بسم الله الرحمن الرحیم

بیروت_لبنان استنساخ علی طبعة اسطنبول سنة 2020

نظریات یوسف فی الدین الادارة والحلم والصبر

المفسر و المحقق آیة الله الدکتور نجاح الطائی

الطبعة الاولی : 1441 هج ق _ 2020 م

حقوق الطبع محفوظة للدار _ المطبوع: 1000نسخة

ISBN 7 _128_343_600_978

najahtaee@yahoo . com

WWW . AL_TAEI . COM

Info@al_taei . com

ص: 2

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَیْتَ لَکَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوَایَ إِنَّهُ لَا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 23 ) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَی بُرْهَانَ رَبِّهِ کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِینَ ( 24 ) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِیصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَی الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِکَ سُوءًا إِلَّا أَنْ یُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِیمٌ ( 25 ) قَالَ هِیَ رَاوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْکَاذِبِینَ ( 26 ) وَإِنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَکَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِینَ ( 27 ) فَلَمَّا رَأَی قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ إِنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ ( 28 ) یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ إِنَّکِ کُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِینَ ( 29 ) .

وانتشر خبره فی المدینة بأن زوجة الوزیر تطارد غلامها لیزنی بها وهو یمتنع عن الفساد ثم لاحقته نساء الحکومة ثم عملت زلیخا له مؤامرة لسجنه واجباره علی الرضوخ لطلبها .

فسجنته مدة طویلة وفی هذه المدة انتشر خبره فی البلاد وخاصة فی تعبیره للاحلام واخلاقه الفاضلة وعلومه للغیب .

ولما شاهد الملک الفرعونی مناما خطیرا :

( وَقَالَ الْمَلِکُ إِنِّی أَرَی سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ یَابِسَاتٍ یَا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُؤْیَایَ إِنْ کُنْتُمْ لِلرُّؤْیَا تَعْبُرُونَ ( 43 ) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِیلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِینَ ( 44 ) وَقَالَ الَّذِی نَجَا مِنْهُمَا وَادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُکُمْ بِتَأْوِیلِهِ فَأَرْسِلُونِ ( 45 )

ص: 4

یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ أَفْتِنَا فِی سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ یَابِسَاتٍ لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَی النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ ( 46 ) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تَأْکُلُونَ ( 47 ) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ سَبْعٌ شِدَادٌ یَأْکُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ( 48 ) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ عَامٌ فِیهِ یُغَاثُ النَّاسُ وَفِیهِ یَعْصِرُونَ ( 49 ) وَقَالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَی رَبِّکَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِی قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ إِنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَّ عَلِیمٌ ( 50 ) قَالَ مَا خَطْبُکُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِیزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ ( 51 ) ذَلِکَ لِیَعْلَمَ أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا یَهْدِی کَیْدَ الْخَائِنِینَ ( 52 ) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّی إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ ( 53 ) وَقَالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی فَلَمَّا کَلَّمَهُ قَالَ إِنَّکَ الْیَوْمَ لَدَیْنَا مَکِینٌ أَمِینٌ ( 54 ) قَالَ اجْعَلْنِی عَلَی خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ ( 55 ) وَکَذَلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَیْثُ یَشَاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ ( 56 ) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ آَمَنُوا وَکَانُوا یَتَّقُونَ ( 57 ) .

وهکذا اصبح یوسف وزیر مصر وافریقیا یدیر الامور ادارة عالیة بکل زهد وعلمیة وعدالة واخلاص .

ص: 5

فوصلت مصر فی زمنه الی مرتبة راقیة فی الرقی حتی بدأت تأتیها الناس من فلسطین والبلدان المجاورة للحصول علی الحبوب رخیصا ومجانا

للفقرا ء .

أما اخوته فاستمروا فی حقدهم واصرارهم علی تمثیل دور جند الشیطان .

فقرروا ابادة بنیامین شقیق یوسف بطریقة ابلیسیة وفی حرکة خاطفة وضعوا صاع الملک الفرعونی فی رحله ( کیسه ) فنادی یوسف :

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَایَةَ فِی رَحْلِ أَخِیهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسَارِقُونَ ( 70 ) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَیْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ( 71 ) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِکِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِیمٌ ( 72 ) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ وَمَا کُنَّا سَارِقِینَ ( 73 ) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ کُنْتُمْ کَاذِبِینَ ( 74 ) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ ( 75 ) فَبَدَأَ بِأَوْعِیَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِیهِ کَذَلِکَ کِدْنَا لِیُوسُفَ مَا کَانَ لِیَأْخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ الْمَلِکِ إِلَّا أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ ( 76 ).

وفرح اخوة یوسف بسقوط بنیامین فی فخهم الذی جهزوه له وسقوط حیثیته امام الحکومة المصریة وامام أهل قریتهم والقری المجاورة ولم یهمهم تشویه سمعة عائلة النبی یعقوب علیه السلام !!!

فاعلنوا تشجیعهم للحکومة الفرعونیة فی استعبادها لبنیامین مدی العمر واتهامها له بالسرقة وزادوا فی الامر بانه سارق واخوه سارق ایضا .

ص: 6

قَالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَلَمْ یُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَکَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ( 77 ) .

لکن الله تعالی ساعده بتهیئة الامور لاخیه یوسف ان یکون حاکم مصر والا لتحقق حلمهم فی القضاء علی یوسف وبنیامین .

واعاد الله تعالی البصر لیعقوب ببرکة قمیص یوسف وجمعهم فی مصر فی ظل سلطنة ابنهم الوزیر .

وعفا یوسف عن الاخوة المنافقین وطلب من الله تعالی المغفرة لهم کی یبدأوا حیاة طیبة والا سیکون مصیرهم جهنم وبئس المصیر .

ص: 7

قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): لا تعلموا نساءکم سورة یوسف ولا تقرؤوهن إیاها فإن فیها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فیها المواعظ .

عدة من أصحابنا, عن سهل بن زیاد, عن جعفر بن محمد الأشعری, عن ابن القداح عن الامام

أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: نهی رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن یرکب سرج بفرج .لقد نصح الامام علی(علیه السلام)النساء بنصائح کثیرة منها الابتعاد عن تعلیم سورة یوسف وعدم رکوب الخیل .

عن الحارث الأعور قال: قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): لا تحملوا الفروج علی السروج فتهیجوهن للفجور ((1))

{إذْ قَالُوا لَیُوسُفُ وَأخُوهُ } بنیامین کان من أمه وأبیه, والآخرون اخوته من أبیه فقط {أحَبُّ إلَی أبِینَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إنَّ أبَانَا لَفِی ضَلال مُبِین8 } لاننا أنفع منهما اذ هما أقلیة ونحن عصبة کبیرة وعندما اعتقدوا خطئا أن أباهم علی ضلال مبین فقد قرروا فعل أی شیء للخلاص من واقعهم .

{اقْتُلُوا یُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضاً } انفوه بعیداً عنکم {یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أبِیکُمْ وَتَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِینَ9 }یصفی الجو لکم مع أبیکم وتستغفرون ربکم عمَّا فعلتم .

کان للنبی یعقوب عدة زوجات ضرائر متنافسات فیما بینهن وهذا امر طبیعی لکن حد التنافس بین الاولاد قد اشتد وخرج عن الحد الطبیعی, ولما

ص: 9

برزت صفات الخیر والنبوة فی شخص یوسف(علیه السلام)استعرت نار الحسد عندهم وقرروا محو یوسف(علیه السلام)من حیاة العائلة والقریة .

فهم لم یحتملوا سماع صفات وأعمال یوسف ومعجزاته الیومیة رغم انها ترفع اسم العائلة فیزداد خیرها وشهرتها واحترامها . وعن قصص الحسد : ابنا آدم هابیل وقابیل حین قتل أحدهما صاحبه حسدا ((1))

{اقْتُلُوا یُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضاً } انفوه بعیداً عنکم {یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أبِیکُمْ وَتَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِینَ9 }یصفی الجو لکم مع أبیکم وتستغفرون ربکم عمَّا فعلتم .

فهم لم یحتملوا سماع صفات وأعمال یوسف ومعجزاته الیومیة رغم انها ترفع اسم العائلة فیزداد خیرها وشهرتها واحترامها . وعن قصص الحسد : ابنا آدم هابیل وقابیل حین قتل أحدهما صاحبه حسدا ((2))

قال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی أنهاک عن ثلاث خصال عظام: الحسد والحرص والکذب, یا علی سید الأعمال ثلاث خصال: انصافک الناس من نفسک, ومواساة الأخ فی الله عز وجل: وذکر الله تبارک وتعالی علی کل حال ((3)) .

ص: 10

{ قالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَألْقُوهُ فِی غَیَابَةِ الجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَةِ إنْ کُنتُمْ فَاعِلِینَ10* قَالُوا یَا أبَانَا مَا لَکَ لا تَأمَنَّا عَلَی یُوسُفَ وَإنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ 11 } سورة یوسف.

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } وهو کبیرهم راوبین: {لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَألْقُوهُ فِی غَیَابَةِ الجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَةِ } القوافل المارة بالمنطقة {إنْ کُنتُمْ فَاعِلِینَ

10 }: لقد حاول کبیرهم وأفضلهم أن ینفذ امرهم وینقذ یوسف(علیه السلام)من القتل ففکر فی الامر ملیا ووصل الی حل یرضی الطرفین .

وکان اقتراحه یتمثل فی القاء یوسف(علیه السلام) فی البئر فتأخذه القوافل المارة فی ذلک المکان

بعیداً عن قریة النبی یعقوب(علیه السلام).

{ أرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً یَرْتَعْ وَیَلْعَبْ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ12* قَالَ إنِّی لَیَحْزُنُنِی أنْ تَذْهَ-بُوا بِهِ وَأخَافُ أنْ یَأکُلَهُ الذِّئْبُ وَأنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ 13قَالُوا لَئِنْ أکَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إنَّا إذاً لَخَاسِرُونَ 14*فَلَمَّا ذَهَ-بُوا بِهِ وَأجْمَعُوا أنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیَابَةِ الجُبِّ وَأوْحَیْنَا إلَیْهِ لَ-تُنَبِّ-ئَنَّهُمْ بِأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ15 } سورة یوسف.

{ قَالُوا یَا أبَانَا مَالَکَ لا تَأمَنَّا عَلَی یُوسُفَ وَإنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ11 } مخلصون ومحبون له {أرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً یَرْتَعْ } یأکل {وَیَلْعَبْ } بالمسابقة والرمی {وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } 12 .

{قَالَ } یعقوب: {إنِّی لَیَحْزُنُنِی أنْ تَذْهَ-بُوا بِهِ } لا یمکننی مفارقته لشدة خوفی علیه لانه نبی الله تعالی {وَأخَافُ أنْ یَأکُلَهُ الذِّئْبُ } لکثرة الذئاب فی البریة .

ص: 11

{وَأنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ13قَالُوا لَئِنْ أکَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } جماعة {إنَّا إذاً لَخَاسِرُونَ14 } فاشلون فی الحیاة {فَلَمَّا ذَهَ-بُوا بِهِ وَأجْمَعُوا أنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیَابَةِ الجُبِّ وَأوْحَیْنَا إلَیْهِ لَ-تُنَبِّ-ئَنَّهُمْ بِأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ15 }_سورة یوسف.

أوحی الله تعالی لیوسف بخروجه من البئر سالماً ولقائه بهم ثانیة وهم لا یعرفونه . { وَجَاؤُوا أبَاهُمْ عِشَاءً یَبْکُونَ16 } سورة یوسف.

یبکون کذباً ونفاقاً علی یوسف(علیه السلام)الذی ألقوه فی البئر بأیدیهم, وهکذا یفعل الکثیر من القتلة فی عالم الیوم .

{قَالُوا یَا أبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَکْنَا یُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأکَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أنْتَ بِمُؤْمِن لَنَا وَلَوْ کُنَّا صَادِقِینَ17 } سورة یوسف.

قالوا ذلک لمعرفة أبیهم بمکرهم ووضوح کذبهم .فقد تعهدوا بحمایة یوسف من الذئب والیوم جاءوا یقولون أکله الذئب .

النبی یعقوب(علیه السلام)علم بمؤامرتهم القدیمة لقتل یوسف (علیه السلام)حسدا له فهو لم یصدق قصة الذئب . والنبی یعقوب یعرف الفرق بین دم الانسان ودم الخروف الذی وضعوه علی قمیصه .وآثار

تمزیق أسنان الذئب تختلف عن آثار تمزیق القمیص بالسکین والاسنان البشریة وهذا لا یصدقه أهل القری المعاشرین لصولات الذئاب یومیا .

والنبی یعقوب(علیه السلام)یعلم بعدم اقبال الحیوانات المفترسة علی أکل الانبیاء فهی أرحم من أخوته السفاحین .

ص: 12

وقد ألقی المتوکل العباسی الامام علیا الهادی(علیه السلام)الی الاسود فلم تفترسه رغم کونها جائعة .

فقال له جبرئیل: أتحب أن تخرج من هذا الجب ؟ فقال: ذلک إلی اله إبراهیم واسحق ویعقوب, فقال له جبرئیل: فان اله إبراهیم واسحق ویعقوب یقول لک قل اللهم إنی أسئلک بان لک الحمد لا إله إلا أنت المنان بدیع السماوات والأرض, ذو الجلال والاکرام أن تصلی علی محمد وآل محمد, وأن تجعل لی من امری فرجا ومخرجا وترزقنی من حیث احتسب ومن حیث لا احتسب , فقالها یوسف, فجعل الله له من الجب یومئذ فرجا, ومن کید المرأة مخرجا وأتاه ملک مصر من حیث لم یحتسب , وفی روایة أخری عنه , وترزقنی من حیث احتسب ومن حیث لا احتسب ((1)).

{وَجَاؤُوا عَلَی قَمِیصِهِ بِدَم کَذِب قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أنفُسُکُمْ أمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَاللّهُ المُسْتَعَانُ عَلَی مَا تَصِفُونَ 18*وَجَاءَتْ سَیَّارَةٌ فَأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأدْلَی دَلْوَهُ قَالَ یَا بُشْرَی هَذَا غُلامٌ وَأسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِیمٌ بِمَا یَعْمَلُونَ19 } سورة یوسف.

ص: 13

{وَجَاؤُوا عَلَی قَمِیصِهِ بِدَم کَذِب } :قال الباقر(علیه السلام): ذبحوا جدیا علی قمیصه ((1))

قال ابن عباس: لما استقر یوسف (علیه السلام) فی قعر الجب سالما واطمأن من المؤذیات, جعل ینادی إخوته : « إن لکل میت وصیة, ووصیتی إلیکم إذا رجعتم فاذکروا وحدتی, وإذا أمنتم فاذکروا وحشتی, وإذا طعمتم فاذکروا جوعتی, وإذا شربتم فاذکروا عطشی, وإذا رأیتم شابا فاذکروا شبابی » .

دعاء یوسف ف البئر : فقال له جبرئیل (علیه السلام): یا یوسف, أمسک عن هذا, واشتغل بالدعاء, وقل: یا کاشف کل کربة, ویا مجیب کل دعوة, ویا جابر کل کسیر, ویا حاضر کل بلوی, ویا مؤنس کل وحید, ویا صاحب کل غریب, ویا شاهد کل نجوی, أسألک بحق لا إله إلا أنت أن تجعل لی من أمری فرجا ومخرجا, وأن تجعل فی قلبی حبک حتی لا یکون لی هم وشغل سواک, برحمتک یا أرحم الراحمین .

فقالت الملائکة: یا ربنا, نسمع صوتا ودعاء, أما الصوت فصوت نبی, وأما الدعاء فدعاء نبی, فأوحی الله تعالی إلیهم: هو نبیی یوسف, وأوحی تعالی إلی جبرئیل: أن اهبط علی یوسف, وقل له: ( لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وهُمْ لا یَشْعُرُونَ ) .

ص: 14

وسئل ابن عباس عن الموثق الذی أخذه یعقوب علی أولاده . فقال: قال لهم: « معشر أولادی, إن جئتمونی بولدی وإلا فأنتم براء من النبی الأمی الذی یکون فی آخر الزمان, له أمة یهدون بالحق وبه یعدلون, أهل کلمة عظیمة, أعظم من السماوات والأرض, لا إله إلا الله, محمد رسول الله, علی ولی الله, صاحب الناقة والقضیب, الذی سماه الله حبیب, ذو الوجه الأقمر, والجبین الأزهر, والحوض والکوثر, والمقام المشهود, له ابن عم یسمی حیدرة, زوج ابنته, وخلیفته علی قومه, علی بن أبی طالب, تأتونه وهو معرض عنکم بوجهه یوم القیامة, إن خنتمونی فی ولدی » . قالوا: نعم قال: یعقوب: فَاللَّه خَیْرٌ حافِظاً وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ ) « قالوا: نعم: فَاللَّه خَیْرٌ حافِظاً وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ ((1)).

{وَجَاؤُوا عَلَی قَمِیصِهِ بِدَم کَذِب } دم سخلة ذبحوها ولطخوه بها .

{قَالَ } یعقوب(علیه السلام)بعدما اطلع علی دم السخلة المختلف مع دم الانسان وعدم وجود أثر لاسنان الذئب علی قمیص یوسف: {بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أنفُسُکُمْ أمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ } .

اذ کیف أکله الذئب وقمیصه سالم من التمزیق, ولو مزقوه بأیدیهم لا یمکن أن یفعلوا به ما تفعله أسنان الذئب , وهکذا یمکن معرفة القاتل

بمشیئة الله تعالی .وأهل المقتول مؤمنا کان او فاسقا قد یعلمون بکیفیة قتله

ص: 15

سریعا أو متأخراً .قال ابن سعد صاحب کتاب الطبقات: کذبوا علی عائشة فی کیفیة مقتل ابی بکر ((1)).

لقد عرفت عائشة متأخراً بکیفیة مقتل أبیها بید عثمان وعمر, وعرفت هذا الامر بعد موت عمر فانتقمت من عثمان بفتواها الشهیرة: اقتلوا نعثلا (عثمان) لقد کفر ((2)) {وَاللّهُ المُسْتَعَانُ عَلَی مَا تَصِفُونَ} 18 من کذب وافتراء .

{وَجَاءَتْ سَیَّارَةٌ } قافلة {فَأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ } الذی یأتی بالماء {فَأدْلَی دَلْوَهُ } فی البئر, فتعلق بها یوسف(علیه السلام).

{قَالَ یَا بُشْرَی هَذَا غُلامٌ وَأسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِیمٌ بِمَا یَعْمَلُونَ19 } .

النبی یوسف(علیه السلام)رأی وهو ابن اثنتی عشرة سنة أن أحد عشر کوکبا, والشمس, والقمر, سجدت له, فقصها علی أبیه فقال له: ( لا تقصص رؤیاک علی إخوتک ) الآیة . والصحیح انه کان فی البئر ابن سبع سنین:

عن الامام أبی عبد الله الصادق(علیه السلام)فی قول الله ( لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا یشعرون ) قال: کان ابن سبع سنین ((3))

وقیل: إنه کان بین رؤیاه وبین مصیر أبیه وإخوته إلی مصر, أربعون سنة, عن ابن عباس, وأکثر المفسرین ((4))

ص: 16

وبالإسناد عن أبی خالد, عن الامام أبی عبد الله الصادق(علیه السلام)قال: دخل یوسف السجن, وهو ابن اثنتی عشرة سنة, ومکث فیها ثمانی عشرة سنة, وبقی بعد خروجه ثمانین سنة, فذلک مائة سنة, وعشر سنین ((1))

عن زرارة عن الامام أبی جعفر الباقر(علیه السلام)قال: الأنبیاء علی خمسة أنواع, منهم من یسمع الصوت مثل صوت السلسلة, فیعلم ما عنی به, ومنهم من ینبأ فی منامه مثل یوسف وإبراهیم, ومنهم من یعاین, ومنهم من ینکت فی قلبه ویوقر فی اذنه ((2)) .

قال أبو حمزة: ثم انقطع حدیث علی بن الحسین (علیه السلام) عند هذا الحد, فلما کان من الغد غدوت علیه, فقلت له: جعلت فداک انک حدثتنی أمس بحدیث یعقوب وولده, ثم قطعته ما کان من قصة إخوة یوسف وقصة یوسف بعد ذلک ؟ فقال: انهم لما أصبحوا قالوا انطلقوا بنا حتی ننظر ما حال

یوسف أمات أم هو حی ؟ فلما انتهوا إلی الجب وجدوا بحضرة الجب سیارة, وقد أرسلوا واردهم فأدلی دلوه فلما جذب دلوه, إذا هو بغلام متعلق

ص: 17

بدلوه, فقال لأصحابه: یا بشری هذا غلام فلما أخرجوه أقبل إلیهم اخوة یوسف فقالوا: هذا عبدنا سقط منا أمس فی هذا الجب, وجئنا الیوم لنخرجه فانتزعوه من أیدیهم وتنحوا به ناحیة فقالوا: اما ان تقر لنا انک عبد لنا فنبیعک علی بعض هذه السیارة, أو نقتلک ؟ فقال لهم یوسف لا تقتلونی واصنعوا ما شئتم, فأقبلوا به إلی السیارة, فقالوا: أمنکم من یشتری منا هذا العبد ؟ فاشتراه رجل منهم بعشرین درهما, وکان اخوته فیه من الزاهدین, وسار به الذی اشتراه من البدو حتی أدخله مصر فباعه الذی اشتراه من البدو من ملک مصر, وذلک قول الله عز وجل: ( وقال الذی اشتراه من مصر لامرأته أکرمی مثواه عسی أن ینفعنا أو نتخذه ولدا )((1))

عن الحسن عن رجل عن أبی عبد الله الصادق(علیه السلام)فی قوله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال: کانت عشرین درهما ((2))

وعن أبی الحسن الرضا(علیه السلام)مثله وزاد فیه: البخس النقص, وهی قیمة کلب الصید إذا قتل کانت دیته عشرین درهما ((3))

ص: 18

و عن عبد الله بن سلیمان عن جعفر بن محمد(علیه السلام)قال: قد کان یوسف بین أبویه مکرما ثم صار عبدا حتی بیع بأخس وأوکس الثمن ثم لم یمنع الله ان بلغ به حتی صار ملکا ((1))

وعن ابن حصین عن الامام أبی جعفر الباقر(علیه السلام)فی قول الله: ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال: کانت الدراهم ثمانیة عشر درهما ((2)) و أسره رجال القافلة فی حینها وان الانسان یومها یؤسر ویشتری ویباع, فقد أسر اللصوصُ سلمان الفارسی القادم من العراق الی مکة للبحث عن النبی محمد صلی الله علیه و آله , وباعوه الی یهودی فی المدینة, وبعدما اسلم اشتراه النبی صلی الله علیه و آله من صاحبه ثم حرره .

{وَشَرَوْهُ بِثَمَن بَخْس دَرَاهِمَ مَعْدُودَة وَکَانُوا فِیهِ مِنَ الزَّاهِدِینَ20 وَقَالَ الَّذِی اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأتِهِ أکْرِمِی مَثْوَاهُ عَسَی أنْ یَنفَعَنَا أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَکَذَلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأوِیلِ الأحَادِیثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَی أمْرِهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ21 سورة یوسف.

باعه رجال القافلة الی وزیر سلطان مصر بعشرین درهماً ولم یجعلوا له ثمناً عالیاً {وَقَالَ } العزیز راعیل {الَّذِی اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأتِهِ } زلیخا

ص: 19

{أکْرِمِی مَثْوَاهُ عَسَی أنْ یَنفَعَنَا أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } ینفعهم فی أمور الحیاة الیومیة أو یتخذوه ولداً لانه کان عقیماً {وَکَذَلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی

الأرْضِ } اذ جعل سبحانه له بلداً آمناً یتحصن به ومنزلة عالیة .

{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأوِیلِ الأحَادِیثِ }: تفسیر الرؤیا وتفسیر الکتب السماویة وغیرها من العلوم {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَی أمْرِهِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ21 } یسیطر الله تعالی علی مخلوقاته وأفعالها ولا غالب له کما یتصور المتخیلون

یعتقد الیهود بامکانیة محاربة الله تعالی والفوز علیه, اذ ذکروا فی توراتهم المحرَّفة زیارة الرحمن لنبیهم اسرائیل (یعقوب) .

ومصارعة نبیهم للرحمن واجباره علی اعطائه البرکة والقوة لبنی اسرائیل, وغیرها من القصص المزورة .

والمسافة بین قریة النبی یعقوب (اسرائیل )(علیه السلام)ومصر ثمانیة عشر یوما .وکان لیوسف أحد عشر أخا أحدهم بنیامین .

{وَلَمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَیْنَاهُ حُکْماً وَعِلْماً وَکَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ22* وَرَاوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّ-قَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَیْتَ لَکَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إنَّهُ رَبِّی أحْسَنَ مَثْوَایَ إنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ23 } سورة یوسف. {وَلَمَّا بَلَغَ } یوسف وأصبح رجلا .

قال الصادق (علیه السلام): أشده: ثمانی عشرة سنة .

{أشُدَّهُ آتَیْنَاهُ حُکْماً } بین الناس اذ أصبح ذا سلطة رسمیة {وَعِلْماً } فی کافة المجالات الفقهیة والغیبیة والفکریة والعقائدیة وغیرها {وَکَذَلِکَ نَجْزِی المُحْسِنِینَ22 }: الفاعلین للخیر .

ص: 20

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّ-قَتِ الأبْوَابَ } وکانت سبعة {وَقَالَتْ هَیْتَ لَکَ } قالته زلیخا لیوسف بعدما تهیأت لمجامعته {قَالَ } یوسف: {مَعَاذَ اللّهِ } أن أزنی {إنَّهُ رَبِّی } خلقنی فی أحسن صورة وأکمل وجه {أحْسَنَ مَثْوَایَ } أحسن عاقبتی ورفع منزلتی بعدما مکر بی اخوتی ونفونی فی الارض غریباً وحیداً, فکیف أخونه واحلل حرامه .

{إنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ23 }: لانفسهم بارتکاب المحارم .

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أنْ رَأی بُرْهَانَ رَبِّهِ کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِینَ 24 } سورة یوسف.

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ولما رفض یوسف(علیه السلام) اقتراحها فی مواقعتها لم تتراجع ولم تستح من فعلها بل هجمت علیه لاجباره علی الفاحشة الکبیرة, فهی مغرمة به أولا, وتعتقد بأنه ملک لها ثانیاً, تلعب به ما تشاء, وکان یوسف قد علمها وشعب مصر حرمة الزنا وباقی الفواحش, وهددهم بالعقاب الالهی ومنَّاهم بجنان الله تعالی إن أصبحوا مطیعین مؤمنین .

}ِلنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ} قال الامام الرضا (علیه السلام): السوء: القتل والفحشاء: الزنا ((1))

فی عیون أخبار الرضا قال الامام الرضا(علیه السلام)وقد سأله المأمون عن عصمة الأنبیاء لقد همت به ولولا أن رأی برهان ربه لهم بها کما همت به لکنه کان معصوما والمعصوم لا یهم بذنب ولا یأتیه .

ص: 21

قال ولقد حدثنی أبی عن الصادق(علیه السلام)إنه قال همت بأن تفعل وهم بأن لا یفعل وفی روایة أنها همت بالمعصیة وهم یوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله تعالی کذلک لنصرف عنه السوء والفحشاء یعنی القتل والزنا ((1)) .

وقال نجاح الطائی: لقد رفض النبی یوسف(علیه السلام) مشروع زلیخا اولا بلطف, ولما هجمت علیه وحاولت اجباره علی الذنب الکبیر أراد ضربها وابعادها عنه, ویجوز له ضربها ولو تمکنت منه فی فعل المنکر یجوز له قتلها علی جریمتها المذکورة .

{لَوْلا أنْ رَأی بُرْهَانَ رَبِّهِ } یمکن أن یکون فی وحی الباری له باخراجه من البئر وحصوله علی مکانة عزیزة فی الدنیا, أو یکون فی صورة ملک ظهر له ناصحاً إیاه بعدم ضربها .

التفسیر القرآنی ذکره الائمة ولا یجوز لغیر المعصومین أن یفسروه کیفما شاؤا بقولهم أراد الزنا بها . ویسمی هذا التفسیر بالرأی وهو محرم فی الشریعة واتفق علی تحریمه المسلمون .

واعترفت زلیخا لاحقا بانه استعصم وامتنع عن الزنا بقولها :{وَلَقَدْ رَاوَدتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } .

ص: 22

{کَذَلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِینَ 24*وَاسْتَبَقَا البَابَ وَقَدَّتْ قَمِیصَهُ مِنْ دُبُر وَألْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَی البَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أرَادَ بِأهْلِکَ سُوءاً إلا أنْ یُسْجَنَ أوْ عَذَابٌ ألِیمٌ25 }

{قَالَ } یوسف {هِیَ رَاوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أهْلِهَا إنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ } مزق {مِنْ قُبُل فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الکَاذِبِینَ26وَإنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُر } مزق من الخلف {فَکَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِینَ27. {فَلَمَّا رَأی } العزیز {قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُر قَالَ } لزوجته {إنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ إنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ 28 } .

قالوا بأن الشاهد من أهلها کان طفلا صغیرا لا یقوی علی الکلام انما أنطقه الله تعالی لیدافع عن النبی یوسف(علیه السلام)المظلوم .

{ یُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ إنَّکِ کُنتِ مِنَ الخَاطِئِینَ 29*وَقَالَ نِسْوَةٌ فِی المَدِینَةِ امْرَأةُ العَزِیزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إنَّا لَنَرَاهَا فِی ضَلال مُبِین 30*فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَکْرِهِنَّ أرْسَلَتْ إلَیْهِنَّ وَأعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّ-کَأً وَآتَتْ کُلَّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِکِّیناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَیْهِنَّ فَلَمَّا رَأیْنَهُ أکْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أیْدِیَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إنْ هَذَا إلا مَلَکٌ کَرِیمٌ31 } سورة یوسف.

{یوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا } اترک هذا الحدیث کی لا یفشو بین الناس {وَاسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ إنَّکِ کُنتِ مِنَ الخَاطِئِینَ29 } علیها الاستغفار من فعلها الشنیع والتوبة بعدم العودة الیه .

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِی المَدِینَةِ امْرَأةُ العَزِیزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إنَّا لَنَرَاهَا فِی ضَلال مُبِین30 } _سورة یوسف.

لکن الخبر خرج من قصر السلطان وانتشر بواسطة الخدم والحرس والموظفین {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَکْرِهِنَّ أرْسَلَتْ إلَیْهِنَّ } طلبت زلیخا

منهن

ص: 24

المجیء للقصر {وَأعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّ-کَأً } یجلسن علیه وأعطت لکل امرأة سکینا وأترجة(برتقالة ){وَآتَتْ کُلَّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ سِکِّیناً وَقَالَتِ } زلیخا لیوسف {اخْرُجْ عَلَیْهِنَّ فَلَمَّا رَأیْنَهُ أکْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أیْدِیَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إنْ هَذَا إلا مَلَکٌ کَرِیمٌ31 } _سورة یوسف.

من شدة اعجابهن بجماله قطَّعن أیدیهن بدل الاترجة .

{قَالَتْ فَذَلِکُنَّ الَّذِی لُمْتُنَّنِی فِیهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَلَیَکُونَ مِنَ الصَّاغِرِینَ 32*قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إلَیْهِ وَإلا تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أصْبُ إلَیْهِنَّ وَأکُنْ مِنَ الجَاهِلِینَ 33 } سورة یوسف.

{ قَالَتْ } زلیخا {فَذَلِکُنَّ الَّذِی لُمْتُنَّنِی فِیهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُهُ عَنْ نَفْسِهِ

فَاسْتَعْصَمَ } هنا اعترفت زلیخا برغبتها بفعل الزنا وامتناع یوسف عنه (فَاسْتَعْصَمَ ) وهو اعتراف جمیل لا تقوله الخاطئات .

لکنها بینت اصرارها علی فعل الزنا معه مستقبلا وان لم یزن بها فستسجنه وتذله :{ َلَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَلَیَکُونَ مِنَ الصَّاغِرِینَ }.

المتعرضون للذل والقهر فی ظل حکومة قاهرة لا تعرف الرحمة, وهذه صورة من صور القصور الملکیة الصاخبة بالزنا وشرب الخمر والسحر والرقص والغناء وباقی المحرمات, لیکون السلطان فاجراً فی اللیل قاتلا فی النهار .

یظهر عاهر المملکة بمظهر الحشمة والوقار والاخلاص أمام شعبه نهارا ویکزن داعرا فاسقا مخمورا لیلا .

ص: 25

والنص الأخیر یبین استمرار عشق زلیخا له ونیتها السابقة ما زالت مستعرة, بل ازداد عدد العاشقات الوالهات به والجامحات لفعل الزنا !! .

فقد أرسلت تلک النساء زوجات رجال الدولة العلیا من قادة الجیش والسیاسة والادارة طلباتهن لیوسف لفتح علاقة حب محرمة معه . فضجر یوسف منهن وتمنی السجن للابتعاد عنهن وعن مؤامراتهن .

{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إلَیْهِ وَإلا تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أصْبُ إلَیْهِنَّ وَأکُنْ مِنَ الجَاهِلِینَ33 }_سورة یوسف.

طلب یوسف من الله تعالی ابعاد کید نساء القصر وزوجات رجال الدولة المترفات المقتدرات علی مقالید السلطة عنه مثلما أبعد کید اخوته عنه .

{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَّ إنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ العَلِیمُ34 ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأوُا الآیَاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّی حِین35 } سورة یوسف.

وبعدما ظهرت الآیات الباهرة فی طهارته, وانتشر خبر الملکة العاشقة لیوسف بین الناس, وعرف الناس ایمانه بالواحد الاحد خالق السماوات والارض رغب الملک فی ابعاد یوسف عن الانظار فی سجنه الحکومی, کی تخف الشائعات.

وتسکن فورات زوجات الحاکمین المخزیة الراغبات فی الزنا مما أسقط هیبة الدولة وفضح فساد الحکومة ورجال الدین .

ان اجتماع النساء الماکرات علی النبی یوسف(علیه السلام)حدث مثله فی یوم شهادة النبی محمد صلی الله علیه و آله : فقد طلب النبی صلی الله علیه و آله ورقة ودواة لیکتب لهم

ص: 26

کتاباً لن یضلوا ابداً, فقال عمر وأعوانه : إنَّ النبی لیهجر حسبنا

کتاب الله ((1))

وأیدت نساؤه عائشة وحفصة وسودة کلام عمر وکلهم ینادی یهجر لمنع کتابة الوصیة لعلی(علیه السلام)فقال النبی صلی الله علیه و آله : لنسائه العاصیات: إنّکنّ لصواحب یوسف ((2)) .

ص: 27

وقال تعالی :{إِنْ تَتُوبَا إِلَی اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَیْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِیلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمَلاَئِکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ ا } ((1)) .

وکانت سودة وعائشة وحفصة ورملة ((2))

فی حزب نسائی یمکرن بالنبی صلی الله علیه و آله مکراً لا یطاق, مثلما مکر زوجات الفراعنة بیوسف علیه السلام, فقال یوسف:

ص: 28

{ربی السجن أحب الی.. .

وکید النساء أعظم من کید ابلیس اذ قال الله تعالی عن کید النساء:

{إنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ } 28_سورة یوسف .

وقال تعالی عن کید ابلس: { إنَّ کَیْدَ الشَّیْطَانِ کَانَ ضَعِیفاً76 }_سورة النساء

{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیَانِ قَالَ أحَدُهُمَا إنِّی أرَانِی أعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إنِّی أرَانِی أحْمِلُ فَوْقَ رَأسِی خُبْزاً تَأکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّ-ئْنَا بِتَأوِیلِهِ إنَّا نَرَاکَ مِنَ المُحْسِنِینَ 36 قَالَ لا یَأتِیکُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إلا نَبَّأتُکُمَا بِتَأوِیلِهِ قَبْلَ أنْ یَأتِیَکُمَا ذَلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی إنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْم لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ کَافِرُونَ 37} سورة یوسف.

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیَانِ } دخل معه عبدان ساقی الملک الخمر وخبازه فی السجن بتهمة الرغبة فی سمَّ الملک .

ص: 29

{قَالَ أحَدُهُمَا } الساقی: {إنِّی أرَانِی أعْصِرُ خَمْراً } یعصر عنباً لیحوله خمراً {وَقَالَ الآخَرُ } الخباز {إنِّی أرَانِی أحْمِلُ فَوْقَ رَأسِی خُبْزاً تَأکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّ-ئْنَا بِتَأوِیلِهِ } یا یوسف {إنَّا نَرَاکَ مِنَ المُحْسِنِینَ 36 }: فی العمل والقول .

{قَالَ لا یَأتِیکُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إلا نَبَّأتُکُمَا بِتَأوِیلِهِ قَبْلَ أنْ یَأتِیَکُمَا ذَلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی } أخبرهم یوسف بقدرته الغیبیة المأخوذة من الله تعالی المتمثلة فی اخباره لهما عن نوعیة الطعام الذی سیأکلانه فی الغد والقادم لهما من أهلهما أو من السلطان .

{إنِّی تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوْم لا یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ کَافِرُونَ

37 }: أی لم تنفع معهم دعوة یوسف للایمان بالله تعالی وترک عبادة الاوثان.

{ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِی إبْرَاهِیمَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ مَا کَانَ لَنَا أنْ نُشْرِکَ بِاللّهِ مِنْ شَیْء ذَلِکَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَیْنَا وَعَلَی النَّاسِ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ 38*یَا صَاحِبَیِ السِّجْنِ أأرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أمِ اللّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ39 } سورة یوسف.

الکلام لیوسف(علیه السلام){وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِی إبْرَاهِیمَ وَإسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ مَا کَانَ لَنَا أنْ نُشْرِکَ بِاللّهِ مِنْ شَیْء ذَلِکَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَیْنَا } حیث أوجب علینا أن لا نشرک بالواحد الاحد وهو من فضل ربنا علینا {وَعَلَی النَّاسِ } ببعثته لنا الیهم {وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ 38 } بل تراهم ینکرون النعم الالهیة علیهم .

ص: 30

{یَا صَاحِبَیِ السِّجْنِ أأرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ } أصنام کثیرة هامدة وساکتة ولا عقل لها تعبدهم الناس وتتبرع لهم وهم لا ینفعون ولا یضرون {خَیْرٌ أمِ اللّهُ الوَاحِدُ } لا شریک له {القَهَّارُ39 }: الغالب لمن عداه .

{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أنزَلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان إنِ الحُکْمُ إلا لِلّهِ أمَرَ ألا تَعْبُدُوا إلا إیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ القَیِّمُ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ 40} سورة یوسف.

{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أنزَلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان } هذه الاصنام التی تعبدونها وتفدون أنفسکم لها لا فائدة ترجی منها فهی لا تنطق ولا تتکلم ولا تفکر لذا أنتم سمیتموها فهی لا یمکنها أن تسمی نفسها وتعرف حالها أذا سألتها {إنِ الحُکْمُ إلا لِلّهِ } یقول للشیء کن فیکون, ویدیر دفة السماوات والارض لا شریک له فی حکمه.

وعصی الخوارج خلیفة الله فی ارضه فی معرکة صفین بهذه الایة, فقالوا: لا حکم الا لله . وقتلوا المسلمین مبیحین دماءهم وأموالهم ونساءهم, وسار الوهابیون علی هذا المنهج الکافر .

هم یرفعون شعارا ویریدون ضده اذ أعمالهم تقول: لا حکم لله تعالی فی أرضه . حیث عصوا ویعصون الباری تعالی فی کل آیاته .

{أمَرَ ألا تَعْبُدُوا إلا إیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ القَیِّمُ } فی أحکامه وأهدافه ونظمه وتراثه ولا تعبدوا زعماءکم السیاسیین وأحزابکم الدنیویة مثلما یفعل معظم الناس .

ص: 31

{وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ40 }: لضعف مستواهم العلمی وانشغالهم بالدنیا الزائلة, بینما قال تعالی: (إنَّمَا یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) .

قال ((علیه السلام)): ( یعنی علیاً, کان یخشی الله ویراقبه) ((1)) .

وقال النبی صلی الله علیه و آله :أ نا مدینة العلم وعلی بابها فمن أراد المدینة فلیأت الباب "فمن أراد العلم فلیأت الباب ((2))

ص: 32

ص: 33

ص: 34

{یَا صَاحِبَیِ السِّجْنِ أمَّا أحَدُکُمَا فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً وَأمَّا الآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأسِهِ قُضِیَ الأمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیَانِ 41 } سورة یوسف.

قال یوسف لساقی الخمر بعودته الی عمله بعد ثلاثة أیام لسقی فرعون الخمر, وقال للخباز إنه یصلب بعد ثلاث, وتأکل الطیر من رأسه, وهو أمر مکتوب فی الکتاب الالهی لا رجعه فیه, وهو جواب ما رأیتما فی المنام .

ص: 35

{وَقَالَ لِلَّذِی ظَنَّ أنَّهُ نَاج مِنْهُمَا اذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ فَأنسَاهُ الشَّیْطَانُ ذِکْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ42 } سورة یوسف.

قال یوسف للساقی اذکر مظلومیتی عند فرعون وسجنی دون جریمة اقترفتها لکن الشیطان أنساه ذلک فبقی یوسف فی السجن سبع سنین .

وعن الامام أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: ( لما أمر الملک بحبس یوسف فی السجن, ألهمه الله علم تأویل الرؤیا _ إلی أن قال _ ثم قال للذی ظن أنه ناج منهما: اذکرنی عند ربک, قال: فلم یفزع فی حاله إلی الله فیدعوه, فلذلک قال الله: ( فأنساه الشیطان ) ((1))

والذی کذب ولم یر المنام هو الخباز, رجع إلی حدیث علی بن إبراهیم قال ووکل الملک بیوسف رجلین یحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتک ؟ قال اعبر الرؤیا فرأی أحد الموکلین فی نومه کما قال الله عز وعلا ( أعصر خمرا ) قال یوسف تخرج وتصیر علی شراب الملک وترتفع منزلتک عنده وقال الآخر ( انی أرانی احمل فوق رأسی خبزا تأکل الطیر

منه ) ولم یکن رأی ذلک فقال له یوسف أنت یقتلک الملک ویصلبک وتأکل الطیر من دماغک, فجحد الرجل وقال إنی لم أر ذلک, فقال یوسف

کما قال الله تعالی ( یا صاحبی السجن اما أحدکما فیسقی ربه خمرا واما الآخر فیصلب فتأکل الطیر من رأسه قضی الامر الذی فیه تستفتیان ) فقال

ص: 36

أبو عبد الله(علیه السلام)فی قوله " انا نراک من المحسنین " قال کان یقوم علی المریض ویلتمس المحتاج ویوسع علی المحبوس فلما أراد من رأی فی نومه یعصر الخمر الخروج من الحبس قال له یوسف ( اذکرنی عند ربک ) فکان کما قال الله عز وجل ( فأنساه الشیطان ذکر ربه ) أخبرنا الحسن به علی عن أبیه عن إسماعیل بن عمر عن شعیب العقرقوفی عن الامام أبی عبد الله الصادق(علیه السلام)قال إن یوسف اتاه جبرئیل فقال له: یا یوسف ان رب العالمین یقرؤک السلام ویقول لک من جعلک فی أحسن خلقه ؟

قال فصاح ووضع خده علی الأرض ثم قال أنت یا رب, ثم قال له: ویقول لک من حببک إلی أبیک دون اخوتک ؟ قال فصاح ووضع خده علی الأرض وقال أنت یا رب, قال ویقول لک: من أخرجک من الجب بعد ان طرحت فیها وأیقنت بالهلکة ؟ قال فصاح ووضع خده علی الأرض ثم قال أنت یا رب قال :

فان ربک قد جعل لک جل عقوبة فی استغاثتک بغیره فلبثت فی السجن بضع سنین, قال فلما انقضت المدة واذن الله له فی دعاء الفرج فوضع خده علی الأرض ثم قال " اللهم ان کانت ذنوبی قد اخلقت وجهی عندک فانی أتوجه إلیک بوجه آبائی الصالحین إبراهیم وإسماعیل واسحق ویعقوب " ففرج الله عنه, قلت جعلت فداک أندعو نحن بهذا الدعاء ؟ فقال ادع بمثله " اللهم ان

ص: 37

کانت ذنوبی قد اخلقت وجهی عندک فانی أتوجه إلیک بنبیک نبی الرحمة محمد صلی الله علیه و آله وعلی وفاطمة والحسن والحسین والأئمة علیهم السلام " ((1))

{وَقَالَ المَلِکُ إنِّی أرَی سَبْعَ بَقَرَات سِمَان یَأکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلات خُضْر وَاُخَرَ یَابِسَات یَا أیُّهَا المَلأُ أفْتُونِی فِی رُؤْیَای إنْ کُنتُمْ لِلرُّؤْیَا تَعْبُرُونَ43 } سورة یوسف.

جمع فرعون حاشیته وکهنته طلباً لتفسیر ما رآه فی المنام المتمثل فی سبع بقرات ضعاف تأکل سبع بقرات سمان, وسبع سنبلات یابسة مع سبع سنبلات خضر . عالما بأن ما رآه فیه تفسیر خطیر له ولدولته .

{قَالُوا أضْغَاثُ أحْلام وَمَا نَحْنُ بِتَأوِیلِ الأحْلامِ بِعَالِمِینَ44 }

قالوا: لا صحة واقعیة لهذه الاحلام ولا نعلم تفسیر ها .

{وَقَالَ الَّذِی نَجَا مِنْهُمَا وَ ادَّکَرَ بَعْدَ اُمَّة أنَا اُنَبِّ-ؤُکُمْ بِتَأوِیلِهِ فَأرْسِلُونِی45 } سورة یوسف.

فتذکر الساقی أمر یوسف(علیه السلام)بعد جملة من الحین: أنا أخبرکم بتفسیره شرط ارسالی ایاکم لی الی یوسف(علیه السلام)السجین عندکم وعندما وصل الیه قال: {یُوسُفُ أیُّهَا الصِّدِّیقُ } .

الکثیر الصدق وکلمة الصدِّیق لم توصف الا للانبیاء والأوصیاء مثل یوسف وعلی وفاطمة ^. عن ابن عباس ستکون فتنة فمن أدرکها فعلیه

بخصلتین:

کتاب الله وعلی بن أبی طالب فانی سمعت رسول الله یقول وهو

ص: 38

آخذ بید علی: هذا أول من آمن بی واول من یصافحنی یوم القیامة , وهو فاروق هذه الأمة یفرق بین الحق والباطل فهو یعسوب المؤمنین والمال یعسوب الظلمة , وهو الصدیق الاکبر , وهو خلیفتی من بعدی ((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله : الصدّیقة سیّدة النساء فاطمة((2)) .

بینما کذب ابو بکر حدیثا علی النبی صلی الله علیه و آله قوله: نحن معاشر الانبیاء لا نورث ما ترکناه صدقة ((3)),

لیسلب فدک من فاطمة ÷ ویفتری علی النبی صلی الله علیه و آله . لذا سماه الامویون بالصدیق .

ص: 39

{ أفْتِنَا فِی سَبْعِ بَقَرَات سِمَان یَأکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلات خُضْر وَاُخَرَ یَابِسَات لَعَلِّی أرْجِعُ إلَی النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ46 قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إلا قَلِیلا مِمَّا تَأکُلُونَ 47} سورة یوسف.

قَالَ یوسف {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأباً } عمل متواصل وجد واجتهاد

{ فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إلا قَلِیلا مِمَّا تَأکُلُونَ47 }. أی کلوا قلیلا وادَّخروا الباقی للجفاف القادم علیکم واجعلوا المحصود فی سنبله ولا تفصلونه عنه .

{ثُمَّ یَأتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ سَبْعٌ شِدَادٌ یَأکُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلا قَلِیلا مِمَّا تُحْصِنُونَ48 } سورة یوسف :

تأتی علیکم سبع سنوات من الجفاف تأکل ما ادَّخرتم من القمح والشعیر الا قلیلا یفیدکم فی البذر, فتمضی السنوات المخصبة والسنوات المجدبة .

{ثُمَّ یَأتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ عَامٌ فِیهِ یُغَاثُ النَّاسُ وَفِیهِ یَعْصِرُونَ49 } یستجاب دعاؤهم وینزل علیهم المطر الکثیر فیعصرون الفاکهة لکثرتها, ولما سمع الملک کلام یوسف انبهر به للعلم والحکمة فیه .

ص: 40

{وَقَالَ المَلِکُ ائْتُونِی بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلَی رَبِّکَ فَاسْألْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِی قَطَّعْنَ أیْدِیَهُنَّ إنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَّ عَلِیمٌ50 }

طلب الملک المجیء بالمعبر للرؤیا فرفض یوسف المجیء الیه الا بعد إثبات براءته من مؤامرات نساء القصور الفرعونیة وعلی رأسهن زلیخا المهووسة بطلب ممارسة الجنس معه .

{ قَالَ مَا خَطْبُکُنَّ إذْ رَاوَدتُّنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَیْهِ مِنْ سُوء قَالَتِ امْرَأةُ العَزِیزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أنَا رَاوَدتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ 51*ذَلِکَ لِیَعْلَمَ أنِّی لَمْ أخُنْهُ بِالغَیْبِ وَأنَّ اللّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الخَائِ-نِینَ52 سورة یوسف.

{قَالَ } الملک: {مَا خَطْبُکُنَّ إذْ رَاوَدتُّنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَیْهِ مِنْ سُوء } اعترفت النساء بطهارته التامَّة أمام الملأ الاعلی من الناس وأمام الملک {قَالَتِ امْرَأةُ العَزِیزِ الآنَ حَصْحَصَ } ظهر {الحَقُّ أنَا رَاوَدتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ 51 } : مکذِّبة بذلک دعواها السابقة بهجومه علیها.

وهذا الاعتراف من زلیخا کان رسمیاً أمام الملک والامة المصریة . {ذَلِکَ لِیَعْلَمَ } زوجها الوزیر {أنِّی لَمْ أخُنْهُ بِالغَیْبِ وَأنَّ اللّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الخَائِ-نِینَ52 } معترفة بمکرها أولا وطهارة یوسف ثانیاً .

{ وَمَا اُبَرِّئُ نَفْسِی إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّی إنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ53* } سورة یوسف.

ص: 41

وهو اعتراف لطیف من جانبها یبین استغفارها من فعلها السابق وتوبتها للمستقبل . ومن حینها بدأت مرحلتها الجدیدة مع خالقها العظیم فی مشروع الایمان والاعتقاد الراسخ به ونبذ الاهواء الدنیویة والرکض خلف الشهوات الجنسیة وعبادة الاصنام اذ کسرت صنمها الکبیر الموجود فی دارها .

النکاح أفضل من الزنا

الشیخ, فی ( أمالیه ): قال: أخبرنا جماعة, عن أبی المفضل, قال: حدثنی محمد بن جعفر بن رباح الأشجعی, قال: حدثنا عباد بن یعقوب الأسدی, قال: أخبرنا أرطاة بن حبیب, عن زیاد بن المنذر, عن أبی جعفر محمد بن علی ( علیهما السلام ) قال: « لما أصابت امرأة العزیز الحاجة, قیل لها: لو أتیت یوسف ؟ فشاورت فی ذلک, فقیل لها: إنا نخافه علیک .

قالت: کلا, إنی لا أخاف من یخاف الله . فلما دخلت علیه فرأته فی ملکه, قالت :

الحمد لله الذی جعل العبید ملوکا بطاعته, وجعل الملوک عبیدا بمعصیته, فتزوجها فوجدها بکرا, فقال لها: ألیس هذا أحسن, ألیس هذا أجمل ؟ فقالت: إنی کنت بلیت منک بأربع خلال, کنت أجمل أهل زمانی, وکنت أجمل أهل زمانک, وکنت بکرا, وکان زوجی عنینا ((1))

حدث صراع بین نظریة زلیخا وباقی الفاسقین من أهل القصور وبین نظریة یوسف فی العفاف وحفظ الشرف والتوجه للنکاح .

ص: 42

وبعد صراع طویل تحمل فیه یوسف الکثیر من المصاعب منها السجن انتصر الحق علی الباطل وخرج یوسف منتصرا من السجن وخسر الفاسقون سمعتهم وعرف الناس بکذبهم ومؤامراتهم الدنیئة .

وتم الزواج بینها وبین یوسف علی الشرع الالهی بعقد زواج دینی وتم النکاح طبقا للرضا السماوی .

وکان أفضل من الزنا الذی یتبعه الکثیر من المساویء الدینیة والاجتماعیة .

{ وَقَالَ المَلِکُ ائْ-تُونِی بِهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی فَلَمَّا کَلَّمَهُ قَالَ إنَّکَ الیَوْمَ لَدَیْنَا مَکِینٌ أمِینٌ54 } سورة یوسف.

کان فرعون فی زمن النبی یوسف(علیه السلام) محبا للشمائل الخیرة الطیبة فاحب یوسف(علیه السلام) لاجل ذلک وقربه وجعله وزیره وأعطاه خزائن الدولة یعمل بها ما یشاء واعتقد بدینه وبربه فاصبح من المتقین الصالحین .

وهذا الفرعون یختلف عن فرعون موسی(علیه السلام)الذی کان کافرا وطاغیة وشرورا .

{وَقَالَ المَلِکُ ائْ-تُونِی بِهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی } کان یوسف سابقاً یعمل فی القصر فیتعرض لمکر النساء, أما الان فقد استخلصه الملک لشؤونه السیاسیة والحکومیة والاقتصادیة

وهو بمثابة رئیس الوزراء .

{فَلَمَّا کَلَّمَهُ } یوسف {قَالَ } الملک {إنَّکَ الیَوْمَ لَدَیْنَا مَکِینٌ أمِینٌ 54 } ذو مکانة عالیة وأمانة خاصة .

ص: 43

{قَالَ اجْعَلْنِی عَلَی خَزَائِنِ الأرْضِ إنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ 55*وَکَذَلِکَ مَکَّنَّا لِ-یُوسُفَ فِی الأرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَیْثُ یَشَاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِیعُ أجْرَ المُحْسِنِینَ 56} سورة یوسف.

{قَالَ } یوسف {اجْعَلْنِی عَلَی خَزَائِنِ الأرْضِ إنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ}: إنی أحفظ الخزائن العامَّة وأعلم کیف أدیرها وأدبر شؤونها {وَکَذَلِکَ مَکَّنَّا لِ-یُوسُفَ فِی الأرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَیْثُ یَشَاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِیعُ أجْرَ المُحْسِنِینَ56 }..

أمر یوسف أن تبنی کنادیج من صخر, وطینها بالکلس, ثم أمر بزروع مصر, فحصدت, ودفع إلی کل إنسان حصة, وترک الباقی فی سنبله, ولم یدسه, ووضعها فی الکنادیج, ففعل ذلک سبع سنین .فلما جاءت سنی الجدب, کان یخرج السنبل, فیبیع بما شاء, وکان بینه وبین أبیه ثمانیة عشر یوما, وکانوا فی بادیة, وکان الناس من الآفاق یخرجون إلی مصر لیمتاروا طعاما, وکان یعقوب وولده نزولا فی بادیة فیها مقل ((1)), فأخذ إخوة یوسف من ذلک المقل, وحملوه إلی مصر, لیمتاروا طعاما, وکان یوسف یتولی البیع بنفسه, فلما دخل إخوته علیه, عرفهم ولم یعرفوه, کما حکی الله عز وجل: ( وهُمْ لَه مُنْکِرُونَ ولَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ ) فأعطاهم, وأحسن إلیهم فی الکیل, قال لهم: « من أنتم ؟ ».

قالوا: نحن بنو یعقوب بن ابراهیم, خلیل الله الذی ألقاه نمرود فی النار فلم یحترق, وجعلها الله علیه بردا وسلاما, قال یوسف (علیه السلام):

« فما فعل أبوکم » ؟

قالوا: شیخ ضعیف, قال: « فلکم أخ غیرکم » ؟ قالوا: لنا أخ من أبینا, لا من امنا . قال: « فإذا رجعتم إلی فائتونی به ((2))

ص: 45

وکان یعقوب یرسل اولاده الی مصر مرتین فی السنة مرة فی الصیف ومرة فی الشتاء لبیعوا بضاعتهم مقابل القمح .

قال الباقر (علیه السلام): وملک یوسف مصر وبراریها ولم یجاوزها الی غیرها ((1)) .

هذا العمل یبین اطلاع النبی یوسف علی علم تفسیر الاحلام الذی أنقذ به مصر من الهلاک .

وعملیة حفظ البذور فی سیقانه یبین الاسلوب الناجح والوحید فی حفظ البذور لسنوات عدیدة .

وتمکن یوسف من معالجة جشع رجال الدین المستولین علی البذور والاموال والسائقین الناس الی عبادة الاحجار والابتعاد عن عبادة الله الواحد الاحد .

ففرض نظاما عادلا فی توزیع الاموال والخدمات تمکن من أخذ مصر الی طریق الحضارة والرقی .

وقال نجاح الطائی: مکَّن الله تعالی یوسف(علیه السلام)فی الارض جاعلا ایاه الشخص الثانی فی المملکة بعد الملک یدیرها بعدل وأمانة, لیتنعم الناس بعدله وأخلاقه ومواعظه, فقضی یوسف(علیه السلام)علی المجاعة الحالَّة بالبلاد وأوصلها الی الخیر الالهی والنعیم الدنیوی, فطار اسمه فی البلدان المجاورة لکرمه الشهیر وعدله.

ص: 46

بینما غضب الناس علی کثیر من السیاسیین الذین حکموا البلدان بالجور والظلم والتعسف تحت رایات کاذبة باسم الاسلام فأصبحوا لعنة للاعنین .

کان النبی یوسف(علیه السلام)متقیا صالحا فوهبه تعالی السیطرة علی الامکانات الدنیویة وهی معجزة من معاجزه فاصبحت مصر بوجوده غنیة بالخیرات بعدما کانت فقیرة وکل شیء تحت یدیه .

الامر الاخر أصبح یوسف هذا الرجل الغریب الضعیف العبد الذی لا یملک قبیلة ولا عائلة ولا حزبا یسنده الی قوة هائلة تستمد قوتها من الجبار ولها امکانات کبیرة جعلت فرعون والشعب جنودا عنده .

وهذه حصیلة دینیة ثقافیة نستفید منها فی مسیرة البشریة الطویلة فی اعمار الارض وعبادة الواحد الاحد سبحانه وتعالی .

{ وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا وَکَانُوا یَتَّ-قُونَ 57} سورة یوسف : {وَلأجْرُ الآخِرَةِ خَیْرٌ }جنان راقیة وعالیة خیر من أجر الدنیا البالیة الفانیة هی {لِلَّذِینَ آمَنُوا } بخالقهم العظیم { وَکَانُوا یَتَّ-قُونَ57 } غضبه بامتناعهم عن الفعل الحرام والاعمال الشیطانیة التی یفعلها الکافرون والمنافقون . وفی قوله ( یتبوأ منها حیث یشاء ) دلالة علی أن تصرفه کان باختیاره من غیر رجوع إلی الملک. وأنه صار بحیث لا أمر علیه.

ادارة یوسف الراقیة لمصر

فی کتاب النبوة بالإسناد عن أحمد بن محمد بن عیسی, عن الحسن بن علی ابن بنت الیاس, قال : سمعت الرضا(علیه السلام)یقول: وأقبل یوسف علی جمع الطعام, فجمع فی السبع السنین المخصبة, فکبسه فی الخزائن . فلما

ص: 47

مضت تلک السنون, وأقبلت المجدبة, أقبل یوسف(علیه السلام)علی بیع الطعام, فباعهم فی السنة الأولی بالدراهم والدنانیر حتی لم یبق بمصر وما حولها دینار ولا درهم, إلا صار فی مملکة یوسف . وباعهم فی السنة الثانیة بالحلی والجواهر, حتی لم یبق بمصر وما حولها حلی ولا جوهر, إلا صار فی مملکته . وباعهم فی السنة الثالثة بالدواب والمواشی, حتی لم یبق بمصر وما حولها, دابة, ولا ماشیة, إلا صارت فی مملکته . وباعهم فی السنة الرابعة بالعبید والإماء, حتی لم یبق بمصر عبد ولا أمة إلا صار فی مملکته . وباعهم فی السنة الخامسة بالدور والعقار, حتی لم یبق بمصر وما حولها دار ولا عقار, إلا صار فی مملکته . وباعهم فی السنة السادسة بالمزارع والأنهار, حتی لم یبق بمصر وما حولها, نهر ولا مزرعة, إلا صار فی مملکته . وباعهم فی السنة السابعة برقابهم, حتی لم یبق بمصر وما حولها, عبد ولا حر, إلا صار عبد یوسف . فملک أحرارهم, وعبیدهم, وأموالهم .

وقال الناس: ما رأینا, ولا سمعنا بملک, أعطاه الله من الملک, ما أعطی هذا الملک, حکما وعلما وتدبیرا . ثم قال یوسف للملک: أیها الملک ! ما تری فیما خولنی ربی من ملک مصر وأهلها, أشر علینا برأیک, فإنی لم أصلحهم لأفسدهم, ولم أنجهم من البلاء لأکون بلاء علیهم, ولکن الله تعالی أنجاهم علی یدی . قال له الملک: الرأی رأیک .

قال یوسف(علیه السلام): إنی أشهد الله وأشهدک أیها الملک أنی قد أعتقت أهل مصر کلهم, ورددت علیهم أموالهم وعبیدهم, ورددت علیک أیها الملک خاتمک وسریرک وتاجک, علی أن لا تسیر إلا بسیرتی, ولا تحکم إلا

ص: 48

بحکمی . قال له الملک: إن ذلک لزینی وفخری أن لا أسیر إلا بسیرتک, ولا أحکم إلا بحکمک, ولولاک ما قویت علیه, ولا اهتدیت له, ولقد جعلت سلطانا عزیزا لا یرام, وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له, وأنک رسوله, فأقم علی ما ولیتک, فإنک لدینا مکین أمین . وقیل: إن یوسف(علیه السلام)کان لا یمتلی شبعا من الطعام فی تلک الأیام المجدبة ! فقیل له: تجوع وبیدک خزائن الأرض ؟ فقال (علیه السلام): أخاف أن أشبع, فأنسی الجیاع جوعهم ((1))

وقال نجاح الطائی: جری بعض السیاسیین وأحبار العلماء خلف المال والنساء والاهواء فحجروا أنفسهم فی حقل المادیین السرَّاق الفساق ونزل العقاب السماوی علیهم. وحشر المصلحون أنفسهم فی مجال الخیر والعمل الصالح والعون والبناء والعدل والحریة فنالوا الرضا الالهی وفازوا فی الدنیا والاخرة .

{ وَجَاءَ إخْوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنکِرُونَ58 وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِی بِأخ لَکُمْ مِنْ أبِیکُمْ ألا تَرَوْنَ أنِّی اُوفِی الکَ-یْلَ وَأنَا خَیْرُ المُنزِلِینَ 59 }سورة یوسف .

ص: 49

لقد سألهم عن کل شیُء فأجابوه عن أبیه وأخیه, أبوهم النبیُ یعقوب وأخوهم یوسف قتل فی البریة, وهم ینکرونه لاعتقادهم بموته بعد أربعین سنة من الفراق .{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِی بِأخ لَکُمْ مِنْ أبِیکُمْ } بنیامین {ألا تَرَوْنَ أنِّی اُوفِی الکَ-یْلَ } أعطی تمام الکیل بلا نقصان وکذلک یکون التمام فی الذراع والعد {وَأنَا خَیْرُ المُنزِلِینَ59} خیر المضیفین اذ أضافهم ضیافة لم یشهدوها فی حیاتهم عند الاخرین .

{ فَإنْ لَمْ تَأتُونِی بِهِ فَلا کَیْلَ لَکُمْ عِندِی وَلا تَقْرَبُونِ 60 قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبَاهُ وَإنَّا لَفَاعِلُونَ61وَقَالَ لِفِتْیَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِی رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَعْرِفُونَهَا إذَا انقَلَبُوا إلَی أهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ62 } سورة یوسف.

لقد جاءوا بجلود ونعل لشراء الحبوب من السلطان, فأرجع یوسف الیهم بضاعتهم لیعطیهم الحبوب دون ثمن فیفرحوا ویعودوا الیه ثانیة وهکذا کان

لقد جعل کرم یوسف وضیافته للغرباء والتجار سببا فی قدوم الناس علی مصر من کل مکان وهذا هو الفرق بین الرئیس الصالح وبین الرئیس الطالح فالاول یساعد البشریة بکل ما عنده والثانی یسرقهم ویؤذیهم ویسجنهم ویقتلهم .

وهذه الامتیازات والصفات تفرق بین الاثنین وتفضح کل رئیس ولو کان تحت لباس الدین والوقار والالقاب الفخمة .

{ فَلَمَّا رَجَعُوا إلَی أبِیهِمْ قَالُوا یَا أبَانَا مُنِعَ مِنَّا الکَیْلُ فَأرْسِلْ مَعَنَا أخَانَا نَکْ-تَلْ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ63* قَالَ هَلْ آمَنُکُمْ عَلَیْهِ إلا کَمَا أمِنتُکُمْ عَلَی

ص: 50

أخِیهِ مِنْ قَبْلُ فَاللّهُ خَیْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ 64 } سورة یوسف.

{فَلَمَّا رَجَعُوا إلَی أبِیهِمْ قَالُوا یَا أبَانَا مُنِعَ مِنَّا الکَیْلُ } فی المستقبل إن لم نأخذ ببنیامین الی مصر { فَأرْسِلْ مَعَنَا أخَانَا نَکْ-تَلْ } نأخذ الطعام بالکیل وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ63قَالَ هَلْ آمَنُکُمْ عَلَیْهِ إلا کَمَا أمِنتُکُمْ عَلَی أخِیهِ مِنْ

قَبْلُ } .

وتعلم المسلمون هذا الدعاء ویقولونه للشخص المسافر عسی الله تعالی أن یحفظه مثلما حفظ یوسف فی طریق المخاطر .

{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إلَیْهِمْ قَالُوا یَا أبَانَا مَا نَبْغِی هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إلَیْنَا وَ نَمِیرُ أهْلَنَا وَنَحْفَظُ أخَانَا وَنَزْدَادُ کَیْلَ بَعِیر ذَلِکَ کَیْلٌ یَسِیرٌ 65 } سورة یوسف.

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إلَیْهِمْ قَالُوا یَا أبَانَا مَا نَبْغِی هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إلَیْنَا} أرجع یوسف الیهم بضاعتهم التی یریدون دفعها کثمن للحبوب { وَ نَمِیرُ أهْلَنَا } نأتیهم بالمیرة .{ وَنَحْفَظُ أخَانَا } بنیامین { وَنَزْدَادُ کَیْلَ بَعِیر } باسمه { ذَلِکَ کَیْلٌ یَسِیرٌ65 }.

یسهل الحصول علی هذا الکیل بمجرد وصول بنیامین الی الوزیر یوسف(علیه السلام).

{ قَالَ لَنْ اُرْسِلَهُ مَعَکُمْ حَتَّی تُؤْتُونِی مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأتُونَنِی بِهِ إلا أنْ یُحَاطَ بِکُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَی مَا نَقُولُ وَکِیلٌ 66 }.

ص: 51

{قَالَ } یعقوب { لَنْ اُرْسِلَهُ مَعَکُمْ حَتَّی تُؤْتُونِی مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأتُونَنِی بِهِ إلا أنْ یُحَاطَ بِکُمْ } من قبل الاعداء فلا تستطیعون الدفاع عنه { فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ } یعقوب(علیه السلام) { اللّهُ عَلَی مَا نَقُولُ وَکِیلٌ } 66: حافظ .

تعهدوا لابیهم بحفظ بنیامین مثلما تعهدوا له بحفظ یوسف(علیه السلام)سابقا ثم غدروا به بالقائه فی البئر . فعاتبهم أبوهم یعقوب(علیه السلام)علی غدرهم بأخیهم یوسف وهو یعلم انه حی لم یأکله الذئب کما قالوا .وقال النبی یعقوب(علیه السلام)هذا الدعاء فی حق یوسف(علیه السلام){ فَاللّهُ خَیْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ64 } .

{ وَقَالَ یَا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَاب وَاحِد وَادْخُلُوا مِنْ أبْوَاب مُتَفَرِّقَة وَمَا اُغْنِی عَنکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء إنِ الحُکْمُ إلا لِلّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَعَلَیْهِ فَلْیَ-تَوَکَّلِ المُ-تَوَکِّ-لُونَ 67 .

وَقَالَ {یعقوب } یَا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَاب وَاحِد فی قصر السلطان { وَادْخُلُوا مِنْ أبْوَاب مُتَفَرِّقَة } .

خوفاً علیکم من الحسد { وَمَا اُغْنِی عَنکُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء إنِ الحُکْمُ إلا لِلّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَعَلَیْهِ فَلْیَ-تَوَکَّلِ المُ-تَوَکِّ-لُونَ67 }: لا قدرة للانسان علی دفع سوء ولا جلب خیر وکل شیء بیده سبحانه فهو علی کل شیء قدیر .

نظریة یوسف : نسیان الماضی وفتح صفحة للمستقبل

قال النبی یعقوب لابنه یوسف :

یا بنی أخبرنی ما فعل بک إخوتک حین أخرجوک من عندی ؟ قال : یا أبت أعفنی من ذلک . قال : فأخبرنی ببعضه .

ص: 52

فقال یوسف(علیه السلام): یا أبت ، إنهم لما أدنونی من الجب قالوا : انزع قمیصک . فقلت لهم : یا إخوتی ، اتقوا الله ولا تجردونی . فسلوا علیَّ السکین ، وقالوا : لئن لم تنزع لنذبحنک . فنزعت القمیص ، فألقونی فی الجب عریانا _ قال _ فشهق یعقوب شهقة واغمی علیه ، فلما أفاق ، قال : یا بنی حدثنی فقال : یا أبت ، أسألک بإله إبراهیم وإسحاق ویعقوب إلا أعفیتنی . فأعفاه » ((1)) .

هذا یبین أن النبی یوسف(علیه السلام)أراد نسیان الماضی المؤلم المعقد والمحرک للعداوات والاحزان . أراد یوسف فتح صفحة جدیدة للحیاة المشرقة یمکن معها العمل مع الاعداء القدماء للبناء والاعمار .

فیساهم فی الاعمار اخوته وزلیخا وأعوانها فی القصر وباقی أعداء یوسف القدماء .

ولو أعاد یوسف(علیه السلام)صفحة الماضی مثلما یفعل معظم الناس لتوقفت عجلة المجتمع من مکر هؤلاء وانزوائهم عن مصانع العمل والبناء .

{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَیْثُ أمَرَهُمْ أبُوهُمْ مَا کَانَ یُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَیْء إلا حَاجَةً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإنَّهُ لَذُو عِلْم لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ68 } سورة یوسف.

ص: 53

{ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَیْثُ أمَرَهُمْ أبُوهُمْ } من أبواب متفرقة { مَا کَانَ یُغْنِی عَنْهُمْ } دخولهم .{ مِنَ } قضاء .

{ اللّهِ مِنْ شَیْء إلا حَاجَةً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضَاهَا } شفقة ابیهم علیهم { وَإنَّهُ لَذُو عِلْم لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَکِنَّ أکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ68 }: قضاها: یعنی عَلِمها, وعلَّمها .

وقال یعقوب (علیه السلام): وَأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 86 _سورة یوسف .

وقال یعقوب :{ قَالَ ألَمْ أقُلْ لَکُمْ إنِّی أعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 96_سورة یوسف .

ولم یؤت سعة من المال ) وکانت النبوة فی ولد لاوی والملک فی ولد یوسف .

وکان طالوت من ولد بن یامین أخی یوسف لامه لم یکن من بیت النبوة ولا من بیت المملکة, فقال لهم نبیهم ( إن الله اصطفاه علیکم وزاده بسطة فی العلم والجسم والله یؤتی ملکه من یشاء والله واسع علیم ) وکان أعظمهم جسما وکان شجاعا قویا وکان اعلمهم الا انه کان فقیرا فعابوه بالفقر فقالوا لم یؤت سعة من المال, فقال :( لهم نبیهم إن آیة ملکه ان یأتیکم التابوت فیه سکینة من ربکم وبقیة مما ترک آل موسی وآل هارون تحمله الملائکة ) وکان التابوت الذی انزل الله علی موسی فوضعته فیه أمه وألقته فی الیم, فکان فی بنی إسرائیل معظما یتبرکون به, فلما حضر موسی الوفاة وضع فیه الألواح وما کان عنده من آیات النبوة وأودعه یوشع وصیه ((1)) . أن یحیی بن أکثم سأل موسی بن محمد بن علی بن موسی مسائل, فعرضها علی أبی الحسن (علیه السلام), وکان أحدها: أخبرنی عن قول الله عز وجل: ( ورَفَعَ أَبَوَیْه عَلَی الْعَرْشِ وخَرُّوا لَه سُجَّداً ) أسجد یعقوب وولده لیوسف وهم أنبیاء ؟

فأجاب أبو الحسن (علیه السلام): « أما سجود یعقوب وولده لیوسف, فإنه لم یکن لیوسف, وإنما کان ذلک من یعقوب وولده طاعة لله, وتحیة لیوسف, کما کان السجود من الملائکة لادم ولم یکن لادم, وإنما کان ذلک منهم طاعة

ص: 55

لله وتحیة لادم, فسجد یعقوب وولده وسجد یوسف معهم شکرا لله تعالی لاجتماع شملهم, ألم تر أنه یقول فی شکره ذلک الوقت: ( رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الأَحادِیثِ فاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیا والآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ ) .

فنزل علیه جبرئیل, فقال له: یا یوسف, أخرج یدک, فأخرجها فخرج من بین أصابعه نور, فقال: ما هذا النور, یا جبرئیل ؟

فقال: هذه النبوة, أخرجها الله من صلبک لأنک لم تقم لأبیک . فحط الله نوره, ومحا النبوة من صلبه, وجعلها فی ولد لاوی أخی یوسف, وذلک لأنهم لما أرادوا قتل یوسف قال: لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وأَلْقُوه فِی غَیابَتِ الْجُبِّ ) ((1)) فشکر الله له ذلک, ولما أرادوا ان یرجعوا إلی أبیهم من مصر وقد حبس یوسف أخاه, قال : ( فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّی یَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ یَحْکُمَ اللَّه لِی وهُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ ) ((2)).

فشکر الله له ذلک, فکان أنبیاء بنی إسرائیل من ولد لاوی, وکان موسی من ولده, وهو موسی بن عمران بن یصهر بن واهث بن لاوی بن یعقوب ابن إسحاق بن إبراهیم .

ص: 56

هذا الحدیث المختلق ضدَّ النبی یوسف(علیه السلام)بانه لم یقم لابیه مما یعنی عدم احترامه له

کلام زائف ضد الانبیاء وهو مخالف للمنهج القرآنی الذی سمی النبی یوسف بالصدیق ومعارض لسیرة یوسف الرائعة فی الاخلاق .

وکل کلام مخالف للقرآن لا قیمة له وهو منهج الیهود والنواصب الراغبین فی هتک الانبیاء والاستهزاء بهم واخراجهم من ساحة القدیسین واحلال الاحبار الاشرار محلهم .

والا کیف یکون لاوی اخو یوسف أفضل من الصدیق یوسف وهو الذی شارک فی مؤامرة الکذب علی النبی یعقوب باعطائهم یوسف لیلعب وهم تآمروا علی قتله وقاموا بالقائه فی البئر وقالوا لابیه یعقوب أکله الذئب کذبا وبقی لاوی متسترا علی جریمة یوسف اربعین عاما مصرا علی غیه وطغیانه مخالفا للنبی یعقوب وللنبی یوسف وحافظا لاسرار القتلة الظلمة المعتدین ولو أخبر اباه النبی لبحث عنه .

{ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَی یُوسُفَ آوَی إلَیْهِ أخَاهُ قَالَ إنِّی أنَا أخُوکَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ69* فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَایَةَ فِی رَحْلِ أخِیهِ ثُمَّ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ أیَّ-تُهَا العِیرُ إنَّکُمْ لَسَارِقُونَ70 } سورة یوسف

لما دخل أخوة یوسف علیه اختلی یوسف ببنیامین وقال له : إنِّی أنَا أخُوکَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ .

ص: 57

{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ }یوسف { السِّقَایَةَ } هی صواع أی وعاء للکیل { فِی رَحْلِ أخِیهِ بنیامین { ثُمَّ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ }الحکومة المصریة : {أیَّ-تُهَا العِیرُ } رجال القافلة .

الامام علی : ألف صدیق ولا عدو واحد

وکان أزواج النساء اللاتی دعون یوسف للزنا یمثلون کبار رجال المعبد والدولة وقادتها وأغنیائها لمرافقها المتنوعة , ولو اجتمع کل هؤلاء الاعداء لما تمکن یوسف من بناء مصر والنهوض بزراعتها وتجارتها وحیاتها الاجتماعیة والدینیة والثقافیة .

اذن کان قرار یوسف یمثل انعطافة کبیرة فی عالم الحضارة والاعمار والتعلیم والعمل . الکل ینظر الی المستقبل والکل ینسی الماضی وآلامه وأحزانه ویعمل من أجل المستقبل من أجل الثواب الالهی .

ولا یتحدث یوسف مع الاخرین عن الماضی ولو کان ابوه یعقوب الذی لم یره منذ أربعین عاماً .لقد وجدت معظم المدارس والشخصیات الدینیة والاحزاب السیاسیة وعموم الناس یتحدثون عن الماضی ویعملون علی ضوئه ویکرسون عملهم لاجله فیتصارعون ویتحاربون حتی یفنوا أموالهم وأوقاتهم وفکرهم وتراثهم ودماءهم وأرواحهم .

{ إنَّکُمْ لَسَارِقُونَ70 } : عنی سرقتهم لیوسف من أبیه { قَالُوا وَأقْبَلُوا عَلَیْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ71قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِکِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیر وَأنَا بِهِ زَعِیمٌ72 } سورة یوسف : زعیم : کفیل .

ص: 58

{ قَالُوا تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِی الأرْضِ وَمَا کُنَّا سَارِقِینَ 73 قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ کُنتُمْ کَاذِبِینَ74* قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ 75 } سورة یوسف .

قَالُ اخوة یوسف : {تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِی الأرْضِ وَمَا کُنَّا سَارِقِینَ 73 }وکان من شریعة فرعون ضرب وسجن السارق وفی شریعة آل یعقوب استرقاق السارق وهی عقوبة قاسیة تمنع الانسان من السرقة .

{ قَالُوا } العاملون فی حکومة النبی یوسف(علیه السلام)لاخوة یوسف :

{ فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ کُنتُمْ کَاذِبِینَ74قَالُوا } أخوة یوسف { جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } من وجد عنده الصاع یؤخذ عبدا رقاً ً .

{ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ75 }.

{ فَبَدَأ بِأوْعِیَ-تِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أخِیهِ کَذَلِکَ کِدْنَا لِیُوسُفَ مَا کَانَ لِیَأخُذَ أخَاهُ فِی دِینِ المَلِکِ إلا أنْ یَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْم عَلِیمٌ 76} سورة یوسف . {فَبَدَأ }التفتیش { بِأوْعِیَ-تِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أخِیهِ کَذَلِکَ کِدْنَا لِیُوسُفَ مَا کَانَ لِیَأخُذَ أخَاهُ فِی دِینِ المَلِکِ إلا أنْ یَشَاءَ اللّهُ } وبواسطة هذا المکر یمکن لیوسف أخذ أخیه فی حوزته .

{ نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْم عَلِیمٌ76 }.

ص: 59

سرقت المنطقة ؟ ففتشته فوجدتها فی وسطه, فلذلک قال اخوة یوسف حیث جعل الصاع فی وعاء أخیه, فقال لهم یوسف: ما جزاء من وجدنا فی رحله ؟ قالوا: جزاؤه بإجراء السنة التی تجری فیهم فبدأ بأوعیتهم قبل وعاء أخیه ثم استخرجها من وعاء أخیه, فلذلک قال اخوة یوسف ( ان یسرق فقد سرق أخ له من قبل ) یعنون المنطقة فأسرها یوسف فی نفسه ولم یبدها لهم ((1))

حب عمة یوسف له أعماها فقد علمت بان من یسرق یُسترق بواسطة المسروق منه ویؤخذ عبدا فأخذت یوسف عبدا لها .

{ قَالُوا إنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَلَمْ یُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أنْتُمْ شَرٌّ مَکَاناً وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ 77 } سورة یوسف : قَالُ أخوة یوسف { إنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } أی یوسف , متَّهمین إیاه بالسرقة فی الطفولة کذباً وزوراً من شدة حقدهم علیه { فَأسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَلَمْ یُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أنْتُمْ شَرٌّ مَکَاناً وَاللّهُ أعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ77 } :

من شدة حقد الاخوة اتهموا یوسف وبنیامین بالسرقة ولم یدافعوا عن بنیامین فی القصر الفرعونی أمام یوسف(علیه السلام) بانه عفیف وأمین وقد أید الاخوة و شجعوا

الحاکم المصری فی سجنه لبنیامین بقولهم المذکور .

ص: 61

نساء العالمین ÷ فکان بامکانه سجنها واذلالها وقتلها لکنه حررها وأعادها الی المدینة مع أخیها محمد بن ابی بکر . ومن سار علی نظریة أهل الدین نجا ومن سار علی نظریة أهل الفسق والقتل والظلم خسر .

ثم .{ قَالُوا یَا أیُّهَا العَزِیزُ إنَّ لَهُ أباً شَیْخاً کَبِیراً فَخُذْ أحَدَنَا مَکَانَهُ إنَّا نَرَاکَ مِنَ المُحْسِنِینَ 78*قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أنْ نَأخُذَ إلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إنَّا إذاً لَظَالِمُونَ 79 } سورة یوسف . لم یدافخ الاخوان عن اخیهم بنیامین بل أیدوا الاتهام الملکی له بان أخاه کان سارقا أیضا . ثم اقترحوا استبداله بواحد منهم فرفض یوسف(علیه السلام)اقتراحهم .

نظریة یعقوب فی تکثیر نسل الموحدین

کانت لغة الفراعنة وکتابتهم ما ظهر منها فی قبور الفراعنة وقصورهم وبقیة آثارهم وقد اطلعت البشریة علی هذه اللغة فی الاثار المصریة المعروفة

ص: 63

المشهورة . والاقباط هم من ورثوا مصر لکن الفتح الاسلامی جاء بالعرب واصبحت لغة مصر اللغة العربیة من سنة الفتح والی أیامنا هذه .

واستقلّ قبّطیم بالملک بعد أبیه . ویقال: إنّ قبط مصر منسوبون الیه . وهو أوّل من عمل العجائب وأثار المعادن, وشقّ الأنهار . ویقال: إنه لحق البلبلة وخرج منهم بهذه اللغة القبطیة, وعمل ما لم یعمله أبوه من نصب الأعلام والمنارات والعجائب والطلَّسمات ((1)).

قال فرعون لیوسف (علیه السلام): ما بلغ من حزنک علی أخیک بنیامین ؟

قال(علیه السلام): ولد لی عشرة أولاد فکلهم شققت لهم اسما من اسمه, قال: فقال له: أراک حزنت علیه حیث اتخذت النساء من بعده, قال: أیها العزیز ان لی أبا شیخا کبیرا صالحا فقال: یا بنی تزوج لعلک [ ان ] تصیب ولدا یثقل الأرض بشهادة ان لا إله إلا الله ((2))

وعن أبی عبد الله(علیه السلام)قال: « وقد کان هیأ لهم طعاما . فلما دخلوا علیه, قال: لیجلس کل بنی أم علی مائدة (أخیه)_ قال _ فجلسوا, وبقی بنیامین قائما, فقال له یوسف(علیه السلام) : مالک لا تجلس ؟ قال له: إنک قلت: لیجلس کل بنی أم علی مائدة, ولیس لی منهم ابن ام . فقال یوسف: أما کان لک

ابن

ص: 64

ام ؟ قال له بنیامین: بلی . قال یوسف: فما فعل ؟ قال: زعم هؤلاء أن الذئب أکله . قال: فما بلغ من حزنک علیه ؟

قال: ولد لی أحد عشر ابنا, کلهم شققت له اسما من أسمه . فقال له یوسف: أراک قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده . قال له بنیامین: إن لی أبا صالحا, وإنه قال: تزوج, لعل الله أن یخرج منک ذریة تثقل الأرض بالتسبیح ؟ فقال له: تعال فاجلس معی علی مائدتی ؟ فقال أخوة یوسف: لقد فضل الله یوسف وأخاه, حتی أن الملک قد أجلسه معه علی مائدته »((1))

{فَلَمَّا اسْتَیْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیّاً قَالَ کَبِیرُهُمْ ألَمْ تَعْلَمُوا أنَّ أبَاکُمْ قَدْ أخَذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِی یُوسُفَ فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حَتَّی یَأذَنَ لِی أبِی أوْ یَحْکُمَ اللّهُ لِی وَهُوَ خَیْرُ الحَاکِمِینَ80 } سورة یوسف . {فَلَمَّا اسْتَیْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیّاً } اعتزلوا متناجین { قَالَ کَبِیرُهُمْ } سناً وهو یهوذا { ألَمْ تَعْلَمُوا أنَّ أبَاکُمْ قَدْ أخَذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِی یُوسُفَ } خنتم یوسف وقصَّرتم فی حقه .

{ فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ حَتَّی یَأذَنَ لِی أبِی أوْ یَحْکُمَ اللّهُ لِی وَهُوَ خَیْرُ الحَاکِمِینَ80 } . بقی یهوذا فی مصر ورجع اخوته الی أرض کنعان, والواضح من کلام یهوذا إیمانه بالله العظیم لکنه ألقی یوسف بمساعدة اخوته فی بئر عمیق لیقتلوه أو ینفوه .

ص: 65

{ ارْجِعُوا إلَی أبِیکُمْ فَقُولُوا یَا أبَانَا إنَّ ابْنَکَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا کُنَّا لِلْغَیْبِ حافِظِینَ81 } سورة یوسف .

ولا دلیل علی سرقته الا المکیال الملکی الموجود فی رحله .

{وَسْئلِ القَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیهَا وَالعِیرَ الَّتِی أقْبَلْنَا فِیهَا وَإنَّا لَصَادِقُونَ82* قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أنفُسُکُمْ أمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ عَسَی للّهُ أنْ یَأتِیَ-نِی بِهِمْ جَمِیعاً إنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ 83 } سورة یوسف .

{وَسْئلِ القَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیهَا وَالعِیرَ الَّتِی أقْبَلْنَا فِیهَا وَإنَّا لَصَادِقُونَ82قَالَ {یعقوب } بَلْ سَوَّلَتْ {زینت } لَکُمْ أنفُسُکُمْ أمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ .

وأفضل شیء هو الصبر عند المعضلات{ عَسَی اللّهُ أنْ یَأتِیَ-نِی بِهِمْ جَمِیعاً } یوسف وبنیامین ویهوذا { إنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ83 } .

عن المفضل - الجعفی أظنه - عن أبی عبد الله(علیه السلام)قال: سمعته یقول: أرتدی ما کان قمیص یوسف(علیه السلام)؟ قلت: لا قال: إن إبراهیم(علیه السلام)لما أوقدت له النار أتاه جبرئیل(علیه السلام)بثوب من ثیاب الجنة وألبسه إیاه فلم یضره معه حر ولا برد, فلما حضر إبراهیم الموت جعله فی تمیمة وعلقه إسحاق, وعلقه إسحاق علی یعقوب, فلما ولد لیعقوب یوسف علقه علیه, وکان فی عضده حتی کان من أمره ما کان, فلما أخرج یوسف القمیص من التمیمة, وجد یعقوب ریحه, وهو قوله: إنی لأجد ریح یوسف لولا أن تفندون " فهو ذلک القمیص الذی انزل من الجنة, قال: قلت: جعلت فداک فإلی من صار ذلک القمیص ؟ قال: إلی أهله ثم قال: کل نبی ورث علما أو غیره فقد انتهی إلی ( آل ) محمد صلی الله علیه و آله .

ص: 66

فروی " أن القائم(علیه السلام)إذا خرج یکون علیه قمیص یوسف, ومعه عصا موسی, وخاتم سلیمان علیهم السلام " .والدلیل علی أن یعقوب(علیه السلام)علم بحیاة یوسف(علیه السلام)وأنه إنما غیب عنه لبلوی واختبار: أنه لما رجع إلیه بنوه یبکون قال لهم: یا بنی لم تبکون وتدعون بالویل ؟ ومالی ما أری فیکم حبیبی یوسف ؟ " قالوا یا أبانا إنا ذهبنا نستبق وترکنا یوسف عند متاعنا فأکله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو کنا صادقین " هذا قمیصه قد أتیناک به, قال: ألقوه إلی, فألقوه إلیه وألقاه علی وجهه فخر مغشیا علیه, فما أفاق قال لهم: یا بنی ألستم تزعمون أن الذئب قد أکل حبیبی یوسف ؟ قالوا: نعم, قال : ما لی لا أشم ریح لحمه ؟ ! ومالی أری قمیصه صحیحا ؟ هبوا أن القمیص انکشف من أسفله أرأیتم ما کان فی منکبیه وعنقه کیف خلص إلیه الذئب من غیر أن یخرقه, إن هذا الذئب لمکذوب علیه, وإن ابنی لمظلوم " بل سولت لکم أنفسکم أمرا فصبر جمیل والله المستعان علی ما تصفون " وتولی عنهم لیلتهم تلک لا یکلمهم وأقبل یرثی یوسف ویقول: حبیبی یوسف الذی أوثره جمیع أولادی فاختلس منی حبیبی یوسف الذی کنت أرجوه من بین أولادی فاختلس منی, حبیبی یوسف الذی أوسده یمینی وأدثره بشمالی فاختلس منی, حبیبی یوسف الذی کنت أونس به وحدتی فاختلس منی, حبیبی یوسف لیت شعری فی أی الجبال طرحوک,

ص: 67

أم فی أی البحار غرقوک, حبیبی یوسف لیتنی کنت معک

فیصیبنی الذی أصابک ((1)).

وقال نجاح الطائی: قال النبی یعقوب (علیه السلام): بل سولت لکم أنفسکم أمرا أی حین جئتم بدم کذب علی قمیص یوسف واستفحلت مؤامرتکم بأسر الملک لبنیامین فصبر جمیل علی هذا البلاء المترابط الاجزاء .

{وَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ یَا أسَفَی عَلَی یُوسُفَ وَابْیَضَّتْ عَیْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ84* قَالُوا تَاللّهِ تَفْتَأُ تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً أوْ تَکُونَ مِنَ الهَالِکِینَ 85 } سورة یوسف .

وبعدما ذکر مصیبته الکبری باختطاف یوسف من عنده وانتهائها باختطاف بنیامین حزن کثیرا فعمی بصره من شدة حزنه علی یوسف .

{ قَالُوا تَاللّهِ تَفْتَأُ } لا تنفک { تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً } مریضاً { أوْ تَکُونَ مِنَ الهَالِکِینَ85 } مما یعنی اصرارهم علی أبیهم یعقوب بنسیان یوسف لانهم تآمروا علیه لابعاده من ذاکرة أبیهم .

لکنهم فشلوا فی خطتهم المزعومة فهذا ابوهم یفقد بصره فی هذا الطریق بینما کان مشروعهم یتمثل فی نفی یوسف من الدار لیخلوا لهم وجه أبیهم کما قالوا سابقا: {اقْتُلُوا یُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أرْضاً یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أبِیکُمْ وَتَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِینَ9* } _سورة یوسف .

ص: 68

{حَتَّی تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهَالِکِینَ قَالَ إِنَّمَا أَشْکُوا بَثِّی وَحُزْنِی إِلَی اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } یظهر أنّ الجزع والندبة أثرا علی النبیّ یعقوب(علیه السلام)إلی حدّ کبیر .

اتهمه ابناؤه بالحرض وهو الخلل العقلی من شدة جزعه علی یوسف وکان جزعه علی افعال الظالمین ولیس علی القضاء والقدر الالهی .

فکان یعقوب یلتجأ الی الباری تعالی فی بث حزنه وشکواه من المجرمین .

وأما یوسف فبکی علی یعقوب حتی تأذی به أهل السجن فقالوا له: إما أن تبکی اللیل وتسکت بالنهار, وإما أن تبکی النهار وتسکت باللیل, فصالحهم علی واحد منهما .

وأما فاطمة فبکت وناحت علی رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتی شکاها أهل المدینة فقالوا لها: قد آذیتنا بکثرة بکائک ! فکانت تخرج إلی المقابر فتبکی حتی تقضی حاجتها ثم تنصرف .

وأما علی بن الحسین فبکی علی الحسین (علیه السلام)عشرین سنة ما وضع بین یدیه طعام إلا بکی حتی قال له مولی له: جعلت فداک یا ابن رسول الله إنی أخاف علیک أن تکون من الهالکین, قال: إنما أشکو بثی وحزنی إلی الله

ص: 69

وأعلم من الله ما لا تعلمون, إنی ما أذکر مصرع بنی فاطمة إلا خنقتنی لذلک عبرة ) ((1))

وقال المجلسی فی بحار الأنوار ((2)): ( واجتمع شیوخ أهل المدینة وأقبلوا إلی أمیر المؤمنین فقالوا له: یا أبا الحسن إن فاطمة تبکی اللیل والنهار فلا أحد منا یتهنأ بالنوم فی اللیل علی فرشنا, ولا بالنهار لنا قرار علی أشغالنا وطلب معایشنا, وإنا نخبرک أن تسألها إما أن تبکی لیلاً أو نهاراً, فقال: حباً وکرامة, فأقبل أمیر المؤمنین (علیه السلام)حتی دخل علی فاطمة وهی لا تفیق من البکاء ولا ینفع فیها العزاء, فلما رأته سکنت هنیئة له, فقال لها: یا بنت رسول الله إن شیوخ المدینة یسألونی أن أسألک إما أن تبکین أباک لیلاً وإما نهاراً . فقالت: یا أبا الحسن ما أقل مکثی بینهم وما أقرب مغیبی من بین أظهرهم, فوالله لا أسکت لیلاً ولا نهاراً, أو ألحق بأبی رسول الله ! فقال لها علی: إفعلی یا بنت رسول الله ما بدا لک . ثم إنه بنی لها بیتاً فی البقیع نازحاً عن المدینة یسمی بیت الأحزان, وکانت إذا أصبحت

ص: 70

( علیها السلام ) قدمت الحسن والحسین أمامها, وخرجت إلی البقیع باکیة, فلا تزال بین القبور باکیة, فإذا جاء اللیل أقبل أمیر المؤمنین(علیه السلام)إلیها وساقها بین یدیه إلی منزلها ) .

فعلم یعقوب أنه حی فعند ذلک قال لولده: " اذهبوا فتحسسوا من یوسف وأخیه " ((1)) هذا العمل یبین صبر النبی یعقوب(علیه السلام)وتوکله علی الله تعالی فی حل مشکلة النبی یوسف لمدة أربعین سنة بینما تری الکثیر یفقدون صبرهم سریعا .

{قَالَ إنَّمَا أشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إلَی اللّهِ وَأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 86*یَا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَأخِیهِ وَلا تَ-یْأسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إنَّهُ لا یَیْأسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إلا القَوْمُ الکَافِرُونَ 87 } سورة یوسف . {قَالَ إنَّمَا أشْکُو بَثِّی وَحُزْنِی إلَی اللّهِ} لان الشکوی الیه فقط لا الی الناس بینما نری أغلب الناس یشکون همهم الی الناس صدقا وکذبا { وَأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } 86 .من معرفتی ویقینی بحیاة یوسف وتحقق رؤیاه الصادقة فی سجود الشمس والقمر والکواکب له { یَا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا } ابحثوا وافحصوا {مِنْ یُوسُفَ وَأخِیهِ وَلا تَ-یْأسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إنَّهُ لا یَیْأسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إلا القَوْمُ الکَافِرُونَ87 }.

هذه مطالبة بالجد والاجتهاد فی طلب الأمور اعتماداً علی الله تعالی, واستجابوا لأمر النبی یعقوب(علیه السلام)وعادوا الی مصر .

{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ قَالُوا یَا أیُّهَا العَزِیزُ مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُزْجَاة فَأوْفِ لَنَا الکَیْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَیْنَا إنَّ اللّهَ یَجْزِی المُ-تَصَدِّقِینَ88 } سورة یوسف . { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ } یوسف { قَالُوا

ص: 72

یَا أیُّهَا العَزِیزُ مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرُّ } الجوع { وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُزْجَاة } ردیئة لا یشتریها الناس اذ أبعد تعالی عنهم البرکة والحکمة بعد القائهم یوسف فی بئر البریة { فَأوْفِ لَنَا الکَیْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَیْنَا }.

اعطنا حصَّة غذائیة انَّا فقراء مساکین, یتذللون أمام یوسف وهم الذین ألقوه بکبریاء فی البئر غافلین عن بکائه وصراخه وطفولته البریئة, هکذا هم المعاندون للانبیاء والأوصیاء وقد سموا رسول الله صلی الله علیه و آله دون ذنب ثم قتلوا ابنته فاطمة ÷ بعد یومین واغتصبوا خلافة زوجها ونصَّبوا أنفسهم خلفاء { إنَّ اللّهَ یَجْزِی المُ-تَصَدِّقِینَ 88} .

قال النبی صلی الله علیه و آله : الصدقة تدفع میتة السوء ((1)) .

و قال النبی صلی الله علیه و آله : الصدقة تدفع البلاء ((2)) .

و قال النبی هذه الاحادیث الکثیرة فی الصدقة لتشجیع الناس علیها وسد رمق الفقراء المحتاجین فی الحیاة الدنیا لایجاد التوازن الاجتماعی .

{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَأخِیهِ إذْ أنْتُمْ جَاهِلُونَ 89 }. وقَالَ یوسف { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَأخِیهِ } بنیامین من اذلاله واحتقاره وحسدهم له { إذْ أنْتُمْ جَاهِلُونَ 89. } .

ص: 73

{ قَالُوا أئِ-نَّکَ لأنْتَ یُوسُفُ قَالَ أنَا یُوسُفُ وَهذَا أخِی قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَیْنَا إنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَیَصْبِرْ فَإنَّ اللّهَ لا یُضِیعُ أجْرَ المُحْسِنِینَ90 } سورة یوسف .

{قَالُوا أئِ-نَّکَ لأنْتَ یُوسُفُ } ؟ استفهام یحتاج الی جواب { قَالَ أنَا یُوسُفُ وَهذَا أخِی قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَیْنَا إنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَیَصْبِرْ فَإنَّ اللّهَ لا یُضِیعُ أجْرَ المُحْسِنِینَ90 } هذا فعل الصالحین المؤمنین یتَّقون ویصبرون ولا یظلمون .

{قَالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللّهُ عَلَیْنَا وَإنْ کُنَّا لَخَاطِئِینَ 91*قَالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ } 92 } سورة یوسف . قَالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللّهُ عَلَیْنَا } بنعمته الکبیرة ورعایته الکاملة حیث رفعک فی الحیاة الدنیا علینا وجعلنا من المساکین المتسولین { وَإنْ کُنَّا لَخَاطِئِینَ91 } فی حقک حیث القیناک فی بئر

مظلمة وعمیقة ملیئة بالثعابین لا ینجو منها الا القلیل النادر فاعترفوا بذنبهم فی حقه .{قَالَ } یوسف { لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِینَ92 } .رغم ما فعلوه به لم ینتقم النبی یوسف(علیه السلام)منهم بل طلب لهم المغفرة, وکذلک قال النبی صلی الله علیه و آله : لقریش بعد فتح مکة: اذهبوا فانتم الطلقاء ((1))

ص: 74

نعم اثر الی درجة کبیرة اذ تحول هؤلاء الی جند عند النبی یوسف وسجدوا له مع أبیهم .

هذه النظریة القرآنیة أراد الرحمن منها أن تهدی الناس الی هذا المشروع الحضاری العالی فی الاخلاق .بینما یبتعد عنها الکثیر من المؤمنین ویقضون عمرهم فی الصراع الذی یملأ صحیفتهم بالذنوب والمآسی .

لقد وجدت بأن المجتمعات الاسلامیة تأن من العداوات الشخصیة والعائلیة والقبلیة والاجتماعیة والقومیة والطائفیة تسببت فی حروبها واندحارها وفشلها وضعفها .

ولم یستفد معظم المسلمین وغیرهم من قصة یوسف(علیه السلام)فی حیاتهم علی الارض وکأنها قصة مسلیة وخیالیة ولا ترتبط بالانسانیة .

لو سارت الناس علی منهجیة یوسف(علیه السلام)مثلما تناساها مع اخوته الذین ألقوه فی البئر

عریانا و عمره سبع سنین .

وتناسی آلامه مع زلیخا التی سجنته وشوهت سمعته ظلما فی القصر والمجتمع بتعریفه فاسقا یرید الزنا بمربیته ومالکته وصاحبة النعمة علیه وعرَّفته خائنا لمالکه وزیر البلاد صاحب الفضل علیه فی طعامه ولباسه وتهیئة کل خدمات القصر لصالحه .

وبعدما أصبح یوسف رئیسا للوزراء وأصبحت عجوزاً وشحاذة ووضیعة فی المجتمع بعد وفات زوجها وذهاب ثروتها عرض علیها الزواج فلم تصدق هذا العرض المغری . فتزوجا وأکرمها ودعا الله تعالی فی اعادة شبابها فلبی الله تعالی نداءه .

ص: 76

لو فعلنا ما فعله یوسف لانحلت الکثیر من المعضلات العسیرة والصعبة فی البلاد وتحولت دولنا الی جنان أرضیة تنعم بالسعادة والرفاهیة .

{ اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هَذَا فَألْقُوهُ عَلَی وَجْهِ أبِی یَأتِ بَصِیراً وَأتُونِی بِأهْلِکُمْ أجْمَعِینَ 93 } سورة یوسف . { اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هَذَا } قمیصه الخاص الذی صلی وصام ودعا الله به فأصبح مقدساً { فَألْقُوهُ عَلَی وَجْهِ أبِی یَأتِ بَصِیراً } یشفی من عماه {وَأتُونِی بِأهْلِکُمْ أجْمَعِینَ93 } .

سأل عالم وهابی شیعیاً: لماذا تقبلون الحدید حول قبر النبی محمد صلی الله علیه و آله وهو لا ینفع ولا یضر ؟ قال الشیعی: لقد نفع قمیص یوسف(علیه السلام)لشفاء عمی أبیه والقطن لا ینفع ولا یضر انما کرامة من الله تعالی للنبی یوسف(علیه السلام).وقال وهابی خارجی لشیعی: لماذا تقبَّلون حدید قبور الأنبیاء ؟

قال الشیعی مثلما یُقبل جمیع المسلمین جلد غلاف القرآن (وهو من الورق أو جلود الحیوانات أو الجلد الصناعی المستخرج من النفط) احتراماً منهم للقرآن الکریم .

وشملت العنایة النبویة من یوسف کل عائلة ابیه من زوجاته وأولادهم

لا نقاذهم من الجفاف الحال بهم فی بلاد کنعان .

ص: 77

بلته دموع عینی

( فَأَلْقُوه عَلی وَجْه أَبِی یَأْتِ بَصِیراً ) لو قد شم بریحی ((1)) .

الجواب: یشافی بقمیصه .لقد صلی یوسف بذلک القمیص کثیرا وعمل الصالحات فأصبح مبارکا . وکذلک یشافی ملابس أهل البیت مرضی المسلمین فی کل مکان وعلی امتداد التاریخ .بینما یعادی الوهابیون الخوارج هذه النظریة القرآنیة .السؤال المطروح هو: هل شافی یوسف اباه بقمیصه الذی عبد الله تعالی به ام بقمیص الانبیاء ؟

رأیان: قالوا بقمیص الانبیاء فیرد علیه ان أخوته سلبوه قمیصه والقوه عریانا فی البئر فمن أین جاء بقمیص الانبیاء ؟

فنقول بأنهم سلبوه قمیصه ومزقزه وجاءوا به الی یعقوب لیصدق مؤامرتهم بقتل الذئب لیوسف(علیه السلام)ولکن کان علی النبی یوسف ما یستر عورته اذ لا یمکن للبشریة أن تری عورة الانبیاء وفی هذا نصوص کثیرة .

ذکرنا ان قمیص الانبیاء کان فی تمیمة فی عضد یوسف وذهب به الی مصر, والقمیص الذی أرسله یوسف الی أبیه یعقوب لیشافیه هو قمیصه الخاص به الذی صلی به لیلا ونهارا وفعل الافعال الطیبة التی یحبها الله تعالی .الرأی الثانی: ذکر بعض العلماء اثبات کون القمیص یعود

للانبیاء

ص: 79

الماضین وانه عنده القدرة علی الشفاء . والثوب یکسب البرکة من المؤمن ولو لبسه یوما واحدا وعبد الله تعالی به وعمل الصالحات . فالظاهر انه قمیص الانبیاء أرسله الی ابیه یعقوب .

وجاء عن الامام أبی جعفر الباقر (علیه السلام): « ( قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّه لَکُمْ ) ( اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا ) الذی بلته دموع عینی ((1))

الواضح من النص انه قمیص یوسف(علیه السلام).

وقال یوسف (علیه السلام): ( وأْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ ) وردهم إلی یعقوب فی ذلک الیوم, وجهزهم بجمیع ما یحتاجون إلیه, فلما فصلت عیرهم من مصر, وجد یعقوب ریح یوسف, فقال لمن بحضرته من ولده :

( إِنِّی لأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) » .

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ العِیرُ قَالَ أبُوهُمْ إنِّی لأجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنِّدُونِ 94*قَالُوا تَاللّهِ إنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ القَدِیمِ 95 } سورة یوسف .

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ العِیرُ } لمَّا خرجت قافلتهم من مصر الی بلاد یعقوب {قَالَ أبُوهُمْ إنِّی لأجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنِّدُونِ94 }.

اشتم یعقوب ریح یوسف من مسافة بعیدة أکثر من عشرة أیام بعنایة من الله تعالی وقال یعقوب: لکنکم تسفهون قولی لجهلکم بالامور .

ص: 80

{ قَالُوا تَاللّهِ إنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ القَدِیمِ95 }: أنت ما زلت تعیش فی خیالک القدیم فی انتظارک یوسف واعتقادک بانه حی یرزق .

قال: « وأقبل ولده یحثون السیر بالقمیص, فرحا وسرورا بما رأوا من حال یوسف, والملک الذی أعطاه الله, والعز الذی صاروا إلیه فی سلطان یوسف, وکان مسیرهم من مصر إلی بلد یعقوب تسعة أیام, فلما أن جاء البشیر, ألقی القمیص علی وجهه فارتد بصیرا, وقال(علیه السلام)لهم: ما فعل بنیامین ؟

قالوا: خلفناه عند أخیه صالحا_ قال _ فحمد الله یعقوب عند ذلک, وسجد لربه سجدة الشکر, ورجع إلیه بصره, وتقوم له ظهره, وقال لولده: تحملوا إلی یوسف فی یومکم هذا بأجمعکم . فساروا إلی یوسف ومعهم یعقوب وخالة یوسف ( یامیل ) فأحثوا السیر فرحا وسرورا, فساروا تسعة أیام إلی مصر » . ولما کان من أمر إخوة یوسف ما کان, کتب یعقوب إلی یوسف ‘وهو لا یعلم أنه یوسف :

بسم الله الرحمن الرحیم, من یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم خلیل الله عز وجل إلی عزیز آل فرعون: سلام علیک, فإنی أحمد الله إلیک الذی لا إله إلا هو . أما بعد, فإنا أهل بیت مولعة بنا أسباب البلاء, کان جدی إبراهیم(علیه السلام)القی فی النار فی طاعة ربه, فجعلها الله عز وجل علیه بردا وسلاما, وأمر الله جدی أن یذبح أبی, ففداه بما فداه به, وکان لی ابن وکان من أعز الناس علیَّ, ففقدته, فأذهب حزنی علیه نور بصری, وکان له أخ من امه, فکنت إذا ذکرت المفقود ضممت أخاه هذا إلی صدری, فیذهب عنی بعض وجدی, وهو المحبوس عندک فی السرقة, فإنی أشهدک أنی

لم

ص: 81

أسرق ولم ألد سارقا . فلما قرأ یوسف الکتاب, بکی وصاح, وقال: ( اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوه عَلی وَجْه أَبِی یَأْتِ بَصِیراً وأْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ ) ((1))

{ فَلَمَّا أنْ جَاءَ البَشِیرُ ألْقَاهُ عَلَی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً قَالَ ألَمْ أقُلْ لَکُمْ إنِّی أعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ 96*قَالُوا یَا أبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ 97 } سورة یوسف . {فَلَمَّا أنْ جَاءَ البَشِیرُ } یهوذا { ألْقَاهُ عَلَی وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً قَالَ } علی وجه یعقوب { ألَمْ أقُلْ لَکُمْ إنِّی أعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ96 } مما أعطاه الله تعالی من علوم الغیب للانبیاء, وهو دلیل علمه الالهی کنبی معصوم { قَالُوا یَا أبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّا کُنَّا خَاطِئِینَ97 }: طلبوا الاستغفار فدعا یعقوب الله تعالی لیغفر لهم .

ومن ذلک قوله عزّ من قائل فی سورة آل عمران: ( وَالَّذِینَ إذَا فَعَلُواْ فاحِشَةً أوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَکَرُواْ الله فَاْستَغْفرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَنْ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ الله وَلَمْ یُصِرُّوا عَلی مَا فَعَلُوا وَهُمْ یَعْلَمُونَ أُوْلئِک جَزَاؤُهُم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِم وَجَنّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِینَ فیها ونِعْمَ أجرُ العَامِلِینَ )_آل عمران135_136, حدیث الصادق (علیه السلام)المروی عن المجالس: لما نزلت هذه الآیة صعد إبلیس جبلا فصرخ بأعلی صوته بعفاریته فاجتمعوا إلیه فقالوا: یا سیدنا لِمَ دعوتنا ؟ قال: نزلت هذه الآیة فمن لها ؟ فقام عفریت من الشیاطین فقال: أنا لها بکذا وکذا ، قال: لست لها: فقام آخر فقال مثل ذلک ،

ص: 82

فقال: لست لها ، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها ، قال: بماذا ؟ قال: أعدهم وأُمنّیهم حتی یواقعوا الخطیئة أنسیتهم الاستغفار ، فقال: أنت لها ، فوکّله بها إلی یوم القیامة ((1))وقوله (علیه السلام): دواء الذنوب الاستغفار ، وقوله (علیه السلام): ما أصرّ من استغفر وقوله (علیه السلام)فی عدّة من الروایات: لا کبیرة مع الاستغفار إلی غیر ذلک ممّا یقف علیه المتتبع .

وأمّا الاستغفار بمعنی استدعاء المغفرة وطلبه الانشائی الذی یقال له السؤال باعتبار کونه من الدانی بأیّ لفظ وأی لغة یکون - وهو الذی قابل للانفکاک من التوبة بمعنی الندم والرجوع إلی الله - فلا دلیل علی اعتباره فیها ، والأصل ینفیه ، مضافاً إلی إطلاق قوله ( صلی الله علیه و آله ): کفی بالندم توبةً ((2)) وقوله ( صلی الله علیه و آله ) المروی أیضاً: الندم توبة ((3)) وقوله (علیه السلام)فی المناجاة الأُولی من الأدعیة الخسمة عشر: إلهی إن کان الندم توبةً إلیک فأنا أندم النادمین ((4))

{ قَالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ 98*فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَی یُوسُفَ آوَی إلَیْهِ أبَوَیْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِینَ 99 } سورة یوسف .

ص: 83

{ قَالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِیمُ98 } وهو منطق نبوی لتعلیم البشریة قضیة العفو عن الاخرین ومحو الحقد والحسد منهم .

بینما تجد أغلب الناس یحقد علی آخرین لابسط الامور مدی حیاته ویحارب من لا یحب حربا شعواء لا نهایة لها فی الدنیا الا بموته .

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَی یُوسُفَ آوَی إلَیْهِ أبَوَیْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِینَ99 } .استقبل النبی یوسف(علیه السلام)أبویه فی مملکته وشملهم بعنایته وحف بهم برعایة خاصة أی استقبل أبویه استقبالا حاراً یلیق بشأنهما .

یوسف یفتح صفحة جدیدة مع زلیخا

احتاجت زلیخا حتی سألت الناس فقالوا ما یضرک لو قعدت للعزیز وکان یوسف یسمی العزیز فقالت أستحی منه فلم یزالوا بها حتی قعدت له علی الطریق فاقبل یوسف (علیه السلام)فی موکبه فقامت إلیه وقالت: سبحان من جعل الملوک بالمعصیة عبیدا وجعل العبید بالطاعة ملوکا .

فقال لها یوسف, أنت هاتیک ؟ فقالت: نعم وکان اسمها زلیخا .

فقال لها: هل لک فیَّ ؟ قالت: دعنی بعدما کبرت أتهزء بی ؟

قال: لا . قالت: نعم فامر بها فحولت إلی منزله وکانت هرمة فقال لها یوسف ألست فعلت بی کذا وکذا فقالت یا نبی الله لا تلمنی فانی بلیت ببلیة لم یبل بها أحد قال وما هی ؟ قالت بلیت بحبک ولم یخلق الله لک فی الدنیا نظیرا وبلیت بحسنی بأنه لم تکن بمصر امرأة أجمل منی ولا أکثر مالا منی نزع عنی مالی وذهب عنی جمالی ( وبلیت بزوج عنین ) .

ص: 84

فقال لها یوسف: فما حاجتک ؟ قالت: تسأل الله ان یرد علیّ شبابی فسأل الله فرد علیها شبابها فتزوجها وهی بکر, قالوا: إن العزیز الذی کان زوجها أولا کان عنینا وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر(علیه السلام)فی قوله: " قد شغفها حبا " یقول قد حجبها حبه عن الناس فلا تعقل غیره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب ((1))

ولم یؤنب یوسف زلیخا علی سجنها له لسنوات طویلة وافتراءاتها علیه فی القصر وخارجه

متهمة ایاه بانه یرید الاعتداء علی شرفها .

{ وَرَفَعَ أبَوَیْهِ عَلَی العَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ یَا أبَتِ هَذَا تَأوِیلُ رُؤْیَای مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّی حَقّاً وَقَدْ أحْسَنَ بِی إذْ أخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ البَدْوِ مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَبَ-یْنَ إخْوَتِی إنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ إنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ 100 } سورة یوسف .{ وَرَفَعَ أبَوَیْهِ عَلَی العَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ یَا أبَتِ هذَا تَأوِیلُ رُؤْیَای مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّی حَقّاً } .

وسجد ابواه واخوانه له وهو ما رآه فی المنام یوم کان طفلا, وهو سجود تکریم لیوسف واحترام طاعة لله قال تعالی: (وَأنَّ المَسَاجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَداً- سورة الجن 18 ) .

ص: 85

ولا باس بالسجود لنبی أو وصی بالامر الالهی وقد أمر الله تعالی الملائکة بالسجود لادم: وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِیسَ قَالَ أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً61 سورة الاسراء .

وقال الشافعی فی حق أمیر المؤمنین(علیه السلام):

لو أنَّ المرتضی أبدی محله - لأضحی الخلقُ طراً سجَّداً له ((1))

أی جوّز الشافعی سجود الانس والجن والملائکة والطیر والوحش وکل ما خلق الله تعالی لامیر المؤمنین علی(علیه السلام) عبودیة لله تعالی وشکرا له وتحیة لعلی(علیه السلام)صاحب الولایة الکبری .

جوَّز الشافعی هنا السجود لامیر المؤمنین علی(علیه السلام)مثلما سجد النبی یعقوب(علیه السلام)وبنوه للنبی یوسف (علیه السلام).

{إذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إنِّی خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِین 71فَإذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ 72 فَسَجَدَ المَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أجْمَعُونَ 73 إلا إبْلِیسَ اسْتَکْ-بَرَ وَکَانَ مِنَ الکَافِرِینَ

} ((2))

ص: 86

وقد جوّز الذهبی السجود للنبی محمد صلی الله علیه و آله حیث قال: القول فی سجود المسلم لقبر النبی صلی الله علیه و آله علی سبیل التعظیم والتبجیل لا یکفر به اصلا ((1)) .

وقال نجاح الطائی: والامام علی(علیه السلام)هو نفس النبی محمد صلی الله علیه و آله فی آیة المباهلة (وأنفسنا وانفسکم ) .

اذن یجوز السجود للامام علی(علیه السلام)کعبد من عبید الله تعالی المخلصین وصاحب الولایة الکبری للمسلمین علی سبیل التعظیم تحیة له وشکرا لله سبحانه وعبودیة له .قال تعالی: «وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ »: لنور محمد وآله طاعة لله تعالی:

«فَسَجَدُوا إلا إبْلِیسَ أبَی وَاسْتَکْبَرَ وَکَانَ مِنْ الکَافِرِینَ34»_سورة البقرة .

وقال نجاح الطائی: اذن علی رأینا یجوز السجود للامام علی(علیه السلام)بنیة العبودیة لله الواحد الاحد والاحترام والتعظیم والتکریم للامام علی(علیه السلام).

{ وَقَدْ أحْسَنَ بِی إذْ أخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِکُمْ مِنَ البَدْوِ }البادیة {مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّیْطَانُ بَیْنِی وَبَ-یْنَ إخْوَتِی } بقضیتهم ومؤامرتهم المعروفة فی القائه فی البئر { إنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِمَا یَشَاءُ } بینما تجری الناس خلف البشر لاستحصال رغباتها غافلین عن الله تعالی { إنَّهُ هُوَ العَلِیمُ الحَکِیمُ } .

ص: 87

{ رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ المُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأوِیلِ الأحَادِیثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَألْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ 101 } سورة یوسف .

{رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ المُلْکِ } فی مصر بالحصول علی وزارة البلاد{ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأوِیلِ الأحَادِیثِ ): تفسیر المنامات التی لا یعلمها الناس{ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }: خالقها ومدبرها {أنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ } فلا اعترف بولایة غیرک لانها لا تنفعنی { تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَألْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ101 }: هذا دعاء توسل بالله تعالی فی حسن العاقبة, والحشر مع الصالحین } .

{ ذَلِکَ مِنْ أنْبَاءِ الغَیْبِ نُوحِیهِ إلَیْکَ وَمَا کُنتَ لَدَیْهِمْ إذْ أجْمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ یَمْکُرُونَ102* } سورة یوسف .

ذَلِکَ مِنْ أنْبَاءِ الغَیْبِ نُوحِیهِ إلَیْکَ: الخطاب للنبی محمد صلی الله علیه و آله ویعنی أن ما قصَّه الله تعالی عن یوسف لم یشاهده بل هو وحی من الله تعالی الیه .

{وَمَا کُنتَ لَدَیْهِمْ إذْ أجْمَعُوا أمْرَهُمْ وَهُمْ یَمْکُرُونَ102 }:

الخطاب للنبی محمد صلی الله علیه و آله : لم تکن موجودا عند اخوة یوسف حین تآمروا علی نفی یوسف أو قتله .

تمنی یوسف للموت

عاش یعقوب مائة سنة وسبعة وأربعین سنة, فلما جمع الله لیوسف شمله, وأقر عینیه بمراده, تمنی الموت خلف أبیه, فقال:

( رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الأَحادِیثِ ) .

ص: 88

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « ما تمنی أحد من الأنبیاء الموت إلا یوسف » .

فلما حضره الموت, أوصی إخوته أن یحملوه إلی الشام, ویدفنوه مع آبائه, ثم استخلف من بعده یهودا, ثم روبیل, ثم ریالون, ثم شمعون, ثم معجز ثم معمائیل, ثم دان, ثم لاوی, ثم شدخ, ثم خبیر وکان هارون وموسی ( علی نبینا وآله وعلیهما السلام ) من نسل لاوی, وکان بین دخول یوسف مصر ودخول موسی أربعمائة سنة وثمانون سنة ((1)) .

{ وَمَا أکْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ103 } سورة یوسف .

وقال نجاح الطائی: بلَّغ النبی محمد صلی الله علیه و آله الرسالة السماویة ولکن مصالح الناس متضاربة فالکثرة الکاثرة تلهث خلف الدنیا الفانیة وشهواتها ورغباتها, کما قالوا: رأیت الناس قد مالوا الی من عنده مال .

أغلب الناس ترکت الشریعة الغراء وارتکبت الموبقات والمکائد للاستحواذ علی الدنیا وملکها ولذاتها .

علیه فقد ترک بعض المسلمین مراسم دفن الرسول وتوجهوا الی السقیفة وانتخبوا ابا بکر خلیفة معاندة منهم للنص الالهی والنبوی فی خلافة الامام علی ÷ .وأجبروا الناس علی البیعة اما بالاکراه بتصفیق الایدی علی یدیه أو بالرشوة المعطاة لهم والمتمثلة فی المال والاراضی والمناصب

الحکومیة

ص: 89

((1)). { وَمَا تَسْألُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أجْر إنْ هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ 104} سورة یوسف :

عاداه . ثم نظر الی الجانب الآخر فقال: ذاک موضع فسطاط أبی فلان وفلان (ابی بکر وعمر ) وسالم مولی أبی حذیفة وابی عبیدة بن الجراح, فلما راوه رافعاً یده قال بعضهم: انظروا الی عینیه تدوران کأنهما عینا مجنون, فنزل جبرائیل بهذه الآیة: (وَإنْ یَکَادُ الَّذِینَ کَ-فَرُوا لَ-یُزْلِقُونَکَ بِأبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّکْرَ وَیَ-قُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ, وَمَا هُوَ إلا ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ)((1))

{ وَکَأیِّنْ مِنْ آیَة فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ105* } سورة یوسف .

{ وَکَأیِّنْ } وکم { مِنْ آیَة } دلالة ومعجزة فِی السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْهَا } الناس { وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ105 } .تمر الناس علی معاجز السماوات والارض وهی غافلة وهی کثیرة لا تحصی منها النظامان الکونیان فی حرکة الشمس والقمر وحرکة الریاح والماء وخلق السماوات والارض وارسال الرسل الی الارض وحضور أمیر المؤمنین علی(علیه السلام)وهو آیة الله الکبری اذ قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): (ما لله آیة أکبر منِّی, فاذا رجعوا الی

الدنیا یعرفهم اعداؤهم اذا رأوهم فی الدنیا ) ((2)) .وقال أمیر المؤمنین (علیه السلام):

ص: 91

ما لله تعالی آیة هی أکبر منی, ولا لله نبأ أعظم منی, ولقد فرضت ولایتی علی الأمم الماضیة, فابت أن تقبلها ((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله : یا علی أنت حجة الله وأنت باب الله, وأنت الطریق الی الله, وأنت النبا العظیم, وأنت الصراط المستقیم, وأنت المثل الأعلی ((2)) .

{ وَمَا یُؤْمِنُ أکْثَرُهُمْ بِاللّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِکُونَ106 } سورة یوسف .

أکثر المسلمین تجدهم یشرکون فی عباداتهم وتحلیلهم للحرام وتحریمهم للحلال أو انکارهم لبعض القرآن وعصیانهم للنبی محمد صلی الله علیه و آله فهو

یقول

ص: 92

فی وصیته للمسلمین صلی الله علیه و آله : إنِّی تارک فیکم الثقلین, کتاب الله وعترتی أهل بیتی, ما إن تمسَّکتم بهما, لن تضلُّوا أبداً ((1)) .

ص: 93

قوله تعالی: وما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللَّه إِلَّا وهُمْ مُشْرِکُونَ [ 106 ] قال: یعنی شرک النفس الأمارة بالسوء کما قال النبی: « الشرک فی أمتی أخفی من دبیب النمل علی الصفا » ((1)) هذا باطن الآیة, وأما ظاهرها مشرکو العرب یؤمنون باللَّه, کما قال: ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّه [ الزخرف: 87 ] وهم مع ذلک مشرکون یؤمنون ببعض الرسل ولا یؤمنون ببعضهم ((2))

قال الصادق (علیه السلام): یقول الشخص لولا فلان لهلکت ولولا فلان لاصبت کذا وکذا ((3)) وهذا نابع من حب الناس للدنیا وضعف ایمانهم ولو صمد دینهم أمام الملذات لاختفی الشرک الخفی من تعلق الناس بالمکاسب الدنیویة .

{ أفَأمِنُوا أنْ تَأتِیَهُمْ غَاشِیَةٌ مِنْ عَذَابِ اللّهِ أوْ تَأتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ107 } سورة یوسف .

ص: 95

{ أفَأمِنُوا أنْ تَأتِیَهُمْ غَاشِیَةٌ {کارثة مثل الفیضان او الزلزلة } مِنْ عَذَابِ اللّهِ أوْ تَأتِیَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا یَشْعُرُونَ107}: أی غافلون نائمون فیحشرهم الله تعالی فی جهنم وبئس المصیر .

{قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِکِینَ108 } سورة یوسف .

هذه آیة الاتباع الخطیرة: { قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی } طریقتی وسبیلی ذاک رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین والاوصیاء من بعدهما((1)) .

(أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة) . قال علی بن سنان للامام الباقر (علیه السلام): إنَّ الناس ینکرون حداثة سنک . فقال وما ینکرون من ذلک ؟ لقد قال الله عز وجل لنبیه: (قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی) .

فوالله ما تبعه الا علی وله تسع سنین وانا ابن تسع سنین ((2)) .

وعکس ذلک من لیس عنده بصیرة:

(ومن کان فی هذه أعمی فهو فی الاخرة أعمی وأضل سبیلا) .

ص: 96

ومما جاء عن البصیرة عن عائشة قال النبی الاکرم صلی الله علیه و آله : إن أزواج النبی قلن یا رسول الله صلی الله علیه و آله أینا أسرع بک لحوقاً ؟ قال صلی الله علیه و آله : أطولکن یداً .

فأخذن قصبة یذرعنها فکانت سودة أطولهن یداً, فعلمنا بعد أنما کان طول یدها بالصدقة ((1)) هذه القصة تبین أن الناس ینظرون الی الامور المادیة اولا ثم ینظرون الی القضیة الدینیة .{ أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِکِینَ108} بل من الموحدین .

روی الحافظ الحسکانی الحنفی, عن فرات, بإسناده المذکور, عن نجم, عن الامام أبی جعفر الباقر (علیه السلام), قال نجم: سألته عن قول الله تعالی: (قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی } طریقتی وسبیلی ذاک رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین والاوصیاء من بعدهم { أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة } .

قال أبو جعفر (علیه السلام): (ومن اتبعنی): علی بن أبی طالب(علیه السلام)((2)) .

ص: 97

وروی هو, عن فرات أیضاً بإسناده المذکور, عن أبان بن تغلب, عن جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام): هی {قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أدْعُو إلَی اللّهِ عَلَی بَصِیرَة أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی } والله ولایتنا أهل البیت لا ینکرها أحد إلاّ ضالّ, ولا ینتقص علیاً إلاّ ضالّ ((1)) آیة الاتباع: قوله تعالی: أنا ومن اتبعنی : هو علی ((علیه السلام)) ((2)) . ابو بکر ابن مردویه الشافعی: عن الامام أبی جعفر محمد الباقر ((علیه السلام)): أنا ومن اتبعنی: علی بن أبی طالب وآل محمد ((3))

وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ إلا رِجَالا نُوحِی إلَیْهِمْ مِنْ أهْلِ القُرَی {فلم نرسل ملائکة ولم نرسل رجالا من البدو بل أرسلنا رجالا من مدنهم یعرفونهم خیر معرفة .{ أفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأرْضِ فَیَ-نْظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ }.من مکذبی الرسل الذین عاقبهم الله تعالی أشدَّ عقاب { وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا أفَلا تَعْقِلُونَ }109 .

مهما سعد الانسان فی الدنیا فسروره لیس مثل سرور الاخرة .

ص: 98

{حَتَّی إذَا اسْتَیْأسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَ-نُجِّیَ مَنْ نَشَاءُ وَلا یُرَدُّ بَأسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِینَ 110 } سورة یوسف .

عندما ییأس الرسل من ایمان قومهم ینزل العقاب علی الکافرین المعاندین وینجوا المؤمنون .

{ لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِوْلِی الألْبَابِ مَا کَانَ حَدِیثاً یُفْتَرَی وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ کُلِّ شَیْء وَهُدیً وَرَحْمَةً لِقَوْم یُؤْمِنُونَ111 } سورة یوسف .

{ لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِوْلِی الألْبَابِ} کانت قصص الرسل موعظة للمؤمنین المتدبرین فی حیاتهم وعقیدتهم والقصص القرآنیة جاءت للموعظة . موعظة للمؤمنین المتدبرین فی حیاتهم وعقیدتهم والقصص القرآنیة جاءت للهدایة والارشاد .

وقال أمیر المؤمنین(علیه السلام)فی وصیته لابنه الحسن(علیه السلام)کما فی

" نهج البلاغة ": أحی قلبک بالموعظة . . . إلی أن قال: وأعرض علیه أخبار

الماضین, وذکره بما أصاب من کان قبلک من الأولین, وسر فی دیارهم

وآثارهم, فانظر فیما فعلوا ومما انتقلوا, وأین حلوا ونزلوا . . . " إلی أن قال

(علیه السلام): " أی بنی إنی وإن لم أکن عمرت عمر من کان قبلی فقد نظرت فی أعمالهم, وفکرت فی أخبارهم . وسرت فی آثارهم حتی عدت کأحدهم,

ص: 99

بل کأنی بما انتهی إلی من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلی آخرهم, فعرفت صفو ذلک من کدره ونفعه من ضرره "((1))

{ مَا کَانَ حَدِیثاً یُفْتَرَی } ولم تکن قصص موضوعة .

أخبر الله تعالی ان فی قصص الأمم الماضین التی ذکرها دلالة لذوی العقول علی تصدیق الرسل وان ما أخبرناک به لم یکن حدیثا کاذبا . والحدیث الاخبار عن حوادث الزمان وتسمیته بأنه حدیث یدل علی أنه حادث, لان القدیم لا یکون حدیثا, والافتراء القطع بالمعنی علی خلاف ما هو به وأصله القطع من قولهم قریت الأدیم فریا إذا قطعته, ووجه الاعتبار بتلک القصص ان الذی قدر علی إعزاز یوسف بعد القائه فی الجب واعلائه بعد حبسه فی السجن وتملیکه مصر بعد إن کان کبعض أهلها فی حکم العبید وجمعه بینه وبین والدیه وإخوته علی ما أحبوا بعد مدة طویلة وشقة بعیدة لقادر ان یعز محمدا صلی الله علیه و آله ، ویعلی کلمته وینصره علی من عاداه . وقوله " ولکن تصدیق الذی بین یدیه " معناه تصدیق الکتب التی قبله من التوراة, والإنجیل وغیرهما من کتب الله ((2)) .

{ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ }ما تقدمه من الکتب .

ص: 100

{وَتَفْصِیلَ کُلِّ شَیْء } من أمور الدین والدنیا {وَهُدیً وَرَحْمَةً لِقَوْم یُؤْمِنُونَ 111 } .

یعتقدون بارکان الدین وکامل الاسلام علی عکس السلفیین الوهابیین الذین یرفعون رایة التوحید وهم مهووسون بقتل المسلمین وأکل لحومهم أمام الملأ واختطاف الاطفال لارتکاب الشذوذ معهم واستخدامهم کدروع بشریة وتسخیرهم لتفجیر سیارات انتحاریة واعمال شیطانیة أخری .وهم مهووسون بالزنا بالمسلمات وخصوصا المحصنات .

ولو عملوا هذه الاعمال تحت رایة الکفر لانقذونا من التبعات لکنهم یفعلوها تحت رایة الاسلام والتوحید لیشوهوا صورة المسلمین .

مؤامرة اخوة یوسف الاولی :

کانت مع النبی یوسف حینما کان صغیرا واسباب العداء له :

انه أعقل منهم وعالم بالامور لانه نبی .

انه اجمل منهم .

النبی یعقوب علیه السلام ابوهم یحبه اکثر منهم .

انه واخوه بنیامین من أم اخری : وکثیرا ما تکون العداوات بین الاخوة من أمهات مختلفات شدیدة وعنیفة .

فاتفق الاخوة علی وضع نطاق عمتهم علی صدر یوسف تحت ثیابه وعندما جاءت العمة تبحث عنه قالوا لها ابحثی عن السارق بیننا فوجدته تحت ثیاب یوسف علیه السلام .

فجعلوه سارقا وکانوا فی ذلک الوقت یأخذون السارق لهم ویجعلوه عبدا فاخذته عمته الی دارها

فتمکن هؤلاء الشیاطین من طرد یوسف علیه السلام من دارهم والاستفراد بیعقوب النبی علیه السلام . ثم وجدوا ان حب النبی یعقوب وعلاقته بیوسف لم تنقطع بل استمرت فقرروا تنفیذ المؤانرة الثانیة المتمثلة فی قتل یوسف او وضعه فی البئر لیلتقطه بعض السیارة او یموت هناک .

فاعطوا الایمان المغلظة لیعقوب بالدفاع عن یوسف ان ارسله معهم لیلعب . فارسله النبی یعقوب علیه السلام لکنهم خانوا المواثیق والعهود والامانة ووضعوا یوسف فی البئر .

ص: 102

مؤامرتان فعلهما اخوة یوسف علیه السلام المنافقون ضده وضد أخیه بنیامین الاولی اتهموا یوسف بالسرقة فی الصغر ووضعوه فی البئر لیموت .

الثانیة ضد أخیه بنیامین بوضعهم صواع الملک فی رحل بنیامین فوجده الفرعونیون عنده واتهموه بالسرقة أمام أهل قریته فاصبح سارقا فی نظرهم وهو عفیف بریء .

وفی القضیتین کذبهم النبی یعقوب علیه السلام بعلمه للغیب وقال جملة واحدة :

بل سولت لکم أنفسکم امرا فصبر جمیل .

ولم یلتزم جمیع المفسرین بقول یعقوب النبی علیه السلام فی القرآن وهذا شیء خطیر لانهم تبع احدهم الاخر وساروا علی الروایة الکاذبة وترکوا النص القرآنی .

وکان الیهود والنواصب هم الذین حرفوا قضیة بنیامین واتهموا یوسف علیه السلام بالاحتیال والکذب :

١_انه وضع صواع الملک فی رحل بنیامین واتهمه بالسرقة زورا وهو ذنب کبیر .

٢_وانه اتهم اخوانه کذبا وزورا بالسرقة وهذا الامر لا تفعله الانبیاء والاوصیاء .

٣_ اتهموا یوسف علیه السلام انه تسبب فی عمی أبیه باختطافه لبنیامین .

٤_تسبب فی تشویه سمعة بنیامین .

واخذ جمیع المفسرین هذا التفسیر من روایة مخالفة للقرآن .

ص: 104

فعلم النواصب والیهود المسلمین جواز الکذب والاحتیال للانبیاء والعوام .

بینما قال النبی محمد(صلی الله علیه و آله)لو خالفت روایة القرآن فاضربوا بها عرض الحائط .

وهدف الیهود والنواصب القضاء علی عصمة الانبیاء والقرآن الکریم .

لذا انتشرت الاکاذیب فی صفوف بعض المسلمین بفعل هذه الروایات الکاذبة والتفسیرات الخاطئة .

بینما بین النبی یوسف المعصوم علیه السلام فی القرآن مؤامرتین لهما فی حقه وحق اخیه بنیامین بقوله :

(هل علمتم ما فعلتم بیوسف وأخیه اذ أنتم جاهلون ) سورة یةسف ٨٩ .

مؤامرتهم فی حق یوسف اتهامه بالسرقة ووضعه فی البئر .

ومؤامرتهم فی حق بنیامین وضعهم صواع الملک فی رحله فاتهموه زورا امام الناس انه سارق .

واعترف اخوته المنافقون بالمؤامرتین بلا تردد فقالوا :(لقد ءاثرک الله علینا وان کنا لخاطئین ) .

ص: 105

السرقة والدجل والشعوذة : قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ کُنْتُمْ کَاذِبِینَ ( 74 ) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ ( 75 ) _سورة یوسف .

العرف یقض بجعل السارق عبدا وهو ما یریده الاخوة العاصون .

فانتبه عمال مصر علی فقدانهم صاع الملک فقال الاخوة المشاغبون فتشونا , ولما فتشوهم وجدوه فی کیس (رحل) بنیامین :

فَبَدَأَ بِأَوْعِیَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِیهِ ...( 76 )

قَالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَلَمْ یُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَکَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ( 77 ) .

اتهم الاخوة یوسف وبنیامین بالسرقة رغم انهم هم الذین وضعوا نطاق عمتهم علی صدر یوسف الطفل .

وهم الذین وضعوا صاع الملک فی رحل بنیامین وهم یقفون فی وسطهم , ورغم ذلک اتهموهما

بالسرقة !!!

وهذا قمة التشیطن والتمرد علی رب العالمین .

وجاء فی الرحل :

القتب : بالتحریک : رحل صغیر علی قدر السنام .

رحل البعیر: صغیر علی قدر السنام ، انظر : مجمع البحرین 2 / 139 قتب .

الرحل هو کیس وجراب .

الصادق علیه السلام " کان رحل رسول الله

ص: 107

صلی الله علیه وآله ذراعا ، وکان إذا صلی وضعه بین یدیه یستتر به ممن یمر بین یدیه "(1)

النبی یعقوب فی المؤامرة الاولی لاولاده المنافقین حیث وضعوا یوسف فی البئر قال لهم :

بل سولت لکم أنفسکم أمرا فصبر جمیل .

فتعجبوا من علمه الالهی الذی لا یقتنع باعذارهم الواهیة .

المؤامرة الثانیة :

استعدوا لها جیدا کی لا ینکرها النبی یعقوب مرة ثانیة فعملوها امام قریتهم بحرکة شیطانیة وجعلوه امام قوة فرعون وجیشه التی سوف تسحق کل لص یتهم بسرقة لوازمه .

فدسوا صاع الملک فی کیس بنیامین والقت قوات فرعون القبض علیه فاصبح معروفا امام اهل فلسطین وامام عمال وجنود مصر بانه سارق وهی مصیبة کبری اوقعوه فیها .

فاخذته السلطة الفرعونیة عبدا لها وهذا جزاؤهم وحکمهم فی السراق والحرامیة.

ص: 108

الانبیاء والاوصیاء السابقون لم یرتکبوا الاعمال الشیطانی فکیف یخالفهم یوسف باقدامه علی هذه الاعمال ؟

ارْجِعُوا إِلَی أَبِیکُمْ فَقُولُوا یَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَکَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا کُنَّا لِلْغَیْبِ حَافِظِینَ ( 81 ) وَاسْأَلِ الْقَرْیَةَ الَّتِی کُنَّا فِیهَا وَالْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنَا فِیهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 82 ) .

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِیلٌ عَسَی اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ ( 83 )_یوسف.

فعرف واستیقن الاولاد أن اباهم یعقوب یعلم الغیب الالهی ولا یمکنهم الکذب علیه .

ولم یلتفت معظم المسلمین الی علوم یعقوب علیه السلام الغیبیة وفضحه لهؤلاء المنافقین .

لقد سار الیهود علی نظریة الانتقاص من الانبیاء والاوصیاء وتعظیم احبار الیهود.

وسار النواصب علی نهجهم ومشروعهم .

وکل من ینهج هذا النهج فهو یهودی ولا یهمنا لباسه وقنلسوته وطربوشه .

نظریة العصمة للانبیاء والاوصیاء هی الفارق بین الشیعی والسنی ولیس العناوین التی یدعیها لنفسه : مرجع وعالم ومحقق وعلامة ووووو .

فمن یخالف العصمة للمنتجبین العظام لا یساوی عندنا شیئا .

وکل روایة تخالف القرآن باطلة ولو قالها الکبار وتسببت فی اجماع .

ص: 114

وکان الاِمام علی جمیلا مثل النبی یوسف ((1)).

وقال النبی الأکرم صلی الله علیه و آله : من أراد أن ینظر الی یوسف فی جماله والی إبراهیم فی سخائه والی سلیمان فی بهجته والی داود فی قوّته فلینظر الی

هذا((2)).

ص: 115

ولو سأل سائل عائشة: لقد کان النبی محمد صلی الله علیه و آله صادقا فی الجاهلیة فسموه بمحمد الصادق الامین فکیف اتهمتیه بانه شاعر یهذی وانه مجنون یقول کل ما لا یعقله العقلاء ؟

وبعدما فعلت عائشة کل الموبقات فی مواجهتها لسید الانبیاء قال النبی (صلی الله علیه و آله) لعائشة وحفصة وسودة : إنّکنّ لصواحب یوسف ((1)) .

ص: 116

ویقصد مجموعة النساء اللاتی أردن سل یوسف الصدیق من حظیرة الدین الی حظیرة الدنیا مسهلات له أمر الخطیئة والزنا معهن وکن محصنات , لکنه رفضهن واختار الاخرة .

وکانت صواحب یوسف یفعلن کل الموبقات من کذب وافتراء وزنا وخیانة وکفر وفسق وفجور فی المجتمع الفرعونی الغارق فی الترف والرذیلة .

فهن اللاتی طلبن من النبی یوسف(علیه السلام) فعل الزنا معهن وهن نساء محصنات وأزواجهن زعماء الحکومة الفرعونیة ومعبد آمون لکنه رفض طلبهن .

فتآمرن علیه مع زلیخا وألقین به فی السجن : { فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ42 } سورة یوسف.

ص: 117

ووصف النبی لعائشة وحفصة وسودة بأنکن صواحب یوسف هو أخطر وصف نبوی لهن یکشف الستار عن کل من لا یفهم شخصیة هذه الزوجات وأعمالهن وخصالهن العاصیة لله ورسوله .

وقال تعالی عن الکافرین فی مشروعهم هذا : (وَیَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِر مَجْنُون) ((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله : لعائشة وحفصة وسودة فی یوم الاثنین یوم شهادته: إنّکنّ لصواحب یوسف ((2)) أی فعلتم بی ما فعلته زلیخا وصاحباتها بالنبی یوسف(علیه السلام) من افتراءات ومؤامرات شیطانیة .

ص: 118

اتهمت زلیخا النبی یوسف(علیه السلام)بمحاولته الزنا بها للاساءة لسمعته ,والضغط علی الحکومة لادخاله السجن فنجحت المؤامرة فی ادخاله السجن .

وأعداء أهل البیت یفعلون کل الافعال المحرمة بلا استثناء ومن یشارک فی قتل رسول الله صلی الله علیه و آله لا یتورع عن باقی الاعمال , وقد بینت النصوص والمصادیق صحة هذا المنهج الذی نؤمن به .

والمکیدة علی النبی محمد صلی الله علیه و آله تمثلت فی اتهامه بالمجنون والمسحور وانتهت بقتلهم له بالسم فی قضیة لده بالدواء حیث قال لهم:

جاء فی روایتی البخاری ومسلم عن عائشة: «لددنا((1)) رسول الله (صلی الله علیه و آله)فی مرضه، فجعل یشیر إلینا أنْ لا تلدونی. قلنا: کراهیة المریض الدواء. فقال (صلی الله علیه و آله): لا یبقی فی البیت أحد إلاّ لد، وأنا أنظر إلاّ عمی العباس فانه لم یشهدکم»((2)).

وجاء: «فلدوه وهو مغمور((3))

ص: 119

قال الامام الصادق(علیه السلام) عن سورة عبس : إنّها نزلت فی رجل من بنی أمیّة (عثمان) ((1))

تفسیر العیاشی: عن جابر قال:

سألت أبا جعفر(علیه السلام)عن هذه الآیة من قول الله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الکَافِرِینَ89 } البقرة .

قال: تفسیرها فی الباطن: لما جاءهم ما عرفوا فی علی(علیه السلام)کفروا به، فقال الله فیهم: [ فلعنة الله علی الکافرین ], یعنی بنی أمیة هم الکافرون فی باطن القرآن ((2))

اتهام النبی یوسف بمحاولته الزنا مع زوجة الوزیر بینما حاول قتلها حینما همّت به وحاولت اجباره علی الزنا .

الافتراء باتهام النبی محمد (صلی الله علیه و آله)وباقی الانبیاء بالجنون و اتهام النبی بانه مسحور: (وَ قَالَ الظَّالِمُونَ ) لآل محمد حقهم:

{ إنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلا مَسْحُوراً اُنظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلا } ((3)) .

وفاء وطهارة واخلاص رحیمة زوجة أیوب

ص: 120

رحیمة بنت النبی یوسف وزوجة النبی أیوب کانت قدوة دینیة مغمورة ومنسیة فی التاریخ ولم تسلط الاضواء علیها وعلی کفاحها وجهادها ونضالها فی سبیل المبادیء النبیلة والشریفة لاحیاء الوفاء والاخلاص للزوجیة والالتزام بالدین والرضا بما حلَّ بها

وأهلها من بلاء .

وقد باعت شعرها وهو علامة أنوثتها وجمالها لاطعام زوجها وحفظ النبوة وقهر الاعداء المحدقین بها والناصبین لها ولزوجها ودینها الحقد والکراهیة .

وکانت زوجة ایوب قدوة لامتها فی الشرف والصبر علی الشدائد والوفاء لزوجها وتحمل الاعباء والمسؤولیة اذ کانت تخدم عند الناس لاعالة نفسها وزوجها . وبقیت مصرة علی ابقاء علاقتها الزوجیة مع زوجها المریض والمفلس والمنفی من المدینة والکریه المنظر .

فکانت مثالا للزوجة الطاهرة التقیة العاملة المصرة علی الحق والمدافعة عن الدین والزاهدة فی الحیاة والمنتظرة للاخرة والمعتقدة بالرحمة الالهیة .

وقال الامام جعفر الصادق (علیه السلام) قوله تعالی: ( أجعل بینکم وبینهم

ردما ) . قال: التقیة :{ فَمَا اسْتَطَاعُوا أنْ یَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً } _سورة الکهف.

قال (علیه السلام): هو التقیة ((1))

ص: 121

وقال نجاح الطائی:

لقد آمن رجل من آل فرعون برسالة موسی فلم یظهر ایمانه خوفا من فرعون وهذا الامر یعلَّم المؤمنین التقیة کی لا یقضی علیهم الکفارُ بسهولة ویفنوهم .

وایمانه یذکرنا بایمان فرعون زمن النبی یوسف(علیه السلام)وانقیاده لطاعة یوسف ودینه .

ولما أراد فرعون قتل موسی(علیه السلام)دافع عنه هذا المؤمن المتستر دفاعا علمیا ودینیا وردَّ

ادعاءهم بصورة حضاریة قائلا :

{ إنَّ اللّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ } وهو رد علی من قال عن النبی موسی: { سَاحِرٌ کَذَّابٌ } 24 _سورة غافر .

وهذا یعنی اعتراف من هذا المؤمن بأن النبی موسی مهتد الی الدین وصاحب هدایة ولیس مثلما تفترون علیه من انه کافر بالدین .

وأبطل ادعاءهم انه: { مُسْرِفٌ کَذَّابٌ } .

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته .

العبد المطیع لله تعالی

نجاح عطا عبد محمد الطائی

ص: 122

ملک الموت یخبر یعقوب بحیاة یوسف 71

نظریة یوسف: العفو عن المذنبین 75

یوسف شافی أباه بقمیصه أم بقمیص الانبیاء ؟ 78

القرآن ذکر للمتَّقین الساعین خلف الحق وهم قلیل 90

القلیل من المسلمین یتبعون نظریة الثقلین وهی أمر الهی نبوی ؟ 94

المؤامرة الاولی ضد یوسف 101

سؤال 103

من وضع السقایة فی رحل بنیامین یوسف او احد اخوانه المنافقین ؟ 103

مؤامرة اخوة یوسف الثانیة 106

أثر المؤامرتین علی النبی یعقوب علیه السلام 109

ص: 124

هل فعل یوسف علیه السلام الاحتیال بحق بنیامین وتسبب بتشویه سمعته وعمی یعقوب فأصبح من المجرمین ؟ 110

الروایة المتهمة لیوسف بالاحتیال مخالفة للقرآن 111

القرآن یفضح جریمة اخوة یوسف حیث فرحوا بعد القاء الفرعونیین القبض علی بنیامین ونجاح مؤامرتهم بل ایدوهم اکثر حیث قالوا : 112

النبی یعقوب اتهم اولاده المنافقین بارتکابهم الجریمتین 112

یوسف اتهم اخوانه المنافقین بالسرقة 113

محتویات الکتاب 123

ص: 125