ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

الصحیح من مقتل سیدالشهداء و اصحابه (علیهم السلام)

ص :4

ص :5

محمد الری شهری

بمساعده محمود طباطبائی نژاد، روح الله السید الطبائی

مرکز ابحاث القرآن والحدیث.

ص :6

ص :7

ص :8

والتاریخ ،والذی تم إصداره فی عام 1431 ه .ق (1)بعد سنوات متتالیة من البحث والتحقیق وبمساعدة عدد من الباحثین،وقد نالت اهتمام الباحثین وعموم القراء الکرام.وقد حاول هذا الکتاب أن یتناول الزوایا المختلفة لحیاة الإمام الحسین علیه السلام- بما فیها ملحمة عاشوراء-وبشکل مفصّل.

ولا یخفی أنّ الإمام الحسین علیه السلام قد عرف غالباً بین الشیعة والمسلمین،بل المجتمعات البشریّة الاُخری من خلال حادثة عاشوراء،والتی تمثّل أبرز أبعاد حیاته علیه السلام وأکثرها إشراقاً،فإذا ما اقترنت هذه المرحلة من حیاته مع المراحل الاُخری،فسوف نحصل علی معرفته بشکل أکمل.ولهذا حاولنا أن نتناول فی هذه الموسوعة جمیع مراحل حیاة الإمام الحسین علیه السلام.نعم؛إنّ أهمّیة حادثة عاشوراء وعظمتها تستوجبان أن تُبذل جهود علمیّة بالمستوی المطلوب فیما یتعلّق بتلک المرحلة.وهذا ما أنجزناه علی قدر وسعنا والحمد للّه.وقد تبلورت هذه الجهود بهدف استعراض تاریخ حیاة سیّد الشهداء علیه السلام الملیئة بالمفاخر-وخاصّة ملحمة عاشوراء-بشکل کامل ودقیق،وباُسلوب علمی.

الرذائل والجرائم والقسوة والبطش،وقد تجلّت بشکل أثار إعجاب الملائکة إزاءها. (1)

وقد کان هذا العرض صریحاً وواضحاً وسافراً وعامّاً،إلی درجة بحیث إنّ أعداء الإمام علیّ علیه السلام وأهل البیت علیهم السلام لم یستطیعوا تشویه الصورة الوضّاءة للإمام الحسین علیه السلام أو تصویر ثورته الإلهیّة بشکل آخر.

باعتباره مصباح الهدی وسفینة النجاة.

وهکذا فإنّ الاستغلال الصحیح للقابلیّات الثقافیة لتاریخ عاشوراء،لیس بإمکانه أن ینقذ العالم الإسلامی فحسب،بل هو کفیل بأن ینقذ العالم کلّه من الطریق الثقافی والسیاسی والاجتماعی المسدود الذی ابتلی به الیوم.

وهذا هو السرّ فی کلّ هذا التأکید من قبل أهل البیت علیهم السلام علی إحیاء ذکری عاشوراء،والتوجّه إلی کربلاء وزیارة سیّد الشهداء.

ماکیافلی (1)مهّدوا الطریق لانتحال الکذب فی إنشاء المراثی،لاحظ نماذج من هذه النقول مع نقد الشهید مطهری لها،من قبیل قولهم:

«إنّ هاشم بن عتبة المرقال سارع إلی نصرة الإمام الحسین وهو یحمل رمحاً یبلغ طوله ثمانیة عشر ذراعاً»، (2)فی حین أنّه کان من أصحاب الإمام علیّ علیه السلام،وقد قُتل فی معرکة صفّین قبل حوالی عشرین سنة من حادثة عاشوراء !

وکقولهم:«إنّ عمر بن سعد جاء إلی کربلاء بملیون وستّمئة ألف مقاتل من أهل الکوفة»، (3)فی حین أنّ عدد نفوس أهل الکوفة لم یکن یتجاوز آنذاک المئة ألف!

وقولهم:«إنّ الإمام الحسین علیه السلام قتل بیده فی یوم عاشوراء ثلاثمئة ألف شخص». (4)فی حین أنّنا إذا افترضنا أنّه قتل کلّ واحد فی ثانیة،فإن قتل ثلاثمئة ألف شخص یستغرق ثلاثاً وثمانین ساعة وعشرین دقیقة!

و:«إنّ أبا الفضل علیه السلام قتل خمسة وعشرین ألف رجل»، (5)فی حین أنّ قتل هذا العدد من العدوّ یستغرق حوالی سبع ساعات إذا قتل کلّ واحد فی ثانیة فقط !

ویبدو أنّ مؤلّف الروایات المذکورة ولأجل توفیر الوقت المطلوب لما ذکر ادّعی أنّ یوم عاشوراء استمرّ اثنتین وسبعین ساعة ! (6)(7)

ویکثر هذا النوع من الروایات فی الکتب التی ذکرت باعتبارها«مصادر

ص:13

ضعیفة» (1)،کما ینبغی إضافة المواضیع التی طرحت باعتبارها«لسان الحال»من قبل الخطباء ومنشدی المراثی،ثمّ تحوّلت إلی«لسان المقال»إلی قائمة النصوص الضعیفة.

وعلی أیّ حال،فإنّ عدم تلبیة الخبراء المتخصّصین لحاجة المجتمع الماسّة فی مجال التاریخ الصحیح والأهداف السامیة للنهضة الحسینیّة،أدّی إلی أن تبلغ الکتب التی تمّ تألیفها حول الإمام الحسین علیه السلام-وبالخصوص ما تمّ تألیفه فی العصر الحاضر-مئات المجلّدات،بل الآلاف،فی حین أنّ الکتب الموثّقة التی یمکن الاستناد إلیها والاستفادة منها بهدف بیان الحقائق التاریخیة للنهضة وأهدافها وغایاتها،قلیلةٌ للغایة.

لهذا فإنّ مراجعة تاریخ عاشوراء بصورة تخصصیّة وتهذیبه عن القضایا الموهنة والّتی لا أساس لها،وتنقیة تاریخ وتعالیم النهضة الحسینیّة عن التحریفات هو أکبر خدمة یمکن أن تقدّمها المراکز البحثیّة والعلمیّة لسیّد الشهداء علیه السلام.

إنّ موسوعة الإمام الحسین علیه السلام ،تمثل خطوة متواضعة فی هذا السبیل،حیث کانت حصیلة جهود متواصلة لسنوات من البحث والتحقیق وبالاستعانة بعدد من الباحثین الأفاضل فی«مرکز دراسات علوم ومعارف الحدیث»ضمن تسعة أجزاء،وقد انجز العمل علیها و صارت فی متناول الباحثین والراغبین فی ذی الحجّة سنة 1431 ه .ق.

المراثی،والسبب من اختیار هذا الاسم«الصحیح»لأنّنا حاولنا فیه-کسائر أقسام الموسوعة-أن نستعرض النصوص الموثقة،وذلک استناداً إلی المصادر التاریخیّة والحدیثیّة المعتبرة.

وعلی هذا الأساس فإنّ الکتاب یعتمد بالدرجة الاُولی علی المصادر التی الّفت فی القرون الخمسة الاُولی ،ویعتمد بالدرجة الثانیّة علی المصادر التی الّفت بعد ذلک وحتّی القرن السابع الهجری،ومن ثمّ مؤلّفات القرنین الثامن والتاسع.وأمّا کتب المقاتل الّتی الّفت فی القرن العاشر فما بعده فهی غیر صالحة للاعتماد-وذلک لما أوضحناه فی«بیلیوغرافیا تاریخ عاشوراء وشعائر العزاء» (1)-إلّاللأبحاث النقدیّة ونظائرها،وفی هذه الحالة سنشیر إلی ضعف ذلک الخبر.

وینبغی الالتفات إلی أنّ الأبحاث التاریخیّة لا تخضع للتشدّد الّذی تخضع له الأبحاث الفقهیّة،وإنّما یحاول الباحث أن یطمئنّ من سلامة النصّ وسقمه،ومن أجل الوصول إلی معرفة الحقائق ینبغی الاستعانة بالقرائن المختلفة،من هنا فإنّ المعیار الرئیسی فی جمعنا للنصوص وانتقاء الصحیح منها-بعد إسنادها إلی المصادر المعتبرة-هو«نقد النص».

وقد حاولنا من خلال تأیید مضامین النصوص بالقرائن العقلیّة والنقلیّة،بعثَ الاطمئنان للباحث بالنصّ المختار،ولهذا فإننا لم نورد النصوص المنکرة وإن وردت فی مصادر معتبرة،وإذا ما أوردنا فی حالاتٍ خاصّة بعضَ النصوص غیر المعتبرة فقد أوضحنا سبب إیرادها.

وإلیک فیما یلی تقریر إجمالی حول أقسام الکتاب:

فی ثنایا موسوعة الإمام الحسین علیه السلام تلک التی لها ارتباط أکثر بموضوع مقتل سیّد الشهداء علیه السلام،جاءت مجموعة فی هذا القسم من الکتاب.ینبغی التنبیه إلی أنّنا ضمن المراجعة الثانیة وتصحیح الکتاب قد أضفنا فصلاً جدیداً بعنوان«دور المرأة فی واقعة کربلاء».

کربلاء،وحتّی شهادة أصحابه وأولاده وإخوته وأولاد أخیه وأولاد اخته وأولاد عمّه،وفی الختام شهادته علیه السلام.

وفی الختام اقدم شکری وثنائی لجمیع الباحثین الکرام الذین أسهموا بنحو من الأنحاء فی تدوین هذا الکتاب،وخاصّة«قسم تدوین السیرة»من مرکز علوم ومعارف الحدیث،وبالأخص السیّدین محمود الطباطبائی نژاد،وروح اللّه السیّد طبائی اللذین أعانانی فی تألیف الکتاب بمراحله المختلفة.

اللّهمّ ارزُقنا شَفاعَةَ الحُسَین علیه السلام یَومَ الورودِ،وثَبِّت لَنا قَدَمَ صِدْقٍ عندَک مَعَ الحُسَین وأصحاب الحُسَین الّذینَ بَذَلوا مُهَجَهُم دونَ الحُسَین علیه السلام.

محمّد الریشهری

26 ربیع الأوّل 1432 ه

2011/03/01 م

ص:18

ص:20

الثانیة:المصادر غیر الصالحة للاعتماد.

الثالثة:المصادر المعاصرة.

الرابعة:المصادر المفقودة. (1)

ومرادنا من المصادر الصالحة للاعتماد،هی المصادر التی تمتلک الهویّة التاریخیّة والتی یکون مؤلّفوها محدودین معروفین،ومن العلماء ذوی المنهجیّة،رغم أنّنا نتحفّظ علی کلّ واحدة من روایاتهم وننظر إلیها بمنظار النقد.

وأمّا المصادر غیر الصالحة للاعتماد فی نظرنا فهی المصادر القصصیّة الفاقدة للسند والخلفیّة التاریخیّة،فلا نأخذ بالأخبار المرویّة فیها إلّاعند العثور علی المؤیّدات التاریخیّة وتعزیزها بواسطة المصادر الصالحة للاعتماد.

وسنعمد فی البدء إلی التعریف بثلاثة وثلاثین مصدراً فی قسم المصادر الصالحة للاعتماد،وفی المصادر الضعیفة والمشهورة بعشرة مصادر،ثمّ نذکر بصورة إجمالیة المصادر المعاصرة،ثمّ نوضح سبب عدم اعتمادنا علی روایات المصادر المتأخّرة فی موسوعة الإمام الحسین علیه السلام .

الجدیر بالذکر هو أنّ هذه المصادر لا تتمتّع بقیمة واحدة،إلّاأنّها جمیعاً صالحة للاعتماد والرجوع إلیها،ویمکن تقویمها والأخذ بها من خلال البحوث التاریخیّة المنهجیّة.

وإلیک فهرسة إجمالیّة لهذه المصادر:

بالأنساب فی العصر العبّاسی.

المکثرین والغزیری التألیف فی القرن الرابع.

القرن السادس الهجری.

ولحسن الحظّ فإنّ المصادر التاریخیّة القدیمة وکتب السیرة تناولت حادثة عاشوراء وکربلاء بشکل بلغ من الدقّة والتفصیل بحیث تظهر-بمقارنة بعضها مع البعض- الأخطاءُ والاشتباهات التی هی من سجایا البشر،کما تظهر التغییرات المُغرضة فی بعضها،وتشکّل هذه المصادر القدیمة ووجوه الاشتراک التاریخیّة إلی جانب المحافظة علی معاییر نقد النصوص والإسناد التاریخی،أساسنا فی تقییم اعتبار الکتب المؤلّفة وسندیّتها فی العصور اللّاحقة.

وبما أنّ حادثة عاشوراء تمثّل أحد أبرز الأحداث الدمویّة فی تاریخ إمامة الشیعة، فإنّ من اللّازم تقییم الروایات والمصادر المرتبطة بعاشوراء بمعیار عصمة الإمام علیه السلام أیضاً،واتّخاذ السیرة السلوکیّة لأئمّة الشیعة معیاراً فی تقییم ما ینسب إلیهم.

وعلی هذا الأساس،فإنّ الکتب والمصادر التی لم تستخدم اسلوب النقد فی عرضها للنقول التاریخیة،ولم تطابق تلک النقول مع المصادر التاریخیّة المعتمدة،أو لم تلحظ اختلافها مع سیرة الإمام الحسین علیه السلام وأصحابه وکراماتهم ومنزلتهم وطبیعة شخصیّاتهم؛فهی فی نظرنا مبتلاة بالضعف وخارجة من دائرة الاعتبار والنقل والاستناد،فکلّما تضمّن الکتاب عدداً أکبر من الروایات الفاقدة للأصل والسند أو غیر المنسجمة مع کرامة هذه الشخصیّات الکریمة والأبیّة،فإنّ ذلک یزید من ضعف الکتاب،وکلّما کانت أمثال هذه الروایات فیه أقلّ فهو یتمتّع بقیمة أکبر.

وهذا یعنی أنّ نقدنا فی هذا المجال یتوجّه إلی محتوی الکتاب لا إلی مؤلّفه،ذلک أنّ بعض مؤلّفی هذا النوع من الکتب هم من الذین بادروا إلی التألیف بدافع إعجابهم بهذه الملحمة التاریخیة وشخصیّة الإمام الحسین علیه السلام وأصحابه،وتقدیراً لتضحیاتهم، وکتبوا فی مجال یختلف اختلافاً أساسیّاً عن ثقافتهم العلمیّة؛مثل:الفقه،وتفسیر القرآن،دون أن یکون تخصّصهم الأصلی هو التاریخ والسیرة.

وبعبارة اخری فإنّ الإحساس بالمسؤولیّة تجاه الإمام الحسین علیه السلام قد امتزج مع

ص:30

الحماس الذی یعتری کلّ إنسان عند دراسة نهضة عاشوراء،فدفعهم هذا الإحساس إلی التساهل فی التعامل مع الروایات العدیمة الأساس أحیاناً،ممّا أدّی بهم أحیاناً إلی أن یعتمدوا علی الروایات الشفویّة أیضاً،والتی سمعوها من هنا وهناک،أو من بعض الخطباء وقرّاء المراثی،وأن یذکروا فی کتبهم إضافات لا تنسجم مع حادثة عاشوراء وتتعارض مع أهدافها،فضلاً عن اعتمادهم علی الکتب المتدنّیة المستوی،أو المجهولة،أو حتّی المنتحلة.

نعم،وجود بعض الأرضیّات وعدّة من العوامل أسهم فی تکریس هذه الظاهرة، ومن جملتها ظهور اسلوب نسج القصص وتقدیم القراءة الشیّقة التی تتّخذ من السامع محوراً لها،وهو الاُسلوب الذی ظهر علی أساس نزعة الإنسان الطبیعیّة إلی الحکایة والنقل الشیّق للأحداث،ونزعة الناس الفطریّة إلی تکریم أبطالهم ورفع مستواهم البطولیّ .بل حدا بالبعض إلی الإعراض عن الآیات والروایات الرادعة عن الکذب وانتحال مصطلح«لسان الحال»،بل إنّهم أجازوا الکذب فی بعض النماذج !

وبتسرّب هذه اللغة الخیالیّة والعاطفیّة والقصصیّة إلی المنابر،تکون دورة النقل الشفویّ إلی النقل التحریریّ قد اکملَت؛حیث نَفَذَ ماکان قد انتُحل وقرئ باعتباره رثاء أو نیاحة أو نَقل حکایةٍ بهدف إثارة المشاعر-بمرور الزمان-إلی الکتب،وتحوّل -للبعض-إلی سند تاریخی صالح للاعتماد؛اُولئک الذین لا یمیّزون بین المصادر القدیمة القریبة من حادثة عاشوراء وبین الکتب التی الّفت بعد قرون منها !

کلّ ذلک بالإضافة إلی الأخطاء الطبیعیّة التی تقع فی نقل الأحداث التاریخیّة،مثل:

خطأ الذاکرة فی النقل الشفویّ ،وخطأ العین عند الکتابة،والذی یحدث عند کتابة المخطوطات وقراءتها،خاصّة إذا کانت المخطوطة کثیرة الخطأ أو سیّئة الخطّ .

وما یبعث علی الأمل لدی الباحثین هو وجود الشکل الهرمیّ لهذه الظاهرة غیر المبارکة؛بمعنی أنّه علی الرغم من أنّ عدد الکتب الحالیّة التی تتضمّن مواضیع یختلط

ص:31

فیها الصحیح والخاطئ یبدو کبیراً،إلّاأنّ تتبّع مسیرة نقلها من شأنه أن یوصل الباحث إلی عدد قلیل من المصادر التی کانت الأساس فی دخول هذا الأدب الخیالیّ والفاقد للخلفیّة التاریخیّة فی مسیرة روایة ملحمة کربلاء.

وقد تعرّف باحثو موسوعة الإمام الحسین علیه السلام علی بعض هذه الکتب من خلال دراسة مئات الروایات والتتبّع التدریجیّ لمصادر کلٍّ من هذه النقول،ونوّهوا إلی ترکیبتها ونقاط ضعفها.إلّاأنّ هذا لا یعنی أنّ جمیع معلومات هذه الکتب خاطئة ومحرّفة،فقد نقلت فی هذه الکتب روایات معتبرة من المصادر القدیمة والأصلیّة للتاریخ والسیرة،وإنّما المراد أنّ الکثیر من الروایات غیر الصحیحة أو الفاقدة للمصدر والسند التاریخی هی مذکورة فی هذه الکتب.حیث إنّ البعض منها لا یتلائم مع السیرة السلوکیّة للإمام الحسین علیه السلام وأهل بیته الأطهار وإن احتمل وجود بعض النقول فی المصادر التی لم تصلنا،ولذلک فإنّ معلومات هذا النوع من الکتب لا یمکن الاستناد إلیها دون تقییمها.وهذه الکتب (1)هی عبارة عن:

الحسین المسعودی (ت 345 ه .ق) فی مروج الذهب و أخبار الزمان ،والشیخ المفید (ت 413 ه .ق) فی الإرشاد وکذلک فی النصرة فی حرب البصرة ،والشهرستانی (ت 548 ه .ق) فی الملل والنحل ،والخوارزمی (ت 568 ه .ق) فی مقتل الحسین علیه السلام ،وابن عساکر (ت 571 ه .ق) فی تاریخ دمشق ، (1)وابن الأثیر (ت 630 ه .ق) فی الکامل ، وسبط ابن الجوزی (ت 654 ه .ق) فی تذکرة الخواصّ ،وأبو الفداء (ت732 ه .ق) فی المختصر فی أخبار البشر . (2)

وقد اختفی-وللأسف الشدید-أصل کتاب أبی مخنف،ولا یمکننا أن نتوصّل إلّا إلی قسم منه عبر جمع روایات هؤلاء المؤرّخین.وقد بادر إلی هذا العمل عدّة باحثین فی عصرنا الحاضر،منهم:محمّدباقر المحمودی،وحسن الغفاری،السیّد الجمیلی ومحمّد هادی الیوسفی الغروی،حیث قاموا بجمع ما رواه الطبری وغیره من کتاب أبی مخنف،ونشروه تحت العناوین التالیة: عَبَرات المُصطفین ،و مقتل الحسین علیه السلام ،و استشهاد الحسین علیه السلام و وقعة الطفّ . (3)

وقد صدر قبل ذلک کتاب مجهول تحت عنوان«مقتل أبی مخنف»الجدیر بالذکر أنّ روایات أبی مخنف حریٌّ أن تبحث وتحقّق حتّی لو کانت فی مصادر غیر معروفة، أمثال:مصرع الشین (راجع: مکتبة ابن طاووس :ص 63) ومقتل...(راجع:مجلة تراثنا-العدد 68)،إلّاأنّه لا یتوفّر دلیل علی صحّة نسبته إلی المؤلّف،بل إنّ الاختلاف الکبیر والواضح بین مرویّاته وبین نقل الطبریّ عن هذا الکتاب یمثّل قرینة

ص:33

علی عدم صحّة هذه النسبة.والدلیل الآخر علی سقم النسبة المذکورة هو وجود بعض المرویّات التی تحطّ من شخصیة الإمام الحسین علیه السلام العظیمة،والتی نستبعد جدّاً صدورها من قبل مؤرخ عالم وموثوق به مثل أبی مخنف.ومن الملفت للنظر أنّ هناک اختلافاً یفوق الحدّ المتعارف بین الکتاب المطبوع وبین بعض مخطوطاته! وهذا ما یزیل الثقة به والاعتماد علیه. (1)

وممّا یؤسف له هو أنّ الحاجة إلی مقتل أبی مخنف أدّت إلی أن یتّجه الکثیرون إلی هذه الطبعة المتداولة والشائعة،وأن ینسبوا أکثر معلوماتها إلی أبی مخنف دون علم.

جدیر ذکره أنّ الکثیر من المحدّثین والمؤرّخین والببلیوغرافیین فی القرنین الأخیرین،اعتبروا-بعد تأیید أبی مخنف وکتابه الأصلیّ -کتاب مقتل أبی مخنف

المتداول فاقد القیمة وغیر صالح للاعتماد.ویمکن الإشارة فی هذا المجال إلی المحدّث النوری، (2)والمیرزا محمّد أرباب القمّی، (3)والحاجّ الشیخ عبّاس القمّی، (4)والسیّد عبد الحسین شرف الدین، (5)والسیّد حسن الأمین، (6)والشهید السیّد محمّد علی القاضی الطباطبائی (7)و.... (8)

ص:34

الباحثین الخبراء فی سیرة الإمام الحسین وتاریخه إلی إنکاره. (1)

علینا أن لا نتعجّب من النقل الضعیف فی روضة الشهداء ؛لأنّه قویّ فی أداء غرض الواعظ ،حتّی وإن کان غیر کافٍ لغرض المؤرّخ. (1)

وقبل الشعرانی فقد اعتبر المیرزا عبداللّه أفندی-العالم والببلیوغرافی المعاصر والمساعد للعلّامة المجلسی رحمه الله-أکثرَ روایات هذا الکتاب بل جمیعها مأخوذة من الکتب غیر المشهورة وغیر الصالحة للاعتماد، (2)وقد أیّد السیّد محسن الأمین أیضاً هذا الکلام، (3)واعتبر المحدّث النوری بعض روایات الکتاب فاقدة للسند التاریخی، (4)وعدّه الشهید المطهّری حافلاً بالکذب،ورأی أنّ تألیفه ونشره حالا دون الرجوع إلی المصادر الأصلیّة ومطالعة التاریخ الحقیقیّ للإمام الحسین علیه السلام. (5)کما اعتبر الشهید السیّد محمّد علی القاضی الطباطبائی مواضیعه المعارضة للمقاتل المعتبرة ساقطة وعدیمة القیمة. (6)

ویمکن أن نجد فی مطاوی الکتاب أمثلة عدیدة من هذا النوع من الأخبار التی لا یمکن تصدیقها. (7)

کتاب المنتخب لیس تألیفاً تاریخیّاً علمیّاً عن حیاة الإمام الحسین علیه السلام أو ثورته،فقد جاءت معظم مواضیع الکتاب دون ذکر المصدر،وذکرت أحادیثه بشکل مرسل،وامتزج فیه الغثّ بالسمین،ولذلک فإنّه لا ینسجم مع هدف المؤلّف واُسلوبه.ویطلق علیه أیضاً:

المجالس الطریحیّة،أو المجالس الفخریّة.

وتتمثّل نقطة الضعف الاُخری فی الکتاب،فی الاختلافات الموجودة بین مخطوطاته المتعدّدة،وهذا ما یمکن أن یکون دلیلاً علی التصرّفات اللّاحقة فیه. (1)

ویری المحدّث النوری أنّ کتاب المنتخب یشتمل علی ما هو ضعیف وما هو لیس کذلک. (2)وقد ذکر المیرزا محمّد أرباب القمّی أنّ فیه تساهلات کثیرة،وعدّ الروایات التی انفرد بنقلها فاقدة للاعتبار. (3)

ونُحیل القرّاء الکرام إلی مطالعة بعض مواضیع الکتاب الضعیفة والتی یمکن التشکیک فیها ورفضها. (4)

العلماء الذین جاؤوا بعده.وقد اعتبر المیرزا محمّد التنکابنی بعض أخباره مظنونة الکذب أومقطوعته. (1)وقد تعجّب المحدّث النوری من تألیف مثل هذا العالم الکبیر لمثل هذا الکتاب،ووصف بعض مواضیعه بالمنکرة. (2)

کما اعتبر الشهیدُ المطهّری النراقیَّ فقیهاً کبیراً،ولکنّه لا یعتبره ذا اطّلاع فی تاریخ عاشوراء،ونقد بعض مواضیعه. (3)وممّا یجدر ذکره أنّ نسبة هذا الکتاب إلی النراقی مشهورة ولم یتسرّب إلیها الشکّ ، (4)ولکنّ من المحتمل أنّه کتبه فی أوائل دراسته وقبل بلوغه مراتب الکمال العلمی.

ویری المحدّث النوری أنّ مخطوطة لا أساس لها ومجهولة وحافلة بالکذب کانت أحد مصادر الدربندی الضعیفة،وکان أحد السادة العرب القارئین للمراثی قد أتی بها إلی علماء النجف لیحصل علی تأییدهم،فنالت انکارهم لها،إلّاأنها وصلت إلی الدربندی،وهی مخطوطة لا یحتمل أن تکون من مؤلّفات عالم علی حدّ قول المحدّث النوری؛لکثرة اشتمالها علی الأکاذیب الواضحة والأخبار الواهیة. (1)وذکر فی موضع آخر أنّ هذا الکتاب من ذرائع المخالفین لنسبة الشیعة إلی الکذب والافتراء. (2)

وقد أیّد الکثیر من العلماء کلام المحدّث النوری،واستشهدوا بالکثیر من النقول غیر الصحیحة وغیر القابلة للتصدیق فی الکتاب،ویمکن الإشارة فی هذا المجال إلی المیرزا محمّد التنکابنی (3)تلمیذ الفاضل الدربندی،والشیخ ذبیح اللّه المحلّاتی، (4)والسیّد محسن الأمین، (5)والمیرزا محمّد علی المدرّس التبریزی، (6)والشیخ آقا بزرک الطهرانی، (7)والاُستاذ الشهید مرتضی المطهّری. (8)

ص:40

وممّا یجدر ذکره أنّ الکثیر من تحلیلات مؤلّف الکتاب هدفها الإقناع بالروایات التی لا یمکن قبولها بسهولة. (1)

الاعتبار. (1)

ینقل المواضیع التاریخیّة والحدیثیّة ومواضیع مختلفة بحیث یهیّئ الأرضیّة المناسبة لروایة المقتل وأحداث عاشوراء،ولم یتجنّب فی هذا المجال نقل المواضیع الضعیفة والاستناد إلی الکتب والمصادر غیر الصالحة للاعتماد؛مثل روضة الشهداء ،و أسرار الشهادات ،و منتخب الطریحیّ وغیرها. (1)

ویری الشهید القاضی الطباطبائی-الذی کان یعرف المؤلّف ویراسله-أنّ محتویات الکتاب لیست فی المستوی بحیث یمکن الاعتماد علیها،ویراه مزیجاً من الصحیح والضعیف،ولذلک فهو یدعو قرّاء الکتاب إلی توخّی الدقّة فیه. (2)

ونُحیل القارئ الکریم إلی الهامش لکی یری نماذج من أخبار الکتاب الضعیفة أو التی انفرد المؤلّف بنقلها. (3)

ولذلک فإنّ الکتب الکبیرة؛مثل بحار الأنوار ،والکتب التی یکثر الرجوع إلیها،مثل إبصار العین،ونفس المهموم ،و منتهی الآمال ،لا یمکن تصنیفها من خلال نظرة کلّیة وعامّة ضمن إحدی المجموعتین السابقتین،وکذلک لا یمکن اعتبار کتاب مثل الکبریت الأحمر معتبراً أو غیر معتبر،رغم کون مؤلّفه عالماً،وهو محمّد باقر البیرجندی (1276-1352 ه .ق) الذی جمع کتابه بعد تتبّع کثیر؛ذلک لأنّ بعض مصادره معتبر وبعضها ضعیف،ورغم أنّ المؤلّف عمد أحیاناً إلی نقد بعض الروایات، إلّا أنّ النقل من الکتب الضعیفة دون نقد للمواضیع لیس بقلیل هو الآخر.

وعلی هذا الأساس فإنّ کتابَی نفس المهموم و بحار الأنوار یُعدّان أکثر اعتباراً؛لأن الکثیر من روایاتهما مقبولة ومستندة إلی الکتب القدیمة والمعتبرة.

وخلاصة الکلام:إنّ مجرّد وجود روایة تاریخیة فی الکتب المتأخّرة أو المعاصرة وإن کانت مشهورة،لا یبیح لنا اعتبارها سنداً تاریخیّاً یمکن الاعتماد علیه،وأن ننسب ما ورد فیها إلی أهل البیت علیهم السلام،بل یجب أن یُعْلَم مصدرها أیضاً ویقیّم،فإذا کان مصدرها ضعیفاً أو لم یکن لها مصدر أساساً،فسوف تخرج حینئذٍ عن دائرة الاعتماد.

وهذه القاعدة تجری أیضاً فی النقول الشفهیّة؛إذ إنّ الناقل وإن کان شخصاً عظیماً،إلّا أنّ الفترة الزمنیّة الکبیرة التی تفصلنا عن عصر أهل البیت علیهم السلام،إضافة إلی ما أثبتته التجربة من وقوع الأخطاء الکثیرة فی النقول الشفهیّة،یجعل الوثوق بمثل هذه النقول مخالفاً للسیرة العُقلائیّة.

للمجموعة المذکورة یقتضی أن تضمّ جمیع روایات واقعة عاشوراء؟فهل غابت هذه الروایات عن أنظار العاملین فی إعداد موسوعة الإمام الحسین علیه السلام وتدوینها؟أم أنّ متفرّدات المصادر المتأخّرة لیست معتبرة وإنّما هی روایات لا أساس لها بتاتاً؟أم أنّ هناک سبباً آخر فی هذا المجال ؟

تتوقّف أیضاً علی التقییمات اللّازمة،کما فعلنا ذلک فی الموسوعة،حیث قمنا بنقد عدد ملحوظ من مواضیع هذه المصادر.

فی المصادر الأصلیّة الحالیّة،لا یدلّ علی عدم کونها غیر موثّقة،فمن الممکن أن یکون مؤلّفو هذه الکتب قد توفّرت لدیهم مصادر کانت معتبرة عندهم،ولکنّها لم تصل إلینا!

وللإجابة علی ذلک نقول:

أوّلاً:لم یدّعِ أحد من مؤلّفی الکتب الضعیفة المعروفة أنّه کان تحت اختیاره کتب معتبرة لم تکن فی متناول الآخرین،وإنّما روایاتهم لیست مسندة عادة،بل أسندوا روایاتهم أحیاناً إلی کتب ضعیفة أمثالها (مع أنّ هذا الاستناد فی بعض الموارد غیر صحیح أیضاً (1)).

ثانیاً:إنّ هذا النوع من الکتب یسند روایته أحیاناً إلی المصادر المعتبرة،ولکن یتّضح من خلال الرجوع إلی المصادر المذکورة أنّ نقلهم کان خاطئاً. (2)

إقامة العزاء علی الإمام الحسین علیه السلام. (1)

الثانیة:

الروایات التی لا یوجد إشکال فی نصوصها،إلّاأنّه لم یقدّم دلیل علی صحّتها، ومضافاً إلی أنّنا لم نجدها فی المصادر الأصلیّة،فإنّها قد ذُکرت مقرونة بمواضیع یعدّ کذبها واضحاً،ولهذا فإنّ لنا شکوکاً أکیدة فی صحّتها.

الثالثة:

الروایات الموجودة فی المصادر التاریخیّة والحدیثیّة الأصلیّة.

إنّنا نری أنّ المجموعة الثالثة هی المجموعة الوحیدة القابلة للنقل والاستناد من روایات المصادر المتأخّرة،وإذا لم یوافق البعضُ علی هذا الرأی،ولا یمکنهم أن یغضّوا النظر عن نقل متفرّدات المصادر الضعیفة،لکونها مثیرة للمشاعر وشجیّة وتبعث الحرارة فی مجالس العزاء،فإنّ الاستناد إلی تلک الموسوعة سوف یفیدهم-علی الأقل-فی تفکیک النصوص الأصلیّة التی جاءت فی المصادر القدیمة،عن الأخبار التی لا وجود لها فی المصادر الأصلیّة؛کی لا یرتکبوا الحرام المسلّم والذی ورد النهی الأکید عنه فی الآیة الکریمة: «وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ » 2 فی نسبة کلامٍ لأهل البیت علیهم السلام لم یصدر عنهم لأجل أمرٍ مستحبّ .

ویبدو أنّ أصل هذه الحادثة مأخوذ من کتاب الدمعة الساکبة الضعیف،والذی نقلها بدوره عن کتاب آخر أکثر ضعفاً منه وهو کتاب نور العین (1)،ونسب هذه الروایة إلی سکینة علیها السلام:

کنت جالسة فی لیلة مقمرة وسط الخیمة وإذا أنا أسمع من خلفها بکاءً وعویلاً، فخشیت أن یفقه بی النساء،فخرجت أعثر بأذیالی،وإذا بأبی علیه السلام جالس وحوله أصحابه وهو یبکی،وسمعته یقول لهم:اعلموا أنّکم خرجتم معی لعلمکم أنّی أقدم علی قوم بایعونی بألسنتهم وقلوبهم،وقد انعکس الأمر؛لأنّهم استحوذ علیهم الشیطان فأنساهم ذکر اللّه،والآن لیس لهم مقصد إلّاقتلی وقتل من یجاهد بین یدی،وسبی حرمی بعد سلبهم،وأخشی أن تکون ما تعلمون وتستحون،والخدع عندنا أهل البیت محرّم،فمن کره منکم ذلک فلینصرف،فإنّ اللیل ستیر والسبیل غیر خطیر والوقت لیس بهجیر،ومن واسانا بنفسه کان معنا غداً فی الجنان نجیّاً من غضب الرحمان،وقد قال جدّی محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله:ولدی حسین یُقتل بأرض کربلاء غریباً وحیداً عطشاناً فریداً،فمن نصره فقد نصرنی ونصر ولده القائم عجّل اللّه فرجه،ولو نصرنا بلسانه فهو فی حزبنا یوم القیامة.قالت سکینة:

فواللّه ما أتمّ کلامه إلّاوتفرّق القوم من عشرة وعشرین،فلم یبق معه إلّاواحد وسبعون رجلاً،فنظرت إلی أبی منکساً رأسه،فخنقتنی العبرة.... (2)

الجدیر بالذکر هو أنّنا لا نجدُ أمرَ الإمام بإطفاء المصابیح حتّی فی المقاتل الضعیفة، ولم یروِ أیّ مصدرٍ معتبرٍ أنّ أحداً من أصحاب الحسین علیه السلام ترک الإمام فی لیلة عاشوراء، بل إنّ الأمر علی العکس من ذلک،فقد أبدی الجمیع المقاومة والصمود فی مقابل اقتراح الإمام علیه السلام بمغادرة کربلاء،مستهینین بالموت،وخلقوا ملحمة خالدة بأقوال حماسیّة،معبّرین عن استعدادهم للتضحیة فی سبیل اللّه. (3)

ص:51

کما ینبغی الالتفات إلی أنّ هلال بن نافع-الذی نُسبت إلیه هذه القصّة-لیس من أصحاب الإمام علیه السلام،بل هو من جنود عسکر ابن زیاد،وأمّا الذی کان من أصحاب الإمام الحسین علیه السلام فاسمه:«نافع بن هلال»!

-الکثیر من أخبار معالی السبطین و أسرار الشهادات و عنوان الکلام فی شهادة علیّ الأکبر علیه السلام. (1)

-الخبر الذی یفید بأنّ الإمام الحسین علیه السلام حمل علیّاً الأصغر علیه السلام علی یدیه وخاطب جیش الکوفة قائلاً:اسقوه شربةً من الماء،فقد جفّ لبن امّه من الظمأ. (2)

-خبر وقوع الاختلاف فی جیش عمر بن سعد بشأن تقدیم الماء إلی علیّ الأصغر، وأمر ابن سعد حرملة لقطع النزاع. (3)

-الخبر الذی یروی کلاماً دار بین حرملة والمختار،وقول حرملة للمختار ما معناه:

«إن کان لابدّ أن تقتلنی،فدعنی أذکر لک ما فعلته کی أحرق قلبک:لقد کان لی ثلاثة سهام مثلّثة مسمومة:رمیت بأحدها نحر علیّ الأصغر،وأصبت بالثانی قلب الحسین، وصوّبت بالثالث نحر عبداللّه بن الحسن». (4)

-الخبر الذی ینصّ علی تبسّم علیّ الأصغر للإمام الحسین علیه السلام بعد إصابته بالسهم. (5)

الخبر المشتمل علی أنّ الرباب-والدة الرضیع-درّ ثدیاها بعدما شربت الماء فی اللیلة الحادیة عشر من المحرّم،وأنّها أمسکت بثدییها وقالت:« أین أنت یا قرّة عینی یا علیّ الأصغر؟فقد درّ ثدیای من اللبن ». (6)

-خبر استخراج علیّ الأصغر وهو بقماطه من تحت التراب،وفصل رأسه ورفعه علی الرمح. (7)

ص:54

-خبر وصیّة أمیر المؤمنین علیه السلام فی اللیلة الحادیة والعشرین من شهر رمضان للعبّاس علیه السلام بأن لا یشرب الماء فی یوم عاشوراء وأخوه الحسین عطشان. (1)

-خبر وصیّة أمیر المؤمنین علیه السلام لأولاده بالإمام الحسن علیه السلام،وإیصاء العبّاس بالحسین علیهما السلام؛باعتباره أمانة اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وأمانة فاطمة علیها السلام وأمانته هو نفسه علیه السلام. (2)

-الخبر الذی ینقل فیه قول العبّاس علیه السلام للإمام الحسین علیه السلام:بأنّه یرید رؤیة وجهه مرّة اخری،ولکّن حرملة ضرب عینه بالسهم. (3)

-الکلام المروی عن فاطمة الکِلابیة«اُمّ البنین»وأنّها طلبت من أمیرالمؤمنین علیه السلام عندما ذهبت إلی بیته ألّا یسمّیها فاطمة؛کی لا یتذکّر أولاد الزهراء علیهما السلام امّهم. (4)

-خبر حادثة منع بعض أهل بیت الإمام علیه السلام جواده عن السیر،وطلبهم من الإمام النزول عن الجواد،أو تقبیل نحره (5)،وکذلک قولهنّ : «مهلاً مهلاً یا بن الزهراء».

الجدیر بالذکر هو أنّنا لم نعثر علی نصّ هذه العبارة حتّی فی المصادر الضعیفة، وإنّما جاء فی أسرار الشهادات :

...فَارادَ أنْ یَخرُجَ من الخیمة،فلَصَقَت بِه زینبُ علیها السلام فقالت:مَهلاً یا أخی توقَّف حتّی أُزَوِّدَ مِن نَظَری وأُوَدِّعَک. (6)

-خبر مجیء زینب علیها السلام مضطربة إلی الإمام زین العابدین علیه السلام فی الخیمة بعد شهادة

ص:55

الإمام الحسین علیه السلام والسؤال عن سبب تغیّر أوضاع العالم.وقول الإمام علیه السلام لها: «یا عمّة ارفعی طرف الخیمة» ونظرُ الإمام علیه السلام إلی رأس أبیه المقطوع وقوله لزینب علیها السلام: «یا عمّة، تهیّئی للأسر فقد قُتل أبی» . (1)

-الأخبار المتعلّقة بالهجوم علی الخیام؛مثل:التصریح بضرب حرم آل الرسول، (2)وسحب البساط من تحت الإمام زین العابدین علیه السلام وطرحه أرضاً، (3)وسحق بعض الأطفال بحوافر الخیل والأرجل، (4)وأمر الإمام زین العابدین علیه السلام لعمّته-فی جوابه لها عمّا یجب علیهنّ فعله-قائلاً:« علیکنّ بِالفرارِ »، (5)وإحصاء الأطفال فی نهایة المطاف، واتّضاح أنّ اثنین منهم قضیا فی محلٍّ واحد. (6)

-الخبر الذی یروی کیفیّة قدوم بنی أسد لدفن جثامین الشهداء،وأنّ الإمام زین العابدین علیه السلام قال بشأن مساعدتهم علی دفن أبیه:« مَعی مَن یُعینُنی »،وقوله مخاطباً أباه:

« أمّا الدنیا فبعدک مظلمة »وأنّه کتب بأصبعه علی قبر أبیه: «هذا قبرُ الحسین بن علیّ بن أبی طالب الذی قتلوه عطشاناً غریباً». (7)

-الخبر الذی یروی قول زینب علیها السلام مخاطبة جثمان أخیها:« هل أنت أخی ؟هل أنت ابن أبی (8)؟»، (9)وتقبیلها نحر أخیها وأوداجه المقطّعة،وقولها (10): «اللّهمّ تقبّل منّا هذا

ص:56

قلیل القربان». (1)

-الأخبار المتعلّقة ببعض ما صدر من سکینة فی کربلاء باعتبارها طفلة صغیرة، (2)فی حین أنّها کانت متزوّجة آنذاک وقدمت إلی کربلاء مع زوجها،کما تفید روایات المصادر المعتبرة. (3)

-الخبر الذی یرویه مسلم الجصّاص بشأن دخول أهل بیت الإمام علیه السلام إلی الکوفة، وإعطاء أطفال أهل الکوفة الخبز والتمر لأطفالهم،وأنّ امّ کلثوم منعتهم من ذلک؛لحرمة الصدقة علیهم،وکذلک ضرب زینب رأسها بخشب المحمل وإنشادها لأشعارٍ تبدأ بهذا البیت: «یا هلالاً لمّا استتمّ کمالاً... ». (4)

ص:57

-ما یُنسب إلی الإمام زین العابدین علیه السلام حینما سُئل عن أشدّ ما مرّ علیه فی سفره، فأجاب بقوله ثلاث مرّات: «آه من الشام» . (1)

-الأخبار التی تنقل حوادث کإراقة الماء ورمی النار والرماد علی رؤوس أهل بیت الإمام الحسین علیه السلام،وسقوط النار علی عمامة الإمام زین العابدین علیه السلام،واحتراق رأسه فی الشام. (2)

وروایة ربط أهل بیت الإمام علیه السلام بحبلٍ رُبط بالإمام زین العابدین علیه السلام من جانب وبزینب علیها السلام من الجانب الآخر. (3)

-الأخبار التی تفید بأنّ زینب علیها السلام لمّا کانت رضیعة لم تکن تهدأ من البکاء حتّی وُضِعت فی حجر الحسین علیه السلام فهدأ بکاؤها، (4)أو أنّ زینب کانت ذات مرّة نائمة أیّام طفولتها تحت الشمس،فأظلّها الحسین علیه السلام عندما رآها علی هذه الحالة...حتّی وقعت حادثة کربلاء وبقی جسم الإمام علیه السلام تحت الشمس.... (5)

أو أنّ زینب اشترطت عند زواجها من عبد اللّه بن جعفر،ألّا یمنعها من السفر مع الإمام الحسین علیه السلام، (6)أو أنّ الإمام قال لها فی الوداع الأخیر: «لا تنسینی فی نافلة اللیل» ، (7)

ص:58

أو أنّ زینب أدّت صلاة اللیل جالسة فی اللیلة الحادیة عشرة أو فی بعض المنازل (1)فی طریق الشام،أو أنّ عبد اللّه بن جعفر لم یعرفها بعد عودتها إلی المدینة. (2)ومئات الروایات الاُخری من هذا القبیل.

وباختصار،فإنّ سبب عدم ذکر متفرّدات المصادر المتأخّرة فی روایة واقعة عاشوراء وتاریخ حیاة الإمام الحسین علیه السلام فی تلک الموسوعة،هو أنّها غیر معتبرة وغیر قابلة للاعتماد،رغم أنّ البعض منها قد یکون صحیحاً فی الواقع،ولکن لا یوجد دلیل أو علی الأقلّ قرینة علی صحّتها.

بناءً علی ذلک،یمکن نقل الروایات التی لا إشکال فیها عقلاً ونقلاً وذلک بإسنادها إلی مصادرها،إلّاأنّه من الضروری الإشارة إلی ضعف المصدر کی لا یأخذها السامع أخذ المسلّمات.وبما أنّه لا یتیسّر للجمیع مراعاة هذه الملاحظات من الناحیة العملیّة، لذلک فنحن نؤکّد توصیتنا بالامتناع التامّ عن نقل الروایات المسندة إلی المصادر الضعیفة. (3)

ص:59

ص:60

1.یمکن استخراج أهداف حرکة الإمام الحسین علیه السلام عبر طریقین:أحدهما الاُسلوب الکلامی وتوظیف الأهداف العامّة للإمامة،والآخر الرجوع إلی أقوال الإمام الحسین علیه السلام وکتبه.والصحیح أن نستند إلی کلا المصدرین معاً؛لأنّ الاهتمام بأحد هذین المصدرین یؤدّی إلی الانزلاق والانحراف فی التحلیل.

2.من الاُمور التی أدّت إلی الاختلاف فی الرأی بشأن قضیّة الأهداف،هو عدم الالتفات إلی الاختلاف بین المقصد والمقصود.فالذی یسافر إلی مدینة أو یزاول تجارة أو یزور مکاناً مقدّساً،فإنّ تلک المدینة هی مقصده،ولکنّ قصده وهدفه هو التجارة أو الزیارة.ورغم أنّ حادثة عاشوراء انتهت بالشهادة،إلّاأنّ الشهادة مقصد ولیست مقصوداً وهدفاً.

وبناءً علی ذلک،فإذا قیل:إنّ الإمام الحسین علیه السلام ما ثار للشهادة،بل ثار من أجل إقامة الحکم وإحیاء سنّة النبیّ وإصلاح الاُمور،فإنّ هذا الکلام لیس فاقداً للأساس؛ لأنّ الشهادة مقصد،والمقصود هو إحیاء السنّة وإصلاح الاُمور.

3.یجب التمییز بین أهداف حقیقةٍ مّا والنتائج والآثار المترتّبة علیها.وقد استشهد الإمام الحسین علیه السلام من أجل تحقیق بعض الأهداف،وإذا تمتّع البشر من بعده بالکمالات المعنویّة والأجر الاُخروی من خلال إقامة العزاء والبکاء علیه،فإنّ من غیر الصحیح أن نعتبر العزاء والبکاء والنتائج المترتّبة علی ذلک،من أهداف ثورة الإمام الحسین علیه السلام.

وبناءً علی ذلک فإنّ اولئک الذین اعتبروا الشفاعة للاُمّة،أو الحصول علی الأجر الاُخروی وغفران الذنوب،هما من أهداف ثورة الإمام الحسین علیه السلام،إنّما هم واقعون فی مغالطة.

تعود فی الحقیقة إلی أربع نظریّات:

الاُولی:نظریّة طلب الشهادة.

الثانیة:نظریّة إقامة الدولة.

الثالثة:نظریّة المحافظة علی النفس.

الرابعة:الجمع بین النظریتین الاُولی والثانیة؛أی طلب الشهادة وإقامة الدولة.

أمّا مفاد الآراء الثلاثة الاُولی فهو واضح،وأمّا الرأی الرابع فقد قدّم علی أساس المبادئ الکلامیّة للشیعة من علم الإمام بشهادته من جهة،وأقوال الإمام والشواهد التاریخیّة علی الإطاحة بحکم یزید وإقامة الدولة الإسلامیة من جهة اخری.وقد أراد أصحاب هذا الرأی أن یجمعوا بین هاتین الحقیقتین،فعبّرت عملیّة الجمع هذه عن نفسها فی أربعة أشکال:

أ-جعل القصد (الهدف) علی مراحل؛أی قصد إقامة الدولة (فی البدء) ثمّ قصد الشهادة (الاُستاذ المطهری).

ب-القصد المباشر وغیر المباشر (العلّامة العسکری).

ج-إقامة الدولة مع العلم بالشهادة (آیة اللّه الاُستادی).

د-الجانبان الظاهری والباطنی (آیة اللّه الفاضل والسیّد الإشراقی).

وفیما یلی نلقی نظرة إجمالیّة علی هذه النظریّات:

هذا الیوم،إلّاأنّ الالتفات إلیها بشکل إجمالی مفید.وقد قدّمت أربعة تفاسیر لطلب الإمام للشهادة،ولکلّ منها قائل.

کتب أحد العلماء قائلاً:

لا یمکن أن یقال حول وقعة کربلاء شیء سوی التکلیف الشخصی. (1)

باعتبارها أمراً سیاسیاً،وألّا تخرج من حالتها الاُسطوریّة والغامضة کی لا تقتصر دائرة تأثیرها علی فئة محدودة،بل یجب النظر إلیها علی أنّها اسطورة یمتدّ تأثیرها من الزمان الخطّی المتناهی إلی دائرة الزمان اللّامتناهی (1).ولم یذکر هؤلاء دلیلاً علی هذا الرأی.

ویذکّر بأن الرأی الشائع بین أهل السنّة فی تحلیل حادثة عاشوراء هو إقامة الحکم أیضاً.

وقد خصّص ابن کثیر عنوان أحد أبحاث کتابه لهذا الموضوع،وهو«قصّة الحسین بن علیّ علیه السلام وسبب خروجه فی طلب الإمارة» (1).

ومن الواضح أنّ صراحة أهل السنّة فی البیان وعدم اختلافهم فی هذا المجال یعودان إلی أنّهم ینظرون إلی هذا الموضوع نظرة تاریخیة بحتة،ولا یفسّرونه من النواحی الکلامیة.

مراحل،حیث کان یهدف فی المرحلة الاُولی إلی إقامة الحکم،ولکن أصبح هدفه بعد خبر مقتل مسلم هو الشهادة. (1)

وکتبه (إلی أهل الکوفة والبصرة) وإرساله مبعوثه إلی الکوفة،وأخذ مبعوثه (مسلم) البیعة له،وإعلانه بالالتزام بالبیعة،ومصادرته قافلة تجاریّة لیزید مع شواهد اخری من هذا القبیل.طبعاً فی مجموعة أقوال وکتب الإمام علیه السلام،وما نراه فی هذه المجموعة هو الدعوة للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وإصلاح امور الاُمّة،وإحیاء سنّة النبیّ صلی الله علیه و آله، ولا تدلّ بصراحة علی عزمه إقامة الحکم إلّاإذا اعتبرناها ملازمة لإقامة الحکم.نعم، عندما امتنع عن البیعة أشار فی بعض النصوص إلی عدم کفاءة یزید وأحقّیته فی أمر الخلافة.

ومن جهة اخری فإنّ تعبیر«الخروج»فی کلام الإمام الحسین علیه السلام لا یعنی الثورة، بل یعنی-فی جمیع المواضع-الخروج من المدینة،وقد یعبّر عنه خطأً بالثورة.

3.لیس لنظریّة المحافظة علی النفس أیّ شاهد کلامیّ وتاریخیّ ،ولذلک فإنّها غیر قابلة للعرض،وفی نفس الوقت فإنّها لا تنسجم مع شؤون الإمامة.

4.یجب الحدیث فیما یتعلّق بنظریّة الجمع عمّا ذکرناه فی الفقرتین الاُولی والثانیة، علماً أنّ بعض وجوه هذه الحادثة تمّ تجاهلها فی هذا التحلیل-کالنظریّات الثلاث الاُولی-حیث سنتناولها فی المباحث القادمة.

ذکرت بعض هذه الأهداف فی مرحلة الامتناع عن البیعة لیزید،والبعض الآخر فی مرحلة مسیره من المدینة نحو مکّة ومنها إلی الکوفة.

وبعبارة اخری فقد ذکر الإمام الحسین علیه السلام فی أقواله وکتبه العدیدة بعض الأسباب والأهداف للامتناع عن البیعة،وبرّر بشکل آخر مسیره من المدینة إلی مکّة ومنها إلی الکوفة.

فقد طرح الإمام الحسین علیه السلام فی القسم الأوّل فسق یزید وعدم أحقّیته.ففی اعتراضه علی والی المدینة صرّح بهذا الأمر قائلاً:

أیُّهَا الأَمیرُ ! إنّا أهلُ بَیتِ النُّبُوَّةِ ،ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ،ومُختَلَفُ المَلائِکَةِ ،ومَحَلُّ الرَّحمَةِ ،وبِنا فَتَحَ اللّهُ وبِنا خَتَمَ ،ویَزیدُ رَجُلٌ فاسِقٌ شارِبُ خَمرٍ،قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ ،مُعلِنٌ بِالفِسقِ ،مِثلی لا یُبایِعُ لِمِثلِهِ ،ولکِن نُصبِحُ وتُصبِحونَ ،وتَنتَظِرُ وتَنتظُرونَ ،أیُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَیعَةِ . (1)

ویطرح فی القسم الثانی،إصلاح الاُمّة وإحیاء السنّة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ومحاربة السلطان الجائر والعزّة والإباء.فقد روی عنه علیه السلام فی هذا المجال أنّه قال:

إنّی لَم أخرُج أشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً،وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ فی امَّةِ جَدّی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،اُریدُ أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأنهی عَنِ المُنکَرِ، وأسیرَ بِسیرَةِ جَدّی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،وسیرَةِ أبی عَلیِّ بنِ أبی طالِبٍ ...فَمَنْ قَبِلَنی بِقَبولِ الحَقِّ فَاللّهُ أولی بِالحَقِّ ومَن رَدَّ عَلَیَّ هذا أصبِرُ حَتّی یَقضِیَ اللّهُ بَینی وبَینَ القَومِ بِالحَقِّ ویَحکُمَ بَینی وبَیْنَهُم بِالحقِّ وهُوَ خَیرُ الحاکِمینَ . (2)

مضافاً إلی هذه الأقوال والکتب،فإنّ تحلیل شؤون الإمامة (3)یقتضی هذا أیضاً،وقد

ص:72

حاز الإمام الحسین علیه السلام منصب الإمامة لبیان الدین وتطبیقه،والمحافظة علیه من الاضمحلال والزوال،وصونه عن التحریف،ولکی یکون قدوة للمجتمع،ومن المفترض أن تلقی هذه الشؤون بظلّها علی جمیع سلوکیاته وأقواله وأفکاره،فکیف یمکن تحلیل حادثة بهذه العظمة بمعزل عن هذه الأهداف ؟الحادثة التی اریقت فیها دماء هؤلاء العظام علی الأرض.

وتعدّ هذه الطبقة الاُولی من أهداف حادثة عاشوراء،ومن المحتمل أن یکون مراد الذین عبّروا بإقامة الحکم،هو العنوان المنتزع من هذه الاُمور،وکما أشرنا فإنّ هذا التعبیر لم یبیّن بصراحة فی أقوال الإمام وکتبه.

ویمکن القول إنّ معطیات هذه الطبقة من الأهداف هی زلزلة دعائم حکم بنی امیّة، والإطاحة بحکم یزید،ووقوع الثورات الانتقامیّة،ووعی الناس فی تلک الحقبة من التاریخ،وبالطبع فقد حدث ذلک خلال فترات زمنیّة قصیرة نسبیّاً.

1.حلّیة الأکل من تربة الإمام الحسین علیه السلام للاستشفاء. (1)

2.استحباب السجدة علی تربة کربلاء. (2)

3.استحباب الذکر بمسبحة تربة کربلاء. (3)

4.استحباب تحنیک الطفل بتربة کربلاء. (4)

5.استحباب تحنیط المیّت بتربة کربلاء. (5)

6.التأکید علی زیارة الأربعین. (6)

7.استحباب زیارة الإمام الحسین علیه السلام فی المناسبات الدینیّة المختلفة. (7)

8.استحباب إقامة العزاء والبکاء علی الإمام الحسین علیه السلام. (8)

9.جواز قصر الصلاة وإتمامها للمسافر فی الحائر الحسینی. (9)

10.استحباب استصحاب تربة کربلاء فی السفر. (10)

11.استحباب ذکر الحسین علیه السلام عند شرب الماء. (11)

وکلّ ذلک (12)یدلّ علی أنّ اللّه وأولیاءه کان لهم أیضاً بعض الأهداف من هذه الثورة،

ص:74

فضلاً عن الأهداف التی کان الإمام یسعی لتحقیقها من خلال ثورته.وهی نفس الأهداف التی عبّرنا عنها بالأهداف المتعدّدة الطبقات.

وبعبارة اخری فإنّ الإمام الحسین علیه السلام کان یعلم بأنّه سوف یستشهد خلال هذه الحادثة،ولکن من أجل تحقیق الأهداف التالیة:

1.إصلاح امور امّة النبیّ صلی الله علیه و آله.

2.إقامة الحقّ وإبطال الباطل.

3.العزّة والحرّیة.

4.فضح الظلم والجور.

5.تهیئة الأرضیّة لإقامة الدولة الإسلامیّة.

وقد أخذ اللّهُ سبحانه وتعالی -أیضاً-بنظر الاعتبار بعضَ الأهداف المتوخّاة من هذه الثورة علی مدی التاریخ،ویعود ما عبّر عنه البعض بالاُسطورة المقدّسة،أو العلاقات العاطفیّة بین البشر والإمام الحسین علیه السلام،إلی هذا البعد من الأهداف.

وهنا لا تقتصر معطیات الثورة علی قسم خاصّ من التاریخ،کما أنّها سوف لا تقتصر علی أتباع دین ما.

ومن معطیات هذه الطبقات،الثورات الشیعیّة علی مرّ التاریخ بعد الغیبة،وکذلک تحوّلها إلی انموذج وقدوة لأحرار العالم،أمثال غاندی (1)وغیره.

ص:75

ص:76

الناحیة السیاسیة وهل یثق سیاسیّ کبیر مثل الإمام علیه السلام بالکوفیّین رغم مواقفهم السابقة مع أبیه وأخیه الأکبر،ویعتمد علی وعودهم بالدفاع عنه فی مقابل حکومة بنی امیة، لیتّخذ من الکوفة قاعدة للنهضة ضدّ نظام الحکم ؟

وبتعبیر أکثر وضوحاً:ألم یکن الإمام علیه السلام یعلم بما کان الآخرون یقولونه بشأن المخاطر التی تکتنف سفره إلی الکوفة ؟وأخیراً،ألم یکن الإمام علیه السلام یعلم أنّ الجوّ العامّ لتأییده والذی کان یسود هذه المدینة قبل قدوم ابن زیاد إلی الکوفة هو جوٌّ مفتعلٌ ؟

2.هل کان جمیع الذین وجّهوا الدعوة إلی الإمام الحسین علیه السلام من شیعته وأتباعه فی العقیدة حقّاً،وهل کان الأمر کما ظنّ البعض (1)من أنّه انخدع بشیعته الذین وعدوه بالنصرة،ولکنّهم لم یترکوا الدفاع عنه فحسب،بل هبّوا لمحاربته،وبذلک فإنّ الشیعة أنفسهم هم السبب الرئیس فی مأساة عاشوراء؟

أم أنّ مفهوم«الشیعة»فی ذلک العصر مفهوم یختلف عن المفهوم الحالی له،وأنّ الأشخاص الذین خذلوا الإمام کان تشیّعهم له تشیّعاً سیاسیاً واجتماعیاً،لا عقیدیاً وحقیقیاً؟

3.ماهی أسباب إقبال أهل الکوفة علی النهضة الحسینیة وإدبارهم عنها؟وماهی عوامل عدم نجاحها؟

ص:78

صدر الإسلام عدد ملفت للنظر من شیوخ القبائل والقادة العسکریّین الکبار وخیرة المقاتلین؛ولذلک فعندما خرج الإمام علی علیه السلام من المدینة متوجّهاً إلی العراق من أجل القضاء علی فتنة الناکثین،لم یکن یصطحب معه سوی سبعمئة مقاتل (1)من المهاجرین والأنصار،فیما التحق به من الکوفة اثنا عشر ألفاً. (2)

ومن الملفت للنظر أنّ الإمام بعث کتاباً یخاطب فیه أهل الکوفة عندما کان یرید الانطلاق من المدینة نحو البصرة،یبدأ بهذه العبارات:

مِن عَبدِ اللّهِ عَلِیٍّ أمیرِ المُؤمِنینَ إلی أهلِ الکوفَةِ جَبهَةِ الأَنصارِ وسَنامِ العَرَبِ . (3)

وتفید روایة الطبری أنّ الإمام عندما اخبر فی الطریق بأنّ المتمرّدین ذهبوا إلی البصرة،فإنّه شعر بالطمأنینة وقال:

إنَّ أهلَ الکوفَةِ أشَدُّ إلیّ حُبّاً،وفیهِم رُؤوسُ العَرَبِ وأعلامُهُم. (4)

کما کتب إلیهم:

إنّی قَدِ اختَرتُکُم عَلَی الأَمصارِ وإنّی بِالأَثرَةِ . (5)

وجاء فی روایة اخری أنّه کتب قائلاً:

فَإِنّی قَدِ اختَرتُکُم وَ النُّزولَ بَینَ أظهُرِکُم لِما أعرِفُ مِن مَوَدَّتِکُم و حُبِّکُم للّهِ ِ عز و جل ولِرَسولِهِ صلی الله علیه و آله.... (6)

ص:80

وعندما التحق أهلُ الکوفة بالإمام علیّ علیه السلام فی ذی قار،مدحهم الإمام علیه السلام قائلاً:

أنتُم أشَدُّ العَرَبِ وُدّاً لِلنَّبِیِّ ولِأَهلِ بَیتِهِ ،وإنَّما جِئتُکُم ثِقَةً -بَعدَ اللّهِ -بِکُم. (1)

وبعد نهایة معرکة الجمل أشاد بهم بهذه العبارات:

جزاکُمُ اللّهُ مِن أهلِ مِصرٍ عَن أهلِ بَیتِ نَبِیِّکُم أحسَنَ ما یَجزِی العامِلینَ بِطاعَتِهِ وَالشّاکِرینَ لِنِعمَتِهِ ،فَقَد سَمِعتُم وأطَعتُم،وَدُعیتُم فَأَجَبتُم. (2)

کما کان معظم جنده فی معرکة صفّین من الکوفة،حیث ذکرت المصادر التاریخیة أنّ عدد جیش الإمام علیه السلام بلغ مئةً وعشرین ألفاً. (3)

وفی هذه المعرکة نفسها عندما لاحظ الإمام علیه السلام ضعف جیشه أمام جیش الشام، أشار إلی مکانتهم المهمّة فی العالم الإسلامی،خلال حدیثٍ لام فیه جیشَه،فقال:

أنتُم لَهامیمُ العَرَبِ ویَآفیخُ الشَّرَفِ ،وَالأَنفُ المُقَدَّمُ ،وَالسَّنامُ الأَعظَمُ . (4)

وخاطبهم فی موضع آخر بشیء من الذمّ :

وأنتُم تَریکةُ الإِسلامِ ،وبَقِیَّةُ النّاسِ . (5)

وعلی هذا الأساس فقد کانت الکوفة من الناحیة الجغرافیة أنسب منطقة لمحاربة حکومة یزید.

وخاصّة فی عهد حکم الإمام علیّ علیه السلام،یستوجب ألّایرتضوا أن تکون الشام مرکز الخلافة واتّخاذ القرارات فی العالم الإسلامی.ولذلک کانت الکوفة طیلة الحکم الاُموی مرکزاً لمحاربة حکومة الشام ومعارضتها،وقد قدّمت فی هذا الطریق أکبر عدد من القتلی والسجناء والمنفیّین.

قد قام«زیاد بن أبیه»فی الفترة التی تولّی فیها إمارة الکوفة من جانب معاویة- فضلاً عن قتل (1)وسجن الکثیر من الثوار،ونفی الکثیر منهم إلی الشام والمدن الاُخری (2)-بترحیل خمسین ألف شخص من خصوص الکوفة والبصرة إلی خراسان کما تفید بعض الروایات. (3)

کما سجن ابنه«عبید اللّه بن زیاد»حوالی 12 ألفاً من شیعة الکوفة،بالإضافة إلی ارتکابه المذابح ضدّ الثوار کما تفید إحدی الروایات. (4)

کما أنّ ثورة التوّابین والمختار بعد واقعة کربلاء، (5)وثورة عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث عام 82-83، (6)وثورة زید بن علیّ بن الحسین علیه السلام سنة 122 (7)،هی أدلّة واضحة اخری علی الکراهة الشدیدة التی کان یضمرها غالبیّة أهالی الکوفة للحکومة الاُمویة.

وفی عهد إمامة الإمام الحسین علیه السلام تضاعف الکره الطبیعی لأهل الکوفة ضدّ حکومة الشام؛بسبب المفاسد الأخلاقیة والسلوکیة السافرة لیزید الذی کان یعتبر نفسه خلیفة

ص:83

المسلمین؛ولذلک فقد دعوا الإمام من خلال الکتب المتتالیة لأن یأتی إلی الکوفة ویقود الثورة ضدّ الحکّام الاُمویّین.

وهناک روایات اخری أیضاً تؤیّد أنّ أنصار أهل البیت علیهم السلام فی الکوفة کانوا أکثر من أیّ مدینة اخری،رغم أنّ حبّ غالبیّتهم لم یبلغ حدّ الدفاع العملی والتضحیة بالنفس، ولکنّ أهل البیت لم یکن لهم فی المدن الاُخری هذا العدد من الموالین،ولذلک فعندما أجبر ابن زیاد أهل الکوفة علی التوجّه إلی کربلاء ومحاربة الإمام علیه السلام فإنّ الکثیر منهم هربوا أثناء الطریق ولم یشهدوا کربلاء.یقول البلاذری فی هذا المجال:

وکان الرجل یبعث فی ألف فلا یصل إلّافی ثلاثمئة أو أربعمئة وأقلّ من ذلک؛ کراهةً منهم لهذا الوجه. (1)

یمنع الإمام من الذهاب إلی الکوفة،کما سعی عمرو بن سعید-والی مکّة-لأن یحول دون ذهاب الإمام،وأرسل مجموعة تمنع الإمام علیه السلام من مغادرة مکّة،إلّاأنّ الإمام علیه السلام اتّجه إلی العراق بعد قتال یسیر. (1)

وعلی هذا،فقد کانت الکوفة من حیث الموقع الثقافی والسیاسی والاجتماعی والعسکری والجغرافی أفضل منطقة لبدء الثورة ضدّ حکومة یزید،ولذلک یقول السیّد المرتضی رحمه الله فی تحلیل وقعة کربلاء:

إنّ أسباب الظفر بالأعداء کانت [ ظاهرة ] لائحة متوجّهة،وإنّ الاتّفاق عکس الأمر وقلبه حتّی تمّ فیه ما تمّ . (2)

ورغم أنّنا لا نؤیّد هذا الرأی،إلّاأنّنا نعتبر الکوفة أفضل خیارٍ لتحقیق أهداف النهضة الحسینیة للأسباب السابقة،وسوف نسلّط الضوء أکثر علی هذا الموضوع.

ص:86

الرحمن والفرزدق،وأمثالهم. (1)

والآن یجب أن نری لماذا انقلبت الاُمور خلال فترة قصیرة بعد قدوم ابن زیاد إلی الکوفة ؟ولماذا تغیّر الجوّ العامّ فی الکوفة لصالح حکومة یزید؟

وبعبارة اخری:ما هی النقاط السلبیة التی کان المجتمع الکوفی یعانی منها إلی جانب الخصائص الإیجابیة،بحیث کان جوّ هذه المدینة العامّ لصالح الإمام الحسین علیه السلام یوماً ولصالح یزید یوماً آخر؟وهل یمکن أن ننسب اتّجاه أهل الکوفة هذا إلی الشیعة کلّهم ؟

من أجل الإجابة علی هذه الأسئلة،من الضروری تحلیل سلوکیّات أهل الکوفة من الناحیة الاجتماعیة والنفسیة،ومعرفة النظام الإداری والاقتصادی المهیمن علی هذه المدینة،ولهذا سوف نتناول هذه القضایا فی الفصول القادمة بالبحث،ونفصّل الحدیث بعدها عن أهمّ عوامل عدم نجاح ثورة الکوفة.

ص:91

وکانت العناصر غیر العربیة فی الکوفة تتألّف من شرائح-کالموالی (1)والسریانیّین (2)والأنباط (3)-یُشکّلون هذه المجموعة. (4)

وبالطبع فإنّ الشریحتین الأخیرتین کانتا تشکّلان أقلّیة من سکّان الکوفة.

2.المجتمع الکوفی من الناحیة العقیدیة

یمکن تقسیم المجتمع الکوفی آنذاک من الناحیة العقیدیة إلی قسمین:مسلم وغیر مسلم؛حیث کان یشکّل القسم غیر المسلم المسیحیّون العرب من بنی تغلب، ومسیحیّو نجران،والمسیحیّون الأنباط ،والیهود المبعدون من شبه الجزیرة العربیّة فی عهد عمر،والمجوس الإیرانیّون.وقد کان هذا القسم یمثّل بشکل عامّ الأقلّیة من مجموع سکّان الکوفة. (5)

3.المجتمع الکوفی من الناحیة السیاسیة

یمکن تقسیم القسم المسلم من سکّان الکوفة إلی أربعة أقسام:

أنصار أهل البیت علیهم السلام ومدّعی التشیّع فی ذلک العصر کانوا ینقسمون إلی عدّة مجامیع سنسلّط الضوء علیها فیما یأتی.

عام 53 للهجرة قاموا بثورة اخری سنة 58 للهجرة بقیادة«حیّان بن ظبیان». (1)وقد عمد«ابن زیاد»بعد العهد له بولایة الکوفة إلی قمعهم أیضاً.

وعلی هذا،ونظراً إلی الصراع الدائم للخوارج مع الاُمویین،لعلّنا نستطیع أن نقرّر أنّهم لم ینحازوا خلال الثورة الحسینیة إلی أیٍّ من الجانبین.

الجذّابة فی حکومة علیّ علیه السلام،والأحادیث التی کان قد نقلها فی فضائل أهل البیت علیهم السلام، إلّا أنّ حبّهم لم یکن یتجاوز حدود المظاهر واللّسان،وقد وصف الإمام الصادق علیه السلام هذه المجموعة بأنّها من النمط الأسفل من محبّی أهل البیت علیهم السلام:

وَالطَّبَقَةُ الثانِیَةُ :النَّمَطُ الأَسفَلُ ،أحَبّونا فِی العَلانِیَةِ وَساروا بِسیرَةِ المُلوکِ ، فَأَلسِنَتُهُم مَعَنا وَسُیوفُهُم عَلَینا. (1)

وتُمثّل هذه المجموعةُ غالبیّة أهل الکوفة فی عهد حکومة الإمام علیّ علیه السلام وسائر الأئمّة علیهم السلام،وهم الذین کان الإمام علی علیه السلام یشکو منهم بشکلٍ متواصلٍ فی أواخر حکمه،حیث کان یقول:

یا أَشباهَ الرِّجالِ وَلا رِجالَ . (2)

ویقول:

مُنیتُ بِمَن لا یُطیعُ . (3)

ویقول:

لا غَناءَ فی کَثرَةِ عَدَدِکُم. (4)

ویقول:

لَبِئسَ حُشّاشُ نارِ الحَربِ أنتُم. (5)

ویقول:

هَیهاتَ أن أطلُعَ بِکُم أسرارَ العَدلِ . (6)

ص:97

و استناداً إلی بعض الروایات فقد کان الإمام الحسن علیه السلام یصفهم عند بیان حکمة صلحه مع معاویة قائلاً:

یَقولونَ لَنا إنَّ قُلُوبَهُم مَعَنا وَإِنَّ سُیوفَهُم لَمَشهورَةٌ عَلَینا ! (1)

ویقول الفرزدق فی وصف هذه الطائفة من محبّی أهل البیت علیهم السلام عند لقائه الإمام الحسین علیه السلام:

القُلوبُ مَعَکَ ،وَالسُّیوفُ مَع بَنی امَیَّةَ . (2)

والملاحظة الملفتة للنظر فی وصف المجموعة الثانیة من محبّی أهل البیت علیهم السلام هی «أنّ ألسنتهم معنا وسیوفهم علینا»،ولکن جاء فی کلام الفرزدق والآخرین أنّ «القلوب مع أهل البیت والسیوف ضدّهم».والحقیقة أنّ القلوب لو کانت مع أهل البیت علیهم السلام،لما أمکن للسیوف أن تکون ضدّهم.

وتظهر المناهضة العملیّة لهذه الطائفة لأهل بیت الرسالة فی أنّ ولاءهم لهذه الاُسرة لم یکن یتجاوز اللسان.

وَلَعَمری لَئِن کانوا أحَبّونا فِی السرِّ دُونَ العَلانِیَةِ فَهُمُ الصَّوامونَ بِالنَّهارِ القَوّامونَ بِاللَّیلِ ،تَری أثَرَ الرَّهبانِیَةَ فی وُجوهِهِم،أهلُ سِلمٍ وَانقِیادٍ. (1)

وروی عن الإمام الباقر علیه السلام تقسیم آخر للشیعة وهو قوله:

الشیعَةُ ثَلاثَةُ أصنافٍ :صِنفٌ یَتَزیَّنونَ بِنا،وَصِنفٌ یَستَأکِلونَ بِنا،وَصِنفٌ مِنّا وَإلَینا. (2)

واستناداً إلی هذه الروایات یمکن تقسیم مدّعی التشیّع فی الکوفة إلی ثلاث طوائف:

الطائفة الاُولی:الأشخاص الذین کانت قلوبهم مع أهل البیت علیهم السلام،وکانوا یدافعون من الناحیة العملیّة-أیضاً-عن مبادئ هذه الاُسرة،ولکنّ عددهم کان ضئیلاً.

الطائفة الثانیة:الأشخاص الذین کانوا یحبّون أهل البیت علیهم السلام قلباً،ولکنّهم لم یکونوا یجرؤون علی الدفاع عن مبادئهم،وکان عددهم أکثر من الطائفة الاُولی وأقلّ من الطائفة الثالثة. (3)

الطائفة الثالثة:الأشخاص الذین کانوا یُظهرون وَلاءهم لأهل البیت علیهم السلام من أجل مصالحهم السیاسیة أو الاجتماعیة أو الاقتصادیة،ولکنّ سیوفهم کانت فی خدمة أعدائهم.وأفراد هذه الطائفة-التی کانت تشکّل الغالبیة-لم یکونوا شیعةً حقیقیّین.

وفی الحقیقة فإنّ الشیعة من ذوی المصالح السیاسیة والاقتصادیة یتّبعون من یؤمّن لهم مصالحهم،ولذلک فقد بایعوا مُسلِماً فی ظلّ الأجواء التی أحسّوا فیها بغلبة الإمام

ص:99

الحسین علیه السلام،ولکنّهم انضمّوا إلی صفّ شیعة بنی امیة عندما أدرکوا أنّ تعاونَهم مع الإمام علیه السلام یشکّل خطراً علیهم.

وبناءً علی ذلک،فإنّ مسؤولیة عدم دعم ثورة الإمام الحسین علیه السلام تقع علی عاتق هؤلاء الشیعة المتّبعین لمصالحهم السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة،وعلی عاتق الأشخاص الذین استغلّوا اسم الشیعة،لا علی عاتق الشیعة العقائدیّین والحقیقیّین.

ص:100

ویمکن أن نبرّر کثرة مبایعی مسلم استناداً إلی هذا المبدأ أیضاً،رغم أنّ الأشخاص المخلصین بینهم لم یکونوا یشکّلون سوی أقلّیة.

فکان أهل الکوفة آنذاک یرون من جهةٍ أنّ حکومة الشام المرکزیّة ابتُلیت بالضعف بسبب موت معاویة ونزق یزید،ولم یکونوا یرون من جهة اخری أنّ «النعمان بن بشیر»قادرٌ علی مواجهة ثورة عارمة،ولذلک فإنّ أهل الکوفة سرعان ما رحّبوا بتجمّع عدد من الشیعة المخلصین بقیادة«سلیمان بن صرد الخزاعی»وعرض دعوة الإمام الحسین علیه السلام،وإقامة الحکومة فی الکوفة من قبلهم؛لأنّهم کانوا یرون أنّ الانتصار وإقامة الحکومة محتملان إلی حدٍّ کبیر.

ولم یفقدوا الأمل بالانتصار حتّی بعد وصول عبید اللّه إلی الکوفة،ولذلک فقد شارک عددٌ کبیر منهم مع مسلم فی محاصرة قصر عبید اللّه،ولکنّهم سرعان ما خذلوا الثورة عندما شعروا بالخطر،وسلّموا مسلماً وهانیاً بید عبید اللّه !

وقد اشتدّ هذا الاحساس بالخطر عندما انتشرت بین الناس شائعة تحرّک جیش الشام من قبل أنصار عبید اللّه،حیث یمکن اعتبار سبب الخوف من جیش الشام تعلّق أهل الکوفة بالدنیا (1).

وربّما کان اشتهار أهل الکوفة بالغدر والخدیعة وعدم الوفاء بحیث أدّی إلی ظهور أمثالٍ ذائعةٍ ،نظیر:«أغدر من کوفیّ » (1)،أو«الکوفی لا یوفی» (2)ناجماً عن هذه الخصوصیة المتمثّلة فی اتّباعهم لأحاسیسهم وعواطفهم.

وهمدان،ربع ربیعة وکندة،ربع مذحج وأسد.وعیّن لکلّ ربع رئیساً،حیث کان یسمّی مجموعهم رؤساء الأرباع. (1)

وکان الرؤساء الذین اختارهم زیاد للأرباع هم بالترتیب کالتالی:عمرو بن حریث، خالد بن عرفطة،قیس بن الولید وأبو بردة بن أبی موسی الأشعری. (2)

وقد استعان مسلم بن عقیل بدوره بهذا النظام أیضاً عند القیام بنهضته وثورته،حین نظّم أفراد کلّ ربع فی الربع نفسه،واختار هو نفسه رئیساً للربع غیر الرئیس المنصوب من قبل الحکومة.

وتطالعنا خلال ثورة مسلم فی الکوفة-وبعد اعتقال هانی ومحاصرة القصر-أسماء رؤساء الأرباع المعیّنین من جانبه وهم:

مسلم بن عوسجة الأسدی رئیس ربع مذحج وأسد،عبید اللّه بن عمر بن عزیز الکندی رئیس ربع کندة وربیعة،عبّاس بن جعدة الجدلی رئیس ربع أهل المدینة،وأبو ثمامة الصائدی رئیس ربع تمیم وهمدان. (3)

ولم یکن هانی بن عروة یتولّی رئاسة ربع کندة وربیعة من جانب الحکومة،ولکنّه کان یتمتّع بالاحترام الکبیر بین أهالی هذا الربع الذی کان أکثر أرباع الکوفة سکّاناً، وبلغ هذا الاحترام درجة بحیث یقال:إنّه إذا طلب المساعدة هبّ ثلاثون ألف سیف لنجدته، (4)ولکنّ ابن زیاد استطاع بسیاساته واستغلال عمرو بن الحجّاج الزبیدی المنافس ل «هانی»أن یخفض هذا التأثیر إلی الحدّ الأدنی،وأن یقتله فی النهایة دون أن یبدی الربع أیّ تحرک ! (5)

ص:106

أفرادهم عند الحرب،ویرفعون أحیاناً تقاریر بأسماء المتخلّفین عن الحرب إلی الوالی، أو إلی امراء الأسباع. (1)

واکتسب العرفاء أهمّیة أکبر عندما توطّن الجنود غیر المتحضّرین فی المدن واستقرّوا فی الکوفة،فقد اوکلت إلیهم مسؤولیة إقرار الأمن فی نطاق الأفراد المذکورین بالإضافة إلی المسؤولیات السابقة،وأعدّوا دفاتر خاصّة سجّلوا فیها أسماء المقاتلین ونسائهم وأولادهم وموالیهم،وکانت تسجّل أیضاً أسماء المولودین حدیثاً وسنة ولادتهم،کما کان یتمّ محو أسماء الأشخاص المتوفّین،وبذلک فقد کانوا یحیطون علماً بأفرادهم.

ویبدو أنّ تعیین وعزل العرفاء کانا یتمّان بواسطة الوالی؛ذلک لأنّهم کانوا مسؤولین أمام الوالی تجاه أفراد العرافة. (2)

وکان دور العرفاء وأهمیّتهم یتضاعفان عند حدوث الاضطرابات فی المدن؛ ذلک لأنّهم کانوا مسؤولین عن إقرار النظام فی عرافتهم،وبالطبع فإنّ الحکومة المرکزیة إذا کانت قویّة فإنّها کانت تطلب منهم أن یرفعوا تقاریر بأسماء الأشخاص المتمرّدین. (3)

وعلی هذا،فقد کان أهمّ مصادر الموارد المالیّة لأهل الکوفة وتأمین حیاتهم بید نظام الحکم،ولم یکن أمام غالبیة الأهالی سبیل لتأمین معیشتهم سوی التعاون مع الحکومة.

ویبدو أنّ دور النظام الإداری والاقتصادی للکوفة کان أکثر العوامل تأثیراً فی إعراض الأهالی عن الثورة،والانضمام إلی أنصار الحکومة،ولذلک فإنّ ابن زیاد عندما دخل الکوفة وألقی خطبة سیاسیة فیها،استغلّ النظام الإداری والاقتصادی لهذه المدینة استغلالاً کاملاً لتهدید الأهالی وترغیبهم،وهذا هو نصّ روایة الطبری فی هذا المجال:

أَخَذَ [ ابنُ زِیادٍ ] العُرَفاءَ وَالنّاسَ أخذاً شَدیداً،فَقالَ :اُکتُبوا إلَیَّ الغُرَباءَ،ومَن فیکُم مِن طِلبَةِ أمیرِ المُؤمِنینَ ،ومَن فیکُم مِنَ الحَرورِیَّةِ وأهلِ الرَّیبِ ،الَّذینَ رَأیُهُمُ الخِلافُ وَالشِّقاقُ ،فَمَن کَتَبَهُم لَنا فَبَریءٌ،ومَن لَم یَکتُب لَنا أحَداً فَیَضمَنُ لَنا ما فی عَرافَتِهِ ألّا یُخالِفَنا مِنهُم مُخالِفٌ ،ولا یَبغی عَلَینا مِنهُم باغٍ ،فَمَن لَم یَفعَل بَرِئَت مِنهُ الذِّمَّةُ ،وحَلالٌ لَنا مالُهُ وسَفکُ دَمِهِ .

وأیُّما عَریفٍ وُجِدَ فی عَرافَتِهِ مِن بُغیَةِ أمیرِ المُؤمِنینَ أحَدٌ لَم یَرفَعهُ إلَینا،صُلِبَ عَلی بابِ دارِهِ ،واُلقِیَت تِلکَ العَرافَةُ مِنَ العَطاءِ،وسُیِّرَ إلی مَوضِعٍ بِعُمانَ الزّارَةِ . (1)

کما أنّ مسلم بن عقیل علیه السلام عندما حاصر بجیشه قصر ابن زیاد ومارس الضغوط علیه،فقد کان من أسالیب ابن زیاد الناجحة أنّه أبلغ جنود مسلم عن طریق وجهاء الکوفة وزعماء القبائل أنّه سیزید من عطائهم إن هم کفّوا عن دعمه وانضمّوا إلی صفوف المطیعین،وإلّا فإنّ عطاءهم سینقطع إن استمرّت الثورة. (2)

واستناداً إلی بعض الروایات فعندما کان الإمام الحسین علیه السلام ینوی إتمام الحجّة علی

ص:110

أهل الکوفة فی یوم عاشوراء،وکانوا یسعون من خلال إثارة الفوضی أن یمنعوه من إلقاء خطبته،فقد أشار الإمام إلی موضوع«العطاء»وأکلهم الحرام من خلال ذلک، باعتباره أحد أسباب انحراف أهل الکوفة وتمرّدهم فقال علیه السلام:

وَکُلُّکُم عاصٍ لِأَمری غَیرُ مُستَمِعٍ لِقَولی،قَدِ انخَزَلَت عَطِیّاتُکُم مِنَ الحَرامِ ،وَمُلِئَت بُطونُکُم مِنَ الحَرامِ ،فَطُبِعَ عَلی قُلوبِکُم. (1)

ص:111

وحَبَسَ سائِرَ وُجوهِ النّاسِ عِندَهُ استیحاشاً إلَیهِم؛لِقِلَّةِ عَدَدِ مَن مَعَهُ مِنَ النّاسِ . (1)

وکان من جملة الذین اعتقلهم ابن زیاد المختار بن أبی عبیدة الثقفی،والذی بقی فی السجن حتّی شهادة الإمام الحسین علیه السلام. (2)

وممّا یجدر ذکره أنّ اعتقال عنصر مؤثّر مثل المختار إلی جانب انسحاب سلیمان بن صرد،کانا وحدهما کافیین لأن یسبّبا مشکلة أکیدة للثورة،بل وأن یوقعاها فی الفشل.

بالخطر،أمر شریحاً القاضی بأن یخرج ویری هانیاً،وأن یخبر الناس بأنّه حیّ !

وقدم شریح إلی معتقل هانی،وعندما رأی هانی شریحاً صرخ قائلاً والدماء تجری علی لحیته:

یا لَلّهِ ،یا لَلمُسلِمینَ ! أهَلَکَت عَشیرَتی ؟! فَأَینَ أهلُ الدّینِ ؟وأینَ أهلُ المِصرِ؟

وعندما سمع ضجّة أفراد قبیلته الذین کانوا قد تجمعوا خارج دار الإمارة لإطلاق سراحه،قال:لو أنّ عشرة رجال دخلوا علیّ لأنقذونی.

وأمّا شریح القاضی،فقد جاء نحو الأهالی الذین حاصروا جوانب القصر دون أن یعیر أهمّیة إلی ما رآه وسمعه،وخاطبهم قائلاً:

إنَّ الأَمیرَ لَمّا بَلَغَهُ مَکانُکُم ومَقالَتُکُم فی صاحِبِکُم،أمَرَنی بِالدُّخولِ إلَیهِ ،فَأَتَیتُهُ فَنَظَرتُ إلَیهِ ،فَأَمَرنی أن ألقاکُم وأن اعلِمَکُم أنَّهُ حَیٌّ ،وأنَّ الَّذی بَلَغَکُم مِن قَتلِهِ کانَ باطِلاً. (1)

فقال عمرو بن الحجّاج الذی کان یتولّی قیادة الرجال المحاصرین للقصر عند سماعه کلام شریح:

حمداً للّه؛لأنّه لم یقتل.ثمّ أخلوا أطراف القصر ورحلوا!

وممّا یجدر ذکره أنّ عمرو بن الحجّاج کان شقیق«روعة»زوجة هانی،وکان من الأنصار المتحمّسین لابن زیاد،وقد أنقذ بهذه الحیلة ابن زیاد من قبضة قبیلة مذحج!

وعلی أیّ حال،فقد قضی ابن زیاد علی ثورة الکوفة فی مهدها من خلال استخدام سیاسة الترغیب والترهیب،فقتل مسلماً علیه السلام،وقلبَ جوّ الکوفة السیاسی والاجتماعی بحیث بعث من أهل الکوفة جیشاً ضخماً إلی کربلاء وتسبّب فی مأساة کربلاء الدمویة والفریدة من نوعها! (2)

ص:115

ص:116

التی ستحلّ علی سیّد الشهداء علیه السلام؛فبکوا لها.

کما أشار عیسی علیه السلام إلی مصیبة الحسین علیه السلام عند مروره بکربلاء وبکی لمصائبه مع حوارییّه. (1)

وأشار رسول اللّه صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام مراراً إلی أحداث کربلاء الدامیة،وأراقا الدموع مع فاطمة الزهراء علیها السلام علی فلذة أکبادهم. (2)

بنی هاشم. (1)

وهذا السلوک یُحتمل بسبب کلام النبیّ صلی الله علیه و آله الذی قاله لأسماء أثناء شهادة جعفر بن أبی طالب (2)،وإنّه کان لباس الحزن منذ العصور السابقة أیضاً،ولهذا اختار أبو مسلم فی بدایة ثورته اللباس الأسود؛بهدف الاستغلال الإعلامی ضدّ دولة بنی امیّة،بحیث عُرِفوا فی التارخ بالمسوّدة،حیث کانوا یقولون:

هذا السواد حدادُ آلِ محمّد،وشهداء کربلاء وزیدٍ،ویحیی . (3)

وتعدّ الملابس السوداء فی عصرنا الحاضر أیضاً علامة العزاء قسم من المناطق الشیعیّة. (4)

ولعن قاتلیه عند شرب الماء،تعنی أنّ علی أتباع أهل البیت علیهم السلام ألّاینسوا حادثة کربلاء أبداً،وأن یُخلّدوا فی التاریخ ذکری مقارعة الظلم والظالم،والشهادة الألیمة للسلالة الطاهرة لرسول اللّه صلی الله علیه و آله فی هذا الطریق.

ویتلخّص کلّ ما قیل فی بیان فلسفة ثورة الإمام الحسین علیه السلام وشهادته (1)،فی هذه العبارة:«اجتثاث الجهل».

إنّ إزالة الجهل واجتثاثه لیس هو فلسفة ثورة سیّد الشهداء فحسب،بل إنّه یمثّل فلسفة بعثة خاتم الأنبیاء ونزول القرآن:

وعلی هذا الأساس فإنّ أهمّ رسالةٍ للأنبیاء والأولیاء هی اجتثاث جذور مرض الجهل من المجتمع،فما لم یتمّ علاج هذا المرض لا یمکن أن نتوقّع أن تسود المجتمع القیم الدینیة.

وقد أهدی الإمام الحسین علیه السلام بدوره دَمه الطاهرَ فی سبیل تحقیق هذه الغایة السامیة،وبذلک فإنّ محو الجهل من المجتمع المسلم هی أهمّ حکمة تکمن وراء إحیاء مدرسة الشهادة بواسطة إقامة شعائر العزاء علی الإمام الحسین علیه السلام،ولابدّ من استمرار هذه المدرسة حتّی علاج هذا المرض الاجتماعی الخطیر بشکل کامل،والسیادة المطلقة للقیم الإسلامیة فی العالم.

ص:123

الوعی وإحیاء الإسلام الأصیل.

والآخر:أن یتمّ التأکید علی جرائم أتباع یزید والظالمین فی هذه الحادثة بدلاً من الترکیز علی البُعد الملحمی والحماسی لها.

وهذا لا یعنی أنّ غفران الذنوب والتزکیة الروحیة لیسا من نتائج إقامة شعائر العزاء،أو أنّه لا ینبغی التطرّق إلی جرائم الظالمین،بل إنّ المراد هو تجنّب النظرة التجزیئیة (1).

لو اقتصرت فلسفة إقامة العزاء علی سیّد الشهداء علی تطهیر المذنبین من الذنوب، بدلاً من محو الجهل وإحیاء القیم الإسلامیة،فهذا تحریف لهدف شهادة الإمام وإقامة العزاء علیه،و سنُبتلی بنفس التحریف الذی حدث فی الدیانة المسیحیة فیما یتعلّق بالسیّد المسیح.

یقول الاُستاذ الشهید المطهّری فی هذا المجال:

أنا لا أعلم من هو المجرم أو المجرمون الذین أنزلوا الجریمة علی الحسین بن علیّ بشکل آخر،وذلک بأن حرّفوا هدف الحسین بن علیّ ،وهی نفس الأباطیل التی قالها المسیحیّون بشأن المسیح،فقد قیل حول الحسین:إنّه قُتل کی یتحمّل أعباء ذنوب الاُمّة،فلقد قُتل الحسین کی نرتکب الذنوب مرتاحی البال،قُتل الحسین لقلّة المذنبین آنذاک،فلیزدادوا إذن!. (2)

ومن جهة اخری فإنّنا إذا نظرنا إلی حادثة عاشوراء نظرة عامّة وموضوعیة،فإنّنا سنری أنّها تشتمل علی بعدین:أحدهما الجریمة والمظلومیة،والآخر الملحمة والعزّة والعظمة.ولذلک لایمکننا تحلیل هذا الحدث وتبیینه بشکل صحیح إلّاإذا نظرنا إلیهما وقدّمناهما إلی جانب بعضهما البعض،وإلّا فإنّ المخاطَب سوف لا یُدرک بشکل

ص:125

صحیح هذا الحادث المهمّ فی التاریخ الإسلامی. (1)

یقول الاُستاذ المطهّری فی هذا المجال:

لحادثة عاشوراء وتاریخ کربلاء وجهان،وجه أبیض ونورانی،ووجه أسود وظلمانی،وکلاهما عدیما النظیر،أو قلیلا النظیر.

فأمّا الوجه الأسود والمظلم،فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نری فیه سوی الجریمة المنقطعة النظیر أو القلیلة النظیر....

فمن وجهة النظر هذه،تعدّ حادثة کربلاء جریمة ومأساة،مصیبة ورثاء.وعندما ننظر إلی هذا الوجه نری فیه قتل الأبریاء وقتل الشاب،وقتل الطفل الرضیع،کما نری فیه وط ء الخیول بحوافرها أجساد القتلی،ومنع الماء عن العطاشی،وضرب النساء والأطفال بالسیاط ،وحمل الأسری علی الجمال دون هوادج ووطاء.فمن هذه النظرة من هو البطل فی هذه الحادثة ؟من الواضح أنّنا عندما ننظر إلی هذا الحدث من بُعد الجریمة،فإنّ من یتحمّل تلک المصائب والجرائم لا یعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم.وإنّما البطل فی هذه النظرة وهذا البعد هو یزید بن معاویة، وعبید اللّه بن زیاد،وعمر بن سعد،وشمر بن ذی الجوشن،وخولی،وعدد آخر.

ولذلک فنحن حینما نطالع هذه الصفحة السوداء،لا نری فیها سوی الجریمة ورثاء البشریة! فماذا علینا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟علینا أن ننظم المراثی، ولیس هناک من شیء نقوله سوی نظم المراثی.

علینا أن نقول:

(لا تزال صرخة«العطش»تنطلق من صحراء کربلاء وتصل إلی کوکب العیّوق (2)،

ص:126

من أفواه اولئک العطاشی). (1)

ولکن هل یقتصر تاریخ عاشوراء علی هذا الوجه فقط؟هل هو رثاء ومصیبة فقط ولیس شیئاً آخر؟!

هذا هو الخطأ؛فإنّ لهذا التاریخ وجهاً آخر أیضاً بطله لیس یزید بن معاویة،ولا ابن زیاد،ولا شمراً،بل بطله الحسین.ولا وجود للجریمة ولا للمأساة فی هذا الوجه، بل فیها الملحمة والفخر والنور،وتجلّی الحقیقة والإنسانیة،وتجلّی العبودیة للّه سبحانه.وعندما ننظر إلی هذا الوجه نقول:إنّ من حقّ البشریة أن تفتخر بنفسها، ولکنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نری البشریّة تطأطئ رأسها وتری نفسها مصداقاً للآیة:

«قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ » ! 2

ومن المسلّم به أنّ جبرئیل لا یتساءل قائلاً: «أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ» فی مقابل قول اللّه تعالی: «إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً » ، (2)وإنّما الذی یتساءل هو الملائکة التی کانت لا تری سوی الوجه الأسود للبشریة،ولم تکن تری الوجه الآخر،فأجابها اللّه تعالی : «إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » . (3)

إنّ تلک الصفحة هی الصفحة التی یعترض بسببها الملائکة،ویکون فیها البشر مُطَأطِئی الرؤوس.وأمّا هذه الصفحة فهی التی تفتخر بها البشریة.

فلماذا یجب أن نطالع حادثة کربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا یجب الحدیث عن جرائم کربلاء دوماً؟! ولماذا یجب أن ندرس شخصیة الحسین بن علیّ من منظار تعرّضه لجریمة المجرمین دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التی نهتف بها ونکتبها باسم الحسین بن علیّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا

ص:127

نطالع الصفحة المشرقة من هذه القصّة إلّاقلیلاً،فی حین أنّ الجانب الملحمی من هذه القصّة یفوق جانبها الإجرامی بمئات المرّات،وجانبها المشرق یتغلّب علی جانبها المظلم کثیراً؟!

إذن علینا أن نعترف أنّنا من الجناة علی الحسین بن علیّ ،وذلک أنّنا لا نقرأ من هذا التاریخ سوی صفحةً واحدةً ولا نقرأ الصفحة الاُخری. (1)

ویری عدد من منشدی المراثی أنّ کلّ ما طُبع ونُشر فهو صالح للاعتماد،ولا یلحظون قیمة المصدر! یقول المؤلّف الفاضل لکتاب«اللؤلؤ والمرجان»حول بعض المواضیع غیر الصحیحة التی اضیفت إلی زیارة وارث المعتبرة:

رأیت ذات یوم أحد طلبة العلوم الدینیة وهو یتلو الأکاذیب القبیحة فی مصائب الشهداء،فوضعت یدی علی کتفه،فالتفت إلیَّ فقلت له:ألیس بقبیح علی أهل العلم أن یقولوا مثل هذه الأکاذیب فی مثل هذا المکان ؟! فقال:أوَلیست مرویة ؟فتعجّبت وقلت:لا،فقال:رأیتها فی کتابٍ ،قلتُ :فی أیّ کتاب ؟قال:مفتاح الجنان (1).

فَسَکتُّ ؛إذ من یبلغ جهله حدّاً بحیث یَعتبر ما جمعه بعض العوامّ کتاباً ویستند إلیه، لا یکون النّقاش مجدیاً معه. (2)

إنّ الکثیر من المعلومات العدیمة الأساس والکاذبة التی تؤدّی إلی وهن أهل البیت علیهم السلام وتُطرح للأسف کمراثٍ ،تمتدّ جذورها إلی المصادر الضعیفة،ولذلک فإنّ معرفة المصادر هو أوّل الشروط لقرّاء المراثی الحقیقیّین،والذین یفقدون هذا الشرط لا یمتلکون صلاحیة ذکر مصائب أهل البیت علیهم السلام مهما بلغوا من الإخلاص.

الذِّلَّةُ ،یَأبَی اللّهُ لَنا ذلِکَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ ،وحُجورٌ طابَت،وحُجورٌ طَهُرَت، واُنوفٌ حَمِیَّةٌ ونُفوسٌ أبِیَّةٌ (1)،مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ . (2)

کما قال-مجیباً للقائلین له:لا نخلّیک حتّی تضع یدک فی ید عبید اللّه بن زیاد-:

لا وَاللّهِ ،لا اعطی بِیَدی إعطاءَ الذَّلیلِ ،ولا أفِرُّ فِرارَ العَبیدِ، «إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ » ، (3) «إِنِّی عُذْتُ بِرَبِّی وَ رَبِّکُمْ مِنْ کُلِّ مُتَکَبِّرٍ لا یُؤْمِنُ بِیَوْمِ الْحِسابِ » 4. 5

وبناءً علی ذلک؛فإنّ کلّ روایةٍ عن تاریخ عاشوراء تدلّ علی قبوله الذلّة،إنّما هی من أکاذیب الأعداء وانتحالاتهم،مثلما روی من أنّه علیه السلام قال:

اِختاروا مِنّی خِصالاً ثَلاثاً:إمّا أن أرجِعَ إلَی المَکانِ الَّذی أقبَلتُ مِنهُ ،وإمّا أن أضَعَ یَدی فی یَدِ یَزیدَ بنِ مُعاوِیَةَ ،فَیَری فیما بَینی وبَینَهُ رَأیَهُ ،وإمّا أن تُسَیِّرونی إلی أیِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمینَ شِئتُم،فَأَکونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ ،لی ما لَهُم،وعَلَیَّ ما عَلَیهِم. (4)

أو ما نسبه إلیه فی کتاب نور العین من أنّه قال لشمر بن ذی الجوشن عندما همّ بقتله:

إذاً ولابدّ من قتلی فاسقنی شربة ماءٍ! فقال:هیهات أن تذوق الماء،بل تذوق الموت غصّةً بعد غصّةٍ ،وجرعةً بعد جرعةٍ . (5)

ص:130

إن مثل هذه الروایات تخالف اصول عقائد الشیعة بشأن المکانة السامیة لأهل بیت رسول اللّه صلی الله علیه و آله فضلاً عن أنّها تتنافی مع محکمات تاریخ عاشوراء ومواقف الإمام طیلة حیاته الملیئة بالمفاخر. (1)

وعلی هذا الأساس فإنّ من آفات مجالس عزاء سیّد الشهداء هی إنشاد المراثی المهینة له علیه السلام،وعلی الخطباء المخلصین لأهل البیت علیهم السلام أن یتجنّبوا کلَّ کلامٍ أو تعبیرٍ یدلّ علی إظهار الإمام علیه السلام أو أهل بیته للذلّة فی حادثة عاشوراء.وقد نقل المحدّث النوری (2)فی هذا المجال فی کتاب«اللؤلؤ والمرجان»رؤیا صادقة-مثیرة حقّاً-لأحد الخطباء المعروفین من دون ذکر اسمه.

اللّه علیها فی ذلک الصرح،وعندما اقتربت منه اغتنمت الفرصة وفررت من أیدی الموکّلین ولجأت أسفل الصرح،فوجدته قلعة حصینة وموضعاً منیعاً کان قد لجأ إلیه قبلی جمع من المذنبین،ورأیت الموکّلین وقد ابتعدا عن الصرح وهما لا یستطیعان التقرّب منه،وکانا یسیران معنا علی نفس المسافة من البُعد عنّا، فتوسّلا إلینا بالإشارة أن نعود فرفضنا،وحینئذٍ لوّحا لنا بالتهدید،وعندما رأینا أنّنا فی حصن منیعٍ هدّدناهما نحن أیضاً،وکنّا نسیر بنفس قوّة القلب هذه،وإذا برسول یأتی من جانب النبی صلی الله علیه و آله وقال لتلک السیّدة العظیمة:إنّ جمعاً من مذنبی الاُمّة قد لجؤوا إلیک فأرسلیهم کی نحاسبهم،فأشارت تلک المخدّرة فقدِم الموکّلون من کلّ صوب واقتادونا إلی موقف الحساب.

فرأینا هناک منبراً شاهق الارتفاع له درجات کثیرة وقد جلس فی أعلاه سیّد الأنبیاء صلی الله علیه و آله،وکان أمیر المؤمنین علیه السلام واقفاً علی الدرجة الاُولی ومنشغلاً بحساب الخلائق وقد اصطفّوا أمامه،وعندما حلّ دور حسابی خاطبنی بلهجة اللوم والتوبیخ وقال:لماذا قرأت ما یشین ابنی الحسین فی خطبتک ونسبت إلیه الذلّة والهوان ؟فتحیّرت فی الجواب ولم أجد بدّاً من الإنکار فأنکرت،فشعرت بألم فی ذراعی وکأن مسماراً حدیدیّاً غرس فیه،فالتَفتّ فرأیتُ رجلاً استخرج طوماراً من یده فناولنی إیّاه،ففتحته وکان فیه کلّ ما کنت قرأته فی کلّ مکان وزمان ومن جملته ذلک الموضع الذی سُئلت عنه.

فخطرت علی بالی حیلة اخری،وقلت:لقد ذکرها المجلسی رحمه الله فی المجلّد العاشر من البحار! فقال لأحد الخدّام الحاضرین:اذهب وخذ من المجلسی ذلک الکتاب، فالتفتُّ فرأیت صفوفاً کثیرة علی الجانب الأیمن من المنبر؛أوّلها إلی جانب المنبر ولا یعلم آخرها إلّااللّه،وکلّ عالمٍ قد وضع مؤلّفاته بین یدیه،وکان المجلسی رحمه الله الشخص الأوّل فی الصفّ الأوّل،وعندما أبلغ رسول النبیّ صلی الله علیه و آله الرسالة إلیه،تناول الکتاب من بین الکتب وناوله إیّاه فجاء به،فأشار بأن یناولنیه فأخذتُه وغُصت فی بحر من الحیرة؛ذلک لأنّ هدفی من تلک الحیلة والافتراء کان التخلّص من تلک

ص:132

المعضلة !

فتصفّحت بعض أوراقه دون هدی،فخطرت علی بالی أثناء ذلک حیلةٌ اخری، فقلت:لقد رأیته فی مقتل الحاج الملّا صالح البرغانی،فأمر أحد الخدّام بأن یذهب إلیه ویأتی بالکتاب،فذهب وقال:کان الحاج المذکور الشخص السادس أو السابع من الصفّ السادس أو السابع،فالتقط الکتاب بنفسه وجاء به،فأمرنی بأن أجد تلک الفقرة من ذلک الکتاب.

فعاودنی الخوف،وشعرت بالاضطراب،واُغلقت فی وجهی جمیع سبل الخلاص.

کنت أتصفح الکتاب دون طائل بقلب سیطر علیه الخوف.

إلی أن ذکر بأنّه حینما استیقظ جمع طائفة من الخطباء ونقل ماکان رآه فی النوم قائلاً:

أنا لا أری نفسی مؤهّلاً بعد هذا لأداء حقّ الخطابة الحسینیّة،ولذلک سأترکها، وینبغی علی من یصدّقنی أن یکفّ عنها هو أیضاً.

وهکذا فإنّه غضّ النظر عن قراءة المراثی وأقلع عنها،علی الرغم ممّا کانت تدرّ علیه من مبالغ کبیرة. (1)

إنَّ مخالِفینا وَضَعوا أخباراً فی فَضائِلِنا وجَعَلوها عَلی ثَلاثَةِ أقسامٍ :أحَدُها الغُلُوُّ، وثانیها التَّقصیرُ فی أمرِنا،وثالِثُها التَّصریحُ بِمَثالِبِ أعدائِنا،فَإِذا سَمِعَ النّاسُ الغُلُوَّ فینا کَفَّروا شیعَتَنا ونَسَبوهُم إلی القَولِ بِرُبوبِیَّتِنا،وإذا سَمِعوا التَّقصیرَ اعتَقَدوهُ فینا، وإذا سَمِعوا مَثالِبَ أعدائِنا بِأَسمائِهِم ثَلَبونا بِأَسمائِنا. (1)

وبنبغی العلم أنّ الذین یُنزلون أهل البیت علیهم السلام منزلة لا تنبغی إلّاللّه عزّوجلّ فی مجالس العزاء،وبدلاً من اتّخاذ اللّه تعالی مِحوراً لمجلس الإمام الحسین علیه السلام وربط القلوب باللّه عز و جل عن طریق أهل البیت علیهم السلام الذین هم أبواب اللّه یدعون الناس إلی«الحسین الإلهی»و«زینب الإلهیة»،أو نراهم یعمدون أحیاناً إلی الحطّ من قدر الأنبیاء من أجل تکریم أهل البیت،فهؤلاء یخدمون أهداف أعداء أهل البیت سواءً علموا بذلک أم جهلوا،وسیّد الشهداء علیه السلام بریء منهم. (2)

المراثی یسردون مصائب کاذبة! إلّاأنّه یجب الاعتراف-وبکلّ أسف-بهذه الحقیقة المرّة،بل ینبغی البکاء علی هذه المصیبة الکبری التی ابتُلی بها تاریخ عاشوراء أکثر من مصیبة عاشوراء نفسها؛ذلک لأنّ هذه المصیبة توجب تضییع النهضة الحسینیة المقدّسة!

أنّ أهل العلم لم یتسامحوا فی ذلک ومیّزوا الصحیح من السقیم والصدق من الکذب فی کلام هذه الطائفة،ونهوا هؤلاء عن قول الأکاذیب،لما بلغ الفساد هذا المبلغ! (1)

ویقول المحدّث النوری فی موضعٍ آخر من کتاب اللؤلؤ و المرجان :

إنّ سکوت المتمکّنین یؤدّی إلی تجرّؤ وعدم مبالاة هذه الطائفة العدیمة الإنصاف،حتّی فی المراقد الشریفة،وخاصّة مشهد سیّد الشهداء أرواحنا وأرواح العالمین له الفداء..،فإنّهم یعمدون فی غالب الأوقات-وخاصّة فی الأسحار التی هی أوقات البکاء والاستغفار-إلی أنواع الأکاذیب العجیبة، وأحیاناً الألحان المطربة،لیلقوا بأجواء قاتمة علی ذلک الحرم النورانی. (2)

وبعد أن یشیر المحدّث النوری إلی هذه القصّة المختلقة،یقول فی الاستدلال علی انتحالها:

کانت هذه القصّة فی الکوفة طبعاً،ولو کانت فی المدینة لکانت فی بدایة خلافته علیه السلام؛ذلک لأنّه لم یکن له منبر أو مسجد قبل ذلک.وکان عمر أبی عبد اللّه علیه السلام آنذاک یربو علی الثلاثین،وإظهار الإنسان العطش فی ذلک المجلس العامّ والتکلّم أثناء الخطبة مکروه أو حرام،وهو لا یتناسب مع منصب الإمامة،بل مع الدرجة الاُولی من العدالة،بل مع العادات والآداب الإنسانیّة المتعارف علیها. (1)

ویضیف المحدّث النوری-من أجل بیان انتحال هذه القصّة-أنّه لمّا کان حبل الکذب قصیراً،فإنّ منتحلَ هذه القصّة ذکر أنّ أبا الفضل طفلٌ صغیر من جهة،وقال من جهة اخری أنّه کان فی معرکة صفّین-التی حدثت بعد سنتین أو ثلاث سنوات من هذه الحادثة-یأخذ بالأعداء ویقذفهم نحو الأعلی ویشطر کلّ من یعود إلی الأرض إلی نصفین،وقد قذف کذلک ثمانین شخصاً،بحیث إنّه عندما قذف الشخص الثمانین لم یکن الشخص الأوّل قد عاد بعدُ!!

السبب،فأخبرته عمّا رأته...إلی آخر الخبر.وکان منتحل هذا الخبر ذا مهارةٍ فائقة فی هذا الفنّ . (1)

علی الإمام علیه السلام فوق المنابر،وعدم نهی اولئک المتمکّنین من النهی بسبب جهلهم، أو لحاظهم النقص فی بعض الشؤون ! (1)

المراثی،إلّاأنّ وضع قراءة المراثی فی عصرنا الحالی إذا لم یکن مؤسفاً أکثر ممّا وصفه المحدّث النوری،فإنّه لیس بأفضل منه.

وکتاب حماسۀ حسینی (بالفارسیّة) للاُستاذ الشهید المطهّری،یمثّل جهداً جدیداً لمحاربة الأکاذیب فی قراءة المراثی فی زمانه،حیث یقول حول انتشار هذه الآفة فی عصرنا الحالی:

اذا أردنا أن نجمع المراثی الکاذبة التی تُقرأ الآن،فلعلّها ستؤلّف عدّة مجلّدات،کلّ منها یضمّ خمسمئة صفحة! (1)

وسنستعرض فیما یلی عدداً من المراثی الکاذبة التی سمعها الشهید المطهّری بنفسه فی مجالس العزاء:

المجلس.وأنّه لمّا ذهب علیّ الأکبر إلی ساحة القتال،قال الإمام علیه السلام للیلی:إنّی سمعت جدّی یقول:دعاء الاُمّ مستجابٌ فی حقّ ولدها،فاذهبی إلی الخیمة الفلانیّة وانشری شعرک،وادعی لولدک،عسی اللّه أن یعید لنا هذا الولد سالماً!

أوّلاً:إنّ لیلی لم تکن فی کربلاء کی تفعل ذلک.

ثانیاً:إنّ هذا المنطق لیس هو منطق الإمام الحسین فی کربلاء أساساً،بل إنّ منطق الحسین فی یوم عاشوراء هو منطق التضحیة.

وقد ذکر المؤرّخون أنّ الإمام علیه السلام کان یعتذر لکلّ شخص یستأذنه بنحوٍ من الأنحاء، سوی علیّ الأکبر حیث قالوا:استأذن فی القتال أباه فأذن له.أی إنّه سمح له بمجرّد أن استأذنه.وما أکثر الأشعار التی نظّمت فی ذلک! ومن جملتها هذا البیت:

خیز ای بابا از این صحرا رویم نک بسوی خیمة لیلا رویم

أی:«انهض یا بنی فلنغادر هذه الصحراء،ولنتوجّه إلی خیمة لیلی » (1).

فاکتشفتُ أنّ هذا التّفت (الطفّ ) الذی ذُکر فی هذا الشعر لیس هو کربلاء،بل هو منطقة ذات علاقة بقصّة لیلی ومجنون،حیث کانت لیلی تسکن فی تلک المنطقة وهذا الشعر لمجنون العامری قاله للیلی ،فی حین أنّ ذلک المنشد کان یقرؤه للیلی امّ علیٍّ الأکبر وکربلاء!! (1)

بأنّنی کنت آخر الخطباء فی هذا المجلس وکان هناک خطباء آخرون أیضاً،فکانوا یستعرضون مهارتهم فی إبکاء الناس.وکان کلّ شخص یأتی یفوق من سبقه فی الإبکاء،ثمّ یجلس بعد قراءته الرثاء فی المجلس کی یری فنّ الخطیب التالی له.

واستمرّ المجلس حتّی الظهر،وأظهر کلُّ خطیبٍ کلّ ماکان یمتلکه من قدرات، فأبکوا الناس.

یقول ذلک الخطیب المعروف:ففکّرت فیما یجب أن أفعله،فاختلقت هذه القصّة فی ذلک المجلس نفسه،وصعدت المنبر وحکیتها وتفوّقت علی الجمیع.وفی عصر ذلک الیوم ذهبتُ إلی مجلسٍ آخر کان فی منطقة (چهار سوق) فسمعت الخطیب الذی ارتقی المنبر قبلی یحکی القصّة نفسها! ثمّ شیئاً فشیئاً کُتبت فی الکتب ثمّ طُبعت ! (1)

وبناءً علی ذلک،فإنّ الخطوة الاُولی لإصلاح وتنقیح الرثاء،تتمثّل فی تعلیم الخُطباء وإحیاء روح البحث والتحقیق فیهم،وکذلک اطّلاعُهم علی ما هو المعتبر من مصادر تاریخ عاشوراء وغیر المعتبر منها.

إن کانَ دینُ مُحَمَّدٍ لَم یَستَقِم

ومن البدیهی أنّ الشاعر نظم هذه الأبیات باعتبارها لسان حال الإمام،إلّاأنّها انتشرت شیئاً فشیئاً باعتبارها من کلام الإمام.

وکذلک،العبارة الشهیرة المنسوبة إلیه علیه السلام:

إنَّ الحیاةَ عقیدةٌ وجهادُ.

وهذه العبارة هی شطر من بیت نظمه الشاعر المعاصر أحمد شوقی، (1)والبیت هو:

قِف دونَ رَأیِکَ فِی الحَیاةِ مُجاهِداً إنَّ الحَیاةَ عَقیدَةٌ وجِهادٌ (2)

وممّا یجدر ذکره أنّ هذا البیت کان شعار صحیفة«الجهاد»المصریة. (3)

أهل البیت،وأن لا یقترن بعمل محرّم.

وبناءً علی ذلک،فإنّ ما أصبح رائجاً فی عدد من مجالس العزاء بالتدریج،مثل:استخدام الآلات الموسیقیة والألحان المطربة،وتشبّه الرجال بالنساء،وکذلک ضرب الرؤوس بالقامات (السیوف)،کلّ ذلک یُعدّ بدعةً فی إقامة شعائر العزاء.وخاصّة ضرب الرؤوس بالقامات،حیث أدّی فی عصرنا الحاضر إلی استغلاله فی الإعلام المضادّ لمذهب ومدرسة أهل البیت علیهم السلام والاستهانة بها،یقول سماحة قائد الثورة آیة اللّه السیّد الخامنئی فی هذا المجال:

إنّ (ضرب الرؤوس) بالقامات هو من المحرّمات...ولا یمکن السکوت إزاء هذا العمل الخاطئ المتمثّل فی أن یعمد البعض إلی حمل القامات لیضربوا بها رؤوسهم ویریقوا الدماء،فأیّ شیء فی هذه الممارسة عزاء؟! نعم ضرب الرؤوس بالأیدی هو من العزاء،ولهذا تلاحظون الذین تحلّ بهم مصیبة ما،یضربون رؤوسهم وصدورهم بأیدیهم.وهذا السلوک هو من علامات العزاء،ولکن أین رأیتم حتّی الآن شخصاً یضرب بالسیف علی رأسه بسبب فقده أعزّ الأشخاص علیه ؟أین العزاء فی هذه الممارسة ؟!

إنّ ضرب الرؤوس بالقامات هو تقلید منتحل ومن الاُمور التی لا علاقة لها بالدین، ولا شکّ فی أنّ اللّه لا یرتضی القیام بمثل هذه الممارسات،ولقد کان علماء السلف مکتوفی الأیدی،ولم یکن بإمکانهم أن یقولوا إنّ هذا العمل خاطئ ومخالف للإسلام،ولکنّ الیوم یوم حکومة الإسلام ویوم تجسّد الإسلام.وعلینا أن لا نقوم بعمل یؤدّی إلی تشویه صورة أفراد المجتمع الإسلامی الأفضل-أی المجتمع المحبّ لأهل البیت علیهم السلام الذی یفتخر باسم ولی العصر أرواحنا له الفداء وباسم الحسین بن علیّ علیهما السلام وباسم أمیر المؤمنین علیه السلام-وطرحهم باعتبارهم مجموعة من الخرافیین العدیمی المنطق فی نظر المسلمین وغیر المسلمین فی العالم...إنّ هذا بدعة دون شکّ . (1)

ص:147

وکلمتنا الأخیرة فی هذا المجال هی أنّ ثقافة عاشوراء إن قُدّمت للعالم کما هی ودون تحریف،فإنّها تتمتّع بقدرة إعجازیّة من شأنها أن تُنهی نظام الهیمنة والاستکبار فی العالم، وبذلک فإنّ الاُمّة الإسلامیّة سوف لا تکون هی المتحرّر الوحید من ظلم الطغاة ومصّاصی الدماء فی العالم،بل سیتحرّر جمیع المستضعفین،کما قال قائد الثورة الإسلامیة آیة اللّه الخامنئی:

إنّ الحسین بن علیّ علیه السلام بإمکانه الیوم أن یُنقذ العالم بشرط أن لا تُشوّه صورته بواسطة التحریف. (1)

وأنا لا أنسی أبداً تلک اللیلة التی دعا فیها قائد الثورة الإسلامیّة خلال عهد رئاسته للجمهوریة،أوّلَ قائد لحرکة الجهاد الإسلامی فی فلسطین الشهید الدکتور فتحی الشقاقی إلی منزله،وکان یحضر هذا الاجتماع عددٌ من العلماء والمسؤولین فی البلاد،فسأل أحد الحاضرین الشهید الدکتور فتحی الشقاقی:إلی أیّ مدی أنت واثق من نجاحک فی طریقک ؟ ورغم أنّه کان من أتباع المذهب السنّی،إلّاأنّه قدّم جواباً حیّر الجمیع وأدهشهم،فقد قال:

نحن لا نُفکّر فی هذا الموضوع أساساً! ولکنّنا نری نجاحنا وانتصارنا فی اختیار طریق الحسین بن علیّ علیه السلام،وهدفنا هو أداء الواجب الإلهی!

وعلی أیّ حال،فإنّ جمیع الأتباع الحقیقیّین لأهل البیت والمحبّین الواعین لسیّد الشهداء مسؤولون عن الحفاظ علی ثقافة عاشوراء الأصیلة أمام مؤامرات الأعداء العامدین وتحریف الأصدقاء غیر العامدین،ولکن لا شکّ فی أنّ مسؤولیة مراجع التقلید، والمثقّفین،وعلماء الدین الواعین،والخطباء،والکتّاب،والخطباء الملتزمین،أکبر وأعظم:

«ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ یَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِیمِ ». 2

ص:148

السامیة للعزاء والسیر فی طریقها،ولذلک یجب علی الخطباء وقرّاء المراثی فی مجالس عزاء سیّد الشهداء أن ینظّموا محاضراتهم ومراثیهم علی أساس التحلیل الصحیح لحادثة عاشوراء،ولهذا فإنّ من الضروری الاستناد إلی المصادر المعتبرة فی بیان هذه الحادثة،وتجنّب آفات مجالس العزاء والتی تقدّم الحدیث عنها مفصّلاً.والطریقُ الأفضلُ لتحقیق هذا الهدف هو قراءة نصّ المقتل من المصادر المعتبرة.

وما ذکره قائد الثورة الإسلامیة آیة اللّه الخامنئی فی هذا المجال جدیر بالالتفات:

إذا قرأتم من کتاب نفس المهموم للمحدّث القمّی من أجل ذکر المصیبة،فإنّه سیثیر عواطف السامع ویُسیل دموعَه،فلماذا نقوم بممارسات تُخرج أصل مجلس العزاء عن فلسفته الحقیقیة من أجل أن نزیّن بها هذا المجلس علی حدّ زعمنا؟! (1)

العظیم بقیادة زینب علیها السلام للقافلة،دون أن یخرجوا عن نطاقهم. (1)

و بعد هذه الکلمة،فقد فتح باب الکتابة حول هذا الموضوع بین الکتّاب الشیعة علی مصراعیه،و طبع الکثیر من الکتب و المقالات فی هذا الموضوع. (2)

و من جملة المواضیع التی تستحقّ الدراسة و التحلیل فی کتاب الصحیح من مقتل سیّدالشهداء و أصحابه ،هو دور المرأة فی واقعة کربلاء،و رغم أنّ النصوص المتعلّقة بالمرأة و دورها فی واقعة الطفّ جاءت بشکل متفرّق فی هذا المقتل،إلّاأنّ تحلیلها مع أخذ الجمیع بنظر الاعتبار،هو ماسنتطرق إلیه فی هذا الفصل.

و سوف نذکر أوّلاً المواضیع التی یمکن أن تعتبر مقدّمة و تحلیلاً عامّاً،ثمّ نقرّر بشکل إجمالی النصوص المتعلّقة بالمرأة:

1.إقامة مجالس العزاء و قراءة التعازی من قبل النساء (1)؛

2.بناء الحسینیّات و التکایا من قبل النساء؛

3.موقوفات النساء لإقامة مجالس العزاء؛

4.أشعار النساء حول عاشوراء؛

5.مؤلّفات النساء حول موقعة عاشوراء؛

6.خطب النساء و کلماتهنّ حول عاشوراء.

و هذا الموضوع خارج عن نطاق هذا الفصل؛إلّاأنّه بحاجة إلی دراسة جدّیة.

ثالثاً: من محاور البحث حول دور المرأة فی واقعة عاشوراء،إظهار مجالات وجوانب دور المرأة فی تلک الواقعة.و یمکن طرح هذا الموضوع من خلال الأسئلة التالیة:ما مدی دور المرأة اجتماعیّاً وسیاسیّاً فی ذلک العصر؟هل کان من الممکن أن تترک واقعة کربلاء نفس الأثر الذی تترکه الیوم لو أنّها حدثت دون حضور النساء؟ما هو انطباع المجتمع فی ذلک العصر عن تواجد النساء؟و ما هی النشاطات التی صدرت من النساء تلک البرهة ؟

یبدو من خلال تحلیل أقوال وأفعال النسوة الحسینیات یمکن بیان دور النساء فی واقعة کربلاء کالتالی:

رسالة عاشوراء.

فی جبهتی النور و الظلام و أدّوا الدور فی کلا الجبهتین.و یمکن استخدام هذا الاستنتاج فی نقد بعض وجهات النظر السلبیة حول النساء،و التی تعتبرهنّ مصدر کلّ الشرور و الفتن.

و کانت امّ سلمة قد تحدّثت مع الإمام علیه السلام قبل انطلاقه (1)،وقد علمت بشهادة الإمام علیه السلام فی یوم عاشوراء،من خلال رؤیة النبیّ صلی الله علیه و آله فی المنام،و کذلک عن طریق تحوّل تلک التربة التی دفعها إلیها الرسول صلی الله علیه و آله و کانت تحتفظ بها،إلی دم عبیط .و کانت من أوائل من أقاموا العزاء علی سیّدالشهداء. (2)

ص:158

مراثی مفجعة عند عودة سبایا أهل بیت النبیّ صلی الله علیه و آله إلی المدینة.و قد جاء فی الإرشاد للمفید:

خَرَجَت امُّ لُقمانَ بِنتُ عَقیلِ بنِ أبی طالِب حینَ سَمِعَت نَعی الحُسَینِ علیه السلام حاسِرَةً وَ مَعَهَا أخواَتُها:اُمُّ هانِئ،وَ أسماءُ،وَرَملَةُ ،وَ زَینَبُ ،بَناتُ عَقیلِ بنِ أبی طالبٍ رَحمَةُ اللهٍ عَلَیهِنَّ تَبکی قَتلاها بِالّطفِّ ،وَ هِی تَقولُ :

ماذا تَقولونَ إنْ قالَ النَّبِیُّ لَکم

له-طیلة ثورته-خیر ناصر و معین و حافظ لأسراره.و کان حدیثها مع الإمام علیه السلام فی لیلة عاشوراء،حضورها عند جثمان علیّ الأکبر علیه السلام،و سیّد الشهداء فی یوم عاشوراء،رثاؤها المفجع إلی جوار جثمان أخیها المخضّب بالدماء،و مخاطبتها للنبیّ صلی الله علیه و آله فی الیوم الحادی عشر من المحرّم،من الصفحات المشرقة و الخالدة فی حیاتها الحافلة بعظمتها وصبرها وسموّها.

و قد تولّت بعد وقعة عاشوراء رعایة رکب الأسری بکلّ اقتدار و ثبات و أنهت مهمّتها بشجاعة و صلابة و درایة. (1)

أنّها کانت صدّیقة لم تدرک فی آل الحسن امرأة مثلها. (1)

و کانت من بین السائرین فی الرکب خلال سفر السبی القاسی. (2)

عن نیّته فی الانضمام إلی جیش الإمام علیه السلام،شجّعته و طلبت منه الذهاب معه (1).و قد روی لنا الطبری فی تأریخه قصّة هذه السیّدة فی یوم عاشوراء کالتالی:

أخَذَت امُّ وَهبٍ امرَأَتُهُ عَموداً،ثُمَّ أقبَلَت نَحوَ زَوجِها تَقولُ لَهُ :فِداک أبی و امّی! قاتِل دونَ الطَّیبینَ ذُرِّیةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،فَأَقبَلَ إلَیها یرُدُّها نَحوَ النِّساءِ،فَأَخَذَت تُجاذِبُ ثَوبَهُ ،ثُمَّ قالتَ :إنّی لَن أدعَک دونَ أن أموتَ مَعَک.

فَناداها حُسینٌ علیه السلام فَقالَ :جُزیتُم مِن أهلِ بیتٍ خیراً،ارجِعی رَحِمَک اللّه إلَی النِّساءِ فَاجلِسی مَعَهُنَّ ،فَإِنَّهُ لَیسَ عَلَی النِّساءِ قِتالٌ .فَانصَرَفَت إلَیهِنَّ ...

...وحُمِلَ عَلی حُسَینٍ علیه السلام و أصحابِهِ مِن کلِّ جانِبٍ ،فَقُتِلَ الکلبِیُ ،...و خَرَجَتِ امرَأَةُ الکلبِیَّ تَمشی إلی زَوجِها حَتّی جَلَسَت عِندَ رَأسِهِ تَمسَحُ عَنهُ التُّرابَ و تَقولُ :

هَنیئاً لَک الجَنَّةُ ،فَقالَ شِمرُ بنُ ذِی الجَوشَنِ لِغُلامٍ یسَمّی رُستَمَ :اِضرِب رَأسَها بِالعَمودِ،فَضَرَبَ رَأسَها فَشَدَخَهُ ،فَماتَت مَکانَها. (2)

و الجدیر بالذکر أنّ الصدوق نقل لنا فی الأمالی عن امّ وهب اخری حادثة لها وجوه شبه و اختلاف مع نقل الطبری و کما طرح بعض الباحثین،فقد تکونان امرأة واحدة (3)و فی هذه الحالة یترجّح من وجهة نظرنا نقل الطبری.و إلیک قسماً ممّا نقله الصدوق فی الأمالی:

و برز...وهب بنُ وهبٍ ،و کانَ نَصرانِیاً أسلَمَ عَلی یدَیِ الحُسَین علیه السلام هُوَ و امُّهُ ، فَاتَّبَعوهُ إلی کربَلاءَ،فَرَکبَ فَرَساً،و تَناوَلَ بِیدِهِ عودَ الفُسطاطِ ،فَقاتَلَ و قَتَلَ مِنَ القَومِ سَبعَةً أو ثِمانِیةً ،ثُمَّ استُؤسِرَ.

فَاُتِیَ بِهِ عُمَرَ بنَ سَعدٍ (لَعَنَهُ اللهُ )،فَأَمَرَ بِضَربِ عُنُقِهِ ،فَضُرِبَت عُنُقُهُ ،و رُمِیَ بِه إلی عَسکرِ الحُسَینِ علیه السلام،و أخَذَت امُّهُ سَیفَهُ و بَرَزَت.

ص:163

فَقالَ لَهَا الحُسَینُ علیه السلام:یا امَّ وَهبٍ ،اجلِسی فَقَد وَضَعَ اللهُ الجِهادَ عَنِ النِّساءِ،إنَّک وَابنَک مَعَ جَدّی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله فِی الجَنَّةِ .... (1)

و روی لنا الخوارزمی (2)فی مقتله قصّة امّ وهب بن وهب النصرانی،روایة تشبه تلک التی نقلها الطبری حول امّ وهب زوجة عبداللّه بن عمیر؛أی إنّها استشهدت علی ید غلام شمر. (3)

روت هذه المرأة بعض جرائم یزید رغم کبر سنها.و قد جاء فی سیر أعلام النبلاء، نقلاً عن حمزة بن یزید:

قالت (ریا):دخل رجل علی یزید،فقال:أبشر،فقد أمکنک اللّه من الحسین، وجیء برأسه.قال:فوضع فی طست...فقلت لها:أقَرَعَ ثنایاه بقضیب ؟قالت:إی واللّه. (1)

و جاء فی الملهوف:فضجّ الناس بالکباء و النحیب و النوح،و نشر النساء شعورهنّ ،و حثین التراب علی رؤوسهنّ ،و خمشن وجوههنّ ،و لطمن خدودهنّ ،و دعونَ بالویل و الثّبورِ،فَلَم یُرَ باکیة و باک أکثر من ذلک الیوم. (1)

بنت عبدالمطّلب (1)و عائشة بنت أبی بکر. (2)

همدان،و قد کان علیّ علیه السلام مائلاً إلی همدان مؤثراً لهم،و هو القائل:

فلو کنت بوَّاباً علی بابِ جَنَّةٍ لَقُلتُ لِهَمدان ادخلوا بسلامِ

و قال:

عبیت همدان و عبّوا حمیرا. (1)

لم نقف علی اسم هذه السیّدة التی آوت غلامین من أهل بیت النبیّ صلی الله علیه و آله وسعت من أجل الحفاظ علی حیاتهما.و ذکر ابن سعد فی طبقاته أنّها زوجة عبداللّه بن قُطبة الطائی (من جیش عمر بن سعد)،و ذکر الصدوق فی الأمالی أنّها امرأة عجوز.واعتبرت المصادر المشهورة الغلامین ولدی عبداللّه بن جعفر،فیما ذکر الصدوق فی الأمالی أنّهما ولدا مسلم بن عقیل. (1)

أهل البصرة-و هم:یزید بن ثبیت و ابنیه عبداللّه و عبیداللّه-إلی مکّة و التحاقهم برکب شهداء کربلاء. (1)

قال هشام:فحدّثنی أبی عن النوار بنت مالک.قالت:أقبل خولّی برأس الحسین علیه السلام،فوضعه تحت أجانة فی الدار،ثمّ دخل البیت،فأوی إلی فراشه،فقلت له:

ما الخبر؟ما عندک ؟قال:جئتک بغنی الدهر،هذا رأس الحسین معک فی الدار!!

قالت:فقلت:ویلک! جاء الناس بالذهب و الفضّة،و جئت برأس ابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله !! لا واللّه،لا یجمع رأسی و رأسک بیت أبداً.

قالت:فقمت من فراشی،فخرجت إلی الدار،فدعا الأسدیة،فأدخلها إلیه،و جلست أنظر،قالت:فواللّه،ما زلت أنظر إلی نورٍ یسطع مثل العمود من السماء إلی الإجانة،و رأیت طیراً بیضاً ترفرف حولها.قال:فلمّا أصبح غدا بالرّأس إلی عبیداللّه بن زیاد. (1)

و قد أضمرت هذه المرأة الحقد لخولّی،حتّی جاء المختار و قدم أعوانه للقبض علیه.و قد دلّتهم هذه المرأة بالإشارة إلی موضع اختفاء خولی،فاعتقلوه،و لقی جزاءه. (2)

أمرتنی یابن رسول اللّه [أن أدخل المعرکة...].

و قد جاء فیما تبقّی من هذا النقل أنّها رمت رأس ابنها نحوالعدو عندما القی إلیها، ثمّ حملت هی نفسها عموداً و هاجمت العدو به.و ذکر الخوارزمی فی آخر الروایة:

فأمر الحسین علیه السلام بصرفها و دعا لها.

الکوفة والذی امتدّ لعدّة سنوات من جانب،والتی بعثت فیهم الوعی والحماس إلی حدٍّ بعید من جانب آخر (1)-ضجّوا بالبکاء والعویل بحیث اهتزت المدینة ببکائهم.

وبعد حضور الأسری فی الشام-والذی أدّی إلی نشر الوعی وفضح السیاسات الاُمویّة،ولم یسلم من آثاره من کان فی قصر الخلافة أیضاً (2)-سمحت الحکومة بإقامة مراسم العزاء لاعتبارات سیاسیة.

وبالإضافة إلی ذلک فقد أقام موکب السبایا عند عودته من الشام إلی المدینة، مجلس العزاء عند مزار الإمام علیه السلام وأصحابه. (3)کما ضجّت المدینة بالبکاء والعویل عند سماع صوت بکاء امّ سلمة زوج النبیّ صلی الله علیه و آله التی سمعت باستشهاد الإمام الحسین علیه السلام فی الرؤیا (4)( أو عن طریق التربة التی أودعها النبیّ صلی الله علیه و آله لدیها،والتی تحوّلت إلی دمٍ استناداً لروایةٍ اخری). (5)وعندما ذاع خبر شهادة الإمام علیه السلام بشکلٍ رسمی من قبل بنی امیّة فی المدینة،حوّلت امّ سلمة (6)وأهالی المدینة المدینة إلی کتلة واحدة من المآتم والعزاء، وأقاموا مجالس العزاء (7)،کما أقام بنو هاشم العزاء علی سیّد الشهداء، (8)کما جلس

ص:174

للحداد علیه ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفیّة، (1)،وبنات عقیل (2)،وجعلت نساء بنی هاشم محلاًّ خاصّاً للعزاء. (3)

کما ینبغی أن لا ننسی إقامة أهل المدینة العزاء عند عودة أهل بیت النبیّ صلی الله علیه و آله، (4)وعزاء زوجات الإمام علیه السلام، (5)وکذلک العزاء الذی أقامته امّ البنین لأولادها فی البقیع. (6)ویجب أن نضیف إلی کلّ ذلک مراثی وحداد بنی هاشم،والذی کانوا یقیمونه یومیّاً خلال عام الشهادة فی ذکری شهادة الإمام الحسین علیه السلام حتّی ثلاث أعوام فی المدینة، (7)وکان یشارک فیه بعض الصحابة والتابعین أیضاً، (8)ولبس أهل بیت الإمام علیه السلام ملابسَ الحزن، (9)ومواصلة الأحزان والمآتم حتّی موت ابن زیاد، (10)وتعاطف بعض الأصحاب والتابعین معهم؛ (11)کلّ ذلک خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حرکة«التوّابین»،حیث بدأوا مسیرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسین علیه السلام،بالتجمّع عند قبر الإمام علیه السلام وأصحابه وأقامة العزاء،ثمّ واصلوا مسیرهم (12). (13)

ص:175

لشهداء کربلاء،بل حتّی نهایة عمره الشریف. (1)

أولیس کلّ هذا یفوق حدّ التذکیر بقصّة مؤلمة وحزینة ؟إنّ عاشوراء تعنی فی سیرة الأئمّة علیهم السلام الاضطلاع بمسؤولیّة ثقافة بأکملها،فحادثة عاشوراء تمثّل مدرسة،لا مجرّد حادثة مثیرة للأحزان والأسف وما إلی ذلک.

الأوّل:السعی من أجل إبراز أهمّیة العزاء والحداد علی الإمام علیه السلام.

الثانی:تکریم یوم عاشوراء وإقامة العزاء فیه.

ومارسوه فی بیوتهم وأوساطهم،کما کان یقام فی عهد الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام،إلّا أنّ تکتّم الشیعة من جهة،والتعتیم الإعلامی للحکومة من جهة اخری،حالا دون انعکاس هذه المراسم فی المصادر التاریخیّة.

بعد عقد من الزمن. (1)

بعد مرسوم معزّ الدولة،تحوّل العزاء فی بغداد إلی شعائر رسمیّة کانت تقام سنویّاً فی کلّ حارة وزقاق بحضور الشیعة. (2)ولکنّ المجتمع السنّی الساکن فی حاضرة الخلافة لم یکن یستسیغ هذه الظاهرة،ولذلک کانت تقع بعض المصادمات أحیاناً. (3)

وکان یقام مقترناً ببعض التشریفات، (1)حیث ذُکرت کیفیّتها فی المصادر التاریخیّة. (2)

وقد کانت مراسم العزاء تُعطّل فی ظلّ هذه الدولة لبعض الأسباب؛إلّاأنّها استمرّت حتّی سقوط الفاطمیّین. (3)

ومع إمساک الأیّوبیین لزمام الحکم والذین بذلوا جهوداً واسعة من أجل محو

ص:183

الثقافة الشیعیّة، (1)کان من الطبیعیّ أن یحولوا دون إقامة شعائر العزاء.ومع کلّ ذلک،فقد کان الشیعة فی المناطق البعیدة عن مرکز الحکومة مثل:الشام وحلب وشمال العراق یستغلّون کلّ فرصة من أجل إقامة شعائرهم؛ومن جملتها إقامة مجالس العزاء.

عاشوراء،تدلّ علی وجود ثقافة قراءة المقتل والعزاء فی عشرة محرّم فی عصر المؤلّف،أی القرن السابع. (1)

وفی النصف الثانی من القرن السابع الهجری استولی المغول علی العراق بقیادة هولاکو.

وحال بعض العلماء من ذوی الحکمة دون القتل والنهب،وطلبوا من هولاکو أن یعطیهم الأمان ویحافظ علیهم فاستجاب لهم،وبذلک نجت شیعة جنوب بغداد (مثل الحلّة والکوفة وغیرهما) من الفتنة. (2)وبسقوط العبّاسیین حصل الشیعة علی بعض الحرّیات،ومن جهة اخری فقد تشیّع أحد خلفاء هولاکو وهو غازان خان فی العقود الأخیرة من هذا القرن وسعی فی إعمار کربلاء،وبطبیعة الحال فإنّه یفسح الأرضیّة لإعلان إقامة الشعائر.

بنده الذی تشیّع بعد فترة،وبذل جهوداً کبیرة من أجل نشر التشیّع وجعله مذهباً رسمیّاً.وهکذا،اتّسعت أرضیّة الممارسة العلنیّة للعزاء ورفع الشعائر الشیعیّة مع تشیّع الحکّام المغول واکتساب هذا المذهب الطابع الرسمی.

کما کانت سلالة الجلائریّین التی تولّت الحکم فی العراق-وکانوا أبناء اخت السلطان محمّد خدابنده-هی الاُخری ذات میول شیعیّة،واستمرّ حکمهم حتّی عام 814 ه .ق.ویذکر ابن بطّوطة (ت 779 ه .ق) المناطق التالیة:کربلاء،الحلّة، البحرین،قم،کاشان،ساوة وطوس باعتبارها مناطق شیعیّة متعصّبة. (1)

مشعشعیان،آل علی صفی وملوک هرمز) شاخصة فی أطراف العالم الإسلامی. (1)ومن الواضح أنّ المناطق الواقعة تحت سلطة هذه الممالک کانت تتمتّع بإقامة مراسم العزاء بحرّیة.

وبالإضافة إلی ذلک،فقد کان ملوک هذه الاُسرة یحضرون المراسم العامّة لیوم عاشوراء فی ساحة المدینة،وکانت مواکب العزاء تمرّ من أمامهم.وکانوا یرتدون لباس العزاء. (1)

وکانوا یوقفون بعض الأملاک لإقامة مراسم العزاء أیضاً.

والمواکب الحکومیّة.وانتشر العزاء فی العراق والهند بالإضافة إلی إیران،وکان الشیعة فی مناطق العالم الإسلامی المختلفة یمارسون العزاء.ولکن حدث فی إیران افول بعد ذلک الازدهار،وبدأت محاربة المظاهر الدینیّة بنفوذ الاستعمار البریطانی،ومجیء طاغیة مستهتر وعدیم الهویّة هو«رضاخان»علی رأس الحکم،فمنع العزاء منعاً باتّاً، وقد عادت مراسم العزاء إلی حالتها العادیّة بعد خروجه من إیران،لتزدهر کما کانت فی القرون الماضیة.

وفی العراق واجهت مراسم العزاء المشاکل فی عهد حکم صدّام وتسلّط حزب البعث،وخاصّة فی السنوات الأخیرة من حکمه.

لقد کان ما ذکرناه حتّی الآن،نظرة عابرة وسریعة إلی المسیرة التاریخیّة لشعائر العزاء علی الإمام الحسین علیه السلام علی مرّ التاریخ.ولم نتحدّث عن دور محرّم وعاشوراء ومراسم العزاء فی عهد الثورة الإسلامیّة وأثرها العجیب فی نهضة الاُمّة وانتصارها، فکلّ ذلک یمثّل حدثاً کبیراً یستحقّ الاهتمام،ولا یتّسع المجال هنا للحدیث عنه.

ص:190

ص:192

وقبول ذلّة مبایعة یزید،ودور طهارة اسرته علیه السلام فی امتناعه عن قبول الذلّة:

ألا وإنَّ الدَّعِیَّ ابنَ الدَّعِیِّ قَد رَکَزَ بَینَ اثنَتَینِ ،بَینَ السَّلَّةِ وَالذِّلَّةِ ،وهَیهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ ،یَأبَی اللّهُ لَنا ذلِکَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ ،وحُجورٌ طابَت،وحُجورٌ طَهُرَت، واُنوفٌ حَمِیَّةٌ ونُفوسٌ أبِیَّةٌ ،مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلی مَصارِعِ الکِرامِ . (1)

وهکذا فقد أسهمت اسرة سیّد الشهداء الطاهرة الکریمة فی تکوین شخصیته العظیمة والأبیّة للضیم.

ولم یکن الإمام الحسین علیه السلام من سلالة الأنبیاء العظام والقادة الکرام فحسب،بل إنّ سلالة الأئمّة من بعده تنحدر إلیه أیضاً،وخاصّة بقیة اللّه الأعظم الإمام المهدی علیه السلام الذی یدور العالم الیوم حول محور وجوده،ولا شکّ فی أنّه سوف یملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

الحسین علیه السلام،فقد ذُکرت تواریخ وشهور مختلفة،هی:الثالث أو الخامس من شهر شعبان،وآخر شهر ربیع الأوّل،والثالث عشر من شهر رمضان،والخامس من شهر جمادی الاُولی،والخامس عشر من شهر جمادی الثانیة.

ویعتبر العلّامة المجلسیّ أنّ الأشهَر فی ولادته علیه السلام هو الثالث من شَهر شعبان،بید أنّ تتبّع المصادر التاریخیّة والحدیثیّة یدلّنا علی أنّ الخامس من شعبان هو التاریخ الذی یحظی بشهرة أکبر.

فَعَرَجَ جَبرَئیلُ علیه السلام إلَی السَّماءِ ثُمَّ هَبَطَ فَقالَ :یا مُحَمَّدُ،إنَّ رَبَّکَ یُقرِئُکَ السَّلامَ ،ویُبَشِّرُکَ بِأَنَّهُ جاعِلٌ فی ذُرِّیَّتِهِ الإِمامَةَ وَالوِلایَةَ وَالوَصِیَّةَ ،فَقالَ :قَد رَضیتُ .

ثُمَّ أرسَلَ إلی فاطِمَةَ علیها السلام:إنَّ اللّهَ یُبَشِّرُنی بِمَولودٍ یولَدُ لَکِ ،تَقتُلُهُ امَّتی مِن بَعدی، فَأَرسَلَت إلَیهِ :لا حاجَةَ لی فی مَولودٍ مِنّی،تَقتُلُهُ امَّتُکَ مِن بَعدِکَ ،فَأَرسَلَ إلَیها:إنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ فی ذُرِّیَّتِهِ الإِمامَةَ وَالوِلایَةَ وَالوَصِیَّةَ ،فَأَرسَلَت إلَیهِ :إنّی قَد رَضیتُ . (1)

3.الأمالی للصدوق عن إبراهیم بن شعیب المیثمی عن الصّادق أبی عبد اللّه علیه السلام:إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السلام لَمّا وُلِدَ،أمَرَ اللّهُ عز و جل جَبرَئیلَ علیه السلام أن یَهبِطَ فی ألفٍ مِنَ المَلائِکَةِ ،فَیُهَنِّئَ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله مِنَ اللّهِ عز و جل ومِن جَبرَئیلَ علیه السلام. (2)

ص:196

قَسَّمَها بَینَ عِبادِهِ ،وإنَّ رَیحانَتَیَّ مِنَ الدُّنیا الحَسَنُ وَالحُسَینُ ،سَمَّیتُهُما بِاسمِ سِبطَینِ مِن بَنی إسرائیلَ شَبَّراً وشَبیِّراً. (1)

ص:198

یَقولُ :«حُزُقَّةٌ حُزُقَّةٌ ،تَرَقَّ عَینَ بَقَّةَ » (1)،فَیَرقَی الغُلامُ حَتّی یَضَعَ قَدَمَیهِ عَلی صَدرِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.

ثُمَّ قالَ لَهُ :اِفتَح فاکَ ،ثُمَّ قَبَّلَهُ ،ثُمَّ قالَ :اللّهُمَّ أحِبَّهُ فَإِنّی احِبُّهُ . (2)

10.صحیح ابن حبّان عن أبی هریرة:کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَدلَعُ (3)لِسانَهُ لِلحُسَینِ علیه السلام،فَیَرَی الصَّبِیُّ حُمرَةَ لِسانِهِ ،فَیَهِشُّ (4)إلَیهِ .

فَقالَ لَهُ عُیَینَةُ بنُ بَدرٍ:ألا أراهُ یَصنَعُ هذا بِهذا،فَوَاللّهِ إنَّهُ لَیَکونُ لِیَ الوَلَدُ قَد خَرَجَ وَجهُهُ ،وما قَبَّلتُهُ قَطُّ .

فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:مَن لا یَرحَم لا یُرحَم. (5)

11.المعجم الکبیر عن جابر:دَخَلتُ عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وهُوَ یَمشی عَلی أربَعَةٍ ،وعَلی ظَهرِهِ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام،وهُوَ یَقولُ :نِعمَ الجَمَلُ جَمَلُکُما،ونِعمَ العِدلانِ (6)أنتُما. (7)

ص:202

النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَقامَ بِهِ وأخَذَ بِیَدِهِ ،فَلَم یَزَل مُمسِکَها حَتّی رَکَعَ . (1)

15.السنن الکبری عن زرّ بن حبیش:کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ذاتَ یَومٍ یُصَلّی بِالنّاسِ ،فَأَقبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام وهُما غُلامانِ ،فَجَعَلا یَتَوَثَّبانِ عَلی ظَهرِهِ إذا سَجَدَ،فَأَقبَلَ النّاسُ عَلَیهِما یُنَحّونَهُما (2)عَن ذلِکَ .

قالَ :دَعوهُما بِأَبی واُمّی،مَن أحَبَّنی فَلیُحِبَّ هذَینِ . (3)

16.شرح الأخبار عن عبداللّه بن شدّاد بن الهاد بإسناده:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله کانَ یُصَلّی بِالنّاسِ ،فَأَتَی الحُسَینُ علیه السلام وهُوَ صَغیرٌ،فَرَکِبَ عَلی ظَهرِهِ وهُوَ ساجِدٌ،فَأَطالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله السُّجودَ حَتّی نَزَلَ ،فَرَفَعَ [ رَأسَهُ ] (4)وأتَمَّ الصَّلاةَ ،وَانصَرَفَ ،ولَم یَکُن عَلِمَ النّاسُ أمرَ الحُسَینِ علیه السلام.

فَقالوا:یا رَسولَ اللّهِ ! لَقَد أطَلتَ السُّجودَ حَتّی ظَنَنّا أنَّهُ حَدَثَ أمرٌ !

فَقالَ :إنَّ ابنی هذَا ارتَحَلَنی،فَکَرِهتُ أن اعجِلَهُ حَتّی یَقضِیَ حاجَتَهُ . (5)

وهُوَ یَقولُ :إیهِ (1)یا حَسَنُ ! شُدَّ عَلَی الحُسَینِ فَاصرَعهُ .

فَقالَت لَهُ :یا أبَه،واعَجَباه! أتُشَجِّعُ هذا عَلی هذا،أتُشَجِّعُ الکَبیرَ عَلَی الصَّغیرِ؟!

فَقالَ لَها:یا بُنَیَّةُ ،أما تَرضَینَ أن أقولَ أنَا:یا حَسَنُ ،شُدَّ عَلَی الحُسَینِ فَاصرَعهُ ، وهذا حَبیبی جَبرَئیلُ یَقولُ :یا حُسَینُ ،شُدَّ عَلَی الحَسَنِ فَاصرَعهُ ؟ (2)

ص:205

ص:206

امّها فهند الهنود بنت الربیع بن مسعود.

وُصفت الرّباب بأنّها امرأة جمیلة عاقلة فاضلة شاعرة،وهی امّ سکینة وعبد اللّه، وقد حضرت مع أولادها فی واقعة کربلاء،واُخذت مع بقیة الأسری إلی الشام.

وتدلّ الأبیات التی أنشدها الإمام الحسین علیه السلام فی مدحها هی وسکینة علی مدی حبّه الشدید لهما.

لم تبق الرّباب علی قید الحیاة بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام أکثر من سنة واحدة، کما أنّها لم تستظلّ طیلة هذه المدّة تحت سقف،وقال بعضهم:إنّها جلست إلی جانب مزاره علیه السلام للعزاء،ثمّ توفّیت بعد ذلک أسفاً علیه،ونقلوا عنها أبیاتاً فی رثائه علیه السلام، تقول فیها:

واحُسَیناً فَلانَسیتُ حُسَیناً أقصَدَتهُ أسنِّةُ الأعداءِ

غادَروهُ بِکَربَلاء صَریعاً لا سَقَی اللّهُ جانِبَی کربلاءِ

خطبها بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام أشراف قریش،إلّاأنّها أبت الزواج. (1)

18.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة):وفِی الرَّبابِ وسُکَینَةَ یَقولُ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام:

لَعَمرُکَ إنَّنی لَاُحِبُّ داراً

19.تذکرة الخواصّ :إنَّ الرَّبابَ بِنتَ امرِئِ القَیسِ -زَوجَةَ الحُسَینِ علیه السلام-أخَذَتِ الرَّأسَ ووَضَعَتهُ فی حِجرِها،وقَبَّلَتهُ وقالَت:

واحُسَیناً فَلا نَسیتُ حُسَینا

20.شرح الأخبار عن جعفر بن محمّد [الصادق] علیه السلام:اُصیبَ الحُسَینُ علیه السلام،وعَلَیهِ دَینٌ بِضعٌ وسَبعونَ ألفَ دینارٍ.قالَ :وکَفَّ یَزیدُ عَن أموالِ الحُسَینِ علیه السلام،غَیرَ أنَّ سَعیدَ بنَ العاصِ هَدَمَ دارَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السلام،ودارَ عَقیلٍ ،ودارَ الرَّبابِ بِنتِ امرِئِ القَیسِ -وکانَت تَحتَ الحُسَینِ -وهِیَ امُّ سُکَینَةَ . (2)

ص:209

واقعة کربلاء أیضاً.

وقد أوصی الإمام المجتبی علیه السلام عند شهادته أخاه الحسین علیه السلام بقوله:أخی ! لا تخرجنّ امّ إسحاق من دورکم.ولذلک تزوّجها الإمام الحسین علیه السلام بعد شهادة أخیه، وولدت له ابنته فاطمة.

وقد تزوّجت امّ إسحاق بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام بعبداللّه بن محمّد بن عبدالرحمن بن أبی بکر.

هذا،ولم نعثر علی معلومات أکثر عن امّ إسحاق وحیاتها.

عمرو،أبو بکر،زید،وحمزة. (1)ومن المحتمل قویّاً وقوع التصحیف والخلط بین أولاد الحسن والحسین علیهما السلام،وفی تعدّد أسماء بعض الأولاد أیضاً.

21.الإرشاد:کانَ لِلحُسَینِ علیه السلام سِتَّةُ أولادٍ:عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ الأَکبَرُ،کُنیَتُهُ أبو مُحَمَّدٍ،واُمُّهُ شاه زَنانُ بِنتُ کِسری یَزدَجَردَ.وعَلِیُّ بنُ الحُسَینِ الأَصغَرُ (2)،قُتِلَ مَعَ أبیهِ بِالطَّفِّ ...،واُمُّهُ لَیلی بِنتُ أبی مُرَّةَ بنِ عُروَةَ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفِیَّةُ .وجَعفَرُ بنُ الحُسَینِ ،لا بَقِیَّةَ لَهُ ،واُمُّهُ قُضاعِیَّةٌ ،وکانَت وَفاتُهُ فی حَیاةِ الحُسَینِ علیه السلام.وعَبدُ اللّهِ بنُ الحُسَینِ ،قُتِلَ مَعَ أبیهِ صَغیراً؛جاءَهُ سَهمٌ وهُوَ فی حِجرِ أبیهِ فَذَبَحَهُ ....وسُکَینَةُ بِنتُ الحُسَینِ ،واُمُّهَا الرَّبابُ بِنتُ امرِئِ القَیسِ بنِ عَدِیٍّ ،کَلبِیَّةٌ ،وهِیَ امُّ عَبدِ اللّهِ بنِ الحُسَینِ .وفاطِمَةُ بِنتُ الحُسَینِ ، واُمُّها امُّ إسحاقَ بِنتُ طَلحَةَ بنِ عُبَیدِ اللّهِ ،تَیمِیَّةٌ . (3)

22.الکافی عن عبدالرحمن بن محمّد العزرمی:اِستَعمَلَ مُعاوِیَةُ مَروانَ بنَ الحَکَمِ عَلَی المَدینَةِ ،وأمَرَهُ أن یَفرِضَ لِشَبابِ قُرَیشٍ ،فَفَرَضَ لَهُم.

فَقالَ عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ علیه السلام:فَأَتَیتُهُ فَقالَ :مَا اسمُکَ ؟فَقُلتُ :عَلِیُّ بنُ الحُسَینِ ،فَقالَ :

مَا اسمُ أخیکَ ؟فَقُلتُ :عَلِیٌّ .قالَ :عَلِیٌّ وعَلِیٌّ ؟! ما یُریدُ أبوکَ أن یَدَعَ أحَداً مِن وُلدِهِ إلّا سَمّاهُ عَلِیّاً؟! ثُمَّ فَرَضَ لی فَرَجَعتُ إلی أبی فَأَخبَرتُهُ .

فَقالَ :وَیلی عَلَی ابنِ الزَّرقاءِ (4)دَبّاغَةِ الاُدُمِ (5)،لَو وُلِدَ لی مِئَةٌ لَأَحبَبتُ ألّا اسَمِّیَ أحَداً

ص:212

مِنهُم إلّاعَلِیّاً. (1)

23.المناقب لابن شهرآشوب عن یحیی بن الحسن:قالَ یَزیدُ لِعَلِیِّ بنِ الحُسَینِ علیه السلام:واعَجَباً لِأَبیکَ ، سَمّی عَلِیّاً وعَلِیّاً!

فَقالَ علیه السلام:إنَّ أبی أحَبَّ أباهُ ،فَسَمّی بِاسمِهِ مِراراً. (2)

بیت الرسالة،لا أنّه کان یعتبر الخلافة من حقّ علیّ الأکبر.کما یمکن اعتبار عرض الأمان علی علیّ الأکبر خلال حادثة عاشوراء بسبب انتسابه إلی أبی سفیان من جهة الاُمّ ،حرکة سیاسیة یهدف من خلالها عزل علیّ الأکبر عن الإمام الحسین علیه السلام،إلّاأنّه واجه موقفاً حازماً من علیّ الأکبر حیث قال:

أما وَاللّهِ ،لَقَرابَةُ رَسولِ اللّهِ کانَت أولی أن تُرعی . (1)

وقد صرّح البعض بأنّه قد روی الحدیث عن جدّه الإمام علیّ علیه السلام، (2)وهو خطأ علی مایبدو.

وممّا یجدر ذکره أنّ عدداً من العلماء الکبار-کالشیخ الطوسی والشیخ المفید- اعتبروا الإمام السجّاد علیه السلام أکبر أولاد الحسین علیه السلام. (3)إلّاأنّ هذا الرأی یتعارض مع الرأی المشهور لکتّاب السِیَر وأصحاب النسب. (4)

وقد اختُلف فی سِنّ علیٍّ الأکبر عند شهادته فی کربلاء،حتّی ذکرت بعض الروایات أنّه بلغ من العمر ثمان وعشرین سنة،ولکن بناءً علی الرأی المشهور من أنّه أکبر من الإمام السجّاد علیه السلام،ونظراً إلی أنّ الإمام السجّاد بلغ من العمر ثلاثة وعشرین

ص:214

عاماً عند وقعة عاشوراء،فإنّ من المفترض أن یتجاوز عمر علیّ الأکبر ذلک،ولذلک تبدو الروایات الدالّة علی ولادته فی خلافة عثمان،وأنّ عمره بلغ 25 سنة أقرب للواقع.

واقعة کربلاء، (1)وهناک قول دالّ علی شهادته أیضاً. (2)

والقتل؛وذلک بسبب معارضتهم لحکومة بنی العبّاس.

24.الإرشاد:إنَّ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ خَطَبَ إلی عَمِّهِ الحُسَینِ علیه السلام إحدَی ابنَتَیهِ ،فَقالَ لَهُ الحُسَینُ علیه السلام:اِخترَ یا بُنَیَّ أحَبَّهُما إلَیکَ ،فَاستَحیَا الحَسَنُ ولَم یُحِر جَواباً.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السلام:فَإِنّی قَدِ اختَرتُ لَکَ ابنَتی فاطِمَةَ ،وهِیَ أکثَرُهُما شَبَهاً بِاُمّی فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله. (1)

استشهاده فی سنة 50 للهجرة تزوّجت بالإمام الحسین علیه السلام.

کانت سکینة حسنة الخلق،جمیلة،عفیفة،من أهل الشعر والأدب،ومن رواة الحدیث.وکان یحضر مجلسها وجهاء قریش وکبار الشعراء والاُدباء.

تزوّجت سکینة أوّلاً بابن عمّها عبد اللّه بن الحسن،وقد استشهد عبد اللّه فی واقعة کربلاء قبل أن تزفّ إلیه،وقیل:بعد أن زُفّت إلیه.

واعتبرت بعض النقول أنّ زوجها الأوّل هو مصعب بن الزبیر. (1)وقد تزوّجت سکینة بعد مصعب برجال آخرین أیضاً.

أزواجها بعد عبد اللّه بن الحسن بن عفّان،هم حسب التسلسل:مصعب بن الزبیر، عبد اللّه بن عثمان بن عبد اللّه،زید بن عمرو بن عثمان بن عفّان،إبراهیم بن عبد الرحمن بن عوف،الأصبغ بن عبد اللّه بن مروان.وهناک أقوال اخری فی ذلک.

حضرت سکینة واقعة کربلاء،واُخذت مع الأسری إلی الکوفة والشام،ومن ثمّ ذهبت إلی المدینة.

وقد ورد فی المصادر التاریخیّة أنّ وفاتها کانت فی ربیع الأوّل سنة 117 للهجرة.

دفنت فی المدینة المنوّرة بناءً علی الرأی المشهور،وذُکر أیضاً أنّها دفنت فی الشام،ومکّة،وأماکن اخری.

25.تاریخ دمشق:سُکَینَةُ اسمُها آمِنَةُ أو امَیمَةُ ،وإنَّما سُکَینَةُ لَقَبٌ ،لَقَّبَتها امُّهَا الرَّبابُ بِنتُ امرِئِ القَیسِ . (2)

ص:219

26.الأغانی عن مصعب:کانَت سُکَینَةُ عَفیفَةً سَلیمَةً ،بَرزَةً (1)مِنَ النِّساءِ،تُجالِسُ الأَجِلَّةَ مِن قُرَیشٍ ،وتَجتَمِعُ إلَیهَا الشُّعَراءُ. (2)

أسماء أربع بنات هو النسّابة المعروف فی القرن السادس ابن فندق البیهقی (المتوفّی 565 ه )،حیث أورد فی لباب الأنساب أسماء بناته کالتالی:

1.فاطمة،اُمّها امّ إسحاق بنت طلحة.

2.سکینة،اُمّها الرباب بنت امرئ القیس بن عدی.

3.زینب-ماتت صغیرة-اُمّها شهربانو بنت یزدجرد.

4.اُمّ کلثوم-ماتت صغیرة-اُمّها شهربانو بنت یزدجرد. (1)

وکما نلاحظ فإنّه لم یذکر رقیّة خلال إحصائه لبنات الإمام علیه السلام،رغم أنّه ذکر أنّ عددهنّ یبلغ أربعاً،ولکنّه یکتب فی بیانه للأولاد الذین تبقّوا من ذرّیة الإمام قائلاً:

ولم یبق من أولاده-یعنی الحسین علیه السلام-إلاّ زین العابدین علیه السلام وفاطمة وسکینة ورقیّة. (2)

ومن الممکن أن یقال:إنّ رقیّة هی نفسها امّ کلثوم،ولکن هذا الاحتمال لا ینسجم مع جملة«ولم یَبقَ من أولاده...»؛ذلک لأنّ هذه العبارة تشعر بأنّ رقیّة عاشت لسنوات طویلة بعد حادثة کربلاء والأسر إلی الشام،مثل فاطمة وسکینة.إلّاإذا قلنا:

إنّه یقصد المتبقین بعد یوم عاشوراء.

وأمّا النقل الآخر الذی یشیر إلی اسم رقیّة،فهو ما جاء فی بعض نسخ کتاب الملهوف من أنّ الإمام الحسین علیه السلام قد قال لأهل بیته:

یا أُختاه،یا أُمَّ کُلثومٍ ،وأنتِ یا زَینَبُ ،وأنتِ یا رُقَیَّةُ ،وأنتِ یا فاطِمَةُ ،وأنتِ یا رَبابُ ،اُنظُرنَ إذا أنَا قُتِلتُ فَلا تَشققُنَ عَلَیَّ جَیباً،ولا تَخمِشنَ عَلَیَّ وَجهاً، ولا تَقُلنَ عَلَیَّ هَجراً. (3)

ویمکن القول بشأن هذه الروایة:

ص:222

أوّلاً:إنّ هذا النصّ لا یوجد فی الکثیر من نسخ الملهوف .

ثانیاً:لا توجد فی الروایة المذکورة إشارة إلی أنّ رقیة هی ابنة الإمام علیه السلام.

ثالثاً:من المحتمل أن یکون المخاطَب بهذا الکلام هی رقیة بنت الإمام علی علیه السلام، وزوجة مسلم بن عقیل؛ (1)لأنّ أولاد مسلم کانوا یرافقون الإمام،ومن المحتمل قویّاً حضور زوجته أیضاً فی کربلاء.

وتألّمت،فلم تبقَ إلّاأیّاماً قلیلة وفاضت روحها. (1)

وهذا النصّ یختلف فی بعض الجهات عمّا اشتهر بشأن وفاة السیّدة رقیة؛ذلک لأنّ اسم البنت لم یحدّد فی هذا النصّ ،وذکر أنّ عمرها کان أربع سنوات لا ثلاث،واعتبر موضع وفاتها بیت یزید لا الخربة،وذکر أنّ وفاتها کانت بعد بضعة أیّام من رؤیة رأس الإمام الحسین علیه السلام لا عند رؤیته.

روی أنّه لمّا قدم آل اللّه وآل رسوله علی یزید فی الشام أفرد لهم داراً،وکانوا مشغولین بإقامة العزاء،وإنّه کان لمولانا الحسین علیه السلام بنتاً عمرها ثلاث سنوات...

فجاؤوا بالرأس الشریف إلیها مغطّی بمندیل دیبقی،فوضع بین یدیها وکُشف الغطاء عنه،فقالت:ما هذا الرأس ؟قالوا لها:رأس أبیکِ ،فرفعته من الطشت حاضنة له وهی تقول:یا أباه،من ذا الذی خضبک بدمائک ؟یا أبتاه،من ذا الذی قطع وریدک ؟یا أبتاه،من ذا الذی أیتمنی علی صغر سنّی ؟یا أبتاه،من بقی بعدک نرجوه ؟یا أبتاه،من للیتیمة حتّی تکبر؟یا أبتاه،من للنساء الحاسرات ؟یا أبتاه، من للأرامل المسبیات ؟یا أبتاه،من للعیون الباکیات ؟یا أبتاه،من للضائعات الغریبات ؟یا أبتاه،من للشعور المنشّرات ؟یا أبتاه،من بعدک وا خیبتنا؟یا أبتاه، من بعدک وا غربتنا؟یا أبتاه،لیتنی کنت الفداء،یا أبتاه،لیتنی کنت قبل هذا الیوم عمیاء،یا أبتاه،لیتنی وسِّدت الثری ولا أری شیبک مخضّباً بالدماء.

ثمّ إنّها وضعت فمها علی فمه الشریف وبکت بکاءً شدیداً حتّی غشی علیها،فلمّا حرّکوها فإذا بها قد فارقت روحها الدنیا. (1)

الجدیر بالذکر أنّ هذا المصدر هو أوّل مصدر معروف ذکر أنّ عمر الطفلة ثلاث سنوات،کما أنّه أوّل مصدر ذکر حدیثها مع الإمام بشکل مفصّل،ولکنّه لم یذکر شیئاً حول اسمها.

کربلاء،حتّی أجهشت السیّدة زبیدة ابنة سیّد الشهداء فی البکاء فی إحدی اللیالی علی فراق أبیها،وکان عمرها ثلاث سنوات.... (1)

وتشیر الدراسات إلی أنّ هذه الروایة هی أوّل روایة طرحت اسم الطفلة وعرفتها بزبیدة،واعتبرت محلّ الحادثة خربة الشام.

ویقول الکاتب قبل ذلک وفی الصفحة السابقة مشیراً إلی خربة الشام:

تذکّرتُ غرباء خربة الشام،أوَ لم یکن أهل البیت الذین هم خیر الأنام غرباء فی خربة الشام ؟أوَ لم تکن سکینة ورقیّة طفلتی الحسین علیه السلام ؟فلماذا لم یتکلّم أحد بکلمة یعزّی فیها هؤلاء الغرباء رغم معاناتهم من فقد الأب والأخ ؟!

وهکذا فإنّه-حسب ما توصّلنا إلیه-أوّل کتاب یذکر ابنة للإمام الحسین علیه السلام فی خربة الشام باسم رقیّة.وبالطبع فإنّه لا یذکر شیئاً عن مصیرها،ویسجّل حادثة شهادة الطفلة باسم زبیدة.

ومن الممکن أن تکون هذه الروایة قد هیّأت الأرضیة للروایات اللّاحقة بشأن اسم الطفلة الّتی توفّیت فی خربة الشام.

کما ذَکَر فی الصفحات التالیة نقلاً عن کتاب معاصره، ریاض الأحزان أنّ اسم هذه المخدّرة کان فاطمة. (1)

وقد طُرحت فی هذه الروایة عدّة أسماء لهذه الطفلة المتوفّاة فی الشام،منها رقیّة.

الحسین علیه السلام وهی تقول:«قولی لأبیکِ أن یقول للوالی إنّ الماء جری بین قبری ولحدی،وإنّ جسمی قد تأذّی،فقولی له أن یصلح قبری ولحدی».

فقصّت ابنته الحلم علی السیّد،ولکنّه لم یعمل شیئاً خوفاً من أهل السنّة.وفی اللیلة التالیة رأت ابنة السیّد الوسطی الحلم نفسه وقصّته لأبیها،فلم یفعل شیئاً فی هذه المرّة أیضاً،وفی اللیلة الثالثة رأت ابنة السیّد الصغری الحلم ذاته وقصّته علی الأب،فلم یحرّک ساکناً فی هذه المرّة أیضاً،وفی اللیلة الرابعة رأی السیّد نفسه السیّدة رقیّة فی منامه وهی تعاتبه قائلة:«لماذا لم تخبر الوالی ؟».فاستیقظ السیّد،وفی الصباح ذهب إلی والی الشام ونقل منامه إلیه.

فأمر الوالی أن یخرج علماء الشام وصلحاؤها من السنّة والشیعة،ویغتسلوا ویرتدوا أنظف ثیابهم،وأن ینبش قبر السیّدة رقیّة المقدّس کلّ من انفتح له قفل باب الحرم،ویستخرج جثمانها الطاهر کی یُعمّر قبرها المطهّر.فأدّی کبار الشیعة والسنّة وصلحاؤهم آداب الغسل وارتدوا الملابس النظیفة،فلم ینفتح القفل لأیٍّ منهم إلاّ علی ید السیّد،وبعد أن تشرّفوا بالدخول فی وسط الحرم لم تؤثّر معاولهم فی الأرض إلّامعول السیّد،ثمّ أخلوا الحرم وشقّوا اللّحد،فرأوا أنّ الجثمان الطاهر لهذه المخدّرة بین لحدها وکفنها صحیح وسالم،غیر أنّ ماءً کثیراً تجمّع فی وسط اللّحد،فاستخرج السیّد جثمان المخدّرة الشریف من وسط اللّحد ووضعه علی رکبتیه،وأبقاه لثلاثة أیّام علی رکبتیه وهو یبکی بشکل متواصل، حتّی أصلحوا لحد المخدّرة من الأساس،وعندما کان یحین وقت الصلاة کان السیّد یضع جثمان المخدّرة علی شیءٍ نظیف ثمّ یرفعه بعد الفراغ من ذلک ویضعه علی رکبتیه،حتّی فرغوا من تعمیر القبر واللّحد،فدفن السیّد جثمان المخدّرة.

وبفضل کرامة هذه المخدّرة ومعجزتها کان السیّد خلال الأیّام الثلاثة فی غنی عن الطعام والماء وتجدید الوضوء،وعندما أراد أن یدفنها دعا اللّه أن یرزقه ولداً، فاستجاب اللّه له ورزقه علی کبره ذکراً سمّاه مصطفی.

ثمّ إنّ الوالی کتب فیما بعد القصّة بالتفصیل إلی السلطان عبدالحمید،فأوکل إلیه

ص:229

سدانة مرقد السیّدة زینب،والمرقد الشریف للسیّدة رقیّة،والمرقد الشریف لاُمّ کلثوم وسکینة،ویتولّی الآن السیّد الحاج عبّاس ابن السیّد مصطفی ابن السیّد إبراهیم السابق الذکر إدارة هذه العتبات المقدّسة (انتهی).

ویبدو أنّ هذه القضیة حدثت فی حدود عام ألف ومئتین وثمانین. (1)

وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما جاء فی هذه الروایة-من أنّ الوجهاء وعلماء الشیعة والسنّة شهدوا هذه الحادثة-فإنّ الملاحظة الّتی تستحقّ الاهتمام هی:لماذا لم ینقل أحد هذه الحادثة المهمّة سوی المتولّین للمشهد المذکور،رغم وجود الدواعی الکثیرة إلی نقل هذه الحوادث وتسجیلها (2)؟ونحن نلاحظ أیضاً أنّ شخصیّة مثل السیّد محسن الأمین لم یشِر إلی هذه الحادثة فی روایته،رغم أنّه کان متواجداً فی المنطقة،بل إنّه کتب حول هذا المرقد قائلاً:

رقیّة بنت الحسین علیه السلام یُنسب إلیها قبر ومشهد مزور بمحلّة العمارة من دمشق،اللّه أعلم بصحّته،جدّده المیرزا علی أصغر خان وزیر الصدارة فی إیران عام 1323، وقد أرَّختُ ذلک بتاریخ منقوش فوق الباب أقول فیه من أبیات:

لَهُ ذو الرُّتبَةِ العُلیا عَلیٌّ

وعلی هذا،فإنّ من غیر الممکن إبداء رأی حاسم حول موضوع هذه الدراسة استناداً إلی المصادر الروائیة والتاریخیّة،ولکنّ الکرامات الّتی شوهدت وتشاهد من هذا المرقد المبارک تؤیّد مکانته المعنویة.وعلی أیّ حال،فإنّ ممّا لا شکّ فیه أنّ

ص:230

تعظیم هذا المشهد المنسوب إلی أهل البیت علیهم السلام واجب وضروری،ولکن نظراً إلی أنّ التفاصیل المتعلّقة بوفاة السیّدة رقیّة لم ترد فی أیٍّ من المصادر المعتبرة،فإنّ ذکر مصائبهم یجب أن یکون مستنداً إلی المصادر الّتی سبقت الإشارة إلیها،وإیکال صحّة المعلومات أو سقمها علی عهدة الراوی.

ص:231

ص:232

ص:234

الهُدی ،ومَنارُ أولِیائی،وحَفیظی وشَهیدی عَلی خَلقی،وخازِنُ عِلمی،وحُجَّتی عَلی أهلِ السَّماواتِ ،وأهلِ الأَرَضینَ ،وَالثَّقَلَینِ الجِنِّ وَالإِنسِ . (1)

28.الکافی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه عن أبیه [الباقر] علیهما السلام عن جابر-فی حَدیثِ اللَّوحِ -:فَأَشهَدُ بِاللّهِ أنّی هکَذا رَأَیتُهُ مَکتوباً:...وجَعَلتُ حُسَیناً خازِنَ وَحیی،وأکرَمتُهُ بِالشَّهادَةِ ، وخَتَمتُ لَهُ بِالسَّعادَةِ ،فَهُوَ أفضَلُ مَنِ استُشهِدَ،وأرفَعُ الشُّهَداءِ دَرَجَةً ،جَعَلتُ کَلِمَتِیَ التّامَّةَ مَعَهُ ،وحُجَّتِیَ البالِغَةَ عِندَهُ . (2)

قالَ :قَبِلتُ یا رَبِّ ،ورَضیتُ وسَلَّمتُ ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا الثّالِثَةُ :فَما یَلقی أهلُ بَیتِکَ مِن بَعدِکَ مِنَ القَتلِ ،أمّا أخوکَ عَلِیٌّ فَیَلقی مِن امَّتِکَ الشَّتمَ وَالتَّعنیفَ وَالتَّوبیخَ وَالحِرمانَ وَالجَحدَ وَالظُّلمَ ،وآخِرُ ذلِکَ القَتلُ .

فَقالَ :یا رَبِّ ،قَبِلتُ ورَضیتُ ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا ابنَتُکَ فَتُظلَمُ وتُحرَمُ ،ویُؤخَذُ حَقُّها غَصباً الَّذی تَجعَلُهُ لَها،وتُضرَبُ وهِیَ حامِلٌ ،ویُدخَلُ عَلَیها وعَلی حَریمِها ومَنزِلِها بِغَیرِ إذنٍ ،ثُمَّ یَمَسُّها هَوانٌ وذُلٌّ ،ثُمَّ لا تَجِدُ مانِعاً،وتَطرَحُ ما فی بَطنِها مِنَ الضَّربِ ،وتَموتُ مِن ذلِکَ الضَّربِ .

قالَ (1):إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ ،قَبِلتُ یا رَبِّ وسَلَّمتُ ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ (2).

ویَکونُ لَها مِن أخیکَ ابنانِ ،یُقتَلُ أحَدُهُما غَدراً ویُسلَبُ ویُطعَنُ ،تَفعَلُ بِهِ ذلِکَ امَّتُکَ .

قالَ :یا رَبِّ ،قَبِلتُ وسَلَّمتُ ،إنّا للّهِ ِ وإنّا إلَیهِ راجِعونَ ،ومِنکَ التَّوفیقُ وَالصَّبرُ.

وأمَّا ابنُهَا الآخَرُ فَتَدعوهُ امَّتُکَ لِلجِهادِ،ثُمَّ یَقتُلونَهُ صَبراً (3)،ویَقتُلونَ وُلدَهُ ومَن مَعَهُ مِن أهلِ بَیتِهِ ،ثُمَّ یَسلُبونَ حَرَمَهُ ،فَیَستَعینُ بی وقَد مَضَی القَضاءُ مِنّی فیهِ بِالشَّهادَةِ لَهُ ولِمَن مَعَهُ ،ویَکونُ قَتلُهُ حُجَّةً عَلی مَن بَینَ قُطرَیها (4)،فَیَبکیهِ أهلُ السَّماواتِ وأهلُ الأَرَضینَ جَزَعاً عَلَیهِ ،وتَبکیهِ مَلائِکَةٌ لَم یُدرِکوا نُصرَتَهُ .

ثُمَّ اخرِجُ مِن صُلبِهِ ذَکَراً،بِهِ أنصُرُکَ ،وإنَّ شَبَحَهُ عِندی تَحتَ العَرشِ .... (5)

ص:237

بَکی طَویلاً صلی الله علیه و آله،فَلَمّا أفاقَ قالَ :قَتَلَ اللّهُ قَوماً یَقتُلونَکَ ! (1)

قالَت صَفِیَّةُ :فَقُلتُ :حَبیبی مُحَمَّدُ،مَن یَقتُلُ عِترَةَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ؟

قالَ :یا عَمَّةُ ،تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِیَةُ مِن بَنی امَیَّةَ . (2)

35.عیون أخبار الرضا علیه السلام بإسناده عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السلام عن أسماء بنت عمیس (3):...

فَلَمّا کانَ بَعدَ حَولٍ وُلِدَ الحُسَینُ علیه السلام،وجاءَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله،فَقالَ :یا أسماءُ،هَلُمِّی ابنی، فَدَفَعتُهُ إلَیهِ فی خِرقَةٍ بَیضاءَ،فَأَذَّنَ فی اذُنِهِ الیُمنی ،وأقامَ فِی الیُسری ،ووَضَعَهُ فی حِجرِهِ ،فَبَکی .

فَقالَت أسماءُ:بِأَبی أنت واُمّی،مِمَّ بُکاؤُکَ ؟

قالَ :عَلَی ابنی هذا.قُلتُ :إنَّهُ وُلِدَ السّاعَةَ یا رَسولَ اللّهِ !

فَقالَ :تَقتُلُهُ الفِئَةُ الباغِیَةُ مِن بَعدی لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی.ثُمَّ قالَ :یا أسماءُ،لا تُخبِری فاطِمَةَ بِهذا؛فَإِنَّها قَریبَةُ عَهدٍ بِوِلادَتِهِ . (4)

36.الأمالی للطوسی بإسناده عن علیّ بن الحسین [زین العابدین] علیه السلام عن أسماء بنت عمیس:لَمّا وَلَدَت فاطِمَةُ علیها السلام الحُسَینَ علیه السلام نَفِستُها بِهِ (5)،فَجاءَنِی النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله فَقالَ :هَلُمِّی ابنی یا أسماءُ،فَدَفَعتُهُ

ص:240

إلَیهِ فی خِرقَةٍ بَیضاءَ،فَفَعَلَ بِهِ کَما فَعَلَ بِالحَسَنِ علیه السلام.

قالَت:وبَکی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ قالَ :إنَّهُ سَیَکونُ لَکَ حَدیثٌ ،اللّهُمَّ العَن قاتِلَهُ ! لا تُعلِمی فاطِمَةَ بِذلِکِ . (1)

راجع:موسوعة الإمام الحسین علیه السلام ج 1 ص 125 (القسم الأوّل/الفصل الأوّل:الولادة).

یُقتَلُ بِها وَلَدِیَ الحُسَینُ ابنُ فاطِمَةَ .

فَقیلَ :مَن یَقتُلُهُ -یا رَسولَ اللّهِ -؟فَقالَ :رَجُلٌ یُقالُ لَهُ :یَزیدُ،لا بارَکَ اللّهُ لَهُ فی نَفسِهِ ! وکَأَنّی أنظُرُ إلی مَصرَعِهِ ومَدفَنِهِ بِها،وقَد اهدِیَ بِرَأسِهِ ،و وَاللّهِ ،ما یَنظُرُ أحَدٌ إلی رَأسِ وَلَدِیَ الحُسَینِ فَیَفرَحُ ،إلّاخالَفَ اللّهُ بَینَ قَلبِهِ ولِسانِهِ .

قالَ :ثُمَّ رَجَعَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله مِن سَفَرِهِ ذلِکَ مَغموماً،ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ،فَخَطَبَ ووَعَظَ ، وَالحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام بَینَ یَدَیهِ مَعَ الحَسَنِ علیه السلام.

قالَ :فَلَمّا فَرَغَ مِن خُطبَتِهِ ،وَضَعَ یَدَهُ الیُمنی عَلی رَأسِ الحَسَنِ علیه السلام،وَالیُسری عَلی رَأسِ الحُسَینِ علیه السلام،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ الَی السَّماءِ،فَقالَ :

اللّهُمَّ إنّی مُحَمَّدٌ عَبدُکَ ونَبِیُّکَ ،وهذانِ أطایِبُ عِترَتی،وخِیارُ ذُرِّیَّتی وأرومَتی (1)، ومَن اخَلِّفُهُم فی امَّتی،اللّهُمَّ وقَد أخبَرَنی جِبریلُ بِأَنَّ وَلَدی هذا مَقتولٌ مَخذولٌ ،اللّهُمَّ فَبارِک لَهُ فی قَتلِهِ ،وَاجعَلهُ مِن ساداتِ الشُّهَداءِ،إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیءٍ قَدیرٌ،اللّهُمَّ ولا تُبارِک فی قاتِلِهِ وخاذِلِهِ !

قالَ :وضَجَّ النّاسُ فِی المَسجِدِ بِالبُکاءِ.

فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:أتَبکونَ ولا تَنصُرونَهُ ؟اللّهُمَّ فَکُن أنتَ لَهُ وَلِیّاً وناصِراً.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ :ثُمَّ رَجَعَ وهُوَ مُتَغَیِّرُ اللَّونِ ،مُحمَرُّ الوَجهِ ،فَخَطَبَ خُطبَةً بَلیغَةً موجَزَةً وعَیناهُ یَهمِلانِ دُموعاً.

ثُمَّ قالَ :أیُّهَا النّاسُ ! إنّی قَد خَلَّفتُ فیکُمُ الثَّقَلَینِ ؛کِتابَ اللّهِ وعِترَتی وأرومَتی، ومَراحَ مَماتی وثَمَرَتی،ولَن یَفتَرِقا حَتّی یَرِدا عَلَیَّ الحَوضَ .

ألا وإنّی [لا] (2)أسأَلُکُم فی ذلِکَ إلّاما أمَرَنی رَبّی أن أسأَلَکُمُ المَوَدَّةَ فِی القُربی ، فَانظُروا أن لا تَلقَونی غَداً عَلَی الحَوضِ وقَد أبغَضتُم عِترَتی وظَلَمتُموهُم،ألا وإنَّهُ

ص:242

سَیَرِدُ عَلَیَّ فِی القِیامَةِ ثَلاثُ رایاتٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ :رایَةٌ سَوداءُ مُظلِمَةٌ ،قَد فَزِعَت لَهَا المَلائِکَةُ ،فَتَقِفُ عَلَیَّ ،فَأَقولُ :مَن أنتُم ؟فَیَنسَونَ ذِکری،ویَقولونَ :نَحنُ أهلُ التَّوحیدِ مِنَ العَرَبِ .

فَأَقولُ :أنَا أحمَدُ نَبِیُّ العَرَبِ وَالعَجَمِ ،فَیَقولونَ :نَحنُ مِن امَّتِکَ یا أحمَدُ.

فَأَقولُ لَهُم:کَیفَ خَلَفتُمونی مِن بَعدی فی أهلی وعِترَتی وکِتابِ رَبّی ؟

فَیَقولونَ :أمَّا الکِتابُ فَضَیَّعنا ومَزَّقنا،وأمّا عِترَتُکَ فَحَرَصنا عَلی أن نُبیدَهُم (1)مِن جَدیدِ (2)الأَرضِ ؛فَاُوَلّی عَنهُم وَجهی،فَیَصدُرونَ ظِماءَ عُطاشی ،مُسوَدَّةً وُجوهُهُم.... (3)

الحُسَینَ علیه السلام مَقتولٌ . (1)

40.مثیر الأحزان عن ابن عبّاس:لَمَّا اشتَدَّ بِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله مَرَضُهُ الَّذی ماتَ فیهِ ،وقَد ضَمَّ الحُسَینَ علیه السلام إلی صَدرِهِ ،یَسیلُ مِن عَرَقِهِ عَلَیهِ وهُو یَجودُ بِنَفسِهِ ،ویَقولُ :ما لی ولِیَزیدَ؟ لا بارَکَ اللّهُ فیهِ ! اللّهُمَّ العَن یَزیدَ ! ثُمَّ غُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً وأفاقَ ،وجَعَلَ یُقَبِّلُ الحُسَینَ علیه السلام وعَیناهُ تَذرِفانِ .

ویَقولُ :أما إنَّ لی ولِقاتِلِکَ مَقاماً بَینَ یَدَیِ اللّهِ عز و جل. (2)

41.الفتوح عن ابن عبّاس:إنّی حَضَرتُ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ فِی السِّیاقِ (3)،وقَد ضَمَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السلام إلی صَدرِهِ ،وهُوَ یَقولُ :هذا مِن أطائِبِ أرومَتی،وأنوارِ عِترَتی،وخِیارِ ذُرِّیَّتی، لا بارَکَ اللّهُ فیمَن لا یَحفَظُهُ بَعدی.قالَ ابنُ عَبّاسٍ :ثُمَّ اغمِیَ عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله ساعَةً ،ثُمَّ أفاقَ ،وقالَ :

یا حُسَینُ ،إنَّ لی ولِقاتِلِکَ یَومَ القِیامَةِ مَقاماً بَینَ یَدَی رَبّی،وخُصومَةً ،وقَد طابَت نَفسی؛إذ جَعَلَنِیَ اللّهُ خَصیماً لِمَن قَتَلَکَ یَومَ القِیامَةِ . (4)

42.الأمالی للصدوق عن ابن عبّاس:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی ذلِکَ المَرَضِ کانَ یَقولُ :اُدعوا لی حَبیبی،فَجَعَلَ یُدعی لَهُ رَجُلٌ بَعدَ رَجُلٍ ،فَیَعرِضُ عَنهُ ،فَقیلَ لِفاطِمَةَ علیها السلام:اِمضی إلی عَلِیٍّ علیه السلام،فَما نَری رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یُریدُ غَیرَ عَلِیٍّ علیه السلام،فَبَعَثَت فاطِمَةُ علیها السلام إلی عَلِیٍّ علیه السلام،فَلَمّا دَخَلَ فَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَینَیهِ ،وتَهَلَّلَ وَجهُهُ .

ثُمَّ قالَ :إلَیَّ یا عَلِیُّ ،إلَیَّ یا عَلِیُّ ،فَما زالَ صلی الله علیه و آله یُدنیهِ حَتّی أخَذَهُ بِیَدِهِ ،وأجلَسَهُ عِندَ

ص:244

رَأسِهِ ،ثُمَّ اغمِیَ عَلَیهِ ،فَجاءَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام یَصیحانِ ویَبکِیانِ ،حَتّی وَقَعا عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَأَرادَ عَلِیٌّ علیه السلام أن یُنَحِّیَهُما عَنهُ ،فَأَفاقَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله.

ثُمَّ قالَ :یا عَلِیُّ ،دَعنی أشُمُّهُما ویَشُمّانّی،وأتَزَوَّدُ مِنهُما ویَتَزَوَّدانِ مِنّی،أما إنَّهُما سَیُظلَمانِ بَعدی،ویُقتَلانِ ظُلماً،فَلَعنَةُ اللّهِ عَلی مَن یَظلِمُهُما،یَقولُ ذلِکَ ثَلاثاً. (1)

43.مسند زید عن زید بن علیّ عن أبیه عن جدّه علیّ علیهما السلام:لَمّا ثَقُلَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله فی مَرَضِهِ ،وَالبَیتُ غاصٌّ بِمَن فیهِ ،قالَ :اُدعو لِیَ الحَسَنَ وَالحُسَینَ ،فَدَعَوتُهُما،فَجَعَلَ یَلثِمُهُما حَتّی اغمِیَ عَلَیهِ ،قالَ :فَجَعَلَ عَلِیٌّ علیه السلام یَرفَعُهُما عَن وَجهِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،قالَ :فَفَتَحَ عَینَیهِ ،فَقالَ :

دَعهُما یَتَمَتَّعانِ مِنّی وأتَمَتَّعُ مِنهُما؛فَإِنَّهُ سَیُصیبُهُما بَعدی أثَرَةٌ . (2)

44.شرح الأخبار:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله لَمَّا احتُضِرَ،دَعا بِالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهما السلام فَوَضَعَهُما عَلی وَجهِهِ ،وجَعَلَ یُقَبِّلُهُما حَتّی اغمِیَ عَلَیهِ ،فَأَخَذَهُما عَلِیٌّ علیه السلام عَن وَجهِهِ ،فَفَتَحَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله عَینَیهِ ،وقالَ لِعَلِیٍّ علیه السلام:دَعهُما یَستَمتِعانِ مِنّی وأستَمتِعُ مِنهُما،فَإِنَّهُ سَیُصیبُهُما بَعدی أثَرَةٌ -أرادَ بِالأَثَرَةِ مَا استَأثَرَ بِهِ أهلُ التَّغَلُّبِ مِن حَقِّهِما،فَأَخَذوهُ لِأَنفُسِهِم، فَأَثَروهُ بِهِ عَلَیهِما أثَرَةً بِغَیرِ حَقٍّ -. (3)

قالَ :یُقتَلُ بِأَرضٍ یُقالُ لَها کَربَلاءُ،فی غُربَةٍ مِنَ الأَهلِ وَالعَشیرَةِ ،یَزورهُ -یا فاطِمَةُ قَومٌ . (1)

راجع: ص 235 (سیّد الشهداء من الأوّلین والآخرین)

و ص 266 (إنباؤه بکیفیّة شهادته).

فَقُلتُ :ومَن یَقتُلُهُ ؟فَتَناوَلَ مَدَرَةً (1)،فَقالَ :أهلُ هذِهِ المَدَرَةِ یَقتُلونَهُ . (2)

48.الإرشاد عن امّ سلمة:بَینا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ذاتَ یَومٍ جالِسٌ وَالحُسَینُ علیه السلام جالِسٌ فی حِجرِهِ ،إذ هَمَلَت عَیناهُ بِالدُّموعِ ،فَقُلتُ لَهُ :یا رَسولَ اللّهِ ،ما لی أراکَ تَبکی جُعِلتُ فِداکَ ؟

فَقالَ :جاءَنی جَبرَئیلُ علیه السلام فَعَزّانی بِابنِیَ الحُسَینِ ،وأخبَرَنی أنَّ طائِفَةً مِن امَّتی تَقتُلُهُ ، لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی. (3)

راجع: ص 254 (إراءة النبیّ صلی الله علیه و آله التربة الّتی یُسفک فیها دمه).

إذ أتاهُ جَبرَئیلُ علیه السلام فَقالَ :یا مُحَمَّدُ،أتُحِبُّهُ ؟قالَ :نَعَم.

قالَ :أما إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ ،فَحَزِنَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِذلِکَ حُزناً شَدیداً.

فَقالَ جَبرَئیلُ علیه السلام:أیَسُرُّکَ أن ارِیَکَ التُّربَةَ الَّتی یُقتَلُ فیها؟قالَ :نَعَم.

قالَ :فَخَسَفَ جَبرَئیلُ علیه السلام ما بَینَ مَجلِسِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله إلی کَربَلاءَ حَتَّی التَقَتِ القِطعَتانِ هکَذا-وجَمَعَ بَینَ السَّبّابَتَینِ -فَتَناوَلَ بِجَناحَیهِ مِنَ التُّربَةِ ،فَناوَلَها لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ دَحَا الأَرضَ [أسرَعَ ] (1)مِن طَرفِ العَینِ .

فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:طوبی لَکِ مِن تُربَةٍ ،وطوبی لِمَن یُقتَلُ فیکِ . (2)

56.کامل الزیارات عن أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمّال عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السلام:لَمّا وَلَدَت فاطِمَةُ الحُسَینَ علیه السلام،جاءَ جَبرَئیلُ علیه السلام إلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقالَ لَهُ :إنَّ امَّتَکَ تَقتُلُ الحُسَینَ علیه السلام مِن بَعدِکَ ،ثُمَّ قالَ :ألا اریکَ مِن تُربَتِهِ ،فَضَرَبَ بِجَناحِهِ ،فَأَخرَجَ مِن تُربَةِ کَربَلاءَ وأراها إیّاهُ ،ثُمَّ قالَ :هذِهِ التُّربَةُ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها. (3)

57.الأمالی للشجری عن امّ سلمة:بَینَما حُسَینٌ علیه السلام عِندَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِی البَیتِ ،وقَد خَرَجتُ لِأَقضِیَ حاجَةً ،ثُمَّ دَخَلتُ البَیتَ ،فَإِذا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله قَد أخَذَ حُسَیناً علیه السلام فَأَضجَعَهُ عَلی بَطنِهِ ،فَإِذا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَمسَحُ عَینَیهِ مِنَ الدَّمعِ ،فَقُلتُ :یا رَسولَ اللّهِ ،ما بُکاؤُکَ ؟

قالَ :رَحمَةُ هذَا المِسکینِ ،أخبَرَنی جِبریلُ علیه السلام أنَّهُ سَیُقتَلُ بِکَربَلاءَ،قالَ :دونَ العِراقِ ،وهذِهِ تُربَتُها قَد أتانی بِها جِبریلُ علیه السلام. (4)

58.فضائل الصحابة لابن حنبل عن امّ سلمة:کانَ جِبریلُ علیه السلام عِندَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وَالحُسَینُ علیه السلام مَعی،

ص:250

فَبَکی فَتَرَکتُهُ ،فَدَنا مِنَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَقالَ جِبریلُ :أتُحِبُّهُ یا مُحَمَّدُ؟

فَقالَ :نَعَم،فَقالَ :إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِن تُربَةِ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها، فَأَراهُ إیّاهُ ،فَإِذَا الأَرضُ یُقالُ لَها:کَربَلاءُ. (1)

59.تاریخ دمشق عن جمهان:إنَّ جِبریلَ علیه السلام أتَی النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله بِتُرابٍ مِن تُربَةِ القَریَةِ الَّتی قُتِلَ فیهَا الحُسَینُ علیه السلام،وقیلَ :اِسمُها کَربَلاءُ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:کَربٌ و بَلاءٌ. (2)

60.المعجم الکبیر عن امّ سلمة:کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله جالِساً ذاتَ یَومٍ فی بَیتی،فَقالَ :لا یَدخُل عَلَیَّ أحَدٌ،فَانتَظَرتُ ،فَدَخَلَ الحُسَینُ علیه السلام،فَسَمِعتُ نَشیجَ (3)رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَبکی، فَاطَّلَعتُ فَإِذا حُسَینٌ علیه السلام فی حِجرِهِ ،وَالنَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَمسَحُ جَبینَهُ ،وهُوَ یَبکی،فَقُلتُ :وَاللّهِ ، ما عَلِمتُ حینَ دَخَلَ !

فَقالَ :إنَّ جِبریلَ علیه السلام کانَ مَعَنا فِی البَیتِ ،فَقالَ :تُحِبُّهُ ؟قُلتُ :أمّا مِنَ الدُّنیا فَنَعَم.

قالَ :إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُ هذا بِأَرضٍ یُقالُ لَها:کَربَلاءُ،فَتَناوَلَ جِبریلُ علیه السلام مِن تُربَتِها، فَأَراهَا النَّبِیَ صلی الله علیه و آله،فَلَمّا احیطَ بِحُسَینٍ علیه السلام حینَ قُتِلَ قالَ :مَا اسمُ هذِهِ الأَرضِ ؟قالوا:

کَربَلاءُ،قالَ :صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ ،أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ. (4)

بِأَرضِ الطَّفِّ ،وجاءَنی بِهذِهِ التُّربَةِ ،وأخبَرَنی أنَّ فیها مَضجَعَهُ . (1)

62.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن أبی سلمة عن عائشة:کانَت لَنا مَشرَبَةٌ (2)،فَکانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله إذا أرادَ لُقْیا جِبریلَ علیه السلام لَقِیَهُ فیها،فَلَقِیَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مَرَّةً مِن ذلِکَ فیها،وأمَرَ عائِشَةَ ألّا یَصعَدَ إلَیهِ أحَدٌ.

فَدَخَلَ حُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام ولَم تَعلَم حَتّی غَشِیَها،فَقالَ جِبریلُ علیه السلام:مَن هذا؟فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اِبنی،فَأَخَذَهُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله فَجَعَلَهُ عَلی فَخِذِهِ ،فَقالَ :أما إنَّهُ سَیُقتَلُ ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:ومَن یَقتُلُهُ ؟! قالَ :اُمَّتُکَ ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اُمَّتی تَقتُلُهُ ؟! قالَ :نَعَم، وإن شِئتَ أخبَرتُکَ بِالأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،فَأَشارَ لَهُ جِبریلُ إلَی الطَّفِّ بِالعِراقِ ،وأخَذَ تُربَةً حَمراءَ،فَأَراهُ إیّاها،فَقالَ :هذِهِ مِن تُربَةِ مَصرَعِهِ . (3)

63.المعجم الکبیر عن عائشة:دَخَلَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وهُوَ یوحی إلَیهِ ، فَنَزا (4)عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله وهُوَ مُنَکِّبٌ ،ولَعِبَ عَلی ظَهرِهِ ،فَقالَ جِبریلُ لِرَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله:

أتُحِبُّهُ یا مُحَمَّدُ؟

قالَ :یا جِبریلُ ،ما لی لا احِبُّ ابنی ؟! قالَ :فَإِنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ مِن بَعدِکَ ،فَمَدَّ جِبریلُ علیه السلام یَدَهُ ،فَأَتاهُ بِتُربَةٍ بَیضاءَ،فَقالَ :فی هذِهِ الأَرضِ یُقتَلُ ابنُکَ هذا یا مُحَمَّدُ، وَاسمُهَا الطَّفُّ ،فَلَمّا ذَهَبَ جِبریلُ علیه السلام مِن عِندِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وَالتُّربَةُ

ص:252

فی یَدِهِ یَبکی،فَقالَ :یا عائِشَةُ ،إنَّ جِبریلَ علیه السلام أخبَرَنی أنَّ الحُسَینَ ابنی مَقتولٌ فی أرضِ الطَّفِّ ،وأنَّ امَّتی سَتُفتَتَنُ بَعدی.

ثُمَّ خَرَجَ إلی أصحابِهِ -فیهِم:عَلِیٌّ علیه السلام وأبو بَکرٍ وعُمَرُ وحُذَیفَةُ وعَمّارٌ وأبو ذَرٍّ رَضِیَ اللّهُ عَنهُم-وهُوَ یَبکی،فَقالوا:ما یُبکیکَ یا رَسولَ اللّهِ ؟فَقالَ :أخبَرَنی جِبریلُ أنَّ ابنِیَ الحُسَینَ یُقتَلُ بَعدی بِأَرضِ الطَّفِّ ،وجاءَنی بِهذِهِ التُّربَةِ ،وأخبَرَنی أنَّ فیها مَضجَعَهُ . (1)

یُساقُ إلی مَصرَعِهِ ،وتَقولُ :أشهَدُ لَحَدَّثَتنی عائِشَةُ أنَّها سَمِعَت رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله یَقولُ :

یُقتَلُ حُسَینٌ بِأَرضِ بابِلَ .

فَلَمّا قَرَأَ کِتابَها،قالَ :فَلا بُدَّ لی إذاً مِن مَصرَعی،ومَضی . (1)

مِن تِلکَ التُّربَةِ ،فَإِذا هِیَ تُربَةٌ حَمراءُ. (1)

69.الأمالی للصدوق عن أبی الجارود عن أبی جعفر [الباقر] علیه السلام:کانَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله فی بَیتِ امِّ سَلَمَةَ ، فَقالَ لَها:لا یَدخُل عَلَیَّ أحَدٌ،فَجاءَ الحُسَینُ علیه السلام وهُوَ طِفلٌ ،فَما مَلَکَت مَعَهُ شَیئاً حَتّی دَخَلَ عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَدَخَلَت امُّ سَلَمَةَ عَلی أثَرِهِ ،فَإِذَا الحُسَینُ علیه السلام عَلی صَدرِهِ ،وإذَا النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَبکی،وإذا فی یَدِهِ شَیءٌ یُقَلِّبُهُ ،فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:

یا امَّ سَلَمَةَ ،إنَّ هذا جَبرَئیلُ علیه السلام یُخبِرُنی أنَّ هذا مَقتولٌ ،وهذِهِ التُّربَةُ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،فَضَعیها عِندَکِ ،فَإِذا صارَت دَماً فَقَد قُتِلَ حَبیبی.

فَقالَت امُّ سَلَمَةَ :یا رَسولَ اللّهِ ،سَلِ اللّهَ أن یَدفَعَ ذلِکَ عَنهُ .قالَ :قَد فَعَلتُ ،فَأَوحَی اللّهُ عز و جل إلَیَّ :أنَّ لَهُ دَرَجَةً لا یَنالُها أحَدٌ مِنَ المَخلوقینَ ،وأنَّ لَهُ شیعَةً یَشفَعونَ فَیُشَفَّعونَ ، وأنَّ المَهدِیَّ مِن وُلدِهِ ،فَطوبی لِمَن کانَ مِن أولِیاءِ الحُسَینِ ،وشیعَتُهُ هُم-وَاللّهِ - الفائِزونَ یَومَ القِیامَةِ . (2)

70.مسند ابن حنبل عن أنس:اِستَأذَنَ مَلَکُ المَطَرِ أن یَأتِیَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله،فَأَذِنَ لَهُ ،فَقالَ لِاُمِّ سَلَمَةَ :

احفَظی عَلَینَا البابَ ،لا یَدخُل أحَدٌ.

فَجاءَ الحُسَینُ بنُ عَلِیٍّ علیه السلام،فَوَثَبَ حَتّی دَخَلَ ،فَجَعَلَ یَصعَدُ عَلی مَنکِبِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله، فَقالَ لَهُ المَلَکُ :أتُحِبُّهُ ؟قالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:نَعَم.

قالَ :فَإِنَّ امَّتَکَ تَقتُلُهُ ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ المَکانَ الَّذی یُقتَلُ فیهِ .

قالَ :فَضَرَبَ بِیَدِهِ ،فَأَراهُ تُراباً أحمَرَ،فَأَخَذَت امُّ سَلَمَةَ ذلِکَ التُّرابَ ،فَصَرَّتهُ فی طَرَفِ ثَوبِها،قالَ :فَکُنّا نَسمَعُ یُقتَلُ بِکَربَلاءَ. (3)

ص:255

71.الأمالی للطوسی عن سالم بن أبی الجعد عن أنس بن مالک:إنَّ عَظیماً مِن عُظَماءِ المَلائِکَةِ استَأذَنَ رَبَّهُ عز و جل فی زِیارَةِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَأَذِنَ لَهُ ،فَبَینَما هُوَ عِندَهُ إذ دَخَلَ عَلَیهِ الحُسَینُ علیه السلام،فَقَبَّلَهُ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله وأجلَسَهُ فی حِجرِهِ ،فَقالَ لَهُ المَلَکُ :أتُحِبُّهُ ؟قالَ :أجَل،أشَدَّ الحُبِّ ! إنَّهُ ابنی.

قالَ لَهُ :إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ ،قالَ :اُمَّتی تَقتُلُ ابنی هذا؟! قالَ :نَعَم،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِنَ التُّربةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،قالَ :نَعَم،فَأَراهُ تُربَةً حَمراءَ طَیِّبَةَ الرّیحِ .

فَقالَ :إذا صارَت هذِهِ التُّربَةُ دَماً عَبیطاً فَهُوَ عَلامَةُ قَتلِ ابنِکَ هذا.

قالَ سالِمُ بنُ أبِی الجَعدِ:اُخبِرتُ أنَّ المَلَکَ کانَ میکائیلَ علیه السلام. (1)

72.مجمع الزوائد عن ابن عبّاس:کانَ الحُسَینُ علیه السلام جالِساً فی حِجرِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،فَقالَ جِبریلُ علیه السلام:

أتُحِبُّهُ ؟

فَقالَ :وکَیفَ لا احِبُّهُ وهُوَ ثَمَرَةُ فُؤادی ؟! فَقالَ :أما إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُهُ ،ألا اریکَ مِن مَوضِعِ قَبرِهِ ؟فَقَبَضَ قَبضَةً ،فَإِذا تُربَةٌ حَمراءُ. (2)

73.المعجم الکبیر عن أبی امامة:قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله لِنِسائِهِ :لا تُبکُوا هذَا الصَّبِیَّ -یَعنی حُسَیناً علیه السلام-قالَ :وکانَ یَومَ امِّ سَلَمَةَ ،فَنَزَلَ جِبریلُ علیه السلام،فَدَخَلَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله الدّاخِلَ ، وقالَ لِاُمِّ سَلَمَةَ :لا تَدَعی أحَداً یَدخُلُ عَلَیَّ ،فَجاءَ الحُسَینُ علیه السلام،فَلَمّا نَظَرَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله فِی البَیتِ أرادَ أن یَدخُلَ ،فَأَخَذَتهُ امُّ سَلَمَةَ ،فَاحتَضَنَتهُ ،وجَعَلَت تُناغیهِ وتُسَکِّنُهُ ،فَلَمَّا

ص:256

اشتَدَّ فِی البُکاءِ خَلَّت عَنهُ ،فَدَخَلَ حَتّی جَلَسَ فی حِجرِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.

فَقالَ جِبریلُ علیه السلام:إنَّ امَّتَکَ سَتَقتُلُ ابنَکَ هذا،فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:یَقتُلونَهُ وهُم مُؤمِنونَ بی ؟! قالَ :نَعَم،یَقتُلونَهُ ،فَتَناوَلَ جِبریلُ تُربَةً ،فَقالَ :بِمَکانِ کَذا وکَذا.

فَخَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله قَدِ احتَضَنَ حُسَیناً علیه السلام،کاسِفَ البالِ (1)مَهموماً،فَظَنَّت امُّ سَلَمَةَ أنَّهُ غَضِبَ مِن دُخولِ الصَّبِیِّ عَلَیهِ ،فَقالَت:یا نَبِیَّ اللّهِ ،جُعِلتُ لَکَ الفِداءَ ! إنَّکَ قُلتَ لَنا لا تُبکوا هذَا الصَّبِیَّ ،وأمَرتَنی ألّا أدَعَ [أحَداً] (2)یَدخُلُ عَلَیکَ ،فَجاءَ،فَخَلَّیتُ عَنهُ .

فَلَم یَرُدَّ عَلَیها،فَخَرَجَ إلی أصحابِهِ ،وهُم جُلوسٌ ،فَقالَ لَهُم:إنَّ امَّتی یَقتُلونَ هذا، وفِی القَومِ أبو بَکرٍ وعُمَرُ،وکانا أجرَأَ القَومِ عَلَیهِ ،فَقالا:یا نَبِیَّ اللّهِ ،یَقتُلونَهُ وهُم مُؤمِنونَ ؟! قالَ :نَعَم،وهذِهِ تُربَتُهُ ،وأراهُم إیّاها. (3)

74.المعجم الکبیر عن امّ سلمة:قالَ لی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:اِجلِسی بِالبابِ ،ولا یَلِجَنَّ عَلَیَّ أحَدٌ، فَقُمتُ بِالبابِ ،إذ جاءَ الحُسَینُ علیه السلام،فَذَهَبتُ أتَناوَلُهُ ،فَسَبَقَنِی الغُلامُ ،فَدَخَلَ عَلی جَدِّهِ ، فَقُلتُ :یا نَبِیَّ اللّهِ ،جَعَلَنِیَ اللّهُ فِداکَ ! أمَرتَنی أن لا یَلِجَ عَلَیکَ أحَدٌ وإنَّ ابنَکَ جاءَ، فَذَهَبتُ أتنَاوَلُهُ ،فَسَبَقَنی،فَلَمّا طالَ ذلِکَ تَطَلَّعتُ مِنَ البابِ ،فَوَجَدتُکَ تُقَلِّبُ بِکَفَّیکَ شَیئاً،ودُموعُکُ تَسیلُ ،وَالصَّبِیُّ عَلی بَطنِکَ !

قالَ :نَعَم،أتانی جِبریلُ ،فَأَخبَرَنی أنَّ امَّتی یَقتُلونَهُ ،وأتانی بِالتُّربَةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،فَهِیَ الَّتی اقَلِّبُ بِکَفّی. (4)

ص:257

75.المصنّف لابن أبی شیبة عن امّ سلمة:دَخَلَ الحُسَینُ علیه السلام عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وأنَا جالِسَةٌ عَلَی البابِ ، فَتَطَلَّعتُ ،فَرَأَیتُ فی کَفِّ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله شیئاً یُقَلِّبُهُ ،وهُوَ نائِمٌ عَلی بَطنِهِ ،فَقُلتُ :یا رَسولَ اللّهِ ،تَطَلَّعتُ ،فَرَأَیتُکَ تُقَلِّبُ شَیئاً فی کَفِّکَ ،وَالصَّبِیُّ نائِمٌ عَلی بَطنِکَ ،ودُموعُکَ تَسیلُ !

فَقالَ :إنَّ جَبرَئیلَ أتانی بِالتُّربَةِ الَّتی یُقتَلُ عَلَیها،وأخبَرَنی أنَّ امَّتی یَقتُلونَهُ . (1)

76.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن عائشة:بَینا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله راقِدٌ إذ جاءَ الحُسَینُ یَحبو إلَیهِ ،فَنَحَّیتُهُ عَنهُ ،ثُمَّ قُمتُ لِبَعضِ أمری،فَدَنا مِنهُ ،فَاستَیقَظَ یَبکی، فَقُلتُ :ما یُبکیکَ ؟قالَ :إنَّ جِبریلَ علیه السلام أرانِی التُّربَةَ الَّتی یُقتَلُ عَلَیهَا الحُسَینُ ،فَاشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلی مَن یَسفِکُ دَمَهُ ! وبَسَطَ یَدَهُ ،فَإِذا فیها قَبضَةٌ مِن بَطحاءء. (2)

فَقالَ :یا عائِشَةُ ،وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ ،إنَّهُ لَیَحزُنُنی،فَمَن هذا مِن امَّتی یَقتُلُ حُسَیناً بَعدی ؟! (3)

77.المعجم الأوسط عن عائشة:إنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله أجلَسَ حُسَیناً علیه السلام عَلی فَخِذِهِ ،فَجاءَهُ جِبریلُ علیه السلام،فَقالَ :هذَا ابنُکَ ؟قالَ :نَعَم.قالَ :اُمَّتُکَ سَتَقتُلُهُ بَعدَکَ ،فَدَمَعَت عَینا رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.

قالَ :إن شِئتَ أرَیتُکَ تُربَةَ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،قالَ :نَعَم،فَأَتاهُ جِبریلُ علیه السلام بِتُرابٍ مِن تُرابِ الطَّفِّ . (4)

78.المعجم الکبیر عن عائشة:إنَّ الحُسَینَ بنَ عَلِیٍّ علیه السلام دَخَلَ عَلی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقالَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله:

ص:258

یا عائِشَةُ ،ألا اعَجِّبُکِ ؟لَقَد دَخَلَ عَلَیَّ مَلَکٌ آنِفاً،ما دَخَلَ عَلَیَّ قَطُّ ،فَقالَ :إنَّ ابنی هذا مَقتولٌ ،وقالَ :إن شِئتَ أرَیتُکَ تُربَةً یُقتَلُ فیها،فَتَناوَلَ المَلَکُ بِیَدِهِ ،فَأَرانی تُربَةً حَمراءَ. (1)

79.مسند ابن حنبل عن عائشة أو امّ سلمة:إنَّ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله قالَ لِإِحداهُما:لَقَد دَخَلَ عَلَیَّ البَیتَ مَلَکٌ لَم یَدخُل عَلَیَّ قَبلَها،فَقالَ لی:إنَّ ابنَکَ هذا حُسَینٌ مَقتولٌ ،وإن شِئتَ أرَیتُکَ مِن تُربَةِ الأَرضِ الَّتی یُقتَلُ بِها،قالَ :فَأَخرَجَ تُربَةً حَمراءَ. (2)

80.المعجم الکبیر عن امّ سلمة:کانَ الحَسَنُ وَالحُسَینُ علیهما السلام یَلعَبانِ بَینَ یَدَیِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله فی بَیتی، فَنَزَلَ جِبریلُ علیه السلام،فَقالَ :یا مُحَمَّدُ ! إنَّ امَّتَکَ تَقتُلُ ابنَکَ هذا مِن بَعدِکَ ،فَأَومَأَ بِیَدِهِ إلَی الحُسَینِ علیه السلام،فَبَکی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وضَمَّهُ إلی صَدرِهِ ،ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:وَدیعَةٌ عِندَکِ هذِهِ التُّربَةُ ،فَشَمَّها رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وقالَ :وَیحَ کَربٍ وبَلاءٍ !

قالَت:وقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:یا امَّ سَلَمَةَ ،إذا تَحَوَّلَت هذِهِ التُّربَةُ دَماً فَاعلَمی أنَّ ابنی قَد قُتِلَ .

قالَ :فَجَعَلَتها امُّ سَلَمَةَ فی قارورَةٍ (3)،ثُمَّ جَعَلَت تَنظُرُ إلَیها کُلَّ یَومٍ ،وتَقولُ :إنَّ یَوماً تُحَوِّلینَ دَماً لَیَومٌ عَظیمٌ . (4)

81.الأمالی للطوسی عن زینب بنت جحش:کانَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ذاتَ یَومٍ عِندی نائِماً،فَجاءَ الحُسَینُ علیه السلام،فَجَعَلتُ اعَلِّلُهُ مَخافَةَ أن یوقِظَ النَّبِیَّ صلی الله علیه و آله،فَغَفَلتُ عَنهُ ،فَدَخَلَ وَاتَّبَعتُهُ ،

ص:259

فَوَجَدتُهُ وقَد قَعَدَ عَلی بَطنِ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله،...فَجَعَلَ یَبولُ عَلَیهِ ،فَأَرَدتُ أن آخُذَهُ عَنهُ ،فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:دَعِی ابنی-یا زَینَبُ -حَتّی یَفرُغَ مِن بَولِهِ .

فَلَمّا فَرَغَ تَوَضَّأَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله وقامَ یُصَلّی،فَلَمّا سَجَدَ ارتَحَلَهُ الحُسَینُ علیه السلام،فَلَبِثَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله بِحالِهِ حَتّی نَزَلَ ،فَلَمّا قامَ عادَ الحُسَینُ علیه السلام،فَحَمَلَهُ حَتّی فَرَغَ مِن صَلاتِهِ ، فَبَسَطَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله یَدَهُ ،وجَعَلَ یَقولُ :أرِنی أرِنی یا جَبرَئیلُ .

فَقُلتُ :یا رَسولَ اللّهِ ! لَقَد رَأَیتُکَ الیَومَ صَنَعتَ شَیئاً ما رَأَیتُکَ صَنَعتَهُ قَطُّ !

قالَ :نَعَم،جاءَنی جَبرَئیلُ علیه السلام،فَعَزّانی فِی ابنِی الحُسَینِ ،وأخبَرَنی أنَّ امَّتی تَقتُلُهُ ، وأتانی بِتُربَةٍ حَمراءَ. (1)

82.الإرشاد عن امّ سلمة:خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مِن عِندِنا ذاتَ لَیلَةٍ ،فَغابَ عَنّا طَویلاً،ثُمَّ جاءَنا وهُوَ أشعَثُ أغبَرُ،ویَدُهُ مَضمومَةٌ ،فَقُلتُ :یا رَسولَ اللّهِ ! ما لی أراکَ شَعِثاً مُغبَرّاً؟

فَقالَ :«اُسرِیَ بی فی هذَا الوَقتِ إلی مَوضِعٍ مِنَ العِراقِ یُقالُ لَهُ کَربَلاءُ،فَاُریتُ فیهِ مَصرَعَ الحُسَینِ ابنی وجَماعَةٍ مِن وُلدی وأهلِ بَیتی،فَلَم أزَل ألقُطُ دِماءَهُم،فَها هِیَ فی یَدی»،وبَسَطَها إلَیَّ ،فَقالَ :«خُذیها وَاحتَفِظی بِها»،فَأَخَذتُها،فَإِذا هِیَ شِبهُ تُرابٍ أحمَرَ،فَوَضَعتُهُ فی قارورَةٍ ،وسَدَدتُ رَأسَها،وَاحتَفَظتُ بِهِ .

فَلَمّا خَرَجَ الحُسَینُ علیه السلام مِن مَکَّةَ مُتَوَجِّهاً نَحوَ العِراقِ ،کُنتُ اخرِجُ تِلکَ القارورَةَ فی کُلِّ یَومٍ ولَیلَةٍ ،فَأَشُمُّها،وأنظُرُ إلَیها،ثُمَّ أبکی لِمُصابِهِ ،فَلَمّا کانَ فِی الیَومِ العاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ -وهُوَ الیَومُ الَّذی قُتِلَ فیهِ علیه السلام-أخرَجتُها فی أوَّلِ النَّهارِ،وهِیَ بِحالِها،ثُمَّ عُدتُ إلَیها آخِرَ النَّهارِ،فَإِذا هِیَ دَمٌ عَبیطٌ ،فَصِحتُ فی بَیتی وبَکَیتُ ،وکَظَمتُ غَیظی؛مَخافَةَ

ص:260

أن یَسمَعَ أعداؤُهُم بِالمَدینَةِ ،فَیُسرِعوا بِالشَّماتَةِ ،فَلَم أزَل حافِظَةً لِلوَقتِ حَتّی جاءَ النّاعی یَنعاهُ ،فَحُقِّقَ ما رَأَیتُ . (1)

راجع: ج 2 ص 304 (القسم السادس/الفصل الثانی:صَیرورَةُ التُّربَةِ دَماً).

86.کفایة الأثر عن عبداللّه بن العبّاس:دَخَلتُ عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وَالحَسَنُ علیه السلام عَلی عاتِقِهِ ، وَالحُسَینُ علیه السلام عَلی فَخِذِهِ ،یَلثِمُهُما ویُقَبِّلُهُما....

ثُمَّ قالَ :یَابنَ عَبّاسٍ کَأَنّی بِهِ وقَد خُضِبَت شَیبَتُهُ مِن دَمِهِ ،یَدعو فَلا یُجابُ ، ویَستَنصِرُ فَلا یُنصَرُ.قُلتُ :مَن یَفعَلُ ذلِکَ یا رَسولَ اللّهِ ؟قالَ :شِرارُ امَّتی،ما لَهُم ؟لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی ! (1)

ذُرِّیَّتِهِ ،اللّهُمَّ أحِبَّهُما،وأحِبَّ مَن یُحِبُّهُما،وَالعَن مَن یُبغِضُهُما مِلءَ السَّماءِ وَالأَرضِ . (1)

92.المعجم الکبیر عن معاذ بن جبل:خَرَجَ عَلَینا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله مُتَغَیِّرَ اللَّونِ ،فَقالَ :أنَا مُحَمَّدٌ، اوتیتُ فَواتِحَ الکَلامِ وخَواتِمَهُ ،فَأَطیعونی ما دُمتُ بَینَ أظهُرِکُم،وإذا ذُهِبَ بی فَعَلَیکُم بِکِتابِ اللّهِ ،أحِلّوا حَلالَهُ ،وحَرِّموا حَرامَهُ ،أتَتکُمُ المَوتَةُ (1)أتَتکُم بِالرَّوحِ وَالرّاحَةِ ،کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ ،أتَتکُم فِتَنٌ کَقِطَعِ اللَّیلِ المُظلِمِ ،کُلَّما ذَهَبَ رُسُلٌ جاءَ رُسُلٌ ،تَناسَخَتِ النُّبُوَّةُ ،فَصارَت مُلکاً،رَحِمَ اللّهُ مَن أخَذَها بِحَقِّها،وخَرَجَ مِنها کَما دَخَلَها،أمسِک یا مُعاذُ وأحصِ .

قالَ :فَلَمّا بَلَغتُ خَمسَةً قالَ :یَزیدُ،لا یُبارِکُ اللّهُ فی یَزیدَ ! ثُمَّ ذَرَفَت عَیناهُ ،فَقالَ :

نُعِیَ إلَیَّ حُسَینٌ ،واُتیتُ بِتُربَتِهِ ،واُخبِرتُ بِقاتِلِهِ ،وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ ،لا یُقتَلُ بَینَ ظَهرانَی قَومٍ لا یَمنَعونَهُ (2)إلّاخالَفَ اللّهُ بَینَ صُدورِهِم وقُلوبِهِم،وسَلَّطَ عَلَیهِم شِرارَهُم، وألبَسَهُم شِیَعاً،ثُمَّ قالَ :واهاً لِفِراخِ آلِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله مِن خَلیفَةٍ مُستَخلَفٍ مُترَفٍ ،یَقتُلُ خَلَفی وخَلَفَ الخَلَفِ .

فَلَمّا بَلَغتُ عَشَرَةً قالَ :الوَلیدُ اسمُ فِرعَونَ ،هادِمُ شَرائِعِ الإِسلامِ ،بَینَ یَدَیهِ رَجُلٌ مِن أهلِ بَیتٍ یَسُلُّ اللّهُ سَیفَهُ ،فَلا غِمادَ لَهُ ،وَاختَلَفَ النّاسُ ،فَکانوا هکَذا-وشَبَکَ بَینَ أصابِعِه-.

ثُمَّ قالَ :بَعدَ العِشرینَ ومِئَةٍ مَوتٌ سَریعٌ ،وقَتلٌ ذَریعٌ ،فَفیهِ هَلاکُهُم،ویَلِی عَلَیهِم رَجُلٌ مِن وُلدِ العَبّاسِ . (3)

راجع:ص 241 ح 38 و ص 244 ح 40.

ص:264

لَهُ مِن قاتِلِهِ .... (1)

97.عیون أخبار الرضا علیه السلام بإسناده عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله:تُحشَرُ ابنَتی فاطِمَةُ یَومَ القِیامَةِ ،ومَعَها ثِیابٌ مَصبوغَةٌ بِالدَّمِ ،فَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِن قَوائِمِ العَرشِ ،فَتَقولُ :یا عَدلُ ،احکُم بَینی وبَینَ قاتِلِ وُلدی.

قالَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله:فَیَحکُمُ اللّهُ تَعالی لِابنَتی ورَبِّ الکَعبَةِ . (2)

98.الفتوح عن شرحبیل بن أبی عون:إنَّ المَلَکَ الَّذی جاءَ إلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله إنَّما کانَ مَلَکَ البِحارِ...، ثُمَّ حَمَلَ ذلِکَ المَلَکُ مِن تُربَةِ الحُسَینِ علیه السلام فی بَعضِ أجنِحَتِهِ ،فَلَم یَبقَ مَلَکٌ فی سَماءِ الدُّنیا إلّاشَمَّ تِلکَ التُّربَةَ ،وصارَ فیها عِندَهُ أثَرٌ وخَبَرٌ.

قالَ :ثُمَّ أخَذَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله تِلکَ القَبضَةَ الَّتی أتاهُ بِهَا المَلَکُ ،فَجَعَلَ یَشُمُّها،وهُوَ یَبکی، ویَقولُ فی بُکائِهِ :اللّهُمَّ لا تُبارِک فی قاتِلِ وَلَدِی،وأصلِهِ نارَ جَهَنَّمَ . (3)

یُصنَعُ بِهِ بَعدی،کَأَنّی بِهِ وقَدِ استَجارَ بِحَرَمی وقَبری،فَلا یُجارُ،فَأَضُمُّهُ فی مَنامِهِ إلی صَدری،وآمُرُهُ بِالرَّحلَةِ عَن دارِ هِجرَتی،واُبَشِّرُهُ بِالشَّهادَةِ ،فَیَرتَحِلُ عَنها إلی أرضِ مَقتَلِهِ ،ومَوضِعِ مَصرَعِهِ ،أرضِ کَربٍ وبَلاءٍ،وقَتلٍ وفَناءٍ،تَنصُرُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُسلِمینَ ، اولئِکَ مِن سادَةِ شُهَداءِ امَّتی یَومَ القِیامَةِ ،کَأَنّی أنظُرُ إلَیهِ وقَد رُمِیَ بِسَهمٍ ،فَخَرَّ عَن فَرَسِهِ صَریعاً،ثُمَّ یُذبَحُ کَما یُذبَحُ الکَبشُ مَظلوماً. (1)

100.کفایة الأثر عن عبداللّه بن العبّاس:دَخَلتُ عَلَی النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله وَالحَسَنُ علیه السلام عَلی عاتِقِهِ ، وَالحُسَینُ علیه السلام عَلی فَخِذِهِ ،یَلثِمُهُما (2)ویُقَبِّلُهُما،ویَقولُ :اللّهُمَّ والِ مَن والاهُما،وعادِ مَن عاداهُما، (3)ثُمَّ قالَ :یَابنَ عَبّاسٍ ،کَأَنّی بِهِ وقَد خُضِبَت شَیبَتُهُ مِن دَمِهِ ،یَدعو فَلا یُجابُ ،ویَستَنصِرُ فَلا یُنصَرُ.قُلتُ :مَن یَفعَلُ ذلِکَ یا رَسولَ اللّهِ ؟

قالَ :شِرارُ امَّتی،ما لَهُم ؟لا أنالَهُمُ اللّهُ شَفاعَتی ! (4)

101.کامل الزیارات عن مسمع بن عبد الملک عن أبی عبد اللّه [الصادق] علیه السلام:کانَ الحُسَینُ علیه السلام مَعَ امِّهِ تَحمِلُهُ ،فَأَخَذَهُ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَقالَ :لَعَنَ اللّهُ قاتِلیکَ ،ولَعَنَ اللّهُ سالِبیکَ ،وأهلَکَ اللّهُ المُتَوازِرینَ عَلَیکَ ،وحَکَمَ اللّهُ بَینی وبَینَ مَن أعانَ عَلَیکَ !

فَقالَت فاطِمَةُ :یا أبَه،أیَّ شَیءٍ تَقولُ ؟قالَ :یا بِنتاه،ذَکَرتُ ما یُصیبُهُ بَعدی وبَعدَکِ مِنَ الأَذی وَالظُّلمِ وَالغَدرِ وَالبَغیِ ،وهُوَ یَومَئِذٍ فی عُصبَةٍ کَأَنَّهُم نُجومُ السَّماءِ،یَتَهادَونَ إلَی القَتلِ ،وکَأَنّی أنظُرُ إلی مُعَسکَرِهِم،وإلی مَوضِعِ رِحالِهِم وتُربَتِهِم.

فَقالَت:یا أبَه،وأینَ هذَا المَوضِعُ الَّذی تَصِفُ ؟قالَ :مَوضِعٌ یُقالُ لَهُ کَربَلاءُ،وهِیَ

ص:267

ذاتُ کَربٍ وبَلاءٍ عَلَینا وعَلَی الاُمَّةِ ،یَخرُجُ عَلَیهِم شِرارُ امَّتی،ولَو أنّ أحَدَهُم شَفَعَ لَهُ مَن فِی السَّماواتِ وَالأَرَضینَ ما شُفِّعوا فیهِم،وهُمُ المُخَلَّدونَ فِی النّارِ.

قالَت:یا أبَه،فَیُقتَلُ ؟قالَ :نَعَم یا بِنتاه،وما قُتِلَ قِتلَتَهُ أحَدٌ کانَ قَبلَهُ ،وتَبکیهِ السَّماواتُ وَالأَرضونَ ،وَالمَلائِکَةُ وَالوَحشُ وَالحیتانُ فِی البِحارِ وَالجِبالُ ،لَو یُؤذَنُ لَها ما بَقِیَ عَلَی الأَرضِ مُتَنَفِّسٌ ،ویَأتیهِ قَومٌ مِن مُحِبّینا،لَیسَ فِی الأَرضِ أعلَمُ بِاللّهِ ولا أقوَمُ بِحَقِّنا مِنهُم،ولَیسَ عَلی ظَهرِ الأَرضِ أحَدٌ یَلتَفِتُ إلَیهِ غَیرُهُم،اُولئِکَ مَصابیحُ فی ظُلُماتِ الجَورِ،وهُمُ الشُّفَعاءُ،وهُم وارِدونَ حَوضی غَداً،أعرِفُهُم إذا وَرَدوا عَلَیَّ بِسیماهُم،وأهلُ کُلِّ دینٍ یَطلُبونَ أئِمَّتَهُم،وهمُ یَطلُبونَنا ولا یَطلُبونَ غَیرَنا،وهُم قِوامُ الأَرضِ ،بِهِم یَنزِلُ الغَیثُ . (1)

103.کامل الزیارات عن محمّد بن الحسین بن علیّ بن الحسین،عن أبیه،عن جدّه،عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام:

زارَنا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله ذاتَ یومٍ ،فَقَدَّمنا إلَیهِ طَعاماً،وأهدَت إلَینا امُّ أیمَنَ صَحفَةً مِن تَمرٍ، وقَعباً مِن لَبَنٍ وزَبَدٍ،فَقَدَّمنا إلَیهِ ،فَأَکَلَ مِنهُ ،فَلَمّا فَرَغَ قُمتُ وسَکَبتُ عَلی یَدَی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ماءً،فَلَمّا غَسَلَ یَدَیهِ مَسَحَ وَجهَهُ ولِحیَتَهُ بِبِلَّةِ یَدَیهِ ،ثُمَّ قامَ إلَی مَسجِدٍ فی جانِبِ البَیتِ ،وصَلّی وخَرَّ ساجِداً،فَبَکی وأطالَ البُکاءَ،ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ،فَمَا اجتَری مِنّا أهلَ البَیتِ أحَدٌ یَسأَلُهُ عَن شَیءٍ.

فَقامَ الحُسَینُ علیه السلام یَدرُجُ حَتّی صَعِدَ عَلی فَخِذَی رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،فَأَخَذَ بِرَأسِهِ إلی صَدرِهِ ووَضَعَ ذَقَنَهُ عَلی رَأسِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،ثُمَّ قالَ :یا أبَه،ما یُبکیکَ ؟فَقالَ لَهُ :یا بُنَیَّ ،إنّی نَظَرتُ إلَیکُم الیَومَ ،فَسُرِرتُ بِکُم سُروراً لَم اسَرَّ بِکُم مِثلَهُ قَطُّ ،فَهَبَطَ إلَیَّ جَبرَئیلُ ،فَأَخبَرَنی أنَّکُم قَتلی ،وأنَّ مَصارِعَکُم شَتّی ،فَحَمِدتُ اللّهَ عَلی ذلِکَ ،وسَأَلتُ لَکُمُ الخِیَرَةَ ،فَقالَ لَهُ :یا أبَه،فَمَن یَزورُ قُبورَنا ویَتَعاهَدُها عَلی تَشَتُّتِها؟ (1)

قالَ :طَوائِفُ مِن امَّتی یُریدونَ بِذلِکَ بِرّی وصِلَتی،أتَعاهَدُهُم فِی المَوقِفِ وآخُذُ بِأَعضادِهِم،فَاُنجیهِم مِن أهوالِهِ وشَدائِدِهِ . (2)

104.الأمالی للطوسی عن جابر عن أبی جعفر [الباقر] عن أمیر المؤمنین علیهما السلام:زارَنا رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وقَد أهدَت لَنا امُّ أیمَنَ لَبَناً وزَبَداً وتَمراً،فَقَدَّمناهُ ،فَأَکَلَ مِنهُ ،ثُمَّ قامَ النَّبِیُّ صلی الله علیه و آله إلی زاوِیَةِ البَیتِ ،فَصَلّی رَکَعاتٍ ،فَلَمّا کانَ فی آخِرِ سُجودِهِ بَکی بُکاءً شَدیداً،فَلَم یَسأَلهُ أحَدٌ مِنّا إجلالاً لَهُ .

فَقامَ الحُسَینُ علیه السلام فَقَعَدَ فی حِجرِهِ ،وقالَ لَهُ :یا أبَتِ ،لَقَد دَخَلتَ بَیتَنا فَما سُرِرنا بِشَیءٍ کَسُرورِنا بِدُخولِکَ ،ثُمَّ بَکَیتَ بُکاءً غَمَّنا،فَلِمَ بَکَیتَ ؟

ص:269

فَقالَ :یا بُنَیَّ ،أتانی جَبرَئیلُ آنِفاً،فَأَخبَرَنی أنَّکُم قَتلی ،وأنَّ مَصارِعَکُم شَتّی .

فَقالَ :یا أبَتِ ،فَما لِمَن یَزورُ قُبورَنا عَلی تَشَتُّتِها؟

فَقالَ :یا بُنَیَّ اولئِکَ طَوائِفُ مِن امَّتی یَزورونَکُم،یَلتَمِسونَ بِذلِکَ البَرَکَةَ ،وحَقیقٌ عَلَیَّ أن آتِیَهُم یَومَ القِیامَةِ حَتّی اخَلِّصَهُم مِن أهوالِ السّاعَةِ مِن ذُنوبِهِم،ویُسکِنُهُمُ اللّهُ الجَنَّةَ (1).

راجع:ج 2 ص 785 (القسم الثامن/الفصل الرابع/بکاء آدم علیه السلام )

و ص 786 (بکاء إبراهیم علیه السلام ) و ص 787 (بکاء عیسی علیه السلام )

و ص 789 ( بکاء النبیّ صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام ).

ص:270

عُهِدَ إلَیهِ فیهِ . (1)

113.البدایة والنهایة عن محمّد بن سعد وغیره من غیر وجه عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام:أنَّهُ مَرَّ بِکَربَلاءَ عِندَ أشجارِ الحَنظَلِ وهُوَ ذاهِبٌ إلی صِفّینَ ،فَسَأَلَ عَنِ اسمِها،فَقیلَ :کَربَلاءُ،فَقالَ :کَربٌ وبَلاءٌ ! فَنَزَلَ وصَلّی عِندَ شَجَرَةٍ هُناکَ .

ثُمَّ قالَ :یُقتَلُ هاهُنا شُهَداءُ هُم خَیرُ الشُّهَداءِ غَیرَ الصَّحابَةِ (1)،یَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَیرِ حِسابٍ ،وأشارَ إلی مَکانٍ هُناکَ ،فَعَلَموهُ بِشَیءٍ،فَقُتِلَ فیهِ الحُسَینُ علیه السلام. (2)

یَحرُمَ عَلَیکَ ،ثُمَّ النَّجاءَ (1)،فَوَاللّهِ ،لا یَسمَعُ الدّاعِیَةَ (2)أحَدٌ،ولا یَرَی البارِقَةَ (3)أحَدٌ ولا یُعینُنا إلّاکانَ مَلعوناً عَلی لِسانِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله.

قالَ :قُلتُ :وَاللّهِ ،لا أجمَعُ الیَومَ أمرَینِ :آخُذُ مالَکَ ،وأخذُلُکَ .فَانصَرَفَ وتَرَکَهُ . (4)

بِکَربَلاءَ،وقالَ لِابنِ عَبّاسٍ :أتَدری ما هذِهِ البُقعَةُ ؟قالَ :لا،قالَ :لَو عَرَفتَها لَبَکَیتَ بُکائی،ثُمَّ بَکی بُکاءً شَدیداً.

ثُمَّ قالَ :ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ ؟! ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السلام،وقالَ :صَبراً یا بُنَیَّ ! فَقَد لَقِیَ أبوکَ مِنهُم مِثلَ الَّذی تَلقی بَعدَهُ (1).

قالَ :فَبَکی طَویلاً حَتَّی اخضَلَّت (1)لِحیَتُهُ ،وسالَتِ الدُّموعُ عَلی صَدرِهِ ،وبَکَینا مَعَهُ ، وهُوَ یَقولُ :أوهِ أوهِ (2)! ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ ؟! ما لی ولِآلِ حَربٍ ،حِزبِ الشَّیطانِ ، وأولِیاءِ الکُفرِ؟! صَبراً یا أبا عَبدِ اللّهِ ؛فَقَد لَقِیَ أبوکَ مِثلَ الَّذی تَلقی مِنهُم.

ثُمَّ دَعا بِماءٍ،فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ ،فَصَلّی ما شاءَ اللّهُ أن یُصَلِّیَ ،ثُمَّ ذَکَرَ نَحوَ کَلامِهِ الأَوَّلِ ،إلّاأنَّهُ نَعَسَ عِندَ انقِضاءِ صَلاتِهِ ساعَةً ،ثُمَّ انتَبَهَ ،فَقالَ :یَابنَ عَبّاسٍ ! فَقُلتُ :ها أنَا ذا.

فَقالَ :ألا اخبِرُکَ بِما رَأَیتُ فی مَنامی آنِفاً عِندَ رَقدَتی ؟فَقُلتُ :نامَت عَیناکَ ، ورَأَیتَ خَیراً یا أمیرَ المُؤمِنینَ .

قالَ :رَأَیتُ کَأَنّی بِرِجالٍ بیضٍ قَد نَزَلوا مِنَ السَّماءِ،مَعَهُم أعلامٌ بیضٌ ،قَد تَقَلَّدوا سُیوفَهُم،وهِیَ بیضٌ تَلمَعُ ،وقَد خَطّوا حَولَ هذِهِ الأَرضِ خَطَّةً ،ثُمَّ رَأَیتُ هذِهِ النَّخیلَ قَد ضَرَبَت بِأَغصانِها إلَی الأَرضِ ،فَرَأَیتُها تَضطَرِبُ بِدَمٍ عَبیطٍ (3)،وکَأَنّی بِالحُسَینِ نَجلی وفَرخی ومُضغَتی ومُخّی قَد غَرِقَ فیهِ ،یَستَغیثُ فَلا یُغاثُ ،وکَأَنَّ الرِّجالَ البیضَ قَد نَزَلوا مِنَ السَّماءِ یُنادونَهُ ،ویَقولونَ :صَبراً آلَ الرَّسولِ ؛فَإِنَّکُم تُقتَلونَ عَلی أیدی شِرارِ النّاسِ ،وهذِهِ الجَنَّةُ یا أبا عَبدِ اللّهِ إلیکَ مُشتاقَةٌ ،ثُمَّ یُعَزّونَنی،ویَقولونَ :یا أبَا الحَسَنِ ، أبشِر،فَقَد أقَرَّ اللّهُ عَینَکَ بِهِ یَومَ القِیامَةِ ،یَومَ یَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمینَ ،ثُمَّ انتَبَهتُ .

هکَذا وَالَّذی نَفسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ ،لَقَد حَدَّثَنِی الصّادِقُ المُصَدَّقُ أبُو القَاسِمِ صلی الله علیه و آله أنّی سَأَراها فی خُروجی إلی أهلِ البَغیِ عَلَینا،وهذِهِ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ،یُدفَنُ فیهَا الحُسَینُ وسَبعَةَ عَشَرَ رَجُلاً کُلُّهُم مِن وُلدی ووُلدِ فاطِمَةَ علیها السلام،وأنَّها لَفِی السَّماواتِ مَعروفَةٌ ،تُذکَرُ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ،کَما تُذکَرُ بُقعَةُ الحَرَمَینِ وبُقعَةُ بَیتِ المَقدِسِ .

ص:279

ثُمَّ قالَ لی:یَابنَ عَبّاسٍ ،اُطلُب لی حَولَها بَعرَ الظِّباءِ،فَوَ اللّهِ ،ما کَذَبتُ ولا کُذِبتُ قَطُّ ،وهِیَ مُصفَرَّةٌ ،لَونُها لَونُ الزَّعفَرانِ .

قالَ ابنُ عَبّاسٍ :فَطَلَبتُها،فَوَجَدتُها مُجتَمِعَةً ،فَنادَیتُهُ :یا أمیرَ المُؤمِنینَ ،قَد أصَبتُها عَلَی الصِّفَةِ الَّتی وَصَفتَها لی.

فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ .ثُمَّ قامَ علیه السلام یُهَروِلُ إلَیها،فَحَمَلَها وشَمَّها،وقالَ :

هِیَ هِیَ بِعَینِها،تَعلَمُ -یَابنَ عَبّاسٍ -ما هذِهِ الأَبعارُ؟هذِهِ قَد شَمَّها عیسَی بنُ مَریَمَ علیه السلام، وذلِکَ أنَّهُ مَرَّ بِها ومَعَهُ الحَوارِیّونَ فَرَأی هذِهِ الظِّباءَ مُجتَمِعَةً ،فَأَقبَلَت إلَیهِ الظِّباءُ وهِیَ تَبکی،فَجَلَسَ عیسی علیه السلام وجَلَسَ الحَوارِیّونَ ،فَبَکی وبَکَی الحَوارِیّونَ ،وهُم لا یَدرونَ لِمَ جَلَسَ ولِمَ بَکی .

فَقالوا:یا روحَ اللّهِ وکَلِمَتَهُ ،ما یُبکیکَ ؟! قالَ :أتَعلَمونَ أیَّ أرضٍ هذِهِ ؟قالوا:لا.

قالَ :هذِهِ أرضٌ یُقتَلُ فیها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ،وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبیهَةِ امّی،ویُلحَدُ فیها،وهِیَ أطیَبُ مِنَ المِسکِ ،وهِیَ طینَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ،وهکَذا تَکونُ طینَةُ الأَنبِیاءِ وأولادِ الأَنبِیاءِ،فَهذِهِ الظِّباءُ تُکَلِّمُنی وتَقولُ :إنَّها تَرعی فی هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلی تُربَةِ الفَرخِ المُبارَکِ ،وزَعَمَت أنَّها آمِنَةٌ فی هذِهِ الأَرضِ .

ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ إلی هذِهِ الصِّیرانِ ،فَشَمَّها،فَقالَ :هذِهِ بَعرُ الظِّباءِ عَلی هذَا الطّیبِ ؛ لِمَکانِ حَشیشِها (1)،اللّهُمَّ أبقِها أبَداً حَتّی یَشُمَّها أبوهُ ،فَتَکونَ لَهُ عَزاءً وسَلوَةً ،قالَ :

فَبَقِیَت إلی یَومِ النّاسِ هذا،وقَدِ اصفَرَّت لِطولِ زَمَنِها،هذِهِ أرضُ کَربٍ وبَلاءٍ.

وقالَ بِأَعلی صَوتِهِ :یا رَبَّ عیسَی بنِ مَریَمَ ،لا تُبارِک فی قَتَلَتِهِ ،وَالحامِلِ عَلَیهِ ، وَالمُعینِ عَلَیهِ ،وَالخاذِلِ لَهُ ،ثُمَّ بَکی بُکاءً طَویلاً،وبَکَینا مَعَهُ حَتّی سَقَطَ لِوَجهِهِ وغُشِیَ عَلَیهِ طَویلاً،ثُمَّ أفاقَ ،فَأَخَذَ البَعرَ،فَصَرَّها فی رِدائِهِ ،وأمَرَنی أن أصُرَّها کَذلِکَ .

ص:280

ثُمَّ قالَ :یَابنَ عَبّاسٍ ،إذا رَأَیتَها تَنفَجِرُ دَماً عَبیطاً فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللّهِ قَد قُتِلَ بِها ودُفِنَ بِها.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ :فَوَاللّهِ ،لَقَد کُنتُ أحفَظُها أکثَرَ مِن حِفظی لِبَعضِ مَا افتَرَضَ اللّهُ عَلَیَّ ، وأنَا لا أحُلُّها مِن طَرَفِ کُمّی،فَبَینا أنَا فِی البَیتِ نائِمٌ إذِ انتَبَهتُ ،فَإِذا هِیَ تَسیلُ دَماً عَبیطاً،وکانَ کُمّی قَدِ امتَلَأَت دَماً عَبیطاً،فَجَلَستُ وأنَا أبکی وقُلتُ :قُتِلَ وَاللّهِ الحُسَینُ علیه السلام ! وَاللّهِ ما کَذَبَنی عَلِیٌّ قَطُّ فی حَدیثٍ حَدَّثَنی،ولا أخبَرَنی بِشَیءٍ قَطُّ أنَّهُ یَکونُ إلّاکانَ کَذلِکَ ؛لِأَنَّ رَسولَ اللّهِ صلی الله علیه و آله کانَ یُخبِرُهُ بِأَشیاءَ لا یُخبِرُ بِها غَیرَهُ ،فَفَزِعتُ وخَرَجتُ ،وذلِکَ کانَ عِندَ الفَجرِ،فَرَأَیتُ -وَاللّهِ -المَدینَةَ کَأَنَّها ضَبابٌ ،لا یَستَبینُ فیها أثَرُ عَینٍ ،ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ ،فَرَأَیتُ کَأَنَّها کاسِفَةٌ ،ورَأَیتُ کَأَنَّ حیطانَ المَدینَةِ عَلَیها دَمٌ عَبیطٌ ،فَجَلَستُ وأنَا باکٍ ،وقُلتُ :قَد قُتِلَ وَاللّهِ الحُسَینُ علیه السلام،فَسَمِعتُ صَوتاً مِن ناحِیَةِ البَیتِ ،وهُوَ یَقولُ :

اِصبِروا آلَ الرَّسولِ قُتِلَ الفَرخُ النُّحولُ (1)نَزَلَ الرّوحُ الأَمینُ بِبُکاءٍ وعَویلٍ

ثُمَّ بَکی بِأَعلی صَوتِهِ وبَکَیتُ ،وأثبَتُّ عِندی تِلکَ السّاعَةَ ،وکانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ویَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَینَ مِنهُ ،فَوَجَدتُهُ یَومَ وَرَدَ عَلَینا خَبَرُهُ وتاریخُهُ کَذلِکَ ،فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَدیثِ اولئِکَ الَّذینَ کانوا مَعَهُ ،فَقالوا:وَاللّهِ ،لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِی المَعرَکَةِ ، لا نَدری ما هُوَ،فَکُنّا نَری أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ وعَلَی الحُسَینِ . (2)

121.الفتوح:سارَ [عَلِیٌّ علیه السلام ] حَتّی نَزَلَ بِدَیرِ کَعبٍ ،فَأَقامَ هُنالِکَ باقِیَ یَومِهِ ولَیلَتِهِ .وأصبَحَ سائِراً حَتّی نَزَلَ بِکَربَلاءَ،ثُمَّ نَظَرَ إلی شاطِئِ الفُراتِ ،وأبصَرَ هُنالِکَ نَخیلاً،فَقالَ :یَابنَ

ص:281

عَبّاسٍ ،أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ ؟فَقالَ :لا یا أمیرَ المُؤمِنینَ ما أعرِفُهُ .

فَقالَ :أما إنَّکَ لَو عَرَفتَهُ کَمَعرِفَتی لَم تَکُن تُجاوِزُهُ حَتّی تَبکِیَ لِبُکائی.قالَ :ثُمَّ بَکی عَلِیٌّ علیه السلام بُکاءً شَدیداً،حَتَّی اخضَلَّت لِحیَتُهُ بِدُموعِهِ ،وسالَتِ الدُّموعُ عَلی صَدرِهِ ،ثُمَّ جَعَلَ یَقولُ :أوّاه ! ما لی ولِآلِ أبی سُفیانَ ! ثُمَّ التَفَتَ إلَی الحُسَینِ علیه السلام فَقالَ :اِصبِر أبا عَبدِ اللّهِ ؛فَلَقَد لَقِیَ أبوکَ مِنهُم مِثلَ الَّذی تَلقی مِن بَعدی.

قالَ :ثُمَّ جَعَلَ عَلِیٌّ علیه السلام یَجولُ فی أرضِ کَربَلاءَ کَأَنَّهُ یَطلُبُ شَیئاً،ثُمَّ نَزَلَ ودَعا بِماءٍ، فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ ،ثُمَّ قامَ فَصَلّی ما شاءَ أن یُصَلِّیَ ،وَالنّاسُ قَد نَزَلوا هُنالِکَ مِن قُربِ نینَوی إلی شاطِئِ الفُراتِ .

قالَ :ثُمَّ خَفَقَ بِرَأسِهِ خَفقَةً ،فَنامَ ،وَانتَبَهَ فَزِعاً،فَقالَ :

یَابنَ عَبّاسِ ! ألا احَدِّثُکَ بِما رَأَیتُ السّاعَةَ فی مَنامی ؟

فَقالَ :بَلی یا أمیرَ المُؤمِنینَ .

فَقالَ :رَأَیتُ رِجالاً بیضَ الوُجوهِ ،فی أیدیهِم أعلامٌ بیضٌ ،وهُم مُتَقَلِّدونَ بِسُیوفٍ لَهُم،فَخَطّوا حَولَ هذِهِ الأَرضِ خَطَّةً ،ثُمَّ رَأَیتُ هذِهِ النَّخیلَ وقَد ضَرَبَت بِسَعفِهَا الأَرضَ ،ورَأَیتُ نَهراً یَجری بِالدَّمِ العَبیطِ ،ورَأَیتُ ابنِیَ الحُسَینَ وقَد غَرِقَ فی ذلِکَ الدَّمِ ،وهُوَ یَستَغیثُ فَلا یُغاثُ ،ثُمَّ إنّی رَأَیتُ اولئِکَ الرِّجالَ البیضَ الوُجوهِ الَّذینَ نَزَلوا مِنَ السَّماءِ،وهُم یُنادونَ :صَبراً آلَ الرَّسولِ صَبراً؛فَإِنَّکُم تُقتَلونَ عَلی أیدی أشرارِ النّاسِ ،وهذِهِ الجَنَّةُ مُشتاقَةٌ إلَیکَ یا أبا عَبدِ اللّهِ ،ثُمَّ تَقَدَّموا إلَیَّ ،فَعَزَّونی وقالوا:أبشِر یا أبَا الحَسَنِ فَقَد أقَرَّ اللّهُ عَینَکَ بِابنِکَ الحُسَینِ غَداً یَومَ یَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمینَ .

ثُمَّ إنِّی انتَبَهتُ ؛فَهذا ما رَأَیتُ ،فَوَالَّذی نَفسُ عَلِیٍّ بِیَدِهِ ،لَقَد حَدَّثَنِی الصّادِقُ المَصدوقُ أبُو القاسِمِ صلی الله علیه و آله،أنّی سَأَری هذِهِ الرُّؤیا بِعَینِها فی خُروجی إلی قِتالِ أهلِ البَغیِ عَلَینا،وهذِهِ أرضُ کَربَلاءَ الَّذی یُدفَنُ فیهَا ابنِیَ الحُسَینُ ،وشیعَتُهُ ،وجَماعَةٌ مِن وُلدِ فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،وأنَّ هذِهِ البُقعَةَ المَعروفَةَ فی أهلِ السَّماواتِ تُذکَرُ بِأَرضِ کربٍ

ص:282

وبَلاءٍ،ولَیُحشَرَنَّ مِنها قَومٌ یَدخُلونَ الجَنَّةَ بِلا حِسابٍ .

ثُمَّ قالَ :یَابنَ عَبّاسٍ ،اطلُب لی حَولَها صِیرانَ الظِّباءِ،فَطَلَبَهَا ابنُ عَبّاسٍ فَوَجَدَها، ثُمَّ قالَ :یا أمیرَ المُؤمِنینَ ،قَد أصَبتُها،فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:اللّهُ أکبَرُ ! صَدَقَ اللّهُ ورَسولُهُ .

ثُمَّ قامَ عَلِیٌّ علیه السلام یُهَروِلُ نَحوَها حَتّی وَقَفَ عَلَیها،ثُمَّ أخَذَ قَبضَةً مِن بَعرِ الظِّباءِ، فَشَمَّها،فَإِذا لَها لَونٌ کَلَونِ الزَّعفَرانِ ،ورائِحَةٌ کَرائِحَةِ المِسکِ ،فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام:نَعَم هِیَ هذِهِ بِعَینِها،ثُمَّ قالَ :أتَعلَمُ ما هذِهِ یَابنَ عَبّاسٍ ؟قالَ :لا یا أمیرَ المُؤمِنینَ .

فَقالَ :إنَّ المَسیحَ عیسَی بنَ مَریَمَ علیه السلام قَد مَرَّ بِهذِهِ الأَرضِ ومَعَهُ الحَوارِیّونَ ،فَشَمَّ هذَا البَعرَ کَما شَمَمتُهُ ،وأقبَلَت إلَیهِ الظِّباءُ حَتّی وَقَفَت بَینَ یَدَیهِ ،فَبَکی عیسی ،وبَکی مَعَهُ الحَوارِیّونَ ،وهُم لا یَدرونَ لِماذا یَبکی عیسی علیه السلام،فَقالوا:یا روحَ اللّهِ ،ما یُبکیکَ ؟ ولِماذَا اختُلِستَ هاهُنا؟

فَقالَ لَهُم:أتَعلَمونَ ما هذِهِ الأَرضُ ؟قالوا:لا یا روحَ اللّهِ ،فَقالَ :هذِهِ أرضٌ یُقتَلُ عَلَیها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ المُصطَفی ،وفَرخُ ابنَتِهِ الزَّهراءِ قَرینَةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ مَریَمَ بِنتِ عِمرانَ ،ثُمَّ ضَرَبَ بِیَدِهِ عیسی إلی بَعرِ الظِّباءِ،فَشَمَّهُ ،وقالَ :

یا مَعشَرَ الحَوارِیّینَ ،هذا بَعرُ الظِّباءِ عَلی هذَا الطّیبِ ؛لِأَنَّهُ کانَ مِن حَشیشِ هذِهِ الأَرضِ .ثُمَّ مَضی عیسیَ بنُ مَریَمَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَیهِ ،وقَد بَقِیَت هذِهِ البَعَراتُ إلی یَومِنا هذا مِن ذلِکَ الدَّهرِ،حَتّی أنَّها قَدِ اصفَرَّت لِطولِ الزَّمانِ عَلَیها،فهذِهِ أرضُ الکَربِ وَالبَلاءِ.

قالَ :ثُمَّ بَکی عَلِیٌّ علیه السلام وقالَ :یا رَبِّ عیسی ،لا تُبارِک فی قاتِلِ وَلَدی وَالعَنهُ لَعناً کَثیراً،ثُمَّ اشتَدَّ بُکاءُ عَلِیٍّ ،وبَکَی النّاسُ مَعَهُ حَتّی سَقَطَ عَلی وَجهِهِ ،وغُشِیَ عَلَیهِ ؛ثُمَّ أفاقَ ،فَوَثَبَ ،فَصَلّی ثَمانِیَ رَکَعاتٍ ،وسَلَّمَ مِن کُلِّ رَکعَتَینِ ،فَکُلَّما سَلَّمَ جَعَلَ یَتَناوَلُ مِن ذلِکَ البَعرِ فَیَشُمُّهُ ،ویَقولُ :صَبراً أبا عَبدِ اللّهِ ،صَبراً یا ثَمَرَةَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله ورَیحانَةَ حَبیبِ اللّهِ ،ثُمَّ أخَذَ کَفّاً مِن ذلِکَ البَعرِ،فَصَرَّهُ فی ثَوبِهِ ،وقالَ :لا یَزالُ هذا مَصروراً أبَداً أو یَأتِیَ عَلَیَّ أجَلی.

ص:283

ثُمَّ قالَ :یَابنَ عَبّاسٍ ! إذا رَأَیتَها مِن بَعدی وهِیَ تَسیلُ دَماً عَبیطاً،فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللّهِ قَد قُتِلَ .

قالَ ابنُ عَبّاسٍ :فَوَ اللّهِ ،لَقَد کُنتُ أشَدَّ تَحافُظاً لَها بَعدَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ علیه السلام وأنَا لا أحُلُّها عَن طَرَفی. (1)

فَقالَ الحُسَینُ علیه السلام:مَعَنا أنتَ أو عَلَینا؟فَقُلتُ :یَابنَ رَسولِ اللّهِ ،لا مَعَکَ ولا عَلَیکَ ، تَرَکتُ أهلی ووُلدی أخافُ عَلَیهِم مِن ابنِ زِیادٍ.

فَقالَ الحُسَینُ علیه السلام:فَوَلِّ هَرَباً حَتّی لا تَری لَنا مَقتَلاً؛فَوَالَّذی نَفسُ مُحَمَّدٍ (1)صلی الله علیه و آله بِیَدِهِ ، لا یَری مَقتَلَنَا الیَومَ رَجُلٌ ولا یُغیثُنا إلّاأدخَلَهُ اللّهُ النّارَ.

قالَ :فَأَقبَلتُ فِی الأَرضِ هارِباً حَتّی خَفِیَ عَلَیَّ مَقتَلُهُ . (2)

123.الطبقات الکبری (الطبقة الخامسة من الصحابة) عن أبی عبید الضبّیّ :دَخَلنا عَلی أبی هَرْثَمٍ الضَّبِّیِّ حینَ أقبَلَ مِن صِفّینَ -وهُوَ مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام-وهُوَ جالِسٌ عَلی دُکّانٍ (3)،ولَهُ امرَأَةٌ یُقالُ لَها:

جَرداءُ،هِیَ أشَدُّ حُبّاً لِعَلِیٍّ علیه السلام،وأشَدُّ لِقَولِهِ تَصدیقاً.

فَجاءَت شاةٌ فَبَعَرَت،فَقالَ :لَقَد ذَکَّرَنی بَعرُ هذِهِ الشّاةِ حَدیثاً لِعَلِیٍّ علیه السلام،قالوا:وما عِلمُ عَلِیٍّ بِهذا؟

قالَ :أقبَلنا مَرجِعَنا مِن صِفّینَ ،فَنَزَلنا کَربَلاءَ،فَصَلّی بِنا عَلِیٌّ صَلاةَ الفَجرِ بَینَ شَجَراتٍ ودَوحاتِ حَرمَلٍ ،ثُمَّ أخَذَ کَفّاً مِن بَعرِ الغِزلانِ ،فَشَمَّهُ ،ثُمَّ قالَ :أوِّه،أوِّه ! یُقتَلُ بِهذَا الغائِطِ (4)قَومٌ یَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَیرِ حِسابٍ .

قالَ :قالَت جَرداءُ:وما تُنکِرُ مِن هذا؟هُوَ أعلَمُ بِما قالَ مِنکَ .نادَت بِذلِکَ وهِیَ فی جَوفِ البَیتِ . (5)

ص:285

124.تهذیب الکمال عن هرثمة بن سلمی :خَرَجنا مَعَ عَلِیٍّ علیه السلام فی بَعضِ غَزوِهِ ،فَسارَ حَتَّی انتَهی إلی کَربَلاءَ،فَنَزَلَ إلی شَجَرَةٍ یُصَلّی إلَیها،فَأَخَذَ تُربَةً مِنَ الأَرضِ ،فَشَمَّها،ثُمَّ قالَ :واهاً لَکِ تُربَةً ! لَیُقتَلَنَّ بِکَ قَومٌ یَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَیرِ حِسابٍ .

قالَ :فَقَفَلنا مِن غَزاتِنا،وقُتِلَ عَلِیٌّ ،ونَسیتُ الحَدیثَ .

قالَ :فَکُنتُ فِی الجَیشِ الَّذینَ ساروا إلَی الحُسَینِ علیه السلام،فَلَمَّا انتَهَیتُ إلَیهِ نَظَرتُ إلَی الشَّجَرَةِ ،فَذَکَرتُ الحَدیثَ ،فَتَقَدَّمتُ عَلی فَرَسٍ لی،فَقُلتُ :اُبَشِّرُکَ ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله،وحَدَّثتُهُ الحَدیثَ ،قالَ :مَعَنا أو عَلَینا؟قُلتُ :لا مَعَکَ ولا عَلَیکَ ،تَرَکتُ عِیالاً وتَرَکتُ (1).

قالَ :أمّا لا،فَوَلِّ فِی الأَرضِ ؛فَوَالَّذی نَفسُ حُسَینٍ بِیَدِهِ ،لا یَشهَدُ قَتلَنَا الیَومَ رَجُلٌ إلّا دَخَلَ جَهَنَّمَ .

قالَ :فَانطَلَقتُ هارِباً مُوَلِّیاً فِی الأَرضِ حَتّی خَفِیَ عَلَیَّ مَقتَلُهُ . (2)

وعَسفٍ (1)وجَورٍ،وَاختِلافٍ فِی الدّینِ ،وتَغییرٍ وتَبدیلٍ لِما أنزَلَ اللّهُ فی کِتابِهِ ،وإظهارِ البِدَعِ ،وإبطالِ السُّنَنِ ،وَاختِلالٍ وقِیاسِ مُشتَبِهاتٍ ،وتَرکِ مُحکَماتٍ ،حَتّی تَنسَلِخَ مِنَ الإِسلامِ ،وتَدخُلَ فِی العَمی وَالتَّلَدُّدِ (2)وَالتَّکَسُّعِ .

ما لَکَ یا بَنی امَیَّةَ ! لا هُدیتَ یا بَنی امَیَّةَ ،وما لَکَ یا بَنِی العَبّاسِ ! لَکَ الأَتعاسُ ،فما فی بنی امَیَّةَ إلّاظالِمٌ ،ولا فی بَنِی العَبّاسِ إلّامُعتَدٍ مُتَمَرِّدٌ عَلَی اللّهِ بِالمَعاصی،قَتّالٌ لِوُلدی،هَتّاکٌ لِسِتری وحُرمتی.

فَلا تَزالُ هذِهِ الاُمَّةُ جَبّارینَ یَتَکالَبونُ عَلی حَرامِ الدُّنیا،مُنغَمِسینَ فی بِحارِ الهَلَکاتِ ،وفی أودِیَةِ الدِّماءِ،حَتّی إذا غابَ المُتَغَیِّبُ مِن وُلدی عَن عُیونِ النّاسِ ،وماجَ النّاسُ بِفَقدِهِ أو بِقَتلِهِ أو بِمَوتِهِ ،أطلَعَتِ الفِتنَةُ ،ونَزَلَتِ البَلِیَّةُ ،وَالتَحَمَتِ العَصَبِیَّةُ ،وغَلاَ النّاسُ فی دینِهِم،وأجمَعوا عَلی أنَّ الحُجَّةَ ذاهِبَةٌ ،وَالإِمامَةَ باطِلَةٌ ،ویَحُجُّ حَجیجُ النّاسِ فی تِلکَ السَّنَةِ مِن شیعَةِ عَلِیٍّ ونَواصِبِهِ لِلتَّحَسُّسِ وَالتَّجَسُّسِ عَن خَلَفِ الخَلَفِ ،فَلا یُری لَهُ أثَرٌ،ولا یُعرَفُ لَهُ خَبَرٌ ولا خَلَفٌ .

فَعِندَ ذلِکَ سُبَّت شیعَةُ عَلِیٍّ ،سَبَّها أعداؤُها،وظَهَرَت عَلَیهَا الأَشرارُ وَالفُسّاقُ بِاحتِجاجِها،حَتّی إذا بَقِیَتِ الاُمَّةُ حَیاری ،وتَدَلَّهَت (3)،وأکثَرَت فی قَولِها:إنَّ الحُجَّةَ هالِکَةٌ ،وَالإِمامَةَ باطِلَةٌ ! ! فَوَرَبِّ عَلِیٍّ ،إنَّ حُجَّتَها عَلَیها قائِمَةٌ ماشِیَةٌ فی طُرُقِها،داخِلَةٌ فی دورِها وقُصورِها،جَوّالَةٌ فی شَرقِ هذِهِ الأَرضِ وغَربِها،تَسمَعُ الکَلامَ ،وتُسَلِّمُ عَلَی الجَماعَةِ ،تَری ولا تُری إلَی الوَقتِ وَالوَعدِ،ونِداءِ المُنادی مِنَ السَّماءِ؛ألا ذلِکَ یَومٌ فیهِ سُرورُ وُلدِ عَلِیٍّ وشیعَتِهِ . (4)

ص:287

فَقالَ :جُعِلتُ فِداکَ ،ما حالی ؟قالَ :عَلِمتَ ما جَهِلوا،وسَیَنتَفِعُ عالِمٌ بِما عَلِمَ .

یا بُنَیَّ ،اسمَع وأبصِر مِن قَبلِ أن یَأتِیَکَ ،فَوَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ ،لَیَسفِکَنَّ بَنو امَیَّةَ دَمَکَ ،ثُمَّ لا یُزیلونَکَ عَن دینِکَ ،ولا یُنسونَکَ ذِکرَ رَبِّکَ ،فَقالَ الحُسَینُ علیه السلام:وَالَّذی نَفسی بِیَدِهِ ،حَسبی ! أقرَرتُ بِما أنزَلَ اللّهُ ،واُصَدِّقُ قَولَ نَبِیِّ اللّهِ ،ولا اکَذِّبُ قَولَ أبی. (1)

أحادیثَ قَبلَ أن یَدخُلَ عَلَینا داخِلٌ ،قالَ :فَقُلتُ :اِفعَل جُعِلتُ فِداکَ !

قالَ :فَقالَ :...وَالرّابِعَةُ :یُقتَلُ هذا وأنتَ حَیٌّ لا تَنصُرُهُ .قالَ :فَضَرَبَ بِیَدِهِ عَلی کَتِفِ الحُسَینِ علیه السلام.

قالَ :قُلتُ :وَاللّهِ ،إنَّ هذِهِ لَحَیاةٌ خَبیثَةٌ ! !. (1)

135.کامل الزیارات عن أبی عبداللّه الجدلی:دَخَلتُ عَلی أمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام وَالحُسَینُ علیه السلام إلی جَنبِهِ ، فَضَرَبَ بِیَدِهِ عَلی کَتِفِ الحُسَینِ علیه السلام،ثُمَّ قالَ :إنَّ هذا یُقتَلُ ولا یَنصُرُهُ أحَدٌ.

قالَ :قُلتُ :یا أمیرَ المُؤمِنینَ ! وَاللّهِ ،إنَّ تِلکَ لَحَیاةُ سَوءٍ ! ! قالَ :إنَّ ذلِکَ لَکائِنٌ . (2)

کَربَلاءَ،ورَأَیتُ ابنِیَ الحُسَینَ مَذبوحاً مَطروحاً عَلی وَجهِ الأَرضِ ! ورَأَیتُ الأَشجارَ مُنکَبَّةً ،وَالسَّماءَ مُصَدَّعَةً ،وَالرِّحالَ مُتَطَأمِنَةً (1)،وسَمِعتُ مُنادِیاً یُنادی بَینَ السَّماءِ وَالأَرضِ ،وهُوَ یَقولُ :أفزَعتُمونا یا قَتَلَةَ الحُسَینِ ،أفزَعَکُمُ اللّهُ وقَتَلَکُم !

ثُمَّ إنِّی انتَبَهتُ وأنَا مِنهُ عَلی وَجَلٍ لِما رَأَیتُ ؛فَقالَ لَهُ الحارِثُ :کَلّا یا أمیرَ الُمؤمِنینَ ،لا یَکونُ إلّاخَیراً.

فَقالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام:هَیهاتَ یا حارِثُ ،سَبَقَت کَلِمَةُ اللّهِ ،ونَفَذَ قَضاؤُهُ ،وقَد أخبَرَنی حَبیبی مُحَمَّدٌ صلی الله علیه و آله أنَّ ابنی یَقتُلُهُ یَزیدُ،زادَهُ اللّهُ فِی النّارِ عَذاباً. (2)

بِناعِقَتِها وسائِقَتِها»قامَ إلَیهِ رَجُلٌ ،فَقالَ :أخبِرنی بِما فی رَأسی ولِحیَتی من طاقَةِ شَعرٍ.

فَقالَ لَهُ عَلِیٌّ علیه السلام:وَاللّهِ ،لَقَد حَدَّثَنی خَلیلی أنَّ عَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ مِن رَأسِکَ مَلَکاً یَلعَنُکَ ،وأنَّ عَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ مِن لِحیَتِکَ شَیطاناً یُغویکَ ،وأنَّ فی بَیتِکَ سَخلاً (1)یَقتُلُ ابنَ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله.

وکانَ ابنُهُ قاتِلُ الحُسَینِ علیه السلام یَومَئِذٍ طِفلاً یَحبو (2)،وهُوَ سِنانُ (3)بنُ أنَسٍ النَّخَعِیِّ . (4)

139.الإرشاد عن أبی الحکم:سَمِعتُ مَشیَخَتَنا وعُلَماءَنا یَقولونَ :خَطَبَ أمیرُ المُؤمِنینَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام فَقالَ فی خُطبَتِهِ :سَلونی قَبلَ أن تَفقِدونی،فَوَ اللّهِ ،لا تَسأَلونّی عَن فِئَةٍ تُضِلُّ مِئَةً وتَهدی مِئَةً ،إلّانَبَّأتُکُم بِناعِقِها وسائِقِها إلی یَومِ القِیامَةِ .

فَقامَ إلَیهِ رَجُلٌ ،فَقالَ :أخبِرنی کَم فی رَأسی ولِحیَتی مِن طاقَةِ شَعرٍ؟

فَقامَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام وقالَ :وَاللّهِ ،لَقَد حَدَّثَنی خَلیلی رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله بِما سَأَلتَ عَنهُ ،

ص:295

وإنَّ عَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ فی رَأسِکَ مَلَکَاً یَلعَنُکَ ،وعَلی کُلِّ طاقَةِ شَعرٍ فی لِحیَتِکَ شَیطاناً یَستَفِزُّکَ (1)،وإنَّ فی بَیتِکَ لَسَخلاً یَقتُلُ ابنَ رَسولِ اللّهِ ،وآیَةُ ذلِکَ مِصداقُ ما خَبَّرتُکَ بِهِ ،ولَولا أنَّ الَّذی سَأَلتَ عَنهُ یَعسِرُ بُرهانُهُ لَأَخبَرتُکَ بِهِ ،ولکِن آیَةُ ذلِکَ ما نَبَّأتُ بِهِ عَن لَعنَتِکَ ،وسَخلِکَ المَلعونِ .

وکانَ ابنُهُ فی ذلِکَ الوَقتِ صَبیّاً صَغیراً یَحبو،فَلَمّا کانَ مِن أمرِ الحُسَینِ علیه السلام ما کانَ تَوَلّی قَتلَهُ ،وکانَ الأَمرُ کَما قالَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام. (2)

حَتّی الصَّباحِ ،فَإِذا کانَ ذلِکَ فَإِیّاکُم وَالجَفاءَ. (1)

وقالَ لی:یَابنَ عَبّاسٍ ،هذِهِ صَحیفَةٌ أملاها عَلَیَّ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله وخَطّی بِیَدی (1).فَقُلتُ :

یا أمیرَ المُؤمِنینَ ،اقرَأها عَلَیَّ ،فَقَرَأَها،فَإِذا فیها کُلُّ شَیءٍ کانَ مُنذُ قُبِضَ رَسولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله إلی مَقتَلِ الحُسَینِ علیه السلام،وکَیفَ یُقتَلُ ،ومَن یَقتُلُهُ ،ومَن یَنصُرُهُ ،ومَن یُستَشهَدُ مَعَهُ ،فَبَکی بُکاءاً شدَیداً وأبکانی.

فَکانَ فیما قَرَأَهُ عَلَیَّ :کَیفَ یُصنَعُ بِهِ ،وکَیفَ تُستَشهَدُ فاطِمَةُ ،وکَیفَ یُستَشهَدُ الحَسَنُ ابنُهُ علیه السلام،وکَیفَ تَغدِرُ بِهِ الاُمَّةُ .فَلَمّا أن قَرَأَ کَیفَ یُقتَلُ الحُسَینُ علیه السلام ومَن یَقتُلُهُ أکثَرَ البُکاءَ،ثُمَّ أدرَجَ الصَّحیفَةَ ،وقَد بَقِیَ ما یَکونُ إلی یَومِ القِیامَةِ (2).

147.الدیوان المنسوب إلی الإمام علیّ علیه السلام:

کَأَنّی بِنَفسی وأعقابِها

ص:298

ثُمَّ سارَ حَتَّی انتَهی إلی حَروراءَ (1)،فَقالَ :ما تُسَمّونَ هذِهِ الأَرضَ ؟قالوا:حَروراءَ، فَقالَ :حَروراءُ،خَرَجَ بِها شَرُّ الأَوَّلینَ ،ویَخرُجُ بِها شَرُّ الآخِرینَ .

ثُمَّ سارَ حَتَّی انتَهی إلی بانِقیا (2)،وبِها جِسرُ الکوفَةِ الأَوَّلُ ،فَقالَ :ما تُسَمّونَ هذِهِ ؟ قالوا:بانِقیا،ثُمَّ سارَ حَتَّی انتَهی إلَی الکوفَةِ ،قالَ :هذِهِ الکوفَةُ ؟قالوا:نَعَم،قالَ :قُبَّةُ الإِسلامِ . (3)

الشُّهَداءِ یَومَ القِیامَةِ ،ولِأَصحابِهِ عَلی سائِرِ الشُّهَداءِ دَرَجَةٌ . (1)

فی عِصابَةٍ لا یَجِفُّ عَرَقُ خُیولِهِم حَتّی یَرِدوا عَلی مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله،فَمَرَّ حَسَنٌ علیه السلام فَقالوا:هذا یا أبا إسحاقَ ؟قالَ :لا.فَمَرَّ حُسَینٌ علیه السلام فَقالوا:هذا؟قالَ :نَعَم. (1)