رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2015-2442

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم استدعاء مکتبة الکونجرس: 2015 6 A . 49.35 BP

المؤلف الشخصی: العقیلی، ثائر هادی

العنوان: حیاة الامام علی الهادی علیه السلام: دراسة تاریخیة

بیانات المسؤولیة تألیف ثائر هادی العقیلی

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی

بیانات النشر: کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة قسم الشؤون الفکریة والثقافیة. شعبة الدراسات والبحوث الاسلامیة 1437 ه - 2016 م

الوصف المادی: [381] صفحة

سلسلة النشر: قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ (168)

تبصرة ببلیوغرافیة: یحتوی علی هوامش لائحة مصادر (الصفحات 363 330)

موضوع شخصی: علی بن محمد الهادی (علیه السلام)، الامام العاشر، 214-254 هجریاً - سیرة.

موضوع شخصی: علی بن محمد الهادی (علیه السلام)، الامام العاشر، 214-254 هجریاً - علم.

موضوع شخصی: علی بن محمد الهادی (علیه السلام)، الامام العاشر، 214-254 هجریاً - الدور السیاسی والاجتماعی.

مصطلح شخصی: علی بن محمد الهادی (علیه السلام)، الامام العاشر، 214-254 هجریاً الدور الفکری والثقافی.

مصطلح موضوعی: الدولة العباسیة سیاسة وحکومة.

مصطلح موضوعی: الشیعة تعقب وایذاء.

مصطلح موضوعی: الامامة

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص:2

ص:3

ص:4

کان ینتظرهم وهم یتنافسون عن کتابة تاریخ هذا الامام المقهور أو ذاک الامام المغیب ولعل هذه الاکادیمیات تتفق معی من أن هذا التاریخ - تاریخ أهل البیت علیهم السلام - شاءت الارادة الثاقفیة للحکام اخفاؤه بشکل لا یُتاح لأحد من الأمة الاطلاع علیه.. أو الاطلاع علیه بما یسمح لهم "مقص" الرقیب من الحذف والالغاء ومن ثم الابقاء.. ولعل البحث الموسوم "حیاة الامام علی الهادی علیه السلام" دراسة تاریخیة، الذی تقدم به الطالب ثائر هادی العقیلی إلی جامعة البصرة هو احدی المحاولات الجاریة فی هذا السیاق لیحاول أن یعید للبحث الجامعی جدیته وللمناقشات الاکادیمیة رونقها، ولعل هذا البحث وأمثاله انعتاق جدید تسجله المحافل العلمیة الاکادیمیة ساعیة تمییز الجامعة العراقیة بالجدیة ولتسجل حضورها العلمی من بین الجامعات العالمیة وهی تفتح باب هذه البحوث الموصدة منذ أمدٍ بعید لتطالعنا بجدیتها المعهودة ولتضیف رقماً جدیداً للمکتبة الاکادیمیة العربیة التی تنحسر فیها ابداعات المعرفة الحقیقیة.

والکتاب الذی بین أیدینا خطوة مباکرة نحلو مثال هذه الاهداف النبیلة آملین أن تتبعها خطوات تشمل بحوثاً أکادیمیة تحرص علی تقدیم الانفع والأفضل ومن ثم الأصلح. إذ یحتضن أثری فترة سیاسیة، فکریة، ثقافیة، صنعته أبطال الحضارة الانسانیة والذی مثّل أوجها بکل شموخ الامام علی بن محمد الهادی علیهما السلام لتعانق ذکراه سحب المجد وفضاءات الخلود.

عن اللجنة العلمیة

السید محمد علی الحلو

ص:6

والإمام الهادی علیه السلام أحد الأئمة الذین عاصروا عصراً سیاسیاً وفکریاً واجتماعیاً واقتصادیاً مهماً فی التاریخ الإسلامی تمثل فی بروز العنصر الترکی الذی أذهب بهیبة الخلافة والخلفاء، وفی الجوانب الفکریة ظهور العدید من الفرق الفکریة التی تحمل خطراً کبیراً علی الإسلام والمسلمین کفرقة الغلو والواقفیة.

تعد دراسة حیاة الإمام الهادی علیه السلام باباً مهماً لدراسة أُسس وبنیة المسارات السیاسیة لأئمة أهل البیت (علیهم السلام) مع مراعاة الظروف المختلفة التی تلقی بظلالها علی تلک الأسس والبنیة، ولکنها فی ذات الوقت نجدها معیناً مهماً للباحث فی رسمه للتصورات الأولیة لأساس من الأسس المهمة فی معرفة مفهوم الإمامة، وتطبیقاتها الواقعیة بالممارس الواقعی لدور الإمام علیه السلام التی تعد حیاته کإمام معصوم فی دائرة منظومة الإمامة الإلهیة امتداداً طبیعیاً لمنظومة النبوة، لما للإمامة من دور تکمیلی علی مستوی الهدایة التشریعیة والتکوینیة علی حد سواء، ویأتی دوره علیه السلام کواضع أُسس لمرحلة الغیبة المهدویة التی تعتبر من البنی الفکریة التی تمثل تحولاً تطبیقیاً لواقع النبوة، والذی ارتبط بمنظومة منطلقات الإمامة الفکریة ومن هذه المنطلقات جاءت أهمیة هذه الدراسة.

ورغم أنّ هناک من تناول دراسة شخصیة الإمام الهادی علیه السلام، الا ان هذه الدراسات بمجمل اتجاهاتها، قد اعتمدت اسلوب السرد التاریخی، ولم تبتعد عن نطاق الدراسة الشخصیة للإمام علیه السلام حیث افتقرت إلی اسلوب التحلیل فی دراسة النصوص، وهذا الاسلوب هو الاساس الذی اعتمدته فی الدراسة لان مسارات الدراسات الحدیثة تلتزم بالمنهج التحلیلی اساساً لها، وهذا لا

ص:8

یعد انتقاصاً من تلک الجهود التی سبقتنی وانبرت لدراسة شخصیة الإمام الهادی علیه السلام بقدر ما هو اختلاف فی مناهج الدراسة.

ورغم ان هناک من تناول دراسة شخصیة الإمام الهادی علیه السلام، ومن ابرز تلک الدراسات:

1 - الشیخ باقر شریف القرشی، حیاة الإمام علی الهادی علیه السلام.

2 - الشیخ محمد جواد الطبسی، حیاة الإمام الهادی علیه السلام.

3 - السید محمد الحسینی الشیرازی، من حیاة الإمام الهادی علیه السلام.

4 - السید محمد کاظم القزوینی، الإمام الهادی علیه السلام من المهد إلی اللحد.

5 - عبد الرزاق شاکر البدری، سیرة الإمام العاشر علی الهادی علیه السلام.

ان هذه الدراسات بمجمل اتجاهاتها، قد اعتمدت اسلوب السرد التاریخی، ولم تبتعد عن نطاق الدراسة الشخصیة للامام علیه السلام حیث افتقرت إلی اسلوب التحلیل فی دراسة النصوص، وهذا الاسلوب هو الاساس الذی اعتمدته فی الدراسة لان مسارات الدراسات الحدیثة تلتزم بالمنهج التحلیلی اساساً لها، وهذا لا یعد انتقاصاً من تلک الجهود التی سبقتنی وانبرت لدراسة شخصیة الإمام الهادی علیه السلام بقدر ما هو اختلاف فی مناهج الدراسة.

ولا نخفی أننا واجهنا بعض الصعوبات التی تعترض کل بحث علمی ویقف فی مقدمتها قلة المصادر فی مکتبتی، الأمر الذی تطلب البحث عنها تارة فی المکتبات الخاصة، وتارة أخری تطّلب السفر إلی النجف الأشرف حیث مکتباتها التی لا غنی

ص:9

للطالب عنها هذا ویرجع إلی عزوفنا التام عن استخدام الأقراص الحاسوبیة لما لها من مستلزمات الرجوع للکتاب مرة أخری للتأکد من وجود النص وتدقیقه، فآثرنا الوقوف علی الکتاب نفسه من المکتبات المختلفة.

اقتضت طبیعة البحث تقسیم الرسالة إلی مقدمة، وأربعة فصول، وستة ملاحق، فأما الفصل الأول، تناولنا فیه حیاة الإمام الهادی علیه السلام، والذی قسم إلی ستة مباحث تطرقنا فی المبحث الأول إلی اسم الإمام علیه السلام ونسبه، وأشرنا إلی عظمة هذا النسب، وشرفه الذی خصه الله تعالی بالتطهیر، والقدسیة.

وتم التطرق فی المبحث الثانی إلی ألقابه، وکناه علیه السلام والتی اتضح لنا أنّ ألقابه، التی نُعِتَ بها لم یصل لها من حیث العدد أی إمام آخر من أئمة أهل البیت (علیهم السلام)، والتی تکشف لنا مقامات الإمام علیه السلام علی المستوی النفسی، والروحی، والاخلاقی.

وتم التطرق فی المبحث الثالث إلی ولادته، واستعرضنا الآراء المختلفة فی ذلک ودرسناها وخرجنا بنتیجة أنّه ولد سنة 212 ه - / 827 م.

وتطرقنا فی المبحث الرابع إلی خصاله الخلقیة (الجسمانیة)، والأخلاقیة (الروحیة)، وتم استعراض اقوال العلماء والمؤرخین فی صفاته الأخلاقیة.

وتم التطرق فی المبحث الخامس إلی أسرته من خلال زواجه بأم الفضل بنت المأمون، وبعدها بالسیدة سمانه، وإنجابه العدید من الأولاد التی اثبتنا عدد أبنائه بعد دراسته النصوص بدقة.

وتم التطرق فی المبحث السادس إلی استشهاده علیه السلام، وتم استعراض أقوال المؤرخین فی ذلک، والتی أشارت إلی أنّه مات مسموماً، وقد أشرنا إلی بعض

ص:10

الاوضاع السیاسیة التی تجعل التهمة موجهه إلی المعتز العباسی خصوصا ان هناک قاعدة عند الأئمة قد رویت عن الإمام الحسن السبط علیه السلام (ما منا الا مقتول أو مسموم)(1).

واما الفصل الثانی، والذی جاء بعنوان الدور السیاسی للإمام علیه السلام، والذی قسم إلی خمسة مباحث، وتم التطرق فی المبحث الأول إلی إمامته علیه السلام، وأشرنا إلی معنی الإمامة لغة، واصطلاحاً، والی شروطها فی مدرسة أهل البیت، وأهل السنة والی تولیه الإمامه وأثبتنا ذلک بالأدلة المباشرة، وغیر المباشرة.

وتم التطرق فی المبحث الثانی إلی دراسة الوضع السیاسی فی عصر الإمام علیه السلام وأشرنا فیه إلی سیاسة الخلفاء العباسیین تجاه العلویین، والی الأوضاع الداخلیة، والخارجیة للدولة العباسیة.

وتم التطرق فی المبحث الثالث إلی موقف الإمام علیه السلام من خلفاء بنی العباس، والذی بدأ من عصر المأمون حتی عصر المعتز.

والمبحث الرابع تم التطرق فیه إلی الأوضاع السیاسیة لشیعة الإمام علیه السلام وأشرنا فیه إلی وسائل اتصال الإمام علیه السلام بشیعته، ودوره فی الحفاظ علیهم وسیاسة المتوکل معهم.

وتم التطرق فی المبحث الخامس إلی موقف الإمام علیه السلام من الثورات العلویة، وأشرنا إلی بعض تلک الثورات ودرسنا موقف الإمام علیه السلام منها.

أما الفصل الثالث فتناول دور الإمام علیه السلام الفکری، والذی قسم إلی أربعة مباحث، وتم التطرق فی المبحث الأول إلی دراسة عصر الإمام علیه السلام

ص:11

الفکری مستعرضین أهم الفرق فی عصره، ودراسة موقف الإمام علیه السلام من کل فرقة.

وتم التطرق فی المبحث الثانی إلی نشأته، ومکانته العلمیة، والتی أثبتناها من خلال النصوص التاریخیة، وآثاره الفکریة التی تعکس تلک المکانة العلمیة التی لا نظیر لها.

وتم التطرق فی المبحث الثالث إلی دوره فی التمهید للغیبة، وأشرنا إلی تعدد أدواره فی ذلک.

وتم التطرق فی المبحث الرابع إلی دراسة التراث العلمی للإمام علیه السلام الذی کان متنوعاً فی مرویاته عن آبائه، وفی الجانب العقائدی والفقهی وغیرها.

أما الفصل الرابع فتناول دور الإمام علیه السلام الاجتماعی، والاقتصادی، والذی قسم إلی ثلاثة، مباحث تم التطرق فی المبحث الأول إلی دراسة الوضع الاجتماعی، والاقتصادی فی عصره.

وتم التطرق فی المبحث الثانی إلی الدور الاجتماعی، والاقتصادی للإمام علیه السلام فی المدینة، والذی أشرنا فیه إلی موقفه تجاه شیعته وأصحابه، وسائر الناس.

وفی المبحث الثالث تم التطرق إلی الدور الاجتماعی، والاقتصادی للإمام علیه السلام فی سامراء، والذی تطرقنا فیه إلی الروایات المختلفة والتی تمت دراستها بدقة.

واخیرا فأننی استمیح العذر من ای تقصیر فأن الکمال لله، وحده ومنه التمس العون والتوفیق.

الباحث

ص:12

ص:14

من هاشم والعترة من الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والرضا من الله عزوجل شرف الأشراف، والفرع عبد مناف).(1)

وبین القرشی عظم هذا النسب بقوله: ((هو أرفع نسب فی الإسلام، ولم تعرف الإنسانیة فی جمیع أدوارها نسباً اجل، ولا أسمی من هذا النسب الذی أضاء سماء الدنیا بواقع الإسلام، وجوهر الإیمان)).(2)

بینما أشار الشیرازی إلی مصادیق نسب الإمام علیه السلام بقوله إنّهم: ((من أهل بیت الرحمة، وشجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائکة، ومعدن العلم، ومفاتیح الحکمة، وسلالة النبیین وصفوة المرسلین، وعترة خیرة رب العالمین الذین أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهیراً))(3).

ونستطیع أن نشیر إلی أهمیة هذا النسب، بالنسبة للإمام علیه السلام من ناحیة توفیره أرضیة عظیمة من خلال الإرث التاریخی لآبائه الأئمة (علیهم السلام)، فکل منهم کان له دورٌ تاریخیٌّ مهمٌ فی فترة حیاته الأمر الذی عکس حب وإجلال المجتمع الإسلامی له فضلاً عما عرف به من دور کبیر، ومؤثر فی حیاة المجتمع الإسلامی من الناحیة الفکریة، والسیاسة، والاجتماعیة، والاقتصادیة.

فالإمام علیه السلام من جهة الأب، هو ابن الإمام محمد الجواد علیه السلام تاسع أئمة أهل البیت علیهم السلام، الذی ما عرف فی زمنه أحد بما له

ص:16

من شرف النسب، وکثرة العبادة والورع، والتقوی، فضلاً عن دوره فی المجتمع الإسلامی.

أما من جهة الأم فقد تباینت أقوال المؤرخین فی اسمها فمنهم من قال إنّ اسمها سمانة(1) ، وهناک منهم من ذهب إلی أن اسمها سمانة أیضاً، ولکن أضاف إلی أنّ اسمها لقب المغربیة(2) ، وهذا اللقب لیس اسماً جدیداً لها ولعلها لم تعرف به حین شرائها، ولکن الراجح أنّها عرفت به فیما بعد للدلالة علی أصلها، أو الوجهة التی جاءت منها حین شرائها، فی المدینة.

ومنهم من أسماها غزاله(3) ، وهناک من ذهب إلی أن اسمها جمانه(4) ، وهناک من ذهب إلی أن اسمها متفرشه(5) ، أو ان أسمها حدیث(6) ، وقد تفرد الجهضمی

ص:17

وقال: أسمها مدنب(1) کما تفرد الخصیبی وذهب بالقول أن اسمها مهرسنة، وأکد بقوله أنه لیس بصحیح(2) ، وتفرد أیضاً الأردبیلی حیث ذهب بالقول إنّ اسمها شماسه(3).

ویبدو أن الراجح من بین هذه الأسماء هو ((سمانه))، لشهرته بین المؤرخین، وکثرة الذاهبین إلیه منهم، أما سبب کثرة هذه الأسماء لشخص واحد لعله یرجع إلی طبیعة الشخصیة لما لها من ملابسات وظروف جعلتها غیر معروفة معرفة دقیقة فی المجتمع لکی یذاع اسمها، وتکون معروفة کسائر النسوة ذوات العمل الاجتماعی خصوصاً أنها کانت أمة مما یتیح لها حریة تسمیتها لنفسها اسماً جدیداً أو من قبل المالک أیضاً، وذهب الشیرازی أنه (کان من المتعارف أنذاک أن یسمی الشخص بعدة أسماء سواء کان رجلاً أم امرأة)(4).

لم تشر المصادر لنا عنها شیئاً من حیث، ولادتها، ونشأتها، وأسرتها، وطبیعة حیاتها وکیف وصلت إلی مستوی الرقیة وقد روی الطبری عن محمد بن الفرج(5) قال: (دعانی أبو جعفر محمد بن علی فأعلمنی أن قافلة قد قدمت، وفیها نخاس، ومعه جوارٍ، ودفع إلیّ سبعین دیناراً، وأمرنی بابتیاع جاریة، وصفها لی فمضیت، وعملت بما أمرنی فکانت الجاریة أم أبی الحسن وروی أن اسمها سمانة وکانت

ص:18

مولدة)(1).

وأورد المسعودی ذات النص لکنه اختلف مع الطبری أن جعل المبلغ المدفوع إلی محمد بن الفرج ستین دیناراً(2) ، وربما الاختلاف راجع إلی تصحیف حصل عند أخذ المسعودی للروایة.

إنّ دراسة النص یکشف لنا أمرین مهمین هما:

1 - توجه أئمة أهل البیت (علیهم السلام)، ومن بینهم الإمام الجواد علیه السلام علی ضرورة الاهتمام فی اختیار الزوجة، لما لها من تأثیر کبیر فی حیاته علیه السلام فضلاً عن کونها قد تنال شرف أمومة الإمام اللاحق، وهذا کله بإلهام الله لهم وتسدیده.

2 - نجد فی النص کرامة واضحة للإمام الجواد علیه السلام، من حیث علمه فی وصول القافلة وأوصاف الجاریة ومقدار المبلغ الذی سوف تباع فیه للقرائن التی فی النص والتی منها أنّه أرسل محمد بن الفرج للنخاس، بحیث سامها علیه ولو کان هناک اتفاق بین الإمام علیه السلام، والنخاس فلا معنی لسومها علی محمد بن الفرج لإیقاع عقد البیع، وتکون مهمة ابن الفرج هی دفع المال فقط واخذ الجاریة.

عرفت السید سمانة بالإیمان، والصلاح، فقد (کانت کثیرة العبادة، وشدیدة التقوی متحلیة بالفضائل، والمکارم)(3) ، وهذا یرجع إلی إقبال الإمام الجواد علیه

ص:19

السلام علی العنایة بها قبل الزواج، وخلاله لما سوف یناط بها من شرف مسؤولیة المشارکة فی تربیة الإمام الهادی علیه السلام.

لقد أنجبت السیدة سمانة من الإمام الجواد علیه السلام عدة أبناء، ذکور، وإناثً إلاّ أنّ المصادر أجمعت علی أنّ الذکور اثنان، هم علی الإمام،، وموسی(1) بینما الإناث تباینت أقوال المؤرخین فذهب البعض إلی أنّ عددهن اثنان فاطمة، وأمامة(2) ، وذهب البعض الآخر إلی ثلاثة حکیمة، وخدیجة، وام کلثوم(3) ، وقد تفرد الخصیبی باسم رابع، وهو حلیمه(4) ولعله إذا لحظ قبال اسم حکیمه الذی اشارت إلیه المصادر ربما کان اسماً واحداً وقد وقع فیه التصحیف.

نقلت المصادر قولاً عن الإمام علی الهادی علیه السلام فی حق أُمه السیدة سمانة، حیث قال علیه السلام: ((أُمی عارفة بحقی، وهی من أهل الجنة لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبارعنید، وهی مکلوءة بعین الله التی لا تنام، ولا تتخلف عن أُمهات الصدیقین، والصالحین)(5).

إنّ دراسة هذا النص توحی إلی العدید من الدلالات والتی أبرزها:

1 - إنّ الإمام الهادی علیه السلام یشهد لأمه أنها معترفة وعارفة بحقه،

ص:20

والذی یبدو ذلک مکانته کإمام معصوم وهذا یکشف لنا صورة من صور خلفیتها الفکریة فی الجانب العقائدی فی محور من أهم محاورها، وهی الإمامة وأعتقد أنّ تعقیب الإمام علیه السلام بقوله بعد أن کانت عارفة بحقه أنّها فی الجنة إشعار أنّ شرط دخول الجنة هو الاعتراف بإمامته وأیضاً یعکس لنا صحة اعتقاداتها الأُخری.

2 - إنّ قول الإمام علیه السلام: (لا یقربها شیطان مارد، ولا ینالها کید جبار عنید، وهی مکلوءة بعین الله التی لاتنام)) یصور لنا حیاتها الاجتماعیة فی مجمل محطاتها بما فیها من عفة، وشرف، وقداسة علی البعد المادی والمعنوی.

3 - إنّ قول الإمام علیه السلام: (ولاتتخلف عن أُمهات الصدیقین والصالحین) فیه إشعار للرد علی من أنکر أو أستبعد أنْ تکون لها مکانة عالیة عند الله لذا صرح الإمام علیه السلام عن هذة المکانة.

تشیر المصادر أنّ الإمام الجواد علیه السلام قد تزوج بزواج أسبق من السیدة سمانه، حیث تزوج من أُم الفضل ابنة المأمون العباسی، وقد اختلفت المصادر فی تحدید سنة الزواج فذهب الیعقوبی(1) ، والحرانی(2) ، والخطیب البغدادی(3) ، وابن شهر آشوب(4) ، إلی سنة 204 ه - / 817 م، بینما ذهب الطبری إلی سنة 202 ه - / 819(5) ، والأرجح القول الأول لکثرة القائلین به من جهة ومن جهة، أخری أنّه

ص:21

ینسجم مع سیاسة المامون العباسی فی إبعاد التهمة التی وجهت إلیه فی قتل الإمام علی الرضا علیه السلام فما إن وصل إلی بغداد حتی سارع فی استدعاء الإمام الجواد علیه السلام بالحضور إلیه لیستمر علی نهجه فی تقریب الأئمة (علیهم السلام) من مرکز الخلافة العباسیة لزیادة المراقبة علیهم، ومحاولة تحجیم دورهم لقطع روابط الاتصال بشیعتهم.

ولقد کان لهذا الزواج معارضة من أهل بیته وکبار بنی العباس خوفاً من أن تصل الأمور إلی ما وصلت مع أبیه الرضا علیه السلام فاعترضوا علی سیاسته هذه إلاّ أنّه واجههم بقوة فاحتجوا علیه، بصغر سنه وجهله فی أحکام الشریعة فما کان بنو العباس إلاّ أن اتفقوا مع المأمون أن یمتحن الإمام الجواد علیه السلام من قبل یحیی بن أکثم(1) ، وجرت بینهم محاورات علمیة أثبت فیها الإمام الجواد علیه السلام علمه، وجهل یحیی ابن أکثم فخابت مساعی العباسیین فسار المأمون فی تحقیق أهدافه فوقع الزواج بینهما(2).

أما موقف الإمام الجواد علیه السلام من هذه الخطوة السیاسیة، التی قام بها المأمون العباسی هو البقاء فی دائرة التقیة لکی لا یقف موقف المواجهة العلنیة وجهاً لوجه مع المامون لأنّ ذلک سوف یکلفه حیاته کما صنع بأبیه الرضا علیه السلام.

ص:22

تشیر بعض المصادر (أنّ أُم الفضل کتبت إلی أبیها من المدینة تشکو أبا جعفر (الإمام الجواد) علیه السلام وتقول إنّه یتسری علی ویغیرنی الیها فکتب إلیها المأمون: یا بنیة أنا لم نزوجک أبا جعفر لنحرم علیه حلالاً فلا تعاودی لذکر ما ذکرت بعدها))(1).

یعکس لنا هذا النص طبیعة وسائل الاتصال التی کانت بین المأمون وابنته التی ما من شک کانت تبعث بکتبها إلی أبیها بجمیع تحرکات الإمام الجواد علیه السلام لتحقق أحد أغراضه من زواجها منه، وهو مراقبة الإمام الجواد علیه السلام من الداخل ولیس هذا فحسب فقد یکون فی تفکیر المأمون مراقبة الإمام الهادی علیه السلام لعلم المأمون أنّ الإمامة مستمرة فی عقب الإمام الجواد علیه السلام فأمر بسیط کالذی کتبت لأبیها لأجله فکیف بها فی الأمور الخطیرة أو العظیمة.

أشارت المصادر إلی أنّ الإمام الجواد علیه السلام لم یرزق منها بأی ذریة(2) ، بالرغم من طول فترة الزواج الذی استمر حتی استشهاده سنة 220 ه - / 835 م(3) ، وهذا یرجع إلی الحکمة الإلهیة التی لم تشأ أنْ یکون هناک ذریة بین الإمام الجواد علیه السلام والعباسیین.

ص:23

علی رسول الله (صلی الله علیه واله) یوماً فلما نظر إلیّ قال یا سلمان إنّ الله عز وجل لم یبعث نبیاً ولا رسول الا وجعل له اثنی عشر نقبیاً قال سلمان: فقلت له یارسول الله لقد عرفت هذا من أهل الکتابین قال یاسلمان فهل عرفت من نقبائی الاثنا عشر الذین اختارهم الله للإمامة من بعدی فقلت: الله ورسوله أعلم قال: یاسلمان خلقنی الله من صفوة نوره ودعانی فأطعته وخلق من نوری نورعلی فدعاه إلی طاعته فأطاعه، وخلق من نوری، ونور علی فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق منی ومن علی وفاطمة، والحسن والحسین فدعاهم فأطاعوه... قال لقد عرفت إلی الحسین قال ثم سید العابدین علی بن الحسین... ثم علی بن محمد الهادی إلی الله...)(1).

وما من شک أنّ هذا النعت بهذا اللقب من قبل الرسول یعکس لنا أمرین أولهما أهمیة وقدسیة هذا اللقب لأنّه أطلق من قبل الرسول وثانیهما أنّه یحمل دلالاتٍ وأبعاداً رمزیة وهذا لعله یرجع إلی طبیعة حاجة المجتمع فی عصره إلی الهدایة إلی الله حیث کثرة الضلالة والبعد عن دین وشریعة الله تعالی.

ولقد أشار إلیه المؤرخون بعدة تعبیرات منها ما أشار إلیه الذهبی بقوله (إنّه الملقب بالهادی عند الإمامیة)(2) وهذا یعکس لنا إطلاقه أبرز مصادیق ألقابه علیه وأشار الدیار بکری إلی هذا اللقب (فی کونه الملقب به عند الشیعة)(3) وذکر ابن العماد نفس هذا المعنی الذی ذهب إلیه الدیار بکری حیث عبر بقوله (إنّ لقب الهادی هو المعروف عند الشیعة)(4) ، بینما عده الکاشانی والشبلنجی أشهر ألقابه

ص:25

علیه السلام(1) ، ولعل المراد منه أنّه کان علیه السلام (علماً لهدایة الناس نحو الخیر والفضیلة والتقوی فلقب بالهادی)(2).

عسکری؟ فقال: نعم فدعا الله سبحانه وتعالی فإذا بین السماء والأرض من المشرق إلی المغرب ملائکة مدججون فغشی علی المتوکل فلما أفاق قال له أبو الحسن نحن لا ننافسکم فی الدنیا فإنّا مشغولون بالآخرة فلا علیک شیء مما تظن)(1).

إنّ دراسة هذا النص یوضح کرامة من کرامات الإمام الهادی علیه السلام، عندما رأی مصلحة فی إظهار آثار تلک الکرامات المخفیة عن المجتمع، وخصوصاً خلفاء بنی العباس کی لا یزدادوا خوفاً منه بما لدیه من سلطان فی التصرف فی بعض الجوانب الکونیة عن طریق استجابة الدعاء أو غیره لکی یبین للمتوکل أنّ خوفه من الناحیة العسکریة لیس فی محلة، ودلیله امتلاکه هذا الجیش الملائکی الذی أرعب المتوکل الأمر الذی أدی به إلی الإغماء فما کان من الإمام علیه السلام إلاّ أن یجیبه (نحن لا ننافسکم فی الدنیا فإنّا مشغولون بالآخرة فلا علیک شیء مما تظن).

والمرجح أنّ سبب التسمیة هو السبب الأول لأنّه أکثر شهرة عند المؤرخین.

وأنّ علی بن أبی طالب خلیفتی وأنّ الأئمة من ولده حججی أدخلته جنتی برحمتی ونجیته من النار بعفوی... فقام جابر بن عبد الله الأنصاری(1) فقال: یا رسول الله ومن الأئمه من ولد علی بن أبی طالب؟ قال: الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة ثم... النقی علی بن محمد...)(2).

وذهب الشیرازی أنّ المراد من هذا اللقب (أنّه کان علیه السلام معصوما کآبائه الطاهرین (علیهم السلام) ومنزهاً عن کل عیب وذنب، ونقیاً من کل دنس فلقب بالنقی)(3).

کان لا یستبعد أن یراد لهما معنان لا معنی واحدٌ فإن الأول وهو (الراشد) معناه ان الإمام علیه السلام هو الراشد إلی سبیل الله والهدایة والخلاص من متعلقات الدنیا، وتقویة الاتصال بالآخرة.

والثانی وهو (الرشید) قد یراد به وصول الإمام علیه السلام إلی مرتبة الرشد، والبلوغ التام فی معرفة أحکام الله الواقعیة کما فهم ذلک المجتمع فی عصره.

ولقد ذهب القرشی إلی أنّ الإمام علیه السلام کان یبغض هذا اللقب(1) ولا أعلم ما هو مستنده فی ذلک والنصوص التاریخیة تذهب إلی خلاف ما ذهب إلیه لا سیما أنّه لقب محبوب لما یدل ظاهره علی التوکل علی أمور الخیر خاصة أنّ القران الکریم أکد علی التوکل فی آیات عدیدة والراجح أنّ الإمام علیه السلام أمر أصحابه فی الإعراض عنه لا مطلقاً إنّما فی مجالس العامة أو فی الرسائل التی توجه إلیه خوفاً من عیون الخلافة العباسیة.

2 - تأثر طبقات المجتمع المختلفة بصورته الفردیة والجماعیة بالعمل الإسلامی ذات البعد الحرکی المثمر، والهادف لبناء الجماعة الصالحة انطلاقاً من البنیة الفکریة للإمام علیه السلام مما أخذت تلک الطبقات تنعته بهذا اللقب أو ذلک.

3 - إنّ لله سبحانه وتعالی تسعةً وتسعین اسماً، وصفات عدیدة والإمام علیه السلام ظهرلنا مرتدیاً رداء أسماء الله وصفاتهِ فبمقدار فهم المجتمع له أضفوا علیه هذه الألقاب.

علیه السلام قال: (إنّا لنکنی أولادنا فی صغرهم مخافة النبز أن یلحق بهم)(1).

إنّ ظاهرالحدیث هو الإطلاق الذی یستفاد منه جمیع الأئمة (علیهم السلام) والإمام الجواد علیه السلام یدخل فی هذا الإطلاق بقرینة (إنّا لنکنی)، وقرینة (أولادنا) فالأولاد یشمل جمیع أولاد الأئمة (علیهم السلام) لذا أفتی العدید من الفقهاء باستحباب الکنیة فی الصغر(2) ، وکان مستندهم فی القول فی الاستحباب هذا الحدیث.

ص:39

أنّ الخلاف وقع فی تحدید مکان ولادته منها فهل کانت ولادته علیه السلام فی داخل المدینة أو فی إحدی القری التابعة لها، فنجد المصادر عندما تناولت ولادته علیه السلام تارة تطلق مفردة المدینة فقط وأخری تذکر المدینة وتحدد منطقة فیها تسمی (بصریا)(1) ، أو (صریا)(2) ، أو (بصریاء)(3).

وأول من أعطی بعداً تعریفیاً لها هو ابن شهر آشوب حیث أشار أنّها قریة اسسها الإمام موسی بن جعفر علیه السلام وتبعد عن المدینة ثلاثة أمیال(4) ، والأقرب أنّ الإمام علیه السلام ولد فی قریة (بصریا) إحدی القری التابعة للمدینة لشهرته فی المصادر الاولیة.

لقد تباینت أقوال، المؤرخین فی تاریخ ولادته علیه السلام إلی عدة أقوال فقد ذکر ابن شهرآشوب أنّ ولادته کانت سنة 210 ه - / 825 م(5) ، ولم یشترک معه أحد فی هذا القول بینما ذهب الکلینی والمفید والطوسی والفتال والطبرسی وابن الأثیر والإربلی والشامی والموصلی وابن الطقطقی والحلی والکفعمی والأردبیلی والمجلسی إلی أنّ ولادته علیه السلام کانت سنة 212 ه - / 827 م(6) ، بینما ذهب ابن

ص:41

خلکان وأبو الفداء وابن الوردی والصفدی والیافعی إلی أنّ ولادته کانت سنة 213 ه - / 828 م(1) بینما اتفق ابن أبی الثلج والکلینی والخصیبی والإسکافی والطبری والخطیب البغدادی وابن شهر آشوب وابن الأثیر علی أنّ ولادته کانت سنة 214 ه - / 829 م(2) ، وانفرد ابن تغردی بردی بتاریخ متأخر فذکر ولادته کانت سنة 224 ه - / 838 م(3).

إنّ اشتراک ابن شهر آشوب مع المؤرخین الذین ذهبوا إلی ولادته سنة 214 ه - / 829 م بعد أن انفرد بروایة سنة 210 ه - / 825 م، أحد عوامل تضعیف روایته التی انفرد بها لأنّه ذکر تاریخاً آخر، یعکس لنا أنّه لم یرجح أحد التاریخین.

وکذلک اشتراک الکلینی مع المؤرخین الذین قالوا إنّ ولادته علیه السلام سنة 214 ه - / 829 م بعد أن اختار أیضاً أنّه ولد علیه السلام سنة 212 ه - / 827 م، الأمر الذی یجعلنا لا نعتمد علی قوله لأنّه لم یتیقن هو بأحد التاریخین الذین ذهب إلیهما.

أما الذین ذهبوا إلی أنّ الإمام علیه السلام ولد سنة 213 ه - / 828 م، نجدهم جمیعاً من مؤرخی القرن السابع والثامن الهجری، وأکثرهم من الثامن الهجری فلا

ص:42

یمکن الرجوع إلیهم لعدم ذکرهم مصادرهم التی أخذوا منها هذا التاریخ الأمر الذی یجعل ما ذهبوا إلیه ضعیفاً.

والمؤرخون القائلون إنّ ولادته علیه السلام کانت سنة 214 ه - / 829 م یمکن استبعاد ما ذهبوا إلیه إذا أثبتنا إنّ الإمام الجواد علیه السلام ولد سنة 195 ه - / 810 م(1) ، واستشهد سنة 220 ه - / 835 م(2) فالراجح أنّ زواجه کان سنة 210 ه - / 825 م أو 211 ه - / 826 م بعد بلوغه، وهو أقرب للقائلین إنّ ولادته کانت سنة 212 ه - / 827 م.

والقول الأخیر هو الذی ذهب إلیه ابن تغری بردی أنّ ولادة الإمام علیه السلام کانت سنة 224 ه - / 838 م، وهو تفرد منه والأرجح أنّ هناک سهواً وقع من قبل النساخ، ولعل کان المراد عنده هوسنة 214 ه - / 829 م.

والقول الراجح من بین هذه الأقوال هو الذی ذهب إلیه المؤرخون وهو سنة 212 ه - / 827 وذلک لشهرته فی المصادر الأولیة وکثرة القائلین به لاسیما أنّنا أشرنا فی استبعاد الرای القائل ان ولادته کانت سنة 214 ه - / 829 م بعد ان اثبتنا إنّ بلوغه کان سنة 210 ه - / 825 م او 211 ه - / 826 م فتکون ولادته حینئذ سنة 212 ه - / 827 م.

تشیر المصادر وقوع التباین فی تاریخ ولادته من، حیث الیوم، والشهر، فهل

ص:43

هو فی الثانی(1) أو الثالث(2) أو الخامس(3) أو الثالث عشر من رجب(4) أو هو فی التاسع(5) أو الخامس عشر(6) أو السابع والعشرون(7) من شهر ذی الحجة، والراجح من بین هذه التواریخ هو الخامس عشر من ذی الحجة لشهرته فی المصادر الأولیة.

ص:44

بشرة الإمام علیه السلام بتعبیرهم من أنّه کان (اسمر اللون)(1) ، وأشار القمی بنص أورده عن صفاته بقوله من أنّه (کان معتدل القامة فیه نداوة، ابیض الوجه، مشرباً بحمرة ضعیف الحاجبین بشوش الوجه)(2).

ویلاحظ علی نص القمی، أنّه اختلف فی ذکر لون بشرته علیه السلام عمن سبقه، واصفاً إیاه بالبیاض بالإضافة إلی ما ذکره عدداً آخر من تلک الصفات.

وتتوضح صفاته الخلقیة التی تشیر إلی طوله، وسعة صدره، وضخامته، وحسن وجهه بما ذکره الفراتی من أنّه کان (معتدل القامة، واسع العینین، غلیظ الکفین، واسع الصدر جسیم البدن حسن الوجه)(3) ، إلاّ أنّه ما یسجل علی النص ان الفراتی من الباحثین المحدثین ولم یشر إلی مصادره الأمر الذی یدفعنا إلی القول ان الإمام علیه السلام رغم أنّه کان أسمر اللون إلاّ أنّه حسن الوجه والمعالم.

صفاته الأخلاقیة فقد روی عن ابن شهر آشوب قوله: (کان أطیب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة من قریب، وأکملهم من بعید، إذا صمت علته هیبة الوقار، وإذا تکلم سماه البهاء، وهو من بیت الرسالة، والإمامة، ومقر الوصیة والخلافة شعبة من دوحة النبوة، وثمرة من شجر الرسالة))(1).

ووصفه النصیبی بقوله: (شهد لأبی الحسن أنّ نفسه موصوفة بنفائس أوصافها، وأنّها نازلة من الدوحة النبویة)(2). وقال: الموصلی عنه (کان معروفاً بالحلم، وکثرة العبادة والزهد له کرامات ظاهرة، وسیرة فاخرة وکانت المعضلات تحل بین یدیه، والمعضلات تحال علیه))(3) ، وقال: الذهبی (کان مفتیاً صالحاً)(4) ، وقال: الیافعی ((کان متعبداً فقیهاً إماماً))(5) بینما قال: ابن کثیر (کان عابداً زاهداً)(6) ، وقال: ابن حجر الهیتمی (کان وارث أبیه علماً وسخاءً)(7) أما ابن العماد الحنبلی فقد وصفه (بالعبادة والفقاهة والإمامة)(8).

تعکس لنا هذة الأوصاف، مکانة الإمام الهادی علیه السلام عند المؤرخین الذین أجمعوا علی منزلته السامیة، ونسبه الرفیع، إلاّ أنّ هذه الأقوال من هؤلاء الأعلام نجدها انعکاساً لصفاته الأخلاقیة، التی تحاکی العدید من ألقابه التی

ص:47

أُطلقت علیه، فتجد ابن شهر آشوب یشیر إلیه بقوله (أطیب الناس وأصدقهم لهجة، وأنّه من بیت الرسالة) وأنّ هذة الصفات هی فی الواقع أُطلقت علیه فقد لقب بالطیب(1) ، والصادق(2) ، والنجیب(3) ، إنّنا نجد هؤلاء الأعلام کالموصلی والذهبی والیافعی وابن کثیر وابن العماد، قد اشترکوا فی بعض الصفات التی تحاکی ألقابه علیه السلام واختلفوا فی البعض الاخر، فنجد مما اشترکوا فیه ((نفسه موصوفة بنفائس، أوصافها، والعبادة، والزهد، والفقاهة، والإمامة، والعلم)).

وهی أوصاف تحاکی بعض ألقابه کالزکی(4) ، والنقی(5) ، والفقیه(6) ، والعالم(7) ، أما التی اختلفوا فیها، فنجد لها محاکاة لألقابه علیه السلام من قول الموصلی عندما أشار إلیه (المعضلات تحل بین یدیه، والمعضلات تحال علیه) وهو فی ذلک یشیر إلی ألقابه أمثال السدید(8) ، والموضح(9).

ص:48

لم تشر المصادر التارخیة إلی الطریقة التی تم فیها اختیارها، وهل کانت من إماء خارج المدینة أو من داخل المدینة، کالقصة التی وردت عن والدته وما من شک أنّ الإمام علیه السلام عندما تزوجها قد اختارها وفقاً لمواصفات جلبت نظره علیه السلام. لما لزواجه علیه السلام من أهمیة لأنّ الزوجة هی الحافظ لاستمرار الإمامة.

لقد کان أغلب أئمة أهل البیت (علیهم السلام) قد تزوجوا من (إماء)، وما من شک کان لهم أهداف فی ذلک، ولعل أهدافهم تکمن فی إعطاء درسٍ اجتماعی للأُمة وفق المنطلقات الإلهیة یتساوی فیها الشریف والوضیع من الناحیة الاجتماعیة والمعیار الأساسی فی التفاضل هو التقوی أو القرب الإلهی ولیس النسب الرفیع بلحاظ المنطلقات الدنیویة.

لم تشر المصادر إلی تاریخ زواج الإمام علیه السلام، إلاّ أنّنا نستطیع أن نرجحه بصورة تقریبیة إذا عرفنا أنّ تاریخ ولادة أکبر أولاده وهو محمد کان سنة 228 ه - / 842 م(1) ، کما ذهب إلی ذلک بعض الباحثین ولازم ذلک أنّه تزوج علیه السلام سنة 227 ه - / 841 م.

وهناک طریق آخر نستطیع أنّ نقرب به تاریخ الزواج، وهو ان المصادر اشارت إلی ان الإمام علیه السلام ولد سنة 212 ه - / 827 م(2) ، وهو الذی رجحناه فإذا قلنا إنّ زواجه علیه السلام کان بسن البلوغ نصل إلی التاریخ نفسه الذی رجحناه، وهو سنة 227 ه - / 841 م.

ص:50

ومن الجدیر بالذکر، أنّ أحد الباحثین المحدثین، أشار إلی احتمالیة زواج الإمام الهادی علیه السلام بزوجتین، استناداً إلی التسمیات الواردة حول أُم ابنه الإمام الحسن العسکری علیه السلام ذاکراً إیاها أحیانا بسوسن وأُخری بسلیل(1). ورغم التداخل بین التسمیتین إلاّ أنّه یمکننا القول إنّه لیس من البعید أن یکون للإمام أکثرمن زوجة واحدة إلا أنّ المصادر أغفلت ذلک، والسبب یرجع أن أغلب الزواج من قبل الأئمة (علیهم السلام) کان من الإماء، وبالتالی لا یکون لهن دور تظهر به فی المصادر بما فی ذلک زوجة الإمام علیه السلام لولا أنها ستکون الوعاء الحافظ لاستمرار الإمامة، والمتمثلة فی ولده الإمام الحسن العسکری علیه السلام لما عرف عنها شیء فی المصادر التاریخیة.

لقد اختلفت المصادر، فی عدد ما أنجبته السیدة حدیث للإمام علیه السلام من الأبناء ذکوراً کانوا أو إناثاً، أما الذکور فتشیر المصادر کما ذهب إلی ذلک الجهضمی وابن أبی الثلج والخصیبی والطبری والمفید والطبرسی وابن شهر آشوب والشامی والموصلی والاربلی وابن شدقم أنهم أربعة وهم الحسن الإمام ومحمد والحسین وجعفر(2) ، ویشیر الطبری أنّهم ثلاثة فقط وهم الحسن وجعفر وإبراهیم(3) ، ویشیر الرازی إلی ولد آخر اسمه موسی(4) ویضیف القزوینی ولدین

ص:51

آخرین هما زید وعبدالله(1).

والملاحظ أن أغلب المصادر ذهبت إلی أنّ عدد الأبناء الذکور أربعة هم الحسن العسکری علیه السلام ومحمد والحسین وجعفر، أما إبراهیم فقد تفرد به الطبری وموسی تفرد به الرازی وزید وعبد الله تفرد بهما القزوینی، ولم تشر لهما المصادر الأولیة التی وقفنا علیها ولم یشیر القزوینی إلی مصادره.

أما البنات فقد ذهبت أغلب المصادر، التی بأیدینا إلی أنّ للإمام علیه السلام بنتاً واحدة إلاّ أن المصادر اختلفت فی اسمها فذهب المفید إلی أنها عائشة(2) ، وذهب الطبری أنها دلالة(3) ، وذهب ابن شهر آشوب أنها علیه(4) ، وذهب الطبرسی أنها عالیه(5) ، وتفرد الرازی بقوله إنّ للإمام علیه السلام ابنتین هما فاطمة وبریهه(6) ، واختار القمی والقزوینی والشیرازی اسم علیه(7) ، دون أنْ یبینوا مصدرهم فی ذلک.

تستمر فی عقبه، وقد تشرف بها، وأصبح امتداداً لخط الإسلام الصحیح فکان حاملاً لشریعة الإسلام بعد غیاب أبیه.

وعاش الإمام العسکری علیه السلام کل الظروف السیاسیة التی کانت تحیط بأبیه الهادی علیه السلام منذ طفولته وحتی استشهاده، الأمر الذی جعله مطلعاً علی سیاسة الحکام العباسیین والقوة العسکریة الترکیة التی کانت صاحبة المتغیرات الکثیرة علی خلافة بنی العباس، وعانی ظروف الإقامة الجبریة التی کانت تشمل جمیع أسرة الإمام الهادی علیه السلام.

ویشیر المفید إلی نصٍ یبین فیه قلة تحرکات الإمام العسکری علیه السلام حیث رواه عن جماعة من بنی هاشم (أنهم حضروا یوم توفی محمد بن علی بن محمد - ابن الإمام الهادی علیه السلام - دار أبی الحسن علیه السلام وقد بسط له فی صحن داره، والناس جلوس حوله... إذ نظر إلی الحسن بن علی علیه السلام فسألنا عنه فقیل لنا هذا الحسن ابنه، فقدرنا له فی ذلک الوقت عشرین سنة فیومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إلیه بالإمامة وأقامه مقامه)(1).

إن دراسة هذا النص یعکس طبیعة الظروف السیاسیة، والإقامة الجبریة التی شکلت أبرز مصادیقها تحجیم دور الإمام العسکری علیه السلام والراجح أن هناک سبباً آخر فرضته طبیعة الظروف الفکریة للغیبة المهدویة، لتهیئة أذهان الموالین والأتباع والتی أسسها الإمام الهادی علیه السلام من خلال تقلیل رؤیته أو الاتصال به کإمام معصوم وهذا الدور أکمله الإمام العسکری علیه السلام فکان جزءاً من عطائه الفکری.

ص:54

کنی الإمام الحسن العسکری علیه السلام بأبی محمد(1) ، وهی الکنیة الوحیدة له، أما ألقابه فهی کثیرة أبرزها التقی والنقی(2) والصامت(3) والشفیع والموفی(4) والزکی(5) والسخی(6) والمستودع(7) والهادی والرفیق والشافی والمرضی والخالص(8). وأشهر تلک الألقاب هو العسکری(9).

لقد نص الإمام الهادی علیه السلام علی إمامة ولده الحسن العسکری علیه السلام قبل استشهاده فی نصوص عدیدة، من بین أبرز تلک النصوص، ما روی أنّه قال: (صاحبکم بعدی الذی یصلی علی، قال ولم نکن نعرف أبا محمد قبل ذلک قال فخرج أبو محمد بعد وفاته فصلی علیه)(10).

روی عن علی بن مهزیار(11) قال: (قلت لأبی الحسن علیه السلام إن کان

ص:55

کون - وأعوذ بالله - فالی من؟ قال: عهدی إلی الأکبر من ولدی یعنی الحسن علیه السلام)(1).

وروی المسعودی لما: ((اعتل أبو الحسن علیه السلام علته التی مضی فیها... فأحضر أبا محمد ابنه علیه السلام فسلم إلیه النور والحکمة ومواریث الأنبیاء وأوصی إلیه ومضی)(2).

لقد عاصر الإمام الحسن العسکری علیه السلام العدید من خلفاء بنی العباس، وکان أول أولئک الحکام الذین لهم مواقف سیاسیة تجاه الإمام علیه السلام هو الحاکم المستعین 248-252 ه - / 862-866 م، ولقد أشارت المصادر إلی أنّ الإمام العسکری علیه السلام قال عنه: (إنی نازلت الله فی هذا الطاغی - یعنی المستعین - وهو أخذه بعد ثلاث فلما کان الیوم الثالث خلع وکان من أمره ما کان)(3) ، وإنّ کان برأینا أن هذا النص لا یختص بالإمام العسکری علیه السلام وإنما بأبیه الإمام الهادی علیه السلام(4).

لما جاء المعتز للخلافة العباسیة سنة 252-255 ه - / 866-868 م سار بمنهج خلفاء بنی العباس من محاولات التخلص من الأئمة (علیهم السلام) فروی

ص:56

الطوسی بسندٍ ینتهی عن أبی الهیثم بن سیابة(1) (أنّه کتب إلیه لما أمر المعتز بدفعه إلی سعید الحاجب(2) عن مضیه إلی الکوفة، وأن یحدث فیه ما یحدث به الناس بقصر ابن هبیرة: - جعلنی الله فداک بلغنا خبر قد أقلقنا وأبلغ منا، فکتب علیه السلام إلیه: یأتیکم الفرج بعد ثالث فخلع المعتز الیوم الثالث)(3).

لم تشر المصادر إلی نصوص توضح طبیعة العلاقة التی کانت بین الإمام العسکری علیه السلام والحاکم المهتدی (256-255 ه -) 868-869 م ولعل ذلک یرجع إلی قصر خلافته إلاّ أنّه بالرغم من ذلک یبدو قد سارعلی نهج الخلفاء العباسیین فی إبقائه فی سامراء، وعدم السماح له بالعودة إلی المدینة، والبحث عن فرص للقضاء علیه. لقد کان للإمام الحسن العسکری علیه السلام أدوارٌ فکریة متنوعة یمکن الإشارة إلیها.

ب: روی أنّه قال: (کأنّی بکم، وقد اختلفتم بعدی فی الخلف منی أما إنّ المقر بالأئمة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) المنکر لولدی کمن أقر بجمیع أنبیاء الله ورسله، ثم أنکر نبوة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والمنکر لرسول الله کمن أنکر نبوة جمیع الأنبیاء، لأنّ طاعة آخرنا کطاعة أولنا والمنکر لآخرنا کالمنکر لأولنا أما إنّ لولدی غیبة یرتاب فیها الناس إلاّ من عصمه الله عز وجل)(1).

الأُنسة فی ذلک فقل: قد حضرتنی مسألة أسألک عنها فإنّه یستدعی ذلک منک فقل له: إن إتاک هذا المتکلم بهذا القرآن هل یجوز أن یکون مراده بما تکلم منه غیر المعانی التی قد ظننتها أنّک ذهبت إلیها؟ فإنّه سیقول لک إنّه من الجائز لأنّه رجل یفهم إذا سمع فإذا أوجب ذلک فقل له؟ فما یدریک لعله قد أراد غیر الذی ذهبت أنت إلیه فیکون واضعاً لغیر معانیه.

فصار الرجل إلی الکندی وتلطف إلی أن ألقی علیه هذه المسألة فقال له: أعد علیَّ فأعاد علیه فتفکر فی نفسه ورأی ذلک محتملاً فی اللغة وسائغاً فی النظر فقال: أقسمت علیک إلاّ أخبرتنی من أین لک؟ فقال: انه شیء عرض بقلبی فأوردته علیک.

فقال کلا ما مثلک من اهتدی إلی هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفنی من این لک هذا؟ فقال: أمرنی به أبو محمد فقال: الآن جئت به وما کان لیخرج مثل هذا إلاّ من ذلک البیت ثم إنّه دعا بالنار وأحرق جمیع ما کان فیه)(1).

لقد أجمعت المصادر تقریباً علی أنّ استشهاده علیه السلام کان سنة 260 ه - / 873 م(2) ، ولقد أشارت بعض المصادر أنّه مات مسموماً(3) ، وکان ذلک فی

ص:59

خلافة المعتمد 270 256 ه - / 869-883 م والراجح أنّه مات مسموماً فعلاً کما ذهبت إلیه المصادر انطلاقاً من الظروف السیاسیة التی سارعلیها خلفاء بنی العباس، ومنهم المعتمد الذی کان همه التخلص من الإمام علیه السلام فلم یجد طریقة تدفع عنه الشبهات سوی دفع السم إلیه لیقوم بقتله والتخلص منه.

أما تاریخ توجهه إلی سامراء فقد أشار إلیه العمری بأنّه (توجه إلیها عندما أصبح مشتداً)(1) ، وتعبیره یحمل شیئاً من الغموض وصعوبة فی التوصل إلی تاریخ محدد إلا أنّ الراجح کان هذا الاشتداد بعد بلوغه أی فی حدود سنة 243 ه - / 858 م.

لم نجد فی المصادر إشارة إلی مدة بقائه فی سامراء، وطبیعة حیاته فیها ولکن دون أدنی شک الظروف السیاسیة التی کانت تحیط بأبیه علیه السلام فی سامراء شملته أیضاً.

ومن الجدیر بنا أن نتسائل، هل من المعقول أن یعیش فی المدینة طیلة هذه السنین الطویلة دون أن یتوجه إلی سامراء أکثر من مرة؟

وهل کانت هناک وسائل اتصال بینه وبین أبیه علیه السلام وما طبیعتها؟ وهل جعله وکیلاً له فی المدینة یؤدی عنه دور النیابة؟

کل هذه التساؤلات لم تسعفنا المصادر التاریخیة لإیجاد أجوبة عنها. إلاّ أنّنا نستطیع أن نجیب عنها وفقاً لمنطلقات العقل والمنطق حیث إنّ من غیر المعقول أن یعیش طیلة هذة السنین دون أن یتوجه إلی سامراء، والراجح أن زیارات عدیدة حصلت إلاّ أن طبیعة الظروف السیاسیة قد جعلت زیاراته فیها شیء من السریة فلا یصل الخبر إلی الإعلان لکی یوثق تاریخیاً.

أما وسائل الاتصال ما فی شک أنّها کانت موجودة بینهما کالرسائل أو إرسال الإمام الحسن العسکری علیه السلام لقضایا تتضمن جوانب سیاسیة أو فکریة أو اجتماعیة أو اقتصادیة، ومن الراجح جداً أن یکون وکیلاً لأبیه أو یؤدی مهام الوکالة لما عرف من شهرة انتشار الوکلاء للإمام الهادی علیه السلام فی کثیر

ص:61

من الأمصار فکیف بالمدینة التی تعد إحدی المدن المهمة.

تشیر بعض المصادر عن علی بن عمرو النوفلی(1) قال: ((کنت مع أبی الحسن علیه السلام فی صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداک هذا صاحبنا؟ فقال: لا صاحبکم بعدی الحسن)(2).

إنّ دراسة هذا النص یعکس لنا العدید من الأمور التی أبرزها.

1 - جهل بعض شیعة الإمام الهادی علیه السلام بولده الحسن العسکری علیه السلام، وهذا یعطینا تصوراً عن طبیعة الظروف السیاسیة التی تسفر عن إخفاء شخص الإمام اللاحق.

2 - عدم انتشار النص الوارد عن النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة (علیهم السلام) بخصوص النص علی أسماء الأئمة. وهذا یصور لنا الجهل بهذا الأمر الذی یجعلهم یطرحون هذا التساؤل بکثرة.

3 - یعکس لنا طبیعة المعرفة الدقیقة من قبل الأتباع والموالین أنّ الإمام الحاضرلابد له أن ینص علی الإمام الغائب أو اللاحق.

4 - یبین لنا مکانه محمد بن علی الرفیعة والمنزلة السامیة التی تجعل البعض یتصور هو الإمام بعد أبیه.

توفی محمد بن علی سنة 252 ه - / 866 م(3) ، وذلک بعد رجوعه من سامراء

ص:62

متوجها إلی المدینة ولم تبین المصادر هل کانت وفاته طبیعیة ام قتلا عن طریق السیف أو السم أو نحوهما.

والراجح أنّه مات مسموماً وما فی شک أنّ الخلافة العباسیة تقف وراء ذلک سیراً علی منهجها فی تصفیة العلویین والتخلص منهم.

تولی الإمام الهادی علیه السلام تغسیل ولده محمد(1) ، وروی المفید عن جماعة من بنی هاشم قولهم: (إنّهم حضروا یوم توفی محمد بن علی دار أبی الحسن علیه السلام وقد بسط له فی صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا قدرنا أن یکون حوله من آل أبی طالب وبنی العباس وقریش مائة وخمسون رجلاً سوی موالیه وسائر الناس...)(2).

یعکس لنا هذا النص مدی حجم انتشار الخبر واجتماع الناس فی بیت الإمام الهادی علیه السلام یقدمون له العزاء فی ولده لاسیما مقدار الألم الذی لحق بأبیه علیه السلام إثر وفاته مما جعل الناس تتوجه بهذا العدد باتجاه دار الإمام علیه السلام.

وهذه الصورة التی یشیر إلیها النص توضح أیضاً مدی حب الناس وإخلاصهم للإمام علیه السلام إما کإمام أو فقیه من سلالة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ولقد خلف محمد بن علی من الأولاد تسعة ذکور(3) ومن أشهرهم شمس الدین المشهور بسلطان بخاری(4).

ص:63

إلیه فلم أری به سروراً فقلت: یاسیدی مالی أراک غیر مسرور؟ فقال: هون علیک أمره سیضل خلقاً کثیرا)(1).

ویلاحظ أنّ المسعودی والطوسی لم یذکروا سنداً لهذة الروایة وأما الإربلی رواها عن فاطمة بنت الهیثم والتی لم نعثر لها علی ترجمة ولعل ذلک یرجع إلی صحة الروایة عندهم.

عرف جعفر بن علی بالعدید من الألقاب التی تعکس لنا جانباً من جوانب حیاته الاجتماعیة، والتی تصور لنا جانباً من جوانب الخلفیة الفکریة له فقد عرف بالکذاب لأنّه ادعی الإمامة بعد وفاة أخیه الإمام العسکری علیه السلام(2) ، ومن ألقابه الأُخری بزق الخمر لأنّه عرف بشربه له(3) ، وهذا اللقب یعکس لنا المستوی الأخلاقی والدینی الذی کان علیه.

روی عن سعد بن عبد الله(4) قال: (حدثنی جماعة منهم: أبو هاشم داود ابن القاسم الجعفری(5) والقاسم بن محمد العباسی ومحمد بن عبدالله ومحمد بن

ص:65

إبراهیم العمری وغیرهم (أنّ ابا محمد الحسن العسکری علیه السلام وأخاه جعفراً دخلا علیهم لیلاً، قالوا: کنا لیلة من اللیالی جلوساً نتحدث إذ سمعنا حرکة باب السجن فراعنا ذلک، وکان أبو هاشم علیلاً فقال لبعضنا اطلع وانظر ما تری، فاطلع إلی موضع الباب فإذا الباب فتح، وإذا هو برجلین قد أُدخلا... فقال من أنتما فقال أحدهما: أنا الحسن بن علی وهذا جعفر بن علی... فلما نظر إلیهما أبو هاشم قام عن مضربة کانت تحته فقبل وجه أبی محمد علیه السلام وأجلسه علیها فجلس جعفر قریباً منه فقال جعفر: (واشطناه) باعلی صوته یعنی جاریة له فزجره ابو محمد علیه السلام وقال له: اسکت وأنّهم رأوا فیه آثار السکر وأن النوم غلبه وهو جالس معهم فنام علی تلک الحال)(1).

وعندما ندرس سلسلة سند هذه الروایة نجد علماء الرجال قد وثقوا سعد ابن عبد الله حیث وصفه النجاشی (شیخ هذه الطائفة وفقیهها ووجهها)(2) ، وأبو هاشم داود بن القاسم، وثقه النجاشی حیث قال فی وصفه (شریف القدر ثقة)(3) ، ووثقه الطوسی بقوله (ثقة)(4).

أما باقی رجال سلسلة السند لم نعثر لهم علی ترجمة مما وقفنا علیه من

ص:66

مصادر، ویبدو أنّ سلسلة سند هذه الروایة صحیح فضلاً عن متنها وما روی فیه حیث علق الطوسی بعدها بقوله: (وما روی فیه - أی فی جعفر - وله من الأفعال والأقوال الشنیعة أکثر من أن تحصی ننزه کتابنا عن ذلک)(1).

تشیر المصادر التی اطلعنا علیها أنّ جعفراً بعد وفاة أخیه الإمام الحسن العسکری علیه السلام استولی علی جمیع ترکته، فقد روی الکلینی: (باع جعفر فیمن باع صبیة جعفریة کانت فی الدار یربونها فبعث بعض العلویین واعلم المشتری خبرها فقال المشتری قد طابت نفسی بردها وأن لا أرزأ من ثمنها شیئاً فخذها فذهب العلوی فأعلم أهل الناحیة الخبر فبعثوا إلی المشتری بأحد واربعین دیناراً وأمروه بدفعها إلی صاحبها)(2).

ویشیر المفید أنّ جعفراً قام أیضاً (فی حبس جواری أبی محمد علیه السلام وأعتقال حلائله وشنع علی أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته)(3) ، وروی أیضاً (ولجعفر أخبار کثیرة فی هذا المعنی رأیت الإعراض عن ذکرها لأسباب لا یحتمل الکتاب شرحها، وهی مشهورة عند الإمامیة ومن عرف أخبار الناس من العامة وبالله نستعین)(4).

یتضح من النصوص السابقة انحراف جعفر فکریاً واجتماعیاً عن خط آبائه (علیهم السلام) الأمر الذی انعکس علی خلق جوٍّ فکریٍّ مضطربٍ فی قضیة الإمام المهدی علیه السلام، حیث تمثل ذلک فی أقواله وأفعاله علی إنکار وجوده من

ص:67

خلال ادعائه للإمامة وحیازته لإرث أخیه الإمام الحسن العسکری علیه السلام.

ومن الجدیر بنا أن نتساءل، هل من الممکن أن تصدر هکذا انحرافات متنوعة من شخص عاش فی بیت هو أقدس بیت علی وجه الأرض، وهو بیت الطهارة، والقداسة والعفة، والشرف، والورع، والتقوی والارتباط الروحی بالله تعالی؟ وجوابنا هو نعم لعدم عصمته لإنها هی المانعة من الوقوع فی المعاصی وهو لیس کذلک.

ولقد اختلف الباحثون حول ذلک، ولم نجد فی المصادر التی وقفنا علیها من یستبعد ذلک إلاّ السید الشیرازی لذا من الجدیر الوقوف علی ما ذهب إلیه حیث یقول: ((أما جعفر الذی زعم البعض بأنّه ادعی الإمامة بعد وفاة أخیه الإمام الحسن العسکری علیه السلام، وعرفوه بجعفر الکذاب لم یکن کذلک بل کان جعفر مؤمناً بإمامة أبیه وأخیه وابن أخیه المهدی المنتظر علیه السلام... ولا یصح ما نسب إلی جعفر ابن الإمام الهادی علیه السلام فإنّها روایات ضعیفة السند أو الدلالة، وربما کانت للتقیة ولا یصح أن ینسب إلیهم مثل هذه الأقاویل وبتلک الأسانید وأننا نعلم بأن حکام الجور من بنی العباس، وغیرهم کانوا یسعون فی تشویه سمعة الأئمة علیهم الصلاة والسلام فکیف باولادهم وذراریهم)(1).

وقال الشیرازی أیضاً (وما قیل من أنه - والعیاذ بالله - رأوا فیه آثار السکر فإنّه من أکاذیب بنی العباس ودسهم فی بعض الروایات)(2).

وفی مقام مناقشته نقول إنّ النصوص التی بین أیدینا تثبت انحرافات جعفر وتجعل الأمر من المسلمات، کما روی ذلک المفید فی حیازته میراث أخیه العسکری

ص:68

علیه السلام والطوسی فی شربه الخمر، وعدم سرور أبیه علیه السلام بولادته الأمر الذی یجعل تلک الروایات عندهم حجة وموثوقة وإلاّ ما نقلوها فی مؤلفاتهم.

وأما من ناحیة ضعف السند، قلنا ذلک ما وصل إلیه من طرق توثیق الرواة بینما نجد بعض العلماء امثال السید الصدر یسلم بصحة روایات عدم سرور الإمام الهادی علیه السلام بولادته(1) ، ویذهب أیضاً إلی کونه مشهوراً بشرب الخمر(2) ، وأدعاؤه الإمامة بعد أخیه الحسن العسکری علیه السلام واستحواذه علی الترکه(3) الأمر الذی یعکس طرقاً متعددة فی توثیق الروایات.

أما قوله للتقیة فهو بعید بسبب خلقه مضاعفات فی انحراف العدید عن خط أهل البیت (علیهم السلام) لذا هو مدفوع لهذه السلبیات المترتبة.

وأما ما أشار الشیرازی إلی عملیة الدس من العباسیین فی الروایات فنقول إنّ هذه الروایات رویت عن کبار علماء مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) فلا یتصور حصل الدس فی روایاتهم.

ولم نجد المصادر تشیر إلی تاریخ وفاة جعفر بشکل صحیح فالمصادر التی بین ایدینا أغفلت ذلک ما عدا العمری أشار إلی أنّه توفی سنة 271 ه - / 884 م وله من العمر خمس وأربعون سنة(4).

ولا أعتقد بصحة تاریخ الوفاة ولا بمقدار عمره لأنّ لازم ذلک أن تاریخ الولادة یکون سنة 225 ه - / 839 م بعد أن أثبتنا أنّ الابن الأکبر محمد والثانی

ص:69

هوالإمام الحسن العسکری علیه السلام فالأول ولد سنة 228 ه - / 842 م، والثانی ولد سنة 232 ه - / 846 م لهذا نستبعد ما ذهب إلیه العمری والثابت لدینا تاریخیاً أنه کان علی قید الحیاة بعد استشهاد أخیه الإمام العسکری علیه السلام(1).

العسکری علیه السلام))(1).

ولقد أشارت المراجع الثانویة أنّ الناس یعبرون عنه وعن أخیه الإمام الحسن العسکری علیه السلام بالسبطین تشبیهاً بالإمامین الحسن والحسین (علیهما السلام)(2) ، وروی أن صوته یشبه صوت الإمام الحجة بن الحسن العسکری علیه السلام)(3).

ولا یعرف لوفاته تاریخ لإغفال ذلک فی المصادر وغایة ما ذهب إلیه بعض الباحثین أن قبره فی سامراء فی جوار قبری أبیه وأخیه العسکری (علیهما السلام)(4).

اما ابنة الامام الهادی علیه السلام التی أشارت إلیها المصادر أنها الوحیدة له علیه السلام وقد اختلف فی اسمها التی لم یذکر عنها شیء سوی الاسم مما وقفنا علیه من مصادر.

ص:71

من رجب(1) ، وهناک مصادر أشارت إلی استشهاده علیه السلام فی شهر رجب دون الإشارة إلی الیوم أو الشهر(2) ، ویلاحظ أنّ الاختلاف وقع فی الیوم والشهر بین شهر جمادی الآخرة وشهر رجب فمن ذهب لشهر جمادی الآخرة جعل استشهاده فی أواخر الشهر، ومن ذهب لشهر رجب جعله فی بدایته ویلاحظ ان الفارق بین نهایة شهر وبدایة شهر لا یتجاوز سبعة أیام، وأنّ المصادر أغلبها اتفقت علی ان الاستشهاد یوم الاثنین من شهر رجب لذا فالراجح أنّ استشهاده کان فی شهر رجب وفی الثالث منه لکثرة المصادر الاولیة القائلة بذلک فضلاً عن المصادر القائلة فی شهر رجب.

ومن الجدیر بنا أن نتسائل هل کان خروج الإمام الهادی علیه السلام من الدنیا بسبب طبیعی أم بسبب قهری کالسم ونحوه، وفی عصر أی أی حاکم من حکام بنی العباس قد استشهد؟

اختلفت المصادر التاریخیة فی نسبة استشهاد الإمام علیه السلام فی عصر أی خلیفة من خلفاء بنی العباس إلاّ أنّ أغلبها ذهب لاستشهاده بالسم فذهب کل من الإسکافی والطبری إلی أنّه استشهد مسموماً فی عصر الحاکم المعتز(3) ، وذهب کل من ابن شهر آشوب والمجلسی إلی أنّه استشهد فی عصر المعتمد مسموماً(4) ،

ص:73

والظاهر أنّ هناک اشتباهاً حصل عند هؤلاء المؤرخین بین فترة حکم المعتز والمعتمد، فذهبوا إلی نسبته إلی المعتمد، والثابت تاریخیاً ان تاریخ استشهاده علیه السلام کان فی عصر المعتز.

بینما ذهب جملة من المؤرخین إلی عدم ذکر أی حاکم من الحکام العباسیین مکتفین بالإشارة إلی استشهاده مسموماً، ومن بینهم المسعودی وسبط ابن الجوزی وابن الصباغ والکفعمی والشبلنجی وشبر(1).

وهناک قاعدة عامة وضعها بعض أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ومنهم الإمام الحسن المجتبی علیه السلام لإثبات مظلومیتهم، والتی یکون الإمام علیه السلام أحد مصادیق هذه القاعدة بقوله: ((لما قتل أمیر المؤمنین علیه السلام رقی الحسن بن علی علیه السلام فأراد الکلام فخنقته العبرة... لقد حدثنی جدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الأمر یملکه اثنا عشر إماما ً من أهل بیته وصفوته ما منا إلاّ مقتول أو مسموم...)(2) ، وروت المصادر ذلک مرویاً عن الصادق أیضاً قوله (والله ما منا إلاّ شهید مقتول)(3).

ولقد وضح هذا القول الصدوق بقوله: ((... وجمیع الأئمة الأحد عشر بعد النبی صلی الله علیه قتلوا منهم بالسیف وهو أمیر المؤمنین والحسین علیهما السلام والباقون قتلوا بالسم قتل کل واحد منهم طاغیة زمانه وجری ذلک علیهم

ص:74

علی الحقیقة والصحة...))(1).

ومن الجدیر بالإشارة إلیه أنّه عندما نرجع إلی تلک الظروف السیاسیة التی کانت تحیط بالإمام الهادی علیه السلام من قبل السلطة العباسیة وسیاستها تجاهه من إقامة جبریة والبحث الدائم علی أدلة تدینه من خلال التفتیش لبیته، والمراقبة له تجعل أصابع الاتهام تتوجه إلی السلطة العباسیة لأنّهم أدرکوا بالذهنیة السیاسیة أهمیة وقدر ومکانة الإمام علیه السلام فی المجتمع الإسلامی عموماً، وعند موالیه وأتباعه خصوصاً مما یجعل السلطة العباسیة تخشی أن یدعو للثورة علیها بنفسه.

لذا لجأت لتصفیته جسدیاً بطریقة تحاول أبعاد التهمة عنها عن طریق السم لأنّ المصادر لم تشر إلی استشهاده بالسیف ولم تذکر له علة غیر علة المرض التی استشهد فیها. کل هذه الأجواء السیاسیة تجعل القول إنّ السلطة العباسیة قامت بقتله، وکان ذلک فی زمن الحاکم المعتز العباسی.

وبعد أن شاع خبر استشهاد الإمام علیه السلام سارع المعتز فی إرسال أخیه أحمد بن المتوکل فصلی علیه فی الشارع المعروف بشارع أبی أحمد(2) ، وقد کان الإمام الحسن العسکری علیه السلام قد صلی علی أبیه الهادی علیه السلام قبل أن یخرج إلی الناس(3) ، ولقد اجتمع خلق کثیر من بنی هاشم من الطالبین والعباسیین، وخلق من الشیعة وقد کان حاسراً مکشوف الراس مشقوق

ص:75

الثیاب(1).

وقد أشارت بعض المصادر أنّ الإمام الهادی علیه السلام قد أوصی للإمام الحسن العسکری علیه السلام ودفع إلیه مواریث الأنبیاء(2) ، یشیر الیعقوبی أنّه ((لما کثر الناس واجتمعوا کثر بکاؤهم وضجتهم فرد النعش إلی داره فدفن فیها))(3).

یبدو أنّ هناک أسباباً دفعت إلی إرجاع جثمان الإمام الطاهر مرة أُخری إلی بیته لأنّ إخراجه یکشف عن الرغبة لأهل بیته، وخصوصاً الإمام الحسن العسکری علیه السلام من دفنه فی مکان ما غیر الدار.

فما کان من الإمام العسکری علیه السلام إلاّ اتباع أسلوب التقیة والقبول برغبات السلطة لأنّها هی التی أمرت بإرجاعه لکی لا یدخل فی صراعات معها.

وهذا الأمر یدفعنا للتساؤل عن ذلک، ولعله یرجع لخوف السلطة العباسیة من الحالة النفسیة التی مر بها مجتمع سامراء مما یرجح احتمال حصول اضطربات فی العاصمة من بعض الأتباع والموالین التی تتهم السلطة باستشهاد الإمام علیه السلام.

وأیضاً السلطة العباسیة لم یغیب عن ذهنیتها ما یقوم به الشیعة باتجاه قبر سید الشهداء الإمام الحسین علیه السلام فلم ترغب السلطة العباسیة أن تکون کربلاء أُخری فی عاصمتهم فللحیلولة دون جعله قبلة للزائرین ولکی لا یکون مصدر تهدید وقلق دائم، لهذه الأسباب أُرجع جثمان الإمام علیه السلام فی داره ودفن هنالک.

أما مقدار عمره عند الاستشهاد فقد وقع فیه التباین، وهذا مرجعه إلی

ص:76

الاختلاف فی النصوص التاریخیة المرتبطة فی ولادته علیه السلام، فالذی ذهب إلی ولادته کانت سنة 210 ه - / 825 م(1) ، یری ان عمره علیه السلام کان أربع وأربعین سنة.

والذی ذهب إلی ان ولادته کانت سنة 212 ه - / 827 م(2) یری أن عمره علیه السلام کان أثنین واربعین سنة، اما الذی یذهب إلی ان ولادته علیه السلام کانت 213 ه - / 828 م(3) لابد أنّه یری أنّ عمره کان إحدی وأربعین سنة.

أما الذی یذهب إلی أنّ ولادته علیه السلام کانت سنة 214 ه - / 829 م(4) ، فلابد انه یقول ان عمره علیه السلام کان أربعون سنة.

أما الذی یری أنّ ولادته کانت سنة 224 ه - / 838(5) فلا بد أنه یری عمره کان ثلاثین سنة.

والارجح من بین هذه الأقوال أنّ عمره علیه السلام کان أثنتین وأربعین سنة.

ص:77

ص:78

ص:80

والجمع أیمة وأئمة(1).

والإمام: الخط الذی یمد علی البناء فیبنی(2).

والإمام: الطریق الواسع، وبه فسر قوله تعالی:(وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِینٍ)3 أی بطریق یؤم ویقصد فیتمیز(3).

والإمام: قیم الأمر المصلح له, الإمام: القرآن لأنه یؤتم له، والنبی صلی الله علیه وآله وسلم إمام الأئمة.

والخلیفة فلان إمام القوم، وهو المتقدم علیهم ویکون إمام المسلمین(4).

أما الإمامة اصطلاحاً:

ترجع فی حقیقتها إلی اتجاهین فکریین (مدرستین) أصبحت لهما إسهامات فی بنائیة مفهوم الإمامة فالمدرسة الأولی تعرف بمدرسة أهل السنة والتی تری الإمامة: (موضوعة لخلافة النبوة فی حراسة الدین وسیاسة الدنیا وعقد لمن یقوم بها فی الأمة واجب بالإجماع)(5) ، والذی ذهب إلی هذا التعریف الماوردی بینما ذهب الجوینی أنّها (ریاسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة فی مهمات الدین والدنیا)(6).

ص:82

أما المدرسة الثانیة تمثلت بمدرسة أهل البیت "علیهم السلام" ،والتی تری کما ذهب إلی ذلک العلامة الحلی أنها (ریاسة عامة فی أمور الدین والدنیا لشخص من الأشخاص نیابة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وهی واجبة عقلاً)(1).

ومن هذه التعریفات تتبین نقطة الاشتراک المتمثلة بالدور السیاسی إلا أن هناک دوراً آخر یضاف له ألا وهو الدور التکوینی، ولهذا المعنی یشیر الحیدری بقوله علینا أن نمیز دورین أساسیین للإمامة نصطلح علی الأول منهما الدور العقائدی والمتمثل بدور الإمام التکوینی، والثانی هو الدور السیاسی الذی هو قیادة الأمة وسیاستها(2).

إن اعتماد الجانب السیاسی فی مدرسة أهل السنة جعلها تعتمد فی نظریتها علی العدید من المرتکزات التی تمثل جوهر الإمامة عندهم، والتی هی فی جمیع مرتکزاتها لا تستند علی المفاهیم القرآنیة للإمامة والتی من أبرزها:

1 - لا تعنی الإمامة غیر الحکم والقیادة السیاسیة، بمختلف جوانب الحیاة ویکون الإمام أو الخلیفة هو القائد السیاسی الأعلی ویتم اختیاره إما من قبل أهل الحل والعقد أو عن طریق العهد إلیه بها(3).

2 - یشترط عندهم العدالة، والعلم بمعناها المألوف(4).

ص:83

3 - الإمامة منقطعة ولیست دائمة(1) ، لعدم وجود النص الدال علی استمرارها.

بینما مفهومها بمنظور مدرسة أهل البیت "علیهم السلام" یختلف بمرتکزاته عن مرتکزات مدرسة أهل العامة، وقد أشار الإمام علی بن موسی الرضا "علیه السلام" إلی أسس وجوهر تلک المرتکزات بقوله: (هل یعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فیجوز فیها اختیارهم، إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلا مکاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن یبلغها الناس بعقولهم أو ینالوها بآرائهم أو یقیموا إماماً باختیارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهیم الخلیل علیه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضیلة شرفه بها وأشار لها ذکره فقال:(إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً)2 فقال الخلیل علیه السلام سروراً بها (وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی) قال الله تبارک وتعالی:(لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ) فأبطلت هذه الآیة إمامة کل ظالم إلی یوم القیامة وصارت فی الصفوة.

ثم أکرمه الله تعالی بأن جعلها فی ذریته أهل الصفوة والطهارة فقال:(وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً وَ کُلاًّ جَعَلْنا صالِحِینَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِیتاءَ الزَّکاةِ وَ کانُوا لَنا عابِدِینَ)3 ، فلم تزل فی ذریته یرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتی أورثها الله تعالی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقال جل وتعالی:(إِنَّ أَوْلَی النّاسِ بِإِبْراهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِیُّ وَ الَّذِینَ

ص:84

آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنِینَ)1 فکانت له خاصة فقلدها صلی الله علیه وآله وسلم علیاً علیه السلام بأمر الله تعالی علی رسم ما فرض الله فصارت فی ذریته الأصفیاء الذین آتاهم الله العلم والإیمان بقوله تعالی:(وَ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِیمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِی کِتابِ اللّهِ إِلی یَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا یَوْمُ الْبَعْثِ)2 ، فهی فی ولد علی علیه السلام خاصة إلی یوم القیامة، إذ لا نبی بعد محمد "صلی الله علیه وآله وسلم" فمن أین یختار هؤلاء الجهال.

إن الإمامة هی منزلة الأنبیاء وإرث الأوصیاء. إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ومقام أمیر المؤمنین علیه السلام ومیراث الحسن والحسین "علیهما السلام".

إن الإمامة زمام الدین ونظام المسلمین وصلاح الدنیا وعز المؤمنین، إن الإمامة أسس الإسلام النامی وفرعه السامی بالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد وتوفیر الفیء والصدقات وإمضاء الحدود والأحکام ومنع الثغور والأطراف الإمام یحل حلال الله ویحرم حرام الله ویقیم حدود الله ویذب عن دین الله ویدعو إلی سبیل ربه بالحکمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة کالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهی فی الأفق بحیث لا تنالها الأیدی والأبصار..

الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ من العیوب... عالم لا یجهل وراع لا ینکل معدن القدس والطهارة والنسک والزهادة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ونسل المطهرة البتول لا مغمزة فی نسب ولا یدانیه ذو حسب فی البیت من قریش والذروة من هاشم والعترة من الرسول صلی

ص:85

الله علیه وآله وسلم والرضا من الله عز وجل شر الأشراف والفرع من عبد مناف نامی العلم کامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسیاسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز وجل ناصح لعباد الله حافظ لدین الله)(1).

وعند دراسة هذا النص یبرز لنا ما یأتی:

1 - الإمامة شاملة لکل جوانب الحیاة بما فیه الجانب العقائدی الذی یکون متقدماً رتبة علی الجانب السیاسی، حیث یشیر علیه السلام بقوله (منزلة الأنبیاء وإرث الأوصیاء، الإمامة خلافة الله عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمیر المؤمنین ومیراث الحسن والحسین "علیهما السلام").

ویبین النص اشتراط العصمة، والعلم فی الإمام، فأما العصمة قد تظافرت النصوص علی إثباتها فی الآیات القرآنیة، قال تعالی:(إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)2 ، وقد اختص أهل البیت فی هذه الآیة(2) ، وقوله تعالی (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ)4 ،

ص:86

ووجه الاستدلال بهذه الآیة أن الله تعالی أمر بطاعة أولی الأمر علی وجه الإطلاق ولم یقیده بشیء ومن البدیهی أنه سبحانه لا یرضی لعباده الکفر والعصیان ولازم ذلک أن یکون أولو الأمر معصومین لا یصدر عنهم معصیة مطلقاً.

أما العلم فقد أشار إلیه القرآن الکریم فی العدید من الآیات أبزرها قوله تعالی:(وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ)1 ، وهذا العلم الذی فی الآیة یعرف بعلم الیقین والذی یکون مؤیداً بقوة عظیمة من الله تعالی تعرف بالتعبیر القرآنی والروائی (بروح القدس)، وهی لا تختص بالأنبیاء فقط بل تختص بالأوصیاء، والأئمة أیضاً ومن بین الشواهد القرآنیة علی شمول (روح القدس) للأنبیاء قوله تعالی:(وَ آتَیْنا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّناتِ وَ أَیَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)2 ، ولقد سُئل أبو عبد الله علیه السلام عن قول الله تبارک وتعالی (وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما کُنْتَ تَدْرِی مَا الْکِتابُ وَ لاَ الْإِیمانُ)3 ، قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئیل ومیکائیل کان مع رسول الله "صلی الله علیه وآله وسلم" یخبره ویسدده وهو مع الأئمة من بعده)(1).

وکما هو واضح المراد من هذا الخلق هو روح القدس وهی کما یبدو غیر الملائکة جمیعاً، بل هی أعظم من جمع الملائکة علی الإطلاق، لأن جبرائیل ومیکائیل ضرب بهم التمثیل والتشبیه لأنهما أفضل الملائکة فکانا أبرز المصادیق، ومن باب الأولی أن یکون روح القدس أفضل حینئذ من سائر الملائکة.

ص:87

ولقد اختص أهل البیت "علیهم السلام" بعلم عرف بعلم الکتاب وهذا العلم أشار إلیه القرآن الکریم بقوله (وَ یَقُولُ الَّذِینَ کَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ کَفی بِاللّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ)1 ، ولقد أکد المفسرون علی أن هذه الآیة نزلت فی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام(1) ، ویظهر من هذه الآیة حقیقة من حقائق عالم الوجود وعالم التکوین وکیفیة التعرف به لمن استطاع أن یمتلک علماً واحد من علوم الکتاب فکیف بالذی یمتلک جمیع علوم الکتاب، فمن باب الأولی أن تکون عنده القدرة أکثر ممن یمتلک علماً واحداً.

2. الإمامة مستمرة وغیر منقطعة، وذلک لقیام النص علیها، یعد استمرار الإمامة وعدم انقطاعها جوهراً أساسیاً ومرتکزاً مهماً من حیث أثره اللازم فی استمرار وجود النظام الکونی لذا تظافرت النصوص فی مدرسة أهل البیت "علیهم السلام" لإثباته ویمکن إثبات ذلک من خلال الطریق الأول وهو القرآن الکریم وقد جاءت فیه العدید من الآیات أبرزها قوله تعالی (وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)3 ، وقد أشارت هذه الآیة إلی أن هذا الخلیفة خلیفة أرضی وهو موجود فی کل زمان والدال علی ذلک قرینة قوله تعالی "جاعل" فی الآیة ووجه الاستدلال فی ذلک أن الجملة الإسمیة فی کون الخبر علی صیغة "الفاعل" التی هی بمنزلة الفعل المضارع تفید الدوام والاستمرار مضافاً إلی أن

ص:88

الجعل فی اللغة له استعمالات متعددة منها "تصییر الشیء علی حالة دون حالة" ،وعندما یقارن هذا الجعل بما یناظره من الموارد فی القرآن نجد أنه یفید معنی السنة الإلهیة(1) کقوله تعالی (وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِیهِنَّ نُوراً)2 .

أما الطریق الثانی هو الطریق الروائی، وفی هذا الطریق الاستدلالی نجد العدید من الروایات أبرزها:

1. روی عن الإمام أبی جعفر علیه السلام أنه قال: (والله ما ترک الله أرضاً منذ قبض آدم علیه السلام إلا وفیها إمام یهتدی به إلی الله وهو حجته علی عباده ولا تبقی الأرض بغیره إمام حجة لله علی عباده)(2).

2. سئل الإمام أبو عبد الله علیه السلام أتبقی الأرض بغیر إمام؟ قال: (لو بقیت الأرض بغیر إمام لساخت)(3).

3. روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: (لو لم یبق فی الأرض إلا إثنان لکان أحدهما الحجة)(4).

إن هذه الروایات تثبت حقیقة مفادها استمرار الحجة، وعدم انقطاعها منذ آدم علیه السلام وعدم خلو الأرض منه لما له من دور ووظیفة تکوینیة، إذاً لولا وجوده لانعدم نظام الوجود والحیاة.

ص:89

یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ)1 ، وقد أشارت المصادر إلی أن هذه الایة نزلت فی حق أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام علی أثر التصدق بخاتمه أثناء الرکوع فی صلاته(1).

ومن الأحادیث الأخری قوله صلی الله علیه وآله وسلم لأمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب علیه السلام (أنت منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی)(1).

والذی یتضح لنا من هذا النص أن النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم یثبت جمیع مقامات النبی موسی علیه السلام لهارون علیه السلام وعندما نستنطق القرآن الکریم نجد مقامات هارون فی العدید من الآیات ففی قوله تعالی (وَ قالَ مُوسی لِأَخِیهِ هارُونَ اخْلُفْنِی)2 اشارة واضحة إلی مقام الخلافة. اما قوله تعالی (وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی)3 فیشیر إلی مقام الوزارة.

وفی آخر حجة أداها النبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم أعلن تنصیب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام إماماً للمسلمین وذلک بقوله: (من کنت مولاه فعلی مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(2).

ص:92

فقال: یا محمد إنی أسألک عن أشیاء تلجلج فی صدری منذ حین فإن أجبتنی عنها أسلمت علی یدک قال سل یا أبا عمارة، فقال:... أخبرنی عن وصیک من هو؟ فما من نبی إلا وله وصی، إن نبینا موسی بن عمران أوصی إلی یوشع بن نون. فقال: إن وصیی والخلیفة من بعدی علی بن أبی طالب وبعده سبطای الحسن والحسین تتلوه تسعة من صلب الحسین، أئمة أبرار.

قال: فسمهم لی؟، قال: نعم إذا مضی الحسین فابنه علی فإذا مضی علی فابنه محمد فإذا مضی محمد فابنه جعفر، فإذا مضی جعفر فابنه موسی فإذا مضی موسی فابنه علی، فإذا مضی علی فابنه محمد، فإذا مضی محمد فابنه علی، فإذا مضی علی فابنه الحسن، فإذا مضی الحسن فبعده ابنه الحجة بن الحسن علیه السلام فهذه اثنا عشر إماماً علی عدد نقباء بنی إسرائیل)(1).

والملاحظ علی هذین النصین أنهما واضحان من حیث الدلالة والتی فی مقدمتها الاختیار الإلهی لأئمة أهل البیت "علیهم السلام" ،وفرض ولایتهم لا علی البشر فی الأرض فحسب بل حتی علی غیر البشر من الملائکة فی السماء، وخصهم بنور واحد ولهذا النور لوازم عدیدة أبرزها العلم والعصمة والهدایة سواء کانت علی صعید التشریع أو التکوین، ومما یزید من مستواهم السامی عند الله تعالی أن جعلهم میزاناً فاصلاً بین الحق والباطل فمن آمن بولایتهم کان من المقربین ومن جحدها کان من الکافرین وإن عددهم اثنا عشر إماماً بعدد نقباء بنی إسرائیل.

ومن الأدلة المباشرة لإثبات إمامة الهادی علیه السلام أیضاً ما روی عن أبیه الإمام الجواد علیه السلام فی نصوص عدیدة أبرزها:

ص:95

4. روی عن الإمام الجواد علیه السلام أنه قال: (إن الإمام بعدی ابنی علی أمره أمری، وقوله قولی، وطاعته طاعتی والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبیه وقوله قول أبیه وطاعته طاعة أبیه...)(1).

عند دراسة هذا النص لا نجد فیه إشارة إلی تاریخ معین لتنصیب الإمام الهادی علیه السلام بعد أبیه إلا أن جو النص یشعرنا علی أنه کان من أوائل النصوص والإمام علیه السلام کان صغیر السن، حیث نجد الإمام الجواد علیه السلام یؤکد علی ربط أمره وطاعته بأمر وطاعة الإمام الهادی علیه السلام ثم یسوق الإمام الجواد علیه السلام أمراً غیبیاً فی ولادة ولد للإمام الهادی علیه السلام واسماه الحسن لیؤکد أن الإمامة مستمرة فی صلبه، ن أن أنوهذا التصریح یعکس مدیات الإمام الجواد علیه السلام الفکریة فی ترسیخ وتعمیق الإمامة فی أذهان الأتباع والموالین خوفاً من الانحراف الذی قد یصیبهم.

5. سئل الإمام الجواد علیه السلام من الخلف بعدک؟ قال: (ابنی علی ثم قال، أما إنّها ستکون حیرة قال: قلت إلی أین؟ فسکت ثم قال: إلی المدینة قال: قلت: أی مدینة؟ قال: مدینتنا هذه وهل مدینة غیرها)(2).

إن دراسة هذا النص تظهر فیه شیئاً من الانفراج السیاسی من ناحیة الضغط والمراقبة علی الإمام الجواد علیه السلام مما وجد فسحة زمنیة یعلن فیها عن الخلف من بعده وهذا لیس ببعید وربما کان هذا الإعلان لخواصه الثقاة فلا خوف

ص:96

حینئذ من العیون، ویلاحظ أن الإمام عقب علی وقوع الحیرة إلا أن النص لم ینص علی مفهومها وغایة الأمر حدد لنا الرقعة الجغرافیة لها بقوله علیه السلام عندما تساءل السائل وأجابه الإمام الجواد علیه السلام: وهل غیر مدینتنا هذه.

ولنا أن نحتمل هذا الإعلان عن تلک الحیرة علی نحو من الاستقراء للأوضاع ومجریاتها ولیس علی البعد الغیبی وهو الراجح. إلا أننا یمکن أن نقول إنّ المراد بالحیرة هنا ما یتعلق بإمامة الإمام الهادی علیه السلام، ولعل المراد منها هو تخبط البعض فی الإقرار بإمامته لصغر سنه فی استلام هذا المنصب الإلهی العظیم.

6. روی عن إسماعیل بن مهران(1) ، قال: قال (لما خرج أبو جعفر - الإمام الجواد - من المدینة إلی بغداد فی الدفعة الأولی من خرجیته. قلت عند خروجه جعلت فداک إنی أخاف علیک فی هذا الوجه، فإلی من الأمر بعدک؟ فکر بوجهه إلی ضاحکاً وقال لیس الغیبة حیث ظننت فی هذه السنة فلما أخرج به الثانیة إلی المعتصم صرت إلیه فقلت له: جعلت فداک أنت خارج فإلی من هذا الأمر من بعدک؟ فبکی، حتی اخضلت لحیته ثم التفت إلی فقال عند هذه یخاف علی، الأمر من بعدی إلی ابنی علی)(2).

ص:97

یبدو أن هذا النص أکثر وضوحاً وأثری من حیث المادة التاریخیة فمن الجدیر بنا الوقوف عنده لدراسته وتحلیله وأبرز النقاط التی فیه ما یأتی:

أ. إن النص تدور محاور مادته علی إثبات النصیة من قبل الإمام الجواد علیه السلام علی ولده علی الهادی علیه السلام، ونسجل فی هذا الجانب شهرة مبدأ النصیة من قبل الإمام الحاضر علی الإمام اللاحق بین أتباع وموالی أئمة أهل البیت "علیهم السلام" ،لذا نجد أحد أتباعهم وهو إسماعیل بن مهران یؤکد علیه فی المرة الأولی والثانیة من خروج الإمام الجواد علیه السلام لمدینة بغداد وعندما ندرس تاریخ الخروج للمرة الأولی نجد المصادر تذکر أنه خرج إلی بغداد سنة 204 ه - / 819 م(1) ، بینما نجد أن الطبری یذکر أنه خرج سنة 202 ه - / 817 م(2) ، أما الخروج للمرة الثانیة للإمام الجواد علیه السلام فیبدو أنه الخروج الذی خرج به ولم یعد للمدینة بعدها بقرینة إعلانه بعد أن سأله إسماعیل بن مهران حالة البکاء والخوف والنصیة علی ولده علی الهادی علیه السلام وکان هذا الخروج سنة 220 ه - / 835 م(3).

ب. یبدو أن هذا السائل وهو إسماعیل بن مهران کان من خواص الإمام الجواد علیه السلام کما یبدو من النص، حیث سأله مرتین عن الخلف من بعده

ص:98

رغم الفاصل الزمنی بین خروجه فی المرة الأولی التی توجه إلیه ضاحکاً ولعل سبب الضحک أن الإمام الجواد علیه السلام لم یکن قد تزوج بعد فکیف یوصی بالخلف من بعد بالإمامة وسأله عند خروجه للمرة الثانیة، التی توجه إلیه فیها باکیاً معلناً أن فی هذه المرة یخاف بها علی مما یشعر للسائل ان الإمام الجواد علیه السلام ینعی نفسه له ولشیعته من خلاله لمکانته عند الإمام الجواد علیه السلام وعند الموالین والأتباع.

ج. وجود المرتکز الذهنی عند شیعة الأئمة "علیهم السلام" ،بما فیهم إسماعیل بن مهران حول سیاسة خلفاء بنی العباس تجاه أئمة أهل البیت "علیهم السلام" من تصفیات جسدیة أو التغییب فی السجون، وکان آخر العهد لهم بهذه السیاسة مع الإمام علی بن موسی الرضا "علیهما السلام" بعد أن أشخص إلی خراسان فقتل هناک ونجد فی هذا النص إقراراً وإمضاءً لهذا المرتکز الذهنی، حیث أجاب الإمام الجواد علیه السلام لابن مهران لا (حیث ظننت فی هذه السنة) وأجابه مرة أخری بقوله (عند هذه یخاف علی).

7. روی عن الخیرانی(1) عن أبیه أنه قال: (کان یلزم باب أبی جعفر - الإمام الجواد - للخدمة التی کان وکل بها، وکان أحمد بن محمد بن عیسی(2) یجیء فی السحر فی کل لیلة لیعرف خبر علة أبی جعفر علیه السلام وکان الرسول الذی

ص:99

یختلف بین أبی جعفر علیه السلام وأبی إذا حضر قام أحمد وخلا به أبی فخرجت ذات لیلة، وقام أحمد عن المجلس وخلا أبی بالرسول واستدار أحمد فوقف حیث یسمع الکلام فقال الرسول لأبی: إن مولاک یقرأ علیک السلام ویقول لک: إنی ماض والأمر صائر إلی ابنی علی وله علیکم بعدی ما کان لی علیکم بعد أبی، ثم مضی الرسول ورجع أحمد إلی موضعه وقال لأبی ما الذی قد قال لک؟ قال: خیراً قال سمعت ما قال، فلم تکتمه؟ وأعاد ما سمع فقال له أبی، قد حرم الله علیک ما فعلت لأن الله تعالی یقول:(وَ لا تَجَسَّسُوا)1 فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إلیها یوماً وإیاک أن تظهرها إلی وقتها، فلما أصبح أبی کتب نسخة الرسالة فی عشر رقاع وختمها ودفعها إلی عشرة من وجوه العصابة وقال: إن حدث بی حدث الموت قبل أن أطالبکم بها، فافتحوها واعلموا بما فیها. فلما مضی أبو جعفر علیه السلام ذکر أبی أنه لم یخرج من منزله حتی قطع علی یدیه نحو من أربعمائة إنسان، واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج یتفاوضون هذا الأمر فکتب محمد بن الفرج إلی أبی یعلمه باجتماعهم عنده وأنه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إلیه ویسأله أن یأتیه فرکب أبی وصار إلیه فوجد القوم مجتمعین عنده فقالوا لأبی ما تقول فی هذا الأمر؟ فقال أبی لمن عنده الرقاع: أحضروا الرقاع فأحضروها فقال لهم: هذا ما أمرت به فقال بعضهم قد کنا نحب أن یکون معک فی هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد أتاکم الله عز وجل به عند أبی جعفر الأشعری یشهد لی بسماع هذه الرسالة وسأله أن یشهد بما عنده فأنکر أحمد أن یکون سمع من هذا شیئاً فدعاه أبی إلی المباهلة فقال: لما حقق علیه قال: قد سمعت ذلک وهذا مکرمة کنت أحب أن تکون لرجل من العرب لا لرجل من العجم فلم یبرح القوم حتی

ص:100

قالوا بالحق جمیعاً)(1).

یبدو من ظاهر هذا النص أنه آخر نص من قبل الإمام الجواد علیه السلام یذکر فیه تنصیب الإمام علی الهادی علیه السلام خلف من بعده للأمة، ویشیر النص أن مرض الإمام الجواد علیه السلام استمر أیاماً عدیدة، وفی آخر تلک الأیام أعلن ذلک النص وأبلغه إلی إحدی الشخصیات التی یبدو أنها من الشخصیات المهمة عند الإمام علیه السلام وأتباعه فنسخ ذلک التبلیغ عشرة نسخ، فأرسلها إلی کبار الشیعة فی بغداد الذین قد أجتمعوا عند محمد بن الفرج مما یعکس کما یذهب المدرسی إلی أن للشیعة مجالس للتفاوض فی الأمور المهمة ومن أبرزها معرفة الإمام والبیعة له والتسلیم لأوامره(2) ، وما کان من هذا الاجتماع إلا أن یرسل إلی من أرسل إلیهم هذه النسخ فشک البعض فیها لخطورة الأمر، فأشیر إلی أحمد بن محمد الذی تجسس فعرف الخبر والذی یبدو أنه کان حاضراً لهذا الاجتماع التداولی فأشهده فشهد بذلک.

قبل خلق الخلق یسبحون الله ویقدسونه، وهم الأئمة من ولد رسول الله "صلی الله علیه وآله وسلم")(1).

2. روی عن أبی جعفر علیه السلام قال: (نحن اثنا عشر إماماً منهم حسن وحسین ثم الأئمة من ولد الحسین علیه السلام)(2).

3. روی عن أبی جعفر علیه السلام قال: (یکون تسعة أئمة بعد الحسین بن علی تاسعهم قائمهم)(3).

تؤکد هذه النصوص علی إثبات إمامة الأئمة الاثنی عشر" علیهم السلام "،حیث نجدها تشیر إلی إمامتهم" علیهم السلام "،وأنهم اثنا عشر وکلهم من ولد الرسول وذریة الإمام الحسین علیه السلام.

وبالرغم من تظافر النصوص المباشرة وغیر المباشرة علی إمامة الإمام الهادی علیه السلام فقد أنکر البعض إمامته بعد استشهاد أبیه الإمام الجواد علیه السلام وساقوها إلی أخیه موسی إلا أنهم کانوا قلة لا یعتد بهم إلا أنهم رجعوا وقالوا بإمامته علیه السلام وقد اجتمعت علی إمامته الشیعة فی حیاته بعد اختلافها فیه(4).

ولعل السبب فی ذلک یرجع إلی عدم معرفتهم للنصوص الواردة فی حقه أو جهلهم لمقام الإمام علیه السلام فشتبهوا فیه، ولیس من المستبعد أن یکون هناک تدخل سیاسی فی هذا الأمر.

ص:102

لتحقیق مکاسبها الخاصة بها، وهذا ما تمثل بتدخل العنصر الفارسی، وعلی رأسهم أسرة آل سهل ولا سیما الفضل بن سهل(1) الذی عرف بذی الریاستین، ریاسة الحرب وریاسة التدبیر(2).

کذلک شهدت السلطة بروز العنصر الترکی، الذی دخل فی صراع مع الفرس والعرب والذی کان له آثاره علی وضع الخلافة العباسیة، فصراع ثلاث قوی یعنی صراع ثلاثة مطامع مختلفة ووسائل صراع مختلفة کان أبرز نتائجها التدخل فی تغییر هرمیة مؤسسة السلطة العباسیة وانتقال العاصمة من بغداد إلی سامراء(3).

کذلک أوضحت لنا المصادر أن عدداً من الشخصیات التی تولت الوزارة خلال هذه الفترة، قد أصبح لها التأثیر المباشر علی وضع الحاکم العباسی کیحیی ابن أکثم مع المأمون(4) والفضل بن مروان(5) مع المعتصم إلی الحد الذی کان فیه الأخیر یقرض الخلیفة العباسی من ماله الخاص(6).

ص:104

شهدت هذه الفترة أیضاً الحرب الداخلیة الثانیة بین المستعین والمعتز، والتی کان لها آثارها الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة الواضحة، کما شهدت هذه الفترة الاضطرابات الداخلیة التی تمثلت بالثورات العلویة وغیر العلویة والحرکات والتمردات کحرکة بابک الخرمی عام 214 ه - / 829 م، وحرکة الزط 219 ه - / 834(1) م، وحرکة المازیار 223 ه - / 838 وحرکة المبرقع الیمانی 227 ه - / 841 م وخروج عدد من القبائل العربیة ضد السلطة کقبیلة قیس عیلان ببطونها وبنی سلیم عام 230 ه - / 844 م وثورة الخوارج.

وعلی الصعید الخارجی شهدت صداماً عسکریاً مع الروم البیزنطیین، أبرزها کان صراع المأمون والمعتصم ومعرکة عموریة التی قادها المعتصم وانتصر بها عام 223 ه - / 837 م.

هذه الصراعات کان لها أثرها الواضح علی الجانب الاقتصادی، لأنها تستنزف میزانیة الدولة مما ینعکس علی الأوضاع المعاشیة علی سکان السلطنة العباسیة.

قاموا بها ضده فی العدید من الأمصار الإسلامیة یأتی فی مقدمتها والذی علی أثره تولد الظن عند بعض العلویین أنهم حققوا مکاسبهم السیاسیة غیر غافلین أنّ المأمون لتحقیق مکاسبه انتهج سیاسة رفع الاضطهاد تجاه العلویین إلی الحد الذی دفع أحد الباحثین المحدثین إلی القول (إن العلویین عاشوا فی عهده بأمان وأنزلهم منازل العزوالکرم)(1).

شهد عصر المأمون عملیتی قتل للعلویین الأولی کانت للإمام الرضا علیه السلام(2) ، والثانیة کانت لمحمد بن عبد الله بن الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(3) ، واللذین قتلا مسمومین(4).

استمر المأمون فی سیاسته تجاه العلویین ولا سیما بعد قتل الإمام الرضا علیه السلام، وانتقاله إلی بغداد حیث أرسل من استدعی الإمام الجواد علیه السلام وزوجه أم الفضل(5) ، ثم بعد ذلک اتخذ قراراً فی سنة 212 ه - / 827 م العام الذی ولد فیه الإمام الهادی علیه السلام أعلن فیه تفضیل الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام علی سائر الصحابة(6).

ص:106

وبعد وفاة المأمون آلت الخلافة إلی المعتصم العباسی 218-227 ه - / 833-841 م والذی انتهج سیاسة لم تختلف عن سیاسة أخیه المأمون، ولعل ذلک یرجع إلی وصیة أخیه المأمون، حیث أمره بالإحسان إلی العلویین والاستمرار فی صلاتهم والتجاوز عن مسیئهم(1).

وهذه السیاسة فی تحقیق مکاسبها السیاسیة لم تختلف عن سیاسة المأمون، قالحاکم المعتصم عاصر فی سنوات حکمه آخر سنتین من إمامة الجواد علیه السلام الذی یعد أبرز شخصیة علویة فی عصره، والذی قام المعتصم بإشخاصه إلی بغداد عام 220 ه - / 835 م(2) ، وهو ذات العام الذی توفی فیه والی ذلک أشار المفید والطوسی وابن شهر آشوب وابن الأثیر وابن العماد الحنبلی(3) ، ولم ینفرد عنهم الا المسعودی الذی جعل وفاته فی عام 219 ه - / 834 م بدلاً عن 220 ه - / 835(4) ، وکان سبب وفاته علیه السلام موته مسموماً بید زوجته أم الفضل(5).

وبعد وفاة المعتصم آلت الخلافة إلی الواثق 227-232 ه - / 841-846 م الذی أتبع سیاسیة ظاهرها الاتسام باللین والمرونة مع العلویین.

وقد أشار أبو الفرج الإصفهانی إلی قلة خروج الحرکات العلویة ضد الواثق، مما یشیر ضمناً إلی عدم وجود المبررات للثورة ضد الخلافة العباسیة بقوله: (لا

ص:107

نعلم أحداً قتل فی أیامه إلا علی بن محمد بن عیسی بن زید بن علی بن الحسین ولم یذکر السبب فی ذلک)(1).

وأشار إلی حالة الاستقرار الاجتماعی والاقتصادی للعلویین فی عصر الواثق بقوله: (کان آل أبی طالب مجتمعین بسر من رأی فی أیامه تدر الأرزاق علیهم حتی تفرقوا فی أیام المتوکل)(2).

إن هذا النص یشیر صراحة إلی نهایة عهد الاستقرار، الذی شعر به العلویون فی فترات مختلفة منذ عصر المأمون وإلی مجیء المتوکل، الذی استلم الخلافة بعد الواثق وقد سار المتوکل 232-247 ه - / 846-861 م بسیاسة مع العلویین تختلف عما سار علیه أسلافه الثلاثة من خلفاء بنی العباس، حیث عمد علی سیاسة التشرید والحبس والقتل فضلاً عن إشخاص الإمام الهادی علیه السلام، ویوضح لنا أبو الفرج الإصفهانی هذه السیاسة بقوله: (وکان المتوکل شدید الوطأة علی آل أبی طالب، غلیظاً علی جماعتهم مهتماً بأمورهم شدید الغیظ والحقد علیهم وسوء الظن والتهمة لهم)(3).

تشیر المصادر التاریخ یة أن المتوکل عمد سنة 236 ه - / 850 م(4) علی هدم قبر الإمام الحسین علیه السلام وهدم الدور من حوله وحرث أرضه وبذرها البذور

ص:108

وسقی موضع قبره(1) ، وقد أرسل إلی هذه المهمة الدیزج(2) ، وکان یهودیاً قد أسلم(3).

وقد أمر المتوکل بمنع الناس من زیارة قبره، فنودی فی النواحی القریبة منه بذلک فهرب الناس وامتنعوا عن المسیر إلیه(4) ، وقد وضع علی سائر الطرق المؤدیة إلی قبره علیه السلام عیوناً لا یجدون أحداً من الزائرین إلا قتلوه(5).

یبدو أن المتوکل قد سار علی نهج جدید تجاوز فیه عملیات التشرید والحبس والقتل للعلویین، فقصد فیه التوجه إلی المعالم الشاخصة والعناوین الماثلة لهم وذلک تمثل فی قبر سید الشهداء علیه السلام، ویعکس ذلک خطورة قبر الإمام الحسین علیه السلام وما یمثله للعلویین ولغیرهم.

وأشار السیوطی إلی أن أهل بغداد کان لهم ردود أفعال، حیث شتموه علی الحیطان وهجاه الشعراء فقالوا:

بالله إن کانت أمیة قد أتت قتل ابن بنت نبیها مظلوماً

فلقد أتاه بنو أبیه بمثله هذا لعمری قبره مهدوماً

أسفوا علی أن لا یکونوا شارکوا فی قتله فتتبعوه رمیماً(6)

فأظهرت (هذه السیاسة الهوجاء عدم إمکان التفاهم بین العلویین والعباسیین

ص:109

وجلبت سخط قسم کبیر من الناس)(1).

إن هذه السیاسة التی انتهجها المتوکل تجاه العلویین کانت سبباً فی اندلاع عدد من الثورات العلویة تجاهه(2).

وبعد مقتل المتوکل آلت الخلافة إلی ولده المنتصر 247-248 ه - / 861-862 م ولقد رسمت سیاسته لأوضاع العلویین فی عهده صوراً مغایرة تماماً عما کانت علیه فی عهد أبیه المتوکل وقد کان فی مقدمة سیاسته التی سار علیها تجاههم أن أبدل والی المدینة بوالٍ جدید أوصاه بالعلویین خیراً ونعتهم له أنهم دمه ولحمه(3), ولم یکن یمنع من زیارة الإمام الحسین علیه السلام ولا زیارة قبر غیره من قبور آل أبی طالب وأمر برد فدک إلی ولد الحسن والحسین وأطلق أوقاف آل أبی طالب وترک التعرض لشیعتهم ودفع الأذی عنهم(4).

ویشیر أبو الفرج الإصفهانی: (إن المنتصر کان یظهر المیل إلی أهل هذا البیت ویخالف أباه فی أفعاله، فلم یجر منه علی أحد منهم قتل أو حبس ولا مکروه فیما بلغنا)(5).

وأعتقد أن هذه السیاسة التی سار علیها المنتصر مع العلویین ورموزهم المعنویة کقبر الإمام الحسین علیه السلام تدعو للدراسة والتأمل، وهل کانت هذه السیاسة ولیدة الظروف السیاسیة فی عصره خصوصاً أن العصر الذی سبقه کان

ص:110

یمثل أسوء عصر مر به العلویون وشیعتهم لکسب ودهم للتخلص من نقمتهم علیه أو أن هذه السیاسة نابعة من صمیم البنیة الفکریة له. والذی یبدو لنا أن هذه السیاسة هی نابعة من طبیعة الظروف السیاسیة فی عصره ویمکن أن نستدل علی ذلک بعدة أمور أبرزها.

1. لم تبین لنا المصادر التاریخیة طبیعة علاقة المنتصر مع الإمام علیه السلام من ناحیة سیاسته تجاه الإقامة الجبریة له علیه السلام فهل رفعت عنه کلیاً أو جزئیاً، فالراجح أنها رفعت جزئیاً انطلاقاً من طبیعة سیاسته تجاه العلویین، أما الرفع الکلی للإقامة لم یرفع بدلیل بقائه فی سامراء وعدم عودته إلی المدینة.

2. محاولة امتصاص نقمة العلویین الذین مروا بظروف قاسیة فی عهد أبیه للحیلولة دون الخروج علیه شعوراً منه بعدم القدرة علی ردعهم لإرجاعهم للطاعة.

3. إن سیاسة العدل والإنصاف کانت تشمل العلویین فقط دون بقیة المسلمین، وهذا خلافٌ للعدل الذی یریده الإسلام، مما یدلل لنا علی أهداف سیاسیة، فقد کان وزیره أحمد بن الخصیب(1) من الوزراء الظالمین تجاه الرعیة فلم ینصف الرعیة منه ولم یعزله(2) وهذا یثبت لنا أنّ منهجه مع العلویین کان سیاسیاً بعد وفاة المنتصر آلت الخلافة إلی المستعین 248-252 ه - / 862-866 م الذی استخدم سیاسة العداء والاضطهاد تجاههم مما ولد ردود فعل تجاه سیاسته، تمثلت

ص:111

بثورات للعلویین(1) التی تعبر عن حقیقة الظلم الذی تعرضوا له علی یدیه.

عندما جاء الحاکم المعتز للخلافة 252-255 ه - / 866-868 م بعد عزل المستعین عنها، نراه قد انتهج أیضاً سیاسة الظلم للعلویین، حیث ذکر الطبری أنه فی عام 252 ه - / 866 م ألقی القبض علی عدد من الطالبیین، والذین أرسلوا إلی سامراء إلا أن المعتز یبدو أنه غیر رأیه ولم یتعرض لهم بمکروه وأوصل بعضهم بالمال،(2) ویبدو أن المعتز بإجرائه هذا أراد أن یظهر قوة قبضته تجاه العلویین وأنه قادر علی إطالتهم فی أی وقت شاء، وهذا یأتی کجزء من سیاسة الترغیب والترهیب.

یشیر المسعودی فی أحداث سنة 252 ه - / 866 م نقل من مصر إلی سامراء (76) رجلاً کلهم من الطالبیین توجهوا إلیها بسبب خوف الفتنة التی فی الحجاز(3).

وأشارت المصادر إلی خروج قسم من العلویین علیه وأنه قد قتل بعضهم(4) ، عاکسة بذلک سیاسة الظلم التی اتبعها الخلیفة المعتز معهم.

ص:112

یتضح أن إمامة الإمام الهادی علیه السلام قد عاصرت السنوات السبع الأخیرة من حکم المعتصم.

لقد سار المعتصم العباسی فی سیاسته تجاه الإمام الهادی علیه السلام منطلقاً من تصوراته فی إمکان إعادة صیاغة البنیة الفکریة للإمام علیه السلام، مما یجعله من المؤیدین لخط الحکومة العباسیة وذلک لجهله بموارد علم الإمام اللدنیة، فیشیر المسعودی (أن المعتصم قام بإرسال عمر بن الفرج الرخجی(1) إلی المدینة حاجاً بعد مضی أبی جعفر علیه السلام فأحضر جماعة من أهل المدینة والمخالفین والمعاندین لأهل بیت رسول الله "صلی الله علیه وآله وسلم" فقال لهم: اختاروا لی رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم لا یوالی أهل هذا البیت لأضمه إلی هذا الغلام، وأوکله تعلیمه وأتقدم إلیه، بإن یمنع منه الرافضة الذین یقصدونه ویقدسونه فسموا له رجلاً من أهل الأدب یکنی أبا عبد الله ویعرف بالجنیدی(2)... وعرفه أن السلطان أمره باختیار مثله وتوکیله بهذا الغلام قال: فکان الجنیدی یلزم أبا الحسن فی القصر بصریا فإذا کان اللیل أغلق الباب وأقفله وأخذ المفاتیح إلیه، فمکث علی هذا مدة وانقطعت الشیعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة علیه ثم إنی لقیته فی یوم جمعة فسلمت علیه وقلت له: ما قال هذا الغلام الهاشمی الذی تؤدبه؟ فقال منکراً علی: تقول الغلام ولا تقول الشیخ الهاشمی؟ أنشدک الله هل تعلم

ص:114

بالمدینة أعلم منی؟ قلت لا، قال فإنی والله أذکر له الحزب من الآداب وأظن أنی قد بالغت فیه فیملی علی باباً فیه أستفیده منه ویظن الناس أنی أعلمه وأنا والله أتعلم منه... ثم لقیته بعد ذلک فسلمت علیه وسألته عن خبره وحاله ثم قلت: ما حال الفتی الهاشمی؟ فقال لی: دع هذا القول عنک هذا والله خیر أهل الأرض وأفضل من خلق الله... ثم مرت به اللیالی والأیام حتی لقیته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به)(1).

ویمکن أن یتبین من هذا النص عدة أمور أهمها:

تیقن الخلیفة المعتصم أن الإمام بعد الجواد علیه السلام هو ولده الإمام علی الهادی علیه السلام وهذا یعکس لنا طبیعة المرتکز الذهنی عند خلفاء بنی العباس ومن بینهم المعتصم تجاه أئمة أهل البیت "علیهم السلام" الأمر الذی سوف یدفع المعتصم للعمل علی سیاسة تحجیم دوره من خلال المراقبة الشدیدة ومحاولة التضییق علیه.

سیر الإمام الهادی علیه السلام فی طریق التقیة للحیلولة دون وقوع المواجهة مع الخلافة العباسیة، فتعمل علی إشخاصه إلی العاصمة کما فعل بأبیه الجواد وجده الرضا "علیهما السلام".

إثبات علم الإمام الهادی علیه السلام وأعلمیته للخلافة العباسیة، وللجنیدی الذی کان أعلم أهل المدینة أو أبرز علمائها الأمر الذی جعله یقول بإمامته علیه السلام.

ص:115

ومن المرجح أن المعتصم قد سار علی سیاسة جدیدة تنسجم مع المعطیات الجدیدة تجاه الإمام علیه السلام، ولعل طبیعة هذه السیاسة لها آثارها فی ذهنیة الخلیفة المعتصم مما جعله یکتفی بعدم الأمر فی إشخاصه إلی العاصمة العباسیة کما فعل مع أبیه ولیس من المستبعد أن تکون هناک أسباب أخری، کانشغال المعتصم بأعباء الخلافة لذا اکتفی من المراقبة الشدیدة والدائمة له، ولا یستبعد أن الإمام علیه السلام قد انتهج أیضاً منهجاً جدیداً هدف من ورائه عدم إثارة الخلافة، ومن مصادیق تلک السیاسة ما روی عن محمد بن شرف(1) قال: (کنت مع أبی الحسن علیه السلام أمشی بالمدینة فقال لی: ألست ابن شرف؟ قلت: بلی فأردت أن أسأله عن مسألة فابتدأنی من غیر أن أسألة فقال: نحن علی قارعة الطریق ولیس هذا موضع مسألة)(2).

إن هذا النص لا یشیر إلی تاریخ معین إلا أننا إذا وقفنا علی أسباب مبادرة الإمام علیه السلام لمحمد بن اشرف بالکلام ورفضه عرض مسألته علیه یمکن ترجیح فترة معینة بصورة عامة.

فلابد أن نتساءل حینئذ هل کانت هناک أسبابٌ إجتماعیة أو اقتصادیة أو فکریة مانعة من طرحه مسألة ما علی قارعة الطریق، فالعقل والمنطق والواقع التاریخی یثبت خلاف ذلک لذا فالأرجح أن هناک أسباباً سیاسیة مانعة لطرح السؤال خصوصاً أن السؤال الذی علمه الإمام علیه السلام بعلمه الخاص یرتبط

ص:116

بالواقع السیاسی الذی یعیشه الإمام علیه السلام الأمر الذی یجعل العیون علی قارعة الطریق تراقبه وتسرق السمع بسهولة الأمر الذی یعکس لنا سوء الوضع السیاسی، لذا نرجح أن النص فی عصر المعتصم لسوء علاقته بالإمام علی خلاف سیاسة الواثق تجاهه.

أشارت بعض المصادر إلی أنه فی عام 230 ه - / 844 م، عندما أرسل الواثق جیشاً إلی المدینة لقتال الأعراب من قبائل قیس وسلیم(1) ، فیروی عن أبی هاشم الجعفری أنه قال: (کنت بالمدینة حین مر بها بغا أیام الواثق فی طلب الأعراب فقال أبو الحسن علیه السلام - الإمام الهادی - اخرجوا بنا حتی ننظر إلی تعبئة هذا الترکی فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئة - فمر بنا ترکی فکلمه أبو الحسن علیه السلام بالترکیة، فنزل عن فرسه فقبل حافر فرس الإمام علیه السلام فحلفت الترکی فقلت له ما قال لک الرجل؟ قال: هذا نبی؟ قلت: لیس هو بنبی قال دعانی باسم سمیت به فی صغری فی بلاد الترک ما علمه أحد إلی الساعة)(2).

إن دراسة هذا النص یعکس لنا رغبة الإمام علیه السلام بأبعاد خطر الأعراب وحمایة طرق الحجاج وهذا ما یعبر عنه السید الصدر بالتأیید الضمنی(3) ، وعلی الأرجح فی حدود هذه الجزئیة دون القول بتعمیمه لیمثل التأیید للسلطة العباسیة، وفی الوقت نفسه قد نجد أن للإمام علیه السلام أسباباً واقعیة أخری

ص:117

کمعرفة مدی قوة الجیش العباسی وتعبئته العسکریة وذلک لحسابات عسکریة خاصة فی ذهنیة الإمام علیه السلام لا للخروج علی الخلافة العباسیة بنفسه ولکن قد یطلب منه الإذن بالخروج علیها فی أی منطقة من مناطق الخلافة العباسیة، ومن الأسباب المحتملة شعوره بمسؤولیاته الجسیمة التی قد یقوم بوظیفة من وظائفه بما لا یمس خروجه عن التقیة وقد یکون ذلک قد وقع فعلاً حیث أثر علی ذلک الترکی بطریقة الإخبار الغیبی حیث کشف له أمراً خفیاً علی الجمیع مما دعاه للقول إنّه نبی مما نستطیع القول إنّه حرک الذهنیة الفکریة لهذا الترکی ولیس من البعید أنه بحث عن الإمام علیه السلام فیما بعد وقال بإمامته.

یشیر الیعقوبی أن الواثق فرق (أموالاً جمة بمکة والمدینة وسائر البلدان علی الهاشمیین وسائر قریش والناس کافة)(1). وما من شک أن الإمام الهادی علیه السلام کان من ضمن الهاشمیین الذین وصلتهم أُعطیات الخلیفة الواثق لتوجهاته السلمیة تجاههم ومن الطبیعی أن الإمام علیه السلام منهم بل أنه أبرزهم علی الإطلاق. ولیس من البعید أن یکون خصه بصلة تمیزه عن الجمیع.

أشارت المصادر التاریخیة بروایات متعددة إلی أنّ هناک حدیثاً سیاسیاً دار بین الإمام الهادی علیه السلام وخیران الأسباطی(2) والذی تضمن نهایة حکم خلیفة ومجیء خلیفة جدید.

ومن أبرز تلک الروایات:

ص:118

یروی الخصیبی بسند ینتهی بخزمان الأسباطی قال: (قدمت علی أبی الحسن علی بن محمد "علیهم السلام" وهو بالمدینة فلما لقیته قال: یا خزمان ما خبر الواثق عندک فقلت خلفته فی عافیة فقال لی إنّ الناس یقولون إنّه مات فقلت له جعلت فداک عهدی به منذ بضعة أیام سالم قال: ها هنا من یقول إنّه مات فلما ذکر ذلک علمت أن الذی یقول له عنده فقال لی: ما فعل ابنه جعفر قلت خلفته محبوساً قال لی: ما فعل ابن الزیات(1) قلت: الناس معه والأمر أمره، قال: یا ویله مشؤوم علی نفسه، ثم سکت وقال: قتل ابن الزیات فقلت متی فقال بعد خروجک بستة أیام فکان کما قال علیه السلام)(2).

یروی المسعودی بسند ینتهی بخیران قال: (حججت فی سنة اثنتین وثلاثین ومائتین فدخلت علی أبی الحسن علیه السلام فقال: ما حال صاحبک - یعنی الواثق - فقلت وجع ولعله قد مات، قال: لم یمت ولکن ألماً به ثم قال فمن یقوم بعد؟ قلت ابنه، فقال: الناس یزعمون أنه جعفر قلت لا، قال: بلی هو کما أقول لک، قلت صدق الله ورسوله وابن رسوله فکان کما قال)(3).

بینما یروی جملة من المؤرخین کالمفید(4) والفتال(5) الطبرسی(6) وابن

ص:119

شهرآشوب(1) وابن حمزة(2) والحلی(3) وابن الصباغ(4) والحر العاملی(5) والبحرانی(6) والمجلسی(7) ، بسند ینتهی بخیران الأسباطی قال: (قدمت علی أبی الحسن علی بن محمد علیهم السلام بالمدینة فقال لی، ما خبر الواثق عندک؟ قلت جعلت فداک خلفته فی عافیة أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدی به منذ عشرة أیام قال، فقال لی: إنّ أهل المدینة یقولون إنّه مات، فلما قال لی إن الناس یقولون علمت أنه یعنی نفسه ثم قال لی ما فعل جعفر؟ قلت ترکته أسوأ الناس حالاً فی السجن قال: فقال: أما أنه صاحب الأمر، ما فعل ابن الزیات؟ قلت الناس معه والأمر أمره فقال: أما أنه شؤم علیه... یا خیران مات الواثق وقد قعد المتوکل جعفر وقد قتل ابن الزیات قلت متی جعلت فداک؟ قال بعد خروجک بستة أیام).

إن دراسة هذه النصوص تشیر إلی العدید من الأمور أبرزها:

تؤکد المصادر التی أشرنا إلیها أن الشخص الذی حاور الإمام علیه السلام، هو خیران الأسباطی ما عدا الخصیبی قد تفرد فی روایته باسم خزمان، ولعل السبب یرجع إلی حدوث تصحیف فی ذلک.

تتفق المصادر التی أشرنا إلیها أن الإمام علیه السلام سأل خیران حول عافیة الواثق إلا أنها تباینت فی نصوصها حول ذلک، فیتفق الخصیبی مع بقیة المصادر أن

ص:120

الإمام علیه السلام أخبر بوقوع الوفاة للواثق ولم یتفرد إلا المسعودی فی نقله حیث روی أنّ الإمام علیه السلام أخبر بمرض الواثق دون وفاته، والراجح قول النصوص التی ذهبت إلی القول بوفاته لشهرتها.

أخبر الإمام علیه السلام أنّ هناک تغییراً سیاسیاً فی منصب الخلافة متمثلاً فی مجیء المتوکل خلیفة للمسلمین، کما أشار إلی ذلک المسعودی وبقیة المصادر ما عدا الخصیبی لم یذکر هذا المعنی إلا أنه أشار إلی أن جعفراً هو ابن الواثق وهو خلاف الحقیقة التاریخیة فی کون الواثق والمتوکل أبناء للخلیفة المعتصم، وذکر حول جعفر أنه کان محبوساً بینما بعض المصادر تشیر أنه کان جالساً مع أبناء الأتراک أثناء محاولتهم تنصیب ابن الواثق خلیفة للمسلمین(1) ، أما مصیر ابن الزیات مقتولاً أشار إلیه الخصیبی وبقیة المصادر ماعدا المسعودی فی أثناء الفترة التی أخبر فیها الإمام علیه السلام بمقتل الواثق کما یذهب إلی ذلک المسعودی حیث ذهب أن المتوکل سخط علیه بعد أشهر من تولیه الخلافة(2) ، ویشیر ابن العمرانی أنه بقی وزیراً للمتوکل لمدة 40 یوماً ثم نکل به(3).

ومن هنا یتضح أن هناک تبایناً یمکن تفسیره أن الإمام علیه السلام أراد الإخبار بموته لا علی نحو الوقوع الحالی بل علی نحو الوقوع المستقبلی لحتمیة الأمر فی قتله.

ذکرت المصادر إخبار الإمام علیه السلام بموت الواثق ومقتل ابن الزیات، فمن الجدیر بنا أن نتساءل هل ذلک الخبر کان وفق القنوات الطبیعیة أم کان عن

ص:121

الطریق الغیبی، وقد اختلف الباحثون فی ذلک فذهب نجف إلی القول بالقنوات الطبیعیة المتمثلة فی العیون والإرصادات الدقیقة علی الوضع السیاسی، فبلغ الإمام علیه السلام ما یجب تبلیغه من الأخبار(1) ، بینما ذهب السید الصدر إلی القول بالطریق الغیبی لأن الإمام علیه السلام صرح بهذه الأحداث بعد أربعة أیام من وقوعها لأن وصول الأخبار فی هذه الفترة القصیرة متعذر آنذاک(2) ، والراجح هو القول الثانی.

أشارت المصادر التاریخیة بروایات عدیدة عن طبیعة العلاقة بین الإمام الهادی علیه السلام والخلیفة العباسی المتوکل بخلاف فترة الخلیفتین المعتصم والواثق، وذلک یرجع إلی طبیعة السیاسة التی انتهجها المتوکل العباسی تجاه الإمام علیه السلام وإشخاصه إلی سامراء ولطول الفترة التی مضاها فیها.

انتهج المتوکل سیاسة الإشخاص مع الإمام الهادی علیه السلام التی اتبعها المأمون والمعتصم تجاه بعض أئمة أهل البیت (علیهم السلام) ((وکان سبب شخوص أبی الحسن علیه السلام إلی سر من رأی، أنّ عبد لله بن محمد کان یتولی الحرب والصلاة فی مدینة الرسول علیه السلام، فسعی بأبی الحسن علیه السلام إلی المتوکل، وکان یقصده بالأذی)(3).

ص:122

لا أتصور سیاسة إشخاص الإمام الهادی علیه السلام غائبة عن ذهنیة المتوکل العباسی لکنه کان یبحث عن المبررات لذلک فهیأ الظروف المناسبة لها.

أما موقف الإمام علیه السلام جراء هذه التطورات السیاسیة الجدیدة (کتب إلی المتوکل یذکر تحامل عبد الله بن محمد ویکذبه فیما سعی به إلیه، فتقدم المتوکل لإجابته عن کتابه ودعا له فیه إلی حضور العسکر علی جمیل من الفعل والقول)(1).

یبدو أنّ المصادر لم تنقل لنا نص کتاب الإمام علیه السلام وإنّما ذکرت مضمونه فقط ولعل هذا المضمون قد استشف من نص کتاب المتوکل الیه، وقد کان الإمام علیه السلام یهدف من وراء ذلک الکتاب تخفیف التوتر السیاسی بینه وبین الحاکم العباسی، وإلاّ فنظرة الإمام المستقبلیة فیها تلک الخطوة التی قام بها المتوکل.

أما کتاب المتوکل جاء فیه (بسم الله الرحمن الرحیم، أما بعد فإنّ أمیر المؤمنین عارف بقدرک، راع لقرابتک، موجب لحقک، مؤثر من الأمور فیک وفی أهل بیتک ما یصلح الله به حالک وحالهم، ویثبت به عزک وعزهم، ویدخل علیک وعلیهم یبتغی بذلک رضی ربه وأداء ما افترض علیه فیک وفیهم، وقد رأی أمیر المؤمنین صرف عبد الله بن محمد عما کان یتولاه اذا کان علی ما ذکرت من جهالته بحقک واستخفافه بقدرتک... وبنسبک إلیه من الأمور الذی علم أمیر المؤمنین بقدرک... وأمیر المؤمنین مشتاق الیک یحب إحداث العهد بک، والنظر الیک فأن نشطت لزیارته، والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بیتک وموالیک

ص:123

وحشمک علی مهلة وطمأنینة... وإن أحببت أن یکون یحیی بن هرثمة مولی أمیر المؤمنین ومن معه من الجند یرتحلون برحیلک ویسیرون بسیرک...)(1).

یلاحظ أنّ المتوکل قد جمع بین أسلوبین اللین، حیث اعترف بمنزله الإمام علیه السلام وعلو مکانته وحقوقه المفروضة من قبل الله تعالی، وحاول إرضاءه، فقام بعزل عبد الله بن محمد عما یتولاه وتولیة شخص آخر بدلاً عنه، والتأکید له ببراءة ساحته مما نسب إلیه لاسیما إظهاره الشوق والرغبة فی إحداث العهد به.

أما الأسلوب الآخر، حیث أظهر الشدة فیه والتلویح فی استعمال القوة فی حال الرفض فی قبول التوجه إلی سامراء، حیث أرسل إلیه یحیی بن هرثمة مع عدد من الجند مما یأخذ طابع المهمة صورته العسکریة، ومما یؤکد ذلک أنّ قائد الجیش یحیی بن هرثمة روت عنه بعض المصادر قوله: (دعانی المتوکل وقال: اختر ثلاثمائة رجل ممن تریده واخرجوا... إلی المدینة فاحضروا علی بن محمد الرضا إلی عندی مکرماً معظماً)(2).

أما الأسباب الحقیقیة وراء هذا الإشخاص تکمن فی ظهور الإمام الهادی علیه السلام کشخصیة قیادیة، لکثیر من الأتباع والموالین، مما جعل الخلافة تخطو بهذه الخطوة کمحاولة لقطع الصلة بینه وبین أتباعة من خلال تشدید المراقبة علیه، وهذا لایتم إلاّ فی حال إشخاصه إلی سامراء، لیکون بالقرب من مرکز الخلافة العباسیة مما یحجم نشاطات الإمام علیه السلام علی الصعید الفکری،

ص:124

والاجتماعی مما یجعل الخلافة العباسیة تشعر بالاطمئنان من تحرکاته.

ولما وصل یحیی بن هرثمة إلی المدینة امتعض أهلها بصورة کبیرة للمکانة الفکریة والثقل الاجتماعی الکبیر الذی یشکله الإمام علیه السلام، الأمر الذی دفع یحیی بن هرثمة إلی أن یهدأ من روعهم ویقسم لهم أنّه ما جاء بمکروه له(1) ، ثم توجه یحیی بعدها إلی بیت الإمام علیه السلام وفتشه فلم یجد فیه إلاّ مصحفاً وکتباً وأدعیة(2) ، وهذا الإجراء بالتفتیش یأتی فی سلسلة المحاولات للبحث عن دلیل یدین الإمام علیه السلام.

وتوجه الإمام علیه السلام مع یحیی بن هرثمة حتی صاروا إلی بغداد(3) ، (فلما کان بموضع یقال له الیاسریة نزل هناک ورکب إسحاق بن ابراهیم(4) لتلقیه فرأی تشوق الناس إلیه واجتماعهم لرؤیته فاقام إلی اللیل ودخل به فی اللیل، فأقام ببغداد بعض تلک اللیلة ثم نفذ إلی سر من رأی)(5) ویشیر المسعودی أنّ الإمام علیه

ص:125

السلام بعد وصوله إلی بغداد (کان الناس مجتمعین فی انتظاره حتی وصل، فتوجه إلی دار خزیمة بن خازم(1) والناس بین یدیه ومن خلفه تسیر)(2).

والملاحظ علی النص الأول، محاولة إسحاق بن إبراهیم من حجب الناس عن رؤیة الإمام علیه السلام بعد أن وصلت إلی أسماعه الأخبار باجتماع الناس تشوقاً لاستقبال الإمام علیه السلام لذا عمل علی إدخاله لیلاً بینما نجد النص الثانی یکمل الحدث التاریخی الذی غاب عن النص الأول وهو بقاء الناس مجتمعین إلی اللیل، حتی وقت دخول الإمام علیه السلام إلی بغداد وتوجه إلی دار خزیمة بن خازم، تشیر المصادر إلی أن یحیی بن هرثمة بعد وصوله إلی بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهیم الطاهری، وکان علی بغداد فقال له: (یا یحیی إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والمتوکل من تعلم وإن حرضته علی قتله کان رسول الله خصمک فقلت: والله ما وقفت منه إلاّ علی کل أمر جمیل)(3) ثم توجه یحیی بعدها إلی سامراء وکان أول دخوله علی وصیف الترکی فقال له: (والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا یکون المطالب بها غیری)(4).

یتضح مما أشارت إلیه المصادر علو مکانة الإمام الهادی علیه السلام، ودوره فی المجتمع الاسلامی خصوصاً أن هذه التصریحات لم تأت من رجال عادیین بل من کبار رجالات سلطة بنی العباس، ومن الجدیر بالإشارة إلیه أن لهجة خطاب وصیف

ص:126

الترکی کانت أکثر شدة وعنفاًَ من لهجة إسحاق بن إبراهیم، وهذا یعکس لنا فیما بعد سیاسة الأتراک تجاه الإمام علیه السلام، حیث لم تشر المصادر أن الأتراک کان لهم دور فی إیذاء الإمام علیه السلام بل إنهم بالرغم من حاجتهم الماسة إلی غطاء شرعی فی مواقفهم، فلم یتوجهوا إلی الإمام علیه السلام لیطلبوا منه ذلک. وهکذا سیاسة تحتاج إلی تبیان أسبابها ولعل أبرز أسبابها هو النظرة المقدسة للإمام علیه السلام عندهم، الأمر الذی جعلهم لا یسیرون علی منهج سیاسة الخلفاء العباسیین وهذا نجده واضحاً فی قول وصیف لیحیی بن هرثمة أنه المطالب بشعرة إن سقطت من رأس الإمام علیه السلام، وهذا یعکس لنا البنیة الفکریة للأتراک.

تشیر المصادر إلی أن أول مکان استقر به الإمام الهادی علیه السلام عند دخوله سامراء کان خاناً یعرف بخان الصعالیک، فیروی عن صالح بن سعید(1) قال: (دخلت علی أبی الحسن علیه السلام یوم وروده فقلت له: جعلت فداک فی کل الأمور أرادوا إطفاء نورک، والتقصیر بک، حتی أنزلوک هذا الخان الأشنع خان الصعالیک، فقال: ها هنا أنت یابن سعید ثم أومأ بیده فإذا بروضات آنفات وأنهار جاریات، وجنان فیها خیرات عطرات وولدان کأنهم اللؤلؤ، المکنون فحار بصری وکثر تعجبی فقال لی: حیث کنا فهذا لنا یابن سعید، لسنا فی خان الصعالیک)(2).

ص:127

یبین لنا هذا النص طبیعة السیاسة الجدیدة، والمناخ الجدید الذی اتبعه المتوکل تجاه الإمام علیه السلام، فبعد أن کان طیلة الطریق فی قمة الاحترام والتقدیس فما أن شعر المتوکل أن الإمام علیه السلام أصبح تحت سیطرته تغیر فی لغة التعامل معه، ولعل سبب إنزاله فی هذا المکان ترجع إلی محاولة الانتقاص، والإذلال للإمام علیه السلام، کما یشعرنا ذلک النص من رد فعل صالح بن سعید بعدما دخل علیه فما کان منه علیه السلام إلا أن یطلعه علی جانب الغیب فرفع عن ناظریه الحجب، فرأی منظر النعم الإلهیة التی تحف بأولیائه وهی کرامة من کراماته علیه السلام، ویبدو سبب إقدام الإمام علیه السلام لهذا الأمر یرجع إلی تقویة الروابط العقائدیة بینه وبین أتباعه لکی لا یتزعزع إیمانهم به جراء الظروف التی یمر بها.

تباینت أقوال المؤرخین حول تاریخ إشخاص الإمام علیه السلام إلی سامراء إلی قولین:

الأول: ذهب إلیه الطبری حیث قال إن إشخاصه سنة 233 ه - / 847 م(1) ، واتفق معه جملة من المؤرخین وهم الخطیب البغدادی(2) والسمعانی(3) وابن شهرآشوب(4) وابن الاثیر(5) وابن خلکان(6) والحلی(7)

ص:128

والیافعی(1) وابن کثیر(2) وابن العماد(3) حیث حددوا مدة إقامته فی سامراء بعشرین سنة وعدة أشهر وبعد الإجماع القائل إنّ تاریخ استشهاد الإمام علیه السلام سنة 254 ه - / 867 م(4) ، یصبح لازم قولهم أنهم یقولون إنّ تاریخ إشخاصه سنة 233 ه - / 847 م.

أما القول الثانی: ذهب إلیه المفید حیث حدد مدة إقامته فی سامراء بعشر سنین وأشهر(5) ، ولازم ذلک أنه یقول إنّه أشخص سنة 243 ه - / 857 م، واتفق معه ابن حجر(6) فی ذلک.

والأرجح القول الأول لکثرة المصادر وشهرتها والتی کادت تصل إلی الإجماع لولا تفرد المفید وابن حجر والذی یعزز ما ذهبنا إلیه عدة أسباب أبرزها:

إن سیاسة المتوکل التی انتهجها ضد العلویین لا تنسجم مع إبقاء الإمام علیه السلام طیلة هذه الفترة فی المدینة، دون عملیة إشخاصه إلی سامراء، لیکون تحت المراقبة الشدیدة أو الإقامة الجبریة.

وجود التفرد من المفید وابن حجر فی قولیهما، ولیس من البعید أن یکون ابن حجر أخذ هذا القول من المفید بقرینة ذکره لعدد أولاده بأربعة ذکور وأنثی واحدة(7) ، وهذا ما أشار إلیه المفید حیث ذکر الأولاد الأربعة مع أسمائهم مع

ص:129

البنت الوحیدة باسمها، مما یجعل المفید هو الوحید المتفرد بهذا القول.

ما من شک کان لابد للمتوکل العباسی من سیاسة یسیر بها لیحقق بها أهداف إشخاص الإمام الهادی علیه السلام، فعمد علی استدعائه إلی قصره بین الحین والآخر، فیروی عن محمد بن الحسن بن الأشتر العلوی قال: (کنت مع أبی علی باب المتوکل وأنا صبی فی جمع من الناس ما بین عباسی إلی طالبی إلی جندی، وکان إذا جاء أبو الحسن ترجل الناس کلهم حتی یدخل فقال البعض: لمَ نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأکبرنا سناً؟! والله لا ترجلنا له، فقال أبو هاشم الجعفری: والله لترجلن له صغرة إذا رأیتموه فما هو إلا أن أقبل وبصروا به حتی ترجل له الناس کلهم فقال لهم أبو هاشم: ألیس زعمتم أنکم لا تترجلون له؟ فقالوا له: والله ما ملکنا أنفسنا حتی ترجلنا)(1).

یبدو أن الإمام الهادی علیه السلام قد اتخذ التقیة أسلوباً لمسایرة الوضع السیاسی، الذی کان فیه رغبة فی عدم المواجهة المباشرة مع سیاسة الخلافة العباسیة تجاهه، فکان یدرک أهداف هذه السیاسة التی أهمها المراقبة له عن قرب، فتشیر المصادر عن سعید بن سهل البصری(2) قال: (حدث لبعض أولاد الخلفاء ولیمة فدعانا مع أبی الحسن علیه السلام، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالاً، له وجعل شاباً فی المجلس لا یوقره وجعل یلعب ویضحک فأقبل علیه وقال: یا هذا

ص:130

أتضحک ملء فمک وتذهل عن ذکر الله تعالی وأنت بعد ثلاثة أیام من أهل القبور... فلما کان بعد یوم اعتل الفتی ومات فی الیوم الثالث من أول النهار ودفن فی آخره)(1).

إن دراسة هذا النص یوحی أن الإمام علیه السلام کان یحاول جعل التقیة لها ثمارها عندما تتوفر الظروف الموضوعیة لها، لذا أخبر ذلک الشاب بموته لیثبت لهم مکانته عند الحاضرین ممن کان شاکاً بها، ویحاول أن یذکرهم بالعودة إلی الله ومصیرهم المحتم.

لقد کان للوشایات بتحرکات الإمام علیه السلام دورٌ فی اضطراب العلاقة بینه وبین المتوکل، حیث روت بعض المصادر (قال خطیب یلقب بالهریسة(2) للمتوکل ما یعمل أحد بک ما تعمله بنفسک فی علی بن محمد فلا فی الدار إلاّ من یخدمه ولا یتعبونه بشیل الستر لنفسه، فأمر المتوکل بذلک فرفع صاحب الخبر أن علی بن محمد دخل الدار فلم یخدم ولم یشل أحد بین یدیه الستر فهب هواء فرفع الستر حتی دخل وخرج فقالوا: شیلو له الستر بعد ذلک فلا نرید أن یشیل له الهواء)(3).

لم تستمر سیاسة المتوکل العباسی علی وتیرة واحدة، بل کانت تتصاعد أحیاناً حدة وسوءاً بإتجاه الإمام علیه السلام، فقد روت بعض المصادر عن

ص:131

إبراهیم بن محمد الطاهری(1) ، قال: (مرض المتوکل من خراج خرج به وأشرف منه علی الهلاک، فلما کان بعد أیام سعی البطحائی(2) العلوی بأبی الحسن علیه السلام إلی المتوکل، وقال عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوکل إلی سعید الحاجب أن یهجم لیلاً، ویأخذ ما یجده عنده من الأموال والسلاح ویحمله إلیه قال إبراهیم بن محمد فقال لی سعید الحاجب، صرت إلی داره باللیل ومعی سلم فصعدت السطح، فلما نزلت علی بعض الدرج فی الظلمة لم أدر کیف أصل إلی الدار فنادانی یا سعید مکانک حتی یأتوک بشمعة، فلم ألبث أن أتونی بشمعة فنزلت فوجدته علیه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة علی حصیر، بین یدیه فلم أشک أنّه کان یصلی، فقال لی: دونک البیوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فیها شیئاً... وقال لی: دونک المصلی فرفعته فوجدت سیفاً فی جفن غیر ملتبس فأخذت ذلک وصرت إلیه..)(3).

ونلاحظ هنا حجم طبیعة السعایات الکثیرة نحو الإمام علیه السلام ومدی

ص:132

خوف الخلافة من علاقته بشیعته وما یصل إلیه من أموال، ویلاحظ أن النص قد أغفل عدد المفتشین ومن المنطقی أن تفتیش دارٍ کدار الإمام علیه السلام تحتاج عدداً لا فرداً واحداً لأهمیة الأمر وخطورته وهو الراجح، إلا أن النص أظهر سعیداً الحاجب فقط باعتباره قائد عملیة التفتیش، ویبدو أن الإمام علیه السلام علی علم بذلک حیث أشار النص (یا سعید مکانک حتی یأتوک بشمعة)، وهذا یعکس لنا انعدام الرؤیة وعلمه به، وعلمه علیه السلام أما عن طریق طبیعی أو غیبی والطریق الأول لیس مستبعداً وأظهر علیه السلام لعملیة التفتیش لیس هناک شیءٌ فی بیته وأنه فی حال العبادة وهو أمر مقصود منه.

وتشیر بعض المصادر أن هناک سعایة أخری، وتفتیشاً أخر، حیث روی المسعودی (سعی بأبی الحسن علی بن محمد إلی المتوکل، وقیل له إنّ فی منزله سلاحاً وکتباً وغیرها من شیعته فوجه إلیه لیلاً من الأتراک وغیرهم من هجم علیه فی منزله علی غفلة ممن فی داره، فوجد فی بیت وحده مغلق علیه وعلیه مدرعة من شعر ولا بساط فی البیت إلاّ الرمل والحصی وعلی رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً إلی ربه یترنم بآیات من القرآن فی الوعد والوعید، فأُخذ علی ما وجد علیه، وحمل إلی المتوکل فی جوف اللیل، فتمثل بین یدیه، والمتوکل یشرب وفی یده کأس فلما رآه أعظمه وأجلسه إلی جنبه ولم یکن فی منزلة شیء مما قیل فیه ولا حالة یتعلل علیه بها فناوله المتوکل الکأس الذی فی یده فقال:... ما خامر لحمی ودمی قط فاعفنی منه، فأعفاه وقال انشدنی، فأنشده:

باتوا علی قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم وأودعوا حفراً یا بئس ما نزلوا

ص:133

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أین الأسرة والتیجان والحلل

أین الوجوه التی کانت منعّمة من دونها تضرب الأستار والکلل

فأفصح القبر عنهم حین ساءلهم تلک الوجوه علیها الدود یقتتل

قد طالما أکلوا دهراً وما شربوا ...............................

قال وأشفق کل من حضر علی علی، وظنوا أن بادرة ستبدر منه إلیه قال: والله لقد بکی المتوکل بکاءً طویلاً حتی بلت دموعه لحیته وبکی من حضر، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: یا أبا الحسن أعلیک دین؟ قال نعم أربعة آلاف دینار فأمر بدفعها إلیه وردّه إلی منزله من ساعته مکرماً)(1).

یعکس لنا هذا النص کثرة السعایات الناتجة من الحسد والبغض الشدید للإمام علیه السلام وقلق الخلافة منه، ومن شیعته ونوعیة العلاقة بینهما، ومحاولة البحث عن دلیل یدین الإمام علیه السلام وکان الإمام علیه السلام یعلم بالهجوم فجعل مظهره مظهراً خاصاً یعکس فیه البعد من أی شبهة فی ذهن الخلافة، وکان الإمام علیه السلام یترنم بآیات الوعد والوعید والتی لم تأت عن فراغ بل إنها قرأت لتذکیر هؤلاء الجند بالعذاب الأخروی، وهی مرتبة من مراتب الخروج عن التقیة التی یسیر علیها.

أما الأبیات الشعریة فکانت تنسجم مع المقام تماماً، والتی تحمل فی طیاتها

ص:134

موقفاً شرعیاًَ وهو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر لیس للمتوکل فحسب، بل لجمیع الحاضرین أیضاً، مذکراً إیاهم بسوء مصیرهم.

ومن الجدیر ذکره أن الشبلنجی، عندما یذکر هذه الأبیات یذهب بالقول إنها من قصیدة وجدت علی قصر سیف بن ذی یزن الحمیری، وکانت مکتوبة بالقلم المسند فعربت وکان أولها:

انظر ماذا تری أیها الرجل وکن علی حذر من قبل تنتقل

وقدم الزاد من خیر تسر به فکل ساکن دار سوف یرتحل

وانظر إلی معشر باتو علی دعة فأصبحوا فی الثری رهناً بما عملوا

بنوا فلم ینفع البنیان وادخروا مالاً فلم ینفعهم لما انقضی الأجل(1)

لم توقفنا المصادر علی قول بنسبة هذه الأبیات لشاعر ما غیر ما نسبه الشبلنجی، وعند دراسة الأبیات نجدها تنسجم مع روح الشریعة الإسلامیة وأبعادها الأخلاقیة والتربویة، فلیس من المستبعد أن تکون من نظم الإمام علیه السلام.

لقد کان المتوکل یبحث عن أی فرصة، یحاول من خلالها التخلص من الإمام الهادی علیه السلام، ومن بین تلک الفرص کما تشیر بعض المصادر ظهور امرأة (کانت زینب الکذابة تزعم أنها بنت علی بن أبی طالب، فأحضرها المتوکل وقال: اذکری نسبک فقالت: أنا زینب بنت علی، وأنها کانت حملت إلی الشام فوقعت إلی بادیة من بنی کلب، فأقامت بین ظهرانیهم فقال لها المتوکل: إن زینب بنت علی قدیمة وأنت شابة؟ فقالت: لحقتنی دعوة رسول الله بأن یرد شبابی فی کل

ص:135

خمسین سنة فدعا المتوکل وجوه آل أبی طالب فقال: کیف یعلم کذبها فقال: الفتح(1) لا یخبرک بهذا إلا ابن الرضا، فأمر بإحضاره وسأله فقال علیه السلام إن فی ولد علی علامة قال: وما هی: قال: لا تعرض لهم بالسباع فألقها إلی السباع فإن لم تعرض لها فهی صادقة، فقالت: یا أمیر المؤمنین الله الله فیّ فإنما أراد قتلی ورکبت الحمار وجعلت تنادی ألا إننی زینب الکذابة، وفی روایة أنه عرض علیها ذلک فامتنعت فطرحت للسباع فأکلتها... جرب هذا علی قائله فأجیعت السباع ثلاثة أیام ثم دعی بالإمام علیه السلام وأخرجت السباع فلما رأته لاذت به فبصبصت بأذنابها فلم یلتفت الإمام إلیها وصعد السقف وجلس عند المتوکل. ثم نزل من عنده والسباع تلوذ به وتبصبص حتی خرج وقال النبی (حرم لحوم أولادی علی السباع)(2).

ولقد أشار المسعودی إلی هذه الحادثة بقوله: (وقد ذکرنا خبر علی بن محمد مع زینب الکذابة بحضرة المتوکل، ونزوله إلی برکة السباع وتذللها له ورجوع زینب عما ادعته من أنها ابنة الحسین بن علی بن أبی طالب، وأن الله أطال عمرها إلی ذلک الوقت فی کتابنا أخبار الزمان)(3).

وعند الرجوع للکتاب لم نجد مثل هذه الروایة ولکن هناک روایة أُخری حول

ص:136

ادعاء بنت آدم للکهانة(1) ، ونلاحظ أن النص أشار إلی قول الإمام علیه السلام (إن فی ولد علی علامة لا تعرض لهم السباع)، والراجح أن مراده هو أولاده المباشرین من السیدة فاطمة "سلام الله علیها" والأئمة (علیهم السلام) والذی أثبت الإمام علیه السلام ذلک بعد أن أدخله المتوکل إلی السباع والذی أظهر کرامة من کراماته، وأثبت حرمة لحمه علیها وفی ذلک حجة علی المتوکل وغیره.

لقد انتهج المتوکل عدة أسالیب لإحراج الإمام علیه السلام من بینها طرح الأسئلة علیه، فأشارت المصادر أنه (قال لأبی الحسن علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب، ما یقول ولد أبیک فی العباس بن عبد المطلب؟ قال وما یقول ولد أبی یا أمیر المؤمنین فی رجل افترض الله طاعته بنیه علی خلقه وافترض طاعته علی بنیه؟ فأمر له بمائة ألف درهم)(2) ، وإنما أراد أبو الحسن طاعة الله علی بنیه(3) ، ویری العاصمی إن جواب الإمام علیه السلام کان توریة منه(4).

بعد أن عجز المتوکل من القضاء علی الإمام علیه السلام أو تحجیم دوره انتهج منهج التشویه لمکانة وسمعة الإمام الاجتماعیة، لذا أشارت بعض المصادر عن الحسین بن الحسن الحسنی قال: (حدثنی أبو الطیب المثنی یعقوب بن یاسر قال: کان المتوکل یقول: ویحکم قد أعیانی أمر ابن الرضا أبی أن یشرب معی أو ینادمنی

ص:137

أو أجد منه فرصة فی هذا فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسی قصاف عزاف یأکل ویشرب ویتعشق قال: ابعثوا إلیه فجیئوا به حتی یموه علی الناس ونقول ابن الرضا فکتب إلیه وأشخص مکرماً وتلقاه جمیع بنی هاشم والقواد والناس علی أنه وافی فأقطعه قطیعة وبنی له فیها وحول الخمارین والقیان إلیه ووصله وبره وجعل له منزلاً سریاً حتی یزوره هو فیه، فلما وافی موسی تلقاه أبو الحسن فی قنطرة وصیف وهو موضع تتلقا فیه القادمون، فسلم علیه ووفاه حقه ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرک لیهتکک ویضع منک فلا تقر له أنک تشرب نبیذاً قط فقال له موسی فإذا کان دعانی لهذا فما حیلتی؟ قال: فلا تضع من قدرک ولا تفعل فإنما أراد هتکک فأبی علیه فکرر علیه فلما رأی أنه لا یجیب قال: أما إن هذا مجلس لا تجتمع أنت وهو علیه أبداً، فأقام ثلاث سنین یبکر کل یوم فیقال له قد تشاغل الیوم فرح فیروح فیقال: قد سکر فبکر فیبکر فیقال: شرب دواء فما زال علی هذا ثلاث سنین حتی قتل المتوکل ولم یجتمع معه علیه)(1).

عندما درسنا سلسلة سند هذه الروایة لم نجد إشارة حول رواتها عند الکشی أو النجاشی أو الطوسی، لکننا وجدنا العلامة المجلسی قد أشار إلی تضعیف سلسلة السند بقوله إنها مجهولة(2) ، وقد أشار السید الخوئی إلی سند هذه الروایة بقوله (إن هذه الروایة ضعیفة فإنّ یعقوب بن یاسر مجهول ولو صحت الروایة

ص:138

لدلت علی نهایة خبث موسی وجرأته علی الإمام)(1) ، إلا أنه یترحم علی الحسین ابن الحسن الحسنی ویعده من مشایخ الکلینی(2) ، بینما نجد الأیروانی یشیر أنه من المجهولین والذی لم یروِ عنه الکلینی إلا حدیثاً واحداً(3).

ومن الجدیر بنا أن نتساءل هل من الممکن أن تقوم شخصیة کموسی بهذه الأفعال؟... والجواب إن العصمة خص بها عددٌ معینٌ من الخلق وموسی لیس معصوماً فالإمام الجواد علیه السلام قد رباه تربیة إسلامیة تضمن له السلوک الصالح إلا أن التربیة عاملٌ من عدة عوامل تلعب دورها فی تهذیب النفس وصلاحها ویبقی العامل الأهم مدی تقبل النفس لها. والراجح عدم صحة الروایة سنداً ومتناً.

أشارت المصادر عن أحمد بن إسرائیل الکاتب(4) قال: (کنا مع المعتز وکان أبی کاتبه فدخلنا الدار والمتوکل علی سریره قاعد، فسلم المعتز ووقف ووقفت خلفه، وکان عهدی به إذا دخل علیه رحب به وأمره بالقعود ونظرت إلی وجهه یتغیر ساعة بعد ساعة ویقبل علی الفتح بن خاقان ویقول أهذا الذی تقول فیه ما تقول ویرد علیه القول، والفتح مقبل علیه یسکنه ویقول: مکذوب علیه یا أمیر المؤمنین، وهو یتلظی ویقول: والله لأقتلن هذا المرائی الزندیق وهو الذی یدعی الکذب ویطعن فی دولتی. ثم قال: جئنی بأربعة من الخزر أجلاف لا یفقهون فجیء بهم ودفع إلیهم أربعة أسیاف وأمرهم أن یرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن وأن

ص:139

یقبلوا علیه بأسیافهم فیخبطوه ویقتلوه وهو یقول والله لأحرقنه بعد القتل وأنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر، فما علمت إلا بأبی الحسن علیه السلام قد دخل وقد بادر الناس قدامه فقالوا: جاء والتفت ورائی وهو غیر مکترث ولاجازع فلما بصر به المتوکل رمی بنفسه من السریر إلیه وهو بسیفه فانکب علیه یقبل بین عینیه واحتمل یده بیده وهو یقول یا سیدی یا ابن رسول الله ویا خیر خلق الله یا ابن عمی یا مولای یا أبا الحسن وأبو الحسن یقول أُعیذک بالله یا أمیر المؤمنین من هذا، فقال: ما جاء بک یا سیدی فی هذا الوقت؟ قال جاءنی رسولک فقال المتوکل: کذب ابن الفاعلة ارجع یا سیدی من حیث جئت...)(1).

یعکس هذا النص أن العلاقة کانت بین الإمام علیه السلام والمتوکل قد وصلت إلی الذروة حیث فکر فی التخلص منه وبلا دلیل یدینه، ولعل ذلک یکشف عن نشاطات الإمام علیه السلام المختلفة، والظاهر أن هذا الموقف جاء علی أثرسعایة سیاسیة حتی عدها المتوکل طعناً فی دولته ویظهر النص کرامة من کراماته علیه السلام ونصرالله له.

لقد روت بعض المصادر (لما کان فی یوم الفطر من السنة التی قتل فیها المتوکل أمر بنی هاشم بالترجل والمشی بین یدیه، وإنما أراد بذلک أن یترجل له أبو الحسن علیه السلام فترجل بنو هاشم وترجل علیه السلام فاتکأ علی رجل من موالیه، فأقبل علیه الهاشمیون فقالوا له: یا سیدنا ما فی هذا العالم أحد یستجاب

ص:140

دعاؤه فیکفنا الله؟ فقال لهم أبو الحسن علیه السلام فی هذا العالم من قلامه ظفرة أکرم علی الله من ناقة ثمود لما عقرت وضج الفصیل إلی الله فقال الله (تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ)1 فقتل المتوکل فی الیوم الثالث...)(1).

یتضح من هذه الروایة أن المتوکل قتل فی الیوم الرابع من شوال من سنة 247 ه - / 861 م، وهذا التاریخ یتفق معه الیعقوبی حیث یروی أنه قتل فی الرابع من شوال(2) ، روت بعض المصادر عن الحسین بن محمد(3) قال: (کان لی صدیق مؤدب لولد بغا أو وصیف - الشک منی - فقال لی الأمیر حین منصرفه من دار الخلیفة حبس أمیر المؤمنین هذا الذی یقولون: ابن الرضا الیوم ودفعه إلی علی بن کرکر(4) فسمعته یقول: (أنا أکرم علی الله من ناقة صالح (تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ) ولیس یفصح بالآیة ولا بالکلام أی شیء هذا؟ قال قلت: أعزک الله، توعد، انظر ما یکون بعد ثلاثة أیام، فلما کان من الغد أطلقه واعتذر إلیه فلما کان فی الیوم الثالث وثب علیه باغر ویغلون وتامش وجماعة، معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خلیفة)(5).

ص:141

وتشیر بعض المصادرعن ابن أرومة(1) قال: (خرجت أیام المتوکل إلی سر من رأی ودخلت علی سعید الحاجب، وقد دفع المتوکل أبا الحسن علیه السلام لیقتله فلما دخل علیه قال: أتحب أن تنظر إلی إلهک؟ قال: قلت سبحان الله إلهی لا تدرکه الأبصار، قال: هذا الذی تزعمون أنه إمامکم؟ قلت ما أکره ذلک قال: قد أمرنی المتوکل بقتله وأنا فاعله غداً، وعنده صاحب البرید، فقال: إذا خرج فأدخل إلیه فلم ألبث أن خرج فقال لی ادخل فدخلت الدار التی کان فیها محبوساً، فإذا بحیاله قبر یحفر فدخلت وسلمت وبکیت بکاءً شدیداً فقال: ما یبکیک؟.. قلت لما أری قال لا تبک لذلک فإنه لا یتم لهم ذلک... لا یلبث أکثر من یومین حتی یسفک الله دمه ودم صاحبه الذی رأیته قال والله ما مضی غیر یومین حتی قتل...)(2).

یبدو من حیث الظاهر التعارض بین النصین حیث یشیر النص الأول أن المتوکل عندما حبس الإمام الهادی علیه السلام قد دفعه إلی علی بن کرکر، بینما النص الثانی یشیر أنه دفعه بعد حبسه إلی سعید الحاجب، وبعد التأمل لا تعارض بینهما حیث من الممکن أن یکون علی بن کرکر هو السجان المباشر له وسعید

ص:142

الحاجب، هو المشرف علی الحبس، ویلاحظ أن النص الأول أکثر دقة وانسجاماً من النص الثانی، حیث نجد فی النص الأول الإمام علیه السلام یخبر بطریقة غیبیة عن مقتل المتوکل بعد ثلاثة أیام علی ید الأتراک أمثال باغر وتامش وهی قرائن تعزز من قوة النص خصوصاً أنها منسجمة مع التاریخ الثابت لطبیعة الأحداث التاریخیة، بینما النص الثانی یشیر إلی تحدید یومین وفی ذلک مخالفة لنص الآیة القرآنیة (تَمَتَّعُوا فِی دارِکُمْ ثَلاثَةَ أَیّامٍ ذلِکَ وَعْدٌ غَیْرُ مَکْذُوبٍ) ویشیر النص الثانی أن الله سوف یسفک دمه ودم صاحبه وهذا لا یستقیم إلا إذا قلنا إنّ صاحبه هو الفتح بن خاقان الذی قتل مع المتوکل فی تلک اللیلة.

لم تشر المصادر إلی الملامح الواضحة عن طبیعة العلاقة بین الإمام الهادی علیه السلام والحکام المنتصر 247-248 ه - / 861-862 م والمستعین 248-252 ه - / 826-866 م والمعتز 252-255 ه - / 866-868 م، إلا أنها أشارت إلی أن قاسماً مشترکاً جمعهم فی علاقتهم مع الإمام الهادی علیه السلام ألا هو سیاسة الإبقاء فی سامراء، والتی دوافعها التخوف من أن یکون للإمام علیه السلام دور یترتب علیه توسیع قاعدته من الأتباع والموالین.

ویمکن أن نعزو عدم وضوح العلاقة بین الإمام الهادی علیه السلام والخلیفة المنتصر إلی قصر خلافته وانشغاله بالأمور السیاسیة ویعکس هذا الانشغال أیضاً علی عدم وضوح العلاقة بین الإمام علیه السلام والخلیفة المستعین.

وقد أشارت المصادر إلی نص یوضح مساراً یمثل حصیلة لطبیعة العلاقة بین الإمام علیه السلام والمستعین، والمتمثل فی قوله علیه السلام (إنی نازلت الله فی هذا الطاغی - یعنی المستعین - وهو آخذه بعد ثلاثة أیام فلما کان الیوم الثالث

ص:143

خلع وکان من أمره ما کان)(1).

ومن الجدیر بالإشارة إلیه أن المصادر، عندما ذکرت هذا الشیء لم تنسبه إلی الإمام الهادی علیه السلام بل نسبته إلی ولده الحسن العسکری علیه السلام والراجح أنه للإمام الهادی علیه السلام، وقد حصل اشتباهاً لأن الإمام العسکری علیه السلام لم یکن الإمام المفترض الطاعة فی عصر المستعین، ومن الطبیعی أن تترصد الخلافة تحرکات أبیه الهادی علیه السلام بل إن الأتباع والموالین لا یتوجهون إلیه لحل مشاکلهم أو سماع شکواهم.

وأیضاً أشارت المصادر إلی محصلة العلاقة بین الإمام الهادی علیه السلام والحاکم المعتز والتی تحمل فی معطیاتها طبیعة تلک العلاقة التی ادت إلی أن یتخلص المعتز من الإمام علیه السلام، وذلک عندما أشارت إلی أنه مات مسموماً(2).

وهذا یعکس أنّ الخلافة زمن المعتز لم تکن قادرة علی احتواء تحرکات الإمام وتاثیراته فلجئت إلی التخلص منه.

ص:144

الفتنة التی فی الحجاز(1).

وفی الیمن کان هناک انتشار لشیعة الإمام علیه السلام فیروی الطوسی عن بعض شیعة الإمام الحسن العسکری علیه السلام أنهم قالوا: (دخلنا علی أبی محمد الحسن علیه السلام بسر من رأی، وبین یدیه جماعة من أولیائه وشیعته حتی دخل علیه بدر خادمه(2) فقال یا مولای بالباب قوم شعث غبر فقال لهم: هؤلاء نفر من شیعتنا بالیمن...)(3).

ویلاحظ أن هذا النص لا یشیر إلی الإمام الهادی علیه السلام، بل یشیر إلی ولده الإمام العسکری علیه السلام إلا أنه یثبت انتشار الشیعة فی زمن الإمام العسکری علیه السلام وهذا الانتشار مما لا شک فیه یحتاج زمناً طویلاً کی یتحقق، الأمر الذی یعکس لنا حقیقة انتشار الشیعة فی الیمن فی زمن الإمام أبیه الهادی علیه السلام بل حتی أسبق من إمامة الهادی علیه السلام أیضاً.

ویمکن أن ندرس الأوضاع السیاسیة لشیعة الإمام علیه السلام وهی:

ویمکن دراسة الوسائل کالآتی:

فی قریة تابعة لها وهی بصریا التی ولد فیها، ویلاحظ أن الإمام علیه السلام عندما أرسل رسوله شدد علیه فی الانطلاق لأداء صلاته فی المسجد رغم علمه أنه سوف یتأخر عن صلاة المغرب، ولعل هذا راجعٌ لإیجاد ذلک التاجر فی هذا الوقت هناک، فضلاً أنه أکد علیه أن یجده فی مکان ما فی الروضة داخل المسجد، مما یعکس لنا اتفاقاً مسبقاً بینه "علیه السلام" وذلک التاجر، ولعل تأکید الإمام علیه السلام علی رسوله أنه سیجده فی المکان الذی أشار إلیه یرجع فی محاولة لترک أثر فی ذاکرته لاحتمال إرساله مرة أخری إلیه.

فصحف فکتب علیه السلام ذلک لیقرأه لئلا ینسی أو کتب لیحفظ بمحض تلک الکتابة بإعجازه علیه السلام وعلی ما فی الکتاب یحتمل أن یکون المعنی أنه لم یکن قال لی سابقاً شیئاً أقوله فی مثل هذا المقام ویحتمل أن یکون کیف تتولی کما کان المأخوذ منه یحتمل ذلک، أی کیف تتولی تلک الأعمال وکیف تحفظها؟ وأما التعرض لذکر التقیة فهو أما لکون عدم کتابة الحوائج والتعویل علی حفظ داود للتقیة أو لأمر آخر لم یذکر فی الخبر)(1).

یوضح هذا النص طبیعة إرسال الرسائل غیر المکتوبة من قبل الإمام علیه السلام لبعض شیعته فی مکة أو الأماکن التی تقع فی طریقها، فالنص بین وجه تجاه داود الضریر ولم یشیر إلی جهة إرسال تلک الرسائل غیر المکتوبة، وهذا یکشف لنا مدی خطورة الوضع السیاسی الذی یحیط بالإمام علیه السلام وشیعته الأمر الذی ألجأه إلی هذا الأسلوب الذی یتصف بالسریة، حیث أخفی الدلیل المادی الملموس الذی یمکن أن یدین الأطراف جمیعاً، والراجح أن هذا الأسلوب لم یکن یتبع دائماً أو کثیراً إنما یلجأ إلیه عندما تکون الظروف السیاسیة شدیدة، أو الأمر یحتاج إلی کتاب طویل.

أتعجب؟ ما زال یکلمنی السقلابیة کأنه واحد منّا)(1) ، ویعلق ابن شهرآشوب علی هذا الأمر بقوله: (إنما أراد بهذا الکتمان عن القوم)(2) ، یحتمل أن یکون حدیث الإمام علیه السلام بهذه اللغة لبعدٍ سیاسیٍّ یحاول فیه إخفاء ما أراد إبلاغه لعلی بن مهزیار، الأمر الذی یعکس لنا المراقبة الشدیدة التی یصورها النص أنها إما فی مجلسه أو بالقرب منه.

شهرین واسترحت منه)(1).

یبدو أن مستوی الاضطهاد والذی یوجه ضد شیعة الإمام علیه السلام لا یأتی من الخلفاء فقط بل حتی من القضاة أیضاً، وهم یحملون صفة سیاسیة یمکن من خلالها توجیه الأذی لهم وهذا نجده واضحاً من ظاهر النص. ومن الجدیر بنا أن نتساءل هل کان علم الإمام الهادی علیه السلام بعزل هذا القاضی عن الطریق الطبیعی أم الطریق الغیبی؟

ویبدو الراجح أنه کان عن الطریق الغیبی، وتشیر المصادر أن سبب عزله یرجع إلی غضب المستعین علیه بسبب زعم وصیف أنّه أفسد الشاکریة فقاموا بالشغب فنفی إلی البصرة(2) ، وکان ذلک سنة 250 ه - / 864 م، ویشیر السید الصدر فی تعلیقه علی هذا النص: (إن الإمام علیه السلام استعمل فی الجواب عبارة غامضة یمکن أن تخفی علی الرقیب فإنه لم یمکن أن یفهم أحد المقصود هو قاضی الکوفة غیر أیوب بن نوح)(3).

روی عن إبراهیم بن مهزیار(4) قال: (کان أبو الحسن علیه السلام کتب إلی علی بن مهزیار یأمره أن یعمل له مقدار الساعات، فحملناه إلیه فی سنة ثمان وعشرین فلما صرنا بسیالة کتب یعلمه قدومه ویستأذنه فی المصیر إلیه وعن الوقت

ص:151

الذی نسیر إلیه فیه واستأذن لإبراهیم فورد الجواب بالإذن أن نصیر إلیه بعد الظهر... فلما خرجت من باب البیت نادانی علیه السلام فقال: یا إبراهیم فقلت: لبیک یا سیدی، فقال: لا تبرح فلم یزل جالساً ومسرور غلامنا معنا فأمر أن ینصب المقدار ثم خرج علیه السلام فألقی له کرسی فجلس علیه وألقی لعلی ابن مهزیار کرسی عن یساره فجلس وقمت أنا بجنب المقدار... فلبثنا عنده إلی المساء ثم خرجنا فقال لعلی، رد إلیّ مسروراً بالغداة فوجهه إلیه فلما أن دخل قال له بالفارسیة (یار خدا جون؟) فقلت له (نیک) یا سیدی فمر نصر فقال: (در ببند در ببند) فأغلق الباب ثم ألقی رداءه علی یخفینی من نصر حتی سألنی عما أراد فلقیه علی بن مهزیار فقال له: کل هذا خوفاً من نصر؟ فقال: یا أبا الحسن یکاد خوفی منه خوفی من عمرو بن قرح)(1).

إن دراسة هذا النص توضح مدی خطورة الوضع السیاسی الذی کان یعیشه الإمام علیه السلام الأمر الذی جعله یخفی مسروراً خادم علی بن مهزیار، الأمر الذی یصور لنا مدی معرفة نصر لخدم أصحاب الأئمة أیضاً، ومن اللافت للنظر قیامه علیه السلام بفتح الباب وإن کان یحتمل عدم وجود أحد من خدمه أو انشغالهم أو رغبته فی فتح الباب لأمر ما لم یبینه النص، ومن الجدیر أن نقف عند عبارة جاءت فی النص وهی (یکاد خوفی من نصر، خوفی من عمرو بن قرح). ولا بد أن نتساءل هل هذا الخوف یراد به خوف الإمام علیه السلام علی نفسه أم علی أولئک الأتباع والموالین، فالراجح أن خوف الإمام علیه السلام علی أتباعه وموالیه لکی لا یحرموا من مرجعیته الفکریة والروحیة والسیاسیة فی حال تعرضه للحبس أو

ص:152

القتل وذلک لأن خوف الإمام علیه السلام علی نفسه یعد عیباً ونقصاً والإمام علیه السلام منزه عن کل ذلک لکونه حجة الله فی الأرض، والراجح أن عمرو بن القرح هو عمر بن الفرج الرخجی إلا أن تصحیفاً قد وقع فی الاسم.

الملمات إلا علیه، وعودنا إذا سألناه الإجابة ونخاف أن نعدل فیعدل بنا)(1).

ویری السید الصدر أن مغزی هذا الشعار هو الدعوة للإمام المعاصر لهذه الثورة(1) وما من شک أن أسباباً دعت إلی حمل الثائرین لهذا الشعار شعاراً لثوراتهم ومن أبرز تلک الأسباب:

1 - أنه لا یضع الإمام علیه السلام فی موقف المواجهة المباشرة مع الخلافة، باعتباره داعیاً وراعیاً لهذه الثورات.

2 - أنه یحمل بعداً یعکس الحب والولاء لآل البیت "علیهم السلام" ،مما یجعل الناس یلتفون حوله بصورة کبیرة.

3 - إن جوهر وروح هذا الشعار فیه نکرانٌ للذات ورفض المصالح الشخصیة، کونه شعاراً لا یدعو لقائد الثورة بل لشخص آخر.

وقبل دراسة موقف الإمام الهادی علیه السلام من هذه الثورات لا بد من الإشارة إلی هذه الثورات, وهی علی قسمین فالأول هی الثورات التی دعت للرضا من آل محمد وهی کالآتی:

السلوکی والأخلاقی والدینی عند محمد بن القاسم العلوی.

خرج محمد بن القاسم سنة 219 ه - / 834 م بالطالقان وقد اجتمع معه کثیر من الخلق فوجه إلیه المعتصم عبد الله بن طاهر(1) ، وقد کانت بینهما العدید من الحروب(2) ، وقد دعا للرضا من آل محمد(3) ، ویبدو أنه قد کثرت علیه هجمات الجیوش العباسیة مما أضعفت قوته وانهارت عزیمة أصحابه، مما دفعه للهروب إلی مدینة نسا التی ألقی فیها القبض علیه من قبل والیها، الذی دفعه إلی عبد الله بن طاهر الذی أرسله بدوره إلی الخلیفة المعتصم، الذی أمر بحبسه(4) ، وفی نفس السنة استطاع الهرب من حبسه دون أن تستطیع الخلافة العباسیة إلقاء القبض علیه(5).

ولعل السلوک الدینی الشخصی لمحمد بن القاسم وعدم ترتب آثار الظلم علی الناس أثناء ثورته، جعلت العدید کما یشیر المسعودی إلی أن تزعم أنه (لم یمت وأنه حی یرزق، وأنه یخرج فیملأها عدلاً وقسطاً کما ملئت ظلماً وجوراً، وأنه مهدی هذه الأمة وأکثر هؤلاء بناحیة الکوفة وجبال طبرستان والدیلم وکثیر من کور خراسان)(6).

ص:158

معیناً، أما سبب خروجه یبدو أنه یرجع إلی قضایا مالیة ترتبت علیه بسبب کثرة الدیون علیه والظلم الذی ناله من سوء معاملة عمر بن الفرج ووصیف(1).

أعلن یحیی بن عمر ثورته فی الکوفة، فاجتمع الناس الذین فیها حوله وکانت أولی خطواته أنه أخرج عاملها، وفتح سجونها وسیطر علی بیت مالها الذی أراد منه تقویة حرکته بوجه الخلافة العباسیة(2).

خرج یحیی بن عمر من الکوفة إلی المناطق القریبة منها، ولعل ذلک یرجع إلی سیاسته فی کسب الأنصار، لتحقیق أهداف ثورته وفعلاً حقق ذلک ولو جزئیاً، حیث اجتمع حوله عدد من الزیدیة والأعراب وقد واجه السلطة العباسیة خارج الکوفة إلا أنه اضطر للعودة إلیها(3) ، وقد دعا یحیی للرضا من آل محمد(4).

وبعد هروبه إلی الکوفة وجه محمد بن عبد الله بن طاهر(5) أحد قادته وبعد مواجهات له مع یحیی بن عمر انتهت بهزیمة یحیی وأصحابه ومقتله، فأرسل رأسه إلی بغداد وکان الناس یدخلون علی عبد الله بن طاهر یهنئونه بانتصاره هذا(6).

ص:160

السیاسی فی التوسع علی مناطق نفوذ السلطة العباسیة، فدخل فی حروب کثیرة حتی أصبحت فی یده واستمرت کذلک إلی ما بعد وفاته سنة 270 ه - / 883 م، وتولی أخوه محمد بن زید الخلافة بعده(1).

وقد تحرک لیضم الری أیضاً ونجح فی السیطرة علیها بعد طرد والیها وتعیین محمد بن جعفر الطالبی نائباً عنه(2) ، والذی دعا للحسن بن زید فیها وقد دخل فی مواجهات مع محمد بن عبد الله انتهت فی وقوعه بیده فأمر بحمله إلی نیسابور فحبس فیها إلی أن مات(3) ، ولما سیطر محمد بن عبد الله علی الری تحرک الحسن بن زید لیضمها مرة أخری إلی حدود سیطرته ونفوذه ونجح فی ذلک فعلاً(4).

الله ابن الحسن بن الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام(1) ، الأمر الذی دفع إلی هروب عاملها فعمد إسماعیل بن یوسف إلی نهب منزله وغیرها من المنازل الأخری(2) ، لم تکن سیاسته فی النهب تخص طرفاً معیناً بل تشمل کل ما یمکن أن تقع یده علیه لذا توجه إلی نهب ما کان فی الکعبة وما فی خزائنها من الذهب والفضة والطیب ونهب من الناس نحو مائتی ألف دینار(3) ، لم تکن ثورته تأخذ طابعاً محدوداً فی مکة فقط بل کان یتوجه إلی المدینة وإلی جدة التی نهب منها أموالاً کثیرة ثم یعود إلی مکة(4).

یشیر المسعودی أنه مات فی العام نفسه الذی خرج فیه، وبعدها جاء أخوه محمد بن یوسف وکان أکبر منه بعشرین سنة، أما موقف الخلافة العباسیة، فقد قام المعتز بإرسال أحد قادته إلیه فهرب محمد بن یوسف وقتل عدداً من أصحابه(5).

بعد هذه الإشارة لجمیع الثورات التی ظهرت فی زمن إمامة الإمام الهادی علیه السلام والتی نجدها تتسم بطابع عدم التخطیط فی الخروج علی الخلافة العباسیة سواء التی أعلنت الشعار للرضا من آل محمد أو التی لم تعلن، مما یفقدها روح التنظیم والاستعداد مما یجعلها سهلة القضاء بأیدی جیوش الخلافة العباسیة ما عدا ثورة الحسن بن زید التی أسست حکماً وأصبحت أطول عمراً من غیرها من الثورات، ولعل هذا راجعٌ إلی بعدها عن مرکز الخلافة ومرور الخلافة بصراعات

ص:165

وانقسامات عدیدة مما جعلها تستمر لفترة طویلة نسبیاً.

والملاحظ أن هذه الثورات لم تکن تفکر فی إقامة دولة جدیدة أو إسقاط الخلافة العباسیة، وإنما کانت تظهر بسبب ظروف یمر بها قادتها کما هو الحال فی یحیی بن عمر، الذی کان یمر بظروف مالیة حرجة ولعل الغالب منها کان یخرج تطبیقاً لفریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فکان قادتها لا یبالون بالموت لأنهم یشعرون فی قرارة أنفسهم أنهم فی جهاد ضد سلطة بنی العباس.

ومن اللافت للنظر أن أغلب الثورات کانت تنتمی للفرع الحسینی وتحدیداً ممن یرجع إلی أولاد الإمام علی بن الحسین" علیهما السلام".

بها عن دائرة التقیة ولعلها تعکس وجهة نظر الإمام علیه السلام بل الراجح کذلک مما یکشف بعداً ولوغیر مباشر برضی الإمام علیه السلام بخروج یحیی بن عمر.

ولیس من المستبعد أن تکون بعض الثورات قد اتصلت بالإمام علیه السلام بصورة سریة لتأخذ غطاءها الشرعی فی الخروج ولم تشر المصادر التاریخیة إلی ذلک.

والراجح أن موقف الإمام علیه السلام من هذه الثورات کان موقفاً مؤیداً لها ولکن لیس لجمیع الثورات بل لبعضها, والدلیل علی ذلک سکوت الإمام علیه السلام عن النهی عن هذه الثورات لأنه حجة الله فی الأرض وحامی شریعة السماء، فلو کان خروج هذه الثورات باطلاً وفاسداً فی جمیع أحوالها کان هناک خطابٌ شرعیٌّ موجهٌ إلیه فی النهی عن الباطل ومنع الفساد وبما أنّه علیه السلام سکت عن النهی عن ذلک إمضاءً منه لتلک الثورات العلویة.

ویرجع سکوت الإمام علیه السلام إلی أسباب عدة:

1 - أن بعض الثورات کانت تهدف للجهاد بوجه الخلافة العباسیة بسبب انتشار الظلم فی العدید من أمصارها.

2 - أن هذه الثورات مهما امتدت فی رقعتها الجغرافیة قد حققت جملة من الأهداف التی أبرزها إحیاء روح رفض الظلم فی نفوس الناس، وأداءً لشعائر الله وفرائضه المعطلة، کالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

3 - یترتب فی حال نهی الإمام علیه السلام فی قیام هذه الثورات فقدان تحقق الهدف الأول والثانی فضلاً عن أن نهیه هذا قد یعد دعماً ومناصرة للخلافة العباسیة.

ص:167

ص:168

ص:170

القول إنّ اعتزال واصل بن عطاء(1) حلقة الدرس التی کان یحضرها عند الحسن البصری(2) ، بعد أن نشب خلاف فیما بینهما حول مرتکب الکبیرة وقول واصل ابن عطاء بالمنزلة بین المنزلتین، بینما ذهب فریق آخر إلی القول إنّهم اعتزلوا قول الأمة بأسرها حین قرروا أن الفاسق لا مؤمن ولا کافر(3).

تکونت المعتزلة من مدرستین الأولی، عرفت بمدرسة البصرة والتی عد واصل بن عطاء مؤسسها والثانیة مدرسة بغداد والتی یعد بشر بن المعتمر(4) مؤسسها(5) ، والتی نحن فی صدد الحدیث عنها.

لقد تبنی الاعتزال أسساً وأصولاً خمسة لم تأت عن محض الصدفة، بل جاءت عن دراسة للعصر الفکری ومتبنیات الفرق الأخری، والتی تمثلت فی التوحید والعدل والوعد والوعید والمنزلة بین المنزلتین والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر(6).

ص:172

ویبدو أن أصولهم الخمسة قد جمعت بین المباحث العقلیة العقائدیة کالتوحید والعدل والوعد والوعید، والمنزلة بین المنزلتین والمباحث النقلیة کالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

لقد کان رجالات المعتزلة ما قبل خلافة المأمون یمرون بظروف قاسیة، ففی عصر أبیه هارون الرشید کانوا فی السجون(1) ، وتحت المراقبة والمطاردة(2) ، ولم یروا فترة أدرکوا فیها الأمان إلا فی عصره لاعتناقه مذهب الاعتزال.

لقد کان المحیط الفکری الذی عاش فیه المعتزلة محیطاً یحمل مساراً مغایراً عما هم یسیرون علیه، فأبحاث القدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والجلوس علی العرش کلها أبحاث وصف بها الله سبحانه وتعالی ذاته، فکان أتباع مدرسة الحدیث ومن سار علی نهجهم من الفقهاء والمتکلمة یرون وجوب الإیمان بها کما جاءت وعدم التعرض لتأویلها أو شرحها، وتفویض المعانی إلی الله(3) ، إلا أن المعتزلة تحدثت عن هذه الأبحاث جمیعاً وعدم الوقوف عند أمر منها(4) ، ویرجح السبب فی قدرتهم علی ذلک دراستهم للفلسفة الیونانیة واتصالهم بالفکر الفارسی والهندی(5).

ومن بین أهم المسائل الکلامیة التی تبنتها المعتزلة مسألة خلق القرآن الذی کان السطح الفکری وقت طرحها یقف موقف الرافض للخوض فی نقاش هکذا

ص:173

أمر بصورة قطعیة(1).

ویری البعض أن فکرة القول بخلق القرآن التی قال بها المعتزلة وفرضتها الخلافة العباسیة، لم تکن من ابتکاراتهم بل إن أول من قال بها هو الجعد بن درهم(2).

ویبدو أن لاعتناق المأمون العباسی، مذهب الاعتزال وجعله مذهباً رسمیاً للدولة یعکس مساراً جدیداً هدف المأمون من خلاله خدمة توجهاته السیاسیة الجدیدة، لذا نجده سنة 212 ه - / 827 م یظهر القول بخلق القرآن(3) ، وبعد ستة أعوام أی فی سنة 218 ه - / 833 م کتب إلی إسحاق بن إبراهیم فی امتحان القضاة والمحدثین فی خلق القرآن(4) ، ولعل السبب الذی یقف وراء رغبة المأمون فی امتحان القضاة والمحدثین، راجعٌ إلی توفیر قاعدة أساسیة، یستند علیها لدعم مشروعه فی جعل المجتمع یقول بخلق القرآن، مبتدئاً بأهل العلم لیکونوا أداة له فی نشر القول بمسألة خلق القرآن.

إن تأخر المأمون طیلة فترة السنوات الست، ما بین إعلان القول بإظهار القول بمسألة خلق القرآن سنة 212 ه - 827/8 م، وامتحان القضاة والمحدثین، سنة 218 ه - / 833 م، یرجع فی البحث عن الظروف السیاسیة المناسبة وما فی شک أن

ص:174

هذه الخطوة لم تکن غائبة عن ذهنیة المأمون منذ البدایة.

لقد واجه المأمون أحمد بن حنبل(1) ، بقساوة بالغة علی أثر رفضه القول بخلق القرآن حیث أمر بإرساله مقیداً بالحدید إلیه فی طرطوس(2) ، إلا أن منیّة المأمون حالت دون وصوله إلیها(3).

وبعد وفاة المأمون آلت السلطة إلی أخیه المعتصم، الذی سار علی نهج أخیه المأمون فی الاستمرار فی القول بخلق القرآن وامتحان الفقهاء فی محاولة إجبار أحمد ابن حنبل للقول بخلق القرآن، وعندما رفض ذلک أمر بضربه بالسیاط (4).

وبعد وفاة المعتصم سار الواثق علی سیرة أبیه وعمه المأمون فی الاستمرار فی امتحان الناس، ولقد کان عهده نقطة تحول حیث عمد علی امتحان الأسری حینما حصل علی التبادل بین الخلافة العباسیة والبیزنطیین سنة 231 ه - / 845 م، واعتبرت الخلافة من سواهم خارجاً عن الإسلام ممن لم یقل بخلق القرآن(5).

ولما آلت السلطة إلی المتوکل أنهی الصراع السیاسی فی القول بمسألة خلق

ص:175

القرآن حینما أمر بترک المباحثة والجدل وأمر المحدثین بالقول بالحدیث وإظهار السنة والجماعة(1).

وفی خضم هذه الصراعات الفکریة، کان للإمام الهادی علیه السلام موقفٌ فکریٌّ حیث کتب إلی بعض شیعته فی بغداد، یبین فیه ما یری من الاختلاف فی مسألة القول بخلق القرآن، وهذا یعکس لنا أهمیة الأمر، فضلاً عن شعور الإمام علیه السلام بالظروف المحیطة بشیعته وخطورة المرحلة، حیث عمد هو بنفسه إلی الکتابة علی خلاف ما عرف من قیام أتباعه بالکتابة إلیه حیث کانوا هم یکتبون إلیه، الأمر الذی یعکس سبقه فی رصد المشاکل الفکریة ولقد جاء فی ذلک الکتاب: (بسم الله الرحمن الرحیم، عصمنا الله وإیاک من الفتنة فإن یفعل فأعظم بها نعمة وإلا یفعل فهی الهلکة، نحن نری أن الجدال فی القرآن بدعة اشترک فیها السائل والمجیب، فتعاطی السائل ما لیس له وتکلف المجیب ما لیس علیه ولیس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق، والقرآن کلام الله لا تجعل له اسماً من عندک فتکون من الظالمین، جعلنا الله وإیاک من الذین یخشون ربهم بالغیب وهم منه مشفقون)(2).

وعند دراسة هذا النص نلاحظ عدة أمور أبرزها:

أن البحث فی هذه المسألة یعد مصداقاً من مصادیق الفتنة الفکریة، لخطورتها علی الملقی والمتلقی الذی یحاول توظیف الفکرة لأغراضه الشخصیة أو السیاسیة أو الفکریة.

ص:176

عد الإمام علیه السلام الجدل فی القول بخلق القرآن بدعة قد اشترک فیها السائل والمجیب، وهنا نجد حکماً شرعیاً للإمام وهو حرمة الجدل فی المسألة منطلقاً فی کونها بدعة.

یشیر الإمام علیه السلام إلی أن مناقشة مثل هذه المسألة لیست من المسائل الاعتیادیة، ضمن نطاق علم الکلام أو الفلسفة، فالسائل والمجیب، قد دخلا اتجاهاً لیس لهما أن یدخلا فیه، وإنما غایة ما یجب أن یقال فیها إنّ القرآن کلام الله فلا نجعل له اسماً من عندنا لکی لا نکون من الظالمین، وإنما نصفه بما وصف فیه نفسه فی آیاته فنحن عندما نستقرئ القرآن لا نجد فیه وصفاً من حیث کونه مخلوقاً أو غیر مخلوق.

ومن هذا النص نجد أن الإمام الهادی علیه السلام لا یقول بخلق القرآن أو عدمه، إنما جاء بطریق ثالث وهو أن القرآن کلام الله مع التوقف عن إضافة صفة معه من خلق ونحوه، وهذا نجد له إشارة فی قوله (لا تجعل له اسماً من عندک)، وربما کان هذا الطریق ناتجاً من خطورة البحث فی هذه المسألة والتی تشتمل علی محاذیر فکریة کبیرة یجب الإعراض عنها وعدم البحث فیها، ولیس من البعید أن للظروف السیاسیة والفکریة مدخلیة فی رأی الإمام علیه السلام فی هذه المسألة أیضاً.

السماء کالمسیح ابن مریم علیه السلام(1). ومنها أیضاً أنه القائم من آل محمد وقد غاب کما غاب موسی بن عمران(2) ، ویرجح بعض الباحثین سبب ظهور هذه الفرقة إلی طمع قادتها بالأموال، التی جمعت عندهم علی إثر إرسالهم من قبل الإمام موسی بن جعفر علیه السلام لجمع الحقوق الشرعیة، من قبل الأتباع والموالین فی العدید من الأمصار(3).

لقد استمرت هذه الفرقة من حیث وجودها إلی زمن إمامة الإمام الهادی علیه السلام، فیشیر النوبختی (فلقد لقب الواقفة بعض مخالفیها ممن قال بإمامة علی ابن موسی الممطورة وغلب علیها هذا الاسم وشاع، وکان سبب ذلک أنّ علی بن إسماعیل المیثمی(4) ویونس بن عبد الرحمن(5) ، ناظرا بعضهم فقال له علی بن إسماعیل، وقد اشتد الکلام بینهم ما أنتم إلا کلاب ممطورة...)(6) ، ویوضح القرشی هذا النعت بقوله: (تشبیهاً لهم بالکلاب التی أصابها المطر ومشت بین الناس فیتنجس بها کل من قربت منه)(7).

ص:178

وقد کتب للإمام علیه السلام أحد شیعته یسأله عن هذه الفرقة بقوله: (قد عرفت هؤلاء الممطورة أفأقنت علیهم فی صلاتی؟ قال: نعم اقنت علیهم فی صلاتک)(1).

وعند دراسة هذا النص نجد أن الإمام علیه السلام یبین موقفه الفکری تجاه هذه الفرقة الضالة لابتعادها عن جوهر الإسلام، فنجده علیه السلام یجیب (اقنت علیهم) والملفت فی الجواب قوله (اقنت) وهو فعل أمر یدل علی الوجوب کما هو ثابت فی محله، فلم یجب علیه السلام بعبارات الجواز. وهذا یعکس لنا خطورة هذه الفرقة فی نظر الإمام علیه السلام

ویبدو أن الإمام علیه السلام قد اتبع أسلوب المواجهة العملیة مع رجال هذه الفرقة، حیث تشیر المصادر أنه التقی بأحدهم والذی یعرف بسعید الملاح، فروی بقوله: (دلنی أبو الحسن وکنت واقفیاً فقال لی: إلی کم هذه النومة أمالک أن تنتبه منها؟ فقدح فی قلبی شیئاً وغشی علیّ وتبعت الحق)(2).

روی ابن شهرآشوب أن واقفیاً کان فی بلاط المتوکل العباسی، أقبل یرید الاستهزاء بالإمام علیه السلام عندما علم أن المتوکل قد أمر بعدم رفع الستار له عند دخوله علیه فأراد علیه السلام أن یقیم الحجة علیه، ولیس بینهما سابق معرفة فقال له إنّ الله تعالی قال فی سلیمان (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّیحَ تَجْرِی بِأَمْرِهِ رُخاءً حَیْثُ أَصابَ)3 ونبیک وأوصیاء نبیک أکرم علی الله تعالی من سلیمان فترک الوقف

ص:179

وقال بإمامته(1).

ویبدو من النصین السابقین أن الإمام علیه السلام قد سار بمنهج هدایة هؤلاء الواقفة عن طریق الدلیل الحسی ذات البعد الإعجازی، کونه ینسجم مع قناعاتهم بغیة إقامة الحجة علیهم أو هدایتهم لاتباع قول الحق.

یقتصدوا فی المأکل سوی لإغوائهم وبث الفرقة بینهم فأورادهم الرقص وأذکارهم الترنم لم یتبعهم إلا السفهاء، ولم یلحق بهم سوی الحمقی. من زار أحدهم حیاً أو میتاً لم یزر فی الحقیقة إلا الشیطان ومن أعانهم فما أعان إلاّ یزید ومعاویة وأبا سفیان ثم تحدث الإمام عن عداء الصوفیة، لأهل البیت وشبههم بالنصاری)(1)

عند دراسة هذا النص نجد الإمام علیه السلام یبین موقفه کمرجعیة فکریة تترصد کل ما هو مخالف للشریعة وروح الإسلام، وفرقة الصوفیة هی حالة طارئة بعیدة عن الإسلام الحقیقی، وقد عمل هؤلاء الصوفیة برنامجاً یحمل بعداً إعلامیاً من خلال الاعتزال فی جانب من المسجد والتهلیل والزهد والتهجد، کل هذه الأعمال لخداع الناس کما أشار الإمام علیه السلام إلی ذلک، ویحدد علیه السلام صفات الناس المتبعین لهم حیث ینعتهم بالحمقی الأمر الذی یعکس جهل هذه الفرقة خصوصاً فی الجانب العقائدی الذی یستند علی معاداة أهل البیت "علیهم السلام".

ویؤکد علیه السلام لأتباعه علی أمر مهم وهو الابتعاد عن زیارة الحی منهم والمیت ولعل قوله للحی فیه إشارة إلی رفض کل أنواع العلاقات الاجتماعیة معهم، ولعل قوله لمیتهم فیه إشارة إلی عدم الحضور فی تشییع جنائزهم وزیارة قبورهم، وجعل الزیارة للشیطان مما یعکس خطورة هذه الفرقة وجعل علیه السلام، معاونتهم إعانة لأبی سفیان ومعاویة ویزید، وهذه الأسماء مصادیق بارزة فی الظلم والابتعاد عن الحق، لذا جاء ذکرهم علی لسانه علیه السلام.

ص:181

رجل لا سجود ولا رکوع وکذلک الزکاة معناها ذلک الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال وأشیاء من الفرائض والسنن والمعاصی تأولوها وصیروها علی هذا الحد الذی ذکرت، فإن رأیت أن تبین لنا وأن تمن علی موالیک بما فیه السلامة لموالیک ونجاتهم من هذه الأقاویل التی تخرجهم من الهلاک؟ فکتب علیه السلام: لیس هذا فی دیننا فاعتزله)(1).

عندما نقف لدراسة هذا النص نجد فیه إشارة إلی المستوی الفکری لدی الأتباع والموالین الأمر، الذی یعکس لنا الضعف الواضح فی بنیتهم الفکریة حیث یظهرون بمظهر الحیرة والعجز إمام هکذا انحرافات، حیث یشیر النص إلی هذا المعنی (أحادیث ینسبونها إلیک وإلی آبائک فیها ما تشمئز منها القلوب ولا یجوز لنا ردها إذ کانوا یروون عن آبائک علیهم السلام)، الأمر الذی یصور لنا البیئة المناسبة لظهور هکذا انحرافات.

إن أصحاب هذه الاتجاهات یدعون أنهم من الموالین، ویرکزون فی أقوالهم علی أحادیث منسوبة وینکرون العدید من تشریعات الإسلام، کالصلاة والزکاة وبعض الفرائض والسنن، ولو جئنا إلی هذه العناوین الفکریة نجدها تعکس طبیعة المناخ العام فی المجتمع، حیث نجد أن دعوتهم أنهم من الموالین جاءت لاستقطاب الجمع الشعبی لهم فنجد أحد المتصدین فی هذا الاتجاه وهو القاسم الیقطینی الذی یعده الشیخ الطوسی من أصحاب الإمام الهادی علیه السلام وینعته بالغلو(2).

ومن الجدیر بالإشارة إلیه أن هؤلاء المغالین یمسون أهم تشریعات الإسلام،

ص:183

وهی الصلاة ونحوها ولا بد من التساؤل عن ذلک فهل هو عن جهل أو مس من الجن أو الشیطان أو هناک خیوط سیاسیة تقف وراء ذلک خصوصاً، أن هذه الظاهرة برزت فی الصف الشیعی والأرجح وجود قوی سیاسیة تحرک هکذا أتجاهات وتعمل علی إحیاء هکذا أمور کلما دعت الحاجة إلیها.

ویبدو من جواب الإمام علیه السلام فی توجیهاته إلی شیعته عدم الحاجة إلی اتخاذ اجراءات صارمة ضدهم، فأمرهم بالاعتزال فقط لعدم اتساع حرکتهم وخطورتهم أو هم بحاجة إلی إجراءاتٍ صارمة إلا أن الظروف السیاسیة لم تکن مؤاتیة حینئذ والأرجح السبب الثانی ولیس الأول لعلم الإمام علیه السلام بطبیعة هکذا أتجاهات ومدی خطورتها علی المسلمین، الأمر الذی یتعین علی الإمام علیه السلام الدفاع فیه عن جوهر الإسلام.

وکُتِبَ إلی الإمام علیه السلام کتابٌ من بعض شیعته عن أحد الغلاة، وهو علی بن حسکة جاء فیه: (إن علی بن حسکة یدعی أنه من أولیائک وأنک أنت الأول القدیم، وأنه بابک ونبیک أمرته أن یدعو إلی ذلک، ویزعم أن الصلاة والزکاة والحج والصوم کل ذلک معرفتک ومعرفة من کان فی مثل حال ابن حسکة فیما یدعی من البابیة والنبوة فهو مؤمن کامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحج وذکر جمیع شرائع الدین إن معنی ذلک کله ما ثبت لک، ومال الناس إلیه کثیراً فإن رأیت أن تمن علی موالیک بجواب فی ذلک تنجیهم من الهلکة)(1).

ص:184

یبدو من هذا النص بالمقارنة مع النص السابق، حدوث تطور فکری فی اطروحات الغلاة الفکریة وعلی رأسهم علی بن حسکة، حیث قال بألوهیة الإمام علیه السلام وأنه نبیٌّ مبعوثٌ له وعمد علی إسقاط التکالیف الشرعیة مما وسع حرکتهم واتباع الناس لهم.

وقد أشارت بعض المصادر إلی جواب الإمام الهادی علیه السلام علی هذا الکتاب وقد جاء فیه: (کذب ابن حسکة علیه لعنة الله وبحسبک أنی لا أعرفه فی موالی، ما له لعنة الله! فوالله ما بعث الله محمداً والأنبیاء قبله إلا بالحنفیة، والصلاة والزکاة والصیام والحج والولایة، وما دعی محمد صلی الله علیه وآله وسلم إلا إلی الله وحده لا شریک له وکذلک نحن الأوصیاء من ولده عبید الله لا نشرک به شیئاً إن أطعناه رحمنا وإن عصیناه عذبنا ما لنا علی الله من حجة بل الحجة لله عز وجل علینا وعلی جمیع خلقه أبرأ إلی الله ممن یقول ذلک وانتفی إلی الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله وألجئوهم إلی ضیق الطریق، فإن وجدت من أحد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر)(1).

وعند دراسة جواب الإمام الهادی علیه السلام نجده ینسجم مع المتغیرات الجدیدة التی تعکس بشعور الإمام علیه السلام بخطورتهم، فنجده یثبت کذب ابن حسکة ویلعنه ویعلن البراءة منه ویعلن المقاومة الفعلیة مع الغلاة بضربهم مع توفر الأمان للشیعة، حیث أشار إلی شدخ رؤوسهم عند ضیق الطرقات مما یشعر إما بقوة الغلاة أو وجود أطراف أخری مساندة لهم.

وفی جانب آخر من جوانب الإمام علیه السلام نجده یتبع البعد الاستدلالی

ص:185

فی الدفاع عن الإسلام إمام هذه الاتجاهات المنحرفة.

تشیر المصادر أن الإمام علیه السلام، قد بادر بإرسال کتابٍ إلی بعض شیعته یبین فیه موقفه من بعض کبار الشخصیات المغالیة، ومن بین تلک الکتب ما جاء فی أحدها: (لعن الله القاسم الیقطینی ولعن الله علی بن حسکة القمی إن شیطاناً یتراءی للقاسم فیوحی إلیه زخرف القول غروراً)(1).

ومن الشخصیات الأخری التی أشارت إلیها المصادر ممن أظهروا الغلو فی عهده علیه السلام الفهری(2) والقمی(3) ، وقد بادر الإمام بإرسال کتابٍ حولهم إلی أحد شیعته یبین فیه موقفه جاء فیه: (أبرأ إلی الله من الفهری والحسن بن محمد بن بابا القمی فابرأ منهما فإنی محذرک وجمیع موالی وإنی ألعنهما علیهما لعنة الله مستأکلین یأکلان بنا الناس فتانین مؤذیین آذاهما الله وأرکسهما فی الفتنة رکساً، یزعم ابن بابا أنی بعثته نبیاً وأنه باب علیه لعنة الله سخر منه الشیطان فأغواه فلعن الله من قبل منه ذلک. یا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل فإنه قد آذانی آذاه الله فی الدنیا والآخرة)(4).

إن إرسال الإمام علیه السلام هذا الکتاب إلی أحد شیعته حول الفهری والقمی محذراً إیاهم، یعکس لنا عظم خطرهما فی نظره علیه السلام، ولیس من البعید ان الظروف السیاسیة کانت قد سمحت له فی المبادرة فی الکتابة للرد علی

ص:186

انحراف الغلاة وضلالهم، ویشیر الشیخ الطوسی أن الفهری کان ملعوناً من قبل الإمام علیه السلام ویعده من أصحابه(1) ، ویتضح أن الإمام علیه السلام أکد علی لعن القمی والفهری إلا أن القمی کان أکثر خطورة لأنه یدعی النبوة، وهو أیضاً ممن یعده الشیخ الطوسی من أصحاب الإمام الذین قالوا بالغلو(2).

ومن بین أبرز الشخصیات التی أظهرت الغلو فی فترة الإمام علیه السلام فارس بن حاتم القزوینی(3) ، ولقد أشارت بعض المصادر إلیه وأبرزت موقف الإمام منه، الذی اتسم بالتدرج فی اتباع سیاسة التعامل معه، ومن بین أبرز تلک النصوص التی سوف نذکرها لندرسها جمیعاً لنقف علی موقف الإمام علیه السلام منه وهی کالآتی: کتب أحد شیعته له یخبره بأمر فارس بن حاتم فکتب علیه السلام (لا تحفلن به وإن أتاک فاستخف به)(4).

وکتب للإمام علیه السلام من أحد شیعته فی أمر فارس بن حاتم فکتب له: (کذبوه وهتکوه أبعده الله وأخزاه فهو کاذب فی جمیع ما یدعی ویصف، ولکن صونوا أنفسکم عن الخوض والکلام فی ذلک وتوقوا مشاورته ولا تجعلوا له السبیل إلی طلب الشر کفانا مؤونته ومؤونة من کان مثله)(5).

ص:187

وکتب للإمام علیه السلام فی أمر فارس بن حاتم من أحد شیعته کتابٌ جاء فیه: (جعلت فداک قبلنا أشیاء تحکی عن فارس والخلاف بینه وبین علی بن جعفر(1) ، حتی صار یبرأ بعضهم من بعض فإن رأیت أن تمن علی بما عندک فیهما وأیهما یتولی حوائجی قبلک حتی لا أعدوه إلی غیره، فقد احتجت إلی ذلک فعلت متفضلاً إن شاء الله فکتب علیه السلام: لیس عن مثل هذا یسأل ولا فی مثله یشک، قد عظم الله قدر علی بن جعفر، منعنا الله تعالی عن أن یقاس إلیه، فاقصد علی بن جعفر بحوائجک واجتنبوا فارساً وامتنعوا من إدخاله فی شیء من أمورکم أو حوائجکم تفعل ذلک أنت ومن أطاعک من أهل بلادک فإنّه قد بلغنی ما تموه به علی الناس فلا تلتفتوا إلیه إن شاء الله)(2).

ویبدو أن تاریخ الخلافات بین علی بن جعفر وفارس بن حاتم کان فی سنة 248 ه - 849 م/(3).

وروی أنّ الإمام علیه السلام لما قرر أن یقتل فارس بن حاتم القزوینی وکان قد ضمن لقاتله الجنه(4) فأوکل مهمة قتله لشخص یدعی جنید(5) ، فروی عنه

ص:188

قوله: (فبعث إلی فدعانی فصرت إلیه فقال: آمرک بقتل فارس بن حاتم! فناولنی دراهم من عنده وقال: اشتر بهذا سلاحاً فاعرضه علی فذهبت فاشتریت سیفاً فعرضته علیه فقال: رد هذا وخذ غیره قال: فرددته وأخذت ساطوراً فعرضته علیه فقال: هذا نعم.

فجئت إلی فارس وقد خرج من المسجد بین الصلاتین المغرب والعشاء فضربته علی رأسه فصرعته وثنیت علیه فسقط میتاً ووقعت الضجة فرمیت الساطور بین یدی واجتمع الناس وأخذت إذ لم یوجد هناک أحد غیری فلم یروا معی سلاحاً ولا سکیناً وطلبوا الزقاق والدور فلم یجدوا شیئاً ولم یر أثر للساطور بعد ذلک)(1).

بعد استعراضنا لهذه النصوص یجدر بنا الإشارة إلی أن فارس بن حاتم کان من أصحاب الإمام علیه السلام کما عده الشیخ الطوسی الذی ذکره بأوصاف اللعن والغلو(2) ، وهذا یعکس لنا نقطة من نقاط قوة تحرکات فارس بن حاتم کونه یمتلک مقومات تؤهله لاستقطاب الجموع الموالیة من جهة ومن جهة أخری أن صحبته للإمام علیه السلام لابد أن یکون لها اثر فی بنیته الفکریة التی استفاد منها فی إعلان دعوته لخداع الناس واستقطابهم.

ص:189

یبدو من مجمل دراسة النصوص أن الإمام علیه السلام کان ینحی منحی التدرج فی مواجهة فارس بن حاتم، وهذا التدرج لم یأت من فراغ فللأوضاع المحیطة بالإمام علیه السلام وأیضاً بفارس بن حاتم أثرٌ فی ذلک، فنجد فی النص الأول یوصی الإمام علیه السلام بالاستخفاف به بینما نجد لهجة الخطاب فی النص الثانی تختلف، الأمر الذی یعکس خطورة تحرکاته حیث نجد الإمام علیه السلام ینعته بالکذب والخزی ویطلب من شیعته مقاطعته والوقوف ضده فی مساعیه المنحرفة، ویؤکد علیهم بالامتناع عن الحدیث فی هکذا مجالات کی لا یکونوا وسطاً دعائیاً لتحرکاته المنحرفة.

أما النص الرابع نجد فیه اتخاذ الإمام علیه السلام القرار بقتله بعد أن نفدت کل وسائل عودته للصواب أو تحجیم خطورته، وقد أشرف بنفسه علی عملیة قتله الأمر الذی یعکس لنا أهمیة التخلص منه.

بعد أن استعرضنا النصوص حول فرقة الغلو، وناقشناها نری من الأفضل الوقوف علی بعض الأسئلة لنجیب علیها إتماماً للفکرة بأغلب جوانبها والتی أبرزها:

1 - تاریخ ظهور الغلو فی عهد الإمام علیه السلام؟ وهل کان هناک معاصرة فی ظهورهم أم کانوا فی فترات مختلفة؟

2 - الرقعة الجغرافیة التی انتشر فیها الغلو؟

3 - هل کانت مواقف الإمام علیه السلام من فرقة الغلو قد وضعت حداً لهم بصورة کلیة أو جزئیة؟

4 - ما هی الدوافع التی أدت إلی ظهور فرقة الغلو؟

ص:190

وفی مقام الجواب عن السؤال الأول نجد أن أقدم إشارةٍ لدینا ترجع إلی سنة 248 ه - / 864 م، والتی جاءت فی کتاب وجه للإمام علیه السلام من أجل توثیق أحد الشخصین علی بن جعفر أو فارس بن حاتم فکان جوابه علیه السلام بتوثیق علی بن جعفر والإشارة إلی انحراف فارس بن حاتم(1).

ویبدو من بعض النصوص أن جمیع من قال بالغلو کان ظهورهم فی فترة واحدة أو متقاربة جداً فقد سُئِلَ الإمام علیه السلام عن محمد بن الحسن بن بابا ألقمی فکتب علیه السلام (ملعون هو وفارس تبرأوا منهما لعنهما الله وضاعف ذلک علی فارس)(2) ، الأمر الذی نستنتج منه معاصرة ابن بابا القمی وفارس بن حاتم فضلاً عن معاصرة علی بن حسکه للقاسم الیقطینی وابن بابا القمی الذی کان أستاذهما(3) ، أما الفهری فقد کان معاصراً لإبن بابا القمی فقد تبرأ منهما ولعنهما الإمام علیه السلام فی کتاب واحد وجهه لبعض شیعته(4) ، ومن هنا نصل إلی نتیجة واضحة وهی معاصرة جمیع الذین أظهروا الغلو أحدهم للآخر.

أما الجواب علی السؤال الثانی حول الرقعة التی انتشروا فیها الغلاة، فیبدو أنها کانت فی قم وقزوین وهذا نجده واضحاً فعلی بن حسکه وابن بابا هما قمیان وفارس بن حاتم القزوینی کان من قزوین، کما هو واضح من لقبه وفی الجهات الجبلیة منها وهذا نجده واضحاً فی کتاب الإمام علیه السلام الذی وجهه لأحد

ص:191

شیعته یأمره بإذاعة انحراف فارس فی الجهات الجبلیة بین أتباعه(1).

أما القاسم الیقطینی کان تلمیذاً لعلی بن حسکه القمی فلا یستبعد أن یکون من قم أیضاً، إما الفهری لیس لدینا إشارة حوله إلاّ أنّ الرقعة الجغرافیة التی ظهر فیها الغلو فی تلک المناطق التی تعکس الأرضیة المناسبة لانتشار هکذا انحرافات تدعونا لترجیح أنه من تلک المناطق أیضاً.

أما جواب السؤال الثالث، فیبدو أن الإمام علیه السلام قد وضع حداً لانحرافات الغلاة فقام بتحجیم انتشار أفکارهم المنحرفة بین الناس، ما عدا فارس ابن حاتم الذی أمر بقتله وهذا نجده واضحاً فی تاریخ ولده العسکری علیه السلام حیث لم یشکلوا ظاهرة فی عصره مما یعکس نجاح الإمام علیه السلام فی سیاسته معهم.

إنّ هذه الشخصیات التی أظهرت الغلو والذین أشرنا إلیهم فی دراستنا لم یکونوا الوحیدین فی وسط المغالین بل کانوا أبرزهم(2).

الشیطان للبعض منهم، فأشار إلی القاسم الیقطینی بقوله: (إنّ شیطاناً ترائی للقاسم فیوحی إلیه زخرف القول غروراً)(1) ، وأشار لابن بابا القمی بقوله (سخر منه الشیطان فأغواه)(2)

مؤدب له یکنی أبو زکریا(1) وأبو جعفر علیه السلام عندنا أنّه ببغداد وأبو الحسن علیه السلام یقرأ من اللوح إلی مؤدبه...)(2).

ومن النصوص الأخری التی أشارت بعض المصادر إلیها ما رواه المسعودی: (أن المعتصم قام بإرسال عمر بن الفرج الرخجی إلی المدینة حاجاً بعد مضی أبی جعفر علیه السلام فأحضر جماعة من أهل المدینة والمخالفین والمعاندین لأهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال لهم اختاروا لی رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم لا یوالی أهل هذا البیت لأضمه إلی هذا الغلام وأوکله بتعلیمه وأتقدم إلیه بأن یمنع منه الرافضة الذین یقصدونه ویقدسونه، فسموا لی رجلاً من أهل الأدب یکنی أبا عبد الله وعرفه الجنیدی... وعرفت أن السلطان أمره باختیار مثله وتوکیله بهذا الغلام قال: فکان الجنیدی یلتزم أبا الحسن فی القصر بصریا فإذا کان اللیل أغلق الباب وأقفله وأخذ المفاتیح إلیه فمکثت علی هذه مدة وانقطعت الشیعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة علیه، ثم إنّی لقیته یوم الجمعة فسلمت علیه وقلت له ما حال هذا الغلام الهاشمی الذی تؤدبه؟ فقال منکراً علی بقول الغلام ولا تقول الشیخ الهاشمی؟ أنشدک الله هل تعلم بالمدینة أعلم منی؟ فقلت لا. قال: فإنّی والله أذکر له الحزب من الأدب وأظن أنی قد بالغت فیه فیملی علی باباً فیه أستفیده منه ویظن الناس أنی أُعلمه وأنا والله أتعلم منه... ثم لقیته بعد ذلک فسلمت علیه وسألته عن خبره وحاله ثم قلت: ماحال الفتی الهاشمی؟ فقال لی دع هذا القول عنک هذا والله خیر أهل الأرض وأفضل من خلق الله... ثم

ص:195

مرت بی اللیالی والأیام حتی لقیته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به)(1).

وبعد الإشارة إلی هذین النصین، لابد لنا من الوقوف علیهما لدراستهما فأما النص الأول، فنجده یشیر إلی أن الإمام علیه السلام قد خضع فی مرحلة إعداده الفکری والروحی فی نشأته إلی مؤدب فی الجوانب العلمیة والتربویة وهذا لا یمکن قبوله لعظمة منصب الإمام والإمامة عند الله سبحانه وتعالی والتی خصها بکل مستلزمات الکمال الإلهی من عصمة وعلوم عدیدة أبرزها کما یشیر الیزدی إلی ذلک بقوله: (علوم أئمة أهل البیت علیهم السلام لا تنحصر بما سمعوه من النبی بواسطة أو بدون واسطة بل إنّهم کانوا یتمتعون أیضاً بنوع من العلوم غیر العادیة التی تفاض علیهم من طریق الإلهام أو التحدیث... وبمثل هذا العلم بلغ بعض الأئمة الاطهار علیهم السلام مقام الإمامة فی فترة طفولتهم وحیث کانوا یعلمون بکل شیء ولم یحتاجوا للتعلم والدراسة لدی الآخرین)(2).

فضلاً عن تکفل أبیه الجواد علیه السلام بتربیته تربیة خاصة لکونه الإمام من بعده الأمر الذی یستغنی به الإمام علیه السلام عن تأدیب مؤدب الأمر الذی یجعلنا لا نعتمد القول بصحة هذا النص ومن الجدیر بالباحثین الوقوف لدراسة هکذا نصوص لورودها فی مصادر مهمة فی مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) لمعرفة الصحیح منها أو الموضوع.

أما النص الثانی یعد أبرز شاهد تاریخی یعکس لنا مدی سعة وعمق کمال

ص:196

التنشئة الفکریة للإمام علیه السلام حیث حاولت الخلافة بسیاستها هذه أعادة بناء التنشئة الفکریة لنشأة الإمام علیه السلام إلی مسار یخدم مصالحها السیاسیة وهذه المحاولة الفاشلة تثبت جهل الخلافة العباسیة بموارد علم الإمام علیه السلام.

أما مکانة الإمام علیه السلام العلمیة فی عصر الواثق، فقد أشارت بعض المصادر (أن یحیی بن أکثم قال فی مجلس الواثق والفقهاء بحضرته من حلق رأس آدم حین حج؟ فتعایی القوم عن الجواب فقال الواثق أنا أحضر من ینبئکم بالخبر فبعث... فأحضره فقال له: یا أبا الحسن من حلق رأس آدم؟ فقال سألتک بالله یا أمیر المؤمنین إلاّ أعفیتنی قال: أقسمت علیک لتقولن قال أما إذا أبیت فإنّ أبی حدثنی عن جدی عن أبیه عن جده قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر جبریل أن ینزل بیاقوته من الجنة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه فحیث بلغ نورها صار حرماً)(1).

ویمکن أن یتبین لنا من هذا النص عدة أمور أهمها:

1 - أن الإمام الهادی علیه السلام تم إشخاصه إلی سامراء فی عصر المتوکل، ولیس فی عصر الواثق، وهذا لا یمکن تصوره إلاّ إذا قلنا إنّ هذا الاجتماع قد وقع فی المدینة.

2 - أن النص أغفل ذکر مکان هذا المجلس فهل کان فی سامراء أو المدینة، فالراجح أنه کان فی سامراء بقرینة ذکر الواثق بمجلسه فضلاً عن وجود القاضی یحیی بن أکثم أیضاً.

3 - من المحتمل وهو الراجح فی حالة صحة الروایة کان المراد بالخلیفة المتوکل ولیس الواثق لإشخاص الإمام علیه السلام فی عهده.

هذا وقد برزت مکانة الإمام علیه السلام العلمیة فی عصر الخلیفة المتوکل

ص:199

العباسی بصورة أکبر وأعظم من أی فترة تاریخیة أخری، ولعل سبب ذلک یرجع إلی سیاسة المتوکل تجاه الإمام علیه السلام ومحاولة إثبات عدم علمیته للانتقاص منه فضلاً عن حاجة المتوکل فی الرجوع إلیه فی بعض القضایا العلمیة، فقد أشارت بعض المصادر (أن المتوکل سأل ابن الجهم(1) من أشعر الناس؟ فذکر شعراء الجاهلیة والإسلام ثم إنّه سأل أبا الحسن فقال الحمانی حیث یقول:

لقد فاخرتنا من قریش عصابة بمد خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا المقال قضی لنا علیهم بما نهوی نداء الصوامع

ترانا سکوتاً والشهید بفضلنا علیهم جهیر الصوت فی کل جامع

فإن رسول الله أحمد جدنا ونحن بنوه کالنجوم الطوالع(2)

قال وما نداء الصوامع یا أبا الحسن؟ قال: أشهد لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله جدی أم جدک؟ فضحک المتوکل ثم قال: جدک لا ندفعک عنه)(3).

ویبدو ترجیح الإمام لهذا الشاعر کان راجعاً إلی الأبعاد الإسلامیة التی ذکرت فی أبیاته والتی أبرزها مظلومیة أهل البیت (علیهم السلام) والتی تتمثل فی تهمیشهم السیاسی فضلاً عن ربط الشاعر أبیاته بکلمة التوحید والنبوة والإمامة.

ص:200

أشارت بعض المصادر إلی انه قد (قدم إلی المتوکل رجل نصرانی فجر بامرأة مسلمة فأراد أن یقیم علیه الحد فأسلم، فقال یحیی بن اکثم: الإیمان یمحو ما قبله وقال بعضهم یضرب ثلاثة حدود، وکتب المتوکل إلی علی بن محمد التقی یسأله، فلما قرأ الکتاب کتب یضرب حتی یموت فأنکر الفقهاء ذلک فکتب إلیه یسأل عن العلة فقال: بسم الله الرحمن الرحیم:(فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ کَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ)1 قال فأمر المتوکل فضرب حتی مات)(1).

یثبت هذا النص مرجعیة الإمام علیه السلام فکریاً عند الحاکم العباسی وعند الفقهاء، حیث أخذ الحاکم العباسی بقوله دون سائر أقوال الفقهاء الآخرین، الأمر الذی یثبت مکانته العلمیة، فی قدرته علی الاستدلال من أهم مصادر الاستدلال عند علماء المسلمین وهو القران الکریم.

وقد أشارت بعض المصادر إلی أن المتوکل قد راجع الإمام علیه السلام مستفتیاً إیاه فی نذر قد نذره وحان أوان الوفاء به فقد أشارت بعض المصادر (اعتل المتوکل فی أول خلافته فقال: لئن برأت لأتصدقن بدنانیر کثیرة فلما برأ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلک، فاختلفوا فبعث إلی علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر فسأله فقال علیه السلام: تتصدق بثلاثة وثمانین دیناراً فعجب قوم من ذلک وتعصب قوم علیه وقالوا: تسأله یا أمیر المؤمنین من أین له هذا؟ فرد الرسول إلیه فقال، قل لأمیر المؤمنین فی هذا الوفاء بالنذر لأن الله تعالی قال:(لَقَدْ نَصَرَکُمُ

ص:201

اَللّهُ فِی مَواطِنَ کَثِیرَةٍ)1 ، فروی أهلنا جمیعاً أن المواطن فی الوقائع والسرایا والغزوات کانت ثلاثة وثمانین موطناً وأنّ یوم حنین کان الرابع والثمانین وکلما زاد أمیر المؤمنین فی فعل الخیر کان أنفع له وأجدی علیه فی الدنیا والآخرة)(1)

لقد سار المتوکل العباسی علی نهج تمثل فی إخضاع الإمام علیه السلام إلی مناظرات علمیة مع فقهاء بلاط الخلافة هادفاً من وراء ذلک وضع الإمام علیه السلام فی دائرة الإحراج والاختبار أو الإیقاع به للتخلص منه ولعله أیضاً کان له هدفٌ فی خلق موازنة بین فقهاء البلاط والإمام علیه السلام فی محاولة دون استبدادهم ونفوذهم، ومن بین تلک المناظرات التی وقعت مع ابن السکیت(2) ، فقد أشارت بعض المصادر (قال المتوکل لابن السکیت اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتی فسأله فقال: لمَ بعث الله موسی بالعصا؟ وبعث عیسی بإبراء الأکمه والأبرص وإحیاء الموتی؟ وبعث محمداً بالقرآن والسیف؟ فقال أبو الحسن علیه السلام بعث موسی بالعصا والید البیضاء فی زمان الغالب علی أهله السحر فأتاهم من ذلک ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة علیهم، وبعث عیسی بإبراء الأکمه والأبرص وإحیاء الموتی بإذن الله فقهرهم وبهرهم وبعث محمداً بالقرآن والسیف فی زمان الغالب علی أهله السیف والشعر فأتاهم من القران الزاهر

ص:202

والسیف القاهر ما بهر به شعرهم وقهر سیفهم وأثبت الحجة علیهم فقال ابن السکیت فما الحجة الان؟ قال العقل یعرف به الکاذب علی الله فیکذب فقال یحیی ابن أکثم ما لابن السکیت ومناظرته وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة)(1).

لعب یحیی بن أکثم دوره أیضاً إکمالاً فی تحقیق أهداف المتوکل من وراء طرح الأسئلة المعقدة کما فی تصورهم علی الإمام علیه السلام إلاّ أنّ المصادر اختلفت فی کیفیة طرحها، فأشار الحرانی عن موسی بن محمد أخی الإمام علیه السلام قوله (لقیت یحیی بن أکثم فی دار العامة، فسألنی عن مسائل فجئت إلی أخی علی بن محمد علیهما السلام فقلت له جعلت فداک إنّ ابن أکثم کتب یسألنی عن مسائل لأفتیه فیها فضحک علیه السلام ثم قال: فهل أفتیته، قلت لا لم أعرف)(2).

بینما أشار المفید نقلاً عن موسی أیضاً قوله (کتب إلی یحیی ابن أکثم یسألنی عن عشر مسائل أو تسع فدخلت علی أخی فقلت له جعلت فداک إن ابن أکثم کتب إلی یسألنی عن مسائل)(3) ، بینما نقل ابن شهر آشوب والمجلسی صورة أخری فی طرح مسائل یحیی بن أکثم علی الإمام علیه السلام والتی جاءت بعد فراغ ابن السکیت من مناظرة الإمام علیه السلام قولهما (ورفع قرطاساً فیه مسائل فأملی علی بن محمد علیه السلام علی ابن السکیت جوابها وأمره أن یکتب)(4) ، ونجد

ص:203

قرینة فی قولهما أیضاً علی أن صاحب هذه الأسئلة هو یحیی بن أکثم قول یحیی بن أکثم نفسه للمتوکل (ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شیء بعد مسائلی هذه)(1).

والراجح أن یحیی بن أکثم قد وجه هذه الأسئلة للإمام علیه السلام ولیس لموسی لأنه یعلم جهله وعلم الإمام علیه السلام فضلاً أن هناک أهدافاً وراء هکذا أسئلة ترتبط بالإمام ولیس بموسی.

ومن بین أبرز الأسئلة التی طرحها یحیی بن أکثم علی الإمام علیه السلام سؤاله عن قول الله (قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ)2 ، نبی الله کان محتاجاً إلی علم آصف؟ وعن قوله (وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَی الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً)3 سجد یعقوب وولده لیوسف وهم أنبیاء وعن قوله (فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ)4 ، من المخاطب بالآیة؟ فإن کان المخاطب النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقد شک وإن کان غیره فعلی من إذاً أنزل الکتاب...؟ قال علیه السلام: أکتب إلیه قلت وماذا اکتب؟ قال علیه السلام أکتب بسم الله الرحمن الرحیم وأنت فألهمک الله الرشد أتانی کتابک فامتحنتنا به من تعنتک لتجد إلی الطعن سبیلاً إن قصرنا فیها... سألت عن قول الله عز وجل:(قالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ) فهو آصف بن برخیا ولم یعجز سلیمان علیه السلام عن معرفة أصف لکنه صلوات علیه أحب أن یعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده وذلک من علم سلیمان علیه

ص:204

السلام أودعه عند آصف بأمر الله ففهمه ذلک لئلا یختلف علیه فی إمامته ودلالته کما فهم سلیمان علیه السلام فی حیاة داود علیه السلام لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأکد الحجة علی الخلق.

وأما سجود یعقوب علیه السلام وولده فکان طاعة لله ومحبة لیوسف علیه السلام کما أنّ السجود من الملائکة لأدم علیه السلام لم یکن لآدم علیه السلام وإنما کان ذلک طاعة لله...

وأما قوله (فَإِنْ کُنْتَ فِی شَکٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَیْکَ فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ) فإنّ المخاطب به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم یکن فی شک مما أنزل إلیه ولکن قالت الجهلة، کیف لم یبعث الله نبیاً من الملائکة إذ لم یفرق بین نبیه وبیننا فی الاستغناء عن المأکل والمشرب والمشی فی الأسواق فأوحی الله إلی نبیه (فَسْئَلِ الَّذِینَ یَقْرَؤُنَ الْکِتابَ) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولاً قبلک إلا وهو یأکل الطعام ویمشی فی الأسواق ولک بهم أسوة...)(1) وغیر ذلک من الأمثلة(2).

ما من شک أنّ هذه الأسئلة کانت تحمل بعداً معقداً وصعوبة بالغة فی الوقوف علی أجوبتها، لهذا طرحت علی الإمام علیه السلام من قبل یحیی بن أکثم لکی یمتحن الإمام بها، فإذا لم یجیب علیها طعن به وفی علمه، وقد أشار الإمام علیه السلام إلی هدف یحیی بن أکثم فی مطلع کتابه الذی حمل أجوبة الأسئلة التی طرحها علیه.

ص:205

وکانت نتائج هذه الأسئلة والاختبارات وغیرها ممن سبقت من ابن السکیت تثبت علم الإمام علیه السلام ومکانته العلمیة بین أوساط فقهاء البلاط العباسی.

أما مکانة الإمام علیه السلام العلمیة فی فترة الخلفاء المتأخرین زمن إمامته وهم المنتصر والمستعین والمعتز لم نجد روایات تاریخیة تبین لنا مکانته العلمیة فی هذه الفترة إلاّ أننا عندما ندرس آثاره الفکریة نجد ذلک واضحاً وجلیاً.

المسار الثانی: آثاره الفکریة

تنوع الموروث الفکری للإمام علیه السلام فی جوانب عدیدة کالجانب العقائدی والفقهی الذی یشمل الصلاة والأدعیة والزیارات، وفی الجانب التربوی والأخلاقی فی کلماته القصار، لاسیما أیضاً کان للإمام علیه السلام أنواع من العلوم المختلفة، ولقد کان لوقوفه بوجه بعض الفرق کفرقة الغلو والصوفیة والواقفیة، ویوضح ما یراه تجاه المعتزلة انعکاسات واضحة کلها تکشف وتدلل علی مکانته العلمیة.

وأبرز ما یمکن الوقوف علیه من أثاره الفکریة لنتلمس مکانته العلمیة مایأتی.

یختار ما یرید ویأمر به وینهی عما یکره ویعاقب علیه بالاستطاعة... وهذا القول بین القولین لیس بجبر ولا تفویض)(1).

أرضه وشاهده علی خلقه... أشهد أنک قد أقمت الصلاة وآتیت الزکاة وأمرت بالمعروف ونهیت عن المنکر)(1).

الغلاة وهو علی بن حسکة، حیث قال علیه السلام (کذب ابن حسکة علیه لعنة الله ولحسبک أنی لا أعرفه فی موالی ما له لعنة الله)(1) ، ولقد کتب الإمام علیه السلام إلی بعض شیعته یبین لهم موقفه ممن أعلن الغلو حمایة لهم من الانحراف الفکری جاء فیه (لعن الله القاسم الیقطینی ولعن الله علی بن حسکة القمی إنّ شیطاناً یترائی للقاسم فیوحی له زخرف القول غروراً)(2).

وهناک بعض الشخصیات التی أظهرت الغلو عمد الإمام علیه السلام إلی الأمر بقتلهم، فأشارت بعض المصادر إلی ذلک فکان فارس بن حاتم أحد أولئک الشخصیات التی أشارت لهم أن الإمام أمر بقتله وقال: لمن یقتله (وإنا ضامن له علی الله الجنة)(3).

ویقول: خذ هذا الدواء کذا وکذا یوماً فأخذته فشربت فبرأت...)(1).

ومن هذا النص یبدو لنا أمران الأول علم الإمام الهادی علیه السلام بالمرض فهل کان هو عن طریق الغیب أم عن الطریق الطبیعی وکلاهما محتملان، ولکن الأرجح عن الطریق الطبیعی لأن النص وإن کان لم یبین طبیعة العلاقة بینهما إلاّ أنّه لیس من المستبعد أن یکون وصل خبر للإمام علیه السلام فأرسل إلیه رسولاً بهذا الوصف، والثانی یبین مکانة الإمام علیه السلام من الناحیة الطبیة التی جاءت کما وصف الطبیب تماماً.

إلیه: (إذا غاب صاحبکم عن دار الظالمین فتوقعوا الفرج)(1).

یجیب الإمام علیه السلام عن هذا الکتاب بجواب رمزی یرمز فیه إلی قضیة الغیبة، حیث یشیر الإمام علیه السلام للقائم علیه السلام بالصاحب ویؤکد علی غیبته وظروفه السیاسیة الصعبة التی سوف تحیط به مما تجعله غائباً، وفی تلک الغیبة توقع الفرج للأتباع والموالین لأن الإمام الهادی علیه السلام یکتب للجمیع لا لفرد واحد وإن کان الخطاب موجهاً إلی فرد، وتوقع الفرج أمرٌ مبهمٌ فیه بعد نفسی واضح وهو أحد الأمور التی یرکزعلیها الإمام الهادی علیه السلام.

4: روی عن الإمام الهادی علیه السلام قال: (صاحب هذا الأمر من یقول الناس لم یولد بعد)(2).

یؤکد الإمام الهادی علیه السلام علی أمر مستقبلی غیبی یحمل فی طیاته الدفاع عن الولادة والغیبة فی آن واحد قبال الأقوال المستقبلیة، والتی سوف تخرج مدعیة بعدم الولادة للقائم علیه السلام کخلف بعد الإمام العسکری علیه السلام وهذا إبلاغ للأتباع والموالین ما للغیبة من تعتیم وسریة وخوف علی المولود الخلف من السلطة التی تبث العیون لمعرفة ولادته لقتله.

5: روی عن عبد العظیم الحسنی(3) قال: (دخلت علی سیدی علی بن

ص:216

محمد" علیهما السلام "...فقلت له: یابن رسول الله إنی أرید أن أعرض علیک دینی فإن کان مرضیاً أثبت علیه حتی ألقی الله عز وجل فقال: هات... وأقول إن الإمام والخلیفة وولی الأمر بعده أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب... فقال علیه السلام ومن بعدی الحسن ابنی فکیف للناس للخلف من بعده؟ قال: فقلت: وکیف ذلک یا مولای؟ قال: لا یری شخصه ولا یحل ذکره باسمه حتی یخرج فیملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً...)(1).

یشیر الإمام علیه السلام مؤکداً علی عدم رؤیة شخص القائم علیه السلام وحرمة ذکر اسمه، وفی ذلک إشارة إلی الظرف السیاسی الصعب الذی یمر به، وفی جانب آخر تأکید علی الظلم فی الأرض وقیام القائم علیه السلام بنشر العدل فیها.

6: روی عن الإمام الهادی علیه السلام أنه قال: (لولا من یبقی بعد غیبة قائمکم علیه السلام من العلماء الداعین إلیه والدالین علیه والذابین عن دینه... لما بقی أحد إلا ارتد عن دین الله...)(2).

یشیر الإمام علیه السلام إلی طول الغیبة للقائم علیه السلام وقیام العلماء نیابة عنه فی أداء وظائفه وتأکیدهم علی الإشارة إلیه وأهمیة وجوده فی الأرض.

ص:217

حدثنی أبی علی بن موسی قال حدثنی أبی موسی بن جعفر قال حدثنی أبی جعفر بن محمد قال حدثنی أبی محمد بن علی قال حدثنی أبی علی بن الحسین "علیهم السلام" عن جابر بن عبد الله الأنصاری قال: قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم (من أحب أن یجاور الخلیل فی داره ویأمن حر ناره فلیتول علی بن أبی طالب)(1).

روی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (أحبوا الله لما یغدوکم به من نعمة وأحبونی لحب الله وأحبوا أهل بیتی لحبی)(2).

روی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن الإمام الباقر علیه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاری، قال: (کنت عند النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنا من جانب وعلی من جانب إذ أقبل عمر بن الخطاب ومعه رجل قد تلبس فقال ما باله؟ قال حکی عنک یا رسول الله أنک قلت من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة وهذا إذا سمعه الناس فرطوا فی الأعمال أفأنت قلت ذاک یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم (نعم إذا تمسک بمحبة هذا وولایته)(3).

روی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: (قال النبی صلی الله علیه وآله وسلم یقول الله عز وجل: یابن آدم ما تنصفنی اتحبب إلیک بالنعم وتتمقت إلی بالمعاصی، خیری إلیک

ص:221

نازل وشرک إلی صاعد، ولا یزال ملک کریم یأتینی عنک فی کل یوم ولیلة، بعمل قبیح یابن آدم، لو سمعت وصفک من غیرک وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعت إلی مقته، یابن آدم اذکرنی حین تغضب أذکرک حین أغضب ولا أمحقک فیمن أمحق)(1).

وروی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: (سألت النبی عن الإیمان قال: تصدیق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأرکان)(2).

وروی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: (یا علی إن الله عز وجل قد غفر لک ولشیعتک ومحبی شیعتک فأبشر فإنک الأنزع البطین منزوع من الشرک بطین بالعلم)(3).

وروی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: (إنما سمیت ابنتی فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار)(4).

وروی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال لی النبی صلی الله علیه وآله وسلم: (یا علی خلقنی الله تعالی وأنت من نور الله حین خلق آدم وأفرغ ذلک النور فی صلبه، فأفضی به إلی عبد المطلب ثم افترقا من عبد المطلب أنا فی عبد الله

ص:222

وأنت فی أبی طالب، لا تصلح النبوة إلا لی ولا تصلح الوصیة إلا لک، فمن جحد وصیتک جحد نبوتی ومن جحد نبوتی أکبه الله علی منخریه فی النار)(1).

روی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه "علیهم السلام" عن الصادق علیه السلام قال: (علیکم بالتقیة فإنه لیس منا من لم یجعلها شعاره ودثاره مع من یأمنه لتکون سجیته مع من یحذره)(1).

وسلم وهو یقول: من أدی لله مکتوبة فله فی إثرها دعوة مستجابة)(1).

علیه السلام قال فی قوله تعالی:(إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ)1 ، قال (صلاة اللیل تذهب بذنوب النهار)(1).

روی عن الإمام الهادی علیه السلام عن آبائه" علیهم السلام "عن الصادق علیه السلام قال (قال فی قوله تعالی:(تَتَجافی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)3 ، قال کانوا لا ینامون حتی یصلوا العتمة)(2).

ان أبرز ما یمکن الإشارة إلیه فی هذا الاتجاه من الموروث الفکری یتمثل فی عظمة سلسلة سند الروایات التی لا یمکن لسند آخر أن یقف قبالة مضمونها أیضاً، وهذا یعکس صوراً من صور الإرث الذی وصله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام.

ویلاحظ أن الروایات فی الجانب العقائدی، قد رکزت علی ولایة أمیر المؤمنین" علیه السلام "،وفی الجانب الفقهی نجد الترکیز علی الصلاة والدعاء وهما أبرز وسائل الارتباط الروحی بین الخالق والمخلوق، لما یمثلان من أسس وقواعد فی طریق الارتقاء بالقرب من ساحة الملکوت الأعلی لله سبحانه وتعالی.

ومن الطبیعی أن یکون هناک دوافع دفعت الإمام الهادی علیه السلام من إظهار هذه الروایات فی فترات معینة من إمامته علیه السلام ولعل ذلک یرجع إلی الرغبة فی نشر روایات آبائه" علیهم السلام "،لتحفظ بصورة أکبر بین حفاظ علوم الأئمة" علیهم السلام "من أتباعهم وشیعتهم، وأیضاً إلی قیمة وأهمیة الولایة بالنسبة للروایات العقائدیة بالمنظور الإسلامی.

ص:226

تداولت بین أتباعه نقلاً عن مقولة هشام بن الحکم وهشام بن سالم اللذین عدهما الشیخ الطوسی من أصحاب الإمام الصادق والإمام الکاظم علیهما السلام(1).

ویبدو أنّ مقولتهما استمرت إلی فترة الإمام الهادی علیه السلام والملاحظ علی هذه النصوص أن الإمام علیه السلام یحاول أن یفند هذه الآراء بطریقة استدلالیة فنجده یعتبر أن الجسم محدث والله محدثه ومجسمه، والذی نفهمه من عبارة الإمام علیه السلام أن دعوی القول إنّ الله جسم لازمه أنه سبحانه محدث والمحدث متعرض للفناء لفقره للأزلیة لأنه مسبوق بعدم والله لیس کذلک، لأن لازم المجسمة کما عبر الإمام علیه السلام أنه سبحانه هو المحدث، وأما المجسم أنه جسم والجسم مرکب من أجزاء یحتاج إلی جمیع أجزائه ولازم ذلک أن الله یفنی لأنه فقیر والله لیس کذلک.

ویجیب بطریقة استدلالیة أخری قوامها التشبیه بعدم المثلیة له، وهذا نجده فی قوله (لیس کمثله شیء). لما لهذا الاستدلال من القرب للفطرة السلیمة.

یبدو أنّ الإمام علیه السلام قد نحی منحی علمیاً فی جوابه، مشیراً إلی نظریة علمیة مفادها لابد بین العین الباصرة والشیء المشاهد مطلقاً واسطة وهی الهواء وهما العین والهواء من الممکنات المحدودة والمحدود لا یمکن أنْ یدرک غیر المحدود.

یقدر أن یؤدیه قبل نزوله وهذا معناه نسبة العجز إلیه سبحانه والله قادر علی کل شیء ونسبة القدرة إلیه علی حد سواء.

فالعلم فی المعلوم قبل کونه والمشیئة فی المنشأة قبل عینه والإرادة فی المراد قبل قیامه والتقدیر لهذه المعلومات قبل تفصیلها وتوصیلها عیاناً ووقتاً والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات وذوات الأجسام المدرکات بالحواس من ذوی لون وریح ووزن وکیل وما دب ودرج من إنس وجن وطیر وسباع وغیر ذلک مما یدرک بالحواس، فلله تبارک وتعالی فیه البداء مما لا عین له فإذا وقع العین المفهوم المدرک فلا بداء والله یفعل ما یشاء، فالعلم علم الأشیاء قبل کونها وبالمشیئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها وبإرادة میز أنفسها فی ألوانها وصفاتها، وبالتقدیر قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها وبالقضاء أبان للناس أماکنها ودلهم علیها وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلک تقدیر العزیز العلیم)(1).

یوضح الإمام علیه السلام فی هذه المقولة العدید من الأبحاث العقائدیة المعمقة التی إنْ دلت إنما تدل علی سعة علمه الواسع ذات الجنبة الربانیة، فنجد هذه الأبحاث تدور فی مباحث الصفات الذاتیة وغیر الذاتیة وجدلیة الترتیب فیما بینهما، ویؤکد علیه السلام علی العلم والقضاء والبداء الذین هم کما یبدو من أهم الأبحاث العقائدیة بین المسلمین آنذاک.

الطریق لما قدم به إلی سامراء فسمعته فی بعض الطریق یقول: من اتقی یتقی ومن أطاع الله یطاع، فلم أزل حتی دنوت فسلمت علیه ورد علی السلام، فأول ما ابتدأنی أن قال لی یا فتح من أطاع الخالق لم یبال بسخط المخلوقین ومن أسخط الخالق فلیوقن أن یحل به سخط المخلوقین.... بکنهه محمد صلی الله علیه وآله وسلم وقد قرن الخلیل اسمه باسمه وأشرکه فی طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته فقال:(وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)1 وقال تبارک اسمه یحکی قول من ترک طاعته "یا لیتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا" أم کیف یوصف من قرن الخلیل طاعته بطاعة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حیث یقول (أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ)2 یا فتح کما لا یوصف الجلیل جل جلاله ولا یوصف الحجة فکذلک لا یوصف المؤمن المسلم لأمرنا فنبینا صلی الله علیه وآله وسلم أفضل الأنبیاء ووصینا صلی الله علیه وآله وسلم أفضل الأوصیاء.... فلما کان فی الغد تلطفت فی الوصول إلیه فسلمت فرد السلام فقلت: یابن رسول الله تأذن لی فی کلمة اختلجت فی صدری لیلتی الماضیة فقال لی: سل واصغ إلی جوابها سمعک فإن العالم والمتعلم شریکان فی الرشد مأموران بالنصیحة، فأما الذی اختلج فی صدرک فإن یشأ العالم أنبئک الله أنّ الله لم یظهر علی غیبه أحداً إلاّ من ارتضی من رسول، وکل ما عند الرسول فهو عند العالم وکل ما اطلع الرسول علیه فقد أطلع أوصیاءه علیه یا فتح، عسی الشیطان أراد اللبس علیک فأوهمک فی بعض ما أوردت علیک وأشکک فی بعض ما أنبأتک حتی أراد إزالتک عن طریق الله وصراطه المستقیم، فقلت متی أیقنت أنهم هکذا فهم

ص:233

أرباب، معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون مطیعون داخرون راغمون، فإذا جاءک الشیطان لمثل ما جاءک به فاقمعه بمثل ما أنبأتک به، قال فتح فقلت له: جعلنی الله فداک فرجت عنی وکشفت ما لبس الملعون علی فقد کان أوقع فی خلدی أنکم أرباب قال فسجد علیه السلام فسمعته یقول فی سجوده راغماً لک یا خالقی داخراً خاضعاً... وقد أوقع الشیطان فی خلدی أنه لا ینبغی أن یأکلوا ولا یشربوا. فقال: اجلس یا فتح فإن لنا بالرسل أسوة کانوا یأکلون ویشربون ویمشون فی الأسواق...)(1).

عند دراسة هذا النص یبرز لنا موقف الإمام الهادی علیه السلام من فتح بن یزید حیث ابتدأ بالحدیث لیثبت حقیقة الطاعة فی مفهوم القرآن ومدرسة أهل البیت "علیهم السلام" وهو قوله (من أطاع الخالق لم یبال بسخط المخلوقین)، وهذا القول لا بد له مناسبة ما والراجح فی کونها إشخاصه إلی سامراء تحت عناوین التلویح فی استعمال القوة لذا نجد قرائن تدعم هذا الترجیح وهو قوله "من أسخط الخالق فلیوقن بسخط المخلوقین" ،وهذا التصریح عبارة عن رسالة سیاسیة رافضة للواقع السیاسی الذی یحیط به، ثم تحدث عن طاعة الرسول وساق أدلة إثبات لها، وفی جانب آخر أشار علیه السلام لفتح حین أخبره فی ما قد أشکل علیه من قبل إبلیس حیث ظن أن الأئمة والإمام أحدهم، هم أرباب فأخذ الإمام علیه السلام یثبت أنهم مخلوقون کسائر البشر.

والراجح أن أسلوب حدیث الإمام علیه السلام الاستدلالی مع فتح الجرجانی کان نابعاً من إدراکه علیه السلام لمستواه الفکری، خصوصاً أن جهات

ص:234

جرجان وغیرها یحتمل أنها مناخ صالح لظهور الأفکار المنحرفة، کما اتضح من القائلین بالغلو کان أغلبهم من الجهات البعیدة عن تأثیر الإمام علیه السلام وطبیعة المناخ الفکری کان بیئة خصبة لهکذا میول، وفی تلک المناطق فأراد الإمام علیه السلام إنقاذه من الوقوع فی هکذا انحرافات.

عن الحسن بن راشد(1) قال: قال الفقیه العسکری علیه السلام: (لیس فی الغسل ولا فی الوضوء مضمضة ولا استنشاق)(2).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام عن الوضوء للصلاة بعد غسل الجمعة، فأجاب علیه السلام لا وضوء للصلاة فی غسل الجمعة ولا غیره(3).

عن داود الصرمی(4) قال: (رأیت أبا الحسن الثالث علیه السلام غیر مرة یبول ویتناول کوزاً صغیراً ویصب الماء علیه من ساعته)(5).

کتب أحمد بن القاسم(6) إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام یسأله عن المؤمن یموت فیأتیه الغاسل یغسله وعنده جماعة من المرجئة هل یغسله غسل العامة ویعممه ولا یصر معه جریدة؟ فکتب (یغسله غسل المؤمن، وإن کانوا حضوراً وأما الجریدة، فلیستخف بها ولا یرونه ولیجتهد فی ذلک جهده)(7).

ص:236

أخرج من هذا الوجه وربما لم یکن موضع أصلی فیه من الثلج فکیف أصنع؟ قال: إن أمکنک أن لا تسجد علی الثلج فلا تسجد علیه وإن لم یمکنک فسوه واسجد علیه)(1).

وروی عن داود الصرمی أنه قال: (سأل رجل أبا الحسن الثالث علیه السلام عن الصلاة فی الخز یغش بوبر الأرانب؟ فکتب یجوز ذلک)(2).

وسأل علی بن الریان بن الصلت(3) (أبا الحسن الثالث علیه السلام عن الرجل یأخذ من شعره وأظفاره ثم یقوم للصلاة من غیر أن ینفضه من ثوبه فقال: لا بأس)(4).

روی عن یاسر الخادم أنه قال: (مر بی أبو الحسن علیه السلام وأنا أصلی علی الطبری وقد ألقیت علیه شیئاً فقال لی: مالک لا تسجد علیه ألیس هو من نبات الأرض؟)(5).

وسأل الحسن بن محبوب(6) (أبا الحسن علیه السلام عن الجص یوقد علیه بالعذرة وعظام الموتی ثم یجصص به المسجد ویسجد علیه؟ فکتب علیه السلام

ص:238

بخطه، إن النار والماء قد طهراه)(1).

وکتب أیوب بن نوح إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام یسأله (عن المغمی علیه یوماً أو أکثر هل یقضی ما فاته من الصلوات أم لا؟ فکتب لا یقضی الصوم ولا الصلاة)(2).

وسأله علی بن مهزیار عن هذه المسألة فقال: (لا یقضی الصوم ولا الصلاة، وعلی ما غلب الله علیه فالله أولی بالعذر)(3).

وعن الإمام الهادی علیه السلام قال: (یکره السفر والسعی فی الحوائج یوم الجمعة ویکره من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز یترک به، وقد ورد قوله هذا فی جواب أهل الری)(4).

روی عن محمد بن جزک(5) قال: (کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أن لی جمالاً ولی قواماً علیها ولست أخرج فیها إلاّ فی طریق مکة لرغبتی فی الحج أو فی الندرة إلی بعض المواضع فماذا یجب علی إذا أنا خرجت معهم، أن أعمل أیجب علی التقصیر فی الصلاة أو الصیام فی السفر والتمام؟ فوقع علیه السلام إذا کنت لا تلزمها ولا تخرج معها فی کل سفر إلا إلی مکة فعلیک تقصیر وإفطار)(6).

ص:239

عن داود الصرمی قال: (سألت أبا الحسن الثالث علیه السلام هل یجوز السجود علی الکتاب والقطن من غیر تقیة؟ فقال: جائز)(1).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام عن جواز السجود علی القطن والکتان من غیر تقیة أو ضرورة قال فأجاب ذلک جائز(2).

روی أحد شیعة الإمام علیه السلام أنّه قال رأیت أبا الحسن الثالث علیه السلام سجد سجدة شکر فافترش ذراعیه وألصق صدره وبطنه فسألته عن ذلک فقال کذا یجب(3).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام من أحد شیعته حول سجود الشکر، هل هو بعد صلاة المغرب أو العشاء، فأجاب علیه السلام ما کان أحد من آبائی یسجد إلا بعد السبعة(4).

عن محمد بن عبد الله الحمیری(5) قال: (کتبت إلی الفقیه علیه السلام أسأله عن الرجل یزور قبور الأئمة "علیهم السلام" ،هل یجوز له أن یسجد علی قبر أم لا؟ وهل یجوز لمن صلی عند قبورهم أن یقوم وراء القبر، ویجعل القبر قبلة ویقوم عند رأسه ورجلیه؟ وهل یجوز أن یتقدم القبر ویصلی ویجعله خلفه أم لا؟ فأجاب علیه السلام وقرأت التوقیع منه نسخت: أما السجود علی القبر فلا یجوز فی نافلة

ص:240

ولا فریضة ولا زیارة بل یضع خده الأیمن علی القبر وأما الصلاة فإنّها خلفه ویجعله الإمام ولا یجوز له أن یصلی بین یدیه لأن الإمام لا یتقدم ویصلی عن یمینه وشماله)(1).

عن سلیمان بن جعفر(2) قال: قال (الفقیه علیه السلام آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف)(3).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام عن القنوت فأجاب: إذا کانت ضرورة شدیدة فلا ترفع الیدین وقل ثلاث مرات، بسم الله الرحمن الرحیم(4).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام عن التقصیر فی الصلاة عند السفر، فأجاب علیه السلام: التقصیر فی أربعة فراسخ فإذا خرج الرجل من منزله یرید اثنی عشر میلاً وذلک أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخین ونسی الرجوع فرسخین آخرین قصر وإن رجع کما نوی عندما بلغ فرسخین وأراد المقام فعلیه التمام وإن کان قصر ثم رجع عن نیته أعاد الصلاة(5).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام عن کیفیة صلاة المریض فأجاب علیه السلام المریض إنما یصلی قاعداً إذا صار بالحال التی لا یعذر فیها إن یمشی مقدار صلاته إلی أن یفرغ قائماً، ومن کان من المرض علی حال یجب علیه فیها الإفطار

ص:241

فتکلف الصیام لم یجز عنه وعلیه القضاء ویدل علی ذلک قوله تعالی:(وَ مَنْ کانَ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ)1 .

عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری، قال: (کتبت إلی الفقیه علیه السلام أسأله هل یجوز أن یسبّح الرجل بطین قبر الحسین علیه السلام وهل فیه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت یسبّح به فما شیء من التسبیح أفضل منه ومن فضله أن المسبح ینسی التسبیح ویدیر السبحة فیکتب له ذلک التسبیح)(1).

السلام یوم مولد النبی ویوم بعثته ویوم دحیت الأرض من تحت الکعبة ویوم الغدیر وذکر فضائلها(1).

روی احد شیعة الإمام علیه السلام انه قال: (اذا أجنب الرجل فی شهر رمضان بلیل ولا یغتسل حتی یصبح، فعلیه شهرین متتابعین من صوم ذلک الیوم ولا یدرک فضل صومه)(2).

علیه السلام (أعطی الرجل من إخوانی من الزکاة الدرهمین والثلاثة؟ فکتب افعل إن شاء الله)(1).

2. عن علی بن بلال قال: (کتبت إلی الطیب العسکری علیه السلام هل یجوز أن یعطی الفطرة عن عیال الرجل وهم عشرة أقل أو أکثر رجلاً محتاجاً موافقاً؟ فکتب علیه السلام نعم افعل ذلک)(2).

عن إبراهیم بن محمد الهمدانی(3): (اختلفت الروایات فی الفطرة فکتبت إلی أبی الحسن صاحب العسکر علیه السلام أسأله عن ذلک فکتب، إن الفطرة صاع من بلدک عن أهل مکة والیمن والطائف وأطراف الشام والیمامة والبحرین والعراقین وفارس والأهواز وکرمان تمر، وعلی أوساط الشام زبیب وعلی أهل الجزیرة والموصل والجبال کلها یراد شعیر، وعلی أهل طبرستان الأرز وعلی أهل خراسان الرز إلاّ أهل مرو والری، فعلیهم الزبیب وعلی أهل مصر البر ومن سوی ذلک، فعلیهم ما غلب قوتهم ومن سکن البوادی من الأعراب، فعلیهم الأقط والفطرة علیک وعلی الناس کلهم وعلی من تعول من ذکر أو أُنثی صغیرٍ أو کبیرٍ حراً أو عبدٍ فطیمٍ أو رضیع تدفعه وزناً ستة أرطال برطل المدینة والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً وتکون الفطرة ألفاً ومائة وسبعین درهماً)(4).

ص:244

ذکراً فعن واحد وإن کان أنثی فعن سبعة)(1).

3 - متمتعاً فطاف بالبیت فصلی رکعتین خلف مقام إبراهیم علیه السلام وسعی بین الصفا والمروة وقصر، فقد حل له کل شیء ما خلا النساء، لأن علیه لتحلة النساء طوافاً وصلاة)(2).

رجل استأجر ضیعة من رجل فباع المؤجر تلک الضیعة، التی أجرها بحضرة المستأجر ولم ینکر المستأجر البیع وکان حاضراً له شاهداً علیه، فمات المشتری وله ورثة أیرجع ذلک فی المیراث، أو یبقی فی ید المستأجر إلی أن تنقضی أجازته؟ فکتب علیه السلام إلی أن تنقضی أجازته)(1).

وکتب محمد بن عیسی بن عبید الیقطینی(2): (إلی أبی الحسن علی بن محمد العسکری علیه السلام فی رجل دفع ابنه إلی رجل وسلمه منه سنة أجرة معلومة لیخیط له ثم جاء رجل آخر فقال له: سلم ابنک منی سنة بزیادة هل له الخیار فی ذلک؟ وهل یجوز له أن یفسخ ما وافق علیه الأول أم لا؟ فکتب علیه السلام بخطه، یجب علیه الوفاء للأول ما لم یعرض لابنه مرض أو ضعف)(3).

مال الآمر)(1).

2 - محمد بن الحسن الصفار(2) ، قال: (کتبت إلی الفقیه علیه السلام فی رجل دفع ثوباً إلی القصار لیقصره، فیدفعه القصار إلی قصار غیره فضاع الثوب هل یجب علی القصار أن یرده إذا دفعه إلی غیره وإن کان القصار مأموناً؟ فوقع علیه السلام هو ضامن له إلا أن یکون ثقة مأموناً إن شاء الله)(3).

فی جمیع ذلک إلی أن یأتیه الموت)(1).

عن الحسن بن راشد قال: (سألت العسکری علیه السلام عن رجل أوصی بثلثه بعد موته فقال: ثلثی بعد موتی بین موالی ومولیاتی ولأبیه موال یدخلون موالی أبیه فی وصیته بما یسمون موالیه أم لا یدخلون؟ فکتب علیه السلام لا یدخلون)(2).

عن علی بن بلال قال (کتبت لابی الحسن یعنی علی بن محمد علیهما السلام یهودی مات وأوصی لدیانه بشیء أقدر علی أخذه هل یجوز أن آخذه وأدفعه إلی موالیک أو أنفذه فیما أوصی به الیهودی؟ فکتب أوصله إلی وعرفنیه لأنفذه فیما ینبغی إن شاء الله تعالی)(3).

عن الحسن بن راشد قال: (سألت العسکری علیه السلام بالمدینة عن رجل أوصی بمال فی سبیل الله فقال: سبیل الله شیعتنا)(4).

عن الحسن بن راشد قال: (قال العسکری علیه السلام إذا بلغ الغلام ثمانی سنین فجائز أمره فی ماله وقد وجب علیه الفرائض والحدود وإذا تم للجاریة سبع سنین فکذلک)(5).

عن محمد بن علی بن محبوب، قال (کتب رجل إلی الفقیه علیه السلام رجل أوصی لموالیه وموالی أبیه بثلث ماله، فلم یبلغ ذلک. قال علیه السلام المال

ص:249

لموالیه وسقط موالی أبیه)(1).

من طعام کفارة(1).

سُئل الإمام الهادی علیه السلام فی رجل نذر أن یصوم یوماً لله فوقع فی ذلک الیوم علی أهله فما علیه، فأجاب علیه السلام یصوم یوماً بدل یوم وتحریر رقبة(2).

الحسن الأخیر علیه السلام لو أن الدار داری لقتلت بائعه ولجلدت شاربه، وقال أبو الحسن الأخیر علیه السلام حده حد شارب الخمر وقال: علیه السلام هی خمیرة استصغرها الناس)(1).

روی عن الحسین بن إسماعیل شیخ من أهل النهرین قال: (خرجت وأهل قریتی إلی أبی الحسن علیه السلام، وکان بعض أهل القریة قد حملنا رسالة ودفع إلینا ما أوصلناه وقال تقرؤونه منی السلام وتسألونه عن بیض الطائر الفلانی من طیور الأجسام هل یجوز أکله أم لا؟ فسلمناه ما کان معنا إلی خازنه وأتاه رسول السلطان، فنهض لیرکب وخرجنا من عنده ولم نسأله عن شیء فلما صرنا فی الشارع لحقنا علیه السلام فقال لرفیقی بالنبطیة واقرأ فلاناً السلام وقل له: بیض الطائر الفلانی لا تأکله فإنه من الممسوخ)(2).

سورة طه: روی عن موسی بن محمد بن علی عن أخیه أبی الحسن الثالث علیه السلام قال: (الشجرة التی نهی الله آدم وزوجته أن یأکلا منها، شجرة الحسد عهد إلیهما أن لا ینظر إلی من فضل الله علیه وعلی خلائقه بعین الحسد (وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)1 (1).

سورة النور: روی عن أحد شیعته قال: (سألت أبا الحسن علی بن محمد علیه السلام عن قول الله عز وجل (اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) ،(2) فقال علیه السلام: هادی من فی السماوات وهادی من فی الأرض).(3)

سورة الزمر: روی أن أبا الحسن علی بن محمد العسکری "علیهما السلام" سُئِلَ عن قول الله عز وجل (وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْضَتُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِیّاتٌ بِیَمِینِهِ) ،(4) فقال ذلک تعبیر الله تبارک وتعالی لمن شبهه بخلقه ألا تری أنّه قال (وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلی بَشَرٍ مِنْ شَیْ ءٍ)6 ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة والیمین فقال:(سُبْحانَهُ وَ تَعالی عَمّا یُشْرِکُونَ)7 (5).

معنی الرجیم: روی عن عبد العظیم الحسنی، قال: (سمعت أبا الحسن علی

ص:254

ابن محمد العسکری علیه السلام یقول معنی الرجیم أنه مرجوم باللعن مطرود من مواضع الخیر لا یذکره مؤمن إلا لعنه وأن فی علم الله السابق أنه إذا خرج القائم علیه السلام لا یبقی مؤمن فی زمانه إلا رجمه بالحجارة کما کان قبل ذلک مرجوماً باللعن)(1).

لکن من الجدیر بنا أن نتساءل عن تلک الظروف التی أدت إلی ظهور صلاة الحاجة، وفی مقام الإجابة عن هکذا سؤال نقول: کما هو واضح أن الصلاة هی لأتباع الإمام علیه السلام وهم لیسوا بأفضل حال من إمامهم علیه السلام فتکون الحاجة لهم أکثر منه، فالحاجة إما للدنیا فتکون إما لأسباب سیاسیة أو اقتصادیة أو اجتماعیة، وکل هذه النواحی کانت سیئة لشیعة الإمام علیه السلام خصوصاً فی فترة خلافة المتوکل العباسی، کانت الحاجة لهذه الصلاة بصورة أکثر وأکبر أو تکون الصلاة للآخرة کنوع من أنواع السلوک والسیر لهدف التکامل الروحی.

والأرجح أن هذه الصلاة جاءت انعکاساً للظروف الدنیویة سیاسیة کانت أم اقتصادیة أم اجتماعیة لأتباع الإمام وشیعته، ولهذا نجد الإمام علیه السلام یشیر إلی هذا البعد فی الدعاء المروی بعد الفراغ من صلاة الحاجة والذی جاء فیه (ومن أرادنی بسوء من خلقک فأخرج صدره وأفحم لسانه واسدد بصره واقمع رأسه واجعل له شغلاً فی نفسه)(1).

أدخل یدک وأخرج واحدة فإن کان فیها نعم فافعل وإن کان فیها لا تفعل هکذا شاور ربک)(1).

یبدو من هذه الصلاة أنها جاءت انعکاساً لواقع فقدان عنصر المشاورة، فأراد الإمام علیه السلام أن یعطی درساً یعلم أتباعه وشیعته کیفیة التوجه إلی الله تعالی خصوصاً فی وقت الشدائد.

ومما جاء فی هذا الدعاء قوله علیه السلام (اللهم إنه کان من سابق علمک ومحکم قضائک وجاری قدرک وماضی حکمک ونافذ مشیئتک فی خلقک أجمعین سعیدهم وشقیهم وبرهم وفاجرهم، أن جعلت فلان بن فلان علی قدرة فظلمنی بها وبغی علی بمکانها وتعزز علی بسلطانه... وتوعدته بعقوبتک وحذرته بسطوتک وخوفته نقمتک فظن أن حلمک عنه ضعف وحسب أن إملاءک له عن عجز ولم تنهه واحدة عن أخری ولا انزجر عن ثانیة بأولی... عالماً أنه لا فرج إلا عندک ولا خلاص لی إلا بما انتجز وعدک فی نصرتی وإجابة دعائی)(1).

یمثل هذا الدعاء انعکاساً للواقع السیاسی الذی کان یعیشه الإمام علیه السلام فی فترة خلافة المتوکل العباسی، والتی عرف عنها بظلمه وقسوته علی العلویین عموماً وعلی الإمام علیه السلام خصوصاً، وأهم ما یجدر بنا الإشارة إلیه حول هذا الدعاء أن الإمام علیه السلام عده من کنوز أهل البیت التی یتوارثونها بینهم، الأمر الذی یعکس قیمة وعظمة هذا الدعاء خصوصاً وأن اسمه (دعاء المظلوم علی الظالم)، الأمر الذی یصور لنا أهمیة الدعاء وخصوصیته فی هذا الاتجاه حیث جاءت ثماره المرجوة سریعاً جداً، حیث أنزل الله البلاء علی المتوکل فقتل شر قتلة.

یخبره بذلک فکتب علیه السلام له: (لا روع إلیک ولا بأس فادع الله بهذه الکلمات یخلصک الله وشیکاً مما وقعت فیه ویجعل لک فرجاً فإن آل محمد یدعون بها عند إشراف البلاء وظهور الأعداء وعند تخوف الفقر وضیق الصدر....)(1).

ومما جاء فی هذا الدعاء: (یا من تحل بأسمائه عقد المکاره ویا من یفل بذکره حد الشدائد ویا من یدعی بأسمائه العظام من ضیق المخرج إلی محل الفرج... افتح لی باب الفرج بطولک واصرف عنی سلطان الهم...)(2).

ویتضح من مضامین هذا الدعاء الذی هو إذا صنف ضمن تصانیف الأدعیة دخل فی دائرة الأدعیة السیاسیة وأن شیعة الإمام علیه السلام کانوا یواجهون شتی أنواع الاضطهاد، فسرعان بهم ما یتوجهون إلیه علیه السلام فیضع لهم حلولاً للفرج منها هذا الدعاء الذی هو عبارة عن تجسد المعرفة الحقیقیة بالله تعالی من خلال التوجه بهذه الکلمات إلیه.

المفعول بآثارها، ونجده فی محور آخر یؤکد علی الولایة له والبراءة من أعدائه فی معاداتهم ثم یؤکد علی شفاعته عند الله لما له من مقام عظیم واستدل بالآیة القرآنیة علی ذلک.

سبیله تعالی تمثل فروع دین الله، ولعل الإمام الهادی علیه السلام أراد أن یقول أن الحسین علیه السلام قد أقام أصول الدین وفروعه.

وروی عن الإمام علی الهادی علیه السلام أنه قال: (من خرج من بیته یرید زیارة الحسین علیه السلام فصار إلی الفرات فاغتسل منه کتب من المفلحین: فإذا سلم علی أبی عبد الله کتب من الفائزین: فإذا فرغ من صلاته أتاه ملک فقال: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقرؤک السلام ویقول لک: أما ذنوبک فقد غفرت لک، استأنف العمل)(1).

ویوضح الحدیث مدی أهمیة فضل الزیارة وثوابها عند الله تعالی، والتی تحاکی شیعة الإمام الهادی علیه السلام للحیلولة دون التقاعس عن زیارته مهما کانت الأخطار لما یمثل الحسین علیه السلام من منارة للمستضعفین فی الأرض وثورة ضد الظلم والطغیان.

وروی عن الإمام الهادی علیه السلام أنه (سُئِلَ عن زیارة قبر أبی عبد الله وعن زیارة قبر أبی الحسن وأبی جعفر (علیهم السلام) فکتب علیه السلام: (أبو عبد الله علیه السلام المقدم وهذا أجمع وأعظم أجراً)(2).

ویؤکد الإمام الهادی علیه السلام علی أن زیارة الإمام الحسین علیه السلام لو دار الأمر بینه وبین زیارة الإمام أبی الحسن موسی الکاظم وأبی جعفر محمد الجواد (علیهما السلام) فتقدم زیارة الإمام الحسین علیه السلام، معللاً أنّ زیارته تکون أعظم أجراً من زیارة الإمامین الکاظم والجواد "علیهما السلام".

ص:263

وروی عن أبی هاشم الجعفری قال: (بعث إلی أبو الحسن علیه السلام فی مرضه وإلی محمد بن حمزة(1) ، فسبقنی إلیه محمد بن حمزة، فأخبرنی أنه یقول: ابعثوا إلی الحائر فقلت لمحمد ألا قلت أنا أذهب إلی الحائر ثم دخلت علیه فقلت أنا أذهب إلی الحائر فقال: انظروا فی ذلک. ثم قال: إن محمداً لیس له سر من زید بن علی وأنا أکره أن یسمع ذلک قال، فذکرت ذلک لعلی بن بلال فقال: ما کان یصنع بالحائر وهو الحائر، فقدمت العسکر فدخلت علیه فقال لی: اجلس حین أردت القیام فلما رأیته أنس بی ذکرت قول علی بن بلال، فقال لی: ألا قلت له أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان یطوف بالبیت ویقبل الحجر وحرمة النبی صلی الله علیه وآله وسلم والمؤمن أعظم من حرمة البیت وأمره الله أن یقف بعرفة إنما هی مواطن یحب أن یذکر فیها، فأنا أحب أن یدعی لی حیث یحب الله أن یدعی فیها والحائر من تلک المواضع)(2).

وعند الوقوف علی هذا النص نلاحظ عدة نقاط منها:

أن النص المروی لم یذکر اسم الإمام الحسین علیه السلام أو کنیته أو أحد ألقابه، وإنما عبر عن ذلک بالحائر فی إشارة إلیه ولعل ذلک یرجع إلی التقیة فی تلک الفترة، وفی النص قرینة علی ذلک حیث أشار الإمام علیه السلام عندما أرسل محمد بن حمزة إلی الحائر قال له (انظروا فی ذلک)، وهی عبارة توحی الدقة فی الخروج وعدم إشاعة الخبر ولاسیما أیضاً کره الإمام علیه السلام من وصول الخبر إلی زید بن علی.

ص:264

أن علی بن بلال غیر متیقن بمکانة سید الشهداء، فعندما وصل الخبر للإمام علیه السلام ساق أدلة علی إثبات ذلک له.

تعکس الزیارة إلی الحائر عظمة الإمام الحسین علیه السلام وأن أرضه من الأراضی التی یحب الله أن یدعی فیها.

وجود الأعداد الزائرة للحسین علیه السلام فی تلک الفترة بتشجیع من الأئمة والإیحاء بالذهاب إلی الحائر، عنوان تشجیع من الإمام علیه السلام للتأکید علی قضیة ومظلومیة الحسین علیه السلام لما ترمز من ملحمة من ملاحم الوقوف بوجه الفساد والانحراف فی تاریخ الأمة فی قرنها الأول، والملاحظ أن الإمام علیه السلام قد أکد علی زیارة الحسین علیه السلام أکثر من سائر الزیارات الأخری.

أمیر المؤمنین علیه السلام قطب تلک الدائرة بما یمثل فی ولایته بعداً عقائدیاً بارزاً فی مدرسة أهل البیت (علیهم السلام)، ونجد فی زیارة الإمام أبی عبد الله الحسین علیه السلام بعداً ثوریاً ورافداً أساسیاً یحمل فی طیاته رفضاً للظلم والانحراف من أجل إعلاء کلمة التوحید، والتی نجد الإمام علیه السلام قد رکز علیهما بصورة کبیرة دون سائر الأئمة الآخرین الذین یشکلون إکمالاً للدائرة ببعدها الولائی التوحیدی.

القربوی: ویتمثل ذلک فی الرغبة فی نیل الثواب من زیارتهم (علیهم السلام) من خلال الروایات الواردة عنه علیه السلام والتی یظهر منها الاستحباب الأکید فی ذلک.

التربوی: ویتحصل من خلال الأثر التربوی والنفسی، من الزیارة مما یوفر أرضیة مناسبة فی بناء وتحصین الجماعة الصالحة من الانحرافات الفکریة.

فی کتاب الله نصاً مثل قوله جل وعز (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ)1 ... فلما شهد الکتاب بتصدیق هذا الخبر وشواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها...)(1).

یبدو أن الإمام الهادی علیه السلام سار فی کتابه لهم بمنهج استدلالی جمع فیه بین منهج العقل ومنهج النقل، الذی اعتمد فیه علی القرآن الکریم والسنة النبویة، کی یوضح لهم منهجه فی إثبات ما سألوه عنه، فأثبت الاتفاق علی مرجعیة القرآن الکریم والثقل الثانی بعده وهم عترة النبی وأهل بیته، وساق مصداقاً لإثبات إمامة الإمام علی علیه السلام لیثبت لهم أحقیته وأحقیة أئمة أهل البیت (علیهم السلام) کمرجع حی وعدل باق مع القرآن الکریم صفاً بصف.

بعد هذه المقدمة یبدأ الإمام علیه السلام بالاستدلال فیشیر بقوله: (فإنا نبدأ من ذلک بقول الصادق علیه السلام لا جبر ولا تفویض ولکن منزلة بین المنزلتین... وإن الصادق علیه السلام سئل هل أجبر الله العباد علی المعاصی؟ فقال الصادق علیه السلام هو أعدل من ذلک فقیل له فهل فوض إلیهم؟ فقال علیه السلام هو أعز وأقهر لهم من ذلک...)(2).

لقد بدأ الإمام الهادی علیه السلام بحث الاستدلال الروائی لهم، فاستدل بقول الإمام الصادق علیه السلام ولعل السبب یرجع فی هذا الاستدلال لکون

ص:270

الإمام الصادق علیه السلام صاحب مدرسة فی وضع حل لنفس المشکلة التی أثیرت فی عهده.

ثم قال الإمام الهادی علیه السلام (فأمر الجبر یلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل وعز أجبر العباد علی المعاصی وعاقبهم علیها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله فی حکمه وکذبه ورد علیه قوله (وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً)1 ، وقوله (ذلِکَ بِما قَدَّمَتْ یَداکَ وَ أَنَّ اللّهَ لَیْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِیدِ)2 ، وقوله (إِنَّ اللّهَ لا یَظْلِمُ النّاسَ شَیْئاً وَ لکِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ)3 ، مع أی کثیر فی ذکر هذا، فمن زعم أنه مجبر علی المعاصی فقد أحال بذنبه علی الله وقد ظلمه فی عقوبته ومن ظلم الله فقد کذب کتابه ومن کذب کتابه فقد لزمه الکفر بإجماع الأمة...)(1).

ثم قال الإمام الهادی علیه السلام (فأما التفویض الذی أبطله الصادق علیه السلام وأخطأ من دان به وتقلدهُ فهو قول القائل: إن الله جل ذکره فوض إلی العباد اختیار أمره ونهیه وأهملهم وفی هذا کلام دقیق لمن یذهب إلی تحریره ودقته، وإلی هذا ذهبت الأئمة المهتدیة من عترة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فإنهم قالوا: لو فوض إلیهم علی جهة الإهمال لکان لازماً له رضی ما اختاروه واستوجبوا من الثواب ولم یکن علیهم فیما جنوه العقاب إذا کان الإهمال واقعاً، وتنصرف هذه المقالة علی معنیین، أما أن یکون العباد تظاهروا علیه فألزموه قبول

ص:271

اختیارهم بآرائهم ضرورة کره ذلک أم أحب فقد لزمه الوهن أو یکون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهی علی إرادته کرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهیه إلیهم وأجراهما علی محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختیار إلیهم فی الکفر والإیمان...)(1).

ومما یلاحظ فی جواب الإمام الهادی علیه السلام فی رده علی ما تبناه أهل الجبر أو التفویض تبنیه الاتجاه الاستدلالی العقلی، الذی یدعمه بشواهد قرآنیة کی لا یکون لأهل الأهواز بعد ذلک حجة، ومن الجدیر ذکره أن الاستدلال العقلی ینسجم مع الفطرة السلیمة والشواهد القرآنیة التی تصف بوضوح ظواهرها من حیث کونها لیست من المتشابهات.

بعد أن بین الإمام علیه السلام الرد علی من یتبنی الجبر أو التفویض بدأ یبین ما تتبناه مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) لذا قال، لکن نقول "إن الله جل وعز خلق الخلق بقدرته وملکهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره ورضی بذلک لهم، ونهاهم عن معصیته وذم من عصاه وعاقبه علیها ولله الخیرة فی الأمر والنهی یختار ما یرید ویأمر به وینهی عما یکره ویعاقب علیه بالاستطاعة التی ملکها عبادة لاتباع أمره واجتناب معاصیه، لأنه ظاهر العدل والنصفة والحکمة البالغة... وهذا القول بین القولین لیس بجبر ولا تفویض وبذلک أخبر أمیر المؤمنین صلوات الله علیه عبابة بن ربعی الأسدی حین سأله عن الاستطاعة التی بها یقوم ویقعد ویفعل فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام سألت عن الاستطاعة تملکها من دون الله أو مع الله فسکت عبابة فقال له أمیر المؤمنین

ص:272

علیه السلام قل یا عبابة. قال وما أقول؟ قال علیه السلام إن قلت: إنک تملکها مع الله قتلتک. وإن قلت: تملکها دون الله قتلتک قال عبابة: فما أقول یا أمیر المؤمنین؟ قال" علیه السلام تقول إنک تملکها بالله الذی یملکها من دونک، فإن یملکها إیاک کان ذلک من عطائه، وإن یسلبها کان ذلک من بلائه، هو المالک لما ملکک والقادر علی ما علیه أقدرک، أما سمعت الناس یسألون الحول والقوة حین یقولون لا حول ولا قوة إلا بالله. قال عبابة وما تأویلهما یا أمیر المؤمنین؟ قال علیه السلام لا حول عن معاصی الله إلا بعصمة الله ولا قوة لنا علی طاعة الله إلا بعون الله. قال: فوثب عبابة فقبل یدیه ورجلیه...)(1).

ثم یختم الإمام الهادی علیه السلام کتابه بقوله:

(وفقنا الله وإیاکم إلی القول والعمل لما یحب ویرضی وجنبنا وأیاکم معاصیه بمنه وفضله، والحمد لله کثیراً کما هو أهله وصلی الله علی محمد وآله الطیبین وحسبنا الله ونعم الوکیل)(2).

ناصب)(1).

إحصاؤها کالتالی:

1 - القمی: لقد ذکرت المصادر العدید من أصحاب الإمام الهادی علیه السلام یحملون هذا اللقب یصل عددهم إلی حدود (15) رجلاً، ومنهم أحمد بن محمد بن عیسی،(1)

(2) وأحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد،(3) وعلی بن الریان بن الصلت(4).

2 - البغدادی: أشارت المصادر إلی أن أصحاب الإمام علیه السلام الذین یحملون هذا اللقب یصل إلی حدود (10) منهم الحسن بن راشد،(5) والریان بن الصلت(6).

3 - الرازی: ذکرت المصادر أن الذین حملوا هذا اللقب من أصحاب الإمام الهادی علیه السلام هم سهل بن زیاد(7) وأحمد بن إسحاق(8) ومحمد بن خالد(9)

(10).

ص:276

4 - الکوفی: ذکرت المصادر أن الذین یحملون هذا اللقب من أصحاب الإمام علیه السلام هم محمد بن الحسین(1) ، ومعاویة بن حکیم(2)(3).

5 - البصری: أشارت المصادر إلی أن الذین یحملون هذا اللقب من أصحاب الإمام علیه السلام هم إسحاق بن محمد(4) ، والحسین بن أسد(5) ،(6) ومحمد بن الحسن بن شمعون(7)(8).

6 - الأهوازی: ذکرت المصادر إلی أن الذین یحملون هذا اللقب من أصحاب الإمام علیه السلام هم إبراهیم بن مهزیار(9) والحسین بن سعید(10)

ص:277

(1) وعلی بن مهزیار(2).

7 - النیسابوری: وقد ذکرت المصادر أن هناک العدید من أصحاب الإمام علیه السلام قد تلقب بهذا اللقب وهم، وإبراهیم بن محمد بن فارس(3) ،(4) وحمدان بن سلمان بن عمیرة(5) ،(6) والفضل بن شاذان(7)(8).

8 - القزوینی: ولقد أشارت المصادر إلی الذین حملوا هذا اللقب من

ص:278

أصحاب الإمام علیه السلام هم علی بن عمرو(1) ،(2) وفارس بن حاتم(3).

9 - الجرجانی: لقد ذکرت المصادر أن هناک العدید من أصحاب الإمام علیه السلام ممن حملوا هذا اللقب وهم: الفتح بن یزید(4) وأبو یحیی الجرجانی(5).

10 - المدائنی: أشارت المصادر أن هناک اثنین من أصحاب الإمام، علیه السلام ممن حمل هذا اللقب أبرزهم الحسین بن محمد(6).

11 - الإصبهانی: ذکرت المصادر أن هناک بعض الذین حملوا هذا اللقب ممن هم من أصحاب الإمام علیه السلام وهم السری بن سلامة(7)(8) ، وعلی بن محمد القاسانی(9).

12 - العبرتائی: ذکرت المصادر أن هناک العدید ممن حملوا هذا اللقب، ممن

ص:279

هم من أصحاب الإمام علیه السلام وهم رجاء بن یحیی(1) ،(2) وأحمد بن هلال(3)

(4).

13 - الفارسی: ذکرت المصادر أن هناک أحد أصحاب الإمام علیه السلام، تلقب بهذا اللقب وهو خلیل بن هشام(5)(6).

ومن الجدیر بنا الوقوف عند هذا المحور لدراسته، حیث یمکن أن نخرج بالعدید من الأمور التی نوجزها بنقاط کالآتی:

اتساع الرقعة الجغرافیة لأصحاب الإمام الهادی علیه السلام والذی یلاحظ علیه عدة أمور منها:

قلة اتساع أصحاب الإمام، فی الرقعة ذات البعد الجغرافی العربی عموماً، واتساعها فقط فی مناطق العراق کالبصرة والکوفة وبغداد.

ص:280

اتساع الرقعة الجغرافیة لأصحاب الإمام علیه السلام فی المناطق البعیدة عن مرکز السلطة العباسیة، وانتشارها بین العناصر المسلمة ذات العنصر غیر العربی.

إن فی هذا الاتساع للرقعة الجغرافیة دعماً اقتصادیاً لمکانة الإمام علیه السلام، حیث تتدفق علیه الأموال الشرعیة من خمس ونحوه، التی یستطیع من خلالها تقویة الروابط الاقتصادیة والاجتماعیة بینه وبین أتباعه.

إن لهذا الاتساع انعکاساً علی صعید الحسابات السیاسیة للخلافة العباسیة حیث تشعر بقوة الإمام علیه السلام من خلال کثرة أتباعه المنتشرین فی أراضی السلطة العباسیة.

إن أصحاب الإمام علیه السلام یمثلون دعاة له فی تلک المناطق، مما یزید فی أتباعه وانتشار أقواله العقائدیة وأحکامه الفقهیة والأخلاقیة ونحوهما، مما یعکس سمو منزلة الإمام علیه السلام فکریاً.

للحق(1) ،(2) وداود بن القاسم الجعفری،(3) وعبد العظیم الحسنی(4).

وهذا العدد قلیل جداً بما عرف عن أعدادهم وولائهم للإمام علیه السلام ولعل السبب یرجع فی ذلک إلی الاضطهاد الذی مروا به، فی فترة عهد الإمام علیه السلام من قتل وسجن وتشرید الأمر الذی أبعدهم عن الإمام علیه السلام.

ومن الانتماءات القبلیة الأُخری قبیلة حمیر، فأشارت إلی اثنین فقط وهم جعفر بن عبد الله بن الحسین(5) ،(6) وعبد الله بن جعفر بن الحسین(7) ،(8) وقبیلة الأزد ذکرت المصادر منهم فقط الفضل بن شاذان(9).

ص:282

وأشارت المصادر إلی الانتماءات القبلیة والأسریة بالولاء، وذلک فی قبیلتی بنی أسد، حیث أشارت إلی الیقطینی محمد بن عیسی بن عبید، وأما الأسریة فی آل المهلب، حیث ذکرت الحسن بن راشد(1).

وما من شک أن هذه الانتماءات القبلیة المختلفة لأصحاب الإمام علیه السلام بالرغم من قلتها قبال کثرة القبائل العربیة نقف أمامها، بحقیقة لا بد من الإشارة إلیها ألا وهی أن أفراد هذه القبائل کانوا یمثلون امتداداً فکریاً للإمام علیه السلام فی قبائلهم کل فرد بحسبه ولهذا تستطیع القول إنّ انعکاساتها لا تختلف عن انعکاسات السعة للرقعة الجغرافیة لأصحاب الإمام علیه السلام إلاّ من حیث النوعیة والکمیة.

الموقف من الغلاة

مثل الغلاة ظاهرة فکریة منحرفة فی عصر الإمام علیه السلام وقد وقف ضدها بمواقف متعددة، منها توجیه أحد أصحابه وهو علی بن مهزیار بتألیف کتاب سمی الرد علی الغلاة(1) ، وهذا ما أشارت إلیه المصادر التی وقفنا علیها ولا یستبعد أن یکون هناک کتاب آخر للرد علیهم، من قبل أحد أصحاب الإمام علیه السلام إلا أن المصادر لم تسعفنا فی التعرف علیه، والظاهر أن الکتاب لم یصل إلینا للتعرف علیه إلا أنه یمکن أن نستنتج بعد أن اطلعنا علی دعوتهم، فیما سبق أنّه عبارة عن إبطال أقوالهم بالأدلة القرآنیة والنبویة وأحادیث الأئمة علیهم (علیهم السلام) والدعوة إلی التوبة.

التألیف فی الغیبة

لقد مثلت القضیة المهدویة أبرز الأدوار الفکریة وأهمها فی حیاة الإمام الهادی (علیهم السلام) فقام بالعدید من الأمور فی سبیل الإعداد لوقوع الغیبة منها الإشارة لأحد أصحابه للتألیف فیها فألف کتاباً عرف باسم الغیبة، ویبدو أنه لم یصل إلینا إلا أننا نستطیع التعرف علی خطوطه العامة انطلاقاً من الأبعاد الأساسیة لها وقد أرجع الکتاب فی تألیفه إلی عبد الله بن جعفر بن الحسن الحمیری القمی، الذی کان لدیه العدید من المؤلفات أبرزها التوحید والإمامة وفضل العرب وغیرها(2) وأیضاً الفضل بن شاذان ألف کتاباً اسمه الغیبة(3). فأما خطوطه

ص:285

العامة تمثلت فی التعریف بالغیبة لتلک القواعد الموالیة کنوع من أنواع التهیئة الفکریة والنفسیة معتمدین علی القرآن والسنة النبویة وأحادیث الأئمة (علیهم السلام) ومن بین أبرز الأدلة أحادیث الأئمة الاثنی عشر وأحادیث الغیبة الطویلة للإمام الثانی عشر وأحادیث الأرض لا تخلو من حجة.

الرد علی القائلین بالجبر والتفویض

من بین القضایا الفکریة التی کانت فی عصر الإمام علیه السلام القول بالجبر والتفویض والتی کان للإمام علیه السلام رسالة طویلة فی الجبر والتفویض، أثبت فیها المنزلة بین المنزلتین، وقد ألف أحد أصحابه وهو الفضل ابن شاذان رسالة فی الجبر،(1) وهو أمر ینسجم مع حاجة البیئة الفکریة التی انطلق منها أیضاً أحمد بن داود بن سعید(2) ، الذی کان متکلماً فی المناظرات والاحتجاجات ألف کتاباً فی التفویض(3) ، ولقد کان من أهل السنة ثم استبصر(4) ، ومن الجدیر بالذکر أن هذه المواقف الفکریة من قبل هؤلاء الصحابة لیس بالبعید أن یکون الإمام علیه السلام قد أشار إلیهم بذلک کحالة نیابة ودور غیر مرئی عنه بسبب ظروفه السیاسیة التی لولاها لظهر موقف الإمام علیه السلام بصورة أخری غیر التی ظهر بها.

ص:286

دورهم فی حفظ تراث الإمام الفکری

لقد تصدی العدید من أصحاب الإمام علیه السلام إلی عملیة جمع عدة مسائل أشارت إلیها المصادر بمسائل الرجال للإمام الهادی علیه السلام، وهناک عنواناً آخر تصدی له أصحاب الإمام علیه السلام أشارت إلیه المصادر مسائل لأبی الحسن الثالث(1) وما فی شک أنها عملیة جمع لحفظ تراث الإمام علیه السلام الفکری فی شتی المسائل العقائدیة والفقهیة ونحو ذلک، والذین تصدوا من أصحاب الإمام علیه السلام هم علی بن جعفر،(2) وأیوب بن نوح(3).

روایة الحدیث عنه

لقد کان من ضمن الأدوار التی قام بها أصحاب الإمام علیه السلام روایة الحدیث عنه الذی یمثل التراث الفکری له، وهو دور مهم إذ لولاه لما وصل لنا عنه علیه السلام شیء، وقد نقل عنهم العدید من الروایات فی هذا الجانب وممن قام بهذا الدور رجاء بن یحیی بن سلمان،(4) وأحمد بن محمد بن عیسی،(5). وداود الصرمی(6) ، وغیرهم.

أما الثانی وهو الدور غیر المباشر، نرید به الأبعاد الفکریة لأصحاب الإمام

ص:287

علیه السلام فی تلک المرحلة أما بإیحاء الإمام علیه السلام لهم بصورة لیست مباشرة أو إدراکهم لطبیعة الحیاة الفکریة ومتطلباتها. ونستطیع أن نشیر إلی أبرز تلک المعطیات الفکریة کالآتی:

أشارت إلیها المصادر والتی کانت باسم الإمامة وقد کتب فی ذلک الحسین بن عبید الله(1) ، ومحمد بن عیسی بن عبید(2) والوعد والوعید، للفضل بن شاذان(3) ، أما الثانی فقد ألفت الکتب فی الرد علی الفرق المنحرفة من قبل الأصحاب وفی مقدمة تلک الکتب الرد علی الواقفیة فقد ألف تحت هذا العنوان محمد بن عیسی بن عبید(4) ، وفارس بن حاتم(5) ، ومن الفرق الأخری التی ألف فی الرد علیها تحت اسم الرد علی الباطنیة والرد علی المرجئة کلاهما للفضل بن شاذان،(6) والرد علی الإسماعیلیة لفارس بن حاتم(7).

الأبواب الأخری فی الدور الفقهی نجد کتاب علل الصوم لأحمد بن إسحاق بن عبد الله(1) وکتاب الصیام لمحمد بن أحمد بن إبراهیم الصابونی.

ونجد الجانب الفقهی فی البعد الاجتماعی للأحوال الشخصیة له مؤلفات فنجد عنوان الزواج له مؤلفاته وبنوعیه الدائم والمنقطع فنجد کتاب النکاح لمحمد بن أحمد بن إبراهیم الصابونی(2) وکتاب المتعة الذی کتب فی هذا العنوان أحمد بن محمد بن عیسی(3). والحسین بن عبید الله(4).

ومن المؤلفات الأخری فی هذا السیاق کتاب تحت عنوان الحج لمحمد بن احمد بن إبراهیم الصابونی، وفی الناحیة الاقتصادیة الفقهیة نجد العدید من المؤلفات فی هذا الاتجاه کالخمس والزکاة والفیء جمیعها لمحمد بن عیسی بن عبید(5).

عیسی،(1) وحروف القرآن لعلی بن مهزیار(2).

أتاک بشیء من غیر أهل ناصیتک أن یصیره إلی الموکل بناحیته وأمرک یا أبا علی فی ذلک بمثل ما أمرت به أیوب ولیقبل کل واحد منکما ما أمرت به)(1).

وکفایته... وکتبت بخطی وأحمد الله کثیراً)(1).

وقد کتب الإمام علیه السلام کتاباً آخر وجهه إلی الموالی فی بغداد والمدائن والسواد، وقد نص فی ذلک علی وکلائه، وقد جاء فیه (... وإنی أقمت أبا علی بن راشد مقام علی بن الحسین بن عبد ربه، ومن کان قبله من وکلائی وصار فی منزلته عندی وولیته ما کان یتولاه غیره من وکلائی قبلکم لیقبض حقی وارتضیته لکم وقدمته علی غیره فی ذلک... وکتبته بخطی والحمد لله کثیراً)(2).

ومما تجدر الإشارة إلیه أنه قد حصل اختلاف فی اسم ابن عبد ربه فهل هو الحسین کما فی النص الأول، أم علی بن الحسین کما فی النص الثانی، والراجح أن اسمه علی بن الحسین کما ذهب إلی ذلک الطوسی، فی عدد من مؤلفاته(3).

یبدو أن الإمام علیه السلام قد نهج منهج التعیین للوکلاء أو إلغاء وکالاتهم فی المدن المختلفة عن طریق النص، أما بصورة خاصة کما نص فی کتابه إلی علی ابن بلال، وهذا نجده فی النص الأول أو بصورة عامة کما فی کتابه إلی موالیه فی بغداد والمدائن والسواد، وهذا ما نجده فی النص الثانی.

إن دراسة هذا المنهج، یعکس لنا تحسب الإمام علیه السلام من استغلال هذا العنوان الکبیر عند شیعته بما یسیء له، ولهم من قبل الطامعین بما له من مردودات اقتصادیة واجتماعیة، ونجد فی هذه النصوص قرینة علی ذلک حیث یقول علیه السلام (کتبته بخطی).

ص:294

الإمامیة(1). وعد من وکلاء الإمام علیه السلام(2).

روی عن الإمام الرضا والجواد (علیهما السلام) وقد اختص بالإمام الجواد علیه السلام وقد توکل له وعظم محله منه وکذلک توکل للإمام الهادی علیه السلام(1).

وقد أثنی علیه الإمام الجواد علیه السلام بخطبة جاء فیها: (یا علی أحسن الله جزاءک وأسکنک جنته ومنعک من الخزی فی الدنیا والآخرة وحشرک الله معنا یا علی قد بلوتک وخبرتک فی النصیحة، والطاعة، والخدمة، والتوقیر، والقیام، بما یجب علیک فلو قلت: إنی لم أر مثلک لرجوت أن أکون صادقاً، فجزاک الله جنات الفردوس نزلاً فما خفی علی مقامک ولا خدمتک فی الحر والبرد فی اللیل والنهار فأسأل الله - إذا جمع الخلائق للقیامة - أن یحبوک برحمة تغبط بها، إنه سمیع الدعاء)(2).

یبدو أن عدد وکلاء الإمام الهادی علیه السلام کان قلیلاً، إذا ما قورن بعدد أصحابه ولعل ذلک یرجع إلی ثقل التکالیف التی تکون علی کاهل الوکیل، الأمر الذی یتطلب شخصیات من نوع خاص، وهذه التکالیف لا یکلف بها الإمام الصحابة بل نجد أن أکثرهم مشمولین بالتوجیهات العامة للإمام علیه السلام إلا ما قد خص البعض منهم، ومن المحتمل أن المصادر أغفلت المعلومات عنهم والرقعة الجغرافیة التی کان ینتشر بها شیعة الإمام علیه السلام یحتاج العدید من الوکلاء وإن کان لا یستبعد أن بعض الصحابة هم وکلاء لم یحملوا هذا الاسم لظروف معینة أو أغفلت المصادر عنهم ذلک.

ص:297

الشیاطین، وادفع عنی بدفعک وامنع عنی بصنعک واجعلنی من خیار خلقک یا واحدٌ یا أحد یا فرد یا صمد)(1).

وما من شک أن الأحراز جاءت انعکاساً لواقع فیه ظروف لیست طبیعیة لذا وضعت لغایة دفع الضرر والأذی ولا بد أن یکون هذا الواضع یمتلک مقومات لیست عادیة لأن لکل حرز أثراً لابد أن یحققه ویعمل فیه دوره البالغ، لأن کل حرز فیه أسرار تعمل علی عناوین معینة ولیست لجمیع العناوین المختلفة ذات الأثر السلبی نعم هناک أحرازٌ تعمل بأسرارها علی دفع جمیع أنواع الضرر.

عندما نقف علی نص الحرز الأول نجد فیه عبارة (واحفظنی فی لیلی ونهاری)، وهی تشعر بعموم العدو لا عدو بعینه، إلا أننا یمکن أن نقرأ العبارة بصورة أخری انطلاقاً من الواقع التاریخی لشیعة الإمام علیه السلام وما کانوا یواجهون من حبس وتعذیب وقتل من رجال الخلافة العباسیة وحلفائهم نحمل العدو حینئذ علی العدو السیاسی ولیس العدو الاجتماعی أو الاقتصادی.

أما النص الثانی نجده جامعاً لکثیر من الأمور المرتجی دفع ضررها فنجد فیه قرائن عدیدة فی قضایا مختلفة، فنجد فی عبارة (أیدنی بنصرک) قرینة تصلح علی دفع مختلف الضرر أو الأذی، وأما عبارة (همزات الشیاطین) تصلح قرینة علی الرغبة فی دفع أذی الشیطان الذی تُعد تسویلاته باباًَ من أبواب الشر علی الإنسان.

ص:300

یبین الإمام علیه السلام المصیبة کأحد أنواع الابتلاءات التی تواجه المرء فی الدنیا، فإذا نزلت کان الصبر مساویاً لها، فإذا لم یجزع کانت واحدة وإذا جزع أصبحت اثنتین الأولی للمصیبة نفسها والثانیة للجزع منها.

وقال علیه السلام (من رضی عن نفسه کثر الساخطون علیه)(1).

یضع الإمام علیه السلام قاعدة تربویة فی السلوک بین أفراد المجتمع تستند علی عدم الرضا عن النفس، لأن ذلک معناه عدم إعطاء الحقوق للآخرین مما یولد کثرة الساخطین علیه.

ص:302

ص:304

لقد أهتم العباسیون من الناحیة الاجتماعیة وبالدرجة الاولیً بالغناء والمغنیین والشعر والشعراء، فیشیر السیوطی أن الواثق مثلا: (کان شاعراً، وکان اعلم الخلفاء بالغناء وله أصوات والحان عملها نحو مائة صوت وکان حاذقاً بضرب العود)(1).

ویشیر أحد الباحثین إلی درجة اهتمام الخلافة بالمغنیین بقوله: (وقد ظل المغنون والمغنیات موضع رعایة الدولة لکونهم أدباء وشعراء فی الوقت نفسه، کما کانت تعقد مجالس الطرب والغناء فی قصورهم ویحضرها عدد کبیر من أصحاب الأدب والفن وفی مناسبات کثیرة)(2). ولعل هذا الاهتمام کان یبلغ أوج درجته فی عصر الخلیفة الواثق لأنه کان شاعراً ومغنیاً مما یجعله مهتماً بذلک.

کما کانت هنالک سمة اخری بارزة وهی الترف الاجتماعی المثمثل ببناء القصور وشراء الاماء والعبید واختراع انواع من الملابس والازیاء الفاخرة، وقد أشار بعض الباحثین أن المتوکل أوجد زیاً یعرف بالمتوکلیة، وهو نوع من الملحم أی المبطن وقد فضله المتوکل علی کل زی أخر،(3) وهذا الأمر یعکس لنا مدی الترف الاجتماعی الذی کان یعیش به المتوکل مما دفعه إلی إیجاد هکذا نوع من الملبس.

أما المنتصر، فقد ذکر أبو الفرج الأصفهانی عنه أنه کان ممن له علاقة بالشعر والشعراء رغم أنه کان لا یجید نظم الشعر وإن نظم أبیاتاً علی رکتها أمر المغنیین أن یؤدوها له، وکان المستعین بالرغم من أن قسماً من حیاته کان ملیء بالصراعات السیاسیة، والتی أبرزها حربه مع المعتز إلاّ أنّه لم ینشغل عن مجالس اللهو والطرب والمجون.

ص:306

یستعد لیوم ولیمة العرس عاماً کاملاً)،(1) ویشیر الیعقوبی موضحاً مدی مقدار الإسراف والبذخ بقوله: ((فأنفق الحسن بن سهل علی المأمون وجمیع من معه من أهل بیته وکتابه وأصحابه وجمیع من حوی عسکره من الأتباع أیام مقام المأمون ونثر علیهم الضیاع والقری والجواری والوصفاء والخیل والدواب، فکانت تکتب أسماء هذه الأنواع فی رقاع صغار وتجعل فی بنادق المسک وتنثر علی الناس، فکلما أخذ إنسان بندقة نظر إلی الرقعة فیها ثم قبضها من الوکلاء))،(2) ویشیر السیوطی إلی مقدار جهازها بقوله: (بلغ جهازها ألوفاً کثیرة))(3) وأشار ابن الطقطقی إلی مدی إسراف الحسن بن سهل بقوله ((کان الحسن بن سهل قد فرش للمأمون حصیراً منسوجاً من الذهب ونشر علیه لؤلؤة من کبار اللؤلؤ))(4) ، ویشیر ابن الجوزی إلی أن هذه الأموال قد صرفت من مال فارس وبلغت النفقات خمسین ألف ألف درهم(5).

ویتضح من خلال هذه الإشارات مدی إهدار الأموال الضخمة من خزانة الخلافة، مما یؤثر علی الأوضاع الاقتصادیة، فضلاً عن ذلک أنها تکشف مدی استئثار الحسن بن سهل بهذه الأموال الضخمة من مصادر إیرادات الخلافه مما یعکس مدی الفساد الإداری فی عصر المأمون.

ولقد کان من ضمن سیاسة الحکام العباسیین فی هذه الفترة المبالغة الواضحة

ص:308

فی ما یهبونه من أموال للشعراء وغیرهم، فتشیر المصادر أنه دخل یوماً علی المأمون النظر بن شمیل(1) فطلب منه المأمون أن ینشده أنصف بیت قالته العرب وأقنع بیت قالته العرب فأنشده فنال استحسانه، فأمر له بخمسین ألف درهم(2).

روی أبو الفرج الأصفهانی عن محمد بن عباد(3): ((قال لی المأمون وقد قدمت من البصرة کیف ظریف شعرائکم وواحد مصرکم؟ قلت: ما أعرفه؟ قال: ذاک الحسین بن الضحاک(4) أشعر شعرائکم وأظرف ظرفائکم ألیس هو الذی یقول:

ر أی الله عبد الله خیر عباده فملکه والله أعلم بالعبد

قال: ثم قال المأمون... فخذ کتاباً إلی عامل خراجکم بالبصرة حتی یعطیه ثلاثین إلف درهم، فأخذت الکتاب بذلک وأنفذته إلیه فقبض المال))(5).

ولقد کان لحروب السلطة مع بابک الخرمی والتی کان آخرها سنة 214 ه - / 829 م(6) وثورة القبائل فی مصر والتی توجه إلیها المأمون بنفسه للقضاء علیها،(7) فضلاً عن حروبه مع الروم فی سنة 215 ه - / 830 م و 216 ه - / 831 م

ص:309

و 217 ه - / 832 م، التی فتح عدداً من الحصون فیها وحاصر أخری،(1) وما من شک کان لهذه الحروب أثر بالغ فی الأوضاع الاقتصادیة لکثرة نفقاتها الهائلة.

وعندما وصل المعتصم للخلافة کانت الحالة الاقتصادیة تزداد سوءاً، فقد کثرت النفقات وقلت الإیرادات، بسبب کثرة الحروب التی واجهته منذ استلامه الخلافة ففی سنة 219 ه - / 834 م، ظهرت مشکلة الزط الذین کانوا مستقرین بین البصرة وواسط (2) وقد کان موطنهم الأصلی بلاد السند،(3) فضلاً عن حرکة بابک الخرمی التی استمرت حتی عام 223 ه - / 837 م(4) ، والتی قضی علیه الافشین فأمر المعتصم له ولجیشه بعشرین ألف ألف درهم نصفها له والنصف الآخر لجیشه،(5) وهذا العطاء مما یرهق خزانة الخلافة إلاّ أنه یبدو ضروریاً لکسب ولاء هؤلاء القادة ولاتقاء قوتهم ونیل رضائهم.

ومما لا ریب فیه أن بناء سامراء والانتقال لها کان له أثر کبیر فی إضعاف خزانة الخلافة لقیام المعتصم ببناء العدید من القصور والدور فیها.

روی التنوخی عن الفضل بن مروان(6) قال: (إنّ المعتصم لما خرج لغزو الروم

ص:310

وأنا وزیره استخلفنی علی سر من رأی... فلما عاد طمع فی فقال لی: قد وردت والمال نزر والجیش مستحق فاحتل لی مائة ألف دینار من مالک وجاهک ففعلت فلما مضی شهر طلب منی علی هذا السبیل خمسین ألف دینار ففعلت فطلب منی بالدفعة الثالثة بمثل هذا الوجه ثلاثین ألف دینار فوعدته بها ودفعته أیاماً ثم حملتها إلیه فبلغنی عنه أنه قال لابنه الواثق هذا النبطی ابن النبطیة أخذ مالی جملة وهو ذا یتصدق به علی تفاریق ثم قبض علیه بعد أیام واخذ منه أربعین ألف ألف درهم)(1).

یعکس لنا هذا النص مدی عجز الخزانة فی عهده، وقوة الوزارة بحیث یقف الخلیفة موقف العاجز ویطالب وزیره فی إصلاح شؤون الحکم وتنظیم أمور رواتب الجند.

وکان المعتصم ممن یدعو لتقریب الشعراء لسماع شعرهم، فیروی أن الحسین ابن الضحاک قال فیه قصیدة أول خلافته فقام علی أثرها فملأ فمه جواهر من جواهر کانت بین یدیه وأمر له بألف درهم عن کل بیت،(2) وهذه الروایة تعد شاهداً واحداً من العدید من الشواهد الأخری التی تکشف عن الإسراف الذی یقوم به الخلفاء اتجاه الشعراء ونحوهم، عندما آلت السلطة للواثق کانت ظروف العهد الذی قبله ثقیلة علی عهده فحاول إصلاح الأوضاع الاقتصادیة نوعاً ما، فأهتم بالجانب التجاری فشجعها، فیشیر ابن الأثیر إلی ذلک بقوله: (أطلق فی خلافته أعشار سفن البحر وکان مالاً عظیماً)(3).

وکان أبرز ما یمیز عهد الواثق کثرة المصادرات من قبله للوزراء والکتاب ومن

ص:311

أبرز تلک الشخصیات التی قام بمصادرة أموالها سنة 229 ه - / 823 م، أحمد بن إسرائیل صادر منه ثمانین ألف دینار، وسلیمان بن وهب(1) أربعمائة ألف، ومن الحسن بن وهب(2) أربعة عشر ألف دینار، ومن احمد بن الخصیب وکتابه ألف ألف دینار(3).

تکشف لنا هذه المصادرات مقدار الفساد الإداری والمالی الکبیرین لدی الوزراء والکتاب، ومدی التطاول علی نهب الأموال من خزانة الخلافة وکل ذلک یسبب تدهور الأوضاع الاقتصادیة للسلطة.

ویعلل الدوری أن سبب هذه المصادرات ترجع للرغبة فی: ((الحصول علی الأموال فبعد أن کان العمال والوزراء یصادرون عقوبة لهم علی خیانة أصبحت المصادرة مورداً للخزینة بعد زمن الواثق، فکان أول من صادر کتابه بغیة الحصول علی الأموال))(4).

لقد مرت حکومة الواثق بالکثیر من الحرکات الخارجة علیها أمثال المبرقع سنة 227 ه - / 841 م(5) ، والقبائل العربیة کقبیلة قیس ببطونها سنة 230

ص:312

ه - / 844 م(1) ، وغیرها من القبائل العربیة الأخری فی منطقة الحجاز، وکل هذه الحرکات تحتاج إلی تجهیز جیوش وبالتالی زیادة فی النفقات الأمر الذی یؤدی إلی اضطراب الأوضاع الاقتصادیة وعدم توجه السلطة لإصلاحها أو الاهتمام بها.

لقد سار الواثق علی ما اعتاد علیه أسلافه من الحکام العباسیین بفتح أبواب بلاطهم للشعراء، فروی أبو الفرج الأصفهانی أن الشاعر الحسین بن الضحاک دخل علی الواثق لما بویع بالخلافة أنشده قصیدة، فأمر له لکل بیت ألف درهم(2). ویروی الأبشیهی أن إسحاق الموصلی(3) دخل علی الواثق فأنشده قصیدة فخلع علیه خلعة کانت علیه، وأمر له بمائة ألف درهم(4).

ویشیر الیعقوبی إلی قیام الواثق ببناء قصر الهارونی بقوله: (وکان قد انتقل من قصور المعتصم وبنی له قصراً علی شط دجلة یقال له الهارونی، وجعل له دکتین دکة غربیة ودکة شرقیة وکان من أحسن القصور)(5).

إن کل هذه الهبات والبناء العمرانی یؤثر علی خزانة الدولة، مما یجعلها خاویة وکل ذلک یسبب فشل النظام الاقتصادی وتردی أوضاعه المختلفة.

عندما آلت مقالید الحکم للمتوکل العباسی کانت الأوضاع الاقتصادیة سیئة للغایة لذا افتتح أوائل عهده بمصادرات الأموال التی یشیر إلیها الدوری بقوله:

ص:313

(أکثر المتوکل من المصادرات حتی أصبحت شبه ضریبة علی الموظفین والکبار، ولعله اعتبرها وسیلة لاسترجاع بعض أموال الدولة التی أخذوها بطرائق غیر مشروعة)(1).

فتشیر بعض المصادر أنه ابتدأ المصادرات منذ عام 233 ه - / 847 م، حیث أمر بمصادرة أموال عمر بن الفرج(2) ، وفی سیاسة الاستمرار علی نهج المصادرات التی اتبعها المتوکل اتجاه الوزراء والکتاب قام بعد المصادرات الأولی بمصادرات أخری ففی سنة 237 ه - / 851 م غصب أحد کتابه وصادر أمواله وصولح علی جزء منها(3) ، وفی سنة 240 ه - / 854 م، صادر أموال یحیی بن أکثم وکان مقدار ما قبضه من أمواله ببغداد خمسة وسبعین ألف دینار فأخذ من داره ألفی دینار وأربعة آلاف جریب من البصرة(4).

إن جمیع هذه المصادرات تکشف عن حاجة المتوکل إلی أموال طائلة لأسباب شتی ولعل أبرزها رغبته فی جمع الأموال لبناء القصور ویشیر الدوری إلی ذلک بقوله: (أحب المتوکل العمارة فأنفق أموالاً طائلة علی القصور والأبنیة)(5).

ویشیر بعض الباحثین أن سامراء شهدت فی عهد المتوکل تسعة عشر قصراً(6). وبلغ مجموع ما أنفق علی بنائها أربعة وتسعین ألف ألف درهم، ومن

ص:314

أشهر تلک القصور الشاة، والعروس، والبدیع(1) ، والقلائد، والجوسق، والجعفری(2). ویشیر المسعودی أن المتوکل أحدث بناءً جدیداً لم یکن معروفاً قبله یعرف بالحیری(3).

وفی سنة 245 ه - / 859 م أمر ببناء الماحوزة وسماها الجعفری،(4) وقد أنفق علیها أکثر من ألفی ألف دینار وکان یسمیها هو وأصحابه بالمتوکلیة(5) ، وأمر بحفر نهر یؤدی إلیها أنفق علیه مائتی ألف دینار إلا أن الجعفریة خربت والنهر لم یتم(6).

ویشیر المسعودی إلی عظمة هذه النفقات بقوله: (وقد قیل إنّه لم تکن النفقات فی عصر من العصور ولا وقت من الأوقات مثلها فی أیام المتوکل)(7).

یشیر ابن الجوزی، أن هناک أضراراً لحقت بالأوضاع الاقتصادیة ففی سنة 234 ه - / 848 م، (هبت ریح شدیدة وسموم لم یعهد بمثلها، فاتصل ذلک نیفاً وخمسین یوماً، وشمل ذلک البصرة والکوفة وبغداد وواسط وعبادان والأهواز وقلت المارة والقوافل ثم مضت إلی همذان ورکدت علیها عشرین یوماً، فأحرقت الزرع ثم مضت إلی الموصل فأهلکت ما مرت به فعطلت الأسواق فیها)(8).

وفی سنة 241 ه - / 855 م وقع حریق فی سامراء أحرقت علی أثره ألف

ص:315

وثلاثمائة حانوت(1).

ویبدو من المصادر التی وقفت علیها وقوف المتوکل علی هذه الأضرار التی ألحقت بالرعیة موقف المتفرج وعدم قیامه بدفع تعویضات مالیة لأصحاب هذه الأراضی والحوانیت، ولعل السبب فی ذلک یرجع إلی فراغ خزینة الدولة من الأموال مما أصیب بالعجز، أو ان بقائه متفرجا یرجع إلی قلة اکتراثه بالرعیة وقساوته علیهم، وهو الانسب بحاله، وما فی شک أن هذه الأضرار سببت ضرراً علی الأوضاع الاقتصادیة.

وبعد مقتل المتوکل جاء المنتصر خلفاً له إلا أنه جاء فی ظروف اتسمت بالاضطراب السیاسی والتدهور الاقتصادی، فیشیر الدوری إلی هذه الفترة وارتباطها بالحیاة الاقتصادیة للرعیة بقوله (وجاءت الفوضی الترکیة فی القرن الثالث وأربکت الحیاة العامة وأضرت بالأصناف وارتفعت الأسعار)(2).

إن هذه الفوضی العسکریة ساهمت فی إرباک الأوضاع الاقتصادیة، إلا أنه مما زاد فی سوئها أن المنتصر لم یجد لهذه المشاکل حلولاً جذریة ولعل فی قصر مدة حکمه(3) الأثر الواضح فی عدم إیجاد حلول لهذه المشاکل الکبیرة فی عصره.

ویشیر الیعقوبی أن المنتصر بعد مبایعته: (أعطی للجند رزق عشرة أشهر، وانصرف من الجعفری إلی سر من رأی وأمر بتخریب تلک القصور، فنقل الناس عنها وعطل تلک المدینة فصارت خراباً ورجع الناس إلی منازلهم بسر من رأی)(4).

ص:316

ویبدو من هذه الإجراءات للمنتصر، قد ساهم فی تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادیة لأن دفع الرواتب للجند طیلة هذه الفترة یسبب إرباکاً لزیادة النفقات مما یؤثر علی الوضع الاقتصادی للدولة من جهة، ومن جهة أخری، فإن تخریب القصور سوف یخلق فراغاً فی المبانی العمرانیة مما یخلق حاجة لنفقات جدیدة فضلاً عن ذلک أنّ إرجاع الناس إلی سامراء یخلق تقلیصاً فی الأنشطة الاقتصادیة للناس.

ولما جاء المستعین المستعین کانت الأوضاع الاقتصادیة تزداد سوءاً بسبب الفوضی العسکریة التی أطلقها الأتراک فضلاً عن الفساد الإداری والمالی، إذ أطلق ید وزیره فی بیت المال(1) ، بل وصل الفساد المالی إلی نساء قصور الخلافة فیروی الأبشیهی ما نصه: (عملت أم المستعین بساطاً علی صورة کل حیوان من جمیع الأجناس وصورة کل طائر من ذهب وأعینهم یواقیت وجواهر أنفقت علیه مائة ألف ألف دینار وثلاثین ألف دینار)(2).

وفی عصره حصلت الحرب الأهلیة الثانیة بینه وبین المعتز التی ما من شک خلقت جواً سیاسیاً مضطرباً للغایة، الأمر الذی أدی إلی انفلات الأمور بسبب الحرب الدائرة بینهما وحتی بعد انتصار المعتز علیه استمرت الأوضاع الاقتصادیة بصورتها السیئة دون إیجاد حلول لها.

ومن الجدیر بالإشارة إلیه فی هذه الفترة، أن التفاوت الاقتصادی أدی إلی خلق حرکة اجتماعیة عرفت بالعیارین والشطار(3).

ص:317

یسأله ان یقدمه علی ابن أخیه ویقول: إنّه حدث وأنا عم أبیه فقال عمر ذلک له فقال: افعل فلما کان من الغد أجلسه وجلس فی الصدر ثم أحضر أبا الحسن فدخل فلما رأه زید قام من مجلسه وأقعده فی مجلسه وجلس وقعد بین یدیه فقیل له فی ذلک فقال: لما رأیته لم أتمالک نفسی)(1).

إنّ دراسة هذا النص تعکس لنا المکانة الاجتماعیة الکبیرة فی المجتمع المدنی التی کان یحظی بها الإمام علیه السلام مما دفع عم أبیه علی کبر سنه إلی حسده علیها والعمل علی الوصول الیها، وما من شک أنّ هذه المکانة لم تأتِ عن فراغ إنما عن نشاط واسع فی مختلف الأصعدة الفردیة والجماعیة کما یتضح ان للإمام هیبة ووقار الإمامة مما دفع عم أبیه إلی عدم تمالک نفسه فنهض فأجلسه بدلاً عنه.

ب: تشیر المصادر إلی أنّ یحیی بن هرثمة بعد وصوله إلی المدینة کان لأهلها موقفٌ معه بعد أن علموا أنّه مأمور بإشخاص الإمام علیه السلام إلی سامراء، حیث تعالت أصوات البکاء وإعلان الخوف علیه الأمر الذی دفع یحیی ان یسکن من روعهم ویقسم لهم أنّه لم یؤمر به بمکروه(2).

إنّ هذا الموقف من أهالی المدینة، یعکس لنا مدی الحب والإخلاص منهم للإمام علیه السلام الأمر الذی یصور لنا دوره الاجتماعی فیما بینهم، ویبدو أنّه

ص:319

کان واسعاً وعظیماً مما حرک مشاعر الناس للوقوف بوجه یحیی بن هرثمة الذی کان یمثل الدولة العباسیة متحملین أن یعد موقفهم هذا معارضة سیاسیة بوجه أوامر الحاکم العباسی.

یبدو واضحاً من النص عدم ذکره مکان اللقاء، من حیث إنّه هل کان فی المدینة أو فی سامراء إلاّ أنّه من الراجح أنّ هذا اللقاء کان فی المدینة للقرائن التی فی النص، والتی أبرزها اجتماعه بکبار وکلائه وأصحابه لا سیما أنّ اجتماع هذا المبلغ الکبیر من المال عنده والذی لم یکن الوحید بل هناک غیره أیضاً بعیداً عن عیون الخلافة، بحیث لا یتسنی فی الظروف السیاسیة التی کانت فی سامراء من أقامة جبریة ومراقبة شدیدة وإن رفعت الإقامة الجبریة قلیلاً، فإن المراقبة الشدیدة تبقی غالباً بصورة دائمة ومستمرة طیلة حیاته فی سامراء.

ویعلق السید الصدر حول النص بقوله: (ونحن مهما بلغ بنا الخیال لا یمکن أن نتصور وصول الدین فی قضاء الحوائج الشخصیة إلی ثلاثین ألفاً، إلاّ أن یکون دیناً فی عمل اجتماعی واسع أکبر من المصالح الشخصیة والمسؤولیة العائلیة، وخاصة فی أمثال هؤلاء من الفقهاء الورعین، مضافاً إلی أنّنا رأینا الإمام یعطی بدون طلب أو شکوی فی دین)(1).

ص:321

وقفت بعد هذا وقطعت علیه)(1).

إنّ دراسة هذا النص تعکس لنا الحضور الاجتماعی للإمام علیه السلام فی أوساط المجتمع السامرائی حیث أشار ابن حمزة والحر العاملی والمجلسی(2) إلی أنّ هذه الولیمة کانت فی سامراء.

ویبدو أنّ المرحلة التی یمر بها الإمام علیه السلام تتسم بالهدوء النسبی للوضع السیاسی العام الذی کان یحیط بالإمام علیه السلام، والملاحظ أنّ الولیمة کانت فی بیت أحد الوجهاء لأنّ غیرهم لا یقدم علی إقامة مثل تلک الولائم لحاجتها إلی إمکانیات مادیة، وقد دعی لها من له وجاهة اجتماعیة، حیث کان لذلک الرجل المستهزی بالإمام علیه السلام غلام یخدمه وهو قرینة علی وجاهته الاجتماعیة، ومن الجدیر بالذکر أن من دعی لهذه الولیمة لم یکن من شیعة الإمام فضلاً عن اغلب المدعوین لها.

ولا أتصور أنّ دعوة ذلک المستهزئ بالإمام علیه السلام کانت من باب التقیة لأنها عارضت أمراً آخر وهو الاستهزاء بحجة الله وهو محرم، فضلاً عن ذلک أنّه من الممکن استدعاء من هو أقل عداوة منه. ومن هنا یتعین ما ذهبنا الیه. وفی النص کرامة من کرامات الإمام حیث أخبر بأمر غیبی.

روی عن إسحاق الجلاب(3) قال: (اشتریت لأبی الحسن غنماً کثیرةً یوم

ص:323

الترویة، فقسمها فی أقاربه ثم استأذنته فی الانصراف فکتب إلیّ: تقیم غداً عندنا ثم انصرف فبت لیلة الأضحی فی رواق له، فلما کان وقت السحر أتانی فقال: یا أبا إسحاق قم. فقمت ففتحت عینی وأنا علی بابی ببغداد فدخلت علی والدی فقلت: عرفت بالعسکر وخرجت ببغداد إلی العید)(1).

یبدو أنّ هذا النص یوضح دورین مهمین هما الدور الاجتماعی والاقتصادی حیث نری الإمام علیه السلام ینحی منحی التکافل الاجتماعی لأقاربه الأمر الذی یعکس اطلاعه علی أوضاعهم، ولعل هذه الخطوة لم تکن الوحیدة ولم تکن باتجاه أقاربه فقط بل مع غیرهم إلاّ أنّ المصادر لم تطلعنا علی ذلک.

أشارت بعض المصادر أنّ الإمام علیه السلام (کان یوماً قد خرج من سر من رای إلی قریة لمهم عرض له، فجاء رجل من الأعراب یطلبه فقیل له قد ذهب إلی الموضع الفلانی فقصده فلما وصل إلیه قال: انا رجل من إعراب الکوفة المتمسکین بجدک علی بن أبی طالب وقد رکبنی دین فادح اثقلنی حمله ولم ار من اقصده لقضائه غیرک فقال له ابو الحسن: طب نفساً وقر عیناً ثم انزله عنده فلما اصبح ذلک الیوم قال له ابو الحسن: ارید منک حاجة الله الله ان تخالفنی فیها فقال له الإعرابی: لا اخالفک فکتب ابو الحسن ورقة بخطه معترفاً فیها ان للإعرابی مالاً عینه فیها یرجح علی دینه وقال: خذ هذا الخط فإذا وصلت إلی سر من رأی احضر الی وعنده جماعة فطالبنی به وأغلظ القول علیّ فی ترک ایفائک ایاه والله الله فی مخالفتی فقال: أفعل وأخذ الخط فلما وصل أبو الحسن إلی سر من رای وحظر

ص:324

عند جماعة کثیرون من أصحاب الخلیفة وغیرهم خرج ذلک الرجل واخرج الخط وطالبه وقال کما أوصاه، فألان له ابو الحسن القول ورققه له وجعل یعتذر إلیه ووعده بوفائه وطیب نفسه فنقل ذلک إلی الخلیفة المتوکل، فأمر ان یحمل إلی أبی الحسن ثلاثون ألف درهم، فلما حملت إلیه ترکها إلی أن جاء الأعرابی فقال خذ هذا المال اقض منه دینک وأنفق الباقی علی عیالک وأهلک واعذرنا فقال الأعرابی: یابن رسول الله والله إنّ أملی کان یقصر عن ثلث هذا ولکن الله أعلم حیث یجعل رسالته فأخذ المال وانصرف)(1).

ومن الجدیر بنا التساؤل أنّ الإمام علیه السلام لم یکن مدیوناً لذلک الأعرابی، فکیف کتب علی نفسه ذلک الکتاب؟

ویمکن أن نجیب عن هکذا تساؤل بأجوبة عدیدة أبرزها:

إنّ الإمام علیه السلام قد جعل ذلک الدین علیه بصورة شرعیة، فأصبحت حینئذ ذمته مشغولة به.

إنّ الدولة العباسیة تعتقد أنّ الإمام علیه السلام تصل إلیه أموالٌ کثیرة فأراد ابعاد هذا الاعتقاد عنه من باب التقیة.

إنّ الإمام علیه السلام یدرک أنّ بیت مال المسلمین فی ید المتوکل والأتراک، فأراد إنقاذ بعض تلک الأموال وصرفها فی وجوهها من باب الضرورة.

ص:325

أشارت بعض المصادر التاریخیة عن أبی هاشم الجعفری قال: (ظهر برجل من أهل سر من رای برص فنغص علیه عیشه، فاجتمع یوماً بأبی علی الفهری(1) ، فشکا إلیه حاله فقال له لو تعرضت یوماً لأبی الحسن علی بن محمد، فسألته أن یدعو لک لرجوت أن یزول عنک هذا فتعرضت له یوماً فی الطریق وقت منصرفه من دار المتوکل فلما نظر إلیه قام لیدنو منه، فیسأله ذلک فقال له: تنحَ عافاک الله وأشار إلیه بیده تنحَ عافاک الله ثلاث مرات فرجع الرجل ولم یجسر أن یدنو وانصرف وقصد الفهری فعرفه الحال وما قال فقال له: قد دعا لک من قبل أن تسأله فامض فإنّک ستعافی فانصرف الرجل إلی بیته فبات تلک اللیلة فلما أصبح لم یر علی بدنه شیئاً من ذلک)(2).

یبین النص کرامة من کرامات الإمام علیه السلام ودوره فی التصدی للمشاکل الاجتماعیة التی تظهر فی المجتمع، وهناک إشارة سیاسیة فی النص تمثلت فی خطورة الوضع السیاسی حول الإمام علیه السلام وکثرة العیون علیه فی الطریق، فقام بإبعاد ذلک المریض عنه خوفاً من ذلک.

روت بعض المصادر عن أبی هاشم الجعفری قال: (أصابتنی ضیقة شدیدة فصرت إلی أبی الحسن علی بن محمد علیه السلام، فأذن لی فلما جلست قال: یا أبا هاشم أی نعم الله علیک ترید أن تؤدی شکرها قال: أبو هاشم فوجمت فلم ادر ما اقول له، فابتدأ علیه السلام... یا أبا هاشم إنّما ابتدأتک بهذا لأنّی ظننت ترید أن تشکو لی ما فعل بک هذا وقد أمرت لک

ص:326

مئة دینار فخذها)(1).

لقد أشارت المصادر إلی العدید من المواقف الاجتماعیة للإمام علیه السلام إلاّ أننا لم نستطع تحدیدها بأی فترة کانت هل هی فی المدینة أم فی سامراء ومن بین أبرز تلک المواقف: روی عن عیسی القمی(2) ، أنّه دعا جماعة فقال لهم (أدخلنی ابن عمی أحمد بن إسحاق إلی أبی الحسن علیه السلام فرأیته قد کلمه بکلام لم أفهمه فقال له جعلنی الله فداک هذا ابن عمی عیسی بن الحسن وبه بیاضٌ فی ذراعه کأمثال الجوز قال فقال علیه السلام لی تقدم یا عیسی فتقدمت أخرج ذراعک، فأخرجت ذراعی فمسح علیها وتکلم بکلام خفی طول فیه ثم قال فی آخره ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحیم، ثم التفت إلی أحمد بن إسحاق فقال: له یا احمد کان علی بن موسی الرضا علیه السلام یقول بسم الله الرحمن الرحیم أقرب إلی الاسم الأعظم من بیاض العین إلی سوادها ثم قال علیه السلام یا عیسی قلت لبیک قال علیه السلام أدخل یدک فی کمک ثم أخرجها، فأدخلتها ثم أخرجتها ولیس فی یدی قلیل ولا کثیر)(3).

روی عن أیوب بن نوح قال (کتبت إلی أبی الحسن الهادی علیه السلام أنّ لی حملاً وأساله أن یدعو الله أن یجعل لی ذکراً فوقع لی سمه محمداً فولد لی ابنٌ سمیته محمداً)(4).

ص:327

الرکوع بالسلام وقال لی: قد جاء الرجل ومعه المال وقد منعه الخادم الوصول إلیّ فأخرج فخذ ما معه...)(1).

إنّ دراسة هذا النص توضح خطورة الوضع السیاسی، واهتمام المتوکل، بالأمر حیث کلف الفتح بن خاقان لترصد تلک الأموال التی وصل خبرها من العیون الدقیقة، وبالرغم من ذلک وصلت تلک الأموال فی ساعة متأخرة من اللیل، حیث کان الإمام قائماً لورده وهو صلاة اللیل والتی أفضل وقتها السدس الأخیر من اللیل، وهو تقریباً قبل الفجر بساعة، کل ذلک لمنع السلطة من الوقوف علی دلیل یدین الإمام.

ص:329

أسفندیار، بهاء الدین محمد بن حسن (ت 606 ه -، 1209 م)

7. تاریخ طبرستان، دط. دت.

الإسکافی، أبوعلی محمد بن همام بن سهل الکاتب (ت 336 ه -، 947 م).

8. منتخب الأنوار فی تاریخ الأئمة الأطهار، تحقیق علی رضا هزار، ط 1، 1422 ه -.

ابن أعثم، الکوفی، أبی محمد أحمد بن أعثم (ت 314 ه -، 926 م)

9. الفتوح، تحقیق علی شیری، ط 1، 1991 م.

البحتری، أبو عبادة الولید بن عبید بن یحیی شملال (ت 284 ه - / 897 م)

10. دیوان البحتری، ط 2، بیروت، 2000 م

البحرانی، عبد الله بن نور الإصفهانی (ت ق 12 ه -)

11. عوالم العلوم، تحقیق مدرسة الإمام المهدی "عج" ،ط 1، قم المقدسة، 1408 ه -.

البحرانی، میثم بن علی (ت 699 ه -، 1299 م)

12. النجاة فی القیامة فی تحقیق أمر الإمامة، ط 1، قم المقدسة، 1417 ه -.

البحرانی، هاشم بن سلیمان الحسینی (ت 1107 ه -، 1695 م).

13. بهجة النظر، تحقیق عبد الرحیم المبارک، ط 1، مشهد، 1422 ه -).

14. حلیة الأبرار فی فضائل محمد وآله الأطهار، دط، بیروت، دت.

15. مدینة المعاجز، تحقیق علاء الدین الأعلمی، ط 1، بیروت، دت.

ص:331

البخاری، أبو عبد الله بن إسماعیل بن إبراهیم (ت 256 ه -، 869 م)

16. صحیح البخاری، ط 1، بیروت، 2001 م.

البرسی، رجب، (ت ق 9 ه -)

17. مشارق أنوار الیقین فی أسرار أمیر المؤمنین، تحقیق السید علی عاشور، ط 1، 1422 ه -.

البغوی، أبو محمد الحسین بن مسعود الشافعی (ت 516 ه -، 1112 م)

18. مصابیح السنة، ط 1، بیروت، 1998 م.

البلاذری، أبو الحسن أحمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه -، 892 م).

19. أنساب الأشراف، تحقیق سهیل زکار ط 1، بیروت، 1996 م.

20. فتوح البلدان، ط 1، بیروت، 2000 م.

البیهقی، الشیخ إبراهیم بن محمد (ت 470 ه -، 1077 م).

21. المحاسن والمساوئ، ط 1، قم المقدسة، 1381 ه -.

الترمذی، أبو عیسی محمد بن عیسی بن سورة (ت 297 ه -، 909 م).

22. سنن الترمذی، ط 1، بیروت، 2001 م.

ابن تغری بردی، جمال الدین أبو المحاسن (ت 874 ه - 1469 م)

23. النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة، ط 1، بیروت، 1992 م.

التفرشی، مصطفی بن الحسین الحسینی، ت ق 11 ه -

24. نقد الرجال، تحقیق مؤسسة أهل البیت ط 1 بیروت 1999 م

ص:332

التنوخی، أبو علی المحسن بن علی (ت 384 ه -، 994 م)

25. نشوار المحاضرة وأخبار المذاکرة، تحقیق عبود الشالجی، ط 2، بیروت، 1995 م

ابن أبی الثلج البغدادی، (ت 325 ه -، 936 م).

26. تاریخ الأئمة، دط، قم المقدسة، 1368 م.

الجاحظ، أبو عثمان بن عمرو بن بحر (ت 255 ه -، 868 م).

27. المحاسن والأضداد، دط بیروت، 1996 م.

الجهضمی، نصر بن علی (ت 250 ه -، 864 م)

28. تاریخ أهل البیت نقلاً عن الأئمة، الباقر والصادق والرضا والعسکری علیهم السلام تحقیق محمد رضا الحسینی، ط 1، 1426 ه -.

ابن الجوزی، جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن علی (ت 597 ه -، 1200 م).

29. المنتظم فی تواریخ الملوک والأمم، تحقیق سهیل زکار، د. ط. بیروت، 1995 م.

الجوینی، إبراهیم بن محمد بن المؤید عبد الله (ت 730 ه -، 1329 م)

30. فرائد السمطین فی فضائل المرتضی والبتول والسبطین والأئمة من ذریتهم علیهم السلام، تحقیق محمد باقر المحمودی، ط 1، بیروت، 1980.

الجوینی، أبو المعالی عبد الملک بن عبد الله (ت 478 ه -، 1085 م)

31. الغیاثی غیاث الأمم فی التیاث الظلم، ط 1، بیروت 1997 م.

ص:333

الحاکم النیسابوری، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 405 ه - 1014 م)

32. المستدرک علی الصحیحین، تحقیق، مصطفی عبد القادر عطا، بیروت، 2002 م.

ابن حجر العسقلانی، شهاب الدین أحمد بن علی (ت 852 ه -، 1448 م).

33. الإصابة فی تمییز الصحابة، ط 1، بیروت، 2001 م.

ابن حجر الهیثمی، أحمد بن حجر المکی، (ت 974 ه -، 1566 م)

34. الصواعق المحرقة فی الرد علی أهل البدع والزندقة، دط، بیروت، 1999 م.

الحر العاملی، محمد بن الحسن (ت 1104 ه -، 1692 م)

35. إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، دط، دت.

36. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، تحقیق مؤسسة أهل البیت، ط 2، 2002 م

37. الجواهر السنیة فی الأحادیث القدسیة، د ط، النجف الأشرف، 1964

ابن حزم الأندلسی، أبو محمد علی بن أحمد بن سعید (ت 456 ه - 1063 م)

38. جمهرة أنساب العرب، ط 4، بیروت، 2007 م.

الحضرمی، أبو بکر شهاب الدین العلوی، (ت ق 7 ه -)

39. رشفة الصادی فی بحر فضائل النبی الهادی، تحقیق علی عاشور، ط 1، بیروت، 1998 م.

الحارثی: بهاء الدین محمد بن الحسین بن عبد الصمد (ت 1031 ه -، 1621 م).

ص:334

40. توضیح المقاصد، دط، قم المقدسة، 1356 ه -.

الحلوانی، الحسین بن محمد بن الحسن بن نصر (ت ق 5 ه -).

41. نزهة الناظر وتنبیه الخاطر، (ط ت) (د ت)

الحلبی، الشیخ تقی بن نجم الدین بن عبد الله (ت 447 ه -، 1055 ه -).

42. تقریب المعارف، تحقیق فارس تبریزیان، دط، 1417 ه -.

الحلی، جمال الدین أحمد بن محمد (ت 841 ه -، 1437 م).

43. عدة الداعی ونجاح الساعی، تحقیق مؤسسة المعارف الإسلامیة. ط 2، 1425 ه -.

الحلی، الحسن بن یوسف بن المطهر، (ت 726 ه -، 1325 م).

44. ترتیب خلاصة الأقوال فی معرفة علم الرجال، تحقیق مجمع البحوث الإسلامیة، ط 1، 1423 ه -.

الحلی، الشیخ حسن بن سلمان (ت ق 9 ه -)

45. مختصر بصائر الدرجات، ط 1، النجف الأشرف، 1950 م.

الحلی رضی الدین علی بن یوسف المطهر (ت ق 8 ه -).

46. العدد القویة لدفع المخاوف الیومیة، تحقیق مهدی الرجائی، ط 1، 1408 ه -.

الحلی، عز الدین أو محمد بن سلیمان بن محمد (ت ق 8 ه -).

47. المختصر، تحقیق علی أشرف، دط، 1424 ه -.

48. الباب الحادی عشر، دط، قم المقدسة، 1422 ه -.

ص:335

49. المستجاد من کتاب الإرشاد، تحقیق محمود البدری، ط 1، 1417 ه -.

50. منهاج الکرامة فی معرفة الإمامة، ط 1، قم المقدسة، 1997 م.

الحلی، نجم الدین أبو القاسم جعفر بن الحسن (ت 676 ه -، 1277 م).

51. شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام. ط 10، 1998 م.

الحمانی، علی بن محمد العلوی (ت ق 3 ه -)

52. دیوان الحمانی، تحقیق محمد حسین الأعرجی، ط، بیروت، 1998 م.

ابن حنبل، الإمام أحمد (ت 241 ه -، 855 م)

53. فضائل الصحابة، تحقیق محمد کاظم المحمودی، ط 1، بیروت، 2004 م.

54. المسند، ط 2، 1994 م.

الخزاز، أبو القاسم علی بن محمد القمی (ت ق 4 ه -).

55. کفایة الأثر فی النص علی الأئمة الاثنی عشر، تحقیق عبد اللطیف الحسینی، دط، قم المقدسة، 1401 ه -.

ابن الخشاب، أبو محمد عبد الله بن النصر البغدادی (ت 567 ه -، 1171 م)

56. تاریخ موالید الأئمة ووفیاتهم. دط، قم المقدسة، 1356 ه -.

الخصیبی، أبو عبد الله الحسین بن حمدان (ت 334 ه -، 945 م)

57. الهدایة الکبری، د. ط، 1999 م.

الخطیب البغدادی، أبو بکر أحمد بن علی (ت 463 ه -، 1070 م).

58. تاریخ بغداد، تحقیق مصطفی عبد القادر عطار، ط 1، بیروت، 1997 م

ص:336

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808 ه -، 1405 م)

59. العبر ودیوان المبتدأ والخبر، د. ط، بیروت، 2001 م.

60. المقدمة، دط، بیروت، 1988 م.

ابن خلکان، أبو العباس شمس الدین أحمد بن محمد بن أبی بکر (ت 681 ه -، 1282 م)

61. وفیات الأعیان، تحقیق إحسان عباس، دط، بیروت، دت.

الخوارزمی، الموفق بن أحمد بن محمد المکی (ت 568 ه -، 1172 م)

62. المناقب، تحقیق مالک المحمودی، ط 4، قم المقدسة، 1421 ه -.

ابن داود الحلی، تقی الدین الحسن بن علی (ت ق 8 ه -)

63. رجال ابن داود تحقیق محمد صادق آل بحر العلوم، دط، 1972

الدمیری، الشیخ کمال الدین محمد بن موسی بن یحیی (808 ه - 1405 م.

64. حیاة الحیوان الکبری، ط 1، قم المقدسة، 1425 ه -.

الدیار بکری، حسین بن محمد بن الحسن "ت 966 ه -، 1558 م).

65. تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس النفیس، دط، بیروت، دت.

الدیلمی، الحسن بن أبی الحسن محمد (ت ق 8 ه -)

66. إرشاد القلوب، تحقیق هاشم المیلانی، ط 2، 1424 ه -.

67. أعلام الدین فی صفات المؤمنین، دط، دت.

الذهبی، شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان (748 ه -، 1347 م)

ص:337

68. تاریخ الإسلام، تحقیق مصطفی عبد القادر عطا، ط 2، بیروت، 1426 ه.

69. دول الإسلام، تحقیق ضحی إسماعیل، ط 1، بیروت، 1999 م.

70. سیر أعلام النبلاء تحقیق بشار عواد، ط 2، بیروت، 2001 م.

71. العبر فی خبر من غبر، ط 1، 1997 م.

الرازی، فخر الدین أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسین (ت 606 ه -، 1209 م.

72. الشجرة المبارکة فی أنساب الطالبیة، تحقیق مهدی الرجائی، ط 2، قم المقدسة، 1419 ه -.

الراوندی، قطب الدین أبو علی سعید بن هبة الله (ت 573 ه -، 1177 م)

73. الخرائج والجرائح، تحقیق مؤسسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف، ط 1، قم المقدسة، 1409 ه -.

الزبیدی، محب الدین أبو فیض السید محمد مرتضی الحسینی (ت 1205 ه -، 1790 م).

74. تاج العروس من جواهر القاموس، تحقیق علی شیری، د. ط، بیروت، 1994 م.

زین الدین العاملی، علی بن محمد بن الحسن (ت 1104 ه - / 1692 م)

75. الدر المنظوم من کلام المعصوم، تحقیق محمد حسین، ط 1، 1426 ه -.

ابن سعد، محمد بن سعد بن منیع البصری، (ت 230 ه - / 844 م)

76. الطبقات الکبری، دط، دت.

ص:338

سبط ابن الجوزی، شمس الدین أبو المظفر (ت 654 ه -، 1256 م)

77. تذکرة الخواص، دط، بیروت، دت.

السمعانی، أبو سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور (ت 562 ه - 1166 م)

78. الأنساب، ط 1، بیروت، 1998 م.

السمهودی، نورالدین علی بن عبد الله (ت 911 ه -، 1505 م)

79. جواهر العقدین فی فضل الشرفین، تحقیق مصطفی عبد القادر، عطا، ط 2، 2002 م.

السیوطی، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه -، 1505 م)

80. تاریخ الخلفاء تحقیق إبراهیم صالح، ط 2، بیروت، 2003 م.

81. الدر المنثور فی التفسیر المأثور، ط 1، بیروت، 2001 م.

ابن شاذان، أبو الحسین محمد بن أحمد بن علی بن الحسن القمی (ت ق 9 ه -).

82. مائة منقبة، تحقیق نبیل رضا علوان، ط 2، قم المقدسة، 1413 ه -.

ابن شاذان، أبو الفضل سدید الدین بن شاذان بن جبرئیل القمی، (ت ق 5 ه -).

83. الفضائل، تحقیق محمود البدری، د ط، قم المقدسة، 1381 م.

شبر، عبد الله (ت 1242 ه -، 1826 م).

84. جلاء العیون، دط، النجف الأشرف، 1955 م.

الشبراوی، عبد الله بن محمد بن عامر الشافعی 0 ت 1172 ه - 1758 م.

85. الإتحاف بحب الأشراف، تحقیق سامی الغریری، ط 1، قم المقدسة، 2002 م.

ص:339

الشبلنجی، مؤمن بن حسون (ت ق 13 ه -).

86. نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار، د ط، دت.

ابن شحنة، محب الدین أبو الولید محمد بن محمد (ت 815 ه -، 1412 م).

87. روض الناظر فی علم الأوائل والأواخر تحقیق محمد مهنا، ط 1، بیروت، 1997 م.

ابن شدقم، ضامن بن شدقم الحسینی المدنی (ت 1090 ه - 1679 م).

88. تحفة الأزهار وزلال الأنهار فی نسب أبناء الأئمة الأطهار، تحقیق کامل سلیمان الجبوری، ط 1، 1999 م.

ابن شدقم، علی بن الحسن الحسینی (ت 1033 ه - 1623 م)

89. زهرة المقول فی نسب ثانی فرعی الرسول، ط 1، النجف الأشرف، 1961 م.

الشروانی، المولی حیدر علی بن محمد (ت ق 12 ه -)

90. ما روته العامة فی مناقب أهل البیت علیهم السلام تحقیق، الشیخ محمد الحسون، ط 2، 1417 ه -.

الشعیری، تاج الدین محمد بن محمد (ت ق 6 ه -)

91. جامع الأخبار، ط 1، بیروت، 1986 م.

الشفتی، السید أسد الله محمد باقر الموسوی (ت 1290 ه -، 1873 م).

92. الغیبة فی الإمام الثانی عشر القائم، تحقیق مهدی الشفتی، ط 1، 1427 ه -.

الشامی، الشیخ جمال الدین یوسف بن حاتم، (ت ق 7 ه -).

ص:340

93. الدر النظیم فی مناقب الأئمة اللهامیم، تحقیق مؤسسة النشر الإسلامی، ط 1، 1420 ه -.

ابن شهرآشوب، أبو جعفر محمد بن علی (ت 588 ه - 1192 م)

94. مناقب آل أبی طالب، تحقیق یوسف البقاعی، ط 2، بیروت، 1991 م.

الشهید الثانی، زین الدین بن علی العاملی، (ت، 965 ه - 1557 م)

95. مسالک الإفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام، تحقیق مؤسسة المعارف الإسلامیة، ط 3، 1425 ه -.

96. منیة المرید فی آداب المفید والمستفید، تحقیق علی جهاد الحسانی.

الشهرستانی، أبو الفتح محمد بن عبد الکریم بن أبی بکر (ت 548 ه -، 1153 م).

97. الملل والنحل، تحقیق أمیر علی، ط 2، بیروت، 1992 م.

ابن الصباغ المالکی، علی بن محمد بن أحمد، (ت 855 ه -، 1451 م).

98. الفصول المهمة فی معرفة أحوال الأئمة، دط، النجف الأشرف، دت.

الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی (ت 381 ه -، 991 م)

99. الأمالی، تحقیق مرکز الدراسات الإسلامیة، ط 1، قم المقدسة، 1417 ه -.

100. التوحید، ط 6، قم المقدسة، 1416.

101. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ط 2، قم المقدسة، 1368 ه -.

ص:341

102. الخصال، تحقیق، مؤسسة النشر الإسلامی، ط 6، 1424 ه -.

103. صفات الشیعة، تحقیق محمود البدری، ط 1، 1421 ه -.

104. علل الشرائع، ط 1، قم المقدسة، 1421 ه -.

105. عیون أخبار الرضا، دط، دت

106. کمال الدین وتمام النعمة، ط 2، 1395 ه -.

107. معانی الأخبار، ط 3، 1416 ه -.

108. من لا یحضره الفقیه، ط 1، بیروت، 2005 م.

الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ القمی، (ت 290 ه - 902 م).

109. بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد، دط، قم المقدسة، 1404 ه -.

الصفدی، صلاح الدین خلیل أیبک، (ت 764، 1362 م)

110. الوافی بالوفیات، ط 1، بیروت، 1426 ه -.

111. الفخری فی الآداب السلطانیة، والدول الإسلامیة. د. ط، بیروت، د ت.

ابن طاووس، رضی الدین أبو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد (ت 664 ه -، 1265 م)

112. إقبال الأعمال، تحقیق جواد قیومی، ط 1، قم المقدسة، 1414 ه -.

113. جمال الأسبوع، تحقیق جواد قیومی، ط 1، 1371 ه -.

114. الدروع الواقیة، تحقیقة مؤسسة آل البیت علیهم السلام، ط 1، قم المقدسة، 1414 ه -.

ص:342

115. الطرائق فی معرفة الطوائف، ط 1، بیروت، 1999 م

116. فرج المهموم فی تاریخ علماء النجوم، دت، النجف الأشرف، 1368 ه -.

117. فلاح السائل، د ط، د ت.

118. کشف المحجة لثمرة المهجة، تحقیق الشیخ محمد الحسون. ط 1، 2001 م.

119. مهج الدعوات ومنهج العبادات، ط 1، بیروت، 1994 م.