ص: 2

ص: 3

ص: 4

الممنوع من الصرف فی اللغه العربیه

«جمهره أشعار العرب ، المفضلیات ، الأصمعیات ، شرح أشعار الهذلیین ، شرح القصائد السبع الطوال» ، بالإضافه إلی «دیوان امرئ القیس» و «دیوان عنتره» و «دیوان طرفه بن العبد» و «دیوان النابغه الذبیانی» و «دیوان زهیر بن أبی سلمی». وقد اتضح من خلال المقارنه بین آراء النحاه والواقع اللغوی مجموعه أمور ذکرتها فی نهایه الخاتمه.

وأما بالنسبه لتوزیع الرساله ، فقد قمت بتقسیمها إلی «تمهید» اختص بذکر المصطلحات الوارده فی هذا الموضوع من مثل «ما ینصرف وما لا ینصرف ، والمتمکن وغیر المتمکن ، والمتمکن الأمکن والمتمکن غیر الأمکن» وأبدأ بذکر أقدم الآراء قدر الإمکان.

ثم قسمت الرساله إلی أربعه أبواب : حیث اختص الباب الأول بالأعلام الممنوعه من الصرف ، وقد قسم الباب إلی سته فصول ، فالفصل الأول للأعلام المؤنثه والثانی للأعلام المعدوله والثالث للأعلام الأعجمیه والرابع للأعلام المزیده بالألف والنون. والخامس للأعلام التی علی وزن الفعل ، وأما الفصل السادس فللأعلام المرکبه ترکیبا مزجیّا.

وجعلت الباب الثانی للصفات الممنوعه من الصرف وقد قسمته إلی ثلاثه فصول :

- الفصل الأول : الصفات المعدوله.

- الفصل الثانی : الصفات المزیده بالألف والنون.

- الفصل الثالث : الصفات التی علی وزن الفعل.

وأما الباب الثالث فقد خصصت للأسماء الممدوده والأسماء المقصوره ومن هنا فقد قسم إلی فصلین :

ص: 6

- الأول للأسماء الممدوده.

- الثانی للأسماء المقصوره.

والباب الرابع خصصت الجموع ، وأعنی بها صیغ منتهی الجموع.

وأذکر فی کل فصل من الفصول آراء النحاه ثم الواقع اللغوی.

وأما المقارنه والنتائج فقد ذکرتها فی الخاتمه التی اشتملت علی جزأین :

الجزء الأول للمقارنه بین ما جاء عند النحاه وما جاء عند الشعراء بشکل موجز مرکز.

والجزء الثانی یتعلق ببعض القضایا التی ذکرتها موجزه کالتنکر والتصغیر وتأثیرها فی الصرف وعدم.

ثم الإشاره إلی التناسب والضروره الشعریه وهما نقطتان مؤثرتان کذلک فی صرف الممنوع من الصرف.

وأخیرا فإنها لا یسعنی إلا أن أقدم شکری الجزیل لأستاذی الفاضل الدکتور محمود فهمی حجازی الذی وقف معی کثیرا واتسع صدره لکل صغیره وکبیره ، وکان أخا وأستاذا جلیلا فجزاه الله عنی خیر الجزاء.

کما أقدم موفور الشکر للأستاذین الجلیلین اللذین تفضلا فقبلا مشکورین المشارکه فی مناقشه هذا البحث المتواضع راجیا من الله سبحانه وتعالی التوفیق وأن یحوز برضی أساتذتی الأفاضل.

والله ولی التوفیق

ص: 7

موضوع آخر «وأما الفتح والکسر والضم والوقف فللأسماء غیر المتمکنه» (1) أی الأسماء المبنیه ، وکما هو معروف أننا نقول فی المبنی إنه مبنی علی الفتح أو الکسر أو الضم أو السکون ولا نقول : مبنی علی النصب أو الجر أو الرفع أو الجزم ، وقد قال ابن یعیش فی معرض کلامه عن الممنوع من الصرف ذاکرا معنی التمکن بقوله : «والتمکن رسوخ القدم فی الاسمیه ، وقولنا اسم متمکن أی راسخ القدم فی الاسمیه ، وقولنا اسم متمکن أی هو بمکان منها أی لم یخرج إلی شبه الحرف فیمتنع من الأبواب» (2).

وبعد أن ذکر معنی التمکن بین صلته بما ینصرف وما لا ینصرف ، قال : (والاسم المتمکن یجمعهما یرید أن «ما لا ینصرف» متمکن لأن التمکن هو استحقاق الاسم الإعراب بحکم الاسمیه ، وما لا ینصرف معرب ، فهو متمکن لذلک وإن کان غیره أمکن منه) (3). ویقول أیضا (والمتمکن وصف راجع إلی جمله المعرب) (4) ، وهکذا نلاحظ أن المتمکن وغیر المتمکن رادفان للمعرب المبنی کما وردا عند سیبویه ، من صفات هی خاصه بالمبنیات التی وصفها بأنها أسماء غیر متمکنه.

وقد جاء مصطلح المتمکن وغیر المتمکن عند ابن هشام فیقول فی کتابه أوضح المسالک : (الاسم إن أشبه الحرف) بنی کما مر ، وسمی غیر متمکن وإلا أعرب) (5) أی إذا کان متمکنا لیکون لقوله (غیر متمکن)

ص: 9

وقد علق صاحب التصریح علی التوضیح خالد الأزهری علی قول ابن هشام «غیر متمکن» بقوله : «لعدم تمکنه فی باب الاسمیه» (1) حیث أشبه الحروف فی بعض صفاتها فبنی کما مر سابقا.

وقد سار هذان المصطلحات عند أکثر النحاه بل کلهم إلا النزر الیسیر والمتأخرین خاصه ، وکما لاحظنا عند ابن یعیش وابن هشام ، کذلک نلاحظ نفس المعنی عند ابن عقیل فی شرحه لألفیه ابن مالک فیقول (الاسم إن أشبه الحرف سمی مبنیّا وغیر متمکن وإن لم یشبه الحرف سمی معربا ومتمکنا) (2). وهذا المعنی واضح علی أن هنالک ترادفا بین الإعراب والتمکن ، وبین البناء وغیر التمکن جهه أخری.

بینما لم أجد هذا المصطلح عند المبرد فی کتابه «المقتضب» الذی سمی فیه هذا الباب تسمیه أخری ، إلا أنها تدل علی نفس المعنی المقصود ، بأن سماه «هذا الباب تسمیه أخری ، إلا أنها تدل علی نفس المعنی المقصود ، بأن سماه «هذا باب ما یجری وما لا یجری» وبدأ الباب بقوله (اعلم أن التنوین فی الأصل للأسماء کلها علامه فاصله بینها وبین غیرها ، وأنه لیس للسائل أن یسأل : لم انصرف الاسم؟ فإنما المسأله عما لم ینصرف : ما المانع له من الصرف؟ وما الذی أزاله عن منهاج ما هو اسم مثله ، إذ کانا فی الاسمیه سواء؟) (3).

هذا هو مدخل المبرد للممنوع من الصرف ، فلم یبدأ البدایه التقلیدیه بأن یقسم الاسم إلی معرب (متمکن) وإلی مبنی (غیر متمکن) وإنما ذکر

ص: 10

أن الأصل هو صرف الاسم وتنوینه ، والأصل لا یسأل عنه کما یقول الأصولیون : ما جاء علی أصله لا یسأل عن علته. وإنما یسأل عن سبب عدول الأصل إلی الفرع وهو الممنوع من الصرف. لم منع من الصرف؟.

وممن ورد ذکرهما عنده أبو إسحاق الزجاج (230 - 311 ه) فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» الذی حققته هدی قراعه.

وأسلوب الزجاج فی کتابه هذا قریب جدّا من أسلوب سیبویه یعتمد علیه فی کثیر من الأحکام النحویه التی یبحثها وذلک بأخذه کثیرا من نصوص سیبویه ، وأحیانا ینقل النص عینه کما یفعل المؤلفون المعاصرون فی هذا یأخذون نصوص المصادر والمراجع مع الإشاره إلی ذلک المصدر وذکر مؤلفه. کما فی قوله (التنوین علامه الأمکن عندهم والأخف علیهم) (1). وهذا نص سیبویه فی ص 7 من الجزء الأول طبعه بولاق.

ویقول أیضا مشیرا إلی هذین النوعین : (إلا أن بعض الأسماء المتمکنه أشد تمکنا من بعض ، فأعلمک أن التنوین علامه لأمکن الأشیاء عندهم) (2) ویقصد بذلک ما ینصرف ویتابع قوله (وقد یکون متمکن لا تنوین فیه فیترک فی المتمکن الذی هو ثقیل عندهم ، وذلک کل ما لا ینصرف غیر منون لیفصل بین المستوفی التمکن ، بین الناقص التمکن) (3).

وبعد إشارته إلی حقیقه هذین المصطلحین یشیر إلی علامات المنصرف لتکون صورته أکثر وضوحا فیقول (ومعنی التمام أن یدخله مع الرفع والنصب الخفض ومع الحرکات التنوین) (4) وبهذا اکتملت صوره الاسم المنصرف ووضحت معالمه ، وأن معیار الصرف وترکه هو وجود البحر مع التنوین وهذا ما یدعم کلامنا الذی ذکرناه فی تعریف

ص: 12

المنصرف وغیر المنصرف وهو أن الممنوع من الصرف هو الاسم الذی لا یدخله جر ولا تنوین وأنه لا داعی للاختلاف فی التعریف ، وهل یدخل التنوین مع الجر فی التعریف؟ أم لا؟ لأنهما متلازمان فی هذا الباب وهما أیضا من خصائص الاسم القوی المتمکن فی اسمیته.

ومن الکتب النحویه التی ورد فیها ذکر لهذا التقسیم شرح ابن یعیش علی المفصل (وأصل الصرف التنوین وحده علی ما سنذکر فی موضعه ، وهذا الضرب من الأسماء سمی المتمکن الأمکن) (1) ویعقب علی هذا بقوله : (والأمکن علی زنه «أفعل» التی للتفصیل أی هو أتم تمکنا من غیره ، ولم یعرض فیه شبه الحرف فیخرجه إلی البناء ، ولم یشابه الفعل فینقض تمکنه ، ویمتنع منه بعض حرکات الإعراب وهو الجر ، ویمتنع منه التنوین الذی هو من خصائص الأسماء ، فکان بذلک أمکن من غیره ، أی أرسخ قدما فی مکانه من الاسمیه) (2). وهذا النص فیه توضیح جلی لأضرب الاسم المعنیه فی هذا الموضوع ، ولا غرابه فی ذلک إذا علمنا أن ابن یعیش من المتأخرین الذین وضحت عندهم صور کثیر من المعانی والمصطلحات بعد أن تناولها الأوائل وأعطوها ما تحتاج إلیه من بحث ونقاش لیأتی غیرهم من المتأخرین فیضیفوا إلیها من بصمات عصرهم وما وصل إلیه العلم من الوضوح والدقه. وهذه طبیعه کل العلوم فی کل العصور ولیس معنی ذلک أن القدماء الأوائل ترکوا الأمور دون بحث أو تدقیق فی المفاهیم ، بل تعبوا لیصلوا إلی الحقیقه ، وکثیر من القواعد النحویه والصرفیه واللغویه بحثوها بصوره

ص: 13

دقیقه علمیه کما نجد ذلک عند سیبویه والمبرد وابن جنی وغیرهم من علماء القرن الثانی والثالث والرابع للهجره وهی فتره البحث والتعقید ، حتی إذا جاءت القرون اللاحقه وعقد کثیر من العلماء الأمور بالمتون والحواشی والتکرار مع إضافات قلیله لبعض العلماء کابن هشام مثلا الذی ألف کتبا کثیره فی النحو والصرف متتبعا أسلوبا جدیدا فی التألیف کما هو واضح فی کتابه «شذور الذهب» ، و «مغنی اللیب عن کتب الأعاریب» اللذین ظهر فیهما جهده وعلمه فی کیفیه تناوله للموضوع ، وطریقه عرضه لمفاهیم الأبواب والجمل والمفردات ، وتقصی معانی الحروف للوصول إلیها ، وذلک جلی فی «المغنی». إذن فالقدماء من العلماء قد بذلوا جهدا للوصول إلی حقائق الأمور ، ولا ننسی جهود العالم الجلیل الخلیل بن أحمد فی النحو واللغه والصرف وعبقریته العظیمه التی استطاعت اکتشاف بحور الشعر الخمسه عشر إلا بحرا واحدا هو المتدارک الذی اکتشفه الأخفش ، هذه التعقیبه وإن طالت إلا أننا رأینا ضروره ذکرها لبیان فضل القدماء الأوائل ، وعدم إهدار حقهم.

وتظهر طبیعه العصر فی ما ظهر فیه من الفلسفه والمنطق فی شرح المفصل حیث یقول (فالمتمکن أعم من الأمکن ، فکل أمکن متمکن ولیس کل متمکن أمکن) (1) وهنا تظهر قاعده العموم والخصوص المنطقیه فقد یکون الاسم متمکنا أی معربا لکنه لا یکون أمکن أی لا یکون منصرفا ، ولکن إذا کان الاسم أمکن أی مصروفا فإنه بطبیعه الحال یکون متمکنا أی معربا ؛ لأن الأمکن لا یصل إلی هذه الدرجه إلا إذا کان متمکنا. وذلک کقول المناطقه «کل إنسان حیوان» ولکن لا

ص: 14

یترتب علی هذه القضیه أن کل حیوان إنسان ، لأن «حیوان» أعم من «إنسان» فبینهما عموم وخصوص.

ویأتی علماء القرون المتأخره (الخامس والسادس والسابع) الهجریه لنجد عندهم هذا المعنی کما یقول ابن هشام (المتوفی 761 ه) : (ثم المعرب إن أشبه الفعل منع الصرف کما سیأتی ، وسمی غیر أمکن وإلا صرف ، وسمی أمکن) (1). ویقول فی معرض بیانه معنی الصرف وعدمه (والصرف : هو التنوین الدال علی معنی یکون الاسم به أمکن وذلک المعنی هو عدم مشابهته للحرف والفعل ک- «زید» و «فرس» وقد علم أن غیر المنصرف هو الفاقد لهذا التنوین) (2).

فقد بین معنی المنصرف بأنه الاسم المنون المتمکن من اسمیته ، وأن الممنوع هو الفاقد لهذا التنوین ، کما ربط بین هذا المعنی وبین مصطلح المتمکن وغیر المتمکن دون إضافه علی المعنی الذی بینه من قبل. وهذا المعنی واضح کذلک فی حاشیه الصبان علی الأشمونی (والمراد بالمعنی الذی یکون به الاسم أمکن ، أی زائدا فی التمکن بقاؤه علی أصله ، وأی أنه لم یشبه الحرف فیبنی ، ولا الفعل فیمنع الصرف) (3) فبقاء الاسم علی أصالته یعنی کونه منصرفا ومتمکنا أمکن وخروجه عن أصالته یعنی بناءه إن شابه الحرف فی أحد صفاته التی بیّنا بعضها ، أو منعه الصرف إن شابه الفعل فی أحد أوجه الشبه بوجود عله تقوم مقامهما ، وذلک واضح فی النص الذی یقول فیه (الأصل فی الاسم أن یکون

ص: 15

معربا منصرفا ، وإنما یخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف ، فإن شابه الحرف بلا معاند بنی ، وإن شابه الفعل بکونه فرعا بوجه من الوجوه الآتیه من الصرف) (1). والحقیقه أن العلل التی توجب منع الاسم من الصرف تعمل عملها هذا من جهتین ، اللفظ والمعنی فمثلا : «أحمد» ممنوع من الصرف للعلمیه وهذا جانب خاص بالمعنی ، ووزن الفعل وهذا مرجع خاص باللفظ. وکذلک کلمه «معد یکرب» فهی ممنوعه من الصرف للعلمیه التی تخص المعنی ، والترکیب المزجی الذی یخص اللفظ. أو أن تکون العله واحده تقوم مقام العلتین کما فی «ألفی التأنیث» الممدوده والمقصوره «حمراء ، لیلی» و «صیغه منتهی الجموع مساجد ، مصابیح ، عصافیر» وسنوضح هذه الأمور حین ورود فصولها إن شاء الله تعالی.

وسماه السیوطی فی الأشباه والنظائر تسمیه قریبه من تلک وهی «المنصرف وغیر المنصرف» (1).

وقد أفرد أبو إسحاق الزجاج لهذا الباب کتابا خاصّا سماه «ما ینصرف وما لا ینصرف» (2) ، وقال ابن یعیش فی شرح المفصل «مبحث الاسم الذی یمنع الصرف» (3) ، وفی شرح الکافیه «غیر منصرف» (4).

ونلاحظ أن التسمیه فی کل تلک الکتب السابقه لم تختلف عن تسمیه سیبویه له إلا فی اختیار الألفاظ عند بعضهم.

ولکن المبرد فی کتابه «المقتضب» اختار له تسمیه أخری وإن کانت متفقه مع التسمیات السابقه فی المعنی المقصود منها ، وهی : «ما یجری وما لا یجری» (الجزء الثالث : ص 309) الذی بدأه کما قلنا سابقا بدایه بین فیها أن أساس هذا الباب هو التنوین بوجوده وعدمه. ثم اتضح أننا لا یجب أن نسأل عن الاسم المنصرف لأنه الأصل والأساس ، بل یجب أن نسأل عن سبب العدول عن هذا الأصل إلی الفرع وهو امتناع الاسم عن الصرف.

مما سبق یتضح لنا أن المصطلح «ما ینصرف» مرادف لمصطلح «متمکن أمکن» و «وما لا ینصرف» مرادف لمصطلح «متمکن غیر أمکن» وأن المغیر للأسماء من الانصراف وعدمه هو وجود الأسباب والعلل التی سنبینها فیما سیأتی إن شاء الله.

ص: 17

وفی الحقیقه هناک مصطلحات أخری فی هذا الموضوع وهی مصطلحات خاصه بجوانب معینه فی هذا الباب «کالعدل» مثلا وما المقصود منه و «الترکیب المزجی» و «صیغه منتهی الجموع» وسنبین القصد منها عند الکلام عن الموضوعات التی تخصها.

* * *

ص: 18

ص: 20

ثم إن موضوع العلمیه والتأنیث فیه قضایا کثیره من مثل : وجود تاء التأنیث أو هاء التأنیث کما یسمیها آخرون (1) ، وتأثیرها فی صرف الاسم وعدم صرفه. وعدد الأحرف المکونه للکلمه أیضا یلعب دورا کبیرا فی هذا المجال ولهذا اختلفت الأحکام النحویه تبعا لذلک ، فحکم العلم الثلاثی یختلف عن الرباعی ، وهذا راجع إلی إحساس العرب بالثقل فی النطق ، ویتضح فی العلم المؤنث الثلاثی فإنهم أعطوا لساکن الوسط حکما یختلف عن متحرکه. ثم هناک قضیه التسمیه ، تسمیه المذکر باسم المؤنث وتسمیه المؤنث باسم المذکر وما یترتب علی ذلک من أحکام ، وأسماء البلدان والقبائل ، والسور والحروف. وکذلک تصغیر الأعلام المؤنثه ومدی تأثیر هذه الظاهره فی منع الاسم وصرفه.

وعلم المؤنث إما واجب المنع من الصرف أو جائزه. فالواجب فی أحوال نوجزها بما یلی :

«حمزه وطلحه وجمره» إذا کان واحد من هذه أسماء لمذکر أو مؤنث معروف فإنه لا ینصرف) (1) إذن فوجود تاء التأنیث عامل قوی فی المنع من الصرف. (فأما ما کانت فیه هاء التأنیث ، جمعا کان أو واحدا نحو طلحه ونسابه ، وأجربه ، وصیاقله فقد أجملنا القول فیه أنه لا ینصرف فی المعرفه ، وینصرف فی النکره واحدا کان أو جمعا ، قلیل العدد کان أو کثیرا ، عربیّا کان أو أعجمیّا) (2) وتظهر هنا الأهمیه العلمیه بجانب أهمیه وجود تاء التأنیث للوصول إلی المنع من الصرف.

وفی «حاشیه الصبان علی الأشمونی» کلام لطیف فی بیان عله منع الرباعی المؤنث ، والثلاثی متحرک الوسط بتنزیل الحرف وحرکه الأوسط من الثلاثی منزله تاء التأنیث (وأما المؤنث المعنوی فشرط تحتم منعه من الصرف أن یکون زائدا علی ثلاثه أحرف نحو زینب وسعاد ؛ لأن الرابع ینزّل منزله تاء التأنیث ، أو محرک الوسط ، کسقر ولظی ؛ لأن الحرکه قامت مقام الرابع) (1) ، فالمؤنث الزائد علی ثلاثه أحرف ممنوع من الصرف لأن التنوین - وهو عباره عن نون زائده ، مع الأحرف الأربعه فی الرباعی ، ومع حرکه الوسط فی الثلاثی ، کل ذلک یؤدی إلی الثقل فی اللفظ ؛ ولذلک حرّم من التنوین والجر وأعطی الفتحه لأنها أخف الحرکات.

القائم مقام التاء ... وإن سمیت به مذکرا حقیقیّا أو غیر حقیقی ، فلا خلاف عندهم فی وجوب صرفه لعدم تقدیر تاء التأنیث ، وذلک کرجل سمیته بسقر وکتاب سمیته بقدم) (1) إذن فعامل التأنیث عامل قوی مؤثر فی المنع من الصرف. کما أن حرکه الحرف الأوسط لها دو کبیر فی هذا الحکم (وأما سقر ، وما کان مثله ، فإن حرکه عینه قامت مقام الحرف الرابع) (2).

ومع استوائهما فی عدد الحروف وفی الهیئه ، وهلا جاز الوجهان فی الأول کالثانی ، أو تحتیم منع الثانی کالأول ، ومن هنا تظهر قوه مذهب عیسی بن عمر والجرمی والمبرد فتأمل (1) هذا تساؤل فی محله ، فکیف یجب منع «زید» من الصرف إذا سمی به مؤنث مع أنه فی الأصل علم لمذکر بینما یجوز المنع والصرف فی نحو «هند» مع أنه وضع أصلا علما لمؤنث. فإن کان ینظر إلی المنع باعتبار المؤنث «فهند» فی هذه النقطه أرجح ؛ لأن التأنیث أصل فیه ، وإن کان الضابط عدد الحروف والحرکات فهما متساویان إذ کلاهما ثلاثی وساکن الوسط ، بل ربما «هند» أقوی من «زید» لأن أصوله کلها صحیحه بینما عین «زید» حرف عله. فلماذا إذن یمنع زید من الصرف وجوبا حاله کونه علما لمؤنث بینما یجوز الأمران فی «هند»؟.

العجمه لما انضمت إلی التأنیث والعلمیه تحتم المنع ، وإن کانت العجمه ، لا تمنع صرف الثلاثی لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف ، وإنما أثرت تحتم المنع) (1) فانضمام عله العجمه مع العلمیه والتأنیث قوّت حکم المنع کما هو واضح من النص التالی : (أما «ماه وجور» إذا سمّی بهما امرأتان فلا کلام فی منع صرفهما ؛ لأنه قد اجتمع فیه ثلاثه أسباب : التعریف ، والتأنیث ، والعجمه) (2).

سعاد ، أو تقدیرا کاللفظ نحو جیل مخفف جیأل للضبع بالنقل منع من الصرف) (1). والجزء الأخیر من هذا النص ینقلنا إلی الحاله التی نحن بصددها والتی یجب فیها منع الاسم من الصرف وذلک زائدا علی ثلاثه أحرف ، وهی فی الحقیقه حاله مشروطه (ولو سمّی مذکر بمؤنث مجرد من التاء منع بشرطین : أحدهما : زیاده علی ثلاثه لفظا ، کزینب وعنتاق اسم رجل أو تقدیرا کجیل مخفف جیأل اسم رجل ، فإن الحرف المقدر کالملفوظ به بخلاف الثلاثی ، فإنه یصرف علی الأصح مطلقا سواء تحرک وسطه أم لا ککتف وشمس اسم رجل ، وذهب الفرء إلی منعه مطلقا ... الشرط الثانی : أن لا یسبقه تذکیر انفرد به کدلال ووصال اسمی رجل ، فإنه کثرت التسمیه بهما فی النساء ، وهما فی الأصل مصدران مذکران ، أو غلب فیه کذراع فإنه فی الأصل مؤنث ثمّ غلب استعماله قبل العلمیه فی المذکر کقولهم : هذا ثوب ذراع أی قصیر فصار لغلبه تذکیره قبل العلمیه) (2) ، فشرط منع الاسم الزائد علی ثلاثه أحرف المسمی به مذکر کونه أصلا فی التأنیث محققا فکلمه «دلال» علی الرغم من أنها تستعمل الآن علما للمؤنث إلا أن أصلها مذکر ؛ لأنه مصدر ، وکذلک کلمه «حائض» ، ولو سمّی مذکر بوصف المؤنث کحائض وطامث وظلوم وجریح ، فالبصریون تصرف رجوعا إلی تقدیر أصاله التذکیر أن تلک أسماء مذکره ، وصف بها المؤنث لأمن اللبس ، وحملا علی المعنی فقولهم : (مررت بامرأه حائض بمعنی شخص

ص: 28

حائض) (1). والدلیل علی ذلک أن العرب لم یأتوا بتاء التأنیث عند تصغیرها فلم یقولوا : حویضه ، بل قالوا : حویض. (والکوفیون تمنع بناء علی مذهبهم فی أن نحو «حائض» لم تدخله التاء لاختصاصه بالمؤنث والتاء إنما تدخل للفرق) (2) وزاد بعضهم شرطا آخر لوجوب منع الاسم المسمی به مذکر وهو : أن لا یحتاج تأنیثه إلی تأویل لا یلزم فمثلا إذا سمی مذکر بکلمه «رجال» فإنها تصرف وإن أوّلت «رجال» إلی جماعه ؛ لأن هذا التأویل لا یلزم الجواز أن یکون تأولیها بمعنی الجمع وهو مذکر. فجواز التأویل (بالمؤنث والمذکر) (3). أدی إلی صرف «رجال» إذا سمی به مذکر لعدم ثبات التأویل ولزومه.

ویتلخص لنا شروط وجوب منع المؤنث الخالی من التاء إذا سمی به مذکر بما یلی :

1) أن یکون زائدا علی ثلاثه أحرف.

2) أن لا یسبق له تذکیر انفرد به محققا أو مقدرا.

3) أن لا یحتاج تأنیثه إلی تأویل لا یلزم.

4) أن لا یغلب استعماله قبل العلمیه فی المذکر کما بینّا ذلک فی کلمه «ذراع» التی هی فی الأصل مؤنث ، إلا أنها غلب علیها التذکیر فقالوا : هذا ثوب ذراع أی قصیر.

* * *

ص: 29

ساکن الوسط من الثلاثی المؤنث إذا کان معرفه ، فالوجه منعه الصرف لاجتماع السببین فیه ، وقد یصرفه بعضهم لخفته بسکون وسط فکأن الخفه قاومت أحد السببین فبقی سبب واحد فانصرف) (1) وهناک شواهد لهذا الحکم مثل :

لم تتلفّع بفضل مئزرها

دعد ولم تغذ دعد فی العلب

فصرف (دعد الأولی) ولم یصرف (دعد الثانی) (2) فالشاهد هو صرف «دعد» ومنع صرفه ؛ وذلک لسکون الحرف الأوسط مع کونه ثلاثیّا.

ومثله الآخر قول :

ألا حبذا هند وأرض بها هند

وهند أتی من دونها النأی والبعد

وصرف «هندا» فی موضعین من البیت ، ولیس ذلک من قبیل الضروره لأنه لو یصرف لم ینکسر وزن البیت (3).

وکان الزجاج لا یری صرف نحو «هند ودعد وجمل» ولا صرف شیء من المؤنث الثلاثی ساکن الوسط. ولذلک فهو یقول : «وزعموا أنه یجوز صرف المؤنث فی المعرفه الذی أوسطه ساکن» ، وأنشد سیبویه :

لم تتلفع بفضل مئزرها

دعد ولم تغذ دعد فی العلب

فصرفها فی البیت ومنعها الصرف فیه أیضا (4).

ص: 31

ویقول المبرد إذا کان متحرک فإنه ممنوع من الصرف نحو «قدم وقمر» أما إذا کان الساکن الوسط فالأمر بالخیار المنع وعدمه. وملخص رأیه هو أن المؤنث الثلاثی ممنوع من الصرف إذا کان متحرک الوسط ، وذلک نحو قدم - وقمر وفخذ ورجل ، أعلاما لإناث. أما إذا کان ساکن الوسط فأنت الخیار إن شئت صرفته وإن شئت منعته من الصرف. وذلک نحو دعد وهند وجمل. وحجه من صرفها أنها قد خفّت أنها قد خفت لقله أصولها ، فکان ما فیها من خفه معادلا ثقل التأنیث ، وحجه المانع من الصرف قوله : «المانع من الصرف لما کثر عدّته موجود فیما قلّ عدده. کما کان ما فیه علامه التأنیث فی الکثیر العدد والقلیله سواء» (1). هذا إذا کان الثلاثی علما للمؤنث ، أما إذا کان المؤنث الثلاث الذی لا علامه فیه علما لمذکر فإنه ینصرف سواء تحرک وسطه أو سکن «وما کان مؤنثا لا علامه فیه سمّیت به مذکرا وعدد حروفه ثلاثه أحرف فإنه ینصرف إذا لم تکن فیه هاء التأنیث ، تحرکت حروفه أو سکن ثانیها نحو دعد وشمس ، وقدم ، وقفا ، فیمن أنثها إن سمیت بشیء من هذا رجلا انصرف» (2).

فالرأی إذن جواز الأمرین فی العلم الثلاثی ساکن الوسط «فإذا کان الثلاثی ساکن والأوسط نحو : هند وعد وجمل ، فمن العرب من یصرف لخفه الاسم ، وأنه أقل ما تکون علیه الأسماء من العدد والحرکه ، ومنهم من یلزم القیاس فلا یصرف» (3) وجاء فی حاشیه

ص: 32

الصبان علی الأشمونی قوله : «الثلاثی الساکن الوسط إذا لم یکن أعجمیّا ولا منقولا من مذکر کهند ودعد یجوز فیه الصرف ومنعه والمنع أحق ، فمن صرفه نظر إلی خفه السکون وأنها قاومت أحد السببین ومن منع نظر إلی وجود السببین ولم یعتبر الخفه» (1).

وقد أورد الزجاج رأی النحاه فی ذلک فقال : «وإذا کان المؤنث علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن وکان ذلک الاسم لشیء مؤنث أو مخصوص به التأنیث فإنه لا ینصرف فی المعرفه أیضا وینصرف فی النکره. وزعم سیبویه والخلیل وجمیع البصریین أن الاختیار ترک الصرف ، وأنک إن شئت صرفته» (2).

أما الزجاج فکان یری منع «هند ودعد وجمل» من الصرف وکذلک منع أی شیء من المؤنث یسمی باسم علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن یقول : «أما ما قالوه من أنه لا ینصرف فحق وصواب. وأما إجازتهم صرفه فاحتجوا فیه بأنه : لما سکن الأوسط کان مؤنثا لمؤنث خفّ فصرف وهذا خطأ ، لو کانت هذه العله توجب الصرف لم یجز ترک الصرف. فهم مجمعون معنا علی أن الاختیار ترک الصرف وعلیهم أن یبینوا من أین یجوز الصرف وإذا بینوا وجب ألا یکون ترک الصرف» (3).

ورد علی الاستشهاد بجواز الصرف والمنع کما هو فی البیت السابق :

لم تتلفع بفصل مئزرها

دعد ولم تغذ دعد فی العلب

ص: 33

حیث جاءت «دعد» منونه مره وغیر منونه مره أخری. فبین أن ترک الصرف فیه جید وهو الوجه. أما الصرف فعلی جهه الاضطرار.

ومسأله العلم المؤنث الثلاثی ساکن الوسط کهند ودعد ، وجواز الصرف والمنع فیهما ، والمنع أقوی عند البعض ، هذه المسأله تذکرنا بالعلم الأعجمی الثلاثی نحو «لوط ونوح» وتبین لنا کذلک أن التأنیث أقوی فی المنع من العجمه فی ذلک یقول ابن یعیش فی شرح المفصل : «واعلم أن اعتمادهم فی نحو «هند ودعد» وما کان مثلهما الصرف ومنعه ، واعتمادهم فی نحو نوح ولوط الصرف ألبته مع تساویهما فی الخفه لسکون أوسطهما دلیل علی أن حکم التأنیث أقوی فی منع الصرف من العجمه» (1).

ویقول ابن یعیش معقبا علی صاحب الکتاب وهو الزمخشری فی مسأله أن نحو «هند ودعد» أقوی فی المنع من نحو «لوط ونوح» ویستدل بذلک علی أن التأنیث أقوی من العجمه فی المنع : «وصاحب الکتاب (وهو الزمخشری) لم یفرق بین «هند وجمل» وبین «لوط ونوح» ، وجعل حکم نوح ولوط فی الصرف ومنعه کهند ودعد وهو القیاس إلا أن المسموع ما ذکرناه» (2).

واحد وهی العلمیه+ التأنیث+ العجمه (أما «ماه وجور» إذا سمی بهما امرأتان فلا کلام فی منع صرفهما لأنه قد اجتمع ثلاثه أسباب : التعریف والتأنیث والعجمه) (1).

جاء فی شرح الکافیه «وإن کان فی العجمه کماه وجور فإن سمیت مذکرا حقیقیّا أو لا فالصرف لا غیر ، إذ هما کنوح ولوط کما یجیء ، وإن سمیت به مؤنثا حقیقیّا أو لا فترک الصرف لا غیر» (2).

وجاء فی حاشیه الصبان علی الأشمونی أن انضمام العجمه إلی المؤنث الثلاثی الساکن الوسط لا یؤثر فی المنع وعدمه ، وإنما یؤثر فی حتمیه المنع وتوکیده «أو یکون أعجمیّا کجور وماه اسمی بلدین ؛ لأن العجمه لما انضمت إلی التأنیث والعلمیه تحتم المنع وإن کانت العجمه لا تمنع صرف الثلاثی لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف ، وإنما أثرت تحتم المنع» (3).

فانضمام العجمه إلی العلتین السابقتین یقوی منعه من الصرف ویحتمه لأنه بانضمام العجمه فقد قل تمکن الاسم وقرب شبهه بالفعل. إلا أن العجمه وحدها مع العلمیه والحاله هذه لا تؤثر فی المنع ، وإلا فلم صرف نحو «نوح ولوط» مع أن الاسم قد اجتمع فیه التعریف والعجمه وهو بعد ذلک ثلاثی ساکن الوسط ، فهو إذن شبیه بنحو «هند ودعد» فی عدد حروفه وفی حرکاته ومع ذلک فقد جاز فی نحو «هند ودعد». الأمران الصرف والمنع مع رجحان کفه المنع. بینما کان فی نحو «لوط ونوح» الصرف.

ص: 35

لم تصرفه کما لم تصرف المذکر إذا سمیته بعناق ونحوها» (1) فاسم الأرض إذا کان جائز التذکیر والتأنیث فإنه یجوز فیه الصرف والمنع تبعا للمعنی المقصود ما لم ترجح العجمه جانب المنع فتؤکده ، یقول الزجاج : «اعلم أنک إذا سمیت أرضا باسم علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن وکان ذلک الاسم مؤنثا أو اسما الغالب علیه التأنیث ، فالاختیار ترک الصرف ، وإن شئت صرفت علی مذهب البصریین» (2). ویقول بعد ذلک إن ترک الصرف مذهبی الذی أسیر علیه ، وضرب أمثله لهذا «وذلک الاسم نحو «قدر وشمس وعنز» لو سمیت بشیء من هذه الأسماء لم تصرفها» (3) ومن شواهد سیبویه علی منع صرف «هجر» ما جاء من قول بعضهم «کجالب التمر إلی هجر» فأنّث ولم یصرف وفتح فی موضع الجر» (4).

وقد تطرق ابن السراج إلی هذه النقطه مبینا أن منع الاسم من الصرف علی أساس تفسیره بالبقعه وما شابه ذلک من الصفات المؤنثه ، وأما صرفه فعلی البلد أو المکان أو أی معنی مذکر آخر قریب من المقصود ، «واعلم أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ینصرف فإنما یراد به البلد والمکان ووقع هذا فی المواضع ؛ لأن تأنیثه لیس بحقیقی ، وإنما المؤنث فی الحقیقه هو الذی له فرج من الحیوان فمن ذلک : «واسط» وهو اسم قصر ، و «دابق» وهو نهر ، و «هجر» ذکر ، و «منی» ذکر ، و «الشام» ذکر ، و «العراق» ذکر» (5) ولم ینس جانب العجمه وتأثیرها فی رجحان کفه

ص: 37

المنع فقال «وأما ما یذکر ویؤنث فنحو : «مصر وأضاخ وقباء». وحراء وحجر وحنین وبدر ماء ، وحمص وجور وماه لا ینصرف ؛ لأن المؤنث من الثلاثه الأحرف إن کان أعجمیّا لم ینصرف ؛ لأن العجمه قد زادته ثقلا ، وإنما صرفته ، ومن صرفه فلأنه معرفه مؤنث فقط لخفته فی الوزن ، فعادل فی خفه أحد الثقلین ، فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفه» (1) فعلّل کیف أن العجمه تحدث ثقلا فی الاسم یضاف إلی العلمیه والتأنیث مما یجعل کفه المنع أرجح.

وقد جاء هذا المعنی عند المبرد وبنفس التفسیر حیث قال : «فأما البلاد فإنما تأنیثها علی أسمائها ، وتذکیرها علی ذلک ، تقول : هذا بلد ، وهی بلده ولیس بتأنیث الحقیقه ، وتذکیره کالرجل والمرأه. فکل ما عنیت به من هذا بلدا ولم یمنعه من الصرف ما یمنع الرجل فاصرفه ، وکل ما عنیت به من هذا بلده منعه من الصرف ما یمنع المرأه ، وصرفه ما یصرف اسم المؤنث ، علی أن منها ما یغلب علیه أحد المذهبین والوجه الآخر فیه جائز ، والأصل ما ذکرت لک. وذلک نحو «فلج» (اسم بلد وقیل واد (2)). و «حجر» (مدینه بالیمامه وأم قراها) و «قباء» ، و «حراء» (3) ، أو أن التأنیث معنوی فإن کان التأنیث حقیقیّا فهو ممنوع من لم یکن ثلاثیّا ساکن الوسط کهند ، وقد تطرقنا لهذا الموضوع. وأما إذا کان التأنیث معنویّا کالتأنیث فی الأسماء السالفه الذکر ، ففیها الصرف والمنع حسب المقصود ؛ لأن التأنیث المعنوی ضعیف فیما یرتبه من أحکام وقضایا ولهذا أوجبوا التأنیث فی نحو قولنا : «جاءت فاطمه»

ص: 38

بینما جوّزوا فی نحو قولنا : «طلعت الشمس أو طلع الشمس» هذا ما لم یضف إلی التأنیث أمور أخری تقوّی جانب المنع فیها ، وذلک نحو «بغداد» فالعجمه تمنعها (1). «فأما المدینه والبصره والکوفه ومکه فحرف التأنیث یمنعها» (2). فأمور کالعجمه ، وتاء التأنیث رجحت کفه المنع ؛ لأن لها تأثیرا فی الأسماء ، وإلا فلم منع من الصرف نحو «حمزه وطلحه وعطیه» إذا لم یکن لتاء التأنیث حیث إنها أعلام الذکور؟.

ولکن هناک اختلافا بین بعض العلماء حول تأنیث بعض هذه الأسماء وتذکیرها وما یترتب علیه من صرفها أو منعها من الصرف ، فبینما نجد سیبویه یقول «ومنها ما لا یکون إلا علی التأنیث نحو عمان والزاب وإراب» (3) وأیده أبو إسحق الزجاج «فمن أسمائها (أی أسماء الأرضین) ما لا تقول فیه إلا هذه ولا یستعمل إلا مؤنثا» (4) وبناء علی ذلک فإنه یتحتم منعها من الصرف. وقد أشار إلی هذا الأمر الإمام السیوطی «وکذا إن أرید باسم البلد المکان کبدر صرف ، أو البقعه کفارس وعمان منع» (5) نری المبرد فی المقتضب یذهب إلی جواز التذکیر والتأنیث فیقول : «وعمان ودمشق فالأکثر فیهما التأنیث یراد البلدتان والتذکیر جائز یراد البلدان» (6) وأری أن الخلاف هنا لیس خلافا جذریّا بل هو فی تغلیب جانب علی آخر

ص: 39

أو تساویهما ، وقد ینجلی هذا الأمر بوضوح حین نقرأ هذا النص الوارد عند السیوطی حیث یقول : «وقد جاء بالوجهین فی النوعین أسماء وذلک ثلاثه أقسام : قسم یغلب فیه اعتبار التذکیر کقریش وثقیف ومنی وهجر وواسط وحنین ، وقسم یغلب فیه اعتبار التأنیث کجذام وسدوس وفارس وعمان ، وقسم استوی فیه الأمران کثمود وسبأ وحراء وقباء وبغداد» (1) فقد قسم الأسماء حسب التذکیر والتأنیث مع ترجیح أحد الطرفین علی الآخر أو تساویهما معا ، وقد اتضح أن التأنیث غالب علی عمان ، فمنعه من الصرف أکثر بناء علیه.

کما ینبغی أن نلتفت إلی لفظ آخر وهو «بغداد» الذی أشار السیوطی إلی استواء التذکیر والتأنیث. بینما أشار المبرد کما ذکرنا إلی رجحان منعه من الصرف لانضمام العجمه إلیه.

ومن أسماء الأرضین التی یجوز فیها الصرف والمنع مع رجحان کفه الصرف «دابق» لغلبه التذکیر علیها (و «دابق» الصرف والتذکیر فیه أجود ، قال الراجز : «ودابق وأین منی دابق» وقد یؤنث فلا یصرف) (2). یقول الزجاج : «ومن الأسماء التی غلب علیها التذکیر «دابق» قال الشاعر :

ودابق وأین منی دابق

فصرف وإن شئت جعلته اسما للبلده فلم تصرف» (3).

وجاء فی الکتاب : «وکذلک «منی» الصرف والتذکیر أجود وإن شئت

ص: 40

أنثت ولم تصرفه» (1) فمثل هذه الأسماء الغلبه فیها للتذکیر والصرف ، وکذلک «هجر» یؤنث ویذکر. قال الفرزدق :

منهن أیام صدق قد عرفت بها :

أیام فارس والأیام من هجرا

فهذا أنث» (2)

وفی ذلک یقول أبو إسحاق الزجاج «ومنها ما استعمل علی التأنیث والتذکیر فالذی استعمل علی التذکیر والتأنیث ، والأکثر فیه التذکیر «منی» أکثرهم یقول «هذا منی» فیذکر ویصرف ، وبعضهم یقول : «هذه منی» فیترک التنوین ولا یصرف. وکذلک «هجر» الأکثر فیه التذکیر والصرف وبعضهم یقول : «هذه هجر» ولا ینون ولا یصرف» (3).

وأما «حجر الیمامه» فیذکر ویصرف ، ومنهم من یؤنث فیجریه مجری امرأه سمّیت بعمرو ؛ لأن حجرا شیء مذکر سمّی به المذکر (4).

ومن الأسماء التی یغلب فیها جانب التذکیر والصرف کلمه «واسط» التی هی اسم مکان وسط البصره والکوفه «وأما «واسط» فالتذکیر والصرف أکثر ، وإنما سمّی واسطا ؛ لأنه مکان وسط البصره والکوفه ، فلو أرادوا التأنیث قالوا «واسطه» ، ومن العرب من یجعلها اسم الأرض فلا یصرف» (5) فمن جعلها اسم مکان وهو الغالب صرفها ؛ لأنه ذکر ، ومن أراد البلده لم یصرف حیث أنث. ویقول المبرد فی هذا : «کما أن

ص: 41

واسطا الأغلب علیه التذکیر ، لأنه اسم مکان وسط البصره والکوفه ، فإنما هو نعت سمی به. ومن أراد البلده لم یصرفها ، وجعلها کامرأه سمّیت ضاربا» (1).

ویوضح الزجاج هذه الکلمه معلقا علی کلام سیبویه : «ومن أسماء البلدان ما یکون مذکرا صفه یسمی به المکان ، فذلک مصروف ، وذلک نحو : «واسط» تقول «دخلت واسطا» و «واسط طیب» وزعم سیبویه : أنه سمی «واسطا» لأنه مکان وسط الکوفه والبصره أی توسطهما ، یقال : «وسط یسط فهو واسط» یعنی متوسط. وبعضهم وهو قلیل جدّا : یجعله اسما للبلده فلا یصرفه ویکون صفه سمیت به البلده کما أن «نابغه» نبغ ، فقیل له «نابغه» فوصف بذلک وجعلت صفته اسما له» (2). فبینما رأینا عند سیبویه أن المقصود من «واسط» هو اسم مکان وسط البصره والکوفه ذهب ابن السراج فی الأصول إلی أن «واسط» هو اسم قصر ویقول «فمن ذلک ، واسط وهو اسم قصر ، ودابق وهو نهر ، وهجر ذکر ، والشام ذکر ، والعراق ذکر» (3).

ویتلخص لنا أن أسماء الأرضین ثلاثه أقسام کما بینها السیوطی فیما ذکرنا وتأتی هذه القسمه حسب وجود التأنیث والتذکیر وقوه ترجیح أحد الطرفین علی الآخر أو تساویهما ، ویتبع ذلک الصرف والمنع مع قوه أحدهما ، ففی الأسماء التی یغلب علیها التذکیر مثل واسط ، ومنی ، وهجر ، فإنه یجوز فیها الأمران مع ترجیح کفه الصرف ، وقسم یغلب

ص: 42

علیه جانب التأنیث کفارس وعمان ودمشق ، فهذه الأسماء الغالب فیها منع الصرف مع جواز الصرف. وإلی جانب هذین القسمین هناک قسم ثالث یستوی فیه الطرفان التذکیر والتأنیث کثمود وحراء وقباء. هذا ما لم ترجح العجمه جانب التأنیث ومنع الصرف کما فی بغداد. أو تاء التأنیث کما فی نحو : المدینه والبصره والکوفه ومکه. فحرف التأنیث وهو التاء یرجح تأنیثها ومن ثمّ منعها من الصرف.

ومن الشواهد الوارده فی هذا المجال قول الراجز (1) :

ودابق وأین منی دابق

والشاهد فیه صرف «دابق» حیث جعله اسما للمکان والبلد وهو مذکر ویجوز فیه کذلک تأنیثه ومنعه من الصرف إذا أردناه بمعنی البقعه والبلده لکن التذکیر هو الغالب. وقد سبق ذکر هذا البیت وأنه لغیلان بن حریث.

ومن الشواهد الداله علی تأنیث «هجر» ومنعها من الصرف مع غلبه التذکیر علیها قول الفرزدق (2) :

فمنهن أیام صدق قد عرفت

بها أیام فارس والأیام من هجرا

ففی البیت شاهدان ، الأول تأنیث «هجر» ومنعه من الصرف مع جواز تذکیره وصرفه وهو الغالب ، والثانی : تأنیث «فارس» ومنعه من الصرف مع جواز تذکیر وصرفه لکن الغالب هو التأنیث عکس «هجر». ومنها قول جریر فی منع حراء من الصرف لتأنیثها :

ص: 43

ستعلم أیّنا خیر قدیما

وأعظمنا ببطن حراء نارا

الشاهد فی هذا البیت هو قوله «حراء» حیث منعه من الصرف للعلمیه والتأنیث فالعملیه لأنه علم جبل قرب مکه وکثیرا ما یسیر الحجاج إلیه ویوقدون به النیران لإطعام المساکین (1) ، والتأنیث لأنه أراد بها معنی البقعه ، ولو أراد معنی المکان لجاز وصرف تبعا لذلک.

ومن الشواهد الوارده فی هذا الموضع قول الحجاج : «ورب وجه من حراء «منحن» «الشاهد فیه صرف حراء حملا علی المکان ، ولو حمله علی معنی البقعه ولم یصرف لجاز «والوجه» الناحیه» (2).

کلامه فی هذا الموضوع فیذکر التأویل الثانی المقصود «وإن شئت جعلت «تمیما وأسدا» اسم قبیله فی الموضوعین جمیعا فلم تصرفه والدلیل علی ذلک قول الشاعر :

نبا الخزّ عن روح وأنکر جلده

وعجّت عجیجا من جذام المطارف (1)

فالشاهد فی هذا البیت هو قوله «جذام» حیث منعه من الصرف لأنه أوّله بمعنی «قبیله» ، ویجوز صرفه کذلک حملا علی معنی «الحی».

ومن الکلمات التی یجوز فیها الأمران کلمه «سدوس». قال سیبویه : «وسمعنا من العرب من یقول «للأخطل» :

فإن تبخل سدوس بدرهمیها

فإن الریح طیبه قبول» (2)

والشاهد فی البیت قوله «سدوس» فلقد منعها من الصرف للعلمیه والتأنیث ؛ لأنه أراد معنی القبیله ، ویجوز فیها الصرف حملا علی معنی الحی فإن قلت : «هذه سدوس» فأکثرهم یجعله اسما للقبیله ، وإذا قلت : «هذه تمیم» فأکثرهم یجعله اسما للأب. وإذا قلت : «هذه جذام» فهی کسدوس ، فإذا قلت : «من بنی سدوس» ، فالصرف ، لأنک قصدت قصد الأب» (3).

والقاعده هذه وردت أیضا عند المبرد فی کتابه المقتضب وبنفس التأویلین السابقین عند سیبویه : «تقول : «هذه تمیم» و «هذه أسد» إذا أردت هذه قبیله «تمیم» أو «جماعه تمیم» فتصرف ؛ لأنک تقصد قصد

ص: 45

تمیم نفسه ، وکذلک إذ قلت : «أنا أحب تمیما ، أو أنت تهجو أسدا» إذا أردت ما ذکرنا ، أو جعلت کل واحد منهما اسما للحی ، فإن جعلت شیئا من ذلک اسما للقبیله لم تصرفه علی ما ذکرنا قبل ، تقول : «هذه تمیم فاعلم» ، و «هذه عامر قد أقبلت» (1). ویتابع بحثه للموضوع «وعلی هذا تقول : هذه تمیم بنت مر ، وإنما ترید القبیله کما قال :

لو لا فوارس تغلب ابنه وائل

نزل العدوّ علیک کلّ مکان

وکما قال الله عز وجل : (کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ)(2) لأن المعنی : الجماعه وعلی هذا : (کَذَّبَتْ عادٌ)(3) و (کَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ)(4) لأنه عنی القبیله والجماعه (5) فلما أراد معنی القبیله والجماعه ألحق بالفعل تاء التأنیث. هذا إذا کان الاسم مما یقع علیه «بنو کذا» فأما ما کان من هذا اسما لا یقع علیه بنو کذا ، فإن التذکیر فیه علی وجهین : علی أن تقصد قصد الحی ، أو تعمد للأب الذی سمی به القبیل وذلک نحو : «قریش وثقیف» ، تقول : جاء قریش یا فتی ، إنما ترید : حی قریش وجماعه قریش. فهی بمنزله ما قبلها إلا فیما ذکرنا من أنک لا تقول : «بنو قریش» کما تقول «بنو تمیم» ، لأنه اسم للجماعه ، وإن کانوا سموا بذلک لرجل منهم (6). أما تأنیث نحو : قریش وثقیف فعلی معنی القبیله

ص: 46

والجماعه کالأسماء السابقه. ومن جعل هذه الأسماء واقعه علی قبائل أو جماعات لم یصرف ، کما قال :

غلب المسامیح الولید سماحه

وکفی قریش المعضلات وسادها (1)

جعله اسما للقبیله ، کما قال الأعشی :

ولسنا إذا عدّ الحصی بأقلّه

وإن معدّ الیوم مود ذلیلها (2)

جعل (معد) اسما للقبیله یدلک علی ذلک قوله : مود ذلیلها علی أنه قد یجوز أن یقول (مود ذلیلها) لو أراد أبا القبیله ؛ لأنه یرید : جماعه معد ، ولکن ترک الصرف قد أعلمک أنه یرید القبیله ، وأن ذلیلها علی ذلک جاء» (3) والشاهد فی البیت الأول هو قوله : «قریش» فقد منعه من الصرف للعلمیه والتأنیث حملا علی معنی القبیله ، ویجوز فیه الصرف أیضا وهو الأکثر إذا قصد به معنی الحی. أما الشاهد فی البیت الآخر المنسوب للأعشی فهو قوله : «معد» حیث منع من الصرف حملا علی معنی القبیله ، وقد یجوز فیه الصرف علی معنی الحی کذلک. «فإذا قلت : ولد کلاب کذا ، وولد تمیم کذا. فالتذکیر والصرف لا غیر ، لأنک الآن إنما تقصد الآباء. وأما قوله :

بکی الخزّ من عوف وأنکر جلده

وعجّت عجیجا من جذام المطارف

فإنه جعله اسما للقبیله» (4) بخلاف نحو سلول وسدوس فالغالب فیها منع الصرف لتأنیثهما ومعرفتهما إلا فی حاله النکره فتصرف «وکذلک

ص: 47

سدوس فلیس من هذا مصروفا إلا فی النکره ، وإنما ذلک بمنزله «باهله وخندف» وإن کان فی باهله علامه التأنیث» (1).

فالأسماء التی لا یجوز فیها أن نقول : «من بنی فلان» فإنها تصرف یقول سیبویه : «وأما أسماء الأحیاء فنحو معد قریش وثقیف وکل شیء لا یجوز لک أن تقول فیه من بنی فلان ولا هؤلاء بنو فلان فإنما جعله اسم حی» (2) ومن ذلک «معد بن عدنان» إنما یقال «فلان من معد» ولا یستعمل فیقال من «بنی معد» وکذلک قریش (3) وقد قال سیبویه عن هذه المسأله بما معناه «إنک إن شئت جعلتها اسما للقبیله کالحی فلم تصرفها والأکثر فیها الصرف تقول : «فلان من قریش یا هذا» و «من معد» و «من ثقیف» فأما قولک «من باهله یا هذا» فلا ینصرف لأن فیه هاء التأنیث (4) وإن شئت جعلت هذه الأسماء أسماء للقبیله فلم تصرفها کلها وقلت : «فلان من قریش یا هذا» و «من معد یا هذا». فهذه الأسماء «قریش ، ثقیف ، معد ، وباهله» لا تستعملها العرب إلا أسماء للحی ، بمعنی أنها مذکره فی الغالب وهی التی لا تقول فیها «من بنی فلان» کما مر ؛ لأنها لا تصلح أن تکون آباء أو أمهات ، فکلمه مثل «باهله» لم یرد عن العرب أنهم قالوا «فلان من بنی باهله» وکذلک لم یقولوا «فلان من بنی قریش أو من بنی معد» وإنما قالوا «فلان من باهله أو من قریش أو من معد». وهذه عکس «تمیم وأسد ، وسلول» التی نقول فیها «فلان من بنی تمیم أو من بنی أسد أو من بنی سلول» وهذه الأسماء مصروفه إذا کانت للحی ،

ص: 48

وغیر مصروفه إذا قدّرت بمعنی القبیله ، وقال ابن السراج عن أسماء الأحیاء «فأما أسماء الأحیاء فمعد وقریش وثقیف وکل شیء لا یجوز لک أن تقول فیه من بنی فلان ، وإذا قالوا : هذه ثقیف فإنما أرادوا جماعه ثقیف ویتابع کلامه : فإن جعلت «قریش» وأخواتها أسماء للقبائل جاز .. فما جعلته اسما للقبیله لم تصرفه (1) وملخص ما جاء فی کتاب «ما ینصرف وما لا ینصرف» للزجاج حول أحوال «تمیم وأسد» ما یلی : «فإذا قلنا : «هذه تمیم» وأردنا «جماعه تمیم» أو «هذه بنو تمیم» و «أسد» وما أشبههما مصروف ذلک کله لأننا لما قلنا «هذه تمیم» وأردنا «هذه بنو تمیم أو جماعه تمیم» ثم حذفنا المضاف «بنی وجماعه» وأقمنا المضاف إلیه مقامه وهو «تمیم» الذی یجوز فیه والحاله هذه لصرف حملا علی معنی «الحی» وعدم الصرف حملا علی معنی «القبیله». «فهذه أربعه أوجه فی تمیم» وما أشبهه : ثلاثه منها تنصرف فیها ؛ لأنک أردت فی وجهین من الثلاثه «بنی تمیم» و «جماعه تمیم» وأردت فی الثالث أن تجعله اسما للحی ، فصار مذکرا سمیت به مذکرا ، والوجه الذی لا ینصرف فیه أن تجعله اسما للمؤنث ، فلم ینصرف ؛ لأنه معرفه وأنه لمؤنث» (2) ، وجاء فی الارتشاف أنه قد تسمی القبیله باسم الأب والحی باسم الأم فیوصفان بابن وبنت ، قالوا فی اسم الأب : تمیم بن مر وتمیم بنت مر. وقالوا فی اسم الأم باهله بن أعصر ، وباهله بنت أعصر «أنثوا فیهما علی معنی القبیله وذکّروا علی معنی الحی» (3).

ص: 49

ومن الأسماء التی یجوز فیها التذکیر والتأنیث ، «ثمود وسبأ» فهما تاره منصرفان کما فی قوله تعالی : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَیَّنَ لَکُمْ)(1) فثمود هنا منصرف ، لأنه بمعنی الحی ، وقال تعالی : (وَجِئْتُکَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ یَقِینٍ)(2) «سبأ» هنا منصرف ، بینما وردا ممنوعین من الصرف فی آیات أخری کما فی قوله تعالی : (وَآتَیْنا ثَمُودَ النَّاقَهَ)(3) فقد جاء «ثمود» غیر منصرف ؛ لأنه بمعنی القبیله. قال الشاعر :

من سبأ الحاضرین مأرب إذ

یبنون من دون سیله العرما (4)

والشاهد فی البیت هو قوله «سبأ» حیث جاءت غیر مصروفه حملا علی معنی القبیله ولو صرفت علی معنی الحی جاز کما فی الآیه الکریمه السابقه. وکما جاءت أیضا فی الشاهد الذی أورده سیبویه بهذا الخصوص :

أضحت ینفّرها الولدان من سبأ

کأنّهم تحت دفّیها دحاریج (5)

والشاهد فی البیت هو مجیء «سبأ» مصروفا ؛ لأنه بمعنی الحی وهو مذکر. وکان أبو عمرو «کما ورد عند سیبویه» (6) لا یصرف سبأ ، بل یجعله اسما للقبیله. لکننا رأینا جواز الأمرین کما مر فی الشواهد السابقه وخاصه الآیات القرآنیه الکریمه التی هی من مصادر اللغه الأساسیه. وقال الفراء فی

ص: 50

سبب منع «سبأ» من الصرف «ولو جعلته اسما للقبیله إن کان رجلا ، أو جعلته اسما لما حوله إن کان جبلا لم تجره أیضا» (1). وقال الشاعر فی إجرائه :

الواردون وتیم فی ذرا سبأ

قد عضّ أعناقهم جلد الجوامیس (2)

وقد وردت کلمه «سبأ» مصروفه فی البیت لأنها بمعنی الحی :

وقد أورد سیبویه شواهد للدلاله علی منع نحو هذه الأسماء من الصرف کقول الشاعر :

علم القبائل من معدّ وغیرها

أن الجواد محمد بن عطارد (3)

شاهده ترک صرف «معد» حملا علی معنی القبیله وإن کان الأکثر هو ترک صرفه علی اعتبار معنی الحی وهو الغالب. وکذلک :

ولسنا إذا عدّ الحصی بأقلّه

وإن معدّ الیوم مود ذلیلها

وأیضا قول الآخر :

وأنت امرؤ من خیر قومک فیهم

وأنت سواهم فی معدّ مخیّر

وقد مر ذکر هذین وموضع الشاهد فیهما (4).

وقال زهیر :

تمدّ علیهم من یمین وأشمل

بحور له من عهد عاد وتبّعا (5)

ص: 51

فالشاهد فی البیت هو ترک صرف «عاد» للعلمیه والتأنیث حیث قدره بمعنی القبیله وإن کان الغالب فیه هو صرفه ؛ لأنه بمعنی الحی کمعد. وقال (ولم یذکر الشاعر) :

لو شهد عاد فی زمان عاد

لابتزها مبارک الجلاد (1)

والشاهد فی البیت هو فی ترک «عاد» من الصرف حملا علی معنی القبیله کما مر فی البیت السابق ، وإن کان یجوز فیه الصرف وهو الغالب.

الحی. لکن هنا نقطه یجدر بنا أن نشیر إلیها وهی متعلقه بکلمه «یهود» فإننا لو حملناها علی معنی الحی فهی ممنوعه من الصرف ومنعها من الصرف لیس للعلمیه والتأنیث وإنما للعلمیه ووزن الفعل وذلک لزیاده الیاء فی أولها .. «فلو سمیت رجلا بمجوس لم تصرفه کما لا تصرفه إذا سمیته «بعمان» (1) ویقول ابن السراج : «وأما مجوس ویهود فلم تقع إلا اسما للقبیله ، ولو سمیت رجلا بمجوس لم تصرفه» (2) وشبه سیبویه دخول الألف واللام علیهما بدخول الألف واللام علی زنجی وزنج» وأما قولهم الیهود والمجوس فإنما أدخلوا الألف واللام ههنا کما أدخلوها فی المجوسی والیهودی ، لأنهم أرادوا الیهودیین والمجوسیین ولکنهم حذفوا یاءی الإضافه وشبهوا ذلک بقولهم زنجی وزنج إذا أدخلوا الألف واللام علی هذا فکأنک أدخلتها علی یهودیین ومجوسیین وحذفوا یاءی الإضافه وأشباه ذلک ، فإن أخرجت الألفه واللام من المجوس صار نکره کما أنک لو أخرجتها من المجوسیین صار نکره» (3) ، وأورد ابن السراج فی أصوله نفس القاعده السابقه عند سیبویه فقال : «وأما قولهم : الیهود والمجوس فإنما أرادوا المجوسیین والیهودیین ولکنهم حذفوا یاءی الإضافه ، کما قالوا : زنجی وزنج» (4) بینما فصل الزجاج هذه النقطه بصوره أکثر وقال : «هذا الباب یجری علی ثلاثه أوجه : فأحدها وهو شرح ما قال سیبویه : أن «مجوس» و «یهود» اسم لهذا الجیل ، نحو «سند» و «وهند»

ص: 53

و «روم» تقول «سندی وسند» و «رومی وروم» ، ثم جعلت العرب کل اسم جیل من هذه اسما للقبیله ، فإذا کان اسما للقبیله قلت : «هذا رجل من یهود یا هذا» و «من مجوس یا هذا» والذین قالوا «من الیهود والمجوس» ، جعلوه علی أصله جمع «یهودی ویهود» وأدخلوا الألف واللام للتعریف ، فعلی هذا القیاس تقول : «هذا رجل من یهود ومن مجوس» تصرفه لأنه جمع. وإن شئت جعلته اسما للحی فصرفته أیضا (1). والحقیقه أن العنوان الذی جعله سیبویه لهذه النقطه وأعنی بها الأسماء التی لا تستعمل إلا اسما للقبیله ، هذا العنوان یوحی بأنها لا یجوز فیها إلا المنع من الصرف بناء علی معنی القبیله ولکن مع عرضنا لآراء العلماء فی هذه الأسماء نجد أن الغالب فیها هو التأنیث مع جواز التذکیر حملا علی معنی الحی وذلک قلیل ، والغریب أن الزجاج فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» قد تبع سیبویه ووضع العنوان نفسه علی الموضوع. مع أنه ذکر صراحه «وإن شئت جعلته اسما للحی فصرفته أیضا» (2).

وخلاصه القول فی أسماء البلدان والقبائل : أن الصرف فیها بتأویل الأب إن کان اسمه کثقیف أو الحی ، وفی الأماکن بتأویل المکان والموضوع ونحوهما وترک الصرف فی القبائل بتأویل الأم إن کان فی الأصل کخندف أو القبیله وفی الأماکن بتأویل البقعه ونحوهما (3).

وقد جاء فی الهمع أن : «صرف أسماء القبائل والبلاد والکلمه

ص: 54

وحروف الهجاء ومنعها مبنیان علی المعنی ، فإن أرید باسم القبیله الأب کمعد وتمیم أو الحی کقریش وثقیف صرف «أو الأم کباهله» أو القبیله کمجوس ویهود منع للتأنیث مع العلمیه» (1).

ولننظر بعد ذلک إلی هذا التقسیم لأسماء الأحیاء والقبائل ، وما یتعین من معنی القبیله فی بعضها والحی فی بعضها الآخر. وغلبه معنی القبیله علی بعضها ، أو غلبه معنی الحی علی البعض الآخر : «ثم القبائل والأحیاء علی أقسام ، قسم یتعین للقبیله وذلک یهود ومجوس علمین للقبیلتین ویمنعان الصرف ، فإن جعلتهما جمع یهودی ومجوسی کروم ورومی فیجوز إذ ذاک دخول «أل» علیهما. وقسم یتعین للحی ، وقسم یغلب علیه اسم القبیله کجذام وسدوس وقسم یغلب علیها اسم الحی وهو قریش وثقیف وکلاب ومعد وعاد فیصرف ، وقد لا یصرف باعتبار القبیله. وقسم یجوز فیه الأمران وهو ثمود وسبأ (2).

الشاهد هو تذکیر الحرف «سینا» والدلیل علی تذکیره هو تذکیر نعته «طاسم» وتذکیره علی معنی الحرف. ویجوز له التأنیث علی معنی الکلمه.

ولذلک علق سیبویه علی الرجز بقوله : «ذکر ولم یقل طاسمه». وقال الرضی : «کما بینت کاف تلوح ومیمها» فقال : ینت فأنث (1) والشاهد فی البیت هو تأنیث الحرف «کاف» حملا علی معنی الکلمه أو اللفظه وتذکیره جائز أیضا علی المعنی السابق وهو الحرف (2).

إذن هذا الموضوع وأعنی به «الحروف والکلم» قائم أساسا علی التذکیر والتأنیث ومن ثمّ صرفها أو منعها من الصرف تبعا لهاتین النقطتین فالموضوع کسابقه «أسماء الأحیاء والأرضین» ولوضوح علتی المنع «العلمیه والتأنیث» واتفاقهما فی کل الحروف قدمت هذا الموضوع علی «أسماء السور» وذلک لاختلاف علل المنع فی کل اسم سوره لیکون الکلام علی وتیره واحده.

ومن تلک الحروف «إن ولیت ولعل وکأن» وقد بدأ سیبویه ب- (أن ولعل) وبیّن الأوجه الجائزه فیهما فقال : وأما «أن ولیت» فحرکت أواخرهما بالفتح لأنهما بمنزله الأفعال نحو «فصار الفتح أولی ، فإذا صیّرت واحدا من الحرفین اسما للحرف فهو ینصرف علی کل حال ، وإن جعلته اسما للکلمه وأنت ترید لغه من ذکّر لم تصرفها کما لم تصرف امرأه اسمها «عمرو» وإن سمیتها بلغه من أنّث کنت بالخیار» (3). فنحن إذن أمام ثلاثه آراء فی حاله التسمیه «بأنّ ولیت»

ص: 56

وذلک إن جعلتهما علمین للحرف صرفا للتذکیر ، وإن جعلتهما علمین للکلمه (وهی مؤنثه) وأنت ترید التذکیر «أی معنی الحرف» لم تصرفهما کما لا تصرف امرأه «وهی مؤنثه» سمیتها باسم مذکر مثل «عمرو أو زید أو علی ... إلخ» وإن سمیت بهما بلغه من أنث کنت مخیرا بین الصرف والمنع.

وقال المبرد : «وکذلک ما ضارع الفعل نحو «إن ولیت ولعل» لأنها مضارعه للأفعال التی صح تذکیرها ، فما جعلته منها اسما لحروف فمصروف وما علّقته علی کلمه فغیر مصروف فی المعرفه إلا ما کان منها ساکن الوسط وسمیت به مؤنثا فإنه ک- «زید» سمیت به امرأه» (1).

وهناک تفرقه بین «إن» المکسوره المهمزه و «أنّ» المفتوحه ، فالمکسوره لا تؤول إلی مصدر بینما المفتوحه تؤول إلی مصدر ، ولکل منهما مواضع معروفه فی کتب النحو وتلک الفرقه أدت إلی فرقه أخری من ناحیه الصرف وعدمه حین نسمی بهما. یقول سیبویه : وسألت الخلیل عن رجل سمیته «أنّ» فقال هذا «أن» لا أکسره و «أنّ» غیر «إنّ» ، «إنّ» کالفعل و «أن» کالاسم ألا تری أنک تقول : علمت أنک منطلق فمعناه ، علمت انطلاقک. ولو قلت هذا لقلت لرجل یسمی بضارب یضرب ولرجل یسمی یضرب ضارب ، ألا تری أنک لو سمیته بإن الجزاء کان مکسورا وإن سمیته بأن التی تنصب الفعل کان مفتوحا» (2) ومعنی هذا الکلام أن «إن» وهو حرف شرط لو سمی به الحرف فإنه یکون مصروفا لحمله علی معنی الحرف فقط ، وأما «إن» التی تنصب الفعل فإنها تمنع من

ص: 57

الصرف لو سمینا بها الکلمه حملا علی معنی اللفظه أو الکلمه لتأویلها مع الفعل إلی مصدر.

وکان سیبویه یری أن أواخر ذلک الأحرف «إنّ ، أنّ ، لعلّ ، لکنّ ، کأنّ» مفتوحه لتنزیلها منزله الأفعال ، فقد عملت فی الأسماء التی تأتی بعدها لتضمنها معنی الفعل فإن وأن بمعنی : «أؤکد». ولکن بمعنی «أستدرک» وکأن بمعنی «أشبه» ولعل بمعنی «أترجی» ولیت بمعنی «أتمنی». هذا رأی سیبویه فی فتح أواخر هذه الحروف. وأما الزجاج فقد ذهب إلی أن «آخرها فتح لالتقاء الساکنین ؛ لأنها حروف مضاعفه ، فکان الفتح لالتقاء الساکنین أخف الحرکات علیه مع ثقل التضعیف ، کما أنهم فتحوا «ثم» و «رب» لالتقاء الساکنین (1). وأما «لو وأو» فهما ساکنتا الأواخر ، لأن قبل آخر کل واحد منهما حرفا متحرکا فإذا صارت کل واحده منهما اسما فقصتها فی التأنیث والتذکیر والانصراف وترک الانصراف کقصه لیت وإنّ إلا أنک تلحق واوا أخری فتثقل وذلک لأنه لیس فی کلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح. قال الشاعر :

لیت شعری وأین منی لیت

إنّ لیتا وإنّ لوّا عناء (2)

«الشاهد فی تضعیف «لو» لما جعلتها اسما وأخبرت عنها ؛ لأن الاسم المفرد المتمکن لا یکون علی أقل من حرفین متحرکین ، والواو فی «لو» لا تتحرک فضوعفت لتکون کالأسماء المتمکنه ، وتحتمل الواو لتضعیف الحرکه وأراد ب- «لوّها» هنا «لو» التی للتمنی فی نحو قولک : لو أتیتنا ،

ص: 58

لو أقمت عندنا ، أی لیتک أتیت وأقمت» (1) إذن ما کان آخره حرف عله وهو علی حرفین نحو «لو» أو «فی» وقد سمینا بأحد منهما لا بد من تضعیف الحرف الثانی لیکون علی ثلاثه أحرف ؛ لأن الاسم لا بد أن یکون علی ثلاثه أحرف إذا کان بهذه الصوره «وذلک لأنه لیس فی کلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح» (2). وعلل سیبویه تضعیف الواو بقوله : «وإنما دعاهم إلی تثقیل «لو» الذی یدخل الواو من الإجحاف لو نوّنت وقبلها متحرک مفتوح ، فکرهوا أن لا یثقلوا حرفا لو انکسر ما قبله أو انضم ذهب فی التنوین ورأوا ذلک إخلالا لو لم یفعلوا ، فمما جاء فیه الواو وقبله مضموم «هو» فلو سمیت به ثقّلت فقلت «هذا هوّ» وتدع الهاء مضموما ؛ لأن أصلها الضم تقول : هما ، وهم ، وهن. ومما جاء وقبله مکسور هی وإن سمیت به رجلا ثقّلته کما ثقلت هو (3) فما کان ثنائیّا من الألفاظ وکان الحرف الثانی حرف لین وجب تضعیف حرف اللین لکی لا یدخله الإجحاف ویضیع الحرف نتیجه سرعه الانتقال من الحرف الثانی إلی التنوین بل یضعّف لیأخذ حقه من النطق وبصوره أوضح لو قلنا : «هذا لو» دون تضعیف. ماذا یحدث حتی یدخل «لو» الإجحاف؟ والجواب علی ذلک هو أن الضمه فی «لو» تستثقل علی الواو ، أو علی الیاء کما فی نحو «فی» فتحذف ، وبحذف الضمه یلتفی ساکنان الواو أو الیاء والتنوین ، فتحذف الواو من «لو» أو الیاء من «فی» فیبقی اللفظ علی حرف واحد ، فدفعا لهذا الإجحاف ضعّفوا حرف اللین.

ص: 59

ثم إن هذه الحروف عند سیبویه معارف بمنزله «زید» و «عمرو» ، بمنزله قولهم للأسد «أسامه» و «أبو الحارث» ، لا یجوز أن تقول «الإنّ» ولا «الأوّ» (1).

ومن الأسماء الثنائیه «هو ، ذو» و «إن سمیت مؤنثا بهو لم تصرفه ؛ لأنه مذکر» (2) فقد اجتمع فیه علتان ، العلمیه والتأنیث بجعله علما لمؤنث کأن نجعل نحو «زید وعمرو» علما لمؤنث.

أما «ذو» فیقول عنه سیبویه : «ولو سمیت رجلا «ذو» لقلت هذا ذوا لأن أصله «فعل» ألا تری أنک تقول : «هاتان ذواتا مال» فهذا دلیل علی أن «ذو» فعل ، کما أن «أبوان» دلیل علی أن «أبا» فعل» (3). والحقیقه أن هناک مذهبین فی «ذو» من ناحیه التحریک والسکون ، مذهب سیبویه الذی رأی أن «ذو» فعل بالتحریک ودلیله علی ذلک قولهم : هاتان ذواتا مال کما یقال «أبوان فی أب» فهذا دلیل علی أن أصله «أبو» علی وزن «فعل» کما أن «ذو» أصله «ذوو» أی فعل.

والمذهب الثانی هو مذهب الخلیل الذی رأی أن أصل «ذو» «ذوو» بالتسکین. ووافقه الزجاج علی ذلک. «وحجه الخلیل : أنها إنما حرکت العین حیث أتمت لیدل علی أن أصلها السکون ، کما أنک إذا نسبت إلی «ید» قلت «یدوی» وأصل «یدیدی» بتسکین الدال ، إلا أن الیاء حذفت من آخرها لاستثقالهم إیاها فإذا نسب إلیها فرددت المحذوف فتحت الدال فقلت «یدوی» (4).

ص: 60

ویقول السیرافی تعلیقا علی ذلک بقوله : «علی أن الاسم إذا حذفت لامه ثم ثنّی فرد إلیه اللام حرکت العین وإن کان أصل بنیتها السکون کقول الشاعر :

یدیان بالمعروف عند محرق

قد یمنعانک أن تضام وتضطهدا (1)

و «ید» فعل بالسکون ولکنها لما حذفت لامها فوقع الإعراب علی الدال ثم ردوا المحذوف لم یسلبوا الدال الحرکه» (2) ومعنی کلامه أنه تأیید لمذهب الخلیل الذی یقول بتسکین العین ، فقد بیّن السیرافی أن تحریک العین عند التثنیه بعد رد اللام المحذوف لا یدل علی تحریکها أصلا ، ودلیله أن «ید» فعل بالسکون لکنها لما ردت إلیها عند التثنیه لم یسلبوا حرکه العین.

وعلّق السیرافی علی ذلک بقوله : «ولا فی الانصراف وغیر الانصراف والتأنیث والتذکیر ککی ولو ، وقصتها کقصتهما فی کل شیء وإذا صارت «ذا» اسما أو «ما» مدت ولم تصرف واحدا منهما إذا کان اسم مؤنث لأنهما مذکران. فأما «لا» فتمدها وقصتها قصه «فی» فی التذکیر والتأنیث والانصراف وترکه» (3) وهذه الألفاظ «لا ، ما ، ذا» المنتهیه بحرف العله «الألف» إذا صارت أسماء فقصتها فی الانصراف وعدمه وفی التذکیر والتأنیث کقصه «لو» وقد علمنا فیما مضی أنه یجب تضعیف حرف

ص: 61

العله لکی لا یدخل الاسم الإجحاف ، والتضعیف فی «لا وما وذا» یعنی تکرار الألف ، والقاعده تقول : نقلب الألف الثانیه همزه إذا وقعت بعد ألف ، بمعنی أنها تقلب إلی «لاء وماء ، ذاء». جاء فی المقتضب : «وإن سمیته (لا) قلت : هذا لاء فاعلم» (1) وما کان علی حرفین الثانی منهما یاء أو واو أو ألف إذا حکیت لم تغیر فقلت «لو» فیها معنی الشرط و «أو» للشک و «فی» للوعاء ، فلم تغیر شیئا وإن جعلتها أسماء فی إخبارک عنها زدت علیها فصیرتها ثلاثیه ، أنه لیس فی الأسماء اسم علی حرفین والثانی منها یاء ولا واو ، ولا ألف ؛ لأن ذلک یجحف بالاسم ؛ لأن التنوین یدخله بحق الاسمیه. والتنوین یوجب حذف الحرف الثانی منه. فیبقی الاسم علی حرف واحد. مثال ذلک أنا إذا جعلنا «لو» اسما ولم نزد فیه شیئا ولم نلحظ اللفظ الذی لها فی الأصل أعربناها فإذا أعربناها تحرکت الواو وقبلها فتحه فانقلبت ألفا فتصیر «لا» ثم یدخله التنوین بحق الصرف فتصیر «لا» یا هذا فیبقی حرف واحد ، وهو اللام. والتنوین غیر معتد به.

وإذا سمیت «بفی» ولم تحرک ولم تزد فیها شیئا وجب أن تقول «ف» یا هذا کما تقول : قاض هذا «فلما کان فیها هذا الإجحاف لو لم تزد فیها شیء زادوا ما یخرجه عن حد الإجحاف ، فجعلوا ما کان ثانیه واوا یزاد فیه مثلها فیشدد وکذلک الیاء کقولک فی «لو» «لوّ» وفی «کی» «کیّ» وفی «فی» «فیّ» (2) ولم أجد هذه النقطه عند الزجاج فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» مع أنه قد نقل البقیه من کتاب سیبویه ،

ص: 62

کما لم أجد تلک المسأله عند السیوطی فی «الهمع» ولا فی «شرح الکافیه» وکذلک لم أجدها فی «الخصائص» لابن جنی.

ومن الألفاظ التی تجدر الإشاره إلیها «فو» بمعنی الفم قال سیبویه : «وسألته (أی الخلیل) عن رجل اسمه «فو» فقال العرب قد کفتنا أمر هذا لما أفردوه قالوا «فم» فأبدلوا المیم مکان الواو حتی یصیر علی مثال تکون الأسماء علیه ، فهذا البدل بمنزله تثقیل «لو» لیشبه الأسماء فإذا سمیته بهذا فشبهه بالأسماء کما شبهت العرب ، ولو لم یکونوا قالوا «فم» لقلت «فوه» لأنه من الهاء. قالوا أفواه ، کما قالوا سوط أسواط (1). إذن جعل المیم بدلا من الواو هو بمنزله التضعیف فی «لو» ثم ذکر أنه لو لم یسمع بهذا أی بجعل المیم بدل الواو لقال : «فوه» ؛ لأن الأصل فیه الهاء بدلیل الجمع علی «أفواه» معروف أن الجمع یرد الأشیاء إلی أصولها.

وأیده فی هذا الرأی الزجاج حیث قال : «إلا أن الوجه عندی إذا سمیت رجلا «فو» أن تقول «هذا فوه» لأن جمعه أفواه ، وأفواه جمع فوه ، مثل : ثوب أثواب.

لکن قد یطرأ سؤال بخصوص ذکر «فو» فی هذا الموضوع ، لماذا ذکر مع الحروف مع أنه لیس بحرف؟ والجواب علی ذلک کما یقول ابن سیده «لمشاکلته لها (أی للحروف) فی الحذف والقله» (2).

ص: 63

الوقف ، فإذا جعلتها أسماء أعربتها ، ومددت المقصور فقلت : ألف وباء وتاء وزای. ومن قال «زی» قال «زی» (1). فزای فیها لغتان فی التهجی لغه تجعلها مثل «کی» وأخری بزنه «واو» أی «زای» وهی الأکثر شیوعا کما یقول سیبویه (2).

جاء فی أصول ابن السراج : «وفی «زای» لغتان ، منهم یجعلها ک- «کی» ومنهم من یقول : «زای» فإن سمیته ب- «زی» علی لغه من یجعلها ک- «کی» ، قلت : زی فاعلهم ، وإن سمیت بها علی لغه من یقول : «زای» قلت : زاء وکذا واو وآء ... وجمیع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنی حرف فهو مذکر ، وإن أردت به معنی کلمه فهو مؤنث» (3).

وجاء فی المخصص : «قال أبو علی : أما من قال «زی» فهو إذا جعلها اسما شدد فقال : «زیّ» وإذا جعلها حرفا قال «زی» علی حرفین مثل کی ، وأما «زای» فلا تتغیر صیغته» (4).

مما مضی نعلم أن حروف التهجی مبنیه علی الوقف ، ولا تعرب ومعنی قولنا : «مبنیه علی الوقف» أنک تقدر أن تسکت علی کل حرف منها ، فانطق : ألف ، لام ، میم ، ذلک. والدلیل علی أنک تقدر السکت علیها جمعک بین ساکنین فی قولک : «لام» وفی قولک : «میم» (5). وهذه الحروف لیست تجری مجری الأسماء المتمکنه ، والأفعال المضارعه التی یجب

ص: 65

لها الإعراب ، وإنما هی تقطیع الاسم المؤلف الذی لا یجب الإعراب فیه إلا مع کماله. فقولک : «جعفر» لا یجب أن تعرب منه الجیم ولا العین ولا الفاء ولا الراء ، دون تکمیل الاسم ، فإنما هی حکایات وضعت علی هذه الحروف ، فإن أجریتها مجری الأسماء وحدّثت عنها قلت : «هذه کاف حسنه» و «هذا کاف حسن» ، وکذلک سائر حروف المعجم. فمن قال «هذه کاف» أنّث لمعنی الکلمه ، ومن ذکّر فلمعنی الحرف ، والإعراب وقع فیها لأنک تخرجها من باب الحکایه (1).

إذن فإعراب هذه الحروف أو عدم إعرابها خاضع لاستقلالها بجعل کل حرف جاریا مجری الاسم فتحدّث عنها حینئذ ، تؤنث أو تذکر حسب المعنی المقصود ، أما إذا کان أی حرف منها غیر مستقل بل تحت إمره کلمه ، فإننا حینئذ لا نستطیع إعراب کل حرف علی حده لأنها تقطیع للاسم المؤلف منه هذه الحروف. «فإذا قلت «لاء» فتقدیرها «فعل» ، لأنها قد صارت اسما ، والألف لا تکون أصلا فی الأسماء ، إنما تکون زائده أو منقلبه من «یاء» أو «واو» ، فالألف منقلبه أعنی فی «لاء» و «باء» و «یاء» من واو أو یاء. والهمزه بدل من ألف کما أن «شاء» الألف مبدله من واو والهمزه بدل من هاء ، وکذلک «ماء» إنما أصله «موه» (2)».

جاء فی الکتاب لسیبویه : وأما «أم» و «من» و «إن» و «مذ» فی لغه من جر ، و «أن» و «عن» إذا لم تکن ظرفا ، و «لم» ونحوهنّ إذ کن أسماء لم تغیّر ، لأنها تشبه الأسماء نحو ید ودم تجریهن إن شئت إذا کنّ أسماء للتأنیث» (3).

ص: 66

وهذه الحروف التی ذکرها سیبویه ثنائیه آخرها ساکن لا غیر. وأما ما کان علی ثلاثه فآخره : ساکن إذا تحرک ما قبله نحو «نعم» و «أجل» و «بلی» ، فإن کان قبل آخره ساکن حرّک لالتقاء الساکنین (1). یقول سیبویه : و «أما نعم وبئس ونحوهما فلیس فیهما کلام أنهما لا تغیران ، لأن عامه الأسماء علی ثلاثه أحرف ، ولا تجریهن إذا کن أسماء للکلمه ؛ لأنهن أفعال ، والأفعال علی التذکیر ، لأنها تضارع فاعلا» (2).

وبعد ذلک ننتقل إلی إعراب : أبی حاد ، وهوّاز ، وحطّی ، کعمرو فی جمیع ما ذکرنا ، وحال هذه الأسماء حال عمرو (3) فقد جعلها سیبویه عربیه منونه فإذا قلت وقد رأیت فی الکتاب «هوّازا» فلک فیه أربعه أوجه :

أحدها : أنک تقول : «هذا هواز» ترید : هذا علامه هواز فی الخط أو هذا ذکر هوّاز فی الخط.

ویبیّن الزجاج حکم ذلک فیقول : «ویجوز أن تقول : هذه هواز یا هذا» فتجعل هوازا اسما للکلمه ، فلا تصرفه ، ولک أن تجعله اسما للحرف فتصرفه. وکذلک «حطّی» مثله ، إلا أن «حطیا» فیه یاء النسب ، فالاختیار صرفه علی کل حال» (4). فتلک إذن کلها أسماء عربیه منونه إلا أنه یجوز فی «هواز» المنع من الصرف حملا علی معنی الکلمه.

وأما «کلمن وسعفص وقریشیات فإنهن أعجمیه لا ینصرفن (5) فأما

ص: 67

«سعفص» و «قریشیات» و «کلمن» أعجمیه غیر مصروفه. ویجوز فی «قریشیات» الصرف ، وترک الصرف الأجود لأنها علی لفظ الجمع ، ویجوز ترک الصرف لأن فیها تاء التأنیث ، ویجوز فی «کلمون» «هذا کلمون یا هذا» و «رأیت کلمین یا هذا» ، لأنه علی لفظ الجمع (1) یقول الزجاج : «فأما «کلمون» و «سعفص» و «وقریشیات» فأعجمیات تقول : هذه کلمون یا هذا ، وتعلمت کلمون وانتفعت بکلمون ، وکذلک «سعفص» فأما «قریشیات» فاسم للجمع مصروفه بسبب الألف والتاء. تقول : هذه قریشیات یا هذا. وعجبت من قریشیات یا هذا» (2).

قال أبو سعید : «فصل سیبویه بین «أبی حاد وهواز وحطی» فجعلهن عربیات وبین البواقی فجعلهن أعجمیات ، وکان أبو العباس یجیز أن یکن کلهن أعجمیات. وقال بعض المحتجین لسیبویه إنه جعلهن عربیات ؛ لأنهن مفهومات المعانی فی کلام العرب. وقد جری أبو جاد علی لفظ لا یجوز أن یکون إلا عربیّا. تقول هذا أبو جاد ، ورأیت أبا جاد ، وعجبت من أبی جاد.

قال الشاعر :

أتیت مهاجرین فعلمونی

ثلاثه أحرف متتابعات

وخطوا لی أبا جاد وقالوا

تعلم سعفصا وقریشیات

قال أبو سعید : والذی یقول إنهن غیر مبعد عندی إن کان یرید بذلک أن الأصل فیها العجمه ؛ لأن هذه الحروف علیها یقع تعلیم الخط بالسریانی (3).

ص: 68

فجعلت «خلفا» اسما لها لم تصرف إلا فی قول من رأی أن یصرف «زیدا» اسم امرأه (1). ولننظر إلی مسأله الظروف المسمی بها بصوره أکثر تفصیلا فی المخصص : «اعلم أنک إذا سمیت کلمه بخلف أو فوق أو تحت لم تصرفها ، لأنها مذکرات ، وجمله هذا أن الظروف وغیرها فیها مذکرات ومؤنثات.

وقد یجوز أن یذهب بکل کلمه منها إلی معنی التأنیث بأن تتأول أنها کلمه ، وإلی معنی التذکیر بأن تتأول أنها حرف ، فإن ذهبت إلی أنها کلمه فسمیتها باسم مذکر علی أنها أکثر من ثلاثه أحرف أو ثلاثه أحرف أوسطها متحرک لم تصرف کما لا تصرف امرأه سمیتها بذلک ، وإن سمیتها بشیء مذکر علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن وقد جعلتها کلمه فحکمها حکم امرأه سمیتها بزید ، فلا تصرفها علی مذهب سیبویه ، وما کان علی حرفین فهو بمنزله ما کان علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن. فمن المذکر تحت وخلف وقبل وبعد وأین وکیف وثم وهنا وحیث وکل ، وأی. ومنذ ومذ وقط وقطّ ، وعند ولدی ، ولدن ، وجمیع ما لیس علیه دلاله للتأنیث بعلامه أو فعل له مؤنث (2). إذن قاعده الأعلام المؤنثه وما یترتب علیه من الصرف وعدمه قد طبقتها هنا علی الظروف من حیث التذکیر والتأنیث الذی سنبینه فیما یأتی إن شاء الله. وکذلک من حیث عدد الحروف المکونه للفظ ، وأیضا من حیث حرکه الحرف الأوسط وسکونه.

وبعد ذکر الألفاظ المذکره من الظروف ننتقل إلی المؤنث منها وهما لفظا «وراء وقدّام» المفهومان من کلام سیبویه بعد ذکر الألفاظ المذکره

ص: 70

واستدلاله علی ذکوریتها بقوله : «ولو کن مؤنثات لدخل فیهن الهاء کما دخلت فی قدیدیمه ووریئه» (1) ویفهم من هذا القول تخصیصه «وراء وقدّام» بالتأنیث دون بقیه الظروف. قال الزجاج : إلا «قدّام» و «وراء» ، فإنهما مؤنثتان العرب تقول «قدیدیمه» فی تصغیر «قدّام» قال الشاعر :

قدیدیمه التجریب والجلم إننی

أری غفلات العیش قبل التجارب (2)

فإذا سمیت رجلا «قدّام» أو «وراء» لم تصرفه ، لأنه مذکر سمیته بمؤنث علی أکثر من ثلاثه أحرف (3). وجاء فی المخصص «وأما قدام ووراء فسواء جعلتهما اسمین لکلمتین أو لحرفین فإنهما لا ینصرفان لأنهما مؤنثان فی أنفسهما وهما علی أکثر من ثلاثه أحرف فإن جعلناهما اسمین لمذکرین أو مؤنثین لم ینصرفا صارا بمنزله عناق وعقرب إن سمینا بهما رجلین أو امرأتین لم ینصرفا. هذا القول لجمیع النحویین فی الظروف ، فأما أبو حاتم فقال : الظروف کلها مذکره إلّا قدام ووراء بالدلیل الذی قدمنا من التصغیر ، قال : وزعم بعض من لا أثق به أن «أمام» مؤنثه» (4) فالظروف کلها مذکره ما عدا «قدّام ووراء» بدلیل إلحاق تاء التأنیث بهما عند الصغیر وفی النص السابق رد علی من ذهب إلی تأنیث «أمام» لأنه کما قال أبو حاتم ممن لا یوثق بهم وبلغتهم ، وتأیید لرأی سیبویه القائل بتذکیر أمام «وأما أمام فکل العرب تذکره أخبرنا بذلک یونس» (5).

ص: 71

والحقیقه أنه قد یطرح سؤال بالنسبه لإلحاق تاء التأنیث ب- «قدام ووراء» عند تصغیرهما ، فکیف تلحقهما التاء المؤنثه مع أنهما أکثر من ثلاثه أحرف والقاعده الصرفیه تقول : إنه إن صغر المؤنث الخالی من علامه التأنیث الثلاثی أصلا وحالا کدار وسن وأذن وعین ، أو أصلا کید أو مآلا فقط کحبلی وحمراء ، إذا أرید تصغیرهما تصغیر ترخیم ... وکسماء مطلقا ، أی ترخیم وغیره ، لحقته التاء إن أمن اللبس (1) إذن فإلحاق تاء التأنیث عند التصغیر خاص بالمؤنث فکیف تلحق «قدّام ووراء» مع أن عدد أحرف کل منهما فوق ثلاثه أحرف؟

وقد تنبّه ابن سیده فی مخصصه لهذه النقطه ، «فإن قال قائل فکیف جاز دخول الهاء فی التصغیر علی ما هو أکثر من ثلاثه أحرف؟ قیل له : المؤنث قد یدل فعله علی التأنیث وإن لم یصغر ولم تکن فیه علامه التأنیث کقولنا : لسعت العقرب وطارت العقارب ، والظروف لا یخبر عنها بأخبار تدل علی التأنیث ، فلو لم یدخلوا علیها الهاء فی التصغیر لم یکن علی تأنیثها دلاله (2).

وکذلک أشار المبرد إلی هذه النقطه فقال بعد أن تحدث عن عدم إلحاق الهاء بخلف عند التصغیر «ألا تراها قد لحقت فی الظروف ما جاوز الثلاثه للدلاله علی التأنیث ، فقلت فی «قدّام» قدیدیمه وفی «وراء» وریئه وتقدیرها وریّئه» (3).

ص: 72

ومن الظروف الوارده فی هذا الموضوع : «إذا ولدن وعن» إذا جعلت اسما بدخول حرف الجر علیها ، لأن حرف الجر لا یدخل علی حرف الجر. قال الشاعر :

ولقد أرانی للرماح دریئه

من عن یمینی تاره وأمامی (1)

أی من جانب یمینی (2) والشاهد فی البیت هو دخول حرف الجر «من» علی «عن» مما یدل علی اسمیه «عن» لأن الحرف لا یدخل علی الحرف.

و «عن» هنا یعنی «جانب». ولذلک قال سیبویه «ومثلهن (أی مثل الظروف) عن فیمن قال من عن یمینه وکذلک «منذ» فی لغه من رفع لأنها کحیث» (3) ومعنی قول سیبویه ک- «حیث» أن لمذ ومنذ استعمالین :

الأول : أن یکونا حرفی جر ، ولا یجران إلا الاسم الظاهر کما قال ابن مالک :

بالظاهر اخصص منذ مذ وحتی

والکاف والواو وربّ والتا

فمنذ ومذ من حروف الجر التی لا تجر إلا الظاهر ، وهما مختصان بأسماء الزمان ، «فإن کان اسم الزمان حاضرا کانا بمعنی «فی» نحو «ما رأیته منذ یومنا» أی فی یومنا. وإن کان الزمان ماضیا کان بمعنی «من» نحو «ما رأیته مذ یوم الجمعه» أی من یوم الجمعه (4) وأحیانا» قد یکون اسم الزمان مقدرا کقولنا : ما رأیته منذ حدث کذا أی ما رأیته منذ زمان حدث کذا.

ص: 73

والثانی : أن یکونا اسمین وذلک إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا أو وقع بعدهما فعل ، فمثال الأول «ما رأیته مذ یوم الجمعه ، أو مذ شهرنا ، فمذ : مبتدأ خبره ما بعده ، وکذلک «منذ» ، وجوّز بعضهم أن یکونا خبرین لما بعدهما ، ومثال الثانی «جئت مذ دعا» ف- «مذ» اسم منصوب المحل علی الظرفیه والعامل فیه «جئت» (1).

ویقول ابن السراج : و «وحیث وإذا وعند وعن ، فیمن قال من عن یمینه ، ومنذ فی لغه من رفع ، تصرف الجمیع ، تحمله علی التذکر حتی یتبین غیره» (2) مصداقا لقول سیبویه : «ولو لم تجد فی هذا الباب ما یؤکد التذکیر لکان أن یحمله علی التذکیر أولی حتی یتبین لک أنه مؤنث» (3).

ومن الظروف المذکوره «أین وکیف ومتی» عندنا لأنها ظروف وهی عندنا علی التذکیر ، وهی فی الظروف بمنزله ما ومن فی الأسماء ، فنظیرهن من الأسماء غیر الظروف مذکر ، والظروف قد تبین لنا أن أکثرها مذکر حیث حقّرت فهی علی الأکثر وعلی نظائرها» (4) وبینما نجد أن سیبویه قد ذکر هذه الظروف الثلاثه نجد أن المبرد قد اقتصر علی ذکر «متی» وذلک من واقع تسمیته التی تختلف عن تسمیه سیبویه ، فقد سماه سیبویه «هذا الباب تسمیتک الحروف بالظروف وغیرها من الأسماء» بینما سماه المبرد «تسمیه الحروف» وأدمج فیه ذکر الحروف والظروف معا. لکن نجد أن أبا إسحاق الزجاج قد أفرد لهذا الموضوع وحده

ص: 74

جوانب بصوره أکثر دقه فقال : «هذا باب تسمیه الکلم بالظروف» ولذلک اقتصر کلامه فی هذا الباب علی ذکر الظروف فقط ، بینما رأینا الدمج عند المبرد بصوره کبیره لدرجه أنه تحدث عن «أنّ ولیت ولعلّ» التی أفرد لها سیبویه بابا خاصّا تحدث عنها فی أثناء حدیثه عن الظروف.

وذکر سیبویه بعد الظروف ألفاظا أخری غیر ظرفیه سنبینها فیما بعد عند ما ننتهی من ذکر بقیه الظروف.

قال المبرد : «فأما (متی) فلا ینصرف اسم کلمه بوجه من الوجوه ، وینصرف اسم حرف ؛ لأنه مثل «جمل وقدم» لا ینصرفان اسمین لامرأتین فی قول من الأقاویل ألبته (1) وتابع تحدیده لمعالم هذه الکلمه وحدّ «متی» وهذه الظروف کلها أن تکون مذکرات ، لأنها أسماء الأمکنه ، وأوقات إلا ما دخل علیه منها حرف تأنیث ، کاللیله والساعه والغداه والعشیه کما قلت لک فی : قدیدیمه ووریّئه (2).

وعند ما ننتقل إلی الزجاج نجد أنه قد تکلم عن الظرفین «کیف وأین» ولم یذکر «متی» بخلاف المبرد ، قال الزجاج : «فإذا سمیت رجلا ب- «کیف أو أین» صرفته فی المعرفه والنکره وأعربته ، فقلت : «هذا کیف قد جاء وهذا أین» (3) إذن الصرف والإعراب فی حالتی المعرفه والنکره إذا سمینا بهما مذکرا حیث تنعدم عله التأنیث وتبقی عله العلمیه دون عله أخری تقویها. ولذلک نری الحکم مختلفا إذا سمینا بها مؤنثا : «فإذا سمیت

ص: 75

کلمه ب. «کیف» أو «أین» فالاختیار أن تقول «هذه کیف وأین» معرب غیر منون (1) هاتان حالتان عند التسمیه ب- «کیف وأین» الحاله الأولی عند ما نسمی بهما رجلا (مذکر) والثانی : عند ما نسمی بهما کلمه (مؤنث). والحاله الثالثه التی أوردها الزجاج بقوله «وإن جعلت کیف اسما للحرف قلت : «هذا کیف» معرب منون ؛ لأنک سمیت مذکرا بمذکر وفیها وجهان آخران : أحدهما : الحکایه تقول : «هذه کیف وأین» ترید هذه التی تلفظ بها ، فیقال فیها «کیف زید» ، و «کیف» هذه التی تلفظ بها فنقول «أین زید».

والوجه الآخر : أن تقول : «هذه کیف یا فتی» أی هذه علامه هذا اللفظ ثم تحذف علامه وتقیم «کیف» مقامها» (2).

وذکرنا فیما مضی أن سیبویه قد جعل هذا الباب لتسمیه الحروف بالظروف وغیرها من الأسماء إذن فهو لم یخصصه للتسمیه بالظروف ولذلک ذکر جمله من الأسماء غیر الظروف بعد حدیثه عن التسمیه بالظروف وما یترتب علیها من أحکام نحویه خاصه بجواز الصرف وعدم الصرف ، لکن الملاحظ أنه قد وضع قاعده الممنوع من الظروف بعد ذکر الظروف والأسماء غیر الظروف ، فکأنه قد نظر إلیها جمیعا من ناحیه القاعده نظره واحده. قال سیبویه : «وأما الأسماء غیر الظروف فنحو «بعض وکل وأی وحسب» ألا تری أنک تقول : أصبت حسبی من الماء ، و «قط» کحسب وإن لم تقع فی جمیع مواقعها ولو لم تکن اسما لم تقل

ص: 76

قطک درهمان فیکون مبنیّا علیه» (1). وقد بیّن هنا اسمیه «حسب وقط» مستدلا علی ذلک بدخول الإسناد فقال فی حسب «حسبک» وفی قط «قطک درهمان» ولذلک قال : «ولو لم تکن اسما لم تقل قطک درهمان» (2) ، لکن الاختلاف بین الاسمین کما یقول : إن «حسب أشد تمکنا ألا تری أنها تدخل علیها حروف الجر تقول بحسبک وتقول مررت برجل حسبک فتصف به. وقط لا تمکن هذا التمکن» (3) ف- «حسب» اسم معرب لتمکنه ، و «قط» اسم مبنی لعدم تمکنه.

وفی أثناء حدیثه عن الأسماء غیر المصروفه تطرق إلی حرف الجر «علی» وبیّن أنه «بمنزله فوق» (4).

ومن الحروف التی انفرد المبرد بذکرها فی هذا الباب «کم» فإن سمیت رجلا ، أو حرفا (کم) فالإعراب والصرف ، تقول : «هذا کم فاعلم ورأیت کما» (5).

والحقیقه أن حکم «علی» کحکم «عن» هما فی الأصل حرف جر کما قال ابن مالک فی ألفیته :

هاک حروف الجر وهی : من ، إلی

حتی، خلا، حاشا، عدا، فی، عن، علی (6)

ص: 77

فقد ذکرهما ضمن حروف الجر. ولکن قد یخرجان عن هذا الأصل فیکونان اسمین بدخول حرف الجر علیهما ؛ لأن حرف الجر لا یدخل علی حرف الجر کما بیّنا هذا الحکم فی «عن». ومن الشواهد الداله علی اسمیه «علی» قول الشاعر :

غدت من علیه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قیض بزیزاء مجهل (1)

والمقصود من ذکر هذا البیت هنا هو قوله «من علیه» حیث جاء «علی اسما بمعنی «فوق» بدلیل دخول حرف الجر علیه.

وخلاصه القول «أن جمیع ما ذکرنا لا ینصرف منه شیء إذا کان اسما للکلمه وینصرف جمیع ما ذکرنا فی المذکر إلا أن وراء وقدام لا ینصرفان ، لأنهما مؤنثان وأما ثم وأین وحیث ونحوهن إذا صیّرن اسما لرجل أو امرأه أو حرف أو کلمه فلابد لهن من أن یتغیرن عن حالهن ، یصرن بمنزله زید وعمرو لأنک وضعتهن بذلک الموضع» (2).

ص: 78

«سوره» هو عدم التطابق بین المبتدأ والخبر فی التذکیر والتأنیث ، فاسم الإشاره «هذه» مؤنث و «الرحمن» مذکر ولهذا قدرنا «سوره» لیتم التطابق.

«لأنه اجتمع فیه العجمه والتأنیث» (1) فالتأنیث (بجعله اسما للسوره) هو الذی أدی إلی منعه من الصرف ولیس العجمه وإلا فلماذا یصرف إذا کان اسما لمذکر مع وجود «العلمیه والعجمه» وهما علتان کافیتان لمنع الاسم من الصرف إذا توافرت الشروط ، ومنها زیاده الأحرف علی ثلاثه أحرف ، ولهذا کان «یونس وإبراهیم» غیر مصروفین سواء جعلناهما للسوره (مؤنث) أو للرجل (مذکر).

وأکد الزجاج هذا الرأی فقال : «تقول : «هذه هود» «هذه نوح» إذا أردت «سوره هود» و «سوره نوح» ثم حذفت «سوره» وأقمت «هودا» و «نوحا» اسما للسوره لم تصرف. فقلت : «هذه هود یا هذا» بغیر تنوین ، و «قرأت هود یا هذا ونوح یا هذا» وإنما لم تصرفه ، لأن السوره مؤنثه وهی معرفه فصار «هود» و «نوح» اسمین مؤنثین وهما معرفتان» (2). وذکر ذلک ابن السراج فی أصوله : «تقول : قرأت هودا ، إذا أردت سوره «هود» فحذفت سوره ، وإن جعلته اسما للسوره لم تصرف ، لأنک سمیت مؤنثا بمذکر» (3) .. ویقول فی موضع آخر : «وإن جعلت «هودا» اسم السوره لم تصرفه ، لأنها بمنزله امرأه سمیتها بعمرو وکذا حکم «نوح» ونون» (4).

ویلخص لنا ابن سیده هذه المسأله بقوله : «ومما مضی نعلم أن أسماء السور تأتی علی ضربین :

ص: 81

أحدهما : أن تحذف السوره وتقدر إضافتها إلی الاسم المبقی فتحذف المضاف وتقیم المضاف إلیه مقامه.

والآخر : أن یکون اللفظ المبقی اسم السوره ولا تقدر إضافه ، فإذا کانت الإضافه مقدره ، فالاسم المبقی یجری فی الصرف ومنعه علی ما یستحقه فی نفسه إذا جعل اسما للسوره فهو بمنزله امرأه سمیت بذلک فأمّا یونس ویوسف وإبراهیم فسواء جعلتها اسما للسوره أو قدرت الإضافه فإنها لا تنصرف ، لأن هذه الأسماء فی أنفسها لا تنصرف ، فأما هود ونوح فإن قدرت فیهما الإضافه فهما منصرفان کقولک : هذه هود ، لأنک ترید هذه سوره هود وقرأت سوره هود .. وإذا جعلتهما اسمین للسوره فهما لا ینصرفان علی مذهب سیبویه ومن وافقه ممن یقول إن المرأه إذا سمیت «بزید» تصرف ولا تصرف ، فهو یجیز فی «نوح وهود» إذا کانا اسمین للسورتین أن یصرف ولا یصرف وکان بعض النحویین یقول إنها لا تصرف ، وکان من مذهبه أن «هندا» لا یجوز صرفها ولا صرف شیء من المؤنث یسمی باسم علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن ، کان ذلک الاسم مذکرا أو مؤنثا ، ولا یصرف دعدا ولا جملا ولا نعما» (1).

هذا النص یحتوی علی جمله أمور قد بیّنا أکثرها فیما مضی ، ولکن هناک نقطه ینبغی الوقوف عندها قلیلا ، وهی مسأله العلم المؤنث الثلاثی ساکن الوسط وقد تکلمنا عنها سابقا ولکن نعیدها هنا لارتباطها بأسماء السور.

ص: 82

نحن نعلم أن المؤنث الثلاثی ساکن الوسط کهند ودعد یجوز فیه الصرف والمنع علی مذهب سیبویه. وبناء علی ذلک فلو سمینا مؤنثا بعلم مذکر ثلاثی ساکن الوسط «کزید وعمرو وهود» فإنه ینطبق علیه نفس القاعده السابقه من جواز الصرف وعدمه.

لکن ذهب بعض النحاه إلی أن «هند ودعد» وغیرهما من الأعلام المؤنثه الثلاثیه ساکنه الوسط لا یجوز صرفها. وعلی هذا فلا یجوز صرف علم مذکر ثلاثی ساکن الوسط سمینا به مؤنثا «کزید وعمرو وهود» وترتب علی هذه القاعده وجوب منع الصرف فی «هود ونوح» إذا جعلا اسمین للسوره. و «أما حم» فلا ینصرف جعلته اسما للسوره أو أضفته إلیه ، لأنهم أنزلوه بمنزله اسم أعجمی نحو «هابیل وقابیل». وقال الشاعر (وهو الکمیت) :

وجدنا لکم فی آل حمیم آیه

تأولها منا تقی ومعرب (1)

«الشاهد فی ترک صرف حمیم ؛ لأنه وافق بناء ما لا ینصرف من الأعجمیه نحو «هابیل وقابیل» وما أشبهه ، یقول هذا لبنی هاشم وکان هاشما فیهم ، وأراد بآل حمیم السور التی أولها حمیم فجعل «حم» اسما للکلمه ، ثم أضاف السور إلیها إضافه النسب إلی قرابه ، کما تقول : آل فلان» (2).

وقال :

أو کتبا بیّن من حامیما

قد علمت أنباء إبراهیما (3)

ص: 83

الشاهد فی ترک صرف «حامیم» علی ما تقدم ، ذکر أن القرآن ، وما تضمنه من أمر النبی علیه الصلاه والسّلام معلوم عند أهل الکتاب ، وخص سور حامیم لکثره ما فیها من القصص والنبیین ، وأراد بأبناء إبراهیم أهل الکتاب من بنی إسرائیل لأنهم من ولد إسرائیل وهو یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم (1).

وقال المبرد : «وأما «حامیم» فإنه اسم أعجمی لا ینصرف للسوره جعلته أو للحرف ولا یقع مثله فی أمثله العرب لا یکون اسم علی فاعیل ، فإنما تقدیره تقدیر هابیل» (2) ومثل «حامیم» فی الحکم «طس» و «یس» إذا جعلا اسمین. واعلم أنه لا یجیء فی کلامهم علی بناء «حامیم» و «یاسین» وإن أردت فی هذا الحکایه ترکته وقفا علی حاله (3). لأنها حروف مقطعه مبنیه.

وقد یجوز کما قرأ بعضهم أن نقول : یاسین والقرآن ، وقاف والقرآن فکأنه عدهما أسماء أعجمیه ممنوعه من الصرف لذلک ، وهی منصوبه بفعل مقدر «فکأنه جعله اسما أعجمیّا ثم قال «أذکر یاسین» (4). وفی ذلک یقول ابن سیده : «وحکی أن بعضهم قرأ یاسین والقرآن ، وقاف والقرآن ، فجعل «یاسین» اسما غیر منصرف وقدر «أذکر یاسین» وجعل قاف اسما للسوره ولم یصرف ، وکذلک إذا فتح «صاد» ویجوز أن یکون «یاسین وقاف وصاد» أسماء غیر متمکنه علی الفتح کما قالوا : کیف وأین» (5).

ص: 84

وکذلک عند التسمیه بحامیم فهو لا ینصرف «وذلک فی قولک فی رجل یسمی «حامیم» «هذا حامیم مقبلا» ، لأنه أعجمی» (1). فالأعجمیه مع العلمیه أدت إلی منعه من الصرف کما أدت إلی المنع فی نحو «طاسین ویاسین». قال ابن السراج : «وإن سمیت» بحامیم لم ینصرف لأنه أعجمی نحو «هابیل» وإنما جعلته أعجمیّا لأنه لیس من أسماء العرب. وکذلک : طس ، وحس ، وإن أردت الحکایه ترکته وقفا» (2).

کما رأینا ذلک عند سیبویه فیما مضی ، وکما یقول القیسی فی مشکل إعراب القرآن : «ولکن لم ینصرف ، لأنه (أی حامیم) اسم للسوره فهو اسم مؤنث ، ولأنه علی وزن الاسم الأعجمی نحو : هابیل» (3).

وجاء فی الهمع : «الخامس (من أقسام أسماء السور) ما وازن الأعجمی کحمیم وطسین ویسن فأجاز ابن عصفور فیه الحکایه ، لأنها حروف مقطّعه ، وجوّز الشلوبین فیه ذلک والإعراب غیر مصروف لموازنته «هابیل وقابیل» وقد قرئ «یسین» بنصب النون ، وسواء فی جواز الأمرین أضیف إلیه سوره أم لا» (4). وجاء فی الارتشاف بخصوص نحو «یاسین وحامیم» ما یلی : «فإن وازن الأسماء الأعجمیه ، وأضفت إلیه «سوره» لفظا أو تقدیرا نحو : یاسین وحامیم» قال ابن عصفور : فالحکایه. وقال الأستاذ «أبو علی» الحکایه وإعرابه إعراب ما لا ینصرف وهو نص سیبویه ، قال : جعلته اسما للسوره أو أضفته إلیه.

ص: 85

والحکایه وإعرابه إعراب ما لا ینصرف ، وهو نص سیبویه ، قال : جعلته اسما للسوره أو أضفته إلیه. وقال الأستاذ أبو علی : لا یجوز الترکیب (1). ولم یرد اسم «حامیم» عند أبی إسحاق الزجاج فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» ولکن ذکر ما یجری مجراه فی الحکم مثل «طس ویس» إذ قال : فالأجود أن تقول «هذه طسین ویاسین» ولا تصرف وتجریها مجری الأسماء الأعجمیه نحو «هابیل وقابیل» (2).

إذن فالرأی فی «حامیم وطس ویس» الوقف علی الحکایه لأنها حروف مقطعه ، إعرابها إعراب ما لا ینصرف ، والعله المانعه التی وردت عند النحاه کم رأیناها العلمیه والعجمه لشبهها بهابیل وقابیل ، وهما الاسمان الممنوعان من الصرف ؛ وذلک لأن «حامیم» فی الأصل لیست عربیه کما یقول سیبویه : «ومما یدل علی أن حامیم لیس من کلام العرب ، العرب لا تدری ما معنی «حامیم» (3) وکذلک هی لیست أعجمیه : مثل قابیل وهابیل .. لهذا فإننا لو جعلنا العله المانعه من الصرف العلمیه والتأنیث وذلک فی حاله کونها علما للمؤنث لکانت أقوی ، بالإضافه إلی تنزیلها منزله الاسم الأعجمی ، فتلک عله مساعده للمنع من الصرف.

و «أما صاد فلا تحتاج إلی أن تجعله اسما أعجمیّا ؛ لأن هذا البناء والوزن من کلامهم ، ولکنه یجوز أن یکون اسما للسوره فلا تصرفه ، ویجوز أیضا أن

ص: 86

یکون «یاسین ، وصاد» اسمین غیر متمکنین فیلزمان الفتح کما ألزمت الأسماء غیر المتمکنه الحرکات نحو کیف وأین وحیث ولیس» (1).

ومن الصور الجائزه فی «صاد وقاف» تلک الصور التی ذکرها الزجاج فی «نون» فهی نفس حالات الإعراب الجائزه فی «صاد وقاف» وهی :

1) إعرابهما منونین وذلک علی نیه الإضافه مع حذف المضاف وإقامه المضاف إلیه مقامه فإذا قلنا : «هذه صاد وهذه قاف». فإنما نرید «هذه سوره صاد وهذه سوره قاف» ونحذف «سوره» ونقیم المضاف إلیه مقامه کما قلنا فی «هود» و «نوح».

2) أن نجعلهما اسما للسوره فنقول : «هذه صاد وتلک قاف». فهما ممنوعان من الصرف للعلمیه والتأنیث.

3) الوقف ، ونحن نرید حکایه الحرف علی ما کان یلفظ به فی السوره فنقول «هذه قاف یا هذا» و «هذه صاد یا هذا».

4) أن تصرفها وأنت ترید اسم السوره ، لأن «نون» مؤنثه فتصرفها فیمن صرف «هندا» وما یماثلها من المؤنث الثلاثی ساکن الوسط ، والأجود ترک الصرف للعلمیه والتأنیث (2).

وجاء فی معانی القرآن وإعرابه : «وقال أبو الحسن الأخفش : یجوز أن یکون صاد ، وقاف ، ونون أسماء للسور منصوبه إلا أنها لا تصرف کما لا تصرف جمله أسماء المؤنث» (3).

ولا یصح أن نجعل «صاد وقاف» أعجمیین «لأن هذا البناء والوزن فی

ص: 87

کلامهم فإن جعلت اسما للسوره لم نصرفه ، ویجوز أن یکون «یس وص» مبنیین علی الفتح لالتقاء الساکنین» (1) وذکر فی المخصص «ویجوز أن یکون «یاسین وقاف وصاد» أسماء غیر متمکنه بنیت علی الفتح کما قالوا : کیف وأین» (2) وجاء فی الهمع : الرابع (من أسماء السور) حرف الهجاء ک- «ص ون وق» فتجوز فیه الحکایه ، لأنها حروف فتحکی کما هی ، والإعراب لجعلها أسماء لحروف الهجاء ، وعلی هذا یجوز فیها الصرف وعدمه بناء علی تذکیر الحرف وتأنیثه وسواء فی ذلک أضیف إلیه سوره أم لا ، نحو «قرأت صاد أو سوره صاد» بالسکون والفتح» (3).

وجاء فی الکتاب : وأما «طسم» فإن جعلته اسما لم یکن بد من أن تحرک النون وتصیر میما کأنک وصلتها إلی طاسین فجعلتها اسما واحدا بمنزله دراب جرد ، وبعل بکّ وإن شئت حکیت ، وترکت السواکن علی حالها (4).

وفصّل الزجاج ذلک فقال : «فإذا قلت : «هذه طسم» فالأجود أن تفتح آخر سین وتضم آخر میم فنقول : «هذه طسین میم» فتجعل «طسین» اسما و «میم» اسما وتضم أحدهما إلی الآخر فتجریهما مجری «حضرموت» و «بعلبک» وإن شئت أسکنت کما أسکنت فی السوره» (5). وهذا ما ذهب إلیه ابن السراج فقال : فإن جعلت «طسم» اسما واحدا حرکت المیم بالفتح ، فصار مثل : دراب جرد وبعل بک ، وإن حکیت ترکت السواکن علی حالها (6).

ص: 88

والحقیقه أن «طسم» تجرّأ إلی اسمین الأول «طس» یستقل بنفسه ثم «میم» اسم آخر ثم یرکبان ترکیب «حضرموت وبعلبک» أی ترکیبا مزجیّا وفی ذلک یقول الزجاج : فالأجود أن تفتح آخر سین وتضم آخر «میم» فتقول : «هذه طسین میم» فتجعل «طسین» اسما و «میم» اسما وتضم أحدهما إلی الآخر فتجریهما مجری «حضرموت» و «بعلبک» وإن شئت أسکنت کما أسکنت فی السوره.

تلک هی الآراء فی «طسم» وکلها تدور حول نقطتین :

الأولی : منعها من الصرف لأنها رکبت ترکیبا مزجیّا کحضرموت وبعلبک فکوّن الترکیب المزجی مع العلمیه ثنائیّا مانعا من الصرف.

الثانیه : جعلها ساکنه علی الحکایه کما ترکت ساکنه علی حالها فی السوره. ومن الأسماء الوارده فی هذا الباب «کهیعص» فلا یجوز فیها إلا الحکایه ، وعلل سیبویه ذاکرا عدم جواز صور کثیره «إن جعلتها بمنزله «طاسین» لم یجز ، لأنهم لم یجعلوا «طاسین» کحضرموت ولکنهم جعلوها بمنزله «هابیل» و «قابیل» و «هاروت» وإن قلت أجعلها بمنزله «طاسین» زیم» لم یجز لأنک وصلت میما إلی «طاسین». ولا یجوز أن تصل خمسه أحرف إلی خمسه أحرف ، فتجعلهن اسما واحدا ، وإن قلت أجعل الکاف والهاء اسما ثم أجعل الیاء والعین اسما ، فإذا صارا اسمین ضممت أحدهما إلی الآخر فجعلتهما کاسم واحد لم یجز ذلک ؛ لأنه لم یجئ مثل حضرموت فی کلام العرب موصولا بمثله ، وهو أبعد ؛ لأنک ترید أن تصله بالصاد فإن قلت أدعه علی حاله

ص: 89

وأجعله بمنزله إسماعیل لم یجز لأن إسماعیل قد جاء عده حروفه علی عده حروف أکثر العربیه نحو أشهیبات وکهیعص لیس علی عده حروفه شیء ، ولا یجوز فیه إلا الحکایه» (1). وقد عقب أبو سعید السیرافی علی کلام سیبویه وسبب تطویله احترازاته - کما أورد ذلک ابن سیده فی المخصص علی لسان أبی سعید : «طوّل سیبویه هذا الفصل لأنه أورد وجوها من الشبه علی ما ذهب إلیه فی حکایه (کهیعص) و (المر) وذلک أن أصل ما بنی علیه الکلام أن الاسمین إذا جعلا اسما واحدا فکل واحد منهما موجود مثله فی الأسماء المفرده ، ثم یضم أحدهما إلی الآخر ، فمن أجل ذلک أجاز فی «طسم» أن یکون اسمین جعلا اسما واحدا ، فجعل «طاسین» اسما بمنزله «هابیل» وأضافه إلی «میم» وهو اسم موجود مثله فی المفردات ، ولا یمکن مثل ذلک فی (کهیعص) و (المر) إذا جعل الاسمان اسما واحدا لم یجز أن یضم إلیهما شیء آخر فیصیر الجمیع اسما واحدا لم یجز لأنه لم یوجد مثل حضرموت فی کلام العرب موصولا بغیره. فقال سیبویه : لم یجعلوا «طاسین» کحضرموت فیضموا إلیها «میم» لئلا یقول قائل : إن اسمین جعلا اسما واحدا ثم ضم إلیهما شیء آخر ، وکأن قائلا قال : اجعلوا الکاف والهاء اسما ثم اجعلوا الیاء والعین اسما ، ثم ضموه إلی الأول فیصیر الجمیع کاسم واحد ثم صلوه بالصاد ، فقال : لم أر مثل حضرموت یضم إلیه مثله فی کلامهم ، وهذا أبعد ، بأن یضم إلیهما الصاد بعد ذلک. ثم

ص: 90

احتج علی من جعله بمنزله إسماعیل ، لأن لإسماعیل نظیرا فی أسماء العرب المفرده فی عده الحروف وهو أشهیبات : (کهیعص) لیس کذلک (1). إذن شرط ضم الاسمین إلی بعضهما البعض وجعلهما اسما واحدا ، أن یکون لکل اسم منهما مثیل فی اللغه ک- «طسم» بخلاف (کهیعص) حیث لا مثیل له. ومن ثمّ لا یجوز وصل خمسه أحرف إلی خمسه أحرف أخری لتجعلها جمیعا اسما واحدا لما فی ذلک من الثقل وعدم ورود الشبیه فی اللغه ، وأورد ابن سیده أن أبا علی الفارسی ذکر أن یونس کان یجیز (کهیعص) وتفرقه إلی «کاف ها یا عین صاد» فیجعل صاد مضموما إلی کاف کما یضم الاسم إلی الاسم ویعجل الیاء فیه حشوا أی لا یعتد به (2).

وجاء فی الهمع أن السبب فی منع إعراب «کهیعص وحم عسق» هو عدم وجود نظیر لهما فی الأسماء المعربه ولا ترکیب المزج ، لأنه لا یرکب أسماء کثیره (3).

ثم قال : «وأجاز یونس فی (کهیعص) أن تکون کلمه مفتوحه ، والصاد مضمومه ووجهه أن جعله اسما أعجمیّا وأعربه وإن لم یکن له نظیر فی الأسماء المعربه (4). فالسبب الذی جعل «یونس» یذهب إلی إعراب (کهیعص) هو أنه نظر إلیه علی أساس العجمه وإن لم یکن له نظیر فی الأسماء المعربه.

ص: 91

ولکن الرأی الأقوی هو ما ذهب إلیه سیبویه وجمهور العلماء من الحکایه وعدم جواز الإعراب ، والسبب کما علمنا هو منع ترکیب أسماء کثیره من ناحیه وعدم ورود الشبه فی الأسماء المعربه من ناحیه ثانیه.

ومن الأسماء الوارده أیضا «ن» ، فهی عند سیبویه تجری مجری «هند» لأن «نون» مؤنث بمنزله «هند» ، وهند مؤنث کما أن «نون» مؤنث سمیت بها مؤنثا وهی «سوره» ، وقد ذهب سیبویه إلی جواز الصرف والمنع فی «هند» وما ماثلها من الأعلام الثلاثیه المؤنثه ساکنه الوسط ومن هنا جوّز الأمرین فی «نون» لأنها منزّله منزله «هند» قال : «وأما نون فیجوز صرفها فی قول من صرف «هندا» لأن النون تکون أنثی «فترفع وتنصب» (1).

وجاء فی المقتضب «فأما (نون) فی قولک : قرأت نونا یا فتی فأنت مخیّر إن أردت سوره «نون» وجعلته اسما للسوره جاز فیه الصرف فیمن صرف «هندا» وتدع ذلک فی قول من لم یصرفها ، وکذلک صاد ، وقاف» (2) والحقیقه أن أوجه الإعراب الجائزه فی «نون» أربعه أوجه کالأوجه التی ذکرناها فی «صاد وقاف» وهی : الصرف علی نیه حذف المضاف وإقامه المضاف إلیه مقامه. والمنع من الصرف. والحکایه ، ثم الصرف علی رأی من صرف «هندا».

ومن أسماء السور التی انفرد الزجاج بذکرها فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» «طه» ، حیث ذکر «فإذا قلت : «هذه طه» فهی علی ضربین : إن

ص: 92

شئت حکیت ، وإن شئت جعلته اسما للسوره فلم تصرف. والحکایه فی هذا والإعراب سواء ، لأن آخره ألف فالتقدیر فیها ، إذا کانت معربه أنها فی موضع رفع» (1).

تلک إذن هی أسماء السور والتسمیه وموقعها من الصرف وعدمه وقد عرفنا أن غالبیتها فیها الحکایه بجانب منعها من الصرف إذا جعلت اسما للسوره باستثناء «کهیعص وحم عسق» فلیس فیهما إلا الحکایه ، والعلل المانعه لها من الصرف تدور حول العلمیه والتأنیث ، ثم تأتی علل أخری کالعجمه کما رأینا فی نحو «طس ویس».

وللسیوطی تقسیم لأسماء السور ذکرها فی الهمع فقال : أسماء السور أقسام :

أحدهما : ما فیه ألف ولام ، وحکمه الصرف کالأنفال والأنعام والأعراف.

الثانی : العاری منها ، فإن لم یضف إلیه سوره منع الصرف نحو : هذه هود ، وقرأت هود ، وإن أضیف إلیه سوره لفظا أو تقدیرا صرف نحو : قرأت سوره هود ما لم یکن فیه مانع ، فیمنع نحو قرأت سوره یونس.

الثالث : الجمله نحو : «قل أوحی إلیّ» ، «أتی أمر الله» فتحکی فإن کان أولها همز وصل قطع ؛ لأن همز الوصل لا یکون فی الأسماء إلا فی ألفاظ متعدده تحفظ ولا یقاس علیها ، أو فی آخرها تاء التأنیث قلبت هاء فی الوقف ؛ لأن ذلک شأن التاء التی فی الأسماء وتعرب لمصیرها أسماء ولا موجب للبناء ، وتمنع

ص: 93

الصرف للعلمیه والتأنیث نحو : «قرأت اقتربت» وفی الوقف «اقتربه».

الرابع : «حرف الهجاء ک- «ص ون وق» ، فتجوز فیه الحکایه ، لأنها حروف فتحکی کما هی ، والإعراب لجعلها أسماء لحروف الهجاء ، وعلی هذا یجوز فیها الصرف وعدمه بناء علی تذکیر الحرف وتأنیثه ، وسواء فی ذلک أضیف إلیه سوره أم لا ، نحو : قرأت صاد أو سوره صاد بالسکون والفتح منونا وغیر منون.

الخامس : ما وازن الأعجمی کحمیم وطسین ویسن فأوجب ابن عصفور فیه الحکایه لأنها حروف مقطعه ، وجوّز الشلوبین فیه ذلک والإعراب غیر مصروف لموازنته هابیل وقابیل. وقد قرئ یسن ینصب النون ، وسواء فی جواز الأمرین أضیف إلیه سوره أم لا.

السادس : المرکب ک- «طسیم» فإن لم یضف إلیه سوره ففیه رأی ابن عصفور ، والشلوبین فیما قبله ، ورأی ثالث ، هو البناء للجزئین علی الفتح کخمسه عشر ، وإن أضیف إلیه سوره لفظا أو تقدیرا ، ففیه الرأیان ، ویجوز علی الإعراب فتح النون وإجراء الإعراب علی المیم کبعلبک ، وإجراؤه علی النون مضافا لما بعده ، وعلی هذه فی «میم» الصرف وعدمه بناء علی تذکیر الحرف وتأنیثه ، أما «کهیعص وحم عسق» فلا یجوز فیهما إلا الحکایه سواء أضیف إلیها سوره أم لا ، ولا یجوز فیهما الإعراب ، لأنه لا نظیر لهما فی الأسماء المعربه

ص: 94

ولا ترکب المزج لأنه لا یرکبه أسماء کثیره ، وأجاز یونس فی «کهیعص» أن تکون کلمه مفتوحه ، والصاد مضمومه ، ووجهه أنه جعله اسما أعجمیّا وأعربه ، وإن لم یکن له نظیر فی الأسماء المعربه (1).

* * *

ص: 95

وللمبرد توضیح آخر وتعلیل لصرف الثلاثی فیقول : «وما کان مؤنثا لا علامه فیه سمیت به مذکرا ، وعدد حروفه ثلاثه أحرف فإنه ینصرف إذا لم تکن فیه هاء التأنیث ، تحرکت حروفه أو سکن ثانیها. وذلک نحو : دعد ، وشمس وقدم ، وقفا فیمن أنثها. إن سمیت بشیء من هذا رجلا انصرف وکذلک کل مذکّر سوی الرجل. فإن کان علی أربعه أحرف فصاعدا ومعناه التأنیث لم ینصرف فی المعرفه وانصرف فی النکره ، وذلک نحو رجل سمیته عقربا ، أو عناقا ، أو عقابا ، فإنه ینصرف فی النکره ، ولا ینصرف فی المعرفه وإنما انصرف فی الثلاثه لخفته ؛ لأن الثلاثه أقل أصول الأسماء» (1) فتحلیله لصرف الثلاثی هو الخفه لکونه ثلاثیّا ، ولو صرف ونون فإن ثقل التنوین (لأن التنوین عباره عن نون ینطق بها ولا تلفظ فهو إذن حرف) ، هذا الثقل تقابله خفه الثلاثی لیصیر التعادل بینها بخلاف الرباعی فهو ثقیل لکثره حروفه ولو نوّن لزاده ثقلا ، وهذا ما لا یریده العرب الذین یمیلون إلی الخفه. أضف إلی هذه العله عله أخری ذکرها سیبویه ، وهی عدول الاسم عن أصل وضعه ، فالاسم المؤنث وضع أصلا للمؤنث ، والمذکر خصصت له أسماء أخری عرف بها ، فتسمیه المذکر بالمؤنث عدول عن الأصل ، فهو ثقل معنوی بجانب الثقل اللفظی وهو التنوین ولهذا منع من الصرف ، وإذا علمنا أن الأصل هو الصرف والمنع فرع رأینا کیف حصلت المطابقه بینها حیث جعل الفرع وهو المنع من الصرف للفرع وهو المؤنث المسمی به مذکرا الزائد علی ثلاثه أحرف.

ص: 97

وهناک اسمان رباعیان سأل سیبویه الخلیل عنها «ذراع وکراع» أمذکران هما؟ أم مؤنثان؟ أم یجوز فیها أو فی أحدهما الوجهان؟ یقول سیبویه : وسألته عن ذراع. فقال : ذراع. فقال : ذراع کثر تسمیتهم به المذکر وتمکن فی المذکر ، وصار من أسمائه خاصه عندهم ، ومع هذا أنهم یصفون به المذکر ، فیقولون : هذا ثوب ذراع فقد تمکن هذا الاسم فی المذکر ، وأما کراع ، فإن الوجه فیه ترک الصرف ، ومن العرب من یصرفه یشبهه بذراع لأنه من أسماء المذکر وذلک أخبث الوجهین (1). فالواضح من جوانب الخلیل أن کلمه «ذراع» تمکنت فی المذکر وصارت من أسمائه ، وأحیانا یوصف بها المذکر فیقال : هذا ثوب ذراع.

وأما «کراع» فالغالب فیه ترک الصرف لتأنیثه ، وقد یصرف حین لا ینظر إلی تأنیثه تشبیها له بذراع ، ووصف هذا الرأی بأنه «أخبث الوجهین» ونجد فی شرح الکافیه تقسیما عقلیّا لمثل هذه الأسماء حیث تصور کل الصور الممکنه والحکم الإعرابی للاسم تبعا للصوره المقدره یقول الشارح (إن المصنف ترک شروطا لمنع صرف المؤنث إذا سمی به مذکر) (2) من ضمن هذه «وثالثها أن لا یغلب استعماله فی تسمیه المذکر به ، وذلک لأن الأسماء المؤنثه السماعیه کذراع وعناق وشمال وجنوب علی أربعه أضرب قسمه عقلیه إما أن یتساوی استعمالها مذکره ومؤنّثه فإذا سمی بها مذکر جاز فیها الصرف وترکه ، أو یغلب استعمالها مذکره فلا یجوز بعد تسمیه المذکر بها إلا الصرف ، أو یغلب استعمالها مؤنثه

ص: 98

فالوجه ترک الصرف إذا سمی بها مذکر ، وجاز الصرف أیضا ، أو لا تستعمل إلا مؤنثه فلیس فیها بعد تسمیه المذکر بها إلا منع الصرف» (1).

وذکر السیوطی أن الغالب فی «ذراع» التذکیر مع أنه فی الأصل مؤنث ثم غلب استعماله قبل العلمیه فی المذکر کقولهم : «هذا ثوب ذراع» أی قصیر ، فصار لغلبه الاستعمال کالمذکر الأصل ، فإذا سمی به رجل صرف لغلبه تذکیره قبل العلمیه (2).

ومن الأسماء المؤنثه التی أوردها سیبویه «ثمانی وثلاث» فقال : «وإن سمیت رجلا ثمانی لم تصرفه ؛ لأن ثمانی اسم مؤنث کما أنک لم تصرف رجلا اسمه «ثلاث» لأن ثلاثا «کعناق». فی کونه مؤنثا رباعیّا» (3).

وجاء عند الزجاج : «وکذلک «ثلاث» التی للعدد ، وکذلک «ثمان» التی للعدد تقول : «قد جاءنی ثلاث یا هذا» بغیر تنوین إذا کان اسما لرجل» (4).

وقال ابن سیده فی المخصص «وإن سمیت رجلا بثمان لم تصرفه ، لأن «ثمان» فهو کثلاث وعناق إذا سمیت بهما. قال الفراء : هو مصروف ، لأنه جمع وتصغیره ثلیث» (5).

ومن المسائل التی أدخلها سیبویه هنا مسأله تصغیر «حباری» وجعله

ص: 99

علما لرجل فقال : «ولو سمیت رجلا حباری ثم حقرته فقلت حبیّر لم تصرفه لأنه لو حقرت الحباری نفسها فقلت : حبیّر کنت إنما تعنی المؤنث ، فالیاء إذا ذهبت فإنما هی مؤنثه کعنیّق» (1). وأوضح ابن سیده هذه المسأله فی مخصصه قال : «قال سیبویه : ولو سمیت رجلا حباری لم تصرفه ؛ لأنه مؤنث وفیه علامه التأنیث الألف المقصوره ، فإن حقرته حذفت الألف فقلت : «حبیر» لم تصرفه أیضا ، لأن حباری فی نفسها مؤنث فصار بمنزله عنیق ولا علامه فیها للتأنیث» (2). فکلمه «حباری» مؤنثه فی ذاتها ووجود الألف قوی تأنیثها ، ولذلک فعدم وجودها عند التصغیر لم یؤثر فی منع الاسم من الصرف ، مثل الأعلام المؤنثه المختومه بتاء التأنیث نحو : فاطمه وعائشه وطاهره ، فهی أعلام مؤنثه فی ذاتها والتاء فی آخرها تؤکد ذلک ، وأورد سیبویه مجموعه من الأسماء التی غلب علیها التأنیث ولذلک هی ممنوعه من الصرف إذا سمی الرجال بأحدها. قال : «وإذا سمیت رجلا بسعاد أو زینب أو جیأل ، وتقدیرها جیعل لم تصرفه من قبل أن هذه الأسماء کانت تمکنت فی المؤنث واختص بها ، هی مشتقه ولیس شیء منها یقع علی شیء مذکر کالرباب والثواب والدلال ، فهذه الأشیاء مذکره ولیست سعاد وأخواتها کذلک لیست بأسماء للمذکر ، ولکنها اشتقت فجعلت مختصّا بها المؤنث فی التسمیه ، فصارت عندهم کعناق. وکذلک تسمیتک رجلا بمثل «عمان» ، لأنها لیست بشیء مذکر معروف ولکنها مشتقه لم تقع إلا علما لمؤنث وکان الغالب علیها المؤنث فصارت عندهم حیث

ص: 100

لم تقع إلا لمؤنث کعناق لا تعرف إلا علما لمؤنث کما أن هذه مؤنثه فی الکلام فإن سمیت رجلا برباب أو دلال صرفته لأنه مذکر معروف» (1).

فقد ذکر جمله من الأسماء متمکنه فی التأنیث ومختصه به وهی ممنوعه من الصرف إذا سمی بها الرجل من مثل : سعاد ، زینب ، جیأل وکذلک عمان. فهذه الأسماء کما یقول سیبویه لم تقع إلا علی المؤنث.

وجاء فی شرح المفصل نفس تلک القاعده الوارده عند سیبویه : «ولو سمیت رجلا بزینب وسعاد لم تصرفهما أیضا لغلبه التأنیث علی الاسم فکذلک لو سمیته بعناق لکن حکمه حکم سعاد فی غلبه التأنیث فلا ینصرف» (2).

وجاء فی المخصص : «وأما ما صیغ لتعریف المؤنث ولم یکن قبل ذلک اسما فنحو سعاد وزینب وجیأل وتقدیرها جیعل إذا سمیت بشیء من هذا رجلا لم ینصرف فی المعرفه ، لأن سعاد زینب اسمان للنساء ولم یوضعا علی شیء یعرف معناه ، فصارا لاختصاص النساء بهما بمنزله اسم الجنس الموضوع علی المؤنث. وجیأل اسم معرفه موضوع علی الضبع وهی مؤنث ولم یوضع علی غیرها فهی کزینب وسعاده» (3).

لأنها فی الأصل صفات مذکره وصف بها المؤنث : یقول سیبویه : «واعلم أنک إذا سمیت المذکر بصفه المؤنث صرفته ، وذلک أن تسمی رجلا بحائض أو طامث أو متئم فزعم أنه إنما یصرف هذه الصفات ؛ لأنها مذکره وصف بها المؤنث کما یوصف المذکر بمؤنث لا یکون إلا لمذکر وذلک نحو قولهم : رجل نکحه ، ورجل ربعه ، ورجل خجأه ، فکأن هذا المؤنث وصف لسلعه أو لعین أو لنفس وما أشبه هذا ، وکأن المذکّر وصف لشیء فکأنک قلت هذا شیء حائض ثم وصفت به المؤنث ، کما تقول : هذا بکر ضامر ، ثم تقول ناقه ضامر» (1).

ثم بین العله فی صرف هذه الصفات عند تسمیه المذکر بها علی لسان الخلیل «وزعم الخلیل أن فعولا ومفعالا إنما امتنعا من الهاء ، لأنهما إنما وقعا فی الکلام علی التذکیر ولکنه یوصف به المؤنث کما یوصف بعدل وبرضا ، فلو لم تصرف حائضا لم تصرف رجلا یسمی قاعدا إذا أردت القاعد من الزوج ، ولم تکن لتصرف رجلا یسمی ضاربا إذا أردت صفه الناقه الضارب ، ولم تصرف أیضا رجلا یسمی عاقرا ، فإن ما ذکرت لک مذکّر وصف به مؤنّث کما أن ثلاثه مؤنث لا یقع إلا لمذکرین» (2) فقد شبه صرف الصفات السابقه وهی «حائض وطامث» بصرف نحو «عاقر وضارب وقاعد» لأنها صفات مذکره وصف بها المؤنث.

وذکر أبو سعید السیرافی فی حاشیه الکتاب تعلیقا علی قول سیبویه (لأنها مذکره وصف بها المؤنث ... إلخ) : «ومن الدلیل علی ذلک أنا

ص: 102

ندخل علی حائض «الهاء» إذا أردنا به الاستقبال فقول : «هذه حائضه غدا» فلما احتمل حائض دخول الهاء علیها علمنا أنها مذکّر وکذلک یقال : امرأه طالق» (1).

وذکر فی المخصص : «وإن کانت تلک الصفه لا تکون إلا لمؤنث ، وذلک أن تسمیه بحائض أو طامث أو متئم ، وذکر أن تقدیره إذا قلت مررت بامرأه حائض وطامث ومتئم بشیء حائض ، وکذلک ما وصف من المذکر بمؤنث کقولهم رجل نکحه ورجل ربعه ورجل خجأه ، أی کثیر الضراب ، وکأن هذه الصفه وصف لمؤنث کأنک قلت : هذه نفس خجأه ، وقد روی عن النبی صلّی الله علیه وسلّم أنه قال : «لا یدخل الجنه إلا نفس مسلمه» وذلک واقع علی المذکر والأنثی ... وتابع کلامه فقال : «ومن الدلیل علی ما قاله سیبویه أنّا ندخل علی حائض الهاء إذا أردنا بها الاستقبال فنقول : هذه حائضه غدا» فلما احتمل دخول الهاء علیها علمنا أنها مذکر وعلی أنها قد تؤنث لغیر الاستقبال قال الشاعر :

رأیت ختون العام والعام قبله

کحائضه یزنی بها غیر طاهر (2)

وکذلک یقال : امرأه طالق وطالقه ، فلما کانت الهاء تدخل علی هذا النحو علمنا أنها إذا أسقط الهاء منها صار مذکّرا (3).

ونلاحظ أن ابن سیده قد أدخل بین هذه النقطه الخاصه بنحو «حائض»

ص: 103

والنقطه التی أوردها سیبویه علی لسان الخلیل والتی شبه بها تسمیه الرجل بحائض وطامث بالتسمیه بنحو عاقر وضارب وقاعد وغیرها من الصفات المذکّره الموضوعه لإناث. أدخل ابن سیده مسأله أخری هی الخاصه بذراع وکراع وثمان. وکأنها نقطه مقحمه بینها.

وجاء فی الأصول لابن السراج : «وإن سمیت رجلا بطالق وطامث فالقیاس صرفه ، لأنک قد نقلته عن الصفه ، وهو فی الأصل مذکر وصف به مؤنث» (1) ، وهذا هو رأی النحاه البصریین ، وأما الکوفیون فیمنعونها من الصرف کما جاء فی الارتشاف : «وإن کان وصفا خاصّا بالمؤنث نحو حائض وطامث وطالق ، سمیت به مذکرا انصرف خلافا للکوفیین فإنه یمنع الصرف عندهم» (2).

وبخصوص التسمیه بنحو «طالق وطامث» جاء فی شرح الکافیه ما یلی : «وکذا لو سمیت بنحو حائض وطالق مذکرا انصرف ؛ لأنه فی الأصل لفظ مذکّر وصف به المؤنث إذ معناه فی الأصل شخص حائض ؛ لأن المطرد فی الصفات أن یکون المجرد من التاء منها صیغه المذکر وذو التاء موضوعا للمؤنث ، فکل نعت لمؤنث بغیر التاء فهو صیغه موضوعه للمذکر استعملت للمؤنث» (3).

فخلاصه القول فی التسمیه بنحو «طامث ومتئم» هی صرفها ؛ لأنها فی

ص: 104

الأصل صفات مذکّره وضعت للإناث فعند تسمیه المذکّر بها فإنها ترجع إلی الأصل وهو الترکیز فتصرف. وتلک هی النقطه الأولی.

والنقطه الثانیه هی التسمیه المذکر بأسماء الریاح نحو «جنوب وشمال ، وحرور ، وسموم ، وقبول ، ودبور ، إذا سمیت رجلا بشیء منها صرفته ، لأنها صفات فی أکثر کلام العرب سمعناهم یقولون : هذه ریح حرور ، وهذه ریح شمال ، وهذه ریح الجنوب ، وهذه ریح سموم ، وهذه ریح جنوب ، سمعنا ذلک من فصحاء العرب لا یعرفون غیره قال الأعشی :

لها زجل کحفیف الحصا

د صادف باللّیل ریحا دبورا (1)

والشاهد فیه هو قوله «دبورا» حیث جعله وصفا للریح ، وعلیه فلو سمی المذکّر بهذا الوصف لانصرف فی المعرفه والنکره لأنه صفه مذکّره وصف بها مؤنث مثلها فی ذلک مثل «طالق وطامث». أما إذا جعل «دبور» وغیرها کم الصفات السابقه الخاصه بالریاح أسماء وسمی بها مذکر فإنها تمنع من الصرف ؛ لأنها تصیر بمنزله عقرب وعناق وذراع وغیرها. ومن الشواهد التی وردت فیها «الجنوب» اسما ما أورده سیبویه :

ریح الجنوب بها وغیّر آیها

صرف البلی تجری به الریحان

ریح الجنوب مع الشمال وتاره

رهم الربیع وصائب التهتان (2)

«والشاهد فیه إضافه الریح إلی الجنوب للتخصیص ؛ لأن الریح تکون

ص: 105

جنوبا وغیر جنوب فأضافها إلی نوعها للتبیین ، ودلّ بالإضافه إلیها علی أنها اسم ؛ لأن الشیء لا یضاف إلی صفته ویضاف إلی اسمه تأکیدا للاختصاص» (1).

ویعلق سیبویه علی ذلک قوله : «فمن جعلها أسماء لم یصرف شیئا منها اسم رجل وصارت بمنزله الصّعود والهبوط والحرور والعروض» (2).

ویقول الزجاج فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» نقلا عن سیبویه : «أنها تستعمل صفات أکثر مما تستعمل أسماء ، فإذا سمیت رجلا «شمالا» أو «دبورا» أو «جنوبا» لم تصرفه علی هذا الوجه» (3). وأورد بعد ذلک شاهدین أحدهما أورده سیبویه فی نفس الموضوع وقد أشرنا إلیه فیما مضی وهو قول الأعشی :

لها زجل کحفیف الحصا

د صادف باللّیل ریحا دبورا (4)

والشاهد کما قلنا استعماله «دبورا» صفه ل- «ریحا» وهو الأکثر استعمالا. وأما الشاهد الثانی فهو قول النابغه الذبیانی :

عفا آیه ریح الجنوب مع الصّبا

وأسحم دان مزنه متصوّب (5)

والشاهد فیه هو ورود «الجنوب اسما بدلیل إضافه «ریح» إلیه لتخصیصه. وجاء فی «الهمع» بهذا الخصوص : «ولو سمی مذکر بما

ص: 106

هو اسم فی لغه ووصف فی لغه کجنوب ودبور وشمال وسموم وحرور ، فإنها عند بعض العرب أسماء للریح کالصعود والهبوط ، وعند بعضهم صفات جرت علی الریح وهی مؤنثه ففیه الوجهان المنع کباب زینب والصرف کباب حائض» (1).

وذکر فی المخصص لابن سیده نفس الکلام الذی ذکره سیبویه بهذا الخصوص «وکذلک جنوب وشمال وقبول ودبور وحرور وسموم إذا سمیت رجلا بشیء منها صرفته لأنها صفات فی أکثر کلام العرب سمعناهم یقولون : هذه ریح حرور ، وهذه ریح شمال ، وهذه الریح الجنوب ، وهذه ریح جنوب : سمعنا ذلک من فصحاء العرب لا یعرفون غیره» (2) ، ثم قال : «فمن أضاف إلیها جعلها أسماء ولم یصرف شیئا منها اسم رجل ، وصارت بمنزله الصعود والهبوط ، والحدور والعروض ، وهذه أسماء أماکن وقعت مؤنثه ، ولیست بصفات ، فإذا سمیت بشیء منها مذکرا لم تصرفه (3)».

وتأکیدا لهذا الکلام جاء فی الارتشاف «وما کان اسما علی لغه ، ووصفا علی لغه وذلک «جنوب وحرور وسموم ودبور وشمال» فإذا سمیت بها مذکرا انصرف علی تقدیر أنها أوصاف فصارت کحائض ، ومنعت الصرف علی تقدیر أنها أسماء فصارت کصعود مسمی به. وفی المخصص : جنوب وحرور وسموم وقبول ودبور أسماء فی قلیل

ص: 107

الکلام ، فإذا سمیت بها امتنعت الصرف وصفات فی کثیر الکلام ، فإذا سمیت بها انصرفت» (1).

ومما تقدم من أقوال النحاه یتضح لنا أن أسماء الریاح صفات غالبا بدلیل الوصف بها حیث نقول : ریح شمال أو جنوب أو سموم أو دبور ... إلخ. وعلی ذلک فلو سمینا مذکرا بإحدی هذه الصفات فإنها تصرف.

وقد تمتع علی قله عند التسمیه بها علی اعتبار اسمیتها عند بعض العرب کما قال سیبویه ، وبناء علیه فإنها تمنع من الصرف وصارت بمنزله الصعود والهبوط والعروض التی هی أسماء أماکن مؤنثه ، فکأنه عندئذ قد اجتمع فیها العلتان والحاله هذه هما العلمیه والتأنیث.

ومن المسائل الوارده فی هذا الباب التسمیه بجموع التکسیر وهل تمنع من الصرف عند التسمیه بها أم لا؟ وذلک کتسمیه الرجل «بخروق وکلاب وجمال» إلی غیر ذلک من جموع التکسیر ، والحکم فی ذلک هو الصرف کما یقول سیبویه : «واعلم أنک إذا سمیت رجلا خروقا أو کلابا أو جمالا صرفته فی النکره والمعرفه ، وکذلک الجماع کلّه ألا تراهم صرفوا أنمارا وکلابا وذلک أن هذه تقع علی المذکر ، ولیس یختص به واحد المؤنث فیکون مثله ألا تری أنک تقول : «هم رجال» فتذکر کما ذکرت فی الواحد فلما لم تکن فیه علامه التأنیث ، وکان یخرج إلیه المذکّر ضارع الذی یوصف به المؤنث ، وکان هذا مستوجبا للصرف» (2).

ص: 108

وجاء فی شرح الکافیه : «وکل جمع مکسّر خال من علامه التأنیث لو سمیت بها مذکرا انصرفت ، لأن تأنیثها لأجل تأویلها بجماعه ولا یلزم هذا التأویل بل لنا أن نؤولها بالجمع فیکون مذکرا ولم یبق التأنیث الحقیقی الذی کان فی المفرد ولا التذکیر الحقیقی فی نحو نساء ورجال بل تأنیثها باعتبار التأویل بالجماعه وهو غیر لازم کما ذکرنا» (1) إذن فعلّه صرف جموع التکسیر أن تأنیثها یحتاج إلی عله صرف جموع التکسیر أن تأویلها لیس بلازم أی یمکن تأویلها بالمؤنث وبالمذکر فالتأویلان المذکر والمؤنث غیر لازمین یجوز تأویل أیّ منهما ، بینما بیّن سیبویه أن عله صرفها أنها تقع علی المذکرین ولیست باسم یختص به واحد من المؤنث» (2).

ویقول ابن سیده کلاما مطابقا لکلام سیبویه : «وما کان من الجموع المکسره التی تأنیثها بالتکسیر إذا سمینا به مذکرا انصرف نحو خروق وکلاب وجمال. والعرب قد صرفت أنمارا وکلابا اسمین لرجلین ؛ لأن هذه الجموع تقع علی المذکرین ولیست باسم یختص به واحد من المؤنث فیکون مثله ، ألا تری أنک تقول «هم رجال» فتذکّر فی الواحد.

فلما لم یکن فیه علامه التأنیث وکان یخرج إلیه المذکر ضارع المذکر الذی یوصف به المؤنث ، وکان هذا مستوجبا للصرف (3).

ومثل تلک المجموع السابقه وحکمها فی الصرف ، التسمیه بعنوق جمع عناق فإنه مصروف کذلک جاء فی أصول ابن السراج : «فإن قلت ما نقول

ص: 109

فی رجل یسمی بعنوق عنوقا بمنزله خروق ؛ لأن هذا التأنیث هو التأنیث الذی یجمع به المذکر ولیس کتأنیث عناق ، ولکن التأنیث تأنیث الذی یجمع المذکرین ، وهذا التأنیث الذی فی عنوق تأنیث حادث ، فعنوق البناء الذی یقع للمذکرین والمؤنث الذی یجمع المذکرین» (1).

«وقال أبو العباس : إذا سمیت رجلا بنساء صرفته فی المعرفه والنکره لأن نساء اسم للجماعه ، ولیس لها تأنیث لفظ ، ولیس لها تأنیث لفظ ، وإنما تأنیثها من جهه الجماعه ، فهی بمنزله قولک : کلاب ، إذا قلت : بنی کلاب لأن تأنیثه کلاب إنما هو تأنیث جماعه» (2).

ویقول سیبویه : «فأما الطاغوت اسم واحد مؤنث یقع علی الجمیع کهیئه للواحد» (3) فإن سمینا بالطاغوت فإننا نمنعها من الصرف ؛ «لأن طاغوت اسم واحد مؤنث یقع علی الجمع والواحد ، ولیس له واحد من لفظه فیکسر علیه فصار بمنزله عناق» (4). فعله منع الطاغوت من الصرف کونه اسما مؤنثا یقع علی الواحد والمجموع.

* * *

ص: 110

ما أراه فی هذا الموضوع (1). وقال الزجاج بهذا الخصوص : «فأما ما کان علی ثلاثه أحرف سمیت به مذکّرا فذلک مصروف کائنا ما کان عجمیّا کان أو مؤنثا ، إلا ما ذکرنا من العدول نحو «عمر» أو «فعل» نحو «دئل» فإن هذا النحو لا ینصرف (2).

وفی موضوع تسمیه المذکر بالمؤنث نورد هذه الشروط التی یستلزم وجودها فی الاسم عند التسمیه به لکی یصیر ممنوعا من الصرف وقبل ذکر هذه الشروط فإننا سبق أن قلنا بأنه إذا سمی المذکر باسم مؤنث خال من التاء فإنه یصرف مطلقا أی کعمر ، أو ما کان علی وزن «فعل» کدئل فإن هذین النوعین یمنعان من الصرف.

أما ما کان زائدا علی أربعه أحرف فإنه یمنع من الصرف بالشروط التالیه :

1) أن یکون رباعیّا فأکثر ، حقیقه کزینب وسعاد ، أو تقدیر کجیل مخفف جیأل.

2) ألا یکون التذکیر هو الأصل فیه قبل استعماله علما مؤنثا ، ولا یعرف استعماله ، بغیر التذکیر قبل العملیه ، مثل : «دلال» علم امرأه فإنها منقوله من التذکیر وحده ، إذ أصلها مصدر ، ولم تستعمل مؤنثه فإن سمی بها بعد ذلک مذکر وجب صرفها.

3) ألا یکون من الأسماء التی تستعمل مذکره ومؤنثه قبل استعمالها علما

ص: 112

للمذکر ، نحو : ذراع ، فإنها مذکره مؤنثه ، فإن سمی بها مذکر وجب صرفها.

4) ألا یکون تأنیثه مبنیّا علی تأویل خاص یجعله غیر لازم ، کتأنیث أکثر جموع التکسیر ، مثل کلمه «رجال» فإن تأنیث «رجال» وأشباهها مبنی علی تأویله بالجماعه ، وهذا التأویل غیر لازم ، إذ یصحّ تأویله بالجمع ، والجمع مذکر. فإذا سمی مذکر بکلمه : «رجال» وجب صرفه (1).

ص: 113

فقال : رأیت دعدا وجاءتنی هند ، فیقول : خفّت هذه الأشیاء ؛ لأنها علی أقل الأصول ، فکان ما فیها من الخفه معادلا ثقل التأنیث.

ومن لم یصرف قال : المانع لما کثر عدته ، نحو : عقرب وعناق ، موجود فیما قلّ عدده ، کما کان ما فیه علامه تأنیث فی الکثیر العدد والقلیله سواء» (1) ، وجاء فی شرح الکافیه أن سیبویه والمبرّد والزجّاج قد أوجبوا منع العلم المؤنث ساکن الوسط فقال : «.. وذلک إذا کان ثلاثیّا ساکن الأوسط فلا یخلو إمّا أن یکون فیه عجمه أو لا فإن لم یکن فإن سمیت به مذکرا سواء کان حقیقیّا أو لا کهند إذا جعلته اسم رجل أو اسم سیف مثلا فلا خوف فی صرفه وإن سمیت به مؤنثا حقیقیّا أو غیره فالزجّاج وسیبویه والمبرّد جزموا بامتناعه من الصرف لکونه مؤنّثا بالموضوعین اللغوی والعلمی فظهر فیه أمر التأنیث وغیرهم خیروا فیه بین الصرف وترکه لفوات الساد مسد حرف التأنیف وما یسد مسد الساد» (2).

وقد ورد فی هذا النص أن سیبویه والمبرّد والزجّاج قد جزموا بمنع صرف المؤنث الثلاثی ساکن الوسط ، ولکننا حین ننظر إلی رأی سیبویه والمبرّد فإننا نلاحظ أنهما ترکا الأمر خیارا بین الصرف والمنع مع رجحان کفه المنع عند سیبویه کما رأینا فی النصین السابقین (3). إذن هما لم یجزما بالمنع ولکن الأمر عندهما بالخیار.

ص: 115

أما الزجاج فإننا نستطلع منه الجزم بالمنع حیث یقول : «وإذا کان المؤنث علی ثلاثه أحرف أوسطها ساکن ، وکان ذلک الاسم لشیء مؤنث أو مخصوص به التأنیث فإنه لا ینصرف فی المعرفه أیضا وینصرف فی النکره وزعم سیبویه والخلیل وجمیع البصریین أن الاختیار ترک الصرف وأنک إن شئت صرفت» (1).

فرأی سیبویه والمبرد هو جواز الأمرین مع القول برجحان المنع دون إلزام ، بینما ذهب الزجاج إلی المنع من الصرف فی حاله التعریف ومنها التسمیه.

هذا إذا سمینا المؤنث بالمؤنث کما مرّ. أما إذا سمینا المؤنث بالمذکر الذی علی هذا الوزن هو الثلاثی ساکن الأوسط کعمرو ، وزید «لم یجز الصرف ، هذا القول ابن أبی إسحاق وأبی عمرو فیما حدثنا یونس وهو القیاس ؛ لأن المؤنث أشدّ ملاءمه للمؤنث ، والأصل عندهم أن یسمی المؤنث بالمؤنث کما أن أصل تسمیه المذکر بالمذکر ، وکان عیسی یصرف امرأه اسمها عمرو لأنه علی أخف الأبنیه (2).

وجاء فی الأصول لابن السراج : «فإن سمیت امرأه باسم مذکر وإن کان ساکن الأوسط لم تصرفه نحو : «زید وعمرو ؛ لأن هذه من الأخف وهو المذکّر إلی الأثقل وهو المؤنث ، فهذا مذهب أصحابنا أی البصریین (3) وهو فی هذا الموضع نظیر رجل سمیته بسعاد وزینب وجیأل فلم تصرفه ، لأنها أسماء اختصّ بها المؤنث ، وهو علی أربعه أحرف والرابع کحرف التأنیث (4).

ص: 116

وهذا ما نراه فی الارتشاف حیث یقول : «وإذا سمیت بثلاثی مذکر ساکن الوسط نحو «زید ونعم وبئس» مؤنثا فابن أبی إسحق وأبو عمرو والخلیل ویونس وسیبویه والأخفش والفراء والمازنی لا یجیزون فیه إلا منع الصرف وعیسی وأبو زید والجرمی ویونس فی نقل خطاب عنه یصرفونه» (1).

وجاء عند المبرد أنه «إن سمیت مؤنثا بمذکر علی هذا الوزن عربی فإن فیه اختلافا :

فأما سیبویه والخلیل والأخفش والمازنی ، فیرون أن صرفه لا یجوز ، لأنه أخرج من باب یثقل صرفه ، فکان بمنزله المعدول. وذلک نحو امرأه سمیتها زیدا أو عمرا. ویحتجون بأن «مصر» غیر مصروفه فی القرآن ، لأن اسمها مذکر عنیت به البلده. وذلک قوله عز وجل : (أَلَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ)(2) فأما قوله عزّ وجل : (اهْبِطُوا مِصْراً)(3) فلیس بحجه علیه ، لأنه مصر من الأمصار ، ولیس مصر بعینها. هکذا جاء فی التفسیر ، والله أعلم.

وأما عیسی بن عمر ، ویونس بن حبیب ، وأبو عمر الجرمی ، وأحسبه قول أبی عمرو بن العلاء فإنهم کانوا إذا سموا مؤنثا بمذکر علی ما ذکرنا رأوا صرفه جائزا ، ویقولون نحن نجیز صرف المؤنث إذا سمیناه بمؤنث علی ما ذکرناه ، وإنما أخرجناه من ثقل إلی ثقل فالذی إحدی حالتیه حال خفه أحق بالصرف ، کما أنّا لو سمّینا رجلا ، أو غیره من المذکر باسم

ص: 117

مؤنث علی ثلاثه أحرف لیس له مانع لم یکن إلا الصرف ، وذلک أنک لو سمیت رجلا «قدما أو فخذا أو عضدا» لم یکن فیه إلا الصرف لخفه التذکیر» (1) ، وذکر ابن سیده قول أبی سعید السیرافی : «کأن سیبویه جعل نقل المذکر إلی المؤنث لما کان خلاف الموضوع من کلام العرب ، والمعتاد ثقلا یعادل نهایه الخفه التی بها صرف من صرف هندا. وکان عیسی بن عمر یری صرف ذلک أولی ، وإلیه یذهب أبو العباس محمد بن یزید المبرّد ، لأن زیدا وأشباهه إذا سمینا به المؤنث فأثقل أحواله أن یصیر مؤنثا ، فیثقل بالتأنیث وکونه خفیفا فی الأصل لا یوجب له ثقلا أکثر من الثقل الذی کان فی المؤنث فاعلمه» (2).

فقد ذکر السیرافی أن المبرّد یری أن الصرف أرجح وأولی ، ولکننا قد رأینا فی النص الذی أوردناه للمبرّد أنه ذکر الرأیین دون ترجیح أحدهما علی الآخر وهذا ما نراه عند کثیر من النحاه کما جاء فی «التصریح علی التوضیح» : وقال عیسی بن عمر الثقفی وأبو عمرو وأبو العباس المبرّد وأبو زید فی نحو زید اسم امرأه أنه کهند فی جواز الوجهین (3). وجاء فی حاشیه الصبان علی الأشمونی : «فقیل إنه کهند فی جواز الوجهین أو منقولا من مذکر نحو «زید» إذا سمی به لأنه حصل بنقله إلی التأنیث ثم عادل خفه اللفظ. هذا مذهب سیبویه والجمهور وذهب عیسی بن عمر والجرمی والمبرد إلی أنه ذو الوجهین واختلف النقل عن یونس» (4) ، وذکر السیوطی فی الهمع کلاما مماثلا لسابقه : «الثانیه أن یکون مذکر

ص: 118

الأصل کزید اسم امرأه ؛ لأن النقل إلی المؤنث ثقل یعادل الخفه التی بها صرف من صرف هندا. وجوّز المبرد وغیره فیه الأمرین کما یجوّزان فی المنقول من مؤنث إلی مذکر ، وهو نقل من ثقل إلی ثقل (1). الواضح من أقوال النحاه أن المبرّد ذهب إلی جواز الأمرین دون ترجیح أحدهما علی الآخر کما رأینا فی قول أبی سعید السیرافی.

وجاء فی الارتشاف «وإذا سمیت بثلاثی مذکر ساکن الوسط نحو «زید ونعم وبئس» مؤنثا فابن أبی إسحاق وأبو عمرو والخلیل ویونس وسیبویه والأخفش والفراء والمازنی لا یجیزون فیه إلا منع الصرف ، وعیسی وأبو زید والجرمی والمبرّد ویونس فی نقل خطاب عن یصرفونه» (2) فرأی الخلیل وسیبویه والبصریین هو منع نحو «زید وعمرو» إذا سمّی بهما مؤنث وجاء فی الکتاب «وهو القیاس لأن المؤنث أشد ملاءمه للمؤنث کما أن أصل المذکر بالمذکر» (3) فلما سمی المؤنث بالمذکر حدث فی الاسم ثقل عادل خفه الاسم فمنع من الصرف.

وجاء فی «حاشیه الصبان علی الأشمونی» تعلیقا علی هذا الرأی : «لی ههنا بحث وهو أنه کیف یتحتم منع نحو «زید» إذا سمی به مؤنث عند سیبویه والجمهور ، ولا یتحتم عندهم منع نحو «هند» مع عروض تأنیث الأول وأصاله تأنیث الثانی ومع استوائهما فی عدد الحروف وفی الهیئه ، وهلا جاز الوجهان فی الأول کالثانی أو تحتم منع الثانی ، ومن هنا تظهر قوه مذهب عیسی بن عمر والجرمی والمبرّد فتأمل» (4).

ص: 119

ولکنی أری أن رأی سیبویه هو الأرجح ، وأنه لا حجه لصاحب الحاشیه فی قوله لماذا لا یتحتم منع نحو «هند» وغیره من الأعلام المؤنثه الثلاثیه ساکنه الوسط وذلک ؛ لأن هذا العلم لم تختلف صورته کما أنه لم یخالف أصل وضعه اللغوی فهو مؤنث وضع لمؤنث لیس غیر ، بجانب وجود السکون الذی جعل فیه نوعا من الخفه فجاز فیه الأمران الصرف والمنع. أما نحو «زید وعمرو» فصحیح أن الوزن مماثل لوزن «هند ودعد» فی عدد الحروف والحرکات ، ولکن حین تجعلها علما لمؤنث ، فکأنها خالفا أصلها اللغوی فأحدث ذلک فیهما نوعا من الثقل یضاف إلی علتی المنع وهما العلمیه والتأنیث فتحتم المنع من الصرف. وعلی هذا فرأی سیبویه والبصریین هو الأرجح فی هذه النقطه.

* * *

ص: 120

ویقول أیضا :

لقینا الجهم ثعلبه بن سیر

أضرّ بمن یجمّع أو یسوق (1)

کما وردت هذه الکلمه فی المفضلیات للمرقش الأصغر حیث یقول :

أبأت بثعلبه بن الخشا

م عمرو بن عوف فزاح الوهل (2)

ومن الکلمات التی وردت قلیلا کلمه «عجره» وهی اسم لشخص من لحیان بن هذیل وقد ذکرت مرتین فی «شرح أشعار الهذلیین» ضمن أبیات لأبی ذؤیب فهو یقول :

ویل أم قتلی فویق القاع من عشر

من آل عجره أمسی جدّهم هصرا (3)

ویقول أیضا :

أبعد ابن عجره لیث الرجا

ل أمسی کأن لم یکن ذا نفر (4)

فهاتان الکلمتان «ثعلبه وعجره» من الأعلام المذکره المختومه بتاء التأنیث کحمزه ومعاویه ولذلک منعتا من الصرف کما نص علی ذلک النحاه.

ومن هذه الأعلام المذکره المختومه بتاء التأنیث کلمه «کنده» التی ذکرها عنتره بقوله :

طرقت دیار کنده وهی تدوی

دوی الرعد من رکض الجیاد (5)

ص: 122

کما ذکرها الحارث بن حلّزه بقوله :

أعلینا جناح کنده أن یغ

نم غازیهم ومنّا الجزاء (1)

کما أنها وردت عند امرئ القیس حیث یقول (2) :

فأبلغ معدا والعباد وطیّئا

وکنده أنی شاکر لبنی ثعل

ویقول أیضا :

تمیم بن مرّ وأشیاعها

وکنده حولی جمیعا صبر (3)

ومن الکلمات المؤنثه کذلک کلمه «نخله» التی هی اسم لموضع وقد جاءت فی الجمهور علی لسان أمیه بن أبی الصلت حیث یقول :

وهم قتلوا الشّنیّ أبا رغال

بنخله حین أن وسق الوضینا (4)

کما جاءت هذه الکلمه مرتین فی الأصمعیات مره حین ذکرها «دؤاد» بقوله :

وسبتی بنات نخله لو کن

ت قریبا ألمّ بی إلمام (5)

ومره أخری حین ذکرها «سبیع بن الخطیم» فی قوله :

أرباب نخله والقریظ وساهم

إنی کذلک آلف مألوف (6)

ص: 123

ووردت أیضا فی «شرح أشعار الهذلیین» مرتین کذلک عند «أبی صخر الهذلی» بقوله :

هدوءا وأصحابی بنخله بعد ما

بدا لی سماک النجم أو کاد یغرب (1)

وعند «أبی ذؤیب» حین یقول :

وقلت لعبد الله أیم مسیّب

بنخله یسقی صادیا ویعیج (2)

ذکرت أیضا فی المفضلیات (3) علی لسان «سبیع بن الخطیم» وهو : الذی ذکره صاحب الأصمعیات مع اختلاف فی کلمه «وشاهم» فقد ذکرت فی «المفضلیات» و «ساهم» بینما ذکرت فی الأصمعیات «وشاهم». وعلی کل حال فإن کلمه نخله وردت عند الجمیع کما مرّ ممنوعه من الصرف للعلمیه والتأنیث وهی اسم لمکان.

وورت کلمه «کاظمه» (التی هی اسم لمکان یقع الآن ضمن حدود الکویت قرب البصره) عند امرئ القیس فی بیت شعر ذکر فی «دیوانه» وفی «الأصمعیات» :

إذ هنّ أقساط کرجل الدبی

أو کقطا کاظمه الناهل (4)

وورد مع اختلاف قلیل فی «الأصمعیات» :

إذ هی أقساط کرجل الدبی

أو کقطا کاظمه الناهل (5)

ص: 124

ولکنه جاء مختلفا فی «شرح السبع الطوال» إذ یقول :

فهن أرسال کمثل الدّبا

أو کقطا کاظمه الناهل (1)

وهناک کلمه «وجره» التی قیل عنها إنها اسم لموضوع بین مکّه والبصره فیه وحوش کثیره ، وقیل إنها اسم لفرس یزید بن سنان أخی هرم بن سنان ممدوح زهیر بن أبی سلمی وقد ذکرها امرؤ القیس ممنوعه من الصرف فی بیت من معلقته حیث یقول (2) :

تصدّ وتبدی عن أسیل وتتقی

بناظره من وحش وجره مطفل

کما ذکرها النابغه الذبیانی مرّتین ، مره فی المعلقه کما جاء فی الجمهره حیث یقول :

مطرّرد أفردت عنه حلائله

من وحش وجره أو من وحش ذی قار (3)

ومره فی الدیوان :

ومن وحش وجره موشی أکارعه

طاوی المصیر کسیف الصقیل الفرد (4)

وجاءت کذلک عند «لبید» فی قوله ضمن المعلقه :

زجلا کأن نعاج توضح فوقها

وظباء وجره عطّفا آرامها (5)

وجاء فی الجمهره کذلک ضمن معلقه «الأعشی» حیث یقول :

ص: 125

ظبیه من ظباء وجره أدما

ءتسفّ الکباث تحت الهدال (1)

وذکر أیضا فی بیت لجریر یقول فیه :

فیئ فلست غدا لهنّ بصاحب

بحزیز وجره إذ یخدن عجالا (2)

وفی کل ما مرّ من أبیات نری أن المقصود بها هو المکان والموضع ، ووردت أیضا بهذا المعنی فی «شرح أشعار الهذلیین» ضمن بیت لساعده بن جؤیه یقول فیه :

وکأنما وافاک یوم لقیتها

من وحش وجره عاقد متربّب (3)

بینما جاءت بمعنی «فرس» ضمن بیت لیزید بن سنان وهو أخو هرم بن سنان ممدوح زهیر بن أبی سلمی ، یقول فیه :

رمیتهم بوجره إذ تواصوا

لیرموا نحرها کثبا ونحری (4)

وسواء کانت کلمه «وجره» بمعنی مکان أو بمعنی فرس ، فقد رأینا منعها من الصرف عند الجمیع ، وعله منعها العلمیه والتأنیث .. ولم یصرفها أحد منهم.

ووردت کلمه «مکه» ممنوعه من الصرف وقد ذکرها صاحب الجمهره ثلاث مرات مره ضمن بیت لکعب بن زهیر یقول فیه :

فی عصبه من قریش قال قائلهم

ببطن مکّه لما أسلموا زالوا (5)

ص: 126

وذکرها کذلک ضمن بیت للأخطل حیث یقول :

إنی حلفت بربّ الراقصات وما

أضحی بمکّه من حجب وأستار (1)

وذکرها أیضا فی قول الشاعر :

کأن لم یکن بین الحجون إلی الصفا

أنیس ولم یستمر بمکّه سامر (2)

وقد وردت هذه الکلمه ست مرّات فی کتاب «شرح أشعار الهذلیین» مرتین لأمیه بن أبی عائذ حیث یقول :

مشی راکب من أهل مصر وأهله

بمکه من مصر العشیه راجع (3)

ویقول الشاعر نفسه :

وسار بمذحه عبد العزی

ز رکبان مکه والمنجدونا (4)

ومرتین کذلک لأبی صخر الهذلی :

جلوا من تهامی أرضنا وتبدلوا

بمکه باب الیون والریط بالعصب (5)

ویقول أیضا :

فخفیف منی أقوی خلاف قطینه

فمکه وحش من جمیله فالحجر (6)

ص: 127

وفی هذا البیت شاهد آخر علی المنع من الصرف للعلمیه والتأنیث بالإضافه إلی کلمه «مکه» وهو «جمیله» ولذلک جرها بالفتحه.

وجاءت أیضا بیت لمعقل بن خویلد یقول فیه :

فإنک قد شریت فعدت عبدا

بمکه حیث ترتمّ العظاما (1)

ویقول قیس بن العیزاره :

فسقی الغوادی بطن مکه کلّها

ورست به کلّ النهار تجود (2)

وجاءت ممنوعه من الصرف أیضا عند الحارث بن ظالم فی المفضلیات حیث تقول :

وقومی ، إن سألت : بنو لؤیّ

بمکه علّموا الناس الضرابا (3)

ومن الکلمات المؤنثه التی وردت عند الشعراء کلمه «دجله» اسم النهر المعروف الذی یمر بالعراق ، وقد ذکرها طرفه بن العبد حیث یقول :

وأتلع نهاض إذا صعدت به

کسکان بوصی بدجله مصعد (4)

وورد البیت فی «جمهره شعراء العرب» (5) لطرفه بن العبد.

کما ذکرت فی الجمهره ضمن البیت لجریر :

ألا سألت غثاء دجله عنکم

والجامعات تجرّر الأوصالا (6)

ص: 128

وذکرت أیضا فی «شرح أشعار الهذلیین» حیث یقول أبو صخر الهذلی :

کأنهم منه إذا نزلوا به

علی نهر من فیض دجله راکد (1)

وبالإضافه للکلمات السابقه التی ذکرناها هناک کلمات کثیره وردت فی أشعار العرب ممنوعه من الصرف ، وهی فی الواقع أعلام مختومه بتاء التأنیث وهی إما أسماء لأماکن أو جبال أو دیان أو بلدان منعت من الصرف لورودها بالتاء ، وبذلک اجتمع فیها العلتان العلمیه والتأنیث من مثل «صراه» (2) کما فی قول الشاعر خفاف بن ندبه :

لا دینکم دینی ولا أنا کافر

حتی یزول إلی صراه شمام (3)

وککلمه «رهوه» وهی (جبل أو طریق بالطائف) وقد وردت عند الشاعر نفسه :

سرت کلّ واد دون رهوه دافع

وجلذان أو کرم بلیّه محدق (4)

وجاء عند الشاعر نفسه کلمتان أخریان هما «لیه» وهی : موضع بالطائف وغیقه وهی : اسم مکان وذلک فی البیتین التالیین :

سرت کل واد دون رهوه دافع

وجلذان أو کرم بلیّه محدق (5)

ص: 129

وقوله :

طرقت أسیماء الرّحال ودوننا

من فید غیقه ساعد فکثیب (1)

ومن الکلمات التی وردت کلمه «کابه» (2) فی بیت شعر لدرید بن الصمه یقول فیه :

أو الأثأب العمّ المجرّم سوقه

بکابه لم یخبط ولم یتعضّد (3)

ومثل کلمه «سمیحه» عند امرئ القیس حیث یقول :

وأسحم ریّان العسیب کأنّه

عثاکیل قنو من سمیحه مرطب (4)

وسمیحه : اسم بئر.

وکذلک ذکر امرؤ القیس کلمه «شربه» وهی أیضا اسم لوضع :

کأنّی ورحلی فوق أحقب قارح

بشربه أوطاو بعرنان موجبس (5)

وفی البیت بالإضافه إلی کلمه «شربه» التی منعت الصرف للعلمیه والتأنیث هناک أیضا کلمتان منعتا من الصرف لعلل مختلفه وهی «أحقب» للوصفیه والوزن وکلمه «عرنان» للعلمیه وزیاده الألف والنون.

وسنود کل ذلک فی موضعه إن شاء الله ولکن نذکره هنا إشاره.

وجاء عند امرئ القیس کذلک کلمه «عانه» وهی تدل علی قریه بقوله :

أنف کلون دم الغزال معتّق

من خمر عانه أو کرم شبام (6)

ص: 130

وذکر زهیر بن أبی سلمی مجموعه من الکلمات الممنوعه من الصرف للعله نفسها (العلمیه والتأنیث) من مثل : عمایه وهی : «جبل من بلاد بنی عامر». وردت فی قوله :

فسار منها علی شیم یؤمّ

جنبی عمایه فالرّکاء فالعمقا (1)

ومن مثل أیضا کلمه «دومه» التی تدل علی موضع أو بلد ، إذ یقول :

إلی قلهی تکون الدار منا

إلی أکناف دومه فالحجون (2)

ووردت عنده کذلک کلمه «رامه» وهی أرض فی قوله :

لمن طل برامه لا یریم

عفا وخلاله عهد قدیم (3)

وجاء فی بیت لمهلهل بن ربیعه کلمه «عنیزه» التی تدل علی موضع وذلک بقوله :

کأنا غدوه وبنی أبینا

بجوف عنیزه رحیا مدیر (4)

ومن هذه الکلمات کلمه «حلبیه» والتی تدل علی واد بتهامه أعلاه لهذیل وأسفله لکنانه. ذکرها الشنفری الأزدی بقوله :

ریحانه من بطن حیله نوّرت

لها أرج ما حولها غیر مسنت (5)

ص: 131

ومنها أیضا کلمه «ملحه» التی تدل علی مکان وذلک فی قول الحارث بن حلزه :

إن نبشتم ما بین ملحه فالصا

قب فیه الأموات والأحیاء (1)

وجاء عند عمرو بن کلثوم «رهوه» وهی الجبل حین یقول فی معلقته :

نصبنا مثل رهوه ذات حدّ

محافظه وکنا السابقینا (2)

وورد فی دیوان النابغه کلمه «یعمله» بمعنی موضع فی قوله :

تأوّبنی بیعمله اللواتی

منعن النوم إذ هدأت عیون (3)

ومن تلک الکلمات کذلک کلمه «جروه» هی اسم فرس شداد العبسی أبی عنتره وذلک حین یقول :

فمن یک سائلا عنّی فإنی

وجروه لا ترود ولا تعار (4)

ووردت کلمه «عمایه» ممنوعه أیضا عند المرقش الأکبر فی قوله :

فی باذخات من عمایه أو

یرفعه دون السماء خیم (5)

وعند «سلامه بن جندل» فی قوله :

له فخمه دفراء تنفی عدوّه

کمنکب ضاح من عمایه مشرق (6)

ص: 132

وعمایه : اسم لجبل.

وجاءت کلمه «شجنه» ممنوعه من الصرف للعله ذاتها وهی اسم لمکان وذلک فی قول الشاعر عبید بن الأبرص :

منا بشجنه والذئاب فوارس

وعتائد مثل السواد المظلم (1)

وفی هذا البیت صرف «فوارس» مع أنه ممنوع من الصرف لصیغه منتهی الجمع وذلک للضروره الشعریه.

وجاءت کلمتان ممنوعتان من الصرف عند ربیعه بن مقروم وهما «معلقه» وهی بالدهناء ، وکلمه «بزاخه» وهی موضع أیضا وذلک فی بیتین مختلفین یقول فی أولهما :

کأنّ الرّحل منه فوق جأب

أطاع له بمعقله التلاع (2)

ویقول فی البیت الثانی :

فدی ببزاخه أهلی لهم

إذا ملأوا بالجموع الحزیما (3)

وهناک کلمات کثیره وردت بهذا الخصوص وقد یطول بنا المقال فی حصرها ولکننا نذکر منها «بیشه» وهی اسم لقریه بین مکه والیمن کثیره الأسود وقد ذکرها المزرد ضرار الذبیانی (4).

وأیضا کلمه «سویقه» هی بالحجاز ، وذکرت کذلک ضمن بیت لنفس الشاعر وفی المصدر السابق (5).

ص: 133

وکذلک کلمه «غمره ، حربه ، سبحه ، ریطه ، رحبه ، دبیه ، ذؤیبه ، ومنها کلمه «صاحه» وهی بلد ، وقد وردت فی بیت شعر لبشر بن أبی خازم (1) ، سمیه ، سابه ، أدیمه ، بتاله ، شابه ، رامه ، وهی فی غالبها أسماء أماکن أو بلدان أو ودیان ولشعراء معتمدین عند اللغویین والنحاه أی ممن یحتج بکلامهم وقد جاءت کلها ممنوعه من الصرف.

ومن جمله ما تقدم نخرج بخلاصه وهی أن مثل هذه الأسماء لم تصرف عند أی من الشعراء مهما اختلف قبائلهم وأماکن إقامتهم شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا.

کما أننا نخرج بقاعده وهی أن أسماء الأماکن أو البلدان أو القری الحدیثه یمکننا منعها من الصرف قیاسا علی ما سبق وبالنظر إلی العله السابقه ألا وهی العلمیه والتأنیث.

ومن الأسماء المؤنثه الداله علی الأماکن کلمه «خاله» کما فی قول النابغه الذبیانی :

بخاله أو ماء الذنابه أو سوی

فطنه کلب أو میاه المواطر (2)

ومنها أیضا کلمه «أثله» وهی بلده. قال الشاعر «معقل بن خویلد» :

نزیعا محلبا من أهل لفت

لحیّ بین أثله والنجام (3)

ومنها کذلک «ماموسه» وهی النار ، وقد ذکرها «عمرو بن أحمر» :

تطایح الطلّ عن أردافها صعدا

کما تطایح عن ماموسه الشرر (4)

ص: 134

وفی البیت شاهدان آخران للمنع من الصرف هما «فوارس» ، لصیغه منتهی الجموع و «منوله» للعلمیه والتأنیث. وجاء فی شرح دیوانه أن «منوله» هما مازن وشمح ابنا فراره بین ذبیان. و «مره» هو ابن عوف بن سعد بن ذبیان (1).

ویقول عنتره فی دیوانه :

لما سمعت دعاء مره إذ دعا

ودعاء عبس فی الوغی ومحلّل (2)

وقد وردت البیت نفسه فی الجمهره دون اختلاف (3) ، إلا أنه ذکر فی موضع آخر من دیوانه ولکن مع اختلاف کما نری ، حین یقول :

لما سمعت نداء مره قد علا

وابنی ربیعه فی الغبار الأقتم (4)

وفیه شاهد آخر وهو «ربیعه».

کما جاءت عند عنتره أیضا فی البیت التالی :

لما رأی فرسان مره والقنا

لم یستطع لقناهم أن یصبرا (5)

وذکرت أیضا عند «عامر بن الطفیل» حیث یقول :

وقتیل مره أثأرنّ فإنّه

فزع وإن أخاهم لم یقصد (6)

ص: 136

ووردت عند «عمرو بن الأسود» فی قوله :

لما سمعت نداء مره قد علا

وابنی ربیعه فی الغبار الأقتم (1)

وهذا البیت هو نفسه الذی ذکرته قبل قلیل منسوبا لعنتره العبسی کما ورد فی دیوانه (2) ، بینما نسب فی الأصمعیات ل- «عمرو بن الأسود» (3) کما رأینا.

وجاءت أیضا عند «عوف بن الأحوص» حیث یقول :

وقتیل مره أثأرنّ فإنه

فرع ، وإن أخاهم لم یقصد (4)

وقد ذکر البیت نفسه فی الأصمعیات منسوبا لعامر بن الطفیل کما مرّ سابقا (5).

ووردت کلمه «مره» کذلک فی شعر «عبد الله بن عنمه الضبی» عند ما نقول :

خذنّه لما ثابت الخیل تدّعی

بمره لم تمنع وطار رقادها (6)

وذکر البیت نفسه وللشاعر نفسه فی المفضلیات مع تغیر بسیط وهو أنه جعل «وفرّ رقادها» بدلا من «وطار رقادها» (7).

ص: 137

وقال الحصین بن الحمام المری فی المفضلیات :

ونحن بنو سهم بن مرّه لم نجد

لنا نسبا عنهم ولا متنسبا (1)

کما قال «زبان بن سیار المری» :

سیری إلیک فسوف یمنع سربها

من آل مرّه بالحجاز حلول (2)

ووردت کلمه «مره» مرتین عند «عبد المسیح بن عسله» فی المفضلیات (3).

وجاءت هذه الکلمه أربع مرات فی کتاب «شرح أشعار الهذلیین» ثلاثا منها لأبی خراش حیث یقول :

فلهفی علی عمرو بن مره لهفه

ولهفی علی میت بقوسی المعاقل (4)

ویقول :

لست لمرّه إن لم أوف مرقبه

یبدو لی الحرث منها والمقاضیب (5)

ویقول أیضا :

مثل ابن واثله الطّراد أو رجل

من آل مرّه کالسّرحان سرحوب (6)

وجاءت مره عند «أبی جندب» بقوله :

ص: 138

فلهفی علی عمرو بن مرّه لهفه

ولهفی علی میت بقوسی المعاقل (1)

وهذا البیت هو نفسه المنسوب «لأبی خراش» والذی ذکرته سابقا.

وذکرها الکمیت کذلک فی قوله :

بنی ابنه مرّ أین مرّه عنکم

وعنّا التی شعبا تصیر شعوبها (2)

ومن الأعلام المذکره المختومه بتاء التأنیث کلمه «أمیه» التی ورد ذکرها فی الشعر العربی ، خاصه وأن بنی أمیه فرع معروف من فروع العرب ، إلا أن شهرتها ازدادت مع قیام الدوله الأمویه ، ونشاط الشعر السیاسی.

ومع ذلک هی قلیله الورود فی الشعر الجاهلی ، بل إننی أر لها ذکرا عند الشعراء المشهورین أمثال امرئ القیس وزهیر وعنتره وعمرو بن کلثوم.

ولکنها ذکرت فی المفضلیات ضمن بیت لزبان بن سیار المری فی قوله :

وبنو أمیّه کلّهم أمراؤها

وبنو ریاح إن تدبّر قیل (3)

وذکر البیت نفسه وللشاعر نفسه فی الأصمعیات (4).

وجاء فی المفضلیات أیضا فی بیت لعوف بن الأحوص یقول فیه :

وشهر بنی أمیّه والهدایا

إذا حبست مضرّجها الدّماء (5)

ص: 139

وجاءت أربع مرات فی کتاب «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» ولشعراء مختلفین کما فی قول الشاعر «سهم بن أسامه بن الحارث» :

کما أرّقت بالطّفّ من رمل عالج

أمیّه بعد النّوم من أهل مجدل (1)

وکما فی قول «إیاس بن سهم بن أسامه» :

ألا أبلغا عنّی أمیّه آیه

فإیاک لا تستهد شکوی وأجمل (2)

وورد أیضا عند «غاسل بن غزیه» إذ یقول :

أمن أمیّه لا طیف ألمّ بنا

بجانب الفرع والأعراء قد رقدوا (3)

وقال «أبو صخر الهذلی» :

دعائم من أمّیه راسیات

ثبتن وفرعهنّ أشمّ عالی (4)

وفی البیت شاهدان آخران علی المنع من الصرف ، وهما «دعائم» صیغه منتهی الجموع ، و «أشم» الوصفیه والوزن.

وذکرها صاحب «الجمهره» مرتین مره لعبد الله بن رواحه فی قوله :

ورهط أبی أمیّه قد أبحنا

وأوس الله أتبعنا ثمودا (5)

ومره أخری لعبید الراعی إذ یقول :

ورثت أمیّه أمرها فدعت له

من لم یکن غمرا ولا مجهولا (6)

ص: 140

ومنها أیضا کلمه «عروه» التی ذکرت مرتین فی کتاب «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» لأبی خراش إذ یقول :

حمدت إلهی بعد عروه إذ نجا

خراش وبعض الشرّ أهون من بعض (1)

و (عروه) هو أخو أبی خراش.

ویقول أیضا :

تقول أراه بعد عروه لاهیا

وذلک رزء لو علمت جلیل (2)

کما جاء ذکرها فی الأصمعیات ضمن بیت لعباس بن مرداس یقول فیه :

معی ابنا صریم دارعان کلاهما

وعروه لولاهم لقیت الدّهارسا (3)

ومن الکلمات الوارده أیضا کلمه «نضله» التی ذکرها عنتره فی قوله :

وغادرت نضله فی معرک

یجرّ الأسنه کالمحتطب (4)

وذکرت مرتین فی المفضلیات ومرتین فی الأصمعیات لشاعر واحد هو «الجمیح الأسدی» فقد جاء فی المفضلیات قوله :

ینعون نضله بالرّماح علی

جرد تکدّس مشیه العصم (5)

وقوله أیضا :

یا جار نضله قد أنی لک أن

تسعی بجارک فی بنی هدم (6)

ص: 141

وذکر البیت نفسه فی الأصمعیات وللشاعر نفسه (1).

متنظّمین جوار نضله یا

شاه الوجوه لذلک النّظم (2)

وجاء فی «شرح أشعار الهذلیین» :

أعاذل إنّ الرّزء میل ابن مالک

زهیر وأمثال ابن نضله واقد (3)

وجاء فیه أن ابن نضله : هو من هذیل.

ومنها کلمه «قضاعه» التی نلاحظ ورودها هند شعراء جاهلیین کزهیر بن أبی سلمی فی قوله :

أمّک بیضاء من قضاعه فی ال

بیت الذی یستکنّ فی طنبه (4)

وفی البیت أیضا کلمه «بیضاء» لوجود ألف التأنیث الممدوده منعت من الصرف.

وقال عنتره :

فإن یک عزّ فی قضاعه ثابت

فإن لنا بر حرمان وأسقف (5)

وقال عمرو بن کلثوم فی معلقته :

یکون ثفالها شرقیّ نجد

ولهوتها قضاعه أجمعینا (6)

ص: 142

وقال الحارث بن حلزه :

أم علینا جرّی قضاعه أم لی

س علینا ممّا جنوا أنداء (1)

کما ذکرها صاحب المفضلیات ضمن بیت للحصین بن الحمام المری :

یا أخوینا من أبینا وأمّنا

ذروا مولیینا من قضاعه یذهبا (2)

وبعد أن لاحظنا ورود کلمه «قضاعه» عند أربعه من الشعراء الجاهلیین نری أن کلمه «تهامه» قد اقتصر ذکرها علی عنتره فی قوله :

سقیتهما دما لو کان یسقی

به جبلا تهامه أفاقا (3)

وعلی النابغه الذبیانی حیث یقول :

هم طردوا عنها بلیّا ، فأصبحت

بلی بواد من تهامه غائر (4)

ووردت ثلاث مرات فی «کتاب شرح أشعار الهذلیین» مره لأبی ذؤیب فی قوله :

لکلّ مسیل من تهامه بعد ما

تقطّع أقران السّحاب عجیج (5)

ومره للمعطّل الهذلی :

وقد دخل الشّهر الحرام وخلّیت

تهامه تهوی بادیا لهواتها (6)

ص: 143

ومن أخری لأبی صخر الهذلی :

سنا لوحه لما استقلّت عروضه

وأحیا ببرق فی تهامه واصب (1)

وجاءت مره فی الجمهره فی بیت شعر للکمیت یقول فیه :

فلمّا نفیتم عن تهامه کلّها

بیوتا هی الأدنی إلیکم نسیبها (2)

ومن الکلمات التی ورد ذکرها کلمه «فزاره» التی جاءت فی شعر «درید ابن الصمه» :

فللیوم سمّیتم فزاره فاصبروا

لوقع القنا تنزون ، نزو الجنادب (3)

کما ذکرها عنتره فی موضعین من دیوانه حیث یقول :

سلی فزاره عن فعلی وقد نفرت

فی جحفل حافل کالعارض البطل (4)

ویقول فی موضع آخر :

فدما بدر علیک قدیمه

وبنی فزاره قصدها أن تفعلا (5)

ولم أجد عند غیرهما من شعراء الجاهلیه المعروفین. ولکن ذکرها صاحب المفضلیات ثلاث مرات ولثلاثه شعراء وهم «عوف بن الأحوص» حیث یقول :

یا أسم أخت بنی فزاره إنّنی

غاز ، وإنّ المرء غیر مخلّد (6)

ص: 144

ول «عوف بن عطیه» حیث یقول :

فکادت فزاره تصلی بنا

فأولی فزاره أولی فزارا (1)

وقالها الحصین بن الحمام :

بنی عمّنا الأدنین منهم ورهطنا

فزاره إذا رامت بنا الحرب معظما (2)

ومنها أیضا کلمه «کنانه» التی کان ذکرها قلیلا ، فقد أوردها صاحب «الجمهره» مره ضمن بیت لأمیه بن أبی الصلت یقول فیه :

وبدّلت المساکن من إیّاد

کنانه بعد ما کانوا القطینا (3)

کما أوردها صاحب المفضلیات مره فی قول الشاعر «بشر بن أبی خازم» :

فأبلغ إن عرضت بنا رسولا

کنانه قومنا فی حیث صاروا (4)

وذکرت مره فی «الأصمعیات» فی بیت للشاعر «أبی دؤاد» یقول فیه :

غیر ذنب بنی کنانه أنّی

إن أفارق فإنّنی مجذام (5)

وجاءت کلمه «ربیعه» ممنوعه من الصرف عند شعراء الجاهلیه حیث یقول النابغه الذبیانی :

رهط ابن کوز محقبی أدراعهم

فیهم ورهط ربیعه بن حذار (6)

ص: 145

ویقول عنتره :

وقتلت فارسهم ربیعه عنوه

والهیدبان وجابر بن مهلهل (1)

ویقول طرفه بن العبد :

وکنّا علی ذی حوزه من بلادنا

ربیعه فیمن یضرب الناس عن عرض (2)

وجاءت مرتین فی الأصمعیات لکل من «عمر بن حنی التغلبی» ول «طریف العنبری» کما ذکرت مره واحده فی المفضلیات «لأبی ذؤیب» حیث یقول :

صخب الشوارب لا یزال کأنّه

عبد لآل أبی ربیعه (3)

مسبع

وقد ذکر هذا فی «الجمهره» منسوبا للشاعر نفسه (4).

ومما جاء ذکره کلمه «جذیمه» التی ذکرها النابغه الذبیانی مره فی شعره حین یقول :

وبنو جذیمه حیّ صدق ساده

غلبوا علی خبت إلی تعشار (5)

ووردت ثلاث مرات فی کتاب «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» لشعراء مختلفین منهم الأعلم (واسمه : حبیب بن عبد الله وهو أخو صخر الغی

ص: 146

الهذلی ثم الخثعمی وأخو جذیمه : اسم رجل کان یطلبه وهو منهزم) یقول الأعلم :

یغری جذیمه والرّداء

کأنّه بأقبّ قارب (1)

ومنهم «مالک بن الحارث» إذ یقول :

کرهت بنی جذیمه إذ ثرونا

قفا السّلفین وانتسبوا فباحوا (2)

ومنهم أیضا «حذیفه بن أنس» فی قوله :

وقد هربت منّا مخافه شرّنا

جذیمه من ذات الشّباک فمرّت (3)

کما ذکرت مره فی «جمهره أشعار العرب» ضمن بیت شعر لأبی زبید الطائی یقول فیه :

وکنّا کندمانی جذیمه حقبه

من الدهر حتی قیل لن یتصدّعا (4)

فبینما نسب هذا البیت فی الجمهره لأبی زبید الطائی ، نری أنه قد نسب فی المفضلیات لمتمم بن نویره (5).

ومن الأعلام المذکره المختومه بتاء التأنیث کلمه «معاویه» إلا أنها قلیله الورده فهی لم ترد إلا مرتین فی «شرح أشعار الهذلیین» مره لأبی العیال إذ یقول :

ص: 147

أبلغ معاویه بن صخر آیه

یهوی إلیه بها البرید الأعجل (1)

ومره أخری ل- «لائح بن مره» حیث یقول :

علیک بنی معاویه بن صخر

فأنت بعرعر وهم بضیم (2)

وذکرت مره أخری فی الأصمعیات ضمن بیت شعر ل- «حجل بن نضله» یقول فیه :

أبلغ معاویه الممزّق آیه

عنّی ، فلست کبعض ما یتقوّل (3)

ومن الأعلام أیضا «خزیمه» التی ورد ذکرها عند «أمیه بن أبی الصلت» :

وإنّی لأشقی الناس إن کنت غارما

لعاقبه قتلی خزیمه والخضر (4)

وقد وردت مرتین فی الجمهره منسوبه لجریر :

راحت خزیمه بالجیاد کأنّها

عقبان عادیه یصدن صلالا (5)

وقال أیضا :

قدنا خزیمه قد علمتم عنوه

وشتا الهذیل یمارس الأغلالا (6)

کما ورد ذکرها ثلاث مرات فی «المفضلیات» مره للکلحبه العرنی (واسمه هبیره بن عبد مناف) إذ یقول :

ص: 148

فأدرک إبقاء العراده ظلعها

وقد جعلتنی من خزیمه إصبعا (1)

وذکرت أیضا ضمن بیت لبشر بن أبی حازم یقول فیه :

أثافی من خزیمه راسیات

لنا حلّ المناقب والحرام (2)

وجاءت أیضا للشاعر نفسه وفی المصدر نفسه إذ یقول :

أبی لبنی خزیمه أنّ فیهم

قدیم المجد والحسب النّضار (3)

وذکرت مره أخری فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» فی بیت منسوب لعمر بن همیل :

خزیمه عمّنا وأبی هذیل

وکلّهم إلی عزّ ولیت (4)

ووردت کذلک کلمه «رواحه» الداله علی علم وکما جاء فی شرح دیوان زهیر أنه من عبس (5). وهی قلیله الورود وخاصه عند شعراء الجاهلیه المشهورین فلم أجدها إلا مره واحده فی دیوان زهیر بن أبی سلمی حیث یقول :

سوی أنّ حیا من رواحه أقبلوا

وکانوا قدیما یتّقون المخازیا (6)

وجاءت مرتین فی «المفضلیات» ومرتین فی «الأصمعیات» ، أما فی «المفضلیات» فقد ذکرت ضمن بیت للحرث بن ظالم یقول فیه :

ص: 149

وحشّ رواحه القرشیّ رحلی

بناقته ولم ینظر ثوابا (1)

وذکرها کذلک «الجمیح الأسدی» بقوله :

وبنو رواحه ینظرون إذا

نظر الندیّ بآنف خثم (2)

وأما فی «الأصمعیات» فقد ذکر البیت نفسه هو «وبنو رواحه إلخ» والشاعر نفسه (3) «الجمیح الأسدی» کما أنها وردت فی بیت آخر ل- «زبان بن سیار» حیث یقول :

فإن تسألوا عنا فوارس دارم

ینبئک عنها من رواحه عالم (4)

کما جاء ذکرها فی المفضلیات :

فإن تسألوا عنها فوارس داحس

ینبئک عنها من رواحه عالم (5)

ومن الکلمات التی وردت قلیلا فی الشعر العربی «بهته» وهی علم علی شخص وقد ذکرها النابغه فی شعره مره حین یقول :

لو لا بنو عوف بن بهثه أصبحت

بالنعف أمّ بنی أبیک عقیما (6)

ووردت مرتین فی «الأصمعیات» ولشاعر واحد هو «المتلمّس» وذلک بقوله :

أمنتفلا من نصر بهثه خلتنی

ألا إنّنی منهم وإن کنت أینما (7)

ص: 150

وبقوله أیضا :

أری عصما فی نصر بهثه دائبا

وتعذلنی فی نصر زید فبئس ما (1)

وما ورد قلیلا کلمتا «عمیره وعمره» کما فی الأبیات التالیه :

سائل عمیره حیث حلّت جمعها

عند الحروب بأیّ حیّ تلحق (2)

وقال ربیعه بن مقروم الضبی :

ومعن ومن حیّی جدیله غادرت

عمیره والصّلّخم یکبو ملحّبا (3)

وقد جاء ذکر هذا البیت للشاعر نفسه فی الأصمعیات (4).

وقال «قیس بن الخطیم» کما ورد فی «الجمهره» :

أتعرف رسما کاطّراد المذاهب

لعمره وحشا غیر موقف راکب (5)

وجاء فی «المفضلیات» فی بیت لثعلبه بن صعیر بن خزاعی وهو شاعر جاهلی قدیم یقول فیه :

هل عند عمره من بتات مسافر

ذی حاجه متروّح أو باکر (6)

ومما ذکر قلیلا کلمه «خزاعه» التی وردت مرتین فی کتاب «شرح أشعار الهذلیین» کما هو فی البیت التالی المنسوب لأم عمرو امرأه خذام الخزاعی :

ص: 151

فإن سبقت علیا هذیل بذحلها

خزاعه أو فاتت فکیف اعتذارها (1)

وکما فی قوله «عمرو بن همیل» :

قتلنا بقتلانا خزاعه کلّها

وبکرا ففی الفریقین نعتلی (2)

ومن الکلمات التی وردت قلیلا کلمه «غزیّه» التی جاءت عند «درید بن الصمه» بقوله :

وهل أنا إلّا من غزیّه إن غوت

غویت وإن ترشد غزیه أرشد (3)

وقد ذکر البیت نفسه فی «الأصمعیات» وللشاعر نفسه مع تغییر بسیط وهو أنه جعل «ما» بدلا من «هل» فی قوله : «وما أنا إلا من غزیه». و «غزیه» هو أحد أجداد الشاعر.

وهناک کلمات وردت بصوره مفرده بل إنها اقتصر ذکرها علی بیت واحد ، وذلک مثل «سواءه» التی ذکرها النابغه الذبیانی حین یقول :

وبنو سواءه زائروک بوفدهم

جیشا یقودهم أبو المظفار (4)

ومثل «خناعه ، وذؤیبه» کما فی قوله «معقل بن خویلد».

فدی لبنی خناعه یوم لاقوا

ذؤیبه ما أراح وما أساما (5)

وأیضا کلمه «زلیفه» التی تدل علی حی من هذیل. وقد ذکرها أبو جندب :

ص: 152

من مبلغ ملائکی حبشیّا

أخا بنی زلیفه الصّبحیّا (1)

ومنها کلمه «شعاره» التی هی لقب لصخر الغی وقد جاءت فی بیت شعر لأبی المثلم :

أنسل بنی شعاره من لصخر

فإنّی عن تقفّرکم مکیث (2)

ومن هذه الکلمات القلیله الورود کلمه «صرمه» کما فی قول «أبی شهاب المازنی» :

فذالک إذ نال ابن صرمه

بنعمی فلو أنّ ابن صرمه شاکر (3)

وکذلک کلمه «بعجه» التی هی قبیله من هذیل ، وقد جاءت فی قول «أبی ذؤیب» :

أصیبت بقتلی آل عمرو ونوفل

وبعجه فاختلّت وارث رجوعها (4)

ومنها کلمه «أسامه» التی ذکرها «أبو جندب» بقوله :

أین الفتی أسامه بن لعط

هلّا تقوم أنت أو ذو الإبط (5)

ومثلها کلمه «وائله» وقد ذکرها «أبو جندب» أیضا بقوله :

تلاقوا مثل ما لقیت ثقیف

ووائله بن دهمان بن نصر (6)

ص: 153

وهنا ملاحظه لا بد من ذکرها ألا وهی أن الأسماء التی ذکرت أخیرا وهی «خناعه ، ذؤیبه ، زلیفه ، شعاره ، صرمه ، بعجه ، أسامه ، وائله» قد کان مصدرها واحدا وهو کتاب «شرح أشعار الهذلیین» أی أنها من - هذیل - وبطونها المختلفه. ونلاحظ أیضا أن أکثر ورودها من شاعر معیّن هو «جندب» الذی ذکر من هذه الأسماء ثلاثه.

ووردت کلمات قلیله ومتفرقه عند الشعراء الجاهلیین المعروفین من مثل «زهیر بن أبی سلمی» حیث ذکر کلمه «حذیفه» فی قوله :

حذیفه تیمیه وبدر کلاهما

إلی باذخ یعلو علی من یطاوله (1)

ومثلها «کبشه» التی ذکرها امرؤ القیس حین قال :

خالی ابن کبشه قد علمت مکانه

وأبو یزید ورهطه أعمامی (2)

ومنها «علقمه» التی جاء ذکرها عند «عمرو بن کلثوم» فی قوله :

ورثنا مجد علقمه بن سیف

أباح لنا حصون المجد دینا (3)

و «علقمه» کما فی «الجمهره» هو ابن سیف بن شرحبیل بن معیر إلی ابن تغلب.

ووردت کذلک «حنیفه» «عند الحارث بن حلّزه» إذ یقول :

أم علینا جرّی حنیفه أو ما

جمّعت من محارب غبراء (4)

ص: 154

وفیه شاهد آخر علی المنع من الصرف وهو قوله «غبراء» لوجود ألف التأنیث الممدوده. ومنها أیضا کلمه «سلامه» کما فی قوله «عمرو بن معد یکرب» :

وأجرد مطّردا کالرّشاء

وسیف سلامه ذی فائش (1)

وقد ورد عند «طرفه بن العبد» ثلاث کلمات ، وهی : «ورده» کما فی وقوله :

ما ینظرون بمن ورده فیکم

صفر البنون ورهط ورده غیّب (2)

وکذلک «عبیده» کما فی قوله :

ولقد هممت بذاک إذ حبست

وأمرّ دون عبیده الرذم (3)

ومنها أیضا «قتاده» کما فی قوله :

أبلغ قتاده غیر سائله

منه الثّواب وعاجل الشکم (4)

ومما مرّ نری أن الکلمات السابقه وهی «حذیفه - کبشه - علقمه - حنیفه - سلامه - ورده» قد جاءت عند شعراء جاهلیین معروفین.

وهناک أعلام أخری وردت لکنها قلیله الورود ، فی جمهره أشعار العرب

ص: 155

بالإضافه لما سبق ذکره الکلمات التالیه زلینه (1) - نجیده (2) - ساعده (3) - وخمس فی المفضلیات وهی «داره» التی ذکرها «مزرد بن ضرار الذبیانی» بقوله :

فیا لهفی أن لا تکون تعلّقت

بأسباب حبل لابن داره ماجد (4)

و «حیه» التی وردت عند «ثعلبه بن صعیر» إذ یقول :

تضحی إذا دقّ المطیّ کأنّها

فدن ابن حیّه شاده بالآجر (5)

ومنها کلمه «عماره» وهی اسم لابن زیاد العبسی ذکرها ربیعه بن مقروم» بقوله :

ترکنا عماره بین الرّماح

عماره عبس نزیفا کلیما (6)

وکذلک «مامه» وهو کما جاء فی شرح المفضلیات : أحد أجواد العرب فی الجاهلیه ابن أم دؤاد» (7) وقد ذکرها «الأسود بن یعفر النهشلی» بقوله :

أرضا تخیّرها لدار أبیهم

کعب بن مامه وابن أمّ دؤاد (8)

ص: 156

ومنها «زنیبه» حیث أوردها «متمم بن نویره وهو صحابی» بقوله :

صرمت زنیبه حبل من لا یقطع

حبل الخلیل وللأمانه تفجع (1)

وهناک سبع کلمات متفرقه وردت فی «الأصمعیات» منعت من الصرف للعله ذاتها وهی العلمیه والتأنیث لأنها أعلام مذکره مختومه بتاء التأنیث ، وهی : «خطمه» التی جاءت فی قوله «قیس بن الخطیم» :

أبلغ بنی جحجبی وقومهم

خطمه أنّا وراءهم أنف (2)

و «علبه» کما فی قول «أوس بن غلفاء» :

وهلّا إذ رأیت أبا معاذ

وعلبه کنت فیها ذا انتقام (3)

و «حرزه» کما فی قول «سبیع بن الخطیم» :

فاقنی حیاءک إن ربّک همّه

فی بین حزره والثویر طفیف (4)

ومنها کذلک «قتیبه» فی قول «سهم بن حنظله» :

إذا قتیبه مدّتنی حوالبها

بالدّهم تسمع فی حافاتها لجبا (5)

وجاءت کلمه «مجدعه» ممنوعه من الصرف کما فی قول «سعدی بنت الشمردل» :

جاد ابن مجدعه الکمیّ بنفسه

ولقد یری أنّ المکرّ لأشنع (6)

ص: 157

وفی البیت شاهد آخر علی المنع من الصرف وهو «أشنع» للوصفیه ووزن الفعل.

ومما جاء فی الأصمعیات أیضا «قرّه» کما فی قول «العباس بن مرداس» :

وقرّه یحمیهم إذا ما تبدّدوا

ویطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (1)

وکذلک کلمه «شجنه» حیث ذکرها «سنان بن أبی حارثه» بقوله :

منّا بشجنه والذّباب فوارس

وعتائد مثل السواد المظلم (2)

وفی هذا البیت صرف الشاعر «فوارس ، وعتائد» للضروره الشعریه.

ومن الأعلام المذکره المختومه بالتاء «بیشه» التی وردت مره فی «جمهره أشعار العرب» ضمن بیت شعر «للبید» قال فیه :

حفزت وزایلها السّراب کأنها

أجزاع بیشه أثلها ورضامها (3)

ووردت مره کذلک فی «المفضلیات» للحرث بن ظالم :

وحلّ النّعف من قنوین أهلی

وحلّت روض بیشه فالرّبابا (4)

وجاء فی المفضلیات أیضا خمس کلمات أخری من نفس الصنف وهی «حنیفه» وهناک فی الحقیقه أسماء کثیره التی هی أعلام مذکره مختومه بالتاء ، وقد ورد ذکرها فی کتب الشعر وعند شعراء معروفین ،

ص: 158

وقد یطول بنا المقال إذا ذکرنا لکل واحده بیتا ، ولذلک سأسردها وأبین الصفحه التی یوجد فیها بیت الشعر وذلک من مثل «حنانه» التی ذکرها طرفه بن العبد فی دیوانه (1).

وجاء فی الأصمعیات ذکر کلمتین هما «قدامه (2) ومنوله (3)» وجاء فی المفضلیات خمس کلمات هی «جعده (4) ، وخفاجه (5) ، ضبعه (6) ، جفنه (7) ، صنبه (8) ، غمره (9)».

وجاء فی کتاب «شرح أشعار الشعراء الهذلیین سبع عشره کلمه وهی «نفاثه (10) ، زهره (11) ، غزیه (12) ، بجله (13) ، ذره (14) ، مدرکه (15) ، سحفه (16) ، سنه (17) ، قضاله (18) ، ساعده (19) ، عاصیه (20) ، خیاعه (21) ، أیله (22) ، أثله (23) ، حلیه (24) ، أثیله (25) ، تباله (26).

کما ورد فی «جمهره أشعار العرب» کلمه «ساسه» ضمن بیت شعر للکمیت یقول فیه :

ص: 159

لتترکنا قربی لؤی بن غالب

کسامه إذ أودت وأودی عتیبها (1)

ومما یجدر ذکره هنا هو أن کلمه «أثله» و «أثیله» قد أتتا علمین لمؤنثین کما ورد فی بیت «لقیس بن الحطیم» قال فیه :

بل لیت أهلی وأهل أثله فی

دار قریب من حیث یختلف (2)

فأثله : هو اسم صاحبته.

کذلک جاءت «أثیله» علما علی امرأه کما فی قول «أبی صخر الهذلی» :

قالت أثیله قد تنقصّک البلی

ونکست فی أطمار أشعث ناحل (3)

وفیه شاهد آخر هو «أشعث» حیث منع من الصرف للوصفیه ووزن الفعل.

وقد عجبت أمامه أن رأتنی

تفرّع لّمتی شیب فظیع (1)

کما ذکرها طرفه بن العبد حین قال :

دعی دعوه إذ تنکت النبل صدره

أمامه واستعدی هناک مباشرا (2)

وقد وردت ثلاث مرات فی «المفضلیات فقد جاءت عند الشاعر (منقذ بن الطماح أحد فرسان الجاهلیه یوم جبله وبه قتل ، وکان من فرسان بنی أسد المعدودین) بقوله :

أمست أمامه صمتا ما تکلّمنا

مجنونه أم أحسّت أهل خرّوب (3)

وجاءت أیضا عند الشاعر (بشاره بن عمرو ، وهو خال زهیر بن أبی سلمی ولد مقعدا ولا ولد له) حیث یقول :

هجرت أمامه هجرا طویلا

وحمّلک النّأی عبئا ثقیلا (4)

کما ذکرها «معاویه بن مالک» فی شعره إذ یقول :

طرقت أمامه والمزار بعید

وهنا وأصحاب الرّمال هجود (5)

وقد ذکر هذا البیت للشاعر نفسه فی الأصمعیات (6).

بینما ورد ذکرها مرتین فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» مره لعروه بن مره بقوله :

ص: 161

وقال أبو أمامه یا لبکر

فقلت ومرخه دعوی کبیر (1)

ویجوز أن یکون المسمی بأمامه مذکرا فی هذا البیت إذ اعتاد العرب علی الکنیه بالأبناء.

کما جاء ذکرها فی الکتاب نفسه کذلک لشاعر یسمی (الجموح أخو بنی ظفر وأبو یسر) إذ یقول :

قالت أمامه لما جئت آئبها

هلّا رمیت بباقی الأسهم السّود (2)

ومن هذه الأعلام المؤنثه لفظا ومعنی «ماریه» التی ذکرها «الحارث بن حلّزه» بقوله :

وإلی ابن ماریه الجواد وهل

شروی أبی حسّان فی الأنس (3)

ماریه : أم قیس ممدوحه ، ماریه بنت سیار.

وفی البیت شاهد آخر علی المنع من الصرف وهو «حسان» للعلمیه وزیاده الألف والنون کما أوردها «حسان بن ثابت» بقوله :

أبناء جفنه حول قبر أبیهم

عمرو بن ماریه الکریم المفضل (4)

وفیه شاهد هو «جفنه» منع من الصرف للعله نفسها وهی العلمیه والتأنیث ، وهناک کلمه «خوله» التی ذکرها طرفه بن العبد فی شعره مرات قلیله إذ یقول :

ص: 162

لخوله أطلال ببرقه ثهمد

تلوح کباقی الوشمه فی ظاهر الید (1)

وقد ذکر هذا البیت لطرفه أیضا فی الجمهره (2).

ویقول أیضا :

إذا قلت هل یسلو اللبانه عاشق

تمرّ شئون الحب من خوله الأول (3)

ولم یذکرها غیره من شعراء الجاهلیه المعروفین فیما وقفت علیه من شعرهم.

کما ورد ذکر هذه الکلمه فی «المفضلیات ثلاث مرات ولثلاثه شعراء إذ یقول «المرار بن منقذ» :

عجب خوله إذ تنکرنی

أم رأت خوله شیخا قد کبر (4)

وأوردها کذلک «عبده بن الطبیب» بقوله :

هل حبل خوله بعد الهجر موصول

أم أنت عنها بعید الدّار مشغول (5)

ویقول آخر وهو «عوف بن الأحوص» :

لخوله إذ هم مغنی ، وأهلی

وأهلک ساکنون معا رثاء (6)

ونظیر «خوله» فی ورودها «خویله» وهو تصغیر لخوله فقد ذکرت

ص: 163

مرتین فی المفضلیات إذ أوردها «عبده بن الطبیب» وهو نفس الشاعر الذی استشهدنا بشعره فی ذکر «خوله» فهو یقول :

حلّت خویله فی دار مجاوره

أهل المدائن فیها الدّیک والفیل (1)

ووردت أیضا فی بیت للمرقش الأکبر إذ یقول :

سفها تذکّره خویله بعد ما

حالت قری نجران دن لقائها (2)

وفیه شاهد آخر علی المنع من الصرف وهو «نجران» للعلمیه وزیاده الألف والنون.

منها کلمه «أمیمه» التی وردت عند جمع من شعراء الجاهلیه لامرئ القیس إذ یقول :

أدامت علی ما بیننا من مودّه

أمیمه أم صارت لقول المخبّب (3)

وکزهیر بن أبی سلمی فی قوله :

شطت أمیمه بعد ما صقبت

ونأت وما فنی الجناب فیذهب (4)

وکالشنفری الأزدی (شاعر جاهلی من بنی الحرث بن ربیعه وهو ابن أخت تأبط شرّا) فهو یقول :

فواکبدا علی أمیمه بعد ما

طمعت ، فهبها نعمه العیش زلّت (5)

ص: 164

وممن ذکر هذا الاسم فی شعره «أبو ذؤیب» واسمه خویلد بن خالد ابن محرث وهلک أبو ذؤیب فی زمن عثمان بن عفان رضی الله عنه إذ یقول :

قالت أمیمه ما لجسمک شاحبا

منذ ابتذلت ومثل مالک ینفع (1)

وقد جاء ذکر هذا البیت وللشاعر نفسه بالإضافه لهذا المصدر فی مصدرین آخرین هما «شرح أشعار الهذلیین» (2) ، و «المفضلیات» (3) ، دون أی تغییر ، ومن المصادر التی وردت فیها هذه الکلمه «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» فبالإضافه لبیت أبی ذؤیب ، فقد ذکرت أربع مرات أخری ولشعراء مختلفین من مثل «أبی المثلم الخناعی» إذ یقول :

عذیر أمیمه بالمرفض

کذی همّه النفس لا تنقضی (4)

ومثل «معذل بن خویلد» إذ یقول :

لعمر أبی أمیمه لا أوالی

خزاعه مثل ما والی حبیب (5)

ووردت أیضا عند «الفهری» بقوله :

أبلغ أمیمه والخطوب کثیره

أمّ الولید فإنّنی لم أقتل (6)

ص: 165

وقال «أبو خراش» :

لعمری لقد راعت أمیمه طلعتی

وإنّ ثوائی عند ما لقلیل (1)

ومن الأعلام المؤنثه «میه» التی ذکرها «النابغه الذبیانی» مرتین إذ یقول :

یا دار میّه بالعلیاء فالسند

أقوت وطال علیها سالف الأبد (2)

وقال أیضا :

أمن آل میّه رائح أو مغتد

عجلان ذا زاد وغیر مزوّد (3)

وورد البیت نفسه فی «الجمهره» (4).

کما ذکرها ذو الرمه بقوله :

وقفت علی ربع لمیّه ناقتی

فما زلت أبکی عنده وأخاطبه (5)

وقال أیضا فی موضع آخر :

دار لمیّه إذ میّ تساعفنا

ولا یری مثلها عجم ولا عرب (6)

کما ورد فی «الجمهره» لشاعر آخر وهو «المتلمس» (واسمه جریر بن عبد العزی ویتصل نسبه بمعد بن عدنان) إذ یقول :

ص: 166

کم دون میّه من مستعمل قذف

ومن فلاه بها تستودع العیس (1)

ومما ذکر قلیلا کلمه «خلیده» حیث وردت مره فی «الجمهره» لعبید الراعی (واسمه عبید حصین بن جندل بن قطن بن ربیعه ، ویتصل نسبه بنزار بن معد بن عدنان). إذ یقول :

قالت خلیده : ما عراک؟ ولم نکن

أبدا إذا عرت الشئون سئولا (2)

کما وردت مره فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» علی لسان «خصیب الصخری» حین یقول :

قالت خلیده لما جئت زائرها

هذا خصیب صحیح الجلد لم یصب (3)

ومن الأعلام المؤنثه المختومه بتاء التأنیث «سمیه» التی ذکرت مرتین فی «المفضلیات» حیث جاءت ضمن بیت شعر «للحادره» واسمه قطبه بن محصن بن جرول وهو شاعر جاهلی مقل من غطفان. یقول هذا الشاعر :

بکرت سمیّه بکره فتمتّع

وغدت غدوّ مفارق لم یربع (4)

وجاء أیضا قول «معاویه بن مالک» :

قالت سمیّه : قد غویت بأن رأت

حقّا تناوب ما لنا ووفود (5)

وقد ذکر صاحب «الأصمعیات» البیت نفسه للشاعر نفسه (6).

ص: 167

کما وردت أیضا کلمه «فطیمه» فی «المفضلیات» إذ یقول «المرقش الأصغر» :

وإنّی لأستحیی فطیمه جائعا

خمیصا وأستحیی فطیمه طاعما (1)

وجاءت کذلک فی «الأصمعیات» إذ یقول «عوف بن عطیه» :

سخرت فطیمه أن رأتنی عاریا

جزری إذا لم یخفه ما أرتدی (2)

کما ذکرت مرتین فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» إذ یقول «أبو ذؤیب» :

أللحین قامت هاهنا أم تعرّضت

فطیمه أم کیما یبرّ اعتذارها (3)

ویقول «أبو العیال» :

بخلت فطیمه بالذی تولینی

إلا الکلام وقلّما یجدینی (4)

وهناک مجموعه من الأعلام المؤنثه المختومه بتاء التأنیث التی وردت قلیلا عند الشعراء ، بل لا یکاد یتعدی ذکرها مره واحده وذلک من مثل (ظلامه - عاتکه - حلیمه) التی وردت عند النابغه الذبیانی فی الأبیات التالیه :

أمن ظلامه الدّمن البوالی

بمرفضّ الحبی إلی وعال (5)

بعد ابن عاتکه الثاوی علی أبوی

أضحی ببلده لا عمّ ولا خال (6)

ص: 168

یوما حلیمه کانا من قدیمهم

وعین باغ ، فکان الأمر ما ائتمرا (1)

وجاء عند «عنتره» (سهیه ، زبیه) حیث یقول :

أمن سهیّه دمع العین تذریف

لو أنّ ذا منک قبل الیوم معروف (2)

ویقول أیضا :

تعنّفنی زبیّه فی الملام

علی الإقدام فی یوم الزّحام (3)

وهناک أعلام أخری وردت بصوره مفرده وعند شاعر معین ک- «فاطمه» التی ذکرها زهیر بن أبی سلمی فی قوله :

عفا من آل فاطمه الجواء

فیمن فالقوادم فالحساء (4)

ومنها «قلابه امرأه من بنی یشکر» وقد وردت عند «الخرنق أخت طرفه ابن العبد» إذ تقول :

أبنی قلابه لم تکن عاداتکم

أخذ الدنیّه بعد خطه معضد (5)

ومنها أیضا «جبیره» التی ذکرها «الأعشی» فی معلقته إذ یقول :

لات هنا ذکری جبیره أم من

جاء منها بطائف الأهوال (6)

وجاءت مجموعه کبیره من هذه الأعلام فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» من مثل «سمیحه - ألومه - ضمره - حیه - صعده -

ص: 169

خناعه - قریبه - بثینه - عتیبه - نجوه - حلیه - جویله - علیه - رقیه - نائله - غاده» وذلک فی أبیات للشعراء الآتیه أسماؤهم وهم جمیعا من الهذلیین : أبو جندب الهذلی ، صخر الغی ، ساعده بن العجلان ، معقل بن خویلد ، أمیه بن أبی عائذ ، حذیفه بن أنس ، عمرو ذو الکلب ، أهبان بن لعط بن عروه ، إیاس بن جندب ، عمرو بن أبی حمزه ، تأبط شرّا ، أبو صخر الهذلی ، ملیح بن الحکم ، ساعده بن جؤیه. وذلک فی الصفحات والأجزاء التالیه مرتبه حسب ترتیب الأسماء السابقه : 1 / 17 ، 1 / 259 ، 1 / 340 ، 1 / 391 ، 2 / 524 ، 2 / 551 ، 2 / 573 ، 2 / 727 ، 2 / 836 ، 2 / 800 ، 2 / 845 ، 2 / 931 ، 2 / 965 ، 3 / 1107 ، 3 / 1194.

ومنها أیضا کلمه «زهره» التی جاءت عند «حسان بن ثابت» شاعر رسول الله صلّی الله علیه وسلّم فهو یقول :

وما ولدت أبناء زهره منهم

صمیما ولم یلحق عجائزک المجد (1)

کما جاء فی «الجمهره» أیضا «حسینه» فی بیت شعر لجریر یقول فیه :

ورأت حسینه فی الغداه فوارسی

تحمی النساء وتقسم الأنفالا (2)

ومنها کذلک «عنیزه» التی جاءت فی «الأصمعیات» لضابئ ابن الحارث :

مهامه نیه من عنیزه أصبحت

تخال بها القعقاع غارب أجزلا (3)

ص: 170

ومنها کلمه «تثلیث» التی جاءت عند «طرفه بن العبد» فی دیوانه إذ یقول :

بتثلیب أو نجران أو حیث تلتقی

من النجد فی قیعان جأش مسائله (1)

وذکرها «أعشی باهله» مرتین فهو یقول :

وجاشت النفس لما جاء جمعهم

وراکب جاء من تثلیث معتمر (2)

وقال أیضا :

إنّ الذی جئت من تثلیث تندبه

منه السماح ومنه النهی والغیر (3)

وقد ورد البیتان بعینهما فی «جمهره أشعار العرب» (4) ولأعشی باهله أیضا وتثلیث : علم علی موضع.

وفی بیت «طرفه بن العبد» شاهد آخر علی المنع من الصرف وهو «نجران» للعلمیه والزیاده.

کما ورد عند «طرفه» أیضا «جرثم» وهو اسم موضع «حومل» اسم رمله حیث یقول :

ألا إنّما أبکی لیوم لقیته

بجرثم قاس ، کلّ ما بعده جلل (5)

ویقول :

مؤللتان تعرف العتق فیهما

کسامعتی شاه بحومل مفرد (6)

ص: 172

ومنها کذلک «خثعم» :

فسلی بنی عکّ وخثعم تخبری

وسلی الملوک وطئی الأجیال (1)

ومنها «مضر» إذ یقول «النابغه الذبیانی» :

وهم منعوها من قضاعه کلّها

ومن مضر الحمراء عند التغاور (2)

وفیه شاهد آخر هو «قضاعه» وقد مرّ ذکرها فی الأعلام المختومه بالتاء.

ومن الأعلام المؤنثه التی وردت عند الشعراء الجاهلیین «فید» وهو موضع ، ومبرز الحاج من العراق إذ یقول «لبید» :

مرّیّه حلّت بفید وجاورت

أهل الحجاز فأین منک مرامها (3)

وکذلک «براقش» حصن بالیمن وقد جاءت فی قول «عمرو بن معد یکرب» :

ینادی من براقش أو معین

فأسمع واتلأبّ بنا ملیع (4)

وقد وردت کلمه «فید» کذلک فی «المفضلیات» ضمن بیت «لسلمه بن الخرشب الأنماری» یقول فیه :

وأمسوا حلالا ما یفرّق بینهم

علی کلّ ماء بین فید وساجر (5)

ص: 173

ومنها أیضا «حمیر» التی وردت مرتین فی «جمهره أشعار العرب» علی لسان «علقمه ذو جدن الحمیری» إذ یقول :

ومثلهم فی حمیر لم یکن

کمثلهم وال ولا متّبع (1)

وعلی لسان «تمیم بن أبی بن مقبل» حیث یقول :

من سرو حمیر أبوال البغال به

أنّی تسدّیت وهنا ذلک البینا (2)

وجاء فی الأصمعیات «خثعم» إذ یقول «مالک بن حریم الهمدانی» :

ونحن جلبنا الخیل من سرو حمیر

إلی أن وطئنا أرض خثعم أجمعا (3)

وورد أیضا «کلثم» کما فی قول «أبی مهدیه» إذ یقول :

قد کاد یقتلنی أصمّ مرقّش

من جبّ کلثم والخطوب کثیر (4)

وجب کلثم : الظاهر أنه بئر بعینه ، والجب بئر وفیه شاهد آخر وهو «أصم» للوصفیه ووزن الفعل.

ومنها أیضا «جراد» کما فی قول «ربیعه بین مقروم» إذ یقول :

ویوم جراد استلحمت أسلاتنا

یزید ولم یمرر لنا قرن أعضبا (5)

وفیه شاهدان آخران وهما «یزید» و «أعضب» فالأول منع للعلمیه ووزن الفعل ، والثانی للوصفیه ووزن الفعل.

ص: 174

ومن هذه الأعلام کذلک «بعاث» التی ذکرها «قیس بن الخطیم» بقوله :

وأبنا إلی أبنائنا ونسائنا

وما من ترکنا فی بعاث بآیب (1)

وقد ورد فی «المفضلیات» مجموعه من هذه الأعلام المؤنثه معنی لا لفظا من مثل «ثجر» کما فی قوله عبد الله بن سلمه الغامدی :

ولم أر مثل بنت أبی وفاء

غداه براق ثجر ولا أحوب (2)

ومثلها «تیمن» وهو موضع بالیمن کما جاء فی شعر «الحارث بن وعله» إذ یقول :

نجوت نجاء لم یر الناس مثله

کأنّی عباب عند تیمن کاسر (3)

ویمکن أن یعتبر المانع من الصرف هو العلمیه ووزن الفعل.

وأوردها کذلک «ربیعه بن مقروم» إذ یقول :

وأضحت بتیمن أجسادهم

یشبّهها من رآها الهشیما (4)

ومنها «خیبر» التی ذکرها «الأخنس بن شهاب التغلبی» بقوله :

ظللت بها أعری وأشعر سخنه

کما اعتاد محموما بخیبر صالب (5)

ووردت هذه الکلمه أیضا فی «شرح أشعار الهذلیین» فی بیت شعر «لملیح ابن الحکم» یقول فیه :

ص: 175

بذی حبک مثل القنی تزینه

جدامیه من نخیل خیبر دلّع (1)

ومنها أیضا «دمشق» التی وردت فی «المفضلیات» فی شعر «الشبیب بن البرصاء» یقول فیه :

إذا احتلّت الرنقاء هند مقیمه

وقد حان منّی من دمشق بروج (2)

وکذلک وردت کلمه «منبج» وهی بلده فی قول الشاعر «زبان بن سیار المری» :

حلق أحلّوها الفضاء کأنّهم

من بین منبج والکثیب قیول (3)

ومنها «جدود» اسم لموضع ، وقد جاءت فی قول الشاعر «الممزق العبدی» إذ یقول :

فجالت علی أجوازها الخیل بالقنا

تواضع من قرنی جدود وتمرق (4)

وکذلک ورد فی (شرح أشعار الشعراء الهذلیین) مجموعه من هذه الأعلام المؤنثه معنی لا لفظا کلمه «جذام» التی أوردها «أبو ذؤیب» بقوله :

کأنّ ثقال المزن بین تضارع

وشابه برک من جذام لبیج (5)

ومنها «هضاض» وهی اسم لواد ، وقد ذکرها «مالک بن الحارث» بقوله :

ص: 176

إذا خلّفت باطنتی سرار

وبطن هضاض حیث غدا صباح (1)

ومن هذه الأعلام أیضا «قراس» (جبل أو صخر) التی ذکرها «أبو صخر الهذلی» بقوله :

مجاجه نحل من قراس سیئه

بشاهقه جلس یزلّ بها الفقر (2)

ومنها «ظفر» وهی اسم لقبیله ، وردت عند «عبد مناف بن ربع» إذ یقول :

ألا أبلغ بنی ظفر رسولا

وریب الدّهر یحدث کلّ حین (3)

وکذلک «مرّ» التی ذکرها «عامر بن سدوس» حین یقول :

بما قد أراهم بین مرّ وسایه

بکلّ مسیل منهم أنس عبر (4)

أرسما جدیدا من سعاد تجنب؟

عفت روضه الأجداد منها فیثقب (1)

وفی قوله :

بانت سعاد وأمسی حبلها انجذما

واحتلّت الشرخ فالأجزاع من إضما (2)

وفی قوله أیضا :

نأت بسعاد عنک نوی شطون

فبانت ، والفؤاد بها رهین (3)

وجاءت أیضا عند «امرئ القیس» إذ یقول :

لعمری لقد بانت بحاجه ذی هوی

سعاد وراعت بالفراق مروعا (4)

کما ذکرها «کعب بن زهیر بن أبی سلمی» بقوله :

بانت سعاد فقلبی الیوم متبول

متیّم إثرها لم یفد مکبول (5)

وقال «ربیعه بن مقروم» :

بانت سعاد فأمسی القلب معمودا

وأخلفتک ابنه الحر المواعیدا (6)

ومن هذه الأعلام المؤنثه حقیقه لا لفظا «میسون» وهو علم قدیم کسعاد حیث إنه ورد فی شعر «الحارث بن حلّزه» إذ یقول :

إذ أحلّ العلاه قبّه میسو

ن فأدنی دیارها العوصاء (7)

ص: 178

ومنها أیضا کلمه «لمیس» وهی اسم امرأه کذلک ، وقد جاءت عند «الطرمّاح بن حکیم» إذ یقول :

سوف تدنیک من لمیس سبنتا

ه أمارت بالبول ماء الکراض (1)

وقد وردت «بلقیس» فی شعر «علقمه ذو جدن الحمیری» إذ یقول :

أو مثل صرواح وما دونها

مما بنت بلقیس أو ذو تبع (2)

ویمکن اعتبار المانع من الصرف فی «بلقیس» هو العلمیه والعجمه.

أما «زینب» فقد جاءت عند «أمیه بن أبی عائذ» بقوله :

خیال لزینب قد هاج لی

نکاسا من الحبّ بعد اندمال (3)

وردت «خندف» وهی اسم امرأه إلیاس بن مضر ، عند شاعر یقال له «المرار بن منقذ وهو من بنی تمیم بن مر بن أد بن طابخه بن إلیاس» حیث یقول :

أنا من خندف فی صیّابها

حیث طاب القبص منه وکثر (4)

ص: 179

وقوله :

من مبلغ عمرو بن هند آیه

ومن الفضیحه کثره الأنذار (1)

وفی قوله أیضا :

ولکن ما أتاک عن ابن هند

من الحزم المهین والتمام (2)

وذکرها «امرؤ القیس» مصروفه ثلاث مرات کذلک ، وذلک فی الأبیات التالیه :

دیار لهند والرّباب وفرتنی

لیالینا بالنّعف من بدلان (3)

ومنه قوله :

دار لهند والرّباب وفرتنی

ولیس قبل حوادث الأیّام (4)

وقوله :

ألا یا لهف هند إثر قوم

هم کانوا الشّفاء فلم یصابوا (5)

وقد ذکر هذا البیت فی «الأصمعیات» أیضا (6).

وذکرها کذلک «طرفه بن العبد» ثلاث مرات مصروفه فیما یأتی من أبیات :

ص: 181

لهند بحزّان الشریف طلول

تلوح وأدنی عهدهن محیل (1)

وقوله :

لعمرک إنّ قابوس بن هند

لیخلط ملکه نوک کثیر (2)

وقوله :

أعمرو بن هند ما تری رأی صرمه

لها سبب ترعی به الماء والشّجر (3)

کما أنها وردت مره فی «المفضلیات» مصروفه فی بیت «للمثقب العبدی» إذ یقول :

ألا إنّ هندا أمس رثّ جدیدها

وضنّت وما کان المتاع یؤودها (4)

ووردت فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» مرتین وقد صرفت فی کل مره وذلک حیث یقول «خالد بن زهیر» :

لعمر بنی هند لقد دقّ مضغکم

ونؤتم إلی أمر إلیّ عجیب (5)

ویقول «المنتخل» :

لکن کبیر بن هند یوم ذلکم

فتح الشمائل فی أیمانهم روح (6)

ومن هذه الأعلام کلمه «عبس» وهی علم علی قبیله «عنتره» المشهوره

ص: 182

وقد ذکرت فی دیوان «عنتره» ثلاث عشره مره ، منعت فی بیتین ، وصرفت فی الباقی وذلک کما هو واضح من الأبیات التالیه :

وإنی الیوم أحمی عرض قومی

وأنصر آل عبس علی العداه (1)

ویقول أیضا :

بنی عبس سودوا فی القبائل وافخروا

بعبد له فوق السماکین منبر (2)

«فعبس» منع من الصرف فی هذین البیتین.

لله درّ بنی عبس لقد نسلوا

من الأکارم ما قد نسل العرب (3)

ویقول :

فدونکم یا آل عبس قصیده

یلوح لها ضوء من الصبح أبلج (4)

وفیه شاهد علی المنع من الصرف وهو «أبلج» حیث الوصفیه والوزن.

ویقول أیضا :

تداعی بنو عبس بکلّ مهنّد

حسام یزیل الهام والصّفّ جایج (5)

وجاء قوله :

ولو لا صارمی وسنان رمحی

لما رفعت بنو عبس عمادا (6)

ص: 183

وقوله :

ولو لا سنانی والحسام وهمّتی

لما ذکرت عبس ولا نالها فخر (1)

وقوله أیضا :

ولقد علقت بذیل من فخرت به

عبس وسیف أبیه أفنی حمیرا (2)

ومنه قوله :

لله درّ بنی عبس لقد بلغوا

کلّ الفخار ونالوا غایه الشّرف

ویقول :

لما سمعت دعاء مرّه إذ دعا

ودعاء عبس فی الوغی ومحلل (3)

وفی هذا البیت صرف «عبس» ومنع «مرّه» من الصرف.

ویقول أیضا :

نادیت عبسا فاستجابوا بالقنا

وبکلّ أبیض صارم لم ینجل (4)

وفیه منع «أبیض» من الصرف للوصفیه ووزن الفعل.

ومنه قوله :

وأنا المجرّب فی المواقف کلّها

من آل عبس منصبی وفعالی (5)

ص: 184

وقوله أیضا :

فتحمّلا یا صاحبی رسالتی

إن کنتما عن أرض عبس تعدلا (1)

ومن الشعراء الذین وردت عندهم کلمه «عبس» مصروفه «زهیر بن أبی سلمی» إذ یقول :

تدارکتما عبسا وذبیان بعد ما

تفانوا ودقّوا بینهم عطر منشم (2)

وفیه منع «ذبیان» من الصرف للعلمیه وزیاده الألف والنون.

کما أنها وردت فی شعر «النابغه الذبیانی» إذ یقول :

ألا زعمت بنو عبس بأنّی

ألا کذبوا ، کبیر السّنّ فان (3)

ومن هذه الأعلام «قیس» وهی علم قبیله مشهوره. وقد جاء ذکرها عند «امرئ القیس» إذ یقول :

فما کان قیس هلکه هلک واحد

ولکنه بنیان قوم تهدّما (4)

کما أنها جاء عند «زهیر بن أبی سلمی» فی قوله :

فلو کنتم بنی الأحوار قیسا

لأنعمتم کما فعل الخیار (5)

کما ذکرها «طرفه بن العبد» فی دیوانه بقوله :

ففداء لبنی قیس علی

ما أصاب الناس من سرّ وضرّ (6)

ص: 185

ففی حین رأینا أن «قیس» صرف فی الأبیات السابقه نری أن «مصر» منعت من الصرف کما یتضح فی البیتین التالیین :

وقد علمت کعب غوایه أمرها

إذا مصر صارت بالرجال وشامها (1)

وکما فی قول الشاعر «أمیه بن أبی عائد» :

متی راکب من أهل مصر وأهله

بمکه من مصر العبشیّه راجع (2)

فقد منع «مصر» مرتین کما منع «مکه» أیضا للعله ذاتها.

ومن الأعلام «هذیل» إذ وردت فی «شرح أشعار الشعراء الهذلیین» ممنوعه مره فی قوله «البریق بن عیاض» :

إنّی امرؤ فی هذیل ناصره

مرتجل فی الحروب ما ارتجلوا (3)

بینما وردت ثلاث عشره مره مصروفه کما هو واضح فی الأبیات التالیه :

لقد علمت هذیل أنّ جاری

لدی أطراف غینا من ثبیر (4)

وکقول معقل بن خویلد :

تقول سلیم سالمونا وحاربوا

هذیلا ولم تقطع بذلک مطعما (5)

ویقول «معقل بن خویلد» أیضا :

أساءت هذیل فی السیاق وأفحشت

وأفرط فی السوق والقبیح إسارها (6)

ص: 186

ویقول «أمیه بن أبی عائذ» :

هذیل حموا قلب الحجاز وإنما

حجار هذیل یفرع الناس من عل (1)

ویقول «أبو ذره الهذلی» :

إنّ هذیلا عمّنا لن نذره (2)

ویقول «أبو المروق» :

ولو جاورتموه فی هذیل

لردّکم وأمّکم العنابا (3)

ویقول «عمرو بن همیل» :

خزیمه عمّنا وأبی هذیل

وکلّهم إلی عزّ ولیت (4)

وفیه منع «خزیمه» من الصرف للعلمیه والتأنیث.

ویقول «أمیه بن الأشکر» :

فهلّا أباکم فی هذیل وعمّکم

ثأرتم وهم أعدی قلوبا وأوتر (5)

وتقول «ریطه بنت عاصیه» :

شبّت هذیل وبهر بینها إره

فما تبوخ ولا ینفکّ صالیها (6)

ص: 187

وتقول أیضا :

کانت هذیل تمنّی قتله سلما

فقد أجیبت فلا تعجب أمانیها (1)

ویقول «عبد الله بن جندب» :

أتترک نفس فی «هذیل» مریضه

محاذره قتلا بغیر قتیل (2)

ویقول «أبو خراش» :

أصیبت هذیل یا ابن لبنی وجدّعت

أنوفهم باللّوذعیّ الحلاحل (3)

ومنها «عرعر» فقد ذکرت ثلاث مرات ممنوعه من الصرف ومرتین مصروفه کما یتضح من الأبیات التالیه :

عمرو وعبد مناف والذی عهدت

ببطن عرعر آبی الضیم عبّاس (4)

وقد ذکر هذا البیت لشاعرین هما «أبو ذؤیب ، ومالک بن خالج الخناعی» (5) وفی کلا الحالین قد منع «عرعر» من الصرف.

کما وردت ممنوعه من الصرف أیضا عند شاعر آخر هو «الأبح بن مره» إذ یقول :

لعمرک ساری بن أبی زنیم

لأنت بعرعر الثأر المنیم (6)

ص: 188

وقد جاءت مصروفه مرتین فی نفس المصدر «الشعراء الهذلیین» وذلک عند «أمیه بن أبی عائذ» إذ یقول :

وما ریح شتّ بالبلاد وعرعر

کریح الخزامی أو جناه القرنفل (1)

ووردت کذلک عند «الأبح بن مره» بقوله :

علیک بنی معاویه بن صخر

فأنت بعرعر وهم بضیم (2)

ونلاحظ أن الشاعر «الأبح بن مره» قد منعها من الصرف مره وصرفها مره أخری کما سبق ذکره.

کما أننا نسجل ملاحظه أخری جدیره بالذکر وهی أن کلمتی «هذیل وعرعر» قد ذکرتا فی مصدر واحد وهو کتاب «شرح أشعار الشعراء الهذلیین».

ومن هذه الأعلام أیضا «عبله» التی اختص عنتره بذکرها فی شعره فقد ذکرها اثنتی عشره مره ممنوعه من الصرف وذلک فی الأبیات التالیه :

لعلّ عبله وهی راضیه

علی سوادی وتمحو صوره الغضب (3)

وقوله :

دیار لذات الخدر عبله أصبحت

بها الأربع الهوج العواصف ترهج (4)

وبقوله :

فالقتل لی من بعد عبله راحه

والعیش بعد فراقها منکود (5)

ص: 189

ویقول کذلک :

فلا کحلت أجفان عینی بالکری

ولا جاءنی من طیف عبله مخبر (1)

ویقول :

زار الخیال خیال عبله فی الکری

لمتیّم نشوان محلول العری (2)

وفیه شاهد وهو «نشوان» إذ منعه من الصرف الوصفیه وزیاده الألف والنون ویقول أیضا :

لا ولا عبله من بعض إلا ما

مثلها مع مثلک الدهر جمع (3)

ویقول :

دار لعبله شط عنک مزارها

ونأت ففارق مقلتیک هجوعها (4)

ومنه قوله :

یا ریح لو لا أنّ فیک بقیّه

من طیب عبله مت قبل لقاک (5)

وقوله :

وما کنت لو لا حبّ عبله حائلا

بدلّک أن تسقی غضی وأراکا (6)

ص: 190

وقوله کذلک :

وتظلّ عبله فی الخدور تجرّها

وأظلّ فی حلق الحدید المبهم (1)

ویقول أیضا :

ولئن سألت بذاک عبله خبّرت

أن لا أرید من النساء سواها (2)

وقوله کذلک فی «جمهره شعراء العرب» :

یا دار عبله بالجواء تکلّمی

وعمی صابحا دار علبه واسلمی (3)

هذه هی الأبیات التی وردت «عبله» فیها ممنوعه من الصرف ، وبجانب ذلک هناک ثمانیه أبیات جاءت فیها کلمه «عبله» مصروفه وتلک الأبیات هی :

وآخذ مال عبله بالمواضی

ویعرف صاحب الإیواء قدری (4)

وقوله أیضا :

لقد وعدتنی عبله یوم بینها

وداع یقین أننی غیر راجع (5)

وقوله :

أتذکر عبله وتبیت حیا

ودون خبائها أسد مهول (6)

ص: 191

وقوله :

هذه نار عبله یا ندیمی

قد جلت ظلمه الظلام البهیم (1)

ویقول کذلک :

أذلّ لعبله من فرط وجدی

وأجعلها من الدنیا اهتمامی (2)

ویقول :

أیطلب عبله منی رجال

أقلّ الناس علما بالیقین (3)

ویقول :

أیأخذ عبله وغد ذمیم

ویحظی بالغنی والمال دونی (4)

والبیت الثامن هو قوله :

أسائله عن عبله فأجابنی

غراب به ما بی من الهیمان (5)

ففی هذه الأبیات الثمانیه جاءت «عبله» مصروفه ، ومن الجائز أن یکون سبب صرفها هو الوزن الشعری أی الضروره الشعریه.

کما جاء عند عنتره أیضا ذکر «عبیله» تصغیر «عبله» ولکن ذکرها أقل إذ جاءت ممنوعه من الصرف فی سبعه أبیات ، ومصروفه فی بیتین آخرین أی أنها ذکرت عنده تسع مرات ، أما أبیات المنع فهی :

ص: 192

کأن فؤادی یوم قمت مودعا

عبیله منّی هارب یتمعّج (1)

وقوله :

ضحکت عبیله إذ رأتنی عاریا

خلق القمیص وساعدی مخدوش (2)

وقوله :

فیا نسمات البان بالله خبّری

عبیله من رحلی بأی المواضع (3)

وقوله أیضا :

لقد قالت عبیله إذ رأتنی

ومفرق لّمتی مثل الشّعاع (4)

ویقول :

عجبت عبیله من فتی متبدل

عاری الأشاجع شاحب کالمنصل (5)

ویقول :

وخبّر عن عبیله أین حلّت

وما فعلت بها أیدی اللیالی (6)

وقوله :

تری علمت عبیله ما ألاقی

من الأهوال فی أرض العراق (7)

ص: 193

وورد قوله أیضا :

فیا طالما مازحت فیها عبیله

ومازحنی فیها الغزال المغنّج (1)

وقوله :

ودون عبیله ضرب المواضی

وطعن منه تکتحل المآقی (2)

ففی هذین البیتین صرف «عبیله».

قد ورد فی «شرح أشعار الهذلیین» کلمه «شموس» إذ ذکرت مرتین منعت فی إحداهما وصرفت فی الأخری ، أما شاهد المنع فهو قوله :

دیار من شموس وجارتیها

وأمّ الجهم فی الحقب الخوالی (3)

وهذا البیت «لأبی صخر الهذلی».

وأما شاهد الصرف فهو «لملیح بن الحکم» إذ یقول :

وجاءت بحدثان اللقاح کأنّه

شموس إذا ما نسمع النفر تصدف (4)

ومما صرف مما یستحق المنع کلمه «عنیزه» ، إذ ذکرها «امرؤ القیس» مصروفه بقوله :

ویوم دخلت الخدر خدر عنیزه

فقالت لک الویلات إنک مرجلی (5)

کما صرفها «متمم بن نویره» بقوله :

إذا عصب الرکبان بین عنیزه

وبولان عاجوا المبقیات المهاربا (6)

ص: 194

وهناک أعلام منعت فیما سبق ذکره بینما نراها ضمن بیت قد صرف وذلک مثل کلمه «کنده» فقد ذکرناها ضمن الأبیات السابقه ممنوعه من الصرف بینما نراها مصروفه فی البیت التالی :

هم ضربوا یوم ذی کنده

مقدمه الجیش ضربا رعبلا (1)

ومثل کلمه «زبیبه» التی منعت فیما سبق بینما صرفت فی البیت التالی.

وعند عنتره إذ تقول :

ینادوننی فی السلم یا ابن زبیبه

وعند صدام الخیل یابن الأطایب (2)

ومنها «زینب» التی وردت مصروفه فی شعر «ربیعه بن مقروم الضبی» بقوله :

تذکّرت والذکری نهیجک زینبا

وأصبح باقی وصلها قد تقضّبا (3)

و «نخله» التی هی اسم موضع وکان الأصل فیها المنع من الصرف إلا أنها صرفت فی بیت شعر «لأبی کبیر الهذلی» إذ یقول :

فارقته یوما بجانب نخله

سبق الحمام به زهیر تلهّفی (4)

وقد وردت کلمه «حلیمه» مصروفه کذلک فی شعر «النابغه الذبیانی» إذ یقول :

تورثن من أزمان یوم حلیمه

إلی الیوم قد جرّبن کلّ التجارب (5)

ص: 195

یوم حلیمه : من أیام العرب المشهوره فی الجاهلیه.

کما جاءت کلمه «حنظله» فی شعر «امرئ القیس» إذ یقول :

لم یفعلوا فعل آل حنظله

إنّهم خیر بئس ما ائتمروا (1)

ومنها «صریحه» التی صرفها «عمرو ذو الکلب» إذ یقول :

فلست لحاصن إن لم ترونی

ببطن صریحه ذات النّجال (2)

ص: 196

الصوره

ص: 198

الصوره

ص: 199

ص: 200

لأن فعیلا لا یقع فی کلامهم محدودا عن فویعل وأشباهه کما لم یقع فعل نکره محدودا عن عامر ، فصار تحقیره کتحقیر عمرو کما صارت نکرته کصرد وأشباهه» (1).

ولم یمنع الاسم من الصرف إلا لاجتماع فرعین أو أکثر فیه ، فمثلا التعریف فرع من التنکیر ، والتأنیث فرع من التذکیر ، والزیاده فرع من التام وعدم الزیاده کما أن العجمه فرع من الأصل العربی ، ومن هذه الفروع العدل فالعدل إذن فرع کما یقول الزجاج : «ومنها (أی ومن الفروع) عدل الاسم عن جهته ، فإن العدل فرع أیضا ، لأن عدلک إیاه عن أصله هی إزاله عن الأصل» (2) وبناء علی ذلک «فعامر هو الأصل» و «عمر» فرع عنه ولهذا جاء فی الأصول لابن السراج : «ومعنی العدل أن یشتق من الاسم النکره اسم ، ویغیر بناؤه ، إما لإزاله معنی إلی معنی ، وإما لأن یسمی به ، فأما الذی عدل لإزاله معنی إلی معنی ، فمثنی وثلاث ورباع وأحاد ، فهذا عدل لفظ ، ومعناه ، عدل عن معنی اثنین إلی معنی اثنین اثنین وعن لفظ اثنین إلی لفظ مثنی ، وکذلک أحاد عدل عن لفظ واحد إلی لفظ أحاد ، وعن معنی واحد إلی معنی واحد واحد ، وسیبویه یذکر أنه لم ینصرف ، لأنه معدول «وأنه صفه» ولو قال قائل : «إنه لم ینصرف ، لأنه عدل فی اللفظ والمعنی جمیعا وجعل ذلک لکان قولا.

فأما ما عدل فی حال التعریف فنحو : «عمر ، وزفر ، وقثم ، عدلن عن عامر وزافر وقاثم .. أما قولهم : یا فسق ، فإنما أرادوا : یا فاسق ، وقد ذکر

ص: 202

فی باب النداء ، «وسحر إذا أردت سحر لیلتک فهو معدول عن الألف واللام» (1).

وقد بیّن لنا ابن السراج هنا معنی العدل وهو التحویل والانتقال من صوره إلی صوره ، ثم بیّن الغرض من هذا التحویل وهو إما إزاله معنی إلی معنی آخر ، وإما لأن یسمی به. کما سنعرف ذلک إن شاء الله. وذکر فی شرح «الکافیه» أن العدل إخراج الاسم عن صیغته الأصلیه بغیر القلب لا للتخفیف ولا للإلحاق ولا لمعنی ، فقولنا بغیر القلب لیخرج نحو «أیس» فی «یأس». وقولنا : ولا للتخفیف احتراز عن نحو «مقام ومقول وفخذ وعنق» وقولنا «ولا للإلحاق» لیخرج نحو «کوثر» وقولنا «ولا لمعنی» لیخرج نحو «رجیل ورجال» (2).

والعدل فیه معنی الاشتقاق کما جاء فی شرح المفصل لابن یعیش : «وأما العدل فهو اشتقاق اسم من اسم علی طریق التغییر له نحو اشتقاق عمر من عامر. والمشتق فرع علی المشتق منه» (3). ثم بیّن الفرق بین العدل والاشتقاق «والفرق بین العدل وبین الاشتقاق الذی لیس بعدل أن الاشتقاق یکون لمعنی آخر أخذ من الأول کضارب من الضرب ، فهذا لیس بعدل ، ولا من الأسباب المانعه من الصرف ، لأنه اشتق من الأصل بمعنی الفاعل ، وهو غیر معنی الأصل الذی هو الضرب ، والعدل هو أن ترید لفظا ثم تعدل عنه إلی لفظ آخر ، فیکون المسموع لفظا ، والمراد غیره ، ولا یکون العدل فی المعنی إنما یکون فی اللفظ ، فلذلک کان سببا ، لأنه

ص: 203

فرع علی المعدول عنه ، فعمر علم معدول عن عامر علما أیضا ، وکذلک زفر معدول عن زافر علما أیضا ، وفی الأعلام زافر ، وإلیه تنسب الزافریه ، من زفر الحمل یزفره إذا حمله ، وقثم معدول عن قاثم علما ، وهو منقول من القائم وهو اسم الفاعل من قثم إذا أعطی کثیرا ، وزحل معدول عن زاحل سمی بذلک لبعده ، فهذه الأسماء کلها معدوله ، ألا تری أن ذلک لیس فی أصول النکرات» (1).

وجاء فی الهمع : «العدل : وهو صرفک لفظا أولی بالمسمی إلی آخر وهو فرع عن غیره ، لأن أصل الاسم أن یکون محرّفا عما یستحقه بالوضع لفظا أو تقدیرا» (2) فخروج الاسم عن الأصل الذی وضع له أدی إلی منعه من الصرف.

وذکر فی الارتشاف أن : «العدل صرف لفظ أول بالمسمی إلی آخر فیمنع مع الصفه نحو : مثنی وثلاث» هذا مذهب سیبویه والخلیل وذهب الأعلم إلی أنه لا تدخله التاء فضارع أحمر فلم ینصرف ، فهو معدول عن أصله» (3).

إذن فالعدل انتقال من صوره إلی أخری لفائده ، وهذا الانتقال هو انتقال من أصل إلی فرع أدی إلی خروجه من حکمه الإعرابی الأصلی وهو الإعراب المصحوب بالتنوین إلی إعراب فرعی وهو المجرد من التنوین ، وقد وضح الأمر من خلال التعریفات التی أوردناها للنحاه.

ص: 204

جاء فی شرح الکافیه : ویعنی بالعدل المحقق ما یتحقق حاله بدلیل یدل علیه غیر کونه معدولا ، بخلاف العدل المقدر فإنه الذی یصار إلیه لضروره وجدان الاسم غیر منصرف وتعذر سبب آخر غیر العدل ، فإن عمر ، مثلا لو وجدناه منصرفا لم نحکم قط بعدوله عن عامر بل کان کأدد» (1) وأما ثلاث ومثلث فقد قام دلیل علی أنهما معدولان عن ثلاثه ثلاثه وذلک أنا وجدنا «ثلاث» و «ثلاثه وثلاثه» بمعنی واحد.

فیه العدل لئلا یکون المنع بالعلمیه وحدها مثل : عمر ، زفر .. فلو سمع مصروفا لم یحکم بعدله مثل : أدد «وهو جد إحدی القبائل العربیه وهذا النوع التقدیری خاص بالأعلام ومنها عمر - زفر - جشم - جمح .. ولا دلیل یدل علیه إلا منع العلم من الصرف وعدم وجود عله أخری تنضم إلی العلمیه فی منع صرفه» (1).

فائدتین إحداهما : لفظیه وهی التخفیف ، والأخری معنویه وهی تمحیض العلمیه إذ لو قیل عامر لتوهم أنه صفه» (1) إذن ما ذکر فی شرح الکافیه هو فائده راجعه إلی الاختصار الحاصل فی نحو مثنی وثلاث ورباع ، وهی فائده لفظیه ، وما ذکر فی حاشیه الصبان هو فائده راجعه إلی المعنی وهی استقرار العلمیه وتمحیضها فی نحو عمر وزفر بعد عدلهما من عامر وزافر. وتلک فائده معنویه إذ لو وردت صیغه «فعل» مصروفه لحکمنا علیها بعدم العدل کما ورد فی «حاشیه الصبان» متمما الکلام السابق : «فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه لیس بمعدول ، وذلک نحو «أدد» وهو عند سیبویه من الود ، فهمزته عن واو ، وعند غیره من الأد وهو العظیم ، فهمزته أصلیه ، فإن وجد فی فعل مانع مع العلمیه لم یجعل معدولا نحو «طوی» ، فإن منعه للتأنیث والعلمیه ، ونحو «تتل» اسم أعجمی فالمانع له العجمه والعلمیه عند من یری منع الثلاثی للعجمه ، إذ لا وجه لتکلف تقدیر العدل مع إمکان غیره» (2) ، ومعنی هذا الکلام أنه عند ورود صیغه مصروفه حکمنا بعدم العدل ، وأمّا إذا کانت ممنوعه من الصرف ووجد بجانب العلمیه عله أخری غیر العدل لم نقل إنها معدوله کما رأینا فی نحو «طوی» فهی ممنوعه للعلمیه والتأنیث ، وکذلک «تتل» فهی ممنوعه للعلمیه والعجمه عند من یری منع الأعجمی الثلاثی ، ولعلّ هذا القول یدلّ علی أن العدل علّه ضعیفه لا تقوی علی الظهور عند وجود علل أخری کالتأنیث والعجمه. ولعلّ هذا

ص: 207

یجعلنا نحکم بأن العدل وما یتعلق به أمور تصوریه وفیه شیء من التکلّف ، بینما التأنیث والعجمه أمران من واقع اللغه ولهذا کان تأثیرهما أکبر ، وأقوی.

وذکر الأستاذ عباس حسن تعلیقا علی هذا قوله : «وکل ما قیل فی العدل وتعریفه وتقسیمه مصنوع متکلف. ولا مرد لشیء فیه إلا السماع وخیر ما یقال عند الإعراب فی سبب المنع أنه العلمیه وصیغه فعال أو مفعل ، أو فعل ، أو غیرها من الصیغ الممنوعه نصّا عن العرب (1) إذن فقد اقترح الأستاذ عباس حسن أن نقول فی نحو «حذام وقطام أنه ممنوع من الصرف (عند بعض العرب) للعلمیه وصیغه «فعال» وإذا قلنا «مثنی» حکمنا أنه ممنوع من الصرف للعلمیه وصیغه «مفعل» وإذا قلنا «عمر وزفر» قلنا إنه ممنوع من الصرف للعلمیه وصیغه «فعل» وهکذا. وأری أن هذا الإعراب فیه نوع من الواقع اللغوی دون تکلف.

وجاء أن ما یمنع من الصرف بسبب العدل قسمان ، قسم خاص بالأعلام کعمر وزفر ، وغیرهما مما کان علی وزن فعل. أو ما کان مؤنثا علی زنه «فعال» کحذام وقطام ورقاش ورأی العرب فی مثل هذه الأعلام المؤنثه. وکذلک «أمس» و «سحر» والآراء المتعلقه بهما. وأیضا ما کان علی وزن «فعل» من ألفاظ التوکید نحو «جمع - کتع - بتع» إذ إن کل واحد علم جنس علی الإحاطه والشمول.

تلک هی الصور التی یمکن ضمها ووضعها تحت عنوان الأعلام المعدوله والتی سنناقشها بشیء من التفصیل. والطرف الثانی المتعلق بالعدل فی الممنوعات من الصرف هو الأوصاف المتمثله فی «نحو

ص: 208

ثلاث ومثلث ورباع مربع ، وخماس مخمس ، وغیرها من ألفاظ العدل». ثم کلمه «أخر» والآراء المتعلقه بها.

فالأعلام الآتیه علی زنه «فعل» تمنع من الصرف بشرط أن تکون مفرده ، مذکره ، معرفه ، مکبره. ویلاحظ أن السماع عن العرب هو الضابط الحقیقی إذ لو جاء أحد هذه الأعلام مخالفا لهذه الشروط المأخوذه من السماع بأن کان جمعا أو مؤنثا أو نکره أو مصغرا لصرف.

وجاء فی المقتضب : «فأما ما کان منه لم یقع إلا معرفه ، نحو : عمر ، وقثم ، ولکع ، فإنه غیر مصرف فی المعرفه لأنه الموضع الذی عدل فیه. ألا تری أنک لا تقول : هذا القثم ، ولا هذا العمر ، کما تقول : هذا الجعل ، وهذا النغر» (1).

وأشار المبرد فی الکامل إلی أصلیه الاسم وعدم أصلیته فی الصیغ الوارده علی هذا الوزن وأعنی به وزن «فعل» ومدی تأثیره علی منع الاسم من الصرف أو صرفه فقال : «اعلم أن کل اسم علی مثال «فعل» فهو مصروف فی المعرفه والنکره إذا کان اسما أصلیّا أو نعتا ، فالأسماء نحو : «صرد ونغر وجعل ، وکذلک إن کان جمعا نحو : ظلم وغرف .. وإن سمیت بشیء من هذا رجلا انصرف فی المعرفه والنکره». ویتابع کلامه فی الأعلام المعدوله بقوله : «فإن کان الاسم علی «فعل» معدولا عن «فاعل» لم ینصرف إذا کان اسم رجل فی المعرفه ، وینصرف فی النکره وذلک نحو «عمر وقثم» لأنه معدول عن «عامر» وهو الاسم الجاری علی الفعل ، فهذا مما معرفته قبل نکرته» (2).

وجاء فی الخصائص لابن جنی (وأما فعل فدون فعل أیضا ، وذلک أن کثیرا ما یعدل عن أصول کلامهم نحو عمر ، وزفر ، وجشم ، وقثم ،

ص: 210

وثعل ، وزحل ، فلما کان کذلک لم یتمکن عندهم تمکّن فعل ، الذی لیس معدولا) (1).

وهذا إذا کان الاسم علما فی الأصل أما إذا کان نکره «یعرف بالألف واللام فهو مصروف واحدا کان أو جمعا ، فالواحد نحو : صرد وجعل ، ینصرف فی المعرفه والنکره والجمع نحو : ثقب ، وحفر ، وعمر إذا أردت جمع عمره ، وکذلک إن کان نعتا نحو : سکع ووضع وحطم کما قال (2) :

قد لفّها اللّیل بسوّاق حطم

ولبد (وهو الکثیر) من قول الله عزّ وجلّ : (أَهْلَکْتُ مالاً لُبَداً)(3).

یقول أبو إسحاق الزجاج : «فإذا سمیت رجلا ب- «عمر» هذا (یشیر بهذا إلی المعدول عن عامر) لم ینصرف فی المعرفه وانصرف فی النکره ومثل «عمر» قثم و «زحل» تقول : «مررت بعمر وعمر آخر» والدلیل علی أن «عمر» یعدل به عن «عامر» أنک تقول فی النداء «یا فسق» وتقول للمؤنث «یا فساق» ترید : یأیها الفاسقه وکذلک «لکع» فإن سمیت رجلا ب- «عمر» جمع «عمره» أو ب- «عمر» من قولک «رجل عمر» أی کثیر العمران صرفته فی المعرفه والنکره» (4).

فشرط منع صرف «عمر» وأمثاله أن یکون معدلا عن «عامر» «فعمر علم معدول عن عامر علما أیضا وکذلک زفر معدول عن زافر علما أیضا

ص: 211

وفی الأعلام زافر وإلیه تنسب الزافریه ، وزافر من زفر الحمل یزفره إذا حمله وقثم عن قاثم علما وهو منقول من القاثم وهو اسم الفاعل من قثم إذا أعطی کثیرا ، وزحل معدول عن زاحل سمی بذلک لبعده ، فهذه الأسماء کلها معدوله ، ألا تری أن ذلک لیس فی أصول النکرات» (1) فعمر وغیره مما جاء علی صیغه «فعل» علم معدول عن «عامر» العلم المنقول أصلا عن الصفه وهی اسم الفاعل. ویقولون فی عله منعه والقول بعدله أنه سمع عن العرب أنه ممنوع من الصرف ولا ینون فلو لم یقولوا بعدله عن عامر للزم المنع لعله واحده وهی العلمیه والعلمیه وحدها لا تکفی لمنع الاسم من الصرف فبحثوا عن عله أخری وأطلقوا علیها العدل - کل ذلک من أجل أن تکون القاعده سلیمه وأن لا تهدم أقوال النحاه بضروره وجود علتین للمنع أو عله واحده قائمه مقامهما. وکأنهم لو قالوا : امتنع عمر وأمثاله من الصرف للعلمیه وصیغه «فعل» لم یستقم الکلام. ولکن لعل هذا الاعتراض یزول لو علمنا ورود أعلام أخری علی هذه الصیغه (فعل) لکنها مصروفه وذلک نحو «أدد» (وهو العظیم) ولهذا حکموا علی هذا العلم بأنه غیر معدول لئلا تنکسر قاعده «فعل» للأسماء المعدوله. فالمسأله فیها نوع من التکلف کما أشار إلیه ابن هشام فی «شذور الذهب» حیث یقول : «مثال العدل مع العلمیه عمر وزفر وزحل وجمح ودلف فإنها معدوله عن عامر وزافر وزاحل وجامح ودالف. وطریق معرفه ذلک أن یتلقی من أفواههم ممنوع الصرف ولیس فیه مع العلمیه عله ظاهره فیحتاج حینئذ إلی تکلف دعوی العدل فیه (2).

ص: 212

وجاء فی «شرح التصریح علی التوضیح» : (الثالث) من المعدول (فعل) بضم الفاء وفتح العین (علما للمذکر إذا سمع ممنوع الصرف ولیس فیه عله ظاهره غیر العلمیه) وهو المشار إلیه بقوله «أو کفعلا» (نحو عمر) مما لیس بصفه فی الأصل والمحفوظ من ذلک عمر ومضر (وزفر) وقثم (وزحل) وجشم (وجمح) وقزح وعصم وجحا ودلف وهذل وبلغ وثعل (فإنهم قدروه معدولا) عن فاعل غالبا (لأن العلمیه لا تستقل بمنع الصرف) وأمکن العدول دون غیره لأنه الغالب فی الأعلام فعمر مثلا معدول عن عامر ، فإن «عامرا» ثابت فی الآحاد النکرات بخلاف عمر (1).

فالعله المانعه للصرف فی نحو «عمر» کما یقول النحاه هی العلمیه والعدل وأنه «معدول عن عامر العدل المنقول من الصفه» (2).

وعرفنا سبب فرضیه العدل فی صیغه «فعل» وهو عدم قدره عله واحده وهی العلمیه علی إتیان هذا الحکم وهو عدم التنوین مع الجر بالفتحه (المنع من الصرف).

صفه بغیر الألف واللام ترکوا صرفها کما ترکوا صرف «لکع» حین أرادوا «یا ألکع» وفسق حین أرادوا «یا فاسق» ، وترک الصرف فی «فسق» هنا ، لأنه لا یتمکن بمنزله یا رجل للعدل (1).

ویقول المبرد : «فإن کان الاسم علی فعل معدولا عن «فاعل» لم ینصرف إذا کان اسم رجل فی المعرفه ، وینصرف فی النکره وذلک نحو : «عمر وقثم ، لأنه معدول عن عامر وهو الاسم الجاری علی الفعل ، فهذا مما معرفته قبل نکرته ، فإذا أرید به مذهب المعرفه جاء أن تبینه فی النداء من کل فعل لأن المنادی مشار إلیه ، وذلک قولک : یا فسق ویا خبث ، ترید : یا فاسق ویا خبیث» (2).

وجاء فی شرح الکافیه : «وکذا» المختص بالنداء فرّعوا علیه أنک إذا سمیت فیها ففعل لا ینصرف اتفاقا نحو «فسق» علما للعدل والعلمیه (3).

ویلاحظ أن هذه المسأله فیها خلاف کما ذکر فی الارتشاف : «أو بفعل المختص بالنداء (التسمیه به) کفسق ، فمذهب سیبویه منع صرفه ، ویصرفه فی النکره ، ومذهب الأخفش وتبعه ابن السید صرفه فی المعرفه والنکره ، وقال ابن بابشاذ : الأخفش یصرف جمیع هذه المعدولات فی التسمیه إلا أن حدثت عله أخری» (4).

ویقول السیوطی فی الهمع : «فعل المختص بالنداء کفسق وغدر وخبث ولکع ، فإنها معدوله عن فاسق وغادر وخبیث وألکع ، فإذا سمی

ص: 214

بها امتنع صرفها للعلمیه ومراعاه اللفظ المعدول ، فإن نکّرت زال المنع وذهب الأخفش وطائفه إلی صرفها حال التسمیه أیضا کما نقلته عنه أخیرا فی قولی قال الأخفش ومعرفه ، لأن العدل إنما هو حاله النداء وقد زال بالتسمیه» (1) فالرأی الغالب هو منع هذه الصیغ من الصرف عند التسمیه بها ، فإذا نکّرت زال المنع لزوال العلمیه ؛ لأن العدل وحدها لا تکفی. بینما ذهب الأخفش إلی صرفها فی حال التسمیه وسبب ذلک عنده هو أن العدل إنما یکون حال النداء ، أما عند التسمیه فإن العدل یزول عنها ومن ثمّ یحکم علیها بالصرف.

وجاء فی الأصول أن أبا العباس (المبرد) قال : «سئل التوزی ، وروی عن أبی عبیده : أنه یقال للفرس الذکر لکع ، والأنثی لکعه ، فهل ینصرف لکع علی هذا القول؟ فالجواب فی ذلک : أن «لکعا» هذه تنصرف فی المعرفه ؛ لأنه لیس ذلک المعدول الذی یقال للمؤنث منه «لکاع» ولکنه بمنزله : حطم ، وإن کان حطم صفه ، لأنه اسم ذکره من باب «صرد ونغر» فلم یؤخذ من مثال عامر فیعدل فی حاله التعریف إلی عمر ونحو» (2) فلکع هذه التی مؤنثها «لکاع» مصروفه لأنها لیست معدوله عن ألکع وإنما هی من باب «حطم» ویفهم من هذا النص أن «لکع» المعدوله عن «ألکع» والتی نحن بصددها ممنوعه من الصرف للعلمیه والعدل مع الاختلاف بین وجهات نظر العلماء التی ذکرناها.

3) ما یأتی علی وزن «فعل» من ألفاظ التوکیل نحو جمع کتع ، بصع ، بتع ، فإنها ممنوعه من الصرف للعلمیه والعدل وقد سبق أن قلنا إن هذه

ص: 215

الألفاظ المؤکده أعلام علی جهه الإحاطه والشمول. وأما مسأله العدل ففیها نظر وفیها کلام ، فالنحاه یقولون إن الألفاظ التی ذکرناها «جمع کتع بصع بتع» جموع تکسیر مفرداتها «جمعاء ، کتعاء ، بصعاء ، بتعاء» بینما جاء فی الارتشاف أن «جمع» وأخواته امتنع للعدل وشبه الصفه أو شبه العلمیه (1).

ویقول السیوطی «قیاسها أن تجمع علی فعل بسکون العین کما یجمع أحمر حمراء علی حمر» (2) هذا إذا نظرنا إلیها من جهه الجمع علی التکسیر وهو أمر راجع إلی المفرد المؤنث «فعلاء» أما إذا نظرنا إلی مفردات هذه الألفاظ من جهه التذکیر ، فالأمر مختلف لأن «أجمع - أکتع - أبصع - وأبتع» هذه المفردات المذکره تجمع بالواو والنون جمع مذکر سالما «أجمعون أکتعون أبصعون وأبتعون» فکان القیاس إذن فیما یجمع مذکره بالواو والنون أن یجمع مؤنثه بالألف والتاء جمع مؤنث سالما فنقول : «جمعاوات - کتعاوات - بصعاوات - بتعاوات».

«ومن حیث هی اسم لا صفه قیاسها أن تجمع علی فعالی کصحاری فیقال جماعی وکتاعی إلی آخره» (3) فکون «جمع وأخواتها» لم تأت علی هذه الصور الثلاث التی یفترض ورودها علی إحداها أدی بالعلماء إلی القول بأنها معدوله. ولو قالوا إنها منعت للعلمیه ووزن «فعل» لکفاهم ما عنوه من التکلف لاطراد قاعده العدل ، ویعلق الأستاذ عباس حسن علی ذلک بقوله : «فلو صح أن العرب عدلت عن جمع إلی آخر ، فما

ص: 216

حکمه عدولها؟ وما حکمه منع الصرف للدلاله علی جمع أهملته وعدلت عنه؟ وهل یعرف العرب الأوائل القیاس وغیر القیاس کما اصطلح النحاه علیه؟ وأن الجمع القیاسی لفعلاء هو : الجمع بالألف والتاء ، وغیره مخالف للقیاس؟ ولم لا یکون القیاس هو ما فعلته العرب فی هذه الألفاظ؟ وهل یفکر العربی ، ویطیل التفکیر علی هذا الوجه قبل أن ینطق بالکلمه وجمعها؟ و.. و.. کل هذا غیر معقول ولا واقعی ، .. وأن بعض النحاه أرادوا أن تکون القاعده مطرده فتکلفوا وتجاوزوا المقبول. ولما کان مرد الأمر کله لنطق العربی الفصیح کانت العله الحقیقیه هی السماع عنه ، ومثل هذا یقال فی کل ما کان العدل علی من علل منع صرفه» (1). ونلاحظ أن تلک الافتراضات والتأویلات المذکوره فی هذا الباب والتی رأینا کثیرا منها عند السیوطی ، هی تأویلات فیها کثیر من التعنت والتکلف ، وقد تکون تأویلات من علماء مختلفی المذهب نری أن لکل عالم ومذهب تفسیرا خاصّا به ، ومجموع هذه التفسیرات أدی إلی ظهور الأمر بهذا الشکل من التکلف ، ولکننا لو نظرنا إلی تفسیر عالم متقدم کسیبویه مثلا فإننا لا نری الأمر بهذا التکلف فهو یقول مثلا : «وسألته عن جمع وکتع فقال هما معرفه بمنزله کلهم وهما معدولتان عن جمع جمعاء وجمع کتعاء وهما منصرفان فی النکره» (2) فالمسأله وإن کان فیها شیء من البعد عن الحقیقه إلا أنها لیست کثیره التکلف ؛ لأن القاعده الصرفیه تقول إن ما کان علی زنه «فعلاء» وکانت الهمزه فیه للتأنیث فإنها تقلب واوا عند الجمع وتجمع بالألف والتاء ، فلعدم جمعها علی : «فعلاوات» قالوا بعدلها.

ص: 217

ویقول صاحب الارتشاف «وإن سمیت رجلا بجمع وکتع انصرف فی المعرفه والنکره فی قول الأخفش لأنه عدل ، وهو تأکید ، فلما نقل عن موضعه خف وانصرف ، وسیبویه لا یصرفه فی المعرفه ، لأنه فیها عدل ، ویصرفه فی النکره لأنه رده إلی حال لم یکن فیها معدولا (1).

وذکر فی المخصص : «وقد صرح سیبویه أنه لیس بصفه وقال فی باب «ما لا ینصرف» إذا سمیته بأجمع صرفته فی النکره ، وقد غلط الزجاج فی کتابه فی باب ما لا ینصرف ، ورد علیه الفارسی بعد أن حکی قوله ، فقال : وقد أغفل أبو إسحاق فیما ذهب إلیه من جمع فی کتابه فیما لا ینصرف ، وهذا لفظه قال : الأصل فی جمع جمعاء جمع مثل حمراء وحمر ، ولکن حمر نکره فأرادوا أن یعدل إلی لفظه المعرفه فعدل فعل إلی فعل. قال أبو علی : ولیس جمعاء مثل حمراء فلیزم أن یجمع علی حمر کما أن أجمع لیس مثل أحمر ، وإنما جماء کطرفاء وصحراء کما أن أجمع کأحمد بدلاله جمعهم له علی التثنیه» (2).

وخلاصه القول إن ألفاظ التوکید التی علی وزن «فعل» ممنوعه من الصرف للعلمیه والعدل ، أو لورودها علی هذا الوزن مع الخلاف الذی عرفنا عن الأصل الذی عدلت عنه هذه الألفاظ. کما علمنا أیضا أن الدلیل علی علمیتها من جهتین :

الأولی : دلالتها علی العلمیه من جهه الإحاطه والشمول.

والثانیه : أن مفردها المذکر «أجمع - أکتع - أبصع - أبتع» یجمع

ص: 218

جمع مذکر سالما ، أی بالواو والنون رفعا ، وبالیاء والنون نصبا وجرا. کما أننا نقول فی ختام حدیثنا عن صیغه «فعل» ما ورد عن النحاه أنها تأتی علی ضروب وقد عرفنا منها الأعلام المعدوله کعمر وزفر ، وکذلک صیغه «فعل» الخاصه بالنداء کفسق ولکع إذا سمینا بها. ومنها أیضا ألفاظ التوکید التی کنا بصددها قبل قلیل. «ومنها أن یجیء جنسا نحو صرد ونغر وسبد لطائر. ویجیء جمعا نحو ثقبه وثقب ، ورطبه ورطب فلو سمی بشیء من ذلک لانصرف ، لأنه منقول من نکره ، واعتبار العدل من ضروب فعل بامتناع الألف واللام منه ، وعرفنا أنه معدول لوروده فی اللغه غیر منصرف ولیس فیه من موانع الصرف سوی التعریف ، وکان عمر علما معدولا عن عامر وصفا وهو مصروف علی أصل ما ینبغی أن یکون علیه الأسماء ، وعمر لفظه من لفظ عامر وهو غیر مصروف فعلم أن سببه مع التعریف کونه مغیرا عنه» (1).

ویضیف ابن یعیش کلمه لها أهمیتها فی هذا الباب حیث یقول : «والمعدول بابه السماع ألا تری أنهم لم یقولوا فی مالک ملک ولا فی حارث حرث کما قالوا عمر وزفر» (2).

فالمعیار الأساسی الذی یضبط هذا الموضوع هو السماع الذی ینبغی أن یرجع إلیه فی مثل هذه الأحکام. وقد جاء السماع عن العرب مغنیا عن کثیر من المتاهات والتکلف الذی لا مبرر له.

ونختتم قولنا بکلام ذکره الأستاذ عباس حسن : «فوزن فعل» هذا قد

ص: 219

یجب منعه من الصرف إذا کان علما مفردا مسموعا بالمنع. وقد یجب صرفه إذا کان جمعا. وقد یجوز فیه الأمران ، والأحسن الصرف إذا کان السماع مجهولا (1).

4) الأعلام المؤنثه التی علی وزن فعال نحو «حذام - قطام - رقاش» فما الحکم النحوی فی مثل هذه الأعلام؟ هل هی معربه أم مبنیه؟ وإذا کانت معربه ، فهل هی مصروفه أم ممنوعه من الصرف؟ ثم ما هو موقف العرب منها؟ وما العله التی وصفها النحاه لقول من قال بمنعها من الصرف؟

ونلاحظ أن هناک رأیین مختلفین فی هذه الأعلام :

1) المنع من الصرف - وهو لهجه بنی تمیم بشرط ألا یکون العلم مختوما بالراء وذلک نحو : قطام حذام رقاش ، وسبب منعها من الصرف کما یقول النحاه هو العلمیه والعدل لأن الأصل فیها هو : قاطمه وحاذمه ، وراقشه فعدل عنها إلی صیغه «فعال» ، یقول سیبویه : «ألا تری أن بنی تمیم یقولون : هذه قطام ، وهذه حذام ، لأن هذه معدوله عن حاذمه ، وقطام معدوله عن قاطمه أو قطمه» (2).

وللمبرد تقسیم للأسماء التی ترد علی صیغه «فعال» حیث یقول : اعلم أن الأسماء التی تکون علی هذا الوزن علی خمسه أضرب : فأربعه منها معدوله ، وضرب علی وجهه. فذلک الضرب هو ما کان مذکرا ، أو مؤنثا غیر مشتق ، ویجمع ذلک أن تکون مما أصله النکره. فأما المذکر فنحو

ص: 220

قولک رباب ، وسحاب ، وجمال. وأما المؤنث فنحو قولک : عناق ، وأتان وصناع. فما کان من هذا مذکرا فمصروف إذا سمیت به رجلا أو غیره من المذکر. وما کان فیه مؤنثا فغیر مصروف فی المعرفه ، ومصروف فی النکره لمذکر کان أو لمؤنث ، وأما ما کان معدولا فمجراه واحد فی العدل وإن اختلفت أنواعه. فمن ذلک ما یقع فی معنی الفعل نحو قولک : حذار یا فتی. ونظار یا فتی ، ومعناه : احذر وانظر ، فهذا نوع. ومنه ما یقع فی موضع المصدر نحو قولک : الخیل تعدو بداد یا فتی ومعناه بددا ، ومثله : لا مساس یا فتی ، أی : لا مماسّه. فهذا نوع ثان. وتکون صفه غالبه حاله محل الاسم ، کتسمیتهم المنیه حلاق یا فتی فهذا نوع ثالث.

والنوع الرابع : ما کان معدولا للنساء نحو : حذام وقطام ، إلا أن جمله هذا أنه لا یکون شیء من هذه الأنواع الأربعه إلا مؤنثه معرفه. فأما ما لم یکن کذلک فغیر داخل فی هذا الباب (1).

وما یهمنا فی هذا النص الذی ذکرنا هو النوع الرابع أی الأعلام المؤنثه التی علی وزن «فعال» والتی وصفها النحاه بأنها معدوله وکذلک الأنواع الثلاثه الأولی المذکوره وهی اسم الفعل نحو ، حذار ، والمصدر : نحو بداد ، والصفه الحاله محل الاسم کتسمیتهم المنیه بحلاق ، کل هذه الأنواع إذا سمینا بأحد منها مؤنثا «فإن بنی تمیم ترفعه وتنصبه وتجریه مجری اسم لا ینصرف وهو القیاس ؛ لأن هذا لم یکن اسما علما ، فهو عندهم بمنزله الفعل الذی یکون فعال محدودا عنه ، وذلک الفعل افعل ، لأن فعال لا یتغیر عن الکسر ، کما أن افعل لا

ص: 221

یتغیر عن حاله واحده ، فإذا جعلت افعل اسما لرجل أو امرأه ، تغیر وصار فی الأسماء ، فینبغی لفعال التی هی معدوله عن افعل أن تکون بمنزلته بل هی أقوی ، وذلک أن فعال اسم للفعل فإذا نقلته إلی الاسم نقلته إلی شیء هو مثله» (1).

إذن فالأنواع الأربعه المعدوله إذا سمینا بها امرأه منعت من الصرف للعلمیه والعدل. وهنا سؤال یطرح نفسه فمثلا ذکر المبرد فی النص أن الأسماء الوارده علی صیغه «فعال» خمسه أنواع أربعه منها معدوله ، وهی التی تکلمنا عنها وضرب علی وجهه أی غیر معدول ، وهو قسمان مذکر کرباب وسحاب ومؤنث کعناق وأتان وصناع. والمذکر منهما مصروف سواء سمینا به مذکرا أو غیره ، أما المؤنث «فغیر مصروف فی المعرفه ومصروف فی النکره لمذکر کان أو لمؤنث» (2) ولم یذکر العله فی منع هذا النوع الذی قال عنه إنه غیر معدول ، وبالتأکید هو ممنوع للعلمیه والتأنیث. والسؤال المطروح هو : لماذا جعل عله المنع مختلفه فی هذا النوع عنه فی الأنواع الأربعه الأخری مع أنها جمیعا علی وزن «فعال»؟ ولماذا قلنا عن هذا الضرب أنه علی وجهه بینما نظرنا إلی الأضرب الأخری علی أنها معدوله؟ وأری أننا لو ذهبنا إلی القول إن سبب المنع هو العلمیه والتأنیث ، أو العلمیه ووزن «فعال» لکان أقوی وأقرب عن تکلف تصور العدل.

وبعد ، فإن کانت صیغه «فعال» مختومه بالراء مثل : وبار اسم قبیله

ص: 222

عربیه ، و «ظفار» علم بلده بالیمن ، و «سفار» علم علی بئر. فالموقف هنا مختلف عن سابقه ، وبینما ذهب التمیمیون کما رأینا إلی إعراب نحو «قطام وحذام» إعراب ما لا ینصرف نری أکثرهم یبنون الأعلام المختومه بالراء علی الکسر فی کل الحالات ولذلک یقول سیبویه : «فأما ما کان آخره راء ، فإن أهل الحجاز وبنی تمیم فیه متفقون ، ویختار بنو تمیم فیه لغه أهل الحجاز» (1) وهی البناء علی الکسر وقد یجوز فیه أن ترفع وتنصب ما کان فی آخره الراء ، قال الأعشی :

ومرّ دهر علی وبار

فهلکت جهره وبار (2)

والقوافی مرفوعه (3).

الشاهد فیه إعراب «وبار» ورفعها ، والمطرد فیما کان فی آخره الراء أن یبنی علی الکسر فی لغه أهل الحجاز ولغه بنی تمیم ؛ لأن کسره الراء توجب إماله الوقف ، والارتفاع إذا رفعوا ؛ لأن الشاعر إذا اضطر أجری ما کان فی آخره الراء علی مقیاس غیره مما یبنی علی فعال وأعرب فی لغه بنی تمیم ، فاضطر الأعشی فرفع ، لأن القوافی مرفوعه (4).

ویتابع سیبویه کلامه فیقول : «والحجازیه هی اللغه الأولی القدمی فزعم الخلیل أن إجناح الألف أخف علیهم ، یعنی الإماله لیکون العمل من وجه واحد فکرهوا ترک الخفه وعلموا أنهم إن کسروا الراء وصلوا إلی ذلک وأنهم إن رفعوا لم یصلوا» (5).

ص: 223

وجاء فی المقتضب : «وما کان فی آخره راء من هذا الباب فإن بنی تمیم یتبعون فیه لغه أهل الحجاز ، وذلک أنهم یریدون إجناح الألف ، ولا یکون ذلک إلا والراء مکسوره» (1).

ویؤکد القاعده السابقه ما یقوله ابن السراج فی موجزه : «وجمیع ما ذکر (من صیغه فعال المؤنثه المعدوله) إذا سمی به امرأه فبنو تمیم ترفعه وتنصبه وتجریه مجری اسم لا ینصرف. فأما ما کان آخره راء ، فإن بنی تمیم وأهل الحجاز یتفقون علی البناء ، وذلک : سفار اسم ماء ، وحضار اسم کوکب» (2) وقد ورد نفس المعنی عند الزجاج فی کتابه «ما ینصرف وما لا ینصرف» وبیّن فیه أن لغه بنی تمیم تعرب نحو حذام وقطام ورقاش بالضمه رفعا وبالفتحه نصبا وجرّا دون تنوین وذکر أیضا أن ما کان فی آخره راء نحو : وبار ، سفار ، خمار فإن بنی تمیم وأهل الحجاز یذهبون مذهبا واحدا وهو البناء علی الکسر. وقد یعربون ما فی آخره راء کما رأینا فی البیت السابق للأعشی (3) ویقول فی شرح الکافیه : «علم الأعیان المؤنثه ، فلغه الحجازیین بناؤه کلّه قیل لمشابهتها أیضا لنزال وزنا وعدّا مقدرا ، وبنو تمیم افترقوا فرقتین أکثرهم علی أن ذات الراء من هذا القسم مبنیه علی الکسر للوزن والعدل المقدر کخمار وأنهما قدروا العدل فیها تحصیلا للکسر اللازم بسبب البناء إذ کسر الراء مصحح للإماله المطلوبه المستحسنه. وغیر ذات الراء کقطام معربه غیر منصرفه للتأنیث والعلمیه ، ولم یحتاجوا فی ترک الصرف ههنا إلی تقدیر العدل کما

ص: 224

احتیج إلیه فی عمر إلا أن بعض النحاه یقدرونه فیه من غیر ضروره لأنه من باب خمار الذی وجب تقدیر العدل فیه لغرض البناء الذی هو سبب الإماله فقدروه فیه أیضا طردا للباب ، وأقلهم علی أن جمیع هذا القسم غیر منصرف من ذوات الراء کان ، أولا» (1).

وجاء فی شرح التصریح علی التوضیح : «من المعدول (فقال) : علما للمؤنث کحذام وقطام فی لغه بنی تمیم ، وتمیم أبو قبیله وهو تمیم بن مره بن أد بن طابخه بن إلیاس بن مضر (فإنهم یمنعون صرفه) واختلف فی عله ذلک (فقال سیبویه للعلمیه والعدل عن فاعله) ویرجحه أن الغالب علی الأعلام أن تکون منقوله (وقال المبرد للعلمیه والتأنیث المعنوی کزینب) ویرجحه أنهم لا یدعون العدل فی نحو طوی» (2).

ثم تکلم عن المختوم بالراء وبیّن أنّ الحجازیین وبنی تمیم متفقان علی بنائها علی الکسر ، وقد أورد بیت الأعشی السابق ذکره والذی ورد فیه «وبار» مبنیّا مره ، ومعربا إعراب ما لا ینصرف مره أخری. وجاء فی حاشیه الشیخ یاسین علی التصریح تعلیقا علی هذا البیت : «قال الدنوشری قد یقال إن هذا الشاعر لا یخلو من أن یکون من غیر بنی تمیم أو منهم وعلی تقدیر کونه منهم ، لا یخلو من أن یکون من الکثیر منهم أو من القلیل الذین یعربون ما آخره راء ، فإن کان الأول أشکل الحال ، وعلی الأول من الثانی منه یشکل بأن القلیل لا یبنون. اه.

ص: 225

وکتب شیخنا العلامه الغنیمی بعده أقول علی کل تقدیر لا إشکال إذ العربی یجوز له أن یتکلم غیر لغته وهذا بعد تسلیم أنه عربی وأنه یحتج بکلامه والله أعلم بالصواب. ثم کتب الدنوشری بعد قول هذا المعقب أقول علی کل تقدیر لا إشکال «کلام ساقط لا یصدر عن جاهل فضلا عن فاضل أما أولا : فإن العربی لا یتکلم بغیر لغته ولو قطع إربا إربا کما فی مسأله الکسائی وسیبویه (1). وأما ثانیا : فلأن الأعشی میمونا لا ینکر أحد الاحتجاج بکلامه وأنه عربی خالص. اه. والحق أن العربی یتکلم بغیر لغته ولا یتکلم بالخطأ ، وسیبویه ظن أن ما قاله الکسائی فی مسأله الزنبور خطأ» (2).

قال أبو سعید : «اعلم أن بنی تمیم ترکوا لغتهم فی قولهم : «هذا حضار وسفار ، وتبعوا لغه أهل الحجاز بسبب الراء وذلک أن بنی تمیم یختارون الإماله ، وإذا ضموا الراء ثقلت علیهم الإماله وإذا کسروها خفت الإماله أکثر من خفتها فی غیر الراء ؛ لأن الراء حرف مکرر ، والکسره فیها مکرره کأنها کسرتان ، فصار کسر الراء أقوی فی الإماله من کسر غیرها ، وصار ضم الراء فی منع الإماله أشدّ من منع غیرها من الحروف ، فلذلک اختاروا موافقه أهل الحجاز (3).

وخلاصه ما ذکر هو جواز الأمرین البناء والإعراب فی الأعلام المختومه بالراء أما البناء فجریا علی القاعده وکلام الحجازیین وأغلب

ص: 226

التمیمیین ، وأما الإعراب فحملا علی أصل کلام أکثر بنی تمیم فی مثل هذه الأعلام وهو إعرابها إعراب ما لا ینصرف.

وکل ما ذکرنا حول هذه الأعلام خاص ببنی تمیم الذین قالوا بإعرابها إعراب ما لا ینصرف إلا المختوم بالراء فیشارکون فیه الحجازیین البناء ، وقد یرد معربا الإعراب السابق کما رأینا فی بیت الأعشی میمون.

2) أما مذهب الحجازیین فی مثل هذه الأعلام المؤنثه التی علی زنه «فعال» فهو البناء علی الکسر مطلقا ، أی سواء کانت مختومه بالراء أو غیر مختومه ، ویقول سیبویه فی ذلک : «وأما أهل الحجاز فلما رأوه اسما لمؤنث ، ورأوا ذلک البناء علی حاله لم یغیروه لأن البناء واحد وهو ههنا اسم للمؤنث کما کان ثمّ اسما للمؤنث وهو ههنا معرفه کما کان ثمّ (1).

وجاء فی المقتضب : «وأما ما کان اسما علما نحو : حذام ، قطام ، ورقاش فإن العرب تختلف فیه : فأما أهل الحجاز فیجرونه مجری ما ذکرنا قبل من البناء لأنه مؤنث معدول وإنما أصله حاذمه ، وراقشه ، وقاطمه.

ففعال فی المؤنث نظیر «فعل» فی المذکر ألا تری أنک تقول للرجل : یا فسق ، یا لکع ، والمرأه : یا فساق. یا لکاع. فلما کان المذکر معدولا عما ینصرف عدل إلی ما لا ینصرف. ولما کان المؤنث معدولا عما لا ینصرف عدل إلی ما لا یعرب» (2).

ویقول الزجاج : «فإذا سمیت امرأه ب- «حذام ، أو قطام ، أو رقاش»

ص: 227

فإنها مبنیه علی الکسر فی لغه أهل الحجاز تقول «هذه قطام قد جاءت» و «حذام .. قال الشاعر :

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

فهذا مذهب أهل الحجاز» (1)(2).

ویقول ابن سیده فی مخصصه : «فقال (أی أبو العباس المبرد) القیاس قول أهل الحجاز ؛ لأن أهل الحجاز یجرون ذلک مجراه الأول فیکسرون ویقولون فی امرأه اسمها حذام ، هذه حذام ، ورأیت حذام ومررت بحذم» (3).

وجاء فی الهمع «أما الحجازیون فإن باب حذام عندهم مبنی علی الکسر إجراء له مجری «فعال» الواقع موقع الأمر کنزال لشبهه به فی الوزن والعدل والتعریف ، وقیل لتضمنه معنی الحرف وهو علامه التأنیث فی المعدول عنه.

وقال المبرد لتوالی علل منع الصرف علیه وهی التعریف والتأنیث والعدل» (4).

وورد فی حاشیه الصبان علی الأشمونی تعلیقا علی عله منع صرف نحو «فعال» علی مذهب التمیمیین أنها ممنوعه من الصرف للعلمیه والعدل عن «فاعله» وهو رأی سیبویه کما رأینا ، بینما ذهب المبرد إلی العلمیه والتأنیث المعنوی ، وهو أقوی «لأن التأنیث یتحقق فلا حاجه إلی تقدیر

ص: 228

العدل ، لأنه إنما یقدر إذا لم یتحقق غیره ، وأجاب الدمامینی بأن العلمیه علی الأعلام النقل ، فلذا جعلها سیبویه منقوله عن فاعله المنقوله کما تقدم فی عمر ، وعلی مذهب المبرد تکون مرتجله» (1).

وهذا الکلام ینقلنا للحدیث عن العله التی أدت إلی بناء هذه الصیغه علی الکسر حسب مذهب الحجازیین ، والعله کما تظهر من هذا النص لها جوانب عده فهی إما لشبهها بنزال وأمثاله (وهو اسم فعل أمر مبنی علی الکسر) والشبه بینهما فی الوزن والعدل والتعریف ، أو لتضمنه معنی الحرف من حیث إن اسم فعل الأمر یعمل ولا یتأثر بالعامل کما أن الحرف کذلک.

وذهب المبرّد مذهبا آخر حیث بیّن أن عله بنائها هی اجتماع أکثر من سبب مانع للصرف فیها ، والقاعده أنه إذا اجتمع سببان منع الاسم من الصرف وإذا زادت الأسباب فلیس بعد المنع إلا البناء فعله البناء عنده هی توالی علل منع الصرف علیه.

قال المبرد : «ولما کان المؤنث معدولا عمّا لا ینصرف عدل إلی ما لا یعرب لأنه لیس بعد ما لا ینصرف إذ کان ناقصا منه التنوین إلا ما ینزع منه الإعراب لأن الحرکه والتنوین حق الأسماء ، فإذا أذهب العدل التنوین لعله أذهب الحرکه لعلتین» (2).

وقد رد ابن جنی فی کتابه (الخصائص) علی رأی المبرد هذا بقوله : «فأما قول من قال : إن الاسم الذی اجتمع فیه سببان من أسباب منع

ص: 229

الصرف فمعناه إذا انضم إلی ذلک ثالث امتنع من الإعراب ففاسد عندنا من أوجه :

أحدها : أن سبب البناء فی الاسم لیس طریقه طریق حدیث الصرف وترک الصرف إنما سببه مشابهه الاسم للحرف لا غیر ، وأما تمثیله ذلک بمنع إعراب حذام ، وقطام ، وبقوله فیه : إنه لما کان معدولا عن حاذمه وقاطمه ، وقد کانتا معروفتین لا ینصرفان ، ولیس بعد منع الصرف إلا ترک الإعراب فلاحق فی الفساد بما قبله ، لأنه منه وعلیه حذام. وذلک أن عله منع هذا الإعراب إنما هو شیء أتاها من باب دراک ونزال ، ثم شبهت حذام ، وقطام ، ورقاش بالمثال ، والتعریف والتأنیث بباب دراک ونزال ، علی ما بیناه هناک فأما لأنه لیس بعد منع الصرف إلا رفع الإعراب أصلا فلا.

ومما یفسّر قول من قال : إن الاسم إذا منعه السببان الصرف فإذا اجتماع الثلاثه فیه ترتفع عنه الإعراب أنا نجد فی کلامهم من الأسماء ما یجتمع فیه خمسه أسباب من موانع الصرف ، وهو مع ذلک معرب غیر مبنی ، وذلک کامرأه سمیتها «بأذربیجان» فهذا اسم قد اجتمعت فیه خمسه موانع : وهی التعریف والتأنیث والعجمه ، والترکیب ، والألف والنون ، وکذلک إن عنیت «بأذربیجان» البلده والمدینه ، لأن البلد فیه الأسباب الخمسه وهو مع ذلک معرب کما تری ، فإذا کانت الأسباب الخمسه لا ترفع الإعراب فالثلاثه أحجی بألا ترفعه» (1).

وهذا کلام صحیح ، لأن اجتماع العلل لا یؤدی إلی البناء بعد منع

ص: 230

الصرف خاصه إذا علمنا أن الأصل فی الأسماء هو الإعراب ویبنی الاسم لشبهه بالحروف کما قال ابن مالک :

والاسم منه معرب ومبنی

لشبه من الحروف مدنی

فیری علماء النحو أن بناء الاسم یأتی فی المرتبه الثانیه بعد الإعراب لشبه من الأشباه التی تقربه من الحروف ویقول الزجاج فی رده علی رأی المبرد : «وهذا مذهب یفسده عندی أنی أری ما لا ینصرف من الأسماء إذا زادت علته علی اثنتین لم یبلغ به أکثر من ترک الصرف» (1). ویؤکد هذا الکلام ما جاء فی المخصص لابن سیده : «وکان المبرد یحتج بکسر قطام وحذام وما أشبه ذلک إذا کان اسما علما لمؤنث أنها معدوله عن قاطمه وحاذمه علمین وأنها لم تکن تنصرف قبل العدل لاجتماع التأنیث والتعریف فیها فلما عدلت ازدادت بالعدل ثقلا فحطت عن منزله ما لا ینصرف ولم یکن بعد منع الصرف إلا البناء وهذا القول یفسد لأن العلل المانعه للصرف یستوی فیها أن تکون علتان أو ثلاث لا یزاد ما لا ینصرف بورود عله أخری علی منع الصرف ، ولا یوجب له البناء» (2).

وبعد ذکر الآراء فی «فعال» من إعرابها إعراب ما لا ینصرف إلی بنائها علی الکسر ، ومعرفه أسباب بنائها ننظر إلی نص أورده السهیلی فی أمالیه ، فحواه أنه یرجح الکسر لهذه الصیغ لأنها صیغ مؤنثه والکسر فیها کما یقول إشاره إلی کونهن محبوبات مقربات إلی النفس فهو یقول : «علی أن للاسم العلم المؤنث خاصیه تمنع من التنوین ، وهی فی قولهم : حذام ورقاش وذلک أنهم یشیرون بهذه الأسماء إلی أنهن محبوبات ، وکل محبوب

ص: 231

مقرب إلی النفس مضاف إلیها ، وترک التنوین یشعر بهذا المعنی. ألا تری کیف خصوه بالکسره التی هی أخت الیاء کأن المتکلم یرید إضافتها إلی نفسه» (1) ولعل فی هذا الکلام نوعا من الذوق واتباعا للناحیه الجمالیه فی الأسلوب وهذا معنی جمیل خاصه إذا علمنا أن من صور الإضافه إلی یاء المتکلم حذف الیاء مع بقاء الکسره قبلها للدلاله علیها (2) فبدلا من أن نقول : قلمی ، کتابی نقول : قلم - وکتاب ، مکتفین بالکسره ، وهی صوره قریبه من : حذام ورقاش.

قد جاء ، وقطام یا فتی .. وإنما فعلت ذلک .. لأنه لم یلزم الکسر بالتأنیث ، ولو کان للتأنیث لکان هذا فی عقرب وعناق ، ولکنه للمعنی ، فإذا نقلته إلی المذکر زال المانع منه ، وجری مجری مؤنث سمیت به مذکرا مما لم یعدل» (1). علل المبرد منع الصرف بأن هذه الأعلام رباعیه ، المذکر إذا سمیته بمؤنث مکون من أربعه أحرف فصاعدا فإنه یمنع من الصرف کما تسمی رجلا بعقرب وعناق.

ثم علل عدم لزوم بناء الکسر فیها عند التسمیه بأن البناء لیس راجعا للتأنیث وإلا لکان نحو : عقرب وعقاب مبنیین ولکن أرجع سبب البناء إلی المعنی ولهذا یعرب حینما ینقل إلی المذکر لزوال المانع منه ، فیعرب إعراب الممنوع من الصرف : «وکان بمنزله رجل سمی بعناق ، وهو لا ینصرف لاجتماع التأنیث والتعریف» (2) فالبناء أساسا لیس للتأنیث بل التأنیث باق وهو الذی أدی إلی منع صرفه إذا سمی به مذکر مثل عناق وعقاب ، ومثل حمزه وطلحه.

قلنا إن صیغه «فعال» إذا سمی بها مذکر فإنها تمنع من الصرف وبیّنا الرأی فی ذلک ، ومع هذا الوجه فإنه یجوز فیها الصرف أیضا ، جاء فی الأصول لابن السراج : «وجمیع (ویعنی به صیغ «فعال المؤنثه») هذا إذا سمی به المذکر لم ینصرف لأن هذا بناء بنی للتأنیث ، وحرک بالکسر ؛ لأن الکسره من الیاء والیاء یؤنث بها» (3).

ص: 233

ویقول صاحب الارتشاف : «ولو سمیت مذکرا بحذام وبابه منعته الصرف کانت فیه «راء» أو لم تکن ، وجاز أیضا صرفه ، ولا یکون فیه البناء کحاله علما للمؤنث فی لغه الحجاز» (1).

والجمله الأولی من هذا النص تنقلنا إلی الحاله الثانیه الجائزه فی صیغ «فعال» المؤنثه إذا سمی بها مذکر فقد قلنا فیما مضی إن الغالب فیها عند تسمیتها بالمذکر هو منع الصرف للعلمیه والتأنیث.

ویجوز فیها کذلک صرفها ، قال سیبویه : «ومن العرب من یصرف رقاش وغلاب إذا سمی به مذکر لا یضعه علی التأنیث بل یجعله اسما مذکرا کأنه سمی رجلا بصباح» (2) فالصرف علی أساس تجاهل جانب التأنیث فیها واعتبارها أسماء مذکره. فیبقی الاسم علی عله واحده (العلمیه) وهی غیر کافیه لمنع الاسم من الصرف. قال ابن السراج : «ومنهم من یصرف رقاش وغلاب إذا سمی به کأنه سمی بصباح» (3).

ویقول السیوطی : «ولو سمی به مذکر جاز فیه الوجهان المنع إبقاء علی ما کان لبقاء لفظ العدل ، والصرف لزوال معناه وزوال التأنیث بزواله لأنه إنما کان مؤنثا لإراده ما عدل عنه وهو راقشه» (4).

وجاء فی حاشیه الصبان علی الأشمونی : «أن حذام وبابه لو سمی به مذکر لم یبن ، وهو کذلک ، بل یکون معربا ممنوعا من الصرف للعلمیه

ص: 234

والنقل عن مؤنث لغیره ، ویجوز صرفه لأنه إنما کان مؤنثا لإرادتک به ما عدل عنه فلما زال العدل زال التأنیث بزواله» (1).

ویعلق الأستاذ عباس حسن علی ذلک بقوله : «فإن صارت علما لمذکر جاز إعرابها مع منعها من الصرف - وهذا هو الأغلب - وجاز إعرابها مع تنوینها ، ولا یصح البناء فی الحالتین» (2).

یأتی المنع لعله من العلل. فالرجوع إلی الأصل فی مثل هذه الحالات أفضل ، حتی لو صرفنا النظر عن مسأله الأصل والفرع فإننا نرجع إلی الأغلب ألا وهو الصرف.

ص: 236

بالألف واللام) ولم یصغر ولم یکسر (ولم یقع ظرفا فإن بعض بنی تمیم یمنع صرفه مطلقا) رفعا ونصبا وجرّا (لأنه) علم علی الیوم الذی یلیه یومک (معدول عن الأمس) المعرف بأل فیقولون «مضی أمس» بالرفع بلا تنوین و «شاهدت أمس» وما رأیت زیدا مذ أمس بالفتح فیهما کقوله :

لقد رأیت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السعالی خمسا

فأمس مجرور بالفتحه ، والألف فیه للإطلاق ، ولیس فتحته هنا فتحه بناء خلافا للزجاجی (1).

ورأی الزجاجی فی «أمسا» الوارد فی البیت السابق أنه فعل ماض وفتحته فتحه بناء ، ولیست فتحه إعراب ، وفی «أمسا» ضمیر عائد علی الظرف المفهوم من السیاق وهو الیوم.

جاء فی التصریح :

«نظیر سحر فی امتناعه من الصرف «أمس» عند بنی تمیم فإن منهم من یعربه فی الرفع غیر منصرف ، ویبنیه علی الکسر فی النصب والجر ، ومنهم من یعربه إعراب ما لا ینصرف فی الأحوال الثلاث خلافا لمن أنکر ذلک ، وغیر بنی تمیم یبنونه علی الکسر ، وحکی ابن أبی الربیع أن بنی تمیم یعربونه إعراب ما لا ینصرف إذا رفع أو جرّ بمذ أو منذ فقط» (2).

وبعد أن عرفنا الرأی لبنی تمیم وهو القائل بمنع «أمس» فی جمیع الحالات رفعا ونصبا وجرّا ، وعرفنا شروط منعه من الصرف ومعنی عدله وهو العدل عن الألف واللام حیث إنه معیّن دون أن یکون فیه علامه للتعیین بعد هذا الرأی ننتقل إلی المذهب الثانی لبنی تمیم وهو

ص: 238

الغالب عندهم والقائل بمنع «أمس» من الصرف فی حاله واحده وهی «الرفع» خاصه. ویبنونه علی الکسر فی حالتی النصب والجر موافقین مذهب الحجازیین کما سنری إن شاء الله. «واعلم أن بنی تمیم یقولون فی موضع الرفع ، لأنهم عدلوه عن الأصل الذی هو علیه فی الکلام لا عن ما ینبغی له أن یکون علیه فی القیاس» (1).

وجاء فی «ما ینصرف وما لا ینصرف» : «وزعم سیبویه : أن بنی تمیم یمنعونه الصرف فی الرفع فیقولون «ذهب أمس بما فیه» لأنه قد خرج من باب الظروف ، ویوافقون غیرهم علی الکسر فی الظروف. فأما قولهم :

لقد رأیت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل الأفاعی خمسا

فإنما جر ب- «مذ» وقد کان یرفع بها ، فأجراها فی ترک الصرف فی الجر فی الرفع إذ معنی الرافعه معنی الجاره» (2).

وجاء فی شرح «التصریح علی التوضیح» بهذا الخصوص ما یلی : «وجمهورهم یخص ذلک» الإعراب الممنوع من الصرف (بحاله الرفع) خاصه دون حالتی النصب والجر فیبنیه علی الکسر فیهما کقوله :

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس

وتناس الذین تضمّن أمس

فرفع أمس علی الفاعلیه بتضمن ولم ینونه ، و «عنّ» بالنون من «عنّ یعین» إذا عرض ، ویروی «عزّ» بالزای بمعنی غلب ، «وتناس» أمر من التناسی وهو أن یری من نفسه أنه نسیه» (3).

ص: 239

وطلوعها حمراء صافیه

وغروبها صفراء کالورس

الیوم أعلم ما یجیء به

(ومضی بفضل قضائه أمس)

فأمس فاعل مضی وهو مکسور کما تری» (1).

فالبناء علی الکسر إذن هی «لغه الحجازیین لا یدخلونه فی باب الممنوع من الصرف فیقولون مضی أمس بأحداثه ، فهنیئا للغد ، عرفت أمس فما ذا یکون الیوم - لم أهتم بأمس .. فکلمه «أمس» مبنیه علی الکسر فی محل رفع أو نصب أو جر علی حسب حالته بالجمله» (2).

وکان ظرفا ، وضمن معنی الألف واللام وجب إسکانه ولکنه کسر لالتقاء الساکنین» (1).

وجاء فی حاشیه الشیخ یاسین علی شرح «التصریح علی التوضیح» قوله : «قال الزرقانی فائده قال الرضی إذا سمیت بأمس رجلا علی لغه الحجازیین صرفته کما تصرف غاق إذا سمیت به وذلک أن کل مفرد مبنی تسمی به شخصا فالواجب فیه الإعراب مع الصرف کما یجیء فی باب الأعلام» (2).

وأما أنه یعرب مصروفا عند التسمیه علی لغه بنی تمیم ؛ فلذلک «لأنه لابد لک من أن تصرفه فی الجر والنصب ، لأنه فی الجر والنصب مکسور فی لغتهم فإذا انصرف فی هذین الموضعین انصرف فی الرفع ، لأنک تدخله فی الرفع ، وقد جری له الصرف فی القیاس فی الجر والنصب لأنک تعدله عن أصله فی الکلام مخالفه للقیاس ، ولا یکون أبدا فی الکلام اسم منصرف فی الجر والنصب ولا ینصرف فی الرفع» (3).

کما یقول الشیخ یاسین متابعا کلامه السابق الذی نقله عن الرضی «وإن سمیت به علی لغه بنی تمیم صرفته أیضا فی الأحوال کلها ، لأنه لا بد من صرفه فی النصب والجر ؛ لأنه مبنی علی الکسر عندهم فیهما ، وإذا صرفته فی الحالین وجب الصرف أیضا إذ لیس فی الکلام اسم منصرف فی الجر والنصب غیر منصرف فی الرفع» (4). وواضح أن الکلام عن بنی تمیم یخص المذهب الغالب عندهم وهو القائل بإعرابه

ص: 242

إعراب ما لا ینصرف فی حاله الرفع والبناء علی الکسر فی حالتی النصب والجر ، ولم یتکلم عن المذهب الآخر عندهم وهو القائل بمنعه من الصرف فی جمیع الحالات وذلک لأن هذا الکلام وهو القائل بصرفه عند تسمیته یشمله من باب أولی فهو مفهوم بداهه ، لأنه إذا کان المبنی یعرب بالصرف فمن باب أولی المعرب.

2) إذا خالفت کلمه «أمس» الشروط التی ذکرناها فإنها تکون معربه منصرفه عند الحجازیین والتمیمیین وذلک بأن یراد بها یوم مبهم وذلک نحو قولنا : مضی أمس من الأموس الجمیله.

أو کان مضافا نحو : إن أمس العرب خیر من حاضرهم.

أو کان محلّی بأل مثل قولنا : کان الأمس جمیلا بهوائه ونقائه.

أو مصغرا نحو : سررت بأمیس. وجاء بهذا الخصوص فی حاشیه الشیخ یاسین علی التصریح ما یلی : «قال الدنوشری یفهم منه جواز التصغیر وهو مذهب ، ومنعه بعضهم ، فقالوا لا یصغر ، والأول ذهب إلیه المبرد والفارسی ، وابن مالک والحریری. الثانی عن سیبویه وقوفا منه مع السماع» (1).

والأولون اعتمدوا علی التکسیر ، فإن التکسیر والتصغیر أخوان. قال فی الصحاح ولا یصغر أمس. اه.

وذکر نحوه الزرقانی ، وقال إن الرضی اقتصر علی کلام سیبویه فقال ولا یصغر «أمس» کما لا یصغر «غدا» ، وإن ثنی أو جمع فالإعراب ؛ لأن

ص: 243

اللام إنما قدّرت لتبادر الذهن إلی واحد من الجنس لشهرته من بین أشباهه فإذا ثنّی أو جمع ، لم یبق ذلک الواحد المعین فتظهر اللام لعدم شهره ذلک المثنی والجموع من هذا الجنس شهره الواحد. وقوله فتظهر اللام إذا أرید بأمس أمسان معینان وبالجمع أموس معینه ، فإن اللام تظهر لتدل علی المعین بخلاف ما أرید واحد معین لما ذکر من الاشتهار ، وأما إذا أرید بالمثنی أمسان غیر معینین وبالجمع أموس غیر معینه ، فذلک کالمفرد المنکر ، فیستعملان کاستعماله (1).

3) إذا کان أمس ظرفا مجردا من أل والإضافه فهو مبنی علی الکسر إجماعا لتضمنه معنی الحرف والظاهر أن الحرف المتضمن معناه هو «فی» کما قال الدنوشری (2).

ومثال الظرف قولنا : «ذهبت أمس إلی السوق».

4) من الآراء التی وردت فی إعراب «أمس» ما حکی ابن أبی ربیع أن بنی تمیم یعربونه إعراب ما لا ینصرف إذا رفع أو جرّ بمذ أو منذ فقط (3).

ونلاحظ أن الإعراب حسب هذا الرأی مخصص جدّا ومقید لدرجه تدعو إلی التساؤل ، لماذا خص الإعراب بهذین الحرفین من دون کل الحروف؟ ولکن ما یزیل استبعاد هذا الرأی هو کثره لزوم هذین الحرفین (مذ ومنذ) لکلمه «أمس».

5) ومن الآراء التی انفرد بها بعض العلماء هو ما زعم الزجاج أن من العرب من یبنیه علی الفتح واستشهد بقول الراجز :

ص: 244

به رأی قله من العرب لأنه قد أورد أن حکم «أمس» هو البناء وکان الأصل فی بنائه هو السکون إلا أنه کسر لالتقاء الساکنین (1).

وقد ورد فی حاشیه الصبان فی معرض رده کذلک علی رأی الزجاج بیت للدلاله علی إعراب «أمس» ومما یؤخذ علی هذا الرد أن الزجاج لم یزعم البناء دوما «لأمس» ولکنه معرب عند جماعه ومبنی عند آخرین کما رأینا فقد جاء فی الأشمونی : «ویدل للإعراب قوله :

اعتصم بالرجاء إن عنّ بأس

وتناس الذی تضمّن أمس» (2)

والشاهد فی البیت هو ورود «أمس» معربا إعراب ما لا ینصرف حاله الرفع.

«وأجاز الخلیل فی لقیته «أمس» أن یکون التقدیر بالأمس ، فحذف الباء وأل - فتکون الکسره کسره إعراب» (3).

6) إذا زالت علمیّه «أمس» دخلها تنوین التنکیر ، نحو : سأزورک فی أمس من الأموس. وإذا زال العدل بأن استعملت مقرونه «بأل» فهی معربه یمتنع تنوینها بسبب «أل» کما هو معروف. لا بسبب منع الصرف وکذلک عند الإضافه (4).

* * *

ص: 246

«وکما ترکوا صرف سحر ظرفا ، لأنه إذا کان مجرورا أو مرفوعا أو منصوبا غیر ظرف لم یکن معرفه إلا وفیه الألف واللام أو یکون نکره إذا جرّدتا منه ، فلما صار معرفه فی الظرف بغیر ألف ولام خالف التعریف فی هذه المواضع ، وصار معدولا عندهم کما عدلت أخر عندهم فترکوا صرفه فی هذا الموضع ، کما ترک صرف «أمس» فی الرفع» (1).

وجاء فی المقتضب بهذا الخصوص : «فأما (سحر) فإنه معدول - إذا أردت به یومک - عن الألف واللام» (2).

ویقول الزجاج : «فأما «سحر» فلا اختلاف بین النحویین أن «سحر» لا ینصرف فی المعرفه وینصرف فی النکره ، تقول «آتیک سحر یا هذا». و «قمت سحر» إذا أردت «آتیک السحر» الذی هو للیلتنا ، فإن أردت «سحرا» من الأسحار صرفت ، قال الله عزّ وجل : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّیْناهُمْ بِسَحَرٍ)(3) وإنما لم یصرف «سحر» لأن استعماله فی الأصل بالألف واللام ، تقول «قمت فی أعلی السحر یا هذا» ، فیؤدی عن المعنی الذی کان فی الألف واللام بعینه ، وقد حذفنا ، فاجتمع فیه أنه معرفه بغیر ألف ولام ، وأنه یراد به عهد الألف واللام» (4).

وجاء فی شرح الکافیه للرضی بعد أن تکلم عن الظروف المعربه غیر المنصرفه والتی أرود ضمنها سحر قال : «فتعریف هذه الأسماء إذن بکونها

ص: 248

معدوله عن اللام ، فهی معدوله عن اللام ولیست متضمنه لها کما تضمنت «أمس» فی لغه أهل الحجاز أعنی البناء إذ لو تضمنتها لبنیت بناء أمس ، والدلیل علی کونها معدوله عن اللام أن من قاعدتهم الممهده أن لفظ الجنس لا یطلق علی واحد معین منه ، إذا لم یکن مضافا إلا معرفا بلام العهد سواء کانت علما أو لا» ویتابع کلامه فیقول : «بلی وجد «سحر» من جمله هذه الأسماء المعینه ممنوعا من الصرف فاضطررنا إلی تقدیر العلمیه فیه بعد العدل عن اللام لتحصیل السببین» (1) فسحر من الظروف المعربه غیر المنصرفه للعلمیه والعدل عن أل «وسحر إذا أردت سحر لیلتک فهو معدول عن الألف واللام فهو لا یصرف ، تقول : لقیته سحر یا هذا فاجتمع فیه التعریف والعدل عن الألف واللام ، فإن أردت سحرا من الأسحار صرفته ، وإن ذکرته بالألف واللام أیضا صرفته» (2).

وجاء فی شرح الأشمونی : «سحر إذا أرید به یوم بعینه فالأصل أن یعرف بأل والإضافه فإن تجرد منهما مع قصد التعیین فهو حینئذ ظرف لا ینصرف ولا یتصرف نحو جئت یوم الجمعه سحر ، والمانع له من الصرف العدل والتعریف» (3).

وورد فی مشکل إعراب القرآن للقیسی : «قوله تعالی (بسحر) إنما انصرف لأنه نکره ، ولو کان معرفه لم ینصرف ، لأنه إذا کان معرفه فهو معدول عن الألف واللام ، إذ تعرّف بغیرهما ، وحق هذا الصنف أن یتعرف بهما ، فلما لم یتعرف بهما صار معدولا عنهما ، فنقل مع ثقل التعریف فلم

ص: 249

ینصرف فإن نکر انصرف» (1) وذلک لزوال علله المانعه من الصرف. و «سحر» إذا کان معرفه ، فإنه لا ینصرف ولا یتصرف ، ونعنی بالانصراف دخول التنوین ونعنی بالتصرف نقله عن الظرفیه إلی الاسمیه ، فإنه لم یستعمل فی حاله التعریف إلا ظرفا. وإذا نکر جاز نقله عن الظرفیه إلی الاسمیه (2).

وجاء فی شرح المفصل لابن یعیش أن «سحر» من الکلمات التی لم تستعمل إلا ظرفا لخروجها عن التمکن بتضمنها ما لیس أصلا ، وبیّن أن «سحر» إذا أردت به سحر یومک فإنه غیر متصرف ولا منصرف والذی منعه من الصرف أنه معدول عن الألف واللام معرفه ، ومعنی ذلک أنه إذا أردت به سحر یومک الذی أنت فیه فتزید فیه الألف واللام للتعریف ثم غیّر عن لفظ ما فیه الألف واللام مع إراده معناهما کما عدل جمع فی قولک جاءت النساء جمع وهو معرفه فاجتمع فیه العدل والتعریف فلم ینصرف لذلک (3).

وقد علمنا فیما سبق أن العدل هو نطقنا ببناء ونحن نرید بناء آخر نحو عمر عن عامر ، وزفر عن زافر ، وهکذا ، فهل هذا المعنی الذی أرید به التوسع فی اللغه موجود فی نحو سحر المنقول عن السحر إذ لا فرق بین اللفظین إلا وجود الألف واللام وعدم وجودهما؟ ویجیب ابن یعیش عن هذا التساؤل بقوله : «فالجواب أن «سحر» وإن کان فعلا کما أن «السّحر» کذلک فإنه لما اتصلت به لام التعریف صارت لامتزاجها بما عرفته کأنها

ص: 250

جزء منه فجرت اللام فی «السّحر» مجری همزه أحمر وإجفیل وإخریط وتاء تجفاف ویاء یرمع فلما عدلت «سحر» صار کأنک عدلت مثالا من هذه الأمثله إلی فعل» (1) نلاحظ مما سبق أن هذا التعلیل فیه نوع من التکلف مرده أن لفظی «سحر» موجودان فی اللغه وقد نطقت العرب بهما ، ولکل موضعه وخصائصه البلاغیه ، فلماذا لا نرجع إلی المنطوق من العرب بدلا من البحث المتکلف فیه ، کی تسیر القاعده النحویه باطراد؟ وفی ذلک ما فیه من البعد عن الواقع والحقیقه؟.

إذن خلاصه القول فی «سحر» هو أنه ممنوع من الصرف للعلمیه والعدل بالشروط السالفه الذکر ، بحیث لو زال منها شرط فإنه یصرف فإن نکر انصرف نحو قوله تعالی : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّیْناهُمْ بِسَحَرٍ) لأنه قد زال السببان معا بالتنکیر ، لأنه إنما کان معدولا فی حال التعریف ، وکذلک إذا دخلته الألف واللام صرفته نحو السحر ، لأنک قد رددته إلی الأصل فزال العدل (2).

قلنا إذا زال أحد تلک الشروط فإنه یصرف وذلک لأنه لو «لم یکن لفظ «سحر» ظرف زمان بأن کان اسما محضا ، معناه الوقت المعین دون دلاله علی ظرفیه شیء وقع فیه ، وجب تعریفه «بأل» أو «بالإضافه» إذا أرید منه أن یدل علی التعیین ، ولا تصح العلمیه ، نقول السحر أنسب الأوقات للتفکیر الهادئ وصفاء الذهن ، وعجیب أن یغفل الناس عن سحرهم وأن یقضوا سحرهم نائمین (3).

ص: 251

وکذلک إن لم یدل علی التعیین وذلک بأن ترید به «سحرا من الأسحار صرفته لأنه غیر معدول ، ألا تری أنک تقول : جاء زید فی لیله سحرا ، وقمت مره سحرا ، وکل سحر طیب فهذا منصرف» (1).

«وإن کان ظرفا معینا لکنه غیر مجرد من «أل» و «الإضافه» وجب صرفه کذلک نحو : سأسافر یوم الخمیس من السحر إلی العصر ، أو أعود یوم السبت سحره» (2).

ومن الحالات التی یصرف فیها «سحر» ما أورده سیبویه فهو یقول «وکذلک» «سحر» اسم رجل تصرفه وهو فی الرجل أقوی لأنه لا یقع ظرفا ولو وقع اسم شیء وکان ظرفا ولو وقع اسم شیء وکان ظرفا صرفته وکان کأمس لو کان أمس منصوبا غیر مکسور (3).

وعلق السیرافی علی هذا فقال : «قوله وهو فی الرجل أقوی إلخ ..» یعنی لو سمینا وقتا من الأوقات أو مکانا من الأمکنه التی تکون ظرفا بسحر وجعلناه لقبا له لانصرف ، لأنه لیس هو بالشیء المعدول ، وکان کأمس لو سمیت به.

وقوله : «وهو فی الرجل أقوی» یعنی أن الصرف فی الرجل أقول لأنه لا یقع ظرفا» (4).

وجاء فی المقتضب حول تسمیه الرجل بسحر : «فإن سمیت به رجلا

ص: 252

فلا اختلاف فی صرفه ، فیقال لسیبویه : «ما بالک صرفت هذا اسم رجل ، ولم تفعل مثل ذلک فی باب «أخر»؟ فمن حجه من یحتج عنه أن یقول : إن «أخر» علی وزن المعدول ، وعدل فی باب النکره ، فلما امتنع فی النکره کان فی المعرفه أولی. وأما أنا فلا أری الأمر فیها إلا واحدا ، ینصرفان جمیعا إذا کانا لمذکر ، وترجع أخر إذا فارقه العدل إلی باب صرد ونغر» (1).

فالمبرد لم یفرق بین «سحر» و «أخر» فی حاله تسمیه الرجل بهما إذ یصرفهما جمیعا دونما تفریق بینهما ، بینما فرق سیبویه حیث صرف سحر عند التسمیه به ومنع فی باب «أخر» ؛ لأنه نظر إلیه علی أنه أصل الباب وعلی وزن فعل.

* * *

ص: 253

تضمن معنی الحرف «اللام» فبنی لذلک کما بنی «أمس» عند الحجازیین (1) ، وذهب ابن الطراوه هذا المذهب «ونصره أبو حیان فقال الفرق بین سحر وأمس عندی یعسر» (2).

بین التضمین والعدل ، أن التضمین استعمال الکلمه فی معناها الأصلی مزیدا علیه معنی آخر ، والعدل تغییر صفه اللفظ مع بقاء معناه ، وعند صدر الأفاضل وارد علی صیغته الأصلیه ، ومعناها وهو التنکیر مزیدا علیه معنی حرف التعریف (1).

فهذه هی الردود التی رد بها العلماء علی رأی أبی الفتح المطرزی وتتلخص بأنه لو کان مبنیّا لکان بناؤه غیر الفتح لئلا یلتبس الأمر بالنصب حیث هو ظرف منصوب. وکذلک لو کان مبنیّا لکان جائز الإعراب إذ البناء لا یمنع الإعراب فی الظروف خاصه کما رأینا فی «حین» وعلمنا أیضا أن المنع أسهل من البناء لأنّ الأصل فی الأسماء هو الإعراب بالتنوین (الصرف) ثم یأتی بعده الإعراب دون تنوین (المنع من الصرف) فی المرتبه التالیه. وذلک بعد التغییرات التی تحدث فی الاسم لتمنعه من الصرف کما یقول النحاه.

وبعد هذین الإعرابین الأصلیین یأتی البناء حین یشبه الاسم جانبا من جوانب الحروف التی تستدعی بناء الاسم ، وبما أن المنع أقرب إلی الأصل وأسهل ، فإننا نرجح هذا الأسهل ونقویه.

4) رابعا أنه لا معرب ولا مبنی ، وهی مفروضه فی «سحر» المراد به معین المجعول ظرفا ، فإن نکّر صرف ، وإن أرید به معین ولم یجعل ظرفا قرن بأل أو أضیف وجوبا کما صرح به الدمامینی (2).

* * *

ص: 256