رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق وزارة الثقافة العراقیة لسنة 336:2013

الرقم الدولی: 9789933489755

الحلی، میثاق عباس

قرة العین فی صلاة اللیل / تألیف میثاق عباس الخفاجی الحلی؛ تقدیم محمدعلی الحلو. - الطبعة الأولی. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة، 1435 ق. = 2014 م.

159 ص. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة؛ 125).

المصادر: ص 145-148؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. صلاة اللیل. 2. صلاة اللیل فی القرآن. 3. صلاة اللیل (فقه جعفری). 4. صلاة اللیل - آداب ورسوم. ألف. الحلو، محمدعلی، 1957 -.، مقدم. ب. العنوان.

2014 5565 H 54 N . 184.32 BP

2014 5565 H . 184.7 BP

تمت الفهرسة فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة قبل النشر

ص:2

ص:3

ص:4

(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ)

یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّیْلَ إِلاّ قَلِیلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَیْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً (4) إِنّا سَنُلْقِی عَلَیْکَ قَوْلاً ثَقِیلاً (5) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِیلاً (6)

صدق الله العلی العظیم

(المزمل: الآیات 1-6)

ص:5

فی صلاة اللیل سیجد ما یمکن تحقیقه فی هذا المضمار، فخلوة العبد فی فضاءٍ طاهرٍ لم تُدنسهُ مادیات الحیاة، وفی جوٍ محفوفٌ بالصمتِ بعیدُ عن ضوضاء الحیاة وصخب الأجواء الملتهبة بالتنافسات والتسابقات، یجد الإنسان نفسه مأخوذاً فی هدوء اللیل لینفتح علی عالمٍ یعیشه بینه وبین ربه لیناجیه ویتضرع لدیه ویستکین فیه فیکون قد حاز الرضا الإلهی الذی لا یحصل علیه إلا بالخلو عن حیاةٍ خاویةٍ، ولا یرقی بروحه الی هذا المدی من الطهارة والأُنس بعالم جرّده الحب الإلهی لینال المعرفة التی یتلذذُ بها صاحبها کلما وقف إلیها، هذه هی صلاة اللیل یتهجد فیه المؤمن فیناجی ربه وتستولی علیه بهجة المحبة وتأخذه حالة الشوق إلی مدیات القرب الإلهی.

وهکذا هو بحث سماحة الشیخ میثاق الحلی یُسلط الضوء علی هذا النهج العبادی الذی یستحق فیه العبد رضا الرب ونفحات قدسه الملکوتی.

عن اللجنة العلمیة

السید محمد علی الحلو

ص:8

بسم الله الرحمن الرحیم

تعالی مبینا سبب النعیم:

(إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی جَنّاتٍ وَ عُیُونٍ (15) آخِذِینَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ کانُوا قَبْلَ ذلِکَ مُحْسِنِینَ (16) کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ (17) وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ (18) وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ)1 .

فوصفهم الله تعالی بقلة النوم، لا لشیء دنیوی، أو ألَمٍ جسدی، أو خوف من ظالم، وإنما لأجله تعالی وطلبا لرضاه، فهم مستغفرون بالأسحار عما فعلوه، مما علموا به وما لم یعلموا، وهذا اعتراف بالخطأ منهم سواء أکان عن سهو أم غیره، وإشفاقا منهم علی أعمالهم الصالحة، وأنها لم تؤدِ حق الله سبحانه وتعالی مستجلبین بذلک عطفه ورحمته، أتری أنه لا یجیبهم؟ وهو أهل الکرم والرحمة، فحاشی لله تعالی أن یُخیّبَ سائله.

إن الکثیر من عباد الله غافلون عن معبودهم فی اللیل فهم غارقون فی نومهم قد غَلبتْ علیهم شهوة النوم علی رغبة المحبوب، وأما العابدون حقا فقد آثروا بالسهر علی نوم وخالفوا هواهم لهوی

ص:10

محبوبهم حتی وصفهم الله تعالی بقوله:

(وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً)1 .

لقد نسبهم سبحانه وأضافهم إلیه بأنهم (عباد الرحمن) لا الهوی ورغبة النفس التی تمیل إلی الراحة وکثرة النوم. فهؤلاء یتلذذون بالسهر لله تعالی وخالقهم تقربا له سبحانه، فهم یعلمون انه یتلذذُ بذلک، بل هم متلذذون بالمناجاة تارکین راحة الدنیا من الفرش الفارهة وزینة الحیاة الدنیا وغیرها، وحتی إذا ما اخذوا قسطا من الراحة علی فرشهم تجدهم یتقلبون علیها رغبة عنها ویتلجلج ذکر الله تعالی علی ألسنتهم ویعیش فی ذاکرتهم ومخیلتهم وقد وصفهم الله تعالی بقوله حیث قال:

(إِنَّما یُؤْمِنُ بِآیاتِنَا الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ (15) تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا)

ص:11

(رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ)1 .

وفضلهم علی غیرهم بقوله تعالی:

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ إِنَّما یَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) .(1)

کأن الله تعالی یرید أن یقول لنا لا تعتبوا علیَّ یوم القیامة لما ترونه من مقامات عالیة ومختلفة بینک فی الجنة وبالأخص للسالکین فی اللیل بنور العشق الإلهی القائمین فی اللیل وما أعده الله لهم، لأنهم کانوا یتهجدون ویستغفرون فی اللیل، وانتم سامدون فی لذة نائمون، فهل یعقل أن تتساوی المقامات فیها والجزاء واحد!.

قال ابن المبارک(2) واصفا هذه الصورة القرآنیة بشعره قائلا:

ص:12

إذا ما اللیلُ اظلم کابدوه فیسفر عنهمُ وهمْ رکوعُ

أطار الخوفُ نومَهُمُ فقاموا وأهلُ الأمن فی الدنیا هُجوعُ

لهم تحت الظلام وهمْ سجودُ أنینٌ منه تنفرجُ الضلوعُ

وَخُرْسٌ بالنهارِ لطولِ صمتٍ علیهم من سَکِینتِهمُ خُشوعُ

ص:13

فأینَّ الذین یخشون ربهم ویرجون رحمته عن الغافلین عنه تعالی، وأین المشفقون من عذاب جهنم کأنهم یرونها عن غیرهم؟ هل یستوون؟ ولذا قال الله تعالی جلت أسماؤه مبینا الفرق بینهم:

(لَیْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ یَتْلُونَ آیاتِ اللّهِ آناءَ اللَّیْلِ وَ هُمْ یَسْجُدُونَ) .(1)

وقطعا لیسوا سواءً وکیف یکون ذلک وهو العادل فی حکمه.

اعلم أیها المؤمن: أن الصلاة هی أهم عبادة تساعدنا فی تقویة الارتباط بالله تعالی وتکامل الروح، ولیس فی هذا المجال فحسب، بل حتی علی الصعید العلمی، فهی تنظم السلوک العلمی والعملی لدی الباحث، من حیث الحفاظ علی صدقیة ما یبحث عنه یکشف الحقیقة ویؤمن بها بما هی حقیقة ولا یکون ذلک الا مع الخشیة من الله تعالی والخوف منه تعالی فی السر والعلن، وبذلک یکون التوفیق الإلهی بفتح أبواب المعرفة له.

فإذا اجتمع العلم وإقامة الصلاة بشروطها من الفرد والمجتمع، تکاملت العبودیة الحقة فیهما، وکان مجتمعا روحانیا ومستقیما علی

ص:14

جادة الصواب، وإلا فما قیمة العلم مع الانحلال الخُلقی والإلحاد وغیرها من الأخلاق والأفکار المنحلة، والتی لا تزال تغزو بلادنا بأفکار فاسدة فارغة المحتوی والمضمون خالیة من القیم والمبادئ الإنسانیة.

إن صلاة اللیل هی احد العوامل المساعدة علی تجرد الروح عن المادیات وتحافظ علی روحانیتها وعندها یبقی العقل مسیطرا علی متطلبات النفس الامارة بالسوء ویمنعها من الخضوع للمغریات والترف والانغماس فی الدنیا. فالروح الإنسانیة من خلال الخلوة بالله تعالی تحصل لها حالة الفناء والذوبان بالحق تعالی وطلب العون منه سبحانه فی أوقات السحر، إذا نامت العیون وهدأت الأصوات أن یهدیها إلی سواء الطریق.

والعابد لابد أنْ یکونَ له منهجٌ فی عبادته لیسلک به سبیل الوصول إلی رضا الله تعالی، ولا یکون ذلک إلا من خلال المنهج العبادی العرفانی فی التهجد لیلاً، فانَّ البعضَ لا یعرفُ کیفیة التهجد فی اللیل، فقد یتصور البعض انَّ مجردَ إحیاء اللیل بحد ذاته هو تهجد، وهذا لیس بصحیح.

ص:15

وهذه دراسة موجزة فی موضوع التهجد، وقد اختصرتها عن کتابی (تنبیه الغافلین فی فوائد وآثار صلاة اللیل) الذی لم یطبعْ بعدُ، وقمنا باختصاره استجابة لطلب بعض الأعزاء من أهل العلم والفضیلة فی الحلة (اعزها الله تعالی) ومناسبة المقام للاختصار وعدم ملل القراء منه، وقد أسمیته ب - (قرة العین فی صلاة اللیل) تبرکا بقوله تعالی: (فلا تعلم نفس ما أخفی لهم من قرة أعین جزاءً بما کانوا یعملون). وبحدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: الطاعة قرة العین.(1) وحدیث الإمام الصادق علیه السلام حینما مدح من یقضی صلاة اللیل فی النهار فقال له: (قرة عین والله)(2).

ولا ننسی الشکر لأهل الفضل والکرم من أخینا العزیز سماحة

ص:16

العلامة الشیخ حسن الحلی والأستاذ الفاضل الدکتور محمد خلیل (أعزهم الله تعالی).

وقد تضمن الکتاب: مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

وتضمنت المقدمة: مدحَ وثناءَ المولی سبحانه للمتهجدین والمؤدین لها وتفضیلهم علی غیرهم وسبب تألیف الکتاب. وتضمن الفصل الأول: الحدیث عن بعض الآیات التی تحدثتْ عن صلاة اللیل وتفسیرها وبیان سبب نزولها ودلالاتها وتنبیهین.

وتضمن الفصل الثانی الحدیث عن آثار وفضائل صلاة اللیل وأثر تلاوة القرآن فی اللیل فی البیت وآداب الدعاء وأهمیة التوسل بأهل البیت علیهم السلام.

وتضمن الفصل الثالث الحدیث عن کیفیة صلاة اللیل وشرح بعض مضامین دعاء الحزین واستحباب الاستخارة بعد صلاة اللیل.

ثم الخاتمة وقد تضمنت الحدیث عن بعض الأحکام الشرعیة المتعلقة بصلاة اللیل لفقهاء الطائفة المعاصرین (أعلی الله مقامهم).

المؤلف

ص:17

ص:18

ص:20

یُعدُّ القرآن الکریم المصدر الأول للتشریع الإسلامی، فقد تضمن مجموعةً من آیات الأحکام وقد أُخْتُلفَ فی عددها فمنهم من قال إنها (500) آیة ومنهم من قال بأنها أکثر وآخرون قالوا بأنها اقل وکل له دلیله، وقد أوصلها البعض إلی (2000) آیة، والقول الأول هو المشهور(1).

ص:21

والاختلاف فی عدد آیات الأحکام یعود إلی أسباب علمیة محضة لا یسع الحدیث عنها فی هذا المختصر.

وأما ما یتعلق بموضوعنا فان آیات القرآن الکریم التی تحدثت عن صلاة اللیل هی بحسب الظاهر سبع عشرة آیة، کما ورد فی التفسیر المأثور عن أهل البیت (علیهم السلام) وهی:

1 - قوله تعالی:

(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ عَسی أَنْ یَبْعَثَکَ

ص:22

رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً) سورة الإسراء الآیة (79).

2 - و (وَ الْمُسْتَغْفِرِینَ بِالْأَسْحارِ) سورة آل عمران الآیة (17).

3 - و (کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ (17) وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ) سورة الذاریات الآیة (18).

4 - و (تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ) سورة السجدة الآیة (17).

5 - و (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) سورة الزمر الآیة (9).

6 - و (وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبارَ النُّجُومِ) سورة الطور الآیة (48).

7 - و (وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ) سورة ق الآیة (40).

ص:23

8 - و (وَ مِنَ اللَّیْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَیْلاً طَوِیلاً) الدهر الآیة (26).

9 - و (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِیلاً) سورة المزمل الآیة (6).

10 - و (وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللّهِ) سورة الحدید الآیة (27).

11 - و (لَیْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ یَتْلُونَ آیاتِ اللّهِ آناءَ اللَّیْلِ وَ هُمْ یَسْجُدُونَ) سورة آل عمران الآیة (113).

12 - و (وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً) سورة الفرقان الآیة (64).

13 - وقوله:(وَ الْفَجْرِ وَ لَیالٍ عَشْرٍ وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ) الفجر (2، 1).

14 -(وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَیِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّیْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ذلِکَ ذِکْری

ص:24

لِلذّاکِرِینَ) (114)

15 -(وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ) هود (115).

16 -(إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِینَ مَعَکَ وَ اللّهُ یُقَدِّرُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ) . المزمل (20).

17 - قوله تعالی:(وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ أَوْ أَرادَ شُکُوراً) الفرقان، (62).

ونحن فی هذا المختصر سنتحدث عن بعضها بما یناسب هذا المختصر.

ص:25

ورکن الی الراحة، فنزل علیه الوحی بقوله تعالی (یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ) . وقد أخرج البزار والطبرانی بسنده عن جابر قال: اجتمعت قریش فی دار الندوة، فقالت سموا هذا الرجل اسما یصدر عنه الناس، قالوا: کاهن، قالوا: لیس بکاهن، قالوا: مجنون، قالوا: لیس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: لیس بساحر، فبلغ ذلک النبی (صلی الله علیه واله - وسلم) فتزمل فی ثیابه فتدثر فیها فأتاه جبریل، فقال: یا أیها المزمل، یا أیها المدثر(1).

وسورة المزمل هی من السور التی نزلت تأمر النبی صلی الله علیه وآله وسلم بقیام اللیل, فقد ورد فی تهذیب الأحکام للطوسی (قده)(2) بسنده عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن قول الله

ص:27

تعالی:(قُمِ اللَّیْلَ إِلاّ قَلِیلاً) ، قال: أمره الله أن یصلی کل اللیل إلا أن تأتی علیه لیلة من اللیالی لا یصلی فیها شیئا(1).

کما یقول الأصولیون، وبقرینة الأحادیث الشریفة التی جاءت بسیاقات مختلفة لتحثَّ الرسولَ صلی الله علیه وآله وسلم علی الإتیان بها فإنها ظاهرة فی الوجوب أیضا، وشمول الأحادیث المتعلقة بصلاة اللیل لصیغة الأمر لجمیع الأنبیاء (صلوات الله علیهم) ولیس خاصة به صلی الله علیه وآله وسلم کما یظهر منها کما سیأتی.

ومما یدل علیه - الأمر بصلاة اللیل - أیضا سبب النزول وحدیث الإمام الباقر علیه السلام، فانهما ظاهران فیه، فلاحظ صیغة الأمر من قوله تعالی: (قم اللیل، فَسَبِّحْهُ، فَاسْجُدْ لَهُ، فتهجد به). تجدها تشیر إلی أمره صلی الله علیه وآله وسلم بالإتیان بصلاة اللیل وتأمره بالتهجد فیه، وقد أجمع المسلمون أن وجوبها ثابت فی حقه صلی الله علیه وآله وسلم واستحبابها علی غیره من المسلمین، ویدل علی ذلک مجموعة من الأَخبار الصحیحة کقوله (صلی الله علیه واله): (واعلموا انه لم یأت نبی قط إلا خلا بصلاة اللیل، ولا جاء نبی قط بصلاة اللیل فی أول اللیل)،(1) فسیاق الحدیث یدل دلالة

ص:29

واضحة علی وجوب صلاة اللیل علیهم وان یکون إتیانها فی الأسحار، ولا یشرع لهم الإتیان بها فی أول الوقت، یقول العلامة الاردبیلی(1) فی زبدة البیان: (فیمکن أن تکون هذه الآیة، إشارة إلی وجوب صلاة اللیل علیه (صلی الله علیه وآله)، کقوله تعالی:("وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ") . زیادة علی باقی الصلوات مخصوصة بک دون أمتک، علی ما قیل)(2).

ومع کونها ثابتة علی الأنبیاء والرسل ومنهم الخاتم (صلی الله علیه وآله)، إلا أن ماهیتها تختلف باختلاف الزمان، وان کان التشریع بنفس المسمی، فصلاة اللیل فی زمن الأنبیاء تختلف عما

ص:30

علیه فی عصر الرسالة، لان لکل امة شریعة خاصة بزمانهم تتناسب والظرف الزمانی قال تعالی:(لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً)1 . فإن مناسبة الظرف الزمانی یقتضی ذلک الاختلاف فی التشریع کما اختلف فی المعاجز، کما فی فرض الصلاة فی الأوقات الخمسة فإنها من مختصات هذه الأمة المرحومة فیما أنها لم تکن مشروعة بهذه الهیأة والأوقات فی عصر الأنبیاء السابقین علی نبینا صلوات الله علیهم أجمعین.

والظاهر أنَّ اختصاص وجوبها بهم (صلوات الله علیهم)، لأن خصائصهم تختلف عن بقیة البشر، لما لهم من القدر علی تحمل المسؤولیة الشرعیة، والصبر وجهاد النفس علی الطاعة من حیث وجوب شکره تعالی أو حق الطاعة، ولأنهم أعرف بالله تعالی من غیرهم، وإنما لم یوجبها علی غیرهم رحمة بهم، ولرفع المشقة عنهم، وقد أشار إلی ذلک بقوله تعالی:(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ) ، زیادة علی باقی الصلوات مخصوصة به صلی الله علیه وآله وسلم دون أمته کما ذکره الاردبیلی.

ص:31

وقد فهم الفقهاء والمفسرون من دلالة الحدیث، القول بوجوبها علی خصوص الرسول صلی الله علیه وآله وسلم دون غیره من المسلمین، قال الطبرسی(1) فی المجمع: (هو قول أکثر

ص:32

المفسرین).(1) وقال الاردبیلی(2) فی زبدة البیان: (فیمکن أن تکون هذه الآیة، إشارة إلی وجوب صلاة اللیل علیه صلی الله علیه وآله وسلم، کقوله تعالی:(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ) . زیادة علی باقی الصلوات مخصوصة بک دون أمتک، علی ما قیل)(3). هذا هو الظاهر من الآیة المبارکة، وهو وجوب صلاة اللیل علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خاصة.

وقال به أیضا العلامة جمال الدین البحرانی فی منهاج الهدایة قال (قده): (المختار من الأقوال أن صلاة اللیل کانت فرضا علیه صلی الله علیه وآله وسلم ونافلة لأصحابه).(4)

ص:33

وقال الصابونی(1) أیضا فی روائع البیان: (ظاهر قوله تعالی:(قُمِ اللَّیْلَ إِلاّ قَلِیلاً) ، إن التهجد کان فریضة علیه صلی الله علیه وآله وسلم، وان فریضته کانت خاصة به، ومما یدل علیه قوله تعالی فی سورة الإسراء (وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ) ، فان قوله (نافلة لک) بعد الأمر بالتهجد ظاهر فی أنَّ الوجوب من خصائصه علیه الصلاة والسلام - وآله -، ولیس معنی النافلة فی هذه الآیة ما یجوز فعله وترکه, فانه علی هذا الوجه لا یکون خاصا به علیه الصلاة والسلام - وآله -, بل بمعنی کون التهجد نافلة له, انه شیء زائد علی ما هو مفروض علی سائر الأمة)(2).

وأما الأخبار الدالة علی ذلک فما رواه القمی عن أبی الجارود(3) عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله:

ص:34

(إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ)

ففعل النبی صلی الله علیه وآله وسلم ذلک وبشر الناس به، فاشتد ذلک علیهم وعلم أن لن تحصوه، وکان الرجل یقوم ولا یدری متی ینتصف اللیل ومتی یکون الثلثان، وکان الرجل یقوم حتی یصبح مخافة أن لا یحفظه, فأنزل الله (إِنَّ رَبَّکَ یَعْلَمُ أَنَّکَ تَقُومُ) إلی قوله:(عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) یقول: متی یکون النصف والثلث نسخت هذه الآیة، فاقرءوا ما تیسر من القرآن واعلموا انه لم یأت نبی قط إلا خلا بصلاة اللیل، ولا جاء نبی قط بصلاة اللیل فی أول اللیل)(1).

ومنها ما رواه الصدوق (قده)(2) فی تهذیبه بسنده عن عمار

ص:35

الساباطی(1) قال: کنا جلوسا عند أبی عبد الله الصادق علیه السلام بمنی فقال له رجل: ما تقول فی النوافل؟ قال: فریضة. ففزعنا وفزع الرجل. فقال أبو عبد الله الصادق علیه السلام إنما أعنی صلاة اللیل علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم, إن الله تعالی یقول:(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ)2 . فهذه الملاطفة من الإمام علیه السلام فی تحدید الحکم الشرعی أفزعتهم فهم أعجز من أن یتقبلوا هذا الحکم ولوقع الکثیر من المؤمنین فی المخالفة القطعیة له؛ لأنه فوق طاقتهم، ولذلک لما فزع السائل استدرک الإمام علیه السلام فی البیان بأنها واجبة علی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم زیادة علی الفرائض الخمس. وقد أجمع المفسرون والفقهاء من المدرستین علی القول بوجوبها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ص:36

استراحَ, فغضبَ النبی (صلی الله علیه وآله) غضباً شدیداً، فنزلتْ،(وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ) الآیة وقوله تعالی:(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ) . أشارَ إلی صلاةِ اللیلِ، ففی المجمعِ عن الصادقِ علیه السلام إنه الوتر من آخرِ اللیلِ(1). وقوله تعالی:(وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ حِینَ تَقُومُ) سِبّحه حینَ تقوم سحراً للعبادةِ وصلاةِ اللیلِ(2). وإلیه ذهبَ المفسرونَ.

فإن مواجهةَ الصعابِ تحتاج إلی العونِ والمددِ الغیبی، فینبغی علی الإنسانِِ ألا یرتبطَ بالعواملِ المادیةِ فقطْ للاستمرارِ بمسیرتهِ الرسالیةِ، بلْ لابدَ منْ أنْ یرکزَ علی عنصرِ الغیبِ وهوَ الله سبحانه وتعالی، فهو الذی یؤید الإنسانَ بعناصرِ القوةِ بشرطِ الارتباطِ بهِ حقیقةً، وفی الحقیقةِ هوَ الرجوعُ إلیهِ تعالی عندَ المواجهةِ فی مواقف الضعف والعجزِ، فإنٌ سببَ الهدایةِ إلی النتائجِ الصحیحةِ إنما هی بلطفِ اللهِ ورحمتهِ قالَ تعالی:

(وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّالِمِینَ)3 .

ص:38

وقوله تعالی:

(إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللّهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ)1 .

وقال:

(وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدیً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ)2 .

ولذلکَ نجد أنٌ المولی سبحانَه یحث النبیَ صلی الله علیه وآله وسلم علی الاستعانةِ بهِ دائما ومن طرق الاستعانة صلاةُ اللیلِ التی عبرَ عنها بالتسبیحِ، وهی احد أسماءِ صلاةِ اللیل.

والصبر له مقدماتٌ تمثل العواملَ الأساسیةَ فی تحققِهِ وأهمها ذکر اللهِ تعالی دائماً فهوَ مقومٌ لتکاملِ روحِ الإنسان، وملهمٌ لهُ لروحِ الصبرِ، ومنْ دونِ ذلکَ تبقی النفسُ ضعیفةً فی مواجهةِ الصعابِ والمتغیراتِ، والارتباطُ باللهِ تعالی یخففُ شدةَ ووطأةِ المشاکلِ منْ خلالِ تقویةِ القلبِ ومدهِ بعونِ اللهِ تعالی منْ خلالِ التخطیطِ السلیمِ فی کیفیةِ تهیئةِ المواقفِ التی تتناسبُ معَ مواجهةِ هذهِ المشاکل

ص:39

والصمودِ أمامَها، والاستعانةَ باللهِ تعالی منْ خلالِ الصلاةِ قال تعالی:(وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَکَبِیرَةٌ إِلاّ عَلَی الْخاشِعِینَ)1 ، والاستعانة بها أعظم إذا کانت الصلاة فی أوقاتها، فإنَها أجلُّ وسیلةٍ، وأفضلُها وهذا ما أشارَ إلیهِ القرانُ الکریمُ منْ الاستعانةِ بها فی أوقاتٍ حدَدَها. فإنَّ القرآنَ یضیفُ تعقیباً علی الأمرِ بالصبرِ قالَ تعالی:(فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ)2 . وکذلک قولُهُ تعالی:(وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ)3 .

فهذا الذکرُ والتسبیحُ فی هذینِ الوقتینِ وباستمرارِ، یقوی القلبَ وینصبَّ علیهِ، کانصبابِ الغیثِ علی الأرضِ لیهبها الحیاة ویسقیها الرواء، فالتسبیح أیضاً یُلهم القلب النشاط، والاستقامة الفکریة للتخطیط السلیم فی کیفیة المواجهة بوجه الخصوم.

وقد أشار بقوله (وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ) ، أی: وسبحه بعض اللیل وأدبار السجود وأعقاب الصلاة، وقُرِئ بالکسر، من أدبرت الصلاة إذا انقضت.

ص:40

وروی عن الإمام الصادق علیه السلام، أنه سئل عن هذه الآیة: فقال: تقول حین تصبح وحین تمسی عشر مرات (لا إله إلا الله وحده لا شریک له، له الملک وله الحمد یحیی ویمیت وهو علی کل شیء قدیر). وفی الکافی عن الباقر علیه السلام، أنه سُئل عن قوله تعالی وأدبار السجود: فقال: رکعتان بعد المغرب. وعن الإمام الصادق علیه السلام: إنه الوتر من آخر اللیل(1).

ومن الملاحظ أن هناک اختلافا فی نافلة المغرب بین الاثنتین والأربع والمتفق علیه عند فقهاء الإمامیة أن نافلة المغرب أربع رکعات ولیست اثنتین، فعلی هذا لابد من حمل الروایة القائلة بالاثنتین علی التقیة، لأنها موافقة للعامة.

متعلقة لنفس الوقت أو متعلق الوقت وهو الفریضة؟ وبعبارة أخری، هل المولی سبحانه یأمر بالتسبیح بعد هذه الفرائض أو بعد الوقت؟

وقد اختلف المفسّرون فی المراد من «التسبیح» فی الأوقات الأربعة: (قبل طلوع الشمس وبعد الغروب ومن اللیل وأدبار السجود)، فبعضهم یعتقد أنّ المراد من هذه التعبیرات هو الصلوات الخمس الیومیة. وبعضٌ من النوافل الفضلی علی الترتیب والنحو التالی، قوله:(قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) إشارة إلی صلاة الصبح، لأنّ فی آخر وقتها تطلع الشمس، فینبغی أداؤها قبل طلوع الشمس. وقبل الغروب إشارة إلی صلاتی الظهر والعصر لأنّ الشمس تغرب آخر وقتیهما.

أمّا قوله:(وَ مِنَ اللَّیْلِ) ، فیشیر إلی صلاتی المغرب والعشاء(1). ولکن الشیخ الطوسی (قده) احتمل إرادة صلاة اللیل والمغرب لدخوله - المغرب - فیه قال (قده): ومن اللیل: یعنی صلاة اللیل یدخل فیه المغرب والعتمة(2). وأخرج السیوطی فی دره عن ابن جریر عن مجاهد ما هو موافق لقول الطوسی (قده) قال:(وَ مِنَ

ص:42

اَللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ) قال: اللیل کله(1). فلم یحدده فی وقت معین وهذا هو الموافق لإطلاق لفظ اللیل. ولان الصلاة هی تسبیح، قال القرطبی: وأما من قال - إشارة للتسبیح فی اللیل - إنها صلاة اللیل فإن الصلاة تسمی تسبیحا لما فیها من تسبیح الله(2). فهی من باب تسمیة الشیء باسم جزئه. وهو من الأسالیب البلاغیة التی استعملها القرآن الکریم والعرب.

وأما عن کیفیة التسبیح فقد ورد فی بعض الرّوایات المنقولة عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه حین سُئل عن الآیة:(وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ) .

قال علیه السلام:

تقول حین تصبح وتمسی عشر مرّات (لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له، له الملک وله الحمد یحیی ویمیت وهو علی کلّ شیء قدیر)(3).

ص:43

وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ)1 .

وقال ابن شهر اشوب عن النیسابوری فی روضة الواعظین، انه قال: قال عروة بن الزبیر: سمع بعض التابعین أنس بن مالک یقول: نزلت فی علی بن أبی طالب علیه السلام:(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً) ، وکذلک قال القمی فی تفسیره (قده)(1). وقال صاحب الکشاف: قیل نزلت فی عمار بن یاسر (رض) وأبی حذیفة ابن المغیرة بن المخزومی)(2). ولا یضر التعدد فی المورد ولکن أبرز هذه الموارد وأکملها مصداقا هو الإمام علی علیه السلام.

تعالی، ومع ذلک فهی داخلة فیها؛ لأنها من العبادات اللیلیة, بل هی من أکمل مصادیقها, ولذا فسر القیام فیه بصلاة اللیل، فقد ورد فی کتاب العلل والکافی عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: بأنها صلاة اللیل(1).

وروی الصدوق (قده) بسنده عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: قلت:

(آناءَ اللَّیْلِ ساجِداً وَ قائِماً یَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ یَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ)

قال: یعنی صلوة اللیل(2).

وسیاق الآیة یدل علی ذلک أیضا، إذ انه یعدّ من الدلالات التفسیریة التی تساعد علی فهم النص القرآنی، وان کان هناک کلام فی مدی قوة حجیة هذه الدلالة أو عدم حجیتها، فقد قال بعض العلماء, بعدم حجیتها مطلقا، وذلک بسبب أن السور والآیات لم تُرتبْ بحسب النزول حتی نقول بحجیتها، وإنما کانت توقیفیة بأمر

ص:46

الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

ولکن الجواب الشافی لحجیتها هو ما توافق مع الخبر الصحیح عن أهل البیت (علیهم السلام) ومع المخالفة لظواهر القرآن والخبر فلا یعمل به ولیس بحجة.

والمراد من (القنوت) لغة: قنت قنوتا: أطاع الله وخضع له وأقر بالعبودیة ویقال: قنت لله: لزم طاعته فهو قانت وهی قانتة(1). وقال صاحب الأمثل: (قانت) من مادة (قنوت)، بمعنی ملازمة الطاعة المقرونة بالخشوع والخضوع(2). والمراد منه فی الآیة الکریمة احتمالان: الأول الدعاء، والثانی الصلاة(3).

ویمکن أن یکون المعنی المراد من الآیة الکریمة هو المجموع، لان الدعاء الحقیقی لابد أن یتضمن الخشوع والطاعة لله تعالی لأمره سبحانه بهما.

والظاهر من قوله تعالی:

ص:47

(قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ) .

یشیر إلی التمایز بین العالم والجاهل وفضل الأول علی الثانی, بمعنی الذی یتعبد فی آناء اللیل یعد من العارفین بالله تعالی، بخلاف غیرهم فإنهم لا یعرفون الله تعالی حق معرفته مهما کان وصفه وعنوانه، فإنه لو لم یؤدها أو یتعبد فی خلواته فی ذلک الوقت فهو لم یعرف معبوده حق معرفته، وهو جهل نسبیا بخالقه، لان التهجد فی اللیل یمثل مقام مطابقة العلم للعمل، فالعابد المتهجد فی ظلمات اللیل هو أکثر معرفة بخالقه، وإلا لما خلا به یرجو بذلک رحمته ویحذر عذابه, وهو متحیّرٌ فی عظمة ذات الله تعالی متأملاً فی صفاته.

فیکَ یا أعجوبةَ الکونِ غدا الفکرُ کلیلا

أنتَ حیرتَ ذوی اللُبُ وبلبلتْ العُقولا

کُلما قدمَتُ فکری فیکَ شبراً فَرَّ میلا

ناکصاً یخبطُ فی عمیاءِ لا یهدی سبیلا

أما الغافلون الغارقون بلذاتهم الدنیویة من راحة الخلود إلی النوم وقضاء شهواتهم الجسدیة وغیرها، فهذا دلیل علی انه لا معشوق حقیقی لهم إلا سد حوائجهم الغریزیة، ولو کان لهم معشوقٌ حقیقةٌ لما غفلوا عنه لحظة, ولسهروا لیلهم, وتقلبوا علی

ص:48

فراشهم قد شغلهم التفکر فیه وبه، عن غیره، بل هیأوا له کل مستلزمات الاستعداد للقاء به لیلا فهو وقت العروج والسلوک الی الله تعالی. ولذا فتارک صلاة اللیل والتعبد فیه من الجاهلین الذین لا یعرفون حقیقة العبادة, ووقتها المتمیز وأولئک هم المغبونون حقا، کما قال الإمام الصادق علیه السلام: یا سلیمان لا تدع قیام اللیل، فإن المغبون من حرم قیام اللیل(1).

قال الشاعر:

ضحوا باشمط عنوان السجود به یُقطِّعُ اللیلَ تسبیحا وقرآنا

وقال آخر:

عباد لیل إذا جن الظلام بهم کم عابد دمعه فی الخد أجراه

وقال ابن المبارک:

قد حملوا اللیل أبدانا مذللة وأنفساً لا دنیاتٍ ولا دونا

وراوحوا بین أقدام لهم صبر وأوجه عفروا منها العرانینا

یطوون فی محکم الفرقان آونةً وتارةَ سجدا لله یبکونا

وقال:

ذرأنا إله الناس رب محمد لقوم علی الأطراف باللیل قوم

ص:49

یناجون رب العالمین إلههم فتسری هیوم القوم والناس نوم

یقول الفخر الرازی معللا فضل عبادة اللیل علی غیرها:

(إن عبادة اللیل أستر عن العیون, فتکون أبعد عن الریاء, الثانی: إن الظلمة تمنع من الإبصار, ونوم الخلق یمنع من السماع, فإذا صار القلب فارغا عن الاشتغال بالأحوال الخارجیة, عاد إلی المطلوب الأصلی, وهو معرفة الله وخدمته)(1).

الصائمین الکرام یستیقظون لأجل السحور لیس إلا، وینسون إتیان هذه النافلة المقدسة بل إن البعض یحرم نفسه من الاستیقاظ عند السحر من خلال تسحره مبکرا قبل نومه والغرض من ذلک حتی لا یستیقظ وقت السحر وهو بذلک یحرم نفسه من أمرین مستحبین وهما استحباب السحور وهو محبوب لأهل البیت (علیهم السلام) وأداء صلاة اللیل، فقد روی عن الإمام الصادق علیه السلام:

لا بأس بأن لا یتسحر إن شاء وأما فی شهر رمضان فإنه أفضل أن یتسحر، نحب أن لا یُتْرَکَ فی شهر رمضان.

وقال علیه السلام:

قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): السحور برکة.

وقال صلی الله علیه وآله وسلم: لا تدع أمتی السحور ولو علی حشفة(1).

مع ترک الصائم للسحور والصلاة، فهو یحرم نفسه من فیض جوده وسعة رحمته تعالی وفضل رزقه، بل قد تفوت بعضهم صلاة الفجر عن وقتها، مع العلم أن الاستیقاظ فی وقت السحر بنفسه من

ص:51

المستحبات الأکیدة فی شهر رمضان. وان الاستیقاظ لأداء نافلة اللیل فی شهر رمضان أسهلُ من غیره من الشهور، لأن غالب الصائمین یستیقظون سحرا لأجل السحور کی لا یفوتهم فمن السهل جدا أن لا تفوتهم صلاة اللیل فی شهر رمضان المبارک.

فالأولی علی الصائمین أن یستثمروا وقت السحور وبالذات الشباب فإنهم لا یزالون فی قوة شبابهم وحیویة روحهم واندفاعهم لطاعة الله تعالی وکما قیل: (ومن شب علی شیء شاب علیه)، فلیس من الصحیح تضییع هذه النفحات الإلهیة فی هذا الشهر المبارک. فتنبه.

وهنا تنبیه آخر للمؤمنین: وهو فیما یتعلق بوقت أداء صلاة اللیل فیما لو تزاحم مع مستحب آخر فإننا غالبا ما نری من المؤمنین أعزهم الله تعالی فی لیالی عاشوراء وبالأخص لیلة العاشر منه ولیالی القدر یحیون هذه اللیالی بالطقوس الدینیة من ذکر شهادة الإمام الحسین علیه السلام وأعمال لیالی القدر ولکنهم یغفلون عن صلاة اللیل فی هذه اللیالی المبارکة، ولا یمکن أن نقول: إن الشعائر الحسینیة لو تزاحمت مع صلاة اللیل، بحیث تستوعب الشعائر اللیل

ص:52

کله فیزاحم وقتُ الشعائر نافلةَ صلاة اللیل، فهل تقدم صلاة اللیل علی الشعائر؟ والجواب: الحقیقة انه لا تزاحم بینهما ولا یصح تأخیر الشعائر الحسینیة لأجل صلاة اللیل، لأنه یمکن قضاء صلاة اللیل وهو أفضل.

ص:53

ص:54

ص:56

إن الأسلوب القرآنی فی الإرشاد هو أسلوب الترغیب والترهیب لکی یحقق غرضه الأسمی من الخلق وهو الطاعة والعبودیة لله تعالی خالصة من قبل الإنسان، قال تعالی:

(وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ)1 .

فانه لا یکون ذلک إلا بهما، وکی تبقی إرادة الإنسان حرة فی مجال اختیار طریق الطاعة أو المعصیة لتتحقق الطاعة والعبودیة عن إرادة حرة ومختارة، ولذا شرع سبحانه الأجر والثواب لطفا وتفضلا منه تعالی علی الإنسان لیختار طریق کماله بنفسه.

والعبودیة الحقیقیة لا تتحقق بإتیان الفرائض فقط، وإنما کمال العبودیة بالفناء المطلق فی الله تعالی ومن مراتبه إتیان صلاة اللیل فی أوقاتها، فان لکل آن من آناتها مرتبة من الأجر وثواباً، فقد ورد عن أهل البیت (علیهم السلام) أحادیث تبین أن لکل لحظة من

ص:57

لحظات اللیل فضلاً وثواباً، قد وزع علی أوقات اللیل حتی الفجر، فلیس من الإنصاف أن یکون الثواب والجزاء واحدا فی کل الأوقات لنفس الفضیلة، فأین المتهجدون کل اللیل من المتهجدین فی بعضه وأین من صلی بعد العشاء ونام حتی الفجر عمن یتقلب علی فراشه منتظرا وقت السحر لیقوم لخالقه لأداء حقه.

فکلما کان أداء صلاة اللیل أقرب للفجر کانت أفضل والثواب أعظم، فعن جعفر بن محمد، عن أبیه علیهما السلام: أن رجلا سأل علیّ بن أبی طالب علیه السلام عن قیام اللیل بالقراءة. فقال له: أبشر من صلی من اللیل عُشْرَ لیلة لله، مخلصا ابتغاء ثواب الله تبارک وتعالی قال الله لملائکته: اکتبوا لعبدی هذا من الحسنات عدد ما أنبت فی اللیل من حبة وورقة وشجرة وعدد کل قصبة وخوص ومر(1) ، ومن صلی تسع لیلة أعطاه الله عَشْرَ دعوات مستجابات وأعطاه الله کتابه بیمینه، ومن صلی ثُمنَ لیلة أعطاه الله أجر شهید صابر صادق النیة وشفع فی أهل بیته، ومن صلی سُبْعَ لیلة خرج من

ص:58

قبره یوم یبعث ووجهه کالقمر لیلة البدر حتی یمر علی الصراط مع الآمنین، ومن صلی سدس لیلة کتب فی الأوابین(1) وغفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صلی خُمْسَ لیلة زاحم إبراهیم خلیل الرحمن فی قبته، ومن صلی رُبْعَ لیلة کان فی أول الفائزین،(2) حتی یمر علی الصراط کالریح العاصف، ویدخل الجنة بغیر حساب، ومن صلی ثُلُثَ لیلة لم یبق ملک إلا غبطه بمنزلته من الله عز وجل، وقیل له: أدخل من أی أبواب الجنة الثمانیة شئت، ومن صلی نصف لیلة فلو أعطی ملء الأرض ذهبا سبعین ألف مرة لم یعدل جزاءه، وکان له بذلک عند الله عز وجل أفضل من سبعین رقبة یعتقها من ولد إسماعیل، ومن صلی ثلثی لیلة کان له من الحسنات قدر رمل عالج(3) أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرات، ومن صلی لیلة

ص:59

تامة تالیا لکتاب الله عز وجل راکعا وساجدا وذاکرا أعطی من الثواب ما أدناه یخرج من الذنوب کما ولدته أمه، ویکتب له عدد ما خلق الله عز وجل من الحسنات ومثلها درجات، ویثبت النور فی قبره، وینزع الإثم والحسد من قلبه، ویجار من عذاب القبر، ویعطی براءة من النار، ویبعث من الآمنین، ویقول الرب تبارک وتعالی لملائکته: یا ملائکتی انظروا إلی عبدی أحیا لیلة ابتغاء مرضاتی اسکنوه الفردوس، وله فیها مئة ألف مدینة فی کل مدینة جمیع ما تشتهی الأنفس وتلذ الأعین، ولم یخطر علی بال سوی ما أعددت له من الکرامة والمزید والقربة)(1).

ص:60

وورد أیضا عنه بسنده عن جعفر عن أبیه علیه السلام قال: إن الله إذا أراد أن یعذب أهل الأرض بعذاب. قال: لولا الذین یتحابون فی حلالی ویعمرون مساجدی ویستغفرون بالأسحار أنزلت عذابی(1).

وفی الحدیثین الشریفین دلالة واضحة علی أهمیة وقت السحر عن بقیة الأوقات کأول اللیل أو أوسطه أو آخره, فإن تخصیص السحر بقبول الأعمال ورفع العذاب عن أهل الأرض فیه دلالة واضحة علی عظمة هذا الوقت ومدی قوة تأثیره فی الوجود بواسطة العابد العارف المطیع، لأنه خلیفةُ اللهِ تعالی فی أرضهِ والمُستَخْلفُ والمستعمرُ فیها، فالعبدُ الذی یتقربُ إلی خالقهِِ ومحبوبِهِ بالنوافلِ غرضُهُ القربُ منهُ ورضوانه، وهذه لها آثار ونتائج فی الوجود، کما فی الحدیث القدسی الشریف قال:

(لا یزال عبدی یتقرب إلی بالنوافل حتی أحبه فإذا أحببته، کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ویده التی یبطش بها)(2).

ص:61

بل جعل رسولُ الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهلُ بیته (علیهم السلام) من ضمن وصایاهم، بل أهمها أداءَ الصلوات والحفاظ علیها ومنها صلاة اللیل ففیما ورد فی الوصیة بصلاة اللیل ما أوصی به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علیا علیه السلام ففی صحیحة معاویة بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: کان فی وصیة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لعلی علیه السلام أن قال: یا علی:.. أوصیک فی نفسک بخصال احفظها عنی، ثم قال: اللهم أعنه - إلی أن قال: وعلیک بصلاة اللیل!.. وعلیک بصلاة اللیل!. وعلیک بصلاة اللیل! الحدیث. وعنه علیه السلام قال: شرف المؤمن صلاته باللیل، وعز المؤمن کفه عن أعراض الناس.(1) فهذا التأکید فیه دلالة واضحة علی أهمیة الإتیان بصلاة اللیل علی نحو الاستحباب المؤکد، فهی وإن لم تکن واجبة علیهم (علیهم السلام) إلا انه لا ینبغی لهم ترکها، وإن ترکوها (علیهم السلام) فهی من باب ترک الأولی.

ومما ورد فی شرف المؤمن وعزه ما ورد فی صحیحة عبد الله

ص:62

بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: ثلاث من فخر المؤمن وزینة فی الدنیا والآخرة: الصلاة فی آخر اللیل، ویأسه مما فی أیدی الناس، وولایته الإمام من آل محمد (صلی الله علیه وآله)(1). فإِنَّ صلاة اللیل هی زینةُ المؤمن فی المقامین، والمراد من الزینة ما یتزین به الإنسان علی نحو الإظهار ولذا فإن أصحابها یوم القیامة فی الجنة متمیزون وبارزون لما یظهر علیهم من جمالیة بسبب زینة صلاة اللیل فإنها قد ظهرت لهم بحقیقتها فی ذلک العالم، فهو عالم تتجسم فی الإعمال ولذا تکون صلاة اللیل عبارة عن حلیة وزینة تحیط بهم وتسر الناظر إلیها قال تعالی:

(إِنَّما تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)2 .

ولذا أهل صلاة اللیل لهم صفة خاصة فی یوم القیامة تتمیز عن الآخرین.

ومن المعلوم والمجرب أن مصلیها یشعر بالاعتزاز والقرب من الله تعالی والاطمئنان النفسی فی کل المتعلقات الدنیویة وأهمها الاستشعار بالقرب الإلهی.

ص:63

وفی معتبرة أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام، عن آبائه، عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قیام اللیل مصحة البدن، ورضی الرب، وتمسک بأخلاق النبیین، وتعرض لرحمته(1).

وقد جاء للإمام الصادق علیه السلام رجل فشکی إلیه الحاجة وأفرط فی الشکایة حتی کاد أن یشکو الجوع، فقال له أبو عبد الله علیه السلام: یا هذا أتصلی باللیل؟ فقال الرجل: نعم، قال الراوی: فالتفت أبو عبد الله علیه السلام إلی أصحابه فقال: کذب من زعم أنه یصلی صلاة اللیل وهو یجوع، إن صلاة اللیل تضمن رزق النهار(2). ولقد جربنا هذا کثیرا وبالخصوص فی الحوزة الشریفة المبارکة حیث رزقنا فی أیام الشدة من حیث لا نعلم. ببرکة صلاة اللیل(3).

ص:64

وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله): من صلی باللیل حسن وجهه بالنهار.(1) ولیس معنی الحدیث أنَّ مَنْ لم یصلها سیجوع، ولا یُعْتَرَضْ علینا بمن لا دِینَ له أو غیر الملتزم بها وقد وُسِّعَ علیه فی رزقه، فهؤلاء مغرر ومستدرج بهم. وإنما المراد أنَّ مَنْ یُصلِیهَا سَیُوَسَعُ علیه فی رزقه ضمن الطرق المشروعة کالتکسب بالحلال، وأما سعة رزق بعض أهل الدنیا ممن لا یأتی الصلاة الواجبة فضلا عن صلاة اللیل فهذا یعود إلی أمرین:

الأول: أَنَّ الحصول علی الأرزاق وتوسیعها یعتمد البحث فیها عن الأسباب الطبیعیة المؤدیة لحصول الأرباح کالتفکر فی کیفیة الربح وتهیئة رأس المال المناسب للتجارة به ومعرفة المکان المناسب لحصول الکسب، وهکذا تهیئة بقیة مقدمات التکسب. وهذا نوع من أنواع الکسب الحلال.

ص:65

والثانی: فی الحصول علی الرزق أو زیادته: هو الاعتماد علی الأسباب الطبیعیة وتهیئة مقدمات الرزق ومن ضمنها استخدام الطرق غیر المشروعة لزیادة المال، وأخطرها الربا الذی شاع فی زماننا وللأسف الشدید حتی بین بعض المؤمنین. وهذا لیس من رزق الله تعالی الحلال، لأنها لیس من طریق المال المشروعة، بل هو من مکاسب الشیطان والنفس الأمارة بالسوء.

ولذا ما یحصل علیه الإنسان من الأرباح الدنیویة من غیر الطریق الشرعی فهو لیس برزق بل هو کسب محرم وما یحصل علیه من طرقه المشروعة فهو الرزق الحلال، ولا یوجد هناک رزق حرام. نعم استعمل اللفظ تسامحا بین الناس بحیث حتی المال الحرام الذی یحصلون علیه یسمونه رزقاً وهو لیس بصحیح بل هو کسب.

وأما الأثر الایجابی المرجو من الإتیان بصلاة اللیل فی الأرزاق فإنها تعدّ أحد العوامل المقومة زیادة الرزق، ولکنها من العوامل الغیبیة التی لا یستشعر بها إلا المؤمن المؤدی لها وهذا مجرب لدینا. ونؤکد علی أنها من مقومات زیادة الرزق لا تقسیم الرزق، وإِلا فالأرزاق مقسمة وموزعة کل بحسب المصلحة التی

ص:66

قدرها الله تعالی ولا اعتراض علی إرادته، ففی وصیة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام لولده محمد بن الحنفیة: یا بنی الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق یطلبک فإن لم تأته أتاک(1). وقال الله تعالی:(وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُری آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ)2 . وقال تعالی:

(وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَی الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً)3 .

فالإیمان والتقوی من عوامل زیادة الأرزاق وهذا وعد ربانی لا یخلفه.

ومن المعلوم والمشروع أن الإنسان یسعی لزیادة رزقه لأسباب وغایات مشروعة أو غیرها ومنهم مَنْ یُذنبُ فیُحبس رزقُه فیأتی هنا أثر الاستغفار والتوبة من خلال صلاة اللیل فیتحقق الأثر المرجو منها بإذنه تعالی بمقتضی کرمه وتفضله سبحانه وتعالی یُعیدُ له رزقه أو یُوسعه علیه، ولذا فلابد من التمسک بالعوامل الغیبیة لزیادة الأرزاق بل فی کل شیء.

ص:67

ومن آثار صلاة اللیل فی المؤمن حسنُ الوجهِ، ففی معتبرة إسماعیل بن موسی بن جعفر، عن أخیه علی بن موسی الرضا، عن أبیه، عن جده قال: سُئل علی بن الحسین علیهم السلام: ما بال المتهجدین باللیل من أحسن الناس وجهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالله، فکساهم الله من نوره(1).

والظاهر أنَّ حُسنَ الوجِه لیس المراد منه الجَمَال من حیث اللون کالبیاض أو غیره فإنها من الصفات الثابتة التی لا تتغیر إلا بسبب عوامل خارجیة کالتعرض الکثیر إلی الشمس أو کبر السن أو مرض، وإنما المراد من حسن الوجه هو ظهور الإشراقة الإلهیة علی وجهه من حیث التواضع وظهور صفة الخشیة علی وجهه ونور یکسوه من التجلی الإلهی له لخلوه بخالقه کما فی حدیث الإمام زین العابدین علیه السلام.

وقد فسر الإمام الصادق علیه السلام المراد من حسن وجهه التی هی سمة فی الوجه بأن آثار السهر الذی ینکس علی الوجه ویظهر للعیان فی النهار فقد سئل علیه السلام عن قول الله عز وجل:

ص:68

((سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ، قال: هو السهر فی الصلاة)(1). ولیس المراد من آثار السهر مجرد التعب الظاهر علی الوجه وإلا فهی حالة وصِفةٌ یتصف بها کلُ مَنْ أخذ السهر بتلابیبه حتی لو کان فی معصیة الله تعالی، ولکن المراد من سهر اللیلة فی حالة خاصة وهی حالة الخلوة مع الله تعالی یعمل فی طاعته متهجدا تالیا للقرآن مشفقا من عذابه راجیا رحمة الله تعالی فهنا یکون لسهر اللیل میزة خاصة وإشراقة ربانیة علی قلبه ووجهه.

ومن آثارها المترتبة علی تلاوة القرآن الکریم تَمیّزُ البیوت التی یصلی فیها باللیل مع تلاوة القرآن ویظهر لأهل السماء منها دون غیرها من البیوت نور یضیء لاهل السماء، کأنها علامة نورانیة وإشارة رحمانیة تُحددُ لملائکة السماء البیت الذی یتعبد ویتهجد فیه صاحبه فلا تخفی علیهم آثاره لما یشرق علیهم من أنواره اللیلیة، فقد روی فی صحیحة الفضیل بن یسار، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن البیوت التی یصلی فیها باللیل بتلاوة القرآن، تضیء لأهل السماء کما تضیء نجومُ السماء لأهل الأرض(2).

ص:69

وهناک روایات أخری قد وردت فی زیادة الرزق وهو ما نسمیه بالآثار الاقتصادیة والصحیة وانْ تضمنتْ معها آثاراً أخری مترتبة علی صلاة اللیل، وقد تحدثنا عنها تفصیلا فی کتابنا تنبیه الغافلین(1) وسنذکر هنا بعضا منها.

ومن هذه الروایات التی تحدّثت عن الأثر الاقتصادی فی أداء صلاة اللیل ما رواه المفید (قد) فی المقنعة قال: روی أنَّ صلاة اللیل تدرُ الرزقَ، وتُحَسِنُ الوجْهَ، وتُرضی الربَّ، وتُفنی السیئاتِ. ومنها روایة بحر السقاء عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن من روح الله عز وجل ثلاثة: التهجد باللیل، وإفطار الصائم، ولقاء الإخوان(2). وروی عن أبی عبد الله علیه السلام: صلاة اللیل تُحسنُ الوجه، وتحسن الخُلُقَ، وتُطیبُ الریحَ، وتدرُ الرزقَ، وتَقضی الدَّینَ، وتُذْهِبُ بالهمِّ، وتجلو البصرَ.

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال:

ص:70

علیکم بصلاة اللیل!. فإنها سُنةُ نبیکم، ودأب الصالحین قبلکم، ومطردة الداءِ عن أجسادِکم(1).

و قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام:

إِنَّ فِی الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا الْحُلَلُ ومِنْ أَسْفَلِهَا خَیْلٌ بُلْقٌ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ لَا تَرُوثُ ولَا تَبُولُ، فَیَرْکَبُهَا أَوْلِیَاءُ اللَّهِ، فَتَطِیرُ بِهِمْ فِی الْجَنَّةِ حَیْثُ شَاؤوا، فَیَقُولُ الَّذِینَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ: یَا رَبَّنَا مَا بَلَغَ بِعِبَادِکَ هَذِهِ الْکَرَامَةَ؟.

فَیَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: إِنَّهُمْ کَانُوا یَقُومُونَ اللَّیْلَ ولَا یَنَامُونَ، ویَصُومُونَ النَّهَارَ ولَا یَأْکُلُونَ، ویُجَاهِدُونَ الْعَدُوَّ ولَا یَجْبُنُونَ، ویَتَصَدَّقُونَ ولَا یَبْخَلُون) (2).

وقد ورد فی وصف صلاة اللیل أکثر من کونها زینة المؤمن بل شرفه وعزه، فقد وردَ فی معتبرة هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: جاء جبرائیل إلی النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: یا محمد!.. عش ما شئت فإنک میت، وأحبب ما شئت فإنک

ص:71

مفارقه، واعمل ما شئت فإنک تُجْزَی به، واعلم أن شرف الرجل قیامه باللیل، وعزه استغناؤه عن الناس(1).

إن ما ذکر من الفضائل والآثار لصلاة اللیل یتعلق بنفس الصلاة، وقد ورد عنهم علیهم السلام أن لبعض أجزائها المأمور بها علی نحو الاستحباب فیها من الثواب العظیم والجزیل کما فی الاستغفار فی الوتر مثلا. فقد ورد فی معتبرة عمر بن زید، عن أبی عبد الله علیه السلام انه قال: مَنْ قال فی آخر الوتر: استغفر الله ربی وأتوب إلیه، سبعین مرة ودام علی ذلک سَنة، کُتبَ من المستغفرین بالأسحار(2). وهذا یدلُ علی أن الثواب والفضل الإلهی ثابت لأجزاء النافلة کما انه ثابت لجمیعها علی نحو الإتیان بتمام الإحدی عشرة رکعة.

ویمکن القول إن من أسباب جعل الإنسان خلیفة الله فی الأرض هو تحقیق الإنسان لإرادة الله وهی العبادة المطلقة له سبحانه وتعالی، فالإنسان یحقق إرادة الله تعالی من خلال أدائه للعبادة

ص:72

کصلاة اللیل مثلا وبیانه للملائکة بأن الله تعالی یُباهی الملائکة بإتیان العبد لصلاة اللیل، وقد وردت روایات عن أهل البیت (علیهم السلام) بأن الله تعالی یتباهی بهؤلاء علی الملائکة ویُریهم فَضْلَهم علی غیرهم، فقد ورد فی الأثر الصحیح عن النوفلی قال: سمعته - الصادق علیه السلام - یقول:

إن العبدَ لیقومَ فی اللیل فیمیلُ به النُعاسُ یمینا وشمالا، وقد وقع ذِقنُهُ علی صدره فیأمرُ اللهُ تعالی أبوابَ السماءِ فتُفْتَح ثُمَّ یقولُ للملائکة: انظروا إلی عبدی ما یُصِیبُهُ فی التقرب إلیَّ بما لم افترض علیه راجیا منی لثلاث خصال: ذنباً اغفرُه لُه، أو توبة أُجَدِدها له أو رزقاً أزیدُ فیه اشْهَدُوا ملائکتی أنی قد جمعتُهُنَّ لَهُ(1).

وهذه الأحادیث الشریفة تشیر إلی أن تحقیق نظام الأجر والثواب ثابتٌ من دون الإشارة إلی شروط القبول، فالمعروف والمحقق عند الفقهاء (أعلی الله مقامهم) أن هناک شروطا للصحة والقبول، والأول یُعَدُّ من مقدمة الواجب(2) ، فیجب تحقیقه وهو

ص:73

سَهلُ التحقق کالوضوء والقبلة وغیر ذلک من مقدمات الصلاة. وأما شرائط القبول فهی الإخلاص والخشوع والاستقامة علی جادة الشریعة المقدسة وتحصیلها یحتاج إلی توفیق من الله تعالی رزقنا وإیاکم التوفیق لها.

وکل ما ذکرنا فی فضل هذه النافلة غیض من فیض وإذا شئتَ معرفة الکثیر عنها فراجع ما ذکرناه من المصادر الحدیثیة.

ص:74

ولذا هذه النفس تمیل إلی التجرد والحفاظ علی طهارتها، فهی تستثمرُ المنامَ لتتحرر منه فتلتقی بالأرواح الطاهرة، وقد تؤثر علیها الأرواح الخبیثة فتؤذیها، وأما إذا تَطَهَر الإنسانُ فإنها تتصلُ بعالَمِها وتُحَصِنُها مِنَ الشیاطین. ومما یدل علی وقت خروج وتجرد الروح عن سجنها - أعنی جسدها - ما ورد عن أبی جعفر علیه السلام انه قال: إذا قمت باللیل من منامک فقُل: الحمدُ لله الذی ردَّ علیَّ روحی لأحمدَهُ وأعبدَهُ(1). وفی الحدیث دلالة واضحة علی خروج الروح لحظة النوم من الجسد ثم ترجع إلیه بأمر الله تعالی وخلال خروجها منه تعیش فی عالم غیر عالمها المادی وخلال لحظة الخروج تلتقی بالأرواح الخبیثة والطیبة المؤمنة وتتأثر بهما قوة وضعفا.

فالنوم علی طهارة من المستحبات لما لها من آثار علی روحه، لان روحه ستکون طاهرة، لکون الوضوء نوراً، ولذا تلتقی روحه مع الأرواح الطاهرة، ولو قُبِضَتْ فی منامها قُبِضَتْ طاهرةً وهی بمنزلة الشهید، فقد ورد عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم انه قال:

ص:76

مَنْ بَاتَ طاهراً بَاتَ فی شِعَارِه(1) فلا یستیقظ إلا قال الملک اللهم اغفر لعبدک فلان فإنه بات طاهراً(2). والغرض من هذا الملک حتی یُحصنه من الشیاطین الذین یتلاعبون بالإنسان لیلا وما یُحصنُ المؤمنَ منهم هو الوضوءُ.

فعن أبی عبد الله علیه السلام انه قال:

مَنْ تَطهر ثم آوی إلی فراشه بات وفراشَهُ کمسجده، فإنْ قام من اللیل فذکرَ اللهَ تناثرتْ عنه خطایاه، فإنْ قامَ من آخر اللیل فتَطهرَ وصلی رکعتین وحَمَدَ اللهَ وأثنی علیه وصلی علی النبی (صلی الله علیه وآله) لم یسأل اللهَ شیئا إلا أعطاه، إما أنْ یُعطیه الذی یسأله بعینه، وإما أنْ یُدخرَ له ما هو خیرٌ له منه(3).

وروی الشیخ الصدوق فی المجالس بسنده عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله، عن آبائه علیهم السلام فی حدیث - أن سلمان روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: مَنْ بات علی طُهرٍ

ص:77

فکأنما أحیا اللیلَ(1).

وفی (العلل): عن أبی عبد الله عن آبائه عن أمیر المؤمنین (علیهم السلام) قال:

لا ینامُ المُسلمُ وهو جُنُبٌ، ولا ینامُ إلا علی طَهُورٍ، فإن لم یجدْ الماءَ فلیتیمم بالصعید، فإن روح المؤمن تروح إلی الله عز وجل، فیلقاها، ویبارک علیها، فإن کان أجلهُا قد حضرَ جعلها فی مکنون رحمته، وإن لم یکن أجلهُا قد حضر بعثَ بها مع أُمنَائِه من الملائکة، فیردُها فی جسده(2).

ویستحب أن ینام الإنسان مُبکراً بعد العشاء لیستیقظ إلی صلاة اللیل نشیطاً، ولکن هنا یحاول الشیطانُ أنْ یؤثرَ علی الحواس ویلقی علیها الکسل والنعاس أو یُوقعُ المؤمنَ فی حُلمٍ یَشغَلُهُ عن القیام لصلاة اللیل، ولذلک علی المؤمن أنْ ینویَ القیامَ لصلاة اللیل ویستعینَ بالله تعالی من شرِّ الشیطان الرجیم ویقرأَ سورةَ القدر ثلاثَ مراتٍ. قال رسولُ الله صلی الله علیه وآله وسلم: یعقدُ الشیطانُ علی

ص:78

قافیة رأس أحدکم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ یَضْربُ علی کل عُقْدَةٍ علیک لیلٌ طویلٌ فارقد، فإن استیقظَ فذکرَ اللهَ انْحَلتْ عُقدةٌ فإنْ توضأ انْحَلَتْ عُقْدَةٌ فإنَ صلی انحلتْ عُقدةٌ فأصبح نشیطا طیبَ النفسِ وإلا أصبحَ خبیثَ النفس کسلاناً(1).

وعلی المؤمن أنْ یختار الفراشَ الطاهرَ والمکانَ المُلائم من حیثُ الهواء النقی، والحذر من النوم فی الصیف أو الشتاء تحت المروحة لأنها تؤثرُ علی الجسم فتؤدی إلی الکسل عن قیام اللیل، فلذلک علی الإنسان القیام بقوة لاعنا الشیطان مستنجدا بالله تعالی. لتنحل عنه عُقدُ الشیطانِ علیه لعنة الله تعالی وهذا الأمر من المجربات.

فینبغی للمسلم أن یحرص علی قیام اللیل ولا یترکه، فقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقوم من اللیل حتی تتفطر قدماه وعندما یسأل عن کثرة تهجده وسهره یقول صلی الله علیه وآله وسلم: أفلا أکون عبداً شکورا. وعن المغیرة قال: قام النبی صلی الله علیه وآله وسلم حتی تورمتْ قدماه فقیل له لِمَ تصنع هذا وقد غفر لک ما تقدم من ذنبکَ وما تأخر؟ قال: أفلا أکون عبدا شکورا. وعن

ص:79

الإمام علی علیه السلام قال فیه صلی الله علیه وآله وسلم: ولقد کان (صلی الله علیه وآله) یبکی حتی یُغْشَی علیه، فقیل له: یا رسول الله ألیس الله قد غفر لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر؟ قال: بلی أفلا أکون عبدا شکورا؟(1).

والظاهر أن اختلاف الراوی فی نقل هذه الحادثة من عبادة وتهجد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یدل علی تواترها ومشهورة بین الصحابة ولیست بغائبة عنهم، والرسول صلی الله علیه وآله وسلم بوصفه أکمل البشریة فهو أعرف بالله تعالی وقوانینه منهم ولذلک نجده صلی الله علیه وآله وسلم فی عبادته یرید أن یحقق العبودیة الحقة، فبمقتضی خالقیته ورازقیته تعالی وتفضله علی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بغفران ما لو فُرِضَ انَّهُ ذَنْبٌ عنده، مثل هذا التفضل والکرم یقتضی الشُکر علیه وإلا فعدم الشکر قبیح عقلا، لان العقلاء یحکمون بوجوب شکر المنعم ومخالفته قبیحة عقلا. ولذا قال لهم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: أفلا أکون عبدا شکورا.

ص:80

واعرف طُرق نجاتک وهلاکک کی لا تدعوَ اللهَ بشیءٍ فیه هلاکک وأنت تظنّ أن فیه نجاتک، یقول سبحانه:

(وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)1 .

وتفکر ماذا تسأل وکم تسأل ولماذا تسأل والدعاء استجابة الکل منک للحق وتذویب المهجة فی مشاهدة الرب وترک الاختیار جمیعاً وتسلیم الأمور کلها ظاهراً وباطناً إلی الله تعالی، فإن لم تأتِ بشرط الدعاء فلا تنتظر الإجابة فإنهُ یعلمُ السرَّ وأخفی فلعلکَ تدعوهُ بشیءٍ قد علمَ من سرّکَ خلافَ ذلک(1).

وقال علیه السلام أیضا:

(إذا طلبَ أحدکم الحاجة فلیثنِ علی ربه ولیمدحهُ فإنَّ الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هیأ لهُ من الکلام أحسن ما یقدر علیه فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا الله العزیز الجبار وامدحوهُ واثنوا علیه)(2).

ص:82

والملاحظُ علی بعض المؤمنین - وفقهم الله تعالی - یعتبون علی الله تعالی أو الأئمة (علیهم السلام) لعدم استجابة دعائهم، وهم لا یعلمون أنهم لا یعرفون من یدعون، فإنهم یدعون من دون استشعار العبودیة والتذلل والخضوع والتعظیم لله تعالی والاعتراف بأن مجاری أمور العباد بیده سبحانه وتعالی. أو یدعون مع فقد الشرائط وارتفاع المقتضی ووجود المانع، انظر إلی الإمام علیه السلام کیف یکشف لنا حال الإنسان عندما یتعلق قضاء حوائجه الدنیویة عند أقل الناس أو أقواهم کالسلطان، کیف یتملق له بالکلام وتقدیم التعظیم والتبجیل بالفعل والخطاب لیقبل به السلطان أو یقضی حاجته، فالله أولی بذلک من غیره. فالعجب لهذا الإنسان المغرور بالدنیا وتزلفه لها؟!(1)

ص:83

وقد ذکر أهل البیت (علیهم السلام) الکثیر من آداب الصلاة وغیرها من الشؤون الدنیویة، فلم یقتصروا علی آداب العبادة، بل أوسع من ذلک فراجع کتب الأخلاق(1).

ومن آداب العبادة معرفة کیفیة أسلوب الدعاء فی الصلاة وغیرها فی قنوت الوتر وغیره، والدعاء فی حالة القنوت یکون أکثر قربا وتذللا إلی الله تعالی، لأنه بمد الیدین نحو السماء بالدعاء، یعطی صورة من الشعور بتجرد الروح عن الجسد وانتمائها إلی عالم

ص:84

الملکوت والانجذاب نحوه بعیدا عن الأرض ومادیاتها الفانیة، وهذا الشعور یتجسد لدی العابد أکثر فی وقت السحر عندما یطیلُ الوقوفَ فی قنوت الوتر من صلاة اللیل، إذ إِنَّها تکشفُ عن حقیقة العبودیة والافتقار إلی الله تعالی.

وقد ورد فی کیفیة وصورة القنوت ما روی فی موثقة أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

لا ترفع یدیک بالدعاء فی المکتوبة تجاوز بهما رأسک(1).

وقد فسر التضرع فی الآیة الشریفة: (فما استکانوا لربّهم وما یتضرعون)(2) ، برفع الیدین فی القنوت حال الصلاة، ففی صحیح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عز وجل: (فما استکانوا لربهم وما یتضرعون). قال: الاستکانة هی الخضوع، والتضرع رفع الیدین والتضرع بهما(3). وفی صحیح أبی إسحاق - ثعلبة بن میمون - سمی رفع الیدین ومدهما عند الدمعة بالابتهال: فعن أبی عبد الله علیه السلام:

ص:85

والابتهال رفع الیدین وتمدهما وذلک عند الدمعة ثم ادع(1).

إطالة الدعاء والبکاء فی القنوت

إن من مقامات العارفین والعابدین الإطالةُ فی العبادة وأفضلها أطالة السجود والدعاء، فقد روی جمیل بن دراج، عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام أنّه قال:

«أقرب ما یکون العبد من ربَّه إذا دعا ربّه وهو ساجد، فأی شیء تقول؟ قلتُ: علّمنی، جُعلت فداک ما أقول؟ قال علیه السلام: قُلْ، یا رب الأرباب، ویا ملک الملوک، ویا سید السادات، ویا جبّار الجبابرة، ویا إله الآلهة، صلِّ علی محمد وآلِ محمد وافعل بی کذا وکذا - یعنی اذکر حاجتک - ثم قُل: فإنّی عبدک، ناصیتی فی قبضتک، ثم ادعُ بما شئت واسأله فإنّه جواد لا یتعاظمه شیء(2).

ویزداد القرب بإطالة السجود وزیادته فانه یُشعرُ الإنسانَ بالضعف والتذلل وانه أمام عظمة الله تعالی، وأیضا العزة والکرامة

ص:86

وسمو الذات علی ساحل بحر جوده فی أوقات السحر.

ومن الأماکن التی یستحب إطالة الدعاء فیها القنوت فعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام عن آبائه (علیهم السلام) عن أبی ذر الغفاری قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله):

أطولکم قنوتاً فی دار الدنیا أطولکم راحة یوم القیامة فی الموقف(1).

وورد عنهم (علیهم السلام): أفضل الصلاة ما طال قنوتها(2).

کما وأن البکاء والتباکی فی الدعاء، هو نوع اعتراف واستشعار بالذنب والتقصیر فی حقه سبحانه، ومن خلاله یحاول العبد استشعار عظمة الخالق خاشعا متذللا أمامه ومستجلبا لعطفه ورحمته، فالسعی فی تحصیلهما وتحمیل النفس علیهما مما یَرغبُ فیه الله تعالی؛ لأنها إِثبات لربوبیته ولکبریائه وعظمته سبحانه،

ص:87

بخلاف العبد الذی لا یستشعرُ ذلک، ولو للحظة فإنه فی نفسه شیءٌ من العظمة والأنفة والکبریاء وهی تُبعدُ عن رحمة الله تعالی.

وهناک مرتبةٌ أعلی من البکاء تُقربُ العبدَ لساحة عفوه ومغفرته وهی البکاء مع نُزول الدمعة، فإنَّ هذه الحالة تکشفُ عن حقیقة الانصهار والذوبان من خشیة الله تعالی وقد ورد ما یدل علی هذه الحالة عن أبی حمزة الثمالی، عن علی بن الحسین (علیهما السلام) قال: وما من قطرة أحبُّ إلی الله من قطرتین: قطرة دمٍ فی سبیل الله، وقطرة دمعةٍ فی سواد اللیل، لا یرید بها عبدٌ إلا الله عز وجل(1). وفی موثق سعید بن یسار بیاع السابری قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام:

إنی أتباکی فی الدعاء ولیس لی بکاء، قال: نعم ولو مثل رأس الذباب(2).

وفی أصول الکافی: إن لم تکن بکَ بکاءٌ فتباکَ، وعن بعض نسخه: إن لم تکن بکاء فتباک(3).

ص:88

من أسباب استجابة الدعاء

لاستجابة الدعاء أسباب کثیرة ومقتضیات متعددة ومع ارتفاع الموانع المعینة تتحقق الاستجابة، ومن هذه الأسباب والمقتضیات الإلحاح بالدعاء مع البکاء والتباکی. فانَّ الله تعالی یحبُ العبدَ المِلحَاحَ بالدعاء، لأنه یحبُ أنْ یَسمعَ أصوات عباده وتوسلاتهم إلیه فی کل وقت، فهی أحبُ الأصوات إلیه؛ لأنها أصوات العابدین والمعترفین والمحتاجین إلی رحمته، ومما یدّل علی محبوبیة الإلحاح فی الدعاء، معتبر مسعدة بن صدقة(1) عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

سَلْ حاجتَک، وألِحَ فی الطلب، فإنَّ اللهَ یحبَ إلحاحَ الملحین من عباده المؤمنین(2).

وقد یُغنی عن الإلحاح بالدعاء لقضاء الحاجة قراءة دعاء الإلحاح الوارد عن الإمام الصادق علیه السلام فبدلا من کثرة التکرار والتوسل إلی الله تعالی بدعاء معین یمکن قراءة هذا الدعاء الذی علمه الإمام الصادق علیه السلام لبعض المحتاجین. وقد یقول

ص:89

قائل: إن النصوص تدل علی استحبابیة الإلحاح والإکثار منه فی الدعاء؛ لأنه یکشف عن شدة الارتباط بالله تعالی وهو أفضل من قراءة دعاء واحد مرة واحدة، وهو ینافی النصوص الصریحة الواردة عن أهل البیت علیهم السلام فی محبوبیة الإلحاح.

نقول: هذا صحیح إن الإلحاح فی الدعاء والإطالة به یزید فی صاحبه ذلة وخشیة وذوبانا فی ذات الله تعالی إلا انه توجد لبعض الأدعیة خصوصیة وآثار لا توجد فی غیرها فکثرة الإلحاح بالدعاء لها آثارها. وقراءة بعض الأدعیة مرة واحدة لها آثارها کما فی دعاء الإلحاح الذی علمه الإمام الصادق علیه السلام لمسعدة بن صدقة فقد ذکر صاحب قرب الإسناد، أنَّ مسعدة بن صدقة قال للإمام جعفر بن محمد علیه السلام: علمنی دعاءً فقال:

أین أنت عن دعاء الإلحاح؟

فقال له مسعدة: وما دعاء الإلحاح؟

فقال له: تقول: "اللهم!.. ربَّ السموات السبع وما فیهن، وربَّ الأرضیین السبع وما فیهن، وربَّ العرش العظیم، وربَّ محمد خاتم النبیین. أسألک باسمک الذی به تقوم

ص:90

السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق الجمع، وبه تجمع المتفرق، وبه ترزق الأحیاء، وبه أحصیت عدد الثری والرمل وورق الشجر وقطر البحر، أن تصلی علی محمد وآل محمد" .وتسأل حاجتک، وألحَ فی الطلب، فإنه یحب إلحاح الملحین من عباده المؤمنین(1).

وقال أبو عبد الله علیه السلام:

وهذا من دعاء الإلحاح وهذا منه: "یا من لا یحجبه سماء عن سماء، ولا أرض عن أرض، ولا جَنَبٌ عن قَلبٍ، ولا سِتْرٍ عن کنٍّ، ولا جبل عما فی أصله، ولا بحر عما فی قعره! یا من لا تَشْتَبِهُ علیه الأصوات، ولا یغلبه کثرة الحاجات، ولا یُبرمه إلحاحُ الملحین!. وصلی الله علی محمد وآل محمد" .ثم سَلْ حاجتَکَ(2).

وذکر العلامة المجلسی (قده) دعاءَ الإلحاح بأسانید متعددة منتهیة إلی جماعة رأوا صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف قال لهم: أتدرون ما کان أبو عبد الله علیه السلام یقول

ص:91

فی دعاء الإلحاح؟ قلنا: وما کان یقول؟.. قال کان یقول: (اللهم!.. إنی أسألک باسمک الذی به تقوم السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بین الحق والباطل، وبه تجمع بین المتفرق، وبه تفرق بین المجتمع، وبه أحصیت عدد الرمال وزنة الجبال وکیل البحار، أن تصلی علی محمد وآل محمد، وأن تجعل لی من أمری فرجاً ومخرجاً)(1).

ومما یؤکد قولنا: قصة نبی الله نوح علیه السلام عندما تعرضت سفینته إلی الغرق وکادت أنْ تغرق لولا دعاؤه بالسریانیة، فقد سُئل الإمام الرضا علیه السلام عن نقش خواتم الأنبیاء (علیهم السلام) ومنها نقش خاتم نبی الله نوح علیه السلام، فقال علیه السلام:

وإنَّ نوحا علیه السلام لما رکب السفینة أوحی الله عز وجل إلیه: یا نوح، إن خفت الغرق فهللنی ألفا، ثم سلنی النجاة أنجک من الغرق ومن آمن معک. قال: فلما استوی نوح علیه السلام ومن معه فی السفینة ورفع القلس (2) ،

ص:92

عصفت الریح علیهم، فلم یأمن نوح الغرق، فأعجلته الریح، فلم یدرک أن یهلل ألف مرة، فقال بالسریانیة: هلولیا ألفا ألفا یا ماریا أتقن. قال: فاستوی القلس، واستمرت السفینة.

فقال نوح علیه السلام: إن کلاما نجانی الله به من الغرق لحقیق أن لا یفارقنی، قال: فنقش فی خاتمه: لا إله إلا الله ألف مرة، یا رب أصلحنی(1).

وقد لاحظنا أن نبی الله (صلوات الله علیه) قد انتقل من دعاء طویل إلی آخر أخصر منه وأسرع ومع السرعة فی قراءة الدعاء فقد أنقذه الله تعالی وسفینته من الغرق.

وعلی هذا فإن الإلحاح بالدعاء یحتاج إلی سعة الوقت ومع ضیقه قد یَنتقلُ المضطرُ إلی ما هو أخصر وأسرع منه فی الإجابة کما فی توجیه الإمام الصادق علیه السلام مسعدة إلی قراءة دعاء الإلحاح بدلا من الاستمرار بالإلحاح بدعاء ما. ولذا ذکرنا دعاء الإلحاح لوجود المناسبة فی قراءته بدلا عن الإلحاح بغیره.

ص:93

التوسل بإل محمد (علیهم السلام)

هناک أخبار کثیرة، تدل علی أهمیة التوسل بأهل البیت (علیهم السلام) وخصوصا قراءة دعاء التوسل فی لیلة الثلاثاء والتوسل بهم (علیهم السلام) وفی وقت السحر قبل أو بعد صلاة اللیل یعتبر عاملا من عوامل القرب لساحة فیضه وقدسه سبحانه وتعالی، والغایة منه أننا قد نکون لسنا فی المقام الذی یستوجب استجابة الدعاء. ولذا ینبغی للداعی التوسل بهم (علیهم السلام) إلی الله تعالی انطلاقا من قوله تعالی:

(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَ جاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ)1 .

والتوسل بهم (صلوات الله علیهم) هو نوع من أنواع الوسیلة الصالحة التی حث القرآن الکریم علی التمسک بها بل أفضلها. فالآیة الکریمة تُرشِدُ إلی ما هو المرتکز عند العقلاء وأهل الأدیان السماویة، من الاستعانة علی قضاء حوائجهم بتوسیط وساطة الوجهاء عند المولی، ومن بیده أزمة الأمور العلیا والسفلی، فإن

ص:94

محمداً وآله (صلوات الله وسلامه علیهم) أکرم الخلق وأفضلهم عند الله سبحانه وتعالی، وأوجههم لدیه وهم الشفعاء عند سبحانه وتعالی، بل هم الذین ترفع الأعمال بولایتهم، وتُرجی النجاة بمودتهم وطاعتهم بعد معرفتهم فهم أجر الرسالة الخاتمة والعالمیة قال تعالی:

(قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی وَ مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً)1 .

فما یعادل الرسالة هم ذوو القربی وبإجماع العلماء والمحدثین هم آل محمد(1) خاصة علیهم أفضل الصلاة والسلام.

فلابد فی صلاة اللیل ودعائها من ذکرهم وتبجیلهم بعد تبجیل وتعظیم الله تعالی. فإن الدعاء لا یرفع إلا بالصلاة علیهم (صلی الله علیهم أجمعین)، کما وأن معرفة الأئمة علیهم السلام مقتضٍ لقبول الأعمال ومنها القیام فی اللیل، فعن أبی جعفر علیه

ص:95

السلام - فی حدیث - قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشیاء ورضا الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته، وأما لو أن رجلاً قام لیله، وصام نهاره، وتصدق بجمیع ماله، وحج جمیع دهره، ولم یعرف ولایة ولی الله فیوالیه، ویکون جمیع أعماله بدلالته إلیه، ما کان له علی الله حق فی ثوابه، ولا کان من أهل الإیمان(1).

وأما فی مقام التوسل بهم (علیهم السلام) فی قیام اللیل فقد ورد الحث علی ذلک ففی صحیحة جابر عن أبی جعفر علیه السلام: إن عبداً مکث فی النار سبعین خریفاً - والخریف سبعون سنة - ثم إنه سأل الله بحق محمد وأهل بیته: لما رحمتنی، فأوحی الله إلی جبریل علیه السلام: أن اهبط إلی عبدی فأخرجه - إلی أن قال - عبدی کم لبثت فی النار تنادینی؟ قال: ما أحصی یا رب.. فقال له: وعزتی وجلالی!.. لولا ما سألتنی به، لأطلت هوانک فی النار، ولکنی حتمت علی نفسی أن لا یسألنی عبد بحق محمد وأهل بیته، إلا غفرت له ما کان بینی وبینه، وقد غفرت لک الیوم(2).

ص:96

سواء الحافظون للإنسان أم غیرهم، وقد ذُکِرَ أنَّ أهلَ الجاهلیة لم تکن لهم الثقافة الصحیة بالمستوی الاجتماعی المطلوب، فلم یکونوا یهتمون بذلک.

وقد ذکر القرآن الکریم أنَّ الله تعالی قد خلق ملائکة یحفظون الإنسان ویحصونه ویراقبون أعماله ویسجلونها، وهؤلاء ممن یتأثر بالرائحة الکریهة التی تصدر من الإنسان فقد ورد عن أبی جعفر علیه السلام قال: شَکَتْ الکعبةُ إلی الله عز وجل ما تلقی من أنفاس المشرکین، فأوحی الله إلیها: قُرِی کعبة، فإنی مبدلک بهم قوما یتنظفون بقضبان الشجر، فلما بعث الله محمدا (صلی الله علیه وآله) أوحی إلیه مع جبرائیل بالسواک والخلال)(1).

والمهم فی محل البحث أهمیة السواک فی وقت السحر لأداء صلاة اللیل، فهناک أحادیث قد دلت علی استعمال النبی صلی الله علیه وآله وسلم له، منها ما ورد عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان إذا صلی العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواکه یوضع عند رأسه مخمّرا، فیرقد ما شاء

ص:98

الله، ثم یقوم، فیستاک ویتوضأ ویصلی أربع رکعات، ثم یرقد، ثم یقوم فیستاک ویتوضأ ویصلی، ثم قال: (لقد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة)(1) ،(2). وقال علیه السلام فی آخر الحدیث:

إنه (صلی الله علیه وآله) کان یستاک فی کل مرة قام من نومه(3).

وقال أبو عبد الله علیه السلام:

إذا قمت باللیل فاستک، فان الملک یأتیک، فیضع فاه علی فیک، ولیس من حرف تتلوه وتنطق به إلا صعد به إلی السماء فلیکن فوک طیّب الریح(4).

وروی أن السُنة فی السواک فی أوقات محددة قبل الفریضة وفی وقت السحر. فعن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله علیه السلام:

إنی لأحب للرجل إذا قام باللیل أن یستاک وأن یَشُمَ الطیبَ، فإِنَّ الملکَ یأتی الرجلَ إذا قام باللیل حتی یضعَ

ص:99

فاهُ علی فیه فما خرج من القرآن من شیء دخل فی جوف ذلک الملک(1).

والظاهر أن هناک أثرا صحیا إلی جانب الأثر الروحانی الذی تحدثَتْ عنه الروایةُ الشریفة وهو ممکن وهو أن: إستشمام الطیب، إما یراد به تطییب نفسه وإما أن یشمّ بأنفه، فان ذلک یوجب تقویة الأعصاب خصوصاً أعصاب الرأس، وتقویة الأعصاب تسبب الصحة والقوة إلی غیر ذلک(2).

فالروائح جمیعها لها أثر علی النفوس من حیث الانشراح والانقباض لان النفس بطبیعتها تمیلُ إلی الجمال وتنشرح للعطر اللطیف بخلاف الروائح الکریهة، وهکذا الأرواح المقدسة للملائکة التی تحفظ النفس وتحف بها وتعنی بشؤون الإنسان المرتبطة به.

ومما ورد أیضا فی فوائد السواک ما ورد عن مهزم الأسدی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

ص:100

فی السواک عشر خصال: مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائکة، وهو من السنة، ویشد اللثة، ویجلو البصر، ویذهب بالبلغم، ویذهب بالحفر(1).

وورد أیضا عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

فی السواک اثنتا عشرة خصلة، هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ویرضی الرب، ویذهب بالغم (1)، ویزید فی الحفظ، ویبیض الأسنان، ویضاعف الحسنات، ویذهب بالحفر، ویشد اللثة، ویشهی الطعام، وتفرح به الملائکة(2).

وبعد ذکر هذه الروایات المبارکة یظهر لنا أهمیة السواک صحیا وأخرویا.

وقد ذهب الفقهاء إلی القول بجواز استعمال غیر السواک فی الصلاة أو غیرها، وبأی شیء آخر بدلا عنه، کالدلک بالإصبع أو غیر ذلک من أجل إقامة وإحیاء السنة، فقد ذکر سماحة السید الحکیم

ص:101

(دام ظله) فی فتواه عند حدیثه عن سنن الوضوء عند تعریفه للسواک قال: السواک: وهو دلک الأسنان. بل هو مستحب حتَّی لغیر الوضوء. والأفضل أن یکون بعود الأراک ولیفه وعود الزیتون، ثم مطلق قضبان الشجر، وأدناه أن یدلکها بأصبعه(1).

فمع فقد العود المنصوص علیه یمکن الانتقال للبدیل مع عدم الضرار، فلیس کل عود یصلح للتنظیف فقد یکون بعضها یؤدی إلی التسوس السریع وقیل بعضها یؤدی إلی تلف اللثة أو التسمم ولذا ینبغی الحذر.

ص:102

وقوله:

(وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِکُلِّ شَیْءٍ قَدْراً)1 .

ومن المعلوم أنَّ الاستخارةَ من المسائل المهمة للإنسان وهی جزء من مسیرته فی تحدید الهدف الصحیح من حرکته فهی الجزء الممهد للمسار السلیم من خلال التوکل علی الله تعالی فی اتخاذ القرار السلیم عند الشک والحیرة فی اتخاذ قرار أو موقف ما. وقد قال علیه السلام:

من دخل فی أمر بغیر استخارة ثم أُبْتُلیَ لم یُؤجرْ علیِهِ(1).

فالإنسان قد یمرُّ بحالة من التردد والشک فی اتخاذ قرار فی بعض الموضوعات المهمة فی حیاته، والتی تمثل قضیة مصیریة فی بعض الأحیان وفی مختلف المجالات کاتخاذ قرارٍ سیاسی أو اقتصادی أو اجتماعی أو علمی وغیرِ ذلکَ مما یتعلقُ بمصیرِ الفردِ والأُمةِ ومستقبلِهما ولا فرقَ بین الحاکمِ والفردِ فقد أوصی رسول الله

ص:104

صلی الله علیه وآله وسلم علیاً عندما أرسله والیاً علی الیمن قال علیه السلام:

بعثنی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إلی الیمن فقالَ لی: یا علیُّ مَا حارَ مَنْ استخارَ، ولا ندمَ مَنْ استشارَ(1).

فالرسول صلی الله علیه وآله وسلم القائد العام للدولة الإسلامیة یوصی وَالِیه علی احدِ الأقالیم أنْ یتوکلَ علی الله تعالی عند الحیرة والشک من خلال المشاورة فی الرأی مع قادة الجیش والمستشارین أو الاستخارة، وهذا تشریع ینبع من الاعتقاد بوجود قوة خفیة فی هذا الکون تراقب وتَعْلمُ أفعالنا ونوایانا ولذا لابد من الاستعانة به والعمل برأیه وهو الله سبحانه وتعالی.

فالإنسان فی اتخاذ القرار إما أن یکون جازما أو متحیرا، بل حتی فی موارد الجزم کان بعض العلماء یستعین بالله تعالی کی یکون متوکلا علی الله فی کل أموره کالسید علی بن

ص:105

طاووس (رض)(1).

فمحاولة التوکل علی الله تعالی فی کل شیء من خلال العمل بالخیرة لیکشف الغیبَ ولا یبقی متحیراً ومتخوفا منه لعدم معرفتِهِ وعجزِهِ عَن ذلک، لان المستقبلَ مِنَ الغَیِبِ الذی یَحتاجُ الإنْسَانُ إلی معرفة شیء عنه وهو مِنْ المُتَعَسِرِ علیه قطعاً إلا بأذنِ اللهِ تعالی.

وقِدْ وَرَدَتْ أحادیثُ کثیرةٌ عَنْ رسولِ اللهِ وأهلِ بیتِهِ (علیه وعلیهم أفضل الصلاة والسلام) وعَنْ صَحْبِهِ المُنْتَجَبِینَ أیضاً فی أهمیة الاستخارة والحث علیها، وقد عملوا بها فی کثیرٍ من أمورهم

ص:106

کما ورد فی سیرتهم العطرة، بحسب قاعة اللطف الإلهی شرعَ لنا سبحانه وتعالی الاستعانةَ بالاستخارة.

ولیس معنی الاستخارة أنها لابد أن تخرج الخیرة بحسب ما نُریدُه فتخرجُ لنا الاستشارة موافقةً لما نوینَاهُ، فهذا لیس بصحیح فإن المریضَ أو الذی یشکُ فی مرضٍ معینٍ یقبلُ بکل ما یقولُهُ الطبیبُ ویفعلُهُ وإنْ کان لا یتناسب ومزاجه ویتألم من شدة الدواء ویتحمل ألمه والسبب أنه یعلم أن فیه مصلحة مستقبلیة، والاستخارة هی کذلک عینا فإن المستخیر قد یتصور أن هذا الأمر الذی یرید الدخول فیه، فیه بعض المصلحة فتکون الخیرة خلافا لما یریده أو موافقة، فقد یتضرر عند دخوله فی الأمر الذی أشار الله تعالی علیه بالدخول فیه، وهنا ننبه المستخیر أن لا یتهم الله تعالی ویلومَهُ ویشکُ فی استخارة الله تعالی فیما لو خرجت الخیرة فیه غیر صالحة، لأنه من المتیقن أنه قد یکونُ هذا الضرر وقتیّاً وسیعقبه الخیر والفلاح والسعادة والربح، لأن الغالب من الأعمال تمر بمرحلة الربح والخسارة قال تعالی:

(وَ عَسی أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَ عَسی أَنْ

ص:107

تُحِبُّوا شَیْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)1 .

وهکذا هی الحیاة، فالصابر یری الربح الحقیقی فی خواتیم الأمور لا أولیاتها، وقد ذکر هذا المعنی نبی الله روح الله عیسی بن مریم علیه السلام فقد روی انه قال یوما للحواریین: یا معاشر الحواریین بحق أقول: إن الناس یقولون إن أصل البناء اسه وأنا أقول إن أصل البناء خاتمته(1).

وعلیه فلیحذر المؤمن من التشکیک واتهام الله تعالی ولا یتعجل بسوءِ الظن به بالله تعالی، فقد ورد عن الإمام علیه السلام انه قد سألَهُ بعضُ أصحابهِ: من أکرم الخلق علی الله؟ قال:

أکثرهم ذکراً للهِ، وأعملهم بطاعته، قُلتُ: فمَنْ أبغضُ الخلق إلی الله؟ قال: مَنْ یتهم الله، قُلتُ: وأحدٌ یتهمُ اللهَ؟ قال: نعم، (مَنْ استخارَ اللهَ فجاءتْهُ الخیرةُ بما یکره فسخطَ فذلک یتهمُ اللهَ)(2).

ص:108

ومن المؤسف أن الإنسانَ فی بعض الأحیان قد یستشیر بعض ضعاف العقول والإیمان من أهل الفسوق والعصیان ولا یستشیر اللهَ تعالی بل وجدنا بالتجربة أن بعض المؤمنین یستخیر الله تعالی وهو مطمئن إلی صحة الاستخارة ومع ذلک یخالفها ویستبدُ برأیه، وهی مخالفة لقرار الله تعالی ورأیه وإن کانت المخالفة غیر محرمة ولکنها قبیحة عقلا، وعلیک أن تتحمل عواقب الأمور شقاءها ومعاناتها التی عملتَ بها برأیک ولا تلومَنَّ أحداً إلا نفسَک، فعن الإمام الصادق علیه السلام قال:

یقول الله عز وجل: من شقاء عبدی أن یعمل الأعمال ولا یستخیر بی(1).

لأن الاستخارة فی أصل مشروعیتها مستحبة ولا یعاقب الإنسان علی ترک المستحب، نعم قد یکون مکروها فی بعض الموارد ترک المستحب.

فالإنسان مهما کان ذا فطنة وعقل ومستوی علمی ودرایة وتجربة فلابد أن یجعل له مرجعا من العقلاء یرجع إلیهم فی اتخاذِ

ص:110

قَرَاراتِهِ؛ لأنها تساعدُهُ فی الوصول إلی الصواب والحق، وکما یقال إن سید هؤلاء العقلاء هو الله تعالی فینبغی للعاقل أن یستشیر هذا السید الجلیل العظیم واهب العقول والوجود سبحانه وتعالی، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

مِِنْ سعادةِ ابنِ آدمَ استخارَتُهُ اللهَ ورِضَاهُ بما قَضَی اللهُ(1).

وللاِسْتِخَارةِ أوقاتٌ یُسْتَحبُ أَنْ یُستَخارَ اللهُ تعالی فیها کما فی وقت الأذان وبعد الفریضة والنافلة وبعد صلاة رکعتین وبعد صلاة الفجر ومنها فی صلاة اللیل فی آخر رکعة منه، وهو محل کلامنا فقد روی حماد بن عثمان عن محمد بن خالد القسری أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الاستخارة؟ فقال علیه السلام:

(استخرْ اللهَ فی آخر رکعة من صلاة اللیل وأنتَ ساجدٌ مائة مرة ومرة، وقال: کیف أقول؟ قال: تقول: (أستخیر الله برحمته "ثلاث مرات)(2).

ص:111

ص:112

ص:114

لصلاة اللیل کیفیة خاصة ومعروفة بل متفق علیها بین العلماء، وهی إحدی عشرة رکعة تُصلَّی رکعتین، رکعتین، وأخرها الوتر مفردة منفصلة.

کما ورد عن النبی وأهل بیته صلوات الله علیهم أجمعین وقبل الحدیث عن کیفیتها نتحدث عن وقتها أولا:

وتفصل بینهن بتسلیم، ثم الرکعتان اللتان قبل الفجر تقرأ فی الأولی منهما قل یا أیها الکافرون وفی الثانیة قل هو الله(1).

و الأولی أن تَقْنِتَ فی صلاة الوتر بالدعاء الأتی: لا اله إلا اللّه الحلیم الکریم لا اله إلا اللّه العلی العظیم سبحان اللّه ربِّ السموات السبع وربِّ الارضین السبع وما فیهنَّ وما بینهنَّ وربِّ العرش العظیم والحمد للّه ربِّ العالمین وصلی اللّه علی محمد وآله الطاهرین. وأن یدعوَ لأربعین مؤمنا, وأن یقولَ: استغفرُ اللّهَ ربّی وأتوبُ إلیه، سبعین مرةً, وأن یقول: هذا مقام العائذ بک مِنَ النار سبع مرات, وأن یقول, العفو ثلاثَ مئة مرة(2).

ومن الروایات الدالة علی أن النوافل تصلی رکعتین ما ورد فی معتبرة سلیمان بن خالد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: الوتر ثلاث رکعات، تفصل بینهن وتقرأ فیهن جمیعاً ب -(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) . وفی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: الوتر ثلاث رکعات: اثنتین مفصولة، وواحدة. وفی صحیحة سعد بن سعد

ص:117

الأشعری، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: سألته عن الوتر أفصل أم وصل؟. قال: فصل(1).

أقول لک العتبی مرة بعد أخری ثم لا تجد عندی صدقاً ولا وفاءً فوا غوثاه ثم واغوثاه بک یا الله، من هوی قد غلبنی، ومن عدو قد استکلب علی، ومن دنیا قد تزینت لی ومن نفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربی، مولای یا مولای إن کنت رحمت مثلی فارحمنی، وان کنت قبلت مثلی فاقبلنی، یا قابل السحرة اقبلنی یا من لم أزل أتعرّف منه الحسنی، یا من یغذینی بالنعم صباحاً ومساءً ارحمنی یوم آتیک فرداً شاخصاً إلیک بصری، مقلداً أعمالی، قد تبرأ جمیع الخلق منی، نعم وأبی وأمی، ومَنْ کان له کدّی وسعیی، فان لم ترحمنی فمن یرحمنی، ومَنْ یُؤنسُ فی القبر وحشتی، ومَنْ ینطقُ لسانی إذا خلوت بعملی وسألتنی عما أنت أعلم به منی، فإن قلت نعم فأین المهرب من عدلک، وان قلتُ لم أفعلْ، قلتَ: ألم أکنْ الشاهد علیک، فعفوک عفوک یا مولای قبل سرابیل القطران، عفوک عفوک یا مولای قبل جهنم والنیران، عفوک، عفوک یا مولای قبل أن تغلَّ الأیدی إلی الأعناق، برحمتک یا أرحم الراحمین وخیر الغافرین)(1)..

ص:119

علیه السلام انه قال: وإنما بدأ بالحمد - الفاتحة - دون سائر السور لأنه لیس شیء من القرآن والکلام جُمِعَ فیه من جوامع الخیر والحکمة ما جُمِعَ فی سورة الحمد، وذلک أن قوله عز وجلّ: الحمد لله، إنّما هو أداء لما أوجب الله عزّ وجلّ علی خلقه من الشکر(1) ، فعند قراءته للفاتحة، فانه اعتراف منه بأصول الدین فلاحظ معانی هذه الکلمات (ربِّ العالمین،(مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ، إِیّاکَ نَعْبُدُ)) والتی تمثل القواعد الاعتقادیة لأصول الدین.

وأما تکرار قراءة (التوحید) وذلک لأنها تمثل کل القرآن الکریم فعن أبی عبد الله علیه السلام قال:

کان أبی یقول: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ، تعدل ثلث القرآن.. و کان یحب أن یجمعها فی الوتر لیکون القرآن کله (2).

یقول السید المقدس عبد الأعلی السبزواری (قده): وأما قراءة التوحید ثلاثا فإنها تَعِدلُ کلَّ القرآن الکریم فمَنْ قرأها ثلاثاً فکأنه ختم القرآن الکریم، کما فی حدیث النبی صلی الله علیه وآله

ص:121

وسلم، فعن الحارث قال: سمعته - یعنی أبا عبد الله علیه السلام - وهو یقول:

(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) ثُلث القرآن، و (قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ) تَعِدلُ ربعه(1) ،(2).

ویُستحبُ بعد قراءةِ سورةِ الإخلاص أنْ یقولَ: کذلک الله ربی. فقد روی عن عبد العزیز بن المهتدی قال: سألت الرضا علیه السلام عن التوحید؟ فقال:

کلّ من قرأ (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) وآمن بها فقد عرف التوحید.

قلت: کیف یقرؤها؟ قال:

کما یقرأ الناس، وزاد فیها: کذلک الله ربّی، کذلک الله ربّی. وروی أیضا تقول: کذلک الله. فقط(3).

وأما قراءة المعوذتین فی صلاة اللیل والوتر خاصة لأنهما حصن وحرز وأمان للمؤمن من شرور الناس، فقراءتهما یطلب بذلک

ص:122

الاستعاذة بالخالق من شر الخلق وغیره، لأنه أقدر علی دفع الضرر عنه. فقد روی الصدوق (قده) فی کتاب ثواب الأعمال بإسناده عن أبی جعفر علیه السلام قال:

من أوتر بالمعوذتین وقل هو الله أحد، قیل له: یا عبدَ الله أبشر فقد قبل اللهُ وترک. وفی حدیث أُبَیٍّ ومَنْ قرأ: قُلْ أعوذ بربِّ الفلق وقل أعوذ بربِّ الناس، فکأنما قرأ جمیعَ الکُتُبِ التی أنزلها اللهُ علی الأنبیاء(1).

ص:123

وأما الاستغفار لأربعین مؤمناً، لیکشف لنا سبحانه وتعالی أن الإنسان قد یصل إلی مقام الشفاعة لأخیه المؤمن فی الدنیا وهذه إحدی صفات رحمته تعالی فی الدنیا فکیف رحمته فی الآخرة فکم هی واسعة؟! فالدعاء للمؤمن یُعدُّ نوعاً من الإذن بالشفاعة، فعن الإمام موسی الکاظم علیه السلام قال: إن من دعا لأخیه بظهر الغیب نُودی من العرش: ولک مائةُ ألف ضِعف(1).

وروی عن الإمام الباقر علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی:

(وَ یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ الْکافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ)2 .

قال علیه السلام:

هو المؤمن یدعو لأخیه بظهر الغیب فیقول له الملک:

ص:124

آمینَ. ویقول الله العزیز الجبار: ولک مِثْل ما سألت وقد أُعْطِیتَ ما سألتَ بحبِک إیاهُ(1).

ویحتمل أن یکون سبب ذکر أربعین مؤمنا فی قنوت الوتر من اجل استجابة الدعاء لنفس المصلی أیضا فقد ورد عنه أیضا علیه السلام: استجیب له فیهم وفی نفسه(2).

فان مَنْ یدعو لمن یحب من الناس ویستغفرُ لهم فیه دلالة الارتباط والانسجام الاجتماعی وعلی اندکاک وانصهار الفرد فی المجتمع مهما کانت الظروف وهذه الخصائص الاجتماعیة محبوبة لله تعالی ولذا أکد علیها فی الکتاب والسنة المطهرة, فالدعاء للأربعین دلالة علی التواصل الاجتماعی من خلال خلق روح المحبة والتواضع وطلب الهدایة لهم, من خلال الدعاء والاستغفار. وهذا ما یتناسب وطبیعة الإنسان وفطرته الاجتماعیة، فالدعاء للمؤمنین مقتضٍ لقضاء حوائج الطرفین الداعی والمدعو کما وعد الله تعالی فی خبر الإمامین الباقر والکاظم (علیهما السلام).

وأما التخصیص بالأربعین، لما لهذا العدد من الأسرار التی لا

ص:125

یعلمها إلا الله تعالی فإنه وان حاول البعض الإشارة إلی بعض أسراره وغایته فما هی إلا محاولات لکشف هذا السر العظیم لهذا الرقم ومثلها سرا رقم الأثنی عشر، وقد استخرج استأذنا السید صادق الخرسان اعزه الله تعالی أربعین موضعاً مختلفا ذکرَ فیها عددَ الأربعین(1). والظاهر أن حالها حال الحروف المقطعة فی القرآن الکریم، فتأمل.

ثم إن الاستغفار للأربعین یشمل حتی العُصاة منهم وقد جربت هذا الاستغفار لبعض أعرفهم بحسن السیرة وطیبة القلب ولکن توجهاتهم غیر شرعیة أو مخالفة للشرع المقدس، وقد استجاب الله تعالی دعائی واستغفاری لهم، فقد هداهم برحمته وفضله وأصبحوا من أهل الصلاح والخیر، حتی أن أحدهم بدأ بقضاء ما فی ذمته من العبادات والحمد لله تعالی، وهذا الحدیث الشریف وغیره یدل علی ذلک، فقد روی الکلینی بسنده عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال:

من قدم أربعین من المؤمنین استجیب له(2).

ص:126

ص:128

إن الکثیر من المؤمنین وخصوصا المؤدین لهذه النافلة المهمة جدا لا یعرفون الکثیر عن أحکام صلاة اللیل، ولعل السبب عدم وجود فصل أو باب یختص بها فی الکتب المعنیة بذلک، وإنما غالبها منتشرة فی کثیر من أبواب الفقه وکتب الاستفتاءات والمسائل الشرعیة، ولذا حاولت هنا أن أشیرَ إلی أهم الأحکام ومما استخرجته من کتب الفقه لمراجعنا الأحیاء (دام ظلهم) ومن الأموات الإمام الخوئی (قده)، لتعم الفائدة فذکرت ما اتفق علیه بین الفقهاء وأشرت إلی محل الخلاف منها إنْ وجد.

نافلة اللیل فی وقتها تقدیمها علی النصف وکذا کل ذی عذر کالشیخ وخائف البرد والاحتلام والمرض(1). وقال السید السیستانی: إنَّ الاحوط هو الإتیان بها فی أول اللیل مطلقا(2).

وأما تحدید منتصف اللیل فقد ذکر السید السیستانی (دام ظله) ذلک بقوله: هو منتصف ما بین غروب الشمس وطلوع الفجر، فإذا غربت الشمس فی الساعة السابعة مساءً وطلع الفجر فی الساعة الرابعة صباحا کان منتصف تلک اللیلة فی تمام الساعة الحادیةَ عشرةَ والنصف مساءً فالمتبع لتحدید منتصف اللیل هی مواعید الغروب والطلوع المختلفة باختلاف الأزمنة والأمکنة(3).

ومنها: أن قضاءها أولی من تقدیمها لیلا، فقد أفتی فقهاء الإمامیة: انه لو دار الأمر بین تقدیم صلاة اللیل علی وقتها أو قضائها فالأرجح القضاء. إلا للمعذور والمضطر، قال السید الخوئی (قده): یجوز تقدیم صلاة اللیل علی النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن

ص:130

أخرها أو صعب علیه فعلها فی وقتها وکذا الشاب وغیره ممن یخاف فوتها إذا أخرها لغلبة النوم أو طرو الاحتلام أو غیر ذلک(1) والدلیل ینصُ علی القضاء، بل هو من أسرار آل محمد (صلوات الله علیهم). ولو قدم صلاة اللیل فی أول اللیل ثم انتبه فی وقتها لیس علیه الإعادة(2).

ومنها: لو باشر فی الصلاة فی وقت السحر وقد صلی أربع رکعات أو أزید من صلاة اللیل وقد طلع الفجر علیه أتمها مخففة(3) ، وان لم یتلبس(4) بها قدم رکعتی الفجر ثم الفریضة وقضاها. ولو اشتغل بها أتم ما فی یده(5) ثم أتی برکعتی الفجر وفریضته وقضی البقیة بعد ذلک(6).

ص:131

ومنها:

جواز إدخال نافلة الفجر فی ضمن صلاة اللیل وهذا جائز لسبب أو لا فقد ذکر فقهاؤنا بعد تحدید وقت نافلة الصبح انه: یجوز دَسُها(1) فی صلاة اللیل قبل الفجر ولو عند النصف، بل ولو قبله إذا قدم صلاة اللیل علیه، إلا أنَّ الأفضلَ إعادتُها فی وقتها. ویبین السید المقدس عبد الأعلی السبزواری (قده) مستند هذا الحکم بقوله: (علی المشهور لقول أبی الحسن علیه السلام فی صحیحة احمد بن محمد بن أبی نصر (احشوا بهما صلاة اللیل) وقول أبی جعفر علیه السلام: (أُحْشِ بها صلاة اللیل وصلهما قبل الفجر) وعنه علیه السلام: (أنهما من صلاة اللیل)(2)

(3).

وفی هذه النصوص الشریفة دلالة علی أنَّ نافلة الفجر من صلاة اللیل، وذلک لان وقتها حقیقة قبل الفجر ولذلک جاز دَسُها وحُشُوها فی صلاة اللیل.

ص:132

وبه قال السید الحکیم(1).

ومنها:

انه لا سجود للسهو فیها وان زیادة الرکن سهوا غیر قادحة فیها بلا إشکال ومن هنا یجب تدارک الجزء المنسی إذا ذکره بعد الدخول فی الرکن أیضا(2).

ومنها: انه لا تشرع الجماعة لشیء من النوافل الأصلیة وإن وجبت بالعارض لنذر أو نحوه مطلقا علی الاحوط(3).

فلا تجوز الجماعة فی صلاة اللیل وغیرها. وهی مسألة متفق علیها بین فقهاء الإمامیة ومستندهم السنة المطهرة.

ص:134

وحکم الاجهار هنا یبنی فیها علی الاستحباب. وقال بعضهم بالجواز.

ومنها: یستحب قراءة السور الطوال فی صلاة اللیل مع سعة الوقت(1).

ومنها: انه لو قرأ احدٌ سورَ العزائم التی تُوجبُ السجودَ علی قارئها فی صلاة اللیل فیجوز له السجود والرجوع لإکمال صلاته ففی روایة سماعة قال:

من قرأ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ)

فإذا ختمها فلیسجد - إلی ان قال - ولا تقرأ فی فریضة اقرأ فی التطوع)(2).

ومنها: انه یستحب أن یقرأ فی الرکعة الثامنة (هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ) فقد روی عن أبی عبد الله علیه السلام:

أنَّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان یقرأ فی آخر صلاة اللیل (هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ)3 .

ومنها: انه یستحب أن یقرأ فی صلاة اللیل لیلة الجمعة السور

ص:136

الآتیة (الحمد والصمد والکافرون والمدثر والسجدة) فی مصباح الشیخ الطوسی بسنده عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

إذا أردت صلاة اللیل لیلة الجمعة فاقرأ فی الرکعة الأولی (الحمد) و (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ)

وفی الثانیة (الحمد) و (قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ)

وفی الثالثة الحمد وألم السجدة، وفی الرابعة (الحمد) و (یا أَیُّهَا الْمُدَّثِّرُ)

، وفی الخامسة (الحمد)، و (حم السجدة)، وفی السادسة (الحمد) وسورة الملک، وفی السابعة الحمد ویس، وفی الثامنة الحمد والواقعة، ثمّ توتر بالمعوّذتین والإخلاص(1).

فمن الممکن أن یکون اقل أو أکثر منه ولذا أفتی الفقهاء بأن التقیید بالعدد لا یجب. ویجوز مع الزیادة لا بقصد الجزئیة(1).

ویجوز أن یستغفر للرسول والأئمة صلوات الله علیهم، وللمطیع والعاصی، وان یختم بالصلاة علی محمد وآله الأطهار لیکون محفوفا بما هو مقبول عند الله (عز وجل).

وان یرفع الید الیسری للدعاء والاستغفار للاستشعار بالفقر والحاجة إلی الله تعالی.

وقد لا یستطیع المؤمن الإحصاء عند الاستغفار فیجوز له إمساک المسبحة بالید الیمنی ویرفع الیسری للدعاء والاستغفار بصلاة اللیل.

ومنها: أنه یجوز قطع دعاء الوتر إذا کان عطشان وقد نوی أن یصوم وکان الفجر قریبا یخشی مفاجأته والماء أمامه أو قریبا منه قدر خطوتین أو ثلاثا فانه یجوز له التخطی والارتواء ثم الرجوع إلی مکانه ویتم صلاته, والاحوط الأولی الاقتصار علی الوتر المندوب دون ما کان واجبا کالمنذور، ولا یبعد التعدی من الدعاء

ص:138

إلی سائر الأحوال، کما لا یبعد التعدی من الوتر إلی سائر النوافل، ولا یجوز التعدی من الشرب إلی الأکل(1).

فقد روی عن سعید الأعرج قال: قلت لأبی عبد الله الصادق علیه السلام: إنی أبیت وأرید الصوم فأکون فی الوتر فأعطش فأکره أن أقطع الدعاء وأشرب, وأکره أن أصبح وأنا عطشان وأمامی قلة بینی وبینها خطوتان أو ثلاث؟ قال:

تسعی إلیها وتشرب منها حاجتک وتعود فی الدعاء(2).

والظاهر موافقة السید الحکیم والفیاض(3) إلا أن السید السیستانی قال بعدم الفرق بین النافلة المندوبة أو المنذور أو نحوه(4).

ومنها: انه یمکن أن یأتی بجمیع الرکعات بنیة صلاة اللیل وان یأتی بها عن جلوس لعذر أو غیره(5).

ص:139

فلفظ المحمل دلیل علی أن صاحبها فی سفر وهو یسأل عن صلاة اللیل فی السفر فأجابه الإمام علیه السلام بجواز أدائها فیه ومنه یظهر أنها لا تسقط فی السفر.

وقد أفتی الفقهاء باستحباب القضاء سواء فی الحضر أم السفر.

قال السید الخوئی (قده): یستحب قضاء النوافل الرواتب بل غیرها من النوافل المؤقتة، ولا یتأکد قضاء ما فات منها حال المرض، وإذا عجز عن قضاء الرواتب استحب له الصدقة عن کل رکعتین بمد، وإن لم یتمکن فمد لصلاة اللیل، ومد لصلاة النهار(1).

ومنها: انه إذا نذر التقرب إلی اللّه بشیء - علی وجه عام - کان له أن یأتی بأی عمل قربی, کالصوم او الصدقة او الصلاة ولو رکعة الوتر من صلاة اللیل, ونحو ذلک من طاعات وقربات. لو نذر التقرب الی الله تعالی بشیء طاعة، فیجوز أن یاتی بأی عمل یقربه الی الله تعالی ومنها صلاة اللیل(2).

ومنها: إذا نذر أن یصلی صلاة اللیل، فعلیه أن یأتی بثمانی

ص:141

رکعات فتجزی عنها.

ومنها: إذا نذر أن یصلی صلاة اللیل طول عمره، ثم رأی بعد أن عقد النذر بمدة أن ذلک یوقعه فی المشقة أو الإحراج بعض الأحیان، وأراد أن یبطل النذر فکیف یصنع؟

الخوئی: یجب علیه الإتیان بها فی غیر الأوقات التی یکون الإتیان بها حرجیا ولا طریق له إلی إبطاله إلا أن ینهی عنه والده.

ومنها: إذا نذر شخص أن یصلی صلاة اللیل مثلا طول شهر رمضان المبارک، ثم حنث بنذره عالما عامدا فی إحدی اللیالی ولم یصل، فوجبت علیه کفارة النذر، فهل یبقی ملزما بصلاة اللیل فی باقی لیالی الشهر أم أن نذره یلغی بالحنث؟

الخوئی: لا یبقی ملزما بصلاة اللیل فی سائر لیالی الشهر ویلغی نذره بالحنث.

لو نذر الإنسان أن یصلی صلاة اللیل، فهل یلزمه البقاء مستیقظا فی صورة عدم الحرج مع افتراض أنه یحتمل احتمالا عقلائیا عدم الانتباه لو نام، وعلی تقدیر عدم الجواز فهل علیه کفارة أم لا؟

ص:142

الخوئی: نعم یجب التحفظ علی المتمکن من أدائها، ومع عدم الاطمئنان بالانتباه أو عدم التسبیب إلی الانتباه وحصول الفوت یکون عمدیا موجبا للحنث.

التبریزی: إذا کان نذره بحسب قصده أن یصلی صلاة اللیل مثل سائر الناس الملتزمین بها فعلیه التسبیب للاستیقاظ لصلاة اللیل، فلو اتفق عدم الاستیقاظ ولو مع التسبیب المزبور فلا شیء علیه کمن لم یسمع صوت المنبه، والأحوط أن یقضیها بعد ذلک(1).

ومنها: انه یستحب الجهر بها لأنها السُنة.

ومنها: أن الحائض إذا أرادتْ أن تصلی صلاة اللیل قبل الفجر جاز لها أن تُقدمَ غُسل الغداة علی الوقت بمقدار الغسل وصلاة اللیل لا أکثر علی الاحوط(2).

ومنها: انه لو ضاق الوقت عن الوضوء أو الغسل لأداء صلاة اللیل فیجوز التیمم وأداؤها(3).

ص:143

وآخر دعوانا أن (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) والصلاة علی محمد وآله الطیبین الطاهرین وصحبه المنتجبین. انتهینا من کتابة هذه الأسطر المبارکة بحمد الله تعالی یوم الأحد الثالث من شهر شعبان یوم مولد الإمام الحسین علیه السلام سنة ثلاث وثلاثین وأربع مئة وألف من الهجرة المبارکة الموافق الرابع والعشرین من الشهر السادس للعام الثانی عشر وألفین من المیلاد.

ص:144

14. تفسیر الکشاف / الزمخشری

15. تفسیر جامع الأحکام / للقرطبی

16. تفسیر مجمع البیان / العلامة الطبرسی

17. تفسیر منهاج الهدایة / العلامة میثم البحرانی

18. تفسیر نور الثقلین / العلامة الحویزاوی

19. تهذیب الأحکام / لشیخ الطائفة الطوسی

20. الدر المنثور / لجلال الدین السیوطی

21. روائع البیان فی تفسیر آیات الأحکام / الصابونی

22. روضة الکافی / للکلینی

23. زبدة البیان فی أحکام القرآن / للعلامة الاردبیلی

24. سیر اعلام النبلاء / للذهبی

25. الصحاح / للجوهری

26. صراط النجاة / الشیخ التبریزی

27. العروة الوثقی / للسید الیزدی

28. عوالی اللآلی / ابن ابی جمهور الحسائی

29. فروع الکافی / للکلینی

30. فقه المغتربین / السید علی السیستانی

31. قرب الإسناد / العلامة الحمیری القمی

32. کتاب العین / للخلیل بن احمد الفراهیدی

ص:146

33. کشف الظنون

34. کنز العمال

35. لسان العرب / لابن منظور

36. مبادئ الطب / السید محمد الحسینی الشیرازی

37. مجمع الفائدة والبرهان / للعلامة الشیخ احمد الاردبیلی

38. المحاسن / العلامة المحدث البرقی

39. المحتضر / الشیخ حسن بن سلیمان الصفار الحلی

40. المسائل الشرعیة / للإمام الخوئی

41. المسائل المنتخبة / السید علی السیستانی

42. مستدرک الوسائل / للعلامة النوری

43. مصباح الشریعة / المنسوب للصادق علیه السلام

44. المعجم الأوسط / الطبرانی

45. المعجم البسیط البرهان فی علوم القرآن / السیوطی

46. معجم البلدان / یاقوت الحموی

47. مفاتیح الجنان / العلامة الشیخ عباس القمی

48. مفاتیح الغیب / الالوسی

49. من لا یحضره الفقیه / للشیخ الصدوق

50. منهاج الصالحین / الإمام السید الخوئی

51. منهاج الصالحین / الإمام السیستانی

ص:147

52. منهاج الصالحین / السید محمد سعید الحکیم

53. مهذب الأحکام / للسید عبد الأعلی السبزواری

54. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن / السید عبد الأعلی السبزواری

55. الموسوعة العربیة

56. میزان الحکمة / للعلامة الشیخ ریشهری

57. النهایة فی غریب الحدیث / لابن الأثیر

58. وسائل الشیعة / المحدث محمد حسن العاملی

ص:148

الفصل الثانی

فضائل وآثار صلاة اللیل

النوم علی الطهارة لأجل صلاة اللیل 75

آداب الدعاء 81

استحباب السواک فی السحر 86

الاستخارة بعد صلاة اللیل 86

طرق وکیفیة الاستخارة 86

الفصل الثالث

کیفیة صلاة اللیل

أولا: وقتها 86

ثانیا: النیة 86

ثالثا 86

ورکعة الوتر 86

شرح مضامین الصلاة 86

ص:150

خاتمة

أحکام صلاة اللیل

أحکام وقتها 86

أحکام رکعاتها 86

أحکام القراءة 86

أحکام القنوت 86

عدم سقوطها فی السفر 86

المصادر والمراجع 86

المحتویات 86

ص:151