،(1) وقوله لعلي عليه السلام : « أنت سيّدٌ في الدنيا سيّدٌ في الآخرة ».(2) وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ الجنة لا يدخلها شيخٌ ولا عجوزٌ ولا كهلٌ ، وإن أهلها جرد مرد على صفة الشباب »(3) - كما أجاب به أبوجعفر عليهماالسلام ليحيى بن أكثم(4) - وقد قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم في الحسن والحسين عليهماالسلام : « هما سيّدا شباب أهل الجنة ».(5)

ب - في هذا الخبر وفي بعض أسانيده ، ما يدلّ على فساده ، حيث جاء فيه أن أمير المؤمنين عليه السلام كان عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال : « يا علي ، هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين الاّ النبيّين والمرسلين ، لا تخبرهما بذلك يا علي » ، وما رأينا النبي صلى الله عليه و آله وسلم قطّ أمر بكتمان فضل أحد من الصحابة ولا نهى عن إذاعة ما تشرّف وتفضّل به أصحابه.

وقد رووا من فضائل هؤلاء القوم ونسبوه إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ما هو أعلا وأظهر من فضيلة هذا الخبر من غير أن يأمر صلى الله عليه و آله وسلم أحدا بكتمانه ، بل أمر بإذاعته ونشره ، فما بال هذه الفضيلة من بين سائر الفضائل تكتم ويُطوى عنهما ؟!(6)

وهناك احاديث مكذوبة اخرى تعرضنا لها بالتفصيل في كتابنا الفضائل الموضوعة والتي تربوا على المأة من الأحاديث المجعولة والمنسوبة إلى النبيّ

ص: 183


1- المستدرك على الصحيحين ؛ ج 4 ، ص 221 ؛ مثله في شرح نهج البلاغه ؛ ج 7 ، ص 45.
2- المستدرك على الصحيحين ؛ ج 4 ، ص 98.
3- شرح نهج البلاغه ؛ ج 6 ، ص 400. انظر : منار الهدى في النص على إمامة الاثني عشر ؛ ص 313.
4- الاحتجاج ؛ ج 2 ، ص 479.
5- سنن الترمذي ؛ ص 988 و 989 ؛ مسند احمد ؛ ج 3 ، ص 369 و 469 و 502.
6- انظر الشافي في الإمامة ؛ ج 3 ، ص 109.

العظيم. نستجير باللّه من غضب الجبار. ونسأل اللّه حسن العاقبة ورضوان اللّه.

نجم الدين الطبسي

قم المقدسة

18 / رجب المرجب / 1430

ص: 184

المصادر

« الف »

1 . الاحتجاج ، احمد بن على الطبرسي ، دار الاسوه ، الطبعة السادسة.

2 . الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ، الامير علاء الدين الفارسي ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

3 . احقاق الحق ، للقاضي نوراللّه التستري ، الشهيد ، مع تعاليق آية اللّه المرعشي.

4 . الإحكام فى اصول الأحكام ، ابن حزم الظاهري ، دارالكتب العلمية.

5 . الإختصاص ، الشيخ المفيد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثامنة.

6 . ارشاد الساري ، أحمد بن حجر القسطلاني ، دارالفكر.

7 . الاستيعاب في اسماء الاصحاب ، ابن عبدالبرّ القرطبي ، الطبعة الاولى.

8 . اسد الغابة في معرفة الصحابة ، ابن اثير الجزري ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

ص: 185

9 . أسنى المطالب في مناقب علي بن أبيطالب عليه السلام ، محمد بن محمد الجزرى الشافعي (مطابع نقش جهان - ايران).

10 . الاصابة في تمييز الصحابة ، ابن حجر العسقلاني ، دارالكتب العلمية ، الطبعة الثانية.

11 . الأعلام ، خير الدين الزركلي ، درالعلم للملايين ، الطبعة الرابعة عشرة.

12 . إعلام الورى بأعلام الهدى ، امين الاسلام الطبرسي ، دارالكتب الاسلامية ، الطبعة الاولى.

13 . الافصاح في امامة أميرالمؤمنين عليه السلام ، الشيخ المفيد ، مؤسسة البعثة ، الطبعة الاولى.

14 . الأمالي ، الشيخ الصدوق ، منشورات كتابچي ، الطبعة التاسعة.

15 . الامامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري ، منشورات الشريف الرضي.

16 . الامامة في اهم الكتب الاسلامية ، السيدعلي الميلاني ، مركز الحقائق الاسلامية ، الطبعة الثالثة.

17 . انساب الأشراف ، احمد بن يحيى البلاذري ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

18 . انوار التنزيل واسرار التأويل ، تفسير البيضاوي.

« ب »

19 . بحارالانوار ، محمدباقرالمجلسي ، دار الكتب الاسلامية.

20 . البداية والنهاية ، ابن كثير ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

21 . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، الكاساني ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

« ت »

22 . تاريخ ابن خلدون ، عبدالرحمن بن خلدون ، دارالفكر ، الطبعة الثانية.

23 . تاريخ ابن عساكر = تاريخ مدينة دمشق.

24 . تاريخ الاسلام ، شمس الدين الذهبي ، دار الكتاب الاسلامي ، بيروت.

25 . تاريخ الامم والملوك = تاريخ الطبري.

26 . تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية.

27 . تاريخ الطبري ، محمد بن جرير الطبري ، مؤسسة الأعلمي ، الطبعة الاولى.

28 . تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر ، دارالفكر.

ص: 186

29 . التحريم ، ابن همام.

30 . تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

31 . تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

32 . تهذيب الكمال في اسماء الرجال ، المزّي ، دارالفكر ، 1414 ه.

33 . تفسير الآلوسي = روح المعاني.

34 . تفسير ابن ابي حاتم ، ابن ابي حاتم الرازي ، دار الفكر ، 1424 ه.

35 . تفسير ابن كثير ، ابن كثير ، دار الفكر ، الطبعة الثانية.

36 . تفسير البيضاوي ، عبداللّه بن عمر البيضاوي ، دار احياء التراث العربي.

37 . تفسير التبيان ، الشيخ الطوسي ، مؤسسة النشرالاسلامي ، الطبعة الاولى.

38 . تفسير الكشف والبيان ، الثعلبي ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

39 . تفسير السدّى.

40 . تفسير الطبري ، محمد بن جرير الطبري ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

41 . تفسير القمي ، علي بن إبراهيم القمي ، منشورات ذوي القربى ، الطبعة الاولى.

42 . التفسير الكبير ، الفخر الرازي ، دار احياء التراث ، الطبعة الثالثة.

43 . تلخيص الشافي ، الشيخ الطوسي ، مؤسسة المحبين ، الطبعة الاولى.

44 . تلخيص المستدرك ، شمس الدين الذهبي (بهامش المستدرك على الصحيحين) ، دار المعرفة - بيروت.

45 . تنزيه الشريعة المرفوعة في الأحاديث الموضوعة ، ابن عراق الكناني ، دارالكتب العلمية ، بيروت.

46 . التمهيد لما في الموطأ من المعاني والاسانيد ، ابن عبدالبر ، الطبعة الاولى.

47 . تمهيد الاوائل وتلخيص الدلائل ، ابوبكر الباقلاني ، (الطبعة الثالثة) بيروت ، مؤسسة

الكتب الثقافية.

48 . تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، مؤسسة الامام زيد بن علي الثقافية ، الطبعة الاولى.

ص: 187

« ج »

49 . جامع البيان عن تأويل آي القرآن = تفسير الطبري.

50 . الجامع الصحيح = سنن الترمذي.

51 . الجامع الصغير ، السيوطي ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

52 . الجامع لاحكام القرآن ، القرطبي ، دار احياء التراث.

53 . الجرح والتعديل ، ابوحاتم الرازي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

54 . جواهر العقدين ، على بن داود السهمودي الشافعي.

« ح »

55 . حلية الاولياء وطبقات الاصفياء ، ابونعيم الاصفهاني ، دارالفكر.

« خ »

56 . الخصال ، الشيخ الصدوق ، مؤسسة النشر الاسلامي ، السادسة.

57 . خصائص اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ، احمد بن شعيب النسائي ، مجمع احياء الثقافة

الاسلامية ، الطبعة الاولى.

« د »

58 . الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، جلال الدين السيوطي ، دار الفكر.

59 . الدر النضيم في الأئمة اللهاميم ، لابن حاتم الشامي.

60 . دلائل الصدق لنهج الحق ، العلامة محمد حسن المظفر ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاولى.

61 . ديوان عبيد بن الأبرص ، عبيد بن الابرص ، دار صادر.

« ذ »

62 . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، محب الدين الطبري ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

ص: 188

« ر »

63 . الرسائل العشر في الاحاديث الموضوعة في كتب السنة ، السيد علي الميلاني ، مركز الحقائق الاسلامية ، الطبعة الثانية.

64 . رسالة في حديث الاقتداء بالشيخين = ضمن الرسائل العشر.

65 . روح المعاني ، الآلوسي ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

66 . روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري ، الاعلمي ، الطبعة الاولى.

67 . الرياض النضرة في مناقب العشرة ، احمد بن عبداللّه الطبري (محب الدين) ، دار الكتب

العلمية ، الطبعة الثانية.

« ز »

68 . زاد المسير في علم التفسير ابوالفرج ابن الجوزي ، الطبعة الاولى) ، دار الفكر ، للطباعة والنشر.

« س »

69 . سبل السلام ، محمد بن اسماعيل الكحلاني الصنعاني ، دار الفكر.

70 . سرّ العالمين وكشف ما في الدارين = ضمن مجموعة رسائل الغزالي.

71 . سنن ابن ماجة ، محمد بن يزيد القزويني ، دار الجيل ، الطبعة الاولى.

72 . سنن الترمذي ، محمد بن عيسى بن سورة ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

73 . السنن الكبرى ، البيهقي ، دار المعرفة.

74 . سير اعلام النبلاء ، الذهبي ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

75 . السيرة الحلبية ، علي بن ابراهيم الحلبي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثالثة.

76 . السيرة النبوية ، ابن هشام ، دارالفكر ، الطبعة الاولى.

77 . السيرة النبوية ، احمد بن زيني دحلان ، دار الفكر ، الطبعة الثانية.

78 . سيرة مغلطاي ، (الاشارة إلى سيرة المصطفى ومن بعده من الخلفاء) ، علاء الدين مغلطاي

المصري (ط مصر ، سنة 1326ق).

ص: 189

« ش »

79 . الشافي في الامامة ، السيد المرتضى ، مؤسسة الصادق ، الطبعة الثانية.

80 . شرح العقيدة الطحاوية ، ابن ابي العزّ الحنفي ، المكتب الاسلامي ، الطبعة الثالثة.

81 . شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار ، ابو حنيفة نعمان بن محمد المغربي ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم.

82 . شرح المقاصد ، سعد الدين التفتازاني ، منشورات الشريف الرضي ، الطبعة الاولى.

83 . شرح سنن النسائي ، جلال الدين السيوطي ، دار احياء التراث العبربي ، بيروت ، لبنان.

84 . شرح المنهاج.

85 . شرح المواهب ، اللدنية ، للزرقاني ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية.

86 . شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، مؤسسة الاعلمي ، الطبعة الثانية.

87 . شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، الحاكم الحسكاني ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ،

الطبعة الثالثة.

« ص »

88 . صحيح ابن حبان ، محمد بن حبان البستي ، دار الفكر ، الطعبة الاولى = الاحسان بترتيب

صحيح ابن حبان.

89 . صحيح البخاري ، محمد بن اسماعيل البخاري ، عالم الكتب ، الطبعة الاولى.

90 . صحيح الترمذي = سنن الترمذي.

91 . صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج ، دار احياء الكتب العربية.

92 . الصحيح من سيرة النبي الاعظم ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، دار الحديث ، الطبعة الاولى.

93 . الصراط المستقيم الى مستحقي التقديم ، النباطي ، المكتبة المرتضوية ، الطبعة الاولى.

94 . الصوارم المهرقة ، القاضي نوراللّه التستري ، مؤسسة البلاغ ، الطبعة الثانية.

95 . الصواعق المحرقة ، ابن حجر المكي ، مكتبة قاهرة.

96 . الضعفاء والمتروكون ، ابوعبداللّه النسائي ، دار المعرفة ، بيروت.

ص: 190

97 . الضعفاء الكبير ، ابوجفعر العقيلي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

« ط »

98 . الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

99 . الطرائف في التعليق على شرح المواقف ، السيد علي الميلاني ، منشورات الشريف الرضي ، الطبعة الاولى.

« ع »

100 . عبداللّه بن سبا واساطير اخرى ، السيد مرتضى العسكري ، المجمع العلمي الاسلامي ،

الطبعة الاولى.

101 . العثمانية ، عمرو بن بحر الجاحظ ، دار الكتاب العربي ، مصر سنة 1374.

102 . عمدة عيون صحاح الاخبار ، ابن بطريق ، مؤسسة النشر الاسلامي.

103 . عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، بدرالدين محمود بن احمد العيني ، دار احياء التراث العربي.

104 . عيون اخبار الرضا ، الشيخ الصدوق ، منشورات الشريف الرضي ، الطبعة الاولى.

« غ »

105 . الغدير في الكتاب والسنة والادب ، العلامة الاميني ، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الاسلامي ، الطبعة الثالثة.

« ف »

106 . فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ابن حجر العسقلاني ، دار الفكر.

107 . فتح القدير ، الشوكاني ، دار الحديث للقاهرة ، الطبعة الاولى.

108 . فتح الملك العلى ، بصحة حديث باب مدينة العلم ، احمد بن محمد الحسيني ، دليل ما ، قم.

109 . الفصل في الملل والنحل والاهواء والنحل ، ابن حزم الاندلسي ، دار احياء التراث العربي.

ص: 191

110 . الفصول في الاصول.

111 . الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، السيد المرتضى ، دار المفيد ، الطبعة الثانية.

112 . فضائل الصحابة ، احمد بن حنبل ، دار ابن الجوزي.

113 . فواتح الرحموت ، في شرح مسّلم الثبوت عبدالعلي الانصاري ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

114 . الفوائد المجموعة ، في الأحاديث الموضوعة محمد بن علي الشوكاني ، بيروت.

115 . فيض القدير ، المناوي ، مكتبة مصر ، الطبعة الثانية.

« ق »

116 . قاموس الرجال ، الشيخ محمدتقي التستري ، مؤسسة النشر الاسلامي ، الطبعة الثالثة.

« ك »

117 . الكامل في التاريخ ، ابن اثير ، دار صادر ودار بيروت.

118 . الكامل في ضعفاء الرجال ، ابن عدي الجرجاني ، دار الفكر ، الطبعة الثالثة.

119 . كتاب الاربعين في امامة ائمة الاطهار ، محمد طاهر القمي ، بتحقيق السيد مهدي الرجائي ، الطبعة الاولى.

120 . كتاب المجروحين، في المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان البستي، دار المعرفة، بيروت.

121 . الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، جاراللّه زمخشري ، مكتب الاعلام الاسلامي ، الطبعة الاولى.

122 . كشف الغمّة في معرفة الائمة ، علي بن عيسى الاربلي ، مجمع أهل لابيت العالمية ، قم.

123 . الكشف والبيان = تفسير الثعلبي.

124 . كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، الگنجي الشافعي ، دار احياء التراث اهل البيت ، الطبعة الثالثة.

125 . كنزالعمّال في سنن الاقوال والاحوال ، المتقي الهندي ، مؤسسة الرسالة.

126 . كنز الفوائد ، الكراجكي ، منشورات دار الذخائر ، الطبعة الاولى.

« ل »

127 . لسان العرب ، ابن منظور ، دار صادر ، الطبعة الاولى.

ص: 192

128 . لسان الميزان ، ابن ححر العسقلاني ، الاعلمي ، الطبعة الثالثة.

129 . اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، جال الدين السيوطي ، دار المعرفة ، بيروت.

« م »

130 . المبسوط ، السرخسي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثالثة.

131 . مجمع البيان في تفسير القرآن ، امين الاسلام الطبرسي ، مؤسسة الاعلمي ، الطبعة الثانية.

132 . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي ، دار الكتب العلمية.

133 . مجموعة رسائل الغزالي ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

134 . المحصول في علم اصول الفقه ، الفخر الرازي ، المكتبة العصرية ، الطبعة الثانية.

135 . محاضرات في الاعتقاد ، السيد علي الميلاني.

136 . المحلّى بالآثار ، ابن حزم ، دار الفكر.

137 . مختصر تاريخ دمشق ، ابن منظور ، دار الفكر ، دمشق.

138 . المختصر في اخبار البشر ، تاريخ ابي الفداء ، عماد الدين ابوالفداء ، دار المعرفة ، بيروت.

139 . المدوّنة الكبرى ، مالك بن انس ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

140 . مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ، عبدالمؤمن عبدالحق ، دار احياء الكتب العربية ، سنة 1373.

141 . مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول ، محمدباقر المجلسي ، دار الكتب الاسلامية.

142 . مروج الذهب ومعادن الجوهر ، المسعودي ، مؤسسة الاعلمي ، الطبعة الاولى.

143 . المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري ، دار الكتب العلمية - بيروت.

144 . مسائل خلافية حار فيها اهل السنة ، للشيخ آل محسن.

145 . مسند ابي يعلي ، اويعلي احمد بن علي ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

146 . المسند ، احمد بن حنبل ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الثانية.

147 . المصنّف في الاحاديث والآثار ، ابن ابي شيبة الكوفي ، دارالفكر.

148 . المصنّف ، عبدالرزاق الصنعاني ، المجلس العلمي.

149 . معالم التنزيل في التفسير والتأويل ، البغوي ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

ص: 193

150 . مع الركب الحسيني ، نجم الدين الطبسي ، بالاشتراك ، نشر زمزم ، قم.

151 . المعجم الاوسط ، الطبراني ، دار الفكر ، الطبعة الاولى.

152 . المعجم الكبير ، الطبراني ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

153 . معجم احاديث الامام مهدي عليه السلام ، نجم الدين الطبسي بالاشتراك ، مؤسسة نشر المعارف الاسلامية ، قم.

154 . المغني والشرح الكبير ، ابن قدامة ، دار الفكر.

155 . المغني في ابواب التوحيد والعدل ، القاضي عبدالجبار.

156 . المغني في الضعفاء ، الذهبي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

157 . المغني عن حمل الاسفار ، العراقي ، دار الحديث للقاهرة (ذيل كتاب احياء العلوم).

158 . مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ابن هشام ، مؤسسة الصادق ، الطبعة الاولى.

159 . مقتل الحسين ، الخوارزمي ، انوار الهدى ، الطبعة الثانية.

160 . منار الهدى في النص على امامة الاثنى عشر ، الشيخ على البحراني ، دار المنتظر ، بيروت.

161 . المناقب ، الخوارزمي ، مؤسسة النشر الاسلامي ، الطبعة الخامسة.

162 . مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب ، ذوي القربى ، الطبعة الثانية.

163 . المواقف في علم الكلام ، الايجي ، عالم الكتب.

164 . الموضوعات ، ابن الجوزي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية.

165 . منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ، ابن تيمية ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

166 . الميزان في تفسير القرآن ، العلامة الطباطبائي ، مؤسسة الأعلمي ، الطبعة الثانية.

167 . ميزان الاعتدال ، الذهبي ، دار الفكر.

« ن »

168 . النهاية في غريب الحديث والاثر ، ابن اثير ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى.

« و »

ص: 194

169 . الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصغدي ، دار احياء التراث العربي ، الطبعة الاولى.

170 . وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ، علي بن احمد السمهودي ، دار احياء التراث ، الطبعة الثالثة.

« ى »

171 . ينابيع المودة لذوي القربى ، سليمان ابراهيم القندوزي ، دار الاسوة ، الطبعة الثانية.

ص: 195

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.