قصائد الإستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة

اشارة

سرشناسه: حسن هادی مجید العوادی

عنوان و نام پدیدآور: قصائد الإستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة (1200 ه -- 1300 ه -) (1785 م - 1882 م): دراسة تحلیلیة / تألیف حسن هادی مجید العوادی

نشر: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1434 ق. = 2013 م.

محل نشر: کربلای معلی - عراق 1433

مشخصات ظاهری: 315ص

یادداشت کلی:زبان: عربی

موضوع: الشعر العربی - العراق - تأثیر محمد بن الحسن (عج)، الإمام الثانی عشر - الانتظار

موضوع: العصر المملوکی - تاریخ ونقد- الحسین بن علی (علیه السلام)، الإمام الثالث- شعر

ص :1

اشارة

ص :2

قصائد الإستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة

تألیف حسن هادی مجید العوادی

ص :3

هویة الکتاب

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2012-2340

الرقم الدولی ISBN : 489564 9789933

العوادی، حسن هادی مجید.

قصائد الإستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة (1200 ه -- 1300 ه -) (1785 م - 1882 م): دراسة تحلیلیة / تألیف حسن هادی مجید العوادی؛ [تقدیم محمدعلی الحلو]. - ط 1. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1434 ق. = 2013 م.

ص 319. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ 109).

الکتاب بالأصل رسالة ماجستیر.

فی آخر الکتاب ملحق بتراجم شعراء الشیعة فی حقبة الدراسة.

المصادر: ص 293-309؛ وکذلک فی الحاشیة.

1. الشعر العربی - العراق - تأثیر محمد بن الحسن (عج)، الإمام الثانی عشر، 255 ه -. 2. محمد بن الحسن (عج)، الإمام الثانی عشر، 255 ه -. - تأثیر فی الشعر العربی - العراق. 3. العشر المذهبی العربی. 4. محمد بن لاحسن (عج)، الإمام الثانی عشر، 255 ه -. - الانتظار - دراسة وتحقیق. 5. واقعة کربلاء، 61 ق. - شعر. 6. الشعر العربی - العصر المملوکی - تاریخ ونقد. 7. الحسین بن علی (علیه السلام)، الإمام الثالث، 4-41 ه -. - جزاء الأعداء - شعر. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 - م.، مقدم. ب. العنوان. ج. السلسلة.

2012 م. 6 ق 2 و / 5042 PJA

ص:4

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

(1200 ه -- 1300 ه -) (1785 م - 1882 م)

دراسة تحلیلیة

تألیف

حسن هادی مجید العوادی

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1434 ه -- 2013 م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain

- lib.com البرید الالکترونی: info@imamhussain - lib.com

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

وَ نُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ (5) وَ نُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ نُرِیَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا یَحْذَرُونَ (6)

سورة القصص

ص:5

الإهداء

اشارة

إلی سیدی ومولای صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) أهدی هذا الأثر الأدبی راجیاً من الله سبحانه وتعالی أن یرزقنی شفاعته فی الدنیا والآخرة....

کما أهدی جهدی المتواضع هذا إلی روح المرحوم والدی وإلی والدتی وزوجتی وأولادی.

ص:6

مقدمة اللجنة العلمیة

باتت القصیدة العربیة - بعد واقعة الطف - تشهد انفتاحاً علی أغراض شعریة لم یسبق لها من قبل، واستطاعت هذه الواقعة أن «تحرّض» قابلیة الإیداع لدی الشاعر بطریقة ترشیدیة لیبتکر لوناً جدیداً من ألوان الرثاء، أطلق علیه غرض الاستنهاض، أی استنهاض الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف وبمعنی آخر استصراخه واستنجاده آخذاً بثأر جده الحسین علیه السلام، فإن الشاعر یبحث عن طرقٍ مختلفةٍ ینطلق منها فی بیان هواجسه وأحزانه معبّراً عن عمق المأساة التی أحدثته هذه الفاجعة، وهو بقدر ما یبحث عن أغراضٍ جدیدة للرثاء، فانه یتوج هذا الرثاء بالإصرار علی الانتصار للشهید المظلوم الذی سفک دمه ودماء آله بمشاهد من القسوة مروعة أقضت مضجع الشاعر فأحالتها إلی صرخاتٍ یستنجد من خلال قصائده الإمام الحجة ویدعوه إلی الثأر من سفکة دماء الشهید المظلوم لا لأجل شیء، بل لأجل رفض هؤلاء الإصلاح وإقامة دین الله تعالی... هذه هی مبررات الشاعر الذی جعل من قصیدته متنفساً یُبیح ما تعتلجه نفسه الغضبی من فواجع أحداث الطف، ولم یجد الشاعر سوی أمل الثأر المأخوذ ولو بعد حین علی ید الإمام الحجة، فهو إذ یستنهضه للثار لا یعنی أن الإمام بعیدٌ عن مجریات الأحداث، فنفسه الشریفة تتحرق لما جری علی جدّه الحسین فی مشاهد خفیت حتی علی الشاعر. ولم یجد الإمام الحجة سبیلاً للرد علی هذا الاجراء الأموی فی

ص:7

استباحة دم جده الا النهوض بثورة عارمة تطیح ببقایا فلول الأمویین المهزومة المتمثلة بطغاة العصر وجبابرة السلطات، لیؤسس دولة الحق والانتصار لمبادئ الدین ومساعدة المحرومین والمستضعفین...

إذن فاستنهاضات الشاعر للإمام الحجة تنطلق من فلسفة النهوض الثوری والبناء الإیجابی لمجتمع إنسانی متکامل تضمن فیما الحقوق وتراعی من خلالها المبادئ، ولیس الاستنهاض بهذا الثائر من أجل الثأر حسب، فمهمة الشاعر تتخطی حالة الانتقام المجرّد الذی یقف عند حدود استشفاء النفس من أولئک السفاکین لدماء الأبریاء، بل تخطت هذه الحالة إلی حالة أسمی - وان کانت حالة الاقتصاص من السفاکین مسألة إنسانیة محضة - إلا أن الانتقام الذی یدعو إلیه الشاعر سیکون علی ید إمام المصلحین الحجة بن الحسن عجل الله تعالی فرجه الشریف ومعه ستکون الاستنهاضات الأدبیة هذه تنطلق من فلسفة البناء والتحدی.

إذن استطاع الأدب الشیعی أن یؤسس لمرحلة ما بعد عاشوراء، حساً ثوریاً إیجابیاً بقدر ما استطاع أن یؤسس للأدب غرضاً شعریاً إنسانیاً بدیعاً یحمل معه الإبداع الفنی فضلاً عن الإبداع الفلسفی لترشید الثأر و «الانتقام».

ان دراسة الأستاذ حسن هادی العوادی الموسومة «قصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة (1200 ه -- 1300 ه -)» من أهم الدراسات الأدبیة التی تغنی المکتبة الأدبیة، بل المعرفیة بهذا الإبداع الأدبی الذی أحدثته عاشوراء الثورة.. کما هی عاشوراء المعرفة والإبداع...

عن اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو

ص:8

المقدمة

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی أفضل الأنام والمرسلین، نبینا محمد الصادق الأمین، وعلی أهل بیته الطیبین المنتجبین، وصحبه الأبرار الصالحین.

أما بعد...

فلم یزل التراث الإسلامی الشیعی حافلاً بالعطاء، ولم تزل فیه کنوز تحتاج إلی الکشف والاستخراج لینتفع الدارسون بها، ولیفیدوا منها أیما فائدة، والشعر الإسلامی الشیعی أحد الکنوز المهمة التی ینبغی أن تستکشف ویعاد النظر فی قراءتها، واستکناه أبعادها الجمالیة والفنیة.

وجاء هذا البحث لیسلط الضوء علی قصائد خاصة، مثَّلت معتقداً ومنحیً فنیّاً جدیداً فی الشعر الشیعی بوجه خاص، تعلقت باستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف، فکانت فرعاً نضراً من فروع الرثاء الحسینی، استقلّ بنفسه لیکون شجرةً یانعة، سقاها الشاعر الشیعی من آلامه وعواطفه الشیء الکثیر، بعدما وجد فیها ضالته وهدفه المنشود، ووجد فیها استقراره وأمانه، وفی الوقت نفسه ثورته

ص:9

ضد أعدائه، والمتربصین به فکانت قصیدة الاستنهاض نشیداً خالداً فی ضمیر الشاعر الشیعی العراقی علی وجه الخصوص.

ولما کانت حقبة ظهورها واستقلالها قرابة القرن الحادی عشر الهجری ونضوجها وتکاملها فی القرنین الثانی عشر والثالث عشر الهجریین فقد جعلنا حقبة نضوجها واستوائها عند الشعراء الشیعة فی العراق موضوع دراستنا التی وسمت ب -(دراسة تحلیلیة لقصائد الاستنهاض بالإمام الحجَة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی للحقبة 1200 ه -- 1300 ه -).

وقد اقترح علیَّ هذا الموضوع الأستاذ المساعد الدکتور علی کاظم المصلاوی بعدما وجد فیه مجالاً خصباً للدراسة وکونه یشکل ظاهرة تستحق العنایة والتحلیل، فصادف مقترحه هویً فی قلبی فسعیت إلی تحقیقه وإنجازه بأفضل ما استطعت إلیه سبیلا.

وبعد فحص الموضوع من حیث تناوله أو عدمه، تبین لنا عدم دراسته سابقاً، فکان هذا الأمر مدعاة لنا للفخر والاعتزاز بهذا الموضوع الذی یعد جدیداً وبکراً علی ساحة الدراسات الأکادیمیة.

وتجدر الإشارة إلی وجود من اهتم بقضیة الإمام المهدی المنتظر فی الشعر العربی بوجه عام، فحررت رسالة أکادیمیة وسمت ب -(الإمام المهدی المنتظر فی الشعر العربی إلی نهایة العصر العباسی) وهی دراسة کان طابعها تاریخیاً أدبیاً أکثر من کونها دراسة تحلیلیة جمالیة فنیة ولکنها لم تخلُ من فائدة للباحث من حیث النظر إلی فکرة المنتظر وکیفیة تبلورها عند الشعراء بوجه عام؛ إذ لم یقتصر

ص:10

الأمر علی الشعراء الشیعة حسب، بل شمل الشعراء من المذاهب الأخری وکیف وظفوا فکرة المنقذ ولماذا کان التوظیف فی أشعارهم.

عمد الباحث إلی تشکیل خطة بحثه من بابین سبقها تمهید وقد تعرضنا فیه إلی التعریف بحقبة الدراسة وأوضاعها السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة کما اختص بدراسة لفظتی (الاستنهاض والحجّة) فی اللغة والاصطلاح، مع تبیان معنی الحجّة فی الأدیان والمذاهب، وأیضاً الوقوف عند تطور قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف منذ نشأتها إلی حین اکتمالها واستقلالها, ثم الوقوف عند شخصیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بین البعد التاریخی والعقدی والاستعمال الشعری.

وأما الباب الأول فقد قسمناه علی ثلاثة فصول شملت:

1. البناء الفنی: وتناولنا فیه أقسام القصیدة من جهة اکتمالها واستیفائها لشروطها والمتمثلة بالمقدمة والموضوع والخاتمة، کما تناولنا فیه القصائد الاستنهاضیة الخالیة من المقدمات.

2. الاتجاهات العامة: وقد تناولنا فیه الاتجاه التقلیدی والاتجاه التجدیدی لقصائد الاستنهاض، کما تناولنا فیه المحاور الموضوعیة، وهی: الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف؛ وآل البیت علیهم السلام؛ وأخذ الثأر؛ ودولة الإمام.

3. الوظائف والأداء: وقد تناولنا فیه الوظیفة السیاسیة والوظیفة النفسیة والعقدیة والوظیفة الاجتماعیة والأخلاقیة.

وأما الباب الثانی فقد قسمناه علی ثلاثة فصول:

ص:11

1. الألفاظ الشعریة لقصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

2. الصیاغة الشعریة لقصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

3. الإیقاع الشعری لقصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ولما کان البحث معنیاً بالشعر بالدرجة الأساس، فإن مصادر البحث قائمة علی دواوین الشعراء وکتب الأدب العامة وأیضاً اعتمدنا فی البحث علی المصادر اللغویة والتاریخیة.

وقد حاول الباحث الابتعاد عن کل ما یثیر القضایا العقائدیة التی تناولها شعراء الحقبة والتعامل معها بموضوعیة علمیة، بعیدة عن الانحیاز، وذلک بالرجوع إلی مصادر متنوعة، مما یجعل القارئ یطمئن لتوجهات الباحث.

وتجدر الإشارة إلی اعتماد الباحث المنهج التحلیلی الذی یقوم علی وصف الظواهر واستکناه أبعادها الجمالیة والفنیة.

ولا یسعنی فی هذا المجال إلا أن أتقدم بالشکر الجزیل إلی أستاذی المشرف الأستاذ المساعد الدکتور علی کاظم المصلاوی الذی بذل مجهوداً کبیراً فی توجیهی لإخراج هذه الرسالة بأفضل ما یکون فله منی وافر الشکر والتقدیر ودعائی له بالصحة والتوفیق وکذلک أتقدم بالشکر إلی کل من قدم لی ید العون والمساعدة من أهل بیتی وإخوانی وأصدقائی.

وأخیراً أقول إننی اجتهدت وعملت ما أمکننی عمله فإن أصبت فبتوفیق من الله تعالی وإن أخطأت فعذری أننی إنسان، وفوق کل ذی علم علیم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.

ص:12

التمهید

اشارة

* لمحة تاریخیة عن حقبة الدراسة

* الاستنهاض لغة واصطلاحاً

* الحجّة لغة واصطلاحاً

* الحجّة فی الأدیان والمذاهب

* الحجّة فی الفکر الإسلامی

* تطور قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

* شخصیة الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشریف بین البعد التاریخی والعقدی وبین الاستعمال الشعری

ص:13

ص:14

لمحة تاریخیة عن حقبة الدراسة

اشارة

یعدّ التاریخ السیاسی العراقی للنصف الثانی من القرن الثامن عشر تاریخ الحکم الذاتی للممالیک الجورجیین. فلقد جاء هذا النظام بعد قمع الثورات، والسیطرة علی السلطة من قبل الانکشاریة واستتباب الوضع وحلول مستوی معین من الرفاه فی المنطقة. إضافة إلی انهم قاوموا تهدید قبائل المنتفک فی الجنوب وجعلوا من البصرة مدینة مستقلة عن بغداد. ولقد اتخذوا من الافراسیاب فی القرن الماضی نموذجا لهم، وتوجهوا للتجارة مع أوربا وذلک بالسماح لشرکة الهند الشرقیة بتأسیس وکالة لها فی البصرة فی 1763.

ان فشلهم فی خلق نظام وراثی فی الحکم وتشکیل عدة وحدات من حرس الممالیک المتنافسة فیما بینها ادی الی الانشقاق الحزبی وعدم الاستقرار، الذی کان من مصلحة حاکم ایران الجدید.

قام کریم خان زاده بإنهاء حالة الفوضی التی سادت بعد اغتیال نادر شاه وحکم سنة 1765 معظم أراضی إیران من شیراز. وکما کان حکم الممالیک فی العراق فقد کان یهتم بالعوائد الاقتصادیة من تنمیة التجارة الأوربیة فی منطقة

ص:15

الخلیج. احتل أخوه صادق خان البصرة فی 1776 بعد ان أخمد مقاومة عنیدة یقودها حاکمها من الممالیک سلیمان آغا، وبقی فیها حتی وفاة أخیه کریم خان فی 1779. عاد سلیمان بعد ذلک من شیراز حیث کان اسیرا، وفی 1780 اعطی الحکم علی ولایة بغداد والبصرة وشهرزور من قبل السلطان عبد الحمید الأول والمعروف ب - "بیوک" او "سلیمان باشا العظیم" ،تعد حقبة حکمه (1780-1802) أوج حکم الممالیک فی العراق. لقد استقدم أعدادا کبیرة من الممالیک لتقویة حرسه الخاص، وقطع النزاعات بین قوات الحرس المتنافسة، وانهی الانکشاریة کقوة مستقلة محلیة، ونمّی التجارة والزراعة. وکانت محاولاته للسیطرة علی القبائل البدویة العربیة اقل نجاحا، إضافة إلی ان غزوات الوهابیین من الجزیرة العربیة علی الحسا فی حافة الصحراء التی تفاقمت لتطول الأضرحة الشیعیة فی کربلاء فی 1801 قد عزّزت من الصعوبات التی یواجهها.

سقوط الممالیک ونشوء الاطماع البریطانیة

لقد تفاقم النفوذ البریطانی فی العراق فی 1798 حین سمح سلیمان باشا بتعیین ممثل بریطانی دائم فی بغداد. ان تزاید التغلغل الأوربی هذا واحیاء الحکم العثمانی المباشر متزامنا مع الإصلاحات العسکریة والإداریة وغیرها هی من میزات القرن التاسع عشر البارزة فی تاریخ العراق. ان آخر حاکم مملوک فی العراق داود باشا (1816) اتجه بصورة متزایدة نحو أوربا من أجل السلاح والخبراء لتدریب قواته العسکریة وعمل جاهدا من أجل تحسین المواصلات وترویج التجارة، ففی هذا المجال قد شابه نظیره فی مصر محمد علی باشا. فی

ص:16

الوقت الذی اقترب فیه محمد علی باشا اکثر الی فرنسا کانت بریطانیا تقوی باستمرار موقعها فی الخلیج والعراق.

ان سقوط داود باشا یعزی جزئیا الی تصمیم السلطان مراد الثانی (1808) علی تقلیص حکم المقاطعات والابقاء علی السلطة المرکزیة لحکومته فی کل انحاء الدولة. ومما أدی الی ازالة داود باشا کون معارضیه فی العراق من الممالیک، اضافة الی الفیضانات التی دمرت بغداد فی 1831 والطاعون الذی أصاب سکانها فی نفس السنة. کان الممالیک راغبین دائما بمقاسمة السلطة الی حد ما مع مجموعات من الاشراف المحلیین - شیوخ العشائر فی الریف وجماعات تسکن المدن ممن لهم علاقات مع المعسکرات والبیروقراطیین والتجار أو نخبة رجال الدین. ولا تشمل فئة رجال الدین العلماء حسب بل رؤوس المتصوفین والعوائل الاشراف والقیمین علی المراقد والاضرحة العظیمة - من السنة والشیعة.

کما لم یکن باشوات الممالیک فی بغداد یتمتعون باستقلالیة عن حکومة السلطان کما یبدو فی بعض الاحیان. لم یکن داود هو الاول الذی یخلع بالقوة. لقد کان الباشوات عادة یقدمون مساهمات مالیة ومن خلال ممثلیهم فی العاصمة فهم یقدمون الهدایا الی الموظفین الکبار فی القصر والباب العالی حیث یمکن ان یساعدوا فی تنصیبهم.

ان وصول والٍ عثمانی جدید الی بغداد فی 1831 أشّر نهایة عهد الممالیک وبدایة عهد جدید فی العراق. وفرض الحکم المباشر تدریجیا علی المنطقة. ولقد

ص:17

قدم الجلیلیون فی الموصل فی 1834 وعائلة بابان فی السلیمانیة اثر إخضاع العثمانیین للمنطقة الکردیة فی 1850، وفی خمسینیات القرن التاسع عشر تم بتر القوی الدینیة المستقلة من النخبة الشیعیة فی کربلاء والنجف من خلال تعطیل المدارس الدینیة وعدم السماح ببنائها ولاسیما فی مدینتی الکاظمیة وکربلاء.

ومن أجل فرض سیطرة علی مناطق القبائل استمر العثمانیون فی الاعتماد علی الطرق التقلیدیة فی التدخل فی قیادة القبائل وإقامة تحالفات وتألیب مجموعة قبائل ضد أخری وأحیانا استخدام القوة العسکریة. فی حین بقیت القبائل العربیة والکردیة تشکلان مشکلة، فإن الإصلاح الذی وضعه العثمانیون قد اثر فی البنیة العشائریة فی العراق وخفف من حدة المشکلة إلی حد ما ومن خلال هذه الأوضاع التی کان یعیشها الناس فی هذه الحقبة العصیبة من مظالم الحکام أوجدت حالة من الألم والشکوی والمعاناة، والشعراء کونهم یتحسسون آلام الأمة فکانت إحدی صور التعبیر عن ذلک هو الجانب الأدبی حیث یلمس الباحث ذلک فی نتاجاتهم الشعریة وهذا کان له الأثر الکبیر فی إثراء البیئة الأدبیة عامة والدینیة خاصة.

ص:18

اقتضت طبیعة البحث ان نقوم بتعریف المفاهیم التی سوف نتناولها من جانب اللغة ثم من جانب الاصطلاح حتی یکون لدینا مرتکزٌ ننطلق منه إلی الجانب الإجرائی للبحث وأول ما نبتدئ به (مصطلح الاستنهاض).

الاستنهاض لغة

النُهوضُ: إبراحٌ مِنَ المَوضِعِ. والناهِضُ، الفَرِخُ الذی وَفَرَ جَناحَاهُ وَنَهَضَ للطَّیرَانِ ونَهْضُ البَعِیرِ: ما بینَ المَنْکِبِ والکَتِفِ (1).

وَنَهَضَ: َامَ وبَابَهُ قَطَعَ وَخَضَعَ وأنْهَضَهُ فانتَهَضَ واسْتَنْهَضَهُ لأمرِ کذا أمرهُ بالنهُوضِ لهُ (2).

والاستنهاض مِنْ نَهَضَ، نهضاً، ونهوضاً، قَامَ یَقِظاً نَشیطاً. ویُقالُ نَهَضَ مِنْ مَکانِهِ إلی کذا، قَامَ وَتحرَکَ إلیهِ مُسرِعاً، وَنَهَضَ إلی العَدُوِ: أسرَعَ إلی مُلاقاتِهِ واستنهَضَ فلاناً للأمر: َعاهُ إلی سُرعةِ القیام بهِ (3).

ص:19


1- (1) الفراهیدی، (ابو عبد الرحمن الخلیل بن احمد ت 175 ه -): العین، تحقیق د. مهدی المخزومی، ود. إبراهیم السامرائی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط 1، 1847/3:1988.
2- (2) الرازی، (محمد بی أبی بکر بن عبد القادر): مختار الصحاح، مکتبة النهضة، بغداد، د ت ط: 329.
3- (3) أنیس، (د. إبراهیم، ود. عبد الحلیم منتصر، عطیة الصوالحی، محمد خلف الله احمد): المعجم الوسیط، المکتبة الإسلامیة للطباعة والنشر والتوزیع، ترکیا، د. ط، د. ت: 958/2.

وَنَهَضَ: النُونُ والهَاء والضاد، أصلٌ یَدُلُ علی حَرَکةٍ فی علُوٍ. وَنَهَضَ من مَکانِهِ: امَ. وَمَالهُ ناهِضةٌ، أی قَومٌ یَنهَضونَ فی أمِرهِ ویقُومُونَ بهِ. وَیقُولونَ ناهِضةُ الرَجُلِ: نو أبیهِ الذین یَغضَبُونَ لهُ. وَنَهَضَ النَبتُ استوی(1).

وأما علی صعید الاصطلاح «فهوَ طلبُ القیامِ بالأمرِ أو طلبُ النصرةِ والمعونةِ وتحریکِ همةِ المستنهضِ لأمرٍ ما. والنهوضُ هو إبراحٌ منَ الموضع والقیام عنه، وانتهض ای قام وأنهضته فانتهض وتناهض القوم للقتال نهضوا له، وأنهضه حرکه للنهوض، وناهضته أی قاومته والنهضة: الطاقة والقوة»(2). فهنا أشار ابن منظور إلی معان عدة تدور حولها هذه الدراسة منها (ابراحٌ من الموضع، والقیام والمقاومة، والطاقة والقوة) والاستنهاض الذی نریده هو الدعوة إلی هذه المعانی بحسب ما یقتضیه الموقف أو الحادثة، وقد ذهب الزمخشری (ت 538 ه -) فی أساس البلاغة إلی أن الاستنهاض «من نهض نهضاً وانتهض. وحانت منه نهضة إلی موضع کذا. وهو کثیر النهضات. ومن المجاز: نهض النبت: استوی وانهضت القربة انهدتها، ونهض الشیب فی الشباب.... ونهض الطائر: نشر جناحیه لیطیر»(3). وقد ذکر ضمن المعانی اللغویة السابقة معنی استواء الزرع، ونهوض الطائر ونشر جناحیه للطیران،

ص:20


1- (1) الرازی، (ابو الحسن أحمد بن فارس بن زکریا ت 395 ه -): معجم مقاییس اللغة، وضع حواشیه إبراهیم شمس الدین دار الکتب العلمیة، بیروت، ط 2، 2008 م: 364/5.
2- (2) الأنصاری، (أبو الفضل جمال الدین محمد بن مکرم ابن منظور ت 711 ه -): لسان العرب، تحقیق عبد علی الکبیر، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلی، دار المعارف مصر، د. ت: 307/14 (مادة نهض).
3- (3) الزمخشری، (محمد بن عمر ت 538 ه -): أساس البلاغة، دار مطابع الشعب، القاهرة، 1960 م: 974-975.

وحلول الشیب بدل السواد، والحرکة إلی العلو، والطاقة والقوة، وکل هذه المعانی تدل علی القیام والحرکة والتغییر من حال إلی حال أخری أفضل منها. وهذا المعنی هو ما نرید أن نصل إلیه لنؤکد العلاقة الدلالیة بین المعنی اللغوی والاصطلاحی، فالمعنی الاصطلاحی هو نتیجة سببها المعنی اللغوی الذی یعد الأصل فی ظهور معنی متعارف علیه. ومن المصطلحات القریبة من (الاستنهاض) هو (الاستنجاد) ومعناه «ساعد، أعان، طلب المساعدة»(1).

وأیضاً الاستصراخ وهو بمعنی «صرخ مستنجداً، حمل علی الصراخ»(2).

وأیضاً مصطلح (الاستغاثة) «وهی بمعنی طلب الغوث والإجابة والنصرة»(3). وکل هذه المسمیات تدل علی محاولة الحصول علی الإنقاذ من موقف متأزم یستدعی الإسراع والنجدة وبهذا تکون جمیع هذه المصطلحات قریبة من بعضها فی المعنی العام ومن الصعب علی الدارس التفریق بینها، وعلی الرغم من تقارب الدلالة بین هذه المصطلحات إلاّ أن مصطلح (الاستنهاض) نجده أکثر التصاقاً بقضیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وطلب التعجیل بظهوره وقیام أمره، أما بقیة المصطلحات ومنها مثلاً (الاستصراخ)(4) فقد ارتبطت بقضایا أخری مختلفة عن قضیة الإمام من وجهة نظر عقائدیة، هذا من جهة ومن جهة أخری نجد ان لفظ

ص:21


1- (1) لسان العرب: 14-41/15 (مادة نجد).
2- (2) م. ن: 6-291/7 (مادة صرخ).
3- (3) لسان العرب: 15/10 (مادة غاث).
4- (4) ارتبط (الاستصراخ) برثاء المدن والممالک الزائلة بالأندلس، ینظر علی سبیل المثال لا الحصر (الاستصراخ فی الشعر الأندلسی).

الفعل (نهض) ومشتقاته متداولة عند شعراء حقبة الدراسة مما یعنی وعی الشعراء بهذا المصطلح وتقبله عندهم أکثر من سواه، ولعلهم وجدوا فیه ضالتهم النفسیة والعقائدیة والسیاسیة والاجتماعیة متحققة دون سواه من الألفاظ المرادفة له، ولهذا نری أن الاستنهاض أعم وأوسع فضاءً من المصطلحات الأخری؛ لأن معنی النهوض ان یحتوی کل ما یخص النهوض بحال الآخر کما النهوض بالنفس فی حین قد یستقل کل معنی من معانی المصطلحات القریبة منه بمعنی معین خاص به. ومن قصائد حقبة الدراسة التی نجد فیها هذا اللفظ قول الشاعر عبد الحسین شکر فی نصّهِ: (من الکامل).

للهِ صبرکَ کمْ تطیقُ تحملاً وعداکَ من -- کَ بمنظ - رٍ وبمسم --- عِ

فانهضْ مثیراً نقعها بمهندٍ یدهی الأثیرَ صواعقاً فی زعزعِ (1)

فهنا الشاعر استعمل لفظة (انهض) لاستنهاض الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف. وکذلک نجده فی قول الشاعر عباس الأعسم من قصیدة له یستنهض فیها الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویذکره بالحوادث التی جرت علی أهل بیته فی نصّهِ: (من الطویل).

إلی م نقاسی بانتظارکَ لوعةً بها کربتْ أکبادُنا أن تُقَطَّعا

ألمْ یأنِ أن تستنهضَ العزمَ قائماً علی الثأرِ تستوفیهِ بالصاعِ أصوُعا

وتغسلُ عنْ أشیاعکَ العارَ عاطفاً علیها بمرأی أربعِ النصبِ بلقعا(2)

ص:22


1- (1) شکر، (الشیخ عبد الحسین): دیوان الشیخ عبد الحسین شکر، انتشارات الشریف الرضی، قم، 1411 ه -: 46.
2- (2) الأعسم، (الحاج عبد الرزاق): القصائد الفاخرة فی العترة الطاهرة، جمع الحاج عبد الرزاق الأعسم، النجف الأشرف: 147.

فهنا الشاعر استعمل لفظة (استنهض) للقیام بالأمر مثلما صب اهتمامه علی المجتمع وذلک من خلال لفظة الجمع (نقاسی) ولم یهتم بنفسه أو عشیرته «کما کان یفعل الشاعر الجاهلی فی شعره»(1).

وکذلک قول الشاعر الشیخ محسن أبو الحب الذی استعمل صیغة الأمر الذی خرج إلی معنی الالتماس وهو یستنهض الإمام للانتقام من الذین قتلوا جده الحسین علیه السلام فی نصّهِ: (من البسیط)

تلک الثنایا التی طه ترشَّفها بالخیزرانِ یزیدٌ صارَ یضربها

ذا بعض ما نالکم فانهض فداک أبی کل الرزایا بکم ینجاب غیهبها

أنت البقیة من قوم أکفُّهم عمَّ البریة بالإحسان صیّبها(2)

وکذلک قول الشاعر محمد علی کمونة الذی یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویذکره بما جری علی أهله فی واقعة الطف من قتل وسبی وحرق للخیام فی نصّهِ: (من الوافر)

أبادوا جمعکم وسبوا نساکم وساموکم بأفعال قباحِ

الا فانهض فما هذا التوانی اما لک من مقامک من براح

فقد عاثت بکم ایدی الأعادی وثار الجور بالجیش الرداحِ (3)

ص:23


1- (1) الکفراوی، (د. محمد عبد العزیز): تاریخ الشعر العربی فی صدر الإسلام، دار نهضة مصر، القاهرة: 296/1.
2- (2) أبو الحب، (محسن): دیوان الشیخ محسن أبو الحب، تحقیق جلیل کریم أبو الحب، انتشارات المکتبة الحیدریة، قم، ط 1، 1327 ه -: 57.
3- (3) ابن کمونة، (محمد علی): دیوان ابن کمونة، جمعه وعلق علیه محمد کاظم الطریحی، مطبعة دار النشر والتألیف، النجف الأشرف، 1948 م: 41.

وبهذا یمکننا أن نعد شعر الاستنهاض شعراً ملتزماً؛ لأنه یدافع عن قضیة مهمة یلتزم بها الشاعر ولا وسیلة له للتسلیة والمتعة أو الکسب المادی والدنیوی. وقد عرف بعض المستشرقین (الالتزام) بقوله «مما لا ریب فیه أن الأثر المکتوب واقعة اجتماعیة ولا بد أن یکون الکاتب مقتنعاً به عمیق اقتناع، حتی قبل أن یتناول القلم، إن علیه بالفعل، أن یشعر بمدی مسؤولیته، وهو مسؤول علی کل شیء، عن الحروب الخاسرة أو الرابحة، عن التمرد والقمع. إنه متواطئ مع المضطهدین إذا لم یکن الحلیف الطبیعی للمضطهدین»(1).

وبهذا فإن شاعر الاستنهاض یتأمل ما یحیط به من واقع، ویشخص ذلک الواقع ویقوم بتحلیله، ومن ثم یعبر عما یجول فی خاطره شعراً فهو یرید دائماً أن یحول الواقع إلی حلم والحلم إلی واقع. وهذا ما سنفصل الحدیث عنه فی هذه الدراسة.

ص:24


1- (1) سارتر، (جان بول): الأدب الملتزم، ترجمة جورج طرابیشی، منشورات دار الأدب، بیروت، ط 1، 1965 م: 44.

وأما لفظة الحجَّة لغة

فهی من حَجَّ: قد تُکسر الحِجَّةُ الحِجُّ، فیقال حُجُّ وحِجَّةُ. ویقالُ للرجل الکثیر الحَجِّ حجّاجُّ من غیر إمالة.

والحِجَّةُ: شحمة الأذن، والحُجَّةُ: وجه الظفرِ عند الخصومة والمَحَجَّةُ: قارعةُ الطریق الواضح(1).

والحُجَّةُ: البرهان؛ وقیل الحُجَّةُ ما دوفع به الخصم؛ وقال الأزهری: الحُجَّةُ الوجه الذی یکون به الظفر عند الخصومة.

وهو رجلٌ محجَاجٌ أی جَدِلٌ. وجمع الحُجَّةِ حُجَجٌ وحجّاجٌ (2).

وقد وردت لفظة حجّة فی القرآن الکریم فی أربع آیاتٍ:

الأولی «لئِلَّا یکونَ للناسِ علیکم حجّة» وهی بمعنی (دلیل)(3).

ص:25


1- (1) العین: 171.
2- (2) لسان العرب: 49.
3- (3) الطباطبائی, (محمد حسین): تفسیر المیزان, مؤسسة الأعلمی، بیروت, ط 1,1997 م 332/1 سورة البقرة: 150.

والثانیة «لئلَّا یکونَ للناسِ علی اللهِ حجّة بعدَ الرسلِ» وهی معنی (عذرٌ من عدمِ إرسال الرسل)(1).

والثالثة «قُلْ فللهِ الحجّة البالغةُ فلو شاءَ لهداکم أجمعین» وهی بمعنی (البینة التی بلغت القطع فی العذر)(2).

والرابعة «لنا أعمالُنا ولکم أعمالکم لا حجّة بیننا وبینکم» وهی بمعنی (المحاجة والخصومة)(3).

وأما الحجّة فی الاصطلاح: ما یراد به إثبات أمرٍ أو نقضه، وهو الاستدلال علی صدق الدعوة أو کذبها.

وحجّةٌ: أی یحتج بحدیثه، وفی إطلاق اسم المصدر علیه مبالغة ظاهرة فی الثناء علیه بالثقة والاحتجاج بالحدیث(4).

والحجّة: "هو حجّة الحق علی الخلق وهو الإنسان الکامل (کآدم) علیه السلام" (5) مثلما فی قوله تعالی «قال یا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لکم إنی أعلم غیب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما کنتم تکتمون»(6).

ص:26


1- (1) م. ن 150/5 النساء: 165.
2- (2) م. ن 389/3 الأنعام: 149.
3- (3) م. ن 34/18 الشوری: 15.
4- (4) الزمخشری، (محمد بن عمر ت 538 ه -): أساس البلاغة، دار مطابع الشعب، القاهرة، 1960 م: 113.
5- (5) سرور، (إبراهیم حسین): المعجم الشامل للمصطلحات العلمیة والدینیة، دار الهادی، بیروت، ط 1، 2008 م: 566.
6- (6) سورة البقرة: 33.

والحجّة بمعنی (الغلبة، والدلیل، والبرهان)(1).

وبما أن لفظة الحجّة جاءت فی المعنی الاصطلاحی بمعنی (حجّة الحق علی الخلق) وهو الإنسان الکامل الذی خصه الله سبحانه وتعالی بحمل رسالة الدین ونشر الحق وإعلاء کلمة الله سبحانه وتعالی ومحاربة الظلم والعدوان فهذا المعنی هو الذی تناوله شعراء الحقبة فی شعرهم ومنه قول الشاعر حیدر الحلی وهو یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویشکو له ألم الزمان وضیق الصدر وغیاب الحق ویطلب الفرج منه لإقامة دولة الحق فی نصّهِ (من بسیط):

خُذْ مِنْ لِسانی شکوی غَیرَ خَائِبةٍ مِنْ ضِیقِ ما نحنُ فیهِ تضمُنُ الفرجا

تستنهضُ (الحجّةُ المهدی) من خَتَمَ اللهُ العظیم بهِ آباءهُ الحُججا

لَمْ یستتر تَحتَ لَیلِ الرَیبِ صُبْحُ هُدیً إلاّ وللخلقِ منهُ کانَ مُنبلِجا(2)

ص:27


1- (1) المعجم الشامل: 566.
2- (2) الحلی، (حیدر بن سلیمان بن داود): دیوان السید حیدر الحلی، حققه علی الخاقانی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط 4، 1984 م: 65.

وإذا عرجنا علی معنی الحجّة فی الأدیان والمذاهب

فإننا نجد اتفاقاً عقائدیّاً علی أنه سیأتی فی آخر الزمان حجّة علی هذا الکون یقوم بنشر العدل الإلهی ویحکم بالقسط ویکون الدین کله لله الواحد القهار، «ولکنها اختلفت فی تحدید شخصیة هذا الحجّة کما اختلفت أیضاً فی تسمیته فمنهم من سماه (المنقذ)، ومنهم من سماه (عیسی) علیه السلام، ومنهم من أطلق علیه (الإمام الحجّة المهدی المنتظر) عجل الله تعالی فرجه الشریف»(1).

وسوف أستعرض هذا الاختلاف عند الأدیان والمذاهب.

یُعَدُّ الإیمان بحتمیة ظهور المصلح الدینی العالمی وإقامة الدولة الإلهیة العادلة فی الأرض کلها من نقاط الاشتراک البارزة بین جمیع الأدیان، «والاختلاف فیما بینها إنما هو فی تحدید هویة هذا المصلح الدینی العالمی الذی یحقق جمیع أهداف الأنبیاء»(2).

ص:28


1- (1) جعفر، (الشیخ مهدی خلیل): الإمام المهدی فی الأدیان، دار المحجة البیضاء، بیروت، ط 1، 2008 م،: 13.
2- (2) المهدی فی الأدیان: 14.

فلو تحرینا عن هذه الفکرة فی الدیانة الیهودیة لوجدنا «أن الثابت عند الیهود هو الإیمان بوجود المصلح وکما هو مدون لدیهم فی التوراة والمصادر الدینیة المعتبرة عندهم وقد فصل الحدیث عن هذه العقیدة عند الیهود کثیر من الباحثین فی العالم العربی»(1).

وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصیلات فی هذه العقیدة عند الیهود إلا أن المقدار الثابت هو أنها فکرة متأصلة فی تراثهم الدینی وبقوة بالغة مکنت الیهودیة - من خلال تحریف تفاصیلها ومصادیقها - أن تقیم علی أساسها تحرکاً استراتیجیاً طویل المدی وطویل النفس «استقطبت له الطاقات الیهودیة المتباینة الأفکار والاتجاهات ونجحت من تجمیع جهودها وتحریکها باتجاه تحقیق ما صَورهُ قادة الیهودیة لأتباعهم لأنه مصداق التمهید لظهور المنقذ الموعود»(2).

کما آمن النصاری بأصل هذه الفکرة استناداً إلی مجموعة من الآیات والبشارات الموجودة فی الإنجیل والتوراة «ویصرح علماء الإنجیل بالإیمان بحتمیة عودة عیسی علیه السلام فی آخر الزمان لیقود البشریة فی ثورة عالمیة کبری یعم بعدها الأمن والسلام کل الأرض»(3).

ص:29


1- (1) ینظر کتاب جورج رذرفورد (ملایین من الذین هم أحیاء الیوم لن یموتوا أبدا)، والسیناتور الأمریکی بول فترلی فی کتابه (من یجرؤ علی الکلام)، واغریس هالسل فی کتابها (النبوة والسیاسة).
2- (2) المهدی فی الأدیان: 10، ینظر الحسینی، (السید نذیر): المصلح العالمی، مؤسسة صدر الخلائق، النجف الاشرف: 20.
3- (3) م. ن: 11.

أما ما جاء فی المعتقدات الدینیة الوضعیة «ففی الدیانة الزرادشتیة هناک مجموعة من الکتب جاءت فیها الأخبار الکثیرة حول آخر الزمان وعن ظهور الموعود الذی سیخلص البشریة من الکبت والحرمان ومن ضغوط التحکم والطواغیت الذین یسعون فی الأرض فساداً»(1).

وفی الدیانة الهندیة جاء الحدیث «حول المنقذ الموعود فی أعراف الهنود وکتبهم وقیل أنه (بوذا الخامس) وهو منقذهم ومخلصهم»(2). وأما فی الدیانة الصینیة فقد جاء «حینما یمتلئ العالم بالظلم یظهر الشخص الکامل الذی یسمی (بترتنکر المبشر) ویقضی علی الفساد ویؤسس للعدل والطهر..... سینجی کریشنا العالم حین یظهر البراهیمیتون»(3). وأما فی دیانة الصابئة «فقد جاء فی کتبهم العدید من الأحادیث عن المستقبل والموعود الذی سیأتی فی آخر الزمان»(4).

وهناک دیانات أخری جاء فی کتبها الحدیث عن الموعود فی آخر الزمان ومنها (دیانة جبال النیبال، الدیانة المصریة القدیمة، وغیرها من الدیانات الأخری)(5).

ص:30


1- (1) ینظر کتاب (اوستا، زند، قصة دینیک)، ینظر کتاب المصلح العالمی: 26.
2- (2) ینظر کتاب (مهابهارتا، یورانها) ینظر کتاب المصلح العالمی: 26.
3- (3) ینظر کتاب اوبانیشاد: 54، کتاب المصلح العالمی: 27.
4- (4) ینظر کتاب الکنز العظیم، تعالیم یحیی، سر المعمودیة المقدسة، المهدی فی الأدیان: 103.
5- (5) ینظر کتاب المهدی فی الأدیان: 123.

وأما الإمام الحجّة فی الفکر الإسلامی

فهو من الأمور الحتمیة التی تلقی أنباءها المسلمون من عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعهد الصحابة، إلی عهد التابعین وعهد العلماء ومن بعدهم، وهی قضیة الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف ولکثرة ما کان النبی یخبر عن الإمام الحجّة فقد جمع الصحابة والعلماء مئات الأحادیث عنه فی هذا الأمر «حتی أصبح عندنا أکثر من سبعین من الصحابة تروی عنهم روایات فی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وهذا ما یسمی (بالروایة المتواترة) باعتبار أنه توجد روایات آحاد، وهی عبارة عن روایة أو خبر أو حدیث أو قول أو فعل ینقله شخص واحد أو شخصان عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم»(1).

وقد اختلفت المذاهب الإسلامیة فی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أیضاً من حیث «شخصه وتسمیته وطول عمره فذهب کل مذهب إلی ما یعتقد به»(2).

ص:31


1- (1) الطوسی، (محمد بن الحسن 460 ه -): الغیبة، تحقیق عباد الله الطهرانی والشیخ علی احمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم المقدسة، ط 1، 1411 ه -: 187، الصدوق، (أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین ابن بابویه القمی ت 381 ه -): کمال الدین وإتمام النعمة، دار الفجر، بیروت، ط 1، 2009 م: 324/2.
2- (2) ابن خلدون، (عبد الرحمن ت 808 ه -): تاریخ ابن خلدون، تحقیق د. سهیل زکار، دار الفکر، بیروت، ط 2,1988 م: 311/1، المصلح العالمی: 53.

أما الشیعة الإمامیة فقد أقرت «بأن الحجّة هو الإمام محمد المهدی من ولد الإمام الحسین علیهم السلام وهو الإمام الثانی عشر وهو ابن الإمام الحسن العسکری علیه السلام وقد ولد فی سامراء وغاب بأمر الله وسیظهر فی آخر الزمان لینشر العدل الإلهی ویقوم علی إحیاء دولة الحق»(1).

وهذا هو مدار بحثنا لقصائد الاستنهاض الخاصة باستنهاضه لطلب الثأر وإحقاق الحق ونشر الدین الإسلامی الحقیقی الذی بعث به رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

ص:32


1- (1) الکلینی، (محمد بن یعقوب ت 329 ه -): أصول الکافی، تحقیق محمد جواد، الفقیه والدکتور یوسف البقاعی، دار الأضواء، بیروت، ط 1، 338/1:1993، الفتن لابن حماد: 277، کمال الدین: 304.

تطور قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

توطئة

إن لشعر الاستنهاض أصولاً قدیمة منذ العصر الجاهلی «إلاّ أنه کان رهین النظام القبلی، فالشاعر یری نفسه فرداً من أفراد قبیلته، یرتبط معها بمصیرٍ واحد»(1).

فهو «لن یفکر فی مشکلات المجتمع وآماله، بل سیهتم أولاً وأخیراً بما یرفع أو یخفض من شأن قبیلته. ویعالجه بالطریقة التی تناسب عقلیته وعصره، کالفخر مثلاً أو هجاء أعدائهم»(2).

إذن فالشاعر الجاهلی انصب اهتمامه الشعری علی نفسه وقبیلته ولا یأخذ المجتمع فی حسبانه إلا نادراً، ومنه قول المهلهل وهو یجتزئ بالوعید لبنی مرة فی نصّهِ: (من الوافر)

خُذ العهدَ الأکیدَ علیَّ عُمْری بتَرککِ کلَّ ما حوتِ الدّیارُ

ولستُ بخالعٍ درعی وسیفی إلی أن یخلعَ اللیلَ النهارُ

ص:33


1- (1) ینظر: تاریخ الشعر العربی فی صدر الإسلام: 396/1.
2- (2) م. ن: 397/1.

وإلاّ أنْ تبیدَ سراةُ بکرٍ فلا یبقی لها أبداً أثارُ(1)

فهنا الشاعر یستنهض نفسه وعشیرته للأخذ بالثأر وأنه سوف لن یهدأ ولن یضع سیفه ودرعه حتی یتم الأخذ بالثأر وإبادة بنی بکر وهذا من مصادیق النظام القبلی الذی یرتبط به.

أما فی عصر صدر الإسلام فقد انصب اهتمام الشعراء علی الدعوة النبویة ونشر تعالیم الإسلام والدفاع عنها واستنهاض الناس إلی فهم مبادئ الدین الحنیف ومهاجمة الکفار والملحدین من أعدائه وقد برز ذلک بشکل واضح فی غزوات الرسول محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) بهدف نشر الدین الإسلامی وتخلیص الناس من العبودیة والضلال.

ومنه قول الشاعر کعب بن مالک فی نصّهِ: (من الوافر)

قَضینا من تُهامةَ کلَّ ریبٍ وخیبرَ ثُمَّ أغمدنا السیوفا

نُخبرها ولو نطقتْ لقالتْ قواطعهنَّ دوساً أو ثقیفا(2)

«ولو تأملنا أغلب النماذج الشعریة الإسلامیة لوجدنا أنها قصائد فخریة یغلب علیها طابع الفخر بالإسلام ومبادئه، وبکتاب الله وما جاء فیه(3) ، وهو نوع من أنواع الاستنهاض غیر المباشر لتوجیه الناس إلی الدین الجدید».

ص:34


1- (1) ضیف، (د. شوقی): تاریخ الادب العربی، العصر الجاهلی، دار المعارف، مصر، ط 7، 190:1976.
2- (2) ابن مالک، (کعب): دیوان کعب بن مالک، تحقیق مجید طراد، بیروت، ط 1، 1997 م: 66.
3- (3) مخیلف، (فهد نعیمة): الاستنهاض فی الشعر العباسی دراسة موضوعیة فنیة (رسالة دکتوراه) الی مجلس کلیة الآداب، الجامعة المستنصریة: 11.

أما فی العصرین الأموی والعباسی فقد امتزج شعر الاستنهاض مع أغراض أخری مثل (المدح والفخر والهجاء والشکوی والزهد ورثاء المدن) وهذا ما سنتناوله فی موضوع تطور قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف.

لم ینأ الشعراء بأنفسهم بعیداً عن نظریة الإصلاح ومن یمثلها من أهل البیت العلوی، بل شارکوا أیضاً بنشر دعائم هذه العقیدة وترسیخها فی نفوس الناس ووثقوها بأبیاتهم الشعریة فشارکوا المحدّثین والمفسرین فی ذلک.

وما الإشارة إلی قائدها قبل ولادته إلا أن یکون حلقة من حلقات التکامل فی هذه العقیدة الراسخة، لأن الحدیث عن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف قبل ولادته یکشف عن وجود اتفاق علی هذه العقیدة بحیث وصلت أفواه الشعراء وأدرجوها قصائدهم بوصفها توثیقاً تاریخیاً من خلال الشعر العربی الذی وثق لنا کثیراً من حوادث التاریخ علی مر العصور.

وقد ذکر الإمام علی علیه السلام الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی أبیاتٍ تنسب له؛ إذ قال: (من المتقارب).

حسینٌ إذا کنتَ فی بلدةٍ غریباً فعاشر بآدابها

کأنی بنفسی وأعقابها وبالکربلاء ومحرابها

فتخضبُ منا اللُحی بالدماءِ خِضابَ العروسِ بأثوابها

أراها ولم یکُ رأی العیانِ وأوتیتُ مفتاحَ أبوابِها

سقی اللهُ قائِمنا صاحب القیامةِ والناسُ فی دابها

هو المدرکُ الثأر لی یا حسین بل لک فاصبر لأتعابها

ص:35

لِکُلِ دمٍ ألف ألفٍ وما یُقَصّرُ فی قتلِ أحزابها(1)

ورویت منظومة أیضاً منسوبة إلیه (علیه السلام) یذکر فیها الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف وکیف أنه یقاتل أهل الشرک والنفاق وینشر الدین الحق علی بقاع المعمورة کافة، وأن هذا القول هو من إخبار خاتم الأنبیاء والرسل النبی محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) إذ قال: (من الطویل)

إنی علیٌ من سُلالةِ هاشمٍ تری الذکرَ یکتبها فی الملاحمِ (2)

وإنی قلعتُ البابَ فی غزوِ خیبرٍ وجازَ جمیعَ الجیشِ فوق المعاصمِ

إلی أن یصل إلی ذکر الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف ودولته فیقول:

فلله درُّهْ من إمامٍ سُمیدعٍ یذلُّ جیوشَ المشرکینَ بصارمِ

وُیظهرُ هذا الدینَ فی کل بقعةٍ ویرغم أنفَ المشرکین الغواشمِ

فیا ویلَ أهلِ الشرکِ من سطوةِ القنا و یا ویل کل الویل کانَ لظالمِ

ینقّی بساط الأرضِ من کلِّ آفةٍ ویرغم فیها کلَّ أنفٍ لغاشمِ

ویأمرْ بمعروفٍ وینهی لمنکرٍ ویطلعُ نجم الحقِ فی یدِ قائمِ

وینشرُ بسط العدلِ شرقاً ومغرباً وینصر دینَ اللهِ راسی الدعائمِ

وما قلتُ هذا القول فخراً وإنما قد أخبرنی المختارُ من آل هاشمِ (3)

وأیضاً من الذین ذکروا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی عهد رسول الله

ص:36


1- (1) القندوزی، (سلیمان بن ابراهیم بن محمد البلخی): ینابیع المودة، صححه علاء الدین الأعلمی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط 2، 2009 م: 495.
2- (2) البیت مختل الوزن (هکذا جاء فی المصدر).
3- (3) م. ن: 496.

(صلی الله علیه وآله) ألا وهو معلم السبطین الحسن والحسین (علیهما السلام) (یحیی بن أعقب)(1) وقد دعا له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بالعلم والمعرفة إذ قال: (من الخفیف)

فستبدو عجائب منکرات لکرهت الحیاة لو کنت حیا

بین آل النبی وأطول حزنی فتناً هولها یشیب الصبیا

یوم صفین لو عقلت علیماً لقتال یردی الشجاع الکمیا

وعلی کربلا مقام شنیع دهراً ویعز الشام عزاً قویا

وتری السید العزیز ذلیلاً هائلاً منکرٍ یؤذی علیا

بعدها تملک الأعاریب وتری الوغد مستطیلاً قویا

ویعم الشام جوراً إلی أن یبلغ الشط والجسور سویا

وبعشرین من مؤرخة التسعین لا بد أن یظهر إمام المهدیا(2)

أسمر اللون مشرق الوجه بالنور ملتح المعاطف طریا جنیا

یظهر الحق والبراهین والعدل فتلقی إذا إماماً علیا

وتطیع البلاد من مشرق الأرض إلی المغربین طوعاً جلیا

وتری الذئب عنده الشاة ترعی ذاک بالعدل والأمان حفیا

یحکم الأربعین فی الأرض ملکاً ویوفی کل حی وفیا

قال معلم السبطین حقاً یقوم بأمر الله إماماً قویا(3)

ص:37


1- (1) (معلم السبطین رضی الله عنه، هو یحیی بن أعقب وهو مدفون بالقاهرة وقد قیل إن جبریل علیه السلام جاء إلی الرسول وهو جالس فی المسجد بتفاحتین من الجنة فأعطاهما إلی الحسن والحسین (علیهما السلام) وهما قاما بإعطائها إلی معلمهما فأنطقه الله بذکر المغیبات) ینظر: ینابیع المودة 470.
2- (2) البیت غیر موزون (هکذا جاء فی المصدر).
3- (3) ینابیع المودة: 470.

وقد ذکر الإمام الحجّة رجل یقال له (نعثل)(1) وقد قدم إلی رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وسأله أسئلة فأجابه الرسول علیها فأسلم وأنشأ شعراً قال فیه: (من مجزوء الرجز).

صلی الإله ذو العلی علیک یا خیر البشر

أنت النبی المصطفی والهاشمی المفتخر

بکم هدانا ربنا وفیک نرجو ما أمر

ومعشر سمّیتهم أئمة أثنی عشر

حباهم رب العلی ثم اصطفاهم من کدر

قد فاز من والاهمُ وخاب من عادی الزهر

آخرهم یسقی الظما وهو الإمام المنتظر

عترتک الأخیار لی والتابعین ما أمر

من کان عنهم معرضاً فسوف تصلاه سقر(2)

ولکن الأحداث التی مرت علی أهل البیت بعد وفاة الرسول الأعظم محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) من ظلم وعدوان حتی وصلت فی العصر الأموی إلی السب والشتم والتسلیب والقتل کل هذه الأحداث أدت إلی حجب فضائل أهل البیت (علیهم السلام) وعدم ذکرها من قبل الشعراء «خوفاً من اتهامهم بالرافضة وتعرضهم إلی القتل والتشرید»(3).

ص:38


1- (1) الخراسانی، (إبراهیم بن محمد بن المؤید الجوینی): فرائد السمطین، حققه د. السید المحسن عبد الله السراوی والشیخ محمد صادق نابع، دار الجوادین، ط 1، 2008 م: 101/2.
2- (2) ینابیع المودة: 500.
3- (3) ابن سعد، (محمد بن سعد): الطبقات الکبری، تحقیق محمد عبد القادر عطا، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط 1، 1990 م: 42، الطبری، (أبو جعفر محمد بن جریر ت 310 ه -): تاریخ الطبری، تاریخ الرسل والملوک، تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم دار المعارف، بیروت، ط 2، 1971 م: 487/3.

وقد قیل للإمام الشافعی رحمه الله: إن أناساً لا یصبرون علی سماع منقبة أو فضیلة لأهل البیت الطیبین، فإذا رأوا واحداً منا یذکرها یقولون رافضی فأنشد یقول: (من مخلع البسیط)

قالوا ترفضت قلت کلا ما الرفض دینی ولا اعتقادی

لکن تولیت غیر شکٍ خیر إمامٍ وخیر هادِ

إن کان حب الوصی رفضاً فإننی أرفض العبادِ(1)

وقیل له أیضاً إنک توالی أهل البیت علیهم السلام فلو عملت فی هذا الباب أبیاتاً فقال: (من الطویل).

ومازال کتمانیک حتی کأننی برد جواب السائلین لأعجمُ

وأکتم ودی مع صفاء مودتی لتسلم من قول الوشاة وأسلمُ (2)

وهذا مما یدل علی خوف المحدثین والشعراء من ذکر مناقب أهل البیت علیهم السلام تحسباً من السلطة الحاکمة ولیس هذا فحسب بل وصل الأمر بالشعراء بعد مقتل الإمام الحسین (علیه السلام) إلی أن ینسبوا بعض الشعر إلی مصادر غیبیة، فقد روی إن هاتفاً سمع لیلة مقتل الإمام الحسین (علیه السلام) یقول: (من الخفیف)

أیها القاتلون جهلا حسینا أبشروا بالعذاب والتنکیل

وأیضاً ما قیل فی البیت المشهور: (من الوافر)

ص:39


1- (1) ینابیع المودة: 413/3.
2- (2) ینابیع المودة: 414/3.

أترجو أمة قتلت حسیناً شفاعة جده یوم الحساب(1)

ویمکن أن تکون هذه الأشعار، وغیرها مما روی للجن والهواتف دلیلاً علی عمق الفاجعة، وشدة أثرها فی نفوس المسلمین کما «أنها تمثل مدی خوف الشعراء من بطش الدولة الأمویة بهم فی حال المجاهرة الصریحة برثاء الإمام الحسین (علیه السلام) وقد لاحظ أبو الفرج الأصفهانی ذلک حینما قال «کانت الشعراء لا تقدم علی ذلک (أی رثاء الإمام الحسین) مخافة بنی أمیة، وخشیة منهم»(2).

"مما جعل أولئک الشعراء یتوسلون بوسائل تستحق الإعجاب، مثل إشراک عالم الغیب، أو نسبة الشعر إلی الجن والهواتف"(3). ونتیجة لمشاعر الظلم والندم التی أصابت نفوس المسلمین ولا سیما التوابون الذین ندموا علی عدم نصرة الإمام الحسین (علیه السلام) ولهم دورٌ مهم فی «تطویع الرثاء لأغراض تجاوزت الحزن والتفجع إلی الرفض والمطالبة بالثورة وأخذ الثأر ومنها قول عبید الله بن الجعفی»(4). (من الطویل)

فإن یقتلوا فی کلَّ نفسٍ تقیة علی الأرض قد أضحت لذلک واجمه

ص:40


1- (1) ابن الأثیر، (عز الدین أبو الحسین علی بن أبی کرم): الکامل فی التاریخ، دار صادر، بیروت، 1982 م: 90/4.
2- (2) الأصفهانی، (أبو الفرج ت 356 ه -): مقاتل الطالبیین، تحقیق أحمد صقر، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1408 ه -: 124.
3- (3) عناد، (علی حسین یوسف): مراثی الإمام الحسین (علیه السلام) فی الشعر العراقی (1900-1950 م) دراسة فی الموضوع والفن (رسالة ماجستیر) إلی کلیة التربیة - جامعة کربلاء: 11.
4- (4) تاریخ الطبری: 489/3.

وما أن رأی الراؤون أفضل منهم لدی الموت ساداتٍ وزهرا قماقمه

أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا فدع خطة لیست لنا بملائمه

وهکذا استمرت هذه الأبیات والمقطعات فی مدحهم ورثائهم علیهم السلام «قصیرة محدودة بعیدة عن التفنن والتزویق لأنها صادرة من محب موال أو قریب مفجوع خائفٍ یترقب من عیون السلطة»(1). وبعد هذه المرحلة من (المقطعات)(2) غیر المکتملة بدأت مرحلة أخری وهی مرحلة القصائد المکتملة البناء والمستوفیة الشروط لکنها لم تأخذ غرضاً مستقلاً بذاته بل کانت بعنوان عام یتضمن مآسی أهل البیت أو مدائحهم ومن هذه القصائد قول زید بن علی علیه السلام (ت 121 ه -) فی نصّهِ: (من مجزوء الرمل).

نحن سادات قریش وقوامُ الحقِّ فینا

نحن الأنوار التی من قبل کون الخلق کنا

نحن منا المصطفی المخ - - تارُ والمهدیّ منا

فبنا قد عرف الل - - ه وبالحق أقمنا

سوف یصلاه سعیر من تولی الیوم عنا(3)

ص:41


1- (1) ینظر مراثی الإمام الحسین فی الشعر العراقی (رسالة ماجستیر): 14.
2- (2) تعد المقطوعة نمطاً بنائیاً فی الفن الشعری لجأ إلیه کثیر من الشعراء عند النظم لأسباب متباینة منها موضوعیة تتمثل فی الإیجاز والاختصار والتکثیف حتی یکون لها وقع فی الصدور. (العسکری، (أبو الهلال الحسن بن عبد الله بن سهل): کتاب الصناعتین الکتابة والشعر، تحقیق علی محمد البجاوی، ومحمد أبو الفضل إبراهیم، المکتبة العصریة، بیروت، د ط، 1998 م: 180).
3- (3) الامین، (محسن): اعیان الشیعة، تحقیق حسن الامین، مؤسسة التاریخ العربی، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، ط 5، 2000 م: 71/23.

وهنا یفتخر زید بأنه من السلالة المحمدیة وأن الله شرفها برسوله الکریم وأن من هذه السلالة من یقوم آخر الزمان وینتقم من الظلمة وهو الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ومن الشعراء الذی ذکروا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الشاعر الکمیت(1) فی قصائده التی عرفت (بالهاشمیات) والتی أظهر فیها ولاءه لآل البیت علیهم السلام.

وقد أنشد الکمیت قصیدة للإمام الباقر علیه السلام یرثی بها الإمام الحسین علیه السلام وأصحابه إذ قال فیها: (من السّریع).

أضحَکَنی الدَهرُ وأبکَانی والدَهرُ ذو صَرْفٍ وألوانِ

لتسعةٍ فی الطفِ قدْ غُودِروا صاروا جمیعاً رهنَ أکفانِ

فبکی الإمام الباقر علیه السلام وبکی الجمیع حتی وصل الکمیت لذکر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف إذ قال:

متی یقوم الحق فیکم متی یقوم مهدیکم الثانی

فقال له الإمام: سریعاً إن شاء الله، یا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسین علیه السلام وهذا مما یدل علی أن الأئمة أخبروا شیعتهم ومحبیهم عن الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف قبل ولادته.

ومن الشعراء الذین ذکروا فی قصائدهم عقیدة الإمام الحجّة الشاعر الورد

ص:42


1- (1) هو الکمیت بن زید الأسدی أبو المستهل ولد فی الکوفة سنة (60) ه - وتوفی سنة (126) ه - ذب هذا الرجل عن أهل البیت بلسانه ولم یکن یقصد عطایاهم کما علیه عادة الشعراء وقال فیه الإمام الباقر علیه السلام (لا تزال مؤیداً بروح القدس ما دمت تقول فینا): الصفار، (محمد بن الحسن ت 290 ه -): بصائر الدرجات، تحقیق محسن کوجه البزبزی، مکتبة المرعشی، قم، 1404 ه -: 396.

ابن زید الأسدی(1) وقد ذکر هذا الشاعر فی قصیدة مدحیة له لآل البیت علیهم السلام الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ومکان غیبته ومکان الظهور وشبَّهه بالأنبیاء وعرض ذلک کله علی الإمام الباقر علیه السلام إذ قال: (من البسیط).

متی الولید ب - (سامرا) إذا بنیت یبدو کمثل شهاب اللیل طلاع

حتی إذا قذفت أرض (العراق) به إلی (الحجاز) أناخوه بجعجاع

وغاب سبتاً وسبتاً من ولادته مع کل ذی جوب للأرض قطاع

لا یسأمون به الجواب قد تبعوا أسباط هارون کیل الصاع بالصاع

شبیه موسی وعیسی فی مغابهما لو عاش عمریهما لم ینعه ناع

إنی لأرجو له رؤیا فأدرکه حتی أکون له من خیر أتباع(2)

وهنا قد أنبأ الشاعر فی قصیدته عن بناء سامراء وغیبة الإمام فیها ورؤیته بالحجاز وشباهته بالأنبیاء کل ذلک قبل حدوث هذه الأمور بعشرات السنین، مما یکشف عن عمق هذه العقیدة فی النفوس وانتشارها بین قواعد الشیعة آنذاک ومحبیهم والموالین لهم.

وقال الإمام الصادق علیه السلام(3): (من الطویل)

لکل أناس دولة یرقبونها ودولتنا فی آخر الدهر تظهر

ص:43


1- (1) الورد بن زید الأسدی الکوفی: أخو الکمیت وقد عده الشیخ الطوسی من رجال الباقر. (الطوسی: (محمد ابن الحسن ت 460 ه -): رجال الطوسی، تحقیق محمد صادق بحر العلوم، دار الذخائر، قم، ط 2، 1411 ه -: 1639/123).
2- (2) الجواهری، (احمد بن عبد الله بن عباس 401 ه -): مقتضب الأثر فی النص علی إمامة الاثنی عشر المطبعة العلمیة، قم، (د. ت): 50.
3- (3) ینابیع المودة: 239/2.

ففی هذا البیت یخبر الإمام الصادق علیه السلام شیعته ومحبیه بوجود دولة لهم فی آخر الزمان بقیادة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وهذا الشاعر العبدی(1) یمدح الإمام علیاً والصدیقة الزهراء علیهما السلام ویذکر الأئمة من بعده، إذ قال: (من البسیط).

وابنیه من هالک بالسمِّ مخترمٍ ومن معفَّرِ خدٍّ فی الثری تربِ

لولا الفعیلةُ ما قادَ الذینَ همُ أبناءُ حربٍ إلیهم جحفل الحرب

والعابد الزاهد السجاد یتبعه وباقر العلم وإنی غایة الطلب(2)

وجعفر وأبنه موسی ویتبعه ال - - برُّ الرضا والجواد العابدِ الدَّئبِ

والعسکریّینِ والمهدیُّ قائمهم ذو الأمر لابس أثواب الهدی القشب

من یملأ الأرض عدلاَ بعدما ملئت جوراً ویقمع أهل الزیغ والشّغب

وأما الشاعر الحمیری(3) فهو من شعراء أهل البیت علیهم السلام وله شعر کثیر فی مدائحهم وکذلک فی مصائبهم ورثائهم وقد حمل شعره بین طیاته أخباراً عن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. وقد قال فیه الدکتور طه حسین «ولعل شیعة العلویین لم یظفروا بشاعر مثله فی حیاتهم السیاسیة کلها، وقّف علیهم عمره وجهده وکاد یقف

ص:44


1- (1) من شعراء القرن الثانی الهجری وفاته سنة (160 ه -) وهو أبو محمد سفیان بن مصعب العبدی الکوفی (أبو المکارم، (عبد القادر الشیخ علی): الموسوعة الشعریة المهدویة، دار العلوم، بیروت، ط 1، 2010 م: 184).
2- (2) البیت مختل الوزن (هکذا جاء فی المصدر). وفی أعیان الشیعة جاء بلفظ (دانی غایة الطلب) وهو الصحیح: 8، 233.
3- (3) هو إسماعیل بن إسحاق بن محمد بن زید من أشهر شعراء أهل البیت ولد بعمّان سنة (105) ه - من أبوین إباضیین فترک مذهب أبویه بحثاً عن الحق حتی وصل إلی الإمامیة واعتنقها، توفی ببغداد سنة (173 ه -) (الأصفهانی، (أبو الفرج 356 ه -): (الأغانی), تحقیق احمد صقر، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط 2، 1987 م: 265/7).

علیهم مدحه وثناؤه مخلصاً فی ذلک إخلاصاً لا یشبهه إخلاص»(1).

وقد لقبه الإمام الصادق علیه السلام بسید الشعراء وله قصیدة یمدح فیها أهل البیت علیهم السلام ویذکر فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وإنه سیغیب کما فعل موسی علیه السلام حین خرج خائفاً یترقب وبعدها سیظهر ویقوم بتقسیم الأموال بالحق وهذا یعکس مدی تأثر الشاعر بالحالة الاجتماعیة، التی کان یعیشها آنذاک من ضیاع للحق ونهبٍ لأموال المسلمین؛ إذ قال: (من الطویل)

وکذا(2) روینا عن وصیّ محمد ولم یکُ فیما قاله بالمکذب

بأن ولی الأمر یفقد لا یری سنین کفعل الخائف المترقب

ویقسم أموال العقود کأنما تضمنه تحت الصفیح المنصب

فیمکث حیّاً ثم ینبع نبعه کنبعة درّیٍ من الأرض یوهب

له غیبة لا بد أن سیغیبها فصلی علیه الله من متغیّب(3)

وأما الشاعر علی الخوافی (ت 203 ه -) فقد عاش فی عصر الإمام الرضا علیه السلام وعندما توفی الإمام رثاه بقصیدة ذکر فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وتمنی خروجه وإقامة دول الحق والإصلاح فی هذه الأمة إذ قال: (من البسیط).

فی کل عصر لنا منکم إمام هدیً فربعه آهلٌ منکم ومأنوس

أمست نجوم سماء الدین آفلة وظلَّ أزد الشری قد ضمّها الخیس

ص:45


1- (1) حسین، (د. طه): حدیث الأربعاء، دار المعارف، مصر، ط 2، د. ت.: 240/2.
2- (2) ورد هکذا فی المصدر ولا یستقیم الوزن، وجاء فی هامش رسائل فی الغیبة للشیخ المفید: 2، 13، هامش رقم (5) أنه روی: (وکنّا) وفی الإکمال: و (لکن)، وبأیّ منهما یستقیم الوزن.
3- (3) الحمیری، (إسماعیل بن محمد بن یزید بن مفزع): شاعر العقیدة السید الحمیری، السید محمد تقی الحکیم، المؤسسة الدولیة للدراسات والنشر، بیروت، ط 1، 2001 م: 138.

غابت ثمانیة منکم وأربعة یرجی مطالعها ما حنّت العیس

حتی متی یظهر الحق المنیر بکم؟ فالحق فی غیرکم داجٍ ومطموس(1)

ومن خلال القصیدة نستشف مدی معاناة الشاعر من غیاب الحق وانتشار الظلم ونری مدی شوقه إلی قیام دولة الحق وهذ تحول جدید فی مضمون معانی الشعراء، إذ إنه بدأ الشاعر یتساءل عن ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ودولته بعد أن کان الشعراء یخبرون فقط عن وجود هذا الإمام.

وأما الشاعر القاسم بن یوسف (ت 213 ه -)(2) فإنه کان یترقب بفارغ الصبر دولة الإمام الحجّة اشتیاقاً له ولدولة الحق لیری بأم عینه رایة العدل والصلاح قد سدلت بظلالها علی أرض المعمورة وانقطاع دابر الظلم والفساد، وبهذا بدأ دور الانتظار وفلسفته عند الشیعة والمحبین إذ قال: (من السریع)

إنی لأرجو أن تنالهم منی ید تشفی جوی الصدر

بالقائم المهدی إن عاجلاً أو آجلاً إن مد فی العمر

أو ینقضی من دونه أجل فالله أولی فیه بالعذر

وهذا ما یدل علی أن الثقافة الشیعیة التی کان یعنی بها الأئمة علیهم السلام قد تطورت لدی شیعتهم ومحبیهم وأخذوا یخبرونهم عما سوف یحصل فی نهایة الزمان من أحداث وظهور. ولم یقف الشعراء عند هذا الحد بل نجد أنّ بعضاً منهم حَمّلَ مراثیه معارضة واضحة للسلطة الحاکمة تصل إلی درجة التحدی فهذا الشاعر

ص:46


1- (1) مقتضب الأثر: 51.
2- (2) ذکره ابن عساکر فی ترجمة أحمد بن یوسف: له أخ یقال له القاسم بن یوسف کان شاعراً وکاتباً، وهما وأولادهما جمیعاً أهل أدبٍ وشعر وبلاغة (ابن عساکر، (علی بن الحسین بن هبة الله): تاریخ مدینة دمشق، تحقیق علی شبری، دار الفکر، بیروت، ط 1، 1996 م: 114/6).

دعبل الخزاعی یقول (أنا أحمل خشبتی علی کتفی منذ أربعین سنة فلا أجد أحداً یصلبنی علیها)(1) «وکان من أهم ما یمیز قصائد المدح والرثاء عند شعراء الشیعة بعد اکتمالها وتحولها إلی قصیدة متکاملة لتضمنها علی مفاهیم ومصطلحات عقائدیة کالإمامة، والإمام، والوصایة، والحجة المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف»(2). وقد جسد الشاعر دعبل الخزاعی هذه المفاهیم فی تائیته المشهورة التی أنشدها فی حضرة الإمام الرضا علیه السلام والتی مطلعها: (من الطویل)

مدارس آیات خلت من تلاوة ومنزل وحی مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخیف من منی وبالرکن والتعریف والجمرات

أئمة عدل یقتدی بفعالهم وتؤمن منهم زلة العثرات

إلی أن یصل بقوله:

فلولا الذی نرجوه بالیوم أو غدٍ تقطّع قلبی إثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج یقوم علی اسم الله والبرکات

فبکی الإمام الرضا علیه السلام بکاء شدیداً ثم قال «لقد نطق روح القدس بلسانک ثم قال له أتدری من هذا الإمام؟ ومتی یقوم؟ فقلت یا مولای، لا، إلا إنی سمعت بخروج إمام منکم یطهر الأرض من الفساد ویملأها عدلاً فقال له الإمام الرضا علیه السلام إن الإمام من بعدی محمد ابنی وبعده ابنه علی وبعده ابنه

ص:47


1- (1) هو دعبل بن علی الخزاعی أصله من الکوفة وقیل من قرقیسیا انتشرت مدائحه لأهل البیت وذاع صیته ولد فی سنة (148 ه -) وتوفی سنة (245 ه -) وقیل سنة (246 ه -) (الأغانی: 527/3).
2- (2) غیاض، (د. محسن): التشیع وأثره فی شعر العصر العباسی الأول، تقدیم د. شوقی ضیف، مطبعة النعمان النجف الأشرف، 1973 م: 17.

الحسن وبعده الحجة القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف، لو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لطول الله عز وجل ذلک الیوم حتی یخرج فیملأ الأرض قسطاً وعدلاً»(1). والإشارة إلی خروج الإمام فی الشعر لهو خیر دلیل علی شیوع هذا الترقب بین صفوف الشیعة والمحبین فی ذلک الزمان.

وأما الشاعر محمد بن اسماعیل الصیمری (ت 254 ه -)(2) فله قصیدة یمدح فیها أهل البیت علیهم السلام ویتعرض فیها للإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویذکر فیها إن للإمام غیبتین لا بد منهما وبعدها سوف یظهر وینشر العدل والرفاه وهو أمل هذه الأمة المترقب إذ قال: (من الرجز)

عشر نجوم أفلت فی فلکها ویطلع الله لنا أمثالها

بالحسن الهادی أبی محمد تدرک أشیاع الهدی آمالها

وبعده من یرتجی طلوعه یظل جوَّاب الفلا جزالها

ذو الغیبتین الطول الحق التی لا یقبل الله من استطالها

یا حجج الرحمن إحدی عشرة آلت فثانی عشرها آمالها(3)

وأما الشاعر ابن الرومی (ت 283 ه -)(4) فله شعرٌ یرثی فیه الشهید یحیی

ص:48


1- (1) الکافی: 338/11.
2- (2) وهو من أصحاب الإمام الهادی علیه السلام قمی الأصل ذکره الشیخ الطوسی فی رجاله: 5779/392.
3- (3) مقتضب الأثر: 55.
4- (4) وهو شاعر زمانه مع البحتری له النظم العجیب والتولید الغریب... مولده سنة (221 ه -) وتوفی سنة (283 ه -) (الذهبی، (محمد بن أحمد بن عثمان ت 748 ه -): سیر اعلام النبلاء، تحقیق شعیب الأرنؤوط مؤسسة الرسالة، بیروت، ط 8، 1992 م: 496/13)، (ابن الرومی، (دیوانه): شرح مجید طراد، دار الجیل، بیروت، 1998 م: 11/1).

العلوی تعرض من خلاله إلی عقیدة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف إذ یصف فیها جیش الإمام وقوته وقابلیته علی حصد رؤوس الغی والنفاق وإنه سوف یقود جیشاً جراراً لا یستطیع أحد أن یقف فی وجهه ویثنیه عن هدفه المنشود وهذا تحول آخر لدی الشعراء، إذ بدأ الشعراء بذکر جیش الإمام وتفاصیله وقوة مقاتلیه وشجاعتهم إذ قال: (من الطویل)

غررتم لأن صدقتم إن حالة تدوم لکم والدهر لونان أخرج(1)

لعل لهم فی منطوی الغیب ثائراً سیسمو لکم والصبح فی اللیل مولج

بجیش تضیق الأرض من زفراته له زجل ینفی الوحوش وهزمجُ (2)

إذا شیم بالأبصار أبرق بیضه بوارق لا یستطعهن(3) المحمجُ (4)

توامضه شمس الضحی فکأنما یری البحر فی أعراضه یتموج

له وقدة بین السماء وبینه تلمُّ به الطیر العوافی فتهرج(5)

إذا کرَّ فی أعراضه الطرف أعرضت حراج تحار العین فیها فتخرج(6)

یؤیده رکنان ثبتان: رجلة وخیل کإرسال الجراد وأوثج(7)

علیها رجال کاللیوث بسالة بأمثالهم یثنی الأبی فیعنج(8)

ص:49


1- (1) أخرج: ذو لونین أبیض وأسود.
2- (2) هزمج: اختلاط الأصوات.
3- (3) کذا فی المصدر وبه لا یستقیم الکلام وزناً ولغة والصحیح: لایسطیعهنّ وبها جاء فی مقاتل الطالبیین: 427.
4- (4) المحمج: لا یستطیع النظر لشدة لمعانها.
5- (5) الوقدة: شدة الحر.
6- (6) الطرف: البصر، أعرضت: اعترضت، الحراج: مجمع الشجر.
7- (7) الرجلة: جمع راجل، الإرسال: القطیع، أوثج: کشف.
8- (8) مقاتل الطالبیین: 655/654، (دیوان ابن الرومی: 51-52).

وأما الشاعر أبو فراس الحمدانی(1) (ت 357 ه -) فیروی أنه دخل معسکر الخلیفة العباسی وشهر خلفه أکثر من خمسمائة سیف وأنشد قصیدة فی حب آل محمد ذکر فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وهذا ما یدل علی حبه واستماتته فی حب آل محمد (صلی الله علیه وآله) وتهالکه فیهم. وبهذا بدأت القصائد والمقطعات والأراجیز تأخذ منحی آخر من قبل شعرائها حتی وصل بهم الأمر إلی تحدی الخلافة والسلطة الحاکمة والوقوف بوجهها وهذا ما نلاحظه فی قصیدة أبی فراس المیمیة إذ قال فیها: (من البسیط)

الدین مخترم والحق مهتضم وفیء آل رسول الله مقتسم

والناس عندک لا ناس فیحفظهم سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

إنی أبیت قلیل النوم أرقنی قلب تصارع فیه الهم والهمم(2)

حتی یصل إلی قوله فی ذم بنی العباس والمقارنة بینهم وبین آل البیت علیهم السلام فیقول:

لا یطغین بنی العباس ملکهم بنو علیٍّ موالیهم وإن رغموا

أتفخرون علیهم؟ لا أبا لکم حتی کأن رسول الله جدکم

وما توازن یوماً بینکم شرف ولا تساوت بکم فی موطنٍ قدم

وله مقطوعة أیضاً یذکر فیها أسماء الأئمة منهم الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وبهذا یکشف عن هویته العقائدیة بشکل واضح وصریح إذ قال (من الخفیف):

ص:50


1- (1) هو الحارث بن أبی العلاء سعید بن حمدان الحمدانی ولد فی الموصل من أب عربی وأم رومیة (الحمدانی، (الحارث بن أبی العلاء سعید بن حمدان): دیوان أبی فراس الحمدانی، قدم له د. علی بو ملحم، دار ومکتبة الهلال، بیروت، ط 5:1).
2- (2) دیوان الحمدانی: 14.

لست أرجو النجاة من کلما أخشاه إلا بأحمد وعلی

وببنت الرسول فاطمة الطهر وسبطیه والإمام علی

والتقی النقی باقر علم الله فینا محمد بن علی

وأبی جعفر وموسی ومولای علی أکرم به من علی

وابنه العسکری والقائم المظهر حقّی محمد وعلی

بهم أرتجی بلوغ الأمانی یوم عرضی علی الإله العلی(1)

وأما السید الشریف المرتضی (ت 436 ه -) فله قصیدة یرثی بها جده الإمام الحسین علیه السلام ویستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف إذ قال فیها: (من الکامل المرفل)

قف بالدیار المقفرات لعبت بها أیدی الشتات

فکأنهن هشائم بمرور هوج العاصفات

فإذا سألت فلیس تس - - أل غیر صمٍّ صامتات

خرس یخلن من السکو ت بهن هام المصغیات(2)

وأما العالم الجلیل یحیی بن سلامة الخصکفی (ت 502 ه -)(3) ، فله قصیدة یذکر فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بعد أن عدّد أسماء الأئمة علیهم السلام إذ قال: (من الرجز)

ص:51


1- (1) دیوان الحمدانی: 14.
2- (2) المرتضی، (أبو القاسم علی بن الحسین بن موسی ت 436 ه -): دیوان الشریف المرتضی، حققه رشید العفار، دار البلاغة، بیروت، ط 1، 1998 م: 10.
3- (3) ولد فی (میافارقین) فی بلدة صغیرة یقال لها (طبری) حیث نشأ فی حصن (کیفا) وکان عالماً فصیحا فی النظم والنثر، الموسوعة الشعریة المهدویة: 318.

حیدرةٌ والحسنان بعده ثم علیٌ وابنه محمّدُ

جعفر الصادقُ وابن جعفرٍ موسی ویتلوه علیُّ السیّدُ

أعنی الرضا ثم ابنه محمّدٌ ثم علیٌّ وابنه المسدّدُ

الحسن التالی ویتلو تلوه محمد بن الحسنِ المفتقدُ

وأیضاً من الذین ذکروا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف محمد بن علی بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائی المعروف بابن عربی (ت 638 ه -)(1). فی نصّهِ: (من الوافر)

إذا دار الزمان علی حروفٍ ببسم الله فالمهدی قاما

ویخرج بالحطیم عقیب صوم ألا فاقرأه من عندی السلاما(2)

وله أیضاً: (من الطویل)

ألا إن ختم الأولیاء شهیدُ وعین إمام العالمین فقیدُ

هو السید المهدیُّ من آل أحمدٍ هو الصارم الهندیُّ حین یبیدُ

هو الشمس یجلو کلّ غمٍ وظلمةٍ هو الوابل الوسمیُّ حین یجول(3)

وله قصائد أخری یبین فیها أحداث ما قبل الظهور وما سوف یجری فیها، ومن العلماء الذین ذکروا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عز الدین عبد الحمید بن أبی الحسین المدائنیّ الشافعی والملقب (ابن أبی الحدید) (ت 655 ه -) فی نصّهِ عن

ص:52


1- (1) ولد فی حرسیة بالأندلس سنة (560 ه -) وانتقل إلی اشبیلیة ثم إلی مصر والحجاز وبغداد وموصل وبلاد الروم ثم توفی فی دمشق (کحالة، (عمر): معجم المؤلفین: 4/11).
2- (2) ابن عربی، (ابو عبد الله محمد بن علی بن محمد): دیوانه شرح وتقدیم نواف الجراح, دار صادر, بیروت, ط 3,2007 م: 428.
3- (3) الموسوعة الشعریة المهدویة: 85/7.

الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی قصیدة له اسمها (لابد من مهدیکم): (من الکامل).

ورأیت دین الاعتزال وإننی أهوی لأجلک کلَّ من یتشیعُ

ولقد علمت بأنه لا بدَّ من مهدیِّکم ولیومه أتوقع

یحمیه من جن الإله کتائبٌ کالیمِّ أقبل زاخراً یتدفَّعُ (1)

وأما الشاعر عبد الرحمن البسطامی (ت 858 ه -) فقد آمن بالإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف وأیقن أن عصره یکون فیه الرخاء والأمان والعدل والقسط وقد تمیز هذا الشاعر بعلم الحروف وخواصه حیث ألف کتاباً أسماه (جامع أسرار الغیوب فی علم الحروف)(2) وقد کتب قصیدة مدح لآل البیت یذکر فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف مشیراً لما فی علم الحروف من أخبار عنه إذ قال: (من الطویل)

ویظهر میم المجد من آل أحمدِ ویظهر عدل الله فی الناس أوّلا

کما قد روینا عن علیّ الرضا وفی کنز علم الحرف أضحی محصّلا

ویخرج حرف المیم من بعد شینهِ بمکة نحو البیت بالنصر قد علا

بهذا هو المهدی بالحق ظاهر سیأتی من الرحمن للخلق مرسلا

ویملأ کل الأرض بالعدل رحمة ویمحو ظلام الشرک والجور أولا

ص:53


1- (1) ولد فی بغداد سنة (586 ه -) وکان من أعیان العلماء الأفاضل، حکیماً، کاتباً، عارفاً بأصول الکلام یذهب مذهب المعتزلة ومن تصانیفه (شرح نهج البلاغة، العبقری الحسان)، المعتزلی، (عز الدین عبد الحمید بن أبی الحسین هبة الله بن محمد المدائنی): القصائد العلویات السبع، تقدیم صاغ علی الصاغ، مؤسسة الأعلمی، بیروت، ط 1، 1972 م: 133-147.
2- (2) ینظر کحالة، (عمر): معجم المؤلفین فی تراجم مصنفی الکتب العربیة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت: 184/5.

ولایته بالأمر من عند ربه خلیفة خیر الرسل من عالم العلا(1)

وأما الشاعر عامر البصری (ت 696 ه -)(2) فقد آمن هذا الرجل بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف المنتظر ونظم أبیاتاً فی استنهاض الإمام إذ قال: (من الطویل)

إمام هدیً حتی متی أنت غائب؟ فمُنَّ علینا یا أبانا بأوبةِ

تراءت لنا آیات جیشک قادماً ففاحت لنا منها روائح مسکةِ

وبشرت الدنیا بذلک فاغتدت مباسمها مغترة عن مسرةِ

مللنا وطال الانتظار فجد لنا بربک یا قطب الوجود بلقیةِ (3)

ومما نلاحظه من القصائد والأبیات التی مرت ان الشعراء انتقلوا بشعرهم من باب المدح والرثاء إلی الاستنهاض والندبة، والشوق إلی الرؤیا وبیان ألم الفراق وانتظار قدوم الجیش الذی لا یقهر والذی سوف یحرر الأرض من الظلم والطغیان ویعیش الناس فی دولة الحق والعدل الإلهی الذی أراده الله لها.

وأما الشیخ محمد بن الحسین بهاء الدین العاملی البهائی (ت 1030 ه -)(4) فله قصیدة فی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف اسمها (وسیلة الفوز والأمان فی مدح صاحب الزمان) بدأها بقوله: (من الطویل)

ص:54


1- (1) ینابیع المودة: 525/3.
2- (2) هو عامر بن عامر البصری أبو المظفر حکیم أدیب (معجم المؤلفین: 54/5).
3- (3) المصلح العالمی: 176.
4- (4) هو محمد بن الحسین بن عبد الصمد البهائی ولد فی بعلبک (953 ه -) ودفن فی مشهد الإمام الرضا علیه السلام (أعیان الشیعة: 234/9).

سری البرق من نجدٍ فجدَّدَ تذکاری عهوداً بجزوی والعذیب وذی قار

وهیج من أشواقنا کلَّ کامنٍ وأجج فی أحشائنا لاعج النار

ثم ینتقل بقصیدته فیذکر ما أصابه الزمان من خطوبٍ ومن تقلبات یشیب لها الناس ویحتار فیها کل ذی لب إذ قال:

ومعضلة دهماء لا یهتدی لها طریق ولا یهدی إلی ضوئها الساری

تشیب النواحی دون حلّ رموزها ویحجم عن أغوارها کل مغوار

أجلت جیاد الفکر فی حلباتها ووجهت تلقاها صوائب أنظاری

حتی یصل بقصیدته إلی أبیات الاستنهاض فیستنهضه ویطلب منه إغاثة الإیمان وإنقاذ کتاب الله من تحریف الظلمة وجور السلاطین ویطلب منه إنعاش قلوب المؤمنین المنتظرین رؤیته وإحقاق دولة الحق والانتقام من کل الظالمین إذ قال:

أغث حوزة الإیمان واعمر ربوعه فلم یبق منها غیر دارس آثار

وأنقذ کتاب الله من ید عصبة عصوا وتمادوا فی عتوٍّ وإصرار

وأنعش قلوباً فی انتظارک قرحت وأضجرها الأعداء أیّة إضجار

وعجل فداک العالمون بأسرهم وبادر علی اسم الله من غیر إنظار(1)

وقد أصبح فی هذه الحقبة «استنهاض الإمام الحجّة من المقاصد التی یتوخاها الشاعر الشیعی حیثما یرثی الإمام الحسین علیه السلام بوجه خاص أو یذکر أئمة أهل البیت ومصائبهم بوجه عام ثم بدأ یستقل غرضاً قائماً بذاته أی تشکلت (قصیدة الاستنهاض) بمفاصلها البنائیة»(2).

ص:55


1- (1) المصلح العالمی: 177.
2- (2) المصلاوی، (د. علی کاظم وکریمة النوماس): دیوان محسن ابو الحب الکبیر دراسة فی الموضوع الشعری، مجلة اهل البیت العدد (7)، 2009 م: 57.

ولا ریب فی أن ذلک له أسبابه ودواعیه التی من أهمها الواقع السیاسی السیّئ الذی کان یعیشه الشاعر مما یتیح لتلک الأشعار أن تمثل رفضاً سیاسیّاً واضحاً فضلاً عن کونها تنفیساً نفسیاً عما یصطرع فی نفس الشاعر من آمال وأحلام ورؤیة للواقع بأفضل ما یکون من السعادة والهناء وقد شاعت فی حقبة الدراسة العدید من هذه القصائد التی تمحورت أغراضها فی الرفض السیاسی للواقع والطلب من الله بتعجیل الظهور لتبدیل الواقع الذی ضاقت به الصدور نتیجة الظلم والجور والفقر والعوز الذی کانت تعانی منه الناس حینذاک.

وهکذا وصلت القصیدة إلی حقبة الدراسة بعد أن مرت بمراحل تطورها السابقة من خلال کونها أبیاتاً فی قصیدة مدح أو رثاء لأهل البیت علیهم السلام ثم انتقلت لتکون أبیاتاً ضمن مراثی الإمام الحسین علیه السلام ثم وصلت إلی مرحلة النضج والاستکمال بوصفها غرضاً مستقلا قائماً بذاته وهو الاستنهاض ویکون ذلک من خلال مدحهم أو رثائهم أهل البیت علیهم السلام وبعد ذلک یقوم الشاعر باستنهاض الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف لأخذ الثأر ونشر العدل والقضاء علی الظلم والجور.

وهکذا تطورت قصیدة الاستنهاض مع وعی الشاعر وإمکاناته الفنیة إلی استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أولا ثم بعد ذلک تذکیره بما جری علی أهل بیته من ظلم وعدوان وتقتیل وهذا یعد نوعاً من أنواع التجدید فی موضوع الشعر العربی.

ص:56

شخصیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بین البعد التاریخی والعقدی وبین الاستعمال الشعری

لقد تمکن الشاعر العربی فی ظل التحولات والتطورات التی مرت به من إیجاد أسالیب فنیة من شأنها ان توجد نماذج شعریة معبرة عن معاناته وتکشف عن رؤاه المستقبلیة، إذ إن «لکل عصر وحدة تامة بذاتها تعبر عن نفسها من خلال أنموذج شعری لا یقاس بأی شعر آخر»(1) ومن خلال هذا لا یمکن للشاعر أن یشکل بناءه الشعری الملائم لواقعه وعصره إلا من خلال تفاعله مع الواقع والنفوذ إلی عمق معاناته، فالشعر عند کل أمة هو «صورة منتزعة من واقعها وأحداثها وتجاربها، وصراعها مع ذلک الواقع وتلک الأحداث، تعبیرا عن مأساتها وتمثیلا لکینونتها فی عالم یعج بالحرکة ویختلط بجوهر الحیاة»(2) لقد أدرک الشاعر المعاصر أن إجادته فی التعبیر عن قضایا أمته، ومشکلاتها لا تتم إلا برفد نتاجه الشعری بالموروث العقائدی والتاریخی ذلک الکنز الزاخر بالرموز والشخصیات

ص:57


1- (1) ویلک، (رینیه واوستن وارین): نظریة الأدب، ترجمة محی الدین صبحی، مراجعة د. حسام الخطیب، المجلس الأعلی لرعایة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعیة، دمشق، ط 3، 1962 م: 50.
2- (2) الشعر والفکر المعاصر - مقالات أدبیة ونقدیة - سلسلة کتاب الجماهیر - منشورات وزارة الاعلام، العراق، 1974 م: 5.

التی تستطیع إحیاء المعانی السامیة والأخلاق النبیلة فی نفوس المتلقین وهذا یتطلب تزود الشاعر بالحس التاریخی الذی «لا یتضمن إدراک الماضی فحسب، بل إدراک الحاضر، فهو حسّ بما وراء الزمن، وبالزمن وبهما معا متحدین، فهذا الأمر من شأنه أن یکشف للشعراء عن مصادر للرمز قد تکون غائبة عنهم، علی الرغم من وجودها بین أیدیهم، مما یوصل حاضر الشعر بماضیه ویجعل معنی التراث غیر مقتصر علی جانب واحد، بل یفتح النظر لفهم التراث بمعناه الواسع»(1).

ومن المعروف ان الشعراء یتباینون فی المقدرة علی النفاذ فی کنز المورث، «ولا یخفی أنه کلما کانت الرؤیا الاستبطانیة للشاعر تجاه الموروث أکثر نفاذا وتعمقا فیه، أصبح نصّه الشعری أکثر قدرة علی إضاءة جوانب الماضی، وتعمق عالم الحاضر، واستشراف أبعاد المستقبل»(2) لذا فان الشاعر یختار من شخصیات أمته ما یوافق طبیعة الأفکار والقضایا والهموم التی یرید ان ینقلها إلی المتلقی ومن ثم «فقد انعکست طبیعة المرحلة التاریخیة والحضاریة التی عاشتها امتنا فی الحقبة الأخیرة، وإحباط کثیر من أحلامها، وخیبت أملها فی کثیر مما کانت تأمل الخیر فیه، وسیطرة بعض القوی الجائرة علی بعض مقدراتها، والهزائم المتکررة التی حاقت بها رغم عدالة قضیتها انعکس کل ذلک علی نوعیة الشخصیات التراثیة التی استمدها الشاعر العربی المعاصر من تراثه لیوظفها فی نصه الشعری»(3).

ص:58


1- (1) احمد، (د. محمد فتوح): الرمز والرمزیة فی الشعر المعاصر، دار المعارف، مصر، ط 2، 1978 م: 320.
2- (2) الأوسی، (د. سلام کاظم الأوسی): الرؤیا والتشکیل فی الشعر العربی المعاصر، اطروحة دکتوراه، کلیة التربیة، ابن رشد، جامعة بغداد، 2000 م: 125.
3- (3) زاید، (علی عشری): استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، طرابلس، ط 1، 1978 م: 152/151.

وهذا المعنی ما یتطرق إلیه الشاعر الحاج جواد بدقت فی قصیدة له؛ إذ یطلب من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ان ینظر إلیه نظرة عطف وحنان لتخفف عنه ما یقاسی من ظلم الزمان وجوره وانه لا یوجد مواس غیر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف إذ قال: (من مجزوء الرمل).

سیدی نظرة آسِ قد شجانی ما أقاسی

سیدی لفتة من رقَّ علیه کل قاسی

سیدی عطفاً یقود صعباً من شماسی(1)

سیدی طود الکون راسی

سیدی علیّ رقّت فی حالی وابتئاسی

سیدی لطفُ مواسی فلقد قلَّ المواسی

سیدی نجدة آسِ ما لنا إلاک آسی(2)

ال ------ ده ----- ر

معالیک بأعلی

ال -- ده -- رِ

وأما البعد العقدی للإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فهو یرتبط بالهویة الخاصة التی تمیزه عن باقی شخصیات التاریخ، فمن المعروف «أن الشخصیات أو الرموز التراثیة التی یستعملها الشاعر المعاصر، سواء أکانت دینیة أم صوفیة أم غیر ذلک هی شخصیات تاریخیة باعتبار ما، فقد کان لها وجودها التاریخی، ولکن کان لها إلی جنب ذلک هویة خاصة تمیزها من کونها مجرد شخصیة تاریخیة فحسب(3) إلا أن من الضروری ألا یتبادر إلی الذهن «أن الدین أو العبادة یراد منها (الرهبانیة)

ص:59


1- (1) شماسی: العناد والجماح.
2- (2) الاسدی، (جواد بدقت): دیوان الحاج جواد بدقت، تحقیق سلمان هادی آل طعمة، دار المواهب للطباعة والنشر، بیروت، ط 1، 1999 م: 89.
3- (3) استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی: 188.

والانعزال عن الناس فی المحراب، والانقطاع لعبادة الله سبحانه وتعالی، إنما یراد بالدین القوة المحرکة التی تقود الإنسان لإقامة مجتمع تسوده قیم التحرر والعدالة والمساواة والخیر والمحبة، وهذه کلها لا تکون إلا بسیادة الدین والشریعة الإسلامیة الحقة»(1) وهذا ما دفع الشعراء إلی استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لنشر هذه القیم والمبادئ.

وهذا ما یتطرق إلیه الشاعر محمد علی کمونة إذ قال: (من الوافر)

إمام القائم المهدی شمس بدر دائرة الصلاح

هو القطب الذی دارت علیه به أفلاک أفق الافتتاح

وبحر تستمد السحب منه وتستجدیه امواج السماح

متی یأتی فنسعف فی زمان نبیت به بأفئدة صحاح

فتحیا الأرض بعد الموت حتی تمیس هوی وتبسم عن اقاح

ویملأ رحبها قسطا وعدلا ویمحو ظلمة الجور المتاح(2)

المعالی

ومن خلال استغلال الموروث ولاسیما (الرمز التراثی) احد وسائل إغناء الرؤیا الشعریة، وإبقاء صلة التواصل بین الشاعر المعاصر وماضیه قائمة، فإن الاعتماد علی الموروث وتوظیفه فنیّاً لابد أن یخضع لمقاییس مهمة منها:

1. ان تکون ثمة علاقة عضویة بینه وبین القصیدة کأن تکون الحاجة الیه نابعة من الموقف الشعری نفسه وهذا ما یمثله قول الشاعر عبد الحسین الاعسم فی

ص:60


1- (1) الحسانی، (عبد الحسن شهیب احمد): الحسین رمزاً فی الشعر العراقی المعاصر، رسالة ماجستیر الی مجلس کلیة الآداب، جامعة القادسیة: 5.
2- (2) دیوان ابن کمونة: 39.

قصیدة له اذ قال: (من الوافر)

إلی ابن العسکری أبث شکوی زمان ما صحا لی منه حین

فکن لی یا إمام العصر عوناً علیه حیث أعوزنی المعین

ومُنَّ بلفتة لی منک یبری بها المضنی ویبتهج الحزین

بنفسی من تحن إلیه نفسی وان لم یشفِ علتها الحنین(1)

2. ان تکون ثمة صلة سابقة من نوع ما بین المتلقی والرمز التراثی بأن لا یکون غریباً عنه غربة مطلقة، حتی إذا ما المح إلیه الشاعر «أیقظ فی وجدان المتلقی حالة من الذکریات والمعانی المرتبطة به»(2) وهذا ما یعبر عنه الشاعر عبد الحسین الأعسم إذ قال: (من الوافر)

بنفسی من افدیه بنفسی فلیسَ لها ولیسَ لهُ قرینُ

أضنُ بهِ علی غیری وانی بمنْ أهوی علی غیری ضنینُ

وأحجب وجهَهُ عن ناضریهِ مخافةَ أن تناهبه العیونُ

أود لقاء من اهوی ومن لا یودُ لقاه لاقته المنونُ (3)

ومن الشروط والمحاذیر الأخری التی یجب أن یتنبّه علیها الشاعر عند استعماله الشخصیة الذاتیة أن تکون الشخصیة الذاتیة متمیزة تاریخیاً عن سواها بما یجعلها قادرة فنیاً علی التعبیر عن قضیة معاصرة هذا من جهة، ومن جهة أخری یجب علی الشاعر ألا یکتفی بتعلیق همومه وقضایاه فی عنق الشخصیة التراثیة،

ص:61


1- (1) دیوان الأعسم: 74.
2- (2) الرمز والرمزیة: 323.
3- (3) دیوان الأعسم: 72.

فان ذلک یمثل خطورة تتربص بالأداء وتذهب بقیمته(1).

ومع هذا التطور عند الشعراء المعاصرین مع الشخصیة التاریخیة والعقائدیة اخذوا لا یوردون فی أحیان کثیرة اسم الشخصیة التراثیة کما یوردها المؤرخون بل یکتفون بالإشارة إلیها من خلال الرموز الفنیة فی شعرهم. وبتوافر جمیع الشروط الفنیة فی الشخصیة التراثیة وباستغلال الشاعر

«ما تملکه الشخصیة من قدرات إیحائیة قویة ناجمة عما ارتبط بها من دلالات فی وجدان المتلقی ووعیه، بحیث یکون استدعاء الشخصیة مثیراً لتلک الدلالات وباعثاً لها»(2) وهذا المعنی یتطرق الیه الشاعر عبد الحسین شکر فی قصیدته اذ قال: (من الکامل)

ماذا القعود وقد أطلّت منکم هدراً دماء ضیاغم لم تضرع

لله حملک کم تغض علی القذی جفناً وتجرع أکؤساً لم تجرع

لله صبرک کم تطیق تحملاً وعداک منک بمنظر وبمسمع

فانهض مثیراً نقعها بمهند یدهی الأثیر صواعقاً فی زعزع

هدرت دماک بنو الطلیق وهتکت حجب الجلالة من حماک الأمنع(3)

ولابد من التوقف عند معنی الرمز ومعرفة الشروط التی یجب ان تتوافر فیه لیؤدی وظیفته الفنیة فی النص الشعری، وقد عرف الرمز انه «تصویت خفی باللسان کالهمس ویکون تحریک الشفتین بکلام غیر مفهوم باللفظ من غیر ابانة

ص:62


1- (1) عید، (د. رجاء): دراسة فی لغة الشعر - رؤیة فنیة، منشاة المعارف مصر، د. ت: 149.
2- (2) استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی: 353.
3- (3) دیوان شکر: 46.

بصوت إنما هو اشارة بالشفتین وقیل الرمز اشارة وایحاء بالعینین والحاجبین والشفتین والفم، والرمز فی اللغة کل ما أشرت الیه مما یبان بأی شیء أشرت الیه بید أو بعین ، وَرَمَزَ یَرْمُزُ رَمْزَاً وفی التنزیل العزیز فی قصة زکریا علیه السلام (قالَ ربِّ اجعلْ لی آیةً قالَ آیتُکَ ألاّ تُکَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أیامِ إلاّ رَمْزَاً)(1)».(2) وقد عرف الرمز أیضاً «الذی یترک أثره فی القصیدة فی جانبیها المضمونی والبنائی»(3).

ومنها أیضاً تعریف (یوسف الیوسف) الذی قال فیه «هو الکهف الطلسمی، الخازن لکنز المعنی، الکامن وراء ظاهر التصورات والمخبوء داخل خلایا القصیدة وخلف ألیافها، والحامل بالتالی لمکنونات النفس دون ان یبیح للوعی حق ابرازها ودفعها إلی السطح، ولهذا فهو عمق أو بعد من أعماق أو أبعاد المعنی»(4).

أما الدکتور (إحسان عباس) فیری فی الرمز «أنه الدلالة علی ما وراء المعنی الظاهری مع اعتبار المعنی الظاهری مقصوداً أیضاً»(5) ویمکننا الاستدلال علی معنی الرمز من خلال معرفة الشروط التی یجب ان تتوافر فیه لیؤدی وظیفته الفنیة، واستثماره فنیاً فی القصیدة الشعریة مشروط بعدة أسس منها:

ص:63


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 41.
2- (2) لسان العرب: مادة (رمز).
3- (3) حمود، (عباس ثابت): النقد الجامعی للشعر العراقی الحدیث، رسالة دکتوراه، کلیة الآداب، جامعة بغداد، 132:1989.
4- (4) الیوسف، (یوسف): مقالات فی الشعر العربی، مطبعة دار الحقائق، بیروت، ط 2، 298:1980.
5- (5) عباس، (احسان): فن الشعر، دار صادر، بیروت، ط 1، 1996 م: 227-228.

1. خاصیته التشکیلیة التصویریة، مما یعنی موقفاً متجهاً إلی عد الرمز لا فی ذاته، بل إلی ما یرمز إلیه.

وهذا المعنی یصرح به الشاعر عبد الحسین الأعسم فی قصیدة له إذ قال: (من الطویل)

ملیک حباه الله بالنصر فاغتدی له الدهر فیما رام أطوع خادم

یقیم حدود الله فی الأرض مجهزا علی کلّ جبار بأعظم قاصم

ویحیی موات العدل من بعد ما انقضت مآتم هاتیک العظام الرجائم

وسلطان حق یرکب الناس نهجه بأمضی حسام للأباطیل حاسم

یحوط حمی الإسلام عن کل طارق ویحمی عُری الإیمان من کل فاصم(1)

2. قابلیته للتلقی، أی إن هناک شیئاً مثالیاً غیر منظور یتصل بما وراء الحس یتم تلقیه بالرمز الذی یجعله موضوعیّاً.

وهذا المعنی یجسده الشاعر محسن ابو الحب فی قصیدة له اذ قال: (من الطویل)

ظللنا فحتی م احتجابک یا بدر أما آن أن یزهو بطلعتک الدهر

أیا طالما أسدی الظلام سدوله علینا فأوضح صبحک الیوم یا فجر

متی ینجلی مصباح غرتک الذی تنیر ابتهاجاً فیه أوجهنا الغر

لواؤک مطوی وسیفک مغمد أما آن أن یبدو لطیّهما نشر(2)

3. قدرته الذاتیة، أی إن الرمز له طاقة خاصة به منبثقة عنه تمیزه من الإشارة

ص:64


1- (1) دیوان الأعسم: 66.
2- (2) دیوان أبو الحب: 82.

التی لا حول لها فی نفسه.

وهذا المعنی قد جسده الشاعر محسن ابو الحب فی قصیدة له اذ قال:

أما علموا ان السماء مقامة بیمناک حتی لا یخاف لها فطر

ووالله لو أن شخصک ثابت علی الارض لم یعرف من السهل الوعر

کفی بک للمجد المؤمل حارساً اذا خیف یوماً أن یحل به الذعر

بقاؤک فیها ماسک لبقائنا والا لأفنانا بأضعفه الدهر(1)

1. تلقیه بوصفه رمزاً، ویعنی أن الرمز عمیق الجذور اجتماعیّاً وانسانیّاً(2).

2. وهذا المعنی یجسده الشاعر عبد الحسین شکر فی قصیدة له اذ قال: (من الطویل)

أیا بن الهدی عجل إلینا فإننا سقینا الردی من ظلم أعدائکم جهرا

اغثنا رعاک الله انک لم تزل غیاثاً لنا یا خیر من وطأ الغبرا

فنقسم بالهادی علیک وصهره وسبطیه والغر المیامین والزهرا

تحنن علینا وارفع الجور فالهدی شتات ووجه العدل أصبح مغبرا

أتهضمنا الأعدا وأنت إمامنا وطوعک ما فی هذه الدار والأخری(3)

ویلتقی دور الرمز «بالأثر الذی یحدثه فی العملیة الإبداعیة فی نقطة مشترکة تتمثل فی مبدأین أساسیین یحکمان الاستعمال الرمزی وهما (الإیحاء والإیجاز) والأول هو عکس المباشرة فی أداء المعنی، أما الإیجاز فیعنی الاستغناء بالرمز عن

ص:65


1- (1) دیوان أبو الحب: 83.
2- (2) فضل، (د. صلاح): النظریة البنائیة فی النقد الادبی، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، ط 3، 1987 م: 460.
3- (3) دیوان شکر: 32.

الکلام المطنب فی إیصال الفکرة إلی القارئ أو المتلقی»(1). وهذا المعنی قد أوضحه الشاعر عبد الحسین شکر فی قصیدة له إذ یوحی إلی الرمز إضافة إلی ذلک أنه یجوز ما یرید فی هذا الرمز العظیم من معنی وبهذا تصل الفکرة والمعنی إلی القارئ بشکل واضح إذ قال: (من الکامل)

لله صبرک کم تطیق تحملاً وعداک منک بمنظرٍ وبمسمع

فانهض مثیراً نقعها بمهندٍ یدهی الأثیر صواعقاً فی زعزع

هدرت دماک بنو الطلیق وهتکت حجب الجلالة من حماک الأمنع(2)

وبالعودة إلی الرمز الشعری الذی تعنی به هذه الدراسة والذی یمثله شخصیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف نجد ان البعد الرمزی والدلالی الذی یرتبط به، والذی یجعله یأخذ الموقع الکبیر فی ضمیر ووجدان الإنسان المسلم، وحتی غیر المسلم بوصفه عقیدة راسخة عند الأدیان والمذاهب فضلاً عن ارتباطه النسبی والسببی بالشخصیات التاریخیة ذات الصلة العمیقة بوجدان الإنسان المسلم وضمیره، وفی مقدمة تلک الشخصیات شخصیة الرسول الکریم نبینا محمد (صلی الله علیه وآله) وشخصیة الإمام علی علیه السلام.

وهذا ما نظر إلیه الشعراء فی شعرهم لاستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف حیث نظروا إلیه کونه ابن الرسول الأعظم النبی محمد (صلی الله علیه وآله) وابن الإمام علی وابن الزهراء علیهما السلام وأنه ابن الإمام المقتول المظلوم الشهید

ص:66


1- (1) توفیق، (عباس): نقد الشعر العربی الحدیث فی العراق من (1920-1958 م) دار الرسالة للطباعة, بغداد، 1978 م: 306.
2- (2) دیوان شکر: 46.

الحسین علیه السلام ومن جانب آخر نظروا إلیه بوصفه شخصیة مستقلة لها دورها فی التاریخ الإسلامی والإنسانی.

وهذا ما صوره الشاعر عبد الحسین الأعسم فی قصیدة له إذ یقول: (من الطویل)

بقیة من خرّت ملائکة السما سجوداً لمعنی کان منهم بآدم

وأنشاهم الباری علی أوج عرشه تماثیل نورٍ قبل خلق العوالم

لیبعث من بعد النبیین خاتماً یغاث بردءٍ للوصیین خاتم(1)

بقی أن نشیر إلی الارتباط بین رکنی العملیة الإبداعیة فی الشعر العراقی وهما الشاعر والمتلقی وبین الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف، فإن الإمام رمز مجسد لطموحات وأهداف وآمال الناس جمیعاً فی شرق الأرض وغربها فضلاً عن کونه إمام زمان هذه الأمة والظل الذی تستظل به فی غیبته والناجی من الفتن وظلمات الأهواء وهو الشمس الذی ینور هذا الکون حتی وإن أظلها السحاب وفی ضوء ذلک یمکننا أن نقول إن کان هناک أنموذج شعری متمیز فإنه یکشف عن الأثر الفنی للإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف.

فی الشعر العربی یتمثل بالقصیدة العراقیة التی یقول فیها الشاعر (حمید سعید) «إن القصیدة فی العراق هی الابنة الشرعیة للشعر العربی لکل فعله وطموحاته وإضافاته»(2) وهذا ما نجده فی قصائد شعراء العراق الاستنهاضیة ومنهم

ص:67


1- (1) دیوان الأعسم: 65.
2- (2) الغرفی، (حسن): حرائق الشعر - عن تجربة حمید سعید الشعریة، منشورات مکتبة التحریر، بغداد، ط 1، 1989 م: 99.

قول الشاعر السید حیدر الحلی إذ یقول: (من الکامل)

إن ضاع وترک یا بن حامی الدین لا قال سیفک للمنایا کونی

أولم تناهض آل حرب هاشم لا بشرت علویة بجنین

أمعلّل البیض الرقاق بنهضة فی یوم حرب بالردی مشحون

عجباً لسیفک کیف یألف غمده وشباه کافل وتره المضمون(1)

وبهذا یکون الشعراء العراقیون قد أبدعوا بربطهم بین رکنَی العملیة الإبداعیة وهما الشاعر والمتلقی والإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:68


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 111/1.

الباب الأول: قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف دراسة فی البناء والاتجاهات والوظائف

اشارة

* الفصل الأول: البناء الفنی لقصیدة الاستنهاض

* الفصل الثانی: الاتجاهات العامة لقصیدة الاستنهاض

* الفصل الثالث: الوظائف والأداء لقصیدة الاستنهاض

ص:69

ص:70

الفصل الأول: البناء الفنی لقصیدة الاستنهاض

اشارة

ص:71

ص:72

البناء الفنی

اشارة

توطئة: قبل الحدیث عن البناء الفنی لابد من تعریف ماهیة البناء فی اللغة والاصطلاح، "فهو فی اللغة المصدر للفعل (بنی) وهو نقیض الهدم، والبناء: الشیء المبنی وجمعه أبنیة"(1).

وأما فی الاصطلاح فلم یبتعد النقاد کثیراً عن المعنی المعجمی للبناء فقد تجاذبت هذه القضیة رؤی النقاد وتصوراتهم قدیماً وحدیثاً فمن النقاد القدامی ابن قتیبة (ت 276 ه -) الذی استطاع ان یضع شکلاً فنیاً للقصیدة من حیث البناء وهو تقسیمها علی ثلاثة أقسام(2) وهی الابتداء والتخلص والخاتمة وَعُد هذا نهجاً تقلیدیاً لدی الشعراء.

أما ابن طباطبا العلوی (ت 322 ه -) فقد أشار إلیه بقوله:" إذ ینبغی علی الشاعر ان یتأمل تألیف شعره، وتنسیق أبیاته، ویقف علی حسن تجاورها أو قبحه، فیلائم بینها لتنظیم معانیها، ویتصل کلامه فیها، ولا یجعل بین ما قد ابتدأ وصفه أو بین

ص:73


1- (1) ینظر لسان العرب: 365/1.
2- (2) ابن قتیبة، (ابو محمد عبد الله بن مسلم ت 276 ه -): الشعر والشعراء، عالم الکتب، بیروت, ط 3، 1984 م: 31.

تمامه فصلاً من حشو لیس من جنس ما هو فیه، فینسی السامع المعنی الذی یسوق القول إلیه،..."(1).

وقال أیضاً: "إذا أراد الشاعر بناء قصیدةٍ مخَّض المعنی الذی یرید بناء الشعر علیه فی فکره نثراً، واعد له ما یلبسه إیاه من الألفاظ التی تطابقه، والقوافی التی توافقه والوزن الذی یسلس له القول علیه. فإذا اتفق له بیت یشاکل المعنی الذی یرومه أثبته، وأعمل فکره فی شغل القوافی بما تقتضیه من المعانی علی غیر تنسیق للشعر وترتیب لفنون القول فیه، بل یعلق کل بیت یتفق له نظمه علی تفاوت ما بینه وبین ما قبله فإذا کملت له المعانی، وکثرت الأبیات وفق بینها بأبیات تکون نظاماً لها وسلکا جامعاً لما تشتت منها..."(2)

واذا کان هذا الکلام ینطبق علی فریق من الشعراء فإنه بالمقابل لا ینطبق علی فریقٍ آخر، إذ إن ولادة العمل الشعری لا تتوقف علی مراحل وخطوات سابقة بقدر ما هو نتاج آنی. إذ أشار الحاتمی (ت 388 ه -) أیضاً إلی بناء القصیدة بقوله "فإن القصیدة مثلها مثل خلق الإنسان فی اتصال بعض أعضائه ببعض فمتی انفصل واحد عن الآخر، أو باینه فی صحة الترکیب، غادر بالجسم عاهة. تتخون محاسنه، وتعفّی معالم جماله." (3) ویتضح من قول الحاتمی أنه استلزم لأجل بناء

ص:74


1- (1) العلوی، (محمد بن احمد بن طباطبا ت 322 ه -): عیار الشعر، تحقیق وتعلیق الدکتور طه الحاجری محمد زغلول سلام، شرکة فن الطباعة، القاهرة، 1956 م: 209.
2- (2) م. ن: 5.
3- (3) الحاتمی، (أبو علی محمد بن الحسن بن المظفر): حلیة المحاضرة فی صناعة الشعر، تحقیق د. جعفر الکتانی، دار الرشید للنشر، وزارة الثقافة والإعلام، مصر، د. ط، 1979 م: 215/1.

القصیدة التناسق بین أجزائها لتکون جسداً متکامل الأجزاء. وأما المحدثون فقد کانت نظرتهم لا تختلف عما کان علیه النقاد القدماء، قال الدکتور محمد مندور: "فالشعراء یبدأون قصائدهم بوصف الدیار وما لها فی نفوسهم من ذکریات وبالغزل والحدیث عن الحبیبة ودیارها قبل ان ینتقلوا إلی ما نکبتهم به ضرورة العیش وهو المدیح استجداءً لرمز الممدوحین" (1) وهذا مؤسس علی مقولة ابن قتیبة فی النص السابق.

وأما الدکتور شوقی ضیف فقد قال "فالشاعر یبدؤها بوصف الأطلال والدیار والنسیب، ثم یستطرد إلی وصف الصحراء وحیوانها الألیف والوحشی، حتی إذا فرغ من هذا الوصف خرج إلی الغرض الأساسی لقصیدته من الفخر أو المدح أو الهجاء أو الاعتذار أو الرثاء وربما ختمها بالحکم والأمثال"(2). وبهذا فإن الشکل والبناء الفنی یعنی" دراسة العلاقات بین العناصر المکونة للقصیدة فضلاً عن دراسة علاقة الأقسام المکونة لها"(3).

وعلیه فإن القصیدة بوصف أجزائها تقسم علی قسمین:

أولاً: القصیدة الاستنهاضیة المکتملة: وهی القصیدة المستوفیة الأجزاء والمتمثلة بالمقدمة والموضوع والخاتمة.

ثانیا: القصائد الاستنهاضیة الخالیة من المقدمات.

ص:75


1- (1) مندور، (محمد): الأدب وفنونه، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة 59:1974.
2- (2) ضیف، (د. شوقی): فی النقد الأدبی، دار المعارف، القاهرة، ط 8، د. ت: 154.
3- (3) الزبیدی، (مرشد): بناء القصیدة الفنی فی النقد العربی القدیم والمعاصر، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1994 م: 14.
أولاً: القصیدة الاستنهاضیة المکتملة
1. المقدمة

وهی الخطوة الأولی للشعراء فی إفراغ أحاسیسهم ومشاعرهم وهی بمنزلة المفتتح الذی یسلکه الشاعر لتهیئة المتلقی له، ویجعل منه شعلة منجذبة نحوه، ومن هذا المنطلق فان الاهتمام بالمقدمة یأتی من ضرورة العمل الشعری. وعلیه فقد "اهتم النقاد والقدامی بمقدمة القصیدة العربیة وأکدوا علی أهمیتها ووصفوا الدخول إلی غرض القصیدة مباشرةً بلا مقدمة هجوماً علیه(1). فالمقدمة ظاهرة من الظواهر الفنیة التی صاحبت القصیدة العربیة علی اختلاف العصور التی مرت علیها والأمصار التی انتقلت إلیها. وهی ظاهرة لم تتخذ شکلا واحداً بل تعددت أشکالها وتنوعت صورها، لا فی العصور التی تلت العصر الجاهلی، بل فی أول عهدها یوم أن أصّل شعراء الطلیعة المبدعة فی الجاهلیة لقصائدهم مجموعة من التقالید الفنیة التی کان من أشهرها حرصهم علی افتتاح مطولاتهم بألوان مختلفة من المقدمات: فقد" کانوا یستهلون قصائدهم إما بالمقدمة الطللیة، أو الغزلیة، أو مقدمة وصف الظعن، او مقدمة الشباب والشیب أو مقدمة وصف الطیف، أو مقدمة الفروسیة، کما اشترطوا ان یکون حلواً سهلاً وفخماً جزلاً"(2).

لذلک نری أنَّ هذه المقدمات قد جذبت الشعراء باختلاف أزمانهم إلی یومنا علی الرغم من اختلاف ظروفهم وأماکنهم التی یعیشون فیها استشعاراً منهم

ص:76


1- (1) القیروانی، (أبو علی الحسن بن رشیق الأزدی، ت 456 ه -): العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده، حققه وفصله وعلق حواشیه محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، مصر، ط 2، 1955 م: 356/1.
2- (2) عطوان، (د. حسین): مقدمة القصیدة فی العصر العباسی الأول، دار الجیل، بیروت، ط 2، 1987 م: 256.

بعمق الصلة والارتباط بتراثهم ومن المقدمات التی وردت فی شعر الاستنهاض:

2. المقدمة الغزلیة

وهی من المقدمات التقلیدیة فی الشعر العربی وأکثرها شیوعاً وهی استجابة لعامل روحی متجذر لدی الشاعر نابع من حتمیة العلاقة بینه وبین المرأة بوصفها النفس التی خلقها الله (عز وجل) للرجل، فِذکرها والتغزل بها إنما هو إشباع لرغبة طافحة فی عمق نفس الإنسان، وشوقه إلیها "ولا شک أنَّ المرأة أقدر علی امتصاص حزن الشاعر وألمه، وأقدر علی إثارته بشتی الانفعالات والأحاسیس" (1) وبما أن شعر الاستنهاض هو ولید شعر الرثاء فلم تألف العرب افتتاح قصائد الرثاء بالغزل وهی محل خلاف عند النقاد فقد ذهب ابن رشیق القیروانی معتمداً روایة لابن الکلبی إلی "أنه لا یعلم مرثیة أولها نسیب إلا مرثیة درید بن الصمة" (2) وقد علل الدکتور محمود عبد الله الجادر قول ابن الکلبی تعلیلاً حسناً إذ قال "فلا توجیه لدینا بقوله إلا أن یکون تعبیراً من هذه التعابیر الموروثة من علماء تلک المرحلة والتی یعبرون فیها عن شدة إعجابهم بنص فیعمدون الی إسقاط ما یماثله فکأن ابن الکلبی أراد ان یقول إن مرثیة درید أولی لا ثانی لها بین المراثی المفتتحة بنسیب معبر بطریقة أوهمت المتأخرین بالمعنی الظاهر لنصه" (3) ولعل جمعاً من النقاد المحدثین تعرضوا إلی هذه القضیة ومنهم الدکتور عناد غزوان إذ

ص:77


1- (1) المصلاوی، (د. علی کاظم): الطفیات، المقولة والإجراء، مطبعة الزوراء کربلاء، 2009 م: 29.
2- (2) العمدة: 151/2.
3- (3) الجادر، (د. محمود عبد الله): دراسة نقدیة فی الأدب العربی، مطبعه دار الحکمة للطباعة والنشر, الموصل، 1990 م: 417.

قال "کان هناک اشتراک بین الغرضین فی التعبیر عن معنی الألم والأسی سواء کان ذلک بکاء علی عزیز غال أو ندباً علی حبیبة جمیلة، والرثاء فی رسمه لصوره الباکیة الحزینة ینتزع تشبیهاته وأخیلته من واقع الأحداث المرتبطة بصاحب المرثاة" .(1) ومهما یکن الأمر فإن أهم ما یمیز الغزل فی مقدمة الرثاء الحسینی وشعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف صفتان:

الأولی: أنه غزل عفیف، لیس فیه شیء من ذکریات اللهو والتصابی، أو وصف للنساء، وذلک لأن مناسبة الاستنهاض لا تسمح بذلک ففیها رثاء أهل البیت وذکر مصائبهم والتألم والبکاء علیهم. ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

دنا مکرهاً یومَ الفراقِ یوادعه تسابقه قبلَ الوداع مدامعه

وقد کادَ أَنْ یرفضَّ شجواً فؤاده عن الصدر لولا تحتویه أضالعه

بنفسی حبیباً لم یدعْ لی تجلداً لتودیعه لما أغتدیت أوادعه

أعانقه والطرف یرعف خاشعاً وما الصبّ إلاّ راعفُ الطرف خاشعه

وقد علقتْ کفای شوقاً بکفّه کما ضمّتِ الطفلَ الرضیع رواضعه

وهنا الشاعر یذکر الوداع والفراق وما یجری فیه من ذرف الدموع وشجو الصدور حتی أنه لم یبق فیه صبرٌ علی فراق حبیبه وأنه یرتبط به ویحن إلیه کما یرتبط الطفل الرضیع بصدر أمه، إلی أن یصل إلی هدفه المنشود وهو مدح الإمام واستنهاضه إذ قال: (من الطویل)

ص:78


1- (1) إسماعیل، (د. عناد غزوان): المرثاة الغزلیة فی الشعر العربی، مطبعة الزهراء، بغداد، ط 1، 1974 م: 3.

أمام هدی ما ضَل من یهتدی به ولا ارتاع من هول حشا من یتابعه

إلیه أحادیث المفاخر تنتهی إذا جمعت أهل الفخار مجامعه

ولیث وغی کم تشهد الناس موقفاً له تجعل الولدان شیباً وقائعه

یصول بجیش تغتدی زمر العدا عبادید مذ تبدو علیهم طلائعه(1)

وهنا کانت انتقالة الشاعر موفقة کل التوفیق، وطبیعیة منسابة بین مقدمة القصیدة وغرضها.

ومن المقدمات الغزلیة التی تصدرت شعر الاستنهاض قول الشیخ محسن أبو الحب: (من الوافر)

أتحکی النارُ مهجتی اضطراما أم الأنوار مقلتی انسجاما

أم الورقاء صادحة سحیراً یشابه قلبها قلبی هیاما

هداک الله قلباً مستهاماً یجدّد کلَّ یوم لی غراما

یشوق وکلما سنحت مهاة فیمنع شوقه عنّی المناما

وطیف زارنی وهناً فلمّا انتبهت له استقل وما اقاما

وذکّرنی الخیام بحیّ سلمی ولا حیاً رأیت ولا خیاما(2)

وهنا الشاعر یذکر بأن قلبه مستهام ویجدد له فی کل یوم غرام ولکنه یمثل هذا الغرام والعشق بأنه خیال وأنه حلمٌ مر به وکأنه لم یرَ شیئاً من غرامه وأن رفضه له جعله حزیناً متألماً مما جعل القارئ مترقباً مما سوف یأتی بعده من غرض الاستنهاض.

ص:79


1- (1) دیوان الأعسم: 59.
2- (2) دیوان أبو الحب: 138.

الثانیة: غزل یقوم علی أساس نفی الشاعر للحب والتصابی، ورفضه ان یعود إلی تلک الأیام التی کان یحن فیها إلی الحب والعشق والهوی. ومن ذلک قول الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

بکی جزعاً مما به من زمانه فما لکما فوق الأسی تعذلانه

توهّمتما ان هاجه ذکر أهیف یمیل بأکناف الحمی میل بانِهِ

أوان الصبا من أرض کاظمة سری علیلاً له فاعتل من سریانه

نعم کان فی عهد الصبا وأوانه یؤرقه ذکر الحمی وحسانه

وقد کان یصبی قلبه البرق لامعاً فیحیی الدجا شوقاً إلی لمعانه

ویبهجه الروض الأنیق بذی الغضا فتصلی الغضا أحشاه من أقحوانه

فأصبح یلهیه عن اللهو همه ویشغل شأنیه الدموع لشانه

دعاه وما یلقی من الضر والجوی إذا لم تکونا ویکما تنفعانه

لعل ابن خیر المرسلین یغیثه فینقذه من کربه وامتحانه(1)

یبدو استسلام الشاعر للأمور وواقعها واضحاً فی شعره؛ إذ إنه یبکی من جزعه وآلامه وما یقاسیه ویقول بأنه کان فی عهد الصبا یؤرقه الحمی والسری ویصبو إلی البرق ویشجو إلی الدجی ویهیجه الروض الجمیل وتتحرک له أحشاؤه ولکنه أصبح لا یلهیه هذا ولا یهمه الشغل به ویرفض ان یعود إلیه لأنه لا ینفعه شیء فی هذه الدنیا سوی ظهور خیر البشر فینقذه من کربه وهمه ویأخذ بیده إلی دار النجاة الأبدی، وبهذا یکون الشاعر أکثر اتزاناً کابحاً انفعالات الشباب الجامحة، وقوراً ینظر إلی الدنیا غیر ما ینظر إلیها المغتر وهذا مناسبٌ لطبیعة

ص:80


1- (1) دیوان الکواز: 112.

الشعور الذی طغی علیه. ولعل من الملاحظ تأثر الشعراء بقصائد الشریف الرضی ولاسیما (الحجازیات) منها حیث کان غزله عذریاً خالیاً من اللهو والفجور وحب الهوی، وبما أن هذا الشاعر یعد رکناً أساسیّاً من أرکان مدرسة الشیعة فی الشعر، فلا نستغرب تأثرهم فیه ومجاراتهم له.

3. مقدمة الحکمة

وهی من المقدمات التقلیدیة فی الشعر العربی، والحکمة هی ان تضع الأمور فی مواضعها الصحیحة ومقدمة الشاعر الحکمیة هی تصور الشاعر الخاص للأشیاء وموقفه من الحیاة، إذ یجعل نفسه داعیاً ومرشداً وذا تأثیرٍ فی المتلقین ولاسیما إذا کانت أداته ذات سحر بیانی، والحکمة فی الشعر "هی أن یضمّن الشاعر الحکیم فی شعره آراءه الصریحة المنطقیة ونظراته الثاقبة السلیمة للأمور دون اللجوء الی الانفعالات والتخیلات"(1)

ومن المقدمات الحکمیة التی وردت فی قصائد الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف قول الشاعر محمد مهدی بحر العلوم: (من الکامل)

طال المدی فازداد ذو العلم الهدی والجاهل ازداد الضلالة واعتدی

والعالمون استیقنوا لماّ رأوا آیات صدق الوعد فی طول المدی

والجاهلون استعجلوا فاستبطأوا المیعاد اذ لم یبصروا علم الهدی(2)

فهنا الشاعر یبین مدی ضرورة العلم وفائدته فی معرفة الأمور والاستیقان

ص:81


1- (1) عاصی، (د. میشال): الفن والأدب - بحث جمالی فی الانواع والمدارس الادبیة والفنیة منشورات المکتب التجاری للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، ط 2، 1970 م: 116.
2- (2) دیوان بحر العلوم: 61.

منها والوصول الی الهدی ومدی ضرر الجهل علی الناس وأنه من آفات الشعوب؛ لأن الجاهل لا یستطیع ان یصل الی الهدی والصلاح وأنه یضر نفسه والمجتمع بجهله وأیضاً قول الشاعر حیدر الحلی: (من المتقارب).

کذا یظهر المعجز الباهرُ فیشهدُه البَرُّ والفاجرُ

ویروی الکرامةَ مأثورةً یبلغها الغائبَ الحاضرُ

یَقرُّ لقوم بها ناظرٌ ویَقذی لقوم بها ناظرُ

فقلب لها تَرحاً واقعٌ وقلبٌ لها فَرَحاً طائرُ(1)

وهنا یذکر الشاعر السید حیدر الحلی معاجز الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وکراماته وانها سوف تکون ظاهرة لکل الناس وستفرح بها قلوب المحبین والمنتظرین له وتحزن لها قلوب الظلمة والحاقدین. وهذا دیدن الناس بین الخیر والشر والصراع علی البقاء، فهو بذلک یوضح قاعدة من القواعد العامة فی هذه الدنیا وهی الصراع بین الخیر والشر.

ومنه قول الشاعر محسن ابو الحب فی قصیدة له: (من الکامل)

هل غیرُ ماضیة السیوف شِفاءُ أم غیرُ تعناق الکماة دواءُ

یامن یُعالِجُ بالدواء علیله هذا الدواءُ إذا امضَّک داءُ

إن شئت فاسأل مَا الإباءُ؟ أُجبکَ أن الموتَ فی طلب الإباء إباءُ

أو شئت فاسأل ما الثراءُ؟ أجبک أن الکفَ عن مِنن اللئام ثراءُ

لا تسألن سوی المهنَّدِ حاجةً إن شط عنک الرفقُ والرفقاءُ

من لم یکن بحسامه مستغنیاً لم تُغنه البیضاءُ والصفراءُ(2)

ص:82


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 41/1-44.
2- (2) دیوان أبو الحب: 27.

فهنا یوضح الشاعر ان الحق لا یؤخذ إلا بالجهاد والتضحیة کما یبین أن الإباء والعز لا یأتیان إلا من خلال الشهادة فی سبیل الحق، وأن الثراء والغنی هو الکف عن منن الظلمة واللئام وأن قوة الإنسان بصلابته ودفاعه عن الحق ولیست قوته بالمال والذهب کما یفعل الأمراء والظلمة علی مر العصور.

4. المقدمة الطللیة

لعل من أبرز الظواهر الفنیة التی أرساها الشعراء العرب من الجاهلیة والی یومنا هذا هی المقدمة الطللیّة وقد حرص الشعراء علی الاهتمام بها فقد کانوا یستهلون قصائدهم بها ویفردون لها أبیاتاً عدة یقفون بها علی وصف الدیار والترحل وفی الوقت نفسه هی تنفیس لآهات الشاعر وواقع تصویری لما حوله من الطبیعة، "رغم أن بعض الشعراء قد تمردوا علی هذه المقدمات ومنهم أبو نواس وغیره من الشعراء" .(1)

ومن الشعراء الذین استهلوا قصائدهم بوصف الطلل الشاعر محمد رضا النحوی إذ قال: (من الطویل)

أریحا فقد أودی بها النصُّ والوخدُ وقولا لحادی العیس إیهاً فکم تحدو

طواها الطوی فی کل فیفاءَ ماؤها سرابٌ وبردُ العیشِ فی ظلَّها وَقْدُ

تحنُّ إلی نجد وأعلام رامة وما رامة فیها حرامٌ ولا نجدُ

وتلوی علی بانِ الغُوَیرِ ورَندِهِ ولا البانُ یلوی البینَ عنها ولا الرَّندُ(2)

ص:83


1- (1) ینظر: مقدمة القصیدة فی العصر العباسی: 151.
2- (2) عقیل، (محسن): اروع ما قیل فی محمد وأهل بیته، دار المحجة، بیروت: 677-680.

فهنا یصف الشاعر سیر الإبل السریع والحادی الذی یرفع لها صوته بالغناء لتسرع فی سیرها ویصف الصحراء الواسعة وحرارتها ومواقد النار ثم یبین طیب تراب نجد وهوائها حیث یستذکره فی شعره ثم یصف (البان) وهو (الشجر اللین الحَسن الطول) فی منطقة (الغویر) وهی (تهامة وما یلی الیمن) والرند الجمیل (وهو الشجر الطیب الرائحة من شجر البادیة) ثم یستمر الشاعر فی وصفه إلی أن ینتقل إلی غرضه وهو ذکر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وطیب أرضه فی (سر من رأی) وبهذا یکون قد شبه الشاعر ارض (الحجاز) بأرض (سامراء) لبیان فضلهما اذ الأولی احتضنت الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) والثانیة احتضنت ولده الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. وهذه المقدمة تتشابه مع حجازیات الشریف الرضی وذکره لهذه المناطق. ومن الشعراء الذین استهلوا مقدمات قصائدهم بالطلل الشاعر محمد علی کمونة إذ قال: (من الوافر)

أعلل بالغدو وبالرواح بوخدِ مهجنات بنی ریاح

إذا ما زمزم الحادی أعدت لقطع البید أجنحة الریاح

وعدو الجاریات وما أقلت عتاق الخیل من أهل الفلاح(1)

ففی النص المتقدم یصف الشاعر سیر الإبل التی اشتهرت باقتنائها بنی ریاح کما یصف الحادی عندما یستعد بالسیر لقطع البید بهذه الإبل الأصیلة والخیل التی تحمل أهل الفلاح، ثم یستمر الشاعر بوصفه ورفضه لملذات الدنیا وهو بانتظار ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. ومن طللیّته نستشف بأن الشاعر قد ربط شهرة بنی ریاح والإبل الأصیلة والخیل التی تحمل أهل الفلاح بمسألة ظهور الإمام

ص:84


1- (1) دیوان کمونة: 38.

الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بوصفه قائد أهل الخیر والصلاح نحو العدل الإلهی.

5. مقدمة الحماسة والفروسیة

وهی من المقدمات التی تغنی بها الشعراء الفرسان الذین عرفوا بالکرم والبطولة والشجاعة ومنهم حاتم الطائی والمتنبی وأبو فراس الحمدانی وغیرهم من الشعراء، "إذ جسدوا فی هذا اللون من المقدمات بطولتهم وشجاعتهم فضلاً عن حوارهم لزوجاتهم الذی جسدوا فیه مذهبهم فی الحیاة من إنفاق لأموالهم من أجل إکرام الضیف ومن یقصدهم ومن الفقراء والبائسین"(1).

وقد تطورت هذه المقدمات واتخذت طابعاً دینیاً بعد الإسلام نتیجة العقیدة الراسخة لدی المسلمین وتحولت إلی الحث علی الجهاد وإثارة الحماسة فی نفوس المسلمین من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمین والقضاء علی الظلم والظالمین ونشر الدین الإسلامی الحنیف فی أرجاء المعمورة.

ومن الشعراء الذین استهلوا قصائدهم بمقدمات الشجاعة والبطولة الشاعر عبد الحسین الأعسم اذ قال: (من الوافر)

ستسمع لی إذا لعقت بنانی معارفُهنّ مطلقة العنان

فتعلم أن لی مرمی بعیداً علیک وأن شانک غیر شانی

أکلْتُ دماً إن استبقیت نفساً تفر من الحمام إلی الهوان

سأمضی للتی إنْ طوحت بی بلغتُ بها نهایات الأمانی(2)

فقد رأی الشاعر أنه إذا لعق إصبعه فسوف یطلق خیله إلی ساحة الوغی

ص:85


1- (1) عطوان، (د. حسین): مقدمة القصیدة فی صدر الإسلام، دار الجیل، بیروت، ط 1، د. ت: 77.
2- (2) دیوان الأعسم: 69.

وهذا یدل علی بطولة الشاعر وعزمه وأنه سوف ینتقم من الظلمة بالقصاص ولا یقبل بأخذ الدیة والهوان وأنه سوف یصل الی غایته وأمانیه بالقوة والشجاعة والصلابة لکی ینال أمانیه فی سعادة الدنیا والآخرة.

وأما الشاعر محسن ابو الحب فقال: (من البسیط)

ما أحسن الموت فی ظل القنا المید إن کان ذا الموت حتماً غیر مردود

من لی بیوم به الابطال باسمةٌ کأنها من لقاء الموت فی عید

یا حبذا الموت والأرماح عاکفة علیک غیر عکوف الخرّد الخود

لا خیر فی المرء مالم تُمْسِ همته معقودة بین تثقیف وتأوید

ولا علی الدوح مالم یجنِ غارسه قطف المحامد لا قطف العناقید

من بات معتنقاً غیر الحسام فلا مدّت له أبداً کف بتسدید(1)

فهنا الشاعر نراه یتمنی الموت فی ساحات الوغی وبین صلیل السیوف ویحث المسلمین علی الجهاد ویثیر الحماسة فی نفوسهم ویبین لهم بأن الموت هو قدر کل إنسان ولکن الموت فی ساحات الجهاد هو أفضل من الموت بالذل والعار وأن اعتناق الحسام هو خیر من الرضا بالذل والهوان وهذا من نفوس الأباة والفرسان وشجاعة السائرین فی درب الحق غیر مبالین بهذه الدنیا الذمیمة ونعیمها الزائل، وهذا نتیجة طبیعیة لدی الشعراء وذلک بسبب الظروف التی کانوا یعیشونها بسبب الاحتلال والهیمنة الاستعماریة وما تبعها من ظلم وجور ومن مآسی الجوع والحرمان وتفشی الأمراض وشیوع الجهل، فوجد الشعراء فی هذه المقدمات متنفساً لهم لتفریغ أحاسیسهم فی تلک المقدمات.

ص:86


1- (1) دیوان أبو الحب: 66.
6. مقدمة الشکوی وذم الدهر

تعد مقدمة الشکوی وذم الزمان من المقدمات التی افتتح الشعراء بها أشعارهم قبل الإسلام وبعده والی یومنا هذا، اذ نلاحظ أنَّ الإنسان عندما یصاب بالإحباط فی حیاته یؤثر ذلک فی نفسیته مما یحتاج إلی متنفس لبث حزنه وشکواه مما یعانیه من ظلم أو إخفاق أو إحباط نفسی، لذا نری الشعراء فی حقبة الدراسة استعملوا هذه المقدمات بکثرة نتیجة الظروف السیئة التی کانوا یعیشونها من احتلال وظلم وجوع وغیاب للحق وانتشار للجور فوجدوا فی هذه المقدمات متنفساً لهم لبث شکواهم الی صاحب الأمر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لدفع الضر عنهم. ومن الشعراء الذین افتتحوا قصائدهم بالشکوی وذم الزمان الشاعر محمد مال الله اذ قال: (من الطویل)

أبا القاسم المهدیَّ حتامَ نحتسی کوؤس الأذی والقلبُ ظمآنُ للفرجْ؟

وحتام تعلونا عِداکم بجورها وحتامَ یفشو فی موالیکم الهرجْ؟

وحتامَ لا تقضی دیونُ مجاور؟ وحتامَ لا تعلو لمادحکمْ دُرْج؟

وحتامَ فرعونُ الزمان یسومُنا بکل زمان منه مغلقَةَ الرُّتجْ؟(1)

فالشاعر یشکو ظلم الزمان ویشکو من فراعنة الساسة وأصحاب الملک العقیم، وجورهم کما یبین معاناة الناس منهم حتی یصف حالهم بالهرج من شدة الظلم والقسوة علیهم ویرفع عتابه وشکواه الی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لینقذهم من الوضع الذی هم فیه، کذلک قام الشاعر باقتباس لفظة (فرعون) بشکل غیر

ص:87


1- (1) الفلفل, (مال الله): دیوان الشاعر مال الله الفلفل, دیوان خطی، المکتبة الحیدریة, النجف الأشرف: 107/106.

مباشر لیطلقه علی هؤلاء الظلمة وحکام الجور بوصفه رمزاً لهم والدال علیهم.

وکذلک قول الشاعر صالح الکواز فی احدی مقدماته: (من الکامل)

ما انفک عنی من زمان مدبرُ من صرفه إلا دهانی مقبلُ

دافعت ما لا یستطاع دفاعه وحملت من بلواه ما لا یحملُ

حتی اذا لم تبق لی من حیلة قالت لی الأیام ماذا تنهلُ

أو ما درت ان ابن فاطم موئلی وتخلصی فیه ونعم الموئلُ (1)

فالشاعر یری ان الزمان لم یترک له راحة منه، إذ کلما انقضت بلوی جاءت الأخری وقد دافع ما استطاع الدفاع وتحمل من البلوی کثیراً حتی لم تبق له حیلة ولا قوة لیدافع بها عن نفسه ثم من خلال استعماله لأسلوب الحوار مع الأیام بین الشاعر أنه سوف یتحمل المصاعب بانتظار الخلاص وهذا من أعلی مصادیق الصبر.

ومن الشعراء الذین استهلوا قصائدهم بالشکوی الشاعر عبد الحسین الأعسم إذ قال: (من الطویل)

نری یدک ابتلت بقائمة العضبِ فحتام حتامَ انتظارک بالضرب

أطلت النوی فاستأمنت مکرک العدی وطالت علینا فیک ألسنة النصب

إلی م لنا فی کلِّ یوم شکایةٌ تعج بها الأصوات بحاً من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا من الضیم والأعداء آمنة السُّرب(2)

فهنا الشاعر یری ان صبر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف علی الظلم قد طال

ص:88


1- (1) دیوان الکواز: 50.
2- (2) دیوان الأعسم: 52.

کثیراً کما صبر جدّه الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) علی أذی قریش وظلمهم ولا بد لهذا الصبر من یوم ینتهی فیه؛ لأن شیعتهم قد ضاق بهم الفضا من ضیم الأعداء، ویتمنون أن یکون نهایة صبرهم ظهور طلعته البهیة لإحقاق الحق.

وکذلک قول الشاعر محسن أبو الحب فی احدی مقدماته: (من الطویل)

متی تدرک الثأر الذی أنت طالبه متی تملک الأمر الذی أنت صاحبهْ

لقد ملأ الدنیا سناک ولم یلح لعینی یوماً من جبینک ثاقبهْ

أفی کل یوم فاجر وابن فاجر یحکم فینا بادیات معایبهْ

تروح بک الدنیا وتغدو منیرة ویملکها من لیس تخفی مثالبهْ (1)

لقد قرن الشاعر فی أبیاته بین أخذ الثأر وامتلاک الأمر وبین حکام الجور والفجور، وبین النور والظلمة فی الدنیا، وإنهما فی صراعٍ دائم من أجل البقاء ولکن هذا الصراع سوف ینتهی بظهور الإمام عج الله تعالی فرجه الشریف ونشر الحق وإعلاء کلمته فی الدنیا لتکون منیرة به.

7. المقدمة العقدیة

تمثل عقیدة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أبرز ملامح الحضور الدینی عند مذهب الشیعة الإمامیة، فمنها استمدوا العزم والإرادة والقوة والمقاومة لدنیا الظلم والجبروت، لذلک کانت عقیدة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عقیدة راسخة وقویة مثلت فخر الشیعة وعنوانها ومصدر عزتها ومقاومتها فی جمیع الأعصر والأمصار.

ص:89


1- (1) دیوان أبو الحب: 52.

وقد استعمل الشعراء فی زمن حقبة الدراسة المقدمات العقدیة بشکل کبیر؛ لأنها تمثل عنوان عقیدتهم وفخر عزهم والنور الذی یضیء الأرض ویمدها بالرعایة حتی وإن حجبته السحاب، وهذا ما نلاحظه فی قول الشاعر عبد الحسین شکر إذ قال: (من الکامل)

ماذا القعود وقد أطلت منکم هدراً دماء ضیاغمٍ لم تضرع

لله حلمک کم تغضّ علی القذی جفناً وتجرع أکؤساً لم تجرع

لله صبرک کم تطیق تحمّلاً وعداک منک بمنظر وبمسمع(1)

فهنا الشاعر یصرح عن عقیدته التی تتمثل فی فلسفة الانتظار والصبر علی الأعداء والظلمة حتی یأذن الله له بالظهور والانتقام من ظالمی أهل بیته وشیعته وإحقاق العدل الإلهی بشکل واضح وصریح.

وقال الشاعر محسن أبو الحب فی مقدمة عقائدیة له: (من البسیط)

یا صاحب الکرة الغراء أرقبها النصر یقدمها والبشر یعقبها

تقرّ منّا عیوناً طالما قذیت وأنفساً طال فی الدنیا تغرّبها

هذی رعایاک والبلوی تمزّقها کالذئب للنعجة الأدمی یؤنبها(2)

فهنا الشاعر یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویقول له إننی منتظر دولة الحق وأترقبها بفارغ الصبر رغم أن العیون قد قذیت والنفوس، قد تغربت فی هذه الدنیا ومزقت رعایاک البلوی، وکأنهم کالنعاج فی حوزة الذئاب تتناولها متی شاءت، وبهذا فإن الشاعر یرمز للظلمة وحکام الجور ویشبههم بالذئاب المفترسة

ص:90


1- (1) دیوان شکر: 46.
2- (2) دیوان أبو الحب: 56.

وأنهم یمثلون دولة الباطل وظلمها.

وأما الشاعر حیدر الحلی فقد قال: (من مجزوء الکامل المرفل)

الله یا حامی الشّریعة أتقرّ وهی کذا مروعه

بک تستغیث وقلبها لک عن جوی یشکو صدوعه

تدعو وجرد الخیل مصْ - - غیة لدعوتها سمیعه

وتکاد ألسنة السیو - ف تجیب دعوتها سریعه

فصدورها ضاقت بس - - رِّ الموت فأذن أن تذیعه(1)

والشاعر فی النص المتقدم توجه إلی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف مستغیثاً به لإنقاذ الشریعة التی أضحت مستساغاً لأفواه الظالمین، ومعاتباً إیاه لما وصلت إلیه من ضعف أرکانها وانکسار قوامها نتیجة تسلط الظالمین وجهلهم بها، وإن استقامتها تتوقف علیه؛ لأنه هو الوحید الذی یستطیع إصلاحها وإعادتها إلی الأصل التی جاءت به علی ید رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

التخلص
اشارة

وهو مرحلة انتقال من جزء أتم إلی جزء آخر شرع به، فهو حلقة الوصل بین الجزأین فی بناء القصیدة المکتملة، وتختلف قدرات الشعراء تبعاً لقدرتهم الفنیة والإبداعیة فی نوع التخلص، وقد أکد النقاد القدامی أهمیة هذا الجزء من القصیدة واهتموا به اهتماماً کبیراً ویری ابن الأثیر أن التخلص هو «أن یأخذ مؤلف الکلام فی معنی من المعانی، فبینا هو فیه إذ أخذ فی معنی آخر غیره،

ص:91


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 88/1.

وجعل الأول سبباً إلیه، فیکون بعضه آخذاً برقاب بعض، من غیر أن یقطع کلامه ویستأنف کلاماً آخر، بل یکون جمیع کلامه کأنما أفرغ إفراغاً»(1). وأما الدکتور یوسف فیقول هی «الدقة فی الخروج من جزء إلی جزء خروجاً یشعر بالتحام الأجزاء وتماسکها»(2). ویتبین للباحث من خلال عملیة الاستقصاء لظاهرة التخلص إن هناک نوعین لجأ إلیهما الشعراء فی قصائدهم الاستنهاضیة هما:

1. التخلص بالأداة

ویقصد به توظیف أداة من الأدوات للربط والتخلص من المقدمة إلی الدخول فی موضوع الشاعر الأصلی، ومن هذه الأدوات (هلم، عسی، متی، لعل) ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب إذ یقول: (من البسیط)

الله فی عصبة أودی بها تلف ولیس إلا بکم یمنی تعصّبها

هی الصوارم لو وافی مجرّدها وهی الضیاغم لو وافی مؤلّبها

متی أراک جنود الله تقدمها ورایة العدل فی الآفاق تنصبها(3)

إذ تخلص الشاعر هنا بالأداة (متی) للانتقال من المقدمة إلی غرضه الأساس وقد أفلح الشاعر فی انتقالته المدحیة لأهل البیت علیهم السلام وبخاصة مع الإمام الحسین وأصحابه (علیهم السلام) فی المقاومة والاستبسال فی الدفاع عن الحق

ص:92


1- (1) ابن الاثیر، (ضیاء الدین 637 ه -): المثل السائر فی ادب الکاتب والشاعر، قدم له وحققه وعلق علیه الدکتور احمد الحوقی، الدکتور بدوی طبانة، مکتبة نهضة مصر، ط 1، 1960 م: 121/3.
2- (2) بکار، (د. یوسف حسین): بناء القصیدة فی النقد العربی القدیم (فی ضوء النقد الحدیث)، دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، ط 2، 1983 م: 221.
3- (3) دیوان أبو الحب: 56.

إلی مدح قوة الإمام وقیادته لجیش الحق من أجل نشر رایة العدل وقد وفق فی ذلک. ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

إلام لنا فی کلِّ یوم شکایةٌ تعج بها الأصوات بحا من الندبِ

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا من الضیم والاعداء آمنة السُّربِ

ونیت وعهدی أنّ عزمک لا ینی ولکنما قد یربضُ اللیث للوثبِ (1)

فهنا الشاعر قد تخلص بالأداة (هلم) للانتقال إلی غرضه الأساسی، وهو ان الانتظار لا یعنی التهاون أو قبول الأمر وإنما یعنی الصبر والوثبة للقیام بالأمر وهذا من صفات اللیث عند الافتراس. ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

فأصبح یلهیه عن اللهو همه ویشغل شانیه الدموع لشانه

دَعَاهُ وما یلقی من الضر والجوی اذا لم تکونا ویکما تنفعانه

لعل ابن خیر المرسلین یغیثه فینقذه من کربه وامتحانه(2)

والشاعر هنا قد انتقل من مقدمته الی غرضه بالأداة (لعل) وهی تستعمل للترجی الممکن وقد مزج من خلالها بین المقدمة التی هی تحمله للأذی، بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الذی هو منقذ هذه الأمة لیغیثه من کربه.

2. التخلص من دون أداة

وهو علی النقیض من المقصد الأول فلا یعمد الشاعر الی الأداة للتخلص بها وإنما ینتقل من المقدمة الی الغرض من دون ان یشعر المتلقی بذلک الا اذا کان حاذقاً وفطناً وهذا یکمن فی براعة الشاعر وقدرته الفنیة.

ص:93


1- (1) دیوان الأعسم: 53.
2- (2) دیوان الکواز: 112.

ومن نماذج هذه الانتقالة قول الشاعر محمد مال الله: (من الطویل)

وحتامَ فرعون الزمان یسومُنا بکل زمان منه مُغلقة الرُّتَجْ؟

یحاول محو الحقِّ فی کل ساعة أما أنت موساه الذی یُصلحُ العوج؟

فأغرقه فی بحر العذاب معجِّلاً علیه فقد ذابت من الفرقة المهجْ (1)

ویری القارئ أن الشاعر قد انتقل فی البیت الثالث الی غرضه من دون ان یشعر بهذا الانتقال وهذا ما یدل علی قدرة الشاعر ومسکه لأدواته الشعریة. وقول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

یا لیت شعری هل لنا وسیلةٌ الیک تجلو ما بنا من کدر

ام هل نری ذاک الهلال لائحاً علی سریر دولة أو منبر

إئذَنْ له اللهم بالفتح علی أعداک وانصرنا به وانتصر(2)

وهنا استعمل الشاعر طریقة الحوار بشکل فنی للإتیان بغرضه والخروج به من المقدمة الی الغرض الأساس فی البیت الثالث.

3. الخاتمة

لقد اهتم النقاد العرب ب - (خواتیم القصائد) وعدوها المحطة الأخیرة للشاعر بعد سفره البنائی لهیکل القصیدة، "وإذا کان أول الشعر مفتاحاً له وجب ان تکون الخاتمة قفلاً علیه"(3) ، ومن أجل تحقیق قصیدة فنیة متکاملة ینبغی ان یأتی العمل الشعری مکتمل الأجزاء وذلک بجعل الخاتمة توحی للمتلقی بانتهاء القصیدة،

ص:94


1- (1) دیوان مال الله. 106-107.
2- (2) دیوان الأعسم: 57.
3- (3) العمدة: 381/1.

" وینبغی أیضاً علی الشاعر أن یُعنی بها؛ لأنها ختام الکلام وآخر ما یبقی فی الآذان "(1)" لذا نجد النقاد قد رکزوا علی هذا المفصل، وذهب جمع منهم الی ان الخاتمة ینبغی ان تکون بمعان سارة فی ما قصد به التهانی فی المدیح، وبمعان حزینة فی ما قصد به التعازی والرثاء"(2).

ومن خلال هذه الجولة السریعة فی آراء النقاد بقی لنا ان نقول: إن قصائد الاستنهاض تکونت خواتیمها من موضوعات عدة منها الشفاعة والدعاء، والسلام، والتوسل بالأئمة لما لهم من منزلة عظیمة عند الله، بل إن صوت الشاعر کان یظهر فی هذه الخواتیم اکثر منه فی القصیدة ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم فی خاتمة له: (من الوافر)

أیا ابن العسکری دعاء شاکٍ الیک نوائب الدهر الخؤون

فإنی منه فی داء دفین وفیک شفاءُ ذا الداء الدفین

علیکم یا بنی الهادی صلاتی وتسلیمی لکم فی کل حین(3)

فهنا الشاعر ختم قصیدته بالتوسل بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف لیخلصه من مصائب الدهر ونوائبه ثم ختمها بالتوسل والصلاة والسلام علیهم أجمعین لما لهم من منزلة عند الله سبحانه وتعالی. ومنه قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الوافر).

فخذ بیدی فقد ثقلت ذنوبی علیّ فلم أُطق منها القیاما

ص:95


1- (1) القرطاجنی، (ابو الحسن حازم بن ابی عبد الله ت 684 ه -): منهاج البلغاء وسراج الادباء، تحقیق محمد الحبیب بن خوجه، المطبعة الرسمیة، تونس، 1966 م: 285.
2- (2) م. ن: 306.
3- (3) دیوان الأعسم: 27.

وکن لی ملجأ من کلّ خطب وکن لی من ید البلوی عصاما

وکن بی راضیاً فی الحشر عبداً فإنیّ قد رضیتک لی إماما

وبلّغک المهیمن کلَّ یوم صلاتی والتحیة والسلاما(1)

وهنا الشاعر یطلب من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الشفاعة والنجاة یوم القیامة والخلاص من ذنوبه وان یقبله الإمام یوم الحشر عبداً کما اتّخذه الشاعر له إماما فی هذه الدنیا ویختمها بالصلاة والتحیة والسلام علیه ومنه قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

إلیک من ابن کمون أقل بکراً تتیه علی الملاحِ

عملت کبائراً وأتیت فیها لتضمن محوها فأری نجاحی

أتوب الی إله الخلق منها کما قد تاب حُرُّ بنی ریاحِ (2)

الوری

فهنا الشاعر بعد ان طلب الشفاعة من الإمام اعترف بأنه قد اقترف الذنوب الکثیرة فلم یر منها نجاة سوی التوبة منها فطلب من الإمام بمنزلته عند الله ان یهدیه الباری - عز وجل - ویوفقه للتوبة کما وفق (الحر الریاحیّ) وقال الشاعر محمد مال الله الفلفل: (من مجزوء الکامل المرفل)

سخرت بنا الاعدا فلا حامٍ یحوط ولا مُراقب

هذاک یجذب جانباً منا وذاک له یجاذِب

فانهض فلیس سواک صا - حب أمرنا فی الناس صاحب

ص:96


1- (1) دیوان أبو الحب: 140.
2- (2) دیوان کمونة: 41

وعلیکم الصلوات ما نجحت بذکرکمْ المطالب(1)

فالشاعر فی هذه القطعة الشعریة یطلب من الإمام الظهور؛ لأن الناس لیس ها منقذ غیره، وهو الذی سوف یصلح أمر هذه الأمة ثم یختمها بالصلوات ونجاح المطالب وتحقیق الامانی والفوز بالنجاة.

ومما نلاحظه أیضاً فی خواتیم القصائد الاستنهاضیة، أن الشعراء جعلوا من شعرهم (فی رثاء أهل البیت ومدحهم) هدیة یقدمونها لهم کی ینالوا الشفاعة والأجر والمثوبة، "وهذا النهج نجده عند الشریف الرضی فی طفیاته التی رثی بها الإمام الحسین (علیه السلام)، والشریف الرضی هو زعیم لمدرسة الشعراء الشیعة ولا عجب ان یتبعه الشعراء من المتأخرین" (2) فضلاً عن ان "أهل البیت کانوا یشجعون الشعراء علی النظم فی هذا الغرض، ووعدوا من قال فیهم بیتاً من الشعر بیتاً فی الجنة"(3).

ثانیاً: القصائد الاستنهاضیة الخالیة من المقدمات

هی نوع من البناء الشعری للقصیدة؛ اذ یتجرد فیه الشاعر من ضابط المقدمة وملمح التخلص، لیواجه موضوعه من غیر تقدیم ولا توطئة سابقة،" ومن الشعراء من لا یجعل لکلامه بسطاً من النسیب بل یهجم علی ما یریده مکافحة ویتناوله مصافحة..."(4).

ص:97


1- (1) دیوان مال الله: 78-84.
2- (2) الطفیات المقولة والإجراء: 116.
3- (3) م. ن: 116.
4- (4) العمدة: 372/1.

وقد جاءت کثیر من قصائد الاستنهاض خالیة من المقدمات، وفی ظنی ان هذا التجرد جاء لأسباب منها الجو الذی یفرضه الموضوع (الاستنهاض) والحالة الاجتماعیة التی کان یعیشها الشعراء آنذاک، ولاسیما انهم کانوا صادقین فی تجربتهم وأُمناء فی نقل إحساساتهم الی المتلقی، لذلک قد ثقلت علیهم المقدمة وطالت المسافة للدخول الی الموضوع مباشرة وهذا نوع من انواع الصدق العقائدی والعاطفی بین الشاعر والمتلقی والإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ومن القصائد التی جاءت خالیة من المقدمات قول الشاعر کاظم الاسدی: (من الطویل)

أیا ربنا أذَنْ بالظهور لغائب یقوم وبالتنزیل یقضی ویحکمُ

یقومُ علی اسم اللّهِ بالحق صادعاً وبالسیف لا یخشی ولا یتلعثم(1)

فهنا نلمس عدم وجود التصریع وغیاب المقدمة والدخول فی الموضوع مباشرة من لدن الشاعر مثلما تضمن فی هذا المطلع معانی واسعة من القضاء والحکم والحق والعدل وهذا یدل علی مدی اشتیاق الشاعر الی هذه القیم وأنه یعیش تحت وطأة الظلم وغیاب الحق والمعاناة مما انعکس علی نفسه وذاته فی طلب هذه القیم، طالباً من الله - عز وجل - بتعجیل ظهور الإمام الذی سوف یقوم بنشر هذه القیم واقامة الحق والعدل، وهذا یدل علی أن الشاعر لم یکن له الوقت الکافی لیأتی بالمقدمة مما حدا به الدخول إلی موضوعه مباشرة.

ومنه أیضاً قول الشاعر صالح الکواز: (من الرجز)

ص:98


1- (1) الخاقانی (علی): شعراء الغری، مطبعة بهمن، ایران، 1408 م: 494.

یا مدرکَ الثارِ البدارَ البدار شُنَّ علی حرب عداکَ المغارْ

وأت بها شعواء مرهوبة تُعقدُ لیلاً فوقها من غبارْ(1)

فهنا تضمن مطلع القصیدة أحاسیس الشاعر للاقتصاص من الظلمة وأخذ الثأر لأهله وکل من ظلم علی مدی الزمان وأن لا تأخذه فیهم رحمة أو رأفة وقد استعمل الشاعر اسلوب النداء واسلوب التکرار لتوکید الأمر الذی یطلبه منه، شاحنا بذلک مطلع قصیدته بالحماس والقوة والاستنهاض معوضاً بذلک عن عدم إتیانه بالمقدمة. ومنه قول الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

أدرک تراتک أیها الموتورُ فلکم بکل یدٍ دمٌ مهدورُ

عَذبَتَ دماؤکم لشارب علِّها وصَفتْ فلا رنقٌ ولا تکدیرُ

ولسانها بک یا بنُ أحمد هاتفٌ أفهکذا تُغضی وأنت غیورُ(2)

فهنا الشاعر استعمل أسلوب تغییر الضمائر وما یطلق علیه ب - (الالتفات)، وذلک من المفرد (تراتک) إلی الجمع (دمائکم) لاستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف مستغلاً بذلک حرکیتها فی النص وشدة وقعها فی النفوس، إلی جانب توکید مطلعه بأسلوب الاستفهام القریب من مشاعر المتلقی مع استنفار ما فی داخله معوضاً بذلک عن مقدمة القصیدة.

ص:99


1- (1) أروع ما قیل فی محمد وأهل بیت: 646.
2- (2) دیوان الحلی جعفر: 255.

ص:100

الفصل الثانی: الاتجاهات العامة لقصیدة الاستنهاض

اشارة

ص:101

ص:102

أولاً: الاتجاهات العامة

توطئة
اشارة

لقد أسس شعراء الشیعة تقالید شعریة خاصة بهم ازدهرت علی منابر الشعر العامة وفی المجالس الخاصة وفی باحات مساجد النجف وکان «الکثیر منها یقام فی الاحتفالات الموسمیة والمناسبات الدینیة التی تقام فی ذکری استشهاد الإمام الحسین علیه السلام»(1). ویقول محی الدین إسماعیل «إن الشعر فی العراق یکاد یکون طریقة الحیاة وهو أخطر تعبیر عن الشخصیة العراقیة»(2). وکان الشعراء فی تلک الأیام علی اتصال قوی بالحیاة العامة فقد کان شعر هؤلاء مکرساً لخدمة الروح الجماعیة ویبدو «أن العنصر الشیعی قد لعب دوراً فی استمرار إنتاج شعری یتمیز بالجزالة فی العراق»(3). وکانت منطقة الفرات الأوسط وبالخصوص فی مدینة النجف الأشرف هی المرکز الثقافی الشیعی الرئیس، وأحد أهم مراکز الثقافة العربیة الإسلامیة، وفیها عدد من المخطوطات النادرة والمتمتعة بمنزلة ثقافیة عظیمة.

ص:103


1- (1) ملامح من الشعر العراقی الحدیث، مجلة الآداب، السنه 3، العدد 50:1.
2- (2) م. ن: 57.
3- (3) م. ن: 50.

ولذا کان من الطبیعی أن تتضمن قصائد استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف سمات کثیرة من الموروث الشعری «فنهضات الأمم عودة إلی ینابیع ثقافتها، ومکونات ذاتها»(1). وفی الوقت نفسه کانت تمثل صورة لواقع اجتماعی وسیاسی، کان بمنزلة الحاضنة الفکریة للشعراء.

وبما أن الأدب فی کل عصر یعد خیر وسیلة لانعکاس عقائد الأمة وعاداتها «فإن الأدب الشیعی یصدق علیه هذا القول أکثر من غیره؛ لما فیه من أثر العقیدة والمذهب»(2).

ولیس من المستبعد أن یشعر القارئ لقصائد الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عند شعراء الحقبة ومنهم (محسن أبو الحب، وعبد الحسین الأعسم، وجواد بدقت، وحیدر الحلی... وغیرهم) وکأنه یقرأ قصائد الشریف المرتضی أو الکمیت الأسدی أو دعبل الخزاعی، فربما تشابهت الأفکار والأخیلة والأسالیب علی الرغم من اختلاف الظروف وهذا ناتج عن «أن لشعراء الشیعة مدرسة خاصة بهم تمیزت عن باقی المدارس الأخری بالنفس العربی الخالص»(3). فلا غرابة بعد ذلک من وجود «هذه التقاربات الموضوعیة والفنیة بین شعرائها»(4). وبما أن العراق فی القرن الثامن عشر والتاسع عشر المیلادی «کان معزولاً عن الاتصالات الدائمة

ص:104


1- (1) شراد، (د. شلتاغ عبود): تطور الشعر العربی الحدیث، الاردن، ط 1 (دار مجدلاوی 1998 م): 19.
2- (2) ملکی، (رقیة رستم بدر): رثاء اهل البیت فی العصر الاموی، دار الهادی، بیروت، 2004 م: 201.
3- (3) مراثی الإمام الحسین (رسالة ماجستیر): 26.
4- (4) السامرائی، (د. ابراهیم): لغة الشعر بین جیلین، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، ط 2، 1980 م: 25.

مع العالم الخارجی، وکان البلد العربی الأقل تأثراً بالغرب، لکن تراثاً حیّاً من الشعر بقی ماثلاً هناک وهذا من الأسباب التی جعلت الشعر العراقی ذا قوة وتفوق فی القرن العشرین»(1). وکان أغلب الشعر العراقی «فی بدایة القرن التاسع عشر المیلادی یقوم علی أساس الموضوع السیاسی الثوری ویشکل هذا النوع من الشعر أرقی مثال فی العربیة الحدیثة فی الشعر»(2) الذی تجدد بتأثیر العوامل الخارجیة سیاسیة کانت أم اجتماعیة، وکان الدور الکبیر فی الحفاظ علی الشعر العراقی یعود إلی المراکز الإسلامیة الموجودة فی بغداد والموصل والبصرة والحلة وکربلاء والنجف.

وعلینا ألاّ ننسی أن الأدب ومنه الشعر «عند شعراء الشیعة کان أقوی وسیلة دعائیة ودفاعیة استطاعوا بها أن یعلنوا آراءهم فی مختلف الموضوعات واحتجاجاتهم فی وجه الظلم والطغیان»(3).

وقد لمعت طائفة کبیرة من الشعراء فی حقبة الدراسة نالوا شهرة طائلة ومنزلة سامیة «منهم السید جعفر الحلی، والشیخ صالح الکواز، والشیخ عباس البغدادی، والسید حیدر الحلی، والشاعر محمد علی کمونة، والشاعر عبد الحسین الأعسم، والشاعر جواد بدقت وغیرهم من أعلام الشعراء فی هذه الحقبة»(4).

ص:105


1- (1) الجیوسی، (د. سلمی الخضراء): الاتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث، ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة مرکز دراسات الوحدة العربیة، ط 1، 2001 م: 47.
2- (2) م. ن: 49.
3- (3) ینظر رثاء أهل البیت فی العصر الأموی: 201.
4- (4) ینظر ملامح من الشعر العراقی الحدیث: 11.

وقد لعب العامل الدینی دوراً مهماً فی الشعر العراقی إبان ذلک الزمن ولا سیما أن مأساة الإمام الحسین علیه السلام هی من أشهر حوادث التأریخ الإسلامی التی فجرت قرائح کثیر من الشعراء وأمدتهم بالفیض الغزیر من الشعر الحسینی، قال الدکتور یوسف عز الدین «وقد کان للعامل الدینی تأثیراً فی نفوس بعض الشعراء الذین تشربت نفوسهم العاطفة الصادقة والأحاسیس المخلصة للحسین وآله»(1).

ولهذ نجد بأن العامل الدینی کان له الدور الأکبر فی بناء ثقافة الناس فضلاً عن تثقیفهم فی الجانب العقائدی الذی تمیز آنذاک فی العراق. وهذا ما یدل علی أن الشعر العراقی فی هذه الحقبة لم یکن شعراً نخبویاً بعیداً عن الواقع الذی یعیشه الناس، وذلک بسبب التزام الشعراء بقضایا دینهم وعدم التفکیر بالمردود المالی الذی یعود إلیهم بل جمعهم حب أهل البیت وولاؤهم بالإبداع، ومن جانب آخر فإن کثیراً من هذا الشعر کان یحفظ من لدن العامة ویردد بینهم.

الاتجاه التقلیدی

ویقصد بالتقلید عند النقاد ومنهم ابن قتیبة (ت - 276 ه -) الذی استطاع أن یضع شکلاً فنیا للقصیدة من حیث البناء وهو «تقسیمها علی ثلاثة أقسام هی: (الابتداء والتخلص والخاتمة) وعد هذا منهجاً تقلیدیاً لدی الشعراء»(2).

ویمکن القول «إن سمات التقلید قد شکلت اتجاهاً واضحاً فی قصائد

ص:106


1- (1) عز الدین، (یوسف): الشعر العراقی، أهدافه وخصائصه فی القرن التاسع عشر، مطبعة الزهراء بغداد، 1958 م: 11.
2- (2) الشعر والشعراء: 31.

الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی حقبة الدراسة ولا ضیر فی أن نطلق علیه تسمیة الاتجاه التقلیدی (الکلاسیکی) ولاسیما أن الشعر العراقی قد عرف هذا الاتجاه خلال هذه الحقبة ممثلاً بطائفة کبیرة من الشعراء»(1).

وقد اقتصر الاستنهاض عند هؤلاء الشعراء علی غایاته فی طلب الثأر، وذلک بعد أن استعرض الشاعر مأساة أهل البیت علیهم السلام والحوادث التی مرت بهم ولاسیما واقعة کربلاء؛ إذ یصف الشاعر فیها ما جری من قتل ورفع للرؤوس فوق الرماح وضربها بالأحجار وسبی النسوة وضرب ثنایا الحسین علیه السلام من لدن یزید ثم یستنهض الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف لطلب الثأر من هؤلاء القوم ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب إذ قال: (من البسیط)

مولای کل رزایانا وإن عظمت أدنی رزایاکم فی الدهر أصعبها

نفسی فداء جسوم بالعرا نبذت أیدی السلاهب فی الرمضاء تقلبها

وأرؤس کبدور التم ترفعها علی الرماح وبالأحجار تضربها

ونسوة بعد هتک الستر مؤسرة العلج یسلبها والله یحجبها

تلک الثنایا التی طه ترشّفها بالخیزران یزید صار یضربها

ذا بعض ما نالکم فانهض فداک أبی کل الرزایا بکم ینجاب غیهبها(2)

وکذلک قول الشاعر عبد الحسین شکر إذ یقول: (من الکامل)

حتام هذا الصبر یا بن الأنزع عجل فغیرک مالنا من مفزع

وإلام سیفک صادیاً ألغیره قد قیل للدنیا أطیعی واسمعی

ص:107


1- (1) ینظر تطور الشعر العربی الحدیث فی العراق: 91.
2- (2) دیوان أبو الحب: 57.

إن لم یجل ببرقة دیجورها لا أشرقت شمس الضحی فی مطلع

ماذا القعود وقد أطلت منکم هدراً دماء ضیاغم لم تضرع

لله حملک کم تغض علی القذی جفناً وتجرع أکؤساً لم تجرع

لله صبرک کم تطیق تحملاً وعداک منک بمنظر وبمسمع

فانهض مثیراً نقعها بمهند یدهی الأثیر صواعقاً فی زعزع(1)

وهذا الإنموذج من شعر الاستنهاض التقلیدی، تبدو فیه اللغة الحماسیة واضحة للمطالبة بأخذ الثأر والتحریض علیه، وطلب الانتقام من الأعداء والظلمة، أما صوت الشاعر فلم یعد له وجود فیها وهذه اللغة الخطابیة والحماسة العالیة قد تفسر بما کان یعانیه الشعراء آنذاک من ظروف اجتماعیة وسیاسیة انعکست علی رؤاهم للأشیاء وتأثرهم بها.

وأیضاً قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

فقم واملأ الدنیا فداؤک أهلها بعدل تقیل الشاء فیه مع الذئب

وأضف علینا برد عطفک سائساً أمور جمیع الخلق بالعزل والنصب

ودم قاضیاً حق العلا بعزائم تهب هبوب الریح فی الشرق والغرب

لاحت فأرضت من یوالیک وانثنت بسخط علی من لا یوالیک منصب(2)

فهنا الشاعر یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأخذ الثأر من أعدائهم کما یطلب منه إقامة العدل ونشره فی أرجاء البریة حتی یفرح به من یوالیه ویکون سخطاً علی من یعادیه.

ص:108


1- (1) دیوان شکر: 46.
2- (2) دیوان الأعسم: 56.

ومنه أیضاً قول الشاعر حیدر الحلی: (من مجزوء الکامل المرفل)

ماذا یهیجک إن صبر - ت لوقعة الطفّ الفظیعه

أتری تجیء فجیعة بأمضّ من تلک الفجیعه؟

حیث الحسین علی الثری خیل العدی طحنت ضلوعه

قتلته آل أمیّة ضامٍ إلی جنب الشریعه(1)

فالشاعر هنا قد وظف اللغة الحماسیة لاستنهاض الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف مذکراً إیاه بما جری علی جده الحسین علیه السلام من ظلم وقتل وظمإٍ وهو بقرب الماء، ومن السمات الظاهرة فی شعر الاستنهاض فی هذا الاتجاه، عدم ذکر مشکلات المجتمع والخوض فیها، والاکتفاء بذکر مأساة أهل البیت علیهم السلام بدءاً بالإمام علی والزهراء والإمام الحسن علیهم السلام، وبالخصوص ما جری فی واقعة الطف علی الإمام الحسین علیه السلام وأهله وأصحابه، وهذا مقترن بقناعات الشعراء الذین یعدون أنفسهم «صوت الحق للدفاع عن هذه العقیدة بوجه الظلم والطغیان»(2).

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

متی تشتفی منک القلوب بسطوة تدیر علی أعداک أرحیة الحرب

عدیً ترکتْ فی المرتضی نصُّ أحمدٍ علیه إلی شوری مسنّدة الخشبِ

بها اغتصبوه إمرة سلّموا بها علیه وحیاه بها دحیة الکلبی

وجارت علی الزهراءِ خصم تراثها من المصطفی بعد الإهانة والضرب

ص:109


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.
2- (2) ینظر رثاء أهل البیت فی العصر الأموی: 202.

وجرَّعت السبطین بعد أبیهما کوؤس شجا أفصحن عن کامن النصب

إلی أن أذاقت عمک الحسن الردی بخدع سقاه ناقع السمِّ فی الشرب

وجاشت لتأبی دفنه عند جدّه تثیر علی أشیاعه وهج الحرب

وأظمت علی الماء الحسین وأوردت دماء وریدیه سیوف بنی حرب

وغصّت إلی قرب النواویس کربلا بأشلاء قتلاکم موسدة الترب

فکم قطعت منها النسور وصائلاً ملأن بها أکراش أجوفة سغب(1)

فهنا الشاعر یذکّر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بما جری علی جده وأمه الزهراء وأهل بیته من ظلم وعدوان وسلب حقهم الذی فرضه الله لهم.

وما فعله المنافقون والظلمة لأجل مصالحهم الشخصیة أو إمارة یحضون بها، ثم یستنهضه لإعادة الحق إلی مجراه الصحیح والانتقام من هؤلاء الظلمة والمنافقین. ومنه أیضاً قول الشاعر جعفر الحلی إذ یقول: (من الکامل)

أنت الولیُّ لمن بظلمٍ قتِّلوا وعلی العدی سلطانک المنصورُ

ولو انک استأصلت کلَّ قبیلةٍ قتلاً فلا سرفٌ ولا تبذیرُ

خذهم فسنَّةُ جدِّکم ما بینهم منسیِّةٌ وکتابکم مهجورُ(2)

حیث خص الشاعر هنا مسؤولیة أخذ الثأر من الأعداء، بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنه ولیُّ کل من قتلَ ظلماً وعدوانا وبالخصوص أهل البیت علیهم السلام لأن الظلمة لم تراعِ فیهم حرمة أو سنة.

ص:110


1- (1) دیوان الأعسم: 53-54.
2- (2) الحلی، (السید جعفر): سحر بابل وسجع البلابل دیوانه، ط 2، تحقیق الشیخ محمد الحسین آل کاشف الغطاء دار الاضواء، بیروت، 1408 ه -- 1988 م: 255-259.

ونجد التقلید أیضاً فی الألفاظ والتراکیب والأسالیب فقد نجد ألفاظاً غریبة مستمدة من معجم الشاعر القدیم، ربما احتیج فی تفسیرها إلی معجم لغوی، وأما الأسالیب فقد کانت هذه القصائد الاستنهاضیة غالباً ما تبدأ بالأمر أو النصح أو قد تتردد بین أسلوب التحسر واللهفة ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم وقد جمع فی مقدمته بین التحسر واللهفة إذ یقول: (من الرمل)

إن یضیق الیوم بی رحب الفضا فغداً یجری بما أهوی القضا

قرب الوعد الذی أرقبه وانتهی التسویف فیه وانقضی

تتراءی لی سیوف طالما أغمدت قد أوشکت أن تنتضی

إلی أن یقول:

ما صغت للعذل عنها أذنی صرح العاذل لی أم عرّضا

ما یفید العذل فی مثلی فکم عاذل أغری وناهٍ حرّضا

لا أرانی الله أسلو من له موثقاً فی عنقی لن ینقضا

سرنا الله بلقیاه فکم قد لقینا من نواه مضضا

وقد استعمل الشاعر بعض الألفاظ التی تحتاج إلی بیان معانیها مثل (عرضا: امتنع) (حرضا: کلّ وأعیا، أشرف علی الهلاک) إلی أن یقول:

عودة یقضی بها عما مضی لا تغرّن العدی جلسة من

قربت نهضته أو نهضا إنها ربضة ضرغام شری

حیثما هم بوثب ربضا(1)

وهنا ختم الشاعر قصیدته بالنصح والإرشاد وأن الظهور قادم لا محالة منه.

ص:111


1- (1) دیوان الأعسم: 137-138.

وکذلک قول الشاعر حسن علی قفطان إذ یقول: (من الطویل)

أمولای یا بن العسکریِّ إلی متی علی الدین من أعداک أسمال أطمارِ

أعزّاء فینا نرتضیهم وإننا أذلّاء فیهم تلک قسمة إجبار

وعوا حرَّنا رقّاً لهم فمتی نری علیهم سمات الذّلِّ رقاً لأحرارِ

ونهشمهم حتی کأنّ هشیمهم غثاءٌ بمحذیِّ السنابک مغوار(1)

إذ استعمل الشاعر أیضاً هنا بعض الألفاظ الصعبة التی تحتاج إلی مراجعة معجم لغوی ومنها (أسمال: نبات له أغصان کثیرة ینمو علی الماء الراکد)(2) و (غثاء بمحذی: ما جاء به السیل من نبات یابس)(3) وقد ظهر من خلال لغة الشاعر فی أبیاته أثر التحسر والفجیعة من المصائب التی تمر علیهم کما مرت علی أهل البیت سابقاً.

التجدیدی

وفی مقابل الاتجاه التقلیدی، کان هناک اتجاه آخر فی شعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف یسیر إلی جانب الاتجاه الأول عند شعراء الحقبة، أو یتداخل معه أحیاناً فی بعض الخصوصیات، یمکن أن نطلق علیه (الاتجاه التجدیدی) وهذا الاتجاه قد ظهر نتیجة الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة التی کانت سائدة آنذاک، ولا یمکن أن ننسی «الدور البارز للمؤسسات الدینیة فی النجف وکربلاء والحلة فی الاستمرار بالنهضة ولا سیما

ص:112


1- (1) شعراء الغری: 178-180
2- (2) العین: 27.
3- (3) م. ن: 706.

إحیاء ذکری عاشوراء والاحتفالات بالمناسبات الدینیة التی کانت تقام آنذاک»(1) وقد کان الشعراء فی تلک الأیام «علی اتصال قوی بالحیاة العامة، فقد کان شعرهم مکرساً لخدمة الروح الجماعیة»(2).

ومنه قول الشاعر حیدر الحلی: (من الکامل)

یا بن الإمام (العسکری) ومن ربُّ السماء لدینه انتجبه(3)

أفهکذا تغضی وأنت تری نار (الوباء) تشب ملتهبه(4)

لا تنطفی إلا بغادیة من لطفکم، تنهل منسکبه

أیضیق عنّا جاهکم؟ ولقد وسع الوجود وکنتم سببه

الغوث! أدرکنا! فلا أحد أبداً سواک یغیث من ندبه

غضب الإله، وأنت رحمته یا رحمة الله اسبقی غضبه(5)

فهنا الشعر یندب الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویطلب منه أن یرفع عن الناس البلاء (الذی أصابهم من انتشار الوباء) بجاهه ومنزلته عند الله سبحانه وتعالی، ویعد هذا من التجدید فی موضوع قصیدة الاستنهاض حیث کان الشاعر یستنهض الإمام للاقتصاص من الظلمة والآن یستنهضه لرفع البلاء عن الناس.

وأما الشاعر صالح الکواز فهو یرثی الشهداء الذین قتلوا فی وقعة نجیب باشا فی کربلاء ویتذمر من الحکم الترکی فی ذلک العهد 1258 ه - ویندب الإمام

ص:113


1- (1) ینظر: ملامح من الشعر العراقی الحدیث: 50-51.
2- (2) م. ن: 52.
3- (3) وفی روایة أخری یذکرها محقق الدیوان (بنوره) بدل (لدینه).
4- (4) یشیر إلی الوباء الذی غمر العراق سنة 1298 ه -.
5- (5) دیوان الحلی حیدر: 31.

الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویحکی له بما رأی فی هذه الواقعة من ظلم وانتهاک للحرمات إذ قال: (من الطویل)

أحلماً ودین الله أوشک یتلف وصبراً وداعی الشک یدعو ویهتف

وحتی متی سیف الإله معلّل بضرب طلا أعدائه ومسوّف

هو السیف ما لم یألف الغمد نصله وما السیف سیف وهو للغمد یألف

کتائب ینطحن الخمیس کباشها ولا روق إلا ذابل ومثقف

أبا القاسم المهدی لا عزّ أو تری لک الکتب تتلی والکتائب تزحف

إلیک ولی الله بثّ شکایة تهد لها الأطواد والأرض تخسف

أترضی وأنت المستجار بأننا بأیدی العدا من أرضنا نتخطف

ومن یکشف الغماء عن متلهف أضر بأحشاه إلیک التلهف(1)

فهنا الشاعر یشکو من ظلم الاحتلال وما یقوم به من قتل الشعب (صاحب الأرض) ویسومه العذاب وینهب ثرواته ولا حیلة إلی هذا الشعب سوی طلب الغوث والنصرة من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الذی بیده مقالید الأمور ورعایته للناس ویعد هذا تجدیداً فی موضوع شعر الاستنهاض الذی حوله الشاعر إلی استنهاضٍ سیاسی ووطنیّ. وهذا الشاعر عبد الحسین شکر یستغیث بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویطلب منه التعجیل بالظهور لإنقاذ المظلومین والمحرومین ویقسم علیه بآبائه وأمه الزهراء بالظهور لأجل إحقاق الحق وإقامة الدولة الإلهیة دولة الإسلام والمسلمین، وهذا یدل علی مدی تدهور الحالة السیاسیة والاجتماعیة

ص:114


1- (1) الحلی، (الشیخ صالح الکواز): دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی، ط 1، جمعه وشرحه محمد علی الیعقوبی منشورات المطبعة الحیدریة، النجف الاشرف، 1410 م: 81-82.

لدی المجتمع مما انعکس علی رؤی الشاعر وأحاسیسه إذ قال: (من الطویل)

أیا ابن الهدی عجل إلینا فإننا سقینا الردی من ظلم أعدائکم جهرا

أغثنا رعاک الله إنک لم تزل غیاثاً لنا یا خیر من وطأ الغبرا

تحنن علینا وأرفع الجور فالهدی شتات ووجه العدل أصبح مغبرا

أتهضمنا الأعدا وأنت إمامنا وطوعک ما فی هذه الدار والأخری(1)

ومما نلاحظه من التجدید الذی طرأ علی قصیدة الاستنهاض فی حقبة الدراسة ان القصائد تخلو من المقدمات کما أنها تحولت من غرض طلب الثأر إلی التعبیر عن الواقع السیاسی والاجتماعی المتردی وحمایة الدین والشریعة والدفاع عنهما کما قام الشاعر باستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی مطلع القصیدة ومن ثم یقوم الشاعر بمدحه وتذکیره بما جری علی أهل بیته من ظلم وعدوان، وهذا التجدید لم یکن موجوداً سابقاً فی شعر الاستنهاض ولکنه ظهر فی حقبة الدراسة عند شعراء الحقبة ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم إذ قال: (من الرجز)

حتّامَ الانتظار یا بن العسکری عجل فدتک النفس من منتظر

تصرم العمر ولی أمنیة أرقبها قبل انقضاء العمر

طالت علی قلبی همومی فمتی تکشفها بالفرج المختصر(2)

فهنا الشاعر یقوم بانتداب الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف واستنهاضه ثم یقوم بعد ذلک بمدح الإمام وبیان فضل دولته علی العالم.

ص:115


1- (1) دیوان شکر: 32.
2- (2) دیوان الأعسم: 57.

وأما الشاعر عبد الحسین شکر فإنه یقوم باستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی مطلع قصیدته ثم یذکره بما جری علی جده الحسین علیه السلام ویرثیه ویطلب منه الانتقام من ظالمیه إذ قال: (من الکامل)

حتّام هذا الصبر یا بن الأنزع عجل فغیرک مالنا من مفزع

وإلام سیفک صادیاً ألغیره قد قیل للدنیا أطیعی وأسمعی؟

إلی أن یصل بقصیدته إلی رثاء جده الإمام الحسین علیه السلام إذ یقول:

هدرت دماک بنو الطلیق وهتکت حجب الجلالة من حماک الأمنع

فتکت بقارعة الطفوف ذئابها بمدجّج لنزار أو بمقنع(1)

وأما الشاعر محسن أبو الحب فهو یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ثم یذکره بما جری علی أهل بیته وشیعته من ظلم الزمان وحکام الجور إذ قال: (من الطویل)

متی تدرک الثأر الذی أنت طالبه متی تملک الأمر الذی أنت صاحبه

لقد ملأ الدنیا سناک ولم یلح لعینی یوماً من جبینک ثاقبه

أفی کل یوم فاجر وابن فاجر یحکم فینا بادیات معایبه

إلی أن یصل الشاعر بقصیدته إلی رثاء جده الإمام علی علیه السلام وما جری علیه ثم رثاء الإمام الحسین علیه السلام وما جری علیه من مصائب عدة یوم عاشوراء إذ قال:

أصابوا علیاً بابن ملجم وابنه بجعدة والسمّ الذی هو شاربه

ص:116


1- (1) دیوان شکر: 46.

ودع عنک ما نال الحسین فإنّه أجل وأعلی أن تعدّ مصایبه

وماذا الذی أنسی وما أنا ذاکر وهذا بأعلی العرش یزعق نادبه(1)

وأیضا قول الشاعر السید حیدر الحلی: (من مجزوء الکامل المرفل)

الله یا حامی الشریعة أتقر وهی کذا مروعه؟

بک تستغیث وقلبها لک عن جوی یشکو صدوعه

تدعو وجرد الخیل مص - - غیة لدعوتها سمیعه

فهنا الشاعر یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف من أجل حمایة الدین والشریعة بعد أن عبث بها أصحاب المصالح وطلاب الدنیا حتی بلغ الأمر بهذه الشریعة أن تنعی الأصول فروعها وذلک بسبب تحریفها عن منهجها الصحیح إذ قال:

کم ذا القعود ودینکم هدمت قواعده الرفیعه

تنعی الفروع أصوله وأصوله تنعی فروعه

ثم یستمر بقصیدته لیذکر الإمام بما جری علی جده الحسین علیه السلام فی واقعة الطف إذ قال:

ماذا یهیجک إن صبر - ت لوقعة الطفّ الفظیعه

أتری تجیء فجیعة بأمض من تلک الفجیعه؟

حیث الحسین علی الثری خیل العدی طحنت ضلوعه

قتلته آل أمیة ظامٍ إلی جنب الشریعه(2)

ص:117


1- (1) دیوان أبو الحب: 52.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.

ثم یستمر الشاعر فی رثاء أهل بیت النبوة ویذکر الإمام بما جری علیهم من ظلم أعدائهم وفی ختام قصیدته یطلب من الإمام الشفاعة وراحة نفسه یوم القیامة.

ولعل أهم ما یمیز شعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أن أغلب هذا الشعر هو شعر منبری سواء أکان تقلیدیّاً أم تجدیدیّاً، والشعر المنبری «هو ذلک النوع من الشعر الذی یکتب بقصد إلقائه علی المنابر ویوجه لجمهور واسع من الناس، ویکون ملتزماً بقضایا معینة، ویتطلب من الشاعر إمکانات ممیزة فی الإلقاء والإقناع»(1).

وفی وقت کانت تنعدم فیه وسائل التعلیم والإعلام فی المجتمع العراقی خلال تلک الحقبة، کان المنبر الحسینی، الوسیلة الوحیدة والمهمة والمثمرة فی تثقیف الناس بأمور الدین والدنیا، وقد حافظ هذا المنبر علی دوره أیضاً فی إحیاء الذکری الحسینیة والإرشاد، فضلاً عن دور الحوزات العلمیة فی ذلک الوقت وإلی یومنا هذا.

لذا کان للشعر الحسینی صدی جماهیری واسع حینما یلقی علی المنابر لتصویره الجوانب المؤثرة لواقعة الطف وما جری فیها من مآسٍ علی أهل البیت علیهم السلام ولیس هذا فقط فإن شعر الاستنهاض ولید شعر رثاء الإمام الحسین علیه السلام ولیس مبالغة أن نقول إن تاریخ الأدب العربی لم یشهد علی مر العصور تلاحماً شدیداً وانسجاماً عاطفیاً بین الشاعر والمتلقی مثلما یحصل فی شعر مراثی الإمام الحسین علیه السلام واستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:118


1- (1) الاتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث: 631.

وذلک لما یحتویه هذا الشعر من إثارة للعواطف والأحاسیس بل یتحول فی کثیر من الأحیان إلی خطب حماسیة تطالب بسیادة الحق والانتقام من الظلمة فی کل زمان ومهما اختلفت هویاتهم، وهذا ما یصوره لنا الشاعر عبد الحسین الأعسم إذ قال: (من الطویل)

نری یدک ابتلت بقائمة العضب فحتّام حتّام انتظارک بالضرب

أطلت النوی فاستأمنت مکرک العدی وطالت علینا فیک ألسنة النصب

إلام لنا فی کلِّ یوم شکایة تعج بها الأصوات بحا من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا من الضیم والأعداء آمنة السّرب

ونیت وعهدی أن عزمک لا ینی ولکنما قد یربض اللیث للوثب

فدیناک أدرکنا فإن قلوبنا تلظی إلی سلسال منهلک العذب(1)

وحتی تصل إلی نهایة قصیدته الاستنهاضیة بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف والراثیة للإمام الحسین علیه السلام تری أن المتلقی لا یستطیع أن یمسک نفسه حیال هذه الکلمات والأبیات مما یدفعه إلی أن یثور ضد الباطل والظلم مهما کانت هویته واتجاهه.

بقی أن نشیر إلی ما یتطلبه الشعر المنبری من أمور أهمها:

1. أن یکون هناک جمهور مستمع یتفاعل مع هذه القصائد.

2. أن یلقی بطریقة خاصة ومؤثرة من خلال توظیف إمکانات الصوت والانفعال.

ص:119


1- (1) دیوان الأعسم: 53.

3. أن یکون الجمهور مهیّأً لتقبل الآراء والاتجاهات الفکریة التی تتضمنها القصیدة.

4. أن تکون هذه الآراء والأفکار والمعانی التی تتضمنها القصیدة بمستوی الجمهور فی أغلب الأحیان وهذا ما یتطلب من الشاعر أن یکون خطیباً أو أشبه بالخطیب(1). وهذا ما یدل علی أن شعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لم یکن شعراً نخبویاً بل کان شعراً جماهیریاً بعیداً عن المصالح الخاصة.

ص:120


1- (1) ینظر الاتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث: 633-638.

ثانیاً: المحاور الموضوعیة لشعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

تعددت موضوعات الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الحقبة موضوع الدراسة، بقدر تعدد الأغراض الشعریة للشعراء والحالة التی کانوا یعیشونها ویعانون منها آنذاک فما من حدث کبیر أو صغیر إلا وکان مادة فنیة صالحة لخلق الصور المعبرة، والمجسدة لواقع الحال فی تلک الحقبة، لذا فلیس من المبالغ القول إن شعر الاستنهاض کان سجلاً مؤرخاً وحافلاً بالصور المجسدة لمعاناة الشعب آنذاک ومعاناة الشعراء من واقعهم المعاش.

ومن الملاحظ أن تلک الموضوعات - علی کثرتها - کانت تتضمن محاور أساسیة بارزة وهی:

1. الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

2. آل البیت علیهم السلام.

3. أخذ الثأر.

4. دولة الإمام.

وسوف نستعرض هذه المحاور بالتفصیل وکیف وظفها الشعراء فی شعرهم الاستنهاضی.

ص:121

المحور الأول: الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

إن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بصفته تاریخاً وعقیدةً ورمزاً فإنه المقصود بالمدح والاستنهاض عند الشعراء لکونه یمثل رمز العدالة وقائد دولة الحق التی أراده -- ا الله - سبحانه وتعالی - لهذه الأمة لذلک تناول الشعراء الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف من جوانب ثلاثة:

الجانب الأول: مدح الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف

لقد تناول الشعراء هذا الجانب فی أغلب قصائدهم ولم یقتصروا علیه فقط بل تداخل هذا الجانب مع بقیة الجوانب الأخری فی شعر الاستنهاض وهذا یعنی أن الشعراء قد تناولوا بعض الجوانب أو جمیع الجوانب فی قصیدة واحدة ومن ذلک قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

إمام القائم المهدی شمس ال - معالی بدر دائرة الصلاح

هو القطب الذی دارت علیه به أفلاک أفق الافتتاح

وبحر تستمد السحب منه وتستجدیه أمواج السماح

متی یأتی فنسعف فی زمان نبیت به بأفئدة صحاح(1)

فهنا الشاعر قد قام بمدح الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف وبین فضله علی الدنیا بأجمعها حیث وصفه بأنه قطب هذه الدنیا ومحور حرکتها، کما وصفه بالبحر الزاخر الذی یمد السحب بمائها ثم بعد ذلک قام باستنهاضه.

وکذلک الشاعر جواد بدقت یمدح الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وبعد ذلک

ص:122


1- (1) دیوان کمونة: 38.

یقوم باستغاثته وکشف الضر عنه إذ قال: (من مجزوء الرمل)

سیدی جودک عم الخل - ق من جن وناس

سیدی ما فی البرایا من یصافی ویواسی

سیدی ما فی البرایا من یحابی ویماسی

سیدی لجّ المنادی سیدی لجّ المقاسی

سیدی یا کاشف الکرب علی عظم المراسی

سیدی فی الدین والدنیا رجائی بک راسی

سیدی لا غوث إلا ک ولا کشاف باسی(1)

وأیضاً قول الشاعر محسن أبو الحب یمدح الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویبین نسبه وإن الله سبحانه وتعالی ادخره إلی الیوم الموعود: (من الطویل)

أبوک رسول الله أکرم من مشی علی الأرض حتی الأنبیاء ولا فخرُ

وأنت ابنه واللیث أول لاحق به شبله والبحر منتوجه الدرُ

أما وعد الرحمن أنک قائم إذا قیل. ضاق البر بالظلم والبحرُ(2)

ومن الملاحظ من خلال مدح الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف من لدن الشعراء معرفتهم الیقینیة بمنزلة الإمام وظهوره فی آخر الزمان.

الجانب الثانی: تعجیل الظهور والتحریض علیه

لقد ابتغی الشعراء فی جمیع قصائدهم الاستنهاضیة موضوع استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ولکنهم لم یجعلوه غرضاً مستقلاً بعیداً عن بیان رمز عدالة

ص:123


1- (1) دیوان بدقت: 89.
2- (2) دیوان أبو الحب: 83.

الإمام ودولته أو بعیداً عن مدحه وبیان أولویته لقیادة العالم الإسلامی لدولة الحق والعدل الکبری وقد بین هذا المعنی الشاعر محسن أبو الحب إذ قال: (من الطویل)

متی تدرک الثأر الذی أنت طالبه متی تملک الأمر الذی أنت صاحبه

لقد ملأ الدنیا سناک ولم یلح لعینی یوماً من جبینک ثاقبه

أفی کل یومٍ فاجرٌ وابن فاجرٍ یحکم فینا بادیات معایبه

تروح بک الدنیا وتغدو منیرة ویملکها من لیس تخفی مثالبه

وسیفک مسنون وجأشک ثابت وسیبک لا ینفکّ تهمی سحائبه

مضی ومضی جیل وجیل ولم نفز برؤیاک یامن لا تملّ مواهبه(1)

لقد استنهض الشاعر هنا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وذلک من أجل استملاک أمر هذه الدنیا لأخذ الثأر وإحقاق الحق ونصرة المظلومین الذین اشتاقوا لرؤیة طلعته البهیة.

وهذا الشاعر عبد الحسین شکر یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لنصرة الدین وتقویم قواعد الشریعة وأخذ الثأر من الظلمة وحکام الجور ثم یذکره بأنه هو قدرة الله ویده الضاربة لنشر الحق والعدل إذ قال: (من البسیط)

حتی م سیدنا تبقی العباد سدی فصارم الصید من فرط الصدود صدا

قم کی تری عرصات الدین قد طمست بالجور والجبت والطاغوت قد عبدا

زلزل بعزمک أرجاء البسیط ابن عزماً إذا ما وعاه یذبل سجدا

ألست من فیه أبدی الله قدرته للخلق واختاره دون الأنام یدا

حاشاک حاشاک أن تغضی وقد ترکت بالطف أرجاس حرب شملکم بددا

ص:124


1- (1) دیوان أبو الحب: 53.

جرد حسامک لاستنفاذ وترکم فغیره لا نری کفؤاً له أحدا

یا غیرة الله حتی م التجرع من جند الضلال الردی فالصبر قد نفدا(1)

وأما الشاعر عبد الحسین الأعسم فهو یستنهض الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف إذ قال: (من الطویل)

ألم یأن أن تستنهض العزم قائما علی الثأر تستوفیه بالصاع أصوعا

وتغسل عن أشیاعک العار عاطفاً علیها بمرأی أربع النصب بلقعا

فحتی متی نغضی الجفون علی القذی ونلوی لأعدانا الرقاب تخضعا(2)

فهنا الشاعر یطلب من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أن ینهض ویقیم دولة الحق، وذلک من أجل رفع الظلم عن شیعته ومحبیه ومنتظریه، وأنهم قد ملوا من الخضوع للظلمة وتحمل جورهم وهذا مما یدل علی عمق معاناة الشاعر مما یقاسیه من ظلم وضیاع للحق.

الجانب الثالث: کونه عجل الله تعالی فرجه الشریف رمزاً للعدالة

بعد أن صرحت الدیانات السابقة والدین الإسلامی الحنیف بفکرة الإصلاح العالمی. وبشرت بالیوم الموعود، والنصر المحتوم علی أنصار الأرض من لدن أنصار السماء، وتحقیق دولة الإسلام الکبری والعدالة المطلقة التی نشدها الأنبیاء والمصلحون علی مرّ العصور، فإن صاحب هذه الدولة وقائدها ورمز عدالتها الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف کما قال «الإمام الصادق علیه السلام عندما سأله أحد أصحابه: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال لا. قال: من هو؟ قال: الذی یملأها عدلاً

ص:125


1- (1) دیوان شکر: 25.
2- (2) دیوان الأعسم: 147.

کما ملئت ظلماً وجوراً علی فترة من الأئمة»(1).

وقد تناول الشعراء هذا المعنی فی أشعارهم؛ إذ ذکروا أن صاحب الأمر والحجّة المنتظر هو قائد دولة الإسلام الکبری ورمز العدالة المطلقة ومنهم الشاعر عبد الحسین شکر، إذ قال: (من البسیط)

زلزل بعزمک أرجاء البسیط ابن عزماً إذا ما وعاه یذبل سجدا

ألست من فیه أبدی الله قدرته للخلق واختاره دون الأنام یدا(2)

فهنا الشاعر قد جعل قدرة الله فی الخلق ویده التی اختارها فی هذا الکون لإقامة العدل والحق للإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وأیضاً قول الشاعر محسن أبو الحب وهو یخاطب الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف فی قصیدة له ویسأله عن جیشه وقدومه لنشر رایة العدل فی الآفاق وإعمار دیار الحق والرشد وتخریب دیار الشر والغی فی نصه: (من البسیط)

متی أراک جنود الله تقدمها ورایة العدل فی الآفاق تنصبها

والله ما أنا راضٍ أو أراک علی ورهاء تجنبها طوراً وترکبها

من ذا سواک دیار الرشد یعمرها ومن سواک دیار الغی یخربها(3)

وکذلک قول الشاعر محمد علی کمونه: (من الوافر)

یؤم الخضر موکبه فیدعو کعمار هلموا للرواح

ص:126


1- (1) الثمالی، (ابو حمزة): تفسیر القرآن العظیم، تجمیع عبد الرزاق محمد حسین حرز الدین، دفتر نشر الهادی قم، ط 1، 1420 ه -: 82.
2- (2) دیوان شکر: 25.
3- (3) دیوان أبو الحب: 56.

وبین یدیه روح الله عیسی ینادی الناس حی علی الفلاح

فتحیا الأرض بعد الموت حتی تمیس هویً وتبسم عن إقاح

ویملأ رحبها قسطاً وعدلاً ویمحو ظلمة الجور المتاح(1)

فهنا الشاعر بین أن قائد دولة الحق ورمز عدالتها یخرج معه الخضر علیه السلام کما یخرج معه نبی الله عیسی علیه السلام وینصره، وهذا من أروع مصادیق اشتراک الأدیان فی عقیدة المنقذ ورمز عدالتها، ثم یقوم بإحیاء الأرض بعد موتها ونشر القسط والعدل فی أرجاء الأرض.

المحور الثانی: آل البیت علیهم السلام

إن أغلب قصائد استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف قد احتوت أبیاتها علی معانی الندبة لأهل البیت علیهم السلام وبیان مظلومیتهم من قتل وسمٍّ وتشرید وغصب للحقوق، بل إن واقعة الطف قد أخذت حیزاً واضحاً من قصائد الاستنهاض؛ إذ یقوم الشعراء بذکر مأساة الإمام الحسین علیه السلام وما جری فی واقعة الطف وتذکیر الإمام بها واستنهاضه لأخذ الثأر من أعدائهم وقتلتهم، وذلک بسبب ما أظهروه من وحشیة وتفنن فی قتل الإمام الحسین وأولاده وأصحابه علیهم السلام، ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم فی قصیدة استنهاضیة یصف فیها الحسین علیه السلام وما جری علیه إذ قال: (من الطویل)

بنفسی مقلوباً علی السرج بعدما أذاق العدی کأس المنیة مترعا

بنفسی مسلوب العمامة والردی کسته الدّما والنقع بردی وبرقعا

ص:127


1- (1) دیوان کمونة: 39.

بنفسی مقطوع الوریدین بعدما تجرع من حر الظّما ما تجرعا

بنفسی رفیع الرأس یشرق وجهه علی رأس رمح صار للبدر مطلعا

ثم یصف حال السبایا من النساء والأطفال بعد سلب مخیم الحسین علیه السلام إذ قال:

بنفسی مهتوک الخباء تصارخت کرائمه من هجمة الخیل جزعا

خرجن من الفسطاط طالبةً له فألفینه فی القفر شلواً مبضّعا

وجاشت علیها القوم بالسلب فاغتدی لها بعد سلب البرقع الصوت برقعا

سبایا علی الأقتاب تستاقها العدا إلی الشام یصدعن القلوب توجعا(1)

وأما الشاعر السید حیدر الحلی فیستنهض الإمام ویذکره بما جری علی جده الإمام الحسین علیه السلام فی واقعة الطف وما جری علی رضیعه، إذ ذبح من الورید إلی الورید وسقی بدل الماء الدم؛ إذ قال: (من مجزوء الکامل المرفل)

ماذا یهیجک إن صبر ت لوقعة الطف الفظیعه

أتری تجیء فجیعة بأمضَّ من تلک الفجیعه

حیث الحسین علی الثری خیل العدی طحنت ضلوعه

قتلته آل أمیة ظامٍ إلی جنب الشریعه

ورضیعه بدم الورید مخضّب فاطلب رضیعه(2)

ولعل سبب أخذ واقعة الطف الحیز الکبیر من قصائد الاستنهاض هو حب الشعراء لعقیدتهم التی یمثل الإمام الحسین علیه السلام فیها جوهر هذه العقیدة

ص:128


1- (1) دیوان الأعسم: 146.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 9/1.

وقطب بقائها، والسبب الثانی هو ما جری من ظلم ووحشیة فی هذه الواقعة لم یشهد التاریخ مثلها علی الأرض.

وأما الشاعر عبد الحسین شکر فیذکر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بما جری علی جده الحسین علیه السلام فی واقعة الطف من رضٍّ للأضلاع وسبیٍ للنساء ورکوبها علی النوق الهزل وهی تنعی أحبتها وأعزاءها إذ یقول: (من الکامل)

قوموا فقد فتکت جیاد أمیة بجناجنٍ لابن النبی واضلع

قوموا فإن نساءکم قد سیرت نحو الشآم علی هزال ضلع

تنعی أعزتها بأیة أکبد وتسح کالعقیان أیة أدمع(1)

أما بیان مظلومیة الإمام علی والزهراء والإمام الحسن وباقی الأئمة علیهم السلام فقد أخذت حیزاً لیس بالقلیل من قصائد استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف؛ وذلک بسبب الظلم الذی جری علیهم من إقصاء للإمام علی علیه السلام عن منزلته التی وضعه الله ورسوله فیها «فی آیة التبلیغ وحدیث الغدیر»(2) ، وکذلک مظلومیة الزهراء علیها السلام «من غصبها حقوقها فی فدک وکسر ضلعها وإسقاط جنینها وحرق باب دارها»(3) ، وکذلک ظلامة الإمام الحسن علیه السلام وسمه من لدن زوجه إلی آخر ظلامات أهل البیت علیهم السلام.

ص:129


1- (1) دیوان شکر: 48.
2- (2) ینظر: الامینی، (عبد الحسین أحمد): الغدیر، تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، مؤسسة دار معارف الفقه الإسلامی، بیروت، ط 3,2005 م.
3- (3) ینظر: القزوینی، (السید محمد کاظم): فاطمة من المهد الی اللحد، مؤسسة النور، بیروت، 1991 م.

وأما سبب ذکر الشعراء لهذه المظلومیات فلأن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف یمثل رمز العدالة الإلهیة، والحاکم فی إنصاف المظلومین والاقتصاص من الظلمة، لذلک یقوم الشعراء باستنهاضه وذکر المظلومیات لکی یقوم بالقصاص من الظلمة والمعتدین. وهذا ما یبینه الشاعر محسن أبو الحب إذ قال: (من الطویل)

أعزیک بالزهراء أمّک وابنها فذا ابنها ساری الوجود وساربه

وجدّک مسحوباً بمحمل سیفه کما سحب المأسور بالعنف ساحبه

وداعیة خلّوا ابن عمی وما لها سوی الله مدعوّ هناک تخاطبه

ووالله إنّ القوم ما کان همّهم سوی أن دین الله تعفی مراقبه

أصابوا علیاً بابن ملجم وابنه بجعدة والسمّ الذی هو شاربه(1)

فهنا الشاعر قد قام بإظهار المظلومیات وذلک للاقتصاص من الظلمة وأخذ الحق لآل البیت علیهم السلام.

المحور الثالث: أخذ الثأر

لقد أکد الشعراء فی شعرهم الاستنهاضی مسألة أخذ الثأر من الظلمة وإحقاق الحق وبالخصوص الانتقام من الذین ظلموا أهل البیت علیهم السلام وقتلوهم وشردوهم وتجاوزوا علی حقوقهم التی فرضها الله لهم حیث لا نجد قصیدة من قصائد الاستنهاض إلا وطلب الشاعر فیها من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أخذ الثأر من الظلمة المعتدین علی حقوق أهل البیت، وهذا مما یعبر عن الحالة النفسیة التی کان الشعراء یعانون منها آنذاک، وانتشار الظلم وغیاب الحق وهو متنفس للشاعر

ص:130


1- (1) دیوان أبو الحب: 54.

والمتلقی ومنه قول الشاعر کاظم الأسدی إذ قال: (من الطویل)

وصارم حقٍّ من ذؤابة هاشم یفلق هامات الأعادی ویهشم

ویا هل یُرینی الله أسیاف هاشم تحزُّ به آناف حرب وتصلم

وأن سیوف الطالبیین أغمدت بهام بنی العباس من ظلّ منهم

أخافوا ولیَّ الأمر دهراً وقبله أذاقوا الردی آباءه وتقدموا(1)

فهنا الشاعر جعل من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف سیفاً صارماً ینتقم من الأعداء والظلمة وینشر الحق ویأخذ الثأر.

والشاعر محمد علی کمونة یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأخذ الثأر ویذکره بالذی جری علی أهله من ظلمٍ وبالخصوص ما جری فی واقعة الطف إذ قال: (من الوافر)

ألا فانهض فما هذا التوانی أما لک من مقامک من براح

فقد عاثت بکم أیدی الأعادی وثار الجور بالجیش الرداح(2)

ونری کذلک الشاعر عبد الحسین الأعسم فی قصیدة له یستنهض فیها الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف طالباً منه أخذ ثأر جده أمیر المؤمنین علیه السلام إذ قال: (من الطویل)

متی تشتفی منک القلوب بسطوة تدیر علی أعداک أرحیة الحرب

عدیً ترکتْ فی المرتضی نصّ أحمد علیه إلی شوری مسندّة الخشب

ص:131


1- (1) الخاقانی، (علی): الکوکب الدری من شعراء الغری، أو الشعر النجفی المصفی فی مدح بیت آل المصطفی (علیه السلام) اعتنی به وهذبه محسن عقیل، دار المحجة البیضاء، بیروت، ط 1، 2001 م: 494.
2- (2) دیوان کمونة: 38-41.

بها اغتصبوه إمرة سلّموا بها علیه وحیّاه بها (دحیة الکلبی)(1)

ونری الشاعر إبراهیم الطباطبائی یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویذکره بجده الحسین علیه السلام وما جری فی واقعة الطف من رضّ الأضلاع وقطع الرؤوس وحملها علی الرماح ولم یسلم من ظلمهم حتی الطفل الرضیع ویطلب منه أخذ الثأر إذ قال: (من الطویل)

عهدتک یا بن العسکریّ ترجُّها عراباً علی أبناء ناکثة العهد

إلام ولمّا تستفزّک عزمة تجشّمُ فیها الحزن وخداً علی وخد

وکم ذا وقلب الدین صادٍ غلیله تلثمُ عرنینَ المهنّدِ بالصدِّ

تناسیتم بالطفِّ جسم زعیمکم جدیلاً علیه الخیل ضابحة تردی

ورأساً علی الرمح الردینیِّ مشرقاً تضیء به الآفاق منعفر الخدّ

قضت بحدود السیف صحب تفرّست بعضِّ الثری من دونه صهوة المجد(2)

والشاعر حسن علی قفطان یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأخذ الثأر ویرجو طلعته ویذکره بما جری علی عمه الحسن علیه السلام من رمی نعشه بالسهام إذ قال: (من الطویل)

متی أمتطی نهد الجزارة فارهاً بدولة سلطان الوری مدرک الثأر

إلی أن یقول:

وعمّک سموه وشکّوا بنعشه نبالاً ولم یرضوا له قرب أقبار(3)

ص:132


1- (1) دیوان الأعسم: 53.
2- (2) الموسوعة الشعریة: 167/1.
3- (3) الکوکب الدری: 178-180.
المحور الرابع: دولة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف

لقد اهتم الشعراء فی قصائد الاستنهاض بذکر دولة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وما فیها من عدل ورخاء وغیاب للظلم وانتشار الحق حتی یصل الأمر فی دولته المبارکة إلی أن الذئب یرعی مع الشاة ولا یعتدی علیها، وهذه الدولة الإلهیة الحقة هی ما یتمناها کل إنسان سلیم الفطرة مؤمنٍس بالأخلاق الکریمة بعیداً عن الظلم والعدوان وهذا المعنی ذکره شعراء الاستنهاض بأقوالهم ومنها قول الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

تعود به الدنیا شباباً نعیمها لها زهو أزهارٍ ویانع أثمار

ویملؤها بالعدل من بعد جورها ویکلؤها من موبقاتٍ وأخطار

ویخطب أقطار البلاد بنائلٍ لها من نداه لا بوابل أمطار

ویحنی علینا دولة الدین غضّةً تضیء بأنوارٍ وتزهو بأنوار(1)

وکذلک قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

دخول أبیک البیت أول مرة ستدخله أخری وإن زعم الکفر

لکی ترفع البیت الذی شاد قبل ذا أبوک بناه ثم هدمه الغدر

هناک یحلّ الدین أرفع ذروة یروم ولم یبلغ مطاراً لها النسر(2)

فالشاعر یمثل دخول الرسول (صلی الله علیه وآله) إلی البیت الحرام بظهور دولة الإمام علی ید ولده الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی نفسه لکی یرفع الدین فی هذا البیت ویهدم الغدر والجور والظلم.

ص:133


1- (1) الموسوعة الشعریة: 220/2.
2- (2) دیوان أبو الحب: 82.

ص:134

الفصل الثالث: الوظائف والأداء لقصیدة الاستنهاض

اشارة

ص:135

ص:136

قصائد الاستنهاض - الوظائف والأداء -

توطئة

اشارة

ینطلق الباحث فی هذا الفصل والفصول الأخری أیضاً من أن الأدب عامة, والشعر خاصة لابد ان یکون له هدف سیاسی أو اجتماعی أو أخلاقی أو نفسی مستنداً بذلک إلی أمرین:

الأول: مبدأ الالتزام فی الأدب الذی یقابل مبدأ «الفن للفن»(1) ومعناه لیس الحصول علی مغانم دنیویة أو مکاسب آنیة.

والآخر: استقراء دولة الحق وانتظار تحققها من خلال قصائد الاستنهاض فی الحقبة موضوع الدراسة، إذ حاول الشعراء توظیف الحقائق والمعاناة التی کان یعیشها الناس فی تلک الحقبة للمطالبة بنشر الحق وإحقاق العدالة الاجتماعیة ونبذ الظلم والعدوان والفرقة والتطلع إلی مستقبل زاهر یتساوی فیه الناس جمیعاً، ولعل هذا لا یمکن حصوله إلا فی دولة الإمام الحجة عج الله تعالی فرجه الشریف؛ لأنها تمثل دولة العدالة الإلهیة المطلقة وهی الحجة علی الخلق أمام الله سبحانه وتعالی، وهکذا

ص:137


1- (1) أبو حاقة (د. احمد): الالتزام فی الشعر العربی، دار العلم للملایین، بیروت، ط 1، 1979 م: 12.

نجد ان الشاعر «یهدف إلی خلق عالم أفضل من العالم الذی نعیش فیه»(1) وهذا المنحی فی التوظیف الشعری «یعکس اهتمام الشعراء بالقضایا الإنسانیة التی أکدتها الآداب العالمیة وأفرزتها المتغیرات التاریخیة»(2) کما أن الشعر الشیعی لا یعبر عن الشعور والعواطف فقط، إنما یعبر عن الفکر أیضاً، فهم یصدرون فی شعرهم عن العقل والعاطفة معاً ینقلون الفکرة بحماسةٍ مؤمنین بها مدافعین عنها، وشعرهم لذلک یجری ضمن نظام فکری واضح یقرر حق الهاشمیین علیهم السلام ویحتج لهذا الحق(3) ، فظهر ذلک واضحاً فی الموضوعات الشعریة ولاسیما منها الاجتماعیة والسیاسیة والعقائدیة بل وصل ذلک حتی إلی استعمال المفردات الخاصة والمعبرة عن تلک الأفکار، الأمر الذی دفع بالشعراء إلی ان تکون قصائدهم الاستنهاضیة معبرة عن رسالة إنسانیة سیاسیة واجتماعیة ونفسیة فضلاً عن ما تضمنته هذه القصائد من قیم دینیة وأخلاقیة وتربویة، وعلی هذا الأساس سنقوم بتقسیم الفصل علی ثلاث وظائف هی:

1. الوظیفة السیاسیة.

2. الوظیفة الروحیة والعقدیة.

3. الوظیفة الاجتماعیة والتاریخیة.

ص:138


1- (1) البغدادی، (أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زیاد ت 337 ه -): نقد الشعر، تحقیق د. محمد عبد المنعم الخفاجی، دار الکتب العلمیة، بیروت، د. ت: 40.
2- (2) سلوم، (د. داود): تطور الفکرة والأسلوب فی الأدب العراقی الحدیث فی القرنین التاسع عشر والعشرین، مطبعة المعارف، بغداد، 1959 م: 77.
3- (3) أدونیس، (أدونیس): الثابت والمتحول (الأصول)، بیروت، ط 8، 2002 م: 314/1.
1. الوظیفة السیاسیة

تمیز الشعر العراقی فی القرن الثامن عشر والتاسع عشر المیلادیین باهتمامه الکبیر بالقضایا السیاسیة ومشاکلها «فقد کانت العوامل السیاسیة عاملا ً مهماً فی نهضة الأدب العراقی، بخلاف الأدب فی الأقطار العربیة الأخری إذ کانت العوامل الثقافیة هی الفاعل الأساسی فی نهضتها الأدبیة»(1).

«والشعر السیاسی لیس مجرد مدیح انما هو نضال عن الحکم وعن نظریة معینة فیه، وهو دفاع من جهة وهجوم من جهة اخری، دفاع عن نظریة، تعتنقها جماعة من الجماعات او فرقة من الفرق، وهجوم علی خصومها ومن یقفون فی الصفوف المعارضة لها»(2).

ویبدو ان تنامی الوعی السیاسی فی العراق جعل الشاعر العراقی یعیش فی قلب الاحداث، وینغمس فیها ویتأثر بمعاناتها حتی ترکت الأثر الواضح فی نفسه وشعره، «فالأدیب یتأثر فی الحیاة الخارجیة السائدة فی بیئته القائمة فی مجتمعه، وهو یستمد أدبه من حیاة هذا المجتمع»(3) لذلک نجد أن الشعراء فی هذه الحقبة «قد اشتهروا فی الدفاع عن قضایا الأمة حتی وصل ذلک الی اختیار الألفاظ وانتقاء العبارات والابتعاد عن المبالغات کالمطالبة بالاستقلال، والحریة وعلاقة المواطن بالسلطة»(4).

ص:139


1- (1) ینظر الحلی، (د. عبود جودی): الأدب العربی فی کربلاء، منشورات مکتبة اهل البیت، کربلاء، ط 1، 2005 م: 56.
2- (2) فاخوری (حنا): الفخر والحماسة: دار المعارف، القاهرة، ط 2، د. ت: 38.
3- (3) مندور، (محمد): الأدب وفنونه، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة 43:1974.
4- (4) ینظر علوان، (د. علی عباس): تطور الشعر العربی الحدیث فی العراق (اتجاهات الرؤیا وجمالات النسیج) منشورات وزارة الثقافة والاعلام، الجمهوریة العراقیة، 1975 م: 111-112.

وهذا ما یؤکد دور الشعر فی الدفاع عن حقوق الناس وهمومهم وهو السلاح الفعال لمقارعة الظلم ونشر الحق والوصول الی تحقیق دولة الاسلام الکبری والعدالة المطلقة التی نشدها الأنبیاء والمصلحون علی مرِّ العصور، ومن المعلوم أن هذا لایتحقق الا بعد أن یقوم الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ومن تبعه من الأنصار بحملة تطهیر الارض من فلول الشرک وأنصار الرذیلة عن طریق الحروب والفتوحات حتی یتم السیطرة علی مقالید الأمور فی شرق الارض وغربها، عندها تنعم المجتمعات بالأمن والأمان.

«وقد اتسم شعر الشیعة بالصدق الانفعالی الذی یفسح للشاعر مجالات رحبة لذاته فی القصیدة، فیبدو شریکاً فیها، بحیث یستطیع أن یجمع بین ذاته والممدوح فی القصیدة»(1).

وهذا الشاعر عبد الحسین الأعسم یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویسأله إلی متی الانتظار والخروج إلی مقارعة الظلم والقضاء علی الأعداء ونشر الحق إذ قال: (من الطویل)

نری یدک ابتلت بقائمة العضب فحتام حتام انتظارک بالضرب

أطلت النوی فاستأمنت مکرَکَ العدی وطالت علینا فیک السنَةُ النصب

إلامَ لنا فی کلّ یوم شکایةٌ تعجُّ بها الاصوات بحّاً من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعةُ الفضا من الضیم والاعداء آمنة السُّرب(2)

ص:140


1- (1) خلیف، (د. می یوسف): قضیة الالتزام فی الشعر الاموی، دار الثقافة للنشر والتوزیع، القاهرة 1989 م: 138.
2- (2) دیوان الأعسم: 53.

ان هذه اللغة فی الخطاب الشعری العراقی تشیر بوضوح تام الی وعی الشاعر بواقعه وخطورة مرحلته وتؤشر الی میلاد قضایا أدبیة جدیدة فرضت نفسها علی الواقع الادبی، فاذا کان الشعراء العراقیون فی القرن التاسع عشر «لم یجددوا فی شیء ولم یخرجوا عن نطاق الشعر القدیم»(1) فیما یتعلق بموضوعات الشعر، فان الشعراء الذین جاءوا بعدهم کان همهم الشاغل الاحداث التی تعصف ببلدهم.

وهذا الشیخ صالح الکواز یرثی الشهداء الذین قتلوا فی وقعة نجیب باشا فی کربلاء ویتذمر من الحکم الترکی فی ذلک العهد (1258 ه -)(2) ویندب الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف اذ قال: (من الطویل)

أحلماً ودین الله أوشک یتلف وصبراً وداعی الشرک یدعو ویهتف

وحتی متی سیف الإله مُعَلل بضرب طلا اعدائه ومسوَّف

هو السیف مالم یألف الغمد نصله وما السیف سیف وهو للغمد یألف

اما آن أن تحیی الهدی بعد موته بیوم یمیت الشمس نقعاً ویکسف

کتائب ینطحن الخمیس کباشها ولا روق الا ذابل ومثقف(3)

إذ نلاحظ فی ابیاته لغة القوة وطلب الثأر من الذین قتلوا الناس فی کربلاء وأباحوا المدینة وارتکبوا کثیراً من الموبقات والجرائم وهذه لغة المعارضة الصریحة والشجاعة ضد الحکم الطاغی الذی لا یمثل رغبات المجتمع الذی یتطلع الی العدل والحق والمساواة، ولعل الشاعر قد تأثر بالشاعر دعبل الخزاعی

ص:141


1- (1) الوائلی، (د. ابراهیم): الشعر السیاسی العراقی فی القرن التاسع عشر، مطبعة المعارف، بغداد، ط 2، 1978 م: 18.
2- (2) ینظر هامش دیوان الکواز: 80.
3- (3) دیوان الکواز: 81.

لقوته ومعارضته الصریحة للحکم آنذاک.

وهذا الشاعر محسن ابو الحب یرفض کل أنواع السلطة الفاجرة والظالمة مواجهاً التحدیات عالماً بأن هناک غداً مشرقاً فی دولة الحق یتطلع لها کل البشر اذ قال: (من الطویل)

متی تدرک الثأر الذی انت طالبه متی تملک الأمر الذی انت صاحبه

لقد ملأ الدنیا سناک ولم یلح لعینی یوماً من جبینک ثاقبه

أفی کل یوم فاجر وابن فاجر یحکم فینا بادیات معایبه

تروح بک الدنیا وتغدو منیرة ویملکها من لیس تخفی مثالبه(1)

وأما الشاعر عبد الحسین شکر فإنه یستغیث بالإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف ویقسم علیه بجده المصطفی الهادی والزهراء البتول وبالإمام علی والحسن والحسین (علیهم السلام) ان یتحنن علی الناس بالظهور لنجدتهم وتخلیصهم من ظلم الأعداء اذ قال: (من الطویل)

اغثنا رعاک الله انک لم تزل غیاثاً لنا یا خیر من وطأ الغبرا

فنقسم بالهادی علیک وصهره وسبطیه والغر المیامین والزهرا

تحنن علینا وارفع الجور فالهدی شتات ووجه العدل أصبح مغبرا

أتهضمنا الأعدا وأنت إمامنا وطوعک ما فی هذه الدار والأخری(2)

فنری الشاعر قد أنکر نفسه فی هذه الأبیات وتکلم بصیغة الجمع إذ قال (تحنن علینا) ای علی جمیع الناس متجاوزاً بذلک أنانیته الفردیة ومعبراً عن التحامه

ص:142


1- (1) دیوان أبو الحب: 53.
2- (2) دیوان شکر: 32.

بالمجتمع والعصر بعیداً عن (الأنا) والذات.

وقد یصل الأمر بالشاعر إلی رفض کل أنواع الحزن والخوف، والحث علی مواجهة الصعاب والتحدیات من أجل غد مشرق تکون فیه النفوس مطمئنة راضیة حیث العدل والحق والإیمان والأمان والمحبة والصلاح وهذا المعنی جسده الشاعر محمد علی کمونة اذ قال: (من الوافر)

إمام القائم المهدی شمس ال - معالی بدر دائرة الصلاح

هو القطب الذی دارت علیه به أفلاک أُفق الافتتاح

وبحر تستمد السحب منه وتستجدیه أمواج السماح

متی یأتی فنسعف فی زمان نبیت به بافئدة صحاح(1)

وأما الشاعر السید حیدر الحلی فإنه یستنهض الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف بشدة ویخبره بأن الصبر قد مات من طول الانتظار وأن هذا الصبر قد خلف أحشاء ممزقة من شدة الجزع والحسرة حتی اشتکت الیه القطیعة وأن سیفه علاج هذه القلوب المفجوعة وهذا یدل علی صوت المعارضة الصریحة التی ورثها الشعراء من أسلافهم فی المدرسة الشیعیة المجاهدة إذ قال: (من مجزوء الکامل المرفل)

مات التصبر بانتظا - رک أیها المحیی الشریعه

فانهض فما أبقی التح - - مل غیر أحشاء جزوعه

قد مزقت ثوب الأسی وشکت لواصلها القطیعة

فالسیف انّ به شفا ء قُلوب شیعتک الوجیعه(2)

ص:143


1- (1) دیوان کمونة: 39.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 89/1.

وهذا الشاعر کاظم الأسدی یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویطلب منه الظهور وإحلال الحق حتی تدین له الاملاک والافلاک ویکون الحق هو الحاکم ولیس الترک والدیلم وأصحاب الطمع والجاه اذ قال: (من الطویل)

أیا ربنا أذن بالظهور لغائب یقوم وبالتنزیل یقضی ویحکمُ

یقوم علی اسم الله بالحق صادعاً وبالسیف لایخشی ولا یتلعثمُ

امام هدیً من جانب الله فی الوری یغیث به اللهُ العبادَ ویرحمُ

بسیف همام من سلالة أحمدٍ تدین له الأملاک ترُکٌ وَدیلمُ (1)

واما الشاعر محمد مال الله الفلفل فهو یعاتب الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف ویخبره بأنهم احتسوا کوؤس الأذی وأن أعداءهم قد علوهم وأنهم فی هرج ومرج وأن لهم فی کل زمان فرعون یسومهم مر الحیاة وأنهم قد سئموا هذه الحیاة التی لیس فیها حق ولا رحمة اذ قال: (من الطویل)

أبا القاسم المهدیَّ حتامَ نحتسی کوؤس الأذی والقلبُ ظمآنُ للفرجْ؟

وحتّام تعلونا عداکم بجورها وحتّامَ یخشو فی موالیکمُ الهرَجْ؟

وحتّامَ لا تقضی دیونُ مجاور؟ وحتّامَ لاتعلو لمادحکمْ دُرَجْ؟

وحتّامَ فرعونُ الزمان یسومُنا بکل زمان منه مغلقةَ الرُّتَجْ؟(2)

وقد استغل الشاعر فی نصه لفظة (فرعون) للدلالة علی حکام الجور والظلمة، وقد شبه ظمأه للفرج بظمئه الی الماء. وهذا الشاعر حسن علی قفطان یسأل الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عن ظهور دولته دولة الحق والعدل الإلهی التی

ص:144


1- (1) الکوکب الدری من شعراء الغری: 494.
2- (2) دیوان مال الله: 106-107.

تعید الدنیا شباباً بخیراتها وتألقها ومحبتها ونعیمها ویکون العدل هو سید الزمان وأن الظلم لایکون له مکان فیها اذ قال: (من الطویل)

متی أمتطی نهد الجزارة فارهاً بدولة سلطان الوری مدرک الثار

إمام یرانا وهو عنا محجب الی طلعة منه ببارقة الشاری

تعود به الدنیا شبابا نعیمها لها زهوُ ازهار ویانع اثمار

ویملؤها بالعدل من بعد جورها ویکلؤها من موبقات واخطار(1)

فهنا الشاعر وصف عودة الدنیا الی الحق والعدل بالشباب الذی له جمال الأزهار وروعة الثمار. وأما الشاعر السید علی سلمان النجفی فإنه یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بعد أن یذکره بما جری فی کربلاء سنة (1216 ه -) من قتل وسبی وظلم واعتداء علی الناس والأعراض ویشبه الحالة التی جرت بواقعة کربلاء حیث الظلم والعدوان علی ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الإمام الحسین (علیه السلام) وعائلته واطفاله واولاده، وما أشبه الیوم بالأمس! اذ قال: (من الطویل)

إلامَ التمادی یا بنَ أکرم مرسل وحتّامَ فیها أنت متّخذٌ سترا

ألم ترَ أن الظلمَ أسدلَ لیله علی الأُفق والأقطارُ قد مُلئت کفرا

أفی کل یوم فجعة بعد فجعة لدی کربلا تذکارُها یصدعُ الضجرا

فها کربلا هذا ذبیح کما تری وهذی - وقاک الله - مسلوبة خدرا

إذا لم یغث سوحکم مستجیرها فأین سواها المستجارُ ومن أحری(2)

ص:145


1- (1) شعراء الغری: 178.
2- (2) الموسوعة الشعریة المهدویة: 222/5.

وهکذا نری أن الشعراء العراقیین قد أثبتوا ان الأدب ینبع من ذات الإنسان وانه لایستطیع ان ینفصم عن واقع المجتمع الذی یعیش فیه الأدیب وبالخصوص الواقع السیاسی والاجتماعی المتخلف الذی کان یعانی منه المجتمع آنذاک من قبل الاحتلال العثمانی وبهذا یکون الشاعر العراقی قد سجل کل همومه ومتاعبه وما کان یقاسیه من ظلم الحکام وجور الزمان فی قصائد الاستنهاض التی کان یوثق بها هذا التأریخ السیاسی وهذه الاحداث التی مرت علی الشعب العراقی علی مر الزمان «وبذلک لم یترک هؤلاء الشعراء هذه الاحداث تمر دون ان یکون لهم فیها رأی أو اجتهاد أو تفسیر»(1) لأن الدین والاعتقاد یدعوان إلی تغییر الواقع السیاسی ولو بالکلمة الحقة أمام الأعداء والجائرین من الحکام والمستبدین، فکانوا ذوی رأی سیاسی إلی جانب آرائهم الدینیة.

2. الوظیفة الروحیة والعقدیة

ان الوظیفة النفسیة للشعر عامة - هی ما یثیره من عواطف کامنة فی نفس الإنسان وما یتولد عن ذلک من استقرار نفسی، فالنصوص الأدبیة المؤثرة «تکشف أمامنا آفاقاً فسیحة من الخیال المجنح، والعاطفة المتقدة»(2) فضلا علی ان هدف الدین، هو تزکیة النفس، وتطهیر القلب والروح، وإقرار الخیر والصلاح فی الأرض. فلو أن الإنسان آمن بقضیة عادلة فإنه یکون من الناحیة النفسیة مستعداً

ص:146


1- (1) الواعظ، (د. رؤوف): الاتجاهات الوطنیة فی الشعر العراقی الحدیث (1914-1941 م)، منشورات وزارة الاعلام العراقیة، 1974 م: 8.
2- (2) فیصل، (د. شکری)، مناهج الدراسة الادبیة فی الادب العربی، دار العلم للملایین، بیروت، ط 5، 1982 م: 103.

لقبول کل ما یعزز تلک القضیة، وحینما یکون النص الأدبی موظفاً لتلک القضیة فانه سیکون محور التقاء بین الشاعر والمتلقی، طالما کان هناک أمر مشترک بینهما علی قضیة واحدة. «وعلی هذا الأساس یمکن النظر إلی الإنتاج الأدبی بوصفه تعبیراً عن أعراف وتقالید المجموعة ولیس تعبیراً علی مزاج شخصی لفرد»(1). والنقطة الأساسیة التی یلتقی فیها الشاعر والمتلقی فی شعر استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف هی منزلة الإمام العظیمة وعدالة دولته وفلسفة انتظاره وشفاعته فی الدنیا والآخرة لمحبیه وناصریه وهذا ما تناوله الشعراء فی شعرهم الاستنهاضی.

وأما من الناحیة العقدیة فإن مسألة ظهور الإمام مسألة حتمیة لا جدال ولا نقاش فیها عند الشاعر والمتلقی وأن الظهور لابد أن یکون مهما طال الزمان وهذا ما بینه الرسول محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) إذ قال «لو لم یبق من الدنیا إلا یوم لطوَّل الله ذلک الیوم حتی یلی رجل من أهل بیتی یواطؤ اسمه اسمی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجورا»(2).

وهذا المعنی اکده الشعراء وتناولوه فی شعرهم الاستنهاضی بشکل واضح وصریح ومن ذلک ما أکده الشاعر جعفر الحلی فی قصیدة له قائلاً: (من السریع)

متی نری بیضَکَ مشحوذة کالماء صاف لونها وهی نارْ

متی نری خیلک موسومة بالنصر تعدو فتثیر الغبارْ

ص:147


1- (1) الحسینی، (د. قصی): سوسیولوجیة الادب، دراسة الواقعة الادبیة علی ضوء علم الاجتماع، دار البحار، بیروت، ط 1، 2009 م: 20.
2- (2) ابن طاووس، (ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد ت 664 ه -): الملاحم والفتن، مطبعة النجف، 1963 م 322.

متی نری الاعلامَ منشورة علی کُماة لَم تسعها القفارْ

متی نری وجهکَ ما بیننا کالشمس ضاءت بعد طول استتارْ(1)

وهذا الشاعر حسن علی قفطان یبین منزلة الإمام العظیمة عند الله وأنه ادخر الی آخر الزمان لنشر العدل وأن جبریل سوف یبشر به کل العالم اذ قال: (من الطویل)

لقد عقد الله اللوا والولا له فقام مُطاعاً بین نهی وانذارِ

یُبشرُ جبریل به کلَّ عَالم ویدعو الی آثاره خیر آثارِ

هلموا الی الداعی الی الله واحذروا مقامی وعُوا یا ایها الناس انذاری

محیط بعلم الکائنات وعلة لها وعلیها شاهد یومَ إقرار(2)

فهنا الشاعر یصرح بالظهور وأنه عقیدة راسخة لاجدال فیها، وأنها حتمیة الوقوع.

وأیضاً الشاعر سلیمان الحلی یکذب الزمان وکل من یقول بأنه لا یستطیع الخروج من مأزقه وشدائده، ویقول بأن الشدائد والمآزق کلها تنتهی برعایة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأنه ادخر من أجل الاستقرار والطمأنینة النفسیة فی المجتمع فقال الشاعر: (من مجزوء الکامل المرفل)

زعم الزمان علیَّ أب - وابُ الشدائد منه ترتج

کذب الزمان بزعمه مِن غمّه لم ألقَ مخرج

بالقائم المهدیِّ عنی کلُّ ضیقٍ فیه یفرج

ص:148


1- (1) دیوان الحلی جعفر: 244.
2- (2) شعراء الغری: 178.

یا ابن النبی ومن به صبح الهدایة قد تبلج(1)

وأما الشاعر صالح الکواز فإنه یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویطلب منه التعجیل بالظهور لنشر العدل والحق وإحیائه بعد أن مات علی ید السلاطین وحکام الجور الذین کانوا یؤمنون بالأنانیة والتسلط والانغماس فی الشرور فقال: (من السریع)

عجّل فدتک النفس واشفِ به من غیظ أعداک قلوباً حرار

قد ذهب العدل، ورکن الهدی قد هدَّ والجور علی الدین جار

أغث رعاک الله من ناصرٍ رعیة ضاق علیها القفار

فهاک قلبها قلوب الوری أذابها الوجد من الانتظار(2)

وأما الشاعر محسن أبو الحب فإنه یستنهض الإمام ویسأله متی الظهور لیراه یقود جنود الله وفی یدیه رایة العدل ویعمر البلاد بالرشاد ویخرب دیار الغی والنفاق، وهنا الشاعر یعتقد بأن المطالبة بالحق مسؤولیة تقع علی عاتقه وله حق المطالبة بها والدفاع عنها من أجل خدمة المجتمع فقال: (من البسیط)

متی أراک جنود الله تقدمها ورایة العدل فی الآفاق تنصبها

والله ما أنا راضٍ أو أراک علی ورهاء تجنبها طوراً وترکبها

تفیض أعیننا شوقاً إلیک وکم نار اشتیاق هواکم بات یلهبها(3)

ومن خلال هذه القراءة النفسیة لهذه النصوص یمکن أن نستشف بأن

ص:149


1- (1) أروع ما قیل فی محمد وأهل بیته: 682.
2- (2) م. ن: 646.
3- (3) دیوان أبو الحب: 56.

الشعراء کانت لهم رغبة کبیرة فی تطبیق العدل الإلهی والاقتصاص من الظلمة وهذا ما یکشف المزاج الشخصی للشاعر ولا سیما إذا ما عرفنا بأن الشاعر یقضی جل عمره فی الجهاد والنضال من أجل نشر الحق.

والشاعر محمد علی کمونة یستشفع بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عند الله لیتوب عنه ویمحو سیئاته بعد أن تاب إلی الله منها ویضرب مثلاً علی ذلک توبة الحر الریاحی فی واقعة الطف وانقلابه من معسکر الشر إلی معسکر الحق إذ قال الشاعر: (من الوافر)

إلیک من إبن کمونٍ أقل ال - وری بکراً تتیه علی الملاح

عملت کبائراً وأتیت فیها لتضمن محوها فأری نجاحی

أتوب إلی إله الخلق منها کما قد تاب حر بنی ریاح(1)

أما بالنسبة إلی الشفاعة فهی من أهم الأسباب العقدیة التی دفعت الشعراء إلی القول بها، وجعلت المتلقی یعیش حالات التأثر والتصدیق لما یحققه مبدأ الشفاعة من شعور بالأمان النفسی عند المسلم وبما أن الإنسان کائن حی تتجاذبه الغرائز والنزوات، فإنه سیبقی عرضةً للخطیئة والتقصیر والزلل ما یولّد فی داخله صراعاً بینه وبین نفسه الأمارة بالسوء، فیلجأ إلی من یدفع عنه هذا الصراع فیتشفع بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وذلک لمنزلته عند الله سبحانه وتعالی لیدفعه عنه ویغفر له ذنوبه وهذا مایجسده الشاعر عبد الحسین الأعسم بقوله: (من الطویل)

أمولای أکرمنی بقربک وارعنی فمن شیم المولی اقتناء رقیقِهِ

وخذ بیدی من سقطة الجهل شافعاً لواضحِ ما أذنبتُهُ ودقیقِهِ

ص:150


1- (1) دیوان کمونة: 41.

تخذناک للدارین معتصما فلا یخیب رجانا فیک بعد وثوقِهِ (1)

وقد جعل الشعراء أیضاً شفاعة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وسیلة للخلاص الأخروی وکانوا یتکلمون بلهجة الواثق المطمئن؛ وذلک لرسوخ هذا المبدأ وهذه العقیدة عندهم وهذا ما جعلهم یبدعون فی أشعارهم من أجل التخلص من واقعهم المریر ونیل شفاعة الإمام وهذا ما جسده الشاعر عبد الحسین شکر بقوله: (من البسیط)

یا من حباهم إله العرش منزلةً مقام قدس ولم یشرک به أحدا

إلیکم غادة عذراء ترفل فی ثوب من الشجو مدت للسؤال یدا

ذخیرتی إننی عبد الحسین کفت لموقف لیس یغنی والدٌ ولدا

علیکم من صلاة الله أشرفها ما دمتم للوری غوثاً وغیث ندی(2)

إن هذا المنحی فی طلب الشفاعة والنصرة یکاد یکون ظاهرة عامة فی خواتیم قصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف وهذا ما یدل علی أن الشعراء مستیقنون من حصول الشفاعة والنصرة فی الدنیا والآخرة ولیس لدیهم سوی اللوذ بحمی أهل البیت علیهم السلام وهذا ما یلبی حاجاتهم النفسیة فی طلب الشفاعة من نحو قول الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

أبا القاسم المدعو فی کل شدة یزج بها المقدار أدعی نوائبهْ

إلیک من الدهر العنید شکایتی ولا غرو أن شکی الزمان لصاحبِهْ (3)

ص:151


1- (1) دیوان الأعسم: 64.
2- (2) دیوان شکر: 27.
3- (3) دیوان الکواز: 116.

وقوله:

أقول لنفسی هوّنی الخطب وأصبری یهن أو یزل بالصبر صرف هوانِهِ

ولا تجزعی من جور دهر وإن غدا یروعک ما یأتی به بلوانِهِ

فعندی مولی ضامن ما أخافه وعندی یقین کافل لضمانه

وکیف تخافین الزمان ومفزعی إلی القائم المهدی من حدثانه(1)

وبهذه النصوص یکون الشعراء قد عبروا عما فی نفوسهم من اطمئنان بهذه العقیدة الحقة والدفاع عنها.

3. الوظیفة الاجتماعیة والتاریخیة

لقد وصفت عدد من الروایات معالم الوضع الاجتماعی فی حکومة الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف وشباهته بالجنة الموعودة التی تنعم بها الأرض وسکانها، ویکفیک من صفاته عجل الله تعالی فرجه الشریف المتواترة عند الفریقین أنه (یملأ الأرض قسطاً وعدلاً) فالقسط والعدل هما من أهم صفات المجتمع الآمن.

وروی عن أبی سعید الخدری عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) قال: «تنعم أمتی فی زمن المهدی نعمة لم ینعموا مثلها قط»(2) حتی یصل الأمر فی زمانه «أن تقضی المرأة فی بیتها بکتاب الله تعالی وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله»(3).

ولم یقف الأمر عند هذا الحدّ بل وصل إلی أن ترعی الشاة إلی جنب الذئب، الأمر الذی یجعل هذا الوصف وصفاً لجنّة إلهیة وعدت بها السماء

ص:152


1- (1) م. ن: 112.
2- (2) الملاحم والفتن: 223.
3- (3) النعمانی، (محمد بن ابراهیم): الغیبة، مکتبة الصدوق، تحقیق علی اکبر الفقاری، طهران: 239.

الأرض بقیادة رجل من آل محمد (صلی الله علیه وآله) وهذه الأحادیث والروایات لم تکن غائبة عن مفهوم الشعراء بل کانوا یعرفونها ویؤمنون بها وینتظرون هذا الیوم الموعود بفارغ الصبر بل یتمنون أن یکونوا من الذین یعیشون فی ظل هذه الدولة العادلة التی یمثل الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فیها قطب الخیر والعدل أمام الجانب الثانی الذی یعادیه وهو قطب الشر والظلم والضلال. وقد أکد عدد من النقاد أهمیة العوامل الاجتماعیة فی إنتاج الأدب «هذه العوامل تتمثل عندهم بجملة من الأمور منها: الوضع الاقتصادی للمؤلف، والوضع المهنی وطبقته الاجتماعیة ونظرته للتراث»(1)

ثم إن دولة الرفاه الإسلامی المنشودة ذات مرجعیة عقائدیة وقیمیة مستمدة من کتاب الله وسنة نبیه (صلی الله علیه وآله)، ومن ثَمَّ فإن نجاحها فی تحقیق العدالة الاجتماعیة فی المجتمع مرهون بغرز هذه المعتقدات والقیم السامیة فی عقول الناس وقلوبهم وبهذا یکون شعر استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف صعباً فی فهم موضوعاته التی یؤکد علیها الشعراء، ما لم یتم فهم العوامل الاجتماعیة التی تؤثر فیهم، ومن هذه الموضوعات دعوة الشعراء إلی أخذ الثأر من الظلمة وإحقاق دولة الحق والعدالة فی جمیع الأرض وإحیاء معالم الدین التی طمست من خلال ملوک الضلالة وحکام الجور، فمن دون الرجوع إلی الخلفیة الاجتماعیة للشاعر، ومنابع ثقافته، واتجاهه العقدی، لا یمکن إیجاد معنی یفسر لنا تلک المفاهیم لکن المتلقی المقصود عند الشاعر لا یری فی الأمر مشکلة فی فهم تلک الدعوات، وذلک بسبب الفهم المشترک بین الشاعر والمتلقی مما یساعد علی إدامة

ص:153


1- (1) ینظر یسین، (السید): التحلیل الاجتماعی للأدب، مکتبة مدبولی، القاهرة، ط 3، 1992 م: 117.

عملیة التواصل بینهما، محدثاً بذلک تأثیراً وتأثراً بین الطرفین وهذا عامل مهم من عوامل توجیه الجماهیر، وزیادة التفاعل بینهم وبین الحدث الاجتماعی وهذا ما یمیز شعر الاستنهاض بکونه شعراً جماهیریاً ولیس نخبویاً.

إن الوظیفة الاجتماعیة لشعر الاستنهاض تتمثل فی إبرازها لحقیقة الصراع بین الخیر والشر، هذا الصراع الذی ولد مع بدایة وجود الإنسان علی الأرض والذی سوف یستمر إلی ما شاء له الله الإستمرار حتی ظهور دولة الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف وهذا المعنی جسده الشعراء فی أشعارهم بشکل واضح وصریح ومنهم الشاعر محمد مال الله الفلفل إذ قال: (من الرمل)

یا ولی الله والمعطی مدی أمد الأیام إقلید عطاها

قم علی اسم الله واثبت ما بقی من رسوم فالعدا راموا انمحاها

طهِّر الأرض بأجناد أبت أن یری مبدؤها من منتهاها

وابسط العدل بعیسی الروح وال - خضر محفوفاً بأملاک سماها(1)

وأما الشاعر عبد الحسین الأعسم فإنه یؤکد حتمیة العدل الإلهی علی ید الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنه سوف یقیم حدود الله وینتقم من کل جبار عنید ویحیی موات الأرض بالعدل ویعید الإسلام الحقیقی ومبادئه السامیة إذ قال: (من الطویل)

ملیک حباه الله بالنصر فاغتدی له الدهر فیما رام أطوع خادم

یقیم حدود الله فی الأرض مجهزاً علی کل جبار بأعظم قاصم

ویحیی موات العدل من بعد ما انقضت مآتیم هاتیک العظام الرجائم

ص:154


1- (1) الموسوعة الشعریة المهدویة: 24/7.

وسلطان حقٍ یرکب الناس نهجه بأمضی حسام للأباطیل حاسم

یحوط حمی الإسلام عن کل طارقٍ ویحمی عری الإیمان من کل فاصم(1)

وهذا الشاعر محمد علی الأعسم أیضاً یصف ظلم الزمان وانحراف الأمة عن الإسلام الحقیقی فتنة کبیرة لا یمکن أن یطفئ لظاها غیر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بثورته الکبری لیملأها قسطاً وعدلاً إذ قال: (من الوافر)

ویا لکِ فتنة عظمی أطلت علی الإسلام بالحرب الزبون

ولا یطفی لظاها غیر مولی حباه الله بالنصر المبین

یثور ویملأ الأرضین قسطاً وعدلاً بالسهول وبالحزونِ (2)

وکان أغلب الشعراء یتحدثون بقصائد الاستنهاض بلغة الجماعة خارجین بذلک علی (الأنا والذات) معبرین عن هموم المظلومین والمحرومین، وهذا الحدیث کان حافزاً مهماً بینهم وبین الجمهور فی إدامة التفاعل والتأثر فی ظل قصائد الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وهذا أیضاً کان من أسباب کتابة الکم الهائل من قصائد الاستنهاض «وبهذا جعل الشاعر من تجربته الذاتیة تجربة جماعیة تعبر عن تطلعات المجموع وهمومهم»(3).

وهذا ما جسده الشاعر محسن أبو الحب إذ قال: (من الوافر)

متی یا أیها المحجوب عنا تزین بضوء طلعتک الظلاما

ص:155


1- (1) دیوان الأعسم: 66.
2- (2) دیوان محمد علی الأعسم: 27.
3- (3) الردینی، (رائد فؤاد): القیم الاسلامیة فی الشعر العراقی الحدیث، رسالة ماجستیر، کلیة الآداب، جامعة بغداد، 2002 م: 21.

أغثنا بالذی سوّاک شرعاً فقد بلغ العدوّ بنا المراما

أما وأبیک لا یرضی وترضی إذا ما قمت منتضیاً حساما

طغت حتی الکلاب الجرب لمّا أطلت فداک أنفسنا المقاما(1)

وبما أن عقیدة الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف ثابتة وراسخة فی ذهن الشاعر وأنها تجسد هموم الشارع وأحاسیسه الاجتماعیة وألمه من الزمان وتطلعه إلی حیاة أفضل «فالأعمال الفنیة تتألف دائماً من موضوعات لها دلالة اجتماعیة وللألفاظ والأنغام والأشکال ارتباطات انفعالیة تتسم بأنها اجتماعیة»(2).

وهذا ما جسده الشاعر محمد علی کمونة إذ قال: (من الوافر)

وبحر تستمد السحب منه وتستجدیه أمواج السماح

متی یأتی فنسعف فی زمانٍ نبیت به بأفئدة صحاح(3)

فهنا الشاعر جعل من الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف البحر الزاخر بالمیاه وأن الناس أمواج تستجدی منه الماء الذی هو منهل الحق والعدل. کما أن أحزان الشعراء وآلامهم وما یقاسونه من الظلم وغیاب العدل لا تنفصل عن واقعهم الاجتماعی، لذلک فقد وجد الشعراء العراقیون فی فلسفة انتظار الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف مجالاً لبث همومهم ومعاناتهم؛ لأنهم أبناء هذا الشعب المظلوم، "فالشاعر ابن المجتمع، مصنوع بوجدانه ومضغوط بعناصره فی النوامیس

ص:156


1- (1) دیوان أبو الحب: 139.
2- (2) مصطفی، (د. فائق ود. عبد الرضا علی): فی النقد الادبی الحدیث منطلقات وتطبیقات، دار الکتب للطباعة والنشر، الموصل، ط 3، 2000 م: 176.
3- (3) دیوان کمونة: 39.

والأعراف والقیم، ولکن الشاعر الحقیقی ابن ذاته أیضاً" (1) وهذا ما عبر عنه الشاعر حیدر الحلی إذ قال: (من المنسرح)

یا غمرة من لنا بمعبرها مواردُ الموتِ دون مصدرها

یطفح موجُ البَلا الخطیرُ بها فیغرقُ العقلُ فی تَصوّرِها

وشدة عندها انتهت عِظَماً شدائدُ الدهرِ معْ تَکثرّها

ضاقتْ ولم یأتها مُفَرِّجها فجاشت النفسُ من تَحَیُّرها(2)

وقد قام الشعراء أیضاً بزرع الصبر وفلسفة الانتظار فی الناس وإحیاء الأمل فیهم لانتظار دولة الموعود الإلهی وهذا ناتج عن حساسیة الشعراء بوصفهم فنانین مما مکنهم "من الالتفات إلی ما لا یلتفت إلیه الجمهور کما مکنهم من الکشف عن جوانب إنسانیة لا تبرز عادة إلی مستوی الوعی العادی" (3) فالصبر علی المصائب من الأمور الحمیدة، وقد قیل "خیر الأمور مغبة الصبر" (4) وهذا ما بینه الشاعر جعفر الحلی إذ قال: (من السریع)

یا قمر التِّمِّ إلامَ السرارْ ذاب محبُّوک من الإنتظارْ

لنا قلوب لک مشتاقة کالنَّبت إذ یشتاق صوب القطارْ

فیا قریباً شفَّنا هجره والهجر صعب من قریب المزار

ص:157


1- (1) إبراهیم، (ریکان): نقد الشعر فی المنظور النفسی، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، ط 1، 1989 م: 91.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 7/2-8.
3- (3) عصفور، (د. جابر): مفهوم الشعر، دراسة فی التراث النقدی، دار التنویر للطباعة والنشر، بیروت، ط 2، 1982 م: 274.
4- (4) الدلیمی، (محمد نایف): جمهرة وصایا العرب، دراسة وتحقیق، منشورات دار النضال للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، ط 1، 1991 م: 120/1.

دجا ظلام الغیِّ فلتجله یا مرشد الناس بذات الفقار(1)

وقد صور الشاعر جعفر الحلی بهذه الأبیات فلسفة الانتظار کالنبات الذی یصبر لانتظار قطرات المطر التی لا بد وأن تأتی یوماً ما فینمو بها ویزهو.

وأما الشجاعة فهی من صفات المجتمع العربی التی توارثها عن أسلافه والمجتمع العراقی الذی تجاذبته الأحداث السیاسیة والتیارات الثقافیة والفکریة لابد أن تکون الشجاعة هی الحل الأمثل لجمیع مشکلاته، وهذه الشجاعة هی شجاعة الحق والدفاع عنه فهی لیست موجهة للانتقام من شخص معین بحد ذاته وإنما موجهة للدفاع عن الحق وإنهاء الظلم فلا غرابة أن یتوجه الشعراء إلی تحریک همة الناس لاستقبال العدل والالتفاف حوله وهذا ما بینه الشاعر حسن علی قفطان إذ قال: (من الطویل)

هلمّوا إلی الداعی إلی الله واحذروا مقامی وعوا یا أیها الناس إنذاری

محیط بعلم الکائنات وعلّة لها وعلیها شاهد یوم إقرار

سریٌّ سرایاه تسیر أمامها طلایع رعب فی الغشا والحشا ساری(2)

کذلک أکد الشعراء عدم إهابة الموت؛ لأن الموت فی سبیل الحق هو غایة ما یتمناه الإنسان فی هذه الدنیا وأن الإنسان لا یموت إلا بقدره الذی کتب له، فالشجاعة وعدم إهابة الموت لا علاقة لها بأجل الإنسان وهذا الشاعر محسن أبو الحب یبین لنا هذه الحقیقة إذ قال: (من الوافر)

فمالی والسیاط لها صریرٌ بمتنی غیر مخفور ذمامی

ص:158


1- (1) دیوان الحلی جعفر: 244-246.
2- (2) الکوکب الدری من شعراء الغری: 178-180.

فلا والله لا یشفی غلیلی سوی قرع الحسام علی الحسام(1)

فهذا شأن أصحاب الحق والمطالبین به، لا یلذ لهم بل لا یقر لهم قرار، ولا یرتاح لهم ضمیر، ولا یطمئنون بعقیدة أو عمل تعبدی إلاّ فی ظلال دولة تاجها معقود علی نبعة هاشمیة، وهذا ما یؤکد اختلاف الشعراء مع السلطة الحاکمة. "إن مثل هذه الدعوات تعبر عن إیمان الشعراء بأن الأئمة حاضرون بینهم، وتشیر إلی وطأة الواقع الذی لا یمکن تخفیفها إلا بظهور الإمام الحجة عج الله تعالی فرجه الشریف"(2). وأما اقتران الاقتصاص باستنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف عند الشعراء" فهی لیست لغایة محدودة وضیقة، کما کان قبل الإسلام "(3)

بل هی تتجه إلی الاقتصاص من أعداء الإسلام فی کل زمان ومکان وهذا القصاص الذی یعبر عن الحیاة یجب أن یکون من لدن قیادة إلهیة عادلة تتمثل بشخص الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأنه الأمین علی الإسلام والمسلمین وهذا ما بینه الشاعر عبد الحسین الأعسم إذ قال: (من الطویل)

حلفنا به ألّا نراعی حرمة لمن بدؤونا بانتهاک المحارم

أجِلْ فی فجاج الأرض عینیک هل تری بها بقعة لم تمتلئ بالمظالم

عفت دور موری زندها وهی غضّة شنا شنها معروفة من أحازم

فدیناک مرنا بالذی اخترت لا تجد بنا غیر ما فی الحزم ماضی العزائم(4)

ص:159


1- (1) دیوان أبو الحب: 23.
2- (2) مراثی الإمام الحسین علیه السلام (رسالة ماجستیر): 81.
3- (3) السامرائی، (سهام حسین جواد): القیم الأخلاقیة والاجتماعیة والفکریة فی وصایا عصر ما قبل الإسلام الشعریة والنثریة (رسالة ماجستیر), کلیة التربیة للبنات, جامعة تکریت, 2002 م: 8.
4- (4) دیوان الأعسم: 67.

إن هؤلاء الشعراء نظروا إلی الواقع العراقی بعیون نقدیة من خلال ما یعانیه المجتمع من ظلم وفساد وغیاب للحق لذلک فإنهم یؤکدون حاجة المجتمع بل جمیع الإنسانیة إلی قیادة عادلة تنصف المظلوم وتردع الظالم ولا تکون هذه القیادة إلا بظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأن ظهوره یمثل الثورة التی معها یستطیع الناس الخلاص من جمیع الأزمات التی یعانون منها اجتماعیة کانت أم نفسیة وهذا ما أکده الشاعر محمد مهدی بحر العلوم إذ قال: (من الکامل)

هذی المنازل بالغریِّ فأنجدوا قد حان للمهدی فیها الموعد

أو ما ترون الجاحدین استشعروا آیات بدر فی الصعید فصعّدوا

ودّوا کما ودَّ الألی قد أشرکوا إنّ الذی قد أنکروا لم یجحدوا(1)

وبهذا یکون الشعراء قد وجهوا شعر الاستنهاض من خلال وظیفته الاجتماعیة والأخلاقیة إلی خدمة المجتمع الذی کانوا هم جزءاً منه.

ص:160


1- (1) العلوم، (محمد مهدی بحر): دیوان السید محمد مهدی بحر العلوم، جمع محمد صادق بحر العلوم، تحقیق محمد جواد فخر الدین وحیدر شاکر الجد، المکتبة الأدبیة المختصة، النجف الأشرف، ط 1، 2006 م: 62.

الباب الثانی: اللغة الشعریة لقصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

* الفصل الأول: الألفاظ

* الفصل الثانی: الصیاغة

* الفصل الثالث: الإیقاع

ص:161

ص:162

اللغة الشعریة

توطئة

لقد تمیز البشر عن سائر المخلوقات الأخری باللغة، فیها یتکلمون ویفهم کل واحد منهم الآخر، وبها یستطیعون أن یعبّروا عما یجول فی نفوسهم وخواطرهم من أفکار وعواطف وتص -- ورات، وبما أن الشعر وسیلة من وسائل التعبیر المتمیزة،" فهو عنصر مهم ومکونٌ أساسی فی بناء النص الشعری "(1) وقد استعمل الشاعر هذه اللغة بطریقة تختلف عن المألوف والمعهود" لأنها فی الشعر لیست وسیلة لنقل الأفکار فحسب، وإنما هی خلق فنی فی ذاتها"(2) ، وعلی هذا الأساس فإن مهمة الشاعر تتمثل فی "ان یرتفع باللغة من عمومیتها، ویتحول بها إلی صوت شخصی، وان ینظمها من خلال رؤیته وموهبته فی أغنی الاشکال تأثیراً مستثمراً دلالاتها وأصواتها وعلاقات بنائها وإیقاعها علی نحو فرید، وعلیه فبقدر ما یتمیز الشاعر فی خلق لغته الخاصة یتجلی إبداعه، فاللغة بهذا المعنی تکاد تؤلف جوهر الشعر" (3) وبهذا تکون لغة الشاعر لغة خاصة لا تمثل البیئة اللغویة

ص:163


1- (1) ینظر لغة الشعر بین جیلین: 8.
2- (2) ینظر هلال (د. محمد غنیمی): النقد الأدبی الحدیث، دار الثقافة دار العودة، بیروت، 1973 م: 15.
3- (3) العوادی، (د. عدنان حسین): لغة الشعر الحدیث فی العراق بین مطلع القرن العشرین والحرب العالمیة الثانیة، منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقیة، دار الحریة للطباعة، بغداد، 1985 م: 9.

تمثیلاً مطابقاً، وإنما تخترق المألوف وتتمرد علیه، "ولا یراد بالخرق الخروج التام عن أصول اللغة والنحو، وإنما التفنن فی الصیاغة للوصول إلی الشعریّة التی هی أهم ما یتَّسم به الشعر الأصیل" (1) ومن هنا کانت لغة الشعر لا تختلف عن اللغة الاعتیادیة بألفاظها وأصواتها ودلالاتها وإنما یکمن التمیَّز فی طریقة الاستعمال وعلاقة الألفاظ مع بعضها وهذه هی براعة الشاعر وذوقه الإبداعی فی الوصول إلی ما ینشد إلیه.

ومن اجل إعطاء تصورّ کامل لهذه اللغة ینبغی أنْ نقف عند المباحث الآتیة:

1. الألفاظ.

2. الصیاغة.

3. الإیقاع.

ص:164


1- (1) المطلوب، (د. احمد): لغة قصیدة الحرب قراءة فی شعر کمال الحدیثی، وزارة الثقافة والإعلام بغداد، 1992 م: 11.

الفصل الأول: الألفاظ

اشارة

ص:165

ص:166

اللفظ فی اللغة: "أن ترمی بشیء کان فی فیک، والفعل لفظ، لفظ الشیء، یقال: لفظت الشیء من فمی: ألفظه، رمیته...."(1)"وأما فی الاصطلاح فهی أصوات لها دلالة"(2).

وتتمثل الألفاظ بکونها اللبنة الأولی والرکیزة الأساسیة فی بناء العمل الشعری ومن دونها لا یمکن للشاعر ان یؤسس عملاً شعریاً ینقل فیه تجربته إلی أرض الواقع، فهی" سر الشعر وروحه "(3) وعلی الرغم من تعدد وسائل التعبیر لدی المبدعین فإن وسیلة اللغة تبقی الرائدة فی نقل الإبداع لذلک تجد کثیراً من الشعراء قد اهتموا بألفاظهم، وتأنقوا فی اختیارها، وبرعوا فی وضع العلاقات بینها وارتقوا بالألفاظ من المعنی المعجمی، إلی أفق الإبداع ولکن لا ننسی أن الاستعمال الشعری للفظ لا یعنی فقدانه للمعنی المعجمی، بقدر ما هو تطویر تلک

ص:167


1- (1) لسان العرب: مادة (لفظ).
2- (2) هلال، (ماهر مهدی): جرس الألفاظ ودلالتها فی البحث البلاغی والنقدی عند العرب، دار الحریة للطباعة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1980 م: 285.
3- (3) الجبری، (شقیق): انا والشعر، جامعة الدول العربیة، معهد الدراسات العربیة والعالمیة، 1959 م: 89.

اللفظة؛ لأنه المقیاس الذی تقاس به براعة الشاعر وأصالة شعره، ومهما یکن من أمر ومهما قیل فی مفهوم الألفاظ وأهمیتها فإنها" إشارات تدل علی الحالة النفسیة التی یمر بها الشاعر فی أثناء تجربته الشعریة"(1) ، وبما أن الألفاظ هی الأداة التی یعبر بها الشاعر عن تجربته الشعریة والنفسیة ونقل أحاسیسه إلی المتلقی إلا أنه ینبغی علیه أن یعتنی بألفاظه بشکل جید وواضح لکی تؤدی المقصود والمعنی الذی یریده من دون مشقة علی المتلقی سواء کان قارئاً أو مستمعاً، وعلیه سیکون الحدیث عن الألفاظ بالشکل الآتی:

ص:168


1- (1) ینظر مراثی الامام الحسین (علیه السلام) فی الشعر العراقی رسالة ماجستیر: 135.

1. أسماء الأعلام

حفلت قصائد استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بذکر مجموعة من الاعلام، وهم فی الأعم الأغلب من الأنبیاء والرسل أو من أرحام الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنصاره، أو من أعدائه وخصومه، "وکانت شخصیات التراث، هی هذه الأصوات التی استطاع الشاعر من خلالها ان یعبر عن کل أتراحه وأفراحه" (1) ومن الطبیعی ان یأخذ الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الصدارة بین تلک الاعلام؛ إذ إنه یمثل المحور الرئیس الذی تدور حوله قصائدهم الاستنهاضیة.

ومن ذلک تعبیر الشاعر محسن أبو الحب إذ قال: (من الطویل)

لقد زعم الأقوام أنک لم تکن أو انک میت ضم جثتک القبرُ

وأنت الذی أحللت موسی محله ونال ولم یجحد حیاة بک الخضرُ

وقد غاب نوح قبل ما غبت برهة من الدهر حتی آب والعذر الغدرُ

وغیبة عیسی لم تکن خوف قتله ولکنها سر وغیبتک السرُ(2)

ص:169


1- (1) استدعاء الشخصیات التراثیة: 7-8.
2- (2) دیوان أبو الحب: 82.

فالمتلقی فی هذا النص یری أن الشاعر قد وظف أسماء الأنبیاء (موسی، الخضر، نوح، عیسی) وأراد بها تأکید مسألة الغیبة للأمام وأنها قد حصلت مع الأنبیاء وأنها أمرٌ طبیعیٌ له، کما وشبهه أیضاً بالأنبیاء وذلک لإعلاء منزلته مقارنة مع الأنبیاء.

ومن قوله أیضاً (من الخفیف)

أنت نوح فاستئصل القوم واجعل غمرَ طوفانک السیوف الصقالا

أنت داود آل احمد فانهض طال جالوت فی الملا واستطالا

أنت موسی الکلیم حقاً ألا ادحض کید فرعون واترک الإمهالا(1)

وهنا الشاعر ذکر أسماء عدد من الأنبیاء ومن کان معهم من اعدائهم لیبین حقیقة هی، أن الإمام الحجّة شبیه هؤلاء الانبیاء فی الاصلاح والحق، فعلیه مقاومة هؤلاء الاعداء والظالمین لإعلاء رایة الحق، مقارنة بما فعله الانبیاء علیهم السلام.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

بقیة من خرّت ملائکة السما سجوداً لمعنی کان منهم بآدمِ

وأنشاهم الباری علی أوج عرشه تماثیل نور قبل خلق العوالمِ

لیبعث منهم للنبین خاتماً یغاثُ بردءٍ للوصیین خاتمِ (2)

فهنا الشاعر یبین فضل الرسول (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته وأنهم أول الخلق "وان الله خلقهم نوراً قبل خلق آدم وأن سجود الملائکة لآدم کان لأجل

ص:170


1- (1) دیوان أبو الحب: 122.
2- (2) دیوان الأعسم: 65.

فضلهم ومکانتهم عند الله وأنه سوف یکون منهم خاتم النبیین وخاتم الاوصیاء"(1).

وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

متی یأتی فنسعف فی زمان نبیت به بأفئدة صحاحِ

تحف به الکتائب من لؤیٍ کرام الخیم ترفل بالسلاحِ

یؤم الخضر موکبه فیدعو کعمار هلموا للرواحِ (2)

فهنا الشاعر یبین أن الخضر (علیه السلام) سوف یکون مع الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف فی ظهوره ویکون علی مقدم جیشه لیدعو الناس إلیه کما فعل عمار بن یاسر فی وقعة صفین مع الإمام علی (علیه السلام) فهذا من باب بیان أفضلیة منزلة أصحاب الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وأما ما ورد من أسماء أهل بیته وأصحابه وشیعتهم فمنه قول الشاعر کاظم الاسدی: (من الطویل)

وصارمِ حقً ّ من ذؤابة هاشم یُفلِّقُ هامات الأعادی ویَهشمُ

وأکرم سیف من سیوف محمّد حسامٌ به یمحی الضلال ویحُسَمُ

من الفاطمیین الدعاةِ إلی الهدی به البیت یزهو والمقامُ وزمزمُ (3)

فقد ذکر الشاعر هنا الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) جد الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأن الإمام سیفٌ من سیوفه الذی یقام به الحق وأنه من سلالة

ص:171


1- (1) الکافی: 110/1.
2- (2) دیوان کمونة: 39.
3- (3) شعراء الغری: 494.

الفاطمیین الذین یدعون إلی الهدی والصلاح وإقامة الدین الحنیف وأنه الامتداد الطبیعی لهم فی الأرض.

وأیضاً قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

وتوُسَعُ أمّکَ الزهراءُ ضرباً جهاراً وهی تُعلنُ بالنُّواحِ

ویسقی عمّکَ الحسنُ المزکّی ذُعافَ السُمِ ّ بالماءِ القُراحِ

ویقتلُ جدُّک السامی حسینٌ علی ظمأٍ ویثخن بالجراحِ (1)

فهنا الشاعر یستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویذکره بما جری علی أمه وعمه الحسن وجده الحسین (علیهم السلام) من ظلم وسم سریع القتل ویطلب منه النهوض لأخذ الثأر من هؤلاء الظلمة وهذا من اجل تعجیل ظهور الإمام وأخذ الحق.

أما ما ورد من أسماء أعداء أهل البیت (علیهم السلام) فقول الشاعر کاظم الاسدی: (من الطویل)

بسیف همام من سلالة احمد تَدین له الاملاکُ ترکٌ ودَیلمُ

ویا هل یرُینی اللهُ أسیاف هاشم تُحَزُّ به آنافُ حرب وتصلمُ (2)

فهنا الشاعر یذکر أهم أعداء أهل البیت وهم بنو حرب ویمثلهم ابو سفیان ومعاویة ویزید ویطلب من الله ان یریه یوم الانتقام منهم بسیوف بنی هاشم وعلی ید الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من البسیط)

ص:172


1- (1) دیوان کمونة: 40.
2- (2) شعراء الغری: 494.

ساقت عُدَیاً بنو تیم لظلمهمُ أمامها وثنتْ حرباً لها تبعا

ما کان أوعرَ من یوم الحسین لهم لولا (...) لنهج الغصبِ قد شَرَعا(1)

سَلّا ظُبی الظلم من اغمادِ حقدهما وناولاها یزیداً بئس ما صنعا(2)

فهنا الشاعر یصرح بأسماء أعداء أهل البیت ومن قام بظلمهم، وذلک لبیان مسیرة الشر والمتمثل به، مع مسیرة الحق والمتمثلة بأهل البیت (علیهم السلام) وأن هاتین المسیرتین لا تنتهیان الا بقیام دولة العدل الإلهی.

ومنه قول الشاعر جعفر الحلی: (من الطویل)

أتغضی وقد اضحی الحسینُ مجدَّلاً ومنه عوادی الخیل هشَّمت الصدرا

أتغضی وشمرٌ حزَّ رأس ابن فاطم وکان یشمُّ المصطفی ذلک النَّحرا(3)

وهنا قد ذکر الشاعر اسم (الشمر) الذی حزَّ نحر الحسین (علیه السلام) وقتله تلک القتلة المریعة فی یوم عاشوراء، هذا الرأس الذی کان یقبله سید الخلق قد قطعه رأس الباطل والظلم، وقد وفق الشاعر فی هذه المشابهة بین الحق والباطل.

ومن الشعراء الذین لم یصرحوا بأسماء أعداء أهل البیت علیهم السلام واکتفوا بالرمز إلیهم قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

أحاطت بنا الأعداء من کل جانب ولا وزر نأوی إلیه ولا أزر

مللنا وملتنا بطول قراعها فحتی متی نحن القطا وهم الصقر

ص:173


1- (1) هکذا وردت فی دیوان الکواز.
2- (2) دیوان الکواز: 29.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 259.

ووالله لولا أن حلمک واسع لما عبثت فینا سیوفهم البتر(1)

فهنا الشاعر قد رمز لأعداء أهل البیت وأعداء الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بمفردة (الصقر) وهو الطیر الکاسر الوحشی وبمفردة (القطا) وهی الحیوان الضعیف المغلوب علی أمره، الذی تمثل بشیعة أهل البیت (علیهم السلام) وذلک مما یدل علی تأثر الشاعر بطبیعة الحیاة التی کان یعیشها وقد انتشر فیها الظلم والباطل.

وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

ملیک حباهُ اللهُ بالنصر فاغتدی له الدهر فیما رام أطوع خادمِ

یقیم حدود الله فی الأرض مجهزاً علی کل جبار بأعظم قاصمِ

ویحیی موات العدل من بعد ما انقضت مآتم هاتیک العظام الرحائمِ (2)

هنا الشاعر قد رمز للإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف برمز (العدل) الذی یقیم حدود الله فی الأرض ورمز للظلم والظلمة (بالجبابرة) وان الإمام سوف ینتقم منهم ویملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ما ملئت ظلماً وجوراً. وهذه هی سنة الله فی هذا الوجود.

ص:174


1- (1) دیوان أبو الحب: 82.
2- (2) دیوان الأعسم: 66.

2. ألفاظ الاستنهاض

لقد استعمل الشعراء فی شعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ألفاظاً تدل علی النهوض والظهور منها (متی، اغثنا، تستنهض، قم، ادعوک، أدرک) وذلک لدعوة الإمام إلی النهوض بالأمر لکی یملأ الأرض قسطا وعدلاً وینتقم من الظلمة وینشر دولة العدل الإلهی ومن ذلک قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

فقم تلاف الهدی وانقذ بقیته وشید الدین یا بن السادة النجبا

واستنهض النصر فی ثأر ابن فاطمة من قد قضی بین ارجاس العدا سغبا(1)

لقد استعمل الشاعر هنا لفظتی (قم، واستنهض) لاستنهاض الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف لإنقاذ الدین کما استعمل لفظة (شید) التی تدل علی البناء ونظامه للدلالة علی ان الدین قد هد رکن منه، وعلیه اعادة تشیید هذا الرکن.

ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من الکامل)

ادُعوک للکرب التی لم تفرج ونوائب ألمنن فی قلبی الشجی

ص:175


1- (1) دیوان شکر: 18.

ولفاقة لو شئت یوماً سدَّها لسددتها ولفتح باب مرتجِ (1)

فهنا الشاعر استعمل لفظه (ادعوک) وذلک للطلب منه لتفریج الشدائد عنه ورفع الکرب بإحقاق الحق وإعادته إلی أصله الذی انحرف عنه علی ید الظلمة والجبروت. ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

اغثنا فقد ضاق الخناق ولم تزل مغیثاً لمن والاک عند مضیقهِ

ألست ترانا لم نطق حجز جائر علینا ولا نودی دما من مریقهِ (2)

استعمل الشاعر هنا لفظة (اغثنا) للتعبیر عن استنهاضه وانه ضاق به (الخناق) رمزاً إلی معاناة الناس من الظلم وهدر الدماء البریئة.

وکذلک قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الوافر)

متی یا أیها المحجوب عنا تزیل بضوء طلعتک الظلاما

اغثنا بالذی سوّاک شرعاً فقد بلغ العدوّ بنا المراما

أما وأبیک لا یرضی وترضی إذا ما قمت منتضیاً حساما(3)

وهنا الشاعر استعمل لفظتی (متی، أغثنا) لیستنهض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویسأله متی الظهور ورؤیة الطلعة البهیة له فاستعمل الشاعر أسلوب الحوار مع الإمام وهو أقصی درجات التکثیف التی یبلغها الخطاب بین السائل والمجیب. ومنه قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

إلا فانهض فما هذا التوانی أما لک من مقامک من براح

ص:176


1- (1) دیوان الکواز: 112.
2- (2) دیوان الأعسم: 63.
3- (3) دیوان أبو الحب: 139.

فقد عاثت بکم أیدی الأعادی وثار الجور بالجیش الرداح(1)

فهنا الشاعر استنهض الإمام بالسؤال عن التأخیر، أما حان وقت الظهور وانتهاء الغیبة وهنا أیضاً استعمل الشاعر أسلوب الحوار لکی تساعد هذه الألفاظ علی جذب انتباه المتلقی علی ما یطرحه الشاعر.

ومنه قول الشاعر محمد مال الله: (من الکامل المرفل)

فانهض فلیس سواک صا - حبَ أمرنا فی الناس صاحبْ

وعلیکم الصلواتُ ما نجحت بذکرکمُ المطالب(2)

هنا الشاعر یبلغ الإمام أنه لیس هناک صاحب لأمر الدین ومنقذ غیره وأن مطالبه لا تنجح إلا بالتوسل بهم وهو الأمر الذی یرغب الشاعر بشدة فی تحققه.

ومنه قول الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل).

أدرک تِراتَک أیها الموتورُ فلکُمْ بکل ید دمٌ مهدورُ

عذبت دماؤکُمُ لشاربِ عَلِّها وصَفَتْ فلا رنقٌ ولاتکدیرُ(3)

هنا استعمل الشاعر فعل الأمر (أدرک) لاستنهاض الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف فیدرک دین جده ویأخذ بثأر أهله وشیعته وقد استغل أیضاً الشاعر هنا حرکة الضمائر فی الأبیات ومنها (الهاء، والمیم) وقد انتقل بها من المفرد إلی الجمع ومن الجمع إلی المفرد مما أضفت مع فعل الأمر جمالیة خاصة علی حرکیة الحوار بین الشاعر والإمام.

ص:177


1- (1) دیوان کمونة: 41.
2- (2) دیوان مال الله: 84.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 255.

3. ألفاظ الزمان والمکان

"یعد الزمان والمکان جزءاً من الخبرة الذاتیة والعقلیة للشاعر" (1) فالمکان والزمان لدی الشاعر مفصلٌ مهمٌ من المفاصل التی یعلق علیهما ذکریاته، ویعزو إلیهما سبب آلامه وأحزانه؛ لأنها - برأیه - قد شارکتا من دون أدنی شک بالنتیجة الحتمیة، فهما حاملتا الذکری الحزینة والمفرحة، فنظرة الشاعر للزمان والمکان تختلف عن نظرة الإنسان الاعتیادی؛ لأن هناک أمکنة وأزمنة ترتبط مباشرة بالحدث الذی یتمحور حوله عمله الفنی، بل إن بعض الأمکنة أصبحت "رمزاً للصراع بین الخیر والشر"(2). ومنه قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

هو القطب الذی دارت علیه به أفلاک أفق الافتتاحِ

وبحرٌ تستمد السحب منه وتستجدیه أمواج السماحِ

متی یأتی فنسعف فی الزمان نبیت به بأفئدة صحاحِ (3)

فهنا الشاعر یشبه الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بالقطب الذی تدور حوله الأفلاک أی مصدر الإشعاع والحرکة لها کما بین الشاعر أیضاً بأنه البحر الذی یمد

ص:178


1- (1) ینظر فوغالی، (د. بادیس): الزمان والمکان فی الشعر الجاهلی، عالم الکتب الحدیث، الأردن، ط 1، 2008 م: 89.
2- (2) ینظر الاسدی، (مختار): التشیع بین السیاسة والتأریخ، دار المحجة البیضاء، ط 1، 2010 م: 318.
3- (3) دیوان کمونة: 39.

السحب بالماء الذی هو سبب الحیاة فی هذا الکون ثم ینتقل لیبین بأن زمان هذا القطب والبحر الزاخر لا بد أن یکون فیه الناس بأسعد حال وهذا هو جزء مما یتطلع إلیه الشاعر وما یدور فی مخیلته.

ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

دخول أبیک البیت أول مرة ستدخله أخری وإن رغم الکفرُ

لکی ترفع البیت الذی شاد قبل ذا أبوک بناه ثم هدمه الغدرُ

هناک یحل الدین أرفع ذروة یروم ولم یبلغ مطاراً لها النسرُ

ویضحک بیت الله بعد بکائه ویهتز مسروراً بما ناله الحجرُ(1)

فهنا یرمز الشاعر الی البیت الحرام الذی دخله النبی محمد صلی الله علیه وآله وسلم فاتحاً لنشر الحق والدین وسوف یدخله الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف مرة ثانیة لتصحیح ما حرف الناس من سنة جده محمد (صلی الله علیه وآله) وأبعدوها عن مسارها الصحیح وأنه سوف یعیدها إلی ما أراد الله لها أن تکون. وقال الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

أبا القاسم المدعو فی کل شدة یزج بها المقدار أدعی نوائبه

إلیک من الدهر العنید شکایتی ولا غرو أن یشکی الزمان لصاحبه(2)

فهنا الشاعر یربط الزمان بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف أی إن هذه الأزمنة التی مرت علینا منذ وفاة الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) وتحریف الحق عن محله لابد أن تنتهی بزمانه زمان الحق وإحیاء الدین. وهذا مرتبط ببقاء الشاعر

ص:179


1- (1) دیوان أبو الحب: 82.
2- (2) دیوان الکواز: 116.

والمتلقی وفلسفة الانتظار للإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الوافر)

هو ابن العسکری فدته نفسی وباقی الخلق من قاص ودانی

دنت أیامه طوبی لباق إلی أیام دولته الدوانی(1)

فهنا الشاعر یربط بین زمان الظهور وبقاء الإنسان ورؤیة هذا الیوم والعیش فیه وهذا یدل بشکل صریح علی عقیدة الشاعر وفلسفة انتظاره. وله أیضاً: (من الطویل)

هی الفتنة العمیاء أضرم نارها علی الدین یومٌ فی السقیفة نافخ

کستنا ثیاب الحزن حتی ینضَّها إمامٌ لیافوخ الضلالة فاضخ(2)

هنا الشاعر یذکر یوم السقیفة وما جری فیها من تحریف للحق رابطاً بذلک ما جری علی البشریة من انحراف بسبب الانحراف فی هذا الیوم عن الحق الذی أراده الله للإنسانیة.

وکذلک قول الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

واسأل بیوم الطفِ ّ سیفَک إنه قد کلَّم الأبطال فهو خبیرُ

یومٌ أبوک السبط شمُّر غَیرةً للدین لما أن عَناه دُثورُ(3)

فهنا الشاعر یذکر یوم الطف وأرض کربلا وقد مزج بینهما من حیث الزمان والمکان دالاً بذلک علی الصراع بین الحق والباطل الذی لا ینتهی الا بخروج الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:180


1- (1) دیوان الأعسم: 70.
2- (2) دیوان الأعسم: 114.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 255-259.

4. ألفاظ السلاح

لقد استعمل الإنسان منذ بدء الخلیقة السلاح للدفاع عن نفسه وذلک نتیجة الخوف من الآخرین، فالسلاح رفیق الإنسان ومکملٌ حقیقیٌ لشخصیته الرجولیة" ذلک لأن الأسلحة وما یتصل بها رکن مهم تستند علیه حیاة القبیلة ویقوم علی بقاء أمنها ودعتها وتشاد علی کثرته وقلته، مکانتها فی المجتمع العربی... "(1) وقد استعمل الإنسان هذا السلاح ضمن طریقین الأول طریق الحق والدفاع عنه والثانی طریق البغی والضلال والعدوان فعندما یرمز الشاعر فی شعره للسلاح فهو یقصد به إحلال الحق وإقامة العدل ضد الظلمة الذین استعملوه فی طریق الشر وظلم الناس والسیطرة علیهم ومنه قول الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

ما صارمٌ إلا وفی شفراته نحرٌ لآل محمد منحورٌ

أنت الولی لمن بظلم قتِّلوا وعلی العدا سلطانک المنصور(2)

ص:181


1- (1) أمین، (عبد القادر حسن أمین): شعر الطرد عند العرب دراسة مسهبة لمختلف العصور القدیمة مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 1972 م: 74.
2- (2) دیوان الحلی جعفر: 259.

فهنا الشاعر استعمل لفظة الصارم وهو (السیف) رمزاً للباطل والظلم وأن هذا السیف قد قام بذبح أهل البیت أی بقتل الحق وأنه لا یوجد صاحب ثأر غیر الإمام لیأخذ بثأره من هذا السیف الظالم وممن شهره.

وکذلک قول الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

فأسیافنا صدأی وظمأی رماحُنا وأیماننا غرثی إلی جزْرِ جَزّارِ

وأصواتنا تشکو إلیک بحاجة بحلبة داع أو بندبة أشعار(1)

فالشاعر هنا رمز بالسیف إلی المنتظرین الذین هیأوا أنفسهم للدفاع عن الحق مع إمام منصور یستنهضونه للقیام بالأمر بأسرع وقت لکی یکونوا من الصف المدافع عن الدین والحق ضد الباطل والظلم وقد جمع الشاعر بین السیف الذی یمثل سلاح المعرکة وبین الصوت الذی یمثل الصدی الإعلامی لکل الوقائع.

ومنه قول الشاعر حیدر الحلی: (من المتقارب)

ولابدَّ من أن نری الظالمین بسیفک مقطوعة الدّابرِ

بیوم به لیس تُبقی ظباکَ علی دارعِ الشِّرکِ والحاسرِ(2)

وهنا الشاعر یستنهض الإمام وهو علی یقین بأن هذا الیوم آت لا محالة منه وانه سوف یری الظالمین یُقطّعون بسیف الحق ولیس لهم من ناصر.

ومنه قول الشاعر إبراهیم الطباطبائی: (من الطویل)

ص:182


1- (1) شعراء الغری: 180.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 73.

وکم ذا وقلبُ الدین صادٍ غلیله تلثّمُ عِرنین المهنّدِ بالصدِّ

أطلتَ نزوحاً والعدوُّ بمرصد یجرِّدُ أسیافاً وسیفکَ فی الغمدِ(1)

فهنا الشاعر یستنهض الإمام ویطلب منه النهوض وأن یجرد سیفه؛ لأن سیوف الظالمین قد أمنت بعدم خروج سیف الحق وأنه صدأ نتیجة بقائه فی غمده طویلاً.

ومنه قول الشاعر محمد مال الله: (من الطویل)

هو الخلفُ المأمولُ والحجّةُ التی تقیمُ اعوجاجَ الدین بالسیفِ مُجهرا

اذا قام فالأملاک تأتی لنصرهِ اذ النصرُ من عند الاله تقدَّرا(2)

هنا یرمز الشاعر للسیف الذی یقوم اعوجاج الدین أی جیش الحق وعدته وقوته فی ایقاف دابر الظلم والقضاء علیه.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

وأن کشرت عن نابها الحربُ راضها ببأس کفی عن سَلِ ّ مرهفة العضبِ

وأبیض من أسیاف احمد لم تزل تحاذره أعداه طائشة اللبِ (3)

فهنا الشاعر یرمز إلی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بأنه السیف الساطع من سیوف الرسول محمد (صلی الله علیه وآله) أی هو الضارب والقاضی علی الباطل والظلم ومعید الدین الی أصله الحق الذی جاء به الرسول الأعظم (صلی الله علیه

ص:183


1- (1) الهلالی، (جعفر): معجم شعراء الحسین، تقدیم عبد الهادی الفضلی، مؤسسة ام القری للتحقیق والنشر، بیروت، 2004 م: 77/2.
2- (2) دیوان مال الله: 96.
3- (3) دیوان الأعسم: 56.

وآله). وأیضاً قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

حتام هذا الصبر یا بن الأنزع عجل فغیرک مالنا من مفزع

والی م سیفک صادیاً ألغیره قد قیل للدنیا أطیعی واسمعی(1)

فهنا الشاعر یرمز إلی دولة الحق والعدل الإلهی بالسیف الذی قیل له أنت الفارق بین الحق والباطل وأنت صاحب العدل ولیس له سواک ناشر.

ص:184


1- (1) دیوان شکر: 46.

5. ألفاظ الحیوان

لقد احتل الحیوان مساحة واسعة من شعر الشعراء العرب لأنه "رفیق سفرهم، وشریکهم فی الکفاح ضد مؤثرات الطبیعیة وعواملها" (1) ونجد الشعراء أیضاً قد استعملوا أسماء الحیوانات للدلالة علی الخیر والشر فی أشعارهم وذلک لاحتلال الحیوان مکاناً مهماً فی الحیاة مما مثل لدیهم قیمة فنیة للتعبیر، ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

فتکت بقارعة الطفوف ذئابها بمدجج لنزار او بمقنع

واستأصلت بالبارقات أشاوساً منکم سوی در الوغی لم ترضع(2)

فهنا الشاعر یمثل الظلم والظلمة بالذئاب الجائعة التی هجمت علی الأشاوس واستغلت کثرتها للقضاء علیهم لأنهم یمثلون الحق والعدل. وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

متی نری خیلک شعثاً طلعت علی العدی بالعدد المجمهر

تقودها مثل أضامیم القطا أو قطع المجلجل الکنهور(3)

ص:185


1- (1) المصلاوی، (د. علی کاظم): لغة شعر دیوان الهُذلیین، رسالة ماجستیر إلی مجلس کلیة الآداب - جامعة الکوفة: 60.
2- (2) دیوان شکر: 46.
3- (3) دیوان الأعسم: 57.

فهنا الشاعر یدعو الإمام للظهور حتی یری خیل الحق أی أصحاب الحق والعدل وقد رمز لها بالخیل أی جنود الله والمطالبین بثأر اهل البیت مشبهاً کثرتهم بقطع السحاب المتراکم. وقال الشاعر محسن ابو الحب: (من البسیط)

یرضیک أن العلی صرعی ضیاغمها ودمنة الغیّ ترعی النجم أکلبها

آلت صوارمنا ألاّ نجردّها الا أمامک أو ینفل مضربها(1)

فهنا الشاعر قد استعمل لفظتی الضیاغم ویقصد بها أهل البیت من الحسین وأصحابه والکلاب الذین خرجوا لحرب الحسین والذین ناصروهم فی واقعة کربلا وأنهم ینتظرون طلعته البهیة لیجردوا صوارمهم للدفاع عن الحق.

وأیضاً قول الشاعر جعفر الحلی: (من الرمل)

فمتی تطلُعُ فینا شُزّباً کالقطامیاتِ تومی بالهوادی

فوقها من آل فهر فتیةٌ یَرِدون الحربَ کالأُسدِ الوِرادِ

یُطربون الخیلَ فی ذکرِ الوغی فهی تنزو فیهم نَزْوَ الجرادِ(2)

فهنا الشاعر یرمز بالأسود إلی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأصحابه لکی یأخذوا بثارات المظلومین من الظلمة ویجهزون علیهم کما یجهز الجراد علی نباتات الأرض بأسرابه الکبیرة فیطبق علیها.

ومن الملاحظ أن الشعراء قد وظفوا صفة التشابک بین ألفاظ السلاح وألفاظ الحیوان من أجل خلق صور فنیة للتعبیر عما یجول فی خواطرهم.

ص:186


1- (1) دیوان أبو الحب: 57.
2- (2) دیوان الحلی جعفر: 244.

الفصل الثانی: الصیاغة

اشارة

ص:187

ص:188

الصیاغة فی اللغة: مشتقة من الفعل صَاغَ، أی صَاغَ الشیءَ یصُوغهُ صَوغاً وصیاغةً... بمعنی سبکه(1) والصیاغة فی الشعر ترادف السبک، لأن السبک ان ترتبط کلمات البیت بعضها ببعض(2).

وفی الصیاغة تظهر مقدرة الشاعر الأدبیة، فلا قیمة للمادة اللغویة قبل أن یرکبها بطریقة "تعبر عن دلالاتها أشد توهجاً، لا یستطیع جزؤها المفرد التعبیر عنها"(3).

وتُعد الصیاغة من العوامل المهمة فی صناعة الشعر؛ إذ إنها تمثل قدرة الشاعر وبراعته وإبداعه فی نظم الشعر وکذلک تبین مدی فنیة الشاعر فی رصِ المفردات وضمها بعضها إلی البعض الآخر ضمن العمل الشعری له إذ" لا نظم فی الکلم ولا ترتیب، حتی یعلق بعضها ببعض، ویبنی بعضها علی بعض..."(4).

ص:189


1- (1) ینظر لسان العرب مادة (صاغ).
2- (2) ینظر ابن منقذ، (أسامة ت 584 ه -): البدیع فی نقد الشعر، تحقیق د. احمد بدوی ود. حامد عبد المجید، مراجعة الأستاذ إبراهیم مصطفی، مصر، 1960 م: 163.
3- (3) لغة الشعر الحدیث فی العراق: 181.
4- (4) الجرجانی، (أبو بکر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد ت 474 ه -): دلائل الإعجاز، تحقیق محمود محمد شاکر مکتبه الخانچی، القاهرة، ط 5، 1424 ه -: 55.

وعلی هذا فإن الشاعر یعمد إلی عدد کثیر من الفنون والأسالیب التی تتنوع بتنوع أحاسیسه وانفعالاته وما یشعر به لحظة إبداعه الشعری ومهما یکن من أمر فإن هذه الأسالیب علی ثلاثة أضرب.

1. أسالیب نحویة: ومنها (الاستفهام والأمر والنداء والتقدیم والتأخیر والحذف).

2. أسالیب بیانیة: ومنها (التشبیه والاستعارة والمجاز).

3. أسالیب بدیعیة: ومنها (الاقتباس والتضمین والتکرار والجناس والترصیع والتصریع والتدویر).

ولهذا تنوعت الأسالیب فی شعر الاستنهاض لدی الشعراء ومنها:

ص:190

أولاً: الأسالیب النحویة

الاستفهام

"هو طلب العلم بشی لم یکن معلوماً من قبل، وهو الاستخبار، الذی قالوا فیه أنه طلب خبر ما لیس عندک أی طلب الفهم" (1) أو هو "طلب حصول صورة الشیء فی الذهن" (2) وقد یخرج الاستفهام لمقاصد أسلوبیة دافعها دلالی تأثیری بالدرجة الأساس، وهو نوع من أنواع التوسع فی اللغة وهو مقیاس قدرة الشاعر علی استخدام الأسالیب والربط فیما بینها، وتتم الإفادة عادة من إحدی أدوات الاستفهام والمتمثلة بحرفی الاستفهام (هل والهمزة) أو من أسمائه المتمثلة ب - (ما، من، أین، کم، متی، أیان...) وقد شغل هذا الأسلوب مساحة واسعة من شعر الاستنهاض ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

متی تدرک الثأر الذی أنت طالبه متی تملک الأمر الذی أنت صاحبه

لقد ملأ الدنیا سناک ولم یلح لعینی یوماً من جبینک ثاقبه(3)

ص:191


1- (1) مطلوب، (د. احمد ود. کامل حسن البصیر): البلاغة والتطبیق، بغداد، ط 1، 1982 م: 131.
2- (2) الجرجانی، (علی بن محمد بن علی السید الزین أبو الحسن الحسینی الحنفی 816 ه -): کتاب التعریفات، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، ط 1، 2005 م: 18.
3- (3) دیوان أبو الحب: 52.

فقد استعمل الشاعر هنا أداة الاستفهام (متی) وقام بتکرارها لغرض التأکید علی زمن الظهور وساعده فی ذلک هذا الأسلوب، وأیضاً جودة الأداء، ثم إن تراکم اللفظة اکسب النص بعداً دلالیاً عمیقاً، اذ جعل التساؤل مستمراً لدیه.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

إلی م لنا فی کلِ ّ یوم شکایةٌ تعج بها الاصوات بحاً من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا من الضیم والاعداء آمنة السربِ (1)

فهنا الشاعر استخدم اسلوب الاستفهام فی مطلع بیته الأول وحاول فیه اظهار التعجیل وذلک لجعل المتلقی مشارکاً له فی الحالة الشعوریة التی یعیشها، من الظلم وانتشار الباطل.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الطویل)

حتی م سیدنا تبقی العباد سدی فصارم الصید من فرط الصدود صدا

قم کی تری عرصات الدین قد طمست بالجور والجبت والطاغوت قد عبدا(2)

فهنا الشاعر یقف متعجباً لما یجری علی العباد من الظلم والطواغیت، ولا یمکن للإنسان الواعی ان یقف متفرجاً أو ان یسکت عنها لذلک یبین الشاعر صوت الرفض لهذا الظلم کما یناشد الناس بعدم السکوت علیه ورفضه.

وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

متی یأتی فنسعف فی زمان نبیت به بأفئدة صحاح

ص:192


1- (1) دیوان الأعسم: 53.
2- (2) دیوان شکر: 25.

تحفُ به الکتائب من لؤیً ّ کِرام الخِیم ترفلُ بالسلاح(1)

فهنا الشاعر استعمل اسلوب الاستفهام الذی خرج الی التعظیم من قدر الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وقیادته الی العالم ونشره للحق الذی هو مبتغاة کل الشعوب فی کل بقاع الأرض. وقال الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

متی نری خیلک موسومةً بالنصر تعدو فتثیرُ الغبار

متی نری الاعلام منشورةً علی کُماة لَم تَسَعها القفارْ

متی نری وجَهکَ ما بیننا کالشمس ضاءتْ بعد طول استتار(2)

وهنا الشاعر أیضاً استعمل أسلوب الاستفهام التکراری، إذ جعل التساؤل مستمراً فی قصیدته ولعله قصد هذا التکرار لیمکن المتلقی من إضافة ما لدیه من تساؤلات قد یکون الشاعر استغنی عن ذکرها فی قصیدته.

وقال الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

فمن مبلغ ابنَ العسکریِ ّ الذی جری علیهن من سبِ ّ ومن هتکِ أستار

شواردُ من أستارها مستضامةٌ مُروَّعةٌ من بعد عزًّ وأخدار(3)

فهنا الشاعر استعمل أسلوب الاستفهام الذی خرج إلی الطلب وذلک للتعبیر عن ما فی نفسه وما یحس به من ظلم جری ویدعو إلی إخبار الإمام علیه السلام لأنه لیس له طاقة علی إخباره حیث جعل الأمر مرهوناً بالمتلقی لیشده إلی واقعه والدفاع عن الحق.

ص:193


1- (1) دیوان کمونة: 38.
2- (2) دیوان الحلی جعفر: 244-246.
3- (3) شعراء الغری: 180.
الأمر

وهو طلب استدعاء الفعل والإجابة من المخاطب علی جهة الإلزام والاستعلاء(1) وقد استعمل الشعراء أسلوب الأمر فی کثیر من شعر الاستنهاض وقد تخرج هذه الصیغ من معانیها الحقیقیة إلی معان أخر مجازیة یُفهم من خلال السیاق والقرائن. وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

ألا فانهضْ فما هذا التوانی أمالکَ من مقامِکَ من بُراحِ

فقد عاثت بکم أیدی الأعادی وثارَ الجورُ بالجیش الرداحِ (2)

فهنا استعمل الشاعر فعل الأمر (انهض) وقد خرج من معناه الأصلی إلی معنی آخر مجازی وهو التماس لنهوض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. وقال الشاعر حیدر الحلی: (من المتقارب)

وقلْ: إنّ قائمَ آلِ النبیِ ّ له النهیُ وهو هو الآمرُ

أیمنعُ زائره الاعتقا ل مما به ینطقُ الزائرُ؟!(3)

وهنا استعمل الشاعر فعل الأمر (قلْ) للدلالة والتأکید علی النصح والإرشاد بأن صاحب الأمر هو الإمام الحجّة وله الأمرُ والنهی.

وقال الشاعر إبراهیم الطباطبائی: (من الطویل)

أثرْها تشدُّ البیدَ شعواءَ غارةً سمیراک فیها الرمحُ والصارمُ الهندی

ص:194


1- (1) القزوینی، (جلال الدین محمد بن سعید الدین بن عبد الرحمن ت 739 ه -): الإیضاح فی علوم البلاغة، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط 1، 1985 م: 141.
2- (2) دیوان کمونة: 38.
3- (3) دیوان الحلی حیدر: 73/1.

أباحوا بمستنِ ّ النِّزال دماءکم بمسنونةِ الغربینِ مرهفة الحدِّ(1)

وهنا أیضاً استعمل الشاعر فعل الأمر (أثرْها) وأکده بالضمیر وذلک لبیان شدة الطلب والحث علی أخذ الثأر بقوة وسرعة.

وقال الشاعر محمد مال الله: (من الطویل)

فأغرقْه فی بحر العذابِ مُعجِّلاً علیه فقد ذابت من الفرقة المهجْ

فکم شنّ فی الإسلام غاراتِ بَغیهِ إلی حیث ألقی الدینَ فی منتهی الحرجْ (2)

فقد وظف الشاعر هنا فعل الأمر (أغرقْ) للطلب والدعاء من الله سبحانه وتعالی للتعجیل بالانتقام من الذین حرفوا الدین. وقال الشاعر صالح الکواز: (من السریع)

أغثْ رعاک الله من ناصر رعیةً ضاقَ علیها القِفارْ

فهاک قلِّبها قلوب الوری أذابها الوجدُ من الانتظارْ(3)

وهنا وظف الشاعر فعل الأمر الذی خرج عن معناه الأصلی إلی معنی (الرجاء) طالباً من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف إنقاذ الرعیة، التی أذابها ألم الفراق والانتظار.

النفی

وهو "أسلوب نقض وإنکار یستخدم لدفع ما یتردد فی ذهن المخاطب"(4)"وکذلک یستعمله الشاعر لدفع ما یتردد فی ذهن المتلقی من أمور کان یعتقد

ص:195


1- (1) معجم شعراء الحسین: 76.
2- (2) دیوان مال الله: 106-107.
3- (3) أروع ما قیل فی محمد وأهل بیته: 646.
4- (4) المخزومی، (د. مهدی): فی النحو العربی نقد وتوجیه، منشورات المکتبة العصریة، بیروت، ط 1، 1964 م: 246.

بحدوثها، فیعمل الأدیب علی إزالة ذلک الاعتقاد ومحو الشک بالنفی والإنکار" (1) ویؤدی هذا الأسلوب بواسطة حروف عدة منها (ما، لا، لم، لن، ولیس...) وذلک لقوتها فی إبراز النقض والإنکار لکل ما هو سلبی فی نظر الشاعر ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

لقد زعم الأقوام أنک لم تکن أو انک میت ضم جثتک القبرُ

وأنت الذی أحللت موسی محله ونال ولم یجحد حیاة بک الخضر

وقد غاب نوح قبل ما غبت برهة من الدهر حتی آب والعذر الغدر

وغیبة عیسی لم تکن خوف قتله ولکنها سر وغیبتک السرُّ(2)

لقد کرر الشاعر فی أبیاته أداة النفی (لم) وذلک لتأکید ضرورة حتمیة وهی وجود الإمام وغیبته وأنها لم تکن الغیبة الأولی من نوعها ولکنها کانت لأنبیاء وصالحین قبله، مشبهاً غیبة هؤلاء الأنبیاء بغیبة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

صبراً نزار وان تکن أرزاؤکم شابت لذکراها رؤوس الرضع

فلسوف یجذب من مغامد بأسکم سیفاً بغیر سنا الردی لم یلمع

ویثور من غاباتکم واجامکم لیث سوی هام العدی لم یرتع(3)

فقد استعمل الشاعر هنا أداة النفی مع الفعل المضارع وذلک لتأکید أن الأمر سوف یحصل لا محالة ولا هروب منه وأن هذا الأمر سوف یکون علی ید إمام

ص:196


1- (1) فی النحو العربی نقد وتوجیه: 247.
2- (2) دیوان أبو الحب: 83.
3- (3) دیوان شکر: 48.

من أهل البیت علیهم السلام. وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

فحتی متی نغضی الجفون علی القذی ونلوی لأعدانا الرقاب تخضّعا

أغثنا فقد أودی بنا الجور حیث لا نری فی الجهات الست غیرک مفزعا(1)

فهنا الشاعر استعمل أسلوب النفی ب - (لا) للدلالة والتأکید علی عدم وجود شخص یحل محل الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف لنصرة الأمة وإغاثتها من الظلم وحکام الجور. وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

ولیس بناهب منی فؤاداً فتور لواحظ البیض الملاح

ولا باتت تعاطینی الحمیا من الابریق جائلة الوشاح

ولا نادمت ذا طرف کحیلٍ نزیقاً من غبوق واصطباح

ولکنی امرؤ عشق المنایا فجاوز فی الهوی حد الجماح(2)

أکد الشاعر من خلال تکرار أدوات النفی (لیس، ولا) أنه لم یعش لیتمتع ویلهو أو ینادم وإنما هو خلق وکبر علی الحب والهوی ولکن هذا الحب والهوی من نوع آخر هو حب الحریة واستقبال دولة الحق بقیادة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وقال الشاعر علی سلیمِان النجفی: (من الطویل)

وکم من مصونات عفاف تروّعت وکم من دم یجری وکم حُرّة حسری

وأنت خبیر بالرزایا وما جری من القوم مالمْ یَدَعْ بعده صبرا(3)

ص:197


1- (1) دیوان الأعسم: 147.
2- (2) دیوان کمونة: 38.
3- (3) أروع ما قیل فی محمد وأهل بیته: 680.

فقد استعمل الشاعر هنا النفی ب - (لم) وذلک للتعبیر عن نفاذ صبره وعدم تحمله للبقاء فی ظل الظروف التی یعیشها معبراً بذلک عن حالته النفسیة ومشارکاً بالهموم للآخرین.

النداء

وهو أاسلوب یقصد به الحضور والاقتراب المادی أو المعنوی من الطرف الآخر، "وهو رفع الصوت ومده بأدوات معینة لتنبیه المنادی وحمله علی الإصغاء الی خبر او طلب" (1) وتتألف حروف النداء من (الهمزة، یا، وآ، وآی، وهیا، ووا) وقد استعمل النداء فی کثیر من قصائد الاستنهاض وذلک لما له من قابلیة علی تهیئة أرضیة نفس المتکلم، وتوصیل الشعراء أفکارهم بصورة مباشرة الی المتلقی.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من السریع)

یا نادب المهدی من شیعته دونک بشری باقتراب الظفرِ

دنا لقاه فاصطبر له تفزْ به فإن الفوزَ للمصطبرِ(2)

تحدث الشاعر فی هذین البیتین بلسان حال الذی یندب الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف وقد استعمل اداة النداء (یا) وهی للبعید، لیوحی بأن الذی یندب مهما کان موقعه ومکانه وزمانه فهو بحاجة الی ندبة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف للفوز بلقیاه.

ص:198


1- (1) البیاتی، (سناء حمید): نحو منهج جدید فی البلاغة والنقد دراسة وتطبیق، منشورات جامعة قان یونس، بنغازی، ط 1، 1998 م: 67.
2- (2) دیوان الأعسم: 58.

وله أیضاً: (من الوافر)

فیا من حل فی قلبی هواه محل الروح من جسد الجبان

منحْتکَ مُذ حییت صفاء ود به نطق اللسان عن الجنان(1)

ویبدو أن الشاعر أیضاً قد استعمل أداة النداء (یا) لبیان عقیدته فی حب الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف وانتظاره والرغبة فی رؤیاه، وأنهما جزءان یکمل بعضهما الآخر کما یکمل الروح الجسد.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

یا غیرة الله حتی م التجرع من جند الضلال الردی فالصبر قد نفدا

إلی من المشتکی إلا إلیک فقم أما تری الظلم أوهی بعدک الجلدا(2)

ویبدو استعمال الشاعر للنداء فی هذین البیتین لم یکن الغرض منه النداء صراحة بقدر ما أراد تعظیم هذا الأمر الذی تمر به الأمة، ومن الجانب آخر تعظیم شأن الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف عند الله سبحانه وتعالی.

وقال الشاعر جواد بدقت: (من مجزوء الرمل)

سیدی یا کاشف علی عظم المراسی

سیدی إنَّ رجائی قد أذهب یاسی(3)

الکرب

فیک

فقد بین الشاعر فی أسلوب النداء الذی استعمله فی أبیاته غرض الترجی وذلک لبیان حاجته إلی الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:199


1- (1) دیوان الأعسم: 62.
2- (2) دیوان شکر: 25.
3- (3) دیوان بدقت: 89.

وقال الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

أدرک تراتک أیها الموتورُ فلکم بکل یدٍ دمٌ مهدورُ

أنت الولی لمن بظلم قُتِّلوا وعلی العدی سلطانُکَ المنصورُ(1)

لقد استعمل الشاعر هنا (أیّ) وقد جاء بها للتعظیم لبیان منزلة الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف عند الشاعر والمتلقی(2).

وقال الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

أمولای یا بنَ العسکری إلی متی علی الدین من أعداک أسمال أطمارِ

أعزاءُ فینا نرتضیهم وإننا أذلاء فیهم تلک قسمة ُ اجبارِ(3)

لقد وظف الشاعر حروف النداء فی أبیاته لتأکید نسبة الفرق بین شیعة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ومنتظریه ومحبیه وبین أعدائه والناصبین له العداء.

وقال الشاعر حیدر الحلی: (من المتقارب)

أقائم بیتِ الهدی الطاهرِ کم الصبر فتّ حشا الصّابرِ

وکم یتظلّمُ دینُ الإله إلیک من النّفرِ الجائرِ(4)

لعل الشاعر استعمل (الهمزة) وهی للقریب وذلک للدلالة علی قرب الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لبیت الله الحرام الذی یعد البذرة الأولی فی الحق والعدالة الإلهیة وکونه أیضاً منطلق الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف للظهور فی آخر الزمان.

ص:200


1- (1) دیوان الحلی جعفر: 255-259.
2- (2) معانی النحو: ج 4، ص 283.
3- (3) شعراء الغری: 178-180.
4- (4) دیوان الحلی حیدر: 73-78.
أسلوب الشرط

هو أسلوب تلازمی بین الطرفین، بمعنی أن الأول یستلزم الثانی، والثانی یتوقف علی الأول، وهذا ما یجعل المتلقی فی حالین متغایرین، فحالٌ من الغموض یتبعها حالة من الإیضاح، وقد استعمل الشعراء فی قصائد الاستنهاض هذا الأسلوب.

ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

(أبو صالح المهدی) واحد عصرنا فأکرم به من واحد العصر صاحب

یهتک أستار الغیوب بفکرة إذا هی زجت أحضرت کل غائب(1)

لقد استعمل الشاعر اسلوب الشرط ب - (إذا) وذلک لامتصاص انفعالاته العاطفیة والنفسیة مما یؤدی الی خلق توازن نفسی لدی المتلقی، إذ إن جملة الشرط تبقی ذهن المتلقی متحفزاً لحین مجیء الجواب.

وقال الشاعر محسن ابو الحب: (من الطویل)

ووالله لولا أن حلمک واسع لما عبثت فینا سیوفهم البترُ

ولکنّ أمر الله فیک ونهیه فأنت له نهی وأنت له أمرُ(2)

فهنا الشاعر یبین من خلال استخدامه (لولا) حتمیة الأمر والقضاء وأنه خارج عن سیطرة البشر وأنه بید الله سبحانه وتعالی فجعل الجواب (لما عبثت) متعلقاً بفعل الشرط (حلمک) والمتمثل بالقضاء والوعد المحتوم.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

ص:201


1- (1) دیوان الکواز: 86.
2- (2) دیوان ابو الحب: 53.

زلزل بعزمک أرجاء البسیط ابن عزماً إذا ما وعاه یذبل سجدا

ألست من فیه أبدی الله قدرته للخلق واختاره دون الأنام یدا(1)

فالشاعر هنا یرسم صورتین، الأولی عزم الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وقدرة الله التی کمنت فیه، والثانیة قوة هذا العزم واختیاره لیکون ناشر العدل المحتوم وإقامة دولة الحق مستعملاً بذلک (ما) لتأکیده.

وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

أما لولا وعودک وانتظاری قیامک بالعشیة والصباح

لعاجلنی الردی وقضیت نحبی وما روحت قلبی بارتیاح(2)

هنا الشاعر جعل من (لولا) حتمیة الوقوع سبباً لفلسفة انتظاره، وأن هذا الانتظار جاء نتیجة عقیدة راسخة لدی کل من الشاعر والمتلقی.

اسلوب التوکید

وهو اسلوب من الاسالیب الترکیبیة استعمله الشعراء فی الاستنهاض لما یفرضه واقع الحال علی الشاعر، فضلا عن الخلفیة المعرفیة التی یمتلکها المتلقی وطبیعة الموضوع، من ذلک تنشأ رغبة ملحة بین الطرفین الشاعر والمتلقی بالإتیان بنوع من انواع التوکید الذی یفرضه السیاق فی العمل الفنی ومن ذلک قول الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

متی نری خیلک موسومةً بالنصر تعدو فتثیر الغبار

ص:202


1- (1) دیوان شکر: 25.
2- (2) دیوان کمونة: 39.

متی نری الاعلام منشورةً علی کُماةٍ لم تَسَعْها القفار

متی نری وجهک ما بیننا کالشمس ضاءت بعد طولِ استتارْ

متی نری غُلْبَ بنی غالبٍ یدعون للحرب البدارُ البدارْ(1)

استعمل الشاعر هنا اسلوب تکرار الجملة والمدعوم بأسلوب الاستفهام ب - (متی) من أجل بیان حقیقة ثابتة، لیزید من ایقاعیة النظم المنفعل الذی جسدته الألفاظ وذلک لیزید من حدة الخطاب وابراز ملامحه المضمونیة لدی المتلقی.

وقال الشاعر حیدر الحلی: (من المتقارب)

وإنّا وإن ضرَّستنا الخطوب لَنعُطیکَ جَهَد رضی العاذِرِ

ولکن نری لیس عند الال - - ه أکبرَ من جاهک الوافر(2)

استعمل الشاعر هنا (إن) للتوکید وذلک للاعتراف والإقرار بصعوبة الأمر لیؤکدٍ ما یعانی منه الشاعر والحالة التی تمر به مما یجعل المتلقی الذی یعیش نفس الظروف مشارکاً له فی احاسیسه وانفعالاته.

وقال الشاعر جعفر الحلی أیضاً: (من الطویل)

أتغضی فداک الخلق عن أعین عبری تودّ بأن تحظی بطلعتک الغرّا

أتغضی وأجفان النواصب قد غفت ولم یرقبوا منا وأجفاننا سهری

أتغضی وذی أرزاؤکم قد تتابعت فجایعها فی کل آنٍ لنا تتری(3)

فهنا الشاعر استعمل اسلوب التوکید من خلال التکرار لیؤکد الحالة المأساویة التی یمر بها المجتمع والشاعر الذی هو جزء منه ویقارنها بالمأساة التی

ص:203


1- (1) دیوان الحلی جعفر: 244-246.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 73/1-78.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 59.

مرت علی أهل البیت علیهم السلام ویؤکد بذلک تشابه هذه المصائب رغم اختلاف الزمان والمکان. وقال الشاعر صالح الکواز: (من الکامل)

أفلا یُهیجُک یا بنَ احمدَ أن تری أنّ الشریعة لا تری حامیها

أفلا یهیجک أنَّ فاطمَ قد زوتْ منها نُحَیلتُها وإرثُ أبیها(1)

فهنا الشاعر استعمل أکثر من مؤکد ک - (التکرار، أنَّ) للدلالة علی معانٍ وأحداث قد جرت علی أهل بیت الإمام لاستنهاضه وإثارته طلب الثأر کما جعل تأکیده نقل واقع حال المتلقی الذی عبر عنه الشاعر.

وله أیضاً: (من البسیط)

فلتلطم الخیلُ خدَّ الأرضِ عادیةً فإنَّ خدَّ حسین للثَّری ضَرَعا

ولتملأِ الأرض نعیاً فی صوارمکم فإنَّ ناعی حسین فی السماءِ نعی(2)

وأیضاً هنا استعمل الشاعر تکرار (إنّ) المؤکدة لتحویل الصورة الذهنیة وهی نعی الإمام الحسین علیه السلام فی السماء عند المتلقی إلی صورة حسیة مطالباً بها جنود الحق أن ینتقموا من الظلمة فی کل بقاع الأرض.

وقال الشاعر محسن أبو الحب: (من الوافر)

فلا والله لا أنسی رجالا لکم فی الطفّ جُرّعت الحماما

نجوم کلّهم کملت بدوراً فما منها تری إلا تماما(3)

ص:204


1- (1) شبر، (جواد): أدب الطف، او شعراء الحسین من القرن الأول الهجری حتی القرن الرابع عشر مؤسسة التاریخ العربی، بیروت، ط 1، 2001 م: 110/1-112.
2- (2) الموسوعة الشعریة المهدویة: 298/3.
3- (3) دیوان أبو الحب: 139.

لقد وظف الشاعر هنا القسم لزیادة التوکید، من اجل بیان تفاعلات الشاعر مع الأحداث، وجعله متنفساً له وللمتلقی وربطهما مع الواقع الذی یعیشانه.

وله أیضاً: (من الخفیف)

أنت نوحٌ فاستئصل القوم واجعل غمرَ طوفانک السیوف الصقالا

أنت داود آل احمد فانهض طال جالوت فی الملا واستطالا

أنت موسی الکلیم حقّاً ألا ادحض کیدَ فرعون واترک الإمهالا(1)

لقد استعمل الشاعر هنا أسلوب التوکید والمتمثل بالتکرار مع التشبیه وذلک لبیان العلاقة بین الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ودعوة الأنبیاء فی الإصلاح وأنه الفرع من الأصل وأنه مکمل لما أنزله الله من تعالیم وعقائد علی هذه البشریة جمعاء.

أسلوب التقدیم والتأخیر

وهو من الأسالیب الترکیبیة التی یلجأ إلیها الشعراء لتأکید أهمیة المقدم، أو تعظیمه أو إخبار السامع وتنبیهه علی علو منزلته "ومما لا ریب فیه ان ای تغییر فی نظام الجملة من حیث ترتیب الکلمات أو نظمها یُنبئ عن معنی جدید یوحیه إلینا ذلک التعبیر" (2) وقد استعمل الشعراء هذا الأسلوب فی شعر الاستنهاض ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من الکامل)

وبکم لموسی حیث سخرت العصا بلغ المرام بها وضل المبطل

وبسرکم عیسی أجاب نداءه الأموات منطبقاً علیها الجندل(3)

ص:205


1- (1) م. ن: 124.
2- (2) ینظر نحو منهج جدید فی البلاغة والنقد، دراسة وتطبیق: 44.
3- (3) دیوان الکواز: 50.

لقد استعمل الشاعر هنا اسلوب التقدیم والتأخیر من أجل حصر المعجزات بالأنبیاء، وان هذه المعجزات کانت رداً علی المکذبین والکفار وذلک لتأکید معجزة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنها لیست من خوارق العادات.

وقال الشاعر محسن أبو الحب: (من الوافر)

علی نوب تکاد الأرض منها تسیخ وتسقط السبعُ انهداما

هوت أفلاکها وأبیک لو لم تکن یا بن الکرام لها قواما(1)

استغل الشاعر أسلوب التقدیم والتأخیر من خلال تقدیم الجار والمجرور (علی نوب) علی الفعل لتعظیم منزلة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأنه قوام الأرض والسماء، وهذا یبین ما فی نفس الشاعر والمتلقی من عقیدة راسخة، فضلاً علی اعطاء جرعة قویة للنفس مما یجعلها تتأهب لهذا الانتظار.

وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

فجد لی یا ابن العسکری بما به تعللت مذ نیطت علیّ تمائمی

علیکم سلامُ الله مادام ودکم علی من براه الله ضربة لازم(2)

لقد وظف الشاعر أسلوب التقدیم والتأخیر إذ قدم الخبر (علیکم) علی المبتدأ (سلام) لأجل طلب الشفاعة من أهل البیت علیهم السلام وبالخصوص من الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وبهذا یصرح الشاعر عن عقیدته بشکل واضح وصریح وبخاصة فی باب الشفاعة.

ص:206


1- (1) دیوان أبو الحب: 139.
2- (2) دیوان الأعسم: 68.

ثانیاً: الأسالیب البیانیة

اشارة

? البیان لغة: هو الظهور والوضوح والکشف، فقد جاء فی معجم مقاییس اللغة أن البیان من "بان الشی وأبان: اذا اتضح وانکشف، وفلانٌ أبینُ من فلان، أی أوضح کلاماً منه"(1).

وفی لسان العرب" بان الشی بیاناً: اتّضح، فهو بیّنٌ، وأبان الشی فهو مبین وأبنته أنا: أی وضّحته، واستبان الشی: ظهر واستبنته أنا: عرفته والتبیین: الایضاح"(2).

وأما البیان اصطلاحاً: "فهو أصول وقواعد یُعرفُ بها إیراد المعنی الواحد بعبارات یختلف بعضها عن بعض فی وضوح الدلالة العقلیة علی نفس ذلک المعنی"(3).

" وغایته تمکین المتأدّب من مجاراة البلغاء من حیث وفاؤه بمقتضیات المعانی وبمتطلبات الذوق والجمال، ومدی إیحائها وبعد مرماها الذی تهدف

ص:207


1- (1) معجم مقاییس اللغة، مادة (بین).
2- (2) لسان العرب: مادة بان.
3- (3) الإیضاح: 326.

إلیه"(1). مما یدل علی إجادة الشاعر، وإبداع مهارته، وفهم أسالیبه المتعدّدة، واختیار الابلغ منها، والأوضح دلالة. ویمکن حصر موضوعات علم البیان بالأضرب الآتیة: (التشبیه، المجاز، الاستعارة...).

وهی جمیعاً فصول تظهر لنا کیف أن معنیً واحداً یستطاع أداؤه بأسالیب عدّة وطرائق مختلفة من صور الحقیقة والمجاز، وألوان التشبیه والاستعارة مما یتفنن فیه الشعراء، والناثرون العرب، ومما یستطیع المبدع أن یتوسّله لبلوغ أرقی درجات البلاغة وأسماها. ومما یتدخل فی الصیاغة، أسالیب بناء الصورة الفنیة باستعمال الفنون البیانیة کالتشبیه والاستعارة والمجاز والکنایة أو بعدم استعمال تلک الفنون مثلما هو الحال فی الصورة التقریریة، ولأهمیة أسالیب التصویر، سوف نقوم بدراستها فی شعر الاستنهاض وبیان دور الشعراء وإبداعهم فی رسم هذه الصور الفنیة ومنها:

1. الصورة الحسیة

یعد التصویر الحسی من أبسط فنون التصویر، وأقربها إلی بیئة الشاعر، "ولاسیما وأنه یعتمد اعتماداً أساسیاً علی التشبیه الذی یقوم بدوره علی الموازنة بین أمرین"(2).

لذلک فان الصورة الحسیة لها أهمیة کبیرة فی عملیة رسم الصورة الشعریة وتجسیدها" إذ تعد مدرکات الحس هی المادة الخام التی یبنی بها الشاعر تجاربه

ص:208


1- (1) الحسینی، (جعفر باقر): أسالیب البیان فی القرآن، قم، 1387 ه -: 196.
2- (2) ینظر: نقد الشعر فی المنظور النفسی: 124.

الشعریة "(1) ولعل من أهم فنون التصویر الحسی تلک الصورة التی اعتمدت حاسة البصر، إذ تعد الحاسة البصریة من أدق الحواس وأکثرها تأثیراً فی الواقع مما دفع الشعراء إلی تناولها وتوظیفها فی أشعارهم ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الطویل)

أما آن لی أخذی بثار الذی قضی شهیداً ومنه القوم قد هشموا الصدرا

عفیراً علی البوغاء عار ولم ینل سوی دمه غسلاً وقلب الهدی قبرا

ومن عجب یقضی علی ظمأ فتی تمد یداه من ندی فیضها البحرا(2)

لقد وظف الشاعر خیاله فی صیاغة صورة فنیة حسیة معبرة عما یجول فی خاطره من انفعالات ومعان، مستعیراً (دم الحسین علیه السلام بدیلاً عن ماء التغسیل و (قلب الهدی) عن القبر کما استعمل الشاعر التشبیه المقلوب مشبهاً بذلک (فیض ید الحسین) بمداد البحر الذی یمد هذا الکون بالماء الزاخر لتحیا به الأرض. وقال الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

أمام القائم المهدی شمس المعالی بدر دائرة الصلاح

هو القطب الذی دارت علیه به أفلاک أفق الافتتاح

وبحرٌ تستمد السحب منه وتستجدیه أمواج السماح(3)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته التشبیه البلیغ (وهو ما حذفت منه أداة التشبیه)(4) فی

ص:209


1- (1) ینظر: عصفور، (د. جابر احمد): الصورة الفنیة فی التراث النقدی والبلاغی، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، د. ط، 1974 م: 373.
2- (2) دیوان شکر: 32.
3- (3) دیوان کمونة: 39.
4- (4) ینظر: الهاشمی، (احمد): جواهر البلاغة، علق علیه ودققه سلیمان الصالح، دار المعرفة، بیروت، ط 2، 2007 م: 234.

البیت الأول حیث شبه الإمام ب - (شمس المعالی) و (بدر الصلاح) وفی البیت الثانی (هو القطب) لرسم صورة حسیة توحی الی فضل الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف علی کل هذا الکون بما فیهم البشر وأنهم بحاجة الیه سواءٌ کان حاضراً أو غائباً. وقال الشاعر محسن ابو الحب: (من الطویل)

ألم تره کاللیث أصحر کاشراً بلحم رسول الله تدمی مخالبه

ألا یوم بدر کان منه الذی بدا وأحدٍ إذا سدت علیه مذاهبه(1)

فالشاعر هنا یشبه اعداء الرسول وأهل بیته باللیث الذی کشر عن أنیابه ومخالبه للانتقام من الرسول لما فعل بهم فی واقعة بدر وأحد.

وقال ایضاً: (من الطویل)

تعج اشتیاقاً کالذیاب إلی الوغی ولیس لها عن نصرة الله زاجر

بثأر حسین یا لقومی شعارهم لک الله من ثأر به الله ثائر(2)

لقد استعمل الشاعر الصورة الحسیة مستعملاً فیها أسلوب التشبیه، حیث شبه أصحاب الإمام بالذئاب التی دخلت إلی ساحات الوغی للانتقام من ظلمة وقتلة الإمام الحسین علیه السلام الذی یعبر عن نصرته بأنها نصرة لله والحق.

ویقول الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

یا قمرَ التَّمِ ّ إلام السرار ذاب محبوک من الانتظارْ

لنا قلوبٌ لک مشتاقهٌ کالنبت إذ یشتاقُ صوبَ القطارْ(3)

ص:210


1- (1) دیوان أبو الحب: 53.
2- (2) م. ن: 85.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 244.

لقد جعل الشاعر هنا القلوب المشتاقة إلی رؤیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف کالنبات الذی یشتاق إلی قطر المطر الذی یمثل حیاته وزهوه قاصداً بذلک عدالة دولة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف بالحق وزهوها.

وقال الشاعر محسن أبو الحب: (من الخفیف)

أیها الصارم الذی لم یبارح غمدَه طالما انتظارک طالا

أنت والله منعش الحیّ بعد الموت أو مهلک العدا استئصالا(1)

فقد شبه الشاعر هنا الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بالسیف، ولکن هذا السیف لم یخرج من غمده للدلالة علی غیبته التی ترکت الأثر فی نفس الشاعر والمتلقی وذلک لطول مدتها.

وقال الشاعر إبراهیم الطباطبائی: (من الطویل)

وکم ذا وقلبُ الدین صاد غلیله تلثّمُ عِرنینَ المهنّد بالصدِّ

أطلت نزوحاً والعدوُّ بمرصدٍ یجرِّدُ أسیافاً وسیفکَ فی الغمدِ(2)

لقد صور الشاعر من خلال ألفاظه صورة حسیة ذات معانِ عمیقة للتعبیر عن الصراع بین الحق والباطل وإن هذا الباطل یجرد کل یوم سیفاً جدیداً ضد الحق وسیف الحق لم یجرد بعد وهذا صراع غیر متکافئ خارج عن عدالة السماء التی أمهلت هذا السیف الظالم من أجل استدراجه إلی قعر جهنم.

وتعد الصورة السمعیة من الصور الحسیة المهمة التی تناولها شعراء الاستنهاض، ذلک" أن أصعب الصور تصویراً صورة المسموعات، إذ لا یجید

ص:211


1- (1) دیوان أبو الحب: 122.
2- (2) معجم شعراء الحسین: 76/2-77.

الأدیب تصویرها إلا إذا سلک مسلک الإسهاب والتفصیل"(1) ، لذلک فقد تکون الصورة السمعیة أکثر تأثیراً من غیرها فی المتلقی لما توحی به من أفعال وحرکات؛ إذ إن لحاسة السمع "قوة فی التقاط الأصوات المتمثلة بالألفاظ عند نطقها لتکوین الصورة السمعیة، فضلاً عن الحرکة التی توحی بها الصورة، ونحس بها منتشرة فی مفاصل الشعر"(2). وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

فاندک من عدنان شامخ مجدها ال - - سامی فقل للراسیات تصدعی

ولعرشها والسبع میدی بعده غیض الهدی والدین یا أرض ابلعی

یا نفس ذوبی یا جفون تقرّحی یا عین سُحّی یا قلوب تقطَّعی(3)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته الألفاظ التی تدل علی الحرکة المقرونة بالصوت ومنها (اندک، تصدعی، ابلعی، تقطعی) مستعیناً بذلک بالنداء المتکرر الذی یحدث لدی السامع حالة من الحرکة السمعیة ووقع کصوت الناقوس الذی یترک أثره فی أذن السامع وقد استعان الشاعر أیضاً بأکثر من صورة فی أبیاته للوصول إلی ما یرمی إلیه.

وقال الشاعر محمد مال الله فلفل: (من مجزوء الکامل المرفل)

مال الحشا لهباً یشبُّ والعین بالقانی تصبُّ

والأذن لا تصغی لمن یثنی علیها أو یسبُّ

ص:212


1- (1) عبد القادر، (حامد): دراسات فی علم النفس الأدبی، دار المعرفة، القاهرة، ط 7، 1976 م: 174.
2- (2) إبراهیم، (صاحب خلیل): الصورة السمعیة فی الشعر العربی الجاهلی، منشورات اتحاد الکتاب العرب, دمشق، ط 1، 2000 م: 154.
3- (3) دیوان شکر: 85.

أأصابها خبر غدا عن وقده النیران تخبو(1)

هنا الشاعر وظف الحاسة السمعیة فی أبیاته واصفاً إیاها بالصم لما جری حولها وأنها لا تسمع من یثنی علیها أو یشتمها للدلالة علی ما یجری من ظلم وعدوان علی المجتمع الذی یعیشه الشاعر والمتلقی الذی انعکس علی نفسیته، فجعل من شعره متنفساً لما یدور حوله من مصائب.

وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

صرخن بلا لب وما زال صوتها یغضّ ولکن صحن من دهشة اللبّ

فأخرجن من حجب الخدور تودّ لو قضت نحبها قبل الخروج من الحجبِ (2)

وهنا الشاعر وظف الحاسة السمعیة والمتمثلة بالصراخ فی أبیاته للدلالة علی عظم الفجیعة التی أصابت عائلة الحسین علیه السلام بعد استشهاده.

وقال الشاعر محمد مال الله الفلفل: (من الکامل)

نعبَ الغرابُ فشبَّ نارُ شجونی فذکتْ وأتَبَع زفرتی بأنینی

فدعوتُه هیّجتَ شجواً کامناً منی فها هو منک غیرُ کمینِ (3)

فهنا الشاعر یصور لنا صورة سمعیة فی لفظة (نعب الغراب) وهذا النعیب قد هیج نار شجونه لیطلق معه الزفرات تحسراً وألماً لما یعانیه من ظلم الزمان وقسوته.

وتأتی بعد الصورة البصریة والسمعیة الصورة اللمسیة التی وظفها الشعراء فی شعر الاستنهاض لکنها أقل حضوراً وقد یشرک معها الشاعر صورة أخری لیدل

ص:213


1- (1) دیوان مال الله: 85-89.
2- (2) دیوان الأعسم: 55.
3- (3) دیوان مال الله: 96-98.

بها علی معناه المراد ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الخفیف)

ما کفانی فلیس إلا شفائی هزة تجفل العدا إجفالا

حرّکانی لها إذا هی شبّت نارها واستزلّت الأبطالا(1)

فهنا الشاعر استعمل الصورة اللمسیة من خلال لفظة (هزة، حرکانی) للدلالة علی أنه سوف ینتقم من کل ظالم وأنه ینتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر مما یعکس لنا معاناة الشاعر المتلقی من الوضع السیاسی والاجتماعی الذی کانا یعیشانه.

ومنه أیضاً قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

قد صافحت بیض الصفاح وعانقت سمر الرماح بمهجة لم تنقعِ

وهوت برمضاء الهجیر فظللت أشلاءها شجر الرماح الشرعِ (2)

فهنا الشاعر ینقل الصورة اللمسیة لأصحاب الحسین علیهم السلام وذلک من خلال مصافحتهم للسیوف والرماح بأیدیهم وصدورهم وأنهم کانوا لا یهابون الموت لأنهم یمثلون الحق الذی لابد أن ینتصر.

ومن الحواس التی وظفها الشعراء أیضاً فی شعر الاستنهاض حاسة الذوق ومن الشواهد علیها قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

سیورد من والاه من بحر جوده فراتاً صفَتْ للواردین شرائعه

دنا وعده طوبی لمن نال عنده مقاماً به یحوی السعادة طالعه(3)

فالشاعر جعل الانتهال من بحر جود الإمام کأنه الشرب من عین فرات

ص:214


1- (1) دیوان محسن: 123.
2- (2) دیوان شکر: 47.
3- (3) دیوان الأعسم: 61.

صافیة لا شائبة فیها معبراً بذلک عن صدق هذه العقیدة وصفاء منهلها العذب.

وقول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

هناک ورود الموت أعذب موردا إذا نفرت عنه النفوس النوافر

أری کل من تحت السماء وفوقها تمناه حتی ما تجن المقابر(1)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته حاسة الذوق من خلال کلمة (الورود) فی أجمل توظیف حیث جعل هذا الورود للماء (وروداً للموت) وهو أعذب ورود من ان یخالف الإنسان هذه العقیدة وأن النافر منها لا یستطیع ان یمیز بین الورود العذب الصافی وورود الموت الذی تهرب منه النفوس.

2. الصورة الذهنیة

"وهی الصورة التی لا یمکن إدراکها عن طریق الحواس وإنما یکون مجال ادراکها الذهن بعیداً عن الاحساس" (2) وفی هذا الاسلوب یوظف الشاعر طاقاته الخیالیة، بمساعدة الفنون البیانیة (الاستعارة، المجاز، الکنایة) لخلق عوالم جدیدة من الفن والجمال بارزاً فیها الخیال الذی یعبر عن "حقائق الوجود بدرجة من الوضوح والجدَّة والصفاء أکبر مما توجد علیه فی الطبیعة، أو اکبر مما یستطیع الناس العادیون أن یروها..." (3) ومن الشعراء الذین استغلوا هذه الصورة الشاعر عبد الحسین الأعسم؛ إذ قال: (من الطویل)

ص:215


1- (1) دیوان أبو الحب: 85.
2- (2) ینظر: نحو منهج جدید فی البلاغة والنقد، دراسة وتطبیق: 310.
3- (3) النویهی، (د. محمد): وظیفة الادب بین الالتزام الفنی والانفصام الجمالی، مطبعة الرسالة، القاهرة، 1966 م: 63.

أدیلت إلیکم قائماً بعد قائمِ وندباً له تلقی المقالید عن ندبِ

وما أمرت أفلاکها باستدارةٍ علی الأفقِ إلا درن منکم علی قطبِ (1)

فهنا الشاعر انتقل من الصورة الحسیة وهی دوران الأفلاک فی هذا الکون إلی الصورة الذهنیة وهی أنها لا یمکن أن تدور بلا قطب وهذا القطب هو الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف. وله أیضا: (من الطویل)

متی أنا لاق ضوء وجهک قائماً تقیم حدود الله فی الشرق والغربِ

بطلعته تزهو المعالی وأهلها کما تزدهی بالغیث أودیة العشبِ (2)

فقد استعمل الشاعر هنا (المجاز المرسل)(3) فی (ضوء وجهک قائماً) للدلالة علی خروج الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لإقامة دولة الحق کما استعمل اسلوب التشبیه فی (تزهو المعالی) مشبهاً إیاها بازدهار الأرض بالعشب الجمیل الذی یدر علی الناس الفائدة والخیر.

وقال الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

هُمْ أبذل النَّاسِ اذا ما دُعُوا نفساً ولکن أمْنَعُ النَّاس جارْ

یُطربُهم لحْنُ صلیل الظبا کالصَّبِ ّ إذْ یَسْمَعُ لحنَ الهَزارْ

وعندهم نقعُ الوغی إن دَجا لیلُ زفَاف والرؤوس النَّثارْ(4)

ص:216


1- (1) دیوان الأعسم: 53.
2- (2) دیوان الأعسم: 55.
3- (3) المجاز کلمة استعملت فی غیر معناها الحقیقی مع وجود قرینة مانعة، وهو مجاز عقلی حینما یسند الفعل الی غیر صاحبه، ومرسل. حینما تستعمل اللفظة فی غیر معناها الحقیقی: ینظر: (الفیل، (د. توفیق): فنون التصویر البیانی، مکتبة الآداب القاهرة، ط 3، 1997 م): 47.
4- (4) دیوان الحلی جعفر: 244.

فهنا الشاعر یصور معارک الإمام وشجاعة بنی غالب وکیف یکون الغبار المتطایر من ساحة المعرکة حین یحمی الوطیس بقوله (نقع الوغی) وهذا الغبار لشدته کأنه اللیل بسواده وطول مدته، ولم یترک الشاعر هذا الأمر بل خصصه (بلیل الزفاف) الذی تتناثر فیه الرؤوس بدل الحلوی معلناً عن بدایة عهد جدید من الحق وهذا من أنواع التشبیه التمثیلی(1). وقال الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

إمامٌ یرانا وهو عنّا مُحجّبٌ الی طلعة منه ببارقة الشّاری

تعود به الدنیا شباباً نُعیمُها لها زهوُ أزهار ویانعُ أثمارِ

ویملؤها بالعدل من بعدِ جَورِها ویکلؤها من موبقات وأخطارِ(2)

فقد وظف الشاعر الصورة الذهنیة من خلال عودة الدنیا من الشباب وذلک لنظرته وجماله وزهوه للدلالة علی عودة الدنیا الی خیراتها وعدالتها والصورة التی ارادها الله لها.

وقال الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

یومٌ أبوک السِّبط شَمّر غیرةً للدِّین لمَّا أنْ عَنَاهُ دُثورُ

وقد استغاثت فیه مِلةُ جَدِّهِ لمَّا تداعی بیتها المعمورُ

وبغیر أمرِ الله قامَ محکِّماً بالمسلمین یزیدُ وهو أَمیرُ(3)

ص:217


1- (1) التشبیه التمثیلی: "وهو ما کان وجه الشبه فیه منتزعاً من متعدد أمرین أو أمور، (هدارة، (د. محمد مصطفی): علم البیان، دار العلوم العربیة، بیروت، ط 1، 1989 م، 1409 ه -): 86.
2- (2) شعراء الغری: 178.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 255.

فقد أسند الشاعر هنا الاستغاثة التی هی من فعل الإنسان الی (الملة) وهی من الاشیاء المجردة، وهذا مجاز عقلی علاقته فاعلیة(1) ، والشاعر یهدف من ورائه الوقوف عند معنی قضیة مهمة وهی امتداد الشریعة من الرسول (صلی الله علیه وآله) الی الإمام الحسین (علیه السلام) الی ولده الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف.

3. الصورة التقریریة

وهی الصورة التی یرسمها الشاعر بعیداً عن خیاله؛ إذ إنه یعتمد الوصف المباشر مستعیضاً عن الخیال بتنویع الاسالیب والمیل نحو الخطابیة" والملاحظ أن الشعراء العراقیین مالوا الی هذا الاسلوب التقریری فی أحوال التفجع، والحزن الشدید، ویبدو أنَّ تفسیر ذلک یکمن فیما تتضمنه المواقف العاطفیة الحادة من مواقف مؤثرة فی المتلقین بصورتها المباشرة "(2) ومن الملاحظ علی الصورة التقریریة أنها صورة واضحة بسیطة یستطیع المتلقی الوصول إلیها وفهمها واستیعابها من دون أی معاناة أو جهد أو صعوبة، فضلاً علی ما یضیفه الشاعر إلیها من عاطفته وأحاسیسه، بما یختاره من ألفاظ وقوالب فنیه متمیزة.

ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

بأی سبیل طفل سبط محمد تمطَّق رصعاً بالسهام له نحر

بأی سبیل رأس سبط محمد یخلّل قرعاً بالقضیب له ثغر

ص:218


1- (1) المجاز العقلی:" هو اسناد الفعل، أو ما فی معناه، الی غیر صاحبه، لعلاقة مع قرینة مانعة من ارادة الاسناد الحقیقی ":اسالیب البیان: 205.
2- (2) ینظر القزوینی, (محمد مهدی محمد طاهر): (القصائد البهیة فی النصائح المهدویة)، دیوان السید محمد مهدی، مکتبة السید سلمان هادی آل طعمة, د. ت: 4-5.

بأی سبیل جسم سبط محمد یخلّی عفیراً لا یشقّ له قبر(1)

فهنا الشاعر استعمل اسلوب التقریر الواضح لإیصاله الی المتلقی من خلال بیان ما جری علی الإمام الحسین فی واقعة الطف من مأساة، مثلما أفاد من هذا الأسلوب فی عمل حوار بینه وبین الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف لتذکیره بما جری من أجل النهوض والاقتصاص من الظلمة الذین قاموا بهذه الأفعال.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

أی الرزایا لها تنسی وقد ترکت لهیب نیرانها فی القلب متقدا

اسقاط مؤودة عن ذنبها سئلت أم ضرب من احرقت من احمد کبدا

ام کسرهم ضلعها ام جمعهم حطبا لحرق دار إمام قوم الأودا(2)

فالشاعر یصور ما جری علی أمه الزهراء وأبیه الإمام علی (علیهما السلام) من مصائب مستعیناً بالصورة التقریریة فی الحوار بینه وبین الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف، کما یبین حزنه أیضاً من هذه المظالم الذی جرت علی أهل البیت بعد وفاة الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)

وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الخفیف)

بأبی العزیز من اهل بیتی افتدیه وطارفی وتلادی

خاتم الأوصیا لخاتم رسل ال - - لّه غوثُ الولی حتفُ المعادی

طال حمل النوی به فمتی یا فرجَ الله ساعة المیلاد(3)

ص:219


1- (1) دیوان أبو الحب: 83.
2- (2) دیوان شکر: 25-26.
3- (3) دیوان الأعسم: 115.

فالشاعر یمدح الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف ویبین أنه یفدیه بکل ما یملک فی هذه الدنیا لأنه خاتم الأوصیاء وهو امام زمانه وغوثه ویتمنی ان یرزق رؤیته والحضور فی دولته.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

هل من غیاث لنا إلا بکفک أم هل غیر کفک للعافین غیث ندی

حتی متی الصبر یا بن المرتضی ولنا فی کل یوم من الاعداء کأس ردی

ألم یکن آن أن تردی صوارمکم ممن علی امک الزهراء مد یدا(1)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته أسلوب الحوار الجماعی من خلال الضمیر فی (لنا) مع الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف کما استعمل الصورة التقریریة فی (غیث ندی، کأس ردی، مد یدا) مذکرین إیاه بالمصائب التی جرت علی امه الزهراء علیها السلام والمصائب التی تجری علی شیعته ومحبیه ویطلبون منه ان ینتقم من الظلمة ویحقق العدالة فی هذا الکون.

وقال الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

هلموا إلی الداعی إلی الله واحذروا مقامی وعوا یا أیها الناس إنذاری

محیط بعلم الکائنات وعلّة لها وعلیها شاهد یوم إقرار(2)

فالشاعر ینصح ویحذر الناس، بأن علیهم الإیمان بعقیدة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف والالتزام بها لأنه خاتم الأوصیاء الذی بشر به الرسول الأعظم والذی سوف ینشر العدل والقسط ویکون الشاهد علیهم یوم القیامة.

ص:220


1- (1) دیوان شکر: 25.
2- (2) شعراء الغری: 187.

ثالثاً: الاسالیب البدیعیة

اشارة

البدیع لغة هو الجدید والمخترع، والانشاء والابتداء، وکل ما من شأنه أن یدل علی الجدة والابتکار الذی یسبق الیه. والبدیع: المُبدع، وابدَعْتُ الشیء: اخترعته لا علی مثال، والبدیع من أسماء الله تعالی؛ لإبداعه الأشیاء واحداثه إیّاها، وهو البدیع الأول قبل کل شیء. ویجوز أن یکون بمعنی مُبْدِع، أو یکون من بدع الخلق، أی: بدأه(1).

ومن أسالیب الفنون البدیعیة (الاقتباس، والتضمین، والطباق، والجناس، والتکرار، والتصریع...) وغیرها من الفنون الاخری وقد استعمل الشعراء فی شعر الاستنهاض کثیراً مما اکسب نصوصهم معانی فنیة وجمالیة ومواقف وجودیَّة عمیقة، مثل الترغیب والترهیب، والوعد والوعید وقد کان للقرآن الکریم والحدیث الشریف الدور الرائد فیها ومن هذه الفنون (الاقتباس والتضمین)، وهی اقتباس الشعر شیئاً من القرآن الکریم أو تضمین الحدیث الشریف من دون إشارة إلی أنه منهما:" وإنّما یحسن ویکون مقبولاً إذا وُطِّن له فی الکلام بحیث

ص:221


1- (1) لسان العرب: مادة (بدع).

یکون مندرجاً فیه، داخلاً فی سیاقه دخولاً تاماً وإن کان فی الکلام تصریح أو إشعار بأنه من القرآن أو الحدیث، فذلک لا یسمّی اقتباساً، وإنّما یسمّی تضمیناً"(1).

قال الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

أبادوهم قتلاً وصلباً وفی بنیً وسَمَّا وتعذیباً وإقبار آبارِ

ولم یرقُبوا إلاّ ولا ذمَّةً بهم ولا إصرةً فیهم ولا عقد آصار(2)

لقد اقتبس الشاعر فی أبیاته من الآیة الکریمة (لم یرقبوا إلاًّ ولا ذمة)(3)

لجعل قوله اکثر عمقاً وجدَّة فی ذم الذین قاتلوا الإمام الحسین (علیه السلام) وأهل بیته واصحابه وأیضاً الذین قتلوا وصلبوا وقطّعوا أولاد الرسول فی کل زمان ومکان حیث اجتمعوا علی ظلمهم؛ لأنهم یمثلون نهجاً واحداً وهو نهج الباطل الذی یقف بوجه الحق ولا یهمه الالتزام بالقیم السماویة.

وقال الشاعر محسن أبو الحب: (من الخفیف)

من عذیری من معشرٍ تخذوا اللهو شعاراً ولقّبوه کمالا

سمعوا ناعی الحسین فقاموا مثل من للصلاة قاموا کسالی(4)

لقد ذمّ الشاعر فی بیتیه الذین تقاعسوا عن نصرة الإمام الحسین (علیه السلام) رغم سماعهم أخبار استشهاده فهم کالذین وصفهم القرآن فی الآیة

ص:222


1- (1) الحسینی، (جعفر باقر): اسالیب البدیع فی القرآن، قم، 1387 ه -: 653.
2- (2) شعراء الغری: 180.
3- (3) سورة التوبة: الآیة 8.
4- (4) دیوان أبو الحب: 122.

الکریمة (إذا قاموا للصلاة قاموا کسالی)(1) لضعف إیمانهم وابتعادهم عن الحق.

وله أیضاً: (من الوافر)

وبلّغک المهیمن کلّ یوم صلاتی والتحیّة والسلاما(2)

ویختم الشاعر قوله باقتباس معنی الآیة الکریمة (إن صلاتی ونسکی ومحیای....)(3) لیثبت بذلک قوة إیمانه وسیره علی النهج الحق وأنه لا یحید عنه أبدا. وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

طغت علینا أعبدٌ ما فیهم من شیم الرجال غیر الصور

لم یزل المعروف فیهم منکراً ومنکر الأفعال غیر منکر(4)

وله أیضاً: (من الطویل)

خبیر بما تخفی الصدور کأنما یطالع أسرار الوری وتطالعه(5)

فقد اقتبس الشاعر فی الأبیات السابقة معنی الآیة (أفتؤمنون ببعض الکتاب وتکفرون ببعض)(6) کما اقتبس الآیة (خبیر بما تخفی الصدور)(7) وذلک لبیان ان حال المنافقین الذین یظهرون الإیمان هم أقرب إلی الکفر بما تخفی صدورهم من ظلم أهل بیت الرسول (صلی الله علیه وآله) وشیعتهم ومحبیهم وأنهم یقومون

ص:223


1- (1) سورة النساء: الآیة 142.
2- (2) دیوان أبو الحب: 140.
3- (3) سورة الأنعام: الآیة 162.
4- (4) دیوان الأعسم: 57.
5- (5) م. ن: 61.
6- (6) سورة البقرة: 58.
7- (7) سورة غافر: الآیة 19.

بهذه الأفعال وکأنها أبیحت لهم من خلال القرآن والسنة وبهذا یکونون کالیهود الذین حرفوا الکلم عن مواضعه من أجل مصالحهم.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من الرجز)

یا ویلهم ساروا بنا مفتخرینا بهتکهم حرمة رب العالمینا

قد کفروا فیها فویل الکافرینا والکل منهم فی غدٍ یعرف سیماه(1)

إن فکرة (عذاب الکافرین وعلامتهم یوم القیامة) وردت فی القرآن الکریم للدلالة علی العذاب الذی ینتظر الکفار والمنافقین فی ذلک الیوم المشهود من خلال قوله تعالی (فویل للکافرین)(2) و (یعرف المجرمون بسیماهم)(3) وقد وظف الشاعر هذا المعنی فی التفاتة فنیة ببیان صنف الناس الذین حاربوا من أجل ملک زائل أو حفنة دراهم متناسین موقفهم غداً یوم الحساب.

وکذلک قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

لم أنسه مذ هوی لما دعاه إلی جواره الملک الجبار محتسبا

فهد رکن الهدی لما هوی وهوی نجم الفخار وبدر السعد قد غربا

وکورت حزناً شمس الوجود له والکون اصبح داجی اللون مکتئبا(4)

فالشاعر قد اقتبس معنی الآیة الکریمة (اذا الشمس کورت)(5) وذلک للدلالة

ص:224


1- (1) دیوان شکر: 86.
2- (2) سورة إبراهیم: الآیة 2.
3- (3) سورة الرحمن: الآیة 41.
4- (4) دیوان شکر: 18.
5- (5) سورة التکویر: الآیة 1.

علی الظلام الذی یصیب الارض بغیاب الشمس رابطاً هذا المعنی بیوم مقتل الإمام الحسین (علیه السلام) حیث أظلمت الأرض حزناً علیه، هذا من جانب، أما الجانب الآخر فأراد الشاعر ان یظهر حقیقة الصراع بین النور والظلمة وما یرمز کلٌّ منهما إلی الحق والباطل والصراع الأبدی بینهما.

وله أیضاً: (من الکامل)

ولعرشها والسبع میدی بعده غیض الهدی والدین یا ارض ابلعی

یا نفس ذوبی یا جفون تقرحی یا عین سحی یا قلوب تقطعی(1)

فهنا الشاعر قد اقتبس معنی الآیة الکریمة (وقیل یا أرض ابلعی ماءک)(2) التی تدل علی ذهاب الماء ونهایة الطوفان وبدایة ظهور الحق، ولکن الشاعر استعمل هذه اللفظة فی معنیً مغایر لما جاء فی الآیة، حیث جعل بدایة الظهور الحق، بدایة لظهور الشر وابتلاع الدین وبهذا یکون قد اعطی معنیً جدیداً مغایراً لمعنی الآیة مع استغلال اللفظ، وقد وفق الشاعر فی اقتباسه هذا. ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

إلی الله نشکو الیوم فقد نبینا وغیبتک اللاتی یضیق لها الصدرُ

عسی الله بعد الیوم یبدل عسرنا بیسرک إن العسر یعقبه الیسرُ(3)

فالشاعر هنا قد اقتبس فی أبیاته معنی الآیة الکریمة (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً) 4

ص:225


1- (1) دیوان شکر: 47.
2- (2) سورة هود: الآیة 44.
3- (3) دیوان أبو الحب: 82.

لیبین أن الانتظار للإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف سوف ینتهی یوماً بظهوره الشریف لیملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما صرح القرآن بذلک وله أیضاً: (من الطویل)

وقد مُلأ نفسی فداک فهل تری لسیفک أن یجلوهما أیها الحبرُ

لساء صباح المنذرین إذا بدا طلائع عز فیک یقدمها النصرُ(1)

فهنا الشاعر قد اقتبس أبیاته بمعنی الآیة الکریمة (فساء صباح المنذرین)(2) للدلالة علی أن الظلم لن یدوم أبداً ولا بد من صباح یوم یعاقب هؤلاء الظلمة فیه وهو یوم خروج الإمام الموعود عجل الله تعالی فرجه الشریف. وکذلک قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

وعفوا رسمکم فغدا نهاباً بأیدی العاصفات من الریاحِ

أما لولا وعودک وانتظاری قیامک بالعشیة والصباحِ

لعاجلنی الردی وقضیت نحبی وما روحت قلبی بارتیاحِ (3)

فهنا الشاعر قد اقتبس شعره بمعنی الآیة الکریمة (والعاصفات عصفاً)(4) اذْ قصد بها أن غیاب الإمام وطمس الدین والحق من لدن الظلمة کما تعصف الریاح بالأشیاء جعله ییأس من عودة الحق ولکن النصوص التی جاءت من خلال القرآن الکریم والسنة الشریفة جعلته ینتظر ظهور دولة الحق ویتحمل الأذی بالصبر والسلوان ویقف فی مواجهة العواصف وریاحها وقفة باسلة متحدیاً بذلک قوتها وخرابها. وأیضاً قول الشاعر جواد بدقت: (من مجزوء الرمل)

ص:226


1- (1) دیوان أبو الحب: 83.
2- (2) سورة الشعراء: الآیة 173.
3- (3) دیوان کمونة: 41.
4- (4) سورة المرسلات: الآیة 2.

سیدی من یدک البیضا مناری واقتباسی

سیدی أنت ید ال - له بنصٍ لا قیاس

سیدی قد بسط ال - - کف لجدواک بکاس

سیدی دعوة عاف سیدی رحمة آس(1)

فهنا الشاعر قد اقتبس معنی الآیة (یدُ الله فوق أیدیهم)(2) مشبها بذلک ید الإمام بید الله سبحانه وتعالی التی تعبر عن القدرة والعلو والسیطرة علی الأمور، أی إن ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف له السلطة التامة فی الحکم بحکم الله سبحانه وتعالی فی دولته المرتقبة وهذا یدل علی معرفة الشاعر بهذه العقیدة معرفة تامة لاشک فیها.

وأما الحدیث النبوی الشریف قولاً وفعلاً وتقریراً أمراً واجباً فهو مرتکزٌ مهمٌ من مرتکزات ثقافة المسلمین وعقائدهم وهو منبع من منابع الثقافة الاسلامیة وأصلاً من اصولها، وعلیه فإن الشعراء قد ضمّنوا قصائدهم تلک الاحادیث؛ لأنها تمثل بعداً سماویاً إلهیاً لا یمکن لأحد أن یشکک به ومنه قول الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

إمامٌ یرانا وهو عّنا محجّبٌ الی طلعة منه ببارقةِ الشّاری

تعودُ به الدنیا شباباً نَعیمُها لها زهوُ أزهار ویانعُ أثمارِ

ویملؤها بالعدل من بعدِ جَورها ویکلؤها من موبقات وأخطارِ(3)

ص:227


1- (1) دیوان بدقت: 90.
2- (2) سورة الفتح: الآیة 10.
3- (3) شعراء الغری: 178.

فهنا الشاعر قد ضمن شعره معنی الحدیث النبوی الشریف بأن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف سوف یظهر بأمر الله "ویملأ الارض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً" (1) وأنه یعید نعیم الدنیا شباباً أی تخرج الأرض والسماء جمیع خیراتها فی ظل دولته الالهیة.

وکذلک قول الشاعر سلیمان داود الحلی: (من الکامل المرفل)

کذبَ الزمانُ بزعمه مِن غَمِّه لَم ألقَ مخرجْ

بالقائم المهدیّ عنی کلُّ ضیق فیه یُفرَجْ

یا ابن النبیّ ومَن به صبحُ الهدایةِ قد تَبلّجْ (2)

فهنا الشاعر یکذب الزمان ویؤکد بأن کل ضیق وهمّ سوف یفرجه الإمام الحجّة عج الله تعالی فرجه الشریف لأنه المرتجی للشدائد والمفرج للکروب وشافی صدور المؤمنین وهذا ما تؤکده الاحادیث الشریفة التی جاءت بحق الإمام ومنها "الائمة بعدی اثنا عشر کلهم من قریش، ثم یخرج قائمنا فیشفی صدور قوم مؤمنین"(3). وأیضاً قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

أحاشیک من غض الجفون علی القذی وأن تملأ العینین نوماً علی الغلبِ

متی ینجلی لیل النوی عن صبیحة نری الشمس فیها طالعتنا من الغربِ (4)

فهنا الشاعر قد ضمن أبیاته علامة من علامات الظهور وهی خروج" الشمس

ص:228


1- (1) المجلسی, (محمد باقر ت 1111 ه -): بحار الأنوار, تحقیق الشیخ علی النمازی الشاهرودی, الأعلمی، بیروت, ط 1,2008 م: 239/50.
2- (2) أروع ما قیل فی محمد وأهل بیته: 682.
3- (3) بحار الانوار: 303/36.
4- (4) دیوان الأعسم: 53.

من المغرب "(1) للدلالة علی نهایة الظلم وبدایة عهد جدید کما ینتهی اللیل بصبح مشرق. وله ایضاً: (من الطویل)

وانشاهم الباری علی اوج عرشه تماثیل نور قبل خلق العوالمِ

لیبعث منهم للنبیین خاتماً یغاث بردءٍ للوصیین خاتمِ (2)

وفی هذه الأبیات قد ضمن الشاعر حدیث خلق الأئمة وهم" فی عالم الانوار قبل خلق الخلیقة "(3) لیؤکد به وجوده وأنه خاتم الوصیین بعد خاتم النبیین. وکذلک قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الطویل)

وقد غاب نوح قبل ما غبت برهة من الدهر حتی آب والعذر الغدرُ

وغیبة عیسی لم تکن خوف قتله ولکنها سر وغیبتک السرُ

فأی عجیب فی احتجابک فی مدی علی کل حال طال أو قصر الدهرُ(4)

هنا ضمن الشاعر فی أبیاته غیبة الأنبیاء" ومنهم نوح وعیسی (علیهم السلام) وشبهها بغیبة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وما فیها من أسرار إلهیة "(5) رداً علی الذین ینکرون هذه الغیبة، ویخبرهم بأنها لیست جدیدة فی عالم الخلق، وهذا مستمد من الأحادیث النبویة الشریفة وأحادیث أهل البیت (علیهم السلام). وهذا یدل علی ثقافة الشاعر وفهمه لعقیدته والدفاع عنها.

ص:229


1- (1) الغیبة للطوسی: 267.
2- (2) دیوان الأعسم: 65.
3- (3) الکافی: 110/1.
4- (4) دیوان أبو الحب: 83.
5- (5) الغیبة للطوسی: 269، الانصاری، (باسم): موسوعة الامام المهدی المیسرة، دار العلوم، بیروت، ط 1، 2008 م: 46.
الطباق

ویعرف الطباق بأنه" الجمع بین الشیء وضده فی جزء من أجزاء الرسالة، أو الخطبة، أو البیت من أبیات القصیدة"(1).

ویعد الطباق من أهم عناصر الابداع الشعری، "اذ یکسب العمل الأدبی حسناً وطرافة ویکون اشد وقعاً وأکثر تأثیراً فی نفس المتلقی، وینبغی أن یأتی الطباق بشکل عفوی غیر متکلف"(2).

ویمثل الطباق فی القصیدة الشعریة الجرس الموسیقی الذی یثیر الذهن ویهز الروح ویلقی المعانی فی الروع وتقرّ فیه النفس.

وقد استعمل الشعراء فی شعر الاستنهاض الطباق کثیراً ومنهم السید حیدر الحلی بقوله: (من المتقارب)

کذا یظهر المعجزُ الباهرُ فَیَشهدُه الَبرُّ والفاجرُ

ویروی الکرامة مأثورةً یُبلّغُها الغائبَ الحاضرُ(3)

جمع الشاعر المتضادین (الَبرّ) و (الفاجر) و (الغائب) و (الحاضر) فی سیاق ترکیبی واحد، قاصداً مجموعة من المعانی وهی الصلاح والفساد والحق والباطل، إذ کثف فی الاولی معانی الاستقامة والصلاح وفی الثانیة الانحراف والتدنی السلوکی لیبرز الأول ویقلل من شأن الثانی.

ص:230


1- (1) کتاب الصناعتین: 307.
2- (2) ینظر: الکعبی، (أحمد صبیح محسن): لغة الشعر عند السید حیدر الحلی، رسالة ماجستیر، کلیة التربیة، جامعة بابل، 2004 م: 197.
3- (3) دیوان الحلی حیدر: 73/1-78.

وله أیضاً: (من المنسرح)

مات الهدی سیّدی فقمْ وأمتْ شمسَ ضحاها بلیلِ عثیرها(1)

لقد رمز الشاعر من خلال اللفظتین (الشمس) و (اللیل) الی الحق والباطل حیث قصد فی الاولی الدین والإیمان والهدی وفی الثانیة الظلم والجور والعدوان، وهذا اعطی للبیت الشعری وقعاً وتأثیراً.

ومنه قول الشاعر صالح الکواز: (من البسیط)

نهارُها أسودٌ بالنقعِ مُعتکرٌ ولیلها ابیضٌ بالقُضب قدَ نَصعَا(2)

لقد عبر الشاعر من خلال استعمال المتضادین (النهار) و (اللیل) عن تحول الحق الذی عبر عنه بالنهار الذی أظلمَ علی الناس غیر ناسٍ اللیل الذی هو بالأصل بعیدٌ عن النور الذی یمثل الهدایة.

وکذلک قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الوافر)

إذا نطقوا حسبتهم بهاما وان صمتوا حسبتهم رخاما(3)

لقد جمع الشاعر بین المتضادین فی لفظتی (نطقوا) و (صمتوا) لیرمز الی الجهل عند هؤلاء القوم فی نطقهم وسکوتهم وأنهم لا یفقهون شیئاً سوی الظلم والعدوان وهذا هو دیدن الظلمة والجهلة فی کل زمان ومکان.

وکذلک قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

ص:231


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 7/2-8.
2- (2) دیوان الکواز: 74.
3- (3) دیوان أبو الحب: 139.

طغت علینا أعبدٌ ما فیهم من شیم الرجال غیر الصورِ

لم یزل المعروف فیهم منکراً ومنکرُ الافعال غیرُ منکرِ(1)

لقد جمع الشاعر بین المتضادین (المعروف) و (المنکر) لیمیز بین الذین ساروا علی نهج الحق واتبعوا الهدی والذین خالفوا هذا النهج والتزموا الباطل ومنکر الافعال من أجل مصالح دنیویة زائلة متناسین بذلک غضب الجبار وعقوبته.

ص:232


1- (1) دیوان الأعسم: 57.

الفصل الثالث: الایقاع

اشارة

ص:233

ص:234

من الفعل: َقَعَ، بمعنی: سقط، والموقع: َوضع السقوط، والإیقاع: ایقاع اللحن والغناء، وهو أن یوقع الألحان بینها(1).

وأما فی الاصطلاح فیعرف بأنه "النغمة التی تتکرر علی نحو ما فی الکلام أو البیت، أی توالی الحرکات والسکتات علی نحو منتظم"(2).

وتظهر أهمیة الایقاع فی الشعر من خلال التناغم الذی یبدو واضحاً فی الاصوات، والکلمات، فی حالات من الطول والقصر، والشدة والرخاء، والتقارب والتباعد، فیخلق فی النفس شعوراً بالارتیاح(3).

وللإیقاع فی الشعر العربی عناصر یتکون منها ویعرف بها وهی (الوزن، والقافیة، والتکرار، والجناس، والتصریع...) وسوف نحاول دراستها فی البحث وبحسب أهمیتها فی شعر الاستنهاض للإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:235


1- (1) لسان العرب: 894/6 مادة (وقع).
2- (2) النقد الادبی الحدیث: 411.
3- (3) ینظر: مراثی فی الامام الحسین علیه السلام دراسة فی الموضوع والفن، رساله ماجستیر: 164.

1. الوزن

اشارة

الوزن من وزن الشی: وزناً وزنةً، والوزن: ثقل الشیء بشیء مثله، وآلة الوزن: المیزان، أصله: موزان(1).

ویعد الوزن رکناً أساسیاً من أرکان الشعر العربی لما له أهمیة کبیرة فی بیان الاحساس لدی الشاعر وبراعة فنه لإیصال الفکرة الی المتلقی من خلال اختیار التنظیمات الخاصة لتکون اکثر تأثیراً وشعوراً لدیه" ولهذا فإن الوزن یرتبط بالمزاج الشخصی للشاعر، فالوزن ایقاع یلوَّن بتجربة الشاعر الشعوریة، ویخضع لانفعالاته"(2).

وعند استقراء الاوزان الشعریة فی شعر الاستنهاض بالإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف، نجد ان الشعراء استأثروا ببحور معینة دون غیرها ومنها (الطویل، والکامل، والخفیف، والبسیط، والوافر، والرمل، والرجز). "وقد لاحظ عدد من الباحثین سیطرة الاوزان الطویلة علی الشعر العربی عامة، ومنه الرثاء" ،(3) وبما أن شعر الاستنهاض ولید شعر الرثاء فإن الشاعر فی حالة الیأس والجزع والندبة

ص:236


1- (1) لسان العرب: 4828/6 مادة (وزن).
2- (2) ینظر: الوائلی، (أ. د. کریم): التشکیلان الایقاعی والمکانی فی القصیدة العربیة الحدیثة، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، ط 1، 2006 م: 19.
3- (3) الخطیب، (بشری محمد علی): الرثاء فی الشعر الجاهلی وصدر الاسلام، مطبعة الادارة المحلیة، بغداد، د. ط، 1977 م: 242.

والرثاء یتخیر عادة وزناً طویلاً کثیر المقاطع، "لیصب فیه من أشجانه ما ینفس عن حزنه وجزعه" (1) ویبدو ان السر فی ذلک عدم تمتع الاوزان الشعریة بالقدرة نفسها علی استیعاب مشاعر الانسان.

فالبحر الطویل

هو من البحور ذات المقاطع الکبیرة حیث تکرر فیه (فعولن، مفاعیلن) أربع مرات وکثرة حروفه جعلته من البحور الخصبة لاستیعاب السرد التاریخی او معاناة الشعراء حیث أعطت للشاعر حریة الکلام والتعبیر عمّا یجول فی خاطره ومن ذلک قول الشاعر محسن أبو الحب:

کفی بک للمجد المؤمل حارساً اذا خیف یوماً أن یحل به الذعرُ

بقاؤک فیها ماسک لبقائنا وإلا لأفنانا بأضعفه الدهرُ

أبوک رسول الله أکرم مَن مشی علی الأرض حتی الانبیاء ولا فخرُ

وأنت ابنه واللیث أول لاحق به شبله والبحر منتوجه الدرُ(2)

فهنا الشاعر یمدح الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویبین أنّه هو المؤمل لإعلاء کلمة الحق وأن بقاء الناس مرهون ببقائه وأنه ابن رسول الله محمد (صلی الله علیه وآله) وهو خاتم النبیین وخیر من ختم به الله وأنه قوة الأمه وناشر عدلها.

ومبلغ رسالة السماء وأن ابنه مثله فی التبلیغ وإقامة العدل حیث شبهه الشاعر بشبل اللیث اللاحق به والدر الذی یخرج من البحر. وظل البحر الطویل متمیزاً فی

ص:237


1- (1) علی، (د. عبد الرضا): موسیقی الشعر العربی قدیمه وحدیثه دراسة وتطبیق فی شعر الشطرین والشعر الحر، الشروق للنشر والتوزیع، عمان - الاردن، ط 1، 1997 م: 177.
2- (2) دیوان أبو الحب: 82.

الشعر العربی عموماً "لاحتوائه علی ما یدور فی ذهن الشاعر من أفکار وما یجول فی مخیلته من هواجس"(1). وکذلک قول الشاعر عبد الحسین الأعسم:

حَوتْ کلُّ أرض منه للبذلِ نادیاً تسیلُ علیه بالوفودِ شوارعه

ولیثِ وغی کم تشهدُ الناسُ موقفاً له تجعل الولدان شیباً وقائعه

یصول بجیش تغتدی زمرُ العدی عبادیدَ مُذ تبدو علیهم طلائعه

ویبلغ اقصی ما یروم بعزمة بها یستوی دانی المرام وشاسعه(2)

فهنا الشاعر استعمل البحر الطویل لسرد وقائع ظهور الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ودولته الشریفة وکیف إنّه یملک جیشاً قویاً لا یستطیع احد ان یقف بوجه وأنه سوف یبلغ مشارق الأرض ومغاربها وتکون له السیطرة علیها.

وأما بحر الکامل

فقد تمیز أیضاً بطوله وکثرة حرکاته، وتکرار وحدته الوزنیة (متفاعلن) ست مرات، وقد مثل وعاءً صالحاً لاستیعاب مشاعر الحزن والرفض والاستنهاض ومن ذلک قول الشاعر محمد مهدی بحر العلوم:

هذی المنازل بالغریِ ّ فأنجدوا قد حان للمهدی فیها الموعدُ

أو ما ترون الجاحدین استشعروا آیات بدر فی الصعید فصعّدوا

ودّوا کما ودّ الأُلی قد اشرکوا إنّ الذی قد انکروا لم یجحدوا(3)

ص:238


1- (1) التکریتی، (د. عبد المنعم احمد صالح): قراءة عروضیة فی المعلقات العشر، مطبعة الارشاد، بغداد، ط 1، 1986 م: 37.
2- (2) دیوان الأعسم: 61.
3- (3) دیوان بحر العلوم: 62.

فالشاعر بیّن أن ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف حاصل لا محالة منه وأن الذین انتظروه سوف یفرحون بظهوره وأنّ الجاحدین سوف یقومون لحربه والوقوف ضده لنکرانه وعدم التصدیق به.

وکذلک قول الشاعر صالح الکواز:

ما انفک عنی من زمانی مدبر من صرفه إلا دهانی مقبلُ

دافعت مالا یستطاع دفاعه وحملت من بلواه مالا یحمل

حتی اذا لم تبق لی من حیلة قالت لی الایام ماذا تفعلُ

أو ما درت ان ابن فاطم موئلی وتخلصی فیه ونعم الموئلُ (1)

فهنا الشاعر قد أفرغ احاسیسه وآلامه وما یعانیه فی هذه الأبیات لیبین مدی تحمله لهذه الأعباء وأن الدنیا لم تبق له من شیء ولکنه علی یقین أن هذه المحنة سوف تنتهی یوماً بظهور الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف. ومن الملاحظ أن الشعراء قد استعملوا وزن (الکامل المرفل) بشکل کبیر فی قصائدهم الاستنهاضیة ومنهم السید حیدر الحلی والسید مال الله الفلفل وذلک من أجل تفریغ أحاسیسهم ومشاعرهم.

أما البحر البسیط

فقد شابه الطویل بجزالته وکثرة مقاطعه، لکنه تمیز عنه بوضوح موسیقاه المتأتیة من الدندنة التی تخلقها الوحدة الوزنیة (مستفعلن فاعلن)(2).

ص:239


1- (1) دیوان الکواز: 50.
2- (2) ینظر: مجذوب، (د. عبد الله الطیب): المرشد الی فهم اشعار العرب، مطبعة مصطفی البلبلی الحلبی وأولاده، مصر، ط 1، 1955 م: 452.

ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب:

مولایَ کل رزایانا وإن عظمت أدنی رزایاکم فی الدهر أصعبها

نفسی فداء جسوم بالعرا نبذت أیدی السلاهب فی الرمضا تقلبها

وأرؤس کبدور التم ترفعها علی الرماح وبالأحجار تضربها

ونسوة بعد هتک الستر مؤسرة العلج یسلبها والله یحجبها(1)

فانسیابیة التعبیر، ووضوح الجرس فی (الرمضاء تقلبها) و (الاحجار تضربها) و (الله یحجبها) جعل المعنی یتدفق الی أذن المتلقی کأنه رنین الجرس تارکاً بذلک أثره فیه. وأیضا قول الشاعر عبد الحسین الاعسم:

شاطرتَ آباءکَ البلوی وزدْت بأن طالت علیک بعید الدار مستورا

فکم تری فیئکم نهباً وشرعَکمُ ممزّقاً وکتاب الله مهجورا(2)

فصوت الجرس فی لفظ (بعید الدار مستورا) و (کتاب الله مهجورا) تستقبله أُذن المتلقی بصورة سریعة ومباشرة تارکة أثرها فی نفس المتلقی بالحزن والمعاناة. ومن الأوزان التی استعملها الشعراء أیضاً.(الخفیف) وهو من الأوزان القریبة من الأداء النفسی للشاعر" متمثلاً بالحوار الداخلی ما بین الشاعر وأعماقه "(3) ومنه قول الشاعر محسن ابو الحب:

وسمعتُ الضوضاء فی کلِّ فج کلّ لحن یُهیّج الإعوالا

قلت ماذا عری امیم فقالت جاء عاشورُ فاستهلَّ الهلالا

ص:240


1- (1) دیوان أبو الحب: 57.
2- (2) دیوان الأعسم: 123.
3- (3) الشعر العربی الحدیث: 237.

قلت ماذا علیّ فیه فقالت ویکَ جدّد من الاسی سربالا

لا أری کربلاء یَسکنها الیوم سوی من یری السرور محالا(1)

حیث استعمل الشاعر هنا الحوار الداخلی بینه وبین نفسه، إذ قام بسؤالها وقامت بإجابته بالحقیقة التی یرید أن ینقلها الی المتلقی عبر هذه الحواریة الهادئة.

ومن الخفیف أیضاً قول الشاعر عبد الحسین الأعسم:

صاحبی اشرحا بندبته صدری فقد ضاق بی فضا کلّ نادی

کم یقاسی المضنی انتظار شفاه لیت شعری إلی م هذا التمادی(2)

فهنا الشاعر یبین مدی شوقه الی رؤیة الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ویتوسل به للظهور ویعتب علیه لطول الفراق والغیبة من خلال حواریته التی تمثلت بها أبیاته.

ومن البحور التی استعملها الشعراء بحر (الوافر) فهو" یمتاز بوفرة حرکاته "(3) ولذلک سمی بالوافر وهو أیضاَ من البحور التی لها الحظوة فی التنفیس عن عواطف الشاعر وأحاسیسه، ومنه قول الشاعر عبد الحسین الاعسم:

سأمضی للتی إنْ طوَّحتْ بی بلغتُ بها نهایات الأمانی

بعزمة فاتک السطواتِ زُرّتْ غلالتُه علی عضب یمانی(4)

ص:241


1- (1) دیوان أبو الحب: 122.
2- (2) دیوان الأعسم: 115.
3- (3) ینظر التبریزی، (الخطیب): الوافی فی العروض والقوافی، تمهید عمر یحیی، تحقیق فخر الدین قباوة دار الفکر، دمشق، ط 4، 2002 م: 69.
4- (4) دیوان الأعسم: 69.

فالشاعر یفصح عن أحاسیسه مبیناً عقیدته فی انتظار الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف والخروج معه للانتقام من الظلمة ونشر الحق؛ لأنها تمثل للشاعر والمتلقی عقیدة ثابتة فهی رجاهم ومبتغاهم. ومنه قول الشاعر محسن ابو الحب:

صبرت وانت أقدر من علیها إذا رمت انتظاراً وانتقاما

علی نوب تکاد الأرض منها تسیخ وتسقط السبعُ انهداما

هوت أفلاکها وأبیک لولم تکن یا بن الکرام لها قواما(1)

فهنا الشاعر تحدث عن لسان الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الصبر والانتظار رغم کل ما یری من ظلم فی هذه الدنیا ومن سطوة الجبابرة حتی کادت الأرض أن تسیخ بأهلها لولا وجود الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وحکمة الله سبحانه وتعالی فیها. وأیضاً قول الشاعر محمد علی کمونة:

فدیتک هل دریت وأنت أدری بما یأتی وبالماضی المراح

بما قد نالکم من شر قوم طووا عدوانکم تحت الوشاح(2)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته اسلوب الحوار بینه وبین الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف مستعیناً بوفرة حرکات بحر الوافر للتفریغ والتنفیس عن احاسیسه وعما یجول فی خاطره.

وأیضاً من البحور التی استعملها الشعراء فی حق الاستنهاض بحر (الرمل) وقد تمیز بخفة الموسیقا، ووضوح النغم وانسیابیته مما جعل قصائد الاستنهاض تمتاز بالحزن وبیان الحاجة للإمام.

ص:242


1- (1) دیوان أبو الحب: 138.
2- (2) دیوان کمونة: 41.

ومن (مجزوء الرمل) قول الشاعر جواد بدقت:

سیدی نظرة آس قد شجانی ما أقاسی

سیدی لفتة من رقَّ علیه کل قاسی

سیدی عطفاً یقود ال - - دهر صعباً من شماسی(1)

فالشاعر قد بین حاجته للإمام وضعفه وشدة حنینه الیه لینقذه من معاناته ومن دهره مستغلا خفة موسیقا البحر وانسیابیة النغم لاستعطاف الإمام عج الله تعالی فرجه الشریف.

ومن البحور التی استعملها الشعراء أیضاً بحر (الرجز) وذلک لسهولته واتفاقه مع حرکات القتال والانفعالات السریعة التی تحتاج الی الانفجار والحرکة، ومنه قول الشاعر عبد الحسین الاعسم:

یا نادب المهدی من شیعته دونک بشری باقتراب الظفرِ

دنا لقاهُ فاصطبر له تَفُزْ به فإن الفوز للمصطبر(2)

لقد وظف الشاعر هنا (بحر الرجز) لسهولته فی إیصال المعنی الی المتلقی، مع إثارة انفعاله لاستجابة ندبته من لدن الأمام، إلی جانب انتظاره مقترناً بالفوز والظفر. ومن خلال ما تتبعناه من البحور الشعریة التی استعملها الشعراء فی قصائد الاستنهاض لوحظ أن بعض البحور تتسم بالقلة وذلک؛ لأن شعر الاستنهاض ینظم من أجل الالقاء والانشاد علی المنابر مما یتطلب من الشاعر ان ینظم علی الاوزان المألوفة عند المتلقی وذلک لحصول التفاعل بینهما.

ص:243


1- (1) دیوان بدقت: 89.
2- (2) دیوان الأعسم: 57.

2. القافیة

اشارة

"تعد القافیة عنصراً مهماً من عناصر الایقاع الشعری ولازمة من لوازم الشعر العربی" (1) وعرفت القافیة بأنها "حرف الروی الذی یلزمه الشاعر فی أواخر الابیات" (2) وقد اکد ابن رشیق القیروانی (ت 456 ه -) ذلک بقوله "القافیة شریکة الوزن فی الاختصاص بالشعر، ولا یسمی شعراً حتی یکون له وزن وقافیة"(3). إن وضوح القافیة وقوتها واستساغة أذن المتلقی لها یجعل من العمل الشعری للشاعر اکثر تقبلاً وشیوعاً لدی الناس مما حدا بالشعراء الی استعمال بعض الحروف التی لها وقع وموسیقا خاصة لدی المتلقی بحیث تجعله یتأثر بالعمل الشعری ویرتبط به ومن الحروف التی شکلت النسبة الاکبر فی قصائد الاستنهاض تلک التی لها اصوات جهوریة مثل (الراء، والمیم، واللام، والباء والدال) لما لهذه الحروف من

ص:244


1- (1) ینظر: الشایب، (أحمد): أصول النقد الأدبی، ط 10، مکتبة النهضة المصریة، القاهرة، 1994 م: 324.
2- (2) ینظر: ابن کیسان، (ابو الحسن محمد بن احمد ت 299 ه -): تقلیب القوافی وتلقیب حرکتها، ضمن کتاب رسائل ونصوص فی اللغة والادب والتاریخ، تحقیق د. ابراهیم السامرائی مکتبة المنار، الاردن، ط 1، 1988 م: 263.
3- (3) العمدة: 151/1.

اصوات تمییزیة بین" الصمت والجهر، والهمس والاسرار "(1)" فالراء احتل المرتبة الاولی بوصفه صوتاً مجهوراً متوسطاً بین الشدة والرخاوة ومن أهم ما یمیزه تکرار طرف اللسان للحنک عند النطق به، وهو إما مرقق أو مفخم "(2) ومن ذلک قول الشاعر جعفر الحلی: (من الکامل)

انت الولیُّ لمن بظلم قُتِّلوا وعلی العدا سلطانُک المنصورُ

ولو انک استأصلت کل قبیلة قتلاً فلا سرفٌ ولا تبذیرُ

خذهم فسنَّةُ جدِّکم ما بینهم منسیّهٌ وکتابُکم مهجورُ(3)

" یتمیز صوت الراء بالتکرار "(4) ویبدو ان الشاعر استغل هذه الصفة مع ماله من أحاسیس ومشاعر، للدلالة علی ما یرید إیصاله من معنی للمتلقی، فکانت مجانسة موفقة للتزاوج بین الصفة والمعنی مثل فیها صوت الراء عاکساً لتلک الاحداث التی کانت فی داخله.

وکذلک قول الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

لقد عقدَ الله اللّوا والوَلا له فقام مُطاعاً بین نهی وانذارِ

یُبشِّرُ جبریلٌ به کلَّ عالَم ویدعو الی آثارهِ خیرِ آثارِ(5)

لقد کان لصفة التکرار والترقیق دور بارز استغلها الشاعر لإیصال المعنی

ص:245


1- (1) ینظر: انیس، (د. ابراهیم): الاصوات اللغویة، مکتبة الانجلو المصریة، القاهرة، ط 4، 1971 م: 21.
2- (2) م، ن: 67.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 255-259.
4- (4) ینظر الثعالبی, (أبو منصور عبد الملک ت 429 ه -): فقه اللغة وسر العربیة, تحقیق حمد وطماس, دار المعرفة, بیروت, ط 1,2004 م: 52.
5- (5) شعراء الغری: 178-180.

الذی یریده بشکل سلس وواضح الی المتلقی الذی یحمل ذات العقیدة مشارکاً فی المشاعر ذاتها. وکذلک قول الشاعر صالح الکواز: (من السریع)

أَغِثْ رعاکَ الله من ناصر رعیةً ضاقَ علیها القِفارْ

فهَاکَ قلبها قلوبَ الوری أذابها الوجدُ من الانتظارْ(1)

لقد وظف الشاعر صفة الراء والقافیة المقیدة فی ابیاته للتعبیر عن الحزن والأسی والحرقة، مما جعل أبیاته اکثر دلالة علی المشاعر التی کان یعیشها الناس آنذاک. وکذلک قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

یا لیت شعری هل لنا وسیلةٌ الیک تجلو ما بنا من کدرِ

ام هل نری ذاک الهلالَ لائحاً علی سریرِ دولة أو منبرِ(2)

لقد استغل الشاعر صفة التکرار عند النطق بحرف الراء لیشیر الی تکرار لحظات الحزن لدی الشاعر والمتلقی حیث جمعهما بأسلوب الجمع مستغلاً ضمیر الجمع (نا) للدلالة علی ذلک متناسباً (الأنا) بعیداً عن حب الذات.

أما صوت المیم، فإن صفته الجهوریة، والغنة التی ترافق النطق به(3) جعلته ملائما لغرض الاستنهاض، إذ إن له ایقاعاً واحساساً واضحاً ولاسیما إذا صحب الحزن الشدید والتفجع، ولربما ناظر الشاعر جهارة هذا الصوت وغنته مع هواجسه الحزینة ومنه قول الشاعر کاظم الأسدی: (من الطویل)

أمولایَ عِیلَ الصبرُ واقتدح الأسی وطال العنا والجورُ من معشر عَموا

ص:246


1- (1) دیوان الکواز: 112.
2- (2) دیوان الأعسم: 57.
3- (3) ینظر الاصوات اللغویة: 147.

وکم نتقی الاعداءَ والدینُ خاملٌ ونُغضی علی الاقذاءِ منهم ونَکظِمُ

فیا ضیعةَ الاسلام إذ ساسَ أهلَه من الروم والاتراکِ ذئبٌ وقَشعمُ (1)

لقد استغل الشاعر فی أبیاته صفة حرف المیم من الجهارة والغنة مع الإستعانة بصوت (الواو) للتعبیر عن المجموع ولبیان ما یشعر به المجتمع من ظلم الحکام وإن اختلفت هویاتهم لبلورة صورة واضحة عن الواقع الذی یعیشونه آنذاک. وکذلک قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

امام بَری الله المکارمَ والعُلی له وَبَراه للعلی والمکارم

یری قبل لقیاهُ المولی حسرةً بأحشائه تکفیه جسُ العلائم

لمحنا سناهُ فاستطارت قلوبنا له اریحیّات الهوی المتقادم(2)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته صوت المیم محرکاً إیاه بصوت (الکسر) الذی یرافقه وضوح صوتی أکثر مع نغمات ممیزة لیکشف بذلک عما یدور فی خلده وأحاسیسه من حب للإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وانتظار دولته.

وکذلک قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الوافر)

بنفسی غائباً عن کل عین تمنّی ان تراک ولو مناما

لیَهدی الله عمیاناً ویعُمی بها من کلّ بعد هدیً تعامی

ولم یعُهد سواک ابیّ ضیم فما لک بتّ موتوراً مضاما

صبرت وانت أقدر من علیها اذا رمت انتظاراً وانتقاما(3)

ص:247


1- (1) شعراء الغری: 494-498.
2- (2) دیوان الأعسم: 65.
3- (3) دیوان أبو الحب: 139.

لقد وظف الشاعر فی أبیاته صفة المیم مع الف الإطلاق للتعبیر عن استنهاض الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف حیث اکتسبت أبیاته صفة الجهوریة والغنة الواضحة مع نغمة الالف المطلقة إذ بهذا التنوع الصوتی استطاع الشاعر ان یوصل رسالته الی المتلقی بشکل واضح صافٍ ذی نمط ایقاعیّ مستقل.

وکذلک قول الشاعر حیدر الحلی: (من البسیط)

مَنْ حاملٌ لولیِّ الأمر مأْلَکةً تطوی علی نفثات کلُّها خَرَمُ

یابنَ الألی یقعدون الموتَ إن نهضتْ بهمْ لدی الروعِ فی وجه الظُّبی الهممُ

الخیلُ عندکَ مَلَّتها مَرابِطُها والبیضُ منها عرا أغمادَها السّأَمُ (1)

لقد وظف الشاعر فی أبیاته الاستنهاضیة حرفاً مدعوماً بصوت الضم القوی والمؤثر للتعبیرعن ما یدور من احاسیس لدیه مثیراً بذلک الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف للنهوض لقیادة دولة الحق الالهی.

أما صوت الباء فإنه صوت جهوری فضلا عما یمتلکه هذا الصوت من دلالة من حیث المعنی؛ إذ إنه" یدل علی بلوغ المعنی فی الشیء بلوغاً تاماً "(2) وقد استعمله الشعراء فی قصائد الاستنهاض لإظهار ما یعتریهم من حزن وآهات وآلام" فلم یجدوا لذلک سبیلاً غیر الصوت الذی یحبس معه الهواء انحباساً تاماً یتلاءم مع انحباسات صدره علی من فقد "(3) ویستنهض الإمام لطلب الثأر من الأعداء

ص:248


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 114/1.
2- (2) عبد الله، (محمد فرید): الصوت اللغوی ودلالته فی القرآن الکریم، دار ومکتبه الهلال، بیروت، ط 1، 2008 م: 129 (هلال، (د. عبد الغفار حامد): اصوات اللغة العربیة، مکتبة وهبة، القاهرة، ط 2، 1996 م) 126.
3- (3) شعر رثاء الامام الحسین فی العراق للفترة (1100-1350) ه - دراسة فنیة: 140.

ومن ذلک قول الشاعر عبد الحسین الاعسم: (من الطویل)

نری یدکَ ابتلّتْ بقائمةِ العَضبِ فحتامَ حتامَ انتظارُکَ بالضرب؟

أطلتَ النوی فاستأمنت مَکرَکَ العدا وطالتْ علینا فیک ألسنة النَّصبِ

إلام لنا فی کلِ ّ یوم شکایةٌ تعجُّ بها الأصوات بُحَّاً من النَّدبِ

هلمَّ فقد ضاقت بنا سعةُ الفضا من الضیم والأعداءُ آمنةُ السِّربِ (1)

لقد جعل الشاعر صوت الباء الدلالی معبراً عن المعنی الذی یرید ان یصل إلیه وهو المعاناة من الظلم والقتل والتشرید، مبیناً أیضاً مایحمله صدره من الهموم والتحسر علی فقد الأحبة منذ وقعة الطف الی زمن کتابة الشاعر لقصیدته.

هذا وإن حرف الباء من حروف القلقلة (قطب جد) التی یصعب الوقوف فیها دون احداث صوت واضح لشدة الضغط الذی تولده هذه الاصوات اثناء النطق بها"(2). ومن ذلک قول الشاعر السید محمد مال الله: (من الکامل المرفل)

أبدی الزمان لنا العجائبْ وانصاع یأتی بالغرائبْ

مارثَّ منه مصیبةً الا أجدَّ لها مصائبْ (3)

فالشاعر فی بیته وظف صوت الباء الجهوری مستعیناً بالقافیة المقیدة لبیان ما یقاسیه المجتمع من ظلم وغیاب للحق.

وقال الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

یا بن الغطارفةِ الأمجادِ مَن ضربوا علی جباهِ العُلی دون الوری قَتَبا

ص:249


1- (1) دیوان الأعسم: 53.
2- (2) اصوات اللغة العربیة: 145.
3- (3) دیوان مال الله: 78-84.

ومن همُ الآیةُ الکبری وعندهُمُ علمُ الکتاب وِما فی اللوحِ قد کُتبا

عجل فدیناک فالأحشاء فی شعل لعلنا من عداکم نیلغ الاریا(1)

نلاحظ فی هذه الأبیات تناسباً بین حرف الروی والمعانی التی نشدها الشاعر، إذ إن جهارة صوت الباء وشدته الانفجاریة مع استعمال الألف الممدودة أوحت بمعنی متکامل لا نقص فیه من آهات وآلام یشعر بها الشاعر.

أما صوت النون

فهو صوتٌ مجهور ذو مخرج أنفی" یحتاج الی جهد عضلی أقل مما یحتاجه الصوت المهموز "(2) وقد استعمله الشعراء بمثابة الاناء الذی یفرغون فیه همومهم وآلامهم وأحزانهم ومن ذلک قول الشاعر عبد الحسین الاعسم: (من الوافر)

إذا لیلُ الضلالة مد باعا ثناه من صباح هداه ثانِ

یبیر بسیفه البتار من لم یَدِنْ لعلاه منقاد العنانِ

ویکسو المؤمنین ثیاب عزّ یجدّدهن آناً بعد آنِ

یسیر بهم بسیرة جدّه إذ حکاه فی خلائقه الحسانِ

فیا من حل فی قلبی هواه محل الروح من جسد الحبان(3)

وظف الشاعر فی أبیاته صوت النون المکسور للتعبیر عما یعانیه المجتمع من هموم واحزان وما حل به من ظلم وذل.

وقال الشاعر السید محمد مال الله: (من الکامل)

ص:250


1- (1) دیوان شکر: 17.
2- (2) الاصوات اللغویة: 112.
3- (3) دیوان الأعسم: 70.

نعبَ الغرابُ فشبَّ نارُ شجونی فذکتْ وأتْبَع زفرتی بأنینی

فدعوتُه هیّجتَ شجواً کامناً منی فها هو منک غیرُ کمینِ

اکثرتَ تعدادَ النعیبِ وانت لِی بشجاً أناخَ علیکَ غیرُ مبینِ (1)

فالشاعر عبر عن أحزانه وشجونه وما یقاسیه ویعانیه من جور الزمان مستغلاً صوت النون المجهور الذی فرغ فیه کل ما یشعر به.

أما صوت الدال الصامت لا الصائت،(2) فإنه اندفاع الهواء من الرئة مما یسد عارض سریانه عن النطق به، وقد استعمله الشعراء فی أشعار الاستنهاض لکشف ان الظلمة یسمعون النداءات ولایصغون لها رغم التحذیر المتکرر ولکنهم یستمرون فی ظلمهم وغیهم للعباد ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من البسیط)

قل للألی قد نما غرس الضلال بهم ومذ تولی یزید زرعهم حصدا

یا عصبة الغی مهلاً خابَ سعیکمُ أین المعز اذا بدر الرشاد بدا

أین المفر وسیف الله إثرکمُ أحاط علماً وأحصی جمعکم عددا(3)

فهنا الشاعر وظف صوت (الدال) مع الالف الممدودة للتعبیر عن النداءات الموجهة للظلمة الذین لا یستمعون الی صوت الحق ولایصغون الیه نتیجة ابتعادهم عن الإیمان، وقد استعمل القرآن الکریم هذه الدلالة فی بعض الآیات ومنها (ولا أنتمُ عَابدُونَ ما أعبدُ)(4).

ص:251


1- (1) دیوان مال الله: 96-98.
2- (2) ینظر سعران، (د. محمود): علم اللغة مقدمة للقارئ العربی، دار المعرف، مصر، 1992 م: 113.
3- (3) دیوان شکر: 27.
4- (4) سورة الکافرون: آیة 3.

وقال السید ابراهیم حسین الطباطبائی: (من الطویل)

الی أیِ ّ یوم لم یقُمْ لک موقفٌ به الشوسُ تقمی والرؤوسُ به تخدی

أثرها تشدُّ البیدَ شعواءَ غارةً سمیراکَ فیها الرمحُ والصارمُ الهندی

أباحوا بمستنِ ّ النِّزال دماءکم بمسنونةِ الغربینِ مرهقةِ الحدِّ(1)

فالشاعر فی ابیاته استغل صوت (الدال) للدلالة علی أن الظلمة لا ینفع معهم النصح أو الإرشاد وإنما یستحقون القصاص العادل من قبل الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

أما صوت العین

فهو صوتٌ تصحبه نغمة موسیقیة، اذ یتذبذب الوتران الصوتیان، ومن خلال هذا التذبذب تظهر لنا طبیعة العلاقة بین صفته والمعانی الاستنهاضیة التی ینشدها الشاعر ومنها عینیة الشاعر السید حیدر الحلی: (من الکامل المرفل)

الله یاحامی الشریعة أتقرُّ وهی کذا مروعه؟

بکَ تستغیثُ وقلبُها لک عن جویً یشکو صُدوعه

أین الذریعةُ لاقرا - رَ علی العدی أین الذریعه؟

کم ذا القعودُ ودینکم هُدمت قواعدُه الرفیعه

ماذا یُهیجُکَ إن صبرْ تَ لوقعة الطفِ ّ الفظیعه(2)

لقد وظف الشاعر فی قصیدته صوت (العین) الذی یمثل النغمة الموسیقیة الصارخة نتیجة تذبذب وتریه بدعم الاستفهام والقافیة المقیدة لیعبر بها عن مرارته

ص:252


1- (1) معجم شعراء الحسین: 76/2-77.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.

وتفجعه وقد وفق الشاعر فی تعبیره عن الوجع والفزع والهلع برویه العینی من أجل استنهاض الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وتحریک الألم والتوجع داخل نفس المتلقی. وقال الشاعر عبد الحسین الاعسم: (من الطویل)

یصول بجیش تغتدی زمرَ العدی عبادید مذ تبدو علیهم طلائعه

ویبلغ اقصی ما یروم بعزمة بها یستوی دانی المرام وشاسعه

ملیکٌ تری الاقدار مُلقیةً له مقالیدها یقتادها فتطاوعه(1)

لقد بین الشاعر فی أبیاته ومن خلال صوت (العین) قوة الإمام وجیشه وفزع الاعداء من هذا الجیش وجزعهم من مصیرهم الذی سوف یرونه علی یدیه.

أما صوت الجیم فهو صوت مجهور شدید(2) ولشدته وجهارته صفاء فی السمع ولاسیما اذا استعمله الشاعر فی وصف المعاناة والظلم الذی کانوا یعانون منه وقد استعمله الشعراء فی قصائد الاستنهاض ومنهم الشاعر السید محمد مال الله فی قوله: (من الطویل)

أبا القاسم المهدیِ ّ حتامَ نحتسی کؤوس الأذی والقلب ظمآنُ للفرجْ؟

وحتامَ تعلونا عِداکم بجورها وحتامَ یغشو فی موالیکمُ الهرَجْ

وحتامَ فرعون الزمانِ یسومُنا بکل زمان منه مُغلقَةَ الرُّتَجْ (3)

لقد استغل الشاعر شدة صوت (الجیم) وجهارته وصفاءه فی السمع، واستعماله القافیة المقیدة التی تمثل الصوت الذی یرن فی اذن السامع للتعبیر عن

ص:253


1- (1) دیوان الأعسم: 61.
2- (2) الحمد، (د. غانم قدوری): المدخل الی علم الاصوات العربیة، مطبعة المجمع العلمی، بغداد، 2002 م: 82.
3- (3) دیوان مال الله: 78-84.

الصورة التی ارادها الشاعر من لوعة المعاناة والألم الذی ترک أثره فی المجتمع بغیاب الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف الذی یمثل جانب الحق وقوة الباطل التی تمثلها فراعنة الزمان.

وکذلک قول الشاعر سلیمان داود الحلی: (من مجزوء الکامل المرفل)

یا بن النبی ومن به صبحُ الهدایةِ قد تبلجْ

فلأنتَ تعلمُ أننی لک من جمیع الناس احوجْ

ولدَّی ما باتتْ ضلو - عی منه فوق الجمر تُسرجْ (1)

لقد وظف الشاعر فی قصیدته الاستنهاضیة حرف (الجیم) للدلالة علی احتیاج الناس إلیه؛ لأنه یمثل العدالة الالهیة فی الأرض، وهذا نابع من عقیدة الانتظار لدی الشیعة والمحبین.

وقد استعمل الشعراء فی شعر الاستنهاض باقی حروف الروی ولکن بنسبة قلیلة بل إن بعضها لم یرد فی شعر الاستنهاض.

أما بالنسبة للقافیة فقد قسمت علی قسمین (قافیة مطلقة وقافیة مقیدة) وقد استعمل الشعراء القافیة المطلقة فی شعر الا ستنهاض بشکل کبیر وذلک لسبب طبیعة الموضوع، فالاستنهاض یحتاج الی حریة وانطلاقة فی النفس کی یعبر الشاعر عمَّا یجول فی خاطره ومایختلج فی نفسه من الآم واحزان أما القافیه المقیدة التی "تفید انطلاقة الصوت"(2) ، وتوقفه عن تدفقه وحرکته، فإن الشعراء قد ابتعدوا عنها واتجهوا الی القافیة المطلقة التی تحقق الغرض المنشود، ولکن هذا لا یعنی ترک

ص:254


1- (1) اروع ما قیل فی محمد: 682-683.
2- (2) العتیق، (د. عبد العزیز): علم العروض والقافیة، دار النهضة العربیة للطباعة والنشر، بیروت، 1987 م: 59.

الشعراء للقافیة المقیدة فی أشعارهم بل نجد أن عدداً منهم استعملها للدلالة علی غرضه. ومن القافیة المقیدة قول الشاعر سلیمان الحلی: (من الکامل المرفل)

زعمَ الزمانُ علیَّ أب وابُ الشدائدِ منه تُرتجْ

کذبَ الزمانُ بزعمه مِن غَمِّه لَم ألْقَ مخرجْ

بالقائمِ المهدیِ ّ عنی کلُّ ضیق فیه یُفرَجْ (1)

لعل الشاعر لجأ فی قصیدته الی القافیة المقیدة؛ لأنها منسجمة مع الإنشاد علی المنابر؛ لأن" هذه القافیة اطوع وأیسر فی تلحین ابیاتها "(2) ونحن قد اوردنا سابقاً أن أغلب شعر الاستنهاض هو شعر منبری. ومن ذلک أیضاً قول الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

یا قمرَ التِّمِ ّ الی مَ السرارْ ذاب محبّوُکَ من الانتظارْ

لنا قلوبٌ لک مشتاقةٌ کالنَّبتِ اذ یشتاقُ صَوبَ القطارْ

فیا قریباً شفَّنا هجرُه والهجرُ صعبٌ من قریب المزارْ

دجا ظلامُ الغیَّ فَلتجْلُه یا مرشدَ الناسِ بذاتِ الفقارْ

یستنصرُ الدینُ ولا ناصرٌ ولیس الا بکمُ الانتصارْ(3)

حیث وظف الشاعر هنا القافیة المقیدة للدلالة علی أن قصیدته هی من الشعر المنبری الذی یراد منه الوصول الی مجموعة اکبر من الناس مع سهولة تلحینه فی أثناء القائه.

ص:255


1- (1) أروع ماقیل فی محمد وأهل بیته: 682-683.
2- (2) ینظر موسیقا الشعر: 257.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 244-246.

3. التکرار

یعد التکرار وسیلة من وسائل التعبیر الفنی لدی الشعراء، وذلک لإضفاء ایقاع جمیل معبر عن ذاته وما یرید ان یوصله الشاعر الی المتلقی من معنی خاص بإبداعه الفنی" فضلاً علی أنه یعد من اقوی طرق الاقناع من خلال اعتماده علی التأکید والتقریر "(1) والتکرار فی النص الادبی یعنی" تناوب الالفاظ واعادتها فی سیاق التعبیر، بحیث تشکل نغماً موسیقیاً یقصد به الناظم فی شعره ونثره "(2) وقد ورد هذا الاسلوب فی القرآن الکریم أیضاً،" ذلک أن القرآن الکریم قد خاطب العرب بما یألفون من الاسالیب "(3)

ومنه قوله تعالی: «کلاّ سَوْفَ تَعْلَمونَ * ثم کلاّ سَوفَ تَعلمونَ»(4) اذ تکررت الآیة فی السورة وذلک من اجل التوکید علی سوء عاقبة تکاثرکم وهو من باب الانذار والترهیب. أما التکرار فی الشعر فقد بینه ابن رشیق القیرانی بقوله

ص:256


1- (1) ینظر: الکلش، (راویة محمد هادی حسون): دیوان محسن ابو الحب دراسة فنیة موضوعیة، رسالة ماجستیر، مقدمة الی مجلس کلیة التربیة، جامعة کربلاء: 15.
2- (2) جرس الالفاظ ودلالتها فی البحث البلاغی والنقدی عند العرب: 239.
3- (3) م. ن: 239.
4- (4) سورة التکاثر: آیة (3-4).

" وللتکرار مواضع یحسن فیها، ومواضع یقبح فیها، فاکثر ما یقع التکرار فی الالفاظ دون المعانی، وهو فی المعانی دون الالفاظ أقل، فاذا تکرر اللفظ والمعنی جمیعاً فذلک الخذلان بعینه "(1) وللتکرار عدة انواع منها التکرار فی الحرف الواحد ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الوافر)

متی یا أیها المحجوب عنا تزیل بضوء طلعتک الظلاما

اغثنا بالذی سوّاک شرعاً فقد بلغ العدوّ بنا المراما

اما وابیک لا یرضی وترضی إذا ما قمت منتضیاً حساما

طغت حتی الکلاب الجرب لما اطلت فداک انفسنا المقاما

لقد شابت نواصینا انتظاراً ولم نشدد لنصرکم حزاما

بنفسی غائباً عن کلِ ّ عین تمنّی ان تراک ولو مناما(2)

لقد وظف الشاعر تکرار حرفی (التاء والمیم) فی ابیاته للدلالة علی حزنه ولهفته وشوقه لرؤیة الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف، مما أکسب النص حالة من التوتر الحزین یتفاعل معها المتلقی من خلال رفضه للواقع الذی یعیشه. وقال الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الرجز)

یا نادب المهدی من شیعته دونک بشری باقتراب الظفرِ

دنا لقاهُ فاصطبر له تفز به فإن الفوز للمصطبرِ

روحی الفدا لنازح وفضلهُ أدنی من السمع لنا والبصرِ

ما هو إلا العضبُ مغموداً فان جُرِّدَ أبدی عن صفاء الجوهرِ

ص:257


1- (1) العمدة: 121/2.
2- (2) دیوان أبو الحب: 139.

فلا تری عیناک منه غیر ما یقرُّ عین الواجدِ المستعبرِ(1)

لقد جعل الشاعر من تکرار حرف النون ذی الصفة الجهوریة لیفرغ فیه ما فی نفسه من أحاسیس مؤکداً بذلک فوزه بانتظار الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف معلناً بصراحة تامة عن عقیدته مؤکداً إیاها لیشارک المتلقی فی أحاسیسه وشعوره.

ثم یأتی بعد ذلک تکرار اللفظة مثلما فی قول الشاعر حیدر الحلی: (من مجزوء الکامل المرفل)

تدعو وجُرْدُ الخیل مُص - - غِیةٌ لدعوتها سمیعه

وتکاد ألسنةُ السیو - ف تجیب دعوتَها سریعه(2)

لقد جعل الشاعر من تکرار لفظه (تدعو) ثلاث مرات مع قافیة العین ما یحمل مرارة الشاعر ووجعه واستنهاضه للامام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لإجابة هذه الدعوة التی طالما انتظرها الشاعر والمتلقی.

وکذلک قول الشاعر جعفر الحلی: (من الطویل)

أتُغضی فداکَ الخلقُ عن أعُینِ عَبری تودُّ بأن تحظی بطلعتک الغَرّا

أتُغضی وأجفان النواصب قد غفتْ ولم یَرقُبوا منا وأجفاننا سَهری

أتُغضی وذی ارزاؤکم قد تتابعتْ فجایِعُها فی کل آنٍ لنا تتری

أتُغضی وذاک المجتبی سبطُ احمدٍ سقته الأعادی السُّمَّ حتی قضی قهرا(3)

من خلال الایقاع الذی ولده تکرار لفظة (أتُغضی) بدا الانسجام واضحاً بین

ص:258


1- (1) دیوان الأعسم: 58.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.
3- (3) دیوان الحلی جعفر: 259-260.

ایقاع الأبیات والمعانی التی ارادها الشاعر من خلالها کالتأکید والتعظیم والتهویل والتعجب مما جعل المتلقی فی حالة ترقب لما یأتی بعدها من المعانی.

أما تکرار الجملة فقد ورد کثیر منه فی قصائد الاستنهاض لدی الشعراء ومنه قول الشاعر جعفر الحلی: (من السریع)

متی نری بِیضَکَ مشحوذةً کالماء صافٍ لونُها وهی نارْ

متی نری خیلک موسومةً بالنصر تعدو فتثیر الغبارْ

متی نری الاعلام منشورةً علی کُماةٍ لَم تسعْها القفارْ

متی نری وجهک ما بیننا کالشمس ضاءتْ بعد طول استتارْ(1)

أراد الشاعر من خلال تکرار جملة (متی نری) اثبات وحدة الهدف من خلال تاکیده المعانی الجزئیة التی شکلت الهاجس الروحی لفلسفة الانتظار، فضلاً علی ان هذا التکرار ألّف وحدة موسیقیة أعطت انطباعاً واضحاً الی ذهن المتلقی.

وکذلک قول الشاعر جواد بدقت: (من مجزوء الرمل)

سیدی ما فی البرایا من یصافی ویواسی

سیدی ما فی البرایا من یحابی ویماسی(2)

لقد وظف الشاعر فی تکراره جملة (سیدی ما فی البرایا) ضمن صدر بیتین متتالین لإظهار تحسره العمیق وحنینه الی منقذه وحبیبه وسبیل نجاته حیث جعل فی تضافر هذه العبارات وقعاً فی نفس الشاعر والمتلقی.

ص:259


1- (1) دیوان الحلی جعفر 244-246.
2- (2) دیوان بدقت: 89.

وکذلک قول الشاعر صالح الکواز: (من الطویل)

دعوتک للتوحید قد غال أهله اناس علی الاوثان تحنو وتعکفُ

دعوتک للدین الحنیف فقد غدا ضئیلاً علیه الشرک یغوی فیضعف

دعوتک للقرآن راح ممثلاً بأیدی اناس غیَّروه وحرَّفوا

دعوتک للشرع الشریف منیراً بما قعَّدوا أهل الضلال ووظفوا

دعوتک للمظلوم ضاعت حقوقه ولیس له من عصبة الجور منصف(1)

إن لتکرار جملة (دعوتک) تأکید الشاعر خوفه وتحسره علی الدین والقرآن والشرع والحق الذی بدأ بالتراجع والضیاع بسبب حکام الجور والظلمة فجعل بهذا التأکید دلالة واضحة لدی المتلقی بما یجری علی الرسالة التی جاء بها الرسول (صلی الله علیه وآله)، وان منقذها الوحید هو الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص:260


1- (1) دیوان الکواز: 82.

4. رد الاعجاز علی الصدور

هو" کلام منثور أو منظوم یلاقی آخره أوله بوجه من الوجوه "(1) وهو نوع أیضاً من انواع التکرار الذی استعمله الشعراء فی قصائد الاستنهاض وذلک لزیادة التنغیم الموسیقی والتکثیف الدلالی الذی یتوخاه الشاعر فی قصیدته.

ومنه قول الشاعر حیدر الحلی: (من الکامل المرفل)

تنعی الفروعُ اصولَهُ وأُصولُه تنعی فروعَهْ (2)

الشاعر هنا بتکراره هذه الکلمات کانت له غایة أراد تأکیدها، والترکیز علیها وجلب الانتباه علیها، وهی ان الدین بأصوله وفروعه قد صرف عن معناه الحقیقی الذی نزل به جبریل الأمین علی الرسول الاعظم (صلی الله علیه وآله).

وکذلک قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الطویل)

فأحرق بیتاً کان جبریل حاجباً له وکفی جبریل ان هو حاجبه(3)

ص:261


1- (1) خزانة الأدب وغایة الأرب: 214/4.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.
3- (3) دیوان أبو الحب: 53.

لقد رکز الشاعر علی البیت الذی احترق والذی کان جبریل حاجبه للدلالة علی اهمیة هذا البیت بوصفه مهبط الوحی وثقل الإیمان، فضلاً عن ذلک فان هذا التکرار أسهم فی زیادة الکثافة الموسیقیة التی تتلاءم مع الاجواء الحزینة التی رسمها الشاعر.

وقول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الوافر)

فإنی منه فی داء دفین وفیک شفاءُ ذا الداءِ الدفین(1)

لقد أراد الشاعر فی تکراره الکلمات (داء دفین) تأکید غایة الشفاعة التی کان یتوخاها الشاعر من الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وأهل بیته فی الدار الآخرة وقد أضاف هذا التکرار نغماً موسیقیاً معبراً عن حاجة الشاعر لهذه الغایة.

ص:262


1- (1) دیوان الأعسم: 26.

5. الجناس

ویعد الجناس وسیلة من وسائل التعبیر الایقاعیة ویعنی "أن یتشابه لفظان فی النطق، ویختلفان فی المعنی، فاذا جاء عفواً، وجاد به الطبع من غیر تکلف، عُدَّ من المحسنات الجمیلة"(1).

و" للجناس أهمیة کبیرة فی سیاق النص الشعری، وذلک لأنه یعمل علی خلق إیقاع منسجم یظهر أثره فی وحدة الجرس"(2).

و "للجناس أنواع منها: الجناس التام، وهو ما اتّفق فیه اللفظان بنوع الحروف وشکلها وعددها وترتیبها"(3).

ومنه قول الشاعر صالح الکواز:

فلتلطم الخیل خدّ الأرض عادیة فإن خدّ حسینٍ للثّری ضرعا(4)

ص:263


1- (1) اساس البلاغة: 10.
2- (2) دیوان محسن ابو الحب دراسة موضوعیة فنیة: (رسالة ماجستیر): 204.
3- (3) اسالیب البدیع فی القرآن الکریم: 124.
4- (4) الموسوعة المهدویة: 298.

فقد استعمل الشاعر فی الشطر الأول لفظة (خد) للدلالة علی وجه الأرض وأما فی الشطر الثانی فقد استعمل اللفظة للدلالة علی خدّ الحسین علیه السلام.

وکذلک قول الشاعر حیدر الحلی من (الجناس المحرف)(1): (من الکامل)

وقضیت نحبک بین أظهرٍ معشرٍ حُمِلوا بأخبث أظهرٍ وبطون(2)

فقد استعمل الشاعر فی الشطر الأول لفظة (أظهر) للدلالة علی مجموعة من الناس وأما فی الشطر الثانی فقد استعمل اللفظة للدلالة علی نطفة الإنسان فی ظهر أبیه.

الجناس غیر التام:" وهو ان تکون فیه الحروف متساویة فی ترکیبها، مختلفة فی وزنها، أو متساویة بالوزن مختلفة فی التراکیب بحرف واحد لا غیر "(3)" وقیل هو التماثل فی الالفاظ مع الاختلاف فی المعنی"(4).

ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

نری یدکَ ابتلتْ بقائمة العضب فحتامَ حتامَ انتظارُکَ بالضربِ (5)

ص:264


1- (1) الجناس المحرف: "هو ما اتفق لفظاه فی عدد الحروف وترتیبها واختلفت الحرکات فقط" أسالیب البدیع فی القرآن: 208.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 111/1-114.
3- (3) ینظر المثل السائر: 379.
4- (4) ینظر الحموی، (أبو بکر علی بن عبد الله المعروف بابن حجّة ت 837 ه -): خزانة الأدب وغایة الأرب، دراسة وتحقیق د. کوکب دیاب، ط 2، دار صادر، بیروت، 2005 م: 418/1.
5- (5) دیوان الأعسم: 53.

الجناس حصل هنا بین (العضب) ومعناه قبضه السیف، و (الضرب) ومعناه القتال والقضاء علی الظلمة وقد وظف الشاعر هذا الجناس لتوفیر نغم موسیقی یتلاءم والمعنی الذی کان ینشده الشاعر. وکذلک قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الوافر)

وَفَوْا لله فیما عاهدوه فوفاهم أجورهم تماما(1)

لقد وظف الشاعر الجناس بین (وفوا) التی هی بمعنی الوفاء والإیمان، و (وفاهم) أی أعطاهم أجورهم ومن خلال التقارب الصوتی بین اللفظتین أضفی الشاعر علی البیت نغماً موسیقیّاً عذباً.

قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

حتام هذا الصبر یابن الأنزعِ عجل فغیرک مالنا من مفزع(2)

لقد وظف الشاعر التقارب الصوتی بین لفظتی (انزع) و (مفزع) والجناس الذی بینهما فی المعنی إذ إن معنی (أنزع) القصیر القامة المفتول الجسم و (المفزع) المکان الذی یلجأ الیه الإنسان للهروب من شیء مخیف.

وکذلک قول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

وأقداحاً یدیر الموت فیها ذعافاً من مریشات القراح(3)

الجناس هنا حصل بین لفظتی (أقداح) و (القراح) والاولی بمعنی القدح الذی یشرب به الماء والثانیة بمعنی (عود النیل) حیث جمع بینهما مستغلاً تقارب

ص:265


1- (1) دیوان أبو الحب: 140.
2- (2) دیوان شکر: 46.
3- (3) دیوان کمونة: 38.

صوت الدال بصوت الراء المجهور المکرر للدلالة علی مبتغاه بصوتٍ موسیقیّ ممیز.

وکذلک قول الشاعر محمد مهدی بحر العلوم: (من الخفیف)

لیسَ تقضی لنا الحوائج إلاّ عند غیث البلاد غوثِ العبادِ(1)

لقد وظف الشاعر الجناس بین (غیث) و (غوث) فی عجز البیت الشعری مستغلا بذلک الایقاع المنسجم الذی احدثته اللفظتان للدلالة علی المعنی الذی یبتغیه الشاعر وهو المطر فی الأولی وانقاذ العباد فی الثانیة.

وکذلک قول الشاعر السید حیدر الحلی: (من المتقارب)

فقلبٌ لها ترحاً واقعٌ وقلب لها فرحاً طائرُ(2)

لقد وفق الشاعر فی استعمال الجناس فی بیته الشعری بین (ترحاً) و (فرحاً) ومعنی الأولی (الحزن) والثانیة بمعنی (السرور) مما ولد جرساً موسیقیاً جمیلاً مؤثراً فی المتلقی.

ص:266


1- (1) دیوان بحر العلوم: 64.
2- (2) دیوان الحلی حیدر: 41/1.

6. التدویر والتشطیر

"والتدویر وهو ان یشترک شطرا البیت بکلمة واحدة"(1) ،"وغالباً ما یجیء التدویر لاستکمال التشکیلات الدلالیة وبخاصة فی الابحر الخفیفة کالمتقارب والخفیف والمجزوآت"(2).

ومنه قول الشاعر حیدر الحلی: (من الکامل المرفل)

فاشحذ شبا عضب له الأ رواح مذعنة مطیعه

إن یدعها خفّت لدع - - وته وإن ثقلت سریعه(3)

فقد دور الشاعر فی قصیدته عشرة أبیات من مجموع إثنین وسبعین بیتاً ولعل الشاعر استعمل هذا التدویر لحاجته النفسیة وعدم استقراره لینقل إلی المتلقی حالة عدم الاستقرار والترقب لما سوف یقوله. وقول الشاعر محمد علی کمونة: (من الوافر)

إمام القائم المهدی شمس المعالی بدر دائرة الصلاح(4)

ص:267


1- (1) العمدة: 177/1.
2- (2) ینظر لغة شعر دیوان الهذلیین (رسالة ماجستیر): 173.
3- (3) دیوان الحلی حیدر: 88/1-92.
4- (4) دیوان کمونة: 39.

لقد دور الشاعر بیتین من قصیدته التی احتوت اثنین وخمسین بیتاً ولعل الشاعر هنا اضطر إلی هذا التدویر لحاجة الوزن إلیه وذلک لقلة وروده فی القصیدة.

وقول الشاعر محمد مال الله الفلفل: (من الکامل المرفل)

فإلام هذا الإنتظا - ر ونحن للبلوی مضارب(1)

لقد دور الشاعر واحداً وعشرین بیتاً من قصیدته التی بلغ عدد أبیاتها ثلاثة وأربعین بیتاً ولعله أراد بهذا التدویر جعل المتلقی فی انتظار وحیرة واستنفار مما سوف یأتی بالبیت الذی یلی المتقدم.

والتدویر عکس التشطیر ففی التشطیر یقوم الشاعر علی إلغاء التواصل بین الصدر والعجز، مما یجعل الإیقاع أکثر بروزاً نتیجة تلازم المعانی وعدم الانفصال فیما بینها وقد ورد هذا الفن فی شعر الاستنهاض ومنه قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

أما وعد الرحمن إنک قائم إذا قیل ضاق البر بالظلم والبحر(2)

وازن الشاعر بین الشطرین بحیث یستطیع کل مصراع أن یقوم بنفسه دون أن یستعین بالآخر وهذه استقلالیة منحت الشاعر حریة فی أبیاته عن الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ومنه قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

صبراً نزار وان تکن ارزاؤکم شابت لذکراها رؤوس الرضع

ص:268


1- (1) دیوان مال الله: 84.
2- (2) دیوان أبو الحب: 83.

فَلسوف یجذب من مقاعد بأسکم سیفاً بغیر سنا الردی لم یرتَعِ (1)

حکت هذه الأبیات مأساة أهل البیت وما جری علیهم من ظلم وعدوان وقتل وتمثیل ویأتی البیت الثانی لیکون متنفساً للشاعر عن أحاسیسه وما یتمناه من ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وکذلک قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

هو الآیة الکبری المجلّی شعاعُها دجی الغی حتی یثقب الجزعَ ساطعهُ

امام هدیً ما ضلّ من یهتدی به ولا ارتاع من هولٍ حشا من یتابعهُ (2)

علی الرغم من وجود التشطیر فی هذه الأبیات الا أننا نتحسس الاتصال المعنوی بین صدر البیت وعجزه، وهذا مرتبط بطبیعة المسألة التی تحدث عنها الشاعر؛ إذ إنها عکست فضل الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف ومنزلته عند الله سبحانه وتعالی وأنه ادخره لإقامة الحق والعدل الالهی.

ص:269


1- (1) دیوان شکر: 48.
2- (2) دیوان الأعسم: 60.

7. التصریع

" وهو عبارة عن استواء آخر جزء من صدر البیت، وآخر جزء فی عجزه فی الوزن والروی والاعراب"(1).

ویعد التصریع من وسائل الایقاع المهمة فهو یسهم فی "خلق الایقاع بالتناغم مع المضمون فی ترکیبه الدلالی، لکونه تکراراً حرفیاً"(2).

فضلاً عن ذلک فانه یمثل المقدمة الموسیقیة التی تلهب الاحساس وتثیر المشاعر ومنه قول الشاعر عبد الحسین الأعسم: (من الطویل)

بدا کهلال الفطر لاحَ لصائم مُحیّا إمام بالشریعة قائم(3)

لقد وظف الشاعر فی مطلع قصیدته التصریع، ویبدو أن السبب فی ذلک یعود الی" ان التصریع فی المطلع ألیق، وأن وقعه فیه حلاوة فی النفس"(4).

ص:270


1- (1) خزانة الادب وغایة الأرب: 51/4.
2- (2) أسرار البلاغة: 150.
3- (3) دیوان الأعسم: 65.
4- (4) ینظر: خزانة الادب وغایة الأرب: 51/4.

ولعل للتصریع أیضاً فی "اوائل القصائد طلاوة، وموقعاً فی النفس، لاستدلالها به علی قافیة القصیدة قبل الانتهاء الیها" (1) وکذلک قول الشاعر عبد الحسین شکر: (من الکامل)

حتام هذا الصبر یابن الأنزعِ عجل فغیرک مالنا من مفزع(2)

لقد استغل الشاعر التصریع الذی ورد فی مطلع قصیدته لبیان عظم المصیبة والمعاناة التی کان یعیشها المجتمع والشاعر نتیجة الجهل والظلم بالتزامن مع لفظتی (الأنزع) و (مفزع) مما اعطی مطلع القصیدة شحنة موسیقیة مؤثرة.

وکذلک قول الشاعر محسن أبو الحب: (من الطویل)

ضللنا فحتی م احتجابک یا بدر أما آن أن یزهو بطلعتک الدهر(3)

فالتصریع فی (بدر) و (دهر) اعطی کثافة موسیقیة مع تکرار حرف (الراء) الذی جاء به الشاعر لیعبر عن احتیاج الشعوب لطلعة الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف لنشر العدل وإحقاق الحق.

ص:271


1- (1) منهاج البلغاء: 283.
2- (2) دیوان شکر: 46.
3- (3) دیوان أبو الحب: 82.

8. الترصیع

"وهو عبارة عن مقابلة کل لفظة من صدر البیت (او عجزه) بلفظة علی وزنها ورویها"(1).

والترصیع فی علم العروض" هو تقطیع أجزاء البیت تقطیعاً مسجوعاً أو شبیهاً بالمسجوع ویکون فی الشعر والنثر، وعمادُه السجع الذی فی احدی القرینتین أو اکثر مع ما یقابله من الأخری فی الوزن والروی"(2).

والترصیع هو أول الأنواع البدیعیّة التی تحدث عنها قدامة وجعله من نعوت الوزن - ای من محاسنه وصفاته - حیث قال "وهو أن یتوخّی فیه تصییر مقاطع الأجزاء فی البیت علی سجع أو شبیه به، أو من جنس واحد فی التصریف"(3).

ومن نماذجه قول الشاعر حسن علی قفطان: (من الطویل)

أعزّاءُ فینا نرتضیهِم وإننا أذلاّءُ فیهم تلک قسمةُ إجبارِ(4)

ص:272


1- (1) خزانة الادب وغایة الأرب: 374/4.
2- (2) اسالیب البدیع فی القرآن: 216.
3- (3) نقد الشعر: 38.
4- (4) شعراء الغری: 180.

لقد أسهم الترصیع فی قول الشاعر (أعزّاء فینا) و (أذلاّءُ فیهم) فی زیادة حدة الایقاع رغبة من الشاعر فی الملاءمة بین الایقاع والصورة التی أرادها من العلو والرفعة، والدنو والمهانة بین الطرفین.

وکذلک قول الشاعر حیدر الحلی: (من الکامل)

بضرائحٍ حَجبتْ (أباه وجَدَّه) وبغیبة ضربتْ علیه حِجابهَا(1)

استطاع الشاعر من خلال الترصیع فی قوله (بضرائح حجبتْ) و (بغیبة ضربتْ) ان یشبه غیبة الإمام الحجَّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بضریحی جده الرسول (صلی الله علیه وآله) وأبیه الإمام علی (علیه السلام) اللذین حجبا جسدیهما عن الناس ولکن بقی فضلهما کالشمس لم یحجبها السحاب.

وکذلک قول الشاعر محسن ابو الحب: (من الطویل)

سلامُ علیکم کلّما لاح کوکبُ سلامُ علیکم کلّما طلع الفجر(2)

الترصیع فی هذا البیت خلق نغمة موسیقیة متناسقة جعلت من البیت متناسقاً موسیقیاً ودلالیاً للتعبیر عن حاجة الناس الی الإمام الحجَّة عج الله تعالی فرجه الشریف کاحتیاجهم الی الکواکب والفجر.

ص:273


1- (1) دیوان الحلی حیدر: 32/2-34.
2- (2) دیوان أبو الحب: 84.

ص:274

الخاتمة

ص:275

ص:276

الحمد لله رب العالمین, والصلاة والسلام علی أشرف الخلق والمرسلین, نبینا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین, وصحبه المنتجبین، وبعد؛ فإن من خلال مسیرة البحث, أمکننا أن نصل إلی جملة من النتائج والنقاط التی ندونها فی هذه الخاتمة بوصفها نتائج أفرزتها (دراسة تحلیلیة لقصائد الاستنهاض بالإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الشعر العراقی من 1200 ه - إلی 1300 ه -) وهی علی النحو الآتی:

1. کشف التمهید عن أن معنی الاستنهاض هو (إبراح من الموضع, والقیام والمقاومة والطاقة والقوة), وکلُّ هذه المعانی تدل علی القیام والحرکة والتغییر من حال إلی حال. وهذا المعنی نجده أکثر التصاقاً بقضیة الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف وطلب التعجیل بظهوره وقیام أمره.

2. أما بالنسبة إلی معنی لفظة الحجّة فقد جاءت بمعنی (حجَة الحق علی الخلق) وهو الإنسان الکامل الذی خصه الله سبحانه وتعالی بحمل رسالة الدین وإعلاء کلمة الله ومحاربة الظلم والعدوان وهذا المعنی هو الذی تناوله شعراء الحقبة فی أشعارهم.

ص:277

3. کشف التمهید کذلک عن أنَ الأدیان والمذاهب اتفقت عقائدیاً بأنه سوف یأتی آخر الزمان حجَة علی هذا الکون یقوم بنشر العدل الإلهی ویحکم بالقسط ولکنها اختلفت فی تحدید هویته وشخصیته، کما اختلفت فی تسمیته.

4. أثبت الباحث ان شعر الاستنهاض کانت له أصول قدیمة منذ العصر الجاهلی إلا أنه کان رهین النظام القبلی, فالشاعر یری نفسه فرداً من أفراد قبیلته یرتبط معها بمصیر واحد ولم یکن یفکر فی مشکلات المجتمع وآماله. کما أن شعر الاستنهاض لم یکن غرضاً مستقلاً بذاته بل کان عبارةً عن أبیات ضمن قصائد مدح أو رثاء إلی أن وصلت القصیدة إلی حقبة الدراسة بعد أن مرت بمراحل تطور من خلال کونها أبیاتاً، إلی مرحلة النضج والاستکمال بَعدِّها غرضاً مستقلاَ بذاته وهو الاستنهاض، فحین یقوم الشاعر بمدح أو رثاء أهل البیت علیهم السلام یتطرق بعد ذلک إلی استنهاض الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف لأخذ الثأر ونشر العدل والقضاء علی الظلم ثم تطورت مع وعی الشاعر وإمکاناته الفنیة إلی استنهاض الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف أولاَ وبعد ذلک تذکیره بما جری علی أهل بیته من ظلم وعدوان وتقتیل وهذا یُعد نوعا من أنواع التجدید فی الشعر العربی.

5. کذلک تناولنا فی التمهید شخصیة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف بین البعد التاریخی والعقدی وبین الاستعمال الشعری, وذلک لأن الشاعر أدرک بأن إجادَتَهُ فی التعبیر عن قضایا أمته, ومشکلاتها لا تتم إلا برفد نِتاجِهِ الشعری بالموروث

ص:278

العقائدی والتاریخی، ذلک الکنز الزاخر بالرموز والشخصیات التی تستطیع إحیاء المعانی السامیة والأخلاق النبیلة فی نفوس المتلقین. وبهذا تکون القصیدة فی العراق هی الابنة الشرعیة للشعر العربی لکل فعله وطموحاته وإضافاته.

6. أما علی صعید البناء الفنی فقد تناولت الدراسة بالتحلیل أجزاء القصیدة من حیث اکتمالها والمتمثلة (بالمقدمة - والموضوع - والخاتمة) ومن أهم المقدمات التقلیدیة: المقدمة الغزلیة التی کان من أهم ممیزاتها أنها غزل عفیف, لیس فیه شیء من ذکریات اللهو والتصابی, أو وصف للنساء, وذلک لأن مناسبة الاستنهاض لا تسمح بذلک ففیها رثاء أهل البیت وذکر مصائبهم, أما مقدمة الحکمة فإن الشاعر فی تصوره الخاص وموقفه من الحیاة, إذ جعل من نفسه داعیاً ومرشداً للمتلقین. وأما المقدمة الطللیة فقد حرص الشعراء علی الاهتمام بها لأنهم کانوا یستهلون قصائدهم بها ویفردون لها أبیاتاً یقفون بها علی وصف الدیار والترحل منها، فالمقدمة الطللیة تعد متنفساً وواقعا تصویریاً لما حول الشاعر من الطبیعة. أما مقدمات الشجاعة والفروسیة, فإنها تطورت واتخذت طابعاً دینیاً لدی الشعراء وذلک من أجل الدفاع عن الإسلام والمسلمین والقضاء علی الظلم والظالمین. وأما مقدمة الشکوی وذم الدهر فقد استغلها الشعراء بکثرة وذلک نتیجة الإحباط الذی کانوا یرونه مما أثر فی أنفسهم فوجدوا فی هذه المقدمات متنفساً لهم لبث شکواهم إلی صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشریف. وأما المقدمة العقائدیة فإنها تمثل لدی الشعراء

ص:279

أبرز وجوه الحضور الدینی, فمنها یستمدون الإرادة والقوة لمقاومة دنیا الظلم والجبروت.

7. وبما أن تلک المقدمات وظِّفَتْ لتکون منسجمة مع استنهاض الإمام الحجَة عجل الله تعالی فرجه الشریف فلم یکن التخلص منها إلی الغرض صعباً متکلفاَ, وإنما تمیز بالسهولة والانسیابیة, ووجِدَتْ أنواع من التخلصات بالأدوات أو بغیرها فی شعر الاستنهاض.

8. وأما خواتیم قصائد الاستنهاض بالأمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف, فقد توزعت بین طلب الشفاعة, أو التوسل والدعاء والسلام, لما لهم من منزلة عظیمة عند الله سبحانه وتعالی.

9. وفی دراسة اتجاهات قضیة الاستنهاض تبین للباحث أنها کانت علی اتجاهین تقلیدی وفیه حاول الشعراء اقتفاء أثر السلف من الشعراء فی الموضوع والبناء, و تجدیدی برز فیه تأثر الشعراء بالثقافات الجدیدة.

10. وأما المحاور الأساسیة فی شعر الاستنهاض فکانت تدور حول الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف وآل البیت علیهم السلام, والأخذ بالثأر من القتلة، وبناء دولة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف.

11. وإن أهم ما یمیز قصائد الاستنهاض فی الحقبة موضوع الدراسة أنها کانت أدباً ملتزماً وظِف لغایات سیاسیة ونفسیة وعقدیة, واجتماعیة وأخلاقیة.

12. تمخضت الوظیفة السیاسیة بتنامی الوعی السیاسی لدی الشعراء کأن یعیش الشاعر فی قلب الأحداث وینغمس فیها ویتأثر بمعاناتها حتی ترکت الأثر

ص:280

الواضح فی نفسه وشعره, لذلک نجد أن الشعراء فی هذه الحقبة قد اجتهدوا فی الدفاع عن قضایا الأمة کالمطالبة بالاستقلال والحریة, وعلاقة المواطن بالسلطة.

13. أما نتائج الوظیفة النفسیة والعقدیة, فمنها أن الشعراء آمنوا بقضیة عادلة فکانوا مستعدین لقبول کل ما یعزز تلک القضیة, وبما أن النص الشعری وظف لتلک القضیة, فإنه سیکون محور التقاء بین الشاعر والمتلقی وبخاصة فی فلسفة الانتظار وشفاعة الإمام فی الدنیا والآخرة.

14. أما الوظیفة الاجتماعیة والأخلاقیة فقد تمحورت حول دولة الرفاة الإسلامی المنشودة, فی أن نجاحها فی تحقیق العدالة الاجتماعیة مرهون بفرز هذه المعتقدات والقیم السامیة فی عقول الناس وقلوبهم وهذا ما توخاه شعراء الاستنهاض فی قصائدهم الاستنهاضیة التی کان هدفها خدمة المجتمع الذی کانوا جزءاً منه

15. أما علی صعید اللغة الشعریة فقد بحثت علی أساس تناول عناصرها (الألفاظ - الصیاغة - الإیقاع).

16. وبما أن الألفاظ الأداة التی یعبر بها الشاعر عن تجربته الشعریة والنفسیة ونقل أحاسیسه إلی المتلقی, فقد توزعت إلی الموروث الدینی وهو (القرآن الکریم والحدیث النبوی الشریف), وأسماء الأعلام, وألفاظ الاستنهاض ومنها (متی، أغثنا، انهض، قم، أدرک، أدعوک) وذلک لدعوة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف إلی النهوض ونشر الحق والعدل, وألفاظ الزمان والمکان, وألفاظ السلاح, وألفاظ الحیوان.

ص:281

17. أما الصیاغة فقد شملت الأسالیب الترکیبیة ومنها: الاستفهام ومن أدواته (هل، الهمزة، ما، من، أین، کم، متی، أیان....) وقد رکز الشعراء علی استعمال الاستفهام الإنکاری والمتمثل ب -(متی، حتی م، إلی م)، والأمر, والنفی, والنداء وقد استعمل فی کثیر من قصائد الاستنهاض وذلک لما له من قابلیة علی تهیئة أرضیة لنفس المتکلم, وتوصیل الشعراء لأفکارهم بصورة مباشرة إلی المتلقی، والتوکید, والتقدیم والتأخیر, وأما الأسالیب البیانیة فقد تضمنت (الصورة الحسیة والصورة الذهنیة والصورة التقریریة)، وأما الأسالیب البدیعیة فقد تضمنت:(الاقتباس والتضمین).

18. وعلی صعید الإیقاع وجد الباحث أن هناک میلاً إلی استعمال الشعراء للأوزان المشهورة (الطویل، والکامل، والبسیط، والخفیف، الرمل، والرجز) کذلک استعمال الشعراء الحروف الجهوریة بوصفها حروفاً للروی (الراء, والمیم, والیاء, والنون, والدال, والعین, والجیم) کما استعمل الشعراء کلّاً من القافیة المطلقة والقافیة المقیدة فی قصائدهم الاستنهاضیة, کما استعملوا (التکرار, والطباق, والجناس, والتدویر, والتشطیر، والتصریع، والترصیع, ورد الإعجاز علی الصدور) لتنویع الإیقاع وإبراز تأثیره فی قصائدهم الاستنهاضیة.

19. وأیضاً کشفت لنا هذه الدراسة بأن الحقبة التی کان یطلق علیها بالعصور المظلمة للأدب العربی لم تکن کذلک بالنسبة للأدب الشیعی فقد کان له

ص:282

الدور الفاعل فی المقاومة السیاسیة والدفاع عن المظلومین ونقد الحالة الاجتماعیة آنذاک وهذا ما جعله أدباً متمیزاً له آثاره فی المجتمع العراقی.

20. وأخیرا یمکن أن نوصّف قصائد الاستنهاض بالإمام الحجَة عجل الله تعالی فرجه الشریف فی الحقبة موضوع الدراسة أنها کانت معبرة عن مرحلتها, دالة علی ثقافة شعراء عصرها ومتلقیها, وذلک من خلال توفیق الشعراء بین الفن والمضمون, وقیم الماضی والحاضر, فکانوا یعبرون عن صورة صادقة للحیاة الأدبیة فی العراق (حقبة الدراسة), لذلک یری الباحث فائدة توجه الجهود إلی المزید من الدراسات وذلک لکشف هذه الکنوز والافادة منها.

ص:283

(ملحق)

تراجم شعراء استنهاض الإمام الحجّة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الذین وردت أسماؤهم فی هذا البحث (حقبة الدراسة).

1. السیّد إبراهیم الطباطبائی: هو السیّد إبراهیم بن الحسین بن الرضا ابن السیّد محمد مهدی الطباطبائی الحسینی الشهیر ببحر العلوم، ولد فی النجف عام (1248 ه -) ونشأ بها دارساً علی ید أبیه وکان زعیماً دینیاً ومن شیوخ الأدب، فعنی بتربیته وغذاه بما وهب من علم وأدب، توفّی فی النجف فی 6 محرم سنة (1319 ه -) وقیل (1318 ه -) ودفن فی مقبرة الأسرة الخاصّة. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 177/9، شعراء الغری: 114/1، مقدمة دیوانه: 2-7، رجال السید بحر العلوم: 139/1-143، معارف الرجال: 32/1-36، أدب الطف 162/8-173، الذریعة: 15/9.

2. السید جعفر الحلّی: هو أبو یحیی السیّد جعفر بن أبی الحسین حمد بن محمد حسن بن أبی محمد، ولد فی قریة السادة إحدی قری الحلة، فی النصف من شعبان عام (1277 ه -) ونشأ بها، وانتقل إلی النجف فی شبابه وتلقی علومه هناک، توفی عام (1315 ه -) ودفن بوادی السلام. ینظر: الحصون

ص:284

المنیعة (مخطوطة): 223/2, معارف الرجال: 171/1, معجم رجال الفکر والأدب: 441/1-442, أدب الطف: 99/8, مقدمة دیوانه: 7-27، الطلیعة من شعراء الشیعة: 174/1-176.

3. الحاج جواد بدقت: هو الجواد بن محمد الحسین بن عبد النبی بن مهدی ابن صالح بن علی الأسدی الحائری المعروف بالحاج جواد بدقت، ولد فی کربلاء سنة (1210 ه -)، وکان فاضلاً أدیباً شاعراً محاضراً مشهوراً بالمحبة لأهل البیت (علیهم السلام)، توفی فی کربلاء سنة (1281 ه -) ودفن فیها، له دیوان مطبوع حققه الأستاذ سلمان هادی آل طعمة. ینظر: الطلیعة من شعراء الشیعة: 202/1، أدب الطف: 146/7، مقدمة دیوانه: 5-24.

4. الشیخ حسن قفطان: هو الشیخ حسن بن علی بن عبد الحسین بن نجم السعدی الرباحی الدجیلی الشهیر بقفطان، ولد فی النجف سنة (1199 ه -)، کان فاضلاً ناسکاً تقیاً، وأکثر شعره فی حب آل البیت (علیهم السلام)، توفی فی النجف سنة (1279 ه -) عن عمر یناهز الثمانین ودفن فی الصحن الحیدری الشریف. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 190/9، الطلیعة من شعراء الشیعة: 234/1-236، شعراء الغری: 10/3، أدب الطف: 103/7-113، الذریعة: 240/1، مشاهیر شعراء الشیعة: 383/1-384، أعیان الشیعة: 288/8-291، ماضی النجف وحاضرها: 109/3، معارف الرجال: 291/1.

5. السیّد حیدر الحلی: هو السیّد حیدر بن سلیمان بن داود بن السیّد سلیمان الکبیر الحلی ینتهی نسبه إلی الإمام الحسین (علیه السلام) أشهر مشاهیر شعراء

ص:285

عصرهِ، وأبوه السیّد سلیمان الصغیر شاعر مجید، وعمه السیّد مهدی بن السیّد داود من أشهر شعراء عصرهِ، وجدهُ السیّد سلیمان الکبیر من مؤسسی دولة الأدب فی الحلة، ولد فی الحلة فی 15 شعبان من عام (1246 ه -) ونشأ بها یتیماً فقد مات أبوه وهو طفل صغیر، فتولی تربیته عمّه السیّد مهدی، توفی فی مسقط رأسه فی اللیلة التاسعة من ربیع الأوّل سنة (1304 ه -) وحمل نعشهُ إلی النجف ودفن مما یلی رأس الإمام علی (علیه السلام). ینظر: الطلیعة من شعراء الشیعة: 297/1-302, أدب الطف: 6/8-33, شعراء الحلة: 331/2, البابلیات: 153/2-168, مقدمة دیوانه: 3-26, الأعلام: 290/2, معارف الرجال: 290/1, معجم رجال الفکر والأدب: 442/1-444, الذریعة: 269/9.

6. السیّد سلیمان الحلی الصغیر: هو أبو حیدر السیّد سلیمان بن داود بن سلیمان الکبیر الحلی شاعر مشهور وأدیب کبیر، ولد فی الحلة عام (1222 ه -) ونشأ بها علی أبیه، وقد قرض الشعر وهو ابن ثلاثة عشر عاماً، توفی فی الحلة عام (1247 ه -) تقریباً ودفن فی النجف. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوطة): 9/1, الطلیعة من شعراء الشیعة: 383/1, شعراء الحلة: 16/3, أدب الطف: 278/6-286, البابلیات: 44/2-49, الذریعة: 124/8, تاریخ الحلة: 138/2-139, مشاهیر شعراء الشیعة: 253/2-255.

7. الشیخ صالح الکوّاز: هو الشیخ صالح بن الحاج مهدی بن الحاج حمزة الشمری، شاعر من الرعیل الأوّل من شعراء الفیحاء، ومن المرموقین فی وسطه الذی عاش فیه، ولد فی الحلة عام (1233 ه -) ونشأ بها فی بیت والده

ص:286

الذی کان کوّازاً یبیع الأوانی الخزفیة والکیزان فاقتدی بأبیه واتبع سیرته وزاول مهنته ردحاً طویلاً من الزمن، توفی فی الحلة فی شوال من عام (1291 ه -) وقیل: (1290 ه -) ونقل جثمانه إلی النجف ودفن فیها. ینظر: الطلیعة من شعراء الشیعة: 434/1-437, شعراء الحلة: 64/3, مقدمة دیوانه: 5-14, أدب الطف: 213/7-231, الذریعة: 9 /ق 589/2, البابلیات: 87/2-102, الأعلام: 198/3, تاریخ الحلة: 167/2-171, مشاهیر شعراء الشیعة: 316/2-317.

8. الشیخ عبد الحسین الأعسم: هو الشیخ عبد الحسین ابن الشیخ محمد علی بن حسین بن محمد الزبیدی النجفی الشهیر بالأعسم، عالم کبیر وشاعر شهیر، ولد فی النجف ونشأ بها علی أبیه فدرس علیه المقدمات، توفی سنة (1247 ه -) ودفن مع أبیه فی مقبرة آل الأعسم الخاصّة وقد ناهز التسعین. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 321/9، الطلیعة من شعراء الشیعة: 499/1-502، شعراء الغری: 42/5، أدب الطف: 287/6-294، الذریعة:

9 /ق 683/2، معجم رجال الفکر والأدب: 165/1-166، الأعلام: 278/3، معارف الرجال: 24/2-27.

9. الشیخ عبد الحسین شکر: هو أبو المرتضی عبد الحسین ابن الشیخ أحمد ابن الحاج حسین بن شکر النجفی، کان أدیباً شاعراً من أفاضل الشعراء وأحاسن الأدباء وذوی البدیهة والإکثار فی الشعر، تردد علی إیران ومدح ناصر الدین شاه العجم فأجزل له العطاء، ثم عاد إلی النجف ثم سافر مرّة أخری إلی إیران، ثم عاد فسکن کربلاء، ثم عاد إلی إیران فوافته المنیة هناک سنة (1285 ه -) ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 317/9، شعراء الغری: 133/5، الذریعة:

ص:287

9 /ق 534/2-535، الأعلام: 278/3، معارف الرجال: 33/2-34، مشاهیر شعراء الشیعة: 393/2-395، الطلیعة من شعراء الشیعة 477/1، أدب الطف: 185/7.

10. الشیخ محمد رضا النحوی: هو الشیخ محمد رضا ابن الشیخ أحمد بن حسن الحلی النجفی الشاعر الشهیر فی عصره ویعرف بالشاعر، ولد فی الحلة موطن أبیه وجدّه، ولکن لم تصل الینا أخبار کافیة عن تاریخ ولادته، فذکره بعضهم أنه ولد فی أواسط القرن الثانی عشر فی الحلة ونشأ بها واستمر فیها مدّة طویلة من الزمن انتقل بعدها إلی النجف، توفی فی الحلة فی 26 رجب من عام (1226 ه -) ونقل جثمانه إلی النجف فدفن فیها مع أبیه ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 448/2، الطلیعة من شعراء الشیعة: 223/2-230، شعراء الحلة: 3/5، أدب الطف: 138/6-170، البابلیات: 3/2-15، معارف الرجال: 277/2.

11. الشیخ محمد علی الأعسم: هو الشیخ محمد علی بن حسین بن محمد الشهیر بالأعسم، عالم جلیل وشاعر معروف، ولد فی النجف سنة (1154 ه -) تقریباً ونشأ بها وأخذ العلم عن مشاهیر عصره کالسید محمد مهدی بحر العلوم، توفی فی النجف سنة (1233 ه -) وقیل: (1234 ه -) ودفن فی مقبرتهم الخاصّة فی الصحن العلوی الشریف. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوط): 151/9، الطلیعة من شعراء الشیعة: 267/2-270، شعراء الغری: 3/10، أدب الطف: 196/6-209، أعیان الشیعة: 275/14-280، الذریعة: 454/1، الکنی والألقاب: 42/2-43، الأعلام: 297/6، معجم رجال الفکر والأدب: 167/1، معارف الرجال: 310/2-312، ماضی النجف وحاضرها: 38/2-42، مشاهیر شعراء الشیعة: 283/4-285.

ص:288

12. الشیخ محمد علی کمونة: هو الشیخ محمد علی بن محمد بن عیسی النجفی الحائری الشهیر بابن کمونة لجدّهم الأعلی، کان شاعراً بلیغاً أدیباً فصیحاً، محباً لآل البیت (علیهم السلام)، وکان وقور المجلس، حسن الشکل والهیأة، له دیوان شعر جلّه فی الأئمة الأطهار (علیهم السلام)، توفی فی شهر جمادی الآخرة لیلة الأحد سنة (1282 ه -) بمرض الوباء فی کربلاء ودفن مع أخیه الحاج مهدی فی مقبرتهم المعدّة لهم فی الحائر الحسینی تجاه قبور الشهداء، حقق دیوانه الشیخ کاظم الطریحی. ینظر: الطلیعة من شعراء الشیعة: 273/2-275، أدب الطف: 155/7-156، الذریعة: 9 /ق 82/1، الأعلام: 299/6، مشاهیر شعراء الشیعة: 311/4-313.

13. السیّد محمد مهدی بحر العلوم: هو السیّد محمد مهدی بن مرتضی بن محمد ابن عبد الکریم بن مرادین شاه أسد الله بن جلال الدین بن حسن بن مجد الدین ابن قوام الدین بن إسماعیل بن عباد بن أبی المکارم یتصل نسبهُ بإبراهیم الغر بن الحسن المثنی ابن الإمام الحسن بن علی بن أبی طالب (علیهم السلام)، أشهر مشاهیر عصره، تزعم الدین ونال الریاسة العلیا، ولد فی کربلاء عام (1155 ه -)، توفی فی النجف عام (1212 ه -) وکان یومه مشهوداً، دفن فی مقبرته الخاصة قرب قبر الشیخ الطوسی، ینظر: الطلیعة من شعراء الشیعة: 363/2-368، شعراء الغری: 133/12، أدب الطف: 48/6-54، الکنی والألقاب: 67/2-71, روضات الجنات: 192/7-198، الذریعة: 113/1، رجال الفکر والأدب: 209/1-210، الأعلام: 113/7، مشاهیر شعراء الشیعة: 25/5-28.

ص:289

14. السیّد مهدی الحلی: هو أبو داود السید مهدی بن داود بن سلیمان الکبیر، ولد سنة (1222 ه -) فی الحلة ونشأ بها نشأة صالحة علی أخیه السید سلیمان الصغیر، فکان فاضلا أدیبا مصنفا فی الأدب، شاعرا مطارحا لأدباء وقته، وکان قد نظم فی آل البیت (علیهم السلام) روضة وکرر أکثر الحروف، دیوانه لم یزل مخطوطا منه نسخة فی مکتبة الحکیم العامة، توفی (1289 ه -) فی الحلة ونقل الی النجف ودفن بها. ینظر: الحصون المنیعة (مخطوطة): 330/9, الطلیعة من شعراء الشیعة: 355/2-357, أدب الطف: 201/7-211, شعراء الحلة: 323/5-350, البابلیات: 67/2-80, الأعلام: 313/7, أعیان الشیعة: 17/15-22.

15. عباس الأعسم: هو الشیخ عباس بن عبد السادة بن مرتضی بن قاسم بن موسی ابن الحاج محمد الأعسم، شاعر معروف وعالم منظور، ولد فی النجف سنة (1248 ه -) ودرس فیها علی ید المجدد الشیرازی والشیخ مهدی کاشف الغطاء، وله دیوان مخطوط، توفی سنة (1313 ه -) فی النجف الأشرف. ینظر: الأعیان ج 37 ص 22، مجلة الغری العدد 10 السنة الأولی ص 240، معجم رجال الفکر والأدب ص 40.

16. الشیخ محسن أبو الحب: هو الشیخ محسن ابن الحاج محمد أبو الحب الحائری ولد سنة (1225 ه -) فی کربلاء ومات أبوه الحاج محمد وهو طفل صغیر فنشأ یتیماً فی حجر الفقر والفاقة ولکنه علی صغر سنه کان ذا فطنة ونباهة ورغبة شدیدة للحضور فی محافل الفضل والأدب وله دیوان یقع فی

ص:290

(198) صفحة وتوفی سنة (1305 ه -). ینظر دیوان الشیخ محسن أبو الحب، بغیة النبلاء فی تاریخ کربلاء: ص 79، أدب الطف: 333/9، معجم الشعراء العراقیین: 202.

17. السید مال الله الفلفل: من تلامذة صاحب الجواهر من أهالی التوبی هاجر إلی کربلاء المقدسة أیام السید کاظم الرشتی فکان من المقربین إلیه ثم غلب علیه الشعر وعرف به وله دیوان خطی تنقل عنه رؤیاه فی المنام السیدة الزهراء علیها السلام واشتهرت قصة قصیدته: (أراک متی هبّت صبا وجنوب) التی ضمّنها بیتاً سمعه منها علیها السلام فی المنام، اختلف فی تاریخ وفاته فقیل (1269 ه -) وقیل (1277 ه -). ینظر کتاب الأمل الموعود: ج 3 ص 469.

18. علی سلمان النجفی: کان فاضلاً کاملاً وشاعراً بلیغاً وکان حیاً إلی سنة (1233 ه -)، وقال الخطیب شبر: یظهر من مجری هذه الأبیات أن القصیدة نظمت علی أثر الهجوم علی کربلاء سنة (1216 ه -) وانتهاک حرم سید الشهداء الإمام الحسین علیه السلام، وسفک دماء الأبریاء من رجال ونساء فثارت حمیة هذا العلوی الغیور فاندفع مستجیراً بصاحب الأمر عج الله تعالی فرجه الشریف. ینظر أروع ما قیل فی محمد وآل بیته: ص 680.

19. کاظم أحمد الأسدی: هو السید کاظم ابن السید أحمد الحسینی العاملی الملقب بالأمین شاعر معروف وعالم جلیل توفی عام (1304 ه -) من شعره قصیدة میمیة طویلة فی الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف. ینظر کتاب الکوکب الدری من شعراء الغری: 494-498.

ص:291

ص:292

المصادر والمراجع

1. إبراهیم، (ریکان): نقد الشعر فی المنظور النفسی، ط 1، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1989 م.

2. إبراهیم، (صاحب خلیل): الصورة السمعیة فی الشعر العربی الجاهلی، ط 1، منشورات اتحاد الکتاب العرب علیهما السلام دمشق، 2000 م.

3. ابن الاثیر، (ضیاء الدین 637 ه -): المثل السائر فی ادب الکاتب والشاعر، ط 1، قدم له وحققه وعلق علیه الدکتور احمد الحوقی، الدکتور بدوی طبانه، مکتبة نهضة مصر، 1960 م.

4. ابن الاثیر، (عز الدین أبی الحسین علی بن أبی کرم): الکامل فی التاریخ، دار صادر، بیروت، 1982 م.

5. ابن الرومی، (دیوانه): شرح مجید طراد، دار الجیل، بیروت، 1998 م.

6. ابن خلدون، (عبد الرحمن ت 808 ه -): تاریخ ابن خلدون، ط 2 علیهما السلام تحقیق د. سهیل زکار، دار الفکر، بیروت، 1988 م.

7. ابن زکریا، (ابن الحسین أحمد بن فارس ت 395 ه -): معجم مقاییس اللغة، ط 1 علیهما السلام تحقیق عبد السلام هارون، الدار الإسلامیة علیهما السلام 1990 م.

8. ابن سعد، (محمد بن سعد): الطبقات الکبری، ط 1، تحقیق محمد عبد القادر عطا، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1990 م.

ص:293

9. ابن طاووس، (ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد ت 664 ه -): الملاحم والفتن، مطبعة النجف، 1963 م.

10. ابن عربی، (ابو عبد الله محمد بن علی بن محمد): دیوانه شرح وتقدیم نواف الجراح علیهما السلام ط 3 علیهما السلام دار صادر علیهما السلام بیروت علیهما السلام 2007 م.

11. ابن عساکر، (علی بن الحسین بن هبة الله): تاریخ مدینة دمشق، ط 1، تحقیق علی شبری، دار الفکر، بیروت، 1996 م.

12. ابن قتیبة، (ابو محمد عبد الله بن مسلم ت 276 ه -): الشعر والشعراء، ط 3، عالم الکتب، بیروت علیهما السلام 1984 م.

13. ابن کمونة، (محمد علی): دیوان ابن کمونة، جمعه وعلق علیه محمد کاظم الطریحی، مطبعة دار النشر والتألیف، النجف الاشرف، 1948 م.

14. ابن کیسان، (ابو الحسن محمد بن احمد ت 299 ه -): تقلیب القوافی وتلقیب حرکتها، ط 1، ضمن کتاب رسائل ونصوص فی اللغة والادب والتاریخ، تحقیق د. ابراهیم السامرائی مکتبة المنار، الاردن، 1988 م.

15. ابن مالک، (کعب): دیوان کعب بن مالک، ط 1، تحقیق مجید طراد، بیروت، 1997 م.

16. ابن منقذ، (اسامة ت 584 ه -): البدیع فی نقد الشعر، تحقیق د. احمد بدوی ود. حامد عبد المجید، مراجعة الاستاذ ابراهیم مصطفی، مصر، 1960 م.

17. ابو الحب، (محسن): دیوان الشیخ محسن ابو الحب، ط 1، تحقیق جلیل کریم ابو الحب، انتشارات المکتبة الحیدریة، قم، 1327 ه -.

18. أبو المکارم، (عبد القادر الشیخ علی): الموسوعة الشعریة المهدویة، ط 1، دار العلوم، بیروت، 2010 م.

19. أبو حاقة (د. احمد): الالتزام فی الشعر العربی، ط 1، دار العلم للملایین، بیروت، 1979 م.

20. احمد، (د. محمد فتوح): الرمز والرمزیة فی الشعر المعاصر، ط 2، دار المعارف، مصر، 1978 م.

ص:294

21. أدونیس، (أدونیس): الثابت والمتحول (الاصول)، ط 8، بیروت، 2002 م.

22. الاسدی، (الکمیت بن زید): الکمیت الاسدی بین القصیدة والسیاسة، ط 1، بحث اعده الدکتور علی نجیب عطوی استاذ مساعد فی الجامعة اللبنانیة، دار الاضواء، بیروت، 1988 م.

23. الاسدی، (جواد بدقت): دیوان الحاج جواد بدقت، ط 1، تحقیق سلمان هادی آل طعمه، دار المواهب للطباعة والنشر، بیروت، 1999 م.

24. الاسدی، (مسلم مالک بعیر): لغة الشعر عند احمد مطر، رسالة ماجستیر، مقدمة الی مجلس کلیة التربیة، جامعة بابل.

25. الاسدی، (مختار): التشیع بین السیاسة والتأریخ، ط 1، دار المحجة البیضاء، 2010 م.

26. اسماعیل، (د. عناد غزوان): المرثاة الغزلیة فی الشعر العربی، ط 1، مطبعة الزهراء، بغداد، 1974 م.

27. الاصفهانی، (ابو الفرج 356 ه -): (الأغانی) علیهما السلام ط 2، تحقیق احمد صقر، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1987 م.

28. الاصفهانی، (أبو الفرج ت 356 ه -): مقاتل الطالبیین، تحقیق أحمد صقر، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1408 ه -.

29. الأعسم، (الحاج عبد الرزاق): القصائد الفاخرة فی العترة الطاهرة، جمع الحاج عبد الرزاق الأعسم، النجف الاشرف.

30. آل طعمة، (سلمان هادی): شعراء من کربلاء من القرن السابع الهجری حتی مطلع القرن الرابع عشر، مطبعة الآداب، النجف الاشرف، د. ط، 1966 م.

31. آل طعمة، (سلمان هادی): دراسات فی الشعر العراقی الحدیث علیهما السلام ط 1 علیهما السلام دار البیان العربی علیهما السلام بیروت علیهما السلام 1993 م.

32. أمین، (عبد القادر حسن أمین): شعر الطرد عند العرب دراسة مسهبة لمختلف العصور القدیمة مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 1972 م.

ص:295

33. الامین، (محسن): اعیان الشیعة، ط 5، تحقیق حسن الامین، مؤسسة التاریخ العربی، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 2000 م.

34. الامینی، (عبد الحسین أحمد): الغدیر، ط 3 علیهما السلام تحقیق مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، مؤسسة دار معارف الفقه الإسلامی، بیروت، 2005 م.

35. الانصاری، (أبو الفضل جمال الدین محمد بن مکرم ابن منظور ت 711 ه -): لسان العرب، تحقیق عبد علی الکبیر، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلی، دار المعارف مصر، د. ت.

36. الانصاری، (باسم): موسوعة الإمام المهدی المیسرة، ط 1، دار العلوم، بیروت، 2008 م.

37. انیس، (د. ابراهیم): الاصوات اللغویة، ط 4، مکتبة الانجلو المصریة، القاهرة، 1971 م.

38. أنیس، (د. ابراهیم، ود. عبد الحلیم منتصر، عطیة الصوالحی، محمد خلف الله احمد): المعجم الوسیط، المکتبة الاسلامیة للطباعة والنشر والتوزیع، ترکیا، د. ط، د. ت.

39. الأوسی، (د. سلام کاظم الأوسی): الرؤیا والتشکیل فی الشعر العربی المعاصر، اطروحة دکتوراه، کلیة التربیة، ابن رشد، جامعة بغداد، 2000 م.

40. البغدادی، (ابو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زیاد ت 337 ه -): نقد الشعر، تحقیق د. محمد عبد المنعم الخفاجی، دار الکتب العلمیة، بیروت، د. ت.

41. بکار، (د. یوسف حسین): بناء القصیدة فی النقد العربی القدیم (فی ضوء النقد الحدیث)، ط 2، دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1983 م.

42. بکار، (د. یوسف): فی العروض والقافیة، ط 3، دار الرائد، دار المناهل، بیروت، 2006 م.

43. البیاتی، (سناء حمید): نحو منهج جدید فی البلاغة والنقد دراسة وتطبیق، ط 1، منشورات جامعة قان یونس، بنغازی، 1998 م.

ص:296

44. التبریزی، (الخطیب): الوافی فی العروض والقوافی، ط 4، تمهید عمر یحیی، تحقیق فخر الدین قباوه دار الفکر، دمشق، 2002 م.

45. التکریتی، (د. عبد المنعم احمد صالح): قراءة عروضیة فی المعلقات العشر، ط 1، مطبعه الارشاد، بغداد، 1986 م.

46. توفیق، (عباس): نقد الشعر العربی الحدیث فی العراق من (1920-1958 م) دار الرسالة للطباعة علیهما السلام بغداد، 1978 م.

47. الثعالبی علیهما السلام (أبو منصور عبد الملک ت 429 ه -): فقه اللغة وسر العربیة علیهما السلام ط 1 علیهما السلام تحقیق حمد وطماس علیهما السلام دار المعرفة علیهما السلام بیروت علیهما السلام 2004 م.

48. الثمالی، (ابو حمزة): تفسیر القرآن العظیم، ط 1، تجمیع عبد الرزاق محمد حسین حرز الدین، دفتر نشر الهادی قم، 1420 ه -.

49. الجادر، (د. محمود عبد الله): دراسة نقدیة فی الأدب العربی، مطبعه دار الحکمة للطباعة والنشر علیهما السلام الموصل، 1990 م.

50. الجبری، (شقیق): انا والشعر، جامعة الدول العربیة، معهد الدراسات العربیة والعالمیة، 1959 م.

51. الجرجانی، (ابو بکر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد ت 474 ه -): دلائل الاعجاز، ط 5، تحقیق محمود محمد شاکر مکتبة الخانچی، القاهرة، 1424 ه -.

52. الجرجانی، (علی بن محمد بن علی السید الزین ابو الحسن الحسینی الحنفی 816 ه -): کتاب التعریفات، ط 1، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 2005 م.

53. جعفر، (الشیخ مهدی خلیل): الإمام المهدی فی الادیان، ط 1، دار المحجة البیضاء، بیروت، 2008 م.

54. جواد علیهما السلام (احمد کاظم): المهدی المنتظر فی الشعر العربی إلی نهایة العصر العباسی علیهما السلام رسالة ماجستیر علیهما السلام جامعة الکوفة علیهما السلام کلیة الآداب علیهما السلام قسم اللغة العربیة.

ص:297

55. الجواهری، (احمد بن عبد الله بن عباس 401 ه -): مقتضب الاثر فی النص علی امامة الاثنی عشر المطبعة العلمیة، قم، (د. ت).

56. الجورانی، (عدنان علیوی)، الدر المنضد فی مدائح محمد وآل محمد، ط 1، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر، النجف الاشرف، 2008 م.

57. الجیوسی، (د. سلمی الخضراء): الاتجاهات والحرکات فی الشعر العربی الحدیث، ط 1، ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة مرکز دراسات الوحدة العربیة، 2001 م.

58. الحاتمی، (ابو علی محمد بن الحسن بن المظفر): حلیة المحاضرة فی صناعة الشعر، تحقیق د. جعفر الکتانی، دار الرشید للنشر، وزارة الثقافة والاعلام، مصر، د. ط، 1979 م.

59. الحسانی، (عبد الحسن شهیب احمد): الحسین رمزاً فی الشعر العراقی المعاصر، رسالة ماجستیر الی مجلس کلیة الآداب، جامعة القادسیة.

60. حسین، (د. طه): حدیث الاربعاء، ط 2، دار المعارف، مصر، د. ت.

61. الحسینی، (جعفر باقر): أسالیب البیان فی القرآن، قم، 1387 ه -.

62. الحسینی، (جعفر باقر): أسالیب المعانی فی القرآن، قم، 1387 ه -.

63. الحسینی، (جعفر باقر): أسالیب البدیع فی القرآن، قم، 1387 ه -.

64. الحسینی، (د. قصی): سوسیولوجیة الادب، ط 1، دراسة الواقعة الادبیة علی ضوء علم الاجتماع، دار البحار، بیروت، 2009 م.

65. الحسینی، (السید نذیر): المصلح العالمی، مؤسسة صدر الخلائق، النجف الاشرف.

66. الحلی، (حیدر بن سلیمان بن داود): دیوان السید حیدر الحلی، ط 4، حققه علی الخاقانی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1984 م.

67. الحلی، (د. عبود جودی): الأدب العربی فی کربلاء، ط 1، منشورات مکتبة اهل البیت، کربلاء، 2005 م.

ص:298

68. الحلی، (السید جعفر): سحر بابل وسجع البلابل دیوانه، ط 2، تحقیق الشیخ محمد الحسین آل کاشف الغطاء دار الاضواء، بیروت، 1408 ه -- 1988 م.

69. الحلی، (الشیخ صالح الکواز): دیوان الشیخ صالح الکواز الحلی، ط 1، جمعه وشرحه محمد علی الیعقوبی منشورات المطبعة الحیدریة، النجف الاشرف، 1410 م.

70. الحمد، (د. غانم قدوری): المدخل الی علم الاصوات العربیة، مطبعة المجمع العلمی، بغداد، 2002 م.

71. الحمدانی، (الحارث بن ابی العلاء سعید بن حمدان): دیوان أبی فراس الحمدانی، ط 1، قدم له د. علی بو ملحم، دار ومکتبة الهلال، بیروت.

72. حمود، (عباس ثابت): النقد الجامعی للشعر العراقی الحدیث، رسالة دکتوراه، کلیة الآداب، جامعة بغداد، 1989.

73. الحموی، (أبو بکر علی بن عبد الله المعروف بابن حجّة ت 837 ه -): خزانة الأدب وغایة الأرب، ط 2، دراسة وتحقیق د. کوکب دیاب، دار صادر، بیروت، 2005 م.

74. الحمیداوی، (خالد کاظم حمیدی)، شعر رثاء الإمام الحسین (علیه السلام) فی العراق (1100-1350 ه -) دراسة فنیة، رسالة ماجستیر، مقدمة الی کلیة الآداب، جامعة الکوفة.

75. الحمیری، (اسماعیل بن محمد بن یزید بن مفزع): شاعر العقیدة السید الحمیری، ط 1، السید محمد تقی الحکیم، المؤسسة الدولیة للدراسات والنشر، بیروت، 2001 م.

76. الخاقانی (علی): شعراء الغری، مطبعة بهمن، ایران، 1408 م.

77. الخاقانی، (علی): الکوکب الدری من شعراء الغری، ط 1، او الشعر النجفی المصفی فی مدح بیت آل المصطفی (علیه السلام) اعتنی به وهذبه محسن عقیل، دار المحجة البیضاء، بیروت، 2001 م.

78. الخاقانی، (علی): شعراء الحلة او البابلیات، المطبعة الحیدریة، النجف الاشرف، 1952 م.

ص:299

79. الخراسانی، (إبراهیم بن محمد بن المؤید الجوینی): فرائد السمطین، ط 1، حققه د. السید المحسن عبد الله السراوی والشیخ محمد صادق نابع، دار الجوادین، 2008 م.

80. الخزاعی، (دعبل بن علی): دیوان دعبل بن علی الخزاعی، ط 2، حققه عبد الصاحب عمران الدجیلی، دار الکتاب اللبنانی، بیروت، 1972 م.

81. الخطیب، (بشری محمد علی): الرثاء فی الشعر الجاهلی وصدر الإسلام، مطبعة الإدارة المحلیة، بغداد، د. ط، 1977 م.

82. خلوصی، (د. صفاء): فن التقطیع الشعری والقافیة، ط 5، مکتبة المثنی، بغداد، 1977 م.

83. خلیف، (د. می یوسف): قضیة الالتزام فی الشعر الأموی، دار الثقافة للنشر والتوزیع، القاهرة 1989 م.

84. الدراجی، (محمد عباس): القصائد الخالدات فی حب أهل البیت، ط 1، انتشارات الشریف الرضی، قم، 1421 ه -.

85. الدلیمی، (محمد نایف): جمهرة وصایا العرب، ط 1، دراسة وتحقیق، منشورات دار النضال للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1991 م.

86. الذهبی، (محمد بن أحمد بن عثمان ت 748 ه -): سیر أعلام النبلاء، ط 8، تحقیق شعیب الأرنؤوط مؤسسة الرسالة، بیروت، 1992 م.

87. الرازی، (محمد بی أبی بکر بن عبد القادر): مختار الصحاح، مکتبة النهضة، بغداد، د ت ط.

88. الردینی، (رائد فؤاد): القیم الإسلامیة فی الشعر العراقی الحدیث، رسالة ماجستیر، کلیة الآداب، جامعة بغداد، 2002 م.

89. زاید، (علی عشری): استدعاء الشخصیات التراثیة فی الشعر العربی المعاصر، ط 1، طرابلس، 1978 م.

ص:300

90. الزبیدی، (مرشد): بناء القصیدة الفنی فی النقد العربی القدیم والمعاصر، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1994 م.

91. الزمخشری، (محمد بن عمر ت 538 ه -): اساس البلاغة، دار مطابع الشعب، القاهرة، 1960 م.

92. سارتر، (جان بول): الادب الملتزم، ط 1، ترجمة جورج طرابیشی، منشورات دار الادب، بیروت، 1965 م.

93. السامرائی، (د. ابراهیم): لغة الشعر بین جیلین، ط 2، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، 1980 م.

94. السامرائی، (سهام حسین جواد): القیم الأخلاقیة والاجتماعیة والفکریة فی وصایا عصر ما قبل الإسلام الشعریة والنثریة (رسالة ماجستیر) علیهما السلام کلیة التربیة للبنات علیهما السلام جامعة تکریت علیهما السلام 2002 م.

95. السامرائی (فاضل صالح): معانی النحو، ط 1، دار إحیاء التراث العربی، بیروت لبنان، 2007 م.

96. سرور، (إبراهیم حسین): المعجم الشامل للمصطلحات العلمیة والدینیة، ط 1، دار الهادی، بیروت، 2008 م.

97. سعران، (د. محمود): علم اللغة مقدمة للقارئ العربی، دار المعارف، مصر، 1992 م.

98. سلوم، (د. داود): تطور الفکرة والأسلوب فی الأدب العراقی الحدیث فی القرنین التاسع عشر والعشرین، مطبعة المعارف، بغداد، 1959 م.

99. الشایب، (أحمد): أصول النقد الأدبی، ط 10، مکتبة النهضة المصریة، القاهرة، 1994 م.

100. شبر، (جواد): أدب الطف، او شعراء الحسین من القرن الأول الهجری حتی القرن الرابع عشر مؤسسة التاریخ العربی، ط 1، بیروت، 2001 م.

ص:301

101. شراد، (د. شلتاغ عبود): تطور الشعر العربی الحدیث، ط 1، الاردن، (دار مجدلاوی 1998 م).

102. الشعر والفکر المعاصر ب - ب مقالات أدبیة ونقدیة ب - ب سلسلة کتاب الجماهیر ب - ب منشورات وزارة الاعلام، العراق، 1974 م.

103. شکر، (الشیخ عبد الحسین): دیوان الشیخ عبد الحسین شکر، انتشارات الشریف الرضی، قم، 1411 ه -.

104. الصدوق، (ابو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی ت 381 ه -): کمال الدین واتمام النعمة، ط 1، دار الفجر، بیروت، 2009 م.

105. الصفار، (محمد بن الحسن ت 290 ه -): بصائر الدرجات، تحقیق محسن کوجه البزبزی، مکتبة المرعشی، قم، 1404 ه -.

106. ضیف، (د. شوقی): فی النقد الأدبی، ط 8، دار المعارف، القاهرة، د. ت.

107. ضیف، (د. شوقی): تاریخ الأدب العربی، ط 7، العصر الجاهلی، دار المعارف، مصر، 1976 م.

108. الطباطبائی علیهما السلام (محمد حسین): تفسیر المیزان علیهما السلام ط 1 علیهما السلام مؤسسة الأعلمی، بیروت علیهما السلام 1997 م.

109. الطبری، (أبو جعفر محمد بن جریر ت 310 ه -): تاریخ الطبری، ط 2، تاریخ الرسل والملوک، تحقیق محمد أبو الفضل إبراهیم دار المعارف، بیروت، 1971 م.

110. الطوسی: (محمد بن الحسن ت 460 ه -): رجال الطوسی، ط 2، تحقیق محمد صادق بحر العلوم، دار الذخائر، قم، 1411 ه -.

111. الطوسی، (محمد بن الحسن 460 ه -): الغیبة، ط 1، تحقیق عباد الله الطهرانی والشیخ علی احمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم المقدسة، 1411 ه -.

112. عاصی، (د. میشال): الفن والأدب ب - ب بحث جمالی فی الأنواع والمدارس الأدبیة والفنیة، ط 2، منشورات المکتب التجاری للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1970 م.

ص:302

113. العاملی، (محسن الأمین): الدر النضید، مؤسسة النعمان، بیروت، 1992 م.

114. عباس، (إحسان): فن الشعر، ط 1، دار صادر، بیروت، 1996 م.

115. عبد القادر، (حامد): دراسات فی علم النفس الأدبی، ط 7، دار المعرفة، القاهرة، 1976 م.

116. عبد الله، (محمد فرید): الصوت اللغوی ودلالته فی القرآن الکریم، ط 1، دار ومکتبة الهلال، بیروت، 2008 م.

117. العتیق، (د. عبد العزیز): علم البیان، دار النهضة العربیة للطباعة والنشر، بیروت، 1405 ه، 1985 م.

118. العتیق، (د. عبد العزیز): علم العروض والقافیة، دار النهضة العربیة للطباعة والنشر، بیروت، 1987 م.

119. عز الدین، (یوسف): الشعر العراقی، أهدافه وخصائصه فی القرن التاسع عشر، مطبعة الزهراء بغداد، 1958 م.

120. العزاوی، (عباس): تاریخ العراق بین الاحتلالین، ط 1، انتشارات المکتبة الحیدریة، قم، 1425 ه -.

121. العسکری، (أبو الهلال الحسن بن عبد الله بن سهل): کتاب الصناعتین الکتابة والشعر، تحقیق علی محمد البجاوی، ومحمد أبو الفضل ابراهیم، المکتبة العصریة، بیروت، د ط، 1998 م.

122. عصفور، (د. جابر احمد): الصورة الفنیة فی التراث النقدی والبلاغی، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، د. ط، 1974 م.

123. عصفور، (د. جابر): مفهوم الشعر، ط 2، دراسة فی التراث النقدی، دار التنویر للطباعة والنشر، بیروت، 1982 م.

124. عطوان، (د. حسین): مقدمة القصیدة فی العصر العباسی الأول، ط 2، دار الجیل، بیروت، 1987 م.

125. عطوان، (د. حسین): مقدمة القصیدة فی صدر الإسلام، ط 1، دار الجیل، بیروت، د. ت.

ص:303

126. عقیل، (محسن): أروع ما قیل فی محمد وأهل بیته، دار المحجة، بیروت.

127. علوان، (د. علی عباس): تطور الشعر العربی الحدیث فی العراق (اتجاهات الرؤیا وجمالات النسیج) منشورات وزارة الثقافة والاعلام، الجمهوریة العراقیة، 1975 م.

128. العلوم، (محمد مهدی بحر): دیوان السید محمد مهدی بحر العلوم، ط 1، جمع محمد صادق بحر العلوم، تحقیق محمد جواد فخر الدین وحیدر شاکر الجد، المکتبة الأدبیة المختصة، النجف الاشرف، 2006 م.

129. العلوی، (محمد بن احمد بن طباطبا ت 322 ه -): عیار الشعر، تحقیق وتعلیق الدکتور طه الحاجری محمد زغلول سلام، شرکة فن الطباعة، القاهرة، 1956 م.

130. علی، (د. عبد الرضا): موسیقا الشعر العربی قدیمه وحدیثه، ط 1، دراسة وتطبیق فی شعر الشطرین والشعر الحر، الشروق للنشر والتوزیع، عمان - الاردن، 1997 م.

131. عناد، (علی حسین یوسف): مراثی الإمام الحسین (علیه السلام) فی الشعر العراقی (1900-1950 م) دراسة فی الموضوع والفن (رسالة ماجستیر) الی کلیة التربیة - جامعة کربلاء.

132. العوادی، (د. عدنان حسین): لغة الشعر الحدیث فی العراق بین مطلع القرن العشرین والحرب العالمیة الثانیة، منشورات وزارة الثقافة والاعلام العراقیة، دار الحریة للطباعة، بغداد، 1985 م.

133. عون، (د. غازی): علم اسالیب البیان، ط 2، دار الفکر اللبنانی، 1995 م.

134. عید، (د. رجاء): دراسة فی لغة الشعر - رؤیة فنیة، منشأة المعارف مصر، د. ت.

135. الغرفی، (حسن): حرائق الشعر - عن تجربة حمید سعید الشعریة، ط 1، منشورات مکتبة التحریر، بغداد، 1989 م.

136. غیاض، (د. محسن): التشیع وأثره فی شعر العصر العباسی الاول، تقدیم د. شوقی ضیف، مطبعة النعمان النجف الأشرف، 1973 م.

ص:304

137. فاخوری (حنا): الفخر والحماسة، ط 2، دار المعارف، القاهرة، د. ت.

138. فاخوری، (حنا): الجامع فی تاریخ الادب العربی، ط 3، منشورات ذوی القربی، ایران، 1327 ه -.

139. الفراهیدی، (ابو عبد الرحمن الخلیل بن احمد ت 175 ه -): العین، ط 1، تحقیق د. مهدی المخزومی، ود. ابراهیم السامرائی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1988 م.

140. فضل، (د. صلاح): النظریة البنائیة فی النقد الادبی، ط 3، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1987 م.

141. الفلفل علیهما السلام (مال الله): دیوان الشاعر مال الله الفلفل علیهما السلام دیوان خطی، المکتبة الحیدریة علیهما السلام النجف الأشرف.

142. فوغالی، (د. بادیس): الزمان والمکان فی الشعر الجاهلی، ط 1، عالم الکتب الحدیث، الأردن، 2008 م.

143. فیصل، (د. شکری)، مناهج الدراسة الادبیة فی الادب العربی، ط 5، دار العلم للملایین، بیروت، 1982 م.

144. الفیل، (د. توفیق): فنون التصویر البیانی، ط 3، مکتبة الآداب القاهرة، 1997 م.

145. القرطاجنی، (ابو الحسن حازم بن ابی عبد الله ت 684 ه -): منهاج البلغاء وسراج الادباء، تحقیق محمد الحبیب بن خوجه، المطبعة الرسمیة، تونس، 1966 م.

146. القزوینی علیهما السلام (محمد مهدی محمد طاهر): (القصائد البهیة فی النصائح المهدویة)، دیوان السید محمد مهدی، مکتبة السید سلمان هادی آل طعمة علیهما السلام د. ت.

147. القزوینی، (السید محمد کاظم): فاطمة من المهد الی اللحد، مؤسسة النور، بیروت، 1991 م.

148. القزوینی، (جلال الدین محمد بن سعید الدین بن عبد الرحمن ت 739 ه -): الایضاح فی علوم البلاغة، ط 1، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1985 م.

149. القندوزی، (سلیمان بن ابراهیم بن محمد البلخی): ینابیع المودة، ط 2، صححه علاء الدین الأعلمی، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 2009 م.

ص:305

150. القیروانی، (أبو علی الحسن بن رشیق الأزدی، ت 456 ه -): العمدة فی محاسن الشعر وآدابه ونقده، ط 2، حققه وفصله وعلق حواشیه محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، مصر، 1955 م.

151. کحالة، (عمر): معجم المؤلفین فی تراجم مصنفی الکتب العربیة، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

152. الکعبی، (أحمد صبیح محسن): لغة الشعر عند السید حیدر الحلی، رسالة ماجستیر، کلیة التربیة، جامعة بابل، 2004 م.

153. الکفراوی، (د. محمد عبد العزیز): تاریخ الشعر العربی فی صدر الاسلام، دار نهضة مصر، القاهرة.

154. الکلبابکانی، (لطف الله الصافی): منتخب الأثر، ط 1، مؤسسة السیدة المعصومة، قم، 1419 ه -.

155. الکلش، (راویة محمد هادی حسون): دیوان محسن ابو الحب دراسة فنیة موضوعیة، رسالة ماجستیر، مقدمة الی مجلس کلیة التربیة، جامعة کربلاء.

156. الکلینی، (محمد بن یعقوب ت 329 ه -): أصول الکافی، ط 1، تحقیق محمد جواد، الفقیه والدکتور یوسف البقاعی، دار الاضواء، بیروت، 1993 م.

157. لونکریک، (المستر ستیفن هیمسلی): أربعة قرون من تاریخ العراق الحدیث، نقله للعربیة جعفر الخیاط، ط 5، دار الرافدین للطباعة والنشر، لبنان بیروت، 2004 م.

158. مجذوب، (د. عبد الله الطیب): المرشد الی فهم أشعار العرب، ط 1، مطبعة مصطفی البلبلی الحلبی وأولاده، مصر، 1955 م.

159. المجلسی علیهما السلام (محمد باقر ت 1111 ه -): بحار الأنوار علیهما السلام ط 1 علیهما السلام تحقیق الشیخ علی النمازی الشاهرودی علیهما السلام الأعلمی، بیروت علیهما السلام 2008 م.

160. المخزومی، (د. مهدی): فی النحو العربی نقد وتوجیه، ط 1، منشورات المکتبة العصریة، بیروت، 1964 م.

ص:306

161. مخیلف، (فهد نعیمة): الاستنهاض فی الشعر العباسی دراسة موضوعیة فنیة (رسالة دکتوراه) الی مجلس کلیة الآداب، الجامعة المستنصریة.

162. المراغی، (د. محمود احمد حسن): علم البدیع، ط 1، دار العلوم العربیة، بیروت، 1991 م.

163. المرتضی، (ابو القاسم علی بن الحسین بن موسی ت 436 ه -): دیوان الشریف المرتضی، ط 1، حققه رشید العفار، دار البلاغة، بیروت، 1998 م.

164. المروزی، (نعیم بن حماد بن معاویة ت 229 ه -): الفتن، ط 1، تحقیق مجدی ابن منصور بن سید الشوری، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1997 م.

165. مصطفی، (د. فائق ود. عبد الرضا علی): فی النقد الادبی الحدیث منطلقات وتطبیقات، ط 3، دار الکتب للطباعة والنشر، الموصل، 2000 م.

166. المصلاوی، (د. علی کاظم): الطفیات، المقولة والإجراء، مطبعة الزوراء کربلاء، 2009 م.

167. المصلاوی، (د. علی کاظم وکریمة النوماس): دیوان محسن ابو الحب الکبیر دراسة فی الموضوع الشعری، مجلة اهل البیت العدد (7)، 2009 م.

168. المصلاوی، (د. علی کاظم): لغة شعر دیوان الهُذلیین، رسالة ماجستیر الی مجلس کلیة الآداب - جامعة الکوفة.

169. مطلوب، (د. احمد ود. کامل حسن البصیر): البلاغة والتطبیق، ط 1، بغداد، 1982 م.

170. المطلوب، (د. احمد): لغة قصیدة الحرب قراءة فی شعر کمال الحدیثی، وزارة الثقافة والاعلام بغداد، 1992 م.

171. المعتزلی، (عز الدین عبد الحمید بن أبی الحسین هبة الله بن محمد المدائنی): القصائد العلویات السبع، ط 1، تقدیم صاغ علی الصاغ، مؤسسة الأعلمی، بیروت، 1972 م.

ص:307

172. ملامح من الشعر العراقی الحدیث، مجلة الآداب، السنه 3، العدد 1.

173. ملکی، (رقیة رستم بدر): رثاء اهل البیت فی العصر الاموی، دار الهادی، بیروت، 2004 م.

174. مندور، (محمد): الأدب وفنونه، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة 1974 م.

175. الموسوی، (یوسف السید مهدی): الإمعان فی الفاظ القرآن، ط 1، مطبعة ثامن الحجج، ایران، 1429 ه -.

176. النعمانی، (محمد بن إبراهیم): الغیبة، مکتبة الصدوق، تحقیق علی اکبر الفقاری، طهران.

177. النویهی، (د. محمد): وظیفة الأدب بین الالتزام الفنی والانفصام الجمالی، مطبعة الرسالة، القاهرة، 1966 م.

178. الهاشمی، (احمد): جواهر البلاغة، ط 2، علق علیه ودققه سلیمان الصالح، دار المعرفة، بیروت، 2007 م.

179. هدارة، (د. محمد مصطفی): علم البیان، ط 1، دار العلوم العربیة، بیروت، 1989 م، 1409 ه -.

180. هلال (د. محمد غنیمی): النقد الأدبی الحدیث، دار الثقافة دار العودة، بیروت، 1973 م.

181. هلال، (ماهر مهدی): جرس الألفاظ ودلالتها فی البحث البلاغی والنقدی عند العرب، دار الحریة للطباعة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1980 م.

182. هلال، (د. عبد الغفار حامد): أصوات اللغة العربیة، ط 2، مکتبة وهبة، القاهرة، 1996 م.

183. الهلالی، (جعفر): معجم شعراء الحسین، تقدیم عبد الهادی الفضلی، مؤسسة أم القری للتحقیق والنشر، بیروت، 2004 م.

184. الوائلی، (أ. د. کریم): التشکیلان الإیقاعی والمکانی فی القصیدة العربیة الحدیثة، ط 1، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 2006 م.

ص:308

185. الوائلی، (د. إبراهیم): الشعر السیاسی العراقی فی القرن التاسع عشر، ط 2، مطبعة المعارف، بغداد، 1978 م.

186. الواعظ، (د. رؤوف): الاتجاهات الوطنیة فی الشعر العراقی الحدیث (1914-1941 م)، منشورات وزارة الإعلام العراقیة، 1974 م.

187. الوردی، (علی): لمحات اجتماعیة من تاریخ العراق الحدیث، ط 1، مکتبة الصدر، قم، 2004 م.

188. ویلک، (رینیه وأوستن وارین): نظریة الأدب، ط 3، ترجمة محی الدین صبحی، مراجعة د. حسام الخطیب، المجلس الأعلی لرعایة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعیة، دمشق، 1962 م.

189. یسین، (السید): التحلیل الاجتماعی للأدب، ط 3، مکتبة مدبولی، القاهرة، 1992 م.

190. الیوسف، (یوسف): مقالات فی الشعر العربی، ط 2، مطبعة دار الحقائق، بیروت، 1980 م.

ص:309

ص:310

المحتویات

الإهداء 6

مقدمة اللجنة العلمیة 7

المقدمة 9

التمهید 13

لمحة تاریخیة عن حقبة الدراسة 15

سقوط الممالیک ونشوء الاطماع البریطانیة 16

الاستنهاض لغة 19

وأما لفظة الحجَّة لغة 25

وإذا عرجنا علی معنی الحجّة فی الأدیان والمذاهب 28

وأما الإمام الحجّة فی الفکر الإسلامی 31

تطور قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف 33

توطئة 33

شخصیة الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف بین البعد التاریخی والعقدی وبین الاستعمال الشعری 57

ص:311

الباب الأول

قصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف دراسة فی البناء والاتجاهات والوظائف

الفصل الأول: البناء الفنی لقصیدة الاستنهاض 71

البناء الفنی 73

أولاً: القصیدة الاستنهاضیة المکتملة 76

1. المقدمة 76

2. المقدمة الغزلیة 77

3. مقدمة الحکمة 81

4. المقدمة الطللیة 83

5. مقدمة الحماسة والفروسیة 85

6. مقدمة الشکوی وذم الدهر 87

7. المقدمة العقدیة 89

التخلص 91

1. التخلص بالأداة 92

2. التخلص من دون أداة 93

3. الخاتمة 94

ثانیاً: القصائد الاستنهاضیة الخالیة من المقدمات 97

الفصل الثانی: الاتجاهات العامة لقصیدة الاستنهاض 101

أولاً: الاتجاهات العامة 103

توطئة 103

الاتجاه التقلیدی 106

التجدیدی 112

ثانیاً: المحاور الموضوعیة لشعر الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف 121

المحور الأول: الإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف 122

ص:312

الجانب الأول: مدح الإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف 122

الجانب الثانی: تعجیل الظهور والتحریض علیه 123

الجانب الثالث: کونه عجل الله تعالی فرجه الشریف رمزاً للعدالة 125

المحور الثانی: آل البیت علیهم السلام 127

المحور الثالث: أخذ الثأر 130

المحور الرابع: دولة الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف 133

الفصل الثالث: الوظائف والأداء لقصیدة الاستنهاض 135

قصائد الاستنهاض - الوظائف والأداء - 137

توطئة 137

1. الوظیفة السیاسیة 139

2. الوظیفة الروحیة والعقدیة 146

3. الوظیفة الاجتماعیة والتاریخیة 152

الباب الثانی

اللغة الشعریة لقصیدة الاستنهاض بالإمام الحجّة عجل الله تعالی فرجه الشریف

اللغة الشعریة 163

توطئة 163

الفصل الأول: الألفاظ 165

1. أسماء الأعلام 169

2. ألفاظ الاستنهاض 175

3. ألفاظ الزمان والمکان 178

4. ألفاظ السلاح 181

5. ألفاظ الحیوان 185

ص:313

الفصل الثانی: الصیاغة 187

أولاً: الأسالیب النحویة 191

الاستفهام 191

الأمر 194

النفی 195

النداء 198

أسلوب الشرط 201

اسلوب التوکید 202

أسلوب التقدیم والتأخیر 205

ثانیاً: الأسالیب البیانیة 207

1. الصورة الحسیة 208

2. الصورة الذهنیة 215

3. الصورة التقریریة 218

ثالثاً: الاسالیب البدیعیة 221

الطباق 230

الفصل الثالث: الایقاع 233

1. الوزن 236

فالبحر الطویل 237

وأما بحر الکامل 238

أما البحر البسیط 239

2. القافیة 244

أما صوت النون 250

أما صوت العین 252

3. التکرار 256

4. رد الاعجاز علی الصدور 261

ص:314

5. الجناس 263

6. التدویر والتشطیر 267

7. التصریع 270

8. الترصیع 272

الخاتمة 275

(ملحق) 284

المصادر والمراجع 293

ص:315

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.