خلاصه عمده الاصول آیه الله خرازی

اشارة

سرشناسه:خرازی، سیدمحسن، 1315 -

عنوان و نام پدیدآور:خلاصه عمده الاصول/ تالیف محسن الخرازی؛ تصحیح علی رضا الجعفری

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1415ق.= -1376

مشخصات ظاهری:2ج.

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

یادداشت:ج. 5 (چاپ اول: 1427ق. = 1385).

یادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1430ق. = 1388).

یادداشت:کتابنامه

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:جعفری، علیرضا، مصحح

رده بندی کنگره:BP159/8/خ 4ع 8 1376

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:م 78-2994

ص :1

المجلد 1

هویة الکتاب

العنوان... خلاص عمدة الأصول (ج 1)

الموضوع... اصول الفقه

تألیف... آیة الله السیّد محسن الخرّازی

باهتمام... السیّد علیّ رضا الجعفری

نشر... مؤسسه در راه حق

الطبع... الاُولی

المطبع... ولی عصر (عج)

العدد... 1000

ص:2

ص:3

ص:4

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمین و الصلوة و السلام علی سیّدنا محمد و آله الطاهرین و اللعنة علی اعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین

أما بعد فقد رتبت هذه الخلاصة کعمدة الاصول علی مقدمة و مقاصد ان شاء الله تعالی اما المقدمة ففی بیان امور:

الأمر الأوّل: فی تعریف علم الاصول و موضوعه

اشارة

و یقع الکلام فیه من جهات:

الجهة الاُولی: فی تعریف علم الاصول

و للقوم هنا تعاریف لاتخلو عن المناقشات و نلخّصها کما یلی:

1 - تعریف المشهور و هو «العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیّة الفرعیّة عن أدلّتها التفصیلیّة» وفیه انه لایتمّ طرداً بعد شموله لسائر القواعد الممهّدة لذلک کالقواعد المنطقیّة و الرجالیّة و الأدبیّة لعدم اختصاص القواعد الممهّدة المذکورة بالمسائل الاصولیة مع انها من المبادی لا من مسائل علم الاصول ولاعکساً بعد عدم جامعیّته لما لااستکشاف فیه بالنسبة إلی الأحکام الشرعیّة کالحکم بالتخییر عند

ص:5

دوران الأمر بین المحذورین أو الحکم بالاحتیاط عند العلم الإجمالی و غیر ذلک فان الحکم العقلی فی مورد دوران الأمر بین المحذورین بالتخییر أو حکم العقل بالاحتیاط عند العلم الإجمالی لایکشف عن الحکم الواقعی الآخر فی هذا الحال و هکذا الأصل الشرعی فی مورد الشک کاصالة الحلیة لاکاشفیة له بالنسبة إلی الواقع مع انها من المسائل الأصولیّة.

2 - تعریف صاحب الدرر و هو العلم بالقواعد الممهّدة لکشف حال الأحکام الکلیّة الواقعیّة المتعلّقة بأفعال المکلّفین سواء تقع فی طریق العلم بها کما فی بعض القواعد العقلّیة أو تکون موجبة للعلم بسقوط العقاب کذلک فإنّ القواعد المذکورة کلّها إذا انضمّت إلی صغریاتها فالنتیجة الحاصلة تنفع بحال حکم شرعیّ آخر وراء نفسها إمّا لکونها طریقاً علمیّاً لثبوته أو لاثبوته و إمّا سبباً لتنجّزه أو لا تنجّزه، و فیه انه لایتمّ طرداً بعد عدم اختصاص القواعد الممهّدة بالمسائل الاُصولیّة لان سائر العلوم أیضاً قواعد ممهدة لکشف حال الأحکام الکلیة الواقعیه فیرد علیه ما أورد علی تعریف المشهور من عدم کونه طارداً.

3 - تعریف صاحب الکفایة و هو «صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل» و فیه انه لایتمّ طرداً لأنّ قوله: ینتهی إلیها فی مقام العمل یشمل جمیع القواعد الفقهیّة کقاعدة الفراغ و اصالة الصحة هذا مضافاً إلی انه یوجب أن یکون فن الاصول فنین اذ تمایز العلوم بتمایز الاغراض عند صاحب الکفایة.

4 - تعریف مصابیح الاُصول و هو «العلم بالقواعد لتحصیل العلم بالوظیفة الفعلیّة فی مرحلة العمل» و فیه انه غیر تامّ أیضاً لأنّه غیر شامل للمباحث الاُصولیّة التی تکون نتیجة البحث فیها منفیّة کحجیّة القیاس و الإجماع المنقول و غیرهما.

ص:6

5 - تعریف تهذیب الاُصول و هو «القواعد الآلیّة التی یمکن أن تقع فی کبری استنتاج الأحکام الکلّیّة الفرعیّة الإلهیّة أو الوظیفة العملیّة» و هو أحسن ما فی الباب أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ تعدّد الغرض یوجب تعدّد العلم بناء علی مختار صاحب الکفایة من أنّ تمایز العلوم بتمایز الأغراض و علیه فلامناص من أن یفرض غرض جامع بین الغرضین کتحصیل الحجّة علی الحکم الشرعیّ حتّی لایلزم تعدّد علم الاُصول فافهم.

6 - تعریف المختار و هو أنّ علم الاُصول «علم بالقواعد التی یمکن أن تقع تلک القواعد کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة علی الأحکام التی غیر تلک القواعد سواء کانت معذّرة أو منجّزة» و هو تامّ إذ بقولنا: یمکن أن تقع کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة الخ یخرج سائر العلوم من النحو و الصرف و المنطق و غیرها لأن نتیجتها لاتقع کبری للشکل القیاسیّ المذکور بل بعضها یکون من المبادئ و الصغریات للکبریات الاصولیة کالبحث عن ظهور الأوامر فی الوجوب فانه من صغریات کبری حجیة الظهور و أیضاً بقولنا لتحصیل الحجّة علی الحکم یخرج جمیع القواعد الفقهیّة لأنّها تفید نفس الحکم لا الحجّة علی الحکم کما لایخفی.

الجهة الثانیة: فی تعریف موضوع کل علم

ولایخفی علیک أنّ قضایا العلوم مرکّبة من الموضوع و المحمول و من المعلوم أنّ کلّ محمول عارض لموضوعه و حیث أنّ الموضوع مندرج تحت الموضوع الجامع الکلّیّ فعارضه عارض للموضوع الجامع الکلّیّ بواسطة عروضه لنوعه.

وحیث أنّ العوارض علی أنحاء؛ منها: العارض الذاتیّ الذی یعرض لذات الموضوع من دون وساطة شیء کقولنا فی الاُصول: الظهورات حجّة.

ومنها: العارض الذی یعرض لذات الموضوع بواسطة شیء کعروض الرفع لفاعل کقولنا: «کلّ فاعل مرفوع»، بواسطة عروضه لآخر الکلمة فالفاعل مرفوع من باب

ص:7

توصیف الکلّ بوصف جزئه و لیس ذاتیّاً له و إلّا فلیس الفاعل بتمام أجزائه مرفوع کما هو واضح بل الرفع عارض ذاتیّ لآخر الکلمة و عارض غیر ذاتیّ للفاعل و هکذا فی سائر موارد الإعراب و کعروض عوارض الأنواع بالنسبة إلی جنسها فإنّ عروض عوارض الأنواع بالنسبة إلی جنسها بواسطة أنواعه و لیس ذاتیّاً له.

و معلوم أنّ کلّ واحد من الأنحاء المذکورة یکون من أغراض مدوّن العلوم فلاوجه لإخراج العارض بالواسطة إذا کان مورداض لغرض مدوّن العلم.

و علیه فتخصیص موضوع کلّ علم بما فی المنطق من «أنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّة» لایخلو عن المناقشة و النظر بعد کون عروض المحمولات للموضوع الجامع بواسطة عروضها لأنواعه و کون العوارض بالنسبة إلی جنس الأنواع أعراضاً غریبة و بعد ما عرفت من أنّ الإعراب عارض لآخر الکلمة ذاتاً و مع ذلک و مع ذلک یکون من عوارض الفاعل و المفعول و نظائرهما.

والقول بأنّ الموضوع هو العنوان الانتزاعیّ من موضوعات المسائل لا أنّه کلّیّ یتخصّص فی مراتب تنزّله بخصوصیّات تکون تلک الخصوصیّات واسطة فی عروض محمولاتها له کما فی تعلیقة الإصفهانیّ قدس سره عدول عمّا مرّ من إمکان تصویر الموضوع الکلّیّ الجامع لموضوعات المسائل مثل عنوان «ذات الحجّة فی الفقه» أو «ما یصلح لأن یحتجّ به علی الأحکام الکلّیّة فی الفقه» فحدیث الانتزاع خروج عن الفرض.

هذا مضافاً إلی ما عرفت من أنّ المحمولات فی النحو لاتکون أعراضاً ذاتیّة لموضوعات مسائله أیضاً بل تحمل علیها من باب توصیف الکلّ بوصف جزئه.

وممّا ذکر یظهر ما فی دعوی أنّ اللازم هو صدق محمولات القضایا علی موضوع العلم صدقاً حقیقیّاً بلامجاز لا أن تکون الأعراض أعراضاً ذاتیّة بالمعنی المصطلح بل

ص:8

بحیث لایری اللاحق لاحقاً لغیره و إن کان بالنظر الدقیق ذا واسطة فی العروض و بعبارة اخری یکون الوصف وصفاً له بحال نفسه لابحال متعلّقه.

وذلک لما عرفت من أنّ حمل محمولات الأنواع علی جنسها بواسطة الأنواع من المجاز کما أنّ حمل الإعراب علی الفاعل أو المفعول مع أنّه عارض لآخر الکلمة من باب المجاز و لیس الوصف وصفاً له بحال نفسه کما لایخفی.

و ممّا ذکر یظهر أیضاً أنّ تفسیر العوارض الذاتیّة بما لاواسطة له فی العروض کما فی الکفایة لایکفی فی تصحیح تعریف موضوع کلب علم بأنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّة لما عرفت من أنّ المحمولات عوارض لموضوعاتها بواسطة عروضها للأنواع أو بواسطة عروضها لآخر الکلمة فالأولی هو أن یقال فی تعریف الموضوع لکلب علم بأنّه الذی یبحث فیه عن عوارضه المقصودة سواء کانت ذاتیّة أو غریبة حقیقیّة أو مجازیّة. فالمعیار هو أن یکون العوارض مقصودة لمدوّن العلم فلاتغفل.

الجهة الثالثة: فی تمایز العلوم

و اختلف فیه علی أقوال و آراء و المختار انه بالموضوع و تفصیل ذلک بذکر امور:

1 - إنّ التمایز بین العلوم یکون بالموضوع الجامع الذی لایندرج تحت جامع آخر و علیه فیندرج موضوع کلّ باب أو کلّ مسألة من علم تحت موضوع واحد بحیث تکون محمولات القضایا أعراضاً لذلک فلا یرد علی کون تمایز العلوم بالموضوع ما أورده صاحب الکفایة من أنّ لازمه هو کون کلّ باب بل کلّ مسألة من کلّ علم علماً علی حدّه. لان موضوعات أبواب النحو أو مسائلها ککون الفاعل مرفوعاً أو المفعول منصوباً تندرج تحت موضوع واحد جامع کلّیّ کالکلمة و الکلام من حیث قابلیّتهما للإعراب و البناء بحیث یصحّ حمل المرفوع أو المنصوب علی الکلمة کما یصحّ حملهما علی الفاعل و المفعول.

ص:9

2 - لاحاجة فی التمایز بین العلوم إلی ضمیمة وحدة الغرض لحصول التمایز بالموضوع وحده بل مع حصول التمایز بالموضوع الکلّیّ الجامع علی النحو المذکور فلا یبقی إجمال حتّی یرتفع بالأمر المترتّب علی مسائل العلم و أبوابه من الغرض فالتمایز بالموضوع مقدّم رتبة علی التمایز بالغرض.

3 - لامجال لدعوی التمایز بنفس القضایا و المسائل مع تقدّم التمایز بنفس الموضوع الجامع. و الاستدلال بأنّ بعض العلوم کعلم الجغرافیا لم یکن فی ابتداء الأمر إلّا قضایا قلیلة قد تکمّلت بمرور الزمان فلم یکن الموضوع عند المؤسّس المدوّن مشخّصاً حتّی یجعل البحث عن أحواله أصدق شاهد إذ العلم بأوضاع الأرض من جبالها و میاهها و بحارها و بلدانها لم یتیسّر إلّا بمجاهدة الرجال قد قام کلّ علی تألیف کتاب فی أوضاع مملکته الخاصّة به حتّی تمّ العلم، مندفع بأنّ کلّ علم له موضوع و إن کان قضایاه فی أوّل الأمر قلیلة و لعلّ موضوع علم الجغرافیا هو أوضاع الأرض من جبالها و میاهها و بحارها و بلدانها و معادنها و نحوها و إن لم یتمکّن الباحث عن تبیین جمیع موارد الموضوع المذکور. و هکذا موضوع علم الفقه هو طبیعة الأفعال التی تتعلّق بها الأحکام الخمسة و کلّ حکم وضعیّ یرجع إلی الأحکام التکلیفیّة التی تکون أعراضاً لطبیعة الأفعال فمثل اشتغال الذمّة بالضمان یرجع إلی وجوب الأداء و هکذا النجاسات ترجع إلی وجوب الاجتناب عنها.

ثم ان قصورنا عن تعریف الجامع الکلی بالنسبة إلی بعض العلوم کالفن الاعلی لایکشف عن عدم وجود الموضوع الجامع له بل اللازم فی نحوه هو التعبیر بالکلی الذی اتحّد مع موضوعات مسائله ثم السعی نحو استکشاف الموضوع علی نحو یعم موضوعات جمیع المسائل عدا ما لایمکن ادراجه فی الموضوع الّا استطراداً و بالجملة

ص:10

فمع حصول التمایز بالموضوع الجامع الکلّیّ یرتفع الإجمال فلایبقی مورد للتمایز بالمسائل أو الأغراض فلاتغفل.

الجهة الرابعة: فی موضوع علم الاُصول

وتلخص الکلام فیمایلی:

1 - موضوع علم الاُصول هو «ما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة» إذ مرجع التعاریف کالعلم بالقواعد الممهّدة کما ذهب إلیه المشهور أو العلم بالقواعد التی یمکن أن تقع کبری للشکل القیاسیّ الذی رتّب لتحصیل الحجّة علی الحکم الکلّیّ الفقهیّ کما هو المختار أو العلم بالقواعد الآلیّة التی یمکن أن تقع فی کبری استنتاج الأحکام الکلّیّة الفرعیّة الإلهیّة أو الوظیفة العملیّة کما أفاده سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره و غیر ذلک، إلی العلم بما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة وهذا ینطبق علی جمیع موضوعات المسائل کالخبر و الشهرة و الخبرین المتعارضین و الاستصحاب و اصالة البرائة و اصالة التخییر و المفاهیم و غیر ذلک لأن کلها مما یصلح للحجیة علی الحکم الکلی الفقهی فالموضوع لعلم الاُصول هو ذات الحجّة و ذات الحجّة لایختصّ بالأدلّة الأربعة و لذلک یشمل موضوع علم الاُصول لما لایبحث عن أحوال الأدلّة الأربعة کالبحث عن العامّ و الخاصّ و المطلق و المقیّد لأنّها ممّا یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة مع أنّها لیست من مختصّات الأدلّة الأربعة فلا وجه لدعوی استطراد هذه المباحث.

و حیث کان الموضوع هو ما یصلح للحجّیّة فکلّ شیء تدّعی حجّیّته و إن لم تساعده الأدلّة یشمله موضوع علم الاُصول کالقیاس و الاستحسان لأنّه أیضاً ممّا یصلح للحجّیّة فلا وجه لدعوی استطراد هذه المباحث نعم لو قلنا بأنّ الموضوع فی علم الاُصول هو ما یکون حجّة فعلیّة کان القیاس و نحوه خارجاً عن موضوع علم الاُصول و لکن عرفت

ص:11

أنّ الموضوع هو ما یصلح للحجّیّة علی الأحکام الکلّیّة الفقهیّة و لا وجه لتقیید الحجّیّة، بالفعلیّة کما یظهر من نهایة الاُصول.

و علیه فموضوع علم الاُصول یشمل جمیع القواعد الکلّیّة المبحوث عنها فی علم الاُصول کحجّیّة المفاهیم نعم البحث عن مدلول أدوات العموم أو المشتقّات و نحوهما یکون من صغریات الظهورات فالبحث عنها لیس بحثا اصولیّا بل یکون من المبادئ فإنّ کبری هذه الظهورات و هی حجّیّة الظهورات تقع فی الشکل القیاسیّ لاستنتاج الأحکام الکلّیّة.

2 - و لا یخفی علیک أنّ بعد اتضاح أنّ موضوع علم الاُصول هو ما یصلح لأن یکون حجّة علی الأحکام الفقهیّة الکلّیّة، لامجال لأن یجعل الموضوع هو الحجّة التی نعلم بوجودها إجمالاً فنبحث عن تعیّناتها و أفرادها کما فی نهایة الاُصول و إلّا فبعد انحلال الحجّة المعلومة إجمالاً بعدّة من موارد الحجج التفصیلیّة فلایصحّ البحث عن صلاحیّة الموارد الاُخری لکونها حجّة علی الأحکام و المعلوم خلافه فالموضوع هو ما یصلح للحجّیّة و هو ینطبق علی جمیع القواعد المبحوث عنها فی علم الاُصول عدا موارد تکون من المبادئ کالبحث عن الأدوات أو المشتقّات و نحوهما کما عرفت.

ص:12

الأمر الثانی: فی الوضع

اشارة

والکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی حقیقة الوضع:

اشارة

و لایخفی علیک أنّ الصادر من الواضع هو تعیین اللفظ للمعنی علی وجه یصّحح الاستعمال فیه من غیر اعتماد علی تعیینه لمعنی آخر و هذا التعیین کتعیین الأب و الجد مثلا لفظاً خاصا للولید فی الأعلام الشخصیة.

نعم اللازم فی واضع الأعلام الشخصیة و واضع اللغة أن یکونا فی موضع و محل من الاعتبار حتی یعتنی بوضعهما و یتبع وعلیه فصلاحیة الاتباع تکون من الشرائط لاالاتباع الخارجی إذ بعد العلم بتخصیص الواضع الذی یصلح للتبعیة عنه لفظاً لمعنی یحصل الاُنس بین اللفظ و المعنی و إن لم یتحقق الاتباع الخارجی بعد و هذا التخصیص و التعیین یؤول فی الحقیقه إلی اعتبار الواضع الارتباط و الاختصاص بین طبیعة لفظ خاص و طبیعة معنی خاص و الاختصاص و الارتباط أمر اعتباری یحصل بفعل الواضع.

ثم لایذهب علیک أنّ حیثیة الارتباط المذکور بین اللفظ و المعنی هو عین دلالة اللفظ علی معناه و الانتقال منه إلیه من دون حاجة إلی الالتزام بأنّ حقیقة الوضع تعهّد ذکر اللفظ عند ارادة تفهیم المعنی لأنّ کیفیة الدلالة و الانتقال فی الألفاظ و سائر الدوال کنصب العلائم للفرسخ و غیره علی نهج واحد.

ص:13

فهل تری تعهدا من ناصب العلم علی رأس الفرسخ بل لیس هناک إلّا وضعه علیه بداعی الانتقال من رؤیته إلیه فکذلک فیما نحن فیه.

عدم الحاجة إلی الالتزام و التعهّد فی الوضع

ولایخفی أنّ اعتبار الاختصاص و الارتباط بین طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی أمر مقدور بواسطة تعیین اللفظ علی المعنی ممن شأنه ذلک من دون حاجة إلی شیء آخر کالالتزام و التعهد بأنّه متی أراد معناً و تعقله و أراد افهام الغیر تکلّم بلفظ کذا حتی إذا التفت المخاطب إلی هذا الالتزام ینتقل إلی ذلک المعنی عند استماع ذلک اللفظ منه.

ودعوی أنّ الالتزام و التعّهد المذکور لازم فی اسناد المعنی إلی المتلفظ مندفعة بأنّ اسناد المعنی إلی المتلفظ من الاُمور المتأخرة عن الوضع و لامجال لتفسیر الوضع بما یتأخر عنه هذا مضافاً إلی أنّه یکفی فی الاسناد المذکور إلیه أصالة عدم اللغویة و اصالة الارادة الاستعمالیة کما أنّ أصالة الحقیقه تصلح فی اسناد المعنی الحقیقی إلیه دون سائر المعانی و أیضاً غرض الوضع و إن کان هو قصد التفهیم و ابراز المقاصد بالألفاظ إلّا أنّه حکمة الوضع و لیس دخیلا فی قوام الوضع و حقیقته و مما یبعد الالتزام و التعهد المذکور أنّ لازم ذلک عدم تمشی الوضع ممن یعلم أنّه لایبتلی بالاستعمال حتی یتعهد بالتعهد المذکور و هو کما تری فتحصل ان الوضع فی الالفاظ هو تعیینها علامات لنفس المعانی و الغرض من ذلک هو تفهیم المعانی بالفاظها و علیه فالموضوع له هو مسمّی الالفاظ لاارادة التفهیم و لا المعانی المرادة کما لایخفی.

تحلیل الوضع و الدلالة

ثم إنّ ما اخترناه فی حقیقة الوضع یرجع إلی أنّ الواضع یعیّن لفظاً لمعنی لحصول الاختصاص و الارتباط بینهما و هو أمر اعتباری فالوضع هو تعیین اللفظ بازاء المعنی و التعیین فعل مصدری صادر من الواضع و الاختصاص و الارتباط أمر اعتباری

ص:14

یحصل فی وعاء الاعتبار بالتعیین المذکور کالملکیة الحاصلة بفعل الموجب فی بعض العقود کالبیع فالوضع أمر تکوینی و هو التعیین و الاختصاص أمر اعتباری قد یعبّر عنه بالدلالة الشأنیة اذ بعد اعتبار وجود هذه الرابطة بینهما یکون الأمر بحیث إذا علم المخاطب بأحدهما ینتقل إلی الآخر.

فمن علم به و ارتکز فی نفسه أنّ الواضع اعتبر الاختصاص و الارتباط بین اللفظ و المعنی متی سمع اللفظ انتقل منه إلی المعنی و حصلت الدلالة الفعلیة.

و قد عرفت أنّ الوضع فعل الواضع و هو التسمیة و بعد فعل الواضع و علم السامع أو المخاطب بذلک یحصل الانتقال من اللفظ إلی المعنی من جهة العلم بالملازمة الاعتباریة فالتعیین فعل تکوینی و أمّا الارتباط و الاختصاص أمر اعتباری اعتبره الواضع عند اجتماع الشرائط کسائر الاعتباریات.

و دعوی أنّ الوضع هو قرن مخصوص بین تصور اللفظ و تصور المعنی بنحو اکید لکلی یستتبع حالة إثارة احدهما للآخر فی الذهن مندفعة بأنّ الواضع لم یکرّر الوضع حتی یتحقق الاستجابة المذکورة من جهة التکرار تکوینا نعم یساعد ذلک الوضع التعیّنی فإنّ کثرة التلفظ بلفظ خاص وارادة معنی خاص منه و لو مع القرنیة توجب الأنس و الملازمة بینهما تکوینا فی الأذهان بحیث إذا سمع أحدهما انتقل إلی الآخر.

ولکن الوضع التعیّنی لیس بوضع حقیقة لأنّ الوضع بمعناه المصدری لیس إلّا هو تعیین اللفظ للمعنی و تخصیصه به و الوضع بمعنی حاصل المصدر یکون نفس الارتباط الاعتباری الحاصل بتعیین الواضع و أمّا الوضع التعینّی فهو لیس إلّا اقران تصور اللفظ مع تصور المعنی فی الاستعمالات المتکررة تکوینا بحیث یحصل القرن و الانس بینهما تکوینا علی نحو یتداعی تصور أحدهما تصور الآخر و تسمیته بالوضع مسامحة.

ص:15

التنزیل و الهوهویة

و قد عرفت أنّ الوضع هو تعیین اللفظ للمعنی لاعتبار الاختصاص و الارتباط بینهما و لاتنزیل فی ذلک بین اللفظ و المعنی بحیث یجعل اللفظ وجوداً لفظیاً للمعنی و لاشاهد له عدا ما استشهد به علیه من سرایة القبح و الحسن من المعنی إلی اللفظ مع أنّها لازم أعم لأنّ السرایة معقولة أیضا بناء علی کون اللفظ علامة علی المعنی ألا تری أنّ العلم المنصوب لاعلام العزاء یوجب الحزن مع أنّه لاتنزیل فیه.

وبالجملة الارتباط المذکور بین اللفظ و المعنی و بین العلم المنصوب لاعلام العزاء أو لحدّ الفرسخ او غیر ذلک یکون من الملازمات الاعتباریة و من المعلوم أنّ حکم الملازمة الاعتباریة کحکم الملازمة الواقعیة فکما انّ الانتقال من أحد المتلازمین الواقعیین إلی الآخر من جهة الملازمة الواقعیة لامن جهة التنزیل و الهوهویة کذلک فی الملازمة الاعتباریة.

وعلیه فما حکی عنهم من جعل اللفظ وجوداً لفظیا للمعانی محمول علی العنایة نعم من آثار الارتباط و الاختصاص بین اللفظ و المعنی هو المرآتیة و الحکایة عن المعنی ولکنّها لیست هی غیر الدلالة الفعلیة کما لایخفی.

المقام الثانی: فی أقسام الوضع

1 - الوضع باعتبار نفس اللفظ ینقسم إلی أربعة

الأوّل: أن یلاحظ الواضع طبیعة لفظ معیّن بمادّته و هیأته ثمّ یضعها بإزاء المعنی بحیث لایحتاج فی تعیین مصادیقه للمعنی إلی وضع آخر و ذلک واقع شائع فالوضع حینئذٍ باعتبار اللفظ عامّ و الموضوع و هو نفس اللفظ أیضاً عامّ.

ص:16

الثانی: أن یلاحظ الواضع مصادیق طبیعة اللفظ المعیّن بمادّته و هیأته بواسطة نفس طبیعة اللفظ ثمّ یضع خصوص مصادیقها للمعنی حینئذٍ یکون الوضع عامّاً و الموضوع خاصّاً و هذا غیر واقع إذ لاحاجة إلیه بعد إمکان الأوّل.

الثالث: أن یلاحظ شخص لفظ خاصّ و یضعه للمعنی فالوضع خاصّ و الموضوع أیضاً خاصّ و هو فاسد فإنّ لازمه هو عدم وضع سائر أفراد طبیعة اللفظ و إنّما تکون مشابهة للموضوع و الموضوع لفظ خاصّ من هذه الطبیعة و هو کما تری.

الرابع: أن یلاحظ الواضع شخص لفظ خاصّ ثمّ یجعله وجهاً للطبیعة الکلّیّة من هذا اللفظ ثمّ یضع الطبیعة الکلّیّة للمعنی فیکون الوضع خاصّاً و الموضوع عامّاً و هو غیر ممکن لأنّ الشخص لایحکی إلّا عن حصّة من الکلّیّ و علیه فلا یکون وجهاً للطبیعة الکلّیّة فالوضع الشائع هو القسم الأوّل فمن یسمّی ابنه علیّا یری طبیعة لفظ علیّ بمادّته و هیأته ثمّ یضعها لابنه.

2 - الوضع باعتبار المعنی یقسّم أیضاً إلی أربعة: فإنّ الواضع إمّا أن یلاحظ طبیعة المعنی العامّ و یضع اللفظ فی قباله کأسماء الأجناس و إمّا یلاحظ هیأة شخص خاصّ و یضع اللفظ له کأسماء الأعلام و الأشخاص و لاریب فی وقوعهما و شیوعهما.

و إمّا یلاحظ الواضع طبیعة المعنی العامّ و یضع اللفظ فی قبال مصادیق تلک الطبیعة و هو أمر ممکن لأنّ العامّ من وجوه المصادیق و معرفة وجه الشیء معرفته بوجه.

فالوضع حینئذٍ یکون عامّاً و الموضوع له خاصّاً و یصیر من المشترکات اللفظیّة لأنّ المشترک اللفظیّ عبارة عن کون لفظ واحد موضوعاً لمعانی متعدّدة سواء کان بوضع واحد أو بأوضاع متعدّدة.

و إمّا یلاحظ الخاصّ و یرید أن یضع اللفظ للعامّ و لکنّه غیر ممکن فإنّ الخاصّ بما هو خاصّ لایمکن أن یکون وجهاً للعامّ و لا سائر الأفراد لأنّ الخاصّ حصّة من العامّ و لاغیر.

ص:17

3 - ربما یشکل فی إمکان القسم الثالث من أنحاء أقسام الوضع باعتبار المعنی بأنّ عنوان العامّ کالإنسان لایحکی إلّا عن حیثیّة الإنسانیّة دون ما یقارنها من العوارض و الخصوصیّات لخروجها عن حریم المعنی و الحکایة فرع الدخول فی الموضوع له و الاتّحاد الخارجیّ بین حیثیّة الإنسانیّة و المقارنات لایصحّح حکایة عنوان العامّ عنها و إلّا لزم أن تکون الأعراض حاکیّة عن جواهرها و هو کما تری.

و بالجملة انّ المشخصّات غیر داخله فی مفهوم العامّ و علیه فکیف یحکی مفهوم العامّ عنها مع أنّ الحکایة فرع الدخول فلایمکن أن یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

ولکن یمکن أن یقال: إنّ الفردیّة للعامّ تتحقّق بنفس تحصّص الطبیعة من دون حاجة إلی المشخّصات و العوارض و لو کانت غیر منفکّة عن الحصص و اللازم فی الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ هو ملاحظة الحصص المحقّقة فی الخارج دون سائر المشخصّات و الجامع الکلّیّ الذی یحکی عن حصصه یکفی للحکایة عن الحصص لأنّه وجهها.

4 - و من مصادیق القسم الثالث الوضع فی المعانی الحرفیّة و أسماء الإشارات و الموصولات.

لأنّ المعانی الحرفیّة جزئیّات حقیقیّة ربطیّة مصداقیّة متحقّقة بتبع الطرفین و لیس لها کالمعانی الاسمیّه جامع کلّیّ ینطبق علی أفراده و إلّا لزم الخلف فی اندکاکیّتها و علیه فالوضع فیها یکون من باب الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ خلافاً لما ذهب إلیه فی الکفایة حیث جعل الإسم و الحرف متّحدان فی المعنی و الآلیّة و الاستقلال من أنحاء الاستعمال مع أنّ الآلیّة و الاستقلالیّة من ذاتیّات المعانی و الفرق بین الإسم و الحرف فرق جوهریّ و ذاتیّ و لیس من ناحیة الاستعمال لأنّ المعانی الحرفیّة معان مندکّة فی الأطراف دون المعانی الإسمیّة و هکذا الأمر بالنسبة إلی أسماء الإشارة.

ص:18

فإنّها إمّا موضوعة لنفس الإشارة أی إیجادها إلی الحاضر من دون کون المشار إلیه داخل فی معناه و إن توقّفت الإشارة علی حضور المشار إلیه حقیقة أو حکماً کتوقّف الإشارة الخارجیّة بالأصبع و نحوها علی حضور طرف الإشارة.

و مثلها أسماء الضمائر فإنّها وضعت لنفس الإشارة إلی الغائب أو إلی المخاطب أو إلی المتکلّم و مجرّد توقّفها علی الطرف الغائب أو المخاطب أو المتکلّم لایکون دلیلاً علی دخول الأطراف فی حقیقتها ففی الصور المذکورة أعنی وضع أسماء الإشارة أو أسماء الضمائر لنفس الإشارة یکون الوضع فیها کالوضع فی المعانی الحرفیّة لأنّ الإشارة الموجدة بأسماء الإشارة أو أسماء الضمائر جزئیّة. فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ.

و إمّا موضوعة لنفس المعانی عند الإشاره الخارجیّة أو الذهنیّة فالأمر أیضاً کذلک فإنّ المعانی المشار إلیها معان جزئیّة و یکون الوضع فیها عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

و مما ذکر یظهر: حکم أسماء الموصولات أیضاً فإنّها إمّا موضوعه لإیجاد الإشارة إلی المبهم المتعقّب بصفة ترفع الإبهام و من المعلوم أنّ الإیجاد لیس بکلّیّ بل جزئیّ.

و إمّا موضوعة لنفس المبهم المتعقّب بالصفة مع الإشارة فیکون المشار إلیه جزئیاً و علی کلّ تقدیر یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً.

5 - ذهب صاحب الکفایة إلی أنّ الجمل الإنشائیّة و الجمل الإخباریة کلتیهما متّحدتین فی المعنی الموضوع له و المستعمل فیه و إنّما الاختلاف بینهما فی الدواعی فإنّ الدواعی فی الإنشائیّة هو إیجاد المعنی و فی الخبریّة هو الحکایة عن وجود المعنی ولکنّ الدواعی خارجة عن حریم المعنی.

و لایخفی علیک أنّ ما ذهب إلیه خلاف الوجدان فإنّه لو کان کذلک لاحتاج کلّ واحد منهما إلی قرینة معیّنة و لاتکون الجملة ظاهرة فی أحدهما بدون القرینة المعیّنة مع أنّا نری ظهور الجملة فی الخبریّة من دون حاجة إلی القرینة المذکورة و إرادة الإنشاء

ص:19

محتاجة إلی القرینة و لیس ذلک إلّا لکون الجملة المشترکة کقولنا بعت و أجرت موضوعة للإخبار و قصد الحکایة کما أنّ الجملة المختصّة بالإنشاء کقولنا اضرب و أکرم ظاهرة فی الإنشاء و قصد الإیجاد.

ثمّ إنّ الجمل الإنشائیّة حیث کانت آلة للإیجاد لا للحکایة کما هو المشهود و لذا لاتتّصف بالصدق و الکذب فالموجد بها لیس إلّا الجزئیّات کما توجد بالحروف و أسماء الإشارات النسب الجزئیّة و الإشارات الجزئیّة و علیه فلا مجازفة فی إلحاق الجمل الإنشائیة بأسماء الإشارات و الضمائر و المعانی الحرفیّة فی کون الوضع فیها عامّاً و الموضوع له خاصّاً إذ حقیقة ما یوجد بها معان جزئیّة و لا حکایة للجمل الإنشائیّة عن الموجود الخارجیّ حتّی یصحّ باعتبار ذلک توصیفها بالصدق و الکذب نعم تدلّ الجمل و الصیغ الإنشائیّة بدلالة الاقتضاء علی أنّ المتکلّم بها مریداً لما أوجده بها و لکن من المعلوم أنّ هذه الدلالة دلالة الاقتضاء التی حکم بها العقل و لاتکون مستفادة من اللفظ حتّی تکون الجملة حاکیّة عنها بل یمکن أن یقال إنّ الجمل الخبریّة و إن کانت حاکیّة ولکن وضع هیأتها یکون من باب الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ لأنّ الحکایة التی تکون داخلة فی حریم المعنی لیست معنا مستقلاً کمعانی الأسماء بل هی أمر کالمعانی الحرفیّة و لذا لایلتفت المخبر إلی نفس الحکایة بل یلتفت إلی المخبر به فنفس الحکایة کالإشارة من الجزئیّات و المفروض أنّ وضع هیأة الجمل الخبریّة لنفس الحکایة فالوضع فیها أیضاً عامّ و الموضوع له خاصّ.

ص:20

الأمر الثالث: فی مصحّح الاستعمالات المجازیّة

1 - حسن الاستعمالات المجازیّة تابع للطبع لا للوضع لشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فیما یناسب ما وضع له ولو مع منع الواضع عنه و استهجان الاستعمال فیما لایناسبة ولو مع ترخیص الواضع و لغفلة الواضع کثیراً مّا عمّا یناسب ما وضع له فلا معنی لأن یکون حسن الاستعمال تابعاً لوضع الواضع و لأنّه لو کان حسن الاستعمال بالوضع لزم أن یکون المهملات التی ارید بها النوع أو الصنف أو المثل فی مثل «دیز مهمل» موضوعة مع أنّها لیست بموضوعة.

و لأنّه لو احتاج الاستعمال المجازیّ إلی إجازة الواضع و وضعه شخصاً أو نوعاً لم یکن ذلک الاستعمال استعمالاً مجازیّا بل کلّ مورد مع الوضع فیصیر الألفاظ مشترکة لفظیّة و هو کما تری.

ربما یقال لا مجال للنزاع المذکور بعد إمکان الالتزام بما نسب إلی السکّاکیّ لأنّ التصرّف حینئذٍ یکون فی الأمر العقلیّ و هو جعل ما لیس بفرد للمعنی فردا له ادّعاء و علیه فاللفظ لایستعمل فی غیر معناه حتّی یکون مجازاً فی الکلمة.

واُجیب عنه بأنّ کلام السکّاکیّ کان أوّلاً فی خصوص الاستعارة لا عموم المجازات و ثانیاً أنّه لیس باستعمال حقیقیّ إذ الاستعمال الحقیقیّ هو الذی یکون الدلالة فیه علی

ص:21

المعنی بنفسه لا بالقرینة و علی ما ذهب إلیه السکّاکیّ لیست الدلالة بنفسه و علیه فللنزاع فی کون حسن الاستعمال من جهة الوضع أو الطبع باق علی حاله.

ربما یقال إنّ صاحب الوقایة ذهب فی عامّة المجازات إلی أنّ الألفاظ لم یستعمل إلّا فیما وضع له غایة الأمر ما هو المراد استعمالاً غیر ما هو مراد جدّاً. و علیه فاللفظ مستعمل فی معناه الموضوع له و لا مجال للنزاع المزبور.

وفیه أوّلاً: أنّ ما ذکره لا یعمّ جمیع المجازات لعدم الإرادة الاستعمالیّة للمعنی الموضوع له فی استعمال اللفظ فی النوع و الصنف أو المثل فضرب مثلاً فی قولنا: «ضَرَبَ فعل ماض» استعمل فی النوع لا فی معناه الموضوع له و إلّا لما کان مبتدأ إذ الأفعال لاتصلح لأن تکون مبتدأ مع أنّ استعمال اللفظ فی النوع أو الصنف أو المثل من الاستعمالات المجازیّة.

وثانیاً: أنّ ذلک نحو تصرّف فی اللفظ إذ اللفظ الموضوع لمعنی لو خلّی و طبعه لانطبق علی مصادیقه الحقیقیّة و کانت مرادة بالارادة الجدیة فصرف اللفظ عن هذا الطبع یوجب خروج اللفظ عمّا یقتضیه طبع الوضع و لذا تحتاج إلی القرینة و من المعلوم أنّ کلّ دلالة تحتاج إلی القرینة لیست بدلالة حقیقیّة و بالجملة للنزاع المذکور مجال سواء قلنا بالتصرّف فی ناحیة المراد کما ذهب إلیه صاحب الوقایة أو قلنا بالتصرّف فی ناحیة المستعمل فیه کما ذهب إلیه السکّاکیّ أو قلنا بالمجاز فی الکلمة کما ذهب إلیه المشهور لأنّ کلّها موجب للخروج عن طبع الوضع.

2 - إنّ المراد من الطبع الذی یکون من مصحّحات الاستعمالات المجازیّة هو طبع نوع المستعملین فی کلّ لغة لا بعض الآحاد و الشواذّ و هو یعرف باستقراء استعمالات و النظر فی الطریقة الجاریة فی المحاورات.

ص:22

3 - لا دلیل علی حصر العلاقات فی المذکورات فی علم المعانی و البیان لإمکان زیادة علاقة اخری یحسنها طبع نوع المستعملین. ثمّ إنّه قد یکون نوع العلاقة و مع ذلک لا یحسن الاستعمال ألا تری أنّ علاقة الکلّ و الجزء من العلاقات و مع ذلک لایجوز استعمال الرجل مکان الید و یقال «علی الرجل ما أخذ حتّی یؤدّی» مع أنّه یصحّ ان یقال «علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی» فمنه یعلم أنّ مجرّد وجود نوع العلاقة لایکفی بل یحتاج المورد إلی استحسانه من نوع المستعملین کما لایخفی.

4 - إنّ الاستعمالات الکنائیّة تکون من المجازات و إن استعمل اللفظ فی مواردها فیما وضع له إذ المقصود بالأصالة منها لیس معانیها الحقیقیّة و لذا تحتاج إلی القرینة و من جملتها استعمال المرکّبات مع إرادة المعانی المجازیّة کاستعمالهم: «أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر اخری» فی من تردّد فی الأمر و لم یعزم علی شیء فإنّ معناه الحقیقیّ هو الإخبار عمّن یکون فی الخارج کذلک و استعماله فی المتردّد فی الاُمور محتاج إلی القرینة و قد عرفت أنّ کلّ دلالة محتاجة إلی القرینة لیست بدلالة حقیقیّة. و ممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه للاستدلال بمثل المرکّبات المذکوره علی کون الاستعمال فیما إذا انطبق المعنی علی الفرد الادّعائیّ حقیقیّاً.

ص:23

ص:24

الأمر الرابع: فی استعمال اللفظ فی اللفظ

1 - استعمال اللفظ فی النوع أو الصنف أو المثل أمر ممکن یحسن عند طباع المستعملین کقولنا «ضَرَبَ فعل ماض» و من المعلوم أنّ المسند إلیه و المبتدأ لیس هو الفعل إذ الفعل لایخبر عنه و لایسند إلیه بل المراد منه هو نوع من ضَرَبَ لاجنسه بقرینة محموله و اللفظ مستعمل فیه.

وهکذا یصحّ أن نقول «انّ زیداً الواقع بعد فعل اسند إلیه کقولنا ضَرَبَ زیدٌ فاعل» و «زیداً الواقع بعد فعل یقع علیه نحو ضَرَبتُ زیداً مفعول» و لیس ذلک إلّا استعمال لفظ الزید فی صنف من زید.

و أیضاً یصحّ استعمال اللفظ فی مثل الملفوظ و لعلّ من هذا الباب القراءة للقرآن الکریم فإنّها حکایة عن مثل ما تلفّظ به و نزل علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و یلحق بقراءة القرآن قراءة الأشعار و نحوها لأنّها من هذا الباب إلّا إذا أنشدها ارتجالاً.

2 - هل یجوز استعمال اللفظ فی نفسه أم لا؟ ذهب فی الفصول إلی أنّه غیر معقول لاتحاد الدالّ و المدلول و اجیب عنه بکفایة التعدّد الاعتباریّ حیث أنّ اللفظ من حیث أنّه صادر عن لافظه دالّ و من حیث أنّ نفسه مراد کان مدلولاً.

ص:25

اورد علیه بأنّ عنوان الصادریّة و ما قاربها أمر منتزع بعد صدور اللفظ فکیف یکون أمرا مصحّحا للاستعمال الواقع قبله.

هذا مضافاً إلی أنّه یستلزم الجمع بین اللحاظین المختلفین فی شیء واحد لأنّ اللفظ عند الاستعمال لایلاحظ إلّا آلیّا و المعنی حیث لایراد إلّا استقلالیّاً لزم أن یکون نفس اللفظ أیضاً مقصودا استقلالیّاً فیجتمع اللحاظ الآلیّ و الاستقلالیّ فی لفظ واحد و هو نفس اللفظ.

و علیه فقد یقال یرجع استعمال اللفظ فی نفسه إلی إیجاد صورة الموضوع فی ذهن السامع لینتقل منه إلی نفس الموضوع وفیه ان حمل بعض الاطلاقات علی باب الالقاء غیر شائع و یمکن أن یقال کما فی تعلیقة الإصفهانیّ بأنّ المتکلّم فی مثل «زید ثلاثیّ» تصوّر الموضوع و المحمول و المراد من تصوّر الموضوع تصوّر ماهیّة اللفظ الموضوع الذی یکون متعلّقاً للإرادة و الشوق و حیث أنّ ماهیّة اللفظ غیر الوجود الخارجیّ و الذهنیّ فالمتکلّم استعمل اللفظ الخارجیّ الموجود أو اللفظ الذهنیّ الموجود فیه فی الماهیّة المتصوّرة و یقول زید لفظ أو زید ثلاثیّ.

فالاستعمال فی المقام کسائر الاستعمالات استعمال فی المعنی و هو ماهیّة اللفظ و لا شاهد للتفرقة بین استعمال اللفظ فی نفسه و سائر الاستعمالات بعد امکان تصوّر المعنی بالوجه المذکور فالاستعمال فی نفس اللفظ أمر ممکن بل شائع و بابه باب الاستعمال للمغایرة الموجودة بین الوجود الخارجیّ أو الذهنیّ و بین الماهیّة المتصوّرة فی الذهن فلایلزم من استعمال الوجود الخارجیّ لللفظ فی الماهیّة المتصوّرة منه اتحاد الدالّ و المدلول و لا ملزم لإرجاع الاستعمال إلی الإیجاد أو إلقاء صورة الموضوع مع فرض إمکان الاستعمال بمعناه الجاری فی سائر المقامات و لایلزم اجتماع اللحاظین المختلفین فی شیء واحد بعد تعدّد الدالّ و المدلول فلاتغفل.

ص:26

الأمر الخامس: فی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی

1 - و لایخفی علیک أنّ الموضوع له للألفاظ هو نفس المعانی الواقعیّة من دون تقیّدها أو تقییدها بشیء آخر کالإرادة لما عرفت من أنّ الوضع هو تعیین اللفظ فی مقابل نفس المعنی و اعتبار الاختصاص والارتباط بینهما ممّن یعتنی بوضعه و اعتباره و یشهد لذلک انسباق نفس المعانی من الألفاظ الموضوعة عند سماعها من ناطق بها من دون حاجة إلی احراز إرادة تلک المعانی و علیه فلا دخالة لشیء آخر بنحو من الأنحاء کالإرادة و العلم و نحوهما فی الموضوع له فلفظ الماء مثلاً یدلّ علی نفس المائع السیّال الخاصّ لا المائع المعلوم أو المائع المراد أو المائع المقصود و إن سلّمنا أنّ غرض الواضع هو قصد التفهیم و إبراز المقاصد بالألفاظ لا خطور المعنی کلّما یخطر اللفظ ولو بسماع من لافظ بلا شعور فالغرض هو تهیئة مقدّمات التفهیم و إبراز المقاصد و هذا الغرض بضمیمة أصالة الحقیقة و غیرها یتمّ من دون حاجة إلی الالتزام بکونه دخیلاً فی قوام الوضع و حقیقته.

فالإرادة سواء کانت بمعناها الحرفیّ أو الاسمیّ لادخل لها فی المعنی الموضوع له کما لادخل للتصوّر أو العلم فیه و غرض المتکلّم أیضاً من التکلّم هو إفادة ذوات المرادات لا بما هی مرادات بل بما هی نفس الحقائق و یشهد له غفلة المتکلّم و السامع عن مرادیّتها فی کثیر من الأحیان کما لا یخفی.

ص:27

و حمل مرادیّة المعانی علی ما ذهب إلیه صاحب الدرر فی حقیقة الوضع من التزام الواضع و من تبعه بأنه متی أراد المعنی الخاصّ و تعلّق غرضه بإفهام الغیر ما فی ضمیره تکلّم باللفظ الکذائیّ مندفع بما مرّ فی بیان حقیقة الوضع من أنّه لا حاجة إلی الالتزام المذکور بعد إمکان اعتبار الاختصاص و الارتباط بنفس تعیین الواضع لفظاً لمعنی معیّن و جریان أصالة الحقیقة و أصالة تطابق الإرادة الجدّیّة مع الإرادة الاستعمالیّة.

2 - إنّ الدلالة الفعلیّة علی قسمین أحدهما التصوّریّة و ثانیهما التصدیقیّة و الدلالة التصوّریّة لا تتوقّف إلّا علی العلم بالوضع و لا دخل للإرادة فیها و لذا إذا سمع اللفظ الموضوع من الساهی أو النائم دلّ علی معناه بالدلالة التصوّریّة إذ الدلالة التصوّریّة الفعلیّة لیست إلّا الانتقال من اللفظ إلی المعنی و هو حاصل بالسماع من دون حاجة إلی إرادة المتکلّم الإفهام أو التفهیم من استعماله.

وممّا ذکر یظهر صحّة ما نسب إلی المعروف و المشهور من أنّ الدلالة الفعلیّة التصوّریّة تابعة للوضع لا للإرادة و أنّ الدلالة التصدیقیّة الفعلیّة تتوقّف علی الإرادة التصدیقیّة کدلالة هیأة الجملة الاسمیّة کقولنا زید قائم و الفعلیّة کقولنا قام زید علی النسبة التامّة الخبریّة إذ المقصود من الجمل التامّة إلقاء المعنی أی النسبة إلی المخاطب لیصدّق بوقوعها کما یدلّ ظاهرها علی تصدیق المتکلّم بها ما لم یقرن قرینة علی الخلاف و لکن الدلالة التصدیقیّة الفعلیّة متأخّرة عن الوضع برتبتین و هی الوضع و العلم به و اشتراط شیء فی المتأخّر لایوجب دخله فی المتقدم.

3 - ثمّ إنّ الإفهام و التفهیم من أفعال المتکلّم و هما علی قسمین تصوّریّ و تصدیقیّ. و التصوّریّ متوقّف مضافاً إلی العلم بالوضع علی إرادة الاستعمال بنیّة الإفهام التصوّریّ فإنّ الإفهام لایتحقّق إلّا باللفظ الموضوع المستعمل و من المعلوم أنّ الاستعمال

ص:28

لایتحقّق بدون قصد المتکلّم و التصدیقیّ من الإفهام یتوقّف مضافاً إلی ذلک علی الإرادة التصدیقیّة کما هو ظاهر هیأة الجمل الفعلیّة و الاسمیّة التامّة إلا أنّ الإفهام و التفهیم أیضاً متأخّران عن الوضع فتوقّفهما علی إرادة الاستعمال فی التصوّریّة و علی الإرادة الجدّیّة فی التصدیقیّة لایستلزم مدخلیّة الإرادة فی الوضع أو الدلالة التصوّریّة الفعلیّة لأنّ مدخلیّة شیء فی المتأخّر لایوجب اعتباره فی المتقدّم فلاتغفل.

4 - فالمحصّل من نفس الوضع هو الدلالة التصوّریّة التی توجب إحضار المعانی فی الأذهان و أمّا دلالة اللفظ علی کون ذلک مراد المتکلّم فهی محتاجة إلی أمر آخر کأصالة الحقیقة و أصالة تطابق الإرادة الاستعمالیّة مع الإرادة الجدّیّة فحمل اللفظ علی کونه مراداً للمتکلّم یحتاج إلی جریان أصل آخر و لایستفاد من الوضع حتّی یعدّ من القواعد الوضعیّة.

5 - و من ثمرات المبحث المذکور أنّه إن قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للمعانی المرادة فإذا انتفی المرادیّة بوجه من الوجوه صارت الألفاظ مجازاً لانتفاء المرکّب بانتفاء أحد أجزائه و لذلک قال فی تحریر الاُصول أنّه إذا استعمل اللفظ فی المعنی بقصد التفهیم کان ذلک علی وفق الوضع و کان حقیقة و إذا استعمل فیه لا بهذا الوجه و من دون هذا القصد کان مجازاً لاستعماله فی غیر المعنی الموضوع له.(1)

ص:29


1- (1) تحریر الاُصول، ج 1، ص 51.

ص:30

الأمر السادس: فی وضع الهیأة قائمة علی المرکّبات

1 - إنّ المرکّبات لها هیأة اخری وراء هیآت مفرداتها تدلّ باعتبارها علی معانٍ تصدیقیّة و هی غیر مدالیل المفردات کزید و قائم فی زید قائم فإنّ المفردات مع قطع النظر عن هیأة القضیّة المرکّبة التامّة لاتدلّ إلّا علی المعانی التصوّریّة و مفاد القضیّة المرکّبة التامّة هو الهوهویّة التصدیقیّة کزید هو القائم و القائم هو الزید أو النسب التصدیقیّة فی مثل القضایا الشرطیّة کالحکم بترتّب وجود النهار علی طلوع الشمس فی مثل قولهم «إن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود».

أو الفوائد الخاصّة کحصر الموضوع فی المحمول أو بالعکس و مثل قولنا إنّما زید قائم أو إنّما قائم زید أو غیر ذلک من المعانی التصدیقیّة التی لاتدلّ علیه المفردات مع قطع النظر عن الهیأة الترکیبیّة و خصوصیّاتها و هو شاهد علی کون هذه الاُمور مستفادة من هیأة المرکّبات التامّة و علیه فدعوی الوضع الآخر لهیأة المرکّبات بما هی زائدة علی مفرداتها مادّة و هیأةً لإفادة المعانی التصدیقیّة أمر یشهد له الوجدان السلیم و من الممتنع عادة عدم وضع لفظ لتلک المعانی التصدیقیّة فی اللغات الرائجة فی أقطار الأرض مع کثرة الابتلاء بها.

ص:31

2 - إنّ الهیآت المفیدة للمعانی التصدیقیّة قائمة علی المرکّبات و لیست متّحدة مع هیأة المفردات لأنّ هیأة المفردات قائمة بموادّها و هیأة المرکّبات قائمة بالمجموع فاختلاف المحلّ شاهد علی اختلاف الهیأتین.

فهیأة المرکّبات غیر هیأة المفردات و اختلافهما یوجب اختلاف المدالیل فمدالیل المفردات بمادّتها و هیأتها هی مدالیل تصوّریّة بخلاف مدالیل هیأة المرکّبات فإنّها مدالیل تصدیقیّة فلکلّ وضع علی حدة فلایکفی وضع کلّ واحد منهما عن الآخر.

3 - ممّا ذکر یظهر أنّ المراد من هیأة المرکّبات هیأتها القائمة علی القضیّة المرکّبة دون موادّ المفردات و الهیآت المختصّة بها و علیه فلا وجه لتفسیر هیأة المرکّبات بهیأة مجموعها من الموادّ و هیآت المفردات و الهیآت القائمة علی القضیّة المرکّبة بمعنی أنّ لقضیّة زید قائم وضعا آخر یکون لفظ زید بمنزلة جزء الکلمة فی ذلک الوضع إذ وجدان کلّ أحد یشهد ببطلان هذا الکلام مضافاً إلی لزوم اللغویّة و التکرار.

فهیأة المرکّبات العارضة علی القضیّة المرکّبة أمر وراء وضع المفرد و هیأته و لایستغنی عنها إذ وضع المفردات و هیأتها لایفی بصدق القضیّة التامّة التی یصحّ السکوت علیها لأنّ معانی المفردات معانٍ تصوّریّة و تعدّد المعانی التصوّریّة لایستلزم القضیّة التامّة التی یصحّ السکوت علیها.

فتحصّل أنّ فی المرکّبات أوضاعا متعدّدة أحدها وضع المفردات بمادّتها وضعا شخصیّاً إن کانت من الجوامد و وضعا نوعیّاً إن کانت من المشتقّات و ثانیها وضع هیآت المفردات وضعا نوعیّاً و ثالثها وضع هیآت المرکّبات علاوة علی وضع المفردات بمادّتها و هیأتها المختصّة بالمفردات و هی التی تفید المعانی التصدیقیّة.

4 - و لایخفی علیک أنّ الأوضاع الثلاثة المذکورة فی القضایا لاتختصّ بالقضایا الخبریه کزید قائم بل هی محقّقة فی القضایا الإنشائیّة کقولنا اضرب زیداً إذ لا وجه له

ص:32

بعد کون اضرب مرکّباً من الفعل و الفاعل و لیس بمفرد و هو بعث للمخاطب نحو الضرب و یکون فی قوّة أن یقال أبعثک نحو الضرب فالقضیّة مرکّبة تامّة لصحّة السکوت علیها کما لا وجه لتخصیصها بالقضایا الاسمیّة لأنّ قولنا ضرب زید إن لوحظ کلّ جزء منه منحازاً عن جزء آخر فهو لیس بجملة تامّة و لایصحّ السکوت علیه و ان لوحظ کلّ جزء منه مرتبطا مع الآخر فهو جملة تامّة کالجملة التامّة الاسمیّة و لا فرق بینهما فی إفادة المعانی التصدیقیّة التی توجب صحّة السکوت علیها.

ص:33

ص:34

الأمر السابع: فی علائم الحقیقة و المجاز

اشارة

1 - علائم الحقیقة والمجاز متعدّدة؛ منها: تنصیص الواضع کالآباء بالنسبة إلی أسامی أولادهم أو الحکومة بالنسبة إلی أسامی الشوارع أو الأذقّة أو المخترعین بالنسبة إلی أسامی ما اخترعوه لأنّهم هم الواضعون ویکونون أعرف بفعلهم من غیرهم.

ومنها: النقل المتواتر لکیفیّة الوضع فإنّ التواتر یفید العلم وهو حجّة بل یلحق به الشیاع المفید للعلم. ربما یقال: إنّه لا مناقشة فیه إلّا فی وجوده ولکنّه لا وقع لها بعد ملاحظة کثرة الألفاظ التی تکون کذلک کلفظة الماء والتراب والبرد والحرّ والجنّ والإنس وغیره. فیما اذا استندوا فی معانیها للمستعلم بالإخبار عن الوضع لابالتبادر و غیره.

ومنها: تنصیص مهرة الفّن کقول اللغویّ إذا کان خبرة تشخیص الحقیقة والمجاز والدلیل علیه هو بناء العقلاء علی حجّیّة قول أهل الخبرة لا الانسداد إذلا انسداد مع وجود الطرق الاُخر و لاالخبر الواحد لتقییده بالعدالة والتعدّد أللّهم إلّا أن یقال دلیل اعتبار أخبار الآحاد هو بناء العقلاء والبناء ثابت علی حجّیّة أخبار الثقات و لاملزم لاعتبار العدالة و لادلیل علی اعتبار التعدّد إلّا فی بعض الأبواب کباب الشهادة والتمسّک بموثّقة مسعدة بن صدقة «الأشیاء کلّها علی ذلک حتّی تستبین أو تقوم بها البیّنة... الحدیث» لاعتبار التعدّد منظور فیه لاحتمال أن یکون المقصود من البیّنة هو معناها اللغویّ لا معناها الاصطلاحیّ فحینئذٍ یصح الاعتماد علی أخبار الثقات فی

ص:35

تعیین معنی اللغة ولکن الإشکال فیه أنّه لیس بنفسه علامة للحقیقة والمجاز بل یرجع إلی سائر العلائم کالتبادر عند المستعملین أو تنصیص الواضع أو غیرهما وعلیه فلا یکون أخبار الثقات فی عداد سائر العلائم هذا بخلاف ما إذا کان حجّیّته من باب کونه من أهل الخبرة فإنّه حینئذٍ یکون فی عداد سائر الطرق و لاحاجة إلی العدالة و لاإلی التعدّد فی الرجوع إلی المتخصّص کما لا یخفی. ثمّ إنّ تنصیص أهل الخبرة حجّة تعیینیّة مادام لم یعارضه قول مثله وإلّا فإن أمکن الجمع تعیّن وإلّا فإن کان التعارض بین النفی والإثباب تعیّن القول بالإثبات ما لم ینقضه الآخر بما یترجّح به علیه لأنّ مرجع الإثبات إلی الاطّلاع ومرجع النفی إلی عدم الاطّلاع غالباً وإلّا فالتعویل عند العقلاء علی ما کان الظنّ معه أقوی کالمعتضد بالشهرة أو بأکثریّة اطّلاع نقلته أو حذاقتهم أو نحو ذلک.

أمّا ولو تعارض أقوال مهرة الفنّ من دون ترجیح لأحد المتعارضین علی الآخر فالحکم هو التساقط کما هو القاعدة فی تعارض الأمارات والطرق. أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ التساقط مع التعارض و عدم الترجیح فیما إذا کان المقصود من المراجعة إلی الأمارات والطرق هو إدراک الواقع لا الأخذ بالحجّة وإلّا فالحکم هو التخییر کما نقول به فی تعارض أقوال أصحاب الفتاوی وذلک للفرق بین أخبار العدول والثقات وبین الأخذ بالفتوی فإنّ المقصود فی الأوّل هو الأخذ بجمیعها لإدراک الواقع بخلاف الثانی فإنّ الاخذ بجمیع الفتاوی لیس بواجب وإنّما الواجب هو الأخذ بفتوی واحد منهم لتحصیل الحجّة.

وهکذا نقول فی المقام: إنّ المقصود من الرجوع إلی أهل الخبرة هو الأخذ بالحجّة وهی حاصلة بالأخذ بقول واحد منهم ولیس المقصود هو الأخذ بأقوال جمیع أهل

ص:36

الخبرة کما لایخفی وعلیه فمفاد أدلّة حجّیّة أقوال أهل الخبرة فی اللغات هو الحجّیّة التخییریّة عند التعارض وعدم الترجیح.

ثمّ إنّ ظاهر الفصول هو تقیید جواز الرجوع إلی أهل الخبرة بما اذا لم یکن طریق آخر کالتبادر إلی معرفة حقایق الألفاظ ومجازاتها وإلّا فلا سبیل إلی التعویل فیه علی النقل لأنّه فی حکم التقلید مع التمکّن من الاجتهاد.

وفیه أنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یتوقّف الاجتهاد علی الفحض والتتبّع والمؤنة وإلّا فیجوز الرجوع فی المقام علی قول أهل الخبرة کما یجوز لمن تمکنّ من الاجتهاد أن یقلّد فیما لم یجتهد بداعٍ من الدواعی.

ومنها: الاستعمال المجرّد عن قرائن المجاز فإنّه شاهد علی أنّ المستعمل فیه هو الحقیقه وإلّا لزم أن یکون الاستعمال المذکور غلطاً وهو لا یناسب حکمة المستعمل (بکسر المیم).

وعلیه فإذا راینا لفظاً استعمل فی المحاورات العرفیّة فی معنی من دون ضمّ قرینه المجاز إلیه کان ذلک شاهداً علی أنّ معناه هو ذلک وحینئذٍ إن لم نحتمل النقل فنحکم بکونه موضوعاً له وأمّا مع احتمال النقل فنحکم بذلک بضمیمة أصالة عدم النقل.

و لافرق فیما ذکر بین کون موارد الاستعمال متّحداً أو متعدّداً ونحکم فی صورة التعدّد بالاشتراک اللفظیّ بین المعانی المتعدّدة.

و لاضیر فی ذلک احتیاج کلّ واحد إلی القرینة المعیّنة فإنّها لیست قرینة المجاز ولعلّ طریقة أئمّة اللغة ونقلة المعانی هی ذلک فعن ابن عباس الاستناد فی معنی الفاطر إلی مجرّد الاستعمال وکذا عن الاصمعیّ فی معنی «الدهاق» فکذا الحال فیمن عداهم فإنّهم لا زالوا یستشهدون فی إثباتها إلی مجرّد الاستعمالات الواردة فی الأشعار وکلمات

ص:37

العرب ویثبتون المعانی اللغویّة بذلک و لازالوا ذلک دیدناً لهم من قدمائهم إلی متأخّریهم کما لا یخفی علی من له أدنی خبرة بطریقتهم.

ولذلک لا مانع من أن یقال إنّ الأصل فی الاستعمال هو الحقیقه فیما إذا لم یکن مصحوباً بقرینة من القرائن وعلائق المجازیّة وإلیه مال العلاّمة الشعرانیّ قدس سره فی حاشیة مجمع البیان.

وقد عرفت أنّ مقتضی الأصل المذکور هوالحقیقه من دون فرق بین کون موارد الاستعمال متّحده أو متعدّدة إذ ملاک الحمل علی الحقیقة هوصون الکلام عن الغلطیّة وهو موجود فی کلتا الصورتین فلاوجه لدعوی اختصاص الأصل المذکور بما إذا کانت موارد الاستعمال متّحدة کما فی هدایة المسترشدین.

والاستدلال لاختصاص الأصل المذکور بما إذا کانت موارد الاستعمال متّحدة بترجیح المجاز علی الاشتراک خروج عن محلّ الکلام لأنّ المفروض فیما إذا لم یکن الاستعمال مصحوباً بقرینة من قرائن المجاز و دار الأمر بین الاشتراک والغلط لخلوّ الاستعمال عن العلاقات المجازیّة فالاستعمال فی المتعدّد مع خلوّه عن قرائن المجاز شاهد الاشتراک صونا لکلام الحکیم عن اللغویّة والغلطیّة.

ثمّ إنّ ذلک الأصل لا یکون مشروطاً بالفحص والتتبّع عن موارد الاستعمال إلحاقاً له بالخطاب الشرعیّ حیث إنّه لا یکون دلیلاً للفقیه إلّا بعد بذل الجهد والفحص عن المعارض.

وذلک لأنّ الاستعمال المجرّد عن العلاقات المجازیّة لایحتاج فی شهادته علی کون المستعمل فیه هو الموضوع له لللفظ إلی التتبّع والتفحّص عن سائر موارد استعماله و قیاسه بالخطاب الشرعیّ فی غیر محلّه لأنّ حجّیّة الدلیل الاجتهادیّ متوقّفة علی الفحص والتتبّع عن المخصّص والمقیّد والشرط وغیره فلا یمکن الأخذ بمدلول الدلیل الاجتهادیّ

ص:38

إلّا بعد الفحص المذکور ولکن شهادة الاستعمال المجرّد فی المقام لا یتوقّف علی أیّ شیّ آخر کما لا یخفی فلا وجه لما فی الفصول من اشتراط ذلک الأصل بالتتبّع عن سائر موارد استعماله و ممّا ذکر یظهر أیضاً لزوم حمل ما اشتهر من أنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة والمجاز علی موارد اخری التی لاتکون اللفظ مجرّداً عن العلائق المجازیّة لما عرفت من أنّ المقام لا احتمال فیها للمجازیّة بعد فرض کونه خالیاً عن أیّ علاقة من العلائق المجازیّة فلا مورد لکون الاستعمال أعمّ من الحقیقة والمجاز بعد عدم احتمال المجازیّة کما لا یخفی.

وعلی ما حقّقناه فی المقام یظهر أنّ الأصل فی الاستعمال المجرّد عن العلائق المجازیّة هو الحقیقة و لاضیر فی التعبیر عن ذلک بأصالة الحقیقیة أیضاً لأنّه أحد معانی أصالة الحقیقة کما ربما یقال ویراد بها أنّ المتکلّم أراد المعنی الحقیقیّ فیما إذا علم المعنی الحقیقیّ تفصیلاً وجهل المراد فیحمل علی المعنی الحقیقیّ عند التجرّد عن القرائن والعلاقات المجازیّة لظهوره فیه ورجحانه ولأنّ مبنی المحاورات علیه فلاتغفل.

ومنها: التبادر وهو انسباق المعنی من حاقّ اللفظ فقطّ من دون حاجة إلی قرینة اخری حالیّة کان أو مقالیّة ومن المعلوم أنّه دلیل علی کون المعنی المذکور هو الموضوع له إذ لاسبب لهذا الانسباق إلّا الوضع بعد فرض عدم دخل قرینة اخری علی هذا الانسباق.

ولایذهب علیک أن التبادر المذکور لیس هو التبادر الإطلاقیّ الحاصل بمعونة مقدّمات الحکمة فإنّه لیس من حاقّ اللفظ ولذلک قالوا إنّ تبادر الوجوب النفسیّ والعینیّ والتعینیّ من إطلاق صیغة الأمر لیس علامة لکون الصیغة حقیقة فیها فإنّ تبادر الاُمور المذکوره لیس من حاقّ اللفظ بل مستفادة من مقدّمات الحکمة فالتبادر المذکور لیس علامة للحقیقة کما أن تبادر المعنی المجازیّ بسبب احتفاف اللفظ بالقرینه لا یکون دلیلاً علی الحقیقة وهذا هو الفرق بین المعنی الحقیقیّ والمجاز المشهور فإنّ فی الثانی

ص:39

لابدّ من ملاحظة الشهرة وهی قرینة علی التجوّز بخلاف المعنی الحقیقیّ فإنّ التبادر فیه لا یحتاج إلی القرینة وممّا ذکر یظهر الفرق أیضاً بین المنقول والمجاز المشهور فإنّ فی المنقول یتبادر المعنی من المنقول من دون حاجة إلی ملاحظة قرینة اخری بخلاف المجاز المشهور فإنّه یحتاج إلی ملاحظة الشهرة کما عرفت.

لایقال: إنّ التبادر المستفاد من حاقّ اللفظ مشترک بین الوضع التعیینیّ الذی یدلّ علی کون المستعمل فیه هوالموضوع له والوضع التعیّنیّ الذی لایکون وضعاً فی الحقیقة إذ الوضع علی ما عرفت هو تعیین اللفظ للمعنی و لاتعیین فی التعیّنیّ.

لأنّا نقول: إنّ تبادر المعنی من حاقّ اللفظ بضمیمة أصالة عدم النقل یکون دلیلاً علی أنّ المعنی المتبادر منه هو الموضوع له فی أصل الوضع وهذا الأصل من الاُصول العقلائیّة التی تثبت بها المعنی الأصلیّ کما أنّ السیرة قائمة علی إجراء أصالة عدم النقل فیما إذا شکّ فی أنّ المعنی شرعیّ أم لا.

هذا کلّه فیما إذا علم استناد التبادر إلی حاقّ اللفظ وأمّا مع احتمال وجود القرینة أو قرینیّة الموجود فالظاهر من الکلمات أنّ التبادر لا یکون علامة للحقیقة لعدم إحراز استناده إلی حاقّ اللفظ وعدم بناء علی أصل آخر لإحراز استناد المذکور نعم اکتفی فی هدایة المسترشدین بالظنّ بانتفاء القرینة کالظنّ بالاستناد وإن انضمّ إلیه بعض القرائن مستدلاًّ بوجود البناء علیه.

وفیه أنّ مورد البناء هوالظنون الحاصلة من حاقّ الألفاظ وأمّا إذا توسّط شیء آخر غیر الألفاظ کأصالة عدم القرینة أو عدم قرینیّة الموجود فهو متفرّع علی إحراز جریانه وهو أوّل الکلام.

ولکنّ الانصاف أنّ البناء علی عدم وجود القرینة عند الشکّ فی وجودها والأخذ بظهور اللفظ ثابت وإن احتمل استناد الظهور إلی القرینة.

ص:40

ولذلک لم یعطّل عرف العقلاء فی تشخیص معانی الألفاظ فیما إذا أخذ وهامن المستعملین بمجرّد احتمال وجود القرینة ولیس ذلک إلّا لجریان أصالة عدم القرینة عند الشکّ فیه کما نصّ علیه فی نهایة النهایة والفصول واُستاذنا المحقّق الداماد قدس سره ویشهد له ندرة العلم بالاستناد إلی حاقّ اللفظ فی استعمال أهل اللسان إذ احتمال الاستناد إلی القرینة موجود فی کثیر من الموارد فلو لم یکن بناء علی أصالة عدم القرینة لاختلّ الأمر فی تشخیص المعانی الحقیقیّة من طریق التبادر.

ثمّ إنّ التبادر وقع محل شبهة وإشکال من جهات مختلفة و أجابوا عنها منها أنّ التبادر موقوف علی العلم بالوضع فاذا کان العلم بالوضع موقوفاً علی التبادر لزم الدور و اجیب عنه بان المقصود ان علم الجاهل بالوضع موقوف علی تبادر المعنی من اللفظ عند العالم بالوضع فالموقوف علیه غیر الموقوف فلادور و منها ان التبادر مسبوق بالارتکاز وهو حاصل بالاستعمال المجرّد من أهل اللسان أو تنصیص الواضع أو تنصیص مهرة فنّ الحقیقة ومن المعلوم أنّ هذه الاُمور علائم الحقیقة قبل التبادر فلا تصل النوبة إلی أن یکون التبادر علامة للحقیقة مع أنّه لا یحصل إلّا بتقدم تلک الاُمور.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التبادر من اللوازم الخاصّة لوجود الحقیقة فإذا تحقّق التبادر کان ذلک ملازماً لوجود الحقیقة وعلیه فلا مانع من جعل التبادر علامة للحقیقة وإن کان رتبة علامیّة الاستعمال المجرّد أو تنصیص الواضع أو تنصیص مهرة فنّ الحقیقة متقدّمة علیه و لابأس بتعدّد العلامة فی عرض واحد أو مع اختلاف الرتبة إذ ربما یفید بعضها لمن التفت إلیه ولم یلتفت إلی غیره من العلائم وإن کان موقوفاً علیه بحسب الواقع فلاتغفل.

ومنها: صحّة الحمل وعدم صحّة السلب والمراد من صحّة الحمل هو أن یتصوّر الموضوع الذی ارید کشف حاله ویحمل المحمول بماله من المعنی الارتکازیّ علیه فلو

ص:41

کان حمله علیه صحیحاً کشف ذلک عن کون المعنی المذکور هو معنی لفظ الموضوع وإلّا لم یصحّ الحمل.

والمقصود من عدم صحّة السلب أنّ حین یکون حمل اللفظ بما له من المعنی الارتکازیّ علی المعنی الذی ارید کشف حاله صحیحاً لا یصحّ سلب اللفظ عنه فإذا کان حمل إنسان مثلاً بما له من المعنی الارتکازیّ علی زید فی قولهم زید إنسان صحیحاً لا یصحّ سلب الإنسان من زید فیعلم من ذلک أنّ زیداً من مصادیق الإنسان و أفراده الحقیقیّة للزوم الاتّحاد الوجودیّ فی الحمل الشائع الصناعی فصحّة الحمل أو عدم صحّة السلب من دون قرینة من قرائن المجاز علامة الحقیقة إذ لا تکون هذه إلّا من جهة کون الموضوع من المصادیق الحقیقیّة للمحمول أو متّحداً مع مفهوم المحمول کما فی الحمل الأوّلیّ کقولهم الإنسان حیوان ناطق کما أنّ عدم صحّة الحمل وصحّة السلب علامة المجاز کما لا یخفی. ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بصحّة الحمل وعدم صحّة السلب أن یکونا کذلک عند نفسه لا عند غیره وإلّا یرجع هذه العلامة إلی علائم اخر کتنصیص أهل اللغة واللسان إذ العلم بهما لا یحصل حینئذٍ إلّا بتصریح الغیر فیرجع إلی تنصیصهم أو التبادر عندهم أو غیر ذلک.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ ملاک العلامیّة هو اتّحاد المصداق مع الکّلیّ فی الوجود أو اتّحاد المفهومین مع عدم قرینة من قرائن المجاز.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا وقع لما اورد علیه بأنّه لا یصحّ سلب شیء من المفاهیم المتّحدة فی المصداق عن بعض آخر کالإنسان والضاحک مع أنّ شیئاً منهما لم توضع بإزاء المفهوم الآخر و لایکون حقیقة فیه و ذلک لأن الکلّیّین المساویین کالإنسان و الضاحک لااتّحاد مفهومیّ بینهما کی یکون الحمل ذاتیّاً و لااتّحاد وجودیّ بینهما کاتّحاد الکلّیّ مع مصداقه حتّی یکون عدم صحّة السلب دلیل الحقیقة إذ لیس وجود الإنسان بما هو

ص:42

وجود وجوداً للضاحک کزید و للانسان بل یتصادقان فی وجود واحد والفرق أنّ زیداً لا وجود له إلّا وجود الإنسان متشخّصاً بالمتشخّصات فیعلم منه أنّ المعنی الموجود بوجود زید هو معنی الإنسان بخلاف المعنی الموجود بوجود الضاحک فإنّه لیس معنی الإنسان و لایکون وجود الضاحک بما هو وجود وجوداً للانسان و وجوداً للضاحک وإن تصادقا علی وجود واحد.

و علیه فعدم دلیلیة عدم صحّة السلب فی مثل الکلّیّین المساویین علی کون معنی الإنسان هو الضاحک وبالعکس لیس إلّا لعدم وجود الملاک وهو اتّحاد وجودیّ کاتّحاد الکلّیّ مع مصداقه فلا تغفل وأیضاً ینقدح ممّا ذکر أنّه لا وقع لما قیل من أنّ الحمل الذاتّی لا یکشف إلّا عن اتّحاد الموضوع والمحمول ذاتاً ومغایرتهما اعتباراً و لانظر فی ذلک إلی حال الاستعمال و ان حمل الحیوان الناطق علی الإنسان حقیقیّ أو مجازیّ وکذلک صحّة الحمل الشائع الصناعیّ لا تکشف إلّا عن اتّحاد المحمول مع الموضوع خارجاً لأنّ الملاک فی صحّة الحمل الشائع هو الاتّحاد فی الوجود الخارجیّ وأمّا أنّ حمل لفظ المحمول علی نحو الحقیقة أو المجاز فهی لا تدلّ علیه.

وذلک لما عرفت من أنّ الاتّحاد بین الموضوع والمحمول مع تجرّد اللفظ عن القرینة یکون علامة ودلیلاً علی أنّ استعمال لفظ المحمول فی الموضوع حقیقة لا مجرّد الاتّحاد الذاتّی أو الوجودیّ و لامجرّد الاستعمال فاذا رأی المستعمل صحّة الحمل مع تجرّد اللفظ عن القرینة یکفی ذلک فی حکمه بکون اللفظ حقیقة فیه إذ لو لم یکن کذلک لاحتاج إلی إقامة قرینة المجاز والمفروض هو عدمه.

فاتّحاد الموضوع مع المحمول مفهوماً مع تجرّده عن قرینة المجاز فی مثل «الإنسان حیوان ناطق» أو اتّحاد المعنی المتقرر فی مرتبة ذات الموضوع کزید مع ماللمحمول من

ص:43

المعنی کالإنسان فی «زید إنسان» مع تجرّده عن قرینة المجاز شاهد علی أنّ الحمل فیه حقیقة فلا تغفل.

وأیضاً یظهر ممّا ذکر أنّه لاوجه لما یقال من أنّ التحقیق أن الاستکشاف واستعلام الحال حاصل من التبادر الحاصل من تصوّر الموضوع السابق علی الحمل وسلبه فیکون إسناده إلی الحمل أو سلبه فی غیر محلّه، توضیح ذلک أنّ الحاکم المستعلم بحمله لابدّ أن یتصوّر الموضوع أولاً بما له من المعنی الارتکازیّ حتّی یجده متّحداً مع المعنی المشکوک فیه فی مفهومه ثمّ یحمل المحمول المتصوّر علی الموضوع المعلوم حملاً أوّلیّاً ولولا ذلک لما کان لحکمه وزن و لاقیمة وعندئذٍ إذا وجده فی عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنی ولم یبق لتأثیر صحّة الحمل فی رفع الستر مجال.

وأمّا الحمل الشائع فلا یکون علامة إلّا إذا کان شائعاً ذاتیّاً لکونه کاشفاً عن المصداق الحقیقیّ کما فی قولنا البیاض أبیض لا عرضیّاً وحینئذٍ إن کان المستعلم مردّداً فی کون الحمل ذاتیّاً أو عرضیّاً لم یکن له استکشاف الوضع من مجرّد الحمل وإن کان عالماً بکونه حملاً ذاتیّاً وأنّه من قبیل حمل الکلّیّ علی بعض مصادیقه الحقیقیّة فقد علم المعنی قبل الحمل إذ العلم بکونه مصداقاً حقیقیّاً ذاتیّاً مستلزم للعلم بکونه موضوعاً للطبیعة المطلقة. انتهی

وذلک لأنّ تصوّر الموضوع والمحمول إجمالاً یکفی فی صحّة الحمل و لایلزم أن یکون تصوّرهما تفصیلیاً بل یجوز أن یحصل التفصیل بالحمل وعلیه فلامنافاة بین أن یکون الموضوع أو المحمول قبل الحمل متبادراً فی أصل معناه وبین أن لا یعلم حدوده بالتفصیل إلّا بالحمل ولذلک یمکن أن لا یعلم باتّحادهما قبل الحمل فإذا رأی صحّة حمل المحمول علی الموضوع حدث له العلم التفصیلیّ بحدود المعنی مثلاً إذا شککنا

ص:44

فی حدود معنی الصعید فإذا رأینا صحّة حمله علی الحجر وغیره ممّا عدا التراب علمنا بالتفصیل حدود معناه وارتفع الشکّ.

هذا مضافاً إلی أنّ وجدان الاتّحاد فی عالم التصوّر لا یمکن إلّا بالحمل أیضاً کالحمل فی القضیّة الملفوظه إذ القضیّة الذهنیّة قبل التلفّظ بها کالقضیة الملفوظة تفید حمل المحمول علی الموضوع وعلیه فلا مورد لقوله «وعندئذٍ إذا وجده فی عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنی ولم یبق لتأثیر صحّة الحمل فی رفع الستر مجال».

ثمّ لا یخفی علیک مغایرة صحّة الحمل وعدم صحّة السلب مع علامة سابقة وهی الاستعمال المجرّد فإنّ الحمل فی المقام حاصل من المستعلم بخلاف الاستعمال المجرّد فإنّه حاصل من أهل المحاورة نعم ربما یتّحد استعمالهم مع حمل الشیء علی شیء بصورة القضیّة من دون قرینة المجاز وفی هذه الصورة یتّحد صحّة الحمل مع استعمال المجرّد فلا تغفل.

ربما یفصّل بین الحمل المتداول علی ألسنة اللغوییّن کحمل أحد اللفظین المترادفین بماله من المعنی علی الآخر مثل قولهم «الغیث هو المطر» وبین الحمل الأوّلیّ المستعمل فی الحدود المشتمل علی حمل الذاتیّات علی الذات مثل قولهم «الإنسان حیوان ناطق» بدعوی أنّ فی الأوّل یمکن استکشاف وضع اللفظ للمعنی المعلوم عند من استعمل هذا الحمل دون الثانی فإنّ مفهوم «حیوان ناطق» مفهوم مرکّب مفصّل وبما أنّه کذلک یمتنع أن یکون هو مفهوم الإنسان لأنّ مفهوم کلّ لفظ مفرد بسیط مجمل.

اجیب عنه بأنّ الغرض من الحمل لیس إثبات وضع اللفظ لذلک المفصّل بل لماهیّة بسیطة یکون هذا المفصّل حدّاً لها بحیث إذا انحلّت رجعت إلیه.

ومنها: الاطّراد وعدمه والا متن فی تعریفه هو أن یقال إنّه إذا اطّرد استعمال لفظ فی أفراد کلّیّ بحیثیّة خاصّة کالإنسان باعتبار الإنسانیّة فی افراده کالبکر وخالد وغیرهما

ص:45

من أفراد الکلّیّ مع القطع بکون الکلّیّ فی جمیع الموارد غیر موضوع لکلّ فرد فرد علی حدة کان ذلک دلیلاً علی وجود علاقة الوضع بین الافراد و بین ذلک الکلّیّ وعلم أنّ الکلّیّ موضوع للطبیعی من المعنی و استعماله فی الأفراد استعمال حقیقیّ لا مجازیّ إذ نوع علائق المجاز لیست مطّردة والاطّراد دلیل علاقه الوضع وهی کلّیّة مطّردة دون نوع علائق المجاز ألا تری أنّ علاقة المجاز فی اطلاق الأسد علی الرجال الشجاع هو الشجاعة و نوع تلک العلاقة کالمشابهة لیست بمطّردة وإلّا لزم أن یطلق الأسد علی مطلق مصادیق الشجاع کالنملة الشجاعة والبقّة الشجاعة مع أنّه لیس کذلک فنوع العلاقة فی المجاز لیس مطّرداً بخلاف علاقة الوضع کما عرفت. و قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد المراد من عدم الاطراد فی المجازات عدمه باعتبار نوع العلائق المذکورة و اما باعتبار الخصوصیات التی یصح معها الاستعمال فالمجاز أیضاً مطرد فانّه یصح استعمال الاسد فی کل من له مشابهة له فی الشجاعة قال بعض الاعلام أیضاً قد یطلق علی المرق الرقیق الماء فی موارد الطعن علی صاحبه مثلاً و قد لایطلق علیه الماء فی جمیع الموارد کما اذا لم یکن عند المکلف ماء للوضوء او الغسل و کان عنده المرق فانه لایقول عندی ماء و هذا بخلاف ماء الکوز و نحوه فانه یطلق علیه الماء فی جمیع الموارد.

و کیف کان فقد قال المحقّق الإصفهانیّ قدس سره فی تعریف الاطّراد هو ما إذا اطلق لفظ باعتبار معنی کلّیّ علی فرد یقطع بعدم کونه من حیث الفردیّة من المعانی الحقیقیّة لکنّه یشکّ أنّ ذلک الکلّیّ کذلک أم لا فإذا وجد صحّة الإطلاق مطّرداً باعتبار ذلک الکلّیّ کشف عن کونه من المعانی الحقیقیّة لأنّ صحّة الاستعمال فیه وإطلاقه علی أفراده مطّردا لابدّ أن تکون معلولة لأحد الأمرین إمّا الوضع وإمّا العلاقة وحیث لا اطّراد لأنواع العلائق المصحّحة للتجوّز ثبت الاستناد إلی الوضع فنفس الاطّراد دلیل علی الحقیقة

ص:46

وإن لم یعلم وجه الاستعمال علی الحقیقة کما أنّ عدم الاطّراد فی غیر مورد یکشف عن عدم الوضع له وإلّا لزم تخلّف المعلول عن العلّة لأن الوضع علّة صحّة الاستعمال مطّرداً.

وهذه العلامة علامة قطعیّة لو ثبت عدم اطّراد علائق المجاز کما هو المعروف والمشاهد فی جملة من الموارد.

ربّما یقال إنّ التبادر علامة لوجود الوضع وصحّة السلب علامة عدمه والاطراد علامة لاستناد التبادر أو صحّة السلب إلی حاقّ اللفظ ورافع استنادهما إلی قرینة حافّة بالکلام ولو بمثل الانصراف الإطلاقیّ حیث أن الاستقراء فی موارد الاستعمال سلباً أم إیجاباً ربما یکشف بحکم ارتکاز الذهن أنّ فهم المعنی سلباً أم إیجاباً مستند إلی نفس اللفظ لا قرینة اخری کما أنّه قد یستفاد هذه الجهة من أمر آخر بحیث لا یحتاج إلی استقراء موارد.

وفیه أنّ ذلک صحیح فیما إذا کان تبادر المعنی محرزاً وشکّ فی استناده إلی حاقّ اللفظ أو غیره وأمّا إن لم یکن اللفظ متبادراً فی المعنی وکان اللفظ ذا احتمالین أو احتمالات فالاطّراد فی أحدهما أو أحدها دلیل کونه حقیقة فیه فحینئذٍ لا وجه لجعل الاطّراد علامة للعلامة بل هو بنفسه یکون علامة الحقیقة فلا تغفل.

ثمّ إنّ هذه العلامة تختصّ بالکلّیّات دون غیرها فإنّ الاطّراد فی غیر الکلّیّات جار فی غیر الحقیقة أیضاً فاطّراد الأعلام منقوض باطّراد شخص مشابهة زید الشجاع بالأسد أو صنفها کمشابهة الرجل الشجاع فإن کان إطلاق الأعلام مطّرداً کان إطلاق الأسد علی زید الشجاع أو علی الرجل الشجاع أیضاً مطّرداً فالاطّراد لا یختصّ بالأعلام حتّی یکون علامة للحقیقه هذا بخلاف الکلّیّات وأنواع العلاقات فإنّ الاطّراد مختصّ بالکلّیّات مطلقاً سواءً کانت کلّیّات شمولیّة أو کلّیّات بدلیّة وأمّا نوع العلاقة فقد عرفت أنّه لا یطّرد إذ لا یصحّ إطلاق الأسد علی النملة الشجاعة أو البقّة الشجاعة فاطّراد لفظ الأسد فی أفراد الحیوان المفترس دلیل علی کونه حقیقة فی الحیوان المتفرس بخلاف أفراد الشجاع فإنّ

ص:47

لفظ الأسد لایطّرد إطلاقه فی جمیع أفراده وعلیه فإطلاقه علی بعض أفراده دون بعض آخر دلیل علی کون إطلاقه علی الشجاع مجازاً فلاتغفل.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من الاطّراد هو الاطّراد عند أهل اللسان دون المستعلم فإنّه إنّ صحّ عنده الحمل وأذعن بذلک فمن حمل واحد یستنتج المقصود لدخوله تحت عنوان صحّة الحمل و لایحتاج إلی تکرّره واطّراده وإن لم یصحّ أولم یدرک صحّته فتکرّره لا یجدیه شیئاً.

أللّهمّ إلّا أن یقال: أنّ الإذعان ربما لایحصل بالحمل مرّة بل یحتاج إلی تکرّر الحمل وعلیه فالتکریر قدیجدیه فی بعض الأحیان و لایختصّ الاطّراد بالاطراد عند اهل اللسان فافهم.

ثمرة العلامات

ربما یقال إنّ العلامات المذکورة علی فرض تمامیّتها لا ثمرة لها إلّا بناء علی أصالة الحقیقة تعبّداً فحینئذٍ لو استکشفنا أنّ لفظاً بواسطة إحدی هذه العلامات حقیقة فی معنی یمکن الأخد به و إن لم یکن له ظهور فیه بواسطة احتفافه بما یصلح للقرینیّة علی خلافه.

ولکنّ التحقیق هو أنّ الأخذ دائر مدار وجود الظهور وهو موضوع الحجّیّة سواء کان مستنداً إلی حاقّ اللفظ أو إلی القرینه وعلیه فلا حاجة إلی إثبات کونه حقیقة فیه أو مجازاً کما أنّه لو لم یکن ظاهراً فیه لم یجز الأخذ به سواء قامت العلامة علی الحقیقة أو لم تقم انتهی.

وفیه أنّ العلامات المذکورة موجبة للظهور فیما لم تکن قرینة فی الکلام فالظهور ناش منها ومعه کیف یستغنی منها وعلیه فالبحث عن العلامات بحث عن محقّقات الظهور ومقوّماته وأصالة الحقیقة وأصالة عدم القرینة من الاُصول العقلائیّة اللفظیّة التی تفید الظهور لأنّها من الأمارات العقلائیّة و لابناء لهم فیما لا تفید الظهور وعلیه ففرض قیام الاُصول اللفظیّة مع عدم حصول الظهور النوعیّ کماتری.

ص:48

الأمر الثامن: فی تعارض الأحوال

اشارة

1 - الأحوال العارضة علی الألفاظ الموضوعة فی مقام الاستعمال مختلفة: و تنقسم إلی مشترک وغیر مشترک ومنقول وغیر منقول وحقیقة ومجاز وإضمار وغیر إضمار واستخدام وغیر استخدام ومطلق و مقیّد وعامّ و خاصّ.

أمّا الأوّل فباعتبار تعدّد الوضع وعدمه وأمّا الثانی فباعتبار بقائها علی الوضع الأوّل وعدمه وأمّا الثالث فباعتبار استعمالها فیما وضع له وعدمه وأمّا الرابع فباعتبار التقدیر وعدمه وأمّا الخامس فباعتبار اتّحاد مایراد من اللفظ مع ما یراد من الضمیر وعدمه وأمّا السادس والسابع فباعتبار اقتران معناها بخصوصیّة زائدة وعدمه.

دوران الأمر بین الحقیقة و غیرها

2 - لا إشکال فی جواز المصیر إلی إحدی هذه الأحوال وترتیب آثارها عند قیام أمارة معتبرة علیها وأمّا إذا لم تقم قرینة علی إحدیها فمقتضی الأصل هو عدم هذه الأحوال من الاشتراک والنقل والمجاز والإضمار والاستخدام والتقیید والتخصیص فیما إذا دار الأمر بین الحقیقة وإحدی أو الأزید من الأحوال المذکورة وذلک لأنّ الأصل هو عدم الاشتراک وعدم النقل وقد یعبّر عن هذا الأصل بالأصل الوضعیّ لأنّ به یتعیّن حال الوضع من التعدّد وعدمه ومن النقل وعدمه. وهکذا مقتضی الأصل عند الشکّ فی إرادة الحقیقة والمجاز هو عدم إرادة المجاز وقد یعبّر عن الأصل المذکور بأصالة الحقیقة.

ص:49

ومقتضی الأصل عند الشکّ فی الإضمار وعدمه أو الاستخدام وعدمه هو عدم الإضمار وعدم الاستخدام.

ومقتضی الأصل عند الشّک فی التقیید والتخصیص بعد الفحص هو الإطلاق والعموم.

فکلّ هذه الأحوال منفیّة بالاُصول المذکورة و لایرفع الید عن المعنی الحقیقیّ المطلق باحتمال هذه الأحوال.

3 - تلک الاُصول من الاُصول العقلائیّة التی تدور مدار بنائهم علیها إذا لم یکن فی الکلام ما یصلح للقرینیّة وإلّا فلا مجال لإحداها.

4 - هل یشترط فی جریان أصالة عدم النقل أن یکون الشکّ فی أصل النقل أم لا یشترط بل تجری فیما إذا علم بالنقل وشکّ فی تقدّمه علی الاستعمال وتأخّره؟

ذهب بعض إلی الاشتراط مطلقاً وذهب آخر إلی عدم الاشتراط مطلقاً وثالث إلی التفصیل بین العلم بتاریخ الاستعمال فلا تجری والأوسط هو المختار وذلک لأنّ بناء العقلاء علی أنّهم لا یرفعون الید عن الحجّه إلّا بقیام الحجّة علی خلافها ومن المعلوم أنّ وضع الواضع معتبر ومتّبع فی تعیین اللفظ للمعنی وحصول الارتباط بینهما ما لم یثبت العدول عنه فتعیین الواضع حجّة علی الارتباط بینهما و لایرفع الید عن تلک الحجّة إلّا بقیام الحجّة علی العدول کما هو مقتضی البناء المذکور فکما لا یرفع الید عنها بمجرّد احتمال النقل کذلک لایرفع الید عنها بالعلم الإجمالیّ بالنقل والشکّ فی التقدّم والتأخّر بالنسبة إلی الاستعمال وعلیه فیتحقّق الشکّ فی ارتفاع الوضع الأوّل حال الاستعمال وبناء العقلاء علی عدم رفع الید عن الحجّة بلاحجّة ومقتضی هذا البناء هو الحکم ببقاء الوضع الأوّل حال الاستعمال فکما أنّ العلم بالنقل فی الآتی لا یضرّ بجریان أصالة عدم النقل قبل حصول النقل لتحقّق أرکانها من العلم بالحجّة والشکّ فی الارتفاع حال الاستعمال فکذلک العلم الإجمالیّ بأصل النقل والاستعمال والشکّ فی التقدّم

ص:50

والتأخّر لا یمنع عن جریانها لتحقّق أرکانها من العلم بالحجّة والشکّ فی ارتفاعها حال الاستعمال.

و مع جریان أصالة عدم النقل یبقی ظهور اللفظ فی معناه الحقیقیّ و لاینثلم هذا الظهور بالعلم الإجمالیّ بوقوع النقل والشکّ فی التقدّم والتأخّر بعد حفظ أرکان أصالة عدم النقل من العلم بالحجّة والشکّ فی ارتفاعها حال الاستعمال فدعوی انثلام الظهور لا وجه لها بعد جریان أصالة عدم النقل کما لا یخفی.

وتوهّم المعارضة بین أصالة عدم النقل مع استصحاب عدم الاستعمال إلی ما بعد زمان الوضع الجدید فاسد لأنّ استصحاب عدم الاستعمال إلی ما بعد زمان الوضع الجدید حیث لا أثر شرعیّ له فهو مثبت هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّم جریانه فهو لا یعارض مع الأمارة والمفروض أنّ أصالة عدم النقل من الأمارات العقلائیّة و لایقاس أصالة عدم النقل بالاُصول التعبّدیّه فتحصّل أنّه لا فرق فی جریان أصالة عدم النقل بین الأقسام فتجری سواء کان الاستعمال معلوماً أو مجهولاً لأنّ رفع الید عن الوضع الأوّل فی جمیع الصور رفع الید عن الحجّة بلا حجّة فلاوجه للقول بعدم الجریان مطلقاً کما لاوجه للتفصیل و لاتغفل. فتحصل ان عند الشک فی الحقیقة و غیرها یقدم اصالة الحقیقة.

دوران الأمر بین نفس الاحوال غیر الحقیقة

5 - إذا دار الأمر بین نفس الأحوال کما إذا دار الأمر بین النقل والاشتراک وبین المجاز والاشتراک وبین الإضمار والاشتراک وبین التخصیص والاشتراک بناء علی أنّ التخصیص مجاز وبین المجاز والنقل وبین المجاز والإضمار وبین التقیید و التخصیص بناء علی کونهما من المجازات وغیر ذلک فقد ذکروا لترجیح بعضها علی بعض وجوهاً من أنّ النقل أولی من الاشتراک لاتحاد المعنی فی النقل دائماً فیحصل الفهم بخلاف المشترک و المجاز اولی من الاشتراک لان اللفظ إن تجرّد عن القرینة حمل علی الحقیقة

ص:51

وإلّا فعلی المجاز والإضمار أولی من الاشتراک لأنّ صحّته مشروطة بالعلم بتعیینه بخلاف المشترک والتخصیص أولی من الاشتراک لأنّه خیر من المجاز والمجاز أولی من النقل لا فتقار النقل إلی الاتّفاق علیه بین أهل اللغة إلی غیر ذلک.

إلّا أنّها مع اجمالها وجوه استحسانیّة لا اعتبار بها إلّا إذا کانت موجبة لصیرورة اللفظ ظاهراً فیه فبناء العقلاء علی ظاهره و اما إذا لم تکن موجبة للظهور تعارضت الأحوال ویصیر اللفظ مجملاً إذ المعنی الحقیقیّ لم یرد علی المفروض و لاترجیح لإحدی الأحوال المتعارضة علی الاُخری أللّهمّ إلّا أن یدّعی وجود البناء فی بعض موارد تعارضها علی تعیین إحدی الأطراف کما قال فی مقالات الاُصول إذا دار الأمر بین النقل وغیر الحقیقة السابقة (کالاضمار) فأصالة عدم النقل یحرز البقیّة.

وفیه: أنّ أصالة عدم النقل معارضة مع أصالة عدم التقدیر عند دوران الأمر بین النقل والإضمار لأنّ کلّ واحد منهما من الاُصول اللفظیّة و علیه البناء فالإجمال باقٍ علی حاله وکما قال أیضاً إذا دار الأمر بین الاشتراک وبقیّة الأحوال العارضة علی خلاف الحقیقه فمقتضی أصالة عدم تعدّد الوضع یثبت سائر الأحوال.

وفیه أیضاً أنّه إن کان الاستعمال غیر مقرون بقرینة سائر الأحوال فالمتعیّن هو الاشتراک لما مرّ من أنّ الاستعمال المجرّد علامة الحقیقة مطلقاً سواء کان المستعمل فیه متّحداً أو متعدّداً وإلّا لزم أن یکون الاستعمال غلطاً وهو لا یصدر عن المتکلّم الحکیم وإن کان الاستعمال مقروناً بقرینه سائر الأحوال فهو مجاز و لامجال لاحتمال الاشتراک والدوران بینه وبین المجاز نعم لو کان مع ما یصلح للقرینیّة بحیث شکّ فی کونه حقیقة أو مجازاً لم یکن الاستعمال مجرّداً حینئذٍ حتّی یحمل علی الحقیقة ولم یعلم قرینیّة الموجود حتّی یحمل علی المجاز فیمکن حینئذٍ إثبات المجاز بأصالة عدم تعدّد الوضع إن کانت أصلاً عقلائیّاً فافهم و اذا دار الأمر بین التخصیص و النقل او الاشتراک قال

ص:52

سیّدنا الاستاذ سیرة العقلاء تکون علی تقدیم التخصیص علی النقل او الاشتراک و قد یکون بنائهم علی الاجمال و عدم ترجیح أحدهما علی الآخر کما فی دوران الأمر بین المجاز و الاضمار نظیر قوله علیه السلام «فی خمسة من الابل شاة» إمّا أنّ المراد منه ظرفیة مجازیة بمعنی انه یجب فی خمسة من الابل شاة فخمسة ابل ظرف مجازی لوجوب الشاة و إمّا فیه إضمار بمعنی أنّه یجب فی خمسة إبل مقدار شاة و الثمرة بینهما تظهر فی شرکة الفقراء مع من علیه الحق فی الابل بمقدار الشاة من السهم او انه یجب علی من علیه الحق اعطاء شاة.

ثمّ إنّه إذا دارالأمر بین التقیید والتخصیص فقد یقال إن کان أحد الدلیلین عامّاً اصولیّاً والآخر إطلاقاً شمولیّاً کقوله أکرم العلماء حیث إنّه عامّ اصولیّ مقدّم علی قوله لا تکرم الفاسق فی مادّة الاجتماع أی العالم الفاسق والسرّ فی ذلک أنّ شمول العامّ الاُصولیّ لمورد الاجتماع بالوضع وشمول الإطلاق الشمولیّ بالإطلاق ومقدّمات الحکمة ومن تمامیّة مقدّمات الحکمة عدم قرینة علی التقیید ویکفی فی القرینیّة شمول العموم لمورد الاجتماع بالوضع من دون اشتراطه بشیء.

وهکذا الأمر إن کان أحدهما عامّاً اصولیّاً والآخر إطلاقاً بدلیّاً فلو قال أکرم عالماً وقال أیضاً لا تکرم الفساق فشمول الإطلاق البدلیّ لمورد الاجتماع أی العالم الفاسق بالإطلاق وشمول العامّ الاُصولیّ له بالوضع فیکون مانعاً عن تحقّق الإطلاق.

واُلْحِقَ بذلک أیضاً الإطلاق الشمولیّ والإطلاق البدلیّ کما إذا قال أکرم عالماً فإنّه إطلاق بدلیّ وقال أیضاً لاتکرم الفاسق فإنّه إطلاق شمولیّ لانحلال النهی إلی قضایا متعدّدة حسب تعدّد أفراد موضوعه أی متعلّق متعلّقه کقوله لاتشرب الخمر أو کقوله لاتکرم الفاسق وعلیه فتقیید الإطلاق البدلیّ مقدم علی تقیید الشمولیّ وإن کان کلاهما بمقدّمات الحکمة. لأنّ جریان مقدّمات الحکمة فی الإطلاق البدلیّ مشروط بشرط وهو

ص:53

تساوی أقدام الأفراد فی انطباق صرف الوجود علیها و الاطلاق الشمولی فی طرف المعارض یخرج هذا الفرد الذی هو مورد الاجتماع عن کونه متساوی الأقدام مع سایر الأفراد فی انطباق صرف الوجود علیه لابتلائه بالحکم المنافی مع هذا الحکم بخلاف الجریان فی الإطلاق الشمولیّ فإنّه لیس مشروطاً بشرط لأنّ الإطلاق الشمولیّ عبارة عن تعلّق الحکم بوجود الطبیعة الساریة وهذا المقدار مشترک بین العامّ الاستغراقیّ والإطلاق الشمولیّ.

فالعامّ الاُصولیّ مقدّم فی جمیع االصور علی الإطلاق سواء کان شمولیّاً أو بدلیّاً کما أنّ الإطلاق الشمولیّ مقدّم علی الإطلاق البدلیّ إذ دار الأمر بینهما و یکفی للقرینیة شمول العموم أو شمول الاطلاق للمانعیة عن تحقق الاطلاق فی طرف آخر.

یمکن أن یقال أوّلاً: إنّ المعتبر فی تحقّق الإطلاق والظهور الاستعمالیّ هو عدم البیان المتّصل لا الاعم منه و من المنفصل إذ مع الاتّصال لا ینعقد الظهور فیتقیّد انعقاد الظهور بعدم البیان أو القرینة هذا بخلاف البیان المنفصل فإنّ ظهور کلّ منعقد فیدور الأمر بین الظهورین ویتقدّم الأقوی منهما إن کان وإلّا فیتعارضان فلاوجه لتقدیم العام الاصولی علی غیره لتحقق الظهور فی الطرفین فیما اذا کان البیان منفصلاً نعم لامانع من ان یقال ان الظهور فی طرف الاطلاق الشمولی اقوی من الظهور فی طرف الاطلاق البدلی ولعلّ منشأ ذلک هو توقّف الإرادة الجدّیّة علی الفحص والتتبّع و ملاحظة القیود ولکن ذلک لا ینافی انعقاد الظهور الاستعمالیّ قبل الفحص والتتبّع کما لا یخفی.

وثانیاً: إنّ التفرقه بین الإطلاق البدلیّ والإطلاق الشمولیّ مع تقیّد کلّ واحد منهما بجریان مقدّمات الحکمة کما تری لمساواتهما فی ملاحظة الشرط المذکور وعدمه.

ص:54

وثالثاً: أنّ التقیید والتخصیص لیسا عند المتأخّرین من أحوال الألفاظ إذ لا یلزم من تقیید المطلق أو تخصیص العامّ مجاز فی الکلمة لأنّ التصرّف فی ناحیة المراد لاالمستعمل فیه کما حقّقه سلطان العلماء قدس سره وعلیه فعدّهما من أحوال الألفاظ مسامحة.

وعلی فرض التسامح لایختصّ الدوران بهما لإمکان الدوران أیضاً بین التخصیصین کما إذا کان المتعارضان عامیّن من وجه فالتصرّف فی کلّ طرف تخصیص فحینئذٍ لاترجیح لأحدهما علی الآخر إلّا إذا کان فیه أمر یوجب قوّة الظهور بالنسبة إلی الآخر کما إذا کان أحدهما وارداً فی مورد السؤال عن فرد یجتمع فیه العنوانان فلابدّ وأن یخصّص الآخر لأنّ تخصیص المورد مستهجن فإذا سئل عن جواز إکرام زید العالم الفاسق وقیل فی الجواب: «أکرم العلماء» وصدر أیضاً قبلاً أو بعداً: «لاتکرم الفسّاق» فلابدّ وأن یقدّم عموم «أکرم العلماء» ویخصّص به عموم «لاتکرم الفسّاق» وإن کان بینهما عموم من وجه.

وإلّا إذا کان أحد العامیّن من وجه له أفراد قلیلة بحیث لو خصّص بما عدا مورد الاجتماع یکون إلقاء العامّ قبیحاً فاللازم هو تخصیص دلیل آخر به لا العکس.

وإلّا إذا کان أحد العامّین فی مقام التعریف و التحدید فیقدّم علی الآخر ویکون قرینة علی التصرّف فیه وإن لم یکن أخصّ منه عنواناً وذلک من جهة صیرورته کالنصّ بواسطة کونه فی مقام التحدید کما اذا کان فی مقام ذکر موارد ممنوعیة الاحترام و قال لاتکرم الفساق فهو مقدم علی اکرم العلماء.

وهکذا الأمر فیما إذا دار الأمر بین التقییدین سواء کان الإطلاق شمولیّاً أو بدلیّاً بعد ما عرفت من انعقاد الظهور مع انفصال القید فإنّهما یتعارضان و لاترجیح بینهما إلّا بأمثال ما ذکر فی دوران الأمر بین التخصیصین فلا تغفل. قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد اذا دار الأمر بین التخصیص و النقل و الاشتراک کان بناء العقلاء علی تقدیم التخصیص

ص:55

علی النقل او الاشتراک و قد یکون بناؤهم علی الاجمال و عدم ترجیح احدهما علی الآخر کما فی دوران الأمر بین المجاز و الاضمار نظیر قوله علیه السلام «فی خمسة من الابل شاة» إمّا ان المراد منه ظرفیة مجازیة بمعنی انه یجب فی خمسة من الابل شاة فخمسة ابل ظرف مجازی لوجوب شاة و إمّا فیه اضمار بمعنی انه یجب فی خمسة ابل مقدار شاة و الثمرة بینهما تظهر فی شرکة الفقراء مع من علیه الحق فی الابل بمقدار الشاة من السهم او انه یجب علی من علیه الحق اعطاء شاة و غیرها من الثمرات و لاوجه لتقدیم احد الاحتمالین علی الآخر.

فتحصّل انه اذا احرز قوة الظهور بجهة من الجهات فی طرف فلااعتبار بغیره و ان وافقه بعض الاستحسانات المذکورة فی ترجیح بعض الاحوال علی بعض و یشهد له بناء العقلاء.

و اذا لم تحرز قوة الظهور فی طرف فلاوجه لتقدیم التقیید علی التخصیص و لاتقدیم تخصیص علی تخصیص و لا تقدیم تقیید علی تقیید فیما اذا دار الأمر بین التخصیصین او التقییدین وعلیه فیتعارضان ویتساقطان فی مادة الاجتماع کما لایخفی.

ص:56

الأمر التاسع: فی الحقیقة الشرعیّة

1 - إنّ الوضع التعیینیّ یکون علی قسمین أحدهما أن یصرّح الواضع بإنشاء العلقة والارتباط بین لفظ ومعنی وثانیهما أن یستعمل الواضع لفظاً فی معنی بداعی إنشاء الارتباط والعلقة بینهما من دون أخذ قرینة وعلاقة من القرائن والعلائق المجازیّة وهما أمران واقعاًن من الواضعین ألاتری أنّ الوالد الواضع قد یصرّح بجعل العلقة والارتباط بین لفظ إبراهیم مثلاً وولده ویقول سمّیته ابراهیم وقد لا یصرّح بذلک وإنّما یستعمل لفظ إبراهیم فی ولده بقصد إنشاء العلقة والارتباط بینهما ویقول مثلاً لخادمه جئنی بإبراهیم.

و لاوقع بعد وقوعهما للإشکال فی إمکان الثانی باستلزامه الجمع بین اللحاظین فی شیء واحد فإنّ الحکایة والدلالة مقصودة فی الاستعمال علی الوجه الالیّ والمعنی الحرفیّ إذ الالتفات یکون بالمعنی الاسمیّ نحو نفس المعنی دون اللفظ ودلالته وحکایته هذا بخلاف الوضع فإنّ الحکایة فیه مقصودة علی وجه الاستقلال لأنّ حقیقة الوضع هو جعل اللفظ لمعنی بحیث یحکی به عنه عند الاستعمال وهو متوقّف علی ملاحظة اللفظ والمعنی وجعل الارتباط والعلقة بینهما ومن البیّن أنّ الجمع بینهما فی لحاظ واحد جمع بین اللحاظین.

وذلک لأنّ استعمال اللفظ فی المعنی علی نحو استعمال اللفظ الموضوع فی معناه من دون إقامة قرینة وعلاقة من علائق المجاز یدلّ بدلالة الاقتضاء علی إنشاء العلقة

ص:57

والارتباط بین اللفظ والمعنی بالاستعمال إذ بدونه لایمکن هذا الاستعمال الخاصّ کما أنّه إنشاء بیع المبیع من ذی الخیار علی نحو بیع سائر أملاکه یدلّ بدلالة الاقتضاء علی إنشاء الفسخ بنفس البیع إذ بدونه لا یمکن البیع مجدّداً لما باعه قبلاً.

وعلیه فللاستعمال جهتان طولیّتان من جهة یدلّ علی إنشاء الارتباط والعلقة ومن جهة یدلّ علی المعنی ویحکی عنه فلا یلزم اجتماع اللحاظ الآلیّ والاستقلالیّ فی شیء واحد.

وإلیه یؤول ما أفاده المحقّق الإصفهانیّ قدس سره من أنّ التحقیق أنّ إنشاء الوضع حقیقة بمعنی جعل اللفظ بحیث یحکی بنفسه بجعل لازمه وهو جعله حاکیاً فعلاً بنفسه معقول فالحکایة وإن کانت مقصودة وملحوظة آلیّا فی الاستعمال إلّا أنّها مقصودة بالاستقلال فی مرحلة التسبّب إلیها بإنشاء لازمها وجعله انتهی و الاسهل هو ما أفاده سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد من ان التحقیق فی الجواب ان اللفظ حین الاستعمال لم یلاحظ الّا بلحاظ إلی غایة الأمر انه قبل الاستعمال لابد للمستعمل من لحاظ کل من اللفظ و المعنی مستقلاً ثم استعمال اللفظ فی المعنی ضرورة انه مادام لم یتصور المستعمل بالفتح و المستعمل فیه کیف یستعمله فی المعنی فاذا تصور اللفظ یتوجه إلی انه غیر مرتبط إلی المعنی فیرید ان یجعل بینهما الارتباط بان یضع اللفظ لذلک المعنی و حینئذٍ یستعمل اللفظ فی المعنی و یجعل استعماله الذی هو فعل منه (لااللفظ المستعمل) دالاً علی الوضع بالدلالة الالتزامیة العقلیة فان المستمع یحکم بانه لو لم یجعل هذا اللفظ لهذا المعنی لم یصح استعماله فیه و حیث انه استعمله و لایتحقق منه الخطاء و الغلط فلابد و ان یکون فی مقام الوضع فاللفظ لم یستعمل إلّا فی ذلک المعنی و لم یلاحظ حین الاستعمال و الاداء الّا بلحاظ الإلی الا انه لاحظه قبل الاستعمال بلحاظ الاستقلإلی و جعل نفس الاستعمال (أی فعله) آلة للانشاء و الوضع فتدبر فانه دقیق.

ص:58

2 - هل یقع الوضع بقسمیه من الشارع أم لا؟ لم یعهد منه علیه الصلاة والسلام أن یصرّح بجعل العلقة والارتباط بین لفظ ومعنی وعلیه فالوضع التصریحیّ غیر ثابت وأمّا الوضع الاستعمالیّ فلایبعد دعواه فی مثل استعمال ألفاظ العبادات کالصلاة فی معانیها الشرعیّة من الأرکان المخصوصة والأجزاء المعیّنة المعتبرة فی شرع الإسلام فإنّ استعمال الشارع تلک الألفاظ فیها من دون إقامة قرینة وعلاقه من العلائق المجازیّه لا یکون إلّا لإرادة وضعها لخصوصها و إلّا لزم الخطاء و الغلط و هو لایصدر عن الشارع ولاینافی ذلک کون ألفاظ العبادات معلوم المفهوم لدی النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم وأصحابه ومعاصریه من الکفّار والأقوام فإنّهم کانوا یفهمون معانیها بلا معونة قرینة لأنّ إرادة الأرکان المخصوصة والأجزاء المعیّنة المعتبره فی شرع الإسلام لاتساعد المعانی المعهودة لها فی السابق لأنّها إمّا أرکان مخصوصة بالشرع السابق والمعلوم عدم إرادتها وإمّا المعانی الکلّیّة کالعطف والمیل القابلة لانطباقها علی غیر الأرکان والأجزاء المعتبرة فی شرعنا وهی أیضاً غیر مرادة باستعمالها.

أللّهمّ إلّا أن یقال: المقصود من تلک الألفاظ هو معانیها الکلّیّة المعهودة ولکن تدلّ علی الأرکان والأجزاء المعتبره فی شرعنا من جهة تعدّد الدالّ والمدلول فلا یثبت بنفس الاستعمال، الوضع التعیینیّ الاستعمالیّ نعم لابأس بأن یقال إنّ کثرة إفادة الخاصّ بدالّین فی مقام الطلب و بیان الخواصّ والآثار والحکایة والمحاورات المتعارفة توجب اختصاص اللفظ بالمعنی الخاصّ فی أیّام قلائل ومنع بلوغ الکثرة فی لسان الشارع ومتابعیه إلی حدّ یوجب الاختصاص مکابرة واضحة.

فالانصاف هوالحکم بوقوع الوضع التعینیّ الاستعمالیّ من الشارع المقدّس کما تشهد له کثرة الاستعمإلی هذا مضافاً إلی الوضع الاستعمالی التعیینی کما تدل علیه الروایات

ص:59

المستفیضه والمتواتره الدالّة علی استعمال النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم کلمة أهل البیت فی أهل بیت النبوّة وهم الخمسة الطیّبة والأئمّة الطاهرین علیهم السلام فلا تغفل.

3 - إنّ ثمرة البحث المذکور تظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة علی معانیها اللغویّة لو لم نقل بالحقیقة الشرعیّة التعیینیّة أو التعیّنیّة کما تظهر فی لزوم حملها علی معانیها الشرعیّة إن قلنا یثبوت الحقیقة الشرعیّة سوائ کان التعیینیّة أو التعیّنیّة إن علم تأخّر الاستعمال عن الوضع الشرعیّ کما لا یخفی ولذا نقول بأنّ المراد من کلمة أهل البیت فی لسان النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم والائمّة الأطهار علیهم السلام هو أهل بیت النبوّة بعد علمنا بأنّه صلی الله علیه و آله و سلم خصّصها بهم وضعاً استعمالیّاً کما هو الظاهر أو صارت منصرفة إلیهم بکثرة الاستعمال فیهم مع تعدّد الدالّ والمدلول فی عهده صلی الله علیه و آله و سلم وهذا لا کلام فیه وإنّما الکلام فیما إذا لم یعلم بتأخّر الاستعمال ذهب فی الکفایة فی هذه الصورة إلی أنّ أصالة عدم الاستعمال لیکون متأخّراً عن الوضع الشرعیّ تکون معارضة مع أصالة عدم الوضع الشرعیّ لیکون متأخّراً عن الاستعمال هذا مضافاً إلی أنّه لا دلیل علی اعتبارها تعبّداً إلّا علی القول بالأصل المثبت ولم یثبت بناء من العقلاء علی التأخّر مع الشکّ و اصالة عدم النقل إنّما کانت معتبره فیما إذا شکّ فی أصل النقل لافی تأخّره فتأمّل.

ولعلّ وجه التأمّل هو ما مرّ فی الفصل السابق من جریان أصالة عدم النقل مطلقاً سواء علم بأصل النقل أولم یعلم لوجود ملاک جریانه وهو بناء العقلاء علی عدم جواز رفع الید عن الحجّة ما لم یعلم بالحجّة الناقضة لها قال سیّدنا الاستاذ اصالة عدم النقل أصل عقلائی فان الوضع السابق حجة عندهم لایرفعون الید عنه الّا بعد العلم بالوضع الثانی سواء فی ذلک الشک فی أصل النقل او فی تأخره و انکاره فی الثانی مکابرة.

ص:60

وعلیه فمع جریان أصالة عدم النقل حملت ألفاظ العبادات وغیرها ممّا ثبتت فیها الحقیقة الشرعیّة فی صورة عدم العلم بتاریخ استعمالها علی معانیها اللغویّة دون المعانی الشرعیّة والذی یسهل الخطب أنّ تلک الألفاظ ظاهرة فی المعانی الشرعیّة فی أکثر الموارد ولذلک صرّح غیر واحد بعدم الثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً فإنّ ألفاظ الکتاب و السنة الواصلتین إلینا یداً بید معلومتان من حیث المراد فلا شکّ فی المراد الاستعمالیّ منهما ولایتوقّف فی حملهما علی المعانی الشرعیّة.

ص:61

ص:62

الأمر العاشر: فی الصحیح و الأعمّ

اشارة

قبل أن ندرس أدلّة الصحیحیّ و الأعمّیّ نقدّم امورا.

1 - إنّه لاشبهة فی تأتّی الخلاف و إمکان النزاع علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیّة أو المتشرّعة فی أنّ ألفاظ العبادات الواقعة فی لسان الشارع أو المتشرّعة هل هی أسام لخصوص الصحاح من العبادات أو الاعمّ منها و أمّا بناء علی عدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة و المتشرّعة فربما یقال إنّه لامجال للنزاع لأنّ الطرفین إتفقوا علی وقوع الاستعمال فی الصحیحة و الفاسدة مجازاً بلاکلام کقولهم صلاة الحائض و صوم الوصال و صیام العیدین فی قبال صلاة المختار و صومه للیوم الشرعیّ.

اجیب عن ذلک بأنّ مجرّد وضوح کون الاستعمال فی کلّ واحد من الصحیحة و الفاسدة مجازاً لاینافی جریان النزاع علی تقدیر عدم ثبوت الحقیقة الشرعیّة بعد اختلاف مراتب المجازات فیصحّ أن ینازع فی أنّ المجاز الغالب فی لسان الشارع هل هو الصحیح علی وجه یحمل علیه اللفظ عند وجود الصارف عن المعنی الحقیقیّ أو هو الأعمّ.

فیمکن أن ینازع فی أنّ أقرب المجازات أو أشیعها هل هو الصحیح أو الأعمّ فإذا احرز أنّ الأشیع هو استعمالها فی الصحیح أو الأعمّ فلا حاجة إلی إحراز بناء الشارع لوجود بناء العقلاء علی تقدیم الأقرب و الأشیع لأنّ ثبوتهما کافٍ فی التعیین و دعوی الإجمال و التردّد لامجال لها.

ص:63

2 - إنّ لفظی الصحیح و الفاسد لهما إطلاقان أحدهما بالنسبة إلی المرکّبات التکوینیّة و ثانیهما بالنسبة إلی المرکّبات الاعتباریّة کالمعاملات و العبادات فإذا اطلقا علی المرکّبات التکوینیّة کان معناهما انهما مشتملین علی الوجودین المضادّین لأنّهما حینئذٍ کیفیّتان وجودّیتان عارضتان للشیء فی الوجود الخارجی باعتبار اتّصافه بکیفیّة ملائمة لطبیعة النوعیّة فیقال بطّیخ صحیح بالملاک المذکور کما أنّه إذا اتّصف بکیفیّة منافرة أو بأثر لایرقب من نوعه یقال بطّیخ فاسد لمرارته أو فساده فالتقابل بینهما تقابل التضادّ.

و إذا اطلقا علی المرکّبات الاعتباریّة کان معناهما کمعنی التامّ و الناقص فالصحیح هو الجامع للأجزاء و الشرائط و الفاسد هو الذی لایجتمع فیه الأجزاء و الشرائط فالتقابل بینهما تقابل العدم و الملکة ألاتری أنّهم یقولون هذه المعاملة صحیحة و تلک فاسدة مع أنّ المعاملة الفاسدة هی التی لاتجتمع فیه الأجزاء و الشرائط و لایزید علیه بوجود ضدّ و هکذا یکون الإطلاق فی العبادات فإنّ إطلاق الفاسد علیها نوعاً من جهة فقدان الأجزاء أو الشرائط لاوجود الأضداد و علیه فلفظی الصحیح و الفاسد من الألفاظ المشترکة و الشاهد علیه أنّه لاحاجة فی استعمالهما فی التام و الناقص إلی ملاحظة العلاقة أو تخیّل وجود المنافر و لیس ذلک إلّا لکونهما من الألفاظ المشترکة و المراد من لفظی الصحیح و الفاسد فی عنوان البحث أعنی أنّ ألفاظ العبادات هل هی أسام لخصوص الصحیحة أو الأعمّ منها هو المعنی الثانی.

فالصّحة بمعنی التمامیّة و یقابلها الفساد و هو بمعنی عدم التمامیّة و تقابلهما تقابل العدم و الملکة لاتقابل التضادّ و لاخلاف بین الفقهاء و المتکلّمین و علماء الأخلاق و النفس فی أنّ الصحّة بمعنی التمامیّة و الفساد بمعنی عدمها و إنّما اختلفوا فی ذکر محقّقاتهما و لوازمها و علیه فتفسیر الصحّة بإسقاط القضاء کما عن الفقهاء أو بموافقة

ص:64

الشریعة الموجبة لصدق الطاعة و استحقاق الثواب کما عن المتکلّمین أو بالمقرّبیّة أو المعراجیّة کما عن علماء الأخلاق لایکشف عن تعدّد المعنی بل هذه الاُمور من لوازم التمامیّة أو محقّقاته. کما لایوجب اختلاف مصادیق التمامیة أو محقّقاته بحسب اختلاف الحالات کالسفر و الحضر و الاختیار و الاضطرار و غیرها تعدّد المعنی لأنّ الاختلاف فی المصادیق لافی معنی التمام إذ کلّ صلاة مشروعة فی کلّ حال تامّة و لیست بناقصة فصدق التامّة عل کلّ یشهد علی أنّ المعنی واحد و الاختلاف فی ناحیة المصداق فلا تغفل.

ثمّ إنّ الصحّة و الفساد أمران إضافیّان لما سیأتی من منع دخالة الشرائط التی تتأتّی من قبل الأمر کقصد القربة و جواز الامتثال الإجمالی مع امکان الامتثال التفصیلی أو الشرائط العقلیّة المحضة مثل اشتراط کون المأمور به غیر مبتلی بالمزاحم الأهمّ أو غیر منهیّ بالفعل فالمراد من الصحیح هو الجامع للأجزاء و الشرائط فی نفسه ویقابلها الفاسد و هو الذی لیس کذلک وهذا أمر عرفیّ لصدق الصحیح علی المرکّبات التولیدیّة فیما إذا کانت واجدة لأجزائها و شرائطها فی نفسها کالسیّارة من دون لزوم اجتماع شرائط تأثیرها من وجود البترول أو السائق و عدم وجود المزاحم و لیس هذا إلّا لما عرفت من عدم دخالة غیر أجزائها و شرائطها فی نفسها فی إطلاق الصحّة.

ثمّ إنّه ربما یکتفی فی عنوان البحث عن ذکر الصحّة و الفساد بذکر عنوان آخر فیقال إنّ البحث فی تعیین الموضوع له فی الألفاظ المتداولة فی الشریعة أو فی تعیین المسمّی لها أو فی تعیین الأصل فی الاستعمال فیها ولکّنه لاتستغنی عنهما و لامفرّ عن البحث عن معناهما إذ یقع الکلام حینئذٍ فی أنّ المراد من الموضوع له و المسمی له ماهو؟ فلابدّ من ذکر الصحیح و الفاسد بالحمل الأوّلیّ أو الشائع الصناعیّ کعنوان الجامع للأجزاء و الشرائط.

ص:65

3 - یمکن تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ بأن یقال إنّ الصحیح هی المهیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها دخل فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه.

والملحوظ فی هذا التعریف هو عنوان الأجزاء والشرائط علی إبهام من دون تعیین لنحو الأجزاء و الشرائط و علیه فیشار بهذ التعریف إلی جمیع الذوات المرکّبة المختلفة بحسب الأجزاء والشرائط کما یشهد له عدم الحاجة إلی إعمال عنایة و ملاحظة علاقة فی إطلاق الصلاة علی صلاة غیر المختارین.

فمهیّة الصلاة بالمعنی المذکور حاکیة عن جمیع أنواع الصلوات الصحیحة لأنّ کلّ صلاة صحیحة واجدة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه و یصدق هذا العنوان الجامع علیه و یؤیّده عموم قوله علیه السلام: الصلاة لاتترک بحال الوارد فی مورد الصلاة الناقصة العذریّة و توّهم کون الإطلاق علی الصلوات العذریّة من باب التوسّع لاوجه له بعد مساعدة الارتکاز علی کون الإطلاق فیه بنحو الإ طلاق فی سائر المقامات.

وهذا المعنی العامّ مشترک بین جمیع أفراد أنواع الصلوات الصحیحة و هو کافٍ فی تصویر الجامع علی القول الصحیحیّ و لاوقع لما یقال من أنّ الجامع المرکّب لایتصوّر و إلّا لزم الخلط بین الصحیح و الفاسد لأنّ کلّ ما فرض جامعاً یمکن أن یکون صحیحاً و فاسداً.

و ذلک لأنّ الخلط لازم فیما إذا فرض الجامع المذکور مرکّباً من الأجزاء والشرائط الشخصیّة کالمؤلّف من أربع رکعات إذ صلاة المسافر فی أغلب الأمکنة رکعتان فالأربعة بالنسبة إلیه فاسدة و المؤلّفة من الثنائیّة بالنسبة إلی المسافر صحیحة و لکن بالنسبة إلی الحاضر فاسدة.

ص:66

وأمّا إذا فرض الجامع المذکور مرکّباً من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها من دون اعتبار نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأجزاء و الشرائط فلایشمل الفاسدة حتّی یلزم الخلط لأنّ مصادیق هذا العنوان الجامع لیست إلّا الأفراد الصحیحة لأنها هی التی تکون جامعة للأجزاء و الشرائط المذکورة دون الأفراد الفاسدة.

وهذا التعریف أجود ممّا أفاده المحقّق الإصفهانیّ قدس سره من أنّ الوضع بإزاء سنخ عمل مبهم فی غایة الإبهام بمعرّفیّة النهی عن الفحشاء فعلاً و غیرها من الخواصّ المحقّقة له بمراتب الصحیحة فقط.

کما أنّه أجود أیضاً ممّا أفاده الفاضل الإیروانیّ من أنّه اسم لعدّة أجزاء ثابت لها الأثر الخاصّ کالنهی عن الفحشاء فلایتّجه علیه شیء فبهذا الأثر یشار إلی الذوات المرکّبة المختلفة بحسب الأجزاء و الشرائط المؤثرة فی هذا الأثر.

وجه الأجودّیة هو أنّ تفسیر الصلاة بسنخ عمل خلاف الظاهر من معناها المرتکز فی أذهان عرف المتشرّعة إذ الصلاة هی مهیّة جامعة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه.

کما أنّ الإشارة إلی الأفراد بالأثر کما أفاده فی نهایة النهایة لایناسب تصویر الجامع المرکّب فإنّ الجامع یحکی عن الأفراد من دون حاجة إلی أخذ الأثار. و کیف کان فالأجزاء کلّها معتبرة فی الجامع المذکور بنحو الإبهام و أمّا الشرائط فما لم تتأتّ من قبل الأمر فهو معتبر و أما المتاتّی من ناحیته فلامدخلیّة له فی الجامع المذکور إذ لیس دخیلاً فی الباعثیّة علی الأمر بها لأنّ المفروض هو کونه عارضا علی الأمر فلایکون باعثا إلیه کما لادخل للشرائط العقلّیة کخلوّها عن المزاحمات وعلیه فالجامعیّة و الصحّة فی المرکبات تکون بالإضافة إلی الأجزاء والشرائط المعتبرة فیها فی نفسها کما لایخفی.

ص:67

4 - ذهب صاحب الکفایة بعد ما لم یتصوّر الجامع المرکّب إلی انه یمکن تصویر الجامع البسیط علی القول الصحیحیّ بأن یقال إنّ الاشتراک فی الأثر کالانتهاء عن المنکر أو المعراجیة یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد یؤثّر الکلّ فیه بذلک الجامع و علیه فیصحّ تصویر المسمّی بلفظ الصلاة مثلاً بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحو هما انتهی.

لایقال: إنّ الاستکشاف المذکور یبتنی علی القاعدة الفلسفیّة و هی أنّ الواحد لایصدر إلّا عن الواحد مع أنّ القاعدة المذکورة مربوطة بالواحد الشخصیّ دون الواحد النوعیّ لجواز استناده إلی المتعدّد کالحرارة الواقعة إحدی جزئیّاتها بالحرکة و اخری بالشعاع و اخری بالغضب و اخری بملاقاة النار و علیه فالأفراد الصحیحة مشترکة فی النهی عن الفحشاء و هو الواحد النوعیّ و هو علی ما ذکر لایکشف عن وحدة المؤثّر إذ لعلّ ذلک الواحد النوعیّ مستند إلی المتعدّد فالاشتراک فی الأثر النوعیّ لا یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد.

لأنّا نقول: إنّ مقتضی السنخیّة بین العلّة والمعلول هو امتناع صدور المعلول الواحد النوعیّ عن الفواعل المفیضة المتکثّرة نوعاً و علیه فإذا کانت المعالیل متّحدة بالنوع و إن کانت متکثّرة بالشخص تکشف عن کون الفواعل المتعدّدة مشترکة فی نفس الکمال الذی یکون واحداً بالنوع و علیه فیصحّ استکشاف الاشتراک فی جامع واحد بالاشتراک فی الأثر إن قلت إنّ جهة النهی عن الفحشاء و المنکر واحدة بالعنوان لاواحدة بالذات و الحقیقة و الواحد بالعنوان لایکشف إلّا عن واحد بالعنوان و هو عنوان الناهی عن الفحشاء والمنکر و إن کانت ذات المنکر فی کلّ مرتبة مبائنة للمنکر الذی تنهی عنه مرتبة اخری وعلیه فلایکشف تأثیر الصلاة بمراتبها المختلفة کمّا و کیفا فی الانتهاء عن الفحشاء عن وحدة حقیقیّة ذاتیّة بین مراتب الصلاة.

ص:68

قلت: إنّا نمنع المبائنة بین أفراد النهی و الانتهاء عن المنکرات فإنّها تشترک فی جامع النهی و الانتهاء و معه کیف لایکشف عن اشتراک الصلوات فی حقیقة واحدة و لو نوعاً.

هذا مضافاً إلی أن کشف الواحد بالعنوان عن الواحد بالعنوان کافٍ فی مسألة الوضع و لاحاجة إلی کشف الوحدة الحقیقیّة الذاتیّة بین مراتب الصلاة.

لایقال: إنّ أثر الصلاة کثیر إذ کونها ناهیة عن الفحشاء غیرکونها عمودالدین و هکذا فلوکانت الآثار صادرة عن الصلاة لزم أن یکون فیها حیثیّات متکثرّة حسب تکثّر تلک الآثار و علیه فلاتکشف تلک الآثار المختلفة عن جامع واحد و إرجاع جمیع الآثار إلی معنی واحد وهو الکمال الحاصل للمصلّی بسبب عمله القربیّ تخّرص علی الغیب.

لأنّا نقول: إنّ الأثار المذکورة بعضها یکون من لوازم بعض آخر و فی طولها مثلاً مع إقامة الدین باقامة الصلاة ترتفع الفحشاء و المنکرات بحذافیرها و علیه فلیست بین الآثار مباینة.

هذا مضافاً إلی أنّ تکثیر الحیثیّات فی الصلاة لاینافی بساطة حقیقة الصلاة کما لاینافی إطلاق المعلوم و المعلول علی البسیط مع بساطته وعلیه فتکّثر الحیثیّات المستکشفة عن اختلاف الآثار لاینافی بساطة المؤثّر فتحصّل أنّ دعوی إمکان استکشاف تصویر الجامع البسیط بوحدة الآثار غیر مجازفة فتأمّل والوجه فی التأمل أنّه خلاف الظاهر من لفظ الصلاة فان المنسبق منها هو المهیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط وهو مرکّب ولیس ببسیط فإرادة المؤثّر أو الناهیة أو غیر ذلک من لفظ الصلاة خلاف الظاهر.

ص:69

أضف إلی ذلک أیضاً أنّ استکشاف المؤثّر البسیط من وحدة الآثار إنّما یصحّ إذا اختصّت الآثار بأفراد الصلاة و أمّا إذا عمّت سائر أفراد العبادات أو احتمل عمومها لها أو لبعضها فلا یستکشف من وحدة الآثار إلّا الجامع بین جمیع العبادات دون خصوص الصلاة.

وأیضاً أنّ لازم کون معنی الصلاة أمرا بسیطاً کالمؤثّر هو عدم صحّة استعمال لفظ الصلاة مثلاً فی نفس الجامع الذی هو مهیّة ترکیبّة من الأجزاء و الشرائط بلاعنایة مع أنّه کما تری.

علی أنّ وحدة الأثر لو دلّت إنّما تدلّ علی وجود جهة جامعة لاعلی أنّها مسمّی لفظ الصلاة و بینهما بون بعید.

و علیه فمع إمکان تصویر الجامع المرکّب و ظهور اللفظ فیه لاتصل النوبة إلی الجامع البسیط کما لایخفی.

5 - لاإشکال فی جریان البراءة علی تقدیر تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ لانطباق الجامع بین الأفراد الصحیحة علی الأجزاء الموجودة فی الخارج أعنی المرکّب الخارجیّ کانطباق الکّلیّ علی أفراده إذ مفهوم الجامع المرکّب لیس بمطلوب إلّا باعتبار وجوده الخارجیّ ولو کان بمعنی وجوده الخارجیّ اللافراغیّ و علیه فالمرکّب الخارجیّ من حیث اتّحاده مع الکّلیّ و انطباق الکّلیّ الجامع علیه یکون تعلّقا للإرادة حقیقة فإذا انحلّ المرکّب الخارجیّ إلی متیقّن المرادیّة و مشکوک المرادیّة تجری البراءة فی المشکوک لان الشک یکون بالنسبة إلیه شکّا فی ثبوت الحکم و الإرادة و لذا ذهب أکثر من قال بالجامع بین الأفراد الصحیحة إلی البراءة.

6 - لو لم نقل بإمکان تصویر الجامع المرکّب علی القول الصحیحیّ و قلنا بتصویر الجامع البسیط فهل تجری فی المشکوک البراءة أم لا؟ ربما یقال إنّ مسمّی لفظ الصلاة

ص:70

و هو عنوان الناهی عن الفحشاء مفهوم مبیّن وقع فی حیّز الأمر لمکان القدرة علی إیجاده بالقدرة علی إیجاد معنونه و حیث أنّه مفهوم مبیّن لاینحلّ إلی معلوم و مجهول حتّی تجری البراءة فی المشکوک و انحلال مطابقه إلی معلوم و مجهول أجنبیّ عن انحلال متعلّق التکلیف لأنّه ظرف السقوط لاظرف الثبوت.

یمکن الجواب عنه: بأنّ الجامع البسیط لیس بنفسه مع قطع النظر عن وجوده فی الخارج متعلّقاً للأمر و مطلوباً إذ الماهیّة بنفسها لیست إلّا هی و لایتعلّق الطلب بها بل الماهیّة بعنوان مرآتیتها عن الخارج و مصادیقها و لو بنحو الوجود اللافراغیّ تکون مطلوبة و مأموراً بها و علیه فالخارج المفروض و هو الوجود اللافراغیّ یدور أمره بین المعلوم و المشکوک فتجری البراءة فی المشکوک و لیس المراد من الخارج هو الخارج المأتیّ به حتی یقال إنّه ظرف السقوط لا الثبوت فعنوان الناهی عن المنکر ینطبق یقینا علی الأقلّ من الأجزاء المعلومة المفروضة وجودها بنحو الوجود اللافراغیّ لأنّ الناهی عن المنکر لایخلو من تلک الأجزاء و إنّما الکلام فی الزائد علیها و هو الأکثر فتجری البراءة فیها لأنّها مشکوکة.

و لایقاس المقام بموارد الشبهات الموضوعیّة التی لایجوز الاکتفاء بها فی الامتثال کما إذا قیل جئنی بماء فأتی بمشکوک المائیّة لأنّ مع الإتیان بها شکّ فی وقوع الامتثال لعدم معلومیّة تطبیق الواجب علی المأتیّ بها هذا بخلاف المقام فإنّ تطبیق الواجب البسیط علی الأقلّ معلوم لمدخلیّته فی تحقّق الناهی سواء کان الناهی هو الأقلّ بالخصوص أو الأکثر و إنّما الشکّ فی الزائد علیه. ولو سلّم أنّ الواجب لاینطبق علی الخارج و الخارج یکون محصلاً له فحیث کان المحصّل أمرا شرعیّاً و بیانه بید الشارع فمع الشکّ تجری البراءة فی الأجزاء المشکوکة فإنّها لو کانت واجبة بیّنها الشارع ولو

ص:71

بینّها لوصل إلینا و حیث لم یصل البیان إلینا فالأصل هو العدم فالأظهر هو جریان البراءة مطلقاً سواء کان الجامع مرکّباً أو بسیطاً و سواء انطبق علی الخارج أولا.

7 - و أمّا علی تقدیر القول بالأعمّ فیمکن تصویر الجامع بوجوه:

منها أنّ لفظ الصلاة مثلاً موضوع لمهیّة مرکّبة من معظم الأجزاء بنحو الإبهام بمعنی أنّ الأجزاء فی مفهوم الصلاة مأخوذة بنحو الإبهام کأخذها فی مفهوم البیت و الدار أو السیّارة أو الطائرة فکما یصدق عنوان «الدار» مثلاً علی ما یبنی للسکونة من أیّ موادّ وبأیّة هیأة کانت فکذلک یصدق عنوان «الصلاة» علی مصادیق معظم الأجزاء فی دائرة الأجزاء الخاصّة من التکبیرة و الرکوع و السجود و القراءة و الدعاء و التشهّد و القیام و التسبیح و السلام بأیّة هیأة ترکیبیّة و إن اختلفت الهیآت الترکیبیّة بالنقص و الزیادة.

و لیس ذلک إلّا لکون لفظ الصلاة و لفظ الدار موضوعین لهیأة مّاو أجزاءٍ مّا فی دائرة الأجزاء الخاصّة مع کونها لابشرط عن الزیادة و لذا یصدق علی کلّ معظم الأجزاء کما یصدق علی جامع الأجزاء أیضاً لکونه لابشرط عن الزیادة.

و لیس الموضوع له هو مفهوم معظم الأجزاء بما هو مفهوم حتی یرد علیه أنّ لازمه هو ترادف لفظ معظم الأجزاء مع لفظ الصلاة و هو بدیهیّ الفساد.

کما لیس الموضوع له هو مصداق مفهوم معظم الأجزاء معیّنا حتّی یلزم أن یکون إستعماله فی غیره مجازاً أو أن یکون مصداقه مردّدا حتّی یلزم التبادل فی ماهیّة العبادة و أجزائها مع أنّ الذاتیّ لایختلف و لایتخلّف.

بل الموضوع له هو نفس الهیأة الصلاتیّة المرکّبة من معظم الأجزاء علی نحو الإبهام بما هی مرآة إلی الأجزاء و المصادیق فلا یلزم من ذلک الترادف و لاالمحذورات الاُخر لأنّ کلّها ناشئة من الوضع للمفهوم بما هو مفهوم أو للمصادیق الخارجیّة بنحو التعیین أو التردید.

ص:72

و حیث إنّ الموضوع له مفهوم کلّیّ بما هو مرآة إلی مصادیقه یصدق علی جمیع مصادیقه کصدق سائر المفاهیم الکلّیّة فالقول بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الکّلیّ فی المعیّن أو أنّ الموضوع له هو أحد الاُمور من أربعة أجزاء أو خمسة أو ستّة علی البدل غیر سدید لما عرفت من کلّیّة المفهوم و صدقه علی جمیع مصادیقه نحو صدق سائر المفاهیم الکلّیّة.

و أمّا صدق الصلاة علی فاقد معظم الأجزاء کصلاة الغرقی فإن لم نقل بأنّ الإشارة تقوم مقام المعظم و باعتباره یکون صدق الصلاة علیها صدقا حقیقیّاً لأنّ معظم کلّ شیء بحسبه فهو مجاز لفقدان معظم الأجزاء و صحّتها بعنوان الصلاة شرعاً إلحاق حکمّی کما لایخفی.

ومنها: أنّ ألفاظ العبادات أسماء لأجزاء معلومة کالأرکان الأربعة فی الصلاة من التکبیرة و الرکوع و السجود و الطهارة فجمیع أفراد الصلاة أعنی الصحیحة المشتملة علی الأرکان و الزائدة علیها و الفاسدة المقتصرة علیها و الزائدة علیها تکون من حقیقة الصلاة و یطلق علی جمیعها لفظ الصلاة علی وجه الاشتراک المعنویّ.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره علی ما حکی عنه بأنّ لازم هذا القول هو انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأرکان و إن اشتملت علی بقیّة الأجزاء (انتهی موضع الحاجة).

والإشکال وارد علی هذا الجامع من جهة تقیید الأجزاء بالمعلومة و أمّا إذا أخذها مبهمة ولو من بین الأجزاء المعلومة کما مرّ فی الوجه الأوّل فلایرد علیه الإشکال المذکور کما لایخفی.

ثمّ إنّا أغمضنا عن ذکر خلاصة سائر الوجوه لأنّها إمّا راجعة إلی الوجه الأوّل أو راجعة إلی الاشتراک اللفظیّ الذی یکون أجنبیّا عن تصویر الجامع المعنویّ بین الصحیح و الفاسد فلاتغفل.

ص:73

8 - ثمرة النزاع علی المعروف هو إجمال الخطاب علی قول الصحیحیّ دون قول الأعمّیّ فلایجوز الرجوع إلی إطلاق الخطاب فی الأوّل لرفع الشکّ فی جزئیّة شیء أو شرطیّته لأنّ مرجع الشکّ فیهما إلی الشکّ فی وجود ماله المدخلیّة فی قوام الموضوع له و معه یؤول الشکّ إلی الشکّ فی صدق الموضوع و التمسّک بالدلیل علیه تمسّک به فی الشبهات الموضوعیّة و هو باطل هذا بخلاف قول الأعمّیّ فإنّه یجوز له التمسّک بالإطلاق الذاتیّ فیما إذا لم یکن الشکّ فیما له دخل فی انحفاظ الذات و کانت مقدّمات الإطلاق تامّة لأنّ مع انحفاظ الذات فالشکّ یکون فی أمر لا دخالة له فی قوام المتعلّق فیرفع الشکّ بأصالة الإطلاق فی ناحیة المتعلّق.

فإن کان إطلاق فی صلاة الجماعة و قلنا بالوضع للأعمّ و شککنا فی جواز اقتداء أحد المجتهدین المختلفین فی الرأی أو المقلّدین للمجتهدین المختلفین بالآخر مع العلم بإتیان خلاف رأیه و عدم جوازه یمکن الأخذ بإطلاق الدلیل و رفع الشکّ عن اعتبار الموافقة فی الرأی و العمل.

و دعوی أنّ الثمرة المذکورة مبتنیة علی وجود الإطلاقات و هی مفقودة کما تری بعد وجود الإطلاقات الواردة فی أجزاء الصلاة کالتشهد و الرکوع و السجود من حیث التوالی أو الطمأنیة أو الموافقة فی الرأی و العمل فی الجماعة أو غیر ذلک هذا مضافاً إلی إطلاقات المخترعات الشرعیّة الرائجة فی الاُمم السابقة کالمعاملات الرائجة فی الأقوام و الملل فکما یکون للأدلّة الواردة فی المعاملات إطلاق إمضائیّ فکذلک الأمر فی الإطلاقات الواردة فی العبادات الرائجة فی الاُمم السابقة.

لایقال: إنّ متعلّق الأوامر الشرعیّة لیس الحصّة الفاسدة و لا الجامع بینها و بین الحصّة الصحیحة ضرورة أنّ الشارع لایأمر بالحصّة الفاسدة أو الأعمّ منها و علیه فالأعمّیّ أیضاً کالصحیحیّ فإنّ المسمّی و إن کان عنده أعمّ ولکن بحسب أمر الشارع و إرادته یکون

ص:74

مقیّدا بالصحّة فإذا کان الفاسد خارجاً عن دائرة المتعلّق فالمتعلّق معنون بضدّ الخارج و هو الصحیح و علیه فلایجوز التمسّک بالإطلاق فی المشکوک الجزئیّة أو الشرطیّة لأنّه تمسّک بالإطلاق فی الشبهات المصداقیّة کما لایجوز التمسّک بدلیل الخاصّ المفید لإخراج الفاسد فإنّ التمسّک به تمسّک به فی الشبهات الموضوعیّة.

لأنّا نقول: - کما أفاد الشیخ الأعظم قدس سره علی ما حکی عنه - إنّ تعنون المطلق أو العامّ بضدّ الخاصّ أمر صحیح(1) ولکنّه لیست الأفراد الخارجة عن حقیقة الصلاة معنونة بالفساد حتی تعنون المطلق أو العامّ بضدّه و هو الصحّة إذ مثل قوله علیه السلام

«لاصلاة إلّا بفاتحة الکتاب» لایفید إلّا خروج ذلک من حقیقة الصلاة و متعلّق الحکم غایته أنّ المتعلّق بعد خروجه متعنون بعدم مثل هذا المورد.

نعم مثل هذا المورد معنون بالفساد بعد اتّصافها بالخروج فکونه فاسداً موقوف و مترتّب علی خروجه ولذلک لایوجب خروجها عن المتعلّق تعنون المطلق بضدّ الفساد لأنّه فی حال الخروج لایکون معنونا بالفساد و علیه فالمتعلّق لایکون معنونا بالصحیح حتّی یشکل التمسّک به فی الموارد المشکوکة.

هذا مضافاً إلی أنّ الاستعمالات الشرعیّة لاتنحصر فیما إذا کانت مأمورا بها حتّی یقال إنّ المأمور به لایمکن أن یکون فاسداً لإمکان أن یستعمل ألفاظ العبادات بعنوان لموضوع لحکم آخر ففی هذه الصورة لایکون لفظ العبادة مأمورا به فیمکن التمسّک بإطلاقه مثلاً إذا دلّ الدلیل علی صحّة الإقتداء لصلاة العادل فعلی الصحیحیّ لایجوز

ص:75


1- (1) ولایخفی علیک ان الشیخ ذهب فی مطارح الانظار، ص 163 الی عدم إمکان أخذ الصحة و الفساد فی متعلق الارادة و الأمر لانهما من العناوین المتأتیة من قبلهما ولذا صرح بجواز الأخذ بالاطلاقات فی الموارد المشکوکة فراجع و سیأتی ان شاء الله فی ص 454 ما ینفع فی المقام.

الاقتداء إلّا بمن احرزت صحّة صلاته ولو بالأصل و علی الأعمّیّ تصحّ الصلاة خلف الغیر ولو لم یوافقه فی العمل بعد إتیانه بمسمّی الصلاة هذا.

والحقّ أن یقال: إنّ ما ذهب إلیه المعروف من إجمال الخطاب علی الصحیحیّ و عدمه علی الأعمّیّ منظور فیه فإنّ إجمال الخطاب فیما إذا کان القائل بالصحیح قائلاً بالوضع لأفراد الصحیح بنحو الوضع العام و الموضوع له الخاص فحیث لم یعلم أنّ الصحیح ما هو لم یعلم أنّ الصلاة ما هی و أمّا علی تصویر الجامع سواء کان بسیطاً أو مرکّباً فهو مبیّن و لا إجمال فیه و مجرّد عدم جواز التمسّک به فی الموارد المشکوکة لایوجب إجمالاً فی المفهوم و إلّا فمامن عامّ إلا و له شبهات موضوعیّة فیصیر کلّ عامّ مجملاً بعدم شموله للموارد المشکوکة مع أنّه کماتری. فلاوجه لجعل الإجمال ثمرة الصحیحیّ و عدمه ثمرة الأعمّیّ بل الثمرة فی المقام هو أن یقال: إنّ البحث عن الوضع للصحیح أو الأعمّ یوجب حمل الألفاظ الشرعیّة علی خصوص الصحیح علی قول الصحیحیّ و علی الأعمّ علی قول الأعمّیّ و لایختصّ الحمل المذکور بموارد أمر الشارع بالمتعلّقات الشرعیّة بل هو جار فیما إذا کانت ألفاظ العبادات موضوعة للأحکام الاُخر کالتخییر بین الحلق و التقصیر لمن حجّ فی السابق فلو علم الحاجّ بفساد حجّه فی العام السابق کان التخییر المذکور علی الأعمّیّ دون الصحیحیّ و کما اذا نذر ان یعطی من صلی درهما فیجب علیه اعطائه لمن صلی ولو فاسداً فلاتغفل.

ثمّ إنّ تشخیص الموضوع له فی أسامی العبادات حیث یحتاج إلی مهارة فنّ علم الاُصول إذ العرف لایصل یده إلیه بنفسه فلا مانع من عدّ هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة فان نتیجة هذه المسألة کمسالة الحقیقة الشرعیّة تقع فی طریق استنباط الأحکام الشرعیّة مثلاً إذا ورد لفظ من ألفاظ العبادات فی متعلّق الأوامر أو فی موضوع

ص:76

أحکام أخر نقول هذا من ألفاط العبادات و حیث ثبت أنّ ألفاظ العبادات موضوعة لخصوص الصحیح فمدلولها خصوص الصحیح أو حیث أنّها موضوعة للأعمّ فمد لولها هو الأعمّ و قد یقال ان المسألة من مبادی المسائل الفقهیة فانه وقع الکلام فی ان الفاظ العبادات هل تعدّ من المطلقات لیمکن الأخذ باطلاقها فیما اذا وردت فی الخطاب الشرعی أو لا و یمکن الجواب عنه بان تشخیص الموضوع له لاسامی العبادات علی عهدة مهرة فن الاصول و الا فالعرف لایصل یده الیه فلایکون خارجاً عن المسألة الاصولیة و إذا عرفت الاُمور المتقدّمة فقد حان الوقت لملاحظة أدلّة الصحیحیّ وادلة الأعمیّ.

أدلّة الصحیحیّ

و قد یقال أنّ أدلّة الصحیحیّ متعدّدة:

منها: التبادر بتقریب أنّه إذا قیل لک صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو توضّأت أو اغتسلت للصلاة لم ینصرف إلّا إلی الصحیحة و لایحمل علی الفاسدة إلّا بالقرینة و ذلک من أقوی الأمارات علی کونها حقیقة فی مهیّة هیأة الصلاة الجامعة للأجزاء و الشرائط.

اورد علیه بأنّه لیس کلّ تبادر أمارة علی الحقیقة بل ما لایکون لغیر اللفظ فیه مدخلّیة فإن انسبق المعنی من اللفظ بمجرّد إطلاقه من غیر ملاحظة شیء من الاُمور الخارجیّة دلّ ذلک علی خصوص الوضع له و أمّا إذا انضمّ إلیه شیء آخر لم یکن ذلک دلیلاً علی کونه حقیقة فیه إذ لاملازمة بین الفهم المذکور و الوضع.

ألا تری أنّ المتبادر من سائر العقود کالبیع و الإجارة و المزارعة و المساقات و غیرها إذا اطلقت هو الصحیحة مع أنّها تکون موضوعة للأعمّ.

ص:77

و الشاهد لذلک صحّة الجمع بین هذین القولین: رأیت فلانا یصلّی، و لایکون صلاته صلاة صحیحة و عدم صحّة الجمع بین هذین القولین: رأیت فلانا یصلّی و لایصلّی للمناقضة فی الثانی دون الأوّل، هذا دلیل علی أنّ المراد بالصلاة المطلقة فی قوله رأیت فلانا یصلی و لایکون صلاته صلاة صحیحة هو الأعمّ من الصحیح و الفاسد و إلّا فلافرق بین الإطلاق و التقیید فی عدم جواز الجمع لوجود المناقضة فی الصورتین لایقال جملة ولایکون صلاته صلاة صحیحه تصلح للقرینیة علی ان المراد من قوله رأیت فلانا یصلی هو الأعم و الّا فمع عدم القرینة یتبادر منه الصحیحة لأنا نقول الأمر کذلک لو کانت جملة و لایکون صلاته صحیحة متصلة بجملة رأیت فلانا یصلی ولکن الکلام فی الجملتین المنفصلتین و من المعلوم انه لامناقضة بینهما مع الانفصال فی الأول دون الثانی و هو شاهد علی ان المراد من قوله فلانا یصلی هو الأعم لاخصوص الصحیح.

وعلیه فتبادر الصحیح من جهة استناد العمل إلی نفسه فی مثل قوله صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو من جهة تعلّق الأمر فی مثل ایت بالصلاة و الصوم من القرائن الخاصّة و العامّة لایرتبط بالوضع الشرعّی.

هذا مضافاً إلی أنّ تبادر هذا المعنی عندنا من إطلاق لفظ العبادات مجرّدا عن القرائن الخاصّة و العامّة لایکشف عن کونه کذلک عند الشارع بعد احتمال استعمال الشارع فیه بتعدّد الدالّ و المدلول و حصول التبادر فیه بعد ذلک بتکرّر الاستعمال و الإطلاق فیه إذ لاأصل فی البین حتّی یتعیّن حال استعمال الشارع فلاتغفل.

و بالجملة فالظهور المذکور أعمّ من أن یکون من ناحیة الوضع أو تکّرر الاستعمال فلایکون دلیلاً علی کون ألفاظ العبادات موضوعة عند الشارع للمعانی الصحیحة.

ص:78

ومنها: أنّه ربما یقال إنّ صحّة السلب عن الأعمّ باختلال بعض الاجزاء أو الشرائط تدلّ علی أنّه موضوع لخصوص الصحیح و استدلّ له بأنّ ذلک ممّا یساعد له العرف و الاعتبار مضافاً إلی دلالة طائفة من الأخبار کقوله علیه السلام:

«لاصلاة إلّا بطهور» و

«لاصلاة إلّا بفاتحة الکتاب» لما تقرّر فی محلّه من ظهور هذه التراکیب فی نفی الحقیقة والماهیّة ونفی الحقیقه و الماهیة یستلزم کون لفظ الصلاة مثلاً حقیقه فی الصحیح و الجامع للاجزاء و الشرائط و الّا فلامجال لسلب الحقیقه ونفیها باختلال بعض الاجزاء أو الشرائط ثم ان الخبر المحذوف فی مثل لاصلاة الا بطهور هو الوجود بل ربما نسب إلی بعض المحقّقین أنّ «لا» غیر محتاجة إلی الخبر فیکون العدم المستفاد منه عدما محمولیّا و هو أقرب لتسمیته بنفی الجنس حیث أنّ المنفی هو نفی الجنس لاوجوده.

اورد علیه أوّلاً: بمنع مساعدة العرف علی صحّة السلب عن مطلق الفاسد ألا تری أنّ العرف لاینفون أسامی المخترعات عنها بمجرّد اختلال بعض أجزائها بل یطلقون علیها تلک الأسامی ما لم تکن فاقدة لمعظم الأجزاء من دون حاجة إلی إعمال عنایة أو ملاحظة علاقة و لیس ذلک إلّا لکون إطلاقها علیها حقیقة.

و المفروض أنّ الشارع لم یسلک طریقة اخری غیر طریقة العقلاء فی مخترعاتهم فکما أنّ المخترعین وضعوا أسامی مخترعاتهم لها من دون ملاحظة تمامیّتها للأجزاء و الشرائط فکذلک الشارع وضع أسامی عباداته و مخترعاته للأعمّ من الصحیح.

فدعوی صحّة السلب کما تری. هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا مساعدة عرف المتشرّعة فی صحّة السلب فلاطریق لنا لإثبات کونه کذلک فی صدر الإسلام لاحتمال صیرورته کذلک بعد ذلک بتعدّد الدالّ و المدلول و تکرّر الاستعمالات عند المتشرّعة فلایثبت بذلک الوضع الشرعیّ للصحیح.

ص:79

و أمّا الاستشهاد بالأخبار المذکورة ففیه أن مع تبیّن المراد لامعنی للأخذ بأصالة الحقیقة و الحکم بأنّ المستعمل فیه اللفظ هو معناه الحقیقیّ فإنّ مجری أصالة الحقیقة إنّما هو عند الشکّ فی المراد و دوران الأمر بین المعنی الحقیقیّ و المجازیّ لافی ما إذا کان المراد معلوماً و شکّ فی کونه حقیقة أو مجازاً فإنّ فی مثله لابناء من العقلاء علی الحمل علی الحقیقة هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ استعمال هذه التراکیب فی نفی الصحّة شائع فی الشرع بحیث لم یبق له ظهور عرفیّ فی نفی الماهیّة و علیه فشیوع استعمال هذه التراکیب فی نفی الصحّة مجازاً أو فی نفی الحقیقة ادّعاء بداعی نفی الصحّة مانع من ظهورها فی نفی الحقیقة حقیقة فالمقصود من هذه التراکیب نفی الصحّة باختلال بعض الشرائط و الأجزاء لانفی الحقیقة حتی تدلّ صحة سلبها علی ان اللفظ موضوع لخصوص الصحیح.

ومنها: الأخبار الدالّة علی إثبات بعض الخواصّ و الآثار للمسمّیات کقوله علیه السلام «الصلاة عمود الدین» أو «معراج المؤمن» بدعوی أن هذه الأخبار تدلّ بحکم عکس النقیض علی أنّ ما لایوجب المعراج لیس بصلاة فیختصّ موضوع له للفظ الصلاة بالصلاة الصحیحة.

وفیه أوّلاً: أنّ ذلک مبنیّ علی أن یکون تلک الخطابات واردة فی مقام بیان أحکام تلک العبادات علی وجه الإطلاق و هو غیر معلوم.

وثانیاً: أنّ الصحیح فی أمثال تلک الأخبار معلوم بقیام القرینة لاباستعمال اللفظ فیه و هو الحکم المذکور فیها کقولنا العالم یقتدی به فإنّ لفظ «العالم» مستعمل فی الأعمّ من العادل ولکن المعلوم هو إرادة العادل بقرینة حمل المحمول علیه.

ومنها: حکمة الوضع بدعوی أنّها تقتضی اختصاص الوضع بالمرکّب التامّ لوجود الحاجة إلی ذلک کثیراً.

ص:80

وفیه: منع حصر الحاجة فیه لعدم ندرة الحاجة إلی استعمال ألفاظ المرکّبات فی غیر التامّ أیضاً ثم ان مع وجود الحاجة فی غیر التام أیضاً لاوجه لتخصیص غیر التامّ بالفاقد لشرائط التأثیر بل یعمّ الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط الداخلیّة أیضاً بعین الملاک.

أدلّة الأعمیّ

وأمّا أدلّة الأعمّیّ فهی أیضاً متعدّدة ذهب العلاّمة علی المحکیّ فی غیر موضع من النهایة و ولده فخر المحقّقین فی محکیّ الأیضاح و الشهید الثانی و الشیخ البهائیّ إلی القول بالأعمّ و استدلّوا لذلک بوجوه:

الأوّل: التبادر: بدعوی أنّه لایتبادر من ألفاظ العبادات إلّا معظم الأجزاء.

وفیه: أنّ التبادر غیر معلوم الاستناد إلی حاقّ اللفظ ولو سلّم أمکن أن یکون إطلاقیّا و حاصلاً من کثرة الاستعمال فلایدلّ التبادر المذکور علی کونه کذلک فی صدر الإسلام.

الثانی: حکمة الوضع: فإنّها کما تقتضی الوضع للمرکّبات التامّة فکذلک تقتضی الوضع للأعمّ منها لوجود الحاجة إلی الإفادة و الاستفادة بالنسبة إلی کلیهما و لاوجه لاختصاص الوضع بأحدهما مع کثرة الحاجة فی کلیهما فکما أنّ بناء المخترعین لیس علی اختصاص أسامی مخترعاتهم بالکامل منها فکذلک یکون بناء الشارع لعدم اتّخاذه طریقا آخر لإفادة مراداته فألفاظ المرکّبات موضوعة للأعمّ.

و المقصود من الأعمّ مع وسعة أطرافه کما یظهر من ملاحظة ألفاظ المخترعات هو معظم الأجزاء لأنّه الذی یصحّ إطلاقها علیه من دون عنایة.

الثالث: صحّة سلبه عن خصوص الصحیح تدلّ علی أنّه مجاز فی خصوص الصحیح و حیث لم یکن خصوص الفاسد أیضاً متبادراً یستکشف من ذلک أنّ الموضوع له هو الأعمّ منهما.

ص:81

وفیه: أنّی لنا بإثبات وجود ذلک فی صدر الإسلام و عهد الشارع و لعلّه صار هکذا بالإطلاق و الاستعمال فی مرور الزمان و لاأصل حتّی یثبت ذلک.

الرابع: صحّة تقسیم ألفاظ العبادة إلی الصحیحة والسقیمة بدعوی أنّه لو لاوضعها للأعمّ لزم تقسیمها إلی نفسها و إلی غیرها و فیه أنّه لوسلّم ذلک فأنّی لنا بإثبات ذلک فی عهد الشارع.

الخامس: صحّة تقیید أسامی العبادات بالصحّة و البطلان بدعوی أنّه لولاوضع تلک الألفاظ للأعمّ لزم التناقض فیما إذا تقیدّت بالفاسدة و التکرار فیما إذا تقیّدت بالصحّة.

یرد علیه ما اورد علی الوجه الثالث و الرابع.

السادس: إطلاق أسامی العبادات علی الأعمّ فی جملة من الأخبار کقوله علیه السلام

«لاتعاد الصلاة إلّا من خمس» بدعوی أنّ المستعمل فیه فی قوله علیه السلام:

«لاتعاد الصلاة» أعمّ و إلّا لزم أن یکون الاستثناء منقطعاً و هو خلاف الأصل. و فیه أنّ مجرّد الاستعمال لایدلّ علی الحقیقة.

السابع: أنّه لو کانت ألفاظ العبادات أسامی للصحیحة لزم فیما إذا نذر أو حلف أن لایصلّی فی مکان مکروه أو مباح من وجود الشیء عدمه و بطلان التالی قاض ببطلان المقدّم (إلخ). بیان الملازمة انه علی القول بالصحیح یکون متعلق الحلف أو النذر فی کلام الحالف هو الصحیح فیصیر منهیا عنه لحصول الحنث بفعله و النهی یقتضی الفساد فیکون متعلق النذر أو الحلف فاسداً و ذلک یوجب عدم تعلق الحلف أو النذر بها فلزم من تعلق النذر أو الحلف به عدم تعلق الحلف أو النذر به. بخلاف ما إذا کانت الفاظ العبادات للأعم فانّه لایلزم من تعلق الحلف به محذور.

ص:82

وفیه أن الفساد إنّما یقتضی عدم تعلّق الحلف أو النذر به إذا کان المتعلّق مع قطع النظر عن الحلف أو النذر فاسداً کما إذا کان المحلوف علی ترکه فعل الصلاة بدون الرکوع مثلاً.

و أمّا الفساد الذی جاء بواسطة تعلّق الحلف أو النذر بترکه فهو لایقتضی عدم تعلّق الحلف به بل هو مؤکّد لتعلّقه لأنّ الفساد حاصل بالتعلّق فلاینافی تعلّقه به.

هذا مضافاً إلی أنّ هذا النقض یرد علی الأعمّیّ أیضاً لوکان الناذر قاصداً للصحیح کما هو الغالب فالمحذور المذکور من لوازم إرادة الصحیح لاالقول بالصحیح.

فتحصّل ممّا مرّ إمکان تصویر الجامع علی کلا القولین و أنّ الأقوی هو الأعمّ أخذا بدلیل الحکمة فلاتغفل.

أسامی المعاملات:

هنا امور: الأوّل: فی تحریر محلّ النزاع و المعروف هو عدم جریان النزاع فی کون الفاظ المعاملات موضوعة للصحیح أو الأعمّ بناء علی وضع أسامی المعاملات للمسبّبات لأن أمره یدور بین الوجود و العدم فإنّ الشرع إن وافق العرف فی اعتبار شیء تحقّق المسبّب کموافقة الشرع مع العرف فی اعتبار الملکیّة بالبیع الغیر الربویّ و إن خالفهم کنکاح المحارم أو البیع الربویّ فلایتحقّق المسبّب الشرعیّ و علیه فالمسبّبات الشرعیّة أمرها بین الوجود إذا وافق الشرع العرف فی اعتبار شیء و بین العدم إذا لم یوافقه فی الاعتبار و من الواضح أنّ اعتبار کلّ معتبر لاواقع له و راء نفسه فالاعتبار الشرعیّ قائم بالشارع کما أنّ الاعتبار العرفیّ قائم بالعرف فإذا تسبّب الشخص بما جعله الشارع سبباً لاعتباره فقد أوجد الملکیّة الاعتباریّة الشرعیّة بالتسبیب و لاحالة منتظرة بعد حصول الملکیّة الشرعیّة بعلّتها التامّة الشرعیّة و إن لم یتسببّب بما جعله الشارع سبباً فالملکیّة الشرعیّة لم توجد بعدم سببها و إن حصل الملکیّة العرفیّة.

ص:83

لایقال: إنّ التملیک العرفیّ المسبّبیّ سبب بالإضافة إلی الملکیّة الشرعیّة فإذا ترتّب علیه الملکیّة الشرعیّة کان ذلک مناط الصحّة و إلّا فهو مناط فساده.

لأنّا نقول: نحن نمنع ذلک إذ لاسببیّة بین التملیک العرفیّ المسببیّ و التملیک الشرعیّ حتّی إذا ترتّب الأثر کان صحیحاً و إذا لم یترتّب علیه کان فاسداً بل التملیک العرفیّ کالتملیک الشرعیّ أمر اعتباریّ یکون أمره بید معتبره ففی مورد الربا مثلاً حکم الشارع بعدم وقوع النقل و الانتقال أصلاً لابوقوع النقل و الانتقال العرفیّ و نفی الأثر و إلّا لزم اللغویّة و هو لایصدر عن الشارع الحکیم نعم القابل للتأثیر و عدمه هو الأسباب دون المسبّبات عرفیّة کانت أو شرعیّة.

و أمّا ما یقال من صحّة اتّصاف المسبّب بالصحّة و الفساد إذا کان المراد من المسبّب هو الاعتبار النفسانیّ القائم بالمعتبر بالمباشرة فإنّ هذا الاعتبار إذا کان من أهله فیتّصف بالصحّة حتّی عند العقلاء و إذا کان من غیر أهله کالمجنون فیتّصف بالفساد.

ففیه أوّلاً: أنّا لانسلّم کون الاعتبار المذکور مسبّباً عن سبب بعد فرض عدم دخالة شیء وراء الاعتبار النفسانیّ. وثانیاً: أنّ الاعتبار النفسانیّ الشخصی لیس سبباً لاعتبار العرفیّ أو الشرعیّ لعدم وجود رابطة العلّیّة و المعلولیّة بینهما بل الشارع أو العرف یعتبر ان الملکیّة الشرعیّة أو الملکیّة العرفیّة عند تسبّب الشخص بما جعله العرف أو الشارع سبباً لاعتبار الملکیّة و لادخالة لاعتبار الشخص فی الاعتبار العرفیّ أو الشرعیّ کما لایخفی.

فتحصّل: أنّ الأقوی هو ما ذهب إلیه المعروف من عدم مجال للنزاع إن کانت أسامی المعاملات أسام للمسبّبات بخلاف ما إذا کانت موضوعة للأسباب فإنّ للنزاع فی أنّ المراد منها هو خصوص الصحیحة أو الأعمّ مجالاً.

ص:84

الثانی: أنّ بعد معلومیّة أنّ محلّ النزاع هو الأسباب لاالمسبّبات ربما یدّعی أنّ أسامی المعاملات موضوعة لخصوص الصحیحة منها و أنّ الموضوع له هو العقد المؤثّر التامّ والاختلاف بین الشرع و العرف فیما یعتبر فی تأثیر العقد لایوجب الاختلاف المعنویّ بل الاختلاف فی المحقّقات.

وفیه: أنّ صدق أسامی المعاملات علی غیر الصحیح من دون عنایة و ملاحظة علاقة کبیع المرهون و بیع السفیه بضمیمة أصالة عدم النقل شاهد علی کونها موضوعة للأعمّ فاختلاف شرائط تأثیر السبب بین الشرع و العرف لایضرّ بصدق وجود السبب عرفا و علیه فالموضوع له هو ذوات الأسباب لاالصحیح المؤثّر التامّ و المفروض عدم تصرّف الشارع فی المسمیّ من حیث التسمیة.

الثالث: أنّ بعد استعمال ألفاظ المعاملات فی الأسباب کالمسبّبات تکون ألفاظ المعاملات مشترکة بینهما بالاشتراک اللفظیّ لعدم وجود الجامع بین الأسباب اللفظیّة و المسبّبات الاعتباریّة.

و لاوجه لتخصیص الاستعمال الحقیقیّ بالمسببّات بدعوی الارتکاز علی أنّ المراد من «بعت داری لکذا» و نحوه لیس إلّا وقوع المبادلة.

و ذلک لاستعمالها أیضاً فی الأسباب من دون عنایة ألا تری صحّة القول بأن زیداً باع ملک أخیه فیما إذا باعه من دون إذنه فصدق البیع علی إیجاد السبب ولو مع عدم وجود ما اعتبره فی تأثیره شاهد علی کونه مستعملاً فی السبب دون المسبّب إذ لامسبّب فی هذا الفرض و هکذا نری صحّة نهی النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم عن بیع الغرر مع انه لیس إلّا بیع السببی و هکذا.

الرابع: فی الأخذ بإطلاق الخطابات عند الشکّ فی اعتبار شیء شرعاً ولایخفی علیک أنّه بناء علی المختار من أنّ أسامی المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحیح العرفیّ من

ص:85

الأسباب لا إشکال فی الأخذ بإطلاقها لصدقها علیها عرفا بعد الشکّ فی دخل شیء کعربیة الصیغة شرعاً ومع صدق الصحیح العرفیّ یتحقّق موضوع الإمضاء الشرعیّ فیؤخذ بإطلاقه اللفظیّ عند احتمال مدخلیّة شیء شرعاً. وهکذا یکون الأمر إن قلنا بأنّها موضوعة للأعم من الصحیح العرفیّ من المسببات بعین الملاک.

و أمّا إذا قیل أنّها موضوعة للصحیح و المؤثّر الواقعیّ فلایجوز التمسّک بإطلاقها اللفظیّ عند الشکّ فی اعتبار شیء لأنّه تمسّک بالعامّ فی الشبهات الموضوعیّة لاحتمال دخل المشکوک فی تأثیره واقعاً.

نعم یمکن التمسّک بالإطلاق المقامیّ بإن یقال: إنّ المولی بعد ما کان فی مقام بیان الحکم الشرعیّ و إنفاذ السبب شرعاً و لم یعیّن محقّقا و لامصداقاً لما هو الموضوع لحکمه فذلک کاشف عن عدم تعیین مصداق خاصّ لموضوع حکمه شرعاً و علیه فصدق الصحیح العرفیّ یکفی فی إثبات کونه مؤثّراً واقعاً بالإطلاق المقامیّ ولکن الإطلاق المقامیّ لایجری إلّا فیما کان کذلک فی عصر الشارع و أمّا إذا لم یکن ذلک بأن کان مستحدثا و لاسابقة لصدق أسامی المعاملة علیه عرفا کعقد التأمین و نحوه فلامجال للإطلاق المقامیّ أیضاً هذا بخلاف الإطلاق اللفظیّ فإنّه مأخوذ علی نحو القضیّة الحقیقة کقولة تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)1 و غیره، فلاتغفل.

لایقال: إنّ الأخذ بالإطلاق اللفظیّ أو المقامیّ فرع کون أدلّة الإمضاء إمضاء للأسباب لاالمسببّات و هو غیر ثابت لوضوح اتّجاه أدلّة الإمضاء من الآیات و الروایات إلی إمضاء المسبّبات إذ الحلّیّة فی قوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ)2 ثابتة لنفس المبادلة و الملکیّة فی مقابل تحریمها ولامعنی لحلّیّة نفس الصیغه أو حرمتها و هکذا وجوب الوفاء فی

ص:86

قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثابت للملکیّة و المبادلة فإنّ الوفاء الإنهاء و الإتمام و من المعلوم أنّه لایتعلّق بنفس العقد لأنّه آنیّ الحصول فلابقاء له بل لابدّ و أن یتعلّق بماله قابلیّة البقاء و الدوام و هو لیس إلّا نفس المسبّب و علیه فإذا شکّ فی حصول مسبّب خاصّ کالمعاطات مثلاً فمقتضی الأصل هو عدم حصوله و الاقتصار علی القدر المتقیّن إلّا إذا کان له سبب واحد فإنّ إمضاء مسبّبه یستلزم إمضاء سببه و إلّا لکان إمضاء المسبّب لغوا و کذا مقتضی الأصل هو عدم حصول المسبب فیما إذا لم یکن فی البین قدر متقیّن و کان نسبة المسبّب إلی الجمیع من الأسباب علی حدّ سواء إذ لایمکن الحکم بإمضاء بعض دون بعض.

لأنّا نقول: أوّلاً: إنّا نمنع اختصاص ادّلة الإمضاء، بالمسبّبات، لظهور قوله تعالی:(لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)1 فی المنع عن الأکل بسبب باطل و جوازه بسبب صحیح و من المعلوم أن المسبّب الباطل لاوجود له حتّی یمکن المنع عن الأکل بسببه فإذا کان المنع عن الأکل متوجّها إلی السبب کان المراد من (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بقرینة المقابلة هو خصوص السبب أو السبب مع المسبّب.

ولظهور قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فی القرارات الإنشائیّة والإیجاب والقبول لاالمسبّب منها و لاأقلّ أن یکون المراد السبب والمسبّب کلیهما.

و الاستدلال بتعلّق وجوب الوفاء لکون المراد هو خصوص المسبّب فی غیر محله لأنّ وجوب الوفاء من توابع العقد بحدوثه فیکون قابلاً للوفاء إلی الأبد لامن توابع بقاء العقد.

وثانیاً: أنّه لوسلّمنا اختصاص أدلّة الإمضاء بإمضاء المسبّبات فلایذهب علیک أنّ الدلیل بإطلاقه علی إمضاء کلّ فرد من أفراد المسبّب فی العرف یدلّ بالملازمة و دلالة

ص:87

الاقتضاء علی إمضاء کلّ سبب یتسبّب به فی العرف إلیه و إلّا کان إطلاق دلیل المسبّب مقیّداً بغیر ذلک السبب الذی یدّعی عدم إمضائه أو لایکون له إطلاق و هو خلاف الفرض فالرجوع إلی الإطلاقات اللفظیّة لامانع منه علی جمیع التقادیر نعم لو شکّ فی اعتبار شیء عرفا فی تأثیر بعض الأسباب العرفیّة لامجال للرجوع إلی إطلاق إمضاء المسبّبات العرفیة أو إطلاق إمضاء الأسباب العرفیّة لأنّ الشکّ یرجع الی الشکّ فی صدق الموضوع کما لایخفی.

تبصرة:

1 - إنّ الشرائط علی قسمین: أحدهما: ما یکون دخیلاً فی قوام الشیء و متعلّق الأمر. وثانیهما ما یکون متأتّیا من ناحیة الأمر أو غیره من العوارض کالخلّو عن العناوین المتزاحمة فما له المدخلیّة فی الصدق هو الأوّل دون الثانی فمن ذهب إلی أنّ أسامی العبادات موضوعة لخصوص الصحیح منها جعل القسم الأوّل من الشرائط دخیلاً فی صدق الصحیح دون القسم الثانی فما یتأتّی من ناحیة الأمر خارج عن ذلک کما هو الظاهر من الشیخ حیث قال فی تعریف الصحیح هو المهیّة الجعلیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها مدخل فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها و من المعلوم ان قصد الامتثال و نحوه خارج عمّا یعتبر فی صدق الصحیح ضرورة أنّه فی مرتبة متأخرة عن الأمر فکیف یعقل أخذها فی المسمّی و فی متعلّق الأمر و من الواضح أنّ المراد من الوضع للصحیح أو الأعمّ هو الوضع لما هو واقع فی حیّز الأمر.

ثمّ إنّ المراد من الشرائط فی القسم الأوّل هو الخصوصیّة الحاصلة فی الشیء بسبب الشرائط ککون الصلاة مع الطهارة أو مقرونة مع الستر و هکذا و من المعلوم أنّ تلک الخصوصیّة لیست خارجة عن الشیء و الخارج هو ما یوجب الخصوصیّة کنفس الطهارة أو الستر و علیه فتلک الشرائط أعنی الخصوصیّة الحاصلة بسبب الشرائط کالأجزاء

ص:88

داخلة فی مهیّة العبادة و لذا یصحّ الفرق بین الأجزاء و نفس الشرائط بأنّ الأجزاء من المقوّمات و نفس الشرائط من المقدّمات لما عرفت من دخالة الخصوصیّة الحاصلة فی مهیّة العبادة دون موجبها و أسبابها.

2 - إنّ خصوصیات بعض أفراد المهیّة من المزیّة أو النقصان کالشرائط و الأوصاف المندوبة أو المکروهة کوقوع الصلاة فی المسجد أو فی الحمّام لایوجب مزیّة أو نقصانا فی ملاک ماهیّة المأمور بها فإنّ الطبیعة باقیة فی تلک الموارد کسائر الموارد و إنّما الفرق من ناحیة الامتثال أو عدمه بالنسبة إلی خطاب آخر کخطاب «صلّ فی المسجد» أو «لاتصلّ فی الحمّام» فطبیعة الصلاة لاتکون فی تلک الموارد أقصر أو أزید ملاکا من الصلاة التی اتی بها فی غیرهما بل هی هی و إنّما الفرق یکون فی امتثال سائر الخطابات و عدمه و علیه فلاوقع لما قیل من أنّ العبادة المکروهة أقلّ ثوابا لما عرفت من أنّ قلّة الثواب أو زیادته من ناحیة الامتثال و عدمه بالنسبة إلی خطابات اخر فإسناد قلّة الثواب إلی الطبیعة المأمور بها کالصلاة لیس علی ما هو علیه کما لایخفی.

3 - إنّ الصلاة مثلاً من المخترعات الشرعیّة اسم للهیأة الترکیبیّة من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة المولی نحو الأمر بها وعلیه فالطبیعة لاتحکی إلّا عمّا یکون مأخوذا فیها شطرا أو شرطا فالأجزاء الندبیّة کالقنوت خارجة عن حقیقة مسمّی الصلاة لصدقها علی فاقدها کما هو الشأن فی کلّ مشخصّ من المشخّصات الفردّیة فإنّه خارج عن حقیقة المسمّی کالإنسان و لو کانت تلک الأجزاء أو المشخصات عند الضمیمة مورد انطباق المسمّی لکون أجزائه و شرائطه مأخوذة بنحو اللابشرط لا «بشرط لا» فکما یصدق إنسان علی زید بما هو زید لامجردّا عن الخصوصیّات الفردیّة فکذلک یصدق عنوان الصلاة علی واجد الضمیمة الندبیّة ولکن ذلک لایکون دلیلاً علی دخولها

ص:89

فی حقیقة مسمّی الصلاة أو الإنسان لصدق عنوان الإنسان أو الصلاة علی فاقد المشخّصات الفردیّة.

وعلیه فوجود الجزء الاستحبابیّ لایکون دخیلاً فی الصحّة کما لایکون فقدانه موجبا للفساد و مزّیتها أو منقصتها لاتسری إلی حقیقة المسمّی إلّا من باب «زید أبوه قائم» و العنایة و المجاز و القول بأنّ المسمّی فی المخترعات الشرعیّة هی معان بسیطة مشکّکة کالتخضّع فینتزع مرتبة کاملة منها عن جمیع الأجزاء الواجبة و المستحبّة و مرتبة منها تنتزع عن الأجزاء الواجبة بضمیمة بعض الأجزاء الندبیّة و مرتبة منها تنتزع عن الاجزاء الواجبة فقطّ، مردود بعد ما عرفت من أنّ المسمّی هو الهیأة الترکیبیّة من الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة الأمر لاالعناوین البسیطة.

فإذا عرفت خروج الأجزاء الندبیّة عن حقیقة المسمّی فلو لاشبهة الزیادة فی الصلاة لأمکن القول بأن الریاء فی الأجزاء الندبیّة لایضرّ بصحّة الصلاة لأنّ الریاء یوجب فساد الجزء الاستحبابیّ لاالطبیعة المأمور بها ولکن حیث یصدق عنوان الزیادة فی الصلاة فهو یقتضی البطلان فی المرکّبات الشرعیّة التی منع عن الزیادة فیها فتدّبر جیّداً.

ص:90

الأمر الحادی عشر: فی الاشتراک

فتحصّل: أنّ الاشتراک فی الألفاظ ممکن لضعف الوجوه التی أقاموها للامتناع بل هو واقع لشهادة عدم تبادر معنی بالخصوص من المعانی فی مثل الأعلام الشخصیّة المشترکة و فی مثل «القرء» و «العین» من أسامی الاجناس و هکذا، یدل علیه عدم صحّة السلب بالنسبة إلی معنیین أو أکثر فإنّ عدم التبادر و عدم صحّة السلب لیسا إلّا لجهة اشتراک الألفاظ المذکورة لمعان مختلفة. بل لابعد فی دعوی وجوب الاشتراک بعد تناهی الألفاظ و عدم تناهی الأعلام الشخصیّة و المعانی الکلّیّة الشاملة للاخترعات و الاعتباریّات و الانتزاعیّات لمسیس الحاجة إلیه کما لایخفی.

ص:91

ص:92

الأمر الثانی عشر: فی إستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

اشارة

یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل: فی محلّ النزاع و هو ما إذا استعمل لفظ واحد فی معنیین مستقلّین أو المعانی المستقلّة بحیث یکون الاستعمال الواحد بمنزلة الاستعمالین أو الاستعمالات و یکون کلّ واحد من المعنیین أو المعانی مراداً علی حیاله و استقلاله دون ما إذا استعمل اللفظ فی مجموع المعنیین کالعامّ المجموعیّ أو أحدهما لابعینه کالفرد المردّد أو الجامع بینهما أو بین المعانی کالکلّیّ لأنّ المستعمل فیه فی أمثال هذه الموارد لیس متعدّداً و یکون خارجاً عن محلّ النزاع.

المقام الثانی: فی وجوه الامتناع و هی علی قسمین:

أحدهما: الوجوه العقلیّة منها: أنّه لایکاد یمکن فی حال استعمال واحد لحاظ اللفظ وجهاً و فانیاً فی المعنیین أو الأزید إذ بعد کون اللفظ آلة و وجهاً لمعنی و النظر بالذات إلی المعنی یستحیل أن یکون آلة لحاظ لمعنی آخر و إلّا لزم اجتماع المثلین فی شیء واحد.

وفیه: أنّ الاستعمال من باب العلامة و الدلالة لا الفناء و علیه فلامانع من أن یجعل لفظ واحد موضوع للمعانی المختلفة علامة لأزید من معنی واحد فی عرض واحد من دون حاجة إلی تکرار اللفظ أو لحاظه فی کلّ استعمال لحاظا علیحدة و

ص:93

حدیث فناء اللفظ فی معناه لاواقعیّة له و مجرّد کون النظر إلی المعانی بالأصالة نوعاً دون الألفاظ لایکون قرینة علی جعل اللفظ فانیاً فی معناه کما أنّ سرایة الحسن و القبح من المعانی إلی الألفاظ لایکون شاهداً علی الفناء المذکور لإمکان کون ذلک من جهة الارتباط الأکید الحاصل بین اللفظ و المعنی بالوضع بل اختیار لغة من بین اللغات أو مراعاة فصاحتها حین الاستعمال ینافی دعوی الفناء کما لایخفی.

ومنها: أنّ حقیقة الاستعمال هو إلقاء المعنی إلی الطرف بإلقاء اللفظ و هذا لایمکن إلّا بأن یکون اتّحاد بین اللفظ والمعنی و حیث أنّ هذا الاتّحاد لیس حقیقیّاً لأنّ اللفظ من مقولة و المعنی غالباً من مقولة اخری فلابّد أن یکون اعتباریّاً و إن شئت فسمه بالهو هویّة الاعتباریّة أو الوجود التنزیلیّ للمعنی و لهذا قالوا للشیء أربعة أنحاء من الوجودات و عدّوا منها الوجود اللفظیّ فإذا کان حقیقة الاستعمال کذلک فکیف یمکن أن یعتبر وجود واحد لطبیعیّ اللفظ وجوداً لهذه الماهیّة و وجوداً آخر لماهیّة اخری.

وفیه أوّلاً: أنّ الاستعمال لیس إلّا التکلّم بالدالّ علی المعنی بحسب الوضع أو بحسب القرائن لا القاء المعنی باللفظ فی الخارج و علیه فاعتبار وجود اللفظ وجوداً للمعنی أو اعتبار الهوهویّة و التنزیل بینهما خارج عن حقیقة الاستعمال و یحتاج إلی مؤونة زائدة و لاالتفات للمتکلّم إلیه و لاشاهد و لادلیل علیه.

وثانیاً: أنّ الوجود التنزیلیّ لیس إلّا بالاعتبار لابالذات و الحقیقة و علیه فتعدّد الموضوع له أو المستعمل فیه و جعل اللفظ الواحد مرآتا لتلک المعانی بالمواضعة الاعتباریّة لایستلزم کون شیء واحد حقیقیّ ذا وجودین أو ذا وجودات إذ الوجود الإعتباریّ لایوجب التکثّر فی الوجود الواقعیّ بل هو یحتاج إلی تکثّر الاعتبار و هو خفیف المؤونة إذ الاعتبار فی تکثّره وسعته و ضیقه و عمومه و خصوصه تابع لنظر المعتبر فیجوز له أن ینزّل أمرا واحداً منزلة أمرین أو امور و یترتّب علیه آثار المتعدّد فلاتغفل.

ص:94

ومنها: أنّ حقیقة الاستعمال لیست إلّا عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ و إلقائه إلی المخاطب خارجاً و من هنا لایری المخاطب إلّا المعنی فإنّه الملحوظ أوّلاً و بالذات و اللفظ ملحوظ بتبعه و فان فیه.

ولازم ذلک أنّ استعمال اللفظ فی الأزید من معنی علی نحو الاستقلال یوجب تعلّق اللحاظ الاستقلالیّ بکلّ واحد منهما فی آن واحد کما لو لم یستعمل اللفظ إلّا فیه و النفس لاتستطیع علی أن تجمع بین اللحاظین المستقلّین فی آن واحد و المستلزم للمحال محال لامحالة.

وفیه أوّلاً: ما عرفت من منع کون الاستعمال من باب إیجاد المعنی باللفظ و مجرّد کون الغرض من الاستعمال هو تفهیم المعانی لایستلزم أن یکون باب الاستعمال من باب إیجاد المعانی لحصول الغرض بتکلّم الدوالّ و استماعها بعد العلم بعلقة الوضع بین الدوالّ و المعانی.

وثانیاً: أنّا نمنع عدم استطاعة النفس للجمع بین اللحاظین المستقلّین أو اللحاظات المستقلّة فی آن واحد ألا تری أنّ الواضع یلاحظ عنواناً عامّاً مرآة للأفراد و یضع اللفظ بإزاء کلّ واحد من الأفراد بحیث یکون الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً فکما أنّ هذا الأمر ممکن فی حقّ الواضع فکذلک یکون فی حقّ المستعمل فیجوز له أن یلاحظ عنواناً عامّاً مرآة للمعانی المتعدّدة فیستعمل اللفظ الواحد فیها بحیث یصیر کلّ واحد منها مستعملاً فیه.

وثانیهما: الوجوه الأدبیّة: منها: أنّ اعتبار الوحدة فی الموضوع له أو الوضع یمنع عن جواز استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد لا حقیقة و لا مجازاً أمّا الحقیقة فواضح و أمّا المجاز فلأنّه مثل الحقیقة فی أنّه لایجور التعدی عما حصلت الرخصة فیه من العرب بحسب نوعه و المفروض أنّه لم تثبت الرخصة منهم فی هذا النوع من الاستعمال.

ص:95

وفیه أوّلاً: أنّه لاوجه لدعوی اعتبار الوحدة فی الموضوع له لأنّ الموضوع له اللفظ هو نفس ذوات المعانی من دون تقییدها بالوحدة و وضع الألفاظ لمعانیها فی حال الانفراد لا یقتضی عدم جواز استعمالها فی غیر حال الانفراد ما لم تکن الحالة المذکورة مأخوذة فیها إذ غایتة أنّ المعنی الأخر لایکون موضوعاً له اللفظ بهذا الوضع و لایستلزم أن لایکون اللفظ موضوعاً له بوضع آخر.

هذا مضافاً إلی أنّه لادلیل علی لزوم مراعاة خصوصیّات عمل الواضع لأنّ اللازم تبعیّة الواضع فی مجعولاته لافی خصوصیّات عمله.

وثانیاً: أنّ الاستعمال بنحو المجاز لایتوقّف علی الترخیص لعدم انحصار مجوّزات الاستعمالات المجازیّة فی العلاقات المشهورة بل یصحّحه وجود ما یستحسنه الطبع.

ومنها: أنّ الاستعمال فی الأکثر من معنی واحد مجاز فی المفرد دون التثنیة و الجمع لأنّ المفرد اخذفیه قید الوحدة فاستعماله فی الأکثر یوجب إلغاء قید الوحدة فیکون مستعملاً فی جزء المعنی بعلاقة الکلّ و الجزء و هو مجاز. هذا بخلاف التثنیة والجمع فإنّهما فی قوّة التکریر بالعطف وحیث لایعتبر فیهما أزید من الاتّفاق فی اللفظ یجوز استعمالهما فی الأزید من معنی واحد کما یشهد له صحّة التثنیة و الجمع فی الأعلام مع مغایرتها فی المعنی.

وفیه أوّلاً: ما عرفت من منع اعتبار الوحدة فی الموضوع له لا فی المفرد و لافی التثنیة و الجمع فاستعمال المفرد فیالأکثر لایوجب استعمال اللفظ فی جزء المعنی کما لایکون کذلک فی التثنیة و الجمع.

وثانیاً: أنّ التثنیة و إن کانت لإفادة الاثنینیّة و الجمع لإفادة الجماعة مطلقاً سواء کانت من جنس واحد أو أجناس مختلفة ولکن إرادة المعانی المتغایرة منهما لایوجب

ص:96

استعمالهما فی الأکثر أصلاً لأنّ هیأة التثنیة و الجمع إنّما تدلّ علی إرادة المتعدّد ممّا یراد من مفرد هما فیکون استعمالهما و إرادة المتعدّد من معانیهما استعمالاً لهما فی معنی واحد کما أنّه کذلک إذا استعملا و ارید المتعدّد من معنی واحد منهما و لیس ذلک إلّا لکون التثنیة و الجمع لإفادة المتعدّد ولو من الأجناس المختلفة و علیه فلافرق بین استعمال اللفظ فی التثنیة و الجمع و إرادة المتعدّد من معنی واحد و بین استعماله فیهما و إرادة المتعدّد من معانیهما المختلفة لأنّ صیغة الجمع و التثنیة مستعملتان فی کلتی الصورتین فی معنی واحد و هو إرادة المتعدّد ممّا یراد من مفردهما و هذا المعنی یصدق فی الصورتین و علیه فلو ارید من العینین فرد من الجاریة و فرد من الباکیة لم یستعمل لفظ العینین فی الأزید من معنی التثنیة کما إذا ارید من العینین فردان من الجاریة نعم لو ارید من لفظ العینین فردان من الجاریة و فردان من الباکیة کان من استعمال العینین فی الأزید من المعنی فإن ثبت الاشتراک فهو علی نحو الحقیقة بعد ما عرفت من عدم دخالة قید الوحدة لافی المفرد و لافی التثنیة والجمع و إلّا فهو استعمال مجازیّ کما لایخفی.

فتحصّل أنّه لامانع عقلاً و نقلاً عن جواز الاستعمال فی أکثر من معنی واحد.

وهم و دفع:

ربما یتوهمّ أنّ الأخبار الدالّة علی أنّ للقرآن بطونا سبعة أو سبعین تدلّ علی وقوع استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد.

ویمکن دفعه بأنّ إرادة البطون لیس من باب استعمال اللفظ فیها و إرادتها منه لاحتمال أن یکون من لوازم المعنی و صدق البطون من جهة خفائها و علیه فاللفظ لم یستعمل فیها حتّی یوجب استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد أو لاحتمال أن یکون المراد من البطون أنّ للمعانی و المدالیل الکلّیّة القرآنیّة مصادیق خفیّة مستورة عن

ص:97

الأذهان قد اطلقت علیها الألفاظ القرآنیّة کما اطلقت علی مصادیقها الظاهریّة و علیه فاللفظ لم یستعمل إلّا فی مفهوم واحد کلّیّ أو لاحتمال أن یکون المراد من البطون هو الإشارات التی استفیدت من الحروف المقطّعة أو حروف الأبجد أو الترکیبات الخاصّة من الحروف کالمهموسة و غیرها.

المقام الثالث: فی ثمرة البحث: و لایخفی علیک أنّ بعد فرض إمکان استعمال للفظ فی الأکثر من معنی واحد فإن احرز أنّ متکلّما فی مقام البیان لجمیع المعانی التی یکون اللفظ مشترکاً فیها وجب حمل اللفظ المشترک عند الإطلاق علی جمیع معانیه بعد ذلک الإحراز فإذا قال: أحسن زیداً، و نعلم أنّه أراد إحسان کلّ زید من أصدقائه وجب حمل زید الذی کان مشترکاً بین عدّة من أصدقائه علی إرادة جمیع معانیه و استعماله فی الأزید من معنی واحد و هذا الإحراز هل یحصل بمجرّد إطلاق الکلام و عدم ما یعیّن بعض المعانی أم لایحصل، ذهب بعض إلی الأوّل بدعوی أنّ هذا الاستعمال علی فرض جوازه حیث کان بنحو الحقیقة و المفروض عدم وجود قرینة معیّنة فلامحالة یکون المراد هو الجمیع نظیر العمومات المحمولة علی جمیع الأفراد عند عدم القرینة علی الخصوص و یشکل ذلک بأنّ ارتکاز العقلاء یکون علی الخلاف عند عدم قیام قرینة فإنّهم لایحملون اللفظ المشترک علی جمیع معانیه و کیف کان فإن حمل اللفظ المشترک عند الإطلاق علی جمیع معاینه فثمرة البحث واضحة و إلّا فلاثمرة عدا ما یمکن أن یقال من أنّ جواز استعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد یوجب الاستغناء عن التقدیر و مجاز الحذف فی مثل قوله تعالی:(اللّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ) إلی قوله:(کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ...) الآیة فإنّ قوله:«کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ» شاهد علی أنّ المراد من السجود المسندإلیه غیر السجود المسند إلی غیره إذ الخضوع التکوینیّ لایختص بالکثیر بل

ص:98

جمیع أفراد الانسان و غیره یکونون خاضعتین بالخضوع التکوینیّ و علیه فمعنی السجود مختلف باختلاف الموارد تکوینیّ باعتبار غیر ذوی الشعور و تشریعیّ خاصّ باعتبار ذوی الشعور فمن ذهب إلی عدم جواز استعمال لفظ السجود فی الأزید من معنی واحد اضطرّ إلی تقدیر یسجد عند قوله:«کَثِیرٌ مِنَ النّاسِ» مع أنّه لاحاجة إلیه بعد جوازاستعمال اللفظ فی الأکثر من معنی واحد و علیه فلایخلو هذا البحث عن الثمرة کما لایخفی.

ص:99

ص:100

الأمر الثالث عشر: البحث فی المشتق

اشارة

یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل: فی تحریر محلّ النزاع: و قد اختلفوا فی أنّ إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ فی حال انقضاء المبدأ هل یکون حقیقة أم لا؟

المقام الثانی: أنّ المسألة لغویّة لاعقلیّة لأنّ النزاع یکون فی تعیین حدود الوضع و أنّه لخصوص المتلبّس أو الأعمّ منه و أمّا النزاع عقلاً فی امکان إطلاق المشتقّ علی من زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به و عدمه فلا مورد له لوضوح أنّ المعنی الانتزاعیّ تابع لمنشأ انتزاعه حدوثا و بقاءً و المنشأ مفقود بعد الانقضاء فالانتزاع بدون منشأ الانتزاع غیر معقول کما أنّ وجود المعلول بدون العلّة غیر معقول. هذا مضافاً إلی أنّ الاستدلال للمختار بالتبادر و عدم صحّة السلب و نحوهما ممّا یکون من علائم الحقیقة و المجاز ممّا یشهد علی أنّ البحث لغویّ لاعقلیّ.

المقام الثالث: أنّ البحث لیس فی مبادیء المشتقّات و موادّها فإنّ المرجع فیها کتب اللغة و لا فی کیفیّة اشتقاق المشتقّات فإنّ المرجع فیها هو علم التصریف، بل البحث فی معرفة معانیها من حیث أوضاعها النوعیّة و هی معانی هیآتها الکلّیّة الطارئة علی مواردها.

ص:101

المقام الرابع: أنّ المشتقّات المبحوثة عنها فی المقام هی التی لها ذوات و تحمل علیها ویحکم باتّحادها معها لامطلق المشتقّات حتّی التی لاتحکی عن الذوات و لایجری علیها کالأفعال و المصادر مزیدة کانت أو مجرّدة إذالنزاع فی أنّ إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ فی حال الانقضاء حقیقة أم لافرع وجود الذات و حمل المشتقّ علیها و لاذوات و لاحمل و لااتّحاد فی المصادر و الأفعال. ثمّ إنّ المشتقّات المحمولة علی الذوات علی قسمین: أحدهما: ما کان لکل واحدة من مادّته وهیئته وضع خاصّ مستقلّ کأسماء الفاعلین والمفعولین والصفات المشبهات وهی التی تسمّی بالمشتقّات المصطلحة وثانیهما: ما لیس کذلک کالجوامد التی کانت منتزعة باعتبار أمر خارج عن مقام الذات وجاریة علیه کعنوان الزوج فعنوان المشتقّ فی المقام یعمّ کلاهما لعموم الملاک من الجریان والحمل علی الذات فللبحث عن کونها موضوعة للذات المتلبّس أو الأعمّ مجال کما لایخفی.

المقام الخامس: أنّ المشتقّات المبحوث عنها فی المقام لایختصّ بأسماء الفاعلین و المفعولین و الصفات المشبهة بل تعمّ غیرها من المشتقّات کصیغ المبالغة واسم المکان و اسم الزمان بل تشمل المشتقّات من أسماء الأعیان کلابن وتامر وتمّار وعطّار ونحوها لعموم اقتضاء الأدلّة إذ کلّ هذه الأوصاف ممّا له زوال فإذا زالت کان إطلاقها علی الذوات المتّصفة بها حقیقةً إن وضعت للأعمّ من المتلبّس بها ومجازاً إن وضعت لخصوص المتلبّس بها والقول بأنّ اسم الآلة حقیقه فیما اعدّ واستعدّ للآلیة و الاستعداد لایکون ممّا یزول عن الآلة بل هو ثابت من أوّل وجودها إلی أن ینهدم هیئتها رأساً فلامجال حینئذٍ للبحث فی کون إطلاق إسم الآلة عند انقضاء الاستعداد حقیقة أو مجازاً إذ مع زوال الاستعداد لایبقی ذات الآلة حتی یبحث عن إطلاق اسمها و عدمه ممنوع بمنع زوال الذات بزوال الاستعداد ألاتری أنّ مع کسر بعض أسنان المفتاح زال

ص:102

عنه استعداد الفتح ولم یزل ذات المفتاح فیصحّ البحث عن کون إطلاق اسم المفتاح علیه حینئذٍ حقیقة أو مجازاً کما أنّه لاوقع للقول بخروج صیغ المبالغة عن محلّ النزاع بدعوی أنّها موضوعة للاتّصاف بما یکثر صدور المبدأ عنه وهذا المعنی فی صیغ المبالغة کالجلاّد أمر ثابت لایزول عنه حتّی یبحث بعد الزوال عن کون إطلاقه علیه حقیقة أو مجازاً وذلک لاعتبار دوام اتّصافه بکثرة صدور المبدأ عنه فی إطلاق صیغ المبالغة فمع عدم دوام ذلک یجری البحث المذکور فیها أیضاً.

ثمّ لایخفی أنّ محلّ البحث هو العناوین التی لم تنقلب عن الوصفیّة إلی الاسمیّة وإلّا فلا ینسبق منها إلّا ذات تلک الحقائق لا المبادیء رأساً وعلیه فإذا اطلق بعض العناوین من باب الاسمیّة لا الوصفیّة کالمسجد سلیمان علی بلد من بلاد الفارس فهو خارج عن محلّ البحث.

المقام السادس: أنّ النزاع فی مسألة المشتقّ یکون فی أنّ الوضع النوعیّ للهیئة أنّه یخصّ أو یعمّ من دون اختصاص بمادّة دون مادّة و التحقیق أنّ وضع الهیئات نوعیّ و عامّی لا شخصیّ مثلاً هیئة افعل وضعت لمعنی وهیئة مفعول وضعت لمعنی وهکذا ولایختص بمورد دون مورد.

وعلیه فحیث أنّ زنة الفاعل وضعت نوعیّاً لاتّصاف خاصّ من غیر نظر إلی المواد وخصوصیّات المصادیق بطل القول بخروج الناطق والممکن وما اشبههما ممّا لیس له معنون وذات باق بعد انقضاء المبدأ عنها إذ قد عرفت أنّ النزاع فی هیئة الفاعل و نحوه عنون بعنوان عامّ و مقتضاه ادخال هیئة هذه الموارد فی مورد النزاع أیضاً ولایکون وضع الهیئات باعتبار المواد متکثّرا ومتعدّداً.

وعدم جریان النزاع فی الموارد المذکورة من جهة عدم إمکان بقاء الذات فیها مع زوال المبدأ لایوجب عدم جریانه فی کلّیّ الهیئة فانه کافل لإدخالها تحته.

ص:103

المقام السابع: أنّ جریان النزاع فی اسم الزمان مورد الاختلاف ذهب بعض الأعلام إلی خروجه عن محلّ النزاع بدعوی أنّ الذات المعتبر فی اسم الزمان و هو نفس الزمان لاقابلیّة له للبقاء حتّی یقع النزاع فی صدق الاسم علیه حقیقة بعد الانقضاء حسب ما هو الشأن فی سائر المشتقات.

واُجیب عنه بأن المتصرّم مثل الزمان باق بنظر العرف ولذا حکموا ببقاء الموضوع فی استصحاب الزمان کاستصحاب الیوم أو اللیلة لو شکّ فی بقائه مع أنّ وحدة الموضوع فی القضیّة المتیقّنة والقضیّة المشکوکة معتبرة فی الاستصحاب.

ولیس حکمهم ببقاء المتصرّم مسامحیّ بل هو دقّی وإلّا لم یجر الاستصحاب کما لایخفی و علیه یکون الیوم العاشر من المحرّم الذی قتل فیه سیّدالشهداء الحسین بن علیّ علیهما السلام له حدوث و بقاء کالاشیاء القارّة فإذا کان الیوم فی ساعة منه متلبّساً بالمبدأ و هو القتل و فی ساعة اخری بعد الاولی غیر متلبّسٍ به بل کان منقضیا یصدق علیه فی الساعة الثانیة أنّ ذات الیوم کانت متلبّساً بهذه الحادثة والآن انقضی عنها المبدأ مع بقاء الذات نعم إطلاق المقتل علی غیر الیوم العاشوراء من تلک السنة التی قتل فیها الحسین علیه السلام یکون مجازاً علی کلّ حال سواء قلنا بأنّ المشتقّ حقیقة فی الأعم أولا لأنّ إطلاق المقتل علی الیوم العاشوراء فی سائر السنوات من باب المماثلة کما أنّ صدق المقتل علی یوم العاشوراء لایستلزم صدقه علی سائر الأیّام واللیالی من تلک السنة لأنّ للیوم حدّا ینتهی بمجیء لیله والعرف کما یدرک الوحدة الاتّصالیّة للیوم فکذلک یدرک تصرّمه و تقضیّه بمجیء اللیل فإذا وقعت واقعة فی الیوم لایری زمان الوقوع باقیا عند مجیء اللیل أو سائر الأیّام.

ص:104

فبهذا الاعتبار یمکن أن یقع النزاع فی اسم الزمان کمقتل الحسین علیه السلام هل یکون موضوعاً لخصوص زمان وقوع الحادثة الذی یتّصف بوصف القتل و تلبّس به أو للأعمّ منه حتّی یشمل سائر ساعات ذلک الیوم.

المقام الثامن: أنّ خروج العناوین الغیر الاشتقاقیة کعنوان الماء و الإنسان عن محلّ النزاع لاکلام فیه و انما الکلام فی وجه الخروج و لعله من جهة أنّ تلک العناوین منتزعة عن الذات بما هو ذات عرفا فإذا انتفی الذات عرفا فلامجال لبقاء العنوان عرفا حتّی یبحث عن کون إطلاقه حقیقة أو مجازاً لأن الامور الانتزاعیة تابعة لمنشأ الانتزاع و علیه فمع تبدّل الماء بشیء آخر أو الإنسان بالتراب لایصحّ النزاع فی أنّ صدق الماء علی ذلک الشیء الآخر أو صدق الإنسان علی التراب هل هو حقیقة أو مجاز لعدم بقاء الذات بحکم العرف کما لا یخفی والمعیار هو الحکم العرفیّ و لاحاجة إلی الحکم العقلیّ بأنّ فعلیّة الشیء بصورته لابمادّته حتّی یرد علیه أنّ النزاع فی المقام لغویّ لاعقلیّ الا ان یراد من ان شیئیة الشئ بصورته لا بمادته معناه العرفی فلااشکال.

المقام التاسع: أنّ وجه دخول المشتقّات الغیر الاصطلاحیّة فی محلّ النزاع هو اشتراکها مع المشتقّات الاصطلاحیّة فی الملاک فإنّ بقاء الذات فی المشتقّات الاصطلاحیّة کما یکون موهما لصدق الوصف علیها بعد زوال تلبّسها بمبدئه فکذلک یکون بقاء الذات فی المشتقّات الغیر الإصطلاحیّة موهما لذلک وهذا الملاک لیس فی سائر الجوامد لأنّ الذات فیها منعدمة عرفا بانعدام عناوینها فلایبقی الذات حتّی یکون موهما لصدق الوصف علیها وعلیه فالفرق بین الماء والإنسان وبین الزوجة والرقّ والحرّ واضح إذ الذات فی مثل الزوجة ونحوها محفوظة بعد زوال تلبّسها بالزوجیّة بخلاف الماء والإنسان فإنّ الذات منعدمة بانعدام الماء والانسانیّة عرفا.

ص:105

وممّا ذکر یظهر أنّ المراد من المشتقّ فی موضوع البحث هو کما فی الکفایة مطلق ما کان مفهومه و معناه جاریاً علی الذات و منتزعاً عنها بملاحظة اتّصافها بعرض کالاعراض المتأصلة مثل السواد و البیاض و نحوهما التی لها حظ من الوجود و لو فی ضمن المعروض أو بعرضیّ کالفوقیة و التحتیة و الزوجیة و الحریة و نحوهما من الامور الانتزاعیة التی لیس لها حظّ من الوجود إلّا لمنشأ انتزاعها.

المقام العاشر: أنّ الأوصاف المشتقّة کأسامی الأجناس فی عدم دلالتها علی الزمان لابنحو الجزئیّة ولابنحو القیدیّة سواء کان المراد من الزمان زمان النطق أو زمان التلبّس أو زمان الجری و الحمل.

وعلیه فالمراد من الحال فی عنوان المسألة و هو أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص ما تلبّس بالمبدأ فی الحال أو فیما یعمّه و ما انقضی عنه هو الفعلیّة والاتّصاف أی أنّ المشتقّ حقیقة فی خصوص المتّصف بالمبدأ أو الأعمّ منه.

وذلک لأنّ البحث فی المشتقّ إنّما هو فی المفهوم اللغویّ التصوریّ و من المعلوم أنّ زمان الجری و الحمل و زمان النطق و النسبة الحکمیّة متأخّر عن زمان الوضع فلایحتمل دخالة تلک الأزمنة فی الوضع المتقدم.

ویؤیّد ذلک اتّفاق أهل العربیّة علی عدم دلالة الاسم علی الزمان و منه المشتقّات و أمّا اشتراط عمل اسمی الفاعل و المفعول بالدلالة علی زمان الحال أو الاستقبال بالقرینة المقرونة لاینافی عدم دلالتها علیه بالوضع.

وحیث لاتدلّ الأوصاف المشتقّة علی الزمان یکون مثل زید کان قائما بالأمس أو سیکون ضارباً حقیقة مع أنّه لو کان زمان النطق مأخوذا فیها لکان مجازاً لاحتیاجه إلی التجرید.

ص:106

فالمشتقّات التصوّریّة کالجمل الاسمیة لاتدلّ علی الأزمنة بنفسها هذا بخلاف الأفعال فإنّ هیئة الماضی والمضارع تکونان ظاهرتین فی السبق و اللحوق الزمانین و لذا یکون مثل زید ضرب غدا أو یضرب أمس غلطا و علیه فهیئة ضرب تدلّ علی الحدث السابق وهیئة یضرب تدلّ علی الحدث اللاحق.

المقام الحادی عشر: أنّ مبادی المشتقّات مختلفة منها مایکون من قبیل الأفعال الخارجیّة التی یکون انقضائها برفع الید عنها کالقیام و نحوه ومنها ما یکون من قبیل الاستعداد أو القوّة أو الملکة التی لایکون انقضائها إلّا بزوال الاستعداد أو القوّة أو الملکة کالاجتهاد ومنها ما یکون من قبیل الحرفة التی یکون انقضائها بالإعراض عنها کحرفة الخیاطة و التجارة فمادام لم یترکها و لم یعرض عنها فالتلبس فعلی و إن لم یشتغل بها فعلاً بجهة من الجهات.

هذا الاختلاف یستفاد من ألفاظ المشتقّات بمفهومها التصوّریّة مع قطع النظر عن الجری و الحمل فإذا عرفت اختلاف المبادی فالتلبّس و الانقضاء فی کلّ واحد منها بحسبه ففی الأوّل یکون التلبّس بالحدوث و الانقضاء برفع الید وفی الثانی یکون التلبّس بحصول الاستعداد أو القوّة أو الملکة ولم یزل هذا التلبّس إلّا بزوال هذه الاُمور وفی الثالث یکون التلبّس بأخذ تلک المبادی حرفة أو صنعة والانقضاء بترکها و الإعراض عنها فالتلبّس فعلیّ مادام لم یعرض عنها وإن لم یشتغل بها فعلاً بجهة من الجهات و کیف ما کان فلایوجب اختلاف المبادی اختلافاً فی دلالة المشتقّات بحسب الهیئة و لا تفاوتاً فی الجهة المبحوث عنها فإن کان المشتقّ حقیقة فی من تلبّس بالمبدأ فهو کذلک فی جمیع الأنحاء المذکورة کلّ بحسبه.

المقام الثانی عشر: أنّه إذا شکّ فی أنّ الموضوع له فی المشتقّات هو المتّصف بعنوان بعض صفاته من دون شرط بقاء الاتصاف حتّی یکون أعمّ أو مع اشتراط بقاء الاتّصاف

ص:107

حتّی یختصّ بالمتلبّس بالمبدأ فمقتضی الأصل اللفظیّ هو الأوّل إن کان الإطلاق ذاتیّاً لحاظیّاً کما هو الحقّ فإنّ مجرّد ملاحظة الحاکم أو الواضع المهیّة اللابشرط التی تکون خالیة عن القیود والشروط کاف للسریان والإطلاق بعد کون المتکلّم فی مقام بیان موضوع حکمه سواء کان الحکم شرعیّاً أو وضعیّا و لاحاجة إلی ملاحظة السریان والإطلاق هذا بخلاف الخاصّ أی المتلبس مع بقاء الاتصاف فإنّه یحتاج إلی ملاحظة الخصوصیّة و هی بقاء اتصاف الذات فتجری فیه أصالة عدم الخصوصیّة و لاتکون معارضة مع أصالة عدم ملاحظة الإطلاق بعد ما عرفت من أنّ الإطلاق ذاتیّ لالحاظیّ و معنی الإطلاق والسریان فی المقام هو أنّ المشتقّات کانت موضوعة للأعمّ لالخصوص المتلبّس بالمبدأ هذا کلّه بالنسبة إلی الأصل اللفظیّ.

وأمّا الأصل العملیّ ففیه تفصیل لأنّ الشکّ إن کان فی حدوث الحکم بعد زوال العنوان الذی اخذ فی الموضوع فالمرجع هو أصالة البراءة کما إذا فرضنا أنّ زیداً کان عالماً ثمّ زال عنه العلم وبعد ذلک یرد دلیل علی وجوب إکرام کلّ عالم فشککنا فی وجوب إکرام زید لاحتمال کون المشتقّ موضوعاً للأعمّ فتجری فیه اصالة البراءة.

وإن کان الشکّ فی بقاء الحکم بعد حدوثه و ثبوته فالمرجع هو استصحاب البقاء کما لو کان زید عالماً و أمر المولی بوجوب إکرام کلّ عالم ثمّ بعد ذلک زال عنه العلم و أصبح جاهلاً فلا محالة نشک فی بقاء الحکم لاحتمال کون المشتقّ موضوعاً للأعمّ فیجری استصحاب بقائه بعد حکم العرف بأنّ الأوصاف من قبیل الأحوال فیقال إنّ زیداً کان إکرامه واجباً والآن کما کان. هذا بناء علی عدم وجود دلیل علی أنّ المشتقّ حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ و أمّا مع إقامة الدلیل فلا مجال للأصل مطلقاً و سیأتی أنّ الدلیل موجود فی المقام.

ص:108

المختار

الحقّ أنّ المشتقّ حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ لا الأعمّ ویدلّ علیه وجوه:

منها: تبادر المتلبّس من لفظ العالم و لو کان موضوعاً للاعم لصدق علیه و لو بعد الانقضاء و لتبادر منه الجامع بینهما و المعلوم خلافه و منها صحّة سلب عنوان المشتقّ عمّن انقضی عنه المبدأ مثلاً اذا رأینا صحة القول بان زیداً لیس بعالم عند انقضاء المبدأ عنه کان ذلک دلیلاً علی اختصاص معنی العالم بالمتلبس بمبدأ العلم.

ومنها: ارتکاز تضادّ الصفات المتقابلة کتضادّ الأبیض مع الأسود مع أنّ المشتقّ لو کان موضوعاً للأعمّ لما کان بین الصفات المذکورة تضادّ لإمکان صدقهما معا علی الذات فی زمان واحد کالصفات المتخالفة لجواز إرادة الفعلیّ من الأبیض ومن انقضی عنه المبدأ من الأسود أو بالعکس إذ المفروض أنّهما موضوعان للأعمّ فإذا إجتمعا ارید منهما ما یمکن الجمع بینهما بالنحو المذکور.

ومنها: جواز الاستعمال المجرّد عن القرینة فی خصوص المتلبّس فإنّه یکشف عن کون اللفظ موضوعاً له وإلّا فلا یستعمله المتکلم الحکیم فیه من دون إقامة القرینة لکون الاستعمال المذکور غلطا بناء علی وضعه للأعمّ بعد فرض تجرّده عن جمیع علاقات المجاز.

ثمّ إنّ تقدّم رتبة بعض هذه العلائم بالنسبة إلی البعض کتقدم الاستعمال المجرد عن القرینة علی غیره لایضرّ بإطلاق العلامة علی جمیعها باعتبار التلازم الموجود بینها لاسیّما إذا أمکن أن لایلتفت المستمع أو المخاطب إلی الملزوم فهو بالتفاته إلی اللازم أحرز الحقیقة کما لا یخفی.

لایقال: إنّ فی مثل المضروب والمقتول لایدوم الضرب والقتل بل انقضی عنه المبدأ و هو حدث الضرب و القتل و مع ذلک لایصحّ سلبهما فعدم صحّة السلب لایکون شاهداً

ص:109

علی أنّه حقیقة فی المتلبّس بالمبدأ لأنّا نقول إن ارید بالقتل أو الضرب نفس ما وقع علی الذات ممّا صدر عن الفاعل ففیه أنّه نمنع عدم صحّة السلب فی حال انقضائهما لوضوح صحّة أن یقال أنّه لیس بمضروب أو مقتول فی الآن و صحّة السلب دلیل علی کونهما حقیقة فی المتلبّس بهما دون من انقضی عنه المبدأ. و إن ارید بهما معنی آخر و لو مجازاً کإرادة عدم الروح من القتل و الجراحة أو الإیلام من الضرب فالتلبّس بهما یکون باقیاً حتّی حال انقضاء حدث الضرب و القتل و باعتبار بقاء التلبّس بعدم الروح أو الجراحة و الإیلام لایصحّ سلبهما.

ولکن ذلک یکون خارجاً عن محلّ الکلام إذ محلّ البحث هو إطلاق المشتقّ علی من انقضی عنه المبدأ و فی مثل المذکور لاینقضی عنه المبدأ.

استدلال الأعمّیّ

واستدلّ الأعمّیّ بقوله تعالی:(قالَ لا یَنالُ عَهْدِی الظّالِمِینَ) تبعاً للاستدلال به فی الروایات علی عدم لیاقة من سبق منه الظلم لمنصب الإمامة و إن تاب و صار عادلاً و من المعلوم أنّ ذلک لایکون موجهاً إلّا بأن کان المشتقّ موضوعاً للأعمّ من المتلبّس بالمبدأ و إلّا فان کان المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس فلامجال للاستدلال به فی من انقضی عنه المبدأ.

وفیه: أوّلاً: أنّ الاستعمال فی الأعمّ من المتلبس بقیام القرینة لایکون دلیلاً لکون المشتقّ حقیقة فی الأعمّ والقرینة فی المقام هی فخامة أمر الإمامة والخلافة بحیث لاتنالها ید من تلوّث بلوث الظلم والمعصیة و لو آنامّا و تشهد علی هذه الفخامة الامتحانات المقدّماتیّة لإفاضتها مع کون إبراهیم علیه السلام نائلاً لمنصب النبوّة و الخلّة هذا مضافاً إلی الروایات الدالة علی عدم لیاقة من سبق منه الظلم لمنصب الامامة.

ص:110

وثانیاً: أنّ عنوان «الظالمین» مستعمل بلحاظ حال التلبّس ولو آنامّا لابلحاظ حال الانقضاء کقولهم کان زید ضارباً أمس لأنّ إبراهیم علیه السلام أجلّ شأنا من أن یسئل عن اللّه تعالی تلک الإمامة الشامخة بقوله ومن ذرّیّتی بعد قوله عزّوجلّ:(إِنِّی جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً) لذرّیّته الذین یکونون فی جمیع عمرهم من الظالمین أو الذین یکونون کذلک فی حال إعطاء الإمامة و بعده فالمناسب له هو أن کان یسئلها للعادلین فی جمیع العمر أو فی حال إعطاء الإمامة وبعده. فأجابه سبحانه و تعالی بنیل الذین لم یظلموا أصلاً لتلک الرتبة دون من صدر منهم الظلم فی برهة من الزمن وعلیه فلفظ الظالمین بالقرینة المذکورة مستعمل فی حال التلبّس لابلحاظ حال الانقضاء و الفرق بین الثانی و الأوّل ان استعمال المشتق فی الأوّل یکون مجازاً فی من انقضی عنه المبدأ بخلاف الثانی فان استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس یکون حقیقة و کیف کان فلیس هذا الاستعمال دلیلاً علی کونه موضوعاً للأعمّ کما لایخفی.

فلا وجه للاستدلال بالآیة الکریمة لإثبات أنّ لفظ المشتقّ حقیقة فی الأعمّ مع ماعرفت من تبادر لفظ المشتقّ فی المتلبّس بالمبدأ واحتمال استعماله فی الآیة علی وجه لاینافی ذلک فلاتغفل.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: فی بساطة المشتقّ والمراد منها

الحق أنّ المشتقّ بحکم التبادر موضوع لأمر وحدانیّ و إن کان عند التحلیل العقلیّ مرکّباً من أمرین ذات ونعت وذلک لعدم انطباع شیء فی مرآة الذهن عند إدراک المشتقّ إلّا صورة علمیّة واحدة سواء کان بسیطاً فی الخارج کالأعراض کقولنا البیاض أبیض أو مرکّباً حقیقیّاً کالإنسان ونحوه من الأنواع المرکّبة أو مرکّباً اعتباریّاً کالدار و البیت و غیرهما.

ص:111

وهذه البساطة بساطة إدراکیّة و لحاظیّة و ملاکها وحدة الصورة الإدراکیّة سواء أمکن تحلیلها إلی معان متعدّدة أم لا وعلیه فالتحلیل العقلیّ لاینافی البساطة الإدراکیّة و اللحاظیّة فکما أنّ من نظر إلی النجم لایری فی بدو النظر جسماً و نوراً مرتبطین بل یری معنونا بعنوان النورانیّة کذلک من رأی ضارباً لایری فی بدء النظر ذاتاً و ضرباً مرتبطین بل یری معنونا بعنوان الضاربیّة الذی یعبّر عنه فی الفارسیّة ب - «زننده» وإن جاز تحلیله فی مقام الشرح إلی ذات ثبت له الضرب و هذا أمر لاغبار علیه و هو المناسب للمقام لأنّ البحث هنا عن مفاهیم المشتقّات لغة وعرفا.

ودعوی أنّ البحث لزم أن یکون فی البساطة الحقیقیّة و العقلیّة لا الإدراکیّة لأنّ البساطة الإدراکیّة ممّا لایکاد یشکّ فیها ذو مسکة بخلاف البساطة الحقیقیّة فانّها قابلة للبحث من حیث خروج الذات عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ و النسبة أو من حیث خروج الذات والنسبة عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ فقط و کون الفرق بین مدلول لفظ المشتقّ و مدلول لفظ المبدأ فرقاً اعتباریّاً.

مندفعة بأنّ المباحث الفلسفیّة التی یبحث فیها عن حقائق الأشیاء لاتساعد المفاهیم العرفیّة و اللغویّة المبحوثة عنها فی مباحث الألفاظ فما ذکره السیّد الشریف فی مقام تعریف الفصل الحقیقیّ بحسب اصطلاح المنطقیّین من ان المشتق عند المنطقیین خال عن الذات لایرتبط بمقامنا من تعیین معانی المشتقّات لغة و عرفا فی الکتاب و السنّة.

و کیف کان فالدلیل علی البساطة الإدراکیّة هو التبادر المشهود بالوجدان عند إدراک المشتقّات فإنّا لانفهم من مثل الضارب إلّا أمراً وحدانیّاً قابلاً للتحلیل إلی معنون وعنوان صدور الضرب منه لامرکّباً من الشخص و صدور الضرب و لانفس المبدأ والعنوان من دون معنون کما یشهد له صحّة أخذ المشتقّات موضوعاً فی القضایا الحملیّة أو متعلّقاً

ص:112

للحکم فی القضایا الإنشائیّة کقولنا الضاحک إنسان أو صلّ خلف العادل أو صحّة جعل المشتقّات محمولة فی القضایا الحملیّة کقولک زید عالم.

لأنّ ملاک صحّة الحمل فی الحمل الشائع هو الاتّحاد فی الوجود والاختلاف فی المفهوم ولاریب فی وجود هذا الملاک مع کون الموضوع له فی المشتقّ هو المعنون دون نفس العنوان إذ لا اتّحاد بین الضحک و الإنسان والعلم والزید.

لایقال: صحّة حمل الموجود علی الوجود أو المضیء علی الضوء و نحوهما یدلّ علی أنّ مفاد المشتقّ و معناه هو نفس المبدأ فقطّ و الذات و النسبة لیستا داخلتین فی مفهومه أصلاً والفرق بین المبدأ والمشتقّ هو باعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لابشرط.

لأنّا نقول: إنّ الإبهام المأخوذ فی مفهوم المشتقّ حیث کان من جمیع الجهات حتّی من حیث کونه عین المبدأ فی الخارج یصحّح حمل الموجود علی الوجود ونحوه حیث لم یعتبر فی العنوان المذکور أن لایکون عین المبدأ خارجاً فالأمر الوحدانیّ المتبادر من المشتقّ کاف لصحّة الحمل هذا مضافاً إلی جواز تخیّل المغایرة بینهما وإن لم یکن بینهما مغایرة حقیقة علی أنّ المغایرة المفهومیّة تکفی فی صحّة الحمل.

وبالجملة أنّ المشتقّ موضوع لمعنی بسیط إدراکاً وتصوّراً ولکنّه قابل للتحلیل إلی الذات والمبدأ عقلاً فالقول بوضعه للمرکّب ممنوع کالقول بأنّه موضوع للبسیط الذی لایکون قابلاً للتحلیل إلی الذات والمبدأ والدلیل علیه هو التبادر وصحّة الإسناد والحمل و أما الاستدلالات العقلیّة للبساطة العقلیّة فهی أجنبیّة عن إثبات معانی المشتقّات لغة وعرفا بل هی مناسبة لتبیین معانی الفصول الحقیقیّة بحسب اصطلاح المنطقیّین مع ما فیه من النقض والإبرام.

ص:113

التنبیه الثانی: فی الفرق بین المبدأ والمشتقّ

و لایخفی علیک الفرق بینهما بعد ما عرفت من أنّ المشتقّ موضوع لأمر وحدانیّ قابل للتحلیل العقلیّ إلی معنون مبهم وعنوان بخلاف المبدأ فإنّه موضوع نفس العنوان ولذا یجوز حمل المشتقّ دون المبدأ بلاإعمال العنایة إذ المعنون المبهم قابل للاتّحاد مع الموضوع بعکس المبدأ فإنّه غیر الموضوع و لااتّحاد بینهما وعلیه فالفرق بین المشتقّ والمبدأ فرق جوهریّ ناش من کیفیّة الوضع و لاحاجة مع وجود الفرق الجوهریّ إلی الفرق الإعتباریّ مع ما فیه من الضعف هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار المبدأ بشرط لا والمشتقّ لابشرط بحسب الحمل لایصحّح الحمل فی المشتّق بناء علی عدم وجود الفرق الجوهریّ وعینیّة المشتقّ مع المبدأ لأنّ مثل العلم والحرکة والضرب ونحوها ممّا یمتنع حملها علی الذوات لاتصیر قابلة للحمل باعتبارها لابشرط کما لا یخفی.

وکیف ما کان فمن صحّة حمل المشتقّ یعلم أنّ لمادّة المشتقّات معنی ولهیئتها معنی آخر به صار قابلاً للحمل وهذا هو معنی الترکیب الانحلالیّ.

التنبیه الثالث: فی ملاک الحمل

و لایذهب علیک لزوم اعتبار الاتّحاد فی صحّة حمل شیء علی شیء ولو کان الاتّحاد من وجه إذ بدونه لایصحّ الحمل لوجود المباینة المطلقة بین الموضوع والمحمول.

ثمّ إنّ الاتّحاد علی أنحاء منها أن یکون بحسب المفهوم کقولنا الإنسان إنسان بالضرورة وهو الذی یعبّر عنه بحمل الشیء علی نفسه و لافائدة فیه إلّا دفع توهّم إمکان سلب الشیء عن نفسه.

ومنها: أن یکون بحسب الهو هویّة بالذات والحقیقة وهو ملاک الحمل الأولیّ والمغایرة حینئذٍ تکون بالاعتبار الموافق للواقع لا بالفرض کمغایرة حیوان ناطق مع الإنسان بالإجمال والتفصیل وهو الّذی یعبّر عنه بالحمل الأولیّ الذاتیّ.

ص:114

ومنها: أن یکون الاتّحاد بحسب المصداق والوجود وإن کانا متغایرین بحسب المفهوم والحمل فیه یرجع إلی کون الموضوع من أفراد المحمول ومصادیقه کقولنا الإنسان قائم وهو الذی یعبّر عنه بالحمل الشائع الصناعیّ ولابدّ فیه من وجود واحد ینسب إلی الموضوع والمحمول ولایعقل بدونه حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر وعلیه فلو کان بین الموضوع والمحمول مغایرة فی الوجود کقولنا زید ضارب بناء علی کون المشتقّ عین المبدأ أعنی الضرب فلایصحّ حمله علی زید واعتبار لابشرط فی المتغایرین فی الوجود لایصحّح الحمل لعدم إیجابه تغییرا فی المتغایرین کما أنّ اعتبار المجموع واحداً وملاحظة الحمل بالإضافة إلی المجموع من حیث الهیئة الإجتماعیّة حتّی یکون الحمل بالإضافة إلی المتّحدین فی الوجود بنحو من الاعتبار لایجدی فی رفع المغایرة الحقیقیّة الخارجیّة وحصول الاتّحاد فی الوجود الخارجیّ وعلیه فلو کان المشتقّ عبارة عن نفس المبدأ فاعتباره لابشرط أو اعتبار المبدأ والذات شیئاً واحداً وملاحظة الحمل بالإضافة إلی المجموع لایجدی فی صحّة الحمل لأنّ الإعتبارات لاتوجب الاتّحاد الحقیقیّ فی ظرف الحمل وهو الخارج فاللازم هو ماعرفت فی معنی المشتقّ من أنّه موضوع لأمر وحدانیّ قابل للانحلال وهذا الأمر الوحدانیّ أمر مبهم یقبل الحمل علی الذات وهو أمر ینتزع عن مثل زید بلحاظ قیام الضرب به قیام الفعل بفاعله أو العرض بموضوعه ومنشأ الانتزاع أمر واقعیّ لا اعتباریّ کما لا یخفی.

التنبیه الرابع

أنّ المعیار فی صحّة الحمل الشائع الصناعیّ کحمل المشتقّ علی موضوع لیس إلّا مجرّد تحقّق حیثیّة المبدأ فی الخارج سواء کان قائما بالموضوع بقیام الانضمامیّ کما فی صدق الأسود علی الجسم أو کان قائما بقیام انتزاعیّ کما فی صدق الفوق علی شیء و کان منفردا

ص:115

فی ذات الموضوع بنحو الجزئیّة کما فی تقرّر الإنسانیّة فی ذات الزید المتشخّص بالوجود أو کان متّحداً مع الموضوع فی الوجود کما فی حمل الجنس علی الفصل وبالعکس أو کان عین تمام ذات الموضوع کما فی صدق الأسود علی السواد و الموجود علی الوجود أو کان زائدا علیه أو غیر ذلک من الخصوصیّات المصداقیّة فالمعتبر فی صحّة الحمل هو إفادة المشتقّ مجرّد تحقّق حیثیة المبدأ و علیه فزیادة العنوان علی المعنون لیس من مدلول المشتقّ و إن کان من خصوصیّات المصادیق غالباً.

و ممّا ذکر یظهر أنّ صدق المشتقّ فیما إذا کان عین الذات کصفاته تعالی لیس بمجاز بل هو حقیقة بعد عدم دلالة نفس المشتقّ علی زیادة العنوان علی المعنون فکما أنّ صدق عالم علی زید حقیقة فکذلک یکون صدقه علی اللّه تعالی مع أنّ العلم فیه سبحانه عین ذاته علی مذهب الإمامیّة من دون حاجة إلی النقل أو القول بالمجاز و التغایر المفهومیّ فی صفات المبدأ المتعال مع الذات و إن کانا متّحدین فی الوجود و المصداق کاف فی صحّة الحمل و إفادته.

التنبیه الخامس

إنّ مفهوم صفات اللّه سبحانه و تعالی و تطبیقها علیه ممّا یعرفه العرف لما عرفت من أنّ المناط فی صدق المشتقّات لیس إلّا تعنون الذات بمعنونیّة تحقّق المبدأ فیه من دون دخل للخصوصیّات المصداقیّة وهذا التحقّق لایحتاج إلی التعمّل والتأمّل الخاصّ و إنّما الذی یحتاج إلی التأمّل والتعمّل هو کیفیّة التطبیق من العینیة أو الزیادة لا أصل التطبیق فإنّ تطبیق المفاهیم علی مصادیقه و تبیین معانی الألفاظ و معانیها بید العرف وعلیه فدعوی عدم اطّلاع العرف علی مثل هذا التلبّس کما تری.

ص:116

المقصد الاول: فی الاوامر

اشارة

ص:117

ص:118

الفصل الأوّل: فیما یتعلّق بمادة الأمر

اشارة

والبحث فی جهات:

الجهة الأولی:

أنّ الأمر علی زنة الفَلْس مشترک لفظیّ بین معانیها من الطلب الالزامیّ و الشیء أو الفعل أو الشأن علی اختلاف الاقوال وعلیه فمعنی الأمر جامدی و حدثی و متعدّد و الشاهد علی تعدّد معنی الأمر المذکور مضافاً إلی التبادر هو اختلاف صیغ جمعه بالأوامر والاُمور إذ جمع الأمر بالمعنی الجامدیّ هو الاُمور وجمع الأمر بالمعنی الحدثیّ هو الأوامر وهکذا الاشتراک المعنویّ فی لفظة الأمر ینافیه الاختلاف المذکور لأن الاختلاف فی الجمع حاک عن اختلاف المفردات فی المعانی.

الجهة الثانیة:

أنّ الحقّ هو اعتبار العلوّ فی مفهوم الأمر من دون فرق بین کون العلوّ معنویّاً أو ظاهریّاً و الدلیل علیه هو التبادر و صحّة السلب عن الطلب من المساوی أو السافل و أمّا الاستعلاء فهو غیر معتبر فی حقیقة الأمر و الشاهد له هو صدق الأمر علی طلب العالی مع الغفلة عن علوّه مع أنّ الاستعلاء لو کان دخیلاً لما صدق الأمر بدونه و هکذا

ص:119

لایتوقف صدق الأمر علی نفوذ الکلمة لعدم مدخلیة ذلک فی العلو الواقعی نعم لامعنی للعلو الظاهری بدون نفوذ الکلمة.

الجهة الثالثة:

الإلزام و الإیجاب معتبر فی مادّة الأمر و الدلیل علیه هو التبادر و هو انسباق الإلزام من حاقّة مادّة الأمر کما أنّه متبادر من مرادفها فی لغة الفارسیّة و هو «فرمان» و لذا یصحّ به الاحتجاج و المؤاخذة علی المخالفة مع الأمر.

ثمّ إنّ التعبیر بالظهور الانصرافیّ أو الظهور الإطلاقیّ أو الظهور العقلیّ مکان تبادر المعنی من حاقّ اللفظ غیر صحیح أو مسامحة. لأن الأوّل من جهة کثرة الاستعمال لا من جهة حاقّ اللفظ والثانی من جهة مقدّمات الحکمة لا من جهة حاقّ اللفظ فقطّ و الثالث من جهة اللابدّیّة العقلیّة بمقتضی قضیة العبودیة و الرقیة و هو لزوم الخروج عن عهدة الخطاب ما لم ینصب قرینة علی الترخیص فی ترکه لا من جهة دلالة اللفظ بنفسه و لعلّ منشأ هذه التعبیرات هو الخلط بین مادّة الأمر و بین صیغة الأمر أو جعل معنی مادّة الأمر هو مجرّد الطلب مع ما عرفت من أنّ معناه هو الطلب مع الإلزام لا صرف الطلب و إذا اتّضح ذلک فی مادّة الأمر کانت مادّة النهی أیضاً کذلک بقرینة المقابلة فإنّ المتبادر منها هو الزجر عن الشیء علی سبیل الإلزام والإیجاب.

ویتفرّع علی ذلک أنّ الواجب فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو البعث نحو المعروف و الزجر عن المنکر علی سبیل الإلزام والإیجاب إذ المأمور به فی مثل قوله تعالی «و أمر بالمعروف و انْه عن المنکر» هو الأمر و النهی و هما البعث أو الزجر علی سبیل الإلزام و الإیجاب و علیه فلا یکفی فی الامتثال مجرّد الطلب کالاستدعاء أو الالتماس إذا احتیج إلی الأمر و النهی فلاتغفل.

ص:120

الجهة الرابعة: إنّه یقع البحث فی المقامین:
المقام الأوّل: فی مفهوم الطلب و الإرادة

و لایخفی علیک أنّ المتبادر من لفظة الإرادة هی الصفة النفسانیّة و من لفظة الطلب هو الفعل وهو التصدّی نحو تحصیل شیء فی الخارج و الأوّل من مقولة الکیف النفسانیّ و الصفة النفسانیة من الامور الحقیقیة الّتی لاتقبل الوجود الانشائی و الثانی من مقولة الفعل و هو یقبل الوجوبی الانشائی و دعوی اتّحاد هما کما عن جماعة منهم صاحب الکفایة غیر صحیحة لما عرفت من أنّهما مقولتان لامقولة واحدة ثمّ إنّ الطلب و هو التصدّی إمّا یکون بنفسه بأن یتصدّی بنفسه تحصیل شیء و یصدق علیه الطالب بسبب تصدّیه لتحصیل شیء و اما ان یتصدی لاتیان الغیر شیئاً و هو علی نوعین أحدهما هو ان یأخذ الطالب یدغیره ویسوقه نحو العمل وثانیهما هو ان یقول لغیره «اضرب» أو «آمرک بالضرب» و کلاهما بعث و تحریک نحو العمل و یصدق علیهما عنوان الطلب فالطلب عنوان عامّ یصدق علی الطلب الخارجیّ وعلی الطلب الإنشائیّ فلا وجه لتخصیص الطلب بأحدهما.

ثمّ لایخفی علیک أنّ القول بتغایر الطلب والإرادة لایؤول إلی ما ذهب إلیه الأشاعرة من الاعتقاد بالطلب النفسیّ لأنّ الطلب عندهم من الصفات النفسانیّة بخلاف ماقلناه فإنّ الطلب عنوان الفعل وهو مغایر مع الإرادة التی تکون هی من الصفات النفسانیّة.

المقام الثانی: فی حقیقة الکلام النفسیّ و الطلب النفسیّ بناء علی ما ذهب إلیه الأشاعرة و أدلّتها

ولایخفی علیک أنّهم ذهبوا إلی أنّ الکلام النفسیّ فی الأخبار و الطلب النفسی فی الأوامر أمر وراء الکلام اللفظیّ و هوالمعنی القائم بالنفس الذی یعبّر عنه بالألفاظ ویقال هو الکلام حقیقة و هو فی الله عزّوجلّ قدیم قائم بذاته تعالی وهو غیر العبارات التی

ص:121

نعترف بحدوثها وعدم قیامها بذاته تعالی والکلام النفسیّ لایختلف دون الکلام اللفظیّ فإنّه یختلف عباراته باختلاف الأزمنة و الأمکنة و الأقوام و أیضاً الکلام النفسیّ أمر یغایر مع العلم إذ قد یخبر الرجل عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشکّ فیه کما یغایر الطلب النفسی فی الأوامر مع الإرادة أیضاً إذ قد یأمر الرجل بما لایریده کالمختبر لعبده هل یطیعه أو لا؟

ثمّ إنّ الدالّ علی الکلام النفسیّ لاینحصر بالألفاظ إذ ربّما یدلّ علیه بالإشارة والکتابة و کیف کان فقد استدلّوا علی مختارهم بأمور:

الأوّل: إنّ الدلیل علی أنّ الکلام النفسیّ مغایر مع العلم أنّ الرجل قد یخبر عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشکّ فیه فالخبر هو النسبة الحکمیّة بین الموضوع والمحمول والمراد منها هو حکم النفس وإذعانها بها وهو غیر انکشاف ثبوت شیء لشیء فالإذعان بالوقوع المأخوذ فی الجمل الخبریّة غیر العلم الواقعیّ بوقوع النسبة ضرورة أنّه قد یخبر المتکلّم وهو شاکّ بل قد یخبر وهو عالم بعدم الوقوع فالمراد من الإذعان حینئذٍ هو عقد القلب علی الوقوع جعلاً علی نحو ما یکون القاطع معتقداً وهو الذی یعبّر عنه بالتجزّم.

اجیب عنه بأنّ النسبة التی دلّت الجملة علیها لیست شیئاً آخر وراء العلم إذ النسبة المتصوّرة بین المحمول والموضوع أعنی هذا ذاک فی الخارج تقوّم بالنفس لابنفسها بل بصورتها فهی کالمعلومات الاُخر من العلم الحصولی حیث أنّ قیامها قیام علمیّ لا کقیام العلم مثل العلم بالنفس حتی لایحتاج إلی الصورة.

والذی یجب علی الأشعریّ هو إثبات قیام شیء بالنفس بنفسه علی حدّ قیام العلم الحضوری والإرادة لا علی حدّ قیام المعلوم بالعلم الحصولی، فإنّ هذا القیام لایوجب صفة اخری بالنفس حتّی ینفع فی إثبات الکلام القائم بذاته تعالی وراء علمه وسائر صفاته العلیا.

فالخبر هو الکلام اللفظیّ ومدلوله هو النسبة أعنی «هذا ذاک» وهی کما عرفت هو

ص:122

العلم الانفعالیّ و ثبوت شیء لشیء والنسبة المذکورة غیر شؤونها من الإقرار و الإذعان فإنّ شؤونها من باب علم فعلیّ قائم بالنفس قیاماً صدوریّاً والنسبة من باب ثبوت شیء لشیء والانکشاف والعلم الانفعالیّ و مدلول الکلام هو النسبة التی تکون متعلّقة للإقرار والإذعان والجزم والتجزّم لا نفس الإقرار والإذعان و الجزم و التجزّم إذ مدلولیّة الوجود الحقیقیّ کالاقرار و الاذعان من دون وساطة وجه وعنوان أمر غیر معقول لان المدلولیة لیست إلّا بحصوله فی المدارک الادراکیة و الوجود لایقبل وجوداً آخر سواء کان العارض من سنخ المعروض أم لا ودعوی إمکان التخلّص عنه بدلالة الکلام اللفظیّ علی نفس مفهوم الاقرار و الاذعان لابما أنّه موجود خروج عن فرض الأشعریّ فإنّه قائل بدلالة الکلام اللفظیّ علی نفس الحکم والإقرار والإذعان بوجودها التکوینیّ من دون وساطة مفهوم و هو أمر غیر معقول.

الثانی: إنّه ممّا یدلّ علی أنّ الطلب النفسیّ أمر وراء الإرادة هی نفس الأوامر الامتحانیّة لأنّها لاتوجد بدون السبب والمفروض عدم الإرادة فیها فلابدّ من وجود صفة اخری لتکون هی الباعثة إلیها و هذه الصفة تسمّی بالطلب النفسیّ فإذا ثبت ذلک فی الأوامر الإمتحانیّة ثبت فی غیرها بعدم القول بالفصل.

و اجیب عنه بأنّ السبب فی الأوامر مطلقاً هو الإرادة غایة الأمر أنّ المنشأ للأوامر الجدّیّة إرادة نفس المأمور به و فی الأوامر الامتحانیّة إرادة إتیان مقدّماته بقصد التوصّل بها إلی المأمور به.

وعلیه فلا حاجة إلی الطلب النفسیّ فی تحقّق الأوامر الامتحانیّة ونحوها.

هذا مضافاً إلی أنّ تحقّق صفة الإرادة أو التمنّی أو الترجّی فی النفس قد یکون لتحقّق مبادئها فی متعلّقاتها کمن اعتقد المنفعة فی ضرب زید فتحقعت فی نفسه ارادته أو اعتقد المنفعة فی الشیء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحققت فی نفسه حالة تسمّی

ص:123

بالتنمیّ أو اعتقد النفع فی شیء مع احتمال وقوعه فتحققت فی نفسه حالة تسمیّ بالترجی وقد یکون تحقّق تلک الصفات فی النفس لا من جهة متعلّقاتها بل توجد النفس تلک الصفات من جهة مصلحة فی نفسها کإتمام الصلاة من المسافر فإنّه یتوقّف علی قصد الإقامة عشرة أیّام فی بلد من دون مدخلیّة لبقائه فی ذلک البلد بذلک المقدار وجوداً و عدماً ومع ذلک یتمشّی قصد البقاء من المکلّف مع علمه بأنّ ما هو المقصود لیس منشأ للأثر المهمّ.

فإذا صحّ تحقّق الإرادة لمنفعة فیها لا فی المراد فی الإرادة التکوینیّة صحّ ذلک فی الإرادة التشریعیّة لانها لیست بازید مؤمونه من الارادة التکوینیة ودعوی امتناع تعلّق الإرادة بالبقاء من غیر مصلحة فی البقاء مندفعة بکفایة ترتّب المصلحة علی القصد المضاف إلی الإقامة ولاحاجة إلی وجود المصلحة فی نفس البقاء و علیه فلاامتناع فی تعلّق الارادة بفعل الغیر مع کون المصلحة فی نفس الارادة کما فی الأوامر الامتحانیة.

الثالث: إنّهم استدلّوا علی مغایرة الطلب النفسیّ مع الإرادة بأوامر الکفّار بالإسلام والإیمان والعصاة بالطاعة والامتثال فإنّ هذه الأوامر خالیة عن الإرادة الجدّیّة وإلّا لزم تخلّف المراد عن الإرادة و هو محال ولکن مع ذلک توجد صفة نفسانیّة اخری غیر الإرادة فی هذه الأوامر وهذه الصفة تسمّی بالطلب النفسیّ.

واُجیب عنه: بأنّ المحال هو تخلّف المراد عن الإرادة التکوینیّة لا الإرادة التشریعیّة و الإرادة فی الأوامر المذکورة هی الإرادة التشریعیّة و هی تعلّقت بإتیان الفعل مع وساطة اختیارهم وهذه الإرادة جدّیّة من قبل المولی ولیس مقتضاها هو صدور الفعل عنهم قهراً و إلّا لزم الخلف کما لایخفی.

و قد انقدح ممّا ذکر عدم تمامیّة استدلالاتهم علی وجود الکلام النفسیّ فی الأخبار و وجود الطلب النفسیّ فی الأوامر.

ص:124

تبصرة: ولایخفی أنّ البحث عن الجبر و الاختیار بحث کلامیّ لایناسبه المقام ومع ذلک خرج أصحابنا الاُصولیّون عن المباحث الاُصولیّة و بحثوا عنه.

ومجمل الکلام فیه أنّ الوجدان أدلّ دلیل علی اختیاریّة الأفعال إذ معیار الاختیاریّة هو التمکّن من طرفی الفعل و الترک و هو موجود فی أنفسنا بالوجدان.

وهذا التمکّن من مواهب اللّه سبحانه تعالی وهو الذی یخرجنا عن المجبوریّة وعن التفویض والاستقلال کما اشیر إلیه فی الأخبار بأنّه لاجبر و لاتفویض بل أمر بین الأمرین.

وأمّا تعریف الاختیاریّ بالمسبوقیّة بالإرادة ففیه أنّه منقوض بما یصدر من العشّاق الذین لم یتمکّنوا من الخلاف فإنّهم لایعدّون لعدم تمکنّهم من الخلاف مختارین مع أنّ ما یصدر عنهم مسبوق بالإرادة فالصحیح أن یعرّف الاختیاریّ بما یصدر عن شخص مع التمکّن من الخلاف وهو صادق علی أفعاله سبحانه و تعالی مع کونها مستندة إلی صفاته وأسمائه الذاتیّة الواجبة لوجود ملاک الصدق وهو التمکّن والقدرة علی الخلاف.

فوجوب القدرة بالذات فیه تعالی أو وجوب التمکّن بالغیر فینا لاینافی الاختیار.

ثمّ إنّ السعادة والشقاوة لیستا ذاتیّتین بل هما مکسوبتان باختیار العبد وإرادته فما یتراءی فی الأخبار من خلاف ذلک مأوّل أو مطروح لمنافاته مع اصول المذهب کما لایخفی.

ص:125

ص:126

الفصل الثانی: فیما یتعلّق بصیغة الأمر

اشارة

وفیه مباحثا

المبحث الأوّل: فی تحقیق معنی صیغة الأمر

و أعلم أنّ التحقیق أنّ مفاد هیأة الأمر إیجادیّ لاحکائیّ فهی موضوعة لإنشاء البعث والإغراء نحو المأمور به والبعث والإغراء هو تحریک المطلوب منه نحو العمل المقصود وهو یوجد تارة بالتحریک الفعلیّ الخارجیّ کأن یأخذ الطالب ید المطلوب منه ویسوقه نحو المطلوب ویوجد اخری بالتحریک الإنشائیّ کقولک «افعل کذا» أو «آمرک بکذا».

والدلیل علی أنّ مفادها هو ذلک تبادر الفرق بین «اضرب الانشائی وتضرب الخبری» إذ الأوّل لإیجاد البعث والثانی للحکایة ولذلک یتّصف الثانی بالصدق والکذب دون الأوّل لأنّهما من أوصاف الحکایة لا الإنشاء والإیجاد.

ثمّ لایخفی علیک أنّه لیس المراد من الإیجاد إیجاد شیء فی عالم التکوین حتّی یقال إنّا لانتصوّر له معنی بل المراد هو إیجاد بعث اعتباریّ فی دائرة المولویّة والعبودیّة وهو بمکان من الإمکان فإنّه یقوم مکان البعث الخارجیّ بالجوارح من الید أو الرجل وله نظائر فی مثل حروف النداء والتحضیض والتوبیخ وإنشاء العقود والمناصب ونحوها فإنّها موجدات بنحو من الإیجاد لا حکائیّات و لذلک لایتفحّص العقلاء فی مثل هذه

ص:127

الاُمور عن الصدق والکذب بل یتفحّصون عن الإرادة الجدّیّة ثمّ إنّ دلالة الإنشائات علی الإرادة الجدّیّة تکون بدلالة الاقتضاء من باب أنّ هذه الأفعال لاتصدر عن الحکیم من دون إرادة جدّیّة لا بالدلالة اللفظیّة حتّی تکون بالنسبة إلیها حاکیة ولذا یقال إنّ الأصل فی الأفعال الصادرة عن الحکیم هو حملها علی الجدّ حتّی یظهر خلافه فالإرادة خارجة عن مدلول الصیغة ومفادها وإنّما تستفاد من بناء العقلاء علی حمل أفعال الحکیم علی الجدّ.

وینقدح ممّا ذکر أنّ إرادة البعث کسائر الدواعی من التهدید والإنذار والاستهزاء تکون خارجة عن مدلول الصیغة ومفادها لأنّها موضوعة لإیجاد البعث والإغراء نحو المأمور به والإرادة الجدّیّة مستفادة من الأصل العقلائیّ مادام لم تقم قرینة علی الخلاف ومع قیام القرینة فلا إرادة جدّیّة ولکنّ الصیغة استعملت فی معناها من دون لزوم مجاز فی الکلمة أو اشتراک لفظیّ فیها لأنّ صیغة افعل تستعمل فی جمیع التقادیر فی إنشاء البعث الذی وضعت له وإنّما اختلف الداعی لأنّه تارة هو الإرادة الجدّیّة للبعث والتحریک نحو المطلوب الواقعیّ واُخری التهدید والإنذار وغیرهما بقیام القرینة، نعم لو قلنا بأنّ الصیغة موضوعة للحکایة عن الإرادة النفسیّة الجدّیّة لکان المعنی مختلفاً بحسب اختلاف الموارد ولزم المجاز فیما إذا لم تکن حاکیة عن الإرادة النفسیّة الجدّیّة ولکن هذا المبنی ضعیف ربّما یقال نعم لا مجاز فی الکلمة لعدم استعمال الصیغة فی غیر الموضوع له ولکن یلزم خلاف الوضع إذ الواضع جعل الصیغة موضوعة لإنشاء الطلب بداعی البعث والتحریک جدّاً لابداع آخر.

وفیه أنّ الدواعی والأغراض لاتوجب تقییداً فی الوضع کما لاتوجب ذلک فی المعاملات وعلیه فدعوی اختصاص الوضع بالداعی الحقیقیّ کما تری.

وبالجملة فکما أنّ تخصیص العمومات لایوجب المجاز فیها مع أنّ الخاصّ قرینة

ص:128

لرفع الید عن أصالة الإرادة الجدّیّة فی العموم لعدم التصرّف فی الإرادة الاستعمالیّة فکذلک فی المقام فإنّ التصرّف فی الإرادة الجدّیّة لا فی الإرادة الاستعمالیّة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه لدعوی انسلاخ الصیغ الإنشائیّة کالترجّی والتمنّی عن معانیها إذا استعملت فی کلامه سبحانه وتعالی بدعوی استحالة مثل هذه المعانی فی حقّه عزّوجلّ وذلک لأنّ المتسحیل هو الحقیقیّ من الترجّی والتمنّی ونحوهما للزوم الجهل والعجز لا الإنشائیّ الاعتباریّ منها الذی یوجد بالصیغ المذکورة بدواع معقولة والمفروض أنّ الصیغ لاتدلّ إلّا علی الإنشائیّ منها وعلیه فمثل قوله تعالی (وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسی) لیس مستعملاً فی الاستفهام الحقیقیّ حتّی ینافی علمه تعالی بل هو استفهام إنشائیّ استعمل بداعی إظهار المحبّة.

المبحث الثانی: فی کیفیة استفادة الوجوب من صیغة الأمر

وقد عرفت أنّ مقتضی التبادر هو وضع صیغة افعل لإیجاد البعث وإنشائه.

ثمّ لایخفی علیک أنّ البعث من ناحیة المولی مع أنّ الاصل فی الأفعال هو حملها علی الجدّ یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء بکون البعث المذکور حجّة علی لزوم الإتیان ما لم تقم قرینة علی الترخیص وجواز الترک.

کما أنّ البعث الخارجیّ بالید و نحوها من ناحیة المولی یکون موضوعاً لحکمهم بذلک.

ولذلک لایتوجّه العقلاء إلی الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم قیام القرینة علی الخلاف.

وعلیه فالوجوب أمر ینتزع من البعث المذکور وحکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان به ما لم تقم قرینة علی الترخیص فی ترکه.

کما أنّ الاستحباب أمر ینتزع من البعث المذکور مع قیام قرینة علی الترخیص فی ترکه فالوجوب والندب أمران انتزاعیّیان لا مدلولان لصیغ الأمر.

ص:129

وعلیه فدعوی تبادر الوجوب من حاقّ صیغة افعل کما تری لما عرفت من أنّها جزء الموضوع لانتزاع الوجوب و جزء الآخر هو حکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان کما أنّ القول بأنّ الوجوب مستفاد من مقدّمات الحکمة غیر سدید إذ لیس المراد من الوجوب هو الإرادة حتّی یقال إنّها ذات مراتب فیمکن جریان المقدّمات لتعیین شدیدها لما عرفت من أنّ مفاد الصیغة هو الأمر الإنشائیّ وهو لیس ذا مراتب بل أمر بسیط لایختلف فی الوجوب والندب هذا مضافاً إلی ان المفاهیم المشککة نحو مفهوم الاسود لایحمل علی شدید مرتبتها و الّا لزم حمل کل مطلق علی اکمل افرادها و هو واضح البطلان کما لا وجه لدعوی انصراف الصیغة إلی الوجوب لما عرفت من أنّ مدلولها لیس إلّا إنشاء البعث. و لا إطلاق فی مفاد الإنشائیّات لأنّها کالمعانی الحرفیّة من الاُمور المشخّصة الجزئیّة فلامجال لدعوی الانصراف لأنّه متفرّعة علی کون مفادها مطلقاً.

ثمّ ینقدح ممّا ذکر أنّه لا حاجة فی انتزاع الوجوب بعد بناء العقلاء علی أنّ بعث المولی لایترک بغیر جواب إلی اقتران البعث بالمقارنات الشدیدة کضرب الرجل علی الأرض وتحریک الرأس والید ولذا لو لم یقترن بهذه الاُمور انتزع الوجوب منه کما لایخفی.

ثمّ إنّ البعث لایختلف فی الوجوب والندب لأنّه تحریک إنشائی نحو العمل وإنّما الاختلاف فی جواز الترک الکاشف عن عدم الإرادة الحتمیّة فالمستعمل فیه فی الوجوب والندب واحد وهو إنشاء البعث وإنّما الاختلاف فی الدواعی إذ الداعی فی الوجوب هو الإرادة الحتمیّة للإتیان بخلاف الداعی فی الندب.

والشاهد له هو إمکان جمع الواجبات والمندوبات فی عبارة واحدة کقولهم اغسل للجمعة والجنابة من دون لزوم استعمال اللفظ الواحد فی الأکثر من معناه أو تأویل الصیغة إلی معنی یصحّ أن یکون جامعاً وذلک لأنّ معنی الصیغة وهو إنشاء البعث واحد

ص:130

فی الوجوب والندب والاختلاف فی الدواعی لا فی مفاد الهیأة فمع قیام القرینة علی الترخیص فی ترک غسل الجمعة یرفع الید عن ظهور الصیغة فی الوجوب بالنسبة إلیه دون غسل الجنابة.

المبحث الثالث: فی الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب و البعث

و لایخفی أنّ جماعة ذهبوا إلی أنّ الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب مستعملة فی معناها من الإخبار وإنّما التفاوت بینها وبین الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الإخبار بالدواعی إذ الداعی فی الخبریّة هو الإخبار والإعلام بثبوت الشیء لشیء بخلاف المستعملة فی مقام الطلب فإنّ الداعی فیها هو البعث الحقیقیّ.

واستشکل فیه بأنّ لازم استعمال الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب فی معناها من ثبوت الشیء لشیء هو الکذب کثیراً لکثرة عدم وقوع المطلوب کثیراً ما فی الخارج.

واُجیب عنه بأنّه إنّما یلزم ذلک إذا أتی بها بداعی الإخبار لابداعی البعث فإذا جیئ بالنسب الخبریّة توطئة لإفادة أمر آخر لایکون المقصود الأصلیّ هو الإخبار فلایرد علی ذلک باستلزام الکذب لو ارید من قوله علیه السلام «یعید» ونحوه الجمل المستعملة فی معناها لأنّ النسبة فی قولهم یعید جیئ بها توطئة لإفادة إرادة البعث، والصدق والکذب یلاحظان بالنسبة إلی النسبة الحکمیّة المقصودة بالأصالة دون النسب التی جیئ بها توطئة لإفادة أمر آخر ولذا لایسند الکذب إلی القائل بأنّ زیداً کثیر الرماد توطئة لإفادة جوده وإن لم یکن له رماد أو کان و لم یکن کثیراً وإنّما یسند إلیه الکذب لو لم یکن زید جواداً.

والإنصاف أنّ هذا القول لایخلو عن تکلّف والأولی أن یقال إنّ الظّاهر من الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب عرفاً فی مثل قولنا بعت وانکحت ویعید هو الإنشاء لا الإخبار بداعی الإنشاء والبعث فهذه الجمل من الموجدات لا الحاکیات وحملها علی الإخبارات بعید عن أذهان العرف وإن کان ممکناً کما عرفت.

ص:131

ثمّ إنّ کیفیّة استفادة الوجوب منها کاستفادة الوجوب من صیغ الأمر وعلیه فنفس البعث بالجملة الخبریّة کالبعث بالصیغة موضوع لحکم العقلاء بکونه حجّة علی لزوم الإتیان فینتزع منه الوجوب فلاتکون الجمل الخبریّة مستعملة فی الوجوب کما لایکون الوجوب مستفاداً منها بمقدّمات الحکمة أو بالانصراف کما مرّ تفصیل ذلک فی صیغ الأمر.

المبحث الرابع: فی التعبدی و التوصلی
اشارة

والبحث فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی تعریف التعبّدیّ و التوصّلیّ

واعلم أنّه یمکن تعریفهما بأنّ التعبّدیّ ما لا یسقط أمره ولایحصل الامتثال به فی حاقّ الواقع إلّا بإتیانه بقصد القربة والتوصّلیّ ما یسقط أمره بنفس الإتیان کیفما اتفق من دون حاجة إلی حصول قصد القربة.

ویمکن أیضاً تعریفهما بأنّ التوصّلیّ هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرّد حصول الواجب ویسقط بمجرّد وجوده والتعبّدیّ هو ما لا یکاد یحصل الغرض بذلک بل لابدّ فی حصوله وسقوطه من الإتیان به متقرباً به منه تعالی.

المقام الثانی: فی إمکان أخذ القربة فی متعلّق التکلیف و عدمه
اشارة

ذهب القدماء إلی الأوّل والمتأخّرون إلی الثانی والحقّ مع القدماء لعدم تمامیّة أدلّة المانعین المتأخّرین.

وجوه الامتناع فی مقام الأمر

منها: أنّ الأمر یتوقّف علی تحقّق موضوعه بتمام أجزائه و شروطه توقّف العرض

ص:132

علی معروضه فلوکان قصد هذا الأمر مأخوذاً فی الموضوع لزم الدور لعدم تحقّق الموضوع بتمام أجزائه و شروطه التی منها قصد الأمر إلّا بعد ثبوت الأمر فالأمر یتوقّف علی الموضوع والموضوع علی الأمر و هو دور.

اجیب عنه: بأنّ المراد من التوقّف إن کان توقّفه علیه فی الخارج فهو باطل ضرورة أنّ الأمر لایتعلّق بالموضوع إلّا قبل وجوده الخارجیّ وأمّا بعد وجوده الخارجیّ فیستحیل تعلّق الطلب به لأنّه تحصیل الحاصل وإن کان المراد توقّفه تصوّراً فهو مسلّم ولکن لایلزم منه الدور لأنّ الموضوع بوجوده الذهنیّ متقدّم علی الأمر ولاینافی ذلک کونه بوجوده الخارجیّ متأخّراً عن الأمر ومتوقّفاً علیه وبالجملة المتوقّف علی الأمر و هو الموضوع بوجوده الخارجی غیر ما یتوقّف الأمر علیه و هو الموضوع بوجوده الذهنی وعلیه فتوهّم الدور ناشئ من خلط الذهن بالخارج.

ومنها: أنّه یستحیل أخذ الأمر وکلّ ما ینشأ من قبله أو یضاف إلیه فی موضوع المأمور به، وجه الاستحالة هو تأخّر الحکم من الموضوع رتبة مع أنّ اللازم فی القید والمقیّد هو أن یکونا فی مرتبة واحدة بحیث یتمکّن الأمر من النظر إلیهما معاً بلحاظ واحد وطلب أحدهما مقیّداً بالآخر والحکم لتأخّره الرتبیّ لایتصوّره الذهن إلّا بعد تصوّر موضوعه.

اجیب عنه: بأنّ تأخّر الحکم رتبة عن الموضوع لایمنع عن إمکان لحاظهما معاً ألاتری أنّ السبب والمسبّب یمکن ملاحظتهما معاً ولایمنع عن ذلک التقدّم والتأخّر الوجودیّ بینهما وعلیه فیمکن تصوّر الحکم بشخصه قبل وجوده وتصوّر الموضوع کالصلاة ثمّ یتقیّد الموضوع کالصلاة بتصوّر الحکم إذ تصوّرهما فی مرتبة واحدة ولاتقدّم وتأخّر فی تصوّرهما وإن کانا بحسب الوجود متقدّماً ومتأخّراً.

ص:133

ومنها: أنّ تعلّق التکلیف بذلک المقیّد یوجب الجمع بین اللحاظ الآلیّ والاستقلالیّ لأنّ الموضوع بقیوده لابدّ وأن یکون ملحوظاً استقلالاً والأمر بما أنّه طرف لإضافة القید المأخوذ فی الموضوع لابدّ من لحاظه أیضاً استقلالاً مع أنّ الأمر بما أنّه آلة البعث إلی المطلوب لایمکن لحاظه إلّا آلة إلیه.

اجیب عنه: بأنّ اللحاظین المتنافیین لم یجتمعا فی وقت واحد إذ اللحاظ الاستقلالیّ مقدّم علی اللحاظ الآلیّ منها لأنّ الموضوع بتمام قیوده مقدّم تصوّراً علی تعلّق الأمر والبعث.

ومنها: أنّ فعلیّة الحکم متوقّفة علی فعلیّة موضوعه فإذا کان الحکم نفس موضوعه أو جزءاً منه لزم توقّف فعلیّة الشیء علی فعلیّة نفسه.

اجیب عنه: بأنّ فعلیّة الحکم متوقّفة علی فعلیّة فرض وجود موضوعه وتقدیره فی الذهن وهو لایتوقّف علی فعلیّة الحکم خارجاً کما یقول المولی لعبده کُل هذا لمحبّتی أو لامری فالطلب فعلی فی فرض فعلیة المحبة او الأمر و لایتوقف الطلب و الحکم علی فعلیتهما فی الخارج کما لایخفی.

ومنها: أنّ الإنشاء حیث کان بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علّیّة الشیء لعلّیّة نفسه وهو محال للزوم تقدّم الشیء علی نفسه.

واُجیب عنه: بعد مقدّمتین:

الاُولی: أنّ الموضوع فی المقام لیس إلّا الصلاة المتصوّرة مع قصد أمرها والأمر إنشاء علی ذلک المقیّد فالبعث إلی طبیعة الصلاة أمر بایجادها و تحصیلها.

والثانیة: أنّ الأمر لیس إلّا المحرّک والباعث الإیقاعیّ لا المحرّک الحقیقیّ والباعث التکوینیّ ولهذا لیس شأنه إلّا تعیین موضوع الطاعة من غیر أن یکون له تأثیر فی بعث

ص:134

المکلّف تکویناً وإلّا لوجب اتّفاق الأفراد فی الإطاعة بل المحرّک حقیقة لیس إلّا بعض المبادئ الموجودة فی نفس المکلّف کادراک استحقاق المولی للاطاعة فنسبة التحریک إلی الأمر یکون بضرب من العنایة و التشبیه.

بأنّه إن أراد القائل من کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیّة نفسه أنّ الأمر الإنشائیّ المتعلّق بالعنوان المقیّد موجب لذلک المحال ففیه أنّ الإنشاء لایحتاج إلی مؤونة زائدة من تصوّر الطرفین.

وإن أراد أنّ الأمر المحرّک للمکلّف تکویناً محرّک حقیقة إلی محرّکیّة نفسه فهو خلاف ما عرفت من أنّ نسبة التحریک إلیه بضرب من التشبیه و العنایة والمحرّک الأصلیّ هو بعض المبادئ الموجودة فی النفس کإدراک استحقاق المولی للإطاعة أو الخوف من ناره وغضبه ومعرفة أنّ الإطاعة لاتحقّق لها إلّا بإتیان الصلاة المقیّدة فلامحالة یقوم بامتثاله علی نحو ما أمر.

وجه الامتناع فی مقام الامتثال

ومنها: أنّ متعلّق التکلیف هو المقیّد وهو الصلاة بداعی الأمر إلیها ولیست الصلاة بنفسها متعلّقة للأمر حتّی یمکن الإتیان بها بداعی أمرها وحیث إنّ ذات المقیّد لاتکون مأموراً بها لأنّ الجزء التحلیلیّ لایتّصف بالوجوب أصلاً إذ المأمور به لیس إلّا وجوداً واحداً وهو المقیّد وهو یکون واجباً بالوجوب النفسیّ فلامجال لدعوی أنّ نفس الصلاة تکون مأموراً بها بالأمر بالصلاة مقیّدة بداعی الأمر بها.

واُجیب عنه بوجوه:

أحسنها أن نقول: أنّا لانحتاج فی الامتثال و إیجاد الصلاة بداعی الأمر إلی تعلّق الأمر بذات الصلاة بل نفس الأمر بالمقیّد أو المرکّب یدعو إلیها أیضاً ویکفی أیضاً فی مقرّبیّتها

ص:135

وعبادیّتها إتیانها بداعی هذا الأمر وذلک لأنّه یکفی فی عبادیّة الأجزاء التحلیلیّة والخارجیّة والمقدّمات الوجودیّة والعلمیّة إتیانها بداعی الأمر المتعلّق بالکلّ وبذی المقدمة فإنّ الأمر کما یکون داعیاً إلی نفس متعلّقة فکذلک یکون داعیاً إلی کلّ ماله دخل فی تحقّقه من غیر احتیاج فی مدعویّتها للأمر إلی تعلّق أمر بها علیحدة.

فانقدح من جمیع ما ذکر أنّ أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف شرعاً ممکن ولایلزم منه المحذورات المذکورة لا فی ناحیة التکلیف و لافی ناحیة الامتثال.

ثمّ لایخفی علیک أنّه ذهب المانعون إلی تصحیح اعتبار أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف بوجوه اخری بعد فرض امتناع أخذه فی المتعلّق بأمر واحد:

تصحیح أخذ قصد القربة بتعدد الأمر

أحدها: أنّه یمکن أخذ قصد القربة بتعدّد الأمر أحدهما بذات المتعلّق وثانیهما بالإتیان به بداعی أمره المتعلّق به.

و لامانع منه إذ لاحیلة للمولی فی بیان کون مطلوبه عبادیّاً إلّا بذلک بعد فرض امتناع أخذ قصد القربة فی المتعلّق بالأمر الواحد ویدلّ علی وقوع ذلک وجود العبادات التی قامت الضرورة والإجماع علی اشتراطها بقصد القربة ولامجال للتمسّک باصل الاشتغال عند الشکّ فی عبادیّة أمر لاختصاص جریانه بما إذا لم یتمکّن المولی من البیان والمفروض أنّه متمکّن بتعدّد الأمر فإذا لم یبیّن وشکّ فی عبادیّة أمر تجری أصالة البراءة و لاوقع لبعض الإشکالات فی هذا المقام.

تصحیح القربة بأخذ دواعی التقرب

ثانیها: أنّه یمکن أخذ دواعی التقرّب فی المتعلّق بمعنی اشتراط الإتیان بفعل بداعی حسنه أو بداعی کونه ذا مصلحة أو بداعی محبوبیّته للّه تعالی.

ص:136

أورد علیه بأنّ اعتبارها فی متعلّق الأمر وإن کان بمکان من الإمکان إلّا أنّه غیر معتبر فیه قطعاً لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال فإنّه یکشف عن تعلّق الأمر بنفس الفعل وإلّا یلزم اجتماع داعیین علی فعل واحد أو کون داعی الأمر من قبیل الداعی علی وهو خلف لفرض کفایة إتیانه بداعی الأمر بنفسه.

واُجیب عنه: بأنّ کفایة قصد الامتثال لاینافی أخذ سائر الدواعی فی المتعلّق تصحیحاً لقصد القربة فإنّ اعتبار سائر الدواعی یکون فیما إذا لم یأت بقصد الأمر وإلّا فمع إمکان قصد الأمر والإتیان به فلا حاجة فی التقرّب إلی الإتیان بسائر الدواعی حتّی یلزم الاجتماع المذکور أو الداعی علی الداعی.

نعم یرد علی أخذ الدواعی الثلاثة فی متعلّق الأوامر ما اورد علی أخذ قصد الأمر فی المتعلّق ولکن یمکن الجواب عنه بالجواب کما فی تهذیب الاُصول.

ثالثها: أنّ العبادة عبارة عن إظهار عظمة المولی والشکر علی نعمائه بما یستحقّ ویلیق به وإظهار العظمة والشکر المذکور بما یستحقّ ویلیق به مقرّب بالذات وعبادة من دون توقّف علی وجود الأمر أو قصد الأمر نعم لمّا کان المکلّف لا طریق له إلی استکشاف أنّ المناسب بمقام هذا المولی تبارک و تعالی ما هو إلّا بإعلامه تعالی لابدّ أن یعلمه أوّلاً ما یتحقّق به تعظیمه ثمّ یأمر به وعلیه فالعبادة بهذا المعنی لیست ممّا یتوقّف تحقّقه علی قصد الأمر حتّی یلزم محذور الدور.

اورد علیه بأنّ قصد التعظیم التعبّدیّ بالمعنی المذکور یؤول إلی قصد ما أمر به تعبّداً ومعه لایصحّ دعوی خلوّ العبادة عن قصد الأمر.

هذا مضافاً إلی ما فیه من عدم صحّة تفسیر العبادة بمطلق إظهار العظمة والشکر فإنّ العبادة هی التألّه وهو التعظیم فی مقابل الغیر بعنوان أنّه ربّ وخالق سواء کان التعظیم

ص:137

بما یکون تعظیماً ذاتاً کالسجدة أو بما لانطّلع بکونه تعظیماً إلّا بالنصّ الشرعیّ کالصوم ونحوه من العبادات الشرعیّة.

رابعها: أنّ الفعل المقیّد بعدم الدواعی النفسانیّة وثبوت الداعی الالهیّ الذی یکون مورداً للمصلحة الواقعیّة وإن لم یکن قابلاً لتعلّق الأمر به بملاحظة الجزء الأخیر للزوم الدور أمّا من دون ضمّ القید الأخیر فلا مانع منه ویکون ملازماً مع القربة وعلیه فیقع الطلب به من دون ضمّ القید الأخیر.

لایقال: إنّ هذا الفعل من دون ملاحظة تمام قیوده التی منها القید الأخیر لایکاد یتصف بالمطلوبیّة فکیف یمکن تعلّق الطلب بالفعل من دون ملاحظة تمام القیود التی یکون بها قوام المصلحة.

لأنّا نقول: الفعل المقیّد بعدم الدواعی النفسانیّة وإن لم یکن تمام المطلوب النفسیّ مفهوماً لکن لمّا لم یوجد فی الخارج إلّا بداعی الأمر لعدم إمکان خلوّ الفاعل المختار عن کلّ داع یصحّ تعلّق الطلب به لأنّه یتّحد فی الخارج مع ما هو مطلوب حقیقة فهذا الوجه یرجع إلی إمکان اعتبار قصد القربة بالعنوان اللازم و هو عنوان عدم الدواعی النفسانیة کما لایخفی.

المقام الثالث: فی الأخذ بالإطلاق عند الشکّ فی اعتبار قصد القربة فی واجب و عدمه

ولایخفی أنّه لا إشکال فی جواز الأخذ بالإطلاق اللفظیّ سواء قلنا بإمکان أخذ قصد القربة فی المتعلّق أو لم نقل.

أمّا إذا قلنا بالإمکان فواضح وأمّا إذا لم نقل فإنّ التقیید المتّصل غیر ممکن وأمّا المنفصل أو العنوان الملازم فهو ممکن فیجوز الحکم بإطلاق متعلّق التکلیف وعدم تقییده بقصد القربة بمقدّمات الحکمة.

ص:138

المقام الرابع: فی الأصل العملیّ عند فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق

ولایخفی علیک أنّ المراد من الأصل العملیّ إمّا هو البراءة العقلیّة أو البراءة الشرعیّة.

أمّا الاُولی فقد یمنع جریانها بدعوی أنّه لابدّ عند الشکّ وعدم إحراز کون الأمر فی مقام بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل ویستقلّ به العقل وهو لیس إلّا أصالة الاشتغال لأنّ الشکّ هیهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها.

وفیه أنّ مع إمکان أخذ قصد الامتثال أو دواعی القربة فی المتعلّق متّصلاً أو منفصلاً فلافرق بین قصد الامتثال أو دواعی القربة وبین سائر القیود فکما أنّ مع الشکّ فی سائر القیود عند عدم جریان مقدّمات الإطلاق تجری البراءة العقلیّة فکذلک مع الشکّ فی اعتبار قصد الامتثال و دواعی القربة تجری البراءة العقلیّة ومجرّد عدم إمکان تقیید المأمور به متّصلاً بناء علی امتناعه لایوجب الفرق مع إمکان البیان مستقلاًّ.

و دعوی أنّ أصل الغرض معلوم والشکّ فی حصوله بإتیان المأتیّ به من دون قصد الأمر أو دواعی القربة ومقتضی الاشتغال الیقینیّ هو الفراغ الیقینیّ مندفعة بأنّ الأغراض إن کانت حاصلة بنفس ما وقع تحت دائرة البیان فما هو واجب تحصیله هو ما تعلّق به البیان من الأجزاء والشرائط ویتبعه الغرض فی الحصول وإن کانت غیر حاصلة إلّا بضمّ ما لم تقم علیه حجّة فلانسلّم وجوب تحصیله.

وأمّا الثانیة أعنی البراءة الشرعیّة فهی جاریة کالبراءة العقلیّة بعد فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق.

و دعوی أنّه لابدّ فی عموم أدلّة البراءة الشرعیّة من شیء قابل للرفع والوضع شرعاً ولیس هیهنا کذلک فإنّ دخل قصد القربة ونحوها فی الغرض لیس بشرعیّ بل واقعیّ

ص:139

ودخل الجزء والشرط فیه وإن کان کذلک إلّا أنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً فبدلیل الرفع ولو کان أصلاً یکشف أنّه لیس هناک أمر فعلیّ بما یعتبر فیه المشکوک یجب الخروج عن عهدته عقلاً بخلاف المقام فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلیّ مندفعة بأنّا لانسلّم عدم إمکان أخذ قصد الأمر أو دواعی القربة فی المتعلّق ولو منفصلاً.

هذا مضافاً إلی أنّه کیف یمکن دخالة شیء فی الغرض ولایمکن للمولی بیانه وإظهاره.

وعلیه فلامحیص عن جریان أدلّة الرفع بعد إمکان وضعه فی نظائر المقام.

المبحث الخامس: فی حمل الأمر علی النفسیّ و العینیّ و التعیینی

ولایخفی علیک أنّ بعث المولی إلی شیء عند العقلاء یکون تمام الموضوع لاحتجاجه علی العبد فی باب الإطاعة ولذا حکموا بأنّه لایجوز له التقاعد عن المبعوث إلیه باحتمال إرادة الندب وهذا البیان بعینه جار فی المقام فإذا تعلّق أمر المولی بشیء یصیر حجّة علیه بحیث لایجوز للعبد أن یعدل عنه إلی غیره باحتمال إرادة تخییر فی متعلّق الأمر کما لایجوز له الترک مع إتیان الغیر باحتمال الکفائیّة و لاالتقاعد عن الإتیان باحتمال الغیریّة مع سقوط الوجوب عن غیره الذی یحتمل کون الأمر المفروض مقدّمة له.

کلّ ذلک لما عرفت من بناء العقلاء فإنّهم یحکمون بأنّ البعث المذکور حجّة علی لزوم الإتیان به بنفسه سواء أتی به الغیر أو لم یأت وسواء سقط الوجوب عن الغیر المحتمل کون ذلک مقدّمة له أو لم یسقط وسواء أتی بشیء آخر یحتمل أن یکون عدلاً لذلک أو لم یأت ومع قیام بناء العقلاء لا حاجة إلی الاستدلال بمقدّمات الحکمة حتّی یرد علیه الإشکالات وإن أمکن الجواب عنها کما عرفت.

المبحث السادس: فی الأمر عقیب الحظر أو توهّمه

ولایخفی علیک إنّ وقوع الأمر عقیب الحظر أو توهّمه ظاهر فی ارتفاع النهی السابق

ص:140

و سرّ ذلک أنّه لما کان المفروض فی المقام التفات کلّ من الأمر والمأمور إلی النهی السابق والتفات الأمر بالتفات المأمور إلی النهی السابق وإنّ حالته حالة انتظار الرخصة کان الأمر الوارد عقیب النهی ظاهراً ظهوراً نوعیّاً فی الرخصة فی الفعل ورفع النهی السابق.

نظیر ما إذا استأذن الشخص الذی نهی عن شیء من الناهی فی ارتکاب ما نهی عنه بقوله أفعله؟ فقال الناهی أفعل.

فکما أنّ الاستیذان یوجب ظهور الأمر فی مجرّد الرخصة وصرفه عن الوجوب إلیه بلاخلاف فکذلک حالة انتظاره للإذن والرخصة مع علم الأمر والتفاته إلیها توجب ذلک من غیر فرق.

وحیث إنّ الأمر حینئذٍ یفید مجرّد ارتفاع النهی فهو یجتمع مع الأحکام الأربعة الاُخری من الوجوب والندب والکراهة والإباحة الخاصّة.

فإن کان حال النهی قبل النهی معلوماً من الوجوب أو الاستحباب أو غیرهما وقلنا بجواز الاستصحاب فهو محکوم به بعد ارتفاع النهی.

وإلّا فأصالة البراءة تقتضی نفی احتمال الوجوب وتردّد الأمر بین البواقی. ثمّ إنّ هذا لایختصّ بالأمر بل یشارکه فیه النهی الوارد بعد الأمر أو توهّمه فإنّه أیضاً لایدلّ إلّا علی رفع الأمر السابق کما لو أمر الطبیب بملازمة شرب دواء فی کلّ یوم ثمّ قال بعد مدّة مع حالة انتظار المأمور للإذن فی الترک: لاتشربه فإنّه یدلّ علی رفع الإلزام والوجوب فالنهی الوارد عقیب الأمر یفید رفع الإلزام والوجوب وهویجتمع مع الأحکام الأربعة الاخری من الحرمة أو الندب أو الکراهة أو الاباحة الخاصة ویتعیّن الحکم بالاُصول الجاریة فی مورده فلاتغفل.

المبحث السابع: فی المرة و التکرار
اشارة

الکلام فیه یقع فی مقامات:

ص:141

المقام الأوّل:

أنّ محلّ النزاع فیه هو هیأة الأمر دون مادّة الأمر ودون مجموعهما لنصّ جماعة من الاُصولیّین علیه.

هذا مضافاً إلی تحریر أکثرهم النزاع فی الصیغة وهی ظاهرة فی الهیأة لو لم نقل بأنّها صریحة فیها، علی أنّه لا کلام فی أنّ المادّة کالضاد والراء والباء فی مثل المصدر وهو الضرب لاتدلّ إلّا علی الماهیة من حیث هی إذ لو کانت دالّة علی المرّة والتکرار لزم أن تدلّ علیه کلّ صیغة تحتوی تلک المادّة باعتبار دلالة مادّتها مع أنّه لیس کذلک فالبحث عن دلالة صیغة الأمر ترجع إلی البحث عن دلالة هیأة الأمر.

المقام الثانی:

أنّ الحقّ هو عدم دلالة هیئة الأمر علی المرّة والتکرار لأنّ هیأة الأمر موضوعة للبعث نحو وجود الطبیعة بنحو الوجود اللافراغیّ من دون دلالة علی المرّة والتکرار هذا بناء علی ما قرّر فی محلّه من أنّ الطبیعة بما هی الطبیعة لاتکون مطلوبة ولامرادة فاللازم هو تعلّق البعث إلی وجود الطبیعة بالنحو المذکور وأمّا إذا قلنا بأنّ البعث متعلّق بنفس الطبیعة المهملة التی تکون مقسماً لاعتبارات الماهیّة التی یعبّر عنها باللابشرط المقسمیّ فالعقل یحکم بأنّ البعث یرجع إلی إیجاد ما یکون مدلولاً لذلک اللفظ لأنّ الطبیعة بالمعنی المذکور لایمکن إرادتها لإهمالها وخلوّها من جمیع الحیثیّات وعلیه فالإیجاد مستفاد من حکم العقل ولیس داخلاً فی الماهیّة والطبیعة.

فلا دلالة للهیأة أیضاً علی المرّة والتکرار نعم یتحقّق الامتثال بوجود الطبیعة أو بإیجادها فی المرّة الاُولی إذ بعد الإتیان بالطبیعة سقط الأمر وتحقّق الامتثال ولامجال للامتثال الثانی کما لایخفی.

ص:142

المقام الثالث: فی المراد من المرّة و التکرار

هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد والفرق بینهما واضح لاحتیاج الدفعة والدفعات إلی تعدّد الأزمنة وتعاقبها بخلاف الفرد والأفراد.

ذهب فی الفصول إلی أنّ المراد هو الدفعة والدفعات مستدلاًّ بالتبادر وبأنّ المراد لو کان هو الفرد والأفراد لکان الأنسب بل اللازم أن یجعل هذا المبحث تتمّة للمبحث الآتی من أنّ الأمر هل یتعلّق بالطبیعة أو بالفرد فیقال عند ذلک وعلی تقدیر تعلّقه بالفرد هل یقتضی التعلّق بالفرد الواحد أو المتعدّد أو لایقتضی شیئاً منهما ولم یحتج إلی إفراد کلّ منهما بالبحث کما فعلوه وأمّا لو ارید بها الدفعة فلا علقة بین المسألتین.

وفیه أنّ الأمر لو کان متعلّقاً بالطبیعة یجری البحث المذکور فی هذه الصورة أیضاً لأنّ الطبیعة لایمکن وجودها إلّا فی ضمن فرد ما فحینئذٍ یقع الکلام فی أنّ المطلوب بالأمر هل هو الطبیعة بإیجادها فی ضمن فرد أو أفراد أو الدفعة أو الدفعات.

و دعوی الفرق بین أن یکون المطلوب هو وجود الطبیعة کما هو الظّاهر أو نفس الطبیعة وتقدیر الإیجاد بحکم العقل بأنّ البحث فی الأوّل لغویّ وفی الثانی عقلیّ. لایوجب أن یکون البحث تتمّة للمبحث الآتی بعد جریانه فی الصورتین ولو کان البحث علی تقدیر لغویّاً وعلی تقدیر عقلیّاً.

فالتحقیق أن یقع النزاع بکلا المعنیّین.

فکلّ مورد تقوم فیه القرینة علی إرادة الفرد أو الدفعة أو الأفراد أو الدفعات فلا کلام ومع عدم قیام القرینة فإن کان إطلاق فالمرجع هو الإطلاق وهو یقتضی جواز الاکتفاء بالمرّة والدفعة إلّا أنّ الاکتفاء بهما لیس من جهة کونهما مأخوذتین فی الهیأة أو المادّة لما عرفت من عدم أخذهما فیها بل من جهة صدق الامتثال بإتیان الطبیعة مرّة أو دفعة ومع صدق الامتثال لا یبقی الأمر حتّی تحتاج إلی امتثال آخر.

ص:143

وإن لم یکن إطلاق وشکّ فی أنّ المطلوب هو الفرد أو الأفراد أو الدفعة أو الدفعات فالمرجع هو الأصل العملیّ وهو لیس إلّا أصالة البراءة عن تکلیف الزائد فلاتغفل.

المقام الرابع: فی تبدیل الامتثال بالامتثال

ولایخفی علیک أنّ بعد الإتیان بالمأمور به وسقوط الأمر لا مجال للامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الأوّل الساقط لأنّ الامتثال متوقّف علی الأمر والمفروض هو سقوطه بالامتثال الأوّل.

و لافرق فی ذلک بین أن نقول بدلالة الأمر علی المرّة وضعاً أو بعدمها وتقدیر الوجود أو الإیجاد فی جانب المتعلّق بحکم العقل لسقوط الأمر المتعلّق بالطبیعة أیضاً بإتیان الفرد الأوّل فکما أنّ الأمر المتعلّق بالفرد یسقط بإتیان الفرد الأوّل فکذلک یسقط الأمر المتعلّق بالطبیعة إذ یتحقّق الطبیعة بالفرد الأوّل.

نعم لو علم بعد الإتیان بالفرد أو تحقّق الطبیعة أنّ للمولی أمر استحبابیّ بإتیان فرد أحسن ممّا أتی به لجاز أن یأتی بفرد آخر ولکنّه لیس إلّا الامتثال للأمر الثانی ولیس من باب تبدیل امتثال الأمر الأوّل بالامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الأوّل وعلیه یحمل جواز إعادة الفریضة المأتیّ بها منفرداً أو بالجماعة.

و أمّا الفرق بین ما إذا کان امتثال الأمر علّة تامّة لحصول الغرض الأقصی بحیث یحصل بمجرّده فلایبقی معه مجال لإتیانه ثانیاً بداعی امتثال آخر أو بداعی أن یکون الإتیانان امتثالاً واحداً وبین ما إذا لم یکن الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض الأقصی کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضّأ فأتی به ولم یشرب أو لم یتوضّأ فعلاً فلایبعد صحّة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله ففیه ما لایخفی لأنّ الغرض من الأمر فی نظیر المثال هو التمکّن من الشرب وهو حاصل بإتیان الماء فلا معنی لبقاء الأمر مع حصول الغرض فلاتغفل.

ص:144

المقام الخامس: فی الامتثال بالأزید

و لاإشکال فی جوازه بعد کون إیجاد الطبیعة المأمور بها فی ضمنها نحواً من الامتثال کإیجادها فی ضمن فرد واحد إذ مقتضی إطلاق الطبیعة هو جواز الإتیان بها علی نحوین.

ثمّ إنّ وحدة الامتثال وکثرته بوحدة الطلب وکثرته لا بوحدة الطبیعة وکثرتها وعلیه فالإتیان بعدّة أفراد عرضیّة دفعة واحدة لایکون إلّا امتثالاً واحداً لا امتثالات متعدّدة کما لایخفی.

المقام السادس: فی عدم اختصاص النزاع بالأمر الوجوبیّ

وذلک لوحدة الملاک.

المقام السابع: فی الفرق بین النواهی و الأوامر

ولایخفی أنّ کیفیّة الامتثال بین النواهی والأوامر مع وحدة متعلّقهما وهی الطبیعة بتقدیر الوجود أو الإیجاد إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل و النهی هو الزجر عن وجود الفعل متفاوتة وهی ناشئة إمّا من جهة اختلاف حکم العقلاء بالنسبة إلیهما إذ یحکمون بأنّ وجود الطبیعیّ ینعدم بعدم جمیع الأفراد فی النواهیّ ویتحقّق بوجود ما فی الأوامر فامتثال الأمر بصرف وجود الطبیعة وامتثال النهی بترک جمیع الأفراد علی نحو الاستغراق.

أو ناشئة من جهة کثرة الاستعمال فإنّ الأمر استعمل کثیراً ما عند مطلوبیّة صرف وجود الطبیعة بخلاف النهی فإنّه مستعمل کثیراً ما عند مبغوضیّة الطبیعة بجمیع أفرادها علی نحو الاستغراق ولعلّه أقرب کما سیأتی تفصیله إن شاءاللّه فی المباحث الآتیة وعلی کلّ تقدیر لایحتاج إفادة النواهی للشیوع والاستغراق إلی مقدّمات الحکمة.

المبحث الثامن: فی الفور و التراخی

والحق أنّ البعث الإنشائیّ کالبعث الخارجیّ فکما أنّ البعث الخارجیّ یفید الفوریّة لانها مقترنة

ص:145

بالبعث التکوینی فکذلک البعث الاعتباری الإنشائیّ والفوریّة المذکورة کالوجوب والندب من الاُمور المنتزعة من البعث بحکم العقلاء من دون أن تکون مأخوذة فی الهیأة أو المادّة.

إذ البعث من المولی کما یکون موضوعاً لحکم العقلاء بتمامیّة الحجّة علی لزوم الإتیان فانتزع من هذا الحکم عنوان الوجوب فکذلک یکون موضوعاً لحکمهم بالفوریّة وعدم جواز التراخی فیه ما لم تکن قرینة علی الخلاف. نعم أفاد بعض الأکابر ان هذا فیما اذا لم یؤخذ فی متعلّق البعث ما یدل علی التوسعة کقول أحد لغیره جئنی بکذا یوم الجمعة أو کقوله تعالی فعدة من أیام أخر و إلّا فاطلاق المتعلّق یقدم علی الفوریة المستفادة من نفس الأمر.

ثمّ إنّ مقتضی ما ذکر لزوم الإتیان بمتعلّق الأوامر فوراً ففوراً بحیث لو عصی فی الآن الأوّل لوجب علیه الإتیان به فوراً فی الزمان الثانی وهکذا.

وذلک لما عرفت من أنّ البعث الإنشائیّ کالبعث الخارجیّ فکما أنّ البعث الخارجیّ مادام باقیاً یکون موضوعاً عند العقلاء للفور فالفور فکذلک البعث الإنشائیّ القائم مقامه یکون موضوعاً لحکمهم بالفور فالفور.

وینقدح ممّا ذکر من أنّ الفور وهکذا الفور فالفور کالوجوب والندب أنّهما لیسا داخلین فی الهیأة و لافی المادّة لابالوضع ولابنحو آخر بل یکونان من الاُمور الانتزاعیّة تبعاً لانتزاعیّة الوجوب والندب.

ثمّ إنّ النزاع فی الفور والتراخی و إن اختصّ بحسب کلماتهم بالأوامر الوجوبیّة ولکن بعد ما ذکرناه فی الأوامر الوجوبیّة یظهر الحال فی الأوامر الندبیّة أیضاً لعدم الفرق بینهما فی عدم کونهما من قیود الطلب أو المادّة وإنّما یستفادان من حکم العقلاء بعد تحقّق موضوع حکمهم بإنشاء البعث فلاتغفل.

ص:146

الفصل الثالث: فی الاجزاء

اشارة

هنا ملاحظات قبل الخوض فی تفصیله.

أحدها: أنّ هذه المسألة هل تکون من المسائل العقلیّة أو من المباحث اللفظیّة.

والتحقیق هو جواز کلیهما لأنّ المسألة ذو حیثیّتین:

الحیثیّة الأولی: أنّ أدلّة اعتبار الأوامر الظاهریّة أو الاضطراریّة هل تدلّ علی توسعة موضوع الأوامر الاختیاریّة و الواقعیّة بنحو الحکومة أو لاتدلّ و علیه فاللازم هو ملاحظة لسان أدلّة الاعتبار فالنزاع حینئذٍ یکون لفظیّا و من هذه الجهة تکون المسألة من مباحث الألفاظ.

والحیثیّة الثانیة: أنّ الاتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراریّ أو الظاهریّ هل یقتضی سقوط الأوامر الواقعیّة لاشتمال المأتیّ به علی المصلحة المقتضیّة للأمر أو لایقتضی فاللازم حینئذٍ هو ملاحظة تأثیر الإتیان فی سقوط الأوامر الواقعیّة و عدمه و من المعلوم أنّ هذا البحث حینئذٍ یکون عقلیّاً و یناسب المباحث العقلیّة و علیه فذکر المسألة فی مقامنا هذا لیس استطرادیّاً فلاتغفل.

ثانیها: نتیجة المسألة الاُصولیّة کلّیّة وهل یلزم أن یکون مبانیها أیضاً کلّیّة أم لا. و الحقّ هو عدم لزوم ذلک إذ یکفی کلّیّة نفس المسألة فی إدراجها فی المسائل الاُصولیّة

ص:147

التی لابدّ أن تکون کلّیّة و إن استفیدت المسألة من الدلیل الخاصّ الجزئیّ و علیه فلاوقع للإشکال فی الأوامر الاضطراریّة بأنّ مبناها جزئیّ لابتنائها علی قوله التراب أحد الطهورین من حیث الإطلاق الملازم للإجزاء و عدمه بخلاف الأوامر الظاهریّة فإنّ إجزائها و عدمه مبنیّان علی السببیّة و الطریقیّة.

هذا مضافاً إلی عدم اختصاص مبنی الأوامر الاضطراریّة بقوله التراب أحد الطهورین بل قوله علیه السلام المیسور لایسقط بالمعسور أو أنّ التقیّة دینی و دین آبائی و نحوهما من مبانی الأوامر الاضطراریّة کلّیّة.

ثالثها: إنّ صاحب الکفایة ذهب إلی أنّ المراد من وجهه فی عنوان البحث هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً لاخصوص الکیفیّة المعتبرة شرعاً و إلّا لزم أن یکون القید توضیحیّاً هذا مع لزوم خروج التعبدّیّات عن حریم النزاع لأنّ قصد القربة یکون من کیفیّات الإطاعة عقلاً.

وفیه منع لزوم خروج التعبّدیّات بناء علی المختار من إمکان اعتبار قصد القربة فی المأمور به شرعاً.

هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ القید لیس توضیحیّاً بل مذکور لردّ عبد الجبار من السابقین فافهم.

رابعها: إنّ معنی الاقتضاء فی عنوان البحث «هل الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء أولا» هو الاقتضاء الإثباتیّ إن کان النزاع فی دلالة الأوامر الاضطراریّة والظاهریّة أو الاقتضاء الثبوتیّ بمعنی العلّیّة و التأثیر إن کان النزاع فی أنّ الإتیان بالمأمور به فی الخارج هل یقتضی الإجزاء أولا لأنّ المأمور به خارجاً هو الذی یتحقّق به الغرض ومع تحقّقه حصلت علّة سقوط الأمر الواقعیّ فالإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ مؤثّر فی رفع الأمر الواقعیّ.

ص:148

وممّا ذکر یظهر أنّه لامجال لما فی تعلیقة الإصفهانیّ قدس سره من أنّ المعلوم أنّ المعلول ینعدم بانعدام علّته لا أنّ القائم به الغرض علّة لسقوط الأمر لأنّ الأمر علّة لوجود الفعل فی الخارج فلو کان الفعل علّة لسقوط الأمر لزم علّیة الشیء لعدم نفسه فسقوط الأمر لتمامیّة اقتضائه وانتهاء أمده.

وذلک لأنّ حدیث انتهاء الأمد و انعدام المعلول بانعدام علّته صحیح بالنسبة إلی إتیان المأمور به وأمر نفسه لا إتیان المأمور به بالأمر الظاهریّ أو الاضطراریّ بالنسبة إلی الأمر الواقعیّ إذ لاینعدم أمد الأمر فی الثانی بإتیان الظاهریّ أو الاضطراریّ.

بل یحتاج رفعه إلی تأثیر الإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ فیه فالحقّ مع صاحب الکفایة حیث ذهب إلی أنّ معنی الاقتضاء هو العلّیة و التأثیر بناءً علی النزاع فی أنّ الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء أو لایقتضی و علیه فلاحاجة إلی تغییر عنوان البحث بأنّ الإتیان بالمأمور به هل هو مُجز أولا کما فی تهذیب الاُصول.

خامسها: إنّ الإجزاء بحسب اللغة یکون بمعنی الکفایة و بحسب الاصطلاح یکون بمعنی إسقاط التعبّد بالإتیان أعادة کان أو قضاء و المعنی الثانی لازم الکفایة و لاوجه لرفع الید عن معناه اللغویّ ما لم تقم قرینة و علیه فالإجزاء فی عنوان البحث محمول علی معناه اللغویّ.

سادسها: إنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار واضح فأنّ البحث فی المقام بعد معلومیّة مقدار المأمور به فی الواقع و عدم الإتیان به فی أنّ الإتیان بالأمر الظاهریّ أو الاضطراریّ مع کشف الخلاف یکفی عن الواقعیّ الذی لم یأت به أو لا یکفی و البحث فی مسألة المرّة و التکرار فی تعیین مقدار المأمور به و کمّیّته و أنّ بعد الإتیان بالمأمور به الواقعیّ هل یلزم التکرار أو لایلزم.

ص:149

کما أنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیّة القضاء للأداء واضح فإنّ البحث فی المقام فی کفایة المأتیّ به عن الواقع بعد الإتیان بالمأمور به الظاهریّ أو الاضطراریّ و البحث فی مسألة القضاء و الأداء بعد فوت المأمور به و عدم الإتیان به فی الوقت فی ثبوت القضاء و عدمه فلا تشابه بین المسألتین.

تحقیق المقام فی الأجزاء و عدمه

ثمّ لایخفی علیک أنّ بعد ما عرفت من المقدّمات فتحقیق المقام فی الإجزاء و عدمه یستدعی البحث فی الموضعین:

الموضع الأوّل:

إنّه لا کلام فی إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره إذ الغرض من الأمر لیس إلّا هو إتیان المأمور به بما له من القیود و الشروط و مع الإتیان حصل الغرض و مع حصول الغرض ینتهی أمد البعث و الإرادة و لاموجب لبقائهما و إلّا لزم الخلف أو بقاء المعلول بدون علّته.

وأنت خبیر بأنّ المقصود من الإجزاء فی هذا الموضع أنّ الإتیان بالمأمور به الواقعیّ یجزی عن أمره الواقعی و هکذا الإتیان بالمأمور به الاضطراریّ یجزی عن أمره الاضطراریّ أو الإتیان بالمأمور به الظاهریّ یجزی عن أمره الظاهریّ لا أنّ الإتیان بکلّ واحد منها یجزی عن الآخر فأنّه سیأتی الکلام فیه فی الموضع الثانی إن شاء اللّه تعالی.

وممّا ذکر ینقدح أنّ مع سقوط الأمر لحصول الغرض لامجال لتبدیل الامتثال بامتثال آخر إذ الامتثال فرع بقاء الأمر والمفروض أنّ مع حصول الغرض یسقط الأمر و لامجال للامتثال الثانی بالنسبة إلی الأمر الساقط.

ولذلک یحمل ماورد فی المقام ممّا یتوهّم أنّ المراد منه هو الامتثال عقیب الامتثال و مطلوبیّة الإعادة علی أمر لاینافی ما یقتضیه حکم العقل فإنّ مطلوبیّة الإعادة أعمّ من

ص:150

بقاء الأمر السابق لامکان أن یکون ذلک من جهة الأمر الجدید الاستحبابیّ و لا أقلّ من احتمال ذلک فلایکون منافیاً لما استقلّ العقل به من سقوط الأمر بالامتثال الأوّل و عدم معقولیّة الامتثال عقیب الامتثال فلاتغفل.

الموضع الثانی:

وفیه مقامان:

المقام الأوّل: فی إجزاء الأوامر الاضطراریّة
اشارة

ولایخفی علیک أنّه إن قلنا بأنّ الأمر الأوّلیّ عامّ یشمل المضطرّ و غیره فی عرض واحد و الأوامر الاضطراریّة تدلّ علی تنویع العامّ المذکور فی حال الاضطرار و إخراج الاضطرار عن تحت العام فالإجزاء فی غایة الوضوح إذ لیس فی حال الاضطرار إلّا أمر واحد و لاإشکال فی أنّ الإتیان بالمأمور به بهذا الأمر یوجب سقوط الأمر المذکور و المفروض أنّه لا أمر آخر حتّی یبحث عن إجزائه عنه و عدمه.

وإن لم نقل بذلک فالأمر فی حال الاضطرار غیر الأمر الواقعیّ.

فیمکن البحث حینئذٍ عن إجزاء الاضطراریّ عن الواقعیّ وعدمه.

وقد أوضحنا قوّة الثانی بناء علی المختار من أنّ المتبادر من الصلاة هی الهیئة الترکیبیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی باعثیّة المولی نحو الأمر بها لأنّ الأمر الأوّلیّ تعلّق بها لا الهیئة الترکیبیّة المجملة أو المهملة لأنّ البعث نحو المهمل و المجمل لا یصدر عن الحکیم المتعال.

وممّا ذکر یظهر أنّ المبعوث إلیه فی الأمر الأوّلیّ هی الصلاة الکاملة و هی صلوة المختار و حینئذٍ تدلّ الأدلّة الاضطراریّة علی ما یقوم مقام الصلاة الکاملة فی حال الاضطرار و مقتضی ذلک هو تعدّد الأمر من الأمر الواقعیّ و الأمر الاضطراریّ هذا مضافاً إلی أنّ ذلک هو مقتضی لسان أدلّة الاضطرار کنفی الحرج و الضّرر و رفع الاضطرار و التقیّة لأنّ لسانها

ص:151

هو لسان الحکومة و معنی الحکومة هو النظارة إلی الأدلّة الأوّلیّة و مقتضاها هو وجود الأحکام الأوّلیّة و إلّا لزم الخلف فی کون أدلّة الاضطرار ناظرة إلی الأدلّة الأوّلیّة.

ویشهد له أیضاً فتوی الأصحاب بصحّة الوضوء أو الغسل الضرریّین إذا أتی بهما جهلا وغفلة مع أنّه لو کان مقتضی أدلّة الاضطرار هو التنویع و إخراج مورد الاضطرار فلاوجه للصحّة فی صورة الجهل و الغفلة إذ لا أمر و لامصلحة فیما إذا کانا ضرریّین فالحکم بصحّتهما فی حال الجهل و الغفلة یدلّ علی أنّ مفاد أدلّة الاضطرار لیس کمفاد أدلّة التخصیص التی تخرج الأفراد عن تحت مادّة العموم بحیث لا یبقی للعموم بالنسبة إلیها اقتضاء بل مفادها هو التصرّف فی هیئة الأوامر الأوّلیّة بسقوطها عن الفعلیّة من باب الامتنان ففی حال الجهل و الغفلة حیث یکون الوضوء أو الغسل مشتملین علی المصلحة و لهما الأمر الأوّلیّ فالإتیان بهما إتیان بالمطلوب الواقعیّ فللحکم بالصحّة مجال کما أنّ فی صورة الإتیان بالتیمّم و رفع الاضطرار فی الوقت یمکن النزاع فی کفایة التیمّم عن الوضوء أو الغسل فی صحّة ما أتی به من العبادات و عدمها هذا بخلاف ما إذا لم نقل بالتعدّد فإنّ الإتیان بالتیمّم مع أنّه لا أمر إلّا به یوجب الإجزاء قطعاً و لا مجال للنزاع فی الإجزاء و عدمه.

ثمّ إنّ النزاع یتبنی علی شمول إطلاق أدلّة العمل الاختیاریّ لحالة طروّ الاختیار بعد رفع الاضطرار و إلّا فیکفی فی عدم وجوب الإعادة و القضاء عدم إطلاق الأدلّة الأوّلیّة بالنسبة إلی حالة طروّ الاختیار بعد رفع الاضطرار.

فبعد فرض إطلاق أدلّة العمل الاختیاریّ یقع النزاع بعد الإتیان بالاضطراریّ و عروض حالة الاختیار فی الوقت عن أنّه هل یجزی العمل الاضطراریّ عن العمل الاختیاریّ أو لایجزی بل یلزم العمل الاختیاریّ بعد شمول إطلاق دلیله لحالة طروّ الاختیار بعد الاضطرار.

ص:152

و أمّا ابتناء النزاع علی ملاحظة الجهات الواقعیّة من المصالح و المفاسد فی المتعلّقات وحصر الجهات الواقعیّة فی الأقسام الأربعة ففیه منع لامکان البحث والنزاع فی کیفیة اعتبار الأوامر الاضطراریة فی أدلتها ولو لم نقل بتبعیّة الأحکام للمصالح و المفاد فی المتعلّق.

هذا مضافاً إلی عدم إمکان الإطلاع نوعاً بالنسبة إلی الجهات الواقعیّة فالإحالة إلیها أحالة علی المجهول.

کیفیة دلالة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء

ولایذهب علیک تمامیّة دلالة أدلّة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء بعد کون لسانها لسان التوسعة.

إمّا بإلحاق شیء بشیء کإلحاق التراب بالماء فی مثل قوله علیه السلام التراب أحد الطهورین فأنّه یفید التوسعة فی الطهارة المشروطة بها العبادات فلاوجه بعد ذلک لعدم الإجزاء فإنّه قد أتی بما هو تکلیفه واقعاً کما سلک صاحب الکفایة هذا المسلک فی الاُصول الموضوعیّة.

أو بالأمر بالباقی مع الاضطرار إلی ترک بعض الإجزاء أو الشرائط.

أو بالأمر بإتیان ما هو مضطرّ إلی فعله من الموانع أو القواطع کالأدلّة الواردة فی مقام التقیّة.

إذ من المعلوم أنّ الأمر بما عدا المضطرّ إلی ترکه یدلّ علی عدم دخالة المتروک جزءاً کان أو شرطاً کما أنّ الأمر علی الإتیان بما هو مضطرّ إلیه من الموانع و القواطع یدلّ علی عدم مانعیّة ما أتی به ممّا اضطرّ إلیه و لیس ذلک إلّا معنی الحکومة لأنّ المتفاهم العرفیّ من الأمر بالباقی أو الأمر بإتیان المانع و القاطع هو عدم مدخلیّة المتروک أو عدم مانعیّة الماتیّ به من المانع و القاطع أو الأمر بتبدیل کیفیّة صلاة المختار

ص:153

بکیفیّة أخری کما ورد فی صلاة المضطرّ و الغریق فأنّ الظّاهر ممّا ورد هنا أنّه فی مقام بیان بدلیّة الکیفیّة المذکورة عن صلاة المختار و لیس هذا إلّا معنی الحکومة.

بل یمکن أن یقال: إنّ لسان أدلّة نفی الحرج و الضّرر أیضاً لسان الحکومة بالنسبة إلی الإجزاء التی تکون ضرریّة أو الحرجیّة فأنّ مفادها هو سقوط ما تجری فیه تلک الأدلّة عن الفعلیّة فمقتضی إطلاق جواز البدار و إتیان العمل هو کفایة ما أتی به عن الجامع للشرائط والإجزاء ویشکل ذلک بأنّ أدلّة نفی الحرج و الضّرر لاتدلّ علی الأمر بالباقی حتّی یکون أمراً مغایراً مع الأمر الأوّلی و یقتضی الإجزاء بل غایة دلالتها هو نفی الضرریّ و الحرجیّ.

فاستفادة وجوب الباقی من الأدلّة الأوّلیّة لیست بأمر مغایر مع الأمر الأوّلیّ حتّی یجری النزاع فی إجزائه عن الواقع وعدمه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المتفاهم العرفیّ من بقاء الأمر بالنسبة إلی العمل مع نفی الوجوب عن الضرریّ أو الحرجیّ هو کفایة المأتیّ به عن الجامع للشرائط و الأجزاء و هو کاف فی الإجزاء و عدم وجوب الإعادة و القضاء و لا حاجة إلی دلالة دلیل نفی الحرج أو الضّرر علی وجوب الباقی فتدبّر.

ثمّ لایخفی علیک أنّ الموضوع فی الأوامر الاضطراریّة هو العذر والاضطرار فی بعض الوقت لا العذر و الاضطرار المستوعب إذ الأمر الاضطراریّ فی مقابل الأمر الواقعیّ لایمکن إلّا إذا أمکن منه فی بعض الوقت و إلّا فلا أمر اضطراریّ فی المستوعب حتّی نبحث عن إجزائه عن الواقع.

ثمّ إنّ مع تمامیّة دلالة الأدلّة الاضطراریّة علی إجزاء ما أتی به عند الاضطرار فی بعض الوقت عن الواقع لا مجال لاحتمال القضاء حینئذٍ إذ القضاء فیما إذا لم یأت بالواجب مطلقاً فی الوقت و المفروض هو أنّ ما أتی به عوض عن الواقع فی الوقت فلاتغفل.

ص:154

مقتضی الأصل

ثمّ مع إهمال أدلّة الاضطرار تجب الإعادة فی الوقت و القضاء فی خارجه إن قلنا بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء و إلّا فلایجب القضاء فی خارج الوقت.

أمّا الإعادة فی الوقت بعد رفع الاضطرار فهی واجبة مع إهمال أدلّة الاضطرار بالنسبة إلی الإجزاء قضاء لإطلاق الأدلّة الأوّلیّة.

ودعوی أنّ الأمر الأوّلیّ ساقط عن الفعلیّة حال الاضطرار و لا علم بحدوثه بعد رفع الاضطرار فلاوجه لدعوی وجوب الاعادة بالأمر الأوّلیّ فی الوقت بعد رفع الاضطرار.

مندفعة بأنّ التکلیف معلوم من أوّل الأمر فی الأفراد العرضیّة و الطولیّة حال الاضطرار و حال رفعه و إنّما أسقطه الاضطرار فی خصوص حال الاضطرار و سقوطه فی غیر حال الاضطرار متفرع علی حکومة الأمر الاضطراریّ علی الأمر الواقعیّ و المفروض أنّ أدلّة الأوامر الاضطراریّة مهملة و لا إطلاق لها وعلیه فمع رفع الاضطرار لا وجه لرفع الید عن إطلاق التکلیف الأوّلیّ المعلوم من أوّل الأمر.

نعم لو کانت الأدلّة الأوّلیّة أیضاً مهملة فقد یقال بأنّ الأصل یقتضی البراءة ولکنّه أیضاً منظور فیه لأنّ الأمر یدور حینئذٍ بین احتمال وفاء الاضطراریّ فی أوّل الوقت بمصالح الاختیاریّ فیکون مخیّراً بین الاضطراریّ فی أوّل الوقت والاختیاریّ فی آخره و احتمال أن لایکون کذلک فیتعیّن الاختیاریّ و مرجع ذلک إلی دوران الأمر بین التعیینیّ و التخییریّ فمقتضی القاعدة فیه هو الاشتغال فاللازم حینئذٍ هو وجوب الإتیان بالاختیاریّ فی آخر الوقت و عدم الاکتفاء بالاضطراریّ.

وأمّا القضاء فی خارج الوقت فإن قلنا بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء و تعدّد المطلوب من الواجب و الوقت فهو واجب فأنّه مقتضی العلم بمطلوبیّة الإتیان بالعمل مطلقاً من دون دخالة للوقت فیه و حصول الشکّ فی الامتثال فیستصحب حینئذٍ وجوب

ص:155

الإتیان به فی خارج الوقت إذ المفروض أنّه لم تدلّ أدلّة الاضطرار علی کفایة الإتیان بالاضطراریّ عنه.

وإن لم نقل بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء فلادلیل علی وجوب القضاء فی خارج الوقت لعدم جریان الاستصحاب بعد عدم إحراز وحدة الحقیقة و لا أمر جدید بوجوب القضاء فی خارج الوقت فلاتغفل.

المقام الثانی: فی إجزاء الاصول و الامارات الظاهریّة

والکلام فیه یقع فی امور:

الأمر الأوّل: فی تحریر محل النزاع

والإنصاف أنّه لافرق بین کون الأمارات و الاُصول قائمة علی متعلّقات التکالیف و بین کونها قائمة علی نفس التکالیف فإنّ کلّها فی مقام بیان أنّ الواقعیّات تمتثل بکذا و کذا و مقتضاه هو أن تکون مصالحها مسانخة لمصالح الواقعیّات من دون فرق بین مواردها.

والقول بأنّ الأمارات و الاُصول إذا کانت قائمة علی نفس التکالیف لیست ناظرة إلی الواقعیّات فلاتکون مصالحها مسانخة لمصالح الواقعیّات و مع عدم المسانخة لامجال للوفاء حتّی یبحث عن إجزائها أو عدمه.

غیر سدید بعد کون لسانها علی ما عرفت أنّ الواقع المعلوم علی سبیل الإجمال یمتثل بالأمارة أو الاُصول فلابدّ أن تکون مصلحة الأمارة أو الاُصول هو مصلحة الواقع لاسنخ آخر من المصلحة کی لایغنی إحرازه عن إحرازه و علیه فلاوجه لتخصیص محلّ النزاع بما إذا کانت الأمارات و الاُصول قائمة علی متعلّقات التکالیف.

نعم ربّما یدّعی خروج بعض الموارد عن محلّ النزاع و لابأس بالإشارة إلی ذلک.

منها ما إذا کان سبب الأمر الظاهریّ مجرّد الوهم و الخیال کأن یقطع بوجود أمر واقعیّ ثمّ یکشف خلافه ففی مثله لا أمر فیظاهر الشرع و مجرّد التوهّم لایستلزم وجود

ص:156

الأمر الظاهریّ حتّی یبحث عن إجزائه وعدمه وعلیه فإذا استظهر المجتهد معنی من اللفظ وأفتی علی طبقه استنادا إلی حجّیّة الظهور ثمّ انکشف أنّه لاظهور للفظ فی هذا المعنی بل هو مجرّد وهم وخیال فلاواقع موضوعیّ له حتّی یندرج فی المقام.

ومنها: موارد التی تقوم الأمارة أو الاُصول فی الشبهات الموضوعیّة کالبیّنة أو الید و ما شاکلهما ممّا یجری فی تنقیح الموضوع بدعوی أنّ هذه الموارد خارجة عن محلّ البحث لأنّ قیام الأمارة أو الاُصول لایوجب قلب الواقع عمّا هو علیه و القائلون بالتصویب فی الأحکام الشرعیّة لایقولون به فی الموضوعات الخارجیّة.

مع أنّ الإجزاء فی موارد الاُصول و الأمارات غیر معقول إلّا بالالتزام بالتصویب فیها و من المعلوم أنّ التصویب فی الأمارات و الاُصول الجاریة فی الشبهات الموضوعیّة غیر معقول بداهةً. أنّ البیّنة الشرعیّة إذا قامت علی أنّ المایع الفلانیّ خمر مثلاً لاتوجب انقلاب الواقع عمّا هو علیه.

یمکن أن یقال: إنّ المقصود من جریان الأمارات و الاُصول فی الموضوعات هو ترتیب الآثار الواقعیّة علیها فی الظّاهر لاتغییر الموضوعات و قلبها عمّا هو علیها فی الواقع بحسب الوجود وغیر خفیّ. إنّ تغییر الآثار و الأحکام الجزئیّة کتغییر الآثار و الأحکام الکلّیّة فإن کان تغییر الأحکام الکلّیّة جایزاً فکذلک الجزئیّة و إن لم یکن ممکناً فی الکلّیّة فکذلک فی الجزئیّة فلاوجه للفرق بینهما إلّا من جهة أنّ التصویب فی بعض صوره مجمع علی بطلانه فی الأحکام الکلّیّة دون الموضوعات.

الأمر الثانی: فی إجزاء الاُصول الظاهریّة

ذهب جماعة إلی أنّ الاُصول الظاهریّة کقاعدة الطهارة والحلّیّة و الاستصحاب بناءً

ص:157

علی کونه أصلاً عملیّاً حاکمة بالنسبة إلی أدلّة الشرائط والأجزاء کقوله علیه السلام لاصلاة إلّا بطهور فقوله کلّ شیء طاهر حتّی تعلم أنّه قذر یکون حاکما علی قوله لاصلاة إلّا بطهور و معمّماً له من جهة توسعة الطهارة و جعلها أعمّ من الواقعیّة و الظاهریّة.

و ذلک لأنّ الحکم بالطهارة مثلاً فی قاعدة الطهارة حکم بترتیب آثارها ومنها الشرطیّة للعبادات فإذا ضمّ هذا الحکم إلی أدلّة الأجزاء والشرائط یستفاد منه عرفاً أنّ المقصود هو التوسعة فی الشرطیّة ومن المعلوم أنّ ضمّ غیر الواقعی فی حال الشکّ إلی الواقعی لیس له کشف الخلاف فإذا أتی بالعمل مع هذا الشرط التعبّدیّ أتی به مع شرطه إذ المفروض أنّ الشرط أعمّ من الواقعیّ و الظاهریّ وعلیه فانکشاف عدم الطهارة الواقعیّة لایوجب انکشاف فقدان العمل لشرطه نعم یوجب ارتفاع موضوع الطهارة الظاهریّة من ذلک الحین فلاتبقی الطهارة الظاهریّة مع ارتفاع الجهل. و أمّا العمل فقد أتی به مع شرطه فی حال الجهل و هو الطهارة الظاهریّة و لایقبل الخطأ ما فرض فیه الشرط أعمّ لأنّ الطهارة الظاهریّة معتبرة واقعاً من حیث نفسها لا من حیث کونها طریقة إلی الطهارة الواقعیّة.

ثمّ إنّ القائل بالإجزاء و حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة الشرائط و الأجزاء یدّعی أنّ ما هو نجس واقعاً یجوز ترتیب آثار الطهارة علیه فی ظرف الشکّ و من تلک الآثار إتیان الصلاة المشروطة بها لکن بلسان تحقّق الطهارة و لازمه تحقّق مصداق المأمور به لأجل حکومتها علی أدلّة الشرائط والموانع.

وممّا ذکر یظهر الجواب عن النقوض الواردة فی المقام من أنّ لازم ترتّب جمیع الأحکام الثابتة للطاهر الواقعیّ علی المشکوک هو الحکم بطهارة الملاقی للمشکوک طهارته بعد العلم بالنجاسة أو الحکم بنجاسة الملاقی للمشکوک نجاسته بعد العلم بالطهارة عند استصحاب النجاسة أو الحکم بصحّة الوضوء أو الغسل بماء قد حکم بطهارته ولو مع انکشاف النجاسة مع أنّ أحدا من الفقهاء لم یلتزم بذلک.

ص:158

وذلک لأنّ حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة اشتراط طهارة الماء فی حصول طهارة المغسول أو نجاسة المغسول أو صحّة الوضوء أو الغسل و إن تقتضی الأحکام المذکورة ولکنّها ثابتة مع انحفاظ الشکّ.

فإذا زال الشکّ انقلب الموضوع ومع انقلاب الموضوع لامجال للحکومة وعلیه فیحکم بنجاسة الثوب الموجود المغسول بالماء الذی کشف نجاسته و بطهارة الثوب الموجود المغسول بالماء الذی یکون محکوما بالنجاسة ثمّ انکشف طهارته.

ویحکم بأعادة الوضوء أو الغسل مع انکشاف نجاسة الماء المشکوک.

نعم کلّ عبادة أتی بها فی حال الشکّ بالوضوء المذکور یحکم بصحّتها لحکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة اشتراط العبادة بالطهارة فالعمل العبادیّ بعد الحکومة المذکورة أتی به مع شرطه لأنّ المفروض أنّ الطهارة المشروطة أعمّ من الطهارة الظاهریّة و العمل حین الإتیان مقرون بشرطه و هو کاف کما لایخفی.

وینقدح ممّا ذکر أیضاً الجواب عن نقض آخر و هو أنّ لازم الإجزاء هو أنّه لو توضّأ رجاء بماء محکوم بالنجاسة ظاهراً بالاستصحاب مثلاً ثمّ انکشف الخلاف کان وضوؤه باطلاً إذ کما یفرض توسیع الشرطیّة الواقعیّة للطهارة کذلک ینبغی أن یفرض توسیع المانعیّة للنجاسة.

وذلک لأنّ الحکم بالمانعیّة مادام کان الموضوع محفوظاً وأمّا مع ارتفاع الشکّ وظهور کون الماء طاهرا فی الواقع لایبقی هذا الحکم ومع ارتفاعه بارتفاع موضوعه یمکن الحکم بصحّة الوضوء من هذا الحین لوجود الملاک فیه مع فرض تمشی قصد القربة فیه نعم لو أتی بعمل مشروط بالطهارة قبل ارتفاع الموضوع کان مقتضی حکومة الاُصول الظاهریّة علی أدلّة الاشتراط هو الحکم بالبطلان لعدم کون العمل واجد للشرائط تعبّداً بسبب الحکومة المذکورة فلاتغفل.

ص:159

وأمّا الإشکال فی الإجزاء بأنّ هذه الحکومة هی حکومة ظاهریّة موقّتة بزمن الجهل بالواقع و الشکّ فیه و لیست بحکومة واقعیّة لکی توجب توسعة الواقع أو تضییقه ونتیجة هذه الحکومة بطبیعة الحال ترتیب آثار الواقع ما لم ینکشف الخلاف فإذا انکشف فلابدّ من العمل علی طبق الواقع ففیه أنّ الحکومة فی موضوعها واقعیّة لاظاهریّة فإنّ مثل قوله علیه السلام کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّه قذر ظاهر فی أنّه یجوز للمکلّف ترتیب جمیع آثار الطهارة علی الشیء المشکوک فیه و من جملتها شرطیّتها للصلاة فیکون مفاده جواز إتیان الصلاة فی الثوب المشکوک فی طهارته و ترتیب آثار الطاهر الواقعیّ علی الشیء المشکوک فیه و حینئذٍ فالمتبادر من هذا الکلام و نحوه أنّ الصلاة فی حقّ هذا الشخص عبارة عمّا أتی به وأنّه قد عمل بوظیفته الصلاتیّة و أوجد الفرد المأمور به لا أنّه عمل عملاً مردّداً بین أن یکون صلاة و بین أن یکون لغواً بحیث تکون الصلاة باقیة فی ذمّته خصوصاً مع ملاحظة ان هذه الاصول تسهیلته و امتنانیة.

وبعبارة أخری مفاده هو ترتیب آثار الطهارة علی المشکوک فیه بلسان تحقّقها فیفهم منه عرفا أنّ الصلاة المشروطة بالطهارة یجوز الإتیان بها فی حال الشکّ بهذه الکیفیّة و یکون المأتیّ به مع هذه الکیفیّة مصداقاً للصلاة المأمور بها و واجداً لما هو شرطها و حصل به الامتثال و هو معنی الإجزاء.

لایقال: إنّ هذا إذا لم ینکشف الواقع فأنّه یقال لامعنی لانکشاف الخلاف هاهنا لأنّ الأصل لیس طریقا للواقع یطابقه تارة ویخالفه أخری مثل الأمارة حتّی یفرض فیه انکشاف الخلاف ثمّ ان هذا التقریب المذکور فی قاعدة الطهارة یأتی فی الاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ وحدیث الرفع أیضاً خصوصاً مع کون هذه الاصول تسهیلیة و امتنانیة فإنّ المکلّف فی جمیع الموارد فی صدد امتثال أمره تعالی بالصلاة التی أمر بها جمیع المسلمین فالمتبادر من القواعد المذکورة عرفا هو کون الفاقد صلاة حقیقة حکومة

ص:160

لا أنّه محتمل الصلاتیّة بحیث لو استمرّ شکّه إلی حین موته و کان فی الواقع جزءاً أو شرطاً کان تارکاً للصلاة أداءً وقضاءً وإن لم یستمرّ لم یکن صلاة وعمل عملاً لغواً.

فالأقوی هو القول بالإجزاء فی الاُصول الظاهریّة کما ذهب إلیه سیّدنا المحقّق البروجردیّ وسیّدنا الإمام المجاهد قدس سرهما تبعا لصاحب الکفایة.

الأمر الثالث: فی إجزاء الأمارات عند کشف الخلاف بالیقین

هنا جهات:

الجهة ا لأولی: فی إجزاء الأمارات بناء علی الطریقیّة

التقریب الأوّل: أنّ الأمارات کخبر الواحد و البیّنة و أمثالهما و إن کانت بلسان حکایة الواقع ولکنّها بانفسها لیست أحکاماً ظاهریّة بل الحکم الظاهریّ عبارة عن مفاد دلیل حجیّة الأمارة الحاکمة بوجوب البناء علیها و لسان أدلّتها هی بعینها لسان أدلّة الاُصول إذ ظاهر ما دلّ علی اعتبار الأمارات هو قناعة الشارع فی امتثال أوامره الصلاتیّة مثلاً بإتیانها فیما قامت البیّنة علی طهارته و لازم ذلک سقوط الطهارة الواقعیّة من الشرطیّة المنحصرة فی هذه الصورة وکفایة الطهارة التی قامت البیّنة علیها.

وعلیه فالاختلاف بین الاُصول و الأمارات لیس إلّا من جهة أنفسهما لا من جهة دلیل اعتبارهما و المعیار فی الإجزاء هو دلیل حجّیّتهما لا أنفسهما.

والقول بأنّ الأمارة تارة تکون عقلائیّة ولم یرد من الشرع أمر باتّباعها ولکن استکشفنا إمضائها من عدم الردع وأخری هذا الفرض مع ورود أمر إرشادیّ منه باتّباعها و ثالثة تکون تأسیسیّة شرعیّة.

والظّاهر خروج الفرض الأوّل عن محطّ البحث بل الثانی أیضاً لأنّ الأمر الإرشادیّ لم یکن أمراً حقیقة.

ص:161

والمتّبع فیهما هو طریقة العقلاء لعدم تأسیس للشارع و لا إشکال فی أنّهم إنّما یعملون علی طبق الأمارات لمحض الکشف عن الواقع.

بل التحقیق عدم الإجزاء فیما إذا کانت الأمارة تأسیسیّة لأنّ معنی الأمارة هو الکشف عن الواقع وإیجاب العمل علی طبقها إنّما هو لمحض الکاشفیّة عن الواقع المحفوظ من غیر تصرّف فیه و انقلاب و إلّا لخرجت الأمارة عن الأماریّة ولایفهم العرف و العقلاء من دلیل إیجاب تصدیق العادل إلّا ما هو المرکوز فی أذهانهم من الأمارات لا انقلاب الواقع عمّا هو علیه بخلاف أدلّة الاُصول.

وبالجملة انّ الإجزاء مع جعل الأمارة و إیجاب العمل علی طبقها لأجل الکشف عن الواقع کما هو شأن الأمارات متنافیان لدی العرف و العقلاء.

غیر سدید لما عرفت من أنّ المکلّف الذی کان بصدد الامتثال بالنسبة إلی التکالیف الواقعیّة وکان متحیّراً فی هذا المقام إذا سهّل الشارع الأمر علیه بإیجاب العمل بالأصل والأمارة یفهم من إیجاب العمل بهما أنّه قنع فی مقام الامتثال بالواقعیّات بالإتیان بما قامت علیه الاُصول والأمارات ولیس معنی ذلک إلّا الإجزاء کما لایخفی ومجرّد کون الأمارات کاشفة بنحو کشف ناقص عن الواقعیّات دون الاُصول الظاهریّة لایوجب تفاوتا فی التبادر المذکور والانفهام العرفیّ من أدلّة الاعتبار.

ولامنافاة بین کونها کاشفة والاکتفاء بها عند المخالفة ویشهد له صحّة تصریح الشارع عند جعل الاعتبار للأمارات بأن إعملوا بها وإن کانت مخالفة للواقع فلا أعادة فی الوقت و لاقضاء فی خارجه.

ثمّ لاوجه للفرق بین ما إذا کانت الأمارة تأسیسیّة أو إمضائیّة فإنّ إمضاء الأمارة فی مقام قبول ما قامت علیه الأمارات العقلائیّة مکان تکالیفه الواقعیّة یفید أمراً زائداً علی ما اعتبره العقلاء.

ص:162

فإذا ظهر التخلّف کان مقتضی قبوله أیّاها مکان الواقع هو الإجزاء هذا بخلاف ما إذا ورد إمضاء الشارع بعنوان محض الإرشاد إلی ما بنی علیه العقلاء فأنّه تابع لما علیه العقلاء فلاتغفل.

وبالجملة فالحکم الظاهریّ فی المقام هو الذی استفید من أدلّة اعتبار الأمارات الحاکمة بوجوب العمل علی طبقها و ترتیب آثار الواقع علی مؤدّیها لا نفس الأمارة ومن المعلوم أنّ ظاهر أدلّة الاعتبار فی الأمارات والاُصول هو البناء علی الوجود والتعبّد به ومقتضی ذلک مع عدم حصول العلم والاطمئنان بوجود الواقع هو ترتیب جمیع آثار الواقع علی ما أدّت إلیه الأمارة ومن جملتها الشرطیّة والمتبادر من ذلک هو قناعة الشارع فی مقام الامتثال بإتیان ما أدّت إلیه الأمارات والاُصول وهذا هو معنی الإجزاء.

والتقریب المذکور أصحّ من التقریب الثانی المحکیّ عن المیرزا الشیرازیّ قدس سره لوجود بعض المناقشات فیه کما عرفت.

وأیضاً لایصلح التقریب الثالث لأنّ حدیث الرفع لاموضوع له بعد وجود الأمارات إذ المراد منه هو رفع ما لاتقوم الحجّة علیه ومع وجود الأمارات تقوم الحجّة والقول بإنّ المراد هو رفع ما لایحصل العلم الحقیقیّ به غیر سدید لأنّ لازمه هو جریان حدیث الرفع مع الأمارات وحصلت بینهما المناقضة لأنّ مفاد الأمارات هو وجود الأحکام الواقعیّة و فعلیّتها و مفاد حدیث الرفع هو عدم فعلیّة الواقعیّات و دعوی المناقضة بین حدیث الرفع والأمارات کما تری و لم یلتزم به أحد.

الجهة الثانیة: فی إجزاء الأمارات بناء علی المنجّزیّة و المعذّریّة

ربّما یقال إنّه لو قیل فی الأمارات بجعل الحجّیّة ومجرّد المعذّریّة والمنجّزیّة لم یکن وجه للإجزاء.

ص:163

والمراد منه أنّ بناء علی جعل المنجّزیّة و المعذّریّة لامصلحة فی المتعلّق حتّی تکون موجبة لإنشاء الحکم علی أیّ تقدیر ویقتضی ذلک الإجزاء بل الإنشاء بداعی تنجیز الواقع أو بداعی إیصال الواقع منبعث عن نفس مصلحة الواقع لاعن مصلحة أخری وعلیه فلا مقتضی للإجزاء.

وأجیب عنه أوّلاً: بأنّ مفاد الأخبار المستدلّ بها لاعتبار الآحاد من الأخبار هو وجوب العمل علی طبق الآحاد من الأخبار تعبّداً علی أنّها هو الواقع وترتیب آثار الواقع علی مؤدّاها ولیس فیها أیّ أثر من حدیث جعل الوسطیّة و الطریقیّة بل لاتکون الوسطیّة والطریقیّة قابلة للجعل فإنّها لاتنالها ید الجعل إذ الشیء لو کان واجداً لهذه الصفة تکوینا فلامورد لإعطائها إیّاه و إن کان فاقداً لها فلایمکن إعطائها إیّاه لأنّه لایعقل أن یصیر ما لیس بکاشف کاشفاً و ما لیس بطریق طریقاً إذ الطریقیّة لیست أمراً اعتباریّاً کالملکیّة حتّی یصحّ جعلها و هکذا إکمال الطریقیّة و تتمیم الکشف لایمکن جعلهما فکما أنّ اللاکاشفیّة ذاتیّة للشکّ و لایصحّ سلبه فکذلک النقصان فی مقام الکشف ذاتیّ للأمارات لایمکن سلبها.

فما یناله ید الجعل فی أمثال ما ذکر هو إیجاب العمل بمفاد الآحاد من الأخبار والعمل علی طبقها وترتیب آثار الواقع علیه نعم بعد التعبّد بلسان تحقّق الواقع وإلقاء احتمال الخلاف تعبّداً یصحّ انتزاع الوسطیّة والکاشفیّة.

وثانیاً: إنّ المعذّریّة لیست أثراً للأمارة فیما إذا خالفت للواقع بل هی أثر عدم وصول الواقع والجهل به سواء علم بخلافه أم لا و سواء قامت الأمارة علی خلافه أم لا.

فتحصّل: أنّه لاجعل فی البیّن فالطریقیّة أو الحجّیّة لیستا بمجعولتین بل المستفاد من الأمارات والطرق هو ما علیه العقلاء من الاکتفاء بها فی مقام الاحتجاج و اللجاج و ترتیب آثار الواقع علیها.

ص:164

وعلیه فإذا استظهر منها کما مرّ أنّ الأمارات أو الطرق تکون ناظرة إلی الواقع بلسان تبیین ما هو وظیفة الشاکّ فی الأجزاء والشرائط فهی حاکمة بالنسبة إلی الأدلّة الدالّة علی الأجزاء والشرائط وموجبة لسقوط الواقعیّ عن الفعلیّة وکون ما أتی به منجزیاً عن الواقع.

الجهة الثالثة: فی إجزاء الأمارات و عدمه بناء علی السببیّة

ولامجال للإجزاء إذا کان المراد من السببیّة أنّه تعالی لم یجعل حکماً من الأحکام قبل قیام الأمارات وتأدیتها لعدم مقتض له من المصالح والمفاسد قبل قیام الأمارات لیکون منشأ لجعل الحکم بل المصلحة و المفسدة تحدث بقیام الأمارات علی الوجوب أو علی الحرمة و الحکم مجعول بقیامها.

وعلیه فالأحکام الواقعیّة هی نفس مفاد الأمارات و لا شیء غیرها حتّی یقال بإجزاء مفاد الأمارات عنه عند تخالفها والمفروض هو الإتیان بمفاد الأمارات.

ولکنّ هذا المعنی للسببیّة ممّا یکون خلاف الضرورة المتسالم علیه عند الأصحاب من أنّ الأحکام مشترکة بین العالم و الجاهل.

وهکذا لایعقل الإجزاء فیما إذا کان المراد من السببیّة هو انقلاب الأحکام الواقعیّة بنفس قیام الأمارات إلی مؤدّی الأمارات بحیث لایبقی فی الواقع شیء لافعلاً و لاشأناً غیر مؤدّی الأمارات.

فإنّه بعد عدم وجود الأحکام الواقعیّة لامجال لکشف الخلاف إذ الأحکام الواقعیّة حینئذٍ أیضاً هی نفس مفاد الأمارات و المفروض هو الإتیان بها وحیث إنّ الأحکام الواقعیّة تختصّ بالعالمین بالأمارات فلاحکم بالنسبة إلی غیرهم و هو أیضاً خلاف الضرورة و المتسالم علیه بین الأصحاب من اشتراک العالم و الجاهل فی الأحکام.

وأمّا إذا ارید من السببیّة أنّ بسبب قیام الأمارات تحدث فی المؤدّی مصلحة غالبة

ص:165

علی مصالح الواقعیّة وهی موجبة لسقوط الواقعیّة عن الفعلیّة فلایکون مخالفاً للضرورة المتسالم علیها لثبوت الأحکام الواقعیّة فی هذه الصورة وإنّما انحصر الأحکام الفعلیّة فی مؤدّیات الأمارات و یکون لکشف الخلاف فی هذه الصورة مجال فبعد وجود الأحکام الواقعیّة وإمکان کشف الخلاف یمکن أن یبحث فیها عن إجزاء الأمارات عن الأحکام الواقعیّة و عدمه.

وهکذا یمکن تصوّر کشف الخلاف و إمکان الإجزاء فیما إذا أرید من السببیّة أنّ العناوین الواقعیّة بما هی مشتملة علی المصالح و المفاسد ومحکومة بأحکام واقعیّة ولم یکن أداء الأمارة علی خلافها موجباً لانقلاب الواقع مصلحة أو حکما بل المصلحة الحادثة إنّما تکون فی سلوک الأمارة و تطبیق العمل علی طبقها والحکم الظاهریّ یثبت لهذا العنوان أعنی سلوک الأمارة بما هو سلوک والمصلحة إنّما تکون فی سلوک الأمارة بما هو سلوک و بهذه المصلحة یتدارک فوت مصلحة الواقع بقدر فوتها.

ففی هذه الصورة تکون الأحکام الواقعیّة محفوظة ومع کونها محفوظة فلکشف الخلاف مجال وعلیه فیجری فیه بحث الإجزاء.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ السلوک لیس أمراً وراء العمل الذی یوجده المکلّف فهذه الصورة ترجع إلی الصورة السابقة.

ویلحق بها أیضاً ما قیل من أنّ المصلحة تکون فی نفس الأمر بالسلوک دون نفس السلوک و دون نفس المتعلّق فإنّ الواقعیّات حینئذٍ باقیة ومع بقائها علی ما علیها یجری فیه بحث الإجزاء.

ثمّ لایخفی علیک أنّه لادلیل علی الإجزاء فی الفروض المذکورة فی السببیّة لعدم مساعدة إطلاقات أدلّة حجّیّة الأمارات مع السببیّة لظهورها فی الطریقیّة وتحفظ

ص:166

الواقعیّات و لو أغمضنا عن ذلک فالإطلاق المقامیّ فیها یکفی أیضاً لإثبات الإجزاء علی السببیّة من دون حاجة إلی إثبات الإجزاء من ناحیة قبح تفویت المصلحة الواقعیّة مع عدم تمامیّة عمومه و شموله فراجع.

فتحصّل: أنّ الأمارات بناء علی الطریقیّة کما هو الحقّ تکون کالاُصول الظاهریّة فی کونها مجزیة عن الواقع عند کشف الخلاف بالیقین.

الأمر الرابع: فی إجزاء الأمارات بعد کشف الخلاف بغیر الیقین

ویقع الکلام فی جهات:

الجهة الأولی: فی إجزاء الاجتهاد السابق بالنسبة إلی نفس المجتهد

بمعنی أنّه لو تبدّل الاجتهاد السابق إلی اجتهاد آخر یخالفه فهل یجزی الاجتهاد السابق أم لا؟ فالأقوی هو الإجزاء لما عرفت من أنّ مقتضی حکومة أدلّة اعتبار الاُصول والأمارات بالنسبة إلی الأوامر الواقعیّة قبل حدوث الاجتهاد اللاحق هو تحقّق الامتثال بالنسبة إلی الطبیعة المأمور بها ومعه لایبقی أمر واقعیّ حتّی یبحث عن سقوطه أو عدمه والاجتهاد اللاحق لایدلّ علی عدم حجّیّة الأمارات والاُصول فی ظرفها بل تدلّ علی انتهاء أمدها إذ المفروض فیما إذا لم یظهر بطلان الاجتهاد السابق کما توهّم المجتهد الظهور مع أنّه لاظهور أو توهّم صحّة الروایة مع أنّه لاصحّة لها لأنّ فرض ظهور بطلان الاجتهاد السابق خارج عن محلّ الکلام لأنّ فی هذه الصورة لا أمر ظاهریّ حتّی یبحث عن إجزائه وعدمه.

فالکلام فیما إذا تمّ الاجتهاد السابق فی ظرفه کما إذا أفتی علی طبق العموم بعد الفحص اللازم عن مخصّصه و عدم الظفر به ثمّ ظفر به اتّفاقاً.

والقول بأنّ مدلول الحجّة اللاحقة یعمّ السابق حیث إنّها تحکی عن ثبوت مدلولها فی الشریعة المقدّسة من دون اختصاصه بزمن دون زمن آخر وبعصر دون عصر ولذا

ص:167

وجب ترتیب الأثر علیه من السابق ولازم هذا هو أنّ العمل المأتیّ به علی طبق الحجّة السابقة حیث کان مخالفاً لمدلولها باطل لعدم کونه مطابقاً لما هو المأمور به فی الواقع وهو مدلولها.

وکون الحجّتین تشترکان فی احتمال مخالفة مدلولهما للواقع لایضرّ بذلک بعد إلغاء هذا الاحتمال بحکم الشارع فی الحجّة الثانیة حسب أدلّة اعتبارها وعدم إلغائها فی الأولی لفرض سقوطها عن الاعتبار بقاء و من الطبیعیّ أنّ صرف هذا الاحتمال یکفی فی الحکم بوجوب الإعادة أو القضاء بداهةً أنّه لامؤمّن معه من العقاب فأنّ الحجّة السابقة و إن کانت مؤمّنة فی ظرف حدوثها إلّا أنّها لیست بمؤمّنة فی ظرف بقائها لفرض سقوطها عن الحجّیّة بعد الظفر بالحجّة الثانیة.

غیر سدید لما عرفت من أنّ مقتضی صحّة الحجّة فی ظرفها وکون لسان أدلّة اعتبارها هو الحکومة هو وقوع امتثال الطبیعة المأمور به فی ظرفها کسائر موارد التقبّل المصداقیّ و مع تحقّق الامتثال لایبقی أمر فی الواقع حتّی تدلّ الحجّة اللاحقة بالإعادة فی الوقت و القضاء فی خارجه و تعمیم مفاد الحجّة اللاحقة بالنسبة إلی ما سبق إنّما یجدی بالنسبة إلی ما لم یمتثل و لم یتقبّل لا بالنسبة إلی ما امتثله وتقبّله الشارع و علیه فأدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول مؤمّنة فی المقام کما لایخفی.

ولافرق فیما ذکر بین کون الحجّة اللاحقة راجحة بالنسبة إلی الحجّة السابقة أو متساویة أو مرجوحة لأنّ مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الحجّة السابقة فی ظرفها وحکومتها بالنسبة إلی الأدلّة الأوّلیّة هو تحقّق الامتثال فی جمیع الصور و إنّما الفرق بالنسبة إلی الأعمال اللاحقة فلاتغفل.

وأیضاً لافرق فیما ذکر بین أن نقول بالطریقیّة أو السببیّة وذلک لإطلاق أدلّة اعتبار الأمارات والاُصول وحکومتها بالنسبة إلی الأدلّة الأوّلیّة و مقتضاه هو تقبّل المصداق

ص:168

الظاهریّ مکان المصداق الواقعیّ فی حصول الامتثال وسقوط الأمر نعم لو کشف عدم وجود الأمارات و الاُصول و کان هذا موجباً لتبدّل الرأی فلا کلام حینئذٍ فی عدم الإجزاء بعد عدم وجود الأوامر الظاهریّة فلاتغفل.

الجهة الثانیة: فی إجزاء عمل المقلّد و عدمه عند تبدّل رأی مجتهده

ولایخفی علیک أنّ ظاهر أدلّة اعتبار الفتاوی کقوله علیه السلام لأبان بن تغلب اجلس فی مسجد المدینة و أفت للناس فإنّی احبّ أن یری فی شیعتی مثلک.

أو کقوله فی جواب من سئل عمّن آخذ معالم الدین (خذ) من زکریّا بن آدم القمیّ المأمون علی الدین و الدنیا و غیر ذلک من الأخبار الکثیرة هو الاکتفاء بفتوی المفتین من علماء الشیعة فی مقام الامتثال للتکالیف الواقعیّة بالتقریب الذی عرفت فی الأمارات والاُصول الظاهریّة.

هذا مضافاً إلی إمکان الاستدلال هنا بالاطلاق المقامیّ فی مثل تلک الأدلّة إذ مع وقوع الاختلاف وتبدّل الرأی بین المفتین لم یرد شیء فی الأخبار یدلّ علی وجوب الإعادة والقضاء فهو یدلّ علی عدم وجوبهما وإلّا لأشیر إلیه فی الأخبار علی أنّ السیرة المتشرّعة من لدن صدر الإسلام تکون علی عدم الإعادة والقضاء عند تبدّل الرأی.

ولافرق فی ما ذکر بین أن تکون الأمارات معتبرة علی الطریقیّة أو السببیّة فإنّ المعیار هو الاستظهار المذکور من أدلّة الاعتبار و الإطلاق المقامیّ و قیام السیرة المتشرّعة و هذه الأمور جاریة علی کلّ تقدیر من التقادیر.

الجهة الثالثة: فی إجزاء عمل المقلّد عند الرجوع عن المیّت إلی الحیّ أو عند عدوله من الحیّ إلی الحیّ بناءً علی جواز ذلک

والظّاهر أنّ حکم المقام هو الذی عرفته فی المسائل المتقدّمة إذ بعد حجّیّة رأی المجتهد الأوّل فی ظرف التقلید عنه و دلالة أدلّة اعتباره علی حکومة رأیه علی

ص:169

الواقعیّات کسائر الأمارات وسقوط الأوامر الواقعیّة تعبّداً بإتیانها طبقاً لرأی المجتهد فلامجال للامتثال بعد الامتثال حتّی یمکن الأخذ بإطلاق حجّیّة رأی المجتهد الثانی.

هذا مضافاً إلی الإطلاق المقامیّ مع شیوع العدول عن المیّت إلی الحیّ أو من الحیّ إلی الحیّ.

وأیضاً تقوم السیرة علی عدم الإعادة و القضاء و بالجملة فکما أنّ مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الخبرین المتعارضین والحکم بالتخییر الاستمراریّ بینهما هو الحکم بالاجتراء إذا عمل بکلّ واحد منهما عند عدوله إلی الآخر فکذلک مقتضی إطلاق أدلّة اعتبار الفتاوی المختلفة التی تدلّ علی الحجّیّة التخییریّة هو الحکم بالاجتراء بکلّ واحد منهما إذا عمل به هذا مضافاً إلی دعوی لزوم الحرج و هو منفی فی الاحکام.

الأمر الخامس: فی مقتضی الأصل عند عدم إحراز کیفیّة حجّیّة الأمارات من أنّها هل تکون بنحو الکشف و الطریقیّة أو الموضوعیّة و السببیّة

ویقع الکلام فی المقامین:

المقام الأوّل: فی مقتضی الأصل بالنسبة إلی وجوب الإعادة فی الوقت و عدمه

وأعلم أنّ مقتضی ما قلنا من حکومة أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول علی الأدلّة الأوّلیّة مطلقاً سواء علی الطریقیّة أو السببیّة هو عدم الشکّ فی الإجزاء ومع عدم الشکّ لامجال للبحث عن مقتضی الأصل کما لایخفی.

نعم لو لم نقل بذلک وفصّلنا فی الإجزاء بین السببیّة و الکشف فاللازم حینئذٍ عند الشکّ فی الطریقیّة أو السببیّة هو الرجوع إلی مقتضی الأصل.

ذهب فی الکفایة إلی وجوب الإعادة مستنداً إلی أصالة الاشتغال إذ الاشتغال الیقینیّ یقتضی الفراغ الیقینیّ.

ص:170

اورد علیه بأنّ بعد العلم بالخلاف تعلّق العلم بحکم لم یکن حال ثبوته وعدم العلم به فعلیّاً لأنّ المفروض فی هذا الحال هو قیام الأمارة علی خلاف الواقع.

وحیث إنّ العلم بالخلاف بعد العمل بالأمارة لم یعلم ببقاء ما علم ثبوته حال قیام الأمارة لاحتمال اجتزاء ما أتی به عنه و علیه فلا أثر لتعلّق العلم بالحکم بعد العمل بالأمارة.

اجیب عنه بأنّه یکفی استصحاب بقاء التکلیف الواقعیّ الذی هو عبارة عن الإنشاء بداعی جعل الداعی الذی علم به بعد کشف الخلاف و حیث إنّ الحکم الاستصحابیّ و أصل فیصیر فعلیّاً فینسب الفعلیّة بالعرض إلی الحکم الواقعیّ.

هذا مضافاً إلی أنّ حال العلم هنا حال الحجّة الشرعیّة بمعنی المنجّز فکما أنّ قیامها یوجب تنجّزه علی تقدیر ثبوته فکذلک العلم هنا تعلّق بتکلیف لو کان باقیاً لکان فعلیّاً منجّزاً.

اورد علیه أیضاً بأنّ المقام لیس من مورد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة حیث لاواقع بناء علی السببیّة بالمعنی الأوّل إذ الواقع یدور مدار الأمارة و لابالمعنی الثانی لأنّ الواقع ینقلب طبقا لمؤدّی الأمارة و علیه فإذا شکّ فی أنّ حجّة الأمارة علی نحو السببیّة أو الطریقیّة فبطبیعة الحال لایعلم باشتغال ذمّته بالواقع إذا عمل بما أدّت إلیه الأمارة ثمّ انکشف بطلانها و عدم مطابقتها للواقع.

وبعبارة أخری أنّ الشکّ فیما نحن فیه وإن أوجب حدوث العلم الإجمالیّ بوجود تکلیف مردّد بین تعلّقه بالفعل الذی جیئ به علی طبق الأمارة السابقة وبین تعلّقه بالواقع الذی لم یؤت به علی طبق الأمارة الثانیة إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالیّ ولایوجب الاحتیاط.

وذلک لأنّ هذا العلم حدث بعد الإتیان بالعمل علی طبق الأمارة الأولی فلا أثر له بالإضافة إلی هذا الطرف فلامانع من الرجوع إلی أصالة البراءة من الطرف الآخر.

ص:171

بل الأمر یکون کذلک بناءً علی السببیّة بالمعنی الثالث إذ بعد قیام المصلحة السلوکیّة بوجود الأمارات امتنع للشارع الحکیم تخصیص الوجوب الواقعیّ بخصوص مافی الواقع لقبح الترجیح من دون مرجّح بل الواجب حینئذٍ هو الجامع بین الواقع وما قامت الأمارة المعتبرة علیه فینقلب الواقع عن التعیین إلی التخییر ومقتضی صیرورة الواجب واجباً تخییریّاً هو عدم تأثیر العلم الإجمالیّ الحادث بعد الإتیان بالأمارة الأولی وبعد عدم التاثیر لامانع من الرجوع إلی أصالة البراءة.

ولایخفی أنّ ما ذکر جیّد بالنسبة إلی السببیّة بالمعنی الأوّل و المعنی الثانی و أمّا بالنسبة إلی السببیّة بالمعنی الثالث أی المصلحة السلوکیّة منظور فیه لأنّ الأمارة بناءً علی السببیة بالمعنی المذکور فی طول الواقع لا فی عرضها إذ مفاد أدلّة اعتبار الأمارات بناء علی المصلحة السلوکیّة هو اعتبار التعبّد بها بعنوان أنّها وصول الواقع و علیه فلاوجه لدعوی انقلاب الواقع عن التعیینیّ إلی التخییریّ إذ مجرّد کون المصلحة السلوکیّة للتدارک لاینقلب الواقع عمّا هو علیه بعد کون ما یوجب التدارک لیس فی عرض المتدارک و علیه فالواقع باقٍ علی ما هو علیه.

فعند کشف الخلاف والعلم بالواقع و الإتیان بما أدّت إلیه الأمارة و الشکّ فی الطریقیّة والسببیّة بمعنی المصلحة السلوکیّة یکون مقتضی القاعدة هو لزوم الإعادة فی الوقت لأنّ مقتضی العلم بالواجب الواقعیّ و اشتغال الذمّة به هو الفراغ الیقینیّ و المفروض أنّ الشکّ فی السقوط بعد الثبوت لاحتمال السببیّة والتدارک فلاوجه لرفع الید عن الواقع بمجرّد احتمال السقوط و التدارک.

المقام الثانی: فی مقتضی الأصل بالنسبة إلی وجوب القضاء وعدمه

وحکمه ظاهر ممّا تقدّم فی المقام الأوّل لأنّ مقتضی الأصل هو وجوب القضاء عند الشکّ فی أنّ اعتبار الأمارة من باب الطریقیّة أو السببیّة بالمعنی الثالث أی المصلحة

ص:172

السلوکیّة بناءً علی وحدة حقیقة القضاء مع حقیقة الأداء کما هو المختار فأنّ قاعدة الاشتغال حینئذٍ تکفی لوجوبه إذ المفروض هو حصول العلم بمطلوبیّة الواقع مطلقاً سواء کان فی الوقت أو فی خارجه سواء قلنا بالطریقة أو السببیّة بالمعنی المذکور وإنّما الشکّ فی السقوط بسبب الإتیان بمؤدّی الأمارة لاحتمال التدارک و مقتضی القاعدة هو وجوب القضاء.

نعم لو کانت السببیّة بالمعنی الأوّل و الثانی و دار أمر اعتبار الأمارة بین الطریقیّة و السببیّة لیس من موارد قاعدة الاشتغال بل من موارد أصالة البراءة حیث لاواقع بناء علی السببیّة بالمعنی الأوّل إذ الواقع یدور مدار الأمارة و لا بالمعنی الثانی لأنّ الواقع ینقلب طبقا لمؤدّی الأمارة و أیضاً تکون مقتضی القاعدة هو البراءة عن وجوب القضاء لو لم نقل بوحدة حقیقة القضاء مع الأداء وقلنا بأنّ القضاء فرض جدید و یحتاج إلی صدق عنوان الفوت فإنّ هذا العنوان غیر محرز بعد احتمال اعتبار الأمارة التی أتی بها من باب السببیّة بالمعنی الأوّل أو الثانی دون المعنی الثالث إذ علی السببیّة المذکورة أتی بالعمل ولم یصدق عنوان الفوت.

ولاطریق آخر لإحراز عنوان الفوت و أصالة عدم الإتیان بالعمل لایثبت عنوان الفوت لأنّه لیس عنواناً للترک و لعدم الفعل مطلقاً بل فیما إذا کان للشیء استعداد الوجود من حیث کونه ذا مصلحة فعلیّة أو مأمور به واقعاً أو مبعوثا إلیه فعلاً. و الظّاهر أنّ الفوت لیس مجرّد عدم ما کان له الإمکان الاستعدادیّ للوجود من أحدی الجهات المزبورة بل هو عنوان ثبوتیّ ملازم لترک ما کان کذلک فی تمام الوقت المضروب له و إثبات الملازم بالأصل التعبّدیّ لادلیل له.

الأمر السادس: أنّ مقتضی ما مرّ من أنّ المتبادر من أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول الظاهریّة

هو الإجزاء و ترتیب آثار الواقع علی کلّ عمل أتی به بالظنّ الاجتهادیّ تقلیداً أو

ص:173

إجتهاداً هو عدم اختصاص ذلک بالشخص العامل بل یعمّ غیره فیجوز له أن یترتّب آثار الواقع علی ما أتی به الغیر باجتهاد أو تقلید ولو مع العلم أو الظنّ المعتبر بمخالفته للواقع.

إذ بعد تمامیّة أدلّة الإجزاء علم بحکم الشارع تعبّداً و حکومة بصحّة ما أتی به بأمارة أو أصل من الاُصول الظاهریّة.

فکما أنّ الآثار مترتّبة علی الصحّة الواقعیّة فکذلک تترتّب علی الصحّة التعبّدیّة بعد کون لسان أدلّة اعتبار الأمارات و الاُصول هو لسان الحکومة و ادراجها فی الواقعیّات هذا مع الغمض عن الادلة الخاصة و إلّا أمکن الاستدلال علی عدم الاجزاء بصحیحة عبدالرحمن بن أبی عبدالله قال قلت له رجل اسرته الروم و لم یصم شهر رمضان و لم یدر أی شهر هو قال یصوم شهراً یتوخاه (یتحرّی) و یحسب (و یحتسب) فان کان الشهر الذی صامه قبل (شهر - فقیه) رمضان لم یجزه و ان کان بعد (شهر - فقیه - تهذیب) رمضان اجزئه.(1) بدعوی ان دلالة هذا الحدیث علی عدم الاجزاء واضحة فان مع التحرّی یحصل له ترجیح بعض الشهور علی بعض فیکون وظیفته الظاهریة هو صوم ذلک الشهر فلو کشف ان مورد التجدی لیس بشهر رمضان بل هو واقع قبل شهر رمضان حکم بعدم اجزائه عن صوم شهر رمضان إلّا اذا کان الشهر المذکور واقعاً بعد شهر رمضان فحکم فیه بصحته قضاء لوقوعه بعده و کیف کان فیقتصر علی موردها فی تخصیص قاعدة الاجزاء خصوصاً مع ملاحظة صحیحة زرارة الّتی علل فیها بما یتعدی عن موردها و صحیحة الحلبی المشار الیها سابقاً الّتی تدلّ علی الاجزاء عند التحری.

ص:174


1- (1) جامع الأحادیث، الباب 15 من أبواب کتاب الصوم، ح 358، ج 9، ص 145.

الفصل الرابع: فی مقدمة الواجب و الحرام

اشارة

و قبل الخوض فی المقصود و یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل

انّه لاتختصّ المقدّمة المبحوث عنها بمقدّمة الواجب بل تعمّ مقدّمة الحرام أیضاً لعمومیّة ملاک البحث ضرورة أنّ الملازمة إن کان ثابتة تکون بین مطلق الطلب و مقدّماته سواء کان الطلب طلباً للفعل أو للترک.

المقام الثانی

انّ المراد من المقدّمة هو ما یتوقّف ذو المقدّمة علیه فی الوجود أو الترک و علیه فلاتشمل المقارنات والمتلازمات لعدم توقّف المقارن والمتلازم علی المقارن و المتلازم الآخر.

وأمّا اعتبار الاستقلال فی الوجود فی المقدّمة کما یظهر من بعض الأعلام فهو منظور فیه إذ لادلیل علی ذلک مع ما نراه بالوجدان من دخول القیود کالإیمان فی مثل أعتق رقبة فی البحث مع عدم استقلال وجودها کما لایخفی.

المقام الثالث

انّ محلّ النزاع والاختلاف هو الوجوب أو الحرمة الشرعیّة لا العقلیّ إذ اللابدّیّة العقلیّة لامجال لانکارها بداهة أنّ العقل إذ أدرک توقّف الواجب أو الحرام علی مقدّماته استقلّ من دون تأمّل بوجوبها و لامجال للنزاع فیه.

ص:175

المقام الرابع

انّ المقصود من تبعیّة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها انّ إرادة ذیها صارت منشأ لإرادة المقدّمة بمادتها بعد الالتفات إلی أنّ ذا المقدّمة لایحصل بدون المقدّمات الواقعیّة وحیث إنّ الالتفات المذکور حاصل فی جمیع الموارد إجمالاً تحصل إرادة المقدّمة بالفعل بتبع إرادة ذیها و أنّ توقّف تفصیل الإرادة بالنسبة إلی آحاد المقدّمات علی تشخیص أنّ کلّ واحد منها ممّا توقّف علیه ذوها.

المقام الخامس

انّ المسألة من المسائل الاُصولیّة لاالکلامیّة لأنّ البحث فیها عن ثبوت الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة وإرادة المقدّمة أو عن ثبوت دلالة وجوب ذی المقدّمة علی وجوب المقدّمة و هذا أجنبیّ عن البحث الکلامیّ إذ البحث فیه یکون عن أحوال المبدأ و المعاد و أنّ المقدّمة هل تکون مستتبعة فعلاً و ترکاً للثواب والعقاب أم لا.

ومن المعلوم أنّ البحث فی المقام لیس من هذه الناحیة بل لامورد له لأنّ وجوب المقدّمة علی القول به لایستلزم امتثاله بنفسه ثواباً و لا عصیانه عقاباً غیر ما یترتّب علی امتثال ذیها و عصیانه.

وهکذا لاتکون المسألة فقهیّة فإنّ الاُصولیّة ما به ینظر والمسألة الفقهیّة ما فیه ینظر وهذه المسألة هی الّتی تقع نتیجتها فی طریق الاستنباط وتکون ممّا به ینظر و المسألة الفقهیّة لاتقع کذلک بل هی ممّا فیه ینظر فإنّها هی نفس الحکم ولاتقع فی طریق الاستنباط.

ثمّ لایخفی علیک أنّ المسألة الاُصولیّة هی ما یصلح للحجّیّة علی الحکم الکلّیّ الفقهیّ و هو عنوان ینطبق علی وجوب ذی المقدّمة فإنّه ممّا یصلح لأن یکون حجّة علی وجوب المقدّمة بدعوی الملازمة العقلیّة بین وجوبهما أو بدعوی الدلالة اللفظیّة علیه ولایضرّ بذلک تعنون المسألة بعناوین أخری من قبیل أنّ الملازمة من عوارض

ص:176

وجوب ذی المقدّمة وبهذا الاعتبار یمکن إدراجها فی مبادئ الأحکام الفقهیّة لأنّ ملازمات الأحکام ومعانداتها تسمّی بالمبادئ الأحکامیّة.

إذ لامنافاة بین کون المسألة باعتبار من المبادئ الأحکامیة وباعتبار کون نتیجة المسألة ممّا یصلح لأن تقع فی طریق الاستنباط یکون من المسائل الاُصولیّة.

وممّا ذکر یظهر أنّه لاوقع لما یقال من أنّ موضوع علم الاُصول هو الأدلّة الأربعة و منها حکم العقل والمراد به کلّ حکم عقلیّ یتوصّل به إلی حکم شرعیّ فلامحالة یجب أن یبحث فی الاُصول عن لواحق القضایا العقلیّة المثبتة للأحکام الشرعیّة لاعن ثبوت نفسها ونفیها والبحث فی مسألة المقدّمة إذا کان عن تحقّق الملازمة بین الوجوبین کان بحثاً عن نفس الحکم العقلیّ لاعن عوارضه وعلیه یصیر البحث من المبادئ التصدیقیّة لوجود موضوع علم الاُصول.

وذلک لأنّ إدراج أمثال هذه المسألة التی تنفع نتائجها فی إثبات الحکم الشرعیّ کسائر المسائل الاُصولیّة فی المبادئ التصدیقیّة کما تری لأنّ هذه المسائل کنفس المسائل الاُصولیّة فی النتیجة فإنّ نتیجتها تقع فی طریق الاستنباط و عنوان ما یصلح لأن یقع فی طریق الاستنباط یشمله وإن لم یشمله ما عدّه بعض موضوعاً لعلم الاُصول فلاتغفل.

المقام السادس

انّ الظّاهر أنّ المسألة عقلیّة لا لفظیّة إذ اللازم فی الدلالة الالتزامیة هو أن یکون اللازم لازماً للمعنی المطابقیّ وما نحن فیه لیس کذلک لأنّ دلالة الأمر علی کون متعلّقه مراداً للآمر لیس من قبیل دلالة اللفظ بل من قبیل کشف الفعل الاختیاریّ عن کون فاعله مریداً له هذا مضافاً إلی أنّ محلّ الکلام أعمّ من المدلول علیه بالدلالة اللفظیّة.

ص:177

المقام السابع: فی تقسیمات المقدمة
اشارة

منها: تقسیمها إلی الداخلیّة والخارجیّة

یقع الکلام فی أمور:

أحدها: إنّ المقدّمة الداخلیّة هی التی تکون أجزاء و مقوّمات للمرکّبات کأجزاء الصلاة فی المرکّبات الاعتباریّة و أجزاء البیت و الدار فی المرکّبات الصناعیّة.

وأنّ المقدّمة الخارجیّة هی التی تکون مغایرة مع المرکّبات فی الوجود و الماهیّة کطیّ الطریق بالنسبة إلی الحجّ مثلاً.

و لاإشکال فی کون المقدّمة الخارجیّة محلّاً للنزاع وإنّما الکلام فی المقدّمة الداخلیّة فإنّه ربّما یتوهّم خروجها عن حریم النزاع بتقریب أنّ الأجزاء بالأسر أی مجموعها عین المرکّب فی الخارج ومعه فلامعنی للتوقّف حتّی یترشّح الوجوب منه إلیه والمغایرة الاعتباریّة لاتوجب مغایرة وجود أحدهما لوجود الآخر.

ویمکن أن یقال: بمنع خروج المقدّمة الداخلیّة عن محلّ النزاع فإنّ المقدّمة هی کلّ واحد واحد من الأجزاء و الأفراد و المرکّب هو مجموع الأجزاء والأفراد والمرکّب ممّا لایتحقّق فی الواقع ونفس الأمر إلّا بتحقّق کلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد فی الواقع ونفس الأمر إذ المراد من المرکّب هو ما یترتّب علیه الغرض کفتح المصر وغیره وهو یتقوّم بوجود المجموع.

وهو منشأ انتزاع عناوین للمجموع کعنوان الفوج أو القوم.

وکلّ واحد واحد من الأفراد والأجزاء منشأ انتزاع المقدّمة ولایتوقّف وجودها علی شیء آخر بل یکون وجود کلّ واحد ممّا یتوقّف علیه وجود ذی المقدّمة إذ لایمکن وجود المجموع بدون وجوده و علیه فالکلّ و الجزء لهما ملاکان فی نفس الأمر ومعه

ص:178

فإذا کانت حقیقة ذی المقدّمة و المقدّمة و ملاکهما متحقّقة فی الواقع و نفس الأمر فلامجال لأن تکون المقدّمة الداخلیّة خارجة عن محلّ النزاع.

ثانیها: إنّ محطّ الإرادة و الطلب هو الوجود الذهنیّ بما هو حاک عن الخارج لا الوجود الخارجیّ لأنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

وعلیه فالمطلوب والمراد هو الوجود العنوانیّ الذهنیّ سواء کان بسیطا أو مرکّباً.

فإذا لاحظ الأمر عنوانا مرکّباً یترتّب الغرض علیه کالفوج المترتّب علیه فتح البلد کان کلّ واحد واحد من أفراد الفوج مندکّاً و فانیاً فی هذا العنوان و لذلک لم یتعلّق الإرادة عند تصوّر العنوان المرکّب إلّا بنفس العنوان المرکّب و دعوة الناس إلی العنوان المذکور دعوة إلی مجموع الأجزاء والآحاد لعینیّة مجموع الأجزاء مع العنوان المذکور.

ولکن عرفت أنّ مجموع الأجزاء لیس مقدّمة للعنوان المذکور بل هو عین المرکّب والمقدّمة هو کلّ جزء جزء و کلّ فرد فرد والوجدان شاهد علی أنّ الأمر بعد ما رأی أنّ المرکّب والمجموع لایتأتّی إلّا بکلّ واحد واحد من الأجزاء والأفراد أراد کلّ مقدّمة لأجل إرادة المرکب ویکفی فی تعلّق الإرادة الغیریّة لحاظ کلّ واحد واحد إجمالا بعنوان کونه ممّا یتوقّف علیه العنوان المرکّب الواجب فتعلّق الإرادة بها تبعا لإرادة ذیها.

ثالثها: إنّ مرکب الإرادة فی الإرادة النفسیّة هو العنوان الذهنی الذی یکون مطابقه عین مجموع الأجزاء الذی یترتّب علیه الغرض و مرکب الإرادة فی الإرادة الغیریّة هو أیضاً عنوان ذهنیّ وهو المقدّمة الحاکیة عن حقیقة خارجیّة وهو ما لولاه لما کان المرکّب المقصود فاختلف المرکبان والمعتبر فی الإرادة الغیریّة هو عنوان المقدمیّة و لاحاجة إلی عنوان آخر من العناوین الذاتیّة.

رابعها: إنّه لایلزم من وجوب المقدّمة الداخلیّة اجتماع الوجوب النفسیّ والغیریّ فی شیء واحد لأنّ الوجوب النفسیّ متعلّق بالعنوان المطابق علی مجموع الأجزاء الذی

ص:179

یکون منشأ لانتزاع العنوان المترتّب علیه الغرض کالبیت والدار والصلوة والحجّ ومن المعلوم أنّ المعنون المذکور لیس کلّ واحد واحد من الأجزاء ومع مغایرة العنوانین والمعنونین فلامجال لتوهّم اجتماع المثلین فی شیء واحد بسبب وجوب المقدّمة الداخلیّة و بعبارة أخری معنون عنوان المرکّب الاعتباریّ کالصناعیّ هو مجموع الأجزاء الذی یترتّب علیه الغرض ومعنون عنوان المقدّمة هو کلّ جزء جزء ممّا یتوقّف حصول المرکّب علیه فارادة المجموع بما هو المجموع غیر إرادة کلّ جزء جزء بما هو جزء.

ولاینافی ذلک کون کلّ جزء باعتبار اندکاکه فی المجموع موردا للإرادة النفسیّة لأنّه باعتبار وجوده فی العنوان الإجمالیّ و الإرادة الغیریّة باعتبار وجوده التفصیلیّ فیکفی الاختلاف بالإجمال و التفصیل فی رفع التنافیّ کما یشهد بذلک الوجدان فی إجتماع الإرادتین فی المرکّبات الصناعیّة فإنّ البانی للبیت و الدار له إرادة نفسیّة بالنسبة إلی بناء البیت و البیت عنوان إجمالیّ لمجموع ماله دخل فی تحقّق البیت فی الخارج و مع ذلک یکون له إرادة بالنسبة إلی کلّ جزء جزء بتبع إرادته لمجموع الأجزاء الموسوم بالبیت فلاتغفل.

خامسها: فی ثمرة البحث ولایخفی علیک أنّ مع اتّحاد المرکّب مع أجزائه نوع اتّحاد المجمل مع المفصّل ترجع إرادة العنوان ووجوبه إلی إرادة مجموع الأجزاء المعلومة و وجوبها قضاء للاتّحاد والعینیّة وحیث إنّ الأجزاء المشکوکة لادلیل علی دخالتها فی العنوان کما لادلیل علی إرادته و وجوبها أمکن جریان البراءة فیها لعدم تمامیّة البیان بالنسبة إلیها من دون فرق فی ذلک بین القول بوجوب کلّ جزء جزء بنحو الوجوب الغیریّ وبین القول بعدم الوجوب.

إذ العبد محجوج بمقدار ما قامت الحجّة علیه لاأزید و لاأنقص و الحجّة قامت علی عنوان المرکّب و هکذا قامت علی الأجزاء المعلومة لانحلال العنوان بالنسبة إلیها وأمّا

ص:180

غیرها من الأجزاء المشکوکة فلم یعلم انحلال العنوان بالنسبة إلیها ولم یتمّ الحجّة علیها للشکّ فی دخولها فی العنوان فتجری البرائة بالنسبة إلیها و بعد فرض الاتّحاد لاتکون النسبة بین العنوان والأجزاء نسبة المحقّق إلی المحقّق (بالفتح) حتّی لایکون مجال للبراءة لأنّ الشکّ حینئذٍ فی المحصّل مع العلم بالتکلیف بالمحصل (بالفتح) وهو مقتض للاحتیاط. نعم إذا کان بیان المحصّل (بالکسر) وظیفة الشارع فتجری البراءة فیه أیضاً.

بل عنوان المرکّب فی المقام عین الأجزاء و متّحد معها لامتحصّلاً منها.

وعلیه فلا وقع لما قیل من أنّ ثمرة القول بالوجوب الغیریّ للأجزاء هو الاشتغال فی مسألة الشکّ فی الأقل والأکثر الارتباطیّین وذلک لوجود العلم الإجمالیّ بالتکلیف و عدم صلاحیّة العلم التفصیلیّ بمطلق وجوب الأقلّ من الغیریّ و النفسیّ للانحلال لتولّده من العلم الإجمالیّ السابق علیه و تحقّق التنجّز فی الرتبة السابقة.

وذلک لما عرفت أنّ مع الاتّحاد لامغایرة إلّا بالإجمال و التفصیل و عدم المغایرة یقتضی الانحلال کما لایخفی.

تبصرة

ولایذهب علیک أنّ أجزاء المرکّب مطلقا سواء کان اعتباریّاً أو خارجیّاً من المقدّمات الداخلیّة فإنّها داخلة فی حقیقة المرکّب.

ثمّ إنّ التقیّد بطهارة البدن أو باستقبال القبلة أو بالطهارة عن الحدث یکون کالأجزاء من المقدّمات الداخلیّة وهذه التقیّدات تکشف عن کون الصلاة هی الصلاة المتقیّدة بتلک الشرائط ولیست مطلقة.

نعم نفس الشرائط والقیود لیست من المقدّمات الداخلیّة بل هی خارجة عن حقیقة المأمور به المرکّب کما لایخفی.

ص:181

لوجود الملاک فی المقدّمات الخارجیّة فی الشرائط و القیود و هو المغایرة فی الوجود لتغایر وجود الطهارة مع التقیّد بها کتغایر الحجّ مع طیّ المسافة.

ثمّ إنّ المقدّمات الخارجیّة هی التی یتوقّف علیها وجود المأمور به فی الخارج کتوقّف الحجّ علی طیّ المسافة ولافرق فیها بین أن تکون من العلل أو الأسباب أو نفس الشروط أو المعدّات فإنّ کلّها ممّا یتوقّف وجود المأمور به علیها و دعوی أنّ الأمر و الطلب لامجال له بالنسبة إلی المسببات التولیدیّة لعدم کونها مقدورة.

فاللازم هو رجوع الأمر إلی الأسباب التی تکون مقدورة مندفعة بأنّ ملاک صحّة تعلّق الأمر و الطلب هو المقدوریّة و لا إشکال فی کون المسبّب مقدوراً بالقدرة علی سببه و ملاک صحّة الأمر عند العقلاء هو کون الشیء مقدوراً ولو مع الواسطة فتدبّر جیّداً.

ومنها: تقسیمها إلی: العقلیّة و الشرعیّة و العادیّة.

والتوقّف بالفعل فی جمیع الأنحاء المذکورة عقلیّ و إن کانت علّة التوقّف فیها مختلفة لأنّ العلّة فی الأولی هو التکوین کتوقّف المعلول علی وجود العلّة إذ لایمکن المعلول بدون العلّة و العلّة فی الثانیة هو الحکم الشرعیّ بدخالة شیء فی مطلوبه ومراده ولذلک سمّیت بالشرعیّة ولکنّ بعد الجعل والحکم الشرعیّ یکون المطلوب مقیّداً ومشروطاً به ومع کون المطلوب مشروطاً یکون التوقّف عقلیّاً بالفعل أیضاً لعدم النیل إلی المطلوب الشرعیّ بدون المقدّمة.

والعلّة فی الثالثة عادیة من جهة إمکان النیل إلی ذیها من طریق آخر ولکن مع عدم وجود طریق آخر وتوقّف النیل إلی ذی المقدّمة إلی الطریق الموجود یتوقّف المطلوب علی الموجود من الطریق کالصعود علی السطح فإنّه متوقّف علی نصب السلّم ونحوه ولکنّه من جهة عدم التمکّن عادة من الطیران الممکن عقلاً وإلّا فلایتوقّف علی خصوصه

ص:182

وبهذا الاعتبار سمّیت بالعادیة ولکنّ التوقّف علی نصب السلّم ونحوه عقلیّ أیضاً ما لم یتمکّن من طریق آخر ضرورة استحالة الصعود بدون مثل نصب السلّم عقلاً لمن لم یتمکّن من الطیران فعلاً و إن کان الطیران ممکناً ذاتاً.

وحیث إنّ البحث فی جمیع الأنحاء المذکورة یکون فی التوقّف الفعلیّ فالبحث عقلیّ لعدم إمکان النیل إلی ذی المقدّمة بدونها عقلاً بالفعل من دون فرق بین أن یکون التوقّف المذکور من جهة التکوین أو من جهة التشریع أو من جهة العادة.

ومنها تقسیمها إلی: مقدّمة الوجود ومقدّمة الصحّة ومقدّمة الوجوب ومقدّمة العلم.

ولایخفی علیک إمکان إرجاع مقدّمة الصحّة إلی مقدّمة الوجود بناءً علی إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف کما هو المختار لأنّ قصد القربة حینئذٍ یکون من مقدّمات وجود الواجب إذ فقد شرط الصحیح أو وجود المانع یمنع عن وجود الواجب الصحیح المطلوب وعلیه فما یوجب فقد الصحّة یوجب فقد الوجود أیضاً.

وأمّا إذا قلنا بعدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق التکلیف لا بأمر واحد و لابأمر متعدد بل هو ممّا یعتبر عقلاً فقصد القربة لایکون مقدّمة لوجود الواجب بل هو مقدّمة لتحقّق المسقط للإعادة والقضاء و معه یصحّ التقابل بین مقدّمة الوجود وبین مقدّمة الصحّة.

ثمّ اعلم أنّ مقدّمة الوجوب خارجة عن محطّة الکلمات ولاحاجة إلی البحث عنها إذ الکلام فی وجود الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة ومقدّماته یکون بعد الفراغ عن ثبوت الوجوب لذی المقدّمة.

وأمّا المقدّمات العلمیّة فیمکن تصوّرها فی مثل تعلّم الأحکام الشرعیّة لأنّ مع ترک التعلّم یفوّت الأحکام الواقعیّة وعلیه فیکون وجود التعلّم من مقدّمات وجوب الواجبات الواقعیّة.

ص:183

هذا مضافاً إلی أنّه لو قلنا بوجوب قصد الوجه أو التمییز تفصیلا لزم تعلّم الأحکام بالتفصیل بناء علی ثبوت الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة ومقدّماته لأنّ التعلّم یکون حینئذٍ من مقدّمات وجود الواجب فتأمّل.

ومنها: تقسیمها إلی: المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة بالنسبة إلی وجود ذی المقدّمة.

والأولی کأجزاء کلّ عقد عدی الجزء الأخیر والثانیة کالقیود المقارنة للواجب کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة و الثالثة کأغسال اللیلیّة اللاحقة المعتبرة عند بعض فی صحّة صوم المستحاضة فی الیوم السابق أو الإجازة المتأخّرة عن العقد الفضولیّ المعتبرة فی صحّة العقد السابق بناء علی الکشف.

و لاکلام فی المقارنة و إنّما الکلام فی غیرها فإنّه قد أورد علیه بأنّ المقدّمة من أجزاء العلّة والمسلّم فی أحکام العلّة هو لزوم تقارنها زماناً بجمیع أجزائها مع المعلول وتقدّمها بالطبع علیه بحیث یصحّ تخلّل الفاء بأن یقال وجدت العلّة فوجد المعلول.

وهذا الأمر مفقود فی المقدّمة المتأخّرة والمقدّمة المتصرّمة.

وعلیه فانخرام القاعدة العقلیّة فی المتقدّمة أو المتأخّرة یوجب حصر المقدّمة المبحوثة عنها فی المقدّمات المقارنة.

وأجیب عن ذلک بأمور:

الأوّل: إنّ المعتبر فیهما هو اشتراط لحاظهما لا اشتراط المتأخّر أو المتقدّم وهو مقارن فلایلزم الانخرام.

ویرد علی ذلک بأنّ المعتبر هو الوجود الخارجیّ فی مثل القدرة علی الامتثال فی صحّة التکلیف أو مثل الإجازة المتأخّرة فی صحّة العقد السابق لا لحاظهما فالإشکال باقٍ علی حاله لعدم معقولیّة دخالة أمر متأخّر فی ثبوت أمر متقدّم ورجوع الأمر إلی اللحاظ فی بعض الموارد لایرفع الإشکال فی سائر الموارد.

ص:184

ودعوی أنّ موضوع الحکم الوضعیّ والمکلّف به هو ما یکون متقدّماً أو متأخّراً بحسب الواقع علی حادث خاصّ فالعقد الذی هو متقدّم بتبع الزمان علی الإجازة تقدما واقعیّاً موضوع للنقل ولایکون مقدّماً علیها بواقع التقدّم التبعیّ إلّا أن تکون الإجازة متحقّقة فی ظرفها کما أنّ تقدّم الحوادث الیومیّة إنّما یکون علی الحوادث الآتیة لا علی ما لم یحدث بعد من غیر أن تکون بینها إضافة.

وموضوع الصحّة فی صوم المستحاضة ما یکون متقدّماً تقدّماً واقعیّاً تبعاً للزمان علی أغسال اللیلیّة الآتیة والتقدّم الواقعیّ علیها لایمکن إلّا مع وقوعها فی ظرفها ومع عدم الوقوع یکون الصوم متقدّماً علی سائر الحوادث فیها لا علی هذا الذی لم یحدث والموضوع هو المتقدّم علی الحادث الخاصّ.

والحاصل أنّ الموضوع هو التقدّم الحقیقیّ وهو حاصل تبعاً للزمان لا من ناحیة المتأخّر وإنّما یکشف عنه بعد وقوع المتأخّر أنّه متقدّم علی المتأخّر.

مندفعة أیضاً بأنّ مرجع ذلک إلی أنّ المراد من الشرائط المتأخّرة هو أنّها من کواشف الموضوع للحکم الواقعیّ أو المکلّف به الواقعیّ و لاتأثیر لها بنفسها فمثل الأغسال المأتیّ بها فی اللیلة الآتیة بعد صوم یومها السابق لا تأثیر لها بل هی کواشف عن کون المؤثّر هو تقدّم الصوم علی الأغسال وهذا یوجب سقوط الشرائط عن الشرطیّة کما لایخفی.

الثانی: إنّ جمیع الأسباب والشرائط الشرعیّة معدّات لا العلل الإیجادیّة حتّی یلزم من تأثیرها قبلا أو بعدا انخرام القاعدة.

ویردّ ذلک أوّلاً: أنّ الأسباب و الشرائط الشرعیّة علی أنحاء منها هی التی تکون مؤثّرة فی فاعلیّة الفاعل أو قابلیّة القابل و اللازم فیها أن لاتنفکّ عن زمان التأثیر إذ ما کان من الشرائط شرطاً للتأثیر کان حاله حال ذات المؤثّر وما کان شرطاً لتقریب الأثر کان حاله حال المعدّ.

ص:185

وثانیاً: إنّ دعوی المعدّیّة فی المقدّمات تامّة بالنسبة إلی الشرائط المتقدّمة وأمّا المتأخّرة فهی معدومة فلامجال لعلّیة المعدوم ولو بنحو الإعداد بالنسبة إلی المتقدّم.

الثالث: إنّ الأحکام الشرعیّة بشتّی أنواعها أمور اعتباریّة و لاواقع موضوعیّ لها ما عدی اعتبار من بیده الاعتبار و لاصلة لها بالموجودات المتأصّلة الخارجیّة أبدا حتّی تکون محکومة بحکمها.

ویردّ ذلک أنّ ذلک یلزم خلوّ جمیع الشرائط و الأسباب الشرعیّة عن مطلق التأثیر وهو ممّا یخالفه الارتکاز.

الرابع: إنّ الشرط هو وصف التعقّب وهو قائم بالعقد و موجود معه لا المتأخّر کالإجازة بالنسبة إلی العقد الفضولیّ.

ویرد ذلک أنّ هذا مخالف لما هو الظّاهر بل المقطوع به من الأدلّة من أنّ الشرط هو رضی المالک اذ علی هذا ما هو الشرط و هو التعقّب لیس برضی المالک وما هو الرضا لیس بشرط کما لایخفی.

الخامس: انّ ما فرض مقتضیّاً لیس کذلک بالمباشرة بل یوجد أثراً معیّناً وهو یبقی إلی زمان الشرط المتأخّر فبمجموعهما یکتمل أجزاء العلّة فلایکون الشرط متأخّراً حینئذٍ بل هو مقارن مع الأثر الباقی وهو المقتضیّ.

ویرد ذلک أنّه یوجب خروج المقتضیّ عن کونه مقتضیاً ودخوله فی المعدّات والعلل المتدرّجة بالنسبة إلی وجود المقتضی المقارن مع الشرط المتأخّر.

هذا مضافاً إلی أنّ لازمه هو أنّ النقل والانتقال فی العقد الفضولیّ المتعقّب بالإجازة حصل عند اکتمال الأجزاء من بقاء أثر العقد و حصول الإجازة لاحین العقد وهو لایصحّح الکشف الحقیقیّ بنحو الشرط المتأخّر وهو کما تری.

ص:186

فتحصّل: أنّ الشرط المتأخّر لاتأثیر له فی المتقدّم ولو بنحو الإعداد ولکنّ الشرط المتقدّم یجوز تأثیره بنحو الأعداد فی المتأخّر لا بنحو العلّیة فإنّه غیر معقول.

وممّا ذکر یظهر أنّ البحث فی المقدّمات یکون فی المقدّمات المقارنة لا المتقدّمة والمتأخّرة إذ المقدّمة من أجزاء العلّة و المسلّم فی أحکام العلّة هو لزوم تقارنها زماناً بجمیع أجزائها مع المعلول وهذا الأمر مفقود فی المتقدّمة والمتأخّرة ولذا لزم توجیه ما ورد فی ذلک.

مثلاً ما ورد فی المتقدّمة فلیحمل علی الإعداد کما أنّ ما ورد فی المتأخّرة فلیحمل علی کون لحاظه شرطاً أو علی کونه من کواشف الموضوع للحکم الواقعیّ أو المکلّف به الواقعیّ ولاتأثیر له بنفسه.

فمثل الأغسال المأتّی بها فی اللیلة الآتیة بعد صوم یومها السابق لا تأثیر لها بنفسها بل هی کواشف عن کون المؤثّر هو تقدّم الصوم علی الأغسال.

المقام الثامن: فی تقسیمات الواجب
اشارة

منها تقسیمه إلی المطلق و المشروط

ویقع الکلام فی مواضع:

الموضع الأوّل: فی تعریفهما

والأقرب هو ما عرّفه العمیدیّ من أن المطلق هو ما لایتوقّف وجوبه علی أمر زاید علی الأمور المعتبرة فی التکلیف من العقل و العلم و البلوغ و القدرة وأنّ المشروط هو ما کان وجوبه موقوفاً علی أمر آخر أیضاً.

والمطلق بناء علی هذا التعریف یقابل المشروط تقابل العدم والملکة وهو مساعد مع العرف کما لایخفی.

الموضع الثانی: انّ الشروط فی القضایا الشرطیّة و إن کانت راجعة إلی الهیئة بحسب

ص:187

القواعد العربیّة ولکنّها منصرفة عنها إلی المادّة بقرینة الوجدان لأنّا نجد بالوجدان أنّ الأرادة موجودة بالنسبة إلی المشروط قبل تحقّق الشرط والإنشاء الحقیقیّ تابع للإرادة النفسانیّة فإذا کانت الإرادة النفسانیّة موجودة فی النفس قبل تحقّق الشرط کان الإنشاء أیضاً کذلک فالإرادة والوجوب فعلیّة ولاتعلیق فیهما والشرط والقید شرط وقید للمادّة ولذا لافرق بین قوله صلّ مع الطهارة وقوله إذا کنت طاهرا فصلّ من جهة فعلیّة الإرادة وإنشاء الوجوب وإنّما الاختلاف بینهما من جهة أنّ القید لازم التحصیل فی الأوّل دون الثانی لإطلاق المادّة فی الأوّل دون الثانی.

وما ذکرناه لایکون من جهة استحالة رجوع القیود والشروط إلی الهیئة بدعوی أنّ معنی الهیئة من المعانیّ الحرفیّة فلاإطلاق فیها حتّی یصحّ تقییدها لإمکان أن یقال إنّ عدم إمکان التقیّد بعد وجود المعانیّ الحرفیّة وأمّا تقییدها حال تحقّقها فلامانع منها کما لایخفی.

بل یکون من جهة حکم الوجدان بالتقریب المذکور ومقام الإثبات یتبع مقام الثبوت.

وبالجملة فالمعنی المستفاد من الهیئة والمنشأ بها متحقّق بالفعل فی فرض وجود الشروط و القیود من دون ابتنائه علی تحقّقها و إنّما المتوقّف تأثیره فی المکلّف فلاحالة منتظرة للإرادة و الإنشاء بل هما موجودان بالفعل و إنّما باعثیّتهما موقوفة علی تحقّق الشروط و القیود فلاتغفل.

الموضع الثالث: انّ النزاع یعمّ المقدّمات الوجودیّة للواجب المشروط کالمقدّمات الوجودیّة للواجب المطلق و لاوجه لتخصیص النزاع بالثانی لعموم الملاک لأنّ الملازمة الشرعیّة إن کانت ثابتة فلافرق فیها بین کون الواجب مطلقاً أو مشروطاً.

نعم لایعمّ النزاع المقدّمات الوجوبیّة و إلّا لزم التنافی لمنافاة تسبیب وجوب الشیء إلی ایجاده مع فرض حصوله بطبعه لابتسبیب منه.

ص:188

الموضع الرابع: انّ بناء علی رجوع القیود والشروط إلی المادّة لا الهیئة هل تکون المقدّمات الوجودیّة متعلّقة للطلب فی الحال أم لا.

والحقّ أنّها تکون متعلّقة للطلب فی الحال علی نحو تعلّق الطلب بذیها فإن کان ذو المقدّمة واجباً فی الحال فکذلک المقدّمات ولکنّ حیث کان وجوب ذی المقدّمة غیر منجّز أی لایجب البدار إلی امتثاله قبل حصول الشرط کان وجوب مقدّماته أیضاً کذلک لتبعیّة وجوب المقدّمات عن وجوب ذیها فی جمیع الخصوصیّات وعلیه فالوجوب حالیّ وفعلیّ ولکنّ لا فاعلیّة له ما لم یتحقّق التنجّز بوجود الشرط و حصوله.

الموضع الخامس: انّ الحقّ هو وجوب المقدّمات المفوّتة قبل حصول شرط الوجوب فیما إذا علم بأنّ غرض الشارع علی نحو لایرضی بترکه و علم بتوقّفه علی الإتیان بمقدّماته المفوّتة قبل الوقت بل لو کان المولی غافلا عن مجیئ صدیقه لکن یعلم العبد مجیئه و تعلّق غرض المولی بإکرامه علی تقدیر مجیئه و توقّفه علی مقدّمات کذائیّة یحکم العقل بإتیانها حفظا لغرضه اللزومیّ و لایجوز التقاعد عنه.

والوجوب المتعلّق بالمقدّمات المذکورة قبل الوقت وجوب فعلیّ منجّز کما لایخفی.

الموضع السادس: انّ الظّاهر هو وجوب تعلّم الأحکام حتّی فی الأحکام المشروطة قبل حصولها.

أمّا فی الأحکام المطلقة فلاستقلال العقل بتنجّز الأحکام علی الأنام بمجرّد قیام احتمالها إلّا مع الفحصّ و الیأس عن الظفر بالدلیل علی التکلیف فیستقلّ بعده بالبراءة العقلیّة والإتیان بها یتوقّف علی تعلّمها فی الغالب.

وأمّا فی المشروطة فلما عرفت من وجوب مقدّمات المفوّتة فیما إذا علم أنّ الشارع لایرضی بترکها مطلقاً ولم یسع الوقت للتعلّم بعد حصول الشرط.

هذا مضافاً إلی روایات خاصّة تدلّ علی وجوب التعلّم والتفقّه فی الدین کموثّقة أبی

ص:189

جعفر الأحول عن أبی عبداللّه علیه السلام قال:

لایسع الناس حتّی یسألوا ویتفقّهوا.

ومرسلة یونس قال سئل أبو الحسن علیه السلام هل یسع للناس ترک المسألة عمّا یحتاجون إلیه قال: لا.

ومرسلة ابن أبی عمیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسّلوه فمات فقال: قتلوه ألّا سألوا؟! فإنّ شفاء العِیّ السؤال وغیر ذلک من الأخبار.

ولکنها غیر شاملة لما یکون خارجاً عن محلّ الابتلاء فلایجب تعلّم ما یکون خارجاً عن محلّ الابتلاء إلّا من باب الواجبات الکفائیّة.

ثمّ ان الظّاهر أنّ الوجوب المذکور إرشادیّ لا نفسیّ و لاغیریّ و لانفسیّ طریقیّ.

ومنها: تقسیمه إلی المعلّق و المنجّز

ویقع الکلام فی امور:

الأمر الأوّل: إنّه یصحّ تقسیم الواجب المطلق إلی المنجّز والمعلّق إذ امتثال المطلق إمّا لایتوقّف علی أمر متأخّر فهو منجّز، و إمّا یتوقّف علی أمر متأخّر فهو معلّق وعلیه فلامانع من تقسیم الواجب إلی ثلاثة أقسام المطلق والمشروط والمطلق إلی المنجّز والمعلّق.

ولایصحّ إرجاع الواجب المعلّق إلی المشروط لاتّصاف الفعل فی الواجب المعلّق بالمصلحة التامّة الداعیة إلی التکلیف به قبل تحقّق قیده فلامحالة تتعلّق به الإرادة لتمام المقتضیّ وعدم المانع نعم امتثاله لایصحّ إلّا بعد حصول قیده.

هذا بخلاف المشروط علی مذهب المشهور فإنّ قبل تحقّق الشرط لیست المصلحة تامّة وداعیة إلی التکلیف به و علی المختار و إن کان التکلیف فیه قبل تحقّق القید خارجاً فعلیّاً ولکنّه علی فرض وجود القید لا مطلقاً.

ص:190

وعلیه فلاوقع لما فی الوقایة من إنکار المعلّق و إرجاعه إلی المشروط معلّلاً بأنّ القید قد یکون داخلاً فی حیّز الإرادة وقد یکون خارجاً و الأوّل هو المطلق و الثانی هو المشروط و لاثالث لهما بحکم العقل لکی یثبت به الأقسام و یسمّی المعلّق و حیث إنّ الزمان خارج عن القدرة و القیود الخارجة عن قدرة المکلّف من قبیل الثانی لاستحالة التکلیف بغیر المقدور فالأوامر المتعلّقة بقید الزمان یکون من قبیل المشروط قطعاً.

وذلک لما عرفت من أنّ المنوط بوجود الزمان هو الامتثال لا المصلحة الباعثة علی التکلیف فإنّها تامّة و لایتوقّف علی وجود الزمان و لذا تکون الإرادة بتبعها موجودة بالفعل و له الفاعلیّة.

هذا بخلاف المشروط فإنّ الطلب و الإرادة فی فرض حصول الشیء ولازمه هو إناطة الفاعلیّة بوجود الشیء فی الخارج و الفرق بینهما ظاهر فلاوجه لإرجاع المعلّق إلی المشروط کما لاوجه لإنکار المشروط و إرجاعه إلی المعلّق لما عرفت من الفرق بینهما هذا مضافاً إلی أنّ بعض القیود لایصلح لأن یکون قیداً للواجب کقول الطبیب إن مرضت فاشرب المسهل فإنّ شرب المسهل لدفع المرض فلایعقل أن یکون المرض دخیلا فی مصلحة شرب المسهل فتحصّل أنّ الواجب علی ثلاثة أقسام لأنّه إمّا مطلق أو مشروط و المطلق إمّا منجّز أو معلّق.

الأمر الثانی: فی الإشکالات الواردة علی ثبوت الواجب المعلّق والجواب عنها و هی مختلفة.

منها: إنّ الإرادة التامّة لاتنفکّ عن المراد فکذلک الإیجاب غیر منفکّ عن الواجب و علیه فلایمکن أن یتعلّق الإیجاب بأمر استقبالیّ للزوم التفکیک کما لایخفی.

وفیه أوّلاً: إنّ الإرادة تتعلّق بالوجدان بالنسبة إلی أمر متأخّر استقبالیّ کما تتعلّق بأمر

ص:191

حالیّ و یشهد له تحمّل المشاقّ فی تحصیل المقدّمات فیما إذا کان المقصود بعیدة المسافة إذ لیس ذلک إلّا لأجل تعلّق الإرادة بالمقصود البعید فإذا کان المقیس علیه ممکنا فالمقیس أیضاً کذلک.

هذا مضافاً إلی أنّ الواجبات التدریجیّة یکون أجزائها تدریجیّة الحصول مع أنّه لا إشکال فی وجوب جمیع هذه الأجزاء المتدرّجة قبل الإتیان بها فالوجوب المتعلّق بالجمیع فعلیّ مع أنّ الواجب و هی أجزاء المرکّب استقبالیّ و متدرجة الوجود.

وثانیاً: أنّ دعوی عدم إمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالیّ یحتاج إلی برهان مستأنف ولم یقم علیه لو لم نقل بقیامه علی إمکانه بعدماً عرفت من قضاء الوجدان بوقوعه.

کیف و إرادة اللّه تعالی قد تعلّقت أزلاً بإیجاد ما لم یکن موجوداً علی الترتیب السببیّ و المسبّبیّ من غیر إمکان التغییر و الحدوث فی ذاته و إرادته.

ولایمکن أن یقال فی حقّه تعالی کان له شوق ثمّ بلغ الشوق حدّ النصاب فصار إرادة إذ لا تغیّر و لاتحوّل فی ذاته سبحانه وتعالی.

وتوهّم أنّ الإرادة هی التی لاتنفکّ عن تحریک العضلات فلایمکن تحقّق الإرادة من دون تحریک العضلات مدفوع بأنّ الإرادة لاتکون ملازمة لذلک ألا تری أنّا نرید فی أذهاننا وجود أشیاء مع أنّه لم یکن فیها تحریک العضلات وهکذا تکون المجرّدات مریدة للأشیاء مع أنّه لامعنی لتحریک العضلات بالنسبة إلیهم وعلیه فلامانع من تعلّق الإرادة بأمر استقبالیّ من دون تحریک للعضلات قبل حلول وقته من دون فرق بین الإرادة التکونیّة أو التشریعیّة.

ومنها: أنّه لایعقل فعلیّة الحکم قبل تحقّق فعلیّة الموضوع بجمیع ما اعتبر فیه من القیود وتحقّقه فی الخارج ولافرق فیه بین الموقّتات وغیرها إذ فعلیّة الجمیع متوقّفة علی تحقّق الموضوع بقیودها وعلیه فلایعقل الواجب المعلّق بحیث یکون الحکم فیه فعلیّاً و الواجب استقبالیّاً.

ص:192

وفیه: أنّ القیود إن کانت راجعة إلی الهیئة ففعلیّة الحکم متوقّفة علی تحقّق الموضوع بقیوده ولایکون قبل تحقّق الموضوع إلّا صورة الحکم و دعوی عدم تعقل فعلیّة الحکم قبل تحقّق فعلیّة الموضوع صحیحة فی هذه الصورة.

وأمّا إذا کانت القیود راجعة إلی المادّة فالحکم مطلق و متعلّق بالموضوع فإن کان القید فعلیّاً وقابلا للتحصیل فهو مطلق منجّز کقوله صلّ مع الطهارة و إن لم یکن کذلک ولکنّ علم بمجیئه فهو مطلق معلّق کقوله حجّ فی الموسم أو صلّ فی الظهر و یکون الحکم فیه فعلیّاً نعم یتوقّف تنجّزه علی تحقّق الموضوع فی الخارج و بالجملة أنّ الحکم فی القضایا الحقیقة فعلیّ و إنّما تنجّزه متوقّف علی تحقّق موضوعها فی الخارج فقولهم المسافر یجب علیه القصر یدلّ علی الحکم الفعلیّ و إنّما تنجّزه متوقّف علی تحقّق المسافر فی الخارج و لافرق فی القضایا الحقیقة بین أن تکون الموقّتة أو غیرها والقضایا الحقیقیّة قضایا حملیّة و إمکان إرجاعها إلی الشرطیّة لایوجب خروجها عن الحملیّة و من المعلوم أنّ ترتّب الحکم فی القضایا الحملیّة علی موضوعها فعلیّ ولیس بتعلیقیّ کما لایخفی.

الأمر الثالث: انّ مقتضی ما مرّ من تصویر تعلیق الوجوب هو ارتفاع الإشکال الذی یرد علی الحکم بلزوم الإتیان بالمقدّمة قبل إتیان زمان الواجبات الموقّتة فیما إذا فرض عدم التمکّن منها بعد مجییء زمان الواجبات الموقّتة.

فإنّ الوجوب علی الفرض فعلیّ وله الفاعلیّة و علیه یلزم الإتیان بالمقدّمة التی لایتمکّن منها بعد إتیان زمان الواجبات الموقّتة و لاکلام فیه.

وإنّما الکلام فی أنّ هذا الإشکال هل یرتفع من طریق آخر أو ینحصر فی الوجوب التعلیقیّ.

ذهب فی الکفایة إلی عدم انحصار رفع الإشکال فی التعلیق أو ما یرجع إلیه بدعوی

ص:193

إمکان التفصّی عنه بما إذا فرض أنّ الشرط مأخوذ بنحو الشرط المتأخّر الذی یکون معلوم الوجود فیما بعد ضرورة فعلیّة وجوبه وتنجّزه بالقدرة علیه بتمهید مقدّمته.

وفیه أنّ الشرط المتأخّر لایصلح لرفع الإشکال فی أکثر الموارد إذ الشرط هو وجوده لا لحاظه.

وهکذا لا یرتفع ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم من رجوع القیود إلی المادّة لأنّ قبل حصول القید فی الخارج لا فاعلیّة للوجوب الفعلیّ فلا مورد للوجوب الفعلیّ المنجّز بالنسبة إلی بعض المقدّمات مع أنّه لاوجوب فعلیّ منجّز بالنسبة إلی ذیها.

وسایر الوجوه المذکورة هنا إمّا ترجع إلی الواجب المعلّق أو لیست بتامّة فراجع.

الأمر الرابع: إنّه إذا دار الأمر بین رجوع القید إلی الهیئة أو المادّة وشکّ فی وجوب تحصیل القید وعدمه من جهة أنّ القید راجع إلی الهیئة حتّی لایجب تحصیله أو راجع إلی المادّة فیجب تحصیله فإن دلّ دلیل علی ترجیح أحد الطرفین فهو وإلّا فقد یقال إنّ مقتضی العلم الإجمالیّ بتقیید أحد الطرفین هو تعارض أصالة الإطلاق فی الهیئة مع أصالة الإطلاق فی المادّة و مع التعارض یرجع إلی مقتضی الأصل وهو البراءة عن وجوب تحصیل القید إذ هو فرع رجوع القید إلی المادّة وهو غیر معلوم و البراءة عن أصل الوجوب لاحتمال رجوع القید إلی الهیئة فلادلیل علی أصل الوجوب کما لایخفی.

ربّما استدلّ لترجیح إطلاق الهیئة علی إطلاق المادّة بوجوه:

منها: انّ إطلاق الهیئة شمولیّ بمعنی أنّ مفادها هو الوجوب علی کلّ تقدیر یمکن أن یتوجّه معه الخطاب إلی المکلّف بخلاف إطلاق المادّة فإنّه بدلیّ بمعنی أنّ مفاده صلوح أی فرد من أفراد الطبیعة المامور بها للامتثال وعلیه فإذا دار الأمر بینهما یؤخذ بالإطلاق الشمولیّ لکونه أقوی ویرفع الید عن الإطلاق البدلیّ.

ص:194

واُجیب عنه بأنّ الإطلاق فی کلا المقامین مستفاد من مقدّمات الحکمة فلایمکن تقدیم أحدهما علی الآخر بمجرّد کونه شمولیّاً والآخر بدلیّاً.

ومنها: انّ تقیید الهیئة یوجب بطلان محلّ الإطلاق فی المادّة بخلاف العکس ولافرق بین التقیید و بطلان محلّ الإطلاق فی کونهما خلاف الأصل.

وعلیه فکلّما دار الأمر بین التقییدین کذلک کان تقیید ما لایوجب ذلک أولی فالنتیجة أنّ فی مفروض المسألة یکون الترجیح مع تقیید المادّة.

واُجیب عنه بأنّ التقیید و إن کان خلاف الأصل إلّا أنّ العمل الذی یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة وانتفاء بعض مقدّماتها لایکون علی خلاف الأصل أصلاً إذ معه لایکون هناک إطلاق کی یکون بطلان العمل به فی الحقیقة مثل التقیید الذی یکون علی خلاف الأصل.

هذا مضافاً إلی أنّه لادلیل علی ترجیح ما یلزم منه التقیید الواحد علی ما یلزم منه التقییدان فتدبّر جیّداً.

ومنها: أنّ تقیید المادّة حیث إنّه متیقّن ومعلوم بالتفصیل لأنّها: إمّا مقیّدة إبتداءً أو تبعاً فینحلّ العلم الإجمالیّ إلی المعلوم بالتفصیل والشکّ البدویّ فیبقی أصالة الإطلاق فی جانب الهیئة سلیمة عن المعارض فیصحّ التمسّک بإطلاقها لالقاء احتمال التقیید.

واُجیب عنه بأنّ أحد تقدیری العلم بتقیید المادّة فرض تقیید الهیئة لأنّ المفروض هو العلم بتقیید ذات المادّة أو بتقییدها بما هی واجبة وعلیه فکیف یعقل سلامة إطلاق الهیئة عن المعارضة.

هذا مضافاً إلی أنّ إبطال محلّ الإطلاق غیر التقیید ولو تبعاً فلایکون التقیید متیقّناً.

ویمکن دفع ذلک أوّلاً: بأنّ احتمال تقیید الهیئة یکفی لحصول العلم بتقیید المادّة علی أی

ص:195

حال کما أنّ احتمال التخییر یکفی لحصول العلم بالمطلوبیّة فیما إذا دار الأمر بین التعیین والتخییر مع عدم العلم بالتخییر فافهم.

وثانیاً: إنّه لادخالة للفظ التقیید بل المراد هو العلم التفصیلیّ بعدم الإطلاق فی ناحیة المادّة.

ودعوی أنّ تقیید کلّ من الهیئة و المادّة مشتمل علی خصوصیّة مباینة لما اشتمل علیه الآخر من الخصوصیّة فإنّ تقیید الهیئة مستلزم لأخذ القید مفروض الوجود و تقیید المادّة مستلزم لکون التقیید به مطلوباً للمولی فلیس فی البین قدر متیقّن لنأخذ به و ندفع الزائد بالإطلاق.

مندفعة بأنّ القدر المتیقّن هو عدم إطلاق المادّة لتضییقها إمّا بالتقیید أو بالتضییق القهریّ ومع العلم التفصیلیّ بعدم الإطلاق فلامجال لجریان أصالة الإطلاق فی ناحیة المادّة و عدم وجود القدر المتیقّن بین التقییدین لاینافی العلم بعدم إطلاق المادّة فتدبّر.

مقتضی الأصل

ثمّ لایذهب علیک أنّ مع عدم تمامیّة الوجوه المرجّحة للاطلاق فی طرف الهیئة یمکن أن یقال إنّ مقتضی الأصل هو البراءة لدوران القید بین کونه قیداً للوجوب أو قیداً للواجب ومع الدوران المذکور لا علم بالتکلیف و لافرق فی ذلک بین مقالة المشهور من رجوع القیود إلی الهیئة وبین المختار من رجوعها إلی المادّة لأنّ علی کلّ واحد من المذهبین لایکون أصل الوجوب ثابتا مع إمکان أن یکون القید قیداً للوجوب.

نعم لو قلنا بعدم إمکان الرجوع إلی الهیئة فلامجال للرجوع إلی البراءة إذ لا قید بالنسبة إلی الوجوب ولکنّه خلاف مفروض البحث من دوران القید بین رجوعه إلی المادّة أو الهیئة.

ص:196

ثمّ لافرق أیضاً فیما ذکرناه بین أن یکون القید علی فرض رجوعه إلی المادّة قیداً علی وجه التنجیز أو علی وجه التعلیق إذ مع إمکان رجوعه إلی الهیئة واحتماله لا علم بأصل الوجوب کما لایخفی هذا کلّه فیما إذا دار الأمر بین تقیید المادّة وتقیید الهیئة.

ولو شکّ فی تقیید الوجوب فقط فإن کان لدلیله إطلاق یؤخذ به وإن لم یکن له إطلاق ولکنّ له حالة سابقة فیستصحب وإن لم یکن إطلاق ولم یجر فیه الاستصحاب فمقتضی القاعدة هو البراءة قبل تحقّق القید المحتمل تقیّد الوجوب به ولو شکّ فی تقیید الواجب فقط فالظّاهر هو عدم وجوب تحصیل القید المحتمل بإطلاق الدلیل إن ثبت وإلّا بمقتضی الأصل ویصحّ الاکتفاء بأصل الواجب فی مقام الامتثال ولو علم بتقیید الواجب ولکنّ شکّ فی کونه معتبراً علی وجه لایجب تحصیله فیکون الواجب المعلّق أو علی وجه یجب تحصیله فیکون الواجب منجّزاً أمکن التمسّک بالبراءة لنفی الوجوب المستلزم لتحصیل القید.

ومنها تقسیمه إلی نفسیّ و غیریّ

وهنا جهات:

الجهة الاُولی: فی تعریفهما:

والأولی فی تعریفهما أن یقال إنّ الغیریّ هو ما أمر به للتوصّل إلی واجب آخر والإتیان به والنفسیّ ما لم یکن کذلک وهو تعریف جامع.

وأمّا تعریفهما: بأنّ الواجب النفسیّ ما أمر به لنفسه و الغیریّ ما أمر به لأجل غیره کما نسب إلی المشهور.

فقد أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ لازم ذلک هو أن یکون جمیع الواجبات الشرعیّة أو أکثرها من الواجبات الغیریّة إذ المطلوب النفسیّ قلّما یوجد فی الأوامر فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها فیکون أحدهما غیر منعکس

ص:197

و یلزمه أن یکون الآخر غیر مطّرد و ذهب إلی أنّ الأولی هو أن یقال إنّ الواجب الغیریّ ما أمر به للتوصّل إلی واجب آخر والنفسیّ ما لم یکن کذلک فیتمّ العکس والطّرد.

أورد صاحب الکفایة علی تعریف الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ الداعیّ فی الواجبات النفسیّة تارة یکون محبوبیّة الواجب بنفسه کالمعرفة باللّه تعالی وتارة اخری یکون محبوبیّته بماله من الفوائد المترتّبة کأکثر الواجبات من العبادات و التوصّلیّات و لاإشکال فی القسم الأوّل و إنّما الإشکال فی القسم الثانی. فإنّ مقتضی کون الداعی فیه محبوبیّته بما له من الفوائد المترتّبة علیه هو أن یکون أکثر الواجبات النفسیّة فی الحقیقة واجبات غیریّة فإنّه لو لم یکن وجود هذه الفوائد لازما لتلک الواجبات لما کان الداعیّ موجوداً إلی إیجاب ذیها وعلیه فالإشکال باقٍ بالنسبة إلی جامعیّة التعریف و مانعیّته فإنّ الواجبات النفسیّة تدخل فی تعریف الواجبات الغیریّة فتعریف النفسیّ لایکون جامعا لأفراده کما أنّ تعریف الغیریّ لایکون مانعا من الاغیار انتهی.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الأغراض فی الواجبات النفسیّة لیست من الواجبات التی یؤتی بها عقیب الإتیان بنفس الواجبات حتّی یصدق علی الواجبات النفسیّة أنّها واجبات ومأمورات لأجل الإتیان بالواجبات الاُخری وهذا بخلاف الواجبات الغیریّة فإنّها واجبات للتوصّل والإتیان بالواجبات الاُخری ولعلّ مراد الشیخ قدس سره من التوصّل هو الإتیان وعلیه فلاإشکال فی تعریف الشیخ ولذا اخترناه و أضفنا کلمة الإتیان حتّی یکون المقصود واضحاً فتدبّر جیّداً.

الجهة الثانیة: فی مقتضی الأصل اللفظیّ

ولایخفی علیک أنّ مقتضاه عند الشکّ فی واجب أنّه نفسیّ أو غیریّ هو النفسیّ لأنّ ما یحتاج إلی التقیید هو کون الوجوب للتوصّل إلی واجب آخر والإتیان به کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة و أمّا النفسیّ فلایحتاج إلی ضمیمة شیء و علیه فمقتضی الإطلاق

ص:198

هو عدم تقیید البعث بانبعاثه عن واجب آخر و من المعلوم أنّ عدم التقیید بذلک غیر التقیید بعدم ملاحظة انبعاثه عن واجب آخر والمحتاج إلی المؤنة هو الثانی لا الأوّل.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لامجال للاشکال بأنّ کلّاً من النفسیّة و الغیریّة متقوّم بقید زائد فلامجال لإثبات النفسیّة بأصالة الإطلاق.

وذلک لما عرفت من أنّ النفسیّة هو عدم التقیید و الغیریّة هو التقیید فالمتقوّم بقید زائد هو الغیریّ لا النفسیّ.

لایقال: إنّ البعث کالمعنی الحرفیّ فی الجزئیّة فلاتوسعة فیه حتّی یجری فیه أصالة الإطلاق.

لأنّا نقول: إنّ أصالة الإطلاق فی ناحیة الهیئة تجری أیضاً لإمکان إنشاء الجزئیّ علی تقدیر من أوّل الأمر من باب ضیق فم الرکّیّة فلایلزم تقیید الجزئیّ بعد تحقّقه حتّی یقال إنّ الجزئیّ لاسعة له حتّی یتقیّد.

هذا مع الغمض عن إمکان التمسّک بالإطلاق الأحوالیّ إذ الجزئیّ بعد التحقّق له أحوال مختلفة فإذا لم یتقیّد بخصوص حال کالتوصّل إلی واجب آخر یمکن أن یقال إنّ البعث مطلق وینتزع منه النفسیّ.

هذا کلّه بناء علی التمسّک بأصالة الإطلاق و مقدّمات الحکمة وهنا قول آخر وهو دعوی الظهور الانصرافیّ للبعث إلی النفسیّ دون الغیریّ و استدلّ له بکثرة استعمال الهیئة فیما ینتزع منه النفسیّ دون ما ینتزع منه الغیریّ و من المعلوم أنّ الظهور الانصرافیّ لایحتاج إلی مقدّمات الحکمة.

ولکنّ هذا القول متوقّف علی ثبوت ندرة استعمال الهیئة فی البعث الغیریّ وهو غیر ثابت بل استعماله فی الغیریّ کالوضوء و الغسل و التیمّم وغیر ذلک من الموارد کثیر.

ص:199

الجهة الثالثة: فی مقتضی الأصل العملیّ

إذا شکّ فی واجب أنّه نفسیّ أو غیریّ ولم تجر أصالة الإطلاق فی طرف فالمرجع حینئذٍ هو الأصل العملیّ فهنا صور.

الصورة الاولی: أنّه إذا علم بعد الزوال بوجوب الوضوء والصلاة وشکّ فی وجوب الوضوء أنّه غیریّ أو نفسیّ وشکّ فی الصلاة أنّها متقیّدة بالوضوء أو لا ذهب بعض الأعلام إلی أنّ مقتضی الأصل هو البراءة عن اشتراط الصلاة بالطهارة فیجوز الإتیان بها بلا طهارة وأمّا نفس الطهارة فیعلم بوجوبها فی ذلک الوقت علی کلّ حال أمّا لنفسها أو لغیرها.

ولعلّ وجهه هو انحلال العلم الإجمالیّ بالعلم التفصیلیّ بوجوب الوضوء علی کلّ حال فیرجع فی ناحیة الصلاة إلی البراءة بالنسبة إلی احتمال تقییدها بالوضوء.

اورد علیه بأنّ العلم الإجمالیّ بالوضوء نفسیّا أو وجوب الصلاة المتقیّد بالوضوء باقٍ علی حاله وعلیه فلامعنی للرجوع إلی البراءة بالنسبة إلی احتمال تقیید الصلاة بالوضوء بل مقتضی العلم الإجمالیّ هو الاحتیاط بأن لایأتی بالصلاة إلّا مع الطهارة.

هذا مضافاً إلی أنّ مقتضی الاحتیاط فی ناحیة الوضوء هو أن یأتی به قبل الإتیان بالصلاة بقصد ما فی الذمّة ولایبطله حتّی یأتی بالصلاة و إلّا لم یحصل الاحتیاط بین النفسیّ والغیریّ الذی هو واجب للتوصّل إلی واجب آخر.

وعلیه فلاتفاوت بحسب النتیجة بین الانحلال وعدمه فإنّ اللازم هو الإتیان بالوضوء قبل الصلاة وعدم الإتیان بالصلاة بلاطهارة فتأمّل.

الصورة الثانیة: إذا علمنا بوجوب الصلاة و وجوب الوضوء و شککنا فی کون وجوب الوضوء نفسیّاً أو غیریّاً وکان وجوب الصلاة مشروطاً بشرط غیر حاصل وهو الوقت فهل یجب الوضوء قبل الوقت أم لا؟

ص:200

أمکن القول بالبرائة لعدم العلم بالوجوب الفعلیّ قبل الوقت بناء علی کون الوقت قیدا للوجوب فی الصلاة.

ودعوی رجوع الفرض إلی العلم الإجمالیّ بوجوب الوضوء نفسیّاً أو وجوب الصلاة المتقیّدة به بعد الوقت والعلم الإجمالیّ بالواجب المشروط إذا علم تحقّق شرطه منجّز عقلاً.

فیجب علیه الوضوء فی الحال و الصلاة مع الوضوء بعد حضور الوقت.

مندفعة بأنّ الشرط هو واقع الوقت لا لحاظه و علیه فالعلم بحصول الشرط أی الوقت لایکفی للتنجیز.

فلامانع من جریان البراءة قبل الوقت بالنسبة إلی الوضوء کما لایخفی.

نعم لو لم یتمکّن من الوضوء بعد دخول الوقت یجب علیه الوضوء فی الحال من جهة قبح تفویت مراد المولی لاتنجیز الخطاب فلاتغفل.

الصورة الثالثة: إنّه إذا لم یعلم إلّا وجوب ما یحتمل کونه نفسیّاً أو غیریّاً مع احتمال أن یکون فی الواقع واجب فعلیّ آخر یکون مقیّداً بما علم وجوبه فی الجملة فقد یتوهّم عدم وجوب إتیان ما یحتمل أن یکون واجباً نفسیّاً أو غیریّاً للبراءة عن وجوبه للشکّ فی وجوب ما یحتمل اشتراطه به فلاعلم بوجوبه علی کلّ حال.

ولکنّه مدفوع بأنّ المقام کدوران الأمر بین الأقلّ والأکثر مع أنّ الأقلّ مردّد بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً فکما أنّ الأقلّ معلوم الوجوب هناک فکذلک الوضوء المحتمل أن یکون وجوبه نفسیّاً أو غیریّاً معلوم الوجوب سواء کانت الصلاة المتقیّدة بالوضوء واجبة أو لا ومن المعلوم أنّه لامجال للبراءة فی الأقلّ المعلوم بعد فعلیّة خطابه أو خطاب الأکثر وهو الصلاة المتقیّدة بالوضوء.

وهذا لایتمّ إلّا إذا کان وجوب الوضوء مفروغاً عنه ویکون الشکّ فی ناحیة کیفیّة وجوبه من النفسیّ أو الغیریّ.

ص:201

وعلیه فلاوجه للبراءة بالنسبة إلی الأقلّ المعلوم بل لاوجه لها بالنسبة إلی وجوب الصلاة المتقیّدة بالوضوء نفسیّاً لأنّ العلم بوجوب الوضوء والشکّ فی کونه نفسیّاً أو غیریّاً یرجع إلی العلم الإجمالیّ بوجوب الوضوء نفسیّاً أو وجوب الصلاة المتقیّدة بالوضوء نفسیّاً ویکون الوضوء غیریّاً ومقتضاه هو وجوب الاحتیاط بإتیان الصلاة مع الإتیان بالوضوء قبلها لأنّ العلم التفصیلیّ بوجوب الأقلّ المردّد بین کونه نفسیّاً أو غیریّاً عین العلم الإجمالیّ بالتکلیف المردّد بین کون الوضوء واجباً نفسیّاً أو الصلاة واجبة نفسیّة ومثل هذا العلم التفصیلیّ لایعقل أن یوجب الانحلال وإلّا کان مرجعه إلی أن یکون العلم الإجمالیّ موجباً لانحلال نفسه و هو محال.

والانحلال فی الأقلّ والأکثر فی الأجزاء لکون وجوب الأقلّ علی کلا التقدیرین نفسیّاً سواء کان متعلّق التکلیف هو الأقلّ أو الأکثر فإنّ الأجزاء تجب بعین وجوب الکلّ ولایجتمع الوجوب الغیریّ فی الأجزاء الداخلیّة مع الوجوب النفسی هذا بخلاف المقدّمات الخارجیّة کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة فإنّ الوجوب النفسیّ لامجال له مع وجوب الأکثر وهو الصلاة المشترطة بالوضوء.

فالدوران بین النفسیّة والغیریّة مانع عن الانحلال ومقتضاه هو وجوب الاحتیاط کالصورة الاُولی فلاتغفل.

والانحلال الحکمیّ بعد ما عرفت من عینیّة العلم التفصیلیّ مع العلم الإجمالیّ لامورد له إذ مع وجود العلم الإجمالیّ لایجری البراءة فی أحد الطرفین کما لایخفی.

ومنها: تقسیمه إلی الأصلیّ و التبعیّ:

والظّاهر أنّ هذا التقسیم یکون أیضاً کسائر التقسیمات بحسب مقام الإثبات فإنّ الشیء قد یکون مقصودا بالإفادة أصالة وعلی حدّة وقد لایکون إلّا أنّه لازم الخطاب فإذا قلنا ادخل السوق واشتر اللحم یدلّ بالأصالة علی وجوب الدخول فی السوق وإذا

ص:202

قلنا اشتر اللحم یدلّ علی وجوب الدخول فی السوق تبعاً والأوّل أصلیّ والثانی تبعیّ و کلاهما مدلولان للکلام و یدلاّن علی الوجوب کما أنّ دلالة الإشارة من المدالیل الکلامیّة کدلالة الآیتین الکریمتین وهما قوله تعالی: (وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ). و قوله تعالی (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) علی أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر فإنّ الدلالة المذکورة وإن لم تکن بالأصالة ولکن تکون حجّة لأنّها من لوازم الخطاب.

وعلیه فالواجب سواء کان مدلولاً أصلیّاً للکلام أو تبعیّاً یکون لازم الإتیان ویصحّ بهذا الاعتبار تقسیم الواجب إلی الأصلیّ والتبعیّ وإن لم یکن له ثمرة.

وممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث ذهب إلی أنّ هذا التقسیم بلحاظ مقام الثبوت لابلحاظ مقام الدلالة والإثبات واستدلّ له بأمرین:

أحدهما: أنّ الاتصاف بهما إنّما هو فی نفسه لا بلحاظ حال الدلالة علیه.

وثانیهما: إنّ الواجب ربّما لایکون مفاد الأدلّة اللفظیّة کما إذا دلّ علیه الدلیل اللبّیّ کالإجماع.

وذلک لأنّ التقسیمات الاُخری من النفسیّ و الغیریّ و المطلق و المشروط والمعلّق والمنجّز تصلح للقرینیّة علی أنّ المراد من الأصلیّ والتبعیّ فی المقام أیضاً یکون بلحاظ مقام الإثبات ولحاظ الخطاب فإنّ تلک التقسیمات باعتبار مقام الإثبات.

هذا مضافاً إلی قابلیّة معقد الإجماع للتقسیم المذکور بلحاظ مقام الإثبات والدلالة.

ثمّ لو شکّ فی واجب أنّه أصلیّ أو تبعیّ فلاثمرة علی المختار للتعیین لأنّه علی کلا التقدیرین من مدالیل الکلام ویکون موجباً للزوم الإتیان.

وأمّا ما فی الکفایة بناء علی مختاره من التفصیل بین ما إذا کان الواجب التبعیّ أمراً عدمیّا بأن یکون عبارة عمّا لم تتعلّق به الإرادة المستقلّة والالتفات التفصیلیّ فمقتضی

ص:203

الأصل هو التبعیّة إذ الأصل عند الشکّ فی تحقّق الالتفات التفصیلیّ هو العدم وبین ما إذا کان الواجب التبعیّ أمراً وجودیّاً خاصّاً غیر متقوّم بعدمیّ وإن کان یلزمه بأن یکون عبارة عمّا تعلّقت به الإرادة التبعیّة فلایثبت بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به أنّه واجب تبعیّ إلّا علی القول بالأصل المثبت.

ففیه أنّه لامدخلیّة للوجودیّ أو العدمیّ فی کون الأصل مثبتا وإنّما الملاک فی عدم جریان الأصل هو کیفیّة الأخذ فإن أخذ عدم تفصیلیّة الإرادة فی التبعیّ بنحو الاتّصاف لا بنحو الترکیب فالأصل لایجری لأنّه لایثبت الاتّصاف کما لایثبت التبعیّ بناء علی کونه وجودیّاً بأصالة عدم تفصیلیّة الإرادة.

فالتفصیل بین کون التبعیّ متقوّما بالعدم أو الوجود لایفید بل اللازم هو التفصیل بین کون العدم أو الوجود مأخوذاً بنحو الاتّصاف أو الترکیب فلایجدی الأصل فی الأوّل و ان کان الواجب التبعی أمراً عدمیاً دون الثانی و ان کان الواجب التبعی أمراً وجودیاً خاصاً فتدبّر جیّداً.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّ العقل یحکم باستحقاق العاصی للعقاب عند مخالفته للأوأمر النفسیّة لأنّه خارج عن زیّ العبودیّة ولیس المراد من الاستحقاق هو إیجاب العقاب بل المراد هو أهلیّته للعقاب ولذا یجتمع مع عفو المولی کما لایخفی.

هذا بحسب استحقاق العاصی وأمّا استحقاق المطیع للمدح والثواب فلایحکم العقل به بعد وضوح أنّ العبد أتی بما هو وظیفته بالنسبة إلی مولاه مع أنّه بشراشر وجوده مدیون لمولاه ومتنعّم بإحسانه هذا مضافاً إلی أنّ التکالیف نافعة له لا للّه تعالی.

نعم یمکن أن یحکم العقل بأنّ المدح والأجر بالنسبة إلی المطیع فی محلّه لا بمعنی أنّ له حقّاً علی المولی.

ص:204

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ بعد جعل الثواب للإطاعة صار العبد بعمله مستحقّاً لما جعله المولی من المثوبة بحقیقة معنی الاستحقاق من جهة الجعل والقرار فلاتغفل.

التنبیه الثانی: فی استحقاق الثواب و العقاب بالنسبة إلی الواجبات والمحرّمات الغیریّة و عدمه و لاریب فی عدم استحقاقهما علی المقدّمات وإن قلنا باستحقاقهما علی ذیها من الواجبات والمحرّمات النفسیّة لخلوّ الغیریّات عن الأمر والنهی والمصالح والمفاسد من جهة نفسهما ومع فقدانهما عنهما فلایتصور لهما موافقة ولامخالفة ومع عدم تصوّرهما لامجال للثواب و العقاب بالنسبة الیهما.

ودعوی أنّ من یأتی بالمقدّمة بقصد التوصّل إلی ذیها یراه العقلاء متلبّساً بامتثال الواجب النفسیّ ومستحقّاً للمدح و الثواب فی ذلک الحین وإن لم یکن مشتغلاً بنفس الواجب النفسیّ.

کما أنّ من لم یأت بشیء من مقدّماته فی الوقت الذی یلزم الامتثال فیه یرونه متلبّسا بعصیانه ومستحقّاً للذمّ والعقاب وهذا المدح و الثواب و الذمّ و العقاب من رشحات ثواب الواجب النفسیّ فیستحقّهما بالشروع بإتیان المقدّمات.

مندفعة بأنّ الاشتغال بالواجب النفسیّ أو الحرام النفسیّ لایصدق إلّا بالشروع فیه نفسه لا مقدّماته وإطلاق الشروع بإتیان المقدّمات أو بترک بعض المقدّمات من باب المجاز والأُول والمشارفة هذا مضافاً إلی أنّ مجرّد الاشتغال بالواجب النفسیّ قبل الإتیان به لایوجب استحقاق شیء إذ الأجر ثابت علی الإتیان بمتعلّق الأمر ولایتحقق ذلک إلّا بإتمام الواجب ومع عدم موجب استحقاق الثواب بالنسبة إلی ذی المقدّمة کیف یترشّح إلی المقدّمات وهکذا لایصدق الاشتغال بالحرام ما لم یأت بنفس الحرام.

نعم یمکن أن یقال: استحقاق ثواب الامتثال أو استحقاق العقاب وإن کان لامجال لهما

ص:205

فی الواجبات و المحرّمات الغیریّة قبل الإتیان بالواجبات النفسیّة أو قبل ارتکاب المحرّمات النفسیّة ولکنّ الاستحقاق بمعنی ثواب الانقیاد وأهلیّة المدح بسبب الاشتغال بمقدّمات الواجبات النفسیّة أو بسبب ترک مقدّمات المحرّمات النفسیّة غیر بعید لأنّ الاستحقاق بالمعنی الثانی لایتقوّم بإتیان الواجبات النفسیّة أو بترک المحرّمات النفسیّة والوجدان قاض بالفرق بین من قصد الحجّ وأتی بمقدّمات السفر و شرع فی السفر و لم یدرک الحجّ و بین من لم یقصده ولم یأت بمقدّماته ولم یسافر و ملاک الفرق لیس إلّا الانقیاد.

وهکذا نجد الفرق بین من ترک جمیع مقدّمات الحرام و بین من أتی ببعضها ولکنّ یمنعه مانع عن الإتیان بالحرام هذا کلّه مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة الواردة فی جعل الثواب علی مقدّمات بعض الواجبات أو المستحبّات مثل ماورد من الثواب فی المشی نحو أقامة الصلاة فی المساجد أو نحو أقامة صلاة الجمعة أو ماورد من الثواب علی کلّ خطوة من الخطوات التی یأتی بها قاصد زیارة مولانا الحسین علیه السلام.

فإنّ مع ورود الثواب یستحقّه تابعاً لما ورد من الثواب علی المقدّمات من باب الجعل و القرار و الوعد کما لایخفی.

التنبیه الثالث: فی الاشکال ودفعه فی الطهارات الثلاث.

أمّا الإشکال فهو أنّ بعدماً عرفت من أنّه لامثوبة و لاقربة فی امتثال الأوامر الغیریّة لخلوّها عمّا یصلح لهما کیف یکون حال الطهارات الثلاث التی لاشبهة فی مقرّبیّتها وترتّب المثوبة علیها مع أنّها من الأوامر الغیریّة بالنسبة إلی ما تشترط فیه.

فإن کان منشأ لعبادیّتها هو تعلّق الأوامر النفسیّة بها.

ففیه أنّه ممنوع أوّلاً: فی مثل التیمّم لعدم کونه مستحبّا نفسیّاً.

ص:206

وثانیاً: أنّ الأمر الاستحبابیّ لایبقی مع تعلّق الأمر الغیریّ لتضادّهما.

وثالثاً: إنّ الاستحباب النفسیّ لایساعد مع کفایة الإتیان بها من دون التفات إلی أوامرها النفسیّة.

وإن کان منشأ لعبادیّتها هو الأمر الغیریّ المتوجّه إلیها لزم الدور لأنّ الأمر الغیریّ یتوقّف علی عبادیّتها والمفروض أنّ عبادیّتها متوقّفة علی تعلّق الأمر الغیریّ بها وهو دور.

وأمّا الدفع فعلی تسلیم کون المنشأ لعبادیّة الطهارات الثلاث هو الأمر النفسیّ فبأن یقال: یمکن أن یکون التیمّم مستحبّا نفسیّاً لإطلاق قوله علیه السلام التیمّم أحد الطهورین فتأمّل کما یمکن أن یجتمع الوجوب والاستحباب بناء علی أنّ اختلافهما فی حدّ الرجحان وعلیه فحدّ الاستحباب النفسیّ وإن زال بتحقّق الوجوب الغیریّ إلّا أنّ أصل الرجحان لاموجب لانعدامه.

هذا مع وضوح عدم المنافاة بین کون الطهارات الثلاث مستحبّات نفسیّة وبین جواز الاکتفاء بقصد أمرها الغیریّ لأنّ الأمر الغیریّ لایدعو إلّا إلی متعلّقه والمفروض أنّ متعلّق الأمر الغیریّ مستحبّ نفسیّ فقصد الأمر الغیریّ یرجع إلی قصد المستحبّ النفسیّ.

ولکن لقائل أن یقول إنّ لازم ما ذکر فی الدفع بناء علی تسلیم کون الطهارات الثلاث عبادات نفسیّة هو بطلان الطهارات الثلاث لو أتی بها بداعی أمرها الغیریّ مع الغفلة عن عبادیّتها بالکلّیّة مع أنّ ارتکاز المتشرّعة علی الصحّة فیما إذا أتی بها مع الغفلة عن کونها عبادات نفسیّة فهو یکشف عن أنّ حلّ الإشکال لیس من ناحیة کون الطهارات عبادات نفسیّة.

وأمّا الدفع علی تقدیر عدم ثبوت الاستحباب النفسیّ کما هو الظّاهر فبأن یقال إنّ عبادیّة الطهارات الثلاث لیست من ناحیة قصد الأمر الغیریّ حتّی یدّعی أنّه دور إذ لاأثر لذلک فی کلمات الأصحاب هذا مضافاً إلی أنّه لو کان لقصد الأمر الغیریّ مدخلیّة فی

ص:207

عبادیّتها فلامجال لدعوی الاتّفاق فی عبادیّة الطهارات الثلاث حتّی مّمن لم یقل بوجوب المقدّمات شرعاً ولم یر الاستحباب النفسیّ للطهارات الثلاث إذ لا موجب عنده حینئذٍ لعبادیّتها لأنّ المفروض عنده عدم وجود الأوامر النفسیّة و عدم ثبوت الأمر الغیریّ الشرعیّ.

فالوجه فی عبادیّتها هو قصد التوصّل بها إلی غایاتها سواء قیل بوجوب المقدّمة شرعاً أو لا إذ مع قصد التوصّل إلی أحدی الغایات حصل الانقیاد و أهلیّة المدح و الثواب و حیث لادلیل علی اعتبار قصد القربة إلّا الإجماع و نری أنّهم اکتفوا فی عبادیّتها بقصد التوصّل إلی احدی الغایات نستکشف من ذلک أنّ مرادهم من عبادیّتها هی ذلک لاغیر.

وعلیه فالفرق بین الطهارات الثلاث و غیرها من المقدّمات لیس إلّا فی اعتبار عبادیّتها بالإتیان بها بقصد التوصّل إلی غایاتها فی الطهارات الثلاث دون غیرها فاللازم فی تحقّق عبادیّة الطهارات الثلاث هو أن یؤتی بها للغایات لابدون قصد التوصّل بها إلی الغایات فعبادیّة الطهارات الثلاث تتحقّق بقصد التوصّل بها إلی ذی المقدّمة لا بقصد أمرها الغیریّ الترشّحیّ.

ثمّ إنّه لادلیل تامّ علی استحباب الطهارات الثلاث نفسا لضعف ما استدلّ لذلک دلالة وسنداً.

وأشرنا إلی ذلک هنا و التفصیل موکول إلی محلّه وهو الفقه فاللازم فی تحقّق عبادیّة الطهارات الثلاث هو أن یؤتی بها للتوصّل إلی إحدی غایاتها.

المقام التاسع: فی تبعیة وجوب المقدمة عن وجوب ذیها

و لایخفی ان وجوب المقدمة بناء علی ثبوت الملازمة تابع فی الخصوصیات من الاطلاق و الاشتراط لوجوب ذیها و ذلک فی غایة الوضوح و الوجه فیه ان وجوب المقدمة من رشحات وجوب ذیها کمالایخفی.

ص:208

المقام العاشر: فی ما هو الواجب فی باب المقدّمة
اشارة

والمشهور ذهبوا إلی أنّ الواجب هو ذات المقدّمة من دون اعتبار أی قید فیه وفی قباله اعتبار خصوص ما قصد به التوصّل إلی ذی المقدّمة أو خصوص ما یکون موصلاً.

دلیل المشهور

یدلّ علی ما ذهب إلیه المشهور تعریف المقدّمة الواجبة بأنّه هی ما لولاها لما أمکن حصول ذی المقدّمة إذ ذات المقدّمة ممّا لایتمکّن من ذی المقدّمة بدونها فالواجب هو ذات المقدّمة لتوقّف ذیها علیها.

اورد علیه بأنّ هذا التعریف یصدق علی أحد المتلازمین أیضاً إذ لایتمکّن من کلّ واحد إلّا بوجود الآخر مع أنّه لیس بمقدّمة واجبة.

هذا مضافاً إلی شهادة الوجدان علی عدم مطلوبیّة المقدّمة إذا کانت منفکّة عن ذیها ولذا نری العقلاء یحکمون من دخل فی دار الغیر عند غرق مؤمن فیها لداعی التنزّه مع أنّه ممّا یتوقّف علیه الإنقاذ ویجوز أن یصرّح الأمر الحکیم بأنّی لا أرید ما لایتوصّل إلی الواجب.

فیعلم من ذلک أنّ ملاک مطلوبیّة المقدّمة لیس مجرّد التوقّف فدعوی أنّ الواجب هو ذات المقدّمة لادلیل له وإن ذهب المشهور إلیه فلاتغفل.

دلیل اعتبار القصد

واستدلّ لدخالة قصد التوصّل فی مصداقیّة المقدّمة للواجب بأمرین:

أحدهما: رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة فی الأحکام العقلیّة ومقتضی ذلک أنّ الواجب بحکم العقل هو المتوصّل لا ذات الشیء لغایة التوصّل.

اورد علیه بأنّ الأحکام العقلیّة علی قسمین:

أحدهما: العملیّة ومبادیها هو بناء العقلاء علی الحسن والقبح ومدح فاعل بعض

ص:209

الأفعال وذمّ فاعل بعضها الآخر وموضوع الحسن مثلاً التأدیب لا الضرب لغایة التأدیب إذ لیس هناک بعث من العقلاء لغایة بل مجرّد بنائهم علی المدح والممدوح هو التأدیب لا الفعل بغایة التأدیب.

وثانیهما: النظریة ولاتتکفّل فیه إلّا الإذعان بالواقع والمقام من قبیل الثانی إذ من الواضح أنّ العقل لایتکفّل فیه إلّا الإذعان بالواقع ولیس هو إلّا الإذعان بالملازمة بین الإرادتین لا أنّه حکم ابتدائیّ بوجوب الفعل عقلاً حتّی لایکون له معنی إلّا الإذعان بحسنه و حیث لابعث ولازجر من العاقلة ینتج أنّ الحسن فی نظر العقل هو المتوصّل لا الفعل لغایة التوصّل.

یمکن أن یقال: إنّ الإدراکات العقلیّة یعبّر عنها بالأحکام العقلیّة وهذه الأحکام إذا کانت معلّلة بحیثیّات ترجع تلک الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة سواء کانت عملیّة أو نظریّة وحکم العقل العملیّ بحسن الفعل للتأدیب متصوّر کحکمه بحسن التأدیب ولافرق بینهما إلّا فی أنّ الأوّل ینتهی إلی الثانی دون الثانی فإنّه لاینتهی إلی الأوّل ومع تصوّر الحکم بحسن الفعل للتأدیب یشمله ما ذکر من أنّ أحکام التعلیلیّة العقلیّة ترجع إلی التقییدیّة.

وهکذا یکون حکمه بتلازم إرادة ذی المقدّمة لإرادة المقدّمات من جهة التوصّل بها إلیها ینتهی إلی الحکم بتلازم إرادة ذی المقدّمة مع إرادة المقدّمة المتقیّدة بالتوصّل بها إلیها ولافرق فی ذلک بین أن یعبّر عن الحکم المذکور بالإذعان أولا یعبّر لأنّ الإذعان أیضاً حکم من الأحکام ولو سلم أنّه لیس بحکم فنفس الإذعان والإدراک أیضاً یکون کالحکم فی رجوع الحیثیّات التعلیلیّة إلی الحیثیّات التقییدیّة ولاخصوصیّة للحکم بمعناه الاصطلاحیّ.

ص:210

نعم یمکن أن یقال: بأنّ علّة الحکم أو جهة الإدراک لیس عنوان قصد التوصّل بل هی کما سیأتی نفس التوصّل والإیصال فلاتغفل.

وأمّا ما یقال من أنّ الجهات التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة وإن ترجع إلی الجهات التقییدیّة إلّا أنّه أجنبیّ عن محلّ الکلام فی المقام لأنّ وجوب المقدّمة عقلاً بمعنی اللابدّیّة خارج عن مورد النزاع و غیر قابل للإنکار و إنّما النزاع فی وجوبها شرعاً الکاشف عنه العقل و کم فرق بین الحکم الشرعیّ الذی کشف عنه العقل والحکم العقلیّ والجهات التعلیلیّة فی الأحکام الشرعیّة لاترجع إلی الجهات التقییدیّة.

ففیه أنّ العقل إذا کشف عن حکم بملاکه العقلیّ لایمکن أن یکشف أوسع أو أضیق من ملاکه و لاموضوع آخر غیر حیثیّة الملاک.

وثانیهما: إنّ التوصّل إذا کان بعنوانه واجباً فما لم یصدر هذا العنوان عن قصد و اختبار لایقع مصداقاً للواجب وإن حصل منه الغرض مع عدم القصد و العمد إلیه.

أورد علیه بأنّ الممدوح علیه هو التأدیب بالحمل الشایع کما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشایع إلّا أنّ التأدیب بالحمل الشایع اختیاریّة بقصد عنوان التأدیب لا باختیاریّة الضرب فإنّه إذا صدر الضرب فقط بالاختیار لم یصدر منه تأدیب اختیاریّ بخلاف التوصّل بالحمل الشایع فإنّ عنوانه لاینفکّ عن المشی إلی السوق فإذا صدر المشی بالاختیار کان توصّلاً أختیاریّاً من دون لزوم قصد عنوان التوصّل.

ووجّه بعض الأعلام اعتبار قصد التوصّل من بعض الفحول بأنّ مراده فیما إذا وقعت المزاحمة بین الوجوب الغیریّ و الحرمة النفسیّة کما إذا توقّف واجب نفسیّ کإنقاذ الغریق مثلاً علی مقدّمة محرّمة بنفسها کالتصرّف فی مال الغیر فبطبیعة الحال تقع المزاحمة بین الوجوب الغیریّ و الحرمة النفسیّة وعلیه فإن جاء المکلّف بالمقدّمة قاصداً بها التوصّل

ص:211

إلی الواجب النفسیّ ارتفعت الحرمة عنها لأهمیّة الإنقاذ من التصرّف فی مال الغیر فلا محالة یوجب سقوط الحرمة عنه وأمّا إن جاء بها لا بقصد التوصّل بل بقصد التنزّه فلاموجب لسقوط الحرمة عنه أبداً.

ویمکن أن یقال: إنّ مناط مطلوبیّة المقدّمة هو وقوعها فی طریق الإنقاذ ولو لم یکن مع قصد التوصّل وعلیه ففی صورة المزاحمة لا دخل لقصد التوصّل و إنّما المدخلیّة لنفس التوصّل فالسلوک فی الأرض المغصوبة إذا وقع فی طریق الإنقاذ لایکون محرّماّ بداهة أنّه لایعقل بقاؤه علی حرمته مع توقّف الواجب الأهمّ علیه و لافرق فی ارتفاع الحرمة عنه عن خصوص هذه المقدّمة بین أن یکون الآتی بها قاصداً للتوصّل بها إلی الواجب المذکور أم لا غایة الأمر أنّه إذا لم یکن قاصداً بها التوصّل کان متجرّیاً.

وأمّا إذا لم یقع السلوک فی طریق الإنقاذ فبقی حرمته علی حالها ضرورة أنّه لاموجب ولامقتضی لارتفاع الحرمة أصلاً فإنّ المقتضیّ لذلک وقوع المقدّمة فی طریق الوصول إلی الواجب الأهمّ والمفروض هو عدمه فمع عدم وجوبها لاتقع المزاحمة مع حرمتها فی نفسها کما لایخفی فتحصّل أنّه لادلیل علی اعتبار قصد التوصّل.

دلیل اعتبار الإیصال

ذهب صاحب الفصول قدس سره إلی أنّ مقدّمة الواجب لاتتّصف بالوجوب والمطلوبیّة من حیث کونها مقدّمة إلّا إذا ترتّب علیها وجود الواجب بحیث إذا وقعت المقدّمة مجرّدة عن وجود الواجب تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبیّة لعدم وجودها علی الوجه المعتبر فالتوصّل بها إلی الواجب من قبیل شرط الوجود لها لا من قبیل شرط الوجوب و هذا عندی هو التحقیق الذی لامزید علیه و إن لم أقف علی من یتفطّن له.

واستدلّ له بوجوه منها: إنّ العقل لایدلّ علی أزید من ذلک و هو ظاهر لأنّ مناط

ص:212

المطلوبیّة الغیریّة منحصر فی المقدّمات الموصلة لاغیرها و العقل لایحکم بالوجوب بدون المناط و علیه فلایدلّ علی أزید من ذلک و بعبارة اخری أنّ الغایات فی الأحکام العقلیّة تکون عناوین موضوعاتها.

فالتوصّل غایة حکم العقل بوجوب المقدّمة و مرجعه إلی أنّ موضوع حکم العقل بوجوب المقدّمة هو المقدّمة الموصلة لا ذات المقدّمة.

ومنها: تجویز العقل أن یصرّح الأمر الحکیم بأنّی لا ارید إلّا الموصلة و هو شاهد علی أنّ دائرة حکم العقل هی الموصلة و إلّا فلا مجال لتجویز ذلک إذ لا تخصیص فی الأحکام العقلیّة.

ومنها: حکم العقلاء باستحقاق المذمّة فیمن دخل فی الدار المغصوبة لغیر الإنقاذ الواجب مع أنّ الدخول فیها من مقدّمات الإنقاذ ولیس ذلک إلّا لشرطیّة التوصّل فی تحقّق المقدّمة الواجبة و إلّا فلامجال لاستحقاق المذمّة لأنّ الدخول فی الدار المغصوبة یکون ممّا یتوقّف علیه الإنقاذ الواجب.

ومنها: الارتکاز و الوجدان حیث کان مقتضاهما هو وجوب خصوص هذا القسم الملازم لوجود الواجب فی الخارج بداهة أنّ من أشتاق إلی شراء اللحم مثلاً فلامحالة یحصل له الشوق إلی صرف مال واقع فی سلسلة مبادئ وجوده لامطلقاً و لذا لو فرض أنّ عبده صرف ماله فی جهة اخری لا فی طریق امتثال أمره بشراء اللحم لم یعدّ ممتثلاً للأمر الغیریّ بل یعاقبه علی ذلک.

واستشکل القوم علیه بوجوه:

أحدها: أنّ الغرض الداعی إلی وجوب المقدّمة لیس إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدّمة ضرورة أنّه لایکاد یکون الغرض إلّا ما یترتّب علیه من فائدته و

ص:213

أثره و لایترتّب علی المقدّمة إلّا ذلک و لا تفاوت فیه بین ما یترتّب علیه الواجب وبین ما لایترتّب علیه أصلاً.

اجیب عنه بأنّ هذا المعنی السلبیّ التعلیقیّ (أعنی أنّ الغرض لیس إلّا حصول ما لولاه لما أمکن حصول ذی المقدّمة) لیس أثر وجود المقدّمة و لاهو متعلّق الغرض کما أنّ إمکان ذی المقدّمة ذاتاً وقوعیّاً وکذا التمکّن منه غیر مترتب علی وجود المقدّمة بل إمکانه مطلقاً و القدرة علیه یتّبع إمکان المقدّمة و القدرة علیها لا وجودها فذو المقدّمة لایوجد بدونها لا أنّه لایمکن بدونها أو لایتمکّن منه بدونها.

فجعل التمکّن من ذی المقدّمة من آثار الإتیان بالمقدّمة کما تری لوضوح أنّ التمکّن المذکور من آثار التمکّن من الإتیان بالمقدّمة لا من آثار الإتیان بالمقدّمة أو إیجابها فالغرض من الإیجاب هو الإیصال و إلّا فنفس التمکّن من ذی المقدّمة حاصل قبل الإیجاب و لاحاجة إلی إیجاب المقدّمة أو إلی إتیانها.

ثانیها: نمنع جواز تصریح الأمر الحکیم بأنّی ارید الحجّ واُرید المسیر الذی یتوصّل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصّل به إلیه لثبوت مناط الوجوب فی مطلقها و دعوی أنّ الضرورة قاضیة بجواز ذلک مجازفة.

اجیب عنه بمنع ثبوت مناط الوجوب فی غیر صورة الإیصال و مع عدم وجود المناط لیست دعوی الضرورة قاضیة بجواز التصریح المذکور مجازفة.

وثالثها: أنّ الإیصال لیس أثر مجموع المقدّمات فضلاً عن إحدیها فی غالب الواجبات إذ الواجب فعل اختیاریّ یختار المکلّف تارة إتیانه بعد وجود تمام مقدّماته واُخری عدم إتیانه وعلیه فکیف یکون اختیار إتیانه غرضاً من إیجاب کلّ واحدة من مقدّماته مع عدم ترتّبه علی تمام المقدّمات فضلاً عن کلّ واحدة منها نعم إذا کان الواجب من

ص:214

الأفعال التسبّبیّة والتولیدیّة کان مترتّباً علی تمام مقدّماته لعدم تخلّف المعلول عن علّته.

وعلیه فالقول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی غالب الواجبات والالتزام بوجوب الإرادة فی الباقی التزام بالتسلسل.

واُجیب عنه بأنّ المراد من الإیصال أعمّ من الإیصال مع الواسطة فالقدم الأوّل بالنسبة إلی الحجّ قد یکون موصلاً ولو مع الوسائط إلیه أی یتعقّبه الحجّ وقد لایکون کذلک و الواجب هو الأوّل.

وأمّا الإشکال بالإرادة ففیه أوّلاً: انّ الإرادة قابلة لتعلّق الوجوب بها کما فی الواجب التعبدیّ.

وثانیاً: انّ الإشکال فیها مشترک الورود.

ورابعها: أنّه لو قلنا بعدم وقوع المقدّمة علی المطلوبیّة الغیریّة عند عدم حصول سائر ماله دخل فی حصولها لزم أن یکون وجود الغایة من قیود المقدّمة ومقدّمة لوقوع المقدّمة علی نحو یکون الملازمة معکوسة بین وجوب المقدّمة بذلک النحو و وجوب غایتها وهی ذو المقدّمة.

واُجیب عنه بمنع لزوم کون وجود ذی المقدّمة من قیود المقدّمة و مقدّمة لوقوع المقدّمة لأنّ عنوان الإیصال مأخوذ فی المقدّمات و لیس لوجود ذیها دخل فی ذلک إذ منشأ انتزاع الإیصال هو نفس المقدّمات عند بلوغها إلی حیث یمتنع انفکاکها عن ذیها لاوجود ذی المقدّمة أو ترتّبه فلاتغفل.

خامسها: أنّ الإتیان بالمقدّمة بناءً علی وجوب الموصلة لایوجب سقوط الطلب منها إلّا أن یترتّب الواجب علیها مع أنّ السقوط بالإتیان بالمقدّمة واضح فلابدّ أن یکون ذلک من جهة موافقة الأمر ومع الموافقة یستکشف عن أنّ الواجب هو مطلق المقدّمة ولو لم توصل إلی ذیها.

ص:215

واُجیب عنه بأنّا نمنع سقوط الأمر بمجرّد الإتیان بالمقدّمة ولو لم توصل إلی ذیها بعد فرض تعلّقه بالمقیّد وهو المقدّمة الموصلة إذ لایتحقّق المقدّمة الموصلة إلّا بوجود قیده کما فی المرکّبات فإنّ التحقیق فیها أنّ الأمر بها لایسقط إلّا بإتیان تمام أجزاء المرکّب.

اعتبار حال الإیصال

والظّاهر من الدرر و بدائع الأفکار أنّهما ذهبا إلی اعتبار المقدّمة فی ظرف الإیصال وحاله بنحو القضیّة الحینیّة فراراً من الإشکالات المتقدّمة بناءً علی اعتبار الإیصال بنفسه.

قال المحقّق الیزدیّ قدس سره إنّ الطلب متعلّق بالمقدّمات فی لحاظ الإیصال لامقیّداً به حتّی یلزم المحذورات السابقة والمراد أنّ الأمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها یریدها بذواتها لأنّ تلک الذوات بهذه الملاحظة لاتنفکّ عن المطلوب الأصلیّ ولو لاحظ مقدّمة منفکّة عمّا عداها لایریدها جزماً فإنّ ذاتها وإن کانت مورداً للإرادة لکنّ لما کانت المطلوبیّة فی ظرف ملاحظة باقی المقدّمات معها لم تکن کلّ واحدة مرادة بنحو الإطلاق بحیث تسری الإرادة إلی حال انفکاکها عن باقی المقدّمات وهذا هو الذی ذکرنا مساوق للوجدان ولایرد علیه ما أورد علی القول باعتبار الإیصال قیداً وإن اتّحد معه فی الأثر.

وفیه أنّه لاوجه لما ذهبا إلیه بعد ما عرفت من عدم لزوم المحذورات من اعتبار الإیصال وتقیید المقدّمات به لأنّ المراد من الإیصال لیس هو اعتبار وجود المتأخّر فی المتقدّم حتّی یلزم تجافی الموجود المتأخّر عن مرتبته بل المراد منه هو اعتبار بلوغ المقدّمات إلی حیث لاینفکّ المترتّب المتأخّر عنها. ومن المعلوم أنّ المقدّمات البالغة إلی تلک الحیثیّة تکون بنفسها منشأ لانتزاع الإیصال و لادخل لترتّب ذی المقدّمة علیها فی ذلک و إن کان الترتّب المذکور ملازماً لبلوغ المقدّمات إلی تلک الحیثیّة.

وعلیه فتقیید المقدّمات بالإیصال بالمعنی المذکور لامحذور فیه حتّی یحصل الاضطرار إلی العدول عنه.

ص:216

هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار حال الإیصال أیضاً لایخلو عن المحذور لأنّ الحال من الحیثیّات وقد عرفت أنّ الحیثیّة التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة ترجع إلی الحیثیّة التقییدیّة و علیه فلیس الواجب هو مطلق المقدّمة بل هو المقدّمة المتحیّثة بالحال المذکور فعادت الإشکالات والمحاذیر فتدبّر جیّداً.

الثمرة بین القولین

والأهمّ ممّا ذکروه من الثمرات هو جواز المقدّمة المحرّمة مطلقاً فیما إذا صارت مقدّمة للواجب الأهمّ بناءً علی القول بوجوب مطلق المقدّمة سواء ترتّب علیها الواجب أو لم یترتّب و جوازها فیما إذا ترتّب علیها الواجب الأهمّ بناءً علی تخصیص وجوب المقدّمة بالموصلة.

وهو واضح لأنّ حرمة المقدّمة ساقطة عن الفعلیّة بمجرّد مقدّمیّتها للواجب الأهمّ بناءً علی أنّ المقدّمة هو مطلقها سواء کانت موصلة أو غیر موصلة فصارت المقدّمة بعد سقوط الحرمة جایزة بل واجبة بمقتضی الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب المقدّمة المطلقة.

هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المقدّمة الواجبة لیس مطلقاً بل هی الموصلة إذ علیه لاتسقط المقدّمة عن الحرمة الفعلیّة إلّا إذا کانت موصلة.

وهذا الفرق یکفی فی الثمرة بین القولین.

وربّما یجعلون من الثمرات إمکان تصحیح العبارة إذا صارت ضدّاً للواجب الأهمّ بناءً علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة بخلاف ما إذا قلنا بأنّ المقدّمة المطلقة واجبة بتقریب أن یقال: إنّه إذا کان ترک الصلاة فی أوّل الوقت مقدّمة لواجب أهمّ کإزالة النجاسة عن المسجد مثلاً و قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فترک الصلاة واجب بناءً علی

ص:217

أنّ ترک الضدّ من المقدّمة لا المقارنات و مقتضی کون الترک واجباً من دون قید هو حرمة فعل الصلاة بناءً علی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ ومن المعلوم أنّ هذا النهی یوجب الفساد بناءً علی أنّ النهی الغیریّ کالنهی النفسیّ فی الدلالة علی الفساد عند عدم القول بالترتّب.

هذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة فالصلاة فی المثال المزبور لاتقع فاسدة فإنّ المقدّمة الواجبة بناءً علی هذا القول هو الترک الموصل لامطلق الترک و نقیض الترک الموصل هو رفعه أی ترک هذا الترک الخاصّ ومن المعلوم أنّ الرفع المذکور لیس عین الصلاة فی الخارج بل هو مقارن مع الفعل والترک المجرّد وعلیه فإذا وجب الترک الموصل حرم رفعه والحرمة من الرفع المذکور لایسری إلی مقارناته فلو عصی المکلّف ولم یأت بالأهمّ وهو الإزالة بل أتی بالصلاة کانت صلاته صحیحة لعدم کونها منهیّة.

ولکنّ الإنصاف أنّ سرایة الحرمة فی فرض کون المقدّمة مطلقة لاموصلة مبنیّة علی البناءات المذکورة و هی غیر ثابتة فمع عدم السرایة لافرق بین القولین ومع عدم الفرق لاوجه للحکم ببطلان الصلاة فی صورة کون وجوب المقدّمة مطلقاً فلاثمرة بین القولین لأنّ المفروض هو صحّة الصلاة علی کلا القولین.

فالأولی هو الاکتفاء بالثمرة الاُولی فی الفرق بین القولین فلاتغفل.

تذنیب فی کیفیّة استکشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ

ولایذهب علیک أنّ الثمرة فی المسألة الاُصولیّة هی اکتشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ من المسألة الاُصولیّة لاتطبیق المسألة الاُصولیّة علی مصادیقها وتطبیق الحکم الکلّیّ الفقهیّ علی موارده فإنّ کلیهما خارجان عن حقیقة الاستکشاف و الاستنباط وهذا الاکتشاف لایحصل إلّا بأن یجعل المسألة الاُصولیّة صغری للقیاس بأن یقال: فی مسألتنا

ص:218

کلّ مقدّمة یستلزم وجوب ذیها وجوبها وکلّ ما کان کذلک فهو واجب شرعاً فیستنتج منه أنّ کلّ مقدّمة واجب شرعاً و هو الحکم الکلّیّ الفقهیّ فالملازمة بین وجوب ذی المقدّمة والمقدّمة مسألة اصولیّة وجعلت صغری للقیاس وهی مع ضمیمة کلّ ما کان کذلک فهو واجب شرعاً یوجب کشف الحکم الکلّیّ الفقهیّ وهو أنّ کلّ مقدّمة واجب شرعاً.

وأمّا إذا جعلت مقدّمیّة الوضوء صغری القیاس و الحکم بوجوب کلّ مقدّمة شرعاً کبری القیاس فهو ینتج تطبیق الحکم الکلّیّ الفقهیّ علی مصادیقه و هو متوقّف علی الفراغ عن وجوب کلّ مقدّمة حتّی یصحّ القیاس المذکور.

أو جعلت المسألة الاُصولیّة وهی کلّ مقدّمة یستلزم وجوب ذیها وجوبها کبری القیاس ینتج أنّ الوضوء یستلزم وجوب ذیه وجوبه وهذا هو تطبیق المسألة الاُصولیّة الکلّیّة علی مصادیقها ولاینتج حکماً کلّیّاً فقهیّاً من وجوب کلّ مقدّمة شرعاً حتّی یکون نتیجة للقیاس.

وممّا ذکر یظهر ما فی المعروف من أنّ استکشاف الحکم الشرعیّ من المسألة الاُصولیّة یتوقّف علی جعل المسألة الاُصولیّة کبری للقیاس.

وذلک لما عرفت من أنّ جعل المسألة الاُصولیّة کبری للقیاس ینتج تطبیق المسألة الاُصولیّة علی مواردها لاکشف الحکم الکلّیّ الفقهیّ فلاتغفل.

تأسیس الأصل

ولایخفی علیک أنّه لا أصل بالنسبة إلی المسألة الاُصولیّة وهی نفس الملازمة لعدم حالة سابقة لها وجوداً وعدماً لأنّها إمّا ثابتة أزلاً أو معدومة أزلاً فالملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب المقدّمة إنْ کانت موجودة کانت کذلک أزلاً وإن لم تکن موجودة کان الأمر کذلک و الملازمة المذکورة لاتتوقّف علی فعلیّة الوجوب فی ذی المقدّمة حتّی یقال باعتبار فعلیّة الوجوب لها حالة سابقة فإنّ القضیّة الشرطیّة صادقة و إن لم

ص:219

یکن طرفاها موجودین بالفعل بل و إن کان ممتنعین کقولنا لو کان شریک الباری موجوداً لکان العالم فاسداً.

فإذا شککنا فی الملازمة فلامجال للرجوع إلی مقتضی الأصل فی المسألة الاُصولیّة وهی نفس الملازمة.

نعم یمکن جریان الاستصحاب الحکمیّ فی نفس وجوب المقدّمة لکون وجوبها مسبوقاً بالعدم إذ قبل تعلّق الوجوب بذی المقدّمة لم تکن المقدّمة واجبة حیث إنّ وجوبها حادثة بحدوث وجوب ذیها.

وعلیه فإن شکّ فی وجوب المقدّمة من ناحیة الشکّ فی وجود الملازمة وعدمه فمقتضی الاستصحاب هو عدم وجوب المقدّمة ودعوی أنّ وجوب المقدّمة علی تقدیر الملازمة من قبیل لوازم الماهیّات التی لیست مجعولة لا بالجعل البسیط الذی هو مفاد کان التامّة و لابالجعل التألیفیّ الذی هو مفاد کان الناقصة و لاأثر آخر لوجوب المقدّمة حتّی یمکن جریان الاستصحاب فیه باعتبار أثره الشرعیّ مندفعة بأنّ وجوب المقدّمة مجعول بالعرض وبالتبع لوجوب ذی المقدّمة و هو کاف فی جریان الأصل کما فی الکفایة و فیه أنّ إرادة المقدّمة بحسب الوجود غیر إرادة ذیها ومع التعدّد والمغایرة لایکون الجعل بالعرض بل یجب تعدّد الجعل هذا مضافاً إلی أنّ الجعل العرضیّ لیس شیئاً منحازاً حتّی یجری فیه الأصل.

نعم یمکن أن یقال فی الجواب: وجوب المقدّمة من قبیل لوازم الوجود لا لوازم الماهیّة إذ لیست إرادة المقدّمة بالنسبة إلی إرادة ذیها کالزوجیّة بالإضافة إلی الأربعة و إلّا فنفس وجوب ذی المقدّمة کافٍ فی وجود وجوب المقدّمة إذ لا وجود للازم الماهیّة غیر وجودها مع أنّ ارادة المقدّمة بحسب الوجود غیر إرادة ذیها فیمکن جریان الأصل فیها.

لایقال: لامجال لجریان الاستصحاب فی نفس وجوب المقدّمة مع الشکّ فی وجود

ص:220

الملازمة و عدمها لمنافاته مع الملازمة بناءً علی ثبوتها فی الواقع إذ یستلزم التفکیک بین المتلازمین سواء قلنا بأنّ وجوب المقدّمة من باب لوازم الماهیّة أو لوازم الوجود والتفکیک بین المتلازمین محال ومع الاستحالة لامجال لإطلاق أدلّة الاستصحاب.

لأنّا نقول: لاوجه لرفع الید عن إطلاق الدلیل لمجرّد احتمال الاستحالة لأنّ احتمال الاستحالة لیس بمانع بل المانع هو إحراز الاستحالة وهو لم یثبت فالدلیل الظّاهر فی شمول المورد حجّة علی التعبّد به ما لم تقم حجّة علی خلافها واحتمال الاستحالة غیر حجّة فلایمنع عن تصدیق الحجّة.

فتحصّل: أنّه لا أصل بالنسبة إلی نفس الملازمة ولکن یجری الأصل الحکمیّ بالنسبة إلی وجوب المقدّمة عند وجوب ذیها فلاتغفل.

أدلّة وجود الملازمة

استدلّوا علی وجود الملازمة بوجوه:

منها: شهادة الوجدان علی وجود الملازمة بین طلب ذی المقدّمة وطلب المقدّمة بتقریب أنّ من راجع وجدانه وأنصف من نفسه یقطع بثبوت الملازمة بین الطلب المتعلّق بالفعل والطلب المتعلّق بمقدّماته ولیس المراد تعلّق الطلب الفعلیّ بها. کیف والبداهة قاضیة بعدمه لجواز غفلة الطالب عن المقدّمة بل کیفیّة الطلب التقدیریّ کما یکفی ذلک فی الواجبات النفسیّة ولذا لو غرق ولد المولی وهو لایعلم لزم علی العبد الملتفت إنقاذ ابن المولی بحیث لو لم ینقذ عدّ عاصیاً واستحقّ العقاب ولیس ذلک إلّا لکفایة الطلب التقدیریّ فکما أنّ الطلب التقدیریّ یکفی فی الواجبات النفسیّة فکذلک یکفی فی الواجبات الغیریّة.

أورد علیه بأنّ الوجدان من أقوی الشواهد علی عدم تعدّد البعث من قبل المولی بتعدّد المقدّمات شرعاً بداهة أنّه بعد مراجعة الوجدان لانری إلّا بعثاً واحداً ولو سئل

ص:221

المولی بعد ما أمر بشیء له مقدّمات هل لک فی هذا الموضوع أمر واحد أو أوامر متعدّدة فهل تراه یقول إنّ لی أوامر متعدّدة لا بل یجیب بأنّ لی بعثاً واحداً و طلباً فارداً متعلّقاً بالفعل المطلوب.

نعم لاننکر أنّ العقل یحکم بوجوب إتیان المقدّمات حفظاً لغرض المولی وتمکّناً من إتیانه ولکنّ أین هذا من الوجوب الشرعیّ والطلب المولویّ؟.

ولذا لو التزم المولی بأن یعطی بإزاء کلّ أمر امتثله العبد دیناراً فامتثل العبد أمراً صادراً عنه متعلّقاً بفعل له ألف مقدّمة مثلاً فهل تری للعبد أن یطالب المولی بأکثر من دینار واحد و هذا شاهد علی أنّه لابعث للمولی بالنسبة إلی المقدّمات بل لو بعث إلیها بما هی مقدّمة یکون البعث نحوها عین البعث نحو ذیها.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الوجدان یشهد علی وجود الإرادة التشریعیّة عند التفات المولی إلی المقدّمات و عدم کونه بلا تفاوت بالنسبة إلی الإتیان بالمقدّمات و عدمه کما أنّ الأمر کذلک بالنسبة إلی الإرادة التکوینیّة فإنّ من أراد شیئاً أراد مقدّماته و عدم تحقّق البعث أو عدم تعدّده نحو المقدّمات لایکشف عن عدم وجود الإرادة المولویّة بالنسبة إلیها للاکتفاء فی ذلک بالبعث نحو ذیها فإنّ البعث نحوها بعث نحو مقدّماتها بالملازمة المذکورة.

واحتمال أن تکون الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات من باب اللابدّیّة العقلیّة لا المولویّة مندفع بأنّ اللابدّیّة العقلیّة لیست إلّا إدراک الضرورة لا الإرادة و المفروض فی المقام هو وجدان إرادة المقدّمات بتبع إرادة ذیها وهذه الإرادة تشریعیّة لا إرشادیّة ولذا لو رأی المولی تأخیر العبد فی تحصیل المقدّمات نادی بأعلی صوت بالأمر بالإتیان مع التأکیدات اللازمة حتّی لایفوت المطلوب الأوّلیّ و لایکتفی فی ذلک بمجرّد إظهار

ص:222

النصح و الإرشاد إلی ما فی نفس الشیء من الصلاح و الفساد و هذا أحسن شاهد علی أنّ الإرادة تشریعیّة لا إرشادیّة.

وقول الأمر بأنّ لی بعثاً واحداً لاینافی وجدان الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات فإنّ الأمر نفی الأمر النفسیّ بالمقدّمات و هو کذلک إذ لایدّعی وجود أوامر أو إرادات نفسیّة بالنسبة إلی المقدّمات بل الأوامر الغیریّة أو إرادة غیریّة مورد الکلام نحن ندّعی الوجدان علی وجود إرادات غیریّة ولو تقدیراً. ولایصحّ فی مثل ذلک دعوی البداهة علی عدم وجود إرادات غیریّة.

وأمّا الاستشهاد بأنّ المولی عند التزامه بإعطاء الدینار عند امتثال کلّ أمر من أوامره لم یعط الممتثل أکثر من دینار واحد ولو کان لمورد الامتثال مقدّمات عدیدة.

ففیه أنّه تابع لما التزمه المولی فإنّه إن التزم بإعطاء الدینار علی امتثال الأمر النفسیّ فلیس علیه إلّا الدینار الواحد وأمّا إذا التزم بامتثال الأمر ولو کان غیریّاً فعلیه ألف دینار.

أورد علیه أیضاً بأنّ الضرورة قاضیة بعدم إرادة البعث نحو المقدّمات لعدم تحقّق البعث فی غالب الموارد و علیه فلو کانت الإرادة بالنسبة إلیها موجودة یلزم تفکیک الإرادة عن معلولها و هو البعث و حیث إنّ التفکیک بین العلّة و المعلول محال فإرادة البعث غیر حاصلة وتعلّق الإرادة بنفس عمل الغیر غیر معقول وغیر مقدور لأنّ عمل التشریعیّة تابعة للإرادات التکوینیّة فکما أنّ المولی إذا أراد نفسه شیئاً أراد مقدّماته بالوجدان فکذلک یکون إذا أراد شیئاً عن غیره لأنّ ذلک من شؤون إرادة ذی المقدّمة.

ورابعاً: إنّ احتمال أن یکون إرادة المقدّمة من باب کون المولی أحداً من العقلاء واللابدّیّة العقلیّة مندفع بأنّ اللابدّیّة العقلیّة هی درک الضرورة لا الإرادة والمفروض فی المقام هو وجدان الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات فی الإرادات التکوینیّة والتشریعیّة ولذا

ص:223

یرغب المولی ویحرّک نحوها إذا رأی أنّ العبد لم یأت بها وضاق وقت العمل.

وخامساً: إنّ الإرادة متعلّقة بالمقدّمات لابذیها حتّی یمکن حملها علی تأکید الإرادة المتعلّقة بذیها.

وسادساً: إنّ لزوم اجتماع الأمرین فی المقدّمة الداخلیّة مع عینیّتها مع المرکّب ممنوع بعد ما مرّ مراراً من أنّ الحیثیّات التعلیلیّة ترجع إلی الحیثیّات التقییدیّة ومع تعدّد الحیثیّة یتعدّد الموضوع باعتبارها ومع التعدّد لایجتمع الأمران فی شیء واحد فتحصّل أنّ الملازمة بین الإرادة المولویّة التشریعیّة لذی المقدّمة و الإرادة المولویّة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات متحقّقة کما تکون کذلک بالنسبة إلی الإرادات التکوینیّة بشهادة الوجدان وعلیه فما ذهب إلیه الشیخ والمحقّق الخراسانیّ وصاحب الوقایة و الدرّر و بدایع الأفکار و غیرهم من الفحول من وجود الملازمة لایخلو من وجه.

ثمّ لایخفی علیک أنّ ثبوت الملازمة بین الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی ذی المقدّمات وبین الإرادة التشریعیّة بالنسبة إلی المقدّمات لایستلزم أن یکون للمقدّمات ثواب وعقاب وإطاعة وعصیان علی حدّه لأنّ الإرادات الغیریّة تابعة للإرادات الأصلیّة فی الاُمور المذکورة.

ثمّ لایذهب علیک أنّه لاوجه للتفصیل فی المقدّمات بین الأسباب وغیرها والقول بوجوبها فی الاُولی دون الثانیة بدعوی أنّ التکلیف لایتعلّق إلّا بالمقدور والمقدور فی الاُولی هو الاسباب لا المسبّبات لما عرفت من أنّ المقدور بالواسطة مقدور و المسبّبات مقدورة بمقدوریّة أسبابها فلا إشکال فی تعلّق التکلیف بها و أیضاً لافرق فی المقدّمة بین العقلیّة وبین الشرعیّة إذ بعد ثبوت المقدّمیّة شرعاً تکون المقدّمة الشرعیّة کغیرها فی توقّف ذی المقدّمة علیها فیجری فیها أیضاً دعوی الملازمة لأنّ المفروض أنّ ذا المقدّمة لایتحقّق بدونها کالعقلیّة.

ص:224

مقدّمة المستحب

لاتختصّ دعوی الملازمة بکون المقدّمات مقدّمات الواجبات بل تجری فی مقدّمات المستحبّات أیضاً بعین الوجه المذکور فی الواجبات إذ من أراد شیئاً من غیره أراد مقدّماته کما فی الإرادات التکوینیّة من دون فرق بین أن یکون الشیء واجباً أو مستحبّاً.

مقدّمة الحرام أو المکروه

و لاخفاء فی أنّ المقدّمات الموصلة نحو الحرام أو المکروه محکومة بحکمها من الحرمة أو الکراهة بناءً علی الملازمة لشهادة الوجدان علی أنّ من أکره شیئاً أکره مقدّماته الموصلة من دون فرق بین أن تکون الإرادة تکوینیّة أو تشریعیّة إذ البغض للمعلول یلازم بغض العلّة وهی مجموع المقدّمات الموصلة و علیه فیکون کلّ مقدّمة من المقدّمات مبغوضة بمبغوضیّة العلّة وهی مجموع المقدّمات الموصلة و لا ملاک لمبغوضیّة کلّ واحدة من المقدّمات مع قطع النظر عن سائر المقدّمات ولو کانت المقدّمة هی الجزء الأخیر أو المقدّمة الأخیرة لإنّها مع قطع النظر عن غیرها لایترتّب علیها المبغوض الأصلیّ فلاوجه لتخصیص المبغوضیّة بالجزء الأخیر من العلّة التامّة مع عدم انفکاکه عن سائر الأجزاء والمقدّمات إذ المجموع بما هو المجموع هو العلّة التامّة نعم لو کانت المقدّمة الأخیرة غیر متلازمة مع وجود غیرها من المقدّمات اختصّت بالمبغوضیّة بعد وجودها کما لایخفی.

ص:225

ص:226

الفصل الخامس: فی أنّ الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟

اشارة

ویقع الکلام فی أُمور:

الأمر الأوّل: أّن المسألة أصولیّة لأنّ نتیجة المسألة تقع فی طریق الاستنباط ودعوی أنّها فقهیّة لأنّ البحث فیها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب و عدمه وهو بحث فقهیّ مندفعة بأنّ البحث لیس کذلک بل هو البحث عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء والنهی عن ضدّه و عدمه و هو بحث أصولیّ.

ثمّ إن تعنون المسألة بجهة أخری تصلح باعتبارها أن تکون من مبادی الأحکام لاینافی إدراجها فی المسائل الاُصولیّة باعتبار ثبوت الملازمة و عدمه کمالایخفی.

الأمر الثانی: أنّ هذه المسألة الاُصولیّة تکون من المسائل العقلیّة لا اللفظیّة لأنّ البحث لایختصّ بصورة ثبوت الأمر بلفظ و نحوه هذا مضافاً إلی أنّ الغرض من الإستلزام لیس إلّا فی عالم الواقع والحاکم بها لیس إلّا العقل و لاصلة للبحث المذکور بدلالة الألفاظ وعدمها ولعلّ ذکرها فی باب الألفاظ لعدم إفراد باب لخصوص المسائل العقلیّة هذا مضافاً إلی غلبة کون الواجبات من الأوامر اللفظیّة.

الأمر الثالث: انّ المراد من الضدّ فی المقام هو الضدّ الاُصولیّ لا المنطقیّ ولذا لایختصّ بالضدّ الوجودیّ بل یشمل مطلق مایعاند الشیء وینافیه ولو کان أمراً عدمیّاً کنقیض

ص:227

الشیء أعنی عدمه ولذلک یصحّ إطلاق الضدّ علی ترک کلّ ضدّ کالصلاة و الإزالة فی وقت واحد مع أنّ ترک الصلاة و الإزالة من النقیض و یسمّی الضدّ بالعامّ من جهة ملائمة ترک کلّ ضدّ مع اجتماعه مع واحد من الاضداد الخاصّة مثلاً ترک الإزالة یجتمع مع الصلاة و غیرها من الأکل والشرب و نحوهما و هکذا ترک الصلاة یجتمع مع الإزالة و غیرها من الأفعال.

کما یصحّ إطلاق الضدّ علی الضدّ الخاصّ بمعناه المنطقیّ و هو الذی لایلائم و لایجتمع مع غیره من الأضداد الوجودیّة کضدّیّة الإزالة مع الصلاة و بالعکس إذ الضدّان بالمعنی المنطقیّ أمران وجودیّان لا یجتمعان فی محلّ واحد.

الأمر الرابع: أنّ محلّ النزاع لیس فی الواجبین الموسّعین إذ لا مزاحمة بینهما کما لیس فی المضیّقین اللذین لا أهمّ بینهما إذ من المعلوم أنّ الحکم هو التخییر بینهما بل محلّ النزاع فی الموردین:

أحدهما: ما إذا کان أحد الواجبین موسّعاً والآخر مضیّقاً.

وثانیهما: هو ما إذا کانا مضیّقین ولکن کان أحدهما أهمّ من الآخر.

الأمر الخامس: فی استدلالاة القوم علی استلزام طلب الشیء و الأمر به للنهی عن ضدّه ویقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی الضدّ الخاصّ

واستدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّ ترک الضدّ الخاصّ مقدّمة للضدّ الآخر وحیث إنّ مقدّمة الواجب واجبة بناء علی وجوب المقدمة فترک الضدّ الخاصّ واجب فإذا کان ترک الضدّ واجباً کان فعله محرّماً وهو المطلوب إذ نتیجة القیاس أنّ الأمر بالشیء أو إرادته یستلزم النهی عن ضدّه ویمکن

ص:228

أن یقال: إنّ ترک الضدّ الخاصّ لیس من مقدّمات وجود الضدّ الآخر لأنّ الأمر العدمیّ لا حظّ له من الوجود حتّی یؤثّر فی وجود الضدّ الآخر فمع عدم کون ترک الضدّ مقدّمة لامجال لسرایة الوجوب من ذی المقدّمة إلیه کما لایخفی.

هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّه لا تقدّم ولاتأخّر بین الضدّین بما هما ضدّان وعلیه فنقیض کلّ واحد منهما وهو العدم البدیل للوجود أیضاً لا تقدّم له علی وجود الآخر وهذا معنی کونهما فی مرتبة واحدة. و علیه فلاتقدم لعدم أحدهما علی وجود الآخر فإذا لم یکن تقدّم لعدم البدیل بالنسبة إلی وجود الضد الآخر فلایکون عدم الضدّ من المقدمات حتّی یندرج فی وجوب المقدمات و ینتهی وجوب عدم الضدّ إلی النهی عن الضدّ.

وفیه مالایخفی لأنّ صرف کون عدم الضدّ بدیلاً لعین الضدّ لا یقتضی أن یکون فی رتبته لجواز أن یتقدّم علیه أو یتأخّر عنه طبعا بشهادة أنّ الشرط وجوده متقدّم بالطبع علی وجود مشروطه ومع ذلک لاتقدّم لعدمه البدیل علی وجود مشروطه بالطبع وأیضاً أنّ المعلول متأخّر عن العلّة رتبة وما هو متّحد معه وهو عدم البدیل له لایکون متأخّراً عن العلّة الموجودة مع أنّ المفروض أنّ عدم المعلول یکون فی مرتبة وجود المعلول.

وبالجملة فلاملازمة بین انتفاء التقدّم فی وجود الضدّین وبین انتفائه فی نقیضهما وعلیه فمع عدم الملازمة لایثبت عدم التقدّم لنقیض أحد الضدّین بالنسبة إلی الآخر فلا یصلح هذا الجواب لردّ من جعل نقیض کلّ واحد من الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر.

فالأولی هو أن یقال إنّ التقدّم والتأخّر والمقارنة والمعیّة من خواصّ الوجود والعدم لاحظّ له من الوجود حتّی یتصوّر فیه هذه الاُمور. وعلیه فعدم النقیض أو الضدّ فی عین عدم اختصاصه بمرتبة النقیض أو الضدّ لا تقدّم له من أنواع التقدّم ومع عدم التقدّم فلاوجه لتعلّق الوجوب المقدّمیّ إلیه.

ص:229

الوجه الثانی: أنّ وجود الضدّ متلازم لترک الضدّ الآخر والمتلازمان لایمکن اختلافهما فی الحکم بأن یکون أحدهما واجباً والآخر محرّماً وعلیه فإذا کان أحد الضدّین واجباً فلامحالة یکون ترک الآخر أیضاً واجباً وإلّا لکان المتلازمان مختلفین فی الحکم وهو خلف فإذا کان ترک الآخر واجباً ففعل نفس الآخر یکون محرّماً و هو المطلوب من استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه.

یمکن أن یقال: إنّ غایة مایدلّ علیه الدلیل المذکور هو أنّه لا یکون أحد المتلازمین محکوماً بغیر ما حکم به الآخر و لایستفاد منه أنّه محکوم بحکمه بل یمکن أن لایکون له حکم أصلاً وعلیه فالمحذور کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم فکذلک یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام و علیه فالالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی إقامة دلیل.

فتحصّل: أنّ الأمر بأحد الضدّین لایستلزم الأمر بترک الضدّ الآخر وإن کان کلّ ضدّ متلازماً مع ترک الآخر.

فمع عدم الإستلزام المذکور لایکون فعل الآخر حراماً حتّی یدّعی أنّه هو المطلوب.

المقام الثانی: فی الضدّ العامّ
اشارة

وتقریب الإستلزام فیه بأن یقال:

إنّ الأمر بالضدّ کالإزالة کقوله أزل النجاسة عین النهی عن الضدّ العامّ کقوله لاتترک الإزالة أو مشتمل علیه أو مستلزم له والضدّ العامّ هو الترک فإذا کان الترک منهیّاً عنه یسری النهی منه إلی محقّقاته و هی أضداد الإزالة و علیه فمثل الصلاة التی تکون من محقّقات ترک الإزالة منهیّ عنها ومن المعلوم أنّ النهی عن الصلاة بضمیمة أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد ینتج فساد الصلاة.

ص:230

ویمکن أن یقال أوّلاً: إنّا نمنع تعدّد الخطاب من الأمر والنهی بناءً علی أنّ النهی هو طلب الترک إذ الأمر هو طلب الفعل والنهی هو طلب الترک و هما یرجعان إلی أمر واحد لأنّ النهی عن الترک یرجع إلی طلب ترک الترک ومن المعلوم أنّ طلب ترک الترک عین طلب الفعل فلاتعدّد للخطاب. هذا مضافاً إلی عدم وجود الملاک لتعدّد الخطاب إذ لیس فی ترک الترک مصلحة غیر مصلحة الفعل حتّی یطلبها من دون فرق بین أن یکون النهی عین الأمر بالشیء أو جزءاً منه أو لازماً له.

وأمّا بناءً علی أنّ النهی بمعنی الزجر عن ترک الإزالة والأمر بمعنی البعث نحو الإزالة فلا اتّحاد بینهما لمغایرة البعث والزجر و تعدّد متعلّقهما فدعوی العینیّة و الاتّحاد مع مغایرتهما محال.

بل لامجال لدعوی الجزئیّة أیضاً بعد ما عرفت من مغایرة البعث والزجر هذا مضافاً إلی عدم کون الوجوب مرکّباً من طلب الفعل مع المنع من الترک بعد ما عرفت فی محلّه من بساطة الوجوب وإنّه أمر انتزاعی ینتزعه العقلاء من تعلّق الأمر بشیء من دون ترخیص فی ترکه.

کما لاوجه لدعوی اللزوم الواقعیّ بین الأمر بالضدّ والنهی عن ترکه لأنّ الصادر من المولی لیس إلّا الأمر ولیس فی جانب الترک مفسدة حتّی لزم علیه أن ینهی عنه باعتباره علی حدّه بل الترک هو ترک ما فیه المصلحة الملزمة الموجبة للأمر فیجوز التفکیک بین الأمر و النهی فی الاعتبار لأنّ کلّ واحدٍ منهما یحتاج إلی اعتبار مستقلّ و لاملازمة بین الاعتبارین.

وثانیاً: إنّ الأضداد الخاصّة وإن کانت متلازمة مع الترک فی الضدّ العامّ ولکنّها لیست من محقّقات الترک إذ الترک لازم لترک نقیضه وهی إرادة الإزالة کما انّ عدم المعلول لازم لعدم علّته.

ص:231

وثالثاً: إنّه لادلیل علی سرایة الحکم من أحد المتلازمین إلی الآخر غایته إنّه لیس محکوماً بحکم آخر.

ورابعاً: إنّ النتیجة علی تقدیر صحّة المقدّمات المذکورة ممنوعة لأنّ النهی الغیریّ لایدلّ علی مبغوضیّة العمل.

مقتضی الأصل

یقع الکلام فی المقامین: المقام الأوّل فی مقتضی الأصل بناءً علی مقدّمیّة ترک الضدّ و المقام الثانی فی مقتضاه بناء علی التلازم بین وجوب الضدّ ووجوب ترک الضدّ الآخر.

أمّا الأوّل: فلو شکّ فی المقدّمیّة وعدمها بالنسبة إلی ترک أحد الضدّین فلامجال للبراءة العقلیّة إذ لا عقاب علی المقدّمات کما لامجال للبراءة الشرعیّة لأنّ وجوب ترک الضدّ علی تقدیر المقدّمیّة تابع لوجوب ذیه فلایمکن رفع وجوبه مع حفظ وجوب ذیه و إلّا فیؤول الأمر إلی التبعیض فی الحکم العقلیّ وهو کما تری.

وأمّا علی الثانی: فلو شکّ فی الحکم بناء علی سرایة الحکم من متلازم إلی متلازم آخر فلامجال للأخذ بالبراءة العقلیّة لعدم وجود مصلحة توجب الحکم النفسی ولعدم العقاب علی الحکم الغیریّ.

وأمّا البراءة الشرعیّة فلامجال لها بعد کون الملازمة عقلیّة لعدم کون رفع وجوبه و وضعه بید الشارع حتّی تجری فیه البراءة الشرعیّة.

نعم لو قلنا بأنّ مفاد البراءة الشرعیّة هو رفع المواخذة لارفع الحکم فلامانع من جریان البراءة الشرعیّة إذ رفع المؤاخذة لاینافی کون الحکم عقلیّاً ولکن لیس مفاد البراءة الشرعیّة هو رفع المؤاخذة بل هو رفع جمیع الآثار برفع الحکم کما قرر فی محله.

ص:232

ثمرة المسألة

ربّما یقال إنّه بناء علی تمامیّة دعوی الملازمة بین الأمر بالشیء والنهی عن ضدّه کانت نتیجة المسألة هی النهی عن الضدّ و هذه النتیجة بضمیمة هذه الکبری وهی أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد تدلّ علی فساد الضدّ إذا کان عبادة کالصلاة وعلیه فیمکن أن نقول بأنّ کلّ عبادة صارت متزاحمة مع الأهمّ تکون محکومة بالفساد إن أتی بها فی وقت الإتیان بالأهمّ.

اورد علیه أوّلاً: بعدم انطباق تلک الکبری وهی أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد علی النهی عن الضدّ فی المقام لأنّ المراد من النهی المذکور فی تلک الکبری هو النهی النفسیّ الکاشف عن المفسدة أو البعد والمفروض فی المقام أنّ النهی لایکشف عن المفسدة ولایکون مبعّداً لأنّه نهی غیریّ بل العقل یحکم بتحقّق المصلحة الملزمة فی الضدّ المزاحم بالأهمّ إذ لا مزاحمة بین المقتضیات وإنّما التزاحم فی مقام الامتثال.

ومع عدم الانطباق لاینتج القیاس المذکور فساد العبادة إذا صارت متزاحمة مع الأهمّ.

وثانیاً: بأنّه لو سلّمنا کشف النهی الغیریّ عن المفسدة لایکفی مجرّد ذلک فی الحکم ببطلان فعل العبادة لإمکان مزاحمة مصلحة الفعل ذاتاً مع المفسدة المکشوفة بالنهی الغیریّ وغلبتها علیها.

ألا تری أنّ مصلحة الصوم فی یوم عاشوراء تتزاحم مع مفسدة التشابه ببنی أمیّة وتترجّح علیها ولذا یکون الصوم المذکور محکوماً بالصحّة وإن کان مکروهاً.

وعلیه فمجرّد کشف النهی الغیریّ عن المفسدة فی الفعل لایکفی فی الحکم ببطلان العبادة بل اللازم هو غلبة المفسدة الغیریّة المکشوفة علی مصلحة نفسیّة للعبادة وبالجملة فمع بقاء مصلحة العبادة علی ما هی علیها یکفی قصدها لتحقّق العبادة سواء قلنا باستلزام

ص:233

الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ أو لم نقل وسواء قلنا بکشف النهی الغیریّ عن المفسدة أو لم نقل وعلیه فلاثمرة للمسألة.

ودعوی أنّ فساد العبادة لایحتاج إلی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه لکفایة عدم الأمر فی الحکم بفساد العبادة والمفروض هو سقوط الأمر بمزاحمة الأهمّ.

فلا مجال لتصحیح العبادة فیما إذا کانت متزاحمة بالأهمّ سواء قلنا بالإستلزام أو لم نقل و سواء قلنا بکشف النهی عن المفسدة أو لم نقل.

وعلیه فلاثمرة للمسألة أیضاً کما عن شیخنا البهائی قدس سره لأنّ العمل علی کلّ حال محکوم بالفساد.

مندفعة: أوّلاً: بما عرفت من کفایة قصد الملاک فی تحقّق العبادة لأنّ إضافة العمل إلی المولی معیار تحقّق العبادة سواء کانت الإضافة قصد الأمر أو الملاک المحبوب للمولی و المتحقّق فی المقام هو وجود الملاک المحبوب فلا یلزم فی تحقّق العبادة قصد الأمر و علیه فلاوجه للحکم بفساد العبادة بمجرّد سقوط الأمر مع وجود الملاک نعم إن کان النهی علی تقدیر الإستلزام المذکور کاشفاً عن المفسدة الغالبة بالعبادة فالعبادة محکومة بالفساد وکفی به ثمرة.

وثانیاً: بأنّه لو سلّمنا الحاجة إلی قصد الأمر فی تحقّق العبادة أمکن إتیان الفرد المزاحم بداعی الأمر بالطبیعة المأمور بها لانطباق تلک الطبیعة علیه کانطباقها علی بقیّة الأفراد ضرورة أنّه لافرق بینه وبین غیره من الأفراد من هذه الجهة. نعم لو استلزم الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ کان المهمّ منهیّاً عنه فلاینطبق علیه المأمور به فلایکفی قصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة لأنّ المفروض عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه فلاوجه لإنکار الثمرة علی هذا القول.

وثالثاً: بوجود الأمر بناء علی إمکان الترتّب فإنّ الأمر بالمهمّ علی فرض إمکان

ص:234

الترتّب موجود و یصحّ قصده فیتحقّق الامتثال بقصده و تتمّ العبادة حتّی عند من اعتبر قصد الامتثال فی تحقّق العبادة.

الترتّب

وحیث انتهی الکلام إلی الترتّب ینبغی البحث عن إمکانه کما ذهب إلیه المحقّق الاصفهانی والسیّد محمّد الفشارکی والمیرزا الشیرازی وکاشف الغطاء وصاحب الوقایة وهدایة المسترشدین وغیرهم من الأعاظم.

وقد ذکروا تقریبات مختلفة لبیان إمکان الترتّب و الاحسن منها هو أن یقال:

إذا تزاحم أمران أحدهما أهمّ من الآخر فلایمکن أن یقتضی کلّ واحد متعلّقه بالفعل من دون ترتّب أحدهما علی عدم تأثیر الآخر لاستحالة فعلیّة مقتضاهما معاً لوجود التضادّ بینهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد کما لایمکن أن یتعلّق الأمر بالجمع بینهما من أوّل الأمر إذ لاواقع له و لایکون ممکناً بعد استحالته وعلیه فالتأثیر یکون للأهمّ بعد کونه مانعاً عن تأثیر المهمّ فمع فعلیّة التأثیر للأمر بالأهمّ لا تأثیر للأمر بالمهمّ.

نعم یمکن أن یکون: المقتضیان مترتّبین بأن یکون أحدهما وهو المهمّ لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الأهمّ فمع تأثیر الأهمّ لاموضوع لتأثیر المهمّ و مع عدم تحقّق موضوع التأثیر للأمر بالمهم یستحیل مانعیّته عن تأثیر الأمر المتوجّه بالأهمّ.

ومع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فلامانع من فعلیّة تأثیر الأمر بالمهمّ المعلّق علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ.

وعلیه فلاتضادّ بین الأمرین کما لاتضادّ بین الامتثالین بعد ترتّب تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر إذ لا جمع بینهما بعد کون المفروض هو تأثیر أحدهما عند عدم تأثیر الآخر وخلوّ المحلّ عنه فأین اجتماع الضدّین فی محلّ واحد.

ص:235

فالدافع لإشکال الجمع بین الضدّین هو عدم تأثیر دعوة الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو العزم علیه و إن کان له صلاحیّة الدعوة و التأثیر فی نفسه.

فإذا ورد الأمران أحدهما بالمهمّ والآخر بالأهمّ فلامجال لفعلیّة التأثیر فی کلیهما لأنّه یستلزم طلب الجمع بین الضدّین أمّا إذا علّق تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فلامحذور کما إذا قیل ان کنت فی حال عصیان الأهمّ أو عزمت علی العصیان فأت بالمهم فلایلزم الإشکال إذ لایکون الأمر بالمهمّ مزاحماً للأمر بالأهمّ عند تأثیر الأمر بالاهمّ لعدم تحقّق موضوع الأمر بالمهمّ حتّی یکون مزاحماً للأمر بالأهمّ کما أنّ الأمر بالأهمّ لایکون مزاحماً للأمر بالمهمّ فی حال عدم تأثیره کحال العصیان أو البناء والعزم علیه.

ولقد أفاد وأجاد فی نهایة الدرایة حیث قال إنّ الأمر بالاضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه فإذا کان المقتضیان المنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر والغرض من کلّ منهما فعلیّة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له فلامحالة یستحیل تأثیرهما وفعلیّة مقتضاهما وإن کان المکلّف فی کمال الانقیاد و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضین لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر فلامانع من فعلیّة الأمر المترتّب.

وحیث إنّ فعلیّة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه فلامحالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه إذ ما کان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیّة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضین إلّا من حیث التأثیر و إلّا فذوات المقتضیات بما هی لاتزاحم بینها انتهی.

فتحصّل: أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ أمر معقول وأمر عرفیّ وإن لم یکن بینهما رابطة العلّیّة والمعلولیّة لکفایة تأخّره عنه ولو بالتأخّر الطبعی کما إن شوب العصیان بالوجود یکفی فی صحّة جعله موضوعاً أو شرطاً للخطاب بالمهمّ.

ص:236

فأساس الترتّب مبنی علی ترتّب أثر الأمر بالمهمّ علی حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ و عدم تأثیره لأنّ حالة العصیان تلازم مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ الذی هو المانع من تأثیر الأمر بالمهمّ فإذا حصلت حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ ومع ارتفاع المانعیّة أثّر الخطاب بالمهمّ.

وممّا ذکر ینقدح أنّ إشکال طلب الجمع بین الضدّین مرتفع بعدم تأثیر الأمر بالأهمّ لابسقوطه و علیه فلاملزم لجعل موضوع الأمر بالمهمّ سقوط الأمر بالأهمّ حتّی یدور الأمر بین السقوط والثبوت فیخرج عن محلّ الکلام بل الأمر بالأهمّ ثابت فی حال العصیان أو البناء علیه قبل مضیّ وقت العمل فمع ذلک لا یکون مؤثّراً و مع عدم المؤثّریة لایوجب مؤثّریة الأمر بالمهمّ طلب الجمع بین الضدّین کما لا یخفی.

لایقال: إنّ العصیان أمر عدمی ولیس فیه مناط التأخّر الرتبی عن الأمر بالأهمّ لاختصاص المناطات بالاُمور الوجودیّة و العصیان لیس إلّا ترک الامتثال بلاعذر وعلیه فتأخّره عن الأمر بالأهمّ لامناط له وهکذا لامناط فیه لتقدّمه علی الأمر بالمهمّ حتّی یکون موضوعاً لحکم أو شرطاً لشیء أو غیر ذلک لأنّ تلک الاُمور أی التقدّم أو التأخّر یکون من الاُمور الوجودیّة و العصیان لایتّصف بإحدی الحیثیّات الوجودیّة لأنّا نقول أوّلاً: إنّ مفهوم العصیان متقوّم بتقدّم الأمر علیه إذ العصیان هو ترک امتثال الأمر الفعلی من دون عذر فالعصیان من دون وجود أمر غیر متصوّر وعلیه فتقدّم الأمر علیه کتقدّم اجزاء الماهیّة علی نفس الماهیّة و ان لم یکن بین العصیان و الأمر رتبة العلّیّة و المعلولیّة.

وثانیاً: إنّ العصیان لیس هو عدم محض بل هو مشوب بالوجود لأنّ العصیان مخالفة المولی فی أوامره و نواهیه و هی من الاُمور الوجودیّة و إن کانت المخالفة موجبة لترک الامتثال بلاعذر.

وعلیه فیکون العصیان متأخّراً زماناً عن الأمر بالأهمّ ومتقدّماً علی الأمر بالمهمّ.

ص:237

و لاامتناع فی جعل العصیان شرطاً أو موضوعاً بل واقع فی الکتاب و السنّة کقوله تعالی:(فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

وثالثاً: إنّ الموضوعات و الشرائط فی الخطابات الشرعیّة لیست عقلیّة بل هی تکون عرفیّة و العرف یحکم بصحّة جعل مثل العصیان موضوعاً أو شرطاً للخطاب بالمهمّ.

ألا تری انّ الوالد یقول لولده تعلّم فإن عصیت أمری و لم تتعلّم فعلیک بالکسب و التجارة و لیس ذلک إلّا لأنّ العرف یری العصیان أمراً وجودیّاً و متأخّراً عن الأمر بالأهمّ و هو التعلّم ومتقدّماً علی الأمر بالمهمّ وهو الکسب.

لایقال: إنّ الأمر بالأهمّ لایسقط وبقی علی باعثیّته قبل تحقّق العصیان و مقتضی ذلک انّ المکلّف الذی یکون عاصیاً فیما بعد یکون مبعوثاً نحو الجمع بین الأمرین المتنافین و مجرّد کون العصیان فی طول موضوع الأمر بالأهمّ لا یکفی فی رفع المحذور و هو طلب الجمع بین الأمرین المتنافیین و هو غیر قادر علی ذلک.

لأنّا نقول: إنّ مع عدم سقوط الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو البناء علیه یلزم الجمع بین الطلبین لاطلب الجمع بین الأمرین المتضادین بعد ما عرفت من عدم تأثیر طلب المهمّ إلّا بعد عدم تأثیر طلب الأهمّ.

وبالجملة انّ الأمر الترتّبی بما هو هو لا یوجب طلب الجمع بین المتضادّین و یشهد لما ذکر أنّ المکلّف لو جمع بین الأهمّ والمهمّ علی فرض إمکان الجمع لم یقع الأمران علی صفة المطلوبیة و لذا لو قال المولی لعبده جئنی بماء عذب و إن عصیت أمری جئنی بماء ملح فاتی العبد بماء عذب و ماء ملح لم یقع عنه امتثالان ولم یکن کلاهما مطلوبین و هذا علامة انّ الطلب الترتّبی لایؤول إلی طلب الجمع.

فالترتّب یفید الجمع فی الطلب لاطلب الجمع فلاتغفل.

ص:238

التنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّه لایتوقّف الحکم بترتّب تأثیر الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ علی ورود خطاب یتکفّل ذلک لجواز الاکتفاء بحکم العقل بذلک عند إحراز أهمّیّة أحد الطرفین و الحکم العقلی بذلک یکشف عن الحکم الشرعی أیضاً لأنّ العقل هو المدرِک بکسر الراء والمدرک بفتح الراء هو الحکم الشرعی فکما أنّه من الممکن ان یقیّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلی المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ فکذلک یقیّد ذلک بعد کشف الحکم الشرعی بحکم العقل بذلک فالحکم فی ناحیة المهمّ مترتّب علی عصیان الأهمّ و عدم تأثیره فلایرفع الید عن إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل رفع الید عنه منوط بتاثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ.

التنبیه الثانی: أنّه ربّما یتوهّم انّ اللاّزم من قول الترتّب هو تعدّد العقاب لو لم یأت بأحد الأمرین من المهمّ و الأهمّ إذ الأمر بکلّ واحد منهما بناء علی الترتّب أمر فعلیّ مولوی و من شأن هذا الأمر هو استحقاق العقاب علی مخالفته کما من شأنه الثواب علی امتثاله فالتفکیک بین الملزوم و لازمه غیر صحیح.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ تعدّد العقاب لایوافق مع توقّف أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فإنّه کالتخییر العقلی والشرعی فکما أنّ ترک کلّ واحد منهما لایوجب تعدّد العقاب فکذلک فی المقام مع أنّ القدرة علی عدم الجمع بین الترکین حاصلة فی جمیع الموارد فالمحکی عن بعض الأعلام من أنّ العقاب الثانی لیس علی عدم الجمع بین الضدّین حتّی یقال أنّه غیر مقدور بل العقاب علی الجمع بین المعصیتین و قد کان مقدوراً للمکلّف أن لا یجمع بین المعصیتین فیما إذا أتی بالأهمّ غیر سدید لما عرفت من حصول القدرة علی عدم الجمع بین الترکین فی موارد التخییر العقلی و الشرعی ومع ذلک لامجال للحکم بتعدّد العقاب.

ص:239

ویشهد علی ما ذکرناه ارتکاز العقلاء علی عدم تعدّد العقاب فیما إذا لم یقدر المکلّف علی جمیع الواجبات الکفائیّة إلّا واحداً منها ومع ذلک ترک جمیعها.

التنبیه الثالث: أنّ الأمر فی ناحیة المهمّ فی موارد الترتّب موجود وإنّما یرفع الید عن إطلاقه بحکم العقل من جهة المزاحمة مع الأهمّ فیما إذا کان مؤثّراً ولایرتفع إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل هو منوط بتأثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ وإلّا فإطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بقی علی ما علیه.

وممّا ذکر یظهر خروج ما إذا لم یبق للمهمّ موضوع بمجرّد وجود الأمر بالأهمّ عن موارد الترتّب کما إذا کان التکلیف بالمهمّ مشروطاً بالقدرة الشرعیّة والتکلیف بالأهمّ مشروط بالقدرة العقلیة فلایأتی فیه الترتّب لارتفاع موضوع الأوّل بالواجب الآخر لعدم القدرة علیه شرعاً بواسطة المزاحمة مع الأهمّ فإنّ الممتنع الشرعی کالممتنع العقلی فلایبقی موضوع للواجب الذی کان مشروطاً بالقدرة الشرعیّة بمجرّد وجوب الأهمّ من دون حاجة إلی إناطة ذلک علی تأثیر الآخر فتدبّر جیّداً.

التنبیه الرابع: أنّه لا اختصاص لمورد الترتّب بالضدّین بل یشمل غیرهما کما إذا قال الوالد لولده تعلّم فإن عصیت أمری فکن مطیعاً للعالم.

مع أنّ التعلّم والإطاعة للعالم لایکونان ضدّین.

وخصّص بعض مورد الترتّب بالضدّین اللذین لهما الثالث کالصلاة والإزالة وقال لایشمل الضدّین اللذین لاثالث لهما کالحرکة و السکون فإنّ الترتّب لایتأتّی بینهما إذ ترک أحدهما أو عصیانه لایتحقّق بدون فعل الآخر ومعه لامعنی لتعلّق الأمر بالآخر بشرط ترک الضدّ أو عصیانه فإنّ الآخر حاصل فیکون طلبه من قبیل طلب الحاصل.

ویمکن أن یقال: بعد الغمض عمّا ذکرناه من عدم اختصاص مورد الترتّب بالضدّین إنّه

ص:240

لاوجه لتخصیص الضدّین بما لهما ثالث لما عرفت من أنّ موضوع الأمر الترتّبی لیس هو العصیان الخارجی أو الترک الخارجی بل هو العزم علی العصیان أو البناء علیه وعلیه فلایلزم من الأمر بالآخر عند العزم علی العصیان تحصیل الحاصل کما لایخفی.

وممّا ذکر یظهر صحّة ما ذهب إلیه کاشف الغطاء علی المحکی عنه من جعل مسألة الإخفات فی موضع الجهر و بالعکس من موارد الترتّب ولاوقع لما اورد علیه المحقّق النائینی قدس سره بأنّ تلک المسألة لیست من مصادیق الترتّب لأنّ الجهر والإخفات من الضدّین اللذین لاثالث لهما إذ القارئ لا یخلو عن أحدهما وقد ثبت أنّ الترتّب لایجری فی الواجبین اللذین لاثالث لهما لامتناعه و بقیّة الکلام فی المفصّل فراجع.

التنبیه الخامس: أنّ الحکم فی طرف المهمّ یکون فعلیّاً بمبادئه وهی الإطلاقات الدالّة علیه مع وصولها إلی المکلّف واشتراط عصیان الأهمّ لاتأثیر له فی فعلیّة الحکم بل هو فی قوّة عدم وجود المزاحم عن فعلیّة الحکم بمبادئه.

وعلیه فلامجال لما قیل من لزوم التفصیل بین الموارد ویقال کلّ مورد یلزم من اشتراط عصیان الأهمّ فیه تأثیر أمر متأخّر فی المتقدّم لایتأتّی فیه الترتّب کما إذا کان الأهمّ و المهمّ تدریجی الوجود أو کان الأهمّ أمراً باقیاً ومستمرّاً وکان عصیانه فی الآن الأوّل المتعقّب بعصیاناته فی الآنات المتأخّرة مؤثّراً فی فعلیّة الحکم.

بخلاف ما إذا کان الشرط هو عصیان الأهمّ فی الآن المقارن فلامانع من الترتّب فیه إذ لایلزم منه تأثیر الشرط المتأخّر فی المتقدّم.

وذلک لما عرفت من أنّ شرط العصیان لاتأثیر له فی فعلیّة الحکم.

التنبیه السادس: أنّ الترتّب جارٍ أیضاً فی الواجبین المتزاحمین الطولیین بحسب الزمان إذا کان الثانی أهمّ و واجب المراعاة إمّا من جهة تصویر الواجب المعلّق أو من جهة أهمّیّة ملاک خطابه مع حکم العقل مستقلاًّ أو من باب متمّم الجعل بحفظ القدرة للواجب

ص:241

المتأخّر الأهمّ وذلک لعدم الفرق بین الواجبین المتزاحمین المقارنین و الواجبین المتزاحمین الطولیین فکما أنّ اشتراط العصیان فی المقارنین یدلّ علی فعلیّة الأمر بالمهمّ بسبب عدم وجود المزاحم فکذلک فی الطولیین حرفاً بحرف.

والقول بأنّ ذلک فی الطولیین یستلزم الالتزام بتأثیر الشرط المتأخّر وهو ممتنع غیر سدید بعد ما عرفت من أنّ العصیان لاتأثیر له فی فعلیّة الخطاب بالمهمّ لأنّ فعلیّته تکون بمبادئه المخصوصة و إنّما اشتراط العصیان یدلّ علی عدم وجود المزاحم عن تأثیر مبادئ المهمّ.

التنبیه السابع: أنّ الترتّب کما یمکن فی ناحیة الأمر فکذلک یمکن فی ناحیة النهی فیجوز أن یکون لاتغصب مترتّباً علی عصیان الأهمّ کإنقاذ المؤمن فی أرض مغصوبة فالنهی عن الغصب فی مورد التزاحم مترتّب علی عصیان خطاب الأهمّ کما أنّ الأمر بالصلاة مترتّب علی عصیان الأمر بالإزالة عند تزاحمهما.

فکما أنّ العصیان فی ناحیة الأمر لاتأثیر له فی فعلیّة الخطاب فی طرف المهمّ إذ الفعلیّة ناشئة من وصول الإطلاقات الأوّلیّة الدالّة علی وجوب الصلاة کقوله تعالی أقیموا الصلاة وإنّما العصیان یکون حاکیاً عن عدم المزاحم لتلک الإطلاقات فکذلک یکون العصیان حاکیاً عن عدم المزاحم لفعلیّة النهی عند تزاحمه مع الأهمّ وهذا واضحٌ بناء علی عدم وجوب المقدّمة فإنّ بین خطاب لاتغصب وانقذ الغریق مثلاً تزاحم لاتعارض حتّی یستلزم التکاذب ومع وجود الأهمّ لاخطاب فی طرف المهمّ وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فیقع التعارض بین لاتغصب ووجوب المقدّمة الموصلة لأنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو نفس التصرّف فی دار الغیر من دون استیذان ومع التعارض یتکاذبان وحیث إنّ الأهمّ وهو وجوب المقدّمة الموصلة مقدّم فلاحکم فی طرف المهمّ فیخرج عن مورد الترتّب فإنّ المهمّ فی الترتب له حکم موجود مترتّب علی عصیان الأهمّ.

ص:242

التنبیه الثامن: أنّ الترتّب لایجری إلّا فی المتزاحمین اللذین بینهما تزاحم اتّفاقی کالصلاة والإزالة وأمّا إذا کان التزاحم بینهما دائمیّا فلا مورد للترتّب لأنّ الترتّب فرع جعل الحکمین ومع التزاحم الدائمی جعل الحکمین خالٍ عن الحکمة ولایصدر عن الحکیم المتعال ففی مثله إن کان الملاک فی أحدهما أقوی فالجعل علی طبقه وإن کان الملاک فیهما متساویاً فالحکم هو التخییر الشرعی ففی الصورتین لامجال للترتّب إذ فی الصورة الاُولی لاحکم إلّا علی طبق الملاک الأقوی فلا مجال لفرض ترتّب أحد الحکمین علی عصیان الآخر وفی الصورة الثانیة لامجال لفرض العصیان بعد کون الحکم هو التخییر إذ لاحاجة فی الأخذ بالحکم الآخر مع التخییر الشرعی إلی فرض العصیان بالنسبة إلی حکم آخر.

التنبیه التاسع: أنّه یمکن جریان الترتّب فی باب اجتماع الأمر والنهی حتی بناءً علی الامتناع و تغلیب جانب النهی و کون الترکیب بین متعلق الأمر و النهی اتّحادیّاً لاانضمامیّاً إذ الواحد متحیّث بحیثیّتین عند التحلیل ولکلّ واحدة ملاک والحکم یتعلّق بهما فی الذهن و المفروض أنّه متعدّد ومع التعدّد لاتزاحم فی مقام الجعل ولکن حیث لایمکن امتثالهما غلب جانب النهی إلّا أنّه إذا بنی علی العصیان فلامانع من فعلیّة الأمر إذ النهی لایکون مؤثراً عند إرادة العصیان ودعوی أنّ الغصب الذی به یتحقّق عصیان النهی فی مثل قولهم إن عصیت النهی أی إن غصبت مثلاً فصلّ إن کان هو الغصب الذی یوجد فی ضمن الصلاة و ینطبق علیها ففی ذلک الظرف تکون الصلاة موجودة وحاصلة فیکون طلبها طلب الحاصل وإن کان غصباً آخر غیر منطبقٍ علی الصلاة فیکون طلباً للممتنع و إن کان مطلقاً یلزم کلا المحذورین مندفعة بأنّ الشرط هو حالة العصیان لا العصیان الخارجی فارتفعت المحاذیر.

ص:243

ص:244

الفصل السادس: فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه

ولایخفی علیک إنّ الشرط إمّا شرط نفس الأمر و الجعل و إمّا شرط المجعول و المأمور به و لانزاع عندنا فی عدم جواز الأمر أو الجعل سواء کان الشرط شرطاً لنفس الأمر والجعل أو شرطاً للمجعول و المأمور به.

لأنّ الأمر والجعل علی الأوّل بدون حصول شرطه غیر ممکن إذ الشرط علی المفروض من أجزاء علّة الأمر و الجعل فمع عدم تمامیّة العلّة لایصدر الجعل و الأمر و إلّا لزم تحقّق المعلول بدون علّته و هو محال.

کما أنّ الأمر والجعل علی الثانی من دون حصول شرط المجعول و المأمور به تکلیف بغیر المقدور و هو قبیح لایصدر عن الحکیم المتعال.

وعلیه فلایجوز الأمر مع انتفاء الشرط سواء کان الشرط شرطاً لنفس الأمر أو شرطاً للمأمور به.

نعم یجوز الأمر الکلّی والقانونی ولو مع فقدان شرط التکلیف أو المأمور به بالنسبة إلی بعض الآحاد من المکلّفین لکفایة وجود الشرط بالنسبة إلی العنوان الکلّی ولو بوجوده فی بعض أفراده.

وهکذا یجوز الأمر مع انتفاء الشرط بنفس الأمر کما إذا قال المولی لعبده إن کذبت مثلاً یجب علیک إعطاء دینار وعلم المولی أنّ هذا الجعل یوجب عدم صدور الکذب

ص:245

من عبده ویکون الغرض من الأمر هو ذلک و من المعلوم أنّه لامانع منه بل یقتضیه المصلحة أحیاناً.

ولعلّه خارج عن محلّ الکلام لأنّ العلم بانتفاء الشرط معلول للأمر ومتأخّر عنه مع أنّ محلّ الکلام هو ما إذا علم بفقدان الشرط قبل الأمر.

فانقدح ممّا ذکرناه أنّه لامجال لتصحیح وجوب الکفّارة علی من أفطر فی نهار شهر رمضان مع عدم تمامیّة شرائط الوجوب له إلی اللیل بدعوی جواز الأمر مع علم الأمر بانتفاء شرط التکلیف أو المامور به لما عرفت من أنّه لایجوز الأمر مع علمه بالانتفاء إذ الأمر بالصوم مع عدم تمامیّة شرائطه تکلیف بغیر المقدور وهو لایصدر عن الحکیم المتعال نعم یمکن تصحیح ذلک من جهة إطلاق الروایات الدالّة علی وجوب الکفّارة فإنّها تدلّ علی وجوبها عند الإفطار العمدی فی حال الصوم سواء طرأ علیه مانع من الإتمام أو لم یطرأ وبالجملة فموضوع الکفّارة هو إفطار الصوم مطلقاً.

ص:246

الفصل السابع: فی متعلّق الأوامر و الطلب

وتحقیق ذلک یتوقّف علی امور الأمر الأوّل: أنّ لحاظ الطبیعة علی أنحاء منها لحاظها فی ذاتها ومنها لحاظها باعتبار الوجود الذهنی ومنها لحاظها بما هی مرآة إلی الوجود الخارجی وهو علی قسمین القسم الأوّل أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصدیقی بعد تحقّقه و القسم الثانی أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصوّری قبل وجوده بالفرض والتقدیر الذی یسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثانی: أنّ الطبیعة بما هی هی لامصلحة فیها حتّی یشتاق الإنسان إلیها ویریدها وعلیه فالطبیعة باعتبار وجودها یکون مورد الاشتیاق والإرادة والمراد من الوجود لیس الوجود الذهنی إذ لایکون هو مطلوباً ولایمکن الإتیان به والامتثال به ولیس المراد أیضاً منه الوجود الخارجی بعد تحقّقه لأنّه تحصیل الحاصل فانحصر الأمر فی الوجود التقدیری الحاکی عن الخارج الذی یُسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثالث: أنّه لافرق فیما ذکر بین الإرادة الفاعلیّة والإرادة التشریعیّة لأنّ کلّ واحدة منهما ناشئة عن المصلحة و هی لاتکون إلّا فی الطبیعة باعتبار وجودها.

الأمر الرابع: أنّ البعث والزجر تابعان للإرادة والکراهة فإذا کانت الإرادة و الکراهة متعلّقتین بالطبیعة باعتبار وجودها فالبعث والزجر کانا أیضاً کذلک.

ص:247

الأمر الخامس: أنّ الکلّی الطبیعی لایکون بما هو کلّی فی الخارج لأنّ الخارجیّات جزئیّات لا کلّیّات والجزئیّات لاتصلح للصدق علی الکثیرین بل حصصه موجودة ومتکثّرة فی الخارج والحصص لیس معناها هی الأبعاض بل معناها أنّها مصادیق وأفراد مجرّدة عن العوارض والمراد بالأفراد هی الأفراد الجوهریّة التی عین الحصص لا الأفراد العرفیّة أو العرضیّة التی تعتبر باعتبار مجموع حصّة الإنسانیّة و الخصوصیّات الضمیمة.

نعم حصص الکلّی الطبیعی متّحدة مع الخصوصیّات فی الخارج ولکنّ ذلک لایوجب حکایة الکلّی الطبیعی عن الخصوصیّات و لاسرایة الحکم من الطبیعی إلیها لأنّ الکلّی الطبیعی لایحکی عن غیر حقیقته والمفروض أنّ الحکم فی الذهن متعلّق بالکلّی الطبیعی ولاوجه لسرایته منه إلی الخصوصیّات المتّحدة معها.

إذا عرفت تلک الأمور فقد اتّضح لک أنّ الأمر متعلّق بالطبیعة المفروضة الوجود التی تکون مرآة إلی الوجود الخارجی و یسری الأمر منها إلی حصصها لا إلی مقارناتها و ملازماتها و إن کانت متّحدة معها فی الوجود الخارجی لأنّ الطبیعة موضوعة للحکم لاعنوان أفراد الطبیعة وهی لاتحکی عن الأغیار.

فالأفراد الجوهریّة بما أنّها متّحدة مع الطبیعة مشمولة للحکم المتعلّق بالطبیعة لاالأفراد العرفیّة التی تکون مجموع الحصص و المقارنات و لملازمات.

فالقائل بتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة إلی الأفراد أراد تعلّقه بالأفراد الجوهریّة المفروضة الوجود فی الذهن مع قطع النظر عن مقارناتها من الخصوصیّات.

و القائل بتعلّقه بالفرد دون الطبیعة أراد تعلّقه بالأفراد العرفیّة الجامعة للحصّة و الخصوصیّات أو المقارنات.

وتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی فإنّ إجتماعهما بناء علی

ص:248

القول بتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة إلی الأفراد الجوهریّة جایز لمغایرة متعلّقهما بخلاف القول بتعلّق الأمر بالأفراد العرفیّة فإنّ اجتماعهما ممتنع إذ مرکب الأمر و النهی حینئذٍ واحد و لیس بمتعدّد.

فتحصّل: أنّ الأحکام متعلّقة بالطبایع وهی مرآة إلی الأفراد الجوهریّة التی تکون حصصها ولاحکایة لها بالنسبة إلی مقارناتها لأنّها أجنبیّة عنها نعم لو انضمّ إلی الطبیعة عنوان الأفراد ویقال إنّ الحکم متعلّق بأفراد الطبایع فکلمة الأفراد تحکی عن الأفراد العرفیّة ولکنّ المفروض هو عدم هذا الإنضمام و علیه فلایسری الحکم من الطبایع إلی غیر حصصها سواءً کان الحکم المذکور هو الأمر أو النهی.

وممّا ذکر یظهر أنّ نتیجة المسألة هو جواز إجتماع الأمر والنهی بناءً علی تعلّق الحکم بالطبیعة لا أفراد الطبیعة لتغایر متعلّق الأمر والنهی لأنّ الطبیعة فی کلّ واحد منهما مغایرة مع الطبیعة الأُخری وحصصهما أیضاً تکون متغایرة فلایسری الحکم من طبیعة إلی طبیعة أُخری و لامن حصص کلّ واحدة منها إلی حصص أُخری واتّحادهما بحسب الوجود الخارجی لایضرّ بذلک لأنّ حصص کلّ واحدة منهما متغایرة مع الاُخری فی التحلیل العقلی و المفروض أنّ عروض الخطابات واتّصافها فی الذهن لا فی الخارج فلایکون متعلّق الأمر والنهی متّحداً ومع عدم الاتّحاد یجوز إجتماعهما بخلاف ما إذا کان متعلّق الخطابات هی الأفراد العرفیّة فإنّها باعتبار کونها مجموع الفرد الجوهری و الخصوصیّات توجب إجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو ممتنع.

ص:249

ص:250

الفصل الثامن: فی أنه بعد نسخ الوجوب

فی أنّه هل یدلّ دلیل الناسخ أو المنسوخ بعد نسخ الوجوب علی الرجحان أو الجواز بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أو لایدلّ.

والذی ینبغی أن یقال إنّه إن کان مفاد النسخ هو رفع البعث الصادر من المولی فلادلالة للناسخ و لا للمنسوخ علی ذلک کما ذهب إلیه صاحب الکفایة فإنّ بعد رفع البعث یمکن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة من المستحبّ والمکروه و الإباحة والحرمة ولادلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها.

وأمّا إن کان مفاد النسخ هو رفع الإلزام بالترخیص فی الترک مع بقاء البعث علی حاله فلاإشکال فی کون البعث الباقی مع الترخیص فی الترک موضوعاً لحکم العقلاء بالاستحباب کما أنّ البعث مع عدم الترخیص موضوع لحکم العقلاء بالوجوب لما مرّ فی محلّه من أنّ الوجوب و الاستحباب لیسا داخلین فی مدلولی هیئة إفعل بل هما أمران انتزاعیان من البعث مع عدم الترخیص والبعث مع الترخیص.

وعلیه فالمتبع هو لسان دلیل الناسخ فإن کان هو رفع أصل البعث فلادلالة علی

ص:251

الرجحان و لا علی الجواز و إن کان رفع الإلزام والوجوب بالترخیص فی الترک فیحکم بالاستحباب بعد رفع الإلزام والوجوب وبقاء البعث بالترتیب الذی ذکرناه.

وهکذا الأمر فی طرف المحرّمات فإنّ مفاد الناسخ إن کان رفع الزجر فلادلالة لدلیل الناسخ کالمنسوخ علی أنّ الباقی هو المکروه أو غیره من الأحکام وإن کان مفاد الناسخ هو رفع الالزام بالترخیص فی الفعل مع بقاء الزجر عن الفعل فهو موضوع لحکم العقلاء بالکراهة کما لایخفی.

ولو شکّ فی رفع أصل البعث أو الزجر أمکن استصحاب أصل البعث أو الزجر فهو مع رفع الإلزام یفید الاستحباب فی الأوّل و الکراهة فی الثانی.

ص:252

الفصل التاسع: فی تصویر الوجوب التخییری

ویقع الکلام فی المقامیین:

المقام الأوّل: فی إمکان تصویر الوجوب التخییری فی المتباینین أو المتباینات والتحقیق فیه أن یقال إنّ الطلب التخییری سنخ مستقلّ من الطلب وهو طلب واحد له طرفان أو ثلاثة أطراف أو أکثر قد تعلّق کلّ طرف منه بشیء خاصّ فحاله حال الشکّ فی کونه متقوّماً بطرفی الوجود و العدم فکما أنّ الشکّ مرتفع بارتفاع أحد طرفیه فکذلک الطلب التخییری مرتفع بارتفاع أحد طرفیه.

والحاصل أنّ الطلب فی الوجوب التخییری واحد له شعب متعدّدة یبعث المخاطب نحو أشیاء متعدّدة لا علی الإستغراق فإنّه لم یتعلّق بالجامع و لاعلی المجموع فإنّ الأشیاء لم تلاحظ شیئاً واحداً بحیث یکون الأطراف فیه أجزاءاً لواحد بل بقرینة کلمة «أو» یبعث المخاطب نحو الأشیاء علی البدلیّة کقوله ایت بهذا أو ذاک وهذا هو الوجوب التخییریّ الشرعی وهو نوع مستقل فی قبال الوجوب التعیینیّ.

وممّا ذکر یظهر أنّ الوجوب التخییریّ لیس هو البعث نحو الواحد لابعینه لأنّ الإنشاء لم یتعلّق بعنوان أحدهما أو أحدها إذ العنوان المذکور ممّا ینتزعه العقل من الوجوب التخییریّ الذی عرفت أنّه البعث نحو ذلک أو ذاک.

بل الخطاب فی موارد التخییر الشرعی متعلّق بالأشیاء الخاصّة کخصال الکفّارات

ص:253

ورفع الید عن ظاهر هذا الخطاب وإرجاعه إلی العنوان الانتزاعی خلاف الظّاهر کما أنّه لاوجه لإرجاع الخطاب إلی الجامع الحقیقی لأنّه أیضاً خلاف الظاهر.

والاستدلال علیه أی الارجاع المذکور بقاعدة عدم صدور الکثیر عن الواحد غیر سدید بعد إختصاص القاعدة المذکورة بالواحد الشخصی فلاتشمل الواحد النوعیّ ولذا نجد بالوجدان إمکان إستناد الواحد النوعیّ إلی المتعدّد کالحرارة فإنّها واحد نوعیّ یمکن إستنادها تارةً الی النار واُخری إلی الحرکة وثالثة الی الشمس وهکذا.

ومن المعلوم أنّ تدارک التخلّف فی الصوم مثلاً واحد نوعی ویمکن أن یستند إلی الأُمور الثلاثة من خصال الکفّارات فلاوجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات الواردة فی موارد التخییر الشرعیّ وإرجاعه إلی الجامع الحقیقی والقول بالتخییر العقلی کما یظهر من صاحب الکفایة وممّا ذکر أیضاً ینقدح ما فی دعوی أنّ الواجب فی الوجوب التخییریّ هو المعیّن عند اللّه وهو ما یختاره المکلّف فی مقام الإمتثال.

وذلک لأنّه خلاف ظاهر الأدلّة الدالّة علی عدم تعیّن الواجب علی المکلّف فی الواقع ونفس الأمر بل یکون الوجوب علی نحو التخییر فما یختاره المکلّف مصداق للواجب لا أنّه الواجب بعینه هذا مضافاً إلی أنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف ضرورة أنّ لازمه هو إختلاف التکلیف باختلاف المکلّفین فی الاختیار.

علی أنّ لازم ذلک هو عدم وجوب شیء فی الواقع لو لم یختر المکلّف شیئاً لأنّ الوجوب منوط باختیار المکلّف والمفروض أنّه لم یختر شیئاً ومقتضی عدم وجوب شیء فی الواقع هو عدم العصیان بترکهما وهو کما تری.

وهکذا یظهر ممّا تقدّم أنّه لاوجه لقول من ذهب إلی أنّ الوجوب التخییریّ لیس إلّا بمعنی وجوب کلّ منهما تعییناً مع الحکم بسقوط الوجوب بفعل أحدهما.

ص:254

فإنّه مضافاً إلی أنّه مخالف لظاهر الوجوب التخییریّ من جهة أنّه وجوب واحد له طرفان أو أطراف یلزم تعدّد العقاب لو ترکهما رأساً مع أنّه کما تری.

المقام الثانی: فی إمکان تصویر التخییر الشرعی وعدمه بین الأقلّ والأکثر ذهب صاحب الکفایة الی إمکانه فیما إذا کان کلّ منهما بحدّه محصّلاً للغرض بحیث لایکون الأقلّ فی ضمن الأکثر محصّلاً وبعبارة اخری إنّ الغرض إذا کان مترتّباً علی الأقلّ بشرط لا عن الغیر لا علی الأقل مطلقاً ولو کان فی ضمن الأکثر جاز التخییر بین الأقل والأکثر من دون فرق بین أن یکون للأقلّ وجود مستقلّ کتسبیحة واحدة فی ضمن التسبیحات الأربع أو لایکون له وجود کذلک کالخطّ القصیر فی ضمن الخطّ الطویل.

وفیه: أنّ هذا التصویر وإن کان ممکناً ومعقولاً ولکنّه خارج عن محلّ البحث لأنّ تقیید الأقلّ بشرط لایوجب أن یکون الأقلّ متبایناً مع الأکثر ومع المباینة لا إشکال لما عرفت من جواز التخییر بین المتباینات.

هذا مضافاً إلی أنّه خلاف ظواهر الأدلّة فإنّ المنصرف إلیه من التخییر فی التسبیحات الأربع هو ذات الواحد والثلاث لا الواحد بشرط لا.

فإذا کان التخییر بین ذات الواحد والثلاث فی التسبیحات الأربع مثلاً فالتخییر بینهما ممتنع لأنّ الأقلّ ولو وجد فی ضمن الأکثر یکون واجباً لحصول الغرض به ومع حصول الغرض به یکون الزائد علیه من أجزاء الأکثر غیر الواجب إذ بعد حصول الغرض لایبقی الأمر ومع عدم بقاء الأمر لاوجوب للزائد وهذا واضح فی التدریجات.

وأمّا الدفعیّات فإن کان الغرض واحداً لایعقل التخییر بینهما أیضاً لأنّ الغرض إذا حصل بنفس ذراع من الخطّ بلاشرط کان التکلیف بالأزید منه بلا ملاک فتعلّق الإرادة والبعث نحو الزیادة لغو ممتنع ومجرّد وحدة وجود الأقلّ بلاشرط مع الأکثر خارجاً

ص:255

لایدفع اللغویّة والامتناع المذکور بعد کون محلّ تعلّق الأمر هو الذهن الذی هو محل تجرید الطبیعة المطلوبة عن غیرها من اللواحق الزائدة.

وهکذا الأمر لو کان لکلّ منهما غرض غیر ما للآخر وکان بینهما تدافع فی الوجود فإنّه لایمکن اجتماعهما ومع عدم اجتماعهما لایعقل التخییر بینهما إذ الأقلّ بلاشرط موجود مع الأکثر فإذا وجداً دفعة لایمکن وجود أثریهما للتزاحم لأنّ المفروض أنّ بینهما التدافع فلایعقل تعلّق الأمر بشیء لأجل غرض لایمکن تحصیله.

نعم لو کان الغرضان قابلین للإجتماع وإن لم یکونا مرادین أیضاً فالتخییر بینهما یکون جایزاً لأنّ الأقل مشتمل علی غرض مطلوب والأکثر علی غرض آخر مطلوب فإذا وجد متعلّق الغرضین بوجود واحد کان للمولی أن یختار منهما ما یشاء.

فتحصّل: أنّ التخییر بین الأقلّ والأکثر فیما إذا کان الأقلّ ملحوظاً بنحو لابشرط غیر معقول إلّا فی بعض صور الدفعیات عند تعدّد الغرض وعدم التدافع بین الأغراض وعلیه فیحمل ماورد فی التخییر بین الأقلّ والأکثر علی وجوب الأقلّ واستحباب الزائد فی التدریجات أو علی وجوب صرف الوجود وأصل الطبیعة بعد عدم مدخلیّة خصوصیّات الفردیّة من الطول والقصر فی الدفعیّات فیکون التخییر بین الأفراد عقلیّاً لاشرعیّاً.

ص:256

الفصل العاشر: فی تصویر الواجب الکفائیّ

ولایخفی علیک أنّ لسان الخطابات الکفائیّة کلسان الواجبات العینیّة وعلیه فالواجب الکفائی کالواجب العینی فی تعلّق التکلیف إلی کلّ واحد من المکلّفین نعم إذا أتی واحد منهم به سقط التکلیف عن الآخرین لحصول الغرض وعدم بقاء الموضوع و مقتضی ما ذکرناه من تعدد التکلیف بتعداد المکلّفین هو تعدّد الامتثال لو أتی المکلّفون به دفعة کما إذا صلّوا دفعة علی المیت لأنّ کلّ واحد منهم یکون مؤدّیاً للواجب کما أنّ مقتضی ما ذکرناه هو تعدّد العقاب لو لم یأت به واحد.

ودعوی أنّ تخصیص الجمیع بالخطاب علی نحو العموم الاستغراقی بلاموجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فلاموجب لوجوب تحصیله علی الجمیع.

مندفعة بإمکان أن یکون الواجبات الکفائیة علی حدّ من الأهمیّة یطلبها الشارع من الجمیع لئلاّ تکون معطّلة فمع إمکان ذلک لاوجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات المتعلّقة الی الجمیع.

ومرجع التکلیف الکفائی المتعلّق بجمیع المکلّفین إلی عدم جواز إهمال کلّ مکلّف لا إلی إتیان کلّ مکلّف إذ فرق بین الکفائی والعینی وعلیه فلایرد علی ما ذکرناه أنّ لازم ذلک هو طلب الفعل من الجمیع وهو محال فیما إذا لم یمکن التکثّر والتکرار کقتل المحارب مثلاً أو هو مناف للحکمة فیما إذا کان الفرد الزائد ممکناً ولکنّه غیر مطلوب أو مبغوض.

ص:257

لما عرفت من أنّ المقصود من تکلیف الجمیع فی الواجبات الکفائیّة هو بیان عدم جواز إهمال الفعل لا إتیان جمیع المکلّفین.

ثمّ بعدما عرفت من ظهور الخطابات فی تعلّق التکالیف الی الجمیع لامجال لاحتمال تعلّق التکلیف فی الواجبات الکفائیّة بفرد من الأفراد أو الفرد المردد أو صرف الوجود وإن أمکن کلّ ذلک عندنا.

فتحصّل: أنّ الخطابات والتکالیف فی الواجبات الکفائیة کالواجبات التعینیّة متعلّقة بالجمیع کما أفاد سیّدنا الاُستاذ والمحقّق الإصفهانی وغیرهما من الفحول و إنّما التفاوت بینهما فی سقوط الوجوب بإتیان واحد من المکلّفین فی الواجبات الکفائیّة لحصول الغرض.

ص:258

الفصل الحادی عشر: فی الموسّع و المضیّق

ولایخفی علیک أنّ المقسم لهما هو الموقّت وهو قسیم المطلق وهو الذی لایعتبر فیه الزمان شرعاً فالموقت هو الذی یعتبر فیه الزمان شرعاً وهو ینقسم إلی مضیّق وموسّع حیث إنّ الزمان المعتبر فیه إن کان بقدر الفعل کالصوم فهو مضیّق.

وإن کان الزمان الماخوذ فیه أوسع من فعل الواجب فهو موسّع کالصلوات الیومیّة ثمّ إنّ الواجب فی الموسّع هو إیجاد الطبیعة الصلاتیّة الکّلیّة المقیّدة بوقوعها بین الحدّین وهذه الطبیعة مرآة الی حصصها الدفعیّة والطولیّة ومقتضی عینیّة الطبیعة الکلّیّة مع حصصها هو سرایة الحکم من الطبیعة الکلّیّة الی حصصها وخروج الخصوصیّات الفردیّة عن الغرض الشرعی لایلازم خروج نفس الحصص عن المطلوبیّة الشرعیّة والغرض الشرعی مع عینیّتها مع الطبیعة وحکایة الطبیعة عنها وعلیه فمقتضی عدم خروج الحصص عن المطلوبیة الشرعیّة هو التخییر الشرعی بینها ودعوی التخییر العقلی مندفعة بما ذکرناه ومخصوصة بما إذا لم تکن الطبیعة حاکیة عن حصصها والمفروض هو الحکایة کما عرفت.

ثمّ إنّ الأمر بالموقت لایقتضی إلّا إتیان متعلّقه فی الوقت لأنّ المفروض أنّ متعلّقه مقیّد بالوقت والأمر لایدعو إلّا الی متعلّقه فلاتعرض للأمر بالنسبة إلی غیر صورة الوقت

ص:259

لأنّه خارج عن متعلّقه والمفروض هو وحدة المطلوب ودعوة الأمر إلی الطبیعة فی ضمن الموقت لاتوجب دعوته إلیها ولو بدون القید بعد کون المطلوب واحداً وهو المقیّد هذا کلّه فیما إذا کان التوقیت والتقیید بالوقت بدلیل متصل أو بدلیل منفصل یدلّ علی التقیید بالوقت فی أصل المطلوبیّة.

وأمّا إذا کان التوقیت والتقیید بدلیل منفصل مع عدم الدلالة علی أنّ أصل المطلوبیّة مقیّد وموقت وکان لدلیل الواجب إطلاق فمقتضی إطلاق دلیل الواجب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت فحینئذٍ کان التقیید من باب تعدّد المطلوب وعلیه فبعد الوقت مقتضی إطلاق دلیل الواجب هو بقاء الواجب کما لایخفی ولو شککنا بعد الوقت فی وجوب الطبیعة ولم یظهر من دلیل المطلق اطلاق المطلوبیّة ولاتقییدها فهل یمکن اثبات الوجوب بالاستصحاب أم لا ربّما یقال أمکن استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلّقه بالموقت بدعوی انّ الموضوع وإن کان بحسب الدلیل موقّتاً إلّا انّ العبرة فی بقاء الموضوع بنظر العرف والعرف یری انّ الموضوع هو نفس الفعل والوقت من أحواله لا من مقوّماته ولاقطع بخطاء نظر العرف.

اورد علیه بأنّ ذلک صحیح فیما إذا کان الموضوع من الخارجیّات کالماء المتغیّر الخارجی الذی زال تغییره بخلاف ما إذا کان الموضوع هو المقیّد بما هو کلّی من الکلّیّات فإنّ الکلّی المطلق والکلّی المقیّد متغایران عرفاً و المقام من قبیل الثانی إذ المتعلّق هو المهیّة الکلّیّة فالصلوة عنوان والصلاة الموقتة عنوان آخر و علیه فلامجال للاستصحاب لعدم وحدة القضیّة المتیقّنة والمشکوکة فإسراء الحکم من المتقیّدة الی الخالیة إسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ وجوب ذات المقیّد معلوم بناء علی اتّحاد وجوب الاستقلالی مع الوجوب الضمنی عرفاً کما ذهب إلیه شیخنا الأعظم قدس سره فی أجزاء الواجب بعد

ص:260

تعذّر بعض أجزائه وعلیه فیمکن استصحاب وجوب ذات المقیّد ویشهد له جریان البراءة فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین فی المرکّبات أو القیود المشکوکة فی المطلق والمشروط بناءً علی انحلال الوجوب العینی المتعلّق بالمرکّبات والمقیّدات فمع الانحلال فالوجوب بالنسبة إلی الأجزاء المعلومة وذوات المقیّدات محرز ومع إحرازه یجری الاستصحاب.

هذا مضافاً إلی إمکان أن یقال إنّ المکلّف بعد کونه مدرکاً للوقت وصیرورته مخاطباً بإتیان الواجب فبعد إنقضاء الوقت إذا شک فی بقاء تکلیفه بالإتیان وعدمه أمکن له إستصحاب وجوب الإتیان بالواجب لأنّ العرف یری المکلّف المذکور هو المکلّف السابق لکون الوقت کسایر القیود من الأحوال عند العرف والشکّ فی ذلک وإن کان ناشئاً عن کون متعلّق التکلیف هو المطلق أو المقیّد ولکن مع فرض عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری الاستصحاب فی نفس المکلّف کما یکون الأمر کذلک فیما إذا شکّ فی بقاء الوقت من جهة الشکّ فی مفهوم الغروب والمغرب فإن مع عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری استصحاب حرمة الإفطار علی المکلّف.

فتحصّل: أنّ وجوب القضاء لایحتاج إلی أمر جدید بل یکفیه الأوامر الأولیّة فی الموقت بمعونة الاستصحابّ فلاتغفل.

ص:261

ص:262

الفصل الثانی عشر: فی دلالة الأمر بالأمر

إذا أمر المولی أحداً أن یأمر غیره بإتیان عمل فهل هو أمر بذلک الفعل حتّی یجب علی الثانی فعله أولا أمکن أن یقال إنّ ظاهر الأمر عرفاً مع التجرّد عن القرائن هو أنّ الأمر المتعلّق لأمر المولی یکون مأخوذاً علی نحو الطریقیّة لتحصیل الفعل من المأمور الثانی وحمله علی أخذه بنحو الموضوعیّة من دون إقامة قرینة خلاف الظاهر.

وعلیه قوله علیه السلام مروا صبیانکم بالصلاة یدلّ علی مطلوبیّة الفعل وهو الصلاة من الصبی وإن لم یکن واجباً علیه بحدیث رفع القلم عن الصبی حتّی یحتلم.

وممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال لا دلالة بمجرّد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به بل لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.

ص:263

ص:264

الفصل الثالث عشر: فی الأمر بعد الأمر

ولایخفی إنّه إذا کان الأمر الثانی بعد إمتثال الأمر الأوّل کان ظاهراً فی التأسیس و لزم امتثاله ثانیاً.

وهکذا لزم الإتیان بالثانی إن کان معلّقاً علی سبب آخر غیر سبب الأوّل فإنّ مقتضی تعدّد الأسباب هو تعدّد المسبّبات فیما إذا لم یقم دلیل علی التداخل.

وإذا تکرّر الأمر بالنسبة إلی طبیعة واحدة و تقیّد الثانی بالمرّة الاُخری کان ظاهراً أیضاً فی التأسیس و لزم الإتیان بفرد آخر من الطبیعة المذکورة ولایکفی الإتیان بالواحدة منها نعم إذا لم یتقیّد الثانی بالمرّة الاُخری کان الأمر الثانی لامحاله ظاهراً فی التأکید لاستحالة تعلّق الأمرین معاً من دون إمتیاز فی البین بشیء واحد.

ولاینافی ذلک دعوی ظهور الهیئة وضعاً فی التأسیس فإنّ ذلک منوط بعدم تقدّم مثلها و المفروض فی المقام هو تقدّم مثل الهیئة بالنسبة إلی الأمر الثانی هذا مضافاً إلی أنّ التأسیس و التأکید کالمرّة و التکرار لیسا داخلین فی الهیئة وضعاً بل یستفاد التأسیس عند عدم قرینة التأکید.

وعلیه فلامجال لما یقال من أنّ إطلاق المادّة یقتضی التأکید ولکنّه ظهور تعلیقی متوقّف علی عدم القرینة بخلاف ظهور الأمر فی التأسیس فإنّه تنجیزی لأنّه وضعی

ص:265

وعلیه فیرفع موضوع الأوّل بالثانی فإنّ ظهور الأمر وضعاً فی التأسیس یمنع عن إطلاق المادّة.

وذلک لما عرفت من منع ظهور الهیئة فی الأمر الثانی فی التأسیس مع سیق الأمر الأوّل هذا مضافاً إلی إمکان منع ظهور الهیئة فی التأسیس رأساً.

وعلیه فالأمر الثانی مع عدم تقید المتعلّق بالمرّة الاُخری لایفید إلّا التأکید فتدبّر جیّداً.

ص:266

المقصد الثانی: فی النواهی

اشارة

ص:267

ص:268

یقع الکلام فی فصول:

الفصل الأوّل: فی مفاد مادّة النهی و صیغته و هنا مباحث

المبحث الأوّل: فی مادّة النهی

ولایخفی أنّها کمادّة الأمر فی الدلالة علی الإلزام إذ لاینسبق منها إلّا المنع و الزجر الإلزامی.

وعلیه فالنواهی تدلّ علی الزجر عن الفعل علی سبیل الإلزام کما أنّ الأوامر تدلّ علی البعث نحو الفعل علی سبیل الإلزام.

المبحث الثانی: فی صیغة النهی

ولایخفی أنّها من الإنشاءات کما أنّ صیغة الأمر کذلک و المنشأ بها هو الزجر عن الفعل کما أنّ المنشأ بصیغة الأمر هو البعث نحو الفعل و لادلالة لهما علی الإلزام و الإیجاب بحسب الوضع بل یحکم به العقلاء مع أصالة التطابق و عدم قیام القرینة علی الترخیص فی الفعل أو الترک و الموضوع لحکم العقلاء بلزوم الفعل أو الترک هو صیغة إفعل و لاتفعل مع أصالة التطابق بین الإنشاء و الإرادة أو الکراهة الشدیدة.

المبحث الثالث: فی معنی النهی

ولایذهب علیک أنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل کما أنّ الأمر بمعنی البعث نحو الفعل فالمتعلّق فی النهی و الأمر هو الفعل و تفسیر النهی بطلب الترک کتفسیر الأمر

ص:269

بالمنع عن الترک تفسیر بلازم المعنی إذ الزجر عن الفعل فی النهی ملازم لطلب الترک عقلاً کما أنّ البعث نحو الفعل فی الأمر ملازمٌ لمبغوضیّة الترک و المنع عنه و الدلیل علی ذلک هو التبادر و المساعدة مع مقام الثبوت إذ مقام الإثبات تابعٌ لمقام الثبوت و الإرادة و الکراهة فی مقام الثبوت متعلّقتان بالفعل.

و لافرق فیما ذکر بین أن تکون صیغة النهی بنحو لاتفعل أو بنحو أنهاک عن الفعل بل لو قال الناهی ارید منک الترک أو اترک فاللازم هو إرجاعهما إلی إنشاء الزجر عن الفعل لعدم مطلوبیّة الترک بنفسه لخلوّه عن المصلحة حقیقةً فلایصلح للطلب بخلاف الفعل لکونه مشتملاً علی المفسدة و هو یقتضی الکراهة و الزجر عنه.

هذا مضافاً إلی أنّ العدم لیس بشیءٍ و لایمکن أن یکون ذا مصلحة تتعلّق به الارادة و الاشتیاق و لا بعث و لا تحریک و لا طلب.

فإذا عرفت أنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل فلامجال للنزاع فی أنّ متعلّق الطلب فی النهی هو الکفّ أو نفس أن لاتفعل لما عرفت من أنّ النهی هو الزجر عن الوجود لا طلب الترک و البحث المذکور متفرّعٌ علی کون معنی النهی هو طلب الترک.

المبحث الرابع:

فی وجه اختلاف الامتثال فی الأمر و النهی مع أنّ متعلّقهما هو وجود الفعل إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل والنهی هو الزجر عن وجود الفعل ومع ذلک یتحقّق الامتثال فی الأمر بوجود فردٍ واحد بخلاف النهی فإنّه لایتحقّق الامتثال فیه إلّا بترک جمیع الأفراد.

وهنا وجوهٌ لبیان سرّ هذا الاختلاف؛

منها: أنّ وجه ذلک هو اختلافهما فی کثرة الاستعمال إذ النهی کثیراً ما یستعمل فی الطبیعة الساریة بخلاف الأمر فإنّه کثیراً ما یستعمل فی مطلق الطبیعة و الکثرة موجبةٌ

ص:270

للانصراف و حیث إنّ الکثرة متعاکسةٌ فی الأمر و النهی یکون امتثالهما مختلفةٌ و فی هذا الوجه لایحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة لأنّه یبتنی علی الظهور الانصرافی کما لایخفی بل مع العصیان فی الزمان الأوّل لاحاجةَ لإفادة بقاء المبغوضیّة فی جانب النهی إلی الأخذ بالمقدّمات لأنّ النواهی منحلةٌ بتبع إنحلال الأفراد ومن المعلوم أنّ عصیانه بالنسبة إلی فردٍ من أفرادها لاینافی بقائه بالنسبة إلی سائر الأفراد.

ومنها: أنّ منشأ الفرق هو العقل لأنّ المتعلّق فی الأمر و النهی واحد و هو الطبیعة و إنّما العقل یحکم باختلافهما فی الامتثال ضرورةَ أنّ وجود الطبیعة یکون بوجود فردٍ واحد ولکن عدمها لایکاد یکون إلّا بعدم الجمیع.

اوردَ علیه بأنّ التفکیک بین وجود الطبیعة وعدمها غیر متصوّرٍ لأنّ الطبیعة توجد بوجوداتٍ متعددةٍ ولکلّ وجود عدم هو بدیله و نقیضه و لایعقل الوجود المضاف إلی الماهیّة علی نحو یتحقّق بفرد ما و یکون عدم البدیل له بحیث لایکون إلّا بعدم الماهیّة بجمیع أفرادها.

فإن کان النظر إلی الطبیعة المهملة کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیّاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها ونتیجة المهملة جزئیة فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تتحقّق بوجودٍ واحد فکذلک عدم مثلها.

وإن کان النظر إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکلّ وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و إن کان النظر إلی الوجود بنحو السعة أی بنهج الوحدة فی الکثرة بحیث لایشذّ عنه وجود فیقابله عدم مثله.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ النظر فی ناحیة الأمر یکون إلی وجود الطبیعة بمعنی ناقض العدم الکلّی و طارد العدم الأزلی ومن المعلوم أنّه ینطبق علی أوّل فرد ووجود من الطبیعة بخلاف النظر فی ناحیة النهی فانه إذا تعلّق النهی بوجود الطبیعة بالمعنی المذکور صار

ص:271

معناه هو الزجر عن ناقض العدم و من المعلوم أنّه یساوق إبقاء العدم الکلّی علی حاله و إبقاء العدم الکلّیّ علی حاله لایتحقّق إلّا بترک جمیع الأفراد وهذا هو الفرق فی ناحیة الامتثال.

ودعوی: أنّ طارد العدم الکلی لامطابق له فی الخارج لأنّ کلّ وجودٍ یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره فأوّل الوجودات أوّل ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأوّل و لازم هذا العدم الخاصّ بقاء سائر الأعدام علی حالها فإنّ عدم الوجود الأوّل یستلزم عدمه الثانی و الثالث و هکذا لا أنّه عینها.

مندفعة: بأنّه لاضیرَ فی عدم وجود المطابق بالفعل لطارد العدم الکلّیّ فی الخارج بعد إمکان تصوّره فی الذهن و وجود منشأ انتزاعه فی الخارج و لامانع من انتزاع ناقض العدم الکلیّ عن الوجود الأوّل بتبدّل عدم واحد بالوجود والموضوع فی الأوامر و النواهی حیث یکون من الاُمور الذهنیّة فلایضرّه عدم وجود المطابق له فی الخارج کما أنّ الأمر کذلک فی الکسور التسعة فإنّه مع عدم وجود مطابق له بالفعل فی الخارج أمکن تصوّره و تعلّق الملکیّة به.

وعلیه فالأمر بصِرف الوجود أو أصل الوجود یمکن امتثاله بفعل واحد بخلاف الزجر عن أصل الوجود فإنّه یرجع إلی مطلوبیّة العدم الکلّی المتنزع عن الأعدام و من المعلوم أنّه لایمکن امتثاله إلّا بترک الطبیعة مطلقاً.

نعم بناء علی ان منشأ الفرق هو العقل کما ذهب إلیه صاحب الکفایة لو عصی المکلّف فدلالة النهی علی حرمة الفعل بعد عصیان النهی فی الزمان الأوّل یحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة و بعد جریانها یکون العدم الکلّی مطلوباً للمولی فی الزمان المستمرّ و عصیانه فی الزمان الأوّل لایضرّ ببقاء النهی علی ما هو علیه من الزجر عن الفعل مطلقاً.

هذا بخلاف الوجه الأوّل فإنّه لایحتاج إلی المقدّمات لابتنائه علی الظهور الانصرافی کما عرفت.

ص:272

ومنها: أنّ المطلوب من الأمر بما أنّه إیجاد الطبیعة فی الخارج لایمکن أن یُرید المولی منه إیجادها بکلّ ما یمکن أن ینطبق علیه هذه الطبیعة لفرض عدم تمکّن المکلّف منه کذلک بل یکون المطلوب إیجادها فی ضمن فرد مّا المعبّر عنه بصِرف الوجود و المطلوب من النهی بما أنّه حِرمان المکلّف لایمکن أن یُراد منه حِرمانه عن بعض أفرادها لفرض أنّه حاصل قهراً و النهی عنه تحصیلٌ للحاصل فهذه الخصوصیّة أوجبت أن تکون نتیجة مقدّمات الحکمة فیه هی کون المطلوب حِرمان المکلّف عن جمیع أفرادها.

وهذا الوجه یصلح لأن یکون علّةٌ للوجه الأوّل من جهة أنّ منشأ الفرق بین الأمر و النهی هو کون کثرة الاستعمال متعاکسةٌ فیهما و بیان آخر للوجه الثانی فلاتغفل.

هنا تنبیهان:

التنبیه الأوّل: أنّ النواهی الواردة فی العبادات و المعاملات تکون إرشاداً إلی مانعیّة الاُمور المنهیّة مثل النهی عن لُبس الحریر فی الصلاة وعن الغرر فی البیع وغیر ذلک کما أنّ الأوامر الواردة فیهما ظاهرةٌ فی الإرشاد إلی الجزئیّة أو الشرطیّة کالأمر بالذکر فی الرکوع أو ستر العورة حال الصلاة.

ومعنی المانعیّة أنّ الاُمور المنهیّة بوجودها تمنع عن صحّة العبادة أو المعاملة کما أنّ معنی الجزئیّة و الشرطیّة أنّ الاُمور المأمور بها فی العبادات أو المعاملات یکون لوجودها مدخلیّة شطراً أو شرطاً فی صحّتهما.

ثمّ إنّ الأوامر الإرشادیّة کالنواهی الإرشادیّة تکون حقیقیة و تکشف عن المصالح فی متعلّق الأوامر و المفاسد فی متعلّق النواهی.

وعلیه فما قیل من أنّ النهی الوارد فی الموانع غیر ناشٍ عن مفسدةٍ فی الفعل بداهة أنّه لامفسدة فیه أصلاً بل نشأ عن قیام مصلحةٍ فی ترکه وهذه النواهی إرشادُ إلی تقیّد الصلاة بعدمها لأجل مصلحةٍ کانت فی هذا التقیّد لا لأجل مفسدة فی نفس تلک الأُمور

ص:273

حال الصلاة ضرورةَ أنّه لیس لُبس ما لایؤکل أو المیتة أو النجس فی الصلاة من المحرّمات فی الشریعة المقدّسة فإذن لایمکن أن تکون هذه النواهی ناشئةٌ عن وجود مفسدةٍ ملزمة فیها ولانعنی بالمانع إلّا ما کان لعدمه دخلٌ فی المأمور به و هذا معنی کون هذه النواهی إرشاداً إلی مانعیّة هذه الاُمور وتقیّد الصلاة بعدمها.

منظورٌ فیه لأنّ النواهی ظاهرة فی الإرشاد إلی مانعیّة وجود الموانع و أمّا إرجاع النواهی إلی الإرشاد إلی تقیّد العبادة أو المعاملة بالترک مع أنّه لامصلحةَ فی التقیّد المذکور فهو خروج عن ظواهر النواهی الإرشادیّة من دون وجهٍ.

ثمّ إنّ عدم حرمة لُبس ما لایؤکل بالحرمة التکلیفیّة لاینافی مانعیّة وجود لُبس ما لایؤکل عن صحّة الصلاة و المانعیّة التشریعیّة کالمانعیّة التکوینیّة فی أنّ وجودها تمنع عن تأثیر المقتضی و لایکون عدمها شرطاً فی التأثیر إذ عدم المانع بمعنی عدم المزاحمة فی التأثیر ولیس بمعنی أنّ عدمه موثّرٌ فی تأثیر الصلاة ونحوها کما لایخفی.

التنبیه الثانی: فی حکم الشبهة الموضوعیّة من الموانع ولایخفی علیک أنّ الظّاهر من النواهی سواءً کانت مولویّة أو إرشادیّة إلی الموانع هو الزجر عن وجود طبیعة المنهی أو المانع و حیث عرفت بکثرة الإستعمال أنّ المنهی أو المانع هو وجود کلّ فرد فرد بنحو الإستغراق لاصرف وجود المانع فلو شکّ فی فرد أنّه من أفراد الطبیعة المنهیّة أو المانعة أم لا.

یجوز الرجوع إلی أصالة البراءة فإنّ الشکّ فی التکلیف الزائد علی المعلوم مولویّاً کان أو وضعیّاً.

و لافرق فیما ذکر بین أن یکون النواهی فی المرکّبات إرشاداً إلی مانعیّة وجود الموانع أو إرشاداً إلی تقیّد العبادة بعدم وجود الموانع.

إذ تجری البراءة فیها أیضاً بناءً علی جریانها فی الأقلّ و الأکثر الارتباطییْن لأنّ

ص:274

انطباق الواجب بالنسبة إلی غیر مورد المشکوک معلومٌ فیدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فیجری البراءة بالنسبة إلی غیر مورد المعلوم کما لایخفی.

بل لو قلنا بأنّ المنهیَّ هو صِرف وجود الطبیعة لأمکن إجراء البراءة أیضاً فإنّ المانع علی تقدیر صِرف الوجود هو نفس الوجودات والطبیعی موجودٌ فی الخارج بوجودات الأشخاص فوجود کلّ شخصٍ عین وجود الطبیعی و المانع عن الصلاة هو نفس الطبیعی المتحقّق فی الخارج، و علیه فالأفراد بذواتها و بالجهة المشترکة مع إلغاء الخصوصیّات مورد النهی فمع الشکّ فی تحقّق تلک الجهة فی المشکوک یدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فلامانع من شمول حدیث الرفع و مجرّد تبیّن المفهوم مع وقوع الشکّ لایمنع عن الشمول بعد کون الشبهة موضوعیّة و المانع نفس الوجودات دون نفس المفهوم، فلاتغفل.

ص:275

ص:276

الفصل الثانی: فی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فی شیءٍ واحدٍ ممّا ینطبق علیه العناوین کعنوان الصلاة و عنوان الغصب

اشارة

ولابدّ هنا من تقدیم جهاتٍ:

الجهة الاُولی: فی تحریر محلّ النزاع و لایخفی علیک أنّ المراد من الواحد المذکور فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصیّ فی قبال الکلّی و إلّا لزم خروج الواحد الجنسیّ المعنون بعنوانین کلّیّین کالحرکة الکلّیة المعنونة بعنوان الصلاتیة و الغصبیة المنتزعة من الحرکات الخارجیّة عن محلّ النزاع مع أنّه لاموجب لإخراجه و لیس المراد منه أیضاً هو الواحد الجنسیّ أو النوعیّ و إلّا لزم دخول السجود الکلّی الذی له نوعان بتقییده بکونه للّه أو للصنم مثلاً مع أنّه خارجٌ قطعاً إذ لانزاع فیه کما لایخفی.

ولیس المراد أیضاً الأعمّ من الشخصی و الجنسیّ أو النوعی و إلّا لزم الخروج و الدخول المذکورین کما عرفت.

بل المراد من الواحد هو الواحد فی الهویة و الوجود ممّا یصحّ أن ینطبق علیه عنوان المأمور به و المنهیّ عنه کما فی العناوین المتخالفة کعنوان الغصب و الصلاة من دون فرق بین أن یکون الواحد المذکور شخصیّاً أو کلّیّاً فالواحد المذکور فی قبال المتعدّد

ص:277

من حیث الهویة و الوجود ممّا ینطبق علیه العناوین المتقابلة کعنوان السجودِ للّه و عنوان السجود للصنم.

فمحلّ النزاع هو الواحد المنطبق علیه العناوین المتخالفة لا المتعدّد المنطبق علیه العناوین المتقابلة و لایختصّ الواحد المذکور بالکلّی بل یشمل الجزئی و إن کان الجزئی خارجاً عن محل البحث لأنّ شأن الاُصولی هو أن یبحث عن الکلّی فتدبّر.

الجهة الثانیة: أنّ النزاع فی المسألة صغرویٌ لا کبرویٌ لأنّ البحث یقع فی أنّ الواحد العرفی المعنون بعنوانْین هل یکون واحداً حقیقیّاً حتّی یمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه لضرورة استحالة اجتماعهما فی الواحد الحقیقیّ أو لایکون واحداً حقیقیّاً لتعدد الجهات فیه بل یکون متعدّداً فی الحقیقة فیجوز اجتماع الأمر و النهی فیه باعتبار تعددها و علیه فالبحث عن کون الواحد العرفی واحداً حقیقیاً أو متعدّداً بحث صغرویٌ لأنّ البحث یرجع إلی أنّ الواحد العرفی هل یکون من مصادیق الواحد الحقیقی أو لایکون.

ویشهد لذلک بداهة کبری استحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد لاستحالة کون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً للمولی معا علی جمیع المذاهب و الاراء فلامجال للنزاع فیها بین الاعلام کما لایخفی.

وتحریر موضوع المسألة بجواز اجتماع الأمر و النهی أو امتناعه فی شیءٍ واحدٍ لایوجب أن یکون البحث کبرویّاً لأنّ الباعث علی عقد المسألة کذلک هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی متعلّق الأمر والنهی هل یقتضی تعدّد المعنون و المتعلّق أو لایقتضی و هذا الباعث لیس واسطةٌ لثبوت المحمول لموضوعه من دون مدخلیّة له فی ذلک بل یکون من الجهات التقییدیة للموضوع و علیه فمع تقیّد موضوع المسألة و هو جواز الاجتماع و عدمه بوحدة الموضوع أو تعدّده یکون البحث صغرویّاً فلاتغفل.

ص:278

الجهة الثالثة: أنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة أنّ النهی فی العبادات هل یقتضی الفساد أولا واضحٌ لاختلاف الموضوع أو المحمول أو کلیهما إذ تمایز مسائل العلوم بهذه الاختلافات و الموضوع فی المقام هو الواحد العرفیّ المعنون بعنوانیْن ومحموله أنه واحدٌ حقیقیٌ أو متعدّدٌ والموضوع فی تلک المسألة هو النهی و محموله هو أنّه یقتضی الفساد أولا و البحث فی المقام بحثٌ صغرویٌ کما عرفت بخلاف البحث فی تلک المسألة فإنّه بحثٌ عن وجود الملازمة بین النهی والفساد کما لایخفی.

الجهة الرابعة: أنّه یکفی لکون المسألة مسألة اصولیّة وقوع نتیجتها بأحد طرفیها فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة الفقهیّة من دون حاجةٍ إلی وساطةِ شیءٍ آخر و لایضرّ فی ذلک عدم وقوع المسألة بطرفها الآخر فی طریق الاستنباط کذلک کما أنّ الأمر کذلک فی کثیر من المسائل کمسألة حجّیّة خبر الواحد ومسألة حجّیّة الظواهر فإنّهما تقعان فی طریق الاستنباط علی القول بحجّیّتهما لا علی القول بعدمها کما لایخفی مع أنّه لاشُبهة فی کونهما من المسائل الأصولیّة.

وعلیه فمسألة جواز الاجتماع وعدمه مسألة اصولیّة لوقوع نتیجتها بأحد طرفیها وهو الجواز فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی وساطةِ شیءٍ آخر حیث یمکن أن یقال هذا المورد من موارد تعلّق الأمر و النهی بواحدٍ و حیث قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فی الواحد أمکن القول بصحّة العبادة المتوقفة علی قصد الأمر لوجود الأمر فی المورد و لاحاجةَ إلی واسطة شیءٍ آخر فی ترتّب النتیجة الفقهیّة و لایضرّ فی ذلک عدم ترتب فساد العبادة کذلک علی القول بالامتناع إذ اللاّزم علی القول بالامتناع هو إدراج المورد تحت تعارض دلیلی الوجوب والحرمة حتّی یجری علیه أحکامه لیستنبط من ذلک الحکم الفرعی فیحتاج الاستنباط إلی واسطة شیءٍ آخر کما لایخفی.

ص:279

وعلیه فلاوجه لجعل المسألة فی المقام من المبادی التصدیقیّة من جهة عدم ترتّب نتیجة فقهیّة علیها من دون واسطة شیءٍ آخر علی القول بالامتناع.

الجهة الخامسة: أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه عقلیّة لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و لیس البحث فی هذه المسألة عن حدود مدلول اللّفظ حتّی یکون من المباحث اللّفظیّة و لافرق فی ذلک بین أن یکون الموضوع هو اجتماع الأمر و النهی أو اجتماع الارادة و الکراهة الواقعیتیْن لأنّ البحث عن إمکان الاجتماع و عدمه فی الصورتیْن لا عن تعیین مدلول اللّفظ کما لایخفی.

الجهة السادسة: أنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع التضادّ وهو لایختصّ بنوع خاصّ من أنواع الایجاب و التحریم کالنفسیین التعینین العینیین بل التضادّ موجود بین الغیریین و التخییرین و الکفائیین و علیه فیجری النزاع فی جواز اجتماعهما و عدمه فیها أیضاً.

فکما یقع البحث عن جواز اجتماع مثل وجوب الصلاة مع حرمة الغصب فی الشیء الواحد المعنون بعنوان الصلاة والغصب وعدمه فکذلک یقع البحث عن جواز اجتماع الوجوب الغیری مع الحرمة الغیریة فی شیء واحد یکون معنوناً بعنوان مقدّمیّة الواجب ومقدّمیّة الحرام وعدمه أو عن جواز اجتماع الأمر التخییریّ مع النهی التخییری فی الشیء الواحد وعدمه مثل الأمر بالصلاة أو الصوم تخییراً بینهما و النهی عن التصرف فی الدار أو المجالسة مع الأغیار تخییراً فإذا صلّی و لم یصم و تصرف فی الدار و لم یترک المجالسة مع الأغیار اجتمع فی الصلاة فی الدار الأمر التخییری و النهی التخییری أو عن جواز اجتماع الوجوب الکفائیّ مع التحریم الکفائیّ فی فِعل واحد وعدمه.

وقد استثنی من ذلک بعض الأعلام الواجب و الحرام التخییرین بدعوی أنّهما لایجتمعان فی شیء واحد لأنّ مرد الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع باعتبار قیام

ص:280

مفسدة ملزمة بالمجموع لاالجامع بینهما ومرد الوجوب التخییری إلی ایجاب الجامع لاإیجاب کلّ منهما بخصوصه ومع تغایر المتعلّق لاتضادّ و لامنافاةَ.

ویمکن أن یقال: انّ إیجاب الجامع فی الوجوب التخییری ممنوعٌ لتعلّق الوجوب و الحرمة التخییرین بنفس الاُمور لا بالجامع الانتزاعی و علیه فینافی وجوب کلّ واحد تخییراً مع النهی عنه تخییراً.

الجهة السابعة: فی اعتبار قید المندوحة أی تمکّن المکلّف من امتثال الأمر فی موردٍ آخر غیر مورد الاجتماع.

الظّاهر من کلماتهم کجعل ثمرة جواز الاجتماع أن یکون المکلّف مثاباً و معاقباً و مأموراً به و منهیّاً عنه هو تقیّد محلّ النزاع بوجود المندوحة و إلّا فمع عدم المندوحة عند الامتثال لامعنی للثمرة المذکورة لاستحالة فِعلیّة التکلیفین مع عدم التمکّن من امتثالهما ومع عدم فعلیتهما لامجال للثمرة المذکورة ولامورد للنزاع للاتّفاق علی الامتناع کما لایخفی.

ودعوی أنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال لاالرجحان الذاتی الصالح للتقرّب به وعلیه فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من جهة رفع التضادّ فکذلک یکفی من حیث ترتّب الثمرة وهی صحة الصلاة إذا أتی بها بقصد الرجحان الذاتی فإذا أمکن ترتّب الثمرة صحّ اتصاف المکلّف بإصابة الثواب و العقاب و لاینافی ذلک مع الاتّفاق علی امتناع اجتماع الأمر و النهی.

مندفعةٌ بأنّ ذلک لایساعد عنوان البحث من جهة جواز اجتماع الأمر و النهی إذ مع عدم وجود المندوحة لا أمر لعدم القدرة علی الامتثال نعم لو کان عنوان البحث هو صحّة العبادة مع تعدّد الجهة وعدمها، تمّ ما ذکر فتدبّر.

وعلیه فبعدما عرفت من اعتبار قید المندوحة یقع النزاع بعد وجود الأمر و النهی

ص:281

المتعلّقین بعنوانین و تمکّن المکلّف من امتثالهما بإتیان المأمور به فی غیر مورد الاجتماع فی أنّه هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی مصداقٍ واحدٍ و هل یصحّ امتثال الأمر باتیان المنهیّ بسوء الاختیار أو لایجوز و لایصحّ.

الجهة الثامنة: أنّه لایختصّ النزاع فی مسألة جواز الاجتماع وعدمه بما إذا تعلّقت الأحکام بالطبائع الکلّیة بل یجری فیما إذا تعلّقت بالطبائع الجزئیة أیضاً لمغایرة الطبیعة الجزئیة مع الطبیعة الجزئیة الاُخری کمغایرة الطبیعة الکلّیة مع الطبیعة الکلّیة الاُخری.

فالمصداق الخارجی عند تداخل الطبیعتین الجزئیتین فی الوجود الخارجی وإن کان وجوداً واحداً ولکنّ الذهنَ یفکّک بینهما کتفکیکه فی مصداق الطبیعتین الکلّیتین.

فکما أنّ تعدّد العناوین فی الطبائع الکلّیة أمکن أن یکون سبباً للقول بالجواز فکذلک تعدّدها فی الطبائع الجزئیة أمکن أن یکون سبباً لذلک حرفاً بحرف فالنزاع فی الجواز و الامتناع مثلاً أنّ الحرکة الخاصّة فی الدّار المغصوبة قد تلحظ بعنوان هذا الغصب مع قطع النظر من حیث کونها صلاة أیضاً و قدتلحظ بعنوان هذه الصلاة مع قطع النظر عن جهة کونها غصباً أیضاً و لاشکّ فی أنّ هذین اللحاظین متغایران فی الذهن و لاینافیان مع وحدة مصداقهما فی الخارج وعلیه فلایختصّ النزاع فی المسألة بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیة بل یعمّ صورة تعلّق الأحکام بالأفراد إذ المراد من الأفراد لیس الأفراد الخارجیة لأنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت بل المراد منها هی الطبائع الجزئیة الشخصیّة و هذه الطبائع قابلةٌ للملاحظة فی الذهن و یتعلّق الأحکام بها کالطبائع الکلیّة و ربّما یتداخلان فی الوجود الخارجی کما قد یتداخل الطبائع الکلیّة فی الوجود الخارجی ومع التداخل فی الوجود یقع فیهما النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی و امتناعه فمَن ذهب إلی الجواز نظر إلی موطن تعلّق الحکم فإنّ المتعلّق فی الذهن متعدّد و مَن ذهب إلی الامتناع نظر إلی تداخلهما فی الوجود الخارجی وعلیه فلاوجه

ص:282

لتخصیص النزاع بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیة فتدبّر جیّداً.

الجهة التاسعة: أنّ محلّ الکلام عند الإمامیّة فی اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کانا واجدین للمناط فیبحث حینئذٍ عن جواز اجتماع الحکمیْن و امتناعه مع کون کلّ واحد منهما ذا ملاکٍ ففی صورة الامتناع یرجع إلی مرجّحات باب المزاحمة دون صورة الجواز لعدم التزاحم بینهما علی القول بجواز الإجتماع کما لایخفی هذا بخلاف مورد التعارض و العلم بکذب أحدهما فإنّ مرجعه الی العلم بعدم وجود المناط فی أحد الطرفیْن وهو یخرج عن مورد التزاحم بل یرجع فیه إلی مقتضی القاعدة فی باب التعارض بناءً علی شمول الأخبار العلاجیة للعامّین من وجه و إلّا فیرجع إلی مقتضی الأصل وهو التساقط والرجوع إلی العموم أو الأصل فی المسألة.

ثمّ إنّ مقتضی التحقیق علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو التفصیل بین صورة المندوحة و عدمها ففی الاُولی یتقیّد ذو المندوحة بحکم العقل بغیر مورد التصادق ویرجّح علیه ما لامندوحة فیه لأنّه مقتضی الجمع فی الغرضین بحکم العقل ولاوجه لرفع الید من أحد الغرضین من دون موجب وفی صورة عدم المندوحة و عدم امکان الجمع بین الغرضین یرجع إلی مرجحات باب المزاحمة و الأخذ بأقوی المناطین.

وعلیه فما فی الکفایة من إطلاق الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة وترجیح أقوی المناطین غیر صحیح بإطلاقه لماعرفت من أنّ فی صورة المندوحة مقتضی الجمع بین الغرضین مهما أمکن هو ترجیح غیر ذی المندوحة و إن کان ذوها أقوی أو دلیله أظهر هذا مضافاً إلی أنّ الترجیح بالأظهریّة من مرجّحات باب التعارض لاالتزاحم والمقام من باب التزاحم.

إذ المفروض هو وجود الملاکین فی الطرفین کما هو واضحٌ.

ثمّ إنّ تمییز مورد التزاحم عن مورد التعارض یحصل بالعلم أو العلمیّ بوجود الملاک فی

ص:283

الطرفین فیکون من باب التزاحم أو بوجود الملاک فی أحدهما فیکون من باب التعارض.

ویمکن استکشاف وجوده فی الطرفین من ناحیة إطلاق الدلیل فی کلّ طرف ما لم یعلم إجمالاً بکذب أحد الطرفین فإنّ کلّ دلیل یدلّ بالدلالة المطابقیّة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و معنی ذلک هو ثبوت المقتضی و الشرط وعدم المانع من تأثیر المقتضی وعدم وجود المزاحم بحسب الوجود لمضمونه المطابقی فإذا قدّم أحد الدلیلین علی الآخر من جهة قوّته لایدلّ هذا الدلیل المقدّم إلّا علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر وأمّا عدم وجود المقتضی فلادلالة له لیکون حجّة فی قبال الحجّة الأخری الدالّة علی وجود المقتضی فی الطرف الآخر ومع إحراز وجود المقتضی و بقائه فی صورة الاجتماع یندرج المتعارضان بنحو العموم من وجه فی باب المتزاحمین فیما إذا لم یعلم بکذب أحدهما.

ویترتّب علیهما ما یترتّب علی المتزاحمین و قدعرفت عدم التزاحم علی القول بالجواز و اختصاص التزاحم بصورة الامتناع و ترجیح غیر ذی المندوحة علی ذیها و تقیید ذی المندوحة بغیر مورد التصادق و الأخذ بالأقوی منهما مناطاً مع عدم وجود المندوحة فتدبّر جیّداً.

الجهة العاشرة: فی ثمرة بحث جواز الاجتماع وامتناعه و لایخفی علیک أنّ جماعة من الأصحاب فصّلوا بین الجواز و الامتناع أو بین صورة العلم والجهل فی صحّة العبادة و عدمها ولکنّ التحقیق عدم صحّة التفصیلات المذکورة.

وذلک لأنّ علی القول بالجواز یتحقّق الامتثال و لسقط الأمر باتیان المجمع ولو فی العبادات و إن کان معصیة للنهی أیضاً عند وجود المندوحة و العلم بالغصب.

و لاکلام فیه فی صورة الجهل بالموضوع أو الحکم قصوراً لتعدّد الملاک و وجود

ص:284

الأمر علی الطبیعة حیث إنّ تقیید المأمور به بحکم العقل بغیر مورد التصادق من جهة أنّ المنهی عنه طبیعة مرسلة و المأمور به صِرف الوجود لاینافی وجود الملاک فی الطرفین إذ التقیید العقلی لایوجب تقیید الملاک.

وإنّما الکلام فی صحّة العمل مع العلم بالموضوع و الحکم و وجود المندوحة فانّه ربّما یفصّل فی الصحّة وعدمها بین ما إذا کان الترکیب بین الخصوصیّة العبادیّة والخصوصیّة المحرّمة اتّحادیاً فلاتصحّ العبادة لعینیّة حرکة العبادیّة مع الخصوصیّة المحرّمة ومع العینیّة لاتصلح حرکة العبادیّة للمقربیّة إذ هی بعینها مبعّدة و المبعّد لایکاد یکون مقرّباً.

وبین ما إذا کان الترکیب بینهما إنضمامیّاً فتصحّ العبادة فإنّ حرکة العبادیّة حینئذٍ مغایرة مع الخصوصیّة المحرّمة فلامانع مع المغایرة من أن تکون حرکة العبادیّة مقرّبة.

والتحقیق أنّ الاتّحاد الخارجی لایوجب البطلان بعد کون الوجود الخارجی مصداقاً لکلّ واحد من الخصوصیّة العبادیّة و الخصوصیّة المحرّمة إذالوجود الخارجی المذکور مقرّب بما هو مصداق للخصوصیّة العبادیّة ومبعّد بما هو مصداق للخصوصیّة المحرّمة ولیس المقرّب بما هو المبعّد مقرّباً حتّی لایمکن ذلک غایته هو تقارن المقرّب مع المبعّد و لاضیر فیه.

وعلیه فالتفصیل المذکور علی القول بالجواز لا وجه له لما عرفت من أنه یمکن القول بالصحّة سواءً کان الترکیب الخارجی إتّحادیّاً أو إنضمامیّاً لأنّه باتیانه أطاع وعصی ولادلیل علی اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم فی صحّة العبادة کما لایخفی نعم العقل یحکم بلزوم إتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق عند وجود المندوحة جمعاً بین الغرضین ولکنّ إذا عصی المکلّف و أتی بمورد التصادق فالأقرب هو الصحّة سواءً کان الترکیب إتّحادیّاً أو إنضمامیّاً.

ص:285

ودعوی أنّ الغرض من التکلیف حیث إنّه کان جعل الدّاعی للمکلّف نحو الفعل فمقتضاه هو کون متعلّقه مقدوراً ضرورة استحالة جعل الدّاعی نحو الممتنع عقلاً و شرعاً و نتیجة ذلک هی أنّ متعلّق التکلیف حِصّة خاصّة من الطبیعة وهی الحِصّة المقدورة عقلاً و شرعاً و علیه فلایمکن تصحیح العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز لعدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیها.

مندفعةٌ بأنّ مجرّد کون الغرض من التکلیف هو جعل الدّاعی لایوجب تقیید المتعلّق بالحِصّة الخاصة شرعاً لأنّ غایته هو الاستدلال العقلی علی لزوم کون المتعلّق مقدوراً هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار القدرة شرعاً علی فرض التسلیم لایقتضی إلّا کون المتعلّق مقدوراً فی الجملة ولو باعتبار القدرة علی بعض أفراده ضرورة کفایة ذلک فی البعث نحو المتعلّق علی نحو ضرب القانون.

لایقال: أنّ ملاک الأمر إنّما یصلح للتقرّب به فیما إذا لم یکن مزاحماً بالقبح الفاعلی و إلّا فلایکون صالحاً للتقرّب فإنّ صحّة العبادة کما هی مشروطة بالحُسن الفعلی بمعنی أن یکون الفعل فی نفسه محبوباً وحَسَناً فکذلک هی مشروطة بالحُسن الفاعلی والمفروض فیما نحن فیه أنّه لیس کذلک ضرورة أنّ المکلّف بایجاد الصلاة فی الأرض المغصوبة أوجد أمرین أحدهما الصلاة والآخر الغصب لا أنّه أوجد الصلاة فحسب و علیه فلامحالة یکون موجدهما مرتکبا للقبح فی إیجاده ومعه یستحیل أن یکون الفعل الصادر منه مقرّباً.

لأنّا نقول: إنّ الموجد إذا أوجد المجمع أوجد أمرین أحدهما الصلاة والآخر الغصب فکما أنّ الصلاة غیر الغصب فی الوجود الوحدانی فکذلک الموجد للصلاة مغایرٌ مع الموجد للغصب وارتکاب القبح لایکون إلّا باعتبار إیجاده الغصب لا باعتبار إیجاده الصلاة.

ص:286

ومجرّد ملازمة إیجاد ذاک لهذا لایوجب سرایة القبح من هذا إلی ذاک فالفاعل باعتبار إیجاده للصلاة حسن فمع وجود الحُسن الفعلی والفاعلی فلِمَ لاتکون العبادة صحیحة هذا کلّه بناءً علی القول بالجواز و قد عرفت عدم صحة التفصیلات المذکورة علیه.

وأمّا علی القول بالامتناع وسرایة الحکم من العنوان إلی معنونه فی مورد التصادق یستحیل اجتماع الأمر و النهی فی المعنون و لابُدّ من ترجیح أحدهما علی الآخر.

فإن رجّح جانب الأمر کما إذا لم تکن مندوحة فلااشکال فی صحّة العبادة لوجود الملاک والأمر.

فإن قدّم جانب النهی کما إذا کانت المندوحة فتقدیم النهی لیس بمعنی أنّ ملاکه أقوی من ملاک الأمر بل من جهة أنّ المنهیّ عنه طبیعة مرسلة ولابدل لها بخلاف المأمور به فإنّ المطلوب فیه الوجود أو صِرف الوجود فیتزاحمان کتزاحم الواجب الموسّع و الواجب المضیّق فکما أنّ الموسّع یتقیّد بزمان غیر المضیّق فکذلک المأمور به یتقیّد بغیر مورد التصادق و حیث إنّ التقیید المذکور عقلیٌ لا شرعیٌ فالمأمور به فی مورد التصادق و إن کان أمره ساقطاً ولکنه ذو ملاکُ لأنّ کلّ مورد یحکم العقل بالتقیید لایوجب سلب الملاک عنه ولذا لو ارتفعت المزاحمة أو التعذّر کان کما لامزاحم له من أوّل الأمر.

و لافرق فی ذلک بین صورة جهل المکلّف بحکم الغصب أو موضوعه و بین العلم بهما وعلیه أمکن القول بصحّة عبادة من توسّط فی الأرض المغصوبة ولو مع العلم والعمد إذ عبادته فی الدّار المغصوبة عین صلاته فی خارجها من جهة وجدان الملاک ومن جهة کونه مختاراً فی إیجادها.

ودعوی أنّ العالم العامد لایتمشّی منه قصد القربة لاتّحاد العبادة مع الغصب و الغصب مبعّد و المبعّد لایکون مقرّباً.

ص:287

مندفعةٌ بمنع عدم التمشّی بعد مشاهدة تمشّی ذلک من العوام الّذین یعلمون الحرمة و مع ذلک یقصدون القربة و الوقوع أدلّ شیء علی الإمکان.

والسّرّ فیه أنّ الماتی به مصداق للعبادة و الغصب کلیهما و الآتی به یقصد القربة من جهة الإتیان بالعبادة.

لانقول: علی الامتناع بجواز الإتیان بالعبادة تکلیفاً فی مورد التصادق لحرمة الاتیان بها فی محلّ مغصوب ولکن لو عصی و أتی بالعبادة فی مورد التصادق لایوجب إرتکاب الحرام بطلان العبادة إذ لایجب فی صحّة العبادة إلّا أن یُؤتی بها للّه و المفروض أنّه حاصلٌ و لادلیلُ علی اشتراط عدم اتّحادها مع المحرّم فی صحتها.

وما ذکره الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم فی باب اشتراط اباحة المکان أو اباحة اللباس للمصلّی مبنیٌّ علی القواعد لضعف الأدلّة السمعیة المذکورة هناک و قدعرفت أنّ مقتضی القواعد لیس کذلک.

ویشهد لما ذکرناه حکمهم بصحّة الصلاة فی الدّار المغصوبة حال الخروج عند تضیّق الوقت سواءً توسّط الدار بسوء الاختیار أو بدونه مع أنّ الاتّحاد لو کان موجباً لسلب الملاک فلامجال للحکم بالصحّة فی هذا الفرض لکون الخروج غصب و الصلاة متّحدة معه و التصرّف فی الدار المغصوبة ولو بالخروج مبغوض إذا دخل بسوء الاختیار و إن سقط عنه النهی فِعلاً.

فکما أنّ مبغوضیّة الخروج ومبعّدیته فی حال تضیّق الوقت لاینافی صحّة صلاته و تمشّی منه قصد القربة فکذلک فی غیر حال تضیّق الوقت و یشهد أیضاً لما ذکرناه حکم الأصحاب بوجوب الصلاة علی من توسّط فی الدّار المغصوبة مع العلم و العمد و لم یتمکّن من الخروج منها مع أنّ مکثه فیها مبغوض لکونه داخلاً فیها بسوء الاختیار و متّحد مع الصلاة.

ص:288

فوجود الملاک یکفی فی الحکم بالصحّة أیضاً علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی.

و دعوی أنّه لاطریق لنا إلی إثبات وجود الملاک فإنّه کما یمکن أن یکون سقوط الحکم عنه من ناحیة المانع فکذلک یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک ولاترجیحّ.

مندفعةٌ بأنّ الأمر المتعلّق بالطبیعة یکشف عن وجود الملاک و المحرز من المزاحمة هو رفع الأمر لا رفع الملاک و لاوجه علی رفع الملاک بعد ثبوته باطلاق الخطاب إذ المفروض أنّ التقیید عقلیٌ لاشرعیٌ.

نعم لو ذهب الامتناعی إلی عدم وجود ملاک الأمر فی ناحیّة العبادة عند وجود المندوحة أمکن له القول بالبطلان مع العلم بموضوع الغصب و حرمته بل لازم عدم وجود الملاک عند وجود المندوحة هو القول بالبطلان فی صورة الجهل أیضاً لفقدان الملاک و هو لایناسب التفصیل المنسوب إلی المشهور بین صورة العلم و بین صورة الجهل القصوریّ.

وبالجملة فمقتضی ما ذکرناه هو القول بصحّة العبادة علی کلّ تقدیر سواءٌ قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی أو لم نقل وسواءٌ علم بالغصب موضوعاً و حکماً أو لم یعلم و التفصیلات المذکورة فی الکفایة من جهة الحکم الوضعی بین الاضطرار بسوء الاختیار و بدونه أو بین العلم و الجهل و النسیان محلّ نظرٍ لما ذکرناه ودعوی الإجماع علی البطلان فی صورة العلم مندفعةٌ أوّلاً بمنع الاجماع و ثانیاً بأنّه غیر کاشف مع احتمال کون مدرکهم هو القواعد و الوجوه المذکورة.

والاستدلال ببعض الروایات مع ضعفها و عدم ثبوت انحبار ضعفها بعمل الأصحاب لایکفی لاثبات البطلان فی بعض الصور فالتفصیلات المذکورة فی المقام بعنوان الثمرة فی غیر محلِّها.

ص:289

بین المختار و مقدّماته:

إذا عرفت الجهات العشرة فالمختار هو جواز الاجتماع و بیان ذلک یحتاج إلی تمهید مقدّمات.

أوّلها: أنّ متعلّق الأوامر و النواهی هی العناوین لا الوجود الخارجی وإلّا لزم تحصیل الحاصل عند البعث إلیه أو المناقضة عند الزجر عنه.

وحیث إنّ العناوین متعدّدةٌ لایجتمع الأمر و النهی فی واحدٍ ولافرق فی ذلک بین أن یکون بین الأحکام مضادّة أو لا، لأنّ الأحکام ولو کانت متضادّة لامانع من تعلّقها بالعناوین المتعدّدة و إنّما المحذور فیما إذا تعلّقت بالواحد الحقیقیّ و المفروض أنّها متعلّقة بالعناوین المتعدّدة لا بالواحد فالبحث عن تضادّ الأحکام وعدمه غیر لازم.

ثانیها: أنّ کلّ عنوان یحکی عن معنونه إذا کان له واقعیة فی نفس الأمر ومقتضی ذلک هو تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و لایضرّ الوجود الوحدانیّ بتعدّد المعنون بعد کونه مصداقاً للعناوین المتعدّدة والذهن یقدر علی تفکیک ما هو فی الخارج ولو کان متّحداً مع غیره و بعد التفکیک یکون متعلّق کلّ حکم مغایراً مع متعلّق الآخر و مقتضی المغایرة بین المتعلّقین هو جواز اجتماع الأمر و النهی.

فالتفصیل بین الترکیب الإنضمامیّ و الاتّحادیّ فی الواحد الخارجی و القول بالامتناع علی الثانی و الجواز علی الأول أجنبی عن المقام لما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن لا الخارج و المفروض أنّ الذهن یقدر علی تفکیک العناوین الصادقة علی الواحد الخارجی و إن کان الترکیب اتّحادیّاً لاإنضمامیّاً.

ثالثها: أنّ المحذور من اجتماع الأمر و النهی إن کان هو وحدة المتعلّق فلامورد له بعدما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایرُ لمتعلّق

ص:290

النهی فلاوحدة فی المتعلّق ومع عدم الوحدة لایکون التکلیف تکلیفاً محالاً وإن کان المحذور هو التکلیف بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرّب بالمبعّد فالجواب عن الأوّل بأنّه یلزم لو کان التکلیف متعلّقاً بجمیع الأفراد أو الطبیعة الساریة و الفانیة فی الأفراد بخلاف ما إذا کان التکلیف متعلّقاً بصِرف الوجود و المفروض أنّ المندوحة موجودة إذ لامنافاة بین التکلیف بصرف وجود الطبیعة و التکلیف بعدم وجود المنهی عنه مطلقاً لإمکان الإتیان بصِرف الوجود فی غیر مورد المنهی فامتثال الأمر و النهی مقدورٌ بإتیان صِرف الوجود فی غیر مورد النهی.

والجواب عن الثّانی وهو نقض الغرض بأنّه لا مورد له لأنّ المکلّف یقدر علی الامتثال فی مفروض الکلام وهو وجود المندوحة بإتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق و ترک مورد التصادق حتّی یجمع بین الغرضین والجواب و لعل منشأ توهم عدم تحقق المقربیة فیما اذا اتحد الصلاة مع الغصب هو عدم الالتفات إلی ان الحیثیات متعددة حتی فی صورة الاتحاد لان الوجود الخارجی مصداق للغصب و الصلاة و دعوی عدمه حصول المقربیة لان التقرب یوجب التقدم نحو المحبوب و الغصب یوجب التأخر و التولی مندفعة بان التقدم و التقرب و استحقاق الثوبة حاصل باتیان الصلاة کما انه مستحق للعقوبة بحیثه الغصب. عن الثالث بأنّ التقرب لیس بحیثیّة مبعّدة بل بحیثیّة مقرّبة و إن اتّحدا فی الخارج فی الوجود لما عرفت من تعدّد الحیثیّات و المعنونات.

فإذا عرفت المقدّمات المذکورة انقدح أنّه لامحذور و لامانع من اجتماع الأمر و النهی فی الواحد الّذی انطبق علیه العنوانان یکون بأحد العنوانین مأموراً به و بالآخر منهیّاً عنه لأنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایرٌ مع متعلّق النهی و لایلزم من التکلیف بهما تکلیفٌ محال لتعدّد متعلّقهما کما لایلزم من ذلک التکلیف بمحال مع إمکان امتثال الأمر فی غیر مورد التصادق إذ المفروض وجود المندوحة و

ص:291

الأمر متعلّق بصِرف الوجود و علیه فلامجال لدعوی نقض الغرض من تعلّق الأمر و النهی بالواحد المذکور لأنّ الغرض فی الطرفین حاصلٌ إذ غرض الأمر متحقّق بالاتیان به ولو فی غیر مورد التصادق و الغرض من النهی هو ترک الطبیعة بترک جمیع أفرادها وهو حاصل إذا اکتفی فی امتثال الأمر بغیر مورد التصادق.

فتحصّل: أنّ المختار هو جواز الاجتماع فیما إذا کانت المندوحة موجودة و لامانع من صحّة العمل لإمکان التقرّب بالحیثیّة المقرّبة و إن عصی و أتی بمورد التصادق لأنّ الواحد المذکور مصداق للحیثیتین کما لایخفی.

تصور اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة

لا اشکال فی تصور ذلک بناءً علی القول بالجواز لأنّ النسبة بین العبادة و العنوان المکروه: إمّا تکون هی العموم من وجه کالصلاة المندوبة مع الکون فی مواضع التهمة ففی هذه الصورة یتعدّد العنوان فی مورد الاجتماع ومع التعدّد لا منافاة بین الاستحباب و الکراهة کما هو الواضح.

وإمّا النسبة بین العبادة والعنوان المکروه هی الأعمّ و الأخصّ المطلق ففی هذه الصورة فإن أخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم (صلّ و لاتصلّ فی الحمام) ففی جریان جواز الاجتماع إشکالٌ لأنّ المطلق عین ما أخذ فی المقیّد ومع العینیّة لایعقل تعلّق الحکمین المختلفین بالطبیعة الواحدة ولو فی الذهن و علیه یجری حکم الامتناع فیحمل النهی علی الارشاد إلی سائر الأفراد لعدم امکان تعلّق النهی مع الأمر بالطبیعة الواحدة أو یخصّص النهی بالمشخّصات الخارجة عن الطبیعة الواحدة کایقاع الصلاة فی الحمام.

وإن لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم (حرّک ولاتدن إلی موضعٍ کذا) فیجوز اجتماع الأمر والنهی فیه لتعدّد العنوان وإن کانت النسبة بینهما بحسب المورد هی الأعمّ و الأخصّ، فتأمّل.

ص:292

هذا کلّه بالنسبة إلی تعلّق الأمر و النهی بعنوانین مختلفین اللذین یجتمعان فی الوجود الخارجی.

وأمّا إذا تعلّق النهی بذات العبادة و لابدل لها کصوم یوم عاشوراً أو الصلوات المبتداة عند غروب الشمس و طلوعها.

فإن أمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر کعنوان الموافقة مع بنی أمیّة أو التشابه بعبدة الشمس فلا اشکال فی اجتماع الأمر و النهی إذ مرجع ذلک إلی تعدّد العنوان لأنّ الأمر متعلّق بذات العبادة و النهی راجع إلی عنوان آخر کالموافقة مع بنی أمیّة أو المشابهة بعبدة الشمس وإن لم یمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر فمقتضاه هو لزوم رفع الید عن الأمر و الحکم بفساد العبادة لدلالة النهی علی مرجوحیّة المتعلّق و هو لایجتمع مع مقرّبیة المتعلّق بعد فرض عدم کونه معنوناً بعنوان آخر.

وبالجملة فمع تعدّد العناوین والقول بالجواز لا إشکال فی اجتماع الأمر والنهی فی العبادات المکروهة ولاحاجة إلی دعوی سقوط الأمر عن الفِعلیة أو حمل النهی علی الاقتضائی بل مقتضی ظاهر هما هو بقائهما علی الفِعلیة و هما یحکیان عن وجود المصلحة فی متعلّق الأمر والمفسدة فی متعلّق النهی من دون کسر و انکسار فی مصلحة المأمور به ومن دون تزاحم بینهما مثلاً إذا قال المولی لعبده جئنی بماءٍ فی البلور و لاتأت به فی الخزف فإذا تخلّف العبد و أتی بالماء فی الخزف لایتغیر مصلحة الماء وهو رفع العطش بل هو باقٍ علی ما هو علیه من دون کسر و انکسار و إنّما عصی مولاه لعدم إتیانه فی ظرف یلیق بشأنه وهو مفسدة غیر مرتبطة بمصلحة الماء فإذا کانت المصلحة و المفسدة باقیتین فالأمر و النهی باقیان علی المولویة و لایحملان علی الارشاد إذ لاتزاحم بینهما.

ص:293

وممّا ذکر یظهر حکم اجتماع الوجوب مع الاستحباب أو مع الوجوب أو حکم اجتماع الحرام مع الحرام أو اجتماع المستحبّ مع المستحب فإنّ بناء علی جواز الاجتماع لااشکال فی اجتماعهما مع تعدّد العنوان إذ لامزاحمة بینهما فی مقام الامتثال کما لایخفی.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: فی حکم الاضطرار إلی ارتکاب الحرام کالتصرّف فی الدّار المغصوب وهو علی أقسام:

أحدها: أن یکون المکلّف مضطراً إلی ارتکاب الحرام من دون سوء الاختیار و لااشکال فی هذه الصورة فی سقوط الحرمة و الحکم التکلیفی إذ لا قدرة له والتکلیف بما لایطاق قبیح هذا مضافاً إلی صحاح تدلّ علی رفع التکلیف عند الاضطرار ولاإشکال أیضاً فی صحّة صلاته فی الدّار المغصوبة بعد اضطراره إلی السکونة فیها وعدم المندوحة.

وعلیه فیجوز له أن یصلّی فیها مع الرکوع والسجود و لایجب علیه الاقتصار علی الایماء والاشارة بدلاً عنهما وذلک لمنع التصرّف الزائد بالرکوع والسجود إذ لایتفاوت فی إشغال المحلّ بین أن یرکع أو یؤمی إلیه.

نعم لو حصلت له المندوحة لایجوز له أن یصلّی فیها بل یجب علیه أن یخرج منها و یصلّی فی خارجها إن وسع الوقت و إلّا فمع ضیق الوقت یجب علیه أن یصلّی فی حال الخروج إذ الصلاة لاتسقط بحال.

ثانیها: أن یکون الإضطرار إلی إرتکاب الحرام بسوء الاختیار کما إذا دخل فی الدّار بدون إذن صاحبها و انحصر التخلّص منها بالتصرّف الخروجی.

یقع الکلام حینئذٍ فی مقامین:

ص:294

المقام الأوّل: فی بیان الحکم التکلیفیّ للخروج الّذی صار اضطراریّاً بسوء الاختیار و هنا أقوال:

أحدها: هو اجتماع الوجوب و الحرمة فی الخروج وفیه أنّه لامجال له بعد اعتبار المندوحة فی باب اجتماع الأمر و النهی إذ المفروض أنّه لامندوحة له بالنسبة إلی التصرّف الخروجی ومع عدم المندوحة تکلیفه بوجوب الخروج مع حرمته تکلیف بالمحال.

وثانیها: هو وجوب الخروج مع جریان حکم المعصیة علیه بعد سقوط النهی عنه بالاضطرار وهو منسوبٌ إلی صاحب الفصول و مختار استاذنا المحقّق الداماد قدس سره و هو أقوی الأقوال.

أمّا وجوب الخروج فمن جهة کون الخروج من مقدّمات ردّ المغصوب وهو واجبٌ و أمّا سقوط النهی عن الخروج مع کونه تصرّفاً غصبیاً فللاضطرار.

ثالثها: أنّ الخروج واجبٌ من دون جریان حکم المعصیة علیه وهو ظاهر البطلان بعد کون الاضطرار الیه بسوء الاختیار.

رابعها: أنّ الخروج حرامٌ فِعلی ولاوجوب له و فیه أنّ الخروج مقدّمة للواجب الأهمّ وهو وجوب ردّ المغصوب و المقدّمة الموصلة واجبة بوجوب ذیها و الحرمة الفِعلیة لشیءٍ مع فرض الاضطرار إلیه مستحیلة فمع الاستحالة یسقط الحرمة و یبقی عقوبته بسوء الاختیار لأنّ الاضطرار بسوء الاختیار لایمنع عن العقوبة.

خامسها: أنّه لا وجوب و لاحرمة للخروج مع جریان حکم المعصیة علیه وفیه أنّ نفی الوجوب مع کونه من مقدّمات وجوب ردّ المغصوب غیر مسموع و ممّا ذکر یظهر أنّ أقوی الأقوال هو القول الثانی فلاتغفل.

ص:295

المقام الثانی: فی بیان الحکم الوضعی عند الاضطرار إلی الخروج.

ولایخفی علیک صحّة الصلاة عند الاضطرار إلی الخروج باتیانها مع الایماء بالرکوع و السجود حال الخروج الاضطراری وضیق الوقت عن الاتیان بها فی خارج الدّار.

بل المختار هو صحّة الصلاة مطلقاً ولو عصی فی إتیانها سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل و سواء علم المضطرّ بحکم الغصب أو موضوعه أو لم یعلم و سواء وسع الوقت أو لم یسع وسواء تمکن من إقامة الصلاة فی خارج الدار المغصوبة مع الشرائط الکاملة أو لم یتمکّن و ذلک لما مرّ من تمامیّة الملاک و عدم إحراز دلیل لاشتراط خلوّ العبادة عن اقتران محرّم من المحرّمات.

نعم من تمکّن من إقامة الصلاة فی خارج الدّار المغصوبة مع شرائطها الکاملة وأتی بها فی الدار المغصوبة مع الایماء بالرکوع و السجود عند الخروج لایصحّ صلاته لإنّه اکتفی بوظیفة العاجز مع تمکّنه من الاتیان بصلاة القادر.

التنبیه الثانی: أنّه وقد ذکرنا اختصاص اجتماع الأمر و النهی بوجود الملاک فی الطرفین و علیه فلاتعارض بینهما لوجود الملاک فی الطرفین علی المفروض بل و لاتزاحم بینهما مع وجود المندوحة لامکان الجمع بینهما بتقدیم النهی وإتیان المأمور به فی مکان آخر جمعاً بین الغرضین کما هو مقتضی القاعدة عند تزاحم المضیّق مع الموسّع کوجوب الإزالة و وجوب الصلاة.

وعلیه فمع وجود المندوحة و إمکان الجمع المزبور لامجال للرجوع إلی تقدیم جانب الأقوی ملاکاً إذ لا وجه لرفع الید عن أحد الغرضین ولو کان فی غایة الضعف لأجل الآخر ولو کان فی غایة القوّة بعد إمکان إحرازهما معاً کما هو المفروض مع وجود المندوحة نعم یقع التزاحم بینهما مع عدم وجود المندوحة حتّی علی القول

ص:296

بالاجتماع لعدم التمکّن من إمتثالهما مع عدم وجود المندوحة فاللازم حینئذٍ هو تقدیم الأقوی ملاکاً إن کان وإلّا فالحکم هو التخییر من دون فرق بین الامتناع و جواز الاجتماع إذ لایجوز التکلیف بهما فإنّه تکلیف بما لایطاق.

ودعوی اختصاص الرجوع بالأقوی ملاکاً بالقول بالامتناع لاوجه لها بعد عدم إمکان امتثالهما لعدم وجود المندوحة کما لایخفی.

ثمّ إن کان الأقوی ملاکاً معلوماً فهو و إلّا فالحکم هو التخییر عند عدم وجود المندوحة و تزاحم الأمر و النهی فی مقام الامتثال.

ودعوی تعارض الخطابین من جهة تشخیص الأقوی ملاکاً فیرجع إلی المرجّحات السندیّة فیقدّم الأقوی منهما دلالةً أو سنداً ویکشف بذلک أنّ مدلوله أقوی ملاکاً مندفعةٌ أوّلاً باختصاص المرجّحات السندیّة بمدارک حکم الحکمین لاختصاص المقبولة بذلک و ثانیاً بأنّ مجرّد أقوائیّة السند لأجل أعدلیّة الراوی مثلاً لایکشف عن أقوائیّة ملاک مدلول الخبر.

التنبیه الثالث: فی حکم التردّد بین التزاحم أو التعارض و کیفیّة إحراز الملاک فی الطرفین.

لا إشکال فی وجود الملاک فی الطرفین علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة لوجود الکاشف عن الملاک فی الطرفین إذ المفروض هو فِعلیة الأمر و النهی علی هذا القول فی الطرفین لعدم المزاحمة بینهما و یستکشف من اطلاق کلّ واحد من الأمر و النهی عن وجود الملاک.

وأمّا علی القول بالامتناع أو الاجتماع مع عدم المندوحة فقد یقال بأنّه لا طریق لنا إلی احراز وجود الملاک فی الطرفین مع عدم فِعلیة الأمر و النهی معاً فیهما.

ص:297

وعدم اجتماع الخطابین فیهما یمکن أن یکون لعدم وجود المقتضی فی کلّ طرف لاللتزاحم و غلبة أحدهما علی الآخر فالمرجع حینئذٍ هو الاُصول العملیّة بعد عدم جریان الأخبار العلاجیّة فی العامّین من وجه لاستلزام جریانها لطرح المرجوح مطلقاً ولو فی مورد الافتراق بعد عدم إمکان التبعیض فی الحجّیّة وهو کما تری فیؤخذ بالبراءة الشرعیّة بالنسبة إلی الوجوب والحرمة ویحکم بالاباحة بالنسبة إلی الفعل والترک.

یمکن أن یقال: إن کانت الخطابات بالنسبة إلی مورد الاجتماع شخصیّة فلایمکن اجتماعهما ولاکاشف حینئذٍ عن وجود الملاک فی الطرفین.

وأمّا إذا کانت الخطابات متعلّقة بالطبیعة المطلقة الحاکیة عن أفرادها فالخطاب بالاطلاق الذاتی مع قطع النظر عن المزاحم موجود ومع إحراز وجود الخطاب یکشف عن وجود الملاک فی کلّ طرف.

ومزاحمة الخطاب الآخر إنّما توجب رفع فِعلیة أحد الخطابین لارفع الملاک و لادلیل علی رفع الملاک بعد ثبوته بالاطلاق الذاتی.

وحکم العقل بتقدیم النهی أو الأمر علی تقدیر الامتناع أو علی فرض عدم وجود المندوحة والقول بالاجتماع لایدلّ علی سلب الملاک لأنّ التقیید عقلیٌ ولیس بشرعیٍ.

وعلیه فمع دلالة کلّ خطاب علی وجود الملاک فی الطرفین یندرج المورد فی المتزاحمین ویحکم علیه بالتخییر لو لم یکن دلیل علی ترجیح أحد الملاکین و لامورد للمرجوع إلی الاُصول العملیّة کما لایخفی.

نعم علی القول بالامتناع و تعلّق الخطاب بما یصدر عن الفاعل فی الخارج لاعلم بوجود الخطابین بعد افتراض إستحالة تعلّقهما بالواحد الخارجی.

فحینئذٍ أمکن الرجوع إلی البراءة الشرعیّة بالنسبة إلی خصوص الوجوب أو الحرمة و یکون الحکم هو الاباحة بالنسبة إلی الفعل والترک فتدبّر جیّداً.

ص:298

التنبیه الرابع:

فی مقتضی القواعد من جهة الحکم الوضعی و قدعرفت ممّا تقدّم أنّ مقتضی المختار من جواز الاجتماع و کفایة تعدّد الحیثیّة و الملاک فی صحّة العبادة وعدم وجود دلیل علی اشتراط خلوّ جهة العبادة عن جهة المبغوضیّة هو الحکم بصحّة العبادة ولو مع العلم و العمد فضلاً عن الجهل و النسیان و الاضطرار.

بل قلنا أمکن القول بالصحّة علی الامتناع و تعدّد الملاک ولو کان الترکیب بینهما ترکیباً اتّحادیّاً لصدق العنوانین علیه فلامانع من أن یأتی به بقصد العنوان المقرّب ولو لم یخل عن صدق العنوان المبعّد لعدم اشتراط خلوّ جهة العبادة عن العنوان المبعّد.

لایقال: لازم ذلک هو کون الموجود الخارجی محبوباً و مبغوضاً وهو محال لأنّا نقول إن المحبوبیّة و المبغوضیّة لیستا من الصفات القائمة بالموضوع خارجاً کالسواد والبیاض بل هما من الکیفیّات النفسانیّة ولابدّ من أن یتشخّص کلّ واحد بما هو حاضر لدی النفس بالذّات وهو الصورة الحاصلة فیها ولذا قد تنسب المحبوبیّة إلی ما لیس موجوداً فی الخارج مع أنّه ممتنعٌ لو کان مناط الانتساب هو قیام صفة خارجیّة بالموضوع الخارجی.

فإذا کان الأمر کذلک یمکن أن یتعلّق الحُبّ بعنوان و البُغض بآخر فیکون الموجود الخارجی محبوباً و مبغوضاً من جهة کون العنوانین موجودین بوجود واحد.

وعلی ما ذکرنا أمکن القول بصحّة العبادة مطلقاً ولومع العلم والعمد فضلاً عن الجهل و النسیان و الاضطرار و التفصیل بین العلم وغیره مبنیّ علی الاحتیاط أو تمامیّة الأدلّة الخاصّة المذکورة فی الفقه و أمّا إذا قلنا بعدم الوجه للزوم الاحتیاط لأنّ الأدلّة الخاصّة ضعیفة و الاجماع المدّعی فی المقام محتمل المدرک فمقتضی القاعدة هو الصحّة مطلقاً.

ولو سلّمنا عدم تمامیّة ما ذکرناه من صحّة العبادة بمقتضی القاعدة فالعبادة فی صورة

ص:299

العلم و العمد باطلةٌ و فی صورة النسیان و الاضطرار صحیحةٌ لقیام الدلیل الخاص علی رفع شرطیّة الاباحة بسبب النسیان أو الاضطرار.

وأمّا الصحّة عند الجهل بالموضوع أو الحکم فهی غیر واضحةٍ بعد کون الدلیل یفید الحکم الظاهری إذ مع کشف الخلاف لا مجال للدلیل بعد حصول العلم.

والقاعدة علی المفروض غیر تامّةٍ أللّهمّ إلّا أن یدّعی الاجماع فی المقام وهو لایخلو عن التأمّل.

والّذی یسهل الخطب هو ما عرفت من أنّ القاعدة تامّة و مقتضاها هو الصحّة علی کل حالٍ وبقیّة الکلام فی محلّه.

التنبیه الخامس: فی الوجوه المذکورة لترجیح جانب النهی بناءً علی الامتناع وعدم تعدّد الحیثیّات.

وقد ذکرنا أنّ علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم النهی علی الأمر فی مورد الاجتماع جمعاً بین الغرضین مع إمکانه.

ومع عدم وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم الأقوی ملاکاً إن کان و إلّا فالتخییر بل الأمر کذلک بناءً علی الامتناع و الاعتراف بتعدّد الحیثیّات و عدم وجود المندوحة.

وأمّا بناءً علی الامتناع و عدم الاعتراف بتعدّد الحیثیّات فقد ذکروا لترجیح النهی وجوهاً:

منها: أنّ النهی أقوی دلالة من دلیل الوجوب لأنّ دلالة النهی علی سریان الحرمة إلی الأفراد ناشئةٌ من الوضع بخلاف دلالة صیغة الأمر علی السریان فإنّها مستندةٌ إلی الاطلاق بمعونة مقدّمات الحِکمة.

ومن المعلوم أنّ الظهور الاطلاقی ینتفی بوجود الظهور الوضعیّ لأنّ الظهور الاطلاقی متقوّم بعدم البیان و الظهور الوضعیّ یصلح لأن یکون بیاناً و هذا هو الوجه فی تقدیم النهی علی الأمر.

ص:300

اورد علیه بأنّ التقوّم المذکور واضحٌ فیما إذا کان الظهور الوضعیّ مقارناً فإنّه یمنع عن إنعقاد الظهور و إلّا فالظّهور الإطلاقی منعقد و یقع التعارض حینئذٍ بین الظهور الوضعی و الإطلاقی فاللاّزم هو مراعاة الأقوی و ربّما یکون الإطلاقی أقوی من الوضعیّ کما قرّر فی محلِّه.

هذا مضافاً إلی أنّ التزاحم بین الأمر والنهی لایختصّ بصورة تزاحم الإطلاقی مع الوضعی بل یعمّ ما إذا تزاحم الوضعی مع الوضعی مثل أکرم العلماء ولاتکرم الفسّاق.

مع أنّ الاستغراق فی کلیهما وضعیٌّ.

ومنها: أنّ دفع المفسدة أوْلی من جلب المنفعة.

ربّما یقال فی الجواب إنّ الأمر دائر بین المفسدة و المفسدة فإنّ فی ترک الواجب أیضاً المفسدة و یمکن دفعه بأنّ الواجب لابدّ وأن یکون فی فعله مصلحة و لایلزم أن یکون فی ترکه مفسدة.

فالأوْلی: فی الجواب أن یقال أنّ الأولویة مطلقاً ممنوعة لإمکان العکس أحیاناً.

هذا مضافاً إلی أنّه لا دوران فیما إذا کانت المندوحة و أمکن استیفاء الغرضین.

ومنها: أنّ الاستقراء یشهد علی تقدیم جانب النهی علی الأمر.

وفیه: أوّلاً أنّه استقراء غیر تامٍ.

وثانیاً: أنّه لادلیل علی اعتبار الاستقراء.

فالحاصل أنّ دعوی تقدّم النهی علی الأمر مطلقاً ممنوعة بل یمکن تقدیم الأمر علیه فیما إذا کانت مراعاة المصلحة أوْلی فاللاّزم حینئذٍ هو مراعاة الأوْلی و هو یختلف بحسب الموارد.

ص:301

التنبیه السادس: أنّ تعدّد الإضافات کتعدّد العنوانات من جهة کونها من باب التزاحم لاالتعارض فکما أنّ تعدّد العنوان یکفی فی جواز الاجتماع فکذلک تعدّد الاضافات یوجب جواز الاجتماع لإقتضاء الاضافات المختلفة اختلافها فی المصلحة والمفسدة کما یقتضی اختلاف العناوین ذلک و علیه فلامجال للتفکیک بین تعدّد الاضافات کاکرام العلماء و اکرام الفساق وتعدّد العنوانات مثل عنوان الصلاة و الغصب وممّا ذکر یظهر أنّ مثل أکرم العلماء و لاتکرم الفساق یکون من باب التزاحم واجتماع الأمر و النهی کما أنّ صلّ و لاتغصب یکون کذلک.

نعم لو لم یکن لأحد الاضافات ملاکٌ کان ذلک من باب التعارض لاالتزاحم کما مرّ تفصیل ذلک، فراجع.

ص:302

الفصل الثالث: فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟

اشارة

وهنا مقدّمات:

المقدّمة الاُولی: أنّ الفرق بین هذه المسألة و المسألة السابقة باختلاف الموضوع و المحمول الذی به یتمایز المسائل کتمایز العلوم.

وقدعرفت أنّ الموضوع والمحمول فی المسألة السابقة یرجع إلی أنّ الواحد المعنون بعنوانین هل یعدّ واحداً حقیقیّاً أو لایعدّ.

وهما متغایران مع الموضوع والمحمول فی هذه المسألة و هو أنّ النهی المتعلّق بذات العبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا.

ومع امتیاز المسألتین بالموضوع والمحمول لاحاجة إلی طلب المیز من الجهات العارضة.

ثمّ دعوی الفرق بین المسألتین بأنّ مورد المسألة السابقة هو العامّان من وجه بخلاف هذه المسألة فإنّ موردها هو العامّ و الخاصّ المطلق.

مندفعة بأن نمنع تخصیص المسألة السابقة بالعامّین من وجه لما مرّ من أنّ النزاع فی المسألة السابقة یجری فیما إذا لم یؤخذ مفهوم العامّ فی الخاصّ و إن کان بحسب المورد العام و الخاص المطلق مثل قولهم (حَرِّک ولاتُدنِ إلی موضع کذا) مع أنّ النسبة بینهما

ص:303

بحسب المورد هو العامّ و الخاصّ المطلق لتعدّد العنوان و کفایته فی المغایرة فی الذهن الذی یکون موطن تعلّق الأحکام.

المقدّمة الثانیة:

أنّه اختلف الأصحاب فی کون هذه المسألة عقلیّة أو لفظیّة أو عقلیّة لفظیّة.

والذی ینبغی أن یقال هو أنّ المسألة لفظیّة إذ الملازمة العقلیّة بین حرمة العبادة وانتفاء ملاک الأمر بوجود المفسدة و المرجوحیّة واضحة کما أنّ عدم الملازمة العقلیّة بین الحرمة التکلیفیّة فی المعاملات وعدم ترتّب الأثر أیضاً واضح.

ولاینبغی أن یبحث فی هذه الواضحات بل الاُولی هو جعل المسألة لفظیة البحث عن أنّ النهی الدالّ علی الحرمة هل یکشف عن الفساد و هو مرجوحیّة المتعلّق وعدم وجود ملاک الأمر من المصلحة أو لا یکشف و لذلک فالأنسب أن یجعل فی العنوان لفظ الکشف و یقال هل النهی عن الشیء یکشف عن الفساد أو لا.

المقدّمة الثالثة: أنّ محلّ النزاع هو دلالة النواهی المولویة وعدمها علی الفساد لا النواهی الارشادیّة الدالّة علی المانعیّة فی العبادات کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل وفی المعاملات کالنهی عن الغرر إذ بعد کونها إرشاداً إلی المانعیّة لاخفاء فی دلالة هذه النواهی علی الفساد فیما إذا کانت العبادة أو المعاملة مع وجود الشیء المنهی.

ثمّ إنّ النواهی المولویة لاتختصّ بالتحریمیة بل تعم التنزیهیة لان منشأ اقتضاء الفساد هو کاشفیة النهی عن المرجوحیّة ومبغوضیة متعلّق النهی فإنّ مع المبغوضیّة و المرجوحیّة لایصلح المتعلّق للتقرّب.

وهذا الملاک موجود فی النواهی التنزیهیّة أیضاً لدلالتها علی مرجوحیّة ذات العبادة و من المعلوم أنّه لایمکن التقرّب بالمبغوض ذاتاً.

وأمّا النواهی الغیریّة کالنهی عن الصلاة و الأمر بالازالة فیما إذا تزاحماً فهی خارجة

ص:304

عن محلّ الکلام لأنّها لیست متعلّقة بذات العبادة بل متعلّقة بها بعنوان مقدّمیّتها لترک التکالیف النفسیّة مع أنّ الکلام فی هذه المسألة فی النواهی المتعلّقة بذات العبادة.

هذا مضافاً إلی أنّ التکالیف المقدّمیّة لاتوجب مخالفتها العقوبة والبعد استقلالاً ومع عدم استلزام مخالفتها للعقوبة و البعد لاتوجب سقوط العبادة عن صلاحیّتها للتقرّب.

ودعوی: أنّ مقدّمیّة العبادة لترک ذی المقدّمة الذی هو مبعّد یکفی فی المنع عن التقرّب بالعبادة مندفعة بأنّ مبغوضیّة العبادة بعنوان مقدّمیّتها لترک ذی المقدّمة خارجة عن محلّ البحث عن مبغوضیّة العبادة بذاتها إذ تلک الجهة مغایرة لنفس العبادة من حیث هی بل داخلة فی مبحث اجتماع الأمر والنهی وقد مرّ أنّه لامانع من اجتماع العنوان المحبوب والعنوان المبغوض فی شیء واحد بناء علی ما مرّ من جواز الاجتماع.

فتحصّل: أنّ النهی النفسی التحریمی والتنزیهی داخلان فی محلّ النزاع دون النهی الغیری والإرشادی أمّا الغیری فلعدم تعلّقه بذات العبادة ولعدم دلالته علی مبغوضیّة المتعلّق وأمّا الإرشادی فلوضوح دلالته علی الفساد و لایحتاج إلی البحث فیه کما لایخفی.

المقدّمة الرابعة: أنّ المراد من العبادة المنهیّة هو ما یکون بذاته وبعنوانه حسناً بالذات ومرتبطاً بالمولی من دون حاجة إلی تعلّق الأمر به مثل عنوان السجود للّه تعالی.

أو المراد منها هی العبادة الشأنیّة والتقدیریّة وهی التی أحرز وجود المصلحة فیها والمقصود من التقدیریّة والشأنیّة أنّه لو أمر بها لکان الأمر بها عبادیّاً ولایسقط أمرها علی فرض تعلّقه بها إلّا إذا أتی به بوجه قربی و کیف کان فلیس المراد من العبادة المنهیّة عبادة فعلیّة تامّة من جمیع الجهات وإلّا لزم من النهی عنها اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد مع عنوان واحد وهو محال.

ص:305

وبالجملة فالعبادة بالمعنی المذکور إذا وقعت تحت النهی یقع البحث عن کون النهی عنها هل یکشف عن الفساد أم لا.

ثمّ انّ المراد من المعاملة المنهیة هو مایتّصف بالصحّة و الفساد حتّی یصحّ البحث فی أنّ النهی عنه هل یوجب الفساد أو لا.

فمثل العقود والإیقاعات التی تسمّی بالمعاملات بالمعنی الأخصّ داخل فی المعاملة المنهیّة بل یدخل فی عنوان المعاملة المنهیّة فی المسألة کلّ ما یسمّی بالمعاملة بالمعنی الأعمّ و یتّصف بالصحّة و الفساد کالتحجیر و الحیازة.

وأمّا غیرهما من الأفعال التی لاتتّصف بالصحّة و الفساد کشرب الخمر و الغیبة و نحوهما فهو خارج عن عنوان المعاملة المنهیّة کما لایخفی.

المقدّمة الخامسة: فی المراد من الفساد فی عنوان البحث و هو أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة هل یکشف عن الفساد أو لا.

ولایخفی علیک أنّ الفساد فی مقابل الصحّة و هما فی المرکّبات الاعتباریّة کالعبادات و المعاملات بمعنی التمامیّة و النقص.

والتقابل بینهما هو تقابل العدم و الملکة لأنّ الفاسد هو ما لایکون واجداً لتمام الأجزاء و الشرائط فی مقابل الصحیح الذی هو ما یکون واجداً لجمیع ما اعتبر فیه و الصحة و الفساد فی المرکّبات الواقعیّة بمعنی السلامة و العیب و التقابل بینهما هو تقابل التضادّ لحکایتهما عن أمرین وجودیین فإنّ السالم هو الذی یکون واجداً للخصوصیّات الملائمة و الفاسد هو الذی یکون واجدا للخصوصیات المنافرة و المرکبات الواقعیة خارجة عن محلّ الکلام فالصحّة والفساد فی المرکّبات الاعتباریّة بمعنی التمام والنقصان.

ص:306

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها

والذی ینبغی أن یقال انّ الصحّة والفساد تکونان من الأمور الإنتزاعیة التی تکون مجعولة بتبع مجعولیّة منشأ انتزاعها.

فإنّ انتزاع الصحّة الظاهریّة من العمل فی موارد قاعدة التجاوز والفراغ فی العبادات یکون تابعاً لتصرّف الشارع فی المنشأ برفع الید عن الشرط أو الجزء أو المانع.

وهذه التبعیّة لاتختصّ بما إذا کان نفس الجعل الشرعی مستتبعاً لأمر انتزاعی کالجزئیّة أو الشرطیّة بل تعمّ ماتوقّف علی إتیان المکلّف به فی الخارج أیضاً لأنّ انتزاع الصحّة فی هذه الصورة أیضاً یکون تبعاً للجعل الشرعی عرفاً وهذه التبعیّة العرفیّة تکفی فی جریان الاستصحاب أو أصالة الصحّة عند الشکّ فی الصحّة والفساد.

لأنّ الصحّة تکون من المجعولات التبعیّة الشرعیّة فإنّ مع رفع الشرطیّة أو الجزئیّة یصیر العمل موافقاً للمأمور به ومسقطاً ومع عدم رفعهما یکون العمل المأتی به مخالفاً للمأمور به وعلیه فالموافقة والمخالفة أو المسقطیّة وعدمها یتبعان إرادة الشارع وعدمها ولامعنی للمجعولیّة التبعیّة إلّا ذلک ویکفی فی شرعیّة الصحّة وعدمها إرتباط انتزاعها بالشرعی بنحو من الأنحاء ولو لم یکن الجعل الشرعی مستتبعاً لأمر انتزاعی بنفسه بل مع الإتیان به خارجاً.

بل الأمر فی المعاملات أیضاً یکون کذلک فإنّه کما أنّ الحکم بعدم وجوب القضاء أو الإعادة فی العبادات یکون منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی مثل موارد قاعدة الفراغ والتجاوز فکذلک یکون الحکم بعدم تکرار المعاملة منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی موارد أصالة الصحّة فی المعاملات فتحصّل أنّ الأقوی هو مجعولیّة الصحّة والفساد لکونها من الإنتزاعیات التی ترتبط بوضع الشرع ورفعه من دون فرق بین العبادات والمعاملات، فتدبّر جیّداً.

ص:307

المقدّمة السادسة: فی مقتضی الأصل

والکلام فیه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی مقتضی الأصل فی المسألة الاُصولیّة.

ولایخفی علیک أنّه إذا شککنا فی دلالة النهی لفظاً علی الفساد وعدمها أو شککنا فی ملازمة الحرمة عقلاً مع الفساد وعدمها فلا أصل فی المسألة.

لأنّ الدلالة وعدمها لیس لها حالة سابقة إذ اللفظ إمّا له الدلالة من أوّل وجوده بالوضع أو لیس له الدلالة ولم یمض علیه زمان یعلم فیه حالة سابقة حتّی یمکن استصحابها.

کما أنّ الملازمة العقلیّة بین الحرمة والفساد وعدمها إن کان المقصود منها الملازمة الأزلیّة فهی مشکوکة إذ لا أصل فی البین حتّی یعیّن أنّ الملازمة کانت من الأزل أو لم تکن.

وإن کان المقصود منها الملازمة بین الحرمة الموجودة والفساد وعدمها فقبل تحقّق الحرمة وإن علمنا بعدم وجود الملازمة ولکنّه کان بنحو العدم المحمولی واستصحابه لایثبت العدم النعتی کما لایفید استصحاب عدم الکرّیّة قبل وجود الماء المشکوک کرّیّته لإثبات عدم کرّیّته.

هذا مضافاً إلی أنّ الملازمة المذکورة من الأحکام العقلیّة وأمرها یدور بین الوجود والعدم فإنّ العقل إمّا یحکم بها أو لایحکم ولامجال لتعینهما بالاستصحاب مع قطع النظر عن کون الملازمة کنفس الدلالة لیست موضوعة للأحکام الشرعیّة فلایجری الاستصحاب فیها لأنّ معیار جریانها هو کون المستصحب حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی وهو مفقود فی الدلالة والملازمة کما لایخفی.

فتحصّل: أنّه لا أصل فی المسألة الاُصولیّة.

ص:308

المقام الثانی: فی مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة

ولایذهب علیک أنّ مقتضی الأصل فیما إذا شکّ فی دلالة النهی علی الفساد أو فی وجود الملازمة بین الحرمة والفساد هو الفساد فی المعاملات فیما إذا لم یکن إطلاق أو عموم یقتضی الصحّة.

بخلاف ما إذا کان الإطلاق أو العموم موجوداً فإنّ مقتضاهما هو الصحة و لاعبرة بالشکّ فی الدلالة أو وجود الملازمة.

وأمّا فی العبادات فقد یقال انّ مقتضی الأصل فیها هو الفساد بعد سقوط الأمر بتعلّق النهی بذات العبادة إذ لایجتمعان فی واحد بعنوان واحد فلا أمر کما لایحرز وجود الملاک بسبب سقوط الأمر وعلیه فمقتضی الاشتغال الیقینی بالعبادة المقربة هو الفراغ الیقینی وهو لایحصل إلّا بإتیان الفرد غیر المنهی.

ولکن لقائل أن یقول: انّ ذلک صحیح فیما إذا لم یکن إطلاق وأمّا مع وجود الإطلاق ودلالته علی وجود الملاک فمقتضی الأصل هو الصحّة دون الفساد لکفایة قصد الملاک فی الصحّة وقد مرّ(1) کیفیّة دلالة الإطلاق علی وجود الملاک فراجع فتحصّل أنّ مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة فی المعاملات والعبادات هو الفساد فیما إذا لم یکن إطلاق وأمّا مع وجود الإطلاق فمقتضی الإطلاق هو الصحّة فتدبّر جیّداً.

المقدّمة السابعة: أنّه لافرق فی العبادة المنهیّة بین أن تکون عبادة بسیطة کصوم العیدین أو عبادة مرکّبة کصلاة الحائض أو جزءاً عبادیّاً للعبادة کقراء سور العزائم أو شرطاً عبادیّاً للعبادة کالوضوء.

فإنّ النهی فی جمیع الصور متعلّق بنفس العبادة ویجری البحث فی کلّ واحد من

ص:309


1- (1) فی ص 298.

الصور عن أنّ النهی یکشف عن الفساد أم لا إذ لافرق بین عبادة وعبادة اخری والبساطة أو الترکیب أو الجزئیّة أو الشرطیّة لاتوجب الفرق فی المسألة والمفروض هو تعلّق النهی بنفس العبادة فی جمیع الصور وهو محلّ البحث هذا بخلاف ما إذا تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة أو المفارق له فإنّه خارج عن محلّ النزاع إذ لم یتعلّق الأمر والنهی بالعبادة بعنوان واحد بل هو داخل فی مسألة اجتماع الأمر والنهی لأنّ عنوان المأمور غیر عنوان المنهی عنه ویجری فیه ما جری فی تلک المسألة حرفاً بحرفٍ.

المختار فی المسألة

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی العبادات

لاشبهة فی أنّ النهی الشرعی التحریمی المتعلّق بعنوان العبادة یقتضی الفساد بحکم العقل فإنّه یدلّ علی حرمة متعلّقه وهو کاشف عن مبغوضیّته ومع المبغوضیّة الذاتیّة لایصلح المتعلّق للتقرّب إذ المفروض أنّ المتعلّق لیس له إلّا عنوان واحد وعلیه فلاملاک و لاأمر لأنّهما فرع کون المتعلّق ذا عنوانین وهو خارج عن محلّ البحث فالنهی عن العبادة مع فرض الإطلاقات الدالّة علی مطلوبیّة العبادة یرجع إلی تقیید المادّة ومقتضاه هو عدم وجود الملاک فیها ومع عدم وجود الملاک لا أمر فلا مجال للتقرّب به کما لایخفی.

وهکذا الأمر فی النهی التنزیهی المولوی إذ النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان واحد یدلّ أیضاً علی مرجوحیّة متعلّقة ومع مرجوحیّة المتعلّق بعنوانه لایکاد یمکن أن یتقرّب به إذ لاملاک و لاأمر له حتّی یتقرّب بهما.

وأمّا النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان آخر فهو خارج عن محلّ الکلام لأنّ محلّ الکلام هو ما إذا تعلّق النهی بالعبادة بعنوان واحد وحیث لایکون العبادة بذاتها مرجوحة لامانع من صحّتها.

ص:310

وممّا ذکر یظهر خروج النهی الغیری عن محلّ الکلام أیضاً کالنهی عن الضدّ بناء علی اقتضاء الأمر بالضدّ للنهی عن الضدّ الآخر لأنّه لایکون بعنوان واحد فکما أنّ الأمر المقدّمی لایتعلّق بذات الشیء بل بعنوان المقدّمیّة لشیء آخر فکذلک النهی المقدّمی.

وعلیه فالأمر بذات العبادة وإن لم یجتمع مع النهی الغیری فی مقام الامتثال ولکنّ یکفی وجود الملاک فی ذات العبادة لصحّتها لو أتی بها بقصد الملاک للّه تعالی.

وأمّا النواهی الارشادیة فهی خارجة عن محلّ النزاع أیضاً لوضوح دلالتها علی الفساد مع سوقها لبیان المانعیّة کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لایؤکل لحمه وإنّما الکلام فی النواهی المولویّة وقد عرفت دلالتها علی الفساد بحکم العقل من دون فرق بین کونها تحریمیّة أو تنزیهیّة.

المقام الثانی: فی المعاملات

ولایبعد دعوی أنّ المتفاهم العرفی من النواهی الواردة فی المعاملات ما لم تقم قرینة هو کونها إرشادیّاً لا مولویّاً وإن کانت مولویّتها معقولة بل واقعة فی جملة من الموارد کالنواهی الواردة فی حرمة التزویج علی المحرم فی حال الإحرام أو حرمة الربا أو حرمة النکاح فی العدّة وغیر ذلک ولاریب بعد کون المتفاهم العرفی هو الإرشاد أنّ النواهی الإرشادیّة حینئذٍ تدلّ علی الفساد لأنّها إرشاد إلی وجود المانع ومن المعلوم أنّ الأسباب مع وجود المانع لا أثر لها وهذا لیس إلّا معنی الفساد، کما لایخفی.

ثمّ إنّه لو فرض تعلّق النهی التکلیفی بالمعاملات فالنهی إمّا تنزیهی أو تحریمیّ نفسی أو تحریمیّ غیری.

فإن کان النهی تنزیهیّاً أو تحریمیّاً غیریّاً فلایدلّ علی الفساد إذ لامنافاة بین المرجوحیّة التنزیهیّة والغیریّة وبین تأثیر المعاملة کما لایخفی.

ص:311

وإن کان النهی تحریمیّاً نفسیّاً فهو إمّا متعلّق بالتسبّب بعقد إنشائی خاصّ لحصول المسبّب کالنهی عن تسبّب الظهار لحصول أثره وهو الفرقة.

والنهی المذکور لایلازم الفساد لأنّ مبغوضیّة التسبّب بمعاملة شرعاً لاینافی تأثیر السبب عرفاً ولذا ترتّب الأثر علی الظهار مع کونها محرّماً.

وإمّا النهی متعلّق بالمعاملة من جهة مبغوضیّة ترتیب الآثار المطلوبة من العقد علیه وهو أیضاً لایلازم الفساد لما عرفت من عدم المنافاة بین مبغوضیّة ترتیب الآثار شرعاً وترتّب الآثار عرفاً بل النهی عن ترتیب الآثار عین النهی عن التسبّب بعقد خاصّ.

وإمّا النهی متعلّق بالسبب لأجل مبغوضیّة المسبّب کالنهی عن بیع المصحف من الکافر لأجل مبغوضیّة ملکیّته له وهذا النهی أیضاً لایدلّ علی الفساد وإن کان محرّماً لعدم المنافاة بین المبغوضیّة الشرعیّة وتأثیر السبب.

وإمّا النهی متعلّق بأکل الثمن أو المثمن وهو خارج عن محلّ الکلام إذ النهی لایتعلّق فی هذه الصورة بالمعاملة نعم النهی عن أکل الثمن أو المثمن کاشف عن عدم صحّة المعاملة إذ لاوجه للنهی المذکور إلّا فساد المعاملة.

وإمّا النهی متعلّق بذات السبب لا بما هو سبب بل بما هو فعل مباشری صادر من الفاعل وهو أیضاً خارج عن محلّ الکلام إذ النهی فیه لم یتعلّق به بعنوان المعاملة وإیقاع السبب بل بما هو فعل مباشری له.

فتحصّل: أنّ النهی المولوی مطلقاً فی المعاملات لایستلزم الفساد لأنّه ربّما یکون النهی لافادة مجرّد الحرمة التکلیفیّة کالنهی عن الظهار مع أنّ الظهار مؤثّر.

وإن أمکن اجتماعه مع الفساد مع قیام قرینة علیه کالنواهی الواردة فی حرمة الربا وفساده.

هذا کلّه بحسب القاعدة.

ص:312

وأمّا بحسب الروایات فقد استدلّ علی إفادة النواهی التکلیفیّة المتعلّقة بذات المعاملة للفساد بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده فقال ذاک إلی سیّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بینهما قلت أصلحک اللّه إنّ الحکم بن عتیبة وإبراهیم النخعی وأصحابهما یقولون انّ أصل النکاح فاسد ولایحلّ إجازة السیّد له فقال أبو جعفر علیه السلام إنّه لم یعص اللّه إنما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز.

وبمعتبرة موسی بن بکر عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام إنّه قال: إنّما أتی شیئاً حلالاً ولیس بعاص للّه إنما عصی سیّده ولم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة وأشباهه.

وجه الاستدلال أنّ الروایتین تدلاّن علی أمرین أحدهما الکبری وهی أنّ النکاح لو کان معصیّة للّه تعالی لکان باطلاً. وثانیهما: نفی الصغری وهی أنّ نکاح العبد لم یکن معصیّة للّه تعالی وإنّما کان معصیّة للسیّد.

والأمر الأوّل یکفی لإثبات التعبّد بالبطلان فی النواهی المولویّة المتعلّقة بذات المعاملة فإنّ النواهی المولویّة المتعلّقة بذات المعاملة تدلّ علی أنّ إتیان مواردها معصیّة للّه تعالی فیندرج فی قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه إنّما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز أو قوله إنّما أتی شیئاً حلالاً ولیس بعاص للّه إنّما عصی سیّده ولم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة وأشباهه.

ومقتضی الکبری المذکورة فی روایتین هو أنّ النکاح لو کان معصیّة للّه تعالی لکان باطلاً.

واُجیب عن الاستدلال المذکور بأنّ المراد من المعصیّة المنفیّة فی قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله علیه السلام ولیس بعاص للّه هی المعصیّة الوضعیّة لا التکلیفیّة و لاکلام فی استتباع المعصیّة الوضعیّة للفساد وإنّما الکلام فی المعصیّة التکلیفیّة والمراد من المعصیة

ص:313

الوضعیّة المنفیة انّه لم یفعل ما لم یمضه اللّه وإنّما فعل ما لم یمضه مولاه والشاهد علی إطلاق المعصیة علی المعصیّة الوضعیّة هو إطلاق المعصیّة بهذا المعنی فی صدر الروایة علی الفعل غیر المأذون فیه بإذن وضعی حیث قال الراوی فی صحیحة زرارة قلت لأبی جعفر علیه السلام «انهم یقولون أصل النکاح فاسد» مع أنّ إنشاء العقد لاینافی حقّ المولی حتّی یکون معصیّة تکلیفیّة فالمراد من قوله أصل النکاح فاسد أنّه فعل ما لم یأذن به المولی وهی المعصیّة الوضعیّة وعلیه فالمعصیة والفساد فی الروایة بمعنی واحد ومع وضوح وحدتهما فالمراد من قوله علیه السلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله إنّه لیس بعاص للّه لیس المعصیّة التکلیفیّة وعلیه فالروایتان حینئذٍ خارجتان عن محل الکلام ودعوی أنّ حمل المعصیّة علی مخالفة النهی الوضعی خلاف الظّاهر بل الظّاهر منها هی مخالفة النهی التحریمی مندفعة بأنّ ذلک فیما إذا لم تقم قرینة علی ذلک.

وقد عرفت استعمال المعصیّة فی صدر الروایة فی المعصیّة الوضعیّة هذا مضافاً الی ما أفاده المحقّق الإصفهانی من استعمال المعصیّة فی قوله علیه السلام عاص لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم فی المعصیّة الوضعیّة.

فإن السؤال عن الحرمة التکلیفیة بعد قوله علیه السلام عاصٍ لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم لاوجه له إلّا من جهة أنّ المراد من قوله عاص لمولاه هو المعصیّة الوضعیّة.

لایقال إنّ المعصیّة فی الروایة هی معصیّة تکلیفیّة لاالوضعیّة لأنّ المراد من عصیان السیّد هو إتیان الحرام وهو مخالفة السیّد إذ هی خروج عن رسم العبودیّة والحرمة لاتسری من عنوان مخالفة السیّد إلی عنوان النکاح بما هو هو و حاصل الروایة أنّ حرمة تکلیفیّة متعلّقة بعنوان آخر غیر عنوان ذات الشیء لاتوجب الفساد بخلاف ما إذا تعلّقت الحرمة التکلیفیّة بعنوان ذات الشیء کالنکاح فی أیّام العدّة و علیه فالروایتان تدلّ علی الفساد فیما إذا کان النهی متعلّقاً بشیء بذاته لا بعنوانه الآخر.

ص:314

لأنّا نقول: قد عرفت أنّ المراد من عصیان السیّد فی صدر الروایات هو العصیان الوضعی لعدم حرمة مجرّد إنشاء النکاح عن العبد و حمله علی الحرمة التکلیفیّة لاوجه له و لو کانت الحرمة متعلّقة بعنوان آخر غیر عنوان ذات الشیء کعنوان المخالفة مع مولاه إذ مجرّد الإنشاء لایوجب تضییع حقّ من حقوق المولی.

وأیضاً السؤال عن الحرمة التکلیفیّة بعد قوله علیه السلام عاص لمولاه ممّا یشهد علی أنّ المراد من العصیان هو العصیان الوضعی و إلّا فلاوجه للسؤال بعد تصریحه بأنه عاص لمولاه و علیه فالروایات أجنبیّة عن المقام لأنّ المعصیّة المنفیّة فی طرف اللّه تعالی بقوله «ولم یعص اللّه» هی المعصیّة الوضعیّة بقرینة المعصیة المثبتة فی طرف العبد فإنّ المراد منها هی المعصیّة الوضعیّة ومحلّ الکلام فی المعصیّة التکلیفیّة ولاأقل من الشک فی أنّ المراد من المعصیة المنفیة هی المعصیّة التکلیفیّة أو الوضعیة فلاتصلح الروایات لإثبات شیء علی خلاف القاعدة المذکورة فی النواهی المولویّة التکلیفیّة من عدم اقتضائها للفساد، فلاتغفل.

ص:315

ص:316

المقصد الثالث: فی المفاهیم

اشارة

ص:317

ص:318

وهنا فصول:

الفصل الأوّل: فی تعریف المفهوم و المنطوق

ولایخفی أنّ المنطوق هو ما دلّت علیه القضیّة الملفوظة بالدلالة المطابقیّة أو التضمنیّة.

والمفهوم علی تقدیر ثبوته هو ما دلّت علیه القضیّة غیر المذکورة فی شخص الکلام وهی التی تستفاد من القضیّة الملفوظة بالدلالة الالتزامیّة بسبب اشتمال القضیّة الملفوظة علی خصوصیّة وهی تستتبع القضیّة غیر المذکورة بلزوم بیّن بالمعنی الأخصّ ولقد أفاد وأجاد فی الکفایة حیث قال: إنّ المفهوم کما یظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیّة المعنی الذی أرید من اللفظ بتلک الخصوصیّة ولو بقرینة الحکمة وکان یلزمه لذلک وافقه فی الإیجاب و السلب أو خالفه.

وممّا ذکر یظهر أنّ المفهوم مستند إلی اللفظ لأنّ الخصوصیّة المذکورة فی القضیّة الملفوظة تدلّ علی القضیة غیر المذکورة.

وبهذا الاعتبار یکون البحث عن المفاهیم من مباحث الألفاظ ثمّ الفرق بین المفهوم و المعنی الالتزامی بأنّ المفهوم أخصّ منه لاعتبار الخصوصیّة الملفوظة فی القضیّة المذکورة فی المفهوم دون المعنی الالتزامی إذ یکفی الملازمة بین المعنی المطابقی و المعنی الالتزامی.

ثمّ إنّ المنطوق والمفهوم یکونان من أوصاف المدلول لا الدالّ و لاالدلالة کما یظهر

ص:319

من تعاریف القوم منهم الحاجبی حیث قال المنطوق هو ما دلّ علیه اللفظ فی محل النطق و المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق.

قال الشیخ الأعظم قدس سره: إنّ لفظة «ما» موصولة فتدلّ علی أنّ المنطوق و خلافه من أوصاف المدلول.

ویظهر ممّا ذکرناه من اعتبار التابعیّة بین المفهوم والمنطوق خروج مثل وجوب المقدّمة عن المفهوم لأنّ الصیغة الدالّة علی وجوب ذی المقدمة لاتشتمل علی خصوصیّة تدلّ باعتبارها علی وجوب مقدّماته بل منشأ وجوب المقدّمة علی تقدیر ثبوته هو الملازمة العقلیة بین الوجوبین مع عدم خصوصیّة فی صیغة وجوب ذی المقدّمة.

وهکذا یظهر خروج دلالة الاقتضاء عن المفهوم کدلالة الآیتین أی قوله تعالی:(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) و قوله عزّوجلّ:(وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) علی أنّ مدّة أقلّ مدّة الحمل هو ستّة أشهر وذلک لأنّ هذه الدلالة تکون بحکم العقل إذ لایمکن جعل مدّة الرضاع حولین مع زیادة مدّة الحمل عن ستّة أشهر وإلّا لزم ازدیاد الحمل والفصال عن ثلاثین شهراً هذه الدلالة کما عرفت من جهة حکم العقل جمعاً بین الآیتین لا من جهة خصوصیّة مذکورة فی إحدی الآیتین ثمّ لایذهب علیک أنّ استفادة المفهوم من المنطوق علی القول بها تکون باعتبار اشتمال المنطوق علی الخصوصیّة المستتبعة للقضیّة غیر المذکورة ومن المعلوم أنّها هی استفادة من ألفاظ المنطوق باعتبار وضع أداة الشرط أو القضیّة الشرطیّة أو مقدمات الإطلاق الجاریة فی الکلام.

وعلیه فما نسب الی القدماء من أنّ الدلالة علی المفهوم من باب دلالة الأفعال لبناء العقلاء علی حمل الفعل الصادر عن الغیر علی کونه صادراً عنه لغایة و فائدة لالغواً وأنّ الغایة المنظورة هی إفادة المعنی أیّ شیء کان و لیس هذا مربوطاً بباب دلالة الألفاظ

ص:320

علی معانیها بل هو من باب بناء العقلاء علی حمل فعل الغیر علی کونه صادراً عنه لغایته الطبیعیة لالغواً وهذا مقدّم بحسب المرتبة علی الدلالة الثابتة لللفظ بما هو لفظ موضوع علی معناه لأنّه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ و لذا یحکم به العقلاء قبل الإطّلاع علی المعنی الموضوع له تفصیلاً.

وهذا البناء کما یکون ثابتاً بالنسبة إلی مجموع الکلام فکذلک یکون ثابتاً بالنسبة إلی أبعاضه.

منظور فیه لعدم إحراز النسبة المذکورة بل یخالفها ما حکی عن الحاجبی لظهور تعریفه فی أنّ المنطوق والمفهوم من باب دلالة الألفاظ لامن باب الأفعال وبناء العقلاء.

هذا مضافاً إلی أنّ ما حکم به العقلاء یکون من المبادی لدلالة الألفاظ علی معانیها إذ لایستفاد منها إلّا الدلالة الإجمالیة وأمّا التفصیل فهو مربوط بمفاد اللفظ بما هو اللفظ وعلیه فمجرّد دلالة اللفظ بما هو فعل علی دخالة القید فی المطلوب لاینفی دخالة شیء آخر فی شخص الحکم فی المنطوق بل هی متوقّفة علی استظهار الانحصار من مدلول اللفظ.

ثمّ إنّ البحث فی المقام بحث عن وجود المفهوم لا البحث عن حجیّته لأنّ حجیّة الظهورات مفروغ عنها.

ص:321

ص:322

الفصل الثانی: فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم و عدمها

اشارة

ولایخفی أنّ المشهور ذهبوا إلی دلالتها بمعنی أنّها کما تدلّ علی ثبوت شیء عند ثبوت شیء فکذلک تدلّ بالإلتزام علی الانتفاء عند الانتفاء.

و استدلّ له بوجوه:

منها: التبادر بدعوی أنّ المنساق من الجملة الشرطیّة هو تعلیق شیء و توقّفه علی شیء آخر و هو دلیل علی کون الجملة الشرطیّة موضوعة لذلک.

ومقتضاه هو الانتفاء عند الانتفاء إذ لامعنی للتوقّف إلّا ذلک.

ویؤیّده ما هو المعروف من أنّ أداة «لو» للامتناع إذ مقتضاه هو الالتزام بالمفهوم والعلّیّة المنحصرة و إلّا فلاوجه لامتناع التالی بمجرّد امتناع المقدّم مع إمکان وجود علّة أخری.

هذا مضافاً إلی شهادة صحّة الاستدراک کما إذا قیل إن ضربتنی ضربتک ولکنّک لم تضربنی فلاأضربک مع أنّه لو لم یکن للقضیّة الشرطیّة مفهوم لم یکن حاجة إلی الاستدراک.

أورد علیه بأنّ تبادر العلّیّة المنحصرة من الجملة الشرطیّة غیر ثابت بل غایته هو تبادر الترتب.

ص:323

ولعلّ وجهه هو توهّم انصراف الترتّب الّذی یدلّ علیه الجملة الشرطیّة الی التوقّف والتعلیق من جهة کونه أکمل الأفراد من الترتّب مع أنّ مجرّد الأکملیّة لایوجب الانصراف.

هذا مضافاً إلی إمکان منع الأکملیّة فإنّ الانحصار لایوجب الأکملیّة.

وأمّا تأیید ذلک بکلمة «لو» وصحّة الاستدراک ففیه منع کون ذلک دلیلاً علی الوضع لإمکان ذلک مع القول بالدلالة من باب الإطلاق أیضاً فالدلیل أعم من المدّعی و بالجملة دلالة القضیة علی حصر العلّة فی المقدّم أعم من أن یکون ذلک من جهة الوضع أو مقدّمات الإطلاق أو المرکّب منهما، فتدبّر جیّداً.

منها: ما فی نهایة الأفکار من إطلاق الجزاء و بیانه أنّ قولهم أکرم زیداً مع قطع النظر عن القرائن الخارجیّة لایقتضی إلّا مجرّد ثبوت الحکم و المحمول لزید بنحو الطبیعة المهملة الغیر المنافی مع ثبوت شخص حکم آخر من هذا السنخ للعمرو.

وإهماله من هذه الناحیة لاینافی إطلاقه من ناحیة أخری و من أنّ هذا الحکم ثابت علی الإطلاق لزید من دون فرق بین حالاته من القیام و القعود و المجیئ ونحوه.

وبعبارة أخری أنّ الموضوع بإعتبار حالاته مطلق و یلزمه قهراً إطلاق فی طرف الحکم المترتّب علیه أیضاً بحسب تلک الحالات.

فإذا ورد علیه أداة الشرط لایقتضی إلّا مجرد إناطة النسبة الحکمیّة بمالها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیئ لأنّ ما هو شأن الأداة إنّما هو إناطة الجملة الجزائیة بمالها من المعنی الذی یقتضیه طبع القضیّة الحملیّة أو الإنشائیّة بالشرط.

فإذا کان مقتضی طبع القضیّة فی مثل قولهم أکرم زیداً هو ثبوت حکم شخصی محدود لزید علی الإطلاق الملازم لإنحصاره وعدم فرد آخر منه فی بعض الحالات و کان قضیّة الأداة علی ما هو شأنها إناطة تلک الجملة بمالها من المعنی بالشرط وهو

ص:324

المجیئ فلاجرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیّة بمقتضی ما بیّناه یلزمه قهراً انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیئ.

وهذا البیان لایحتاج فی إثبات المفهوم فی القضایا الشرطیّة إلی إثبات العلیة المنحصرة لأنّ إطلاق الجزاء یکفی فی إفادة المفهوم من جهة أنّ لازم إناطة مثل هذا الحکم الشخصی حینئذٍ هو لزوم انتفاء ذلک عند الانتفاء.

وحیث أنّه فرض انحصار الطبیعی أیضاً بهذا الشخص بمقتضی الظهور الإطلاقی قهراً یلزمه انتفاء الحکم السنخی بانتفائه من دون احتیاج إلی إثبات العلّیّة المنحصرة.

ویمکن أن یقال: أنّ إطلاق القضیّة من جهة موضوعها بحسب الأحوال و منها المجیئ و عدمه غیر باقٍ بمجرّد إناطة القضیّة بالشرط و هو المجیئ ومع عدم اطلاق القضیّة بالنسبة إلی عدم المجیئ فلادلیل علی نفی الحکم الآخر فی صورة عدم المجیئ بجهة أُخری إلّا إذا أفادت القضیّة الشرطیّة علّیّة منحصرة و هو أوّل الکلام کما لایخفی.

ومنها: إطلاق أداة الشرط بدعوی أنّ مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی أداة الشرط أنّ المراد من الترتّب المستفاد من أداة الشرط هو الترتّب بنحو العلیّة المنحصرة لأنّه الذی لایحتاج الی مؤونة زائدة علی بیان نفس الترتّب بقول مطلق إذ قیده عدمی لأنّ المترتّب العلّی المنحصر هو الترتب علی الشرط لاغیر بخلاف الترتّب غیر المنحصر فإنّه الترتّب علی الشرط و علی الغیر و من المعلوم أنّ الترتّب غیر المنحصر یحتاج إلی المؤونة الزائدة فکما أنّ فی إثبات نفسیّة الوجوب یتمسّک بالإطلاق ویقال أنّ خصوصیّة الوجوب النفسی خصوصیّة عدمیّة لأنّه الوجوب لا للغیر بخلاف الوجوب الغیری فإنّه الوجوب للغیر فکذلک یتمسّک بالإطلاق فی الترتّب العلّی المنحصر بعد ما عرفت من أنّه هو الترتّب المطلق و لایحتاج إلی المؤونة الزائدة.

یمکن أن یقال: قیاس المقام بالوجوب النفسی قیاس مع الفارق لأنّ الوجوب النفسی

ص:325

یغایر الوجوب الغیری بخلاف الترتّب فی المقام فإنّ سنخ الترتّب فی العلّیّة المنحصرة لایغایر الترتّب فی غیر المنحصرة إذ الانحصار و عدمه لیسا من شؤون العلّیّة بل هما من شؤون العلّة.

ولیس مدلول الأداة هو التعلیق والتوقیف حتی یقال أنّه ملازم للانحصار ویغایر مع ما لم یکن للانحصار و علیه فالترتّب بنحو الانحصار و بنحو غیر الانحصار مصداقان للترتّب و إرادة کلّ واحد منهما یحتاج إلی القرینة و لایکفی لیتعیّن أحدهما الأخذ بالإطلاق، فتأمّل.

ومنها: إطلاق الشرط بدعوی أنّ إطلاق الشرط من دون قید لو لاشرط آخر یقتضی أن یکون الشرط مؤثّراً بالفعل وحده و بخصوصه من دون تقییده بعدم شیء آخر فی السابق أو المقارن و هذا المعنی هو العلّة المنحصرة.

یمکن أن یقال: لا إنکار فی الدلالة علی المفهوم مع کون المتکلّم فی مقام بیان المؤثّر الفعلی بنحو المذکور ولکنّه نادر جدّاً، بل القدر المسلّم فی القضیّة الشرطیّة هو کون المتکلّم فی مقام إفادة العلیّة و صلاحیّة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء آخر وجوداً أو عدماً فی العلیّة الشأنیّة هذا مضافاً إلی أنّ الجزاء إذا کان قابلاً للتکرار لایدلّ الفعلیّة المذکورة علی الانحصار بل مقتضی فعلیّة کل شرط هو تأثیر کل شرط فی فرد من الجزاء و لاینافی الفعلیّة فی التأثیر مع تعدّد الشرط وعلیه فلاینتج الإطلاق المذکور انحصار الشرط والعلّة.

ومنها: أنّ تلفیق الوضع فی أداة الشرط مع الإطلاق فی الشرط یکفی فی إفادة المفهوم کما ذهب إلیه فی الفصول و حاصل کلامه أنّ دلالة أداة الشرط علی إناطة الجزاء بالشرط وترتّبه علیه وضعیّة و لذا یکون استعمالها فیما لا إناطة فیه مجازاً هذا بخلاف دلالته علی تعیین الشرط المذکور فی تلو الأداة فإنّها مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق

ص:326

فی الشرط بعد عدم ذکر کلمة «أو شیء آخر» و لذا إذا ظهر تعدّد الشرط لایلزم منه أن یکون الاستعمال مجازاً بل غایته هو المخالفة مع الظهور الإطلاقی فیحمل علی أنّ الشرط أحد الأمرین جمعاً بین الأدلّة. والدلیل علی کون الأداة موضوعة للترتّب و اللزوم هو تبادر العلقة بین الشرط و الجزاء بحیث تقتضی عدم انفکاک الجزاء عن الشرط.

وأمّا انّ الشرط سبب للجزاء أو مسبّب عنه أو مشارک له فی العلّة فلامجال للثانی فی الجزاء الانشائی إذ لاسببیّة للجزاء الإنشائی بالنسبة إلی الشرط کما لامجال للثالث إذ الظّاهر من الشرط و الجزاء هو دخالة الشرط فی الجزاء لا کونهما معلولین لعلّة ثالثة فلایحمل علیه من دون قرینة فبقی الأوّل و هو أن یکون بینهما ترتّب و سببیّة وأمّا أنّ هذه السببیّة هل تکون منحصرة أولا فلا دلالة للأداة علیها بحسب الوضع.

نعم یمکن أن یتمسّک لها بإطلاق الشرط فإنّ إطلاق الشرط من دون ضمیمة «أو شیء آخر» ظاهر فی تعیین المذکور وعدم دخالة شیء آخر فی ترتّب الجزاء علیه و لیس المراد من الإطلاق هو إطلاق الجزاء و إثبات أنّ ترتّبه علی الشرط إنّما یکون علی نحو ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة حتّی یرد علیه بأنّ ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة لیس مغایراً فی السنخ مع ترتّب غیر المنحصرة بل هو فی کلیهما علی نحو واحد فإذن لامجال للتمسّک بالإطلاق لإثبات الترتّب علی العلّة المنحصرة بل المراد هو إطلاق الشرط من دون ضمیمة شیء آخر معه.

وهذا الإطلاق مع انضمام مفاد الأداة یدلّ علی تعلیق خصوص الجزاء علی خصوص الشرط بحیث إذا حصل الشرط ثبت الجزاء و إذا انتفی الشرط انتفی الجزاء.

فالقضیّة الشرطیّة بعد کون المتکلّم فی مقام البیان تدلّ علی الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء وبالجملة فکما أنّه لو شکّ فی مدخلیّة شیء آخر فی شرطیة

ص:327

المذکور یدفع بالإطلاق فکذلک لو شکّ فی وجود البدیل للمذکور یدفع بالإطلاق وهذا لایعتبر إلّا الإنحصار کما لایخفی.

ویشهد علی أنّ الجملة الشرطیّة دلّت علی المفهوم عدّة من الروایات منها صحیحة أبی أیّوب قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام إنّا نرید أن نتعجّل السیر و کانت لیلة النفر حین سألته فأیّ ساعة ننفر؟ فقال لی أمّا الیوم الثانی فلاتنفر حتی تزول الشمس و کانت لیلة النفر و أمّا الیوم الثالث فإذا ابیضّت الشمس فانفر علی برکة اللّه فإنّ اللّه جلّ ثناؤه یقول فمن تعجّل فی یومین فلا إثمّ علیه و من تأخّر فلا إثمّ علیه فلو سکت لم یبق أحد إلّا تعجّل ولکنّه قال ومن تأخّر فلا إثمّ علیه.(1)

وهذه الروایة و نحوها تکفی لإثبات المفهوم للقضیّة الشرطیّة بما هی هی من دون ضمّ قرینة إلیها لأنّ قوله علیه السلام فلو سکت لم یبق أحد إلّا تعجّل یدلّ علی أنّ المفهوم من القضیّة الشرطیّة هو أنّ من لم یتعجّل فعلیه الإثمّ و کان ذلک مفهوماً عرفیّاً بحیث لو سکت اللّه تعالی و لم یقل و من تأخّر فلا إثمّ علیه لم یبق أحد إلّا استفاد من القضیّة الشرطیّة حرمة التأخیر وتعجّل لئلاّ یبتلی بالحرمة.

فالأظهر کما أفاد صاحب الفصول و ذهب الیه صاحب الحاشیة و الشیخ الأعظم وغیرهم من الأعلام هو أنّ القضیّة الشرطیّة تدلّ علی المفهوم أعنی الانتفاء عند الانتفاء.

بقی التنبیه علی أُمور:

أحدها: أنّ المنتفی فی المفهوم هو سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط و انتفاء سنخ الحکم هو انتفاء طبیعة الحکم و انتفاء الطبیعة لیس إلّا بانتفاء جمیع الأفراد و لاتدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الطبیعة عند انتفاء الشرط إلّا إذا کان الشرط فی

ص:328


1- (1) الکافی، ج 4، ص 520-519.

القضیّة الشرطیّة علّة منحصرة لوجود الطبیعة فالحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو الطبیعة و هذه الطبیعة تحقّقت ببعض الأفراد عند وجود الشرط وتنتفی بجمیع الأفراد عند انتفاء الشرط.

ولیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو شخص الحکم فإنّه خارج عن محلّ الکلام إذ انتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه أو علّته عقلی و لایحتاج إلی إقامة دلیل علی انحصار علّته بأداة أو غیرها.

ولیس الحکم المعلّق فیها هو الحکم الکلّی بحیث لا یشذّ عنها فرد منها لعدم الفرق بین أکرم زیداً فی القضیّة الشرطیّة وبین أکرم زیداً فی غیرها فکما أنّ أکرم زیداً لیس فی الثانی کلّیاً فکذلک فی القضیّة الشرطیّة و لیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو صرف وجوب الطبیعة الذی هو ناقض للعدم الکلّی بحیث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الکلّی و إذا انتفی شرط صرف الوجوب بقی العدم المطلق لأنّ الوجود نقیض العدم و کلّ وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

وبالجملة انتفاء ناقض العدم لایوجب بقاء العدم المطلق علی حاله بل هو عدم ما هو ما بدیل له فتعلیق الوجوب علی الشرط بهذا المعنی لایقتضی انتفاء سنخ الحکم.

فالتحقیق هو أن یقال أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة هو طبیعة وجوب الإکرام المنشأ فی شخص هذه القضیّة لکنّه لابما هو متشخّص بلوازمه بل بما هو وجوب وطبیعة و الوجه فی کون المراد من الحکم هو طبیعة الحکم هو أنّ التعلیق یکون لمناسبة بین الشرط ومادّة الجزاء وهذه المناسبة لاتختصّ بفرد من المادّة بل إذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیئ استحال أن یکون وجوب فرد آخر بعلّة أخری.

ولقد أفاد وأجاد فی الکفایة حیث قال: إنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحکم وعلیه

ص:329

فلاحاجة فی إثبات المفهوم إلی إثبات سنخ الحکم فی المنطوق بل یکفی تعلیق طبیعة الحکم مع إفادة أداة الشرط و مقدّمات الإطلاق انحصار العلّة فالهیئة وإن کانت جزئیة ولکن تناسب الحکم والموضوع یوجب إلغاء الخصوصیة و جعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب و طبیعته و علیه فبانتفاء الشرط ینتفی طبیعة الوجوب وهو مساوق لانتفاء سنخ الحکم.

هذا کلّه بحسب القاعدة الکلّیّة فی القضایا الشرطیّة من دون قیام قرینة علی ارادة شخص الحکم وأمّا مع قیام القرینة علی إرادة شخص الحکم فلاإشکال فی أنّ الانتفاء عند الانتفاء حینئذٍ یکون عقلیّاً لا بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب کما أنّ الغالب فی مثل الوقوف والنذور والعهود والوصایا یکون کذلک ولذلک تکون خارجة عن دائرة المفاهیم ثمّ إنّ البحث المذکور فیما إذا کان الجزاء فی القضیّة الشرطیّة إنشاء.

وأمّا إذا کان الجزاء قضیّة خبریّة وإن استعملت بداعی الإنشاء فلیس بجزئی بل هو کلّی وتدلّ القضیّةٍ حینئذٍ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط وانتفائه عند انتفائه ومن المعلوم أنّ الدلالة علی الانتفاء من جهة دلالة القضیّة علی انحصار العلة لا من جهة الدلالة العقلیة فلاتغفل.

ثانیها: أنّ محلّ الکلام فی القضایا الشرطیّة هو ما إذا کان الموضوع ثابتاً فی صورتی وجود الشرط و عدمه کقوله إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع هو زید و المحمول وجوب الإکرام و الشرط هو المجیئ والموضوع ثابت فی صورة وجود المجیئ وعدمه.

وأمّا إذا لم یکن الموضوع محققاً إلّا بالفرض و الشرط کقوله إن رزقت ولداً فاختنه فهو خارج عن محلّ الکلام لأن انتفاء الحکم فی هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقلی ولامفهوم للقضیّة إذ لم یبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتی یمکن أن یدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الحکم فیه.

ص:330

ثالثها: أنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القیود و الشروط فی القضیّة الشرطیّة إذ انتفاء کلّ قید یکفی فی انتفاء الجزاء مثلاً إذا قال السیّد إن جاء زید فأکرمه کان مفهومه إن لم یجئ فلایجب إکرامه و إذا قال إن جاء زید و سلّم علیک وأتی بهدیة فأکرمه کان مفهومه انتفاء الإکرام بانتفاء أحد الأمور المذکورة.

رابعها: أنّه لاإشکال فی لزوم التطابق بین المفهوم و المنطوق فی جمیع القیود عدی السلب و الإیجاب.

فالمفهوم من قولک إن جاء زید یوم الجمعة فأکرمه یوم السبت أنّه إن لم یجیئک زید یوم الجمعة لایجب إکرامه یوم السبت.

و لاکلام فیه إلّا فی العموم المأخوذ فی الجزاء فانه قد وقع الخلاف بین الأعلام فی أنّه لو أخذ العموم علی وجه الاستغراق فی المنطوق هل یکون المفهوم هو رفع الإیجاب الکلّی الملائم مع الإیجاب الجزئی أو یکون المفهوم هو السلب الکلّی.

واستدلّ للأوّل بما هو مقرّر فی المنطق من أنّ نقیض کلّ شیء رفعه ومقتضی ذلک أن نقیض الموجبة الکلیّة السالبة الجزئیة ونقیض السالبة الکلّیّة الموجبة الجزئیة وهذا هو التفاهم العرفی فی أمثال تلک القضایا.

ففی نفس القضیّة المذکورة فی الجزاء یلاحظ الآحاد مستقلاً و لایلاحظ العموم إلّا مرآة لها.

وعند ملاحظة القضیة مع ارتباطها بالشرط یلاحظ العموم مستقلاً.

والتطابق بین المنطوق والمفهوم محفوظ لأنّ العموم ملحوظ مستقلاً فی المنطوق والمفهوم غایته أنّ العموم منحلّ إلی الأشیاء بنفسه فی المنطوق دون المفهوم فإنّه رفع المنطوق و لایلزم فیه الاستغراق.

یمکن أن یقال: أنّ ملاحظة المتکثّرات بعنوان واحد و شیء وحدانی عین.

ملاحظة المتکثّرات بنفسها لأنّ المفروض أنّ العنوان الوحدانی مرآة بالنسبة الیها

ص:331

وملاحظة العموم بما هو عموم بعنوان الموضوع المستقلّ یحتاج إلی مؤونة زائدة مضافاً إلی أنّه خلف فی کون العام للاستغراق و أداة الشرط لمجرّد الإناطة لالتغیر موضوع القضیّة الجزائیة و علیه فالاستظهار المذکور فی القضایا الشرطیّة الدالّة علی المفهوم محلّ تأمّل و إشکال.

واستدلّ للثانی بأنّ مفاد القضیة الشرطیّة إذا کان الشرط علة منحصرة هی علّیّة الشرط بالإضافة الی کلّ واحد من الأفراد و لازم ذلک هو انتفاء الحکم عن کلّ واحد منها عند انتفاء الشرط.

مثلاً قوله علیه السلام إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء یدلّ بالمنطوق علی أنّ الکرّیّة علّة منحصرة لعدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات للماء فعلّة عدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات بالنسبة الی الماء منحصرة فی الکرّیّة و علیه فلامفرّ من القول بعموم المفهوم لأنّه إذا کان العموم حاصلاً من علّة واحدة منحصرة یلزم من انتفاء هذه العلّة انتفاء جمیع أفراد هذا العموم فإنّ العموم عبارة عن نفس الآحاد فلو کان لبعض الآحاد علّة أُخری للحکم فلم یتحقّق العموم بعلیّة هذه العلة بل بعض الأفراد و بعضها الآخر بعلّیّة العلّة الاُخری و هو خلف فی کون العلّة علّة منحصرة و هذه قرینة علی تعمیم المفهوم بحیث لولاها لکان نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة و الثانی أقرب علی المختار من أنّ القضایا الشرطیّة تفید العلیّة المنحصرة بل الأمر کذلک لو لم نقل بذلک ولکن قامت قرینة علی إفادة المفهوم و العلّیّة المنحصرة فتحصّل أنّ المنطوق إذا کان الموضوع فیه مأخوذاً علی وجه الاستغراق فالمفهوم فی القضیة الشرطیّة هو السلب الکلّی إذا کان المنطوق إیجابا کلّیّاً أو هو الإیجاب الکلّی إذا کان المنطوق سلباً کلّیّاً.

وهذا وإن کان ینافی ما قرّر فی المنطق من أنّ نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة

ص:332

الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة ولکنّه لامفسرّ منه لأنّه خواصّ إفادة العلّیّة المنحصرة فی القضایا الشرطیّة فاللازم هو حمل ما فی المنطق علی غیر القضایا الشرطیّة بناء علی إفادتها العلّیّة المنحصرة هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ موضوع کلام المنطقین هو المعقولات ولایرتبط بموضوع کلام الاُصولی و الفقیه فإنّ موضوع کلامهم هو ظاهر الألفاظ، فتدبّر.

خامسها: أنّ مع فرض تسلیم أنّ مفهوم القضیّة الشرطیّة الموجبة الکلیّة هی السالبة الجزئیّة و مفهوم القضیّة الشرطیّة السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة یقع الکلام فی أنّ الأمر فی العموم الأحوالی یکون کذلک أولا ذهب بعض الأعلام إلی أنه کذلک نظراً إلی أنّ مفاد المنطوق فی مثل قوله علیه السلام: (إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء) سالبة کلیّة وهی أنّ الکرّ لاینجّسه شیء من النجاسات أو المتنجّسات فی شیء من الحالات فیکون نقیضها رفع هذا العموم ویکفی فی صدقه تنجّس ما دون الکرّ ببعض النجاسات ولو فی بعض الحالات فنفس المفهوم لیس فیه عموم أفرادی و لاإطلاق أحوالی.

ویمکن أن یقال: أنّ الإنصاف هو الفرق بین العموم الأحوالی المصرّح به بمثل قوله فی کلّ حال ففی هذه الصورة یصحّ أن یقال نقیضه هو رفع هذا العموم و هو یشمل الأحوالی أیضاً و لاحاجة فی هذه الصورة إلی المقدّمات و بین العموم الأحوالی المستفاد من مقدّمات الحکمة.

فإنّ الظّاهر فی هذه الصورة یحتاج إلی المقدّمات ثمّ أنّ نسبة المقدّمات الی المنطوق و المفهوم علی السواء و تجری بالنسبة إلیهما فی عرض واحد و علیه تدلّ المقدّمات المذکورة علی العموم الأحوالی فی المنطوق والمفهوم ویکون المفهوم فی مثل قوله علیه السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء» أنّه إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه بعض

ص:333

الأشیاء فی جمیع أحواله سواء کان الشیء وارداً علی الماء أو کان الماء وارداً علیه أو کانا متلاقیین.

وعلیه فمفهوم أخبار الکرّ یدلّ علی نجاسة مادون الکرّ بملاقاة نجس ما بالإطلاق الأحوالی من دون فرق بین أنحاء الثلاثة.

نعم یتوقّف الإطلاق الأحوالی علی إدراج قید الملاقاة بالارتکاز العرفی فی مثل النجس ینجّس الشیء کما یدرج المماسّة فی مثل السکّین یقطّع الید أو الإشراق فی مثل الشمس تنضّج الأثمار.

ومن المعلوم أن بعد الإدراج المذکور کان المقدّر کالمذکور فی کونه مجری الإطلاق الأحوالی.

سادسها: أنّ العلّیّة المستفادة من القضیّة الشرطیّة بعد استظهار الانحصار بالوضع والإطلاق تدلّ علی أنّ وجود تالی الأداة علّة لترتّب الحکم علی الموضوع المذکور وعدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن الموضوع المذکور و لاتعرّض له بالنسبة إلی غیره من الموضوعات وعلیه فالعلّیّة هنا لیست علی نحو العلّیّة المستفادة من اللام لوجود الفرق بین قولنا الخمر حرام لأنّه مسکر و قولنا الخمر حرام إذا کان مسکراً إذ مفاد الأوّل هو أنّ میزان الحرمة هو الإسکار فی أیّ موضوع کان و مفاد الثانی أنّ وصف الإسکار متی تحقّق فی موضوع الخمر یوجب ترتّب الحرمة علیه و متی لم یتحقّق فیه یوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غیر الخمر أللّهمّ إلّا أن قلنا بالغاء الخصوصیّة، فتدبّر جیّداً.

سابعها: فی تعدّد الشرط مع عدم إمکان تکرار الجزاء کالقتل کما إذا ورد إن ارتد المسلم قتل و إن زنی المسلم المحصن قتل ففی مثله بناء علی إفادة القضیّة الشرطیّة

ص:334

للمفهوم یقع التعارض بین الدلیلین فإنّ مقتضی إفادة المفهوم أنّ کلّ قضیّة تنفی الحکم عن غیر موضوعه.

ولذلک ذکروا وجوهاً للجمع بینهما.

الأوّل: تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر فیکون کلّ واحد من الشرطین مستقلاً فی التأثیر ولایتوقّف علی وجود الشرط الآخر فالارتداد موجب للقتل کما أنّ الزنا من الشخص المذکور موجب للقتل و علیه فانتفاء القتل بانتفاء الشرطین و یکفی وجود أحدهما لترتّب الجزاء و إن حصل الشرطان بالتعاقب فالتأثیر للسابق وإن تقارنا فی الحصول فالتأثیر لهما.

وحیث أنّ المفهوم فی هذه الصورة باقٍ فی کلّ منهما فینفیان الثالث.

الثانی: رفع الید عن المفهوم فی الطرفین بدعوی أنّ المفهوم متقوّم بالخصوصیّة وهی إفادة العلیّة المنحصرة فمع تعدّد الشرط لاموجب للانحصار ومع اختلال الانحصار لاموجب للمفهوم فحینئذٍ یکون کلّ واحد من الشرطین سبباً مستقلاً و لاینفیان الثالث.

الثالث: تقیید کلّ واحد من المنطوقین بمنطوق الآخر ورفع الید عن استقلالیّة کلّ واحد منهما فالشرط مع التعدّد هو مجموع الشرطین و مفهومهما هو انتفاء الجزاء بانتفاء المجموع ولو مع بقاء أحدهما.

الرابع: أن یجعل الشرط و السبب هو الجامع بین الشرطین وأن یرفع الید عن خصوصیّة کلّ واحد منهما ففی هذه الصورة یکفی فی ترتّب الشرط أحد الأمرین.

والتحقیق هو الوجه الأوّل بعدما عرفت من أنّ المختار فی إفادة المفهوم هو وضع الأداة للإناطة و جریان مقدّمات الإطلاق فی تالیها فإنّ مع تعدّد الشرط لاتستعمل الأداة أو الهیئة الشرطیّة فی غیر معناها الحقیقی ولایخل بالإطلاق اللفظی والاستعمالی وإنّما

ص:335

یکشف تعدّد الشرط عن تقیید المراد الجدّی فمقتضی الجمع بین الشرطین هو تقیید إطلاق کلّ منهما المقتضی للمفهوم بالآخر و یبقی الإطلاق اللفظی فی بقیّة الموارد تحت إصالة الجدّ کسائر المطلقات المقیّدة فإن مقتضی القاعدة هو رفع الید عن مقتضی الإطلاق بمقدار المقیّدات فالمنطوقان یدلاّن علی تأثیرهما بالخصوص فی الجزاء و مقتضاه هو انحصار علّة الجزاء فی الشرطین.

ومنشأ التقیید المذکور هو التصرّف فی المنطوقین إذ کلّ منطوق یدلّ بمقدّمات الإطلاق علی کونه بلابدیل و بلاحاجة إلی الضمیمة علّة فی الجزاء فمع ملاحظة دلیل آخر یرفع الید عن إطلاق عدم البدیل ویقیّد کلّ منطوق بالآخر و یرفع الید من الانحصار الحقیقی و یحملان علی إفادة الانحصار الإضافی بالنسبة إلی غیرهما وهکذا یتقیّد مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر کما أنّ إصالة الإطلاق فی کلّ واحد من المنطوقین و المفهومین متقیّدة بالأُخری.

وممّا ذکر یظهر عدم صحّة الوجه الثانی لأنّ الانحصار لایستفاد من الوضع حتّی یقال مع تعدّد الشرط اختلت دلالة الجملة الشرطیّة علی الانحصار ومع الاختلال المذکور لادلالة للجملتین علی المفهوم لأنّ قوام دلالتهما علیه بالخصوصیّة التی هی الانحصار و المفروض أنّهما لیستا مستعملتین فی المعنی الموضوع له فلفظ الأداة بعد استعمالها فی غیر معناها الحقیقی بقرینة التعدّد لاتدلّ علی الانحصار ولاعلی عدم مدخلیّة شیء آخر بل عرفت أنّ الانحصار یستفاد من الوضع و الإطلاق و من المعلوم أنّ التقیید لاینافی بقاء الإطلاق و الانحصار الاضافی ودعوی رفع أصل الحصر لاموجب له کما لایخفی.

وهکذا یظهر عدم صحة الوجه الثالث و الرابع إذ لاوجه لرفع الید عن الظهور فی

ص:336

السببیّة المستقلّة لکلّ منهما بعنوانه فدعوی الاشتراک فی التأثیر أو دعوی أنّ المؤثّر هو الجامع خلاف الظّاهر ولاموجب لرفع الید عن الاستقلال فی التأثیر أو عن العنوان الخاصّ.

فتحصّل: أنّ الوجه الأوّل مقدّم بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة من مقدّمات الإطلاق فلاتغفل.

ثامنها: فی تداخل الشروط و الأسباب و المسبّبات و الجزاء وعدمه فیما إذا تعدّد الشروط و الأسباب و اتّحد الجزاء أو المسبّب عنواناً ولکن کان قابلاً للتکرار والبحث فیه یقع فی مقامین.

المقام الأوّل: فی تداخل الشروط والأسباب وعدمه و المراد من التداخل عند تعدّد الشروط و الأسباب هو تداخل الأسباب أو الشروط فی استیجاب الجزاء أو المسبّب.

مثلاً إذا ورد أنّه إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین فإن قلنا بالتداخل فالواجب عند وقوعهما صلاة واحدة و إن لم نقل به فالواجب صلوات متعدّدة.

ثمّ إنّ هذا البحث لایتبنی علی المفهوم بل یجری فی القضیّات الحملیّات الدالّة علی سببیّة شیء لشیء بنحو القضیّة الحقیقیّة إذ لافرق بین أن یقال إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین وبین أن یقال حدوث الزلزلة فی بلدکم أو وقوع الخسف فی أفقکم یوجب صلاة رکعتین و السرّ فیه أنّه من مباحث المنطوق لاالمفهوم.

ثمّ إنّ المراد من تعدّد السبب هو أن یکون السبب قابلاً للتعدّد سواء کان التعدّد نوعیّاً أو شخصیّاً و أمّا ما لایکون قابلاً للتعدّد کما إذا کان السبب صرف الوجود فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ صرف الشیء لایتکرّر ولایتعدّد والمفروض هو البحث عن تداخل الأسباب المتعدّدة.

وحاصل الکلام فی المقام أنّ المختار هو عدم تداخل الأسباب والشروط فی مفروض

ص:337

الکلام وتوضیح ذلک أنّه إذا کانت الدلالة علی التعدّد فی السبب والشرط وضعیّاً مع اتّصال القضایا فلاإشکال فی تقدم الدلالة علی التعدّد المذکور علی إطلاق المسبّب و الجزاء المقتضی للوحدة لعدم انعقاد الإطلاق فی ناحیة الجزاء أو السبب مع الدلالة الوضعیّة علی التعدّد لعدم تمامیّة مقدّمات الحکمة مع وجود القرینة علی التعدّد وهو الدلالة الوضعیّة فی ناحیة السبب و الشرط إذ من المعلوم أنّ تعدّد الأسباب والشروط یقتضی تأثیر کلّ واحد منها من قبل نفسه فی وجود ماهیة المسبّب أو الجزاء بل الأمر کذلک إذا کانت الدلالة المذکورة لمقدّمات الإطلاق لتفرع إطلاق الجزاء علی المقدّم کتفرّع الحکم علی الموضوع أو کتفرّع الإطلاق الأحوالی علی العموم الأفرادی هذا کلّه مع اتّصال القضایا.

وأمّا مع انفصال القضایا فالظهور وإن کان فی کلّ واحد من الشرط والجزاء والسبب والمسبّب منعقداً ولکن مع ذلک لایمنع ظهور الجزاء و المسبّب عن ظهور الشرط والسبب فی التعدّد وذلک لأنّ اقتضاء کلّ واحد لایعارض مع اقتضاء الآخر لأنّ البعث لایتعلّق بالطبیعة بما هی هی إذ لیست هی إلّا هی لامطلوبه و لاغیر مطلوبة بل یتعلّق بوجودها فالبعث المتعلّق بوجود الطبیعة یقتضی وجوداً واحداً من الطبیعة و لایقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالاضافة إلی وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء والبعث الآخر یکون مقتضیاً لوجود آخر بوجوب آخر وعلیه فلاتعارض بین الاقتضاء واللا إقتضاء بهذه الملاحظة وإن انعقد الظهور فی کلّ قضیّة لانفصال کلّ قضیة عن الاُخری.

وبالجملة إنّ اقتضاء الوحدة فی ناحیة الجزاء و المسبّب اقتضاء حیثیّ و لیس بإطلاقی ولو من جهة سبب آخر و إلّا لزم أن یکون کلّ قضیّة ناظرة إلی قضیّة أخری وهو ممنوع و علیه فلامنافاة بین ظهور کلّ قضیّة شرطیّة أو سببیّة فی إفادة الحدوث عند الحدوث و ظهور الجزاء أو المسبّب فی وحدة وجود الطبیعة لما عرفت من عدم

ص:338

التعارض بین الاقتضاء و اللااقتضاء إذ الماهیة فی الجزاء أو المسبّب لااقتضاء لها بالنسبة إلی وجود آخر بخلاف القضیّة الشرطیّة أو القضیّة السببیّة فإنّها تکون مقتضیة لوجودات أخری و لاتعارض بین اللااقتضاء والاقتضاء وإن انعقد الظهور فی الوحدة فی کلّ قضیّة لکونها منفصلة عن القضیّة الاُخری لأنّ هذا الظهور حیثیّ فلایمنع ظهور الجزاء أو المسبّب فی الوحدة من ناحیة سبب نفسه أو شرطه المذکور فی هذه القضیّة عن وجود آخر بسبب أو شرط آخر کما لایخفی.

وعلیه فکلّ قضیّة مفادها التحریک إلی وجود واحد فنفس التحریک الثانی تحریک آخر فیقتضی حرکة أخری لا أنّ المتعلّق مقیّد بالآخر ضرورة أنّ کلّ قضیّة لیست ناظرة إلی قضیّة أخری لأنّ المبحث فی المقام لایکون مبتنیاً علی النظارة والمفهوم نعم لو فرض ذلک لزم أن یقیّد إطلاق کلّ قضیّة بالأُخری کما لایخفی.

فلحاظ صرف الوجود فی الجزاء لو ثبت لیس إلّا من جهة سبب نفسه أو شرطه ولانظر فیه إلی غیره من الأسباب و الشرائط.

فإذا کانت الأسباب أو الشرائط متعدّدة وکان الجزاء قابلاً للتکرار کما هو المفروض لزم تکرار المسبّب أو الجزاء لأنّ کلّ واحد من الأسباب و الشرائط یقتضی وجوده هذا بخلاف تکرار الأمر من دون تکرار السبب أو الشرط فإنّه لایدلّ إلّا علی التأکید ولاأقلّ من الشکّ فی التأسیس أو التأکید فی الأمر المکرّر من دون ذکر سبب أو شرط فمقتضی البراءة هو جواز الاکتفاء بالواحد و الحمل علی التأکید کما لایخفی.

وعلیه فإذا ورد إن فعلت کذا فتصدّق بکذا و إن فعلت ذاک فتصدّق بکذا کان مقتضی القاعدة هو تکرار التصدّق بتکرار الشرط و هکذا فی السبب ولافرق فیه بین أن کانت القضایا متّصلة أو منفصلة و هذا هو الذی یعرفه العرف و یحکم به إذ کلّ سبب عنده

ص:339

یقتضی و یؤثّر فی مسبّبه بل الأمر کذلک فیما إذا کان السبب أو الشرط من جنس واحد و تکرّر فإنّ مقتضی جعل السببیّة للطبیعة هو سرایة السببیّة إلی کلّ فرد فرد منها.

وعلیه فبعد جعل السببیّة بطبیعة شیء یترتّب علیها ما یترتّب علی الأسباب التکوینیّة فکما أنّ کلّ سبب من الأسباب التکوینیّة یؤثّر ولو من جنس واحد فکذلک یؤثّر کلّ سبب شرعی کما لایخفی.

قال الشیخ الأعظم إنّ الأسباب الشرعیّة کالأسباب العقلیّة فحینئذٍ لو کانت الأسباب الشرعیّة سبباً لنفس الأحکام وجب تعدّد إیجاد الفعل فانّ المسبّب یکون هو اشتغال الذمّة بإیجاده و السبب الثانی لو لم یقتض إشغالاً آخر فإمّا أن یکون لنقص فی السبب أو المسبّب و لیس شیء منهما أمّا الأوّل فمفروض و أمّا الثانی فلانّ قبول الاشتغال للتعدّد تابع لقبول الفعل المتعلّق به و المفروض قبوله للتعدّد و احتمال التأکید مدفوع.

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه

وحیث عرفت أنّ مقتضی القاعدة هو عدم تداخل الأسباب والشروط فی التأثیر مع إمکان تکرار المسبّب والجزاء فلافرق فی ذلک بین أن یکون الجنس متّحداً أو مختلفاً لأنّ المناط فی الجمیع واحد و هو ظهور القضیّتین فی تعدّد الأسباب و الشروط فیما إذا کانت الأجناس مختلفة و ظهور القضیّة المأخوذة فیه طبیعة الشرط و السبب فی الطبیعة الساریة فیما إذا کانت الأجناس واحدة و مقتضی سریان الطبیعة هو انحلال طبیعة الشرط أو السبب إلی آحادها و علیه فمقتضی ظهور الجملة السببیّة أو الشرطیّة فی کلتا الصورتین فی الحدوث عند الحدوث یقتضی أن کلّ فرد فرد یکون سبباً مستقلاً لترتّب الأثر علیه فلاوجه لتداخل الأسباب بعضها فی بعض ولو کان من جنس واحد.

وعلیه فإن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات عدیدة فی صلاة واحدة یجب علیه لکلّ مرة سجدتا السهو و إن کان سببه واحداً نوعیاً کما لایخفی.

ص:340

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات

وذلک لأنّ مجرّد المعرفیّة لاتقتضی المصیر إلی التداخل لإمکان معرفیّة الأسباب الشرعیّة لأسباب حقیقیّة واقعیّة.

ویکفی لإثبات ذلک ظهور الجملة السببیّة أو الشرطیّة فی الطبیعة الساریة وفی الحدوث عند الحدوث و فی تعدّد المسبّب أو الجزاء بتعدّد السبب أو الشرط فإنّ هذه الظهورات تدلّ علی تعدّد السبب الحقیقی أو الشرط الحقیقی المنکشف بالمعرّفات الشرعیّة.

فاختیار کون الأسباب الشرعیّة معرّفات لایستلزم القول بالتداخل بعد الاعتراف بظهور الجملة الشرطیّة أو السببیّة فیما ذکر.

هذا مضافاً إلی أنّ حمل العناوین المأخوذة فی لسان الأدلّة الشرعیّة علی المعرّفات لاتساعده ظواهر الأدلّة حیث أنّ الظّاهر من العناوین أنّها بأنفسها موضوعات لابعنوان کونها معرّفات.

وعدم دخالة الأسباب الشرعیّة فی أحکامها کدخل العلّة الطبیعیّة فی معلولها لایستلزم أن تکون الأسباب الشرعیّة معرّفات محضة بل هی کما یقتضیه الظواهر موضوعات لها و تتوقّف فعلیّة الأحکام علی فعلیّة تلک الموضوعات و لاتنفکّ عنها أبداً ومن هنا تشبه العلّة التامّة من هذه الناحیة أی من ناحیة إستحالة انفکاکها عن موضوعاتها فتحصل أنّ القضایا سواء کانت دالة علی الجنس الواحد أو المتعدّد تدلّ علی تعدّد الأسباب و عدم تداخلها و ذلک لما عرفت من ظهور الجمل المذکورة فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل بین الأجناس والآحاد کما لایخفی.

المقام الثانی: فی تداخل المسبّبات و عدمه.

ولایخفی علیک أنّ بعدما عرفت من عدم تداخل الأسباب و الشروط و تأثیر کلّ

ص:341

واحد منها یقع البحث فی جواز الاکتفاء بمسبّب واحد أو جزاء واحد فی امتثال الجزاء والمسبّبات المتعدّدة و عدمه.

والتحقیق أنّه یجوز التداخل بالإتیان بمسبّب واحد أو جزاء واحد فیما إذا کان العنوانان عامّین من وجه لتصادقهما علی المأتی به مع قصد الامتثال للمتعدّد إن کان أمراً قصدیّاً و إلّا فیتصادقان علیه قهراً ففی مثل إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه ممّا کان النسبة بینهما هی العموم من وجه یجوز التداخل بأن یمتثل الأمر بالإکرام والأمر بالإطعام بکیفیّة یصدق علیه الإکرام و الإطعام ومع صدقهما یسقط الأمر بهما و لامعنی للامتثال إلّا ذلک.

وهکذا بالنسبة إلی غسل الجنابة وغسل الحیض فإنّه یمکن أن تأتی المرأة بغسل واحد بقصدهما فإنّه مع قصدها ذلک یصدق علی المأتی به أنّه غسل الجنابة وغسل الحیض لأنّ العنوانین من العناوین المتصادفة و کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه ومع الصدق المذکور یتحقّق الامتثال.

وبالجملة فمع الإتیان بالواحد المعنون بالعنوانین یصدق الإتیان بهما و یتحقّق الامتثال کما لایخفی.

ولایتوقّف ذلک علی القول بجواز الاجتماع فی الأمر والنهی لجواز الاکتفاء بإتیان ما فیه الملاکان فی الحکم بالامتثال بناء علی عدم لزوم قصد الأمر فی الامتثال کما هو الظاهر.

ویلحق بذلک ما إذا کانت النسبة بین المتعلّقین عموماً من وجه من ناحیة إضافتهما إلی موضوعهما فقوله إذا جاءک زید فأکرم العالم و إذا سلّم علیک فأکرم الهاشمی مثل قوله إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه فکما أنّ النسبة بین الإکرام والإطعام هی العموم من وجه فکذلک تکون النسبة بین إکرام العالم و إکرام الهاشمی

ص:342

عموماً من وجه فیجوز التداخل فی الامتثال بإتیان المجمع لإنطباق العنوانین علیه إذ لایعتبر فی تحقّق الامتثال إلّا الإتیان بما ینطبق علیه متعلّق الأوامر والمفروض هو صدقه علیه.

واحتمال لزوم الإتیان بالمتعلّق منفرداً لامجتمعاً مندفع بإطلاق المتعلّق من کلّ الدلیلین إذ لم یتقیّد کلّ واحد منهما بعدم اجتماعه مع الآخر مع امکان التقیید بذلک کما یقید صلاة العصر بکونها واقعة عقیب صلاة الظهر.

ثمّ لافرق فیما ذکر بین أن یکون الطرفان واجبین کما فی الأمثلة المذکورة أو واجباً و مستحبّاً کصوم الاعتکاف وصوم القضاء أو مستحبّین کنافلة المغرب و صلاة الغفیلة.

فإنّ مقتضی إطلاق الأمر بکلّ منها من دون تقییدها بالانفراد هو عدم دخالة التقدّم و التأخّر فی المأمور به ومعه یجوز الجمع بینها فی مقام الامتثال بأن یأتی بصلاة بعنوان النافلة و الغفیلة أو أن یأتی بصوم بعنوان صوم الاعتکاف و القضاء و هکذا.

ومع الإطلاق لامجال لاحتمال أن یکون العنوانان متباینین فی الواقع بحیث لایمکن قصدهما بعمل واحد نظیر عدم امکان الإتیان بأربع رکعات بقصد الظهر والعصر.

إذ معنی الإطلاق هو عدم اشتراط إتیان نافلة المغرب أو صلاة الغفیلة أو صوم الاعتکاف أو صوم القضاء بکیفیّة خاصّة کإتیان نافلة المغرب قبل الغفیلة أو بعدها أو إتیان الغفیلة بعد نافلة المغرب أو قبلها فمع عدم اشتراط الکیفیّة المخصوصة ینتفی احتمال التباین و معه یجوز أن یأتی بهما مجتمعاً فی مقام الامتثال ثمّ لایبعد جواز التداخل فیما إذا کانت النسبة بین العنوانین هی العموم و الخصوص المطلق بحسب الخارج ولکن لم یؤخذ مفهوم الأعم فی الأخصّ کقولهم حرّک و لاتدن إلی موضع کذا أو حرّک و أدنُ من موضع کذا و کقولهم جئنی بحیوان و جئنی بناطق لکفایة تغایر المفهومین فی الذهن فی جواز اجتماع الأمر والنهی أو اجتماع المثلین و إن کانت النسبة

ص:343

بحسب الخارج هی العموم و الخصوص فیجوز تعلّق الحکمین بالعنوانین فیتداخلان فی الأخص بحسب الخارج و لعلّ الأمر فی مثل الجنس و الفصل کالحیوان والناطق کذلک فإنّهما متغایران بحسب الذهن ولکن النسبة بینهما هی العموم والخصوص بحسب الخارج و الاتّحاد الخارجی لایضرّ لعدم کون الخارج متعلّقاً للحکم و إنّما هو مصداق للمفهومین المتغایرین اللذین کانا مورداً للحکمین.

وممّا ذکرناه یظهر أنّه لامجال للتداخل فیما إذا کانت النسبة بین المفهومین هی التباین لعدم إمکان اجتماعهما کالکسوة و الإطعام فتغایر المفهومین المتعلّقین للحکمین لایبقی مجالاً للتداخل کما لایخفی.

ویلحق به ما إذا کان متعلّق الحکمین حقیقة واحدة لأنّ تعدّد الأمر فی الحقیقة الواحدة غیر معقول فمع عدم الحمل علی التأکید لابدّ و أن یکون متعلّق کلّ واحد من الأمرین هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالأمر الآخر.

ومن المعلوم أنّه لامجال لتداخل الأفراد ولو من مهیّة واحدة لمغایرة الأفراد بعضها مع بعض.

والمراد من الفرد لیس عنواناً کلّیاً حتی یکون قابلاً للانطباق علی الکثیرین من الأفراد حتّی یقال بأنّ عدم إمکان تداخل العنوانین من ماهیّة واحدة غیر مسلم بل القیود الواردة علی ماهیة مختلفة فقد تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین کالإنسان الأبیض و الأسود وقد لاتکون کذلک کالإنسان الأبیض و العالم ممّا بینهما عموم من وجه.

فالوضوء فی قوله إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ ماهیة واحدة ولابدّ من کونها مقیّدة حتّی یکون کلّ سبب علّة مستقلّة للإیجاب علی أحد العنوانین لکن لایجب أن یکون بین العنوانین التباین حتی یمتنع تصادقهما علی الفرد الخارجی.

بل المراد من الفرد هو الوجود الذهنی من الفرد الخارجی بنحو الوجود اللافراغی

ص:344

فصورة الذهنی من کلّ فرد کنفس الفرد الخارجی فی أنّها مغایرة لغیرها ومباینة لها ومع المغایرة والمباینة لامجال لتداخل الفردین فی واحد کما لامجال للتداخل فی الماهیتین المتباینین.

فلایجوز الإکتفاء بالوضوء الواحد فی المثال المزبور و إن کان فی المثال مناقشة لأنّ ناقض الوضوء هو صرف وجود الناقض وهو لایتکرّر فالأولی أن یذکر طواف النساء فی ما إذا أتی بعمرتین فإنّ کلّ عمرة توجب طواف النساء غیر طواف النساء الذی اقتضته عمرة أُخری فالمغایرة بین الفردین تمنع عن امتثالهما بوجود واحد فاللازم هو أن یأتی بطواف النساء مرّتین ولایکتفی بطواف واحد أللّهمّ إلّا أن یقال یمکن إلقاء الخصوصیّات الفردیّة ومعه تکون الصورة الذهنیّة من کلّ فرد بمنزلة الکلّی فتأمّل.

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب

ولایخفی أنّ الشکّ فی تداخل الأسباب وعدمه یرجع الی احتمال کون المؤثّر هو الجامع المنطبق علی أوّل الوجود أو کلّ واحد من الأسباب فالمتیقن حینئذٍ هو حدوث تکلیف واحد ویرجع فی الزائد إلی إصالة البراءة.

هذا مضافاً إلی جریان استصحاب عدم النجاسة بالسبب الثانی فیما إذا أصاب البول ید شخص مرّتین و متعاقبین لأنّ بعد الإصابة الأُولی کان المعلوم هو عدم تنجّس الید بسبب آخر فإذا حدث الإصابة الثانیة و شکّ فی حدوث النجاسة ثانیاً یستصحب عدمه.

وإن أصابا دفعة وشکّکنا فی أنّ کلّ واحد مؤثّر أو الجامع بینما فاستصحاب جامع النجاسة بعد العمل بالمتیقّن من التکلیف جار ولکن لاأثر له إذ الأثر مترتّب علی الأفراد لاعلی الجامع واستصحاب جامع النجاسة لإثبات تأثیر کلّ واحد منهما مثبت.

وکیف کان فالشکّ فی التکلیف الزائد علی المقدار المتیقّن یکون مجری لإصالة البراءة.

ص:345

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسببّات

ولایذهب علیک أنّ الشکّ فی تداخل المسبّبات وعدمه یرجع إلی الشکّ فی الامتثال و السقوط بعد الفراغ عن أصل ثبوت التکلیف و اشتغال الذمّه به.

وحینئذٍ فإن کان إطلاق المتعلّقات کافیاً لدفع احتمال مدخلیّة التقدّم و التأخّر وإحراز إمکان التصادق فلاشکّ فی کفایة الإتیان بما یتصادق العنوانان علیه.

وإن لم یکن إطلاق أو کان الدلیل لُبّیا أو کان مجملاً فمقتضی الأصل هو عدم التداخل و لزوم الإتیان بکلّ واحد من الأسباب حتّی یحصل الفراغ الیقینی بعد الاشتغال الیقینی.

ص:346

الفصل الثالث: فی مفهوم الوصف

اشارة

ذهب المشهور إلی أنّ إثبات حکم لذات مأخوذة مع بعض صفاتها لایستلزمه انتفاء ذلک الحکم عند انتفاء تلک الصفة.

ویقع البحث عنه فی مقامین:

أحدهما: فی محلّ النزاع، و لاإشکال فی شمول عنوان البحث للوصف المعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم رجلاً عالماً و أمّا ما لم یعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم عالماً فقد یقال بخروجه عن عنوان البحث بدعوی أنّه لافرق بین اللقب و الوصف غیر المعتمد فکما أنّ اللقب لایدلّ علی المفهوم من دون خلاف فکذلک الوصف غیر المعتمد و الملاک فی عدم الدلالة فیهما واحد و هو أنّ الحکم الثابت فی القضیة لعنوان اشتقاقیّاً کان أو ذاتیّاً لاتدلّ القضیة إلّا علی ثبوت هذا الحکم لهذا العنوان و أمّا انتفاء الحکم عن غیر العنوان المذکور بجهة من الجهات فلا إشعار لها فضلاً عن الدلالة علیها.

ویمکن أن یقال: أنّ قیاس الوصف غیر المعتمد علی اللقب فی غیر محلّه فإنّ الذات فی الوصف غیر المعتمد کالمذکور عند العرف و إن قلنا ببساطة المشتقّ فإنّ مفهوم ضارب مثلاً و إن کان بسیطاً ویعبّر عنه فی اللغة الفارسیة ب - «زننده» ولکن هذا المفهوم عند

ص:347

العرف یحتوی الذات بخلاف اللقب فإنّه لایکون کذلک نعم یمکن تحلیله عقلاً بالذات والعنوان ولکنّ المعیار هو التفاهم العرفی لاالتحلیل العقلیّ فالأظهر کما أفاد الشیخ الأعظم قدس سره هو دخول الوصف غیر المعتمد فی عنوان البحث فراجع.

ویؤیّده بعض الاستدلالات والأجوبة کالاستدلال بقوله علیه السلام مطل الغنی ظلم علی أنّ مطل غیر الغنی لیس بظلم والجواب عنه بأنّ الدلالة مع القرینة لامانع منها و إنّما الکلام فیما إذا کان الکلام خالیاً عن القرینة مع أنّه لو لم یکن الوصف غیر المعتمد داخلاً فی محلّ البحث کان الأولی فی الجواب عنه بکونه من قبیل مفهوم اللقب لا الوصف.

ثمّ إنّ الوصف إمّا وصف أخصّ کقولهم أکرم إنساناً عالماً أو الوصف الأعمّ من وجه کقوله صلی الله علیه و آله و سلم و فی الغنم السائمة زکاة.

وکلاهما داخلاً فی عنوان البحث و أمّا الوصف المساوی کقولهم أکرم إنساناً ضاحکاً بالقوّة أو الوصف الأعمّ المطلق کقولهم أکرم إنساناً ماشیاً فلاإشکال فی خروجهما عن محلّ البحث لأنّ الوصف المساوی أو الأعمّ المطلق لایوجبان التضییق فی ناحیة الموصوف حتّی یدلّ علی انتفاء الحکم فی الموصوف عند انتفاء الوصف بل عند انتفاء الوصف لایبقی موصوف کما لایخفی.

ثمّ یمکن إلحاق الحال والتمییز وغیرهما من قیود الموضوع فإنّ مناط المفهوم فی الوصف یأتی فی تلک الموارد أیضاً ولکن مقتضی وجود المناط فیها هو الإلحاق کما ذکرنا لا الإدخال لعدم صدق عنوان الوصف علی أمثال هذه الموارد فتدبّر جیّداً.

وثانیهما: فی أدلّة المثبتین

منها: التبادر کما یشهد له فاتبادر عدم مطلوبیّة شراء العبد الأبیض من قول المولی لخادمه إشتر لی عبداً أسود.

ص:348

وفیه: منع واضح لأنّ عدم مطلوبیّته شراء العبد الأبیض من ناحیة هذا الخطاب لایستلزم عدمه مطلوبیته بسائر الجهات.

ومنها: دعوی وضع الوصف للعلّیّة المنحصرة وفیه أیضاً منع واضح لعدم شاهد لذلک بل لادلالة للوصف علی العلّیّة فضلاً عن انحصارها وما اشتهر من أنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلّیّة منظور فیه لاحتمال خصوصیّة المورد و دخالة الموضوع أو المتعلّق الموصوف و علیه فلایدلّ التعلیق المذکور علی أنّ الوصف علّة تامّة و علی فرض التسلیم لاینفی احتمال تعدّد العلّة هذا مضافاً إلی أنّه مجرّد إشعار وهو غیر الدلالة.

ولایقاس الوصف بالشرط لما عرفت من وضع الشرط للإناطة و العلّیّة و دلالة اطلاق الشرط علی الانحصار و لاوضع ولادلالة فی الوصف کما لایخفی.

ودعوی أنّ الوصف بعنوانه متمّم لقابلیّة القابل والموضوع وهو معنی الشرط حقیقة وحیث أنّ الظّاهر دخله بعنوان الخاصّ لا بعنوان کونه مصداقاً للجامع بینه و بین غیره وأنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من الوجوب فلامحالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیّة الموضوع لسنخ الحکم فقیاس الوصف بالشرط فی محلّه مندفعة بأنّ الوصف متمّم لقابلیّة الموضوع وعلل قوامه لا من علل الحکم وهذا هو الفرق بین الوصف والشرط فإنّ الشرط من علل الأحکام والوصف من علل الموضوعات وانحصار تتمیم الموضوع فی وصف لایدلّ علی علّیّة الموضوع أو انحصار العلّیّة فی الموضوع بالنسبة إلی الحکم وعلیه فلاوجه لجعل الوصف فی معنی الشرط وإرجاع القضیّة الوصفیّة إلی القضیّة الشرطیّة.

ومنها: أنّ الأصل فی القیود أنّها للاحتراز ولامعنی للاحتراز إلّا هو المفهوم.

وبعبارة أُخری أنّ التخصیص بأمر زائد علی الذات کقولک صلّ خلف العادل لابدّ

ص:349

فیه من فائدة وحیث أنّه لا فائدة إلّا نفی الحکم عن غیر الموصوف بوصف کذا أوجب ذلک القطع بهذا النفی ولیس ذلک إلّا هو المفهوم.

یمکن أن یقال: لا کلام فی ما إذا علم أنّ الموصوف علّة منحصرة فی ترتّب الحکم علیه فإنّ الحکم حینئذٍ ینتفی بانتفاء الموصوف ولکنّه لیس من جهة دلالة الجملة الوصفیّة بل لقیام قرینة خاصّة.

والأصل فی القیود وإن کان للاحتراز إلّا أنّه لدفع احتمال کون الوصف مذکوراً من باب الاهتمام أو التوضیح أو الابتلاء وإثبات دخالته فی تحقّق موضوع الحکم وهذا لایوجب حمل الأوصاف والقیود علی بیان العلّة فضلاً عن انحصارها لأنّ الاحتراز یکفیه دخالة القیود والأوصاف فی تحقّق موضوع الحکم وتضیقه ولاموجب للأزید منه ما لم یقم قرینة خاصّة وبالجملة إثبات شیء لشیء لاینفی إثباته عمّا عداه.

فإذا قیل جئنی بحیوان ناطق لایدلّ هذه الجملة إلّا علی مطلوبیّة إیتاء الانسان للخدمة ولاینافی هذا مطلوبیّة إیتاء الحیوان أیضاً لجهة من الجهات کالرکوب ونحوه ولذا لو قیل بعد هذه العبارة جئنی بحیوان فهم منه تعدّد المطلوب فکما أنّ جئنی بإنسان لامفهوم له فکذلک جئنی بحیوان ناطق لامفهوم له و وصف الناطقیة لا یدلّ علی انحصار المطلوبیّة فی الحیوان الناطق کما لایخفی.

ومنها: أنّه لو لم تدلّ القضیّة الوصفیّة علی المفهوم فلاموجب لحمل المطلق علی المقیّد وقد أنکر شیخنا بهاء الدین قدس سره علی منکری مفهوم الوصف بقوله بأنّهم قد قیّدوا بمفهوم الصفة فی نحو أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجة عندهم کیف یقیّدون بها فما هذا إلّا التناقض.

فممّا ذکر یظهر أنّ مورد عدم حجّیّة المفهوم مختصّ بغیر موارد الإطلاقات وأمّا فیها فمفهوم الوصف حجّة.

ص:350

یمکن أن یقال: لافرق فی عدم حجّیّة مفهوم الوصف بین موارد الإطلاقات وغیرها ما لم یحرز وحدة المطلوب بقرینة خارجیّة إذ لاوجه لحمل المطلقات علی المقیّدات فی المثبتات لاحتمال مطلوبیّة کلیهما فمع عدم إحراز وحدة المطلوب فالمقیّد یدلّ علی مطلوبیّة المقیّد ولاینافی ذلک مع مطلوبیّة المطلق أیضاً بدلیل آخر وعلیه فانتفاء الوصف لایدلّ علی عدم حکم آخر بالنسبة إلی ذات الموصوف بعد احتمال تعدّد المطلوب.

نعم لو کان المطلوب واحداً کما فی مثال إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة فاللازم لوجود المنافاة بین الطلب البدلی و جواز الاکتفاء بکل واحد من أفراد الطبیعة مع الطلب التعینی و ارادة خصوص بعض الافراد من الطبیعة هذا فیما اذا کان العموم بدلیاً و اما اذا کان العموم استغراقیاً کقولنا أکرم العلماء و أکرم عدون العلماء فیحمل علی تعدد المطلوب اذ لامنافاة بین ان یکون الواجب احترام جمیع الأفراد و بین أن یکون بعض الأفراد مورد الاحترام من جهة اخری و هی العلم و مثله اذا ورد المنفیان یکون أحدهما مقیّداً کما اذا ورد یحرم النظر إلی العورة و ورد یحرم النظر إلی عورة المؤمن لان شمول الاول استغراقی فیشمل مورد الاخر و لامانع من أن یکون النظر بالنسبة إلی کل فرد حراماً و علیه فیکون حرمة النظر إلی عورة المؤمن من جهة تعدد المطلوب و حرمة اخری هو حمل المطلق علی المقیّد والمراد من الحمل أنّ المقصود من المطلق فی الخطاب المذکور هو المقیّد فقوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فی قوّة أن یقال من أوّل الأمر أعتق رقبة مؤمنة فالقید والوصف لتحدید الموضوع ولیس ذلک من جهة دلالة الوصف علی المفهوم بل من جهة العلم بوحدة الطلوب وحصول المناقضة العرضیّة بینهما.

فإنّ مقتضی المطلق أنّه هو المطلوب لا المقیّد و مقتضی المقیّد أنّه هو المطلوب لاالمطلق والجمع بینهما یقتضی حمل المطلق علی المقیّد لمنصوصیّة دلالته بالنسبة إلی

ص:351

المطلق ولأنّ رفع الید عن المقیّد یوجب لغویّة المقیّد بخلاف العکس فإنّ المطلق یإطلاقه یشمل المقید أیضاً وهذا الجمع غیر مرتبط بالمفهوم بل یکون من جهة المنطوقین المذکورین فتحصّل أنّ مفهوم الوصف لیس بحجّة لافی المطلقات و لافی غیرها ما لم یقم قرینة خاصّة کمقام التحدید ونحوه.

بل بعد العلم بوحدة المطلوب وحمل المطلق علی المقیّد یحکم بعدم کون المطلق محکوماً بالحکم المذکور فی القضیّة و لادلالة للقضیّة علی انتفاء الحکم عن المطلق بجهة أُخری من الجهات بعدما عرفت من عدم دلالة الجملة الوصفیّة علی المفهوم فلاتغفل.

هنا تفصیلان:

أحدهما: الفرق بین الأحکام الوضعیّة والأحکام التکلیفیّة بمنع المفهوم فی الثانیة دون الأُولی لعدم التعدّد والشدّة والضعف فیها بخلاف الأحکام التکلیفیّة فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد فی الوضعیّات وفیه أنّ وجه حمل المطلقات فی الوضعیّات علی المقیّدات هو العلم بوحدة السبب فیها غالباً وهو کما عرفت موجب للحمل المذکور مطلقاً من دون فرق بین الأحکام التکلیفیّة والأحکام الوضعیّة ومع وحدة السبب یکشف عدم قابلیّة المطلق للسببیّة فنفی السببیّة عن المطلق لیس من جهة مفهوم الوصف بل من جهة عدم قابلیّة المطلق للسببیّة و وحدة السبب.

وثانیها: أنّه لافرق فی عدم دلالة الوصف علی المفهوم بین نفی الحکم عن حصص أخری غیر الحصّة المذکورة کقولنا أکرم رجلاً عالماً فإنّه لایدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن حصّة أخری کالرجل العادل أو الهاشمی ونحوهما وبین نفی الحکم عن طبیعی موصوفه علی نحو الإطلاق کقولنا أکرم رجلاً عالماً فإنّه لایدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن طبیعة الرجل بجهة من الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة و

ص:352

بالجملة، فکما لادلالة للوصف علی المفهوم بحسب الأوّل فکذلک لادلالة له علی المفهوم بحسب الثانی.

وظهور القید فی الاحتراز ودخله فی الموضوع لاینفی الحکم عن طبیعی موصوفه من سائر الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة إذ کلّ قید و إن کان فی نفسه ظاهراً فی الاحتراز ودخله فی الموضوع نفی أنّ الحکم غیر ثابت له إلّا مقیداً بهذا القید لامطلقاً وإلّا لکان القید لغواً ولکن ذلک کلّه بالنسبة إلی شخص الحکم المذکور فی القضیّة ولانظر له بالنسبة إلی سنخ الحکم ولو من سائر الجهات وعلیه فکما أنّ الوصف لاینفی الحکم عن سائر الحصص فکذلک لاینفی سنخ الحکم عن طبیعة الموصوف من سائر الجهات.

فلامجال لاستنتاج حمل المطلق علی المقیّد ولو کان التکلیف متعدّداً بدعوی أنّ القید ظاهر فی الاحتراز فیدلّ علی أنّ الحکم وهو وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعة الموضوع علی الإطلاق وإنّما یثبت لحصّة خاصّة منه وهو العالم العادل فی مثل قوله أکرم عالماً وأکرم عالماً عادلاً من دون فرق بین کون التکلیف واحداً أو متعدّداً وذلک لما عرفت من عدم المنافاة بین عدم ثبوت شخص الحکم المذکور فی هذه القضیّة لطبیعة الموضوع علی الإطلاق وبین أن یکون محکوماً بسنخ الحکم بجهة أخری غیر شخص هذا الحکم.

وعلیه فلامنافاة بین أکرم عالماً وأکرم عالماً عادلاً إلّا إذا أحرز وحدة المطلوب وهکذا لامنافاة بین لاتکرم عالماً ولاتکرم عالماً فاسقاً إلّا إذا أحرز وحدة المطلوب وأمّا مع عدم إحراز وحدة المطلوب فمقتضی أدلّة أکرم عالماً هو مطلوبیّة إکرام طبیعة العالم کما أنّ مقتضی قوله لاتکرم عالماً هو النهی عن إکرام طبیعة العالم فتدبّر جیّداً.

ص:353

ص:354

الفصل الرابع: فی مفهوم الغایة

ویقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی دلالة الغایة علی المفهوم

ذهب المشهور بل المعظم إلی أنّ تقیید حقیقة الحکم بالغایة یدلّ علی انتفاء الحکم سنخا بعد الغایة بناء علی دخول الغایة فی المغیّی أو یدلّ علی انتفائه سنخا عن الغایة وما بعدها بناء علی خروج الغایة.

ویشهد له التبادر إذ تقیید حقیقة الحکم بحدّ خاصّ ظاهر فی ارتفاعه بحصول الحدّ بالخصوص ومقتضی ارتفاع حقیقة الحکم بحصول الحدّ الخاصّ هو ارتفاع جمیع أفراده إذ حقیقة الحکم وطبیعته لایرتفع إلّا بارتفاع جمیع أفراده فکما أنّ علّة حقیقة الوجوب بما هو وجوب إذا انحصرت فی شیء فلامحالة یقتضی انتفاء العلّة انتفاء سنخ الوجوب فکذلک فی المقام إذا حدّدت طبیعة الحکم وحقیقته بحدّ خاصّ فلامحالة تنتفی حقیقة الحکم بحصول الحدّ المذکور وإلّا لزم الخلف فی تحدیده بذلک الحدّ کما لایخفی.

ودعوی: أنّ المحدّد بالحدّ لیس هو الطبیعة و الحقیقة بل هو الحکم الجزئی الشخصی

ص:355

وارتفاع الحکم الجزئی والشخصی بحصول الحدّ لایدلّ علی ارتفاع طبیعة الحکم وحقیقته و سنخ الحکم.

مندفعة بأنّ جزئیّة إنشاء الحکم وخصوصیّته لیست مورد الالتفات عند الإنشاء لأنّ الهیئة آلة محضة للبعث والإغراء من غیر توجّه إلی الجزئیّة والکلّیّة والمفروض أنّ القضیة لیست القضیّة الشخصیّة بل القضیّة الطبیعیّة فالمحدّد هو الوجوب بما هو وجوب فإذا حصل الحدّ ینتفی الوجوب بما هو وجوب و معنی انتفائه بما هو هو انتفائه بجمیع أفراده.

وبعبارة أُخری دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بحصول الغایة وهکذا دلالة الجمل الشرطیّة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة إذ مقتضی دلالتهما علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة أو بحصول الحدّ الخاصّ هو انتفائه بجمیع أفراده.

ولیست هذه الدلالة فی القضیّة الوصفیّة فإنّها لمجرد إثبات حکم لموصوف و لادلالة فیها علی الانتفاء عند الانتفاء وعلیه فما ذهب إلیه المشهور من دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم وهو انتفاء سنخ الحکم بحصول الغایة لایخلو عن وجه ولکنّ ذلک مختصّ بما إذا کانت الغایة قیداً للحکم وأمّا إذا کانت قیداً للموضوع کقوله تعالی:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ) أو قوله تعالی (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ) أو کانت قیداً للمتعلّق کالأمر بالسیر من البصرة إلی الکوفة فلامفهوم لها لأنّ الجملة حینئذٍ تکون کالجمل الوصفیّة فی الدلالة علی مجرّد اثبات الحکم للموضوع أو المتعلّق و لادلالة لها علی الانتفاء عند الانتفاء.

ثمّ لایخفی علیک أنه ذکر بعض أموراً لتشخیص کون الغایة غایة للحکم أو قیداً

ص:356

للموضوع أو المتعلّق ولکنّه لایخلو عن تأمّل ونظر فالأولی هو إحالة ذلک إلی لاستظهار العرفی

المقام الثانی: فی دخول الغایة أو خروجها والظّاهر أنّه لافرق بین أن یکون الغایة غایة للموضوع أو غایة للحکم فی ظهورها فی الخروج لأنّ المراد من الغایة هو ماینتهی عنده الشیء لا آخر نفس الشیء ومن المعلوم أنّ حدود الشیء خارج عن الشیء سواء کان الشیء موضوعاً أو حکماً نعم ربّما یستعمل الغایة فی آخر نفس الشیء وحینئذٍ لاتدلّ علی خروجها کقولک قرأت القرآن من أوّله إلی آخره وأمّا فی مثل سر من الصبرة إلی الکوفة أو قوله عزّوجلّ:(أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ) فالکوفة خارجة عن مورد السیر الواجب فیجوز أن سار إلی جدارها ولم یدخل فیها کما أنّ الصیام ینتهی إلی اللیل وکان اللیل خارجاً عن الواجب وهو صوم الیوم.

ص:357

ص:358

الفصل الخامس: فی مفهوم الحصر

ولایذهب علیک أنّ حصر حکم فی شیء یدلّ بمفهومه علی نفی الحکم المذکور عن غیره و لاکلام فی ذلک وإنّما الکلام فی موارد إفادة الحصر وهی متعدّدة.

منها: کلمة الاستثناء نحو «إلّا» إذا لم تستعمل بمعنی الصفة أی الغیر وإلّا فلاتدلّ علی الاستثناء بل هی وصف فیدخل فی مفهوم الوصف وکیف کان فالإستثناء فی الإیجاب کقولک جائنی القوم إلّا زیداً یدلّ علی اختصاص الإیجاب بالمستثنی منه والنفی بالمستثنی وعلیه فغیر الجائی منحصر فی زید.

والاستثناء فی النفی کقولک ماجائنی القوم إلّا زید یدلّ علی اختصاص النفی بالمستثنی منه والإیجاب بالمستثنی وعلیه فالجائی منحصر فی زید والشاهد علی ذلک هو التبادر عند أهل اللسان.

ودعوی: أنّ المستفاد من قولک ماجائنی إلّا زید لیس إلّا عدم دخول زید فی الحکم المذکور وأمّا حکمه فیحتمل أن یکون موافقاً أو مخالفاً وشیء منهما غیر مستفاد من الکلام المذکور.

ص:359

مندفعة بوضوح دلالة الاستثناء علی الحکمین فی مثل لیس لزید علی دراهم إلّا درهم أحدهما نفی الدراهم وثانیهما إثبات الدراهم ولذا یحکم العقلاء باشتغال ذمّته بالدرهم بعد إقراره بذلک ولیس ذلک إلّا لدلالة الاستثناء وعلیه فدعوی إهمال الاستثناء بالنسبة إلی حکم المستثنی غیر مسموعة.

نعم ربّما تستعمل الجملة الاستثنائیّة مثل لا صلاة إلّا بطهور فی مقام الإرشاد إلی اشتراط الصلاة بالطهارة ولیست الجملة حینئذٍ بعدد الإخبار عن العقد السلبی والایجابی وفی مثله لامفهوم للاستثناء وأین هذا من مثل ما جاءنی القوم إلّا زید.

ویشهد علی تبادر الاختصاص والحصر من الاستثناء قبول رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم إسلام من قال کلمة لا إله إلّا اللّه إذ لیس هذا إلّا لدلالة هذه الکلمة علی التوحید والإخلاص ولو کان الاستثناء مهملاً من ناحیة حکم المستثنی فلاوجه للقبول المذکور کما لایخفی.

ثمّ وقع الکلام استطراداً فی أنّ کلمة التوحید تفید توحید الذات أو توحید المعبود ذهب الشیخ الأعظم إلی الأوّل وتبعه المحقّق الخراسانی قدس سره وقال فی الکفایة إنّ المراد من الإله هو واجب الوجود ونفی ثبوته ووجوده فی الخارج وإثبات فرد منه فیه وهو اللّه یدلّ بالملازمة البیّنة علی امتناع تحقّقه فی ضمن غیره تبارک وتعالی ضرورة أنّه لو لم یکن ممتنعاً لوجد لکونه من أفراد الواجب.

وأورد علیه بأنّ هذا المعنی بعید عن أذهان العامّة هذا مضافاً إلی أنّ العرب فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی أصل واجب الوجود بل کانوا مشرکین فی العبادة فکلمة الإخلاص ردع لهم فی الشرک فی العبادة فقبول کلمة التوحید إنّما هو لأجل نفی الآلهة (أی المعبودین) لا إثبات وجود الباری تعالی فإنّه کان مفروغاً عنه.

علی أنّ لفظة الإله تطلق علی المعبود بحسب اللغة لا واجب الوجود فالمناسب أن یراد منها فی کلمة التوحید المعبود بالحق أی لامعبود بالحقّ إلّا اللّه.

ص:360

ویمکن الجواب: بأنّ إرتکاز وحدة الخالق وواجب الوجود غیر بعید عن أذهان الآحاد ولذا متی سئل المشرکون عن خالق السموات والأرض أجابوا بأنّه هو اللّه ومع وجود هذا الارتکاز لامانع من إرادة التوحید الذاتی.

ودعوی: أنّ العرب کانوا مشرکین فی العبادة لا فی الذات فلاحاجة إلی التوحید الذاتی کما تری إذ هذه الکلمة لیست مخصوصة بجماعة المشرکین المعاصرین للنبی صلی الله علیه و آله و سلم الذین اعتقدوا بوجود الخالق الأصلی بل هی لجمیع الطوائف والملل ولو لم یعتقدوا بوجود الخالق أصلاً کالمادّیین والملحدین فلاوجه لتخصیص هذه الکلمة بتلک الطائفة.

وأمّا استعمال کلمة الإله فی واجب الوجود فی المحاورات فهو موجود ولعلّ منه لو کان فیهما آلهة غیر اللّه لفسدتا.

هذا مضافاً إلی إمکان أنّ یقال أن الإله بمعنی المستحقّ للعبادة ذاتاً وهو مساوٍ لواجب الوجود ویدلّ علی کلا الأمرین أی التوحید الذاتی والتوحید فی العبادة لأنّ الإله بمعنی المستحقّ للعبادة وإن لم یعبد بالفعل راجع الی الصفات الذاتیّة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیّة والفیاضیّة فیستحقّ العلّة انقیاد المعلول لها وتخضّعه لها فنفی فعلیّة هذا المعنی عن غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدأ مقتضیاً لذلک ویستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه فینحصر المستحقّ للعبادة ذاتاً فی اللّه تعالی فتأمّل.

ومنها: کلمة «إنّما» وهی علی المعروف تکون من أداة الحصر مثل کلمة «إلّا» فإذا استعملت فی حصر الحکم أو الصفة فی موضوع معین دلّت بالملازمة البیّنة علی انتفاء الحکم أو الصفة عن غیر ذلک الموضوع.

ویشهد له التبادر عند أهل اللسان مضافاً إلی تصریح أهل اللغة و دعوی عدم الخلاف بل الإجماع علیه کما علیه أئمّة التفسیر.

ص:361

ویشکل ذلک بأنّه لاسبیل لنا إلی ذلک فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ولایعلم بماهو مرادف لها فی عرفنا حتی یستکشف منها ما هو المتبادر منها.

وأمّا النقل المذکور فاعتباره موقوف علی اعتبار قول اللغوی فی تشخیص الأوضاع وهو غیر ثابت هذا مع احتمال أن یکون ذلک من اجتهاداتهم وتمسّک العلماء بمثل حدیث إنّما الأعمال بالنیّات لفساد العمل بلانیّة لایجدی لأنّه لایزید عن مجرّد الاستعمال.

وأجیب عنه: بأنّ السبیل إلی التبادر لاینحصر بالانسباق إلی أذهاننا فإنّ الانسباق إلی أذهان أهل اللسان کالأعشی والمبرّد أیضاً سبیل هذا مضافاً إلی انسباق ذلک إلی أذهان الذین سکنوا البلاد العربیّة سنوات متمادیّة کالأزهری وغیره ویکفی لإثبات التبادر عند أهل اللسان ما حکاه المفسّرون من أهل الأدب العربی من الأقوال والأشعار فإنّها توجب الاطمئنان بذلک.

قال فی مجمع البیان لفظة «إنّما» مخصّصة لما أثبت بعده نافیة لما لم یثبت یقول القائل لغیره إنّما لک عندی درهم فیکون مثل أن یقول إنه لیس لک عندی إلّا درهم وقالوا إنّما السخاء حاتم یریدون نفی السخاء عن غیره والتقدیر إنّما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف والمفهوم من قول القائل إنّما أکلت رغیفاً وإنّما لقیت الیوم زیداً نفی أکل أکثر من رغیف ونفی لقاء غیر زید وقال الأعشی:

ولست بالأکثر منهم حصَیً وإنّما العزّةُ للکاثر

أراد نفی العزّة عمّن لیس بکاثر(1) والأعشی أحد المعروفین من شعراء الجاهلیّة.

وقال الزمخشری فی ذیل قوله تعالی:(إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ) و یعنی إنّما اختصاصهم بالموالاة.(2)

ص:362


1- (1) مجمع البیان، ج 3، ص 209.
2- (2) الکشاف، ج 1، ص 623.

وأیضاً تاج العروس والصحاح ظاهران فی أنّ الحصر مما یفیده کلمة «إنّما» عند ابناء المحاورة و حمله علی اجتهاداتهم بعید جدّاً.

ودعوی أنّ قوله تعالی:(إِنَّما مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) مع أنّه لاشکّ فی أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری یدلّ علی عدم إفادة إنّما للحصر.

مندفعة: أوّلاً: بأنّ الاستعمال بالقرینة فی غیر المعنی الموضوع له لاینافی تبادر الحصر الموضوع له من الکلمة.

وثانیاً: بأنّ «إنّما» استعملت فی الآیة المذکورة فی الحصر الإضافی والمقصود منه هو نفی ما توهّمه أهل الدنیا بالنسبة إلی الدنیا ومن المعلوم أنّ إفادة الحصر الاضافی حاکیة عن کون الکلمة موضوعة للحصر الحقیقی.

ومنها: کلمة «بل» الإضرابیّة وهی علی أنحاء لأنّها إمّا مستعملة فی مقام إثبات الحکم لشیء آخر زائداً علی الموضوع السابق مثل جاء غلام زید بل زید.

وإمّا مستعملة للترقّی مثل یجوز صلاة الجمعة بل تجب.

ولاتفید الصورتان المذکورتان للحصر.

وإمّا مستعملة لإبطال السابق وإثبات اللاحق ففی هذه الصورة إمّا أتی بها غفلة کقوله اشتریت داراً بل دکّاناً أو توطئة وتأکیداً کقوله قدم رکبان الحجّاج بل المشاة وعلی کلّ التقدیرین لایدلّ علی الحصر وإمّا أتی بها لردع السابق وإثبات اللاحق جدّاً و لاإشکال فی أنّ القسم الأخیر یفید الحصر ویمکن أن یقال أنّ بل الإضرابیّة ظاهرة فی هذا القسم لأنّ احتمال الغفلة وسبق اللسان مندفع بإصالة عدم السهو والخطأ کما أنّ احتمال التوطئة والتأکید مندفع بإصالة الجدّ فما لم تقم قرینة خاصّة علی الأُمور المذکورة تکون حکمة «بل» الإضرابیّة ظاهرة فی القسم الأخیر من إبطال ما سبق وتخصیص الحکم باللاحق وهذا التخصیص یفید الحصر.

ص:363

والإنصاف أنّ إفادة القسم الأخیر للحصر تتوقّف علی إحراز کون المتکلّم فی مقام تخصیص سنخ الحکم بمدخول «بل» وهو غیر ثابت.

ومنها: إفادة الحصر من ناحیة تعریف المسند إلیه بلام الجنس مع حمل المسند الأخصّ علیه کقوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ).

قال فی الکفایة ما محصّله أنّ التحقیق أنّه لایفید الحصر لأنّ الأصل فی اللام وإن کان أنّه لتعریف الجنس ولکنّ الجنس بنفسه لایفید الحصر إذ إثبات المحمول للطبیعة لایقتضی سوی اتّحادها به فی الجملة کما أنّ الأصل فی الحمل هو الحمل المتعارف الذی ملاکه هو مجرّد الاتّحاد فی الوجود لاحصر المسند إلیه فی المسند.

نعم لو قامت قرینة علی أنّ اللام للاستغراق أو أنّ مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإطلاق أو أنّ الحمل کان ذاتیّاً فحمل المسند علی المسند إلیه المذکور یفید الحصر ولعلّه من ذلک قوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) فإنّ مقام الشکر قرینة علی أنّ المراد هو انحصار جنس الحمد به جلّ وعلا.

ویمکن أن یقال: لاحاجة فی إفادة الحصر إلی إثبات الاستغراق أو الإرسال بل یکفی لام الجنس لذلک إذا کان المسند إلیه أءعمّ من المسند ولو من وجه إذ ظاهر لمبتدأ و الخبر أنّ المبتدأ لایوجد بدون الخبر فإذا اکتفی بواحد من الأخبار دون غیره یفید لام الجنس الحصر وعلیه فإن کان المسند إلیه أعمّ من المسند کما إذا کان المراد منه الجنس لاینفکّ الجنس عن المسند ومعنی عدم الانفکاک هو حصره فیه فالحصر یکون من لوازم حمل الأخصّ ولو من وجه علی الأعمّ ولو کان الحمل حملاً شایعاً صناعیّاً ثمّ إنّ الحصر المستفاد من قوله عزّوجلّ:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) یکون من ناحیة حصر الجنس الأعمّ فی الأخصّ لا من ناحیة قرینة المقام ثمّ إنّه یحمل الحصر علی الحقیقة فیما إذا

ص:364

أمکن کما فی مثل قوله تعالی:(الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ) وعلی الحصر الادّعائی فیما إذا لم یمکن الحمل علی الحقیقة کقولنا الإنسان زید.

وبالجملة لافرق فیما ذکر بین أن یکون النسبة بین المسند إلیه والمسند هی العموم والخصوص أو هی العموم من وجه فقوله صلی الله علیه و آله و سلم الأئمّة من قریش یفید الحصر لحمل الأخصّ من وجه علی الأعمّ من وجه أی جنس الائمّة فی الإسلام منحصر بالقریش ولیس من غیرهم.

وعلیه فلاوجه لإنکار إفادة لام الجنس للحصر مع حمل الأخصّ علیه؛ فلاتغفل.

ص:365

ص:366

الفصل السادس: فی مفهوم اللقب و العدد

أمّا الأوّل وهو اللقب فلامفهوم له إذ إثبات حکم لموضوع لاینفی سنخ الحکم عن غیره و دعوی أنّه لولا المفهوم لزم العراء عن الفائدة ممنوعة لمدخلیّته فی شخص الحکم ولذا یتقوّم شخص الحکم به وینتفی بانتفائه عقلاً.

وربّما یتسدلّ له بأنّ قول القائل لا أنا بزانٍ و لاأختی زانیة رمی المخاطب ولأُخته بالزنا و لذلک أوجبوا علیه حدّ القذف وفیه أنّه إن صحّ ذلک فهو بواسطة قرینة المقام وهو خارج عن محلّ الکلام وبالجملة قوله زید موجود لایدلّ علی أنّ عمرواً لیس بموجود.

وعلیه فلادلالة لللقب علی المفهوم وإنتفاء سنخ الحکم عن غیر مورده وأمّا إنتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه فلیس بمفهوم.

نعم لو کان المتکلّم فی مقام تعدید الموجودین واکتفی بموضوع خاصّ.

وقال مثلاً زید موجود دلّ الکلام المذکور علی انتفاء الحکم عن غیر الموضوع المذکور بسبب مقدّمات الإطلاق فتکون النتیجة نفی سنخ الحکم عن سائر الموضوعات ولکنّ الغالب أنّه فی مقام حکم المورد لاسائر الموارد کما لایخفی.

ثمّ إنّ المراد من اللقب هو مطلق مایعبّر عن الشیء سواء کان إسماً له أو کنیة له أو لقباً اصطلاحیّاً وأمّا الوصف غیر المعتمد فقد مرّ أنّه ملحق بالوصف المعتمد وخارج عن اللقب فلاتغفل.

ص:367

وأمّا الثانی أعنی العدد فإن لم یکن المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم لا من طرف الأقلّ و لامن طرف الأکثر فلادلالة للعدد علی المفهوم لا من طرف الأقلّ و لامن طرف الأکثر فمثل قوله صم ثلاثة أیّام من کلّ شهر لایدلّ علی عدم استحباب غیرها من الأقلّ أو الأکثر وإنّما یلّ علی إختصاص الحکم المذکور فی هذه القضیّة بالثلاثة وعلیه فلایعارض مع ما دلّ علی استحباب غیرها لسکوته عنه.

وعلیه فمجرّد العدد بما هو العدد لادلالة له علی المفهوم ونفی سنخ الحکم لا من ناحیة النقیصة و لا من ناحیة الزیادة لأنّهما خارجتان عن حدود موضوع الدلیل فلاینافی ثبوت الحکم لهما بدلیل آخر لتعدّد المطلوب.

نعم إذا کان المتکلّم فی مقام البیان وتحدید سنخ الحکم من ناحیة الأقلّ کالعشرة فی الإقامة أو من ناحیة الزیادة کالعشرة فی الحیض أو من ناحیتین کعدد الرکعات فی الصلوات فلاإشکال فی دلالة العدد علی المفهوم ونفی سنخ الحکم ولکنّه مختصّ بما إذا أحرز أنّ المتکلّم فی مقام البیان من ناحیة أو من النواحی المذکورة.

ثمّ أنّه لو شکّ فی أنّ العدد مأخوذ بنحو «لابشرط» أو «بشرط لا» أمکن القول بالأوّل بمقدّمات الحکمة لأنّ أخذ العدد بنحو «بشرط لا» یحتاج إلی مؤونة زائدة وعلیه فلایکون الإتیان بالزیادة مضرّاً بامتثال العدد.

ص:368

الفصل السابع: فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصیّن

اشارة

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی العلّة المنصوصة

ولایخفی أنّ العلّة معمّمة بمنطوقها ومخصّصة بمفهومها.

ففی مثل قولهم لا تأکل الرمّان للحموضة یعلّل النهی عن أکل الرمّان بأنّه حامض ومقتضی عدم تقیید الحموضة بشیء آخر هو أنّ الحموضة بخصوصها من دون حاجة إلی ضمیمة شیء آخر تکون علّة للمنع المذکور فالحموضة علّة مستقلّة للنهی لاجزء العلّة.

وأیضاً مقتضی عدم تقیید الحموضة بحموضة المورد فی المنطوق هو أنّ الحموضة مطلقاً ولو لم تکن فی المورد المذکور فی المنطوق موجبة للنهی و لذا یتعدّی عن الرمّان إلی کلّ حامض و یحکم بحرمته و من هذه الجهة توصف العلّة بکونها معمّمة و بتعبیر آخر قوله للحموضة فی قوّة تعلیل تحریم الرمّان بکونه من مصادیق الحامض والحامض محرّم و هو کبری کلّیّة تدلّ علی تعمیم الحکم ولکن هذا التعمیم بمناسبة الحکم والموضوع یکون فی دائرة المأکولات و المشروبات فلایتعدّی عن مواردها إلی غیرها کالحمل و المسّ ونحوهما من الأُمور.

ص:369

ثمّ إنّ الاکتفاء بخصوص هذه العلّة أی الحموضة فی تعلیل النهی عن أکل الرمّان یقتضی بمقدّمات الحکمة أن تکون العلّة الوحیدة لحرمة الرمّان هی الحموضة لاغیر وعلیه فالعلّة المذکورة هی العلّة المنحصرة فی النهی المذکور والانحصار المذکور یوجب تخصیص عموم المنع عن أکل الرمّان بالرمّان الحامض وعلیه تدلّ العلّة بمفهومها علی جواز أکل الرمّان غیر الحامض ولذلک توصف العلّة الوحیدة بکونها مخصّصة ثمّ إنّ التعلیل المذکور یستفاد من أداة التعلیل کلام التعلیل وفاء التعلیل وکیّ التعلیل ولکیلا ولئلاّ و حوها فالعلّة فی هذه الموارد معمّمة و مخصّصة و یتعدّی عن موردها إلی سائر الموارد.

وأمّا التعلیل المستفاد من القضیّة الشرطیّة مختصّة بموضوع القضیّة الشرطیّة إذ اللازم فی مفهوم الشرط هو حفظ الموضوع فلایتعدّی عن الموضوع المذکور فی الشرط إلی غیره من الموضوعات إلّا بإلقاء الخصوصیّة فوجود تالی الأداة الشرطیّة علّة لترتّب الحکم علی هذا الموضوع و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن هذا الموضوع و لاتعرّض فیه لحال غیره من الموضوعات کما لایخفی.

ثمّ أنّ مقتضی کون العلّة مخصّصة هو نفی الحکم عن الموضوع فیما إذا کان خالیاً عن العلّة و حینئذٍ فإن ورد فیه دلیل آخر یدلّ علی إثبات الحکم فیه یقع التعارض بینهما وحیث أنّ التعارض بینهما یکون تعارضاً تباینیّاً یندرجان تحت أخبار العلاجیّة وربّما یقال بتقدیم مفهوم التعلیل ولکنّه لادلیل له فتدبّر جیّداً.

المقام الثانی: فی الحکمة المنصوصة

ولایذهب علیک أنّ الحکمة المنصوصة لادلالة لها علی التخصیص لأنّها فی مقام تقریب الحکم المطلق لا فی مقام تحدیده وتقییده ولذا یکون إطلاق الحکم محفوظاً ولو فی موارد خلت عن الحکمة.

ص:370

وأمّا دلالة الحکمة المنصوصة علی التعمیم فالمشهور ذهبوا إلی العدم ولکن یمکن أن یقال الظّاهر أنّها کالتعلیل فی الدلالة علیه لأنّ المراد من الحکمة المنصوصة هی الحکمة الفعلیّة الباعثة علی الحکم التی لایرضی الشارع بإهمالها ومن المعلوم أنّ هذه الحکمة تصلح لأن تکون وجهاً للحکم الفعلی إذ مقتضی باعثیّتها علی النحو المذکور هو ثبوت الحکم أینما کانت بعد فرض عدم تقیّدها بالمورد الخاصّ و عمومیّتها.

ویشهد له تعدّی العقلاء عن موارد الحکمة إلی غیرها ممّا تکون الحکمة موجودة فیه بعینها ألا تری أنّ الحاکم إذا أمر أهل بلد بتلقیح مواد خاصّة مع التصریح بحکمته وهی شیوع مرض خاصّ.

یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور للحکمة التی نصّ علیها مع أنّ الحاکم لم یأمر إلّا أهل ذلک البلد.

ولیس ذلک إلّا لإفادة تعمیم الحکمة المنصوصة وهکذا لو أمر الحاکم أهل بلد بإقلال مصرف الماء مع التصریح بحکمته و هو دفع الهلاکة یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور بسبب الحکمة التی صرّح الحاکم بها إذا کانت الحکمة المذکورة موجودة فیها بعینها و إن لم یأمرهم الحاکم بذلک لجواز الاکتفاء بالحکمة المنصوصة.

لایقال: أنّ مقتضی ذلک هو التعدّی عن موارد الحکمة غیر المنصوصة أیضاً لأنّا نقول مع عدم التنصیص لاعلم بالحکمة ولابباعثیّتها بل لیست إلّا حکمة ظنیّة مع احتمال اقترانها بالموانع و الروادع و لایکون الحکمة المنصوصة کذلک إذ صرّح الشارع بکونها حکمة باعثة فعلیّة للحکم الّذی أمر به أو نهی عنه.

و قد حکی عن الأُستاذ المحقّق الحاج الشیخ الحائری قدس سره أنّه قال شأن الحکمة وإن

ص:371

کان عدم الاطّراد لکن فی خصوص جانب العدم أعنی لایدور عدم الحکم مدار عدمها و أمّا فی جانب الوجود فلایمکن أن لایدور مدارها بأن لایوجد الحکم مع وجودها.

ولعلّه لذلک ذهب أُستاذنا المحقّق الداماد قدس سره إلی أنّ الحکمة کالعلّة فی التعمیم دون التخصیص و قال إنّ مقتضی کون شیء حکمة هو جواز أن یوجد الحکم و هی غیر موجودة و أمّا إذا وجدت الحکمة فلا إشکال فی وجود الحکم ولو فی غیر موضوع الدلیل کما فی العلّة فافتراقها فی الجهة الأُولی لا الثانیة.

وظاهر کلامهما عدم تقیید الحکمة بالمنصوصة ولکن عرفت أنّ مع عدم التصریح بالحکمة لاعلم بها و لابباعثیّتها لاحتمال اقترانها بالموانع و الروادع فالقول بتعمیم مطلق الحکمة وإن لم تکن منصوصة محلّ إشکال و کیف کان فقد استدلّ بالحکمة السیّد المحقّق الخوئی قدس سره لجواز إقامة الحدود فی زمان الغیبة.

واستدلّ بها أیضاً المحقّق الحائری الحاج الشیخ قدس سره لعدم جواز السجود علی المأکولات ولو لم یصدق علیها الثمرة کالاسفناج والبقولات.

واستدلّ سیدنا الأُستاذ المحقّق الداماد قدس سره لحرمة النظر بشهوة إلی المحارم بسبب عموم الحکمة الواردة فی حرمة النظر بشهوة إلی الأجانبّ فعلیک بإمعان النظر؛ و اللّه هو الهادی.

ص:372

المقصد الرابع: فی العام و الخاص

اشارة

ص:373

ص:374

الفصل الأوّل: فی تعریف العامّ

اشارة

و هنا أمور:

الأمر الأول: فی تعریف العامّ الاُصولی

عرّف شیخنا الاُستاذ العامّ بأنّه ما یکون مسوَّراً بسور محیط بأفراد حقیقة واحدة، کما فی «کلّ عالم» و «العلماء» و «جمیع علماء»

و مقتضی هذا التعریف أنّ مثل لفظ «کلّ» و «جمیع» و «لام الاستغراق» من أدوات العموم و لیست بعمومات، کما أنّ لفظ «عالم» و «علماء» و نحوهما یکون من المطلقات لاالعمومات، و إنّما یصیر لفظ «عالم» و «علماء» من العمومات إذا صدِّرت بإحدی أدوات العموم.

فالعامّ هو مدخول أداة العموم، و هو الذی یشمل جمیع أفراده و یکون محیطاً بالنسبة إلیها، و هذا العامّ هو اللفظ بلحاظ معناه، لاالمفهوم.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال فی تعریف: «هو شمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه» و ذلک لأنّ العموم و الخصوص لیسا من صفات المفهوم و المعنی، بل هما من صفات اللفظ باعتبار المعنی و لحاظه.

ص:375

وأیضاً جعل العامّ نفس الأداة لامدخولها کما تری؛ لأنّ أداة العموم لاتفید إلّا الاستیعاب، و لاحکایة لها عن المصادیق، و إنّما الحکایة لمدخولها، و لاوجه لإنکار حکایة طبیعة المدخول عن حصصها، مع أنّ الحکایة أمر عرفیّ و لیست عقلیّاً.

نعم یرد علی هذا التعریف: أنّه لایشمل العامّ الذی لیس بمسوَّر، کاسم الجمع مثل «قوم» و «ناس» بناءاً علی کونهما من ألفاظ العموم، و علیه فاعتبار تعدّد الدالّ و المدلول یکون بحسب الغالب، و العامّ فی الحقیقة هو لفظ یحیط بأفراده لا، سواء کانت إحاطته من جهة تعدّد الدالّ و المدلول أو من جهة وضع اللفظ للإحاطة الفعلیّة.

ثمّ الفرق بین العامّ الأُصولی و العامّ المنطقی یکون فی فعلیّة للإحاطة و عدمها، فإذا اعتبرت الإحاطة بالفعل فی التعریف فهو عامّ أصولیّ، و إذا لم یعتبر فیه ذلک - بل عرِّف بأنّه الذی لایمتنع فرض صدقه علی الکثیرین - فهو کلّی منطقیّ.

الأمر الثانی: فی أقسام العمومات

ینقسم العامّ إلی الاستغراقی و المجموعی و البدلی، والأوّل: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب تمام أفراد الطبیعة فی عرض واحد من دون اعتبار وحدتها و اجتماعها، مثل قولهم: «کلّ عالم».

والثانی: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب تمام الأفراد مع اعتبار الوحدة و الاجتماع، مثل «مجموع إنسان» أو «مجموع علماء».

والثالث: هو الذی دلّ اللفظ فیه علی استیعاب الأفراد علی البدل، مثل «أیّ رجل».

و امتثال الأوّل: یتمّ بإیتان کلّ واحد من أفراد العامّ، فإذا أتی ببعضٍ امتثل بالنسبة إلیه و عصی بالنسبة إلی غیره.

وامتثال الثانی: یتمّ بإتیان المجموع، ولو أخلّ ببعضه لم یمتثل التکلیف أصلاً.

ص:376

وامتثال الثالث: یتمّ بإتیان فرد واحد من دون اعتبار خصوصیة من خصوصیّات أفراد موضوع الخطاب.

الأمر الثالث: فی منشأ هذا التقسیم

لایخفی أنّ دلالة أدوات العموم علی الأقسام الثلاثة تکون بالوضع، ولاحاجة فیها إلی تعلّق حکم أو ملاحظة متکلّم أو قرینة اخری، و الشاهد لذلک: هو تبادر الاستغراق من لفظة «کلّ رجل»، و تبادر المجموع من لفظة «مجموع»، و تبادر الفرد الواحد من لفظة «أیّ رجل» فی قوله: «تصدَّق علی أیّ رجل رأیته».

و صحّة استعمال بعض هذه الأدوات فی الأُخری مع القرینة لاتکون علامة علی الاشتراک، کما فی اللام فإنّها موضوعة للجنس و قد تستعمل فی الاستغراق مع القرینة، و مع ذلک لیست مشترکة بین الجنس و الاستغراق.

الأمر الرابع: فی خروج أسماء الأعداد عن العمومات

و ذلک لأنّ آحاد مثل العشرة لیست أفراداً لها، بل هی أجزاء کأجزاء الکلّ و مقوِّمة لها، و لفظة العشرة لاتصدق علی کلّ فرد من الآحاد کما تصدق الطبیعة علی أفرادها، و علیه فلاتکون أسماء الأعداد کالعمومات.

و دعوی: أنّ مفهوم «کلّ عالم» لاینطبق أیضاً علی کلّ فرد من العالم، و لایضرّ ذلک بعد انطباق مدخول «کلّ عالم» علی کلّ فرد، و هکذا یکفی فی المقام انطباق عنوان الواحد علی کلّ واحد بعد کون کلّ عدد مؤلّفاً من الآحاد.

مندفعة: بأنّ مراتب الأعداد و إن تألّفت من الآحاد، إلّا أنّ الواحد لیس مادّة لفظ العشرة کی یکون له الشمول، بل العشرة لها مفهوم یباین سائر المفاهیم من مراتب الأعداد حتّی مفهوم الواحد، و بهذه الملاحظة لاینطبق مفهوم العشرة علی آحادها.

ص:377

فالعدد کعنوان الکلّ لاالکلیّ الشامل لأفراده، و هذا بخلاف المدخول فی العامّ الاستغراقی أو المجموعی فإنّه الکلّی الشامل لأفراده، فالفرق بین العام الاستغراقی والمجموعی و بین العشرة و نحوها من أسامی الأعداد واضح.

الأمر الخامس: أنّ أداة العموم مثل لفظة «کلّ» موضوعة فی اللغة لإفادة خصوص العموم، و مقتضی ذلک

أنّ دلالة مثل هذه اللفظة علی العموم من باب الحقیقة، لاالمجاز، و لاالاشتراک بین العموم و الخصوص؛ و إلّا لزم خلف ما قلناه فی کونها موضوعة لخصوص العموم.

و لاینافی ما ذکر استعمالها أحیاناً فی الخصوص بعنایة، سواء کانت العنایة بادّعاء أنّ الخصوص هو العموم، أو بعلاقة العموم و الخصوص؛ لأنّ ذلک بالقرینة فلا ینافی ظهور أداة العموم فی العموم بحسب الوضع.

ودعوی: أنّ شیوع التخصیص - إلی حدٍّ کبیر؛ حتّی قیل: ما من عامّ إلّا و قد خصّ - یمنع عن القول بوضع ألفاظ العموم للعموم، بل الظّاهر یقتضی کونها موضوعة لما هو الغالب تقلیلاً للمجاز.

مندفعة: بمنع استلزام التخصیص للتجوّز؛ لأنّ أداة العموم فی موارد التخصیص مستعملة فی مقام الاستعمال فی العموم لافی الخصوص، و إنّما التخصیص فی الإرادة الجدّیة بتعدّد الدالّ و المدلول، و علیه فلاتجوّز فی استعمال أداة العموم فی معناها.

الأمر السادس: فی تأسیس الأصل

إذا شککنا فی کون العامّ استغراقیّاً أو مجموعیّاً أو بدلیّاً فلایخفی أنّ الأصل هو کونه استغراقیّاً، بدلیل: أنّه لایحتاج إلی تصوّر أمر زائد وراء مرآتیّة المدخول فإنّ مقتضی تکثّر الأفراد - الّتی یکون المدخول مرآة لها و مقتضی إفادة الأداة للعموم و الاستیعاب

ص:378

هو الاستغراق؛ و إلّا لزم الخُلف: إمّا فی مرآتیّة المدخول، أو فی إفادة الأداة للعموم و الاستیعاب، و کلاهما ممنوعان، و هذا بخلاف العموم المجموعی أو البدلی؛ لاعتبار أمر زائد فیهما من وحدة المتکثّرات أو البدلیّة و التردّد.

هذا کلّه علی تقدیر الشکّ، کما إذا قلنا بأنّ الأداة مشترکة بین الاستغراقی و المجموعی کما قد یدّعی فی مثل الجمع المحلّی باللام، أو مشترکة بین الاستغراقی و البدلی کما قد یدعی فی مثل کلمة «أیّ»، أو مشترکة بین الثلاثة کما ذهب إلیه بعض.

و أمّا إذا لم نقل بالاشتراک - کما هو الظّاهر - فلامورد للشکّ؛ فإنّ العامّ إذا کان مدخولاً لأداة الاستغراقی یکون استغراقیّاً، و إذا کان مدخولاً لأداة المجموعی یکون مجموعیّاً، و إذا کان مدخولاً لأداة البدلی یکون بدلیّاً.

ثمّ لایخفی علیک ضعف القول بظهور الکلام فی المجموعی دون الاستغراقی؛ بدعوی أنّ لفظ «کلّ رجل» فی قولنا: «أکرم کلّ رجل» لایصدق إلّا علی مجموع الأفراد دون کلّ فرد فرد.

وذلک لأنّ مفاد «کلّ رجل» لیس مجموع الأفراد حتّی لایصدق إلّا علی المجموع، بل مفاده کلّ فرد فرد من طبیعة الرجل، و هو غیر مجموع الأفراد، و من الواضح أنّ هذا المعنی یصدق علی کلّ واحد واحد من أفراد طبیعة المدخول کالرجل، و اللازم هو صدق المدخول لاأداة العموم؛ لأنّ الأداة تعمِّم صدق المدخول و فعلیّته.

ولاموجب لصدق نفس الأداة علی کلّ واحد حتّی ینکر ذلک و یقال: لیس الفرد کلّ فرد، و السرّ فی ذلک: أنّ العامّ لیس هو لفظ «کلّ» بل، العامّ هو مدخول لفظ «کلّ»، و هو - فی نفسه - قابل للانطباق علی کلّ فرد بعد کونه مرآة للأفراد، و إنّما أداة العموم توجب فعلیّة هذا الانطباق و شموله لجمیع أفراده، و علیه «فکلّ رجل» معناه کلّ فرد

ص:379

من أفراد طبیعة الرجل، و فرد الرجل یصدق علی کلّ واحد واحد من أفراد طبیعة الرجل، و لاحاجة إلی صدق أداة العموم علی کلّ واحد واحد من أفراد مدخولها حتّی یقال: إنّها غیر صادقة علیه، فلاتغفل.

الأمر السابع: فی کیفیّة دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس و النکرة علی العموم

و الأظهر أنّ إسناد النّفی أو النهی إلی الطبیعة و اسم الجنس - سواء قلنا بحکایتهما عن الأفراد أو لم نقل - لایعقل إلّا بانتفاء جمیع الأفراد، و إلّا لکان إسنادُ النّفی أو النهی إلی الطبیعة أو اسم الجنس من دون لحاظ قید و قرینة صارفة غیرَ صحیح، و مع هذه الدلالة العقلیّة لاحاجة فی التعمیم إلی الأخذ بمقدّمات الحکمة کما ذهب إلیه فی الکفایة؛ إذ موضوع المقدّمات هو الشکّ، و مع الدلالة العقلیّة علی التعمیم لاشکّ.

وهکذا الأمر إن قلنا بالدلالة اللفظیّة علی التعمیم، کما ذهب إلیها سیّدنا الاُستاذ المحقّق الداماد قدس سره؛ بدعوی: أنّ الطبیعة اسم الجنس فی متعلّق النّفی و النهی منصرفة إلی الطبیعة الساریة؛ لکثرة استعمالها فیها، دون متعلّق الأوامر، و مع هذا الانصراف لاحاجة أیضاً إلی المقدّمات لإثبات السریان و التعمیم.

و الموضوع فی الأمر و النهی و إن کان واحداً، إلّا أنّ مقتضی نفی الطبیعة أو اسم الجنس أو النهی عنهما مغایر مقتضی طلبهما و البعث نحوهما؛ لأنّ المطلوب فی ناحیة الأمر هو وجود الطبیعة أو اسم الجنس، و هو ناقض للعدم الکلّی و طارد للعدم الأزلی، و هو ینطبق علی أوّل فرد و وجودٍ من الطبیعة أو اسم الجنس، و المطلوب فی ناحیة النهی هو نقیض ذلک؛ و هو طلب عدم وجود ناقض العدم، و معناه مساوق لطلب إبقاء العدم الکلّی علی حاله؛ و بذلک یتحقّق الفرق بین الأمر و النهی فی مقام الامتثال؛ لأنّ لازم صِرف الوجود أو مطلق الوجود هو تحقّق الطبیعة أو اسم الجنس بفردٍ ما، و لازم نقیضه هو انتفاء الطبیعة أو اسم الجنس بانتفاء جمیع أفرادهما.

ص:380

بل یمکن أن یقال: إنّ دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس علی الاستغراق و التعمیم مقدّمة رتبة علی مقدّمات الحکمة؛ لتأخّر الحکم عن الموضوع، و تأخّر جریان المقدّمات عن الحکم المترتّب علی الموضوع، فالمقدّمات متأخّرة عن الموضوع، فلایعقل توقّف دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس علی جریان المقدّمات فی الرتبة المتقدّمة علیه برتبتین.

ثمّ إنّ النکرة إذا وقعت فی سیاق النّفی أو النهی خرجت عن کونها نکرة، و استعملت بمنزلة الطبیعة، فیترتّب علیها ما یترتّب علی الطبیعة، فلامجال للأخذ بمقدّمات الحکمة فیها أیضاً کما لایخفی.

الأمر الثامن: فی أنّ اللام فی الجمع هل تفید العموم أو لا؟

یمکن أن یقال: إنّ الأصل فی اللام أن تکون للتعریف و العهدیّة، سواء کانت ذکریّة أو خارجیّة مستفادة من القرائن.

فإذا کانت اللام موضوعة للتعریف و دخلت علی الجمع أفادت تعریفه، و تعریف الجمع یدلّ بالدلالة العقلیّة علی الاستغراق؛ إذ لاتعیّن إلّا لتلک المرتبة - یعنی جمیع الأفراد - دون سائر المراتب.

لایقال: إنّ تلک المرتبة و إن کانت متعیّنة فی الواقع، ولکنّ التعینّ أیضاً ثابت لأقلّ مرتبة الجمع، و لادلیل علی تقدّم أحد المتعیّنین.

لأنا نقول: إنّ الثلاثة - الّتی هی أقلّ مرتبة الجمع - تصدق فی الخارج علی الأفراد الکثیرة، و لها مصادیق متعدّدة فیه، کهذه الثلاثة و تلک الثلاثة و غیرهما، إذن فالمرتبة الأخیرة متعیّنة دون غیرها.

فالنتیجة: أنّ الجمع المعرّف باللام یدلّ علی إرادة جمیع أفراد مدخوله علی نحو العموم الاستغراقی.

ص:381

و ذهب بعض إلی أنّ الجمیع فی نفسه یدلّ علی العموم، و اللام لاتفید إلّا المنع من دخول علامة التنوین الّتی تدلّ علی وحدة المدخول.

ویمکن أن یقال: إنّا لانسلم دلالة الجمع علی الاستغراق، بل غایته هو صلاحیّة لفظ الجمع للدلالة علی العموم کما یصلح للدلالة علی أقلّ الجمع، و الشاهد علیه أنّ استعمال الجمع فی أقلّ الجمع لایحتاج إلی عنایة.

ومع قابلیّة لفظ الجمع للدلالة علی العموم و أقلّ الجمع فلو لم تفد اللام التعریف لم یکن وجه لاستفادة الاستغراق منه.

فالأولی هو أن یقال: إنّ سبب إفادة اللام فی الجمع للاستغراق هی إفادة اللام للتعریف؛ إذ التعریف هو التعیّن، و هو لایتحقّق إلّا فی الاستغراق لاغیر.

الأمر التاسع: أنّ ألفاظ أدوات العموم مثل لفظة «کلّ» و «جمیع» موضوعة فی اللغة للاستغراق، و إضافتها إلی طبیعة مدخولها - الّتی تکون قابلة للصدق علی الکثیرین - تدلّ علی استغراق أفراد المدخول من دون حاجة إلی ملاحظة مقدّمات الحکمة؛ لأنّ هذه الدلالة وضعیّة لفظیّة، و الدلالة الوضعیّة لاتحتاج إلی مقدّمات الحکمة.

هذا مضافاً إلی أنّ الحکم متأخّر عن الموضع العامّ برتبة، و جریان المقدّمات متأخّر عنه برتبتین، فلایعقل توقّف دلالة الأداة علی العموم علی جریان المقدّمات.

ص:382

الفصل الثانی: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المبیَّن

لایخفی علیک أنّه إذا خصِّص العامّ بأمر معلوم مفهوماً و مصداقاً فلاریب فی عدم حجّیة العامّ فی مورد التخصیص؛ لتقدیم الخاصّ علی العامّ.

و أمّا حجّیة العامّ بالنسبة إلی غیر مورد التخصیص فهی علی حالها عند العقلاء کما علیه بناؤهم، من دون فرق بین کون التخصیص بالمتّصل أو بالمنفصل، و یشهد له: انقطاع عذر العبد - المأمور بإکرام العلماء إلّا زیداً - عند عدم امتثاله فی غیر زید.

و وجه ذلک: هو ظهور العامّ فی معناه، فلاإجمال، و التخصیص لایوجب التضییق إلّا فی ناحیة الإرادة الجدّیة بالنسبة إلی مورد التخصیص.

هذا مضافاً إلی إمکان منع التخصیص حقیقة فی المتّصل؛ لأنّ تضییق المدخول فی المتّصل لاینافی استعمال أداة العموم فی العموم؛ لأنّها موضوعة لإفادة عموم المدخول؛ و لافرق بین قوله: «کلّ رجل» و «کلّ رجل عالم» فی کون لفظة «کلّ» مستعملة فی العموم ویراد بها العموم، و الاختلاف بینهما لایکون إلّا فی المدخول.

ودعوی: إجمال العامّ بعد التخصیص - لتعدّد المجازات، و عدم ترجیحٍ لتعیّن الباقی - ممنوعة: بما عرفت من ظهور العامّ بالوجدان، و الظهور ینافی الإجمال، و لامجال للمجاز بعد استعمال ألفاظ العموم فیما وضعت له من الاستغراق و استعمال العامّ فی معناه.

فقوله: «أکرم کلّ عالم» مع تخصیصه بقوله: «لاتکرم الفاسق منه» لامجاز فیه: لابالنسبة إلی کلمة «کلّ» و لابالنسبة إلی کلمة «عالم» فإنّهما مستعملتان فی معناهما،

ص:383

کما لامجاز فیه باعتبار ادّعاء أنّ غیر الموضوع له هو الموضوع له ثمّ تطبیق المعنی الموضوع له علی المعنی المجازی الادّعائی؛ ضرورة عدم ادّعاء فی مثل «کلّ عالم» المخصَّص ب - «لاتکرم الفاسق منه».

فالقولُ بإجمال العامّ لتعدّد المجازات و عدم ترجیحٍ لتعیّن الباقی ساقطٌ.

ولایحدث فی العامّ و أداة العموم - بعروض التخصیص - تضییق فی ناحیة المستعمل فیه، و إنمّا التضییق فی ناحیة الإرادة الجدّیة، فالظهور فی العامّ المخصَّص باقٍ علی حاله و لامجاز و لاإجمال.

ودعوی: أنّ اللازم من عدم کون البعث حقیقیّاً بالإضافة إلی بعض الأفراد مع کونه متعلّقاً به فی مرحلة الإنشاء، هو صدور الواحد - و هو إنشاء البعث الواحد - عن داعیین بلاجهة جامعة تکون هی الداعی، و قاعدة الواحد لایصدر إلّا عن الواحد تمنع عن تعدّد الدواعی بالنسبة إلی إنشاء البعث الواحد.

مندفعة: بعدم جریان برهان امتناع صدور الواحد عن المتعدّد فی مثل المقام؛ لاختصاصه بالواحد البسیط الشخصی التکوینی، و لایعمّ الواحد النوعی و الاعتباری:

أمّا الواحد النوعی فلامانع من أن یکون معلولاً لعلل متعدّدة؛ کالحرارة بالنسبة إلی الشمس و النار و غیرهما من علل الحرارة.

و أمّا الاعتباری - کالإنشاء الواحد - فجواز صدوره من دواعٍ متعدّدة أوضح.

ثمّ القول بأنّ صدورَ الواحد عن داعٍ جدّی و داعٍ غیر جدّی غیرُ معقول للمناقضة، یمکن دفعه: بأنّ الواحد منحلّ إلی المتعدّد، فیختصّ الجدّ بغیر مورد التخصیص، فلم یجتمع الجدّ و غیره فی مورد واحد، فلاتلزم المناقضة من کون الدعی بالنسبة إلی فردٍ هو ضرب القانون و بالنسبة إلی آخر هو البعث الجدّی؛ إذ لم یجتمع وجود الجدّ و عدمه فی الشیء الواحد فی الحقیقة.

ص:384

الفصل الثالث: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المجمل

و لایخفی علیک أنّ المخصِّص قد یکون مجملاً، و هو إمّا بحسب المفهوم أو بحسب المصداق.

والأوّل: إمّا من جهة دوران المخصِّص بین الأقلّ و الأکثر، کدوران معنی الفاسق بین مرتکب الکبیرة فقط أو الأعمّ من مرتکب الصغیرة.

و إمّا من جهة دوران المخصِّص بین المتباینین، کقولنا: «أکرم العلماء إلّا زیداً» و افترضنا تعدّد زید فی العلماء ثمّ إنّ المجمل المفهومی إمّا متّصل و إمّا منفصل، فهذه أربعة أقسام للمجمل مفهوماً.

و الثانی - و هو المجمل بحسب المصداق - یکون من جهة عروض الاشتباه الخارجی و إن کان مفهو المخصِّص واضحاً، کما إذا شُکّ فی فسق شخص و لم تکن له حالة سابقة لتبادل أحواله، فحینئذٍ یشکّ فی انطباق عنوان العامّ أو الخاصّ من جهة الاشتباه الخارجی، و هو علی قسمین متّصل و منفصل، فمجموع ستّة.

لاإشکال فی سرایة الإجمال حقیقة إلی العامّ فیما إذا کان الخاصّ المجمل متّصلاً، إذ إجمال المخصّص فی هذه الصور یمنع عن انعقاد ظهور العامّ فی العموم بحسب المراد سواء کان الإجمال فی المخصّص من جهة دورانه بین الأقلّ و الأکثر، أو دورانه بین

ص:385

المتباینین، أو شکّ فی الانطباق و الصدق من ناحیّة الاشتباه فی الأمور الخارجیّة، فهذه ثلاث صور:

و أمّا المجمل المفهومی المنفصل، فلاإشکال فی جواز الأخذ بعموم العامّ، لأنّ أصالة عدم التخصیص لامعارض لها، و مورد الاشتباه فیه من قبیل الشبهة البدویّة بعد انحلال المفهوم إلی الأقلّ و الأکثر، و علیه فما لم یعلم خروج فرد من العامّ یجب الأخذ به لعدم وصول المعارض إلینا من جانب المولی، کما علیه جرت طریقة العقلاء فی مقام الامتثال للأوامر.

کما لاإشکال أیضاً فی عدم جواز الأخذ بالعامّ فیما إذا کان المخصّص المنفصل مردّداً بین المتباینین، کقوله: «لاتکرم زیداً»، و هو مردّد بین شخصین من العلماء، و ذلک لسقوط أصالة العموم بالنسبة إلیهما إذ المخصّص المذکور و إن لم یوجب الإجمال فی المفهوم؛ لأنّ الظهور فی العامّ منعقد، ولکن یوجب الإجمال حکماً، لأنّ مع المخصّص المذکور یحصل العلم الإجمالی بخروج أحدهما، و معه یسقط العامّ عن الاعتبار بالنسبة إلی مورد التخصیص، و من المعلوم أنّ تعیین أحدهما بلامرجّح و تعیین أحدهما لا بعینه لیس مورداً للعامّ، فأصالة العموم فی کلّ، طرف تعارض أصالة العموم فی طرف آخر، فإذا تعارضت أصالة العموم فی کلّ طرف صار العامّ، فی حکم المجمل، و لایمکن التمسّک به فی طرف أصلاً، فهذه خمس صور، و بقیت صورة واحدة، و هی ما إذا کان المخصّص منفصلاً و کان الاشتباه و الإجمال من ناحیّة الشبهة الخارجیّة، کأن یشتبه فرد بین أن یکون فرداً للخاص، أو باقیاً تحت العام و لم یکن أصل منقّح فی البین، و هذه هی الشبهة المصداقیّة.

ص:386

الفصل الرابع: فی جواز العمل بالعامّ قبل الفحص و عدمه

و لایخفی أنّ الشارع جرت عادته فی وضع القوانین علی طریقة کافّة العقلاء، فکما أنّ طریقة العقلاء علی ذکر العمومات فی فصل، و ذکر مخصّصاتها فی فصل آخر بالتدریج، - و لذا لم یجوّزوا التمسّک بالعمومات قبل الفحص عن مخصّصاتها، لعدم جریان أصالة التطابق بین الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة ما دام العمومات فی معرض التخصیص فی وقت الأخذ بها -. فکذلک تکون عادة الشارع.

وعلیه فلایجوز العمل بالعمومات الشرعیّة عند کونها فی معرض التخصیص، لعدم حجّیّتها بعد عدم جریان أصالة التطابق فیها، بل یجب الفحص عن المخصّصات، نعم بعد الفحص و عدم الظفر بها تجری أصالة التطابق و تتمّ الحجّیّة فلو ورد بعد ذلک مخصّص فهو مقدّم علی العامّ من باب کون الخاصّ أقوی الحجّتین، لا من باب کون العامّ معلّقاً علی عدم المخصّص واقعاً، بحیث یکون الظفر علیه کاشفاً عن عدم حجّیّته.

و لذا، لایسری إجمال المخصّص إلی العامّ لتمامیّة الحجّیّة بالفحص و إجمال المخصّص بعد تمامیّة الحجّیّة غیر مضرّ.

و لایجب الفحص عن المخصّصات المتّصلة، کما لایلزم الفحص عن قرینة المجاز إذا لو کان مخصّص متّصل أو قرینة للمجاز لذکره متّصلاً و حیث لم یذکره متّصلاً علم

ص:387

أنّه لاتخصیص و لاقرینة علی المجاز، و احتمال وجودهما و إسقاطهما عمداً مخالف لوثاقة الرواة، کما أنّ احتمال الخطأ و النسیان لایساعده أصالة عدم الخطأ و النسیان.

نعم، یجب الفحص عن القرائن الموجودة فی نفس الروایات کصدرها، أو ذیلها، إذ کثیراً ما یصلح الصدر، أو الذیل للقرینیّة و لذا لایجوز الاکتفاء بالمقطّعات من الروایات، و أیضاً یجب الفحص عن النُّسخ مع احتمال اختلافها فی بعض الفقرات، کالزیادة أو النقیصة و نحوهما، مما له مدخلیّة فی المعنی، لاسیّما مع العلم بوجود قرینة و فقدها.

بل ذهب بعض إلی لزوم الرجوع إلی المصادر الأولیّة، معلّلاً بأنّ لتبویبها و فصولها مدخلیّة فی فهم المراد من الروایات، فتأمّل.

ثمّ إنّ مقدار الفحص اللازم متفاوت باختلاف الموارد، و المعیار فیه، أن یکون الفحص إلی حدّ یخرج العموم عن کون مظنّة للتخصیص، فیکفی الخروج المذکور فی جواز الأخذ به، فلاتغفل.

ص:388

الفصل الخامس: فی عمومیّة التکالیف و الخطابات لغیر الموجودین و الحاضرین

اشارة

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی التکالیف الّتی لاتکون مقرونة بأداة الخطاب و لیست بصیغ الأمر، و لاإشکال فی کون هذه التکالیف بنحو القضیّة الحقیقیّة، فلاتختصّ بالمشافهین، بل تعمّ الغائبین و المعدومین.

ثمّ إنّ تعمیم التکالیف بنحو القضیّة الحقیقیّة للمعدومین لیس بلحاظ ظرف عدمهم، بل بلحاظ ظرف وجودهم، و فرض تحقّقهم، ففی مثل قوله تعالی:(وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً)1 ، لیس وجوب الحجّ مقصوراً علی من وجد و استطاع حال نزول الآیة الکریمة، بل الحکم فیها یعمّ الموجود و المعدوم حاله، ولکنّ المعدوم فی ظرف عدمه لایکون مشمولاً للحکم الفعلیّ و لاالإنشائیّ، و إنّما یصیر مشمولاً له علی فرض تحقّقه و وجوده بداهة، أنّ الموضوع للحکم الانشائیّ و الفعلیّ فی الآیة، هو - من کان من الناس - و صدق علیه المستطیع، و المعدوم فی رتبة عدمه لیس من أفراد الناس، و لایصدق علیه أنّه مستطیع، فلاتعقل سرایة الإنشاء إلیه، فإنّ الحکم المنشأ لایسری من موضوعه إلی شیء آخر، نعم إنّما یصیر المعدوم حال الخطاب فی ظرف

ص:389

وجوده، و تحقّق الاستطاعة له مصداقاً لما هو الموضوع فی الآیة، فیتحقّق حینئذٍ بالنسبة إلیه التکلیف الانشائی، و بتحقّق سائر الشرائط العامّة یصیر فعلیّاً.

ومقتضی ما ذکر أنّ القضیّة حقیقیّة، والحکم فیها متعلّق بالمصادیق الموجودة سواء کانت محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود و القضیّة المذکورة فعلیّة بالنسبة إلی المصادیق المحقّقة، و إنشائیّة بالنسبة إلی ما سیوجد فی ظرف وجوده، و علیه فلایتعلّق الحکم بالمعدوم.

و لاحاجة معه فی إمکان تعلّق التکلیف الفعلیّ بالنسبة إلی غیر الموجودین بالفعل إلی تعلیق التکلیف الفعلیّ بالموجود الاستقبالی، نظیر الواجب المعلّق، بدعوی أنّ إرادة شیء فعلاً ممّن یوجد استقبالاً کإرادة ما لم یمکن فعلاً بل یمکن تحقّقه استقبالاً.

و ذلک لما عرفت من أنّ موضوع القضیّة الحقیقیّة، هو الطبیعة بما هی مرآة و حاکیة عن مصادیقها الموجودة بحسب ظروفها، فیشمل التکلیف غیر الموجودین بنفس القضیّة الحقیقیّة.

وأیضاً، لاوجه لجعل الحملیّة، مشروطة بوجود المعدوم لتوجیه التکلیف إلی المعدوم، إذ القضایا الحقیقیّة لیست مشروطة، و إن أمکن تحلیلها إلیها فی العقل.

فتحصّل أنّه یکفی فی شمول التکالیف، بالنسبة إلی غیر الموجودین فی عصر الصدور کون القضایا حقیقیّة لأنّ موضوعاتها تعمّ کلّ موجود فی ظرف وجوده من دون لزوم محذور تعلّق التکلیف بالمعدوم، فالحکم فعلیّ بالنسبة إلی المصادیق الموجودة بالفعل، و إنشائیّ بالنسبة إلی المصادیق الموجودة فی الظروف الآتیة، و القضیّة حملیّة لامشروطة، و تحلیلها إلی المشروطة لایصیّرها مشروطة.

المقام الثانی: أنّ التکالیف المقرونة بأداة النداء و الخطاب، أو التکالیف المنشأة بصیغ الأمر و النهی الّتی تستلزم المخاطبة کقوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا) و قوله عزّوجلّ: (إِنْ

ص:390

تَنْصُرُوا اللّهَ یَنْصُرْکُمْ) و قوله تبارک و تعالی:(وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناکُمْ) و غیر ذلک هل تکون کغیرها من التکالیف الّتی لاتستلزم المخاطبة فی التعمیم بالنسبة إلی الغائبین و المعدومین، أو لاتکون کذلک؟

یمکن القول بالتعمیم علی وجه الحقیقة، بیان ذلک، أنّ أداة الخطاب. و إن کانت موضوعة لأن یخاطب بها، و المخاطبة إنّما تقتضی أن تکون إلی مخاطب یتوجّه إلیه الخطاب، و ذلک لایعقل فی حقّ المعدوم إلّا أنّه یمکن تنزیل المخاطب المعدوم منزلة المخاطب الموجود، و ادّعاء أنّه الموجود، و مجرّد ذلک یکفی فی استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزم، لتصرّف آخر فی اللفظ باستعماله فی غیر معناه.

و الوجه فی التنزیل المذکور، أنّه لایعقل التعمیم فی مدلول أداة الخطاب، لأنّ الخطاب، إمّا من الاُمور الحادثة بالأداة، أو من الاُمور الّتی یکشف عنها الأداة، سواء کانت الأداة علامة أو غیرها، و علی کلّ التقادیر، فالخطاب من المعانی الشخصیّة الجزئیّة الّتی لاتحتمل العموم، نعم یصحّ التعمیم فی مدخول الأداة.

فمع ادّعاء المعدوم بمنزلة الموجود تعمّ الخطابات المذکورة لغیر المشافهین أیضاً.

أُورد علیه بأنّ مجرّد الإمکان، لایکفی و التنزیل المذکور یحتاج إلی الدلیل، هذا مضافاً إلی أنّ المخاطبة الحقیقیّة لاتمکن إلّا إذا کان الغیر موجوداً حقیقة، بحیث یتوجّه إلی الکلام و یلتفت إلیه، و فرض الحضور و الالتفات لایوجب کون الخطاب علی الحقیقة، و إن لم تستعمل أداة الخطاب فی غیر معناها.

فالأولی هو أن یقال، إنّ الخطابات إنشائیّة کالتکالیف الإنشائیة و تصیر فعلیّة، فیما إذا کان المخاطب موجوداً و حاضراً و ملتفتاً و بقیت علی الإنشائیّة فیما إذا لم یکن المخاطب موجوداً و حاضراً و ملتفتاً، إلی أن یصیر کذلک، و بالجملة فالموضوع کالمتعلّق مأخوذ فی القضیّة الحقیقیّة کلّیّاً و هو کلّ من وجد و حضر و التفت، فالخطابات

ص:391

الانشائیّة متصوّرة و شایعة فی مثل الخطابات الکتبیّة إلی کلّ من یری الکتابة، ألا تری أنّ المؤلّفین کانوا یخاطبون کثیراً ما من یقرأ کتابهم بقوله «فافهم» و «اعلم» و غیرهما من الخطابات.

و لاحاجة إلی التنزیل المذکور، بعد کون المتفاهم من أدوات الخطاب الإنشائیّ هو إظهار توجیه الکلام نحو مدخولها بداعی تفهیم المخاطب فی ظرف وجوده عند التفاته، و علیه فلامانع من شموله للغائبین و المعدومین.

و لامنافاة بین جزئیّة النداء و کلّیّة المنادی کما لامنافاة بین جزئیة البعث و کلّیّة المبعوث إلیه.

و علیه فالحقّ، هو التفصیل بین الخطاب الحقیقیّ الفعلیّ و الخطاب الإنشائیّ و اختیار عدم الإمکان فی الأوّل دون الثانی.

وأمّا الخطابات الواردة فی القرآن الکریم، حیث لاتکون متوجّهة إلی الناس من دون وساطة النبی صلی الله علیه و آله و سلم، فهی خطابات إنشائیّة لاحقیقیّة لأنّ الناس لم یکونوا طرفاً لخطابه تعالی، و لافرق فی ذلک بین الحاضرین و غیرهم.

نعم، الخطابات العامّة الصادرة من النبی صلی الله علیه و آله و سلم، تکون فعلیّة حقیقیّة بالنسبة إلی الحاضرین، و إنشائیّة بالنسبة إلی غیرهم، و هذه الخطابات عامّة و لاحاجة مع عمومها إلی تنزیل غیر الحاضر بمنزلة الحاضر، کما لایخفی.

ثمرة البحث عن تعمیم الخطابات

ذکروا للبحث عن تعمیم الخطابات، للمعدومین و الغائبین و عدمه ثمرات:

منها: أنّه بناء علی التعمیم، لاتختصّ حجّیّة ظهور الخطابات بالمشافهین، بخلاف ما إذا لم نقل بالتعمیم، فتختصّ الحجّیّة بهم و لاتشمل الغائبین و غیر الموجودین.

ص:392

اورد علیه بأنّ هذا مبنیّ علی اختصاص حجّیّة الظواهر بمن قصد إفهامه مع أنّه لاوجه له، لأنّ الناس کلّهم مقصودون بالإفهام إلی یوم القیامة و إن قلنا بعدم شمول الخطاب إلّا لخصوص المشافهین.

ومنها: صحّة التمسّک بإطلاق الکتاب و السنّة علی التعمیم بالإضافة إلی الغائبین و غیر الموجودین، بخلاف ما إذا لم نقل به، فإنّه لایصحّ التمسّک بإطلاقهما إلّا مع قاعدة الاشتراک، و هذه القاعدة لاتجری إلّا مع اتّحاد الغائبین و غیر الموجودین مع الحاضرین فی الصنف، و هو مفقود فی المقام من جهة احتمال مدخلیّة وصف حضور الإمام أو نائبه الخاصّ فی مثل صلاة الجمعة، و لایوجد هذا الوصف فی غیر الموجودین.

وفیه: أنّ احتمال مدخلیّة وصف الحضور فی صلاة الجمعة مدفوع بأصالة الإطلاق و عدم التقیید بالنسبة إلی المشافهین و کونهم واجدین لهذا الشرط لایمنع من جریان أصالة عدم التقیید بالنسبة إلیهم لاحتمال عروض عدم بقاء هذا الوصف، إذ المراد من الحضور هو الحضور مع بسط الید و هو ممّا یمکن أن یعرضه العدم، و علیه فلامانع من جریان قاعدة الاشتراک للتساوی بین المشافهین و غیرهم بعد جریان أصالة عدم التقیید، و لیس المراد من الحضور مجّرد الوجود حتّی یقال لایعرض لهذا الوصف، فإذا لم یعرض عدم للوصف الموجود فلاضرورة فی تقییده مع احتمال مدخلیّته، لأنّ الفرض أنّه موجود و لایعرضه العدم، و حینئذٍ فلایمکن إثبات الحکم فی غیرهم بقاعدة الاشتراک لعدم اتّحادهم معهم فی الوصف المذکور.

و ذلک لما عرفت من، أنّ المراد من وصف الحضور هو الحضور مع بسط الید، و من المعلوم أنّه ممّا یتطرّق إلیه العدم فأصالة عدم التقیید جاریة و مع جریانها لافرق بین المشافهین و غیرهم، فتجری قاعدة الاشتراک.

ص:393

هذا مضافاً إلی أنّه لو سلّمنا أنّ الوصف هو وصف وجود الإمام من دون اعتبار بسط الید، فلاإشکال فی أنّه متحقّق فی کلّ زمان، إذ الإمام موجود فی کلّ عصر و علیه فلایصحّ دعوی أنّ غیر المشافهین لایکونون واجدین للوصف، فمع وجود هذا الوصف فی المشافهین و غیرهم تجری قاعدة الاشتراک فلاثمرة.

ص:394

الفصل السادس: أنّ تعقّب العامّ بضمیر لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ، هل یوجب تخصیص العامّ، أو یوجب الإجمال أو لا؟

و قد اختلف فیه الأعلام، و المختار هو عدم لزوم التخصیص و عدم الإجمال فی العامّ فیما إذا استقلّ العامّ.

وتوضیح ذلک، أنّ محلّ الخلاف ما إذا وقع العامّ و الضمیر المذکور فی کلامین أو کلام واحد مع استقلال العامّ بما حکم علیه.

بخلاف ما إذا لم یکن العامّ مستقلاً بما حکم علیه، بل الحکم واحد کقوله تعالی:(وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ) فإنّه لانزاع فی تخصیص العامّ بعد معلومیّة أنّ حکم التربّص لیس لجمیعهنّ، و علیه فالمطلّقات و إن کانت شاملة للیائسة و غیر المدخول بها ولکن یختصّ بغیرهما بقرینة التربّص، فإنّه حکم بعض المطلّقات.

فإذا عرفت محلّ النزاع، ذهب بعض إلی أنّ ذلک موجب للإجمال، مستدلاً بأنّ الأمر یدور بین التصرّف فی العامّ بالتخصیص و بین التصرّف فی الضمیر بإرجاعه إلی البعض، فیحصل الإجمال، لوجود ما یصلح للقرینیّة فی الکلام و هو الضمیر الراجع إلی العامّ، إذ الضمیر المذکور یجعل القضیّتین بمنزلة کلام متّصل واحد.

ص:395

و یمکن الجواب عنه: بأنّ مجرّد القطع باختصاص الحکم المذکور فی الثانیة ببعض أفراد العام، لایوجب التصرّف فی إحدی القضیّتین فی مدلولهما اللفظی، بل بصحّ حمل کلتا القضیّتین علی إرادة معناهما اللغوی فی مرحلة الاستعمال، و الجدّ مع الالتزام بخروج بعض أفراد العامّ فی الثانیة عن الإرادة الجدّیّة.

وبعبارة اخری: أنّ الضمیر راجع إلی المراد الاستعمإلی من العامّ السابق، و إرادة البعض فی الإرادة الجدّیّة تصرّف فی اللّبّ، لا فی استعمال، و رفع الید عن أصالة التطابق بین الإرادة الاستعمالیّة و بین الإرادة الجدّیّة فی ناحیة الضمیر لایوجب التخصیص فی ناحیّة العامّ بعد استقلاله و انفصال الخاصّ عنه.

ذهب فی الکفایة إلی الاستخدام أو المجاز مستدلاً بأنّ الأمر یدور بین التصرّف فی العامّ بإرادة خصوص ما ارید من الضمیر الراجع إلیه أو التصرّف فی ناحیّة الضمیر، إمّا بإرجاعة إلی بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلی تمامه مع التوسّع فی الإسناد، بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقة إلی الکلّ توسّعاً و تجوّزاً.

ویمکن الجواب عنه: بماعرفت من أنّ الضمیر راجع إلی المراد الإستعمإلی من العامّ السابق، و التصرّف فی الضمیر هو التصرّف فی الإرادة الجدّیّة لا فی الإرادة الاستعمالیّة، و علیه فلامورد للدوران المذکور فی طرف الضمیر بین إرجاعه إلی بعض المراد حتّی یلزم الاستخدام و بین إرجاعه إلی تمام المراد مع التوسّع و التجوّز.

إذ الضمیر علی المختار راجع إلی تمام ما هو المراد الاستعمإلی من مرجعه بدون توسّع و تجوّز، لافی الکلمة و لا فی الإسناد.

ودعوی: أنّه لو لم یکن استخدام، لزم المحذور، و هو أن یرجع الضمیر عند تخصیص العامّ الأوّل إلی المستعمل فیه العامّ أیضاً و هو کما تری مثلاً لو قیل «أکرم العلماء» و

ص:396

أضف أصدقاءهم، و خصّص العلماء بالعدول، لزم أن یکون الإضافة واجبة، بالنسبة إلی جمیع العلماء مع أنّه لایجب إکرام جمیعهم، إذ کیف یمکن أن یکون الإکرام مختصّاً بالعدول من العلماء، و الإضافة واجبة بالنسبة إلی أصدقاء جمیع العلماء و لو لم یکونوا عادلین، فهذا یکشف عن کون المرجع هو العامّ المخصّص لاالعام المستعمل فیه.

هذا کلّه فیما إذا کان الدالّ علی اختصاص الحکم الثانی ببعض الأفراد فی الإرادة الجدّیّة منفصلاً، و أمّا إذا کان الدالّ علیه مقترناً عقلاً أو لفظاً فقد ذهب سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره إلی أنّ الظّاهر طروّ الإجمال فی الغالب لعدم إحراز بناء العقلاء علی إجراء أصالة التطابق فی مثله.

ولکن لقائل أن یقول، إنّ اقتران الحکم الثانی بذلک لایوجب الإجمال فی الحکم الأوّل مع فرض کونهما مستقلّین و عدم اقتران الحکم الأوّل بتلک القرینة.

والقول بأنّ المرتکز فی المقام، هو تقدیم أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن أصالة العموم.

غیرسدید بعد ما عرفت من أنّه لامجال للاستخدام، إذ الضمیر مستعمل فی المعنی العام، و الدلیل الخارجی یدلّ علی عدم الإرادة الجدّیّة فیه، فلا یدور الأمر بین أصالة عدم الاستخدام و أصالة العموم.

ودعوی: أنّ المرتکز العرفیّ فی أمثال المقام هو الأخذ بظهور الکلام فی اتّحاد المراد من الضمیر مع ما یرجع الضمیر إلیه و رفع الید عن ظهور العامّ فی العموم، فهذا الظهور قرینة عرفیّة لرفع الید عن أصالة العموم، إذ أصالة العموم متّبعة فیما لم تقم قرینة علی خلافها و مع قیامها لامجال لها.

ص:397

مندفعة: بأنّ الاتّحاد بحسب الإرادة الاستعمالیّة محفوظ، إذ الضمیر متّحد مع العامّ فی الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة، و إنّما یرفع الید عن خصوص الإرادة الجدّیّة فی ناحیّة الضمیر بالنسبة إلی بعض الموارد بالدلیل الخارجی، و بقی اتّحادهما بحسب الإرادة الاستعمالیّة و الجدّیّة فی سائر الموارد، و رفع الید عن الإرادة الجدّیّة فی ناحیّة الضمیر لایستلزم التخصیص فی العامّ بعد اختصاص الدلیل الخاصّ بالثانی و انفصال الضمیر عن العامّ.

ثمّ إنّ أصالة العموم متّبعة فیما لم تقم قرینة علی خلافها کما فی المقام، لأنّ قرینة الخلاف مختصّة بالثانی.

وممّا ذکر یظهر ما فی المحکیّ عند العضدی من أنّ الأمر فی المقام یدور بین تعدّد المجاز و وحدته، لأنّ تخصیص العامّ یوجب التجوّز فی الضمیر أیضاً للزوم مطابقته لما هو الظّاهر من المرجع دون المراد، بخلاف التصرّف فی الضمیر بالاستخدام فإنّه لایسری إلی العامّ.

وذلک لما عرفت من إمکان منع المجاز مطلقاً لا فی العامّ و لا فی الضمیر بعد استعمالهما فی المعنی العامّ علی تقدیر التخصیص أیضاً، فلامجاز و لااستخدام، لأنّ التصرّف لیس فی ناحیّة المستعمل فیه، فالأمر إذا دار بین التخصیصین و بین التخصیص الواحد فالمتعیّن هو الثانی إذ لامعارض لأصالة العموم فی الأوّل.

فتحصّل: من جمیع ما ذکرناه أنّ تعقّب العامّ المستقلّ بضمیر، لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ لایوجب إجمالاً بالنسبة ذی العامّ، کما لایوجب تخصیصاً فیه ما لم تقم قرینة تصلح للتخصیص فیه أیضاً، و لایوجب أیضاً مجازاً لا فی العامّ و لا فی الخاصّ و لا فی الکلمة و لا فی الإسناد، لأنّ لفظ العامّ و الخاصّ مستعملان فی معناهما و إنما التصرّف فی ناحیّة أصالة التطابق، فلاتغفل.

ص:398

الفصل السابع: فی تعارض المفهوم مع العموم

اشارة

والکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی أنواع المفهوم
اشارة

و لایخفی أنّ المفهوم إمّا موافق و إمّا مخالف، و الموافق هو ما دلّ اللفظ بحکم العقل علی ثبوت الحکم فی الأشدّ بطریق أولی. و المخالف، هو الذی دلّ العقل علیه بواسطة تعلیق الحکم فی الخطاب علی العلّیّة المنحصرة، فإنّ مقتضی ذلک هو الانتفاء عند الانتفاء، و إلّا لزم الخف فی التعلیق المذکور.

أقسام المفهوم الموافق:

منها موارد إلغاء الخصوصیّة کقوله رجل شکّ بین الثلاث و الأربع فإنّه لاشبهة فی أنّ الحکم المذکور فیه من البناء علی الأکثر لایختصّ بالرجل، ولکن فی کونه من أقسام المفهوم الموافق تأمّل و نظر.

ومنها: المعنی الکنائیّ الذی سیق الکلام لأجله مع عدم ثبوت الحکم للمنطوق، کقوله تعالی:(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) بناء علی کونه کنایة عن النهی عن حرمة إیذائهما و لم یکن نفس الأُفّ محکوماً بحکم.

ص:399

ومنها: ما إذا سیق الکلام لأجل إفادة حکم أخفّ المصادیق للانتقال إلی سائر الموارد بالأولویّة، مثل نفس الآیة الکریمة المذکورة آنفاً بناءً علی أنّ الأُفّ محکوم بالحرمة أیضاً.

ومنها: الحکم المستفاد من القضیّة التعلیلیّة، کقوله «الخمر حرام» لأنّه مسکر، فإنّ العلّة تدلّ بمفهوم الموافقة علی مساواة غیر المورد المذکور مع المنطوق فی الحکم.

و لایخفی أنّ التعبیر بالمفهوم الموافق فی مورد إلغاء الخصوصیّة لایخلو عن النظر، لأنّ مرجع الإلغاء هو تعمیم المنطوق، و لایتوسّط فیه شیء مع أنّ اللازم فی المفهوم الموافق هو توسّط شیء آخر، و هکذا الأمر فی التعلیل، فإنّ مثل قوله - فإنّه مسکر - یدلّ علی الکبری الکلّیّة، و هی أنّ کلّ مسکر حرام، و هو منطوق عامّ، فتدبّر جیّداً.

المقام الثانی: فی تقدیم المفاهیم الموافقة

لا کلام فی تقدیم المفاهیم الموافقة علی العمومات فیما إذا کانت أخصّ منها لبناء العقلاء علی ذلک إلّا إذا کانت العمومات أظهر، فتقدّم علی الخاصّ بالتصرّف فی هیئة الخاصّ، کما هو المتعارف فی غیر مفهوم الموافق من المخصّصات.

هذا کلّه فیما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم و الخصوص.

وأمّا إذا کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه، فقد ذهب بعض إلی أنّه یعامل معهما معاملة المنطوقین، فیحکم بتساقطهما، والرجوع إلی الأصل العملی إن لم یکن مرجّح فی البین، و لامجال للحکم بالتخییر بعد اختصاص الأخبار العلاجیّة بالتعارض التباینی.

والظّاهر من الشیخ الأعظم فی مطارح الأنظار هو تقدیم المفاهیم الموافقة و إن کانت النسبة بینها و بین العمومات عموماً من وجه، و ذلک لقوّة دلالة الکلام علی المفهوم الموافق، لأنّه المقصود بالإفادة، و لأنّه المستفاد من الکلام بالأولویّة.

ص:400

یمکن أن یقال: إنّ ما ذکره الشیخ الأعظم حسن فیما یستفاد بالأولویّة لا بالمساواة لعدم قوّة الدلالة و الأولویّة فیها مع أنّها من أقسام المفهوم الموافق.

وفصّل المحقّق النائینی قدس سره فی المفهوم الموافق، بین ما إذا کانت النسبة بین منطوق المفهوم و بین العموم عموماً و خصوصاً، فیقدّم المفهوم.

و إن کانت النسبة بین المفهوم و بین العموم، عموماً من وجه، کما إذا ورد لاتکرم الفسّاق و ورد أکرم فسّاق خدّام العلماء، الدالّ بمفهومه علی وجوب إکرام العلماء، والوجه فی ذلک أنّه لایمکن التصرّف فی المفهوم نفسه من دون تصرّف فی المنطوق، کما لایمکن التصرّف فی المنطوق لکونه أخصّ، فینحصر الأمر فی التصرّف فی العموم و إبقاء المفهوم علی عمومه.

و بین ما إذا کانت النسبة بین منطوق المفهوم و العموم عموماً من وجه کما إذا کان المنطوق فی مفروض المثال أکرم خدّام العلماء.

وحینئذٍ إن قدّم المنطوق علی العموم فی مورد التعارض و دخل بذلک الخادم الفاسق للعالم فی موضوع وجوب الإکرام، کان المفهوم الثابت بالأولویّة القطعیّة مقدّماً علی العموم أیضاً.

و إن قدّم العموم علی المنطوق، و خرج الخادم الفاسق عن موضوع وجوب إکرام خدّام العلماء و اختصّ الوجوب بإکرام الخدّام العدول لم یثبت الأولویّة إلّا وجوب إکرام العدول من العلماء دون فسّاقهم، هذا هو حقّ القول فی المفهوم بالأولویّة.

یمکن أن یقال: إنّ اللازم هو ملاحظة المنطوق و المفهوم معاً بالنسبة إلی العموم، لأنّهما متوافقان فی التعارض مع العموم و لاوجه لتقدیم المنطوق علی المفهوم أو بالعکس بل هما فی عرض واحد یکونان متنافیین مع العموم إذ التعارض بعد وجود القضیّة و تمامیّة

ص:401

مدلولها منطوقاً و مفهوماً، و بعد هذه التمامیّة یکون المنطوق و المفهوم متعارضین مع العموم فی عرض واحد.

و علیه فیعمل فی کلّ من المنطوق و المفهوم بالنسبة إلی العموم بحسب ما یقتضیه القاعدة من دون نظر إلی الآخر، فالمفهوم مقدّم علی العموم، لکونه أظهر منه من جهة کونه مستفاداً بالأولویّة و إن کانت النسبة بینه و بین العموم هی العموم من وجه.

والمنطوق مقدمّ علی العموم، إن کانت النسبة بینه و بین العموم هی العموم و الخصوص، و إلّا فهما متعارضان، فیتساقطان إن لم یکن احدهما أقوی من الآخر، کما فی سائر الموارد من موارد التعارض بنحو العموم من وجه.

ولادلیل علی ملاحظة المنطوق أوّلاً، ثمّ ملاحظة المفهوم بعد کونهما فی عرض واحد بالنسبة إلی العموم.

فالأقرب هو ما ذهب إلیه الشیخ قدس سره من أنّ المفهوم مقدّم مطلقاً لکونه أقوی من جهة الدلالة اللفظیّة، و لایرتبط تقدیم المفهوم بملاحظة نسبة المنطوق مع العموم و تقدیمه، فتدبّر جیّداً.

المقام الثالث: فی المفهوم المخالف

والظّاهر هو تقدیم المفهوم المخالف علی العامّ فیما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم و الخصوص، و إن کان منشأ الظهور هو مقدمات الإطلاق.

ربّما یتوهّم أنّ العامّ أقوی من المفهوم المخالف، لأنّ دلالة العامّ بالوضع دون المفهوم المخالف، لاستفادة المفهوم من العلّیّة المنحصرة الّتی تکون مبتنیة علی الإطلاق الذی یزول بأدنی دلیل معارض.

و هو فاسد لوضوح تقدیم الخاصّ علی العامّ و إن کان الخاصّ مبتنیاً علی مقدّمات الإطلاق، و ذلک لانعقاد الظهور فی کلیهما و أظهریّة الخاصّ بالنسبة إلی العامّ لکونه

ص:402

أخصّ فیتقدّم علی العامّ کسائر الموارد، و لافرق فی الظهور المنعقد بین أن یکون ناشئاً من الوضع أو من مقدّمات الإطلاق، و مقتضی ما ذکر أنّه لو عکس الأمر و کان المفهوم عامّاً و المنطوق خاصّاً فالمقدّم هو المنطوق.

مثلاً إذا قیل - أکرم الناس إن کانوا عدولاً - کان مفهومه أنّه، لایجب إکرام غیر العادل، سواء کان عالماً أو غیره، فإذا ورد - أکرم العالم الفاسق - کان منافیاً مع عموم المفهوم و یقدّم قوله - أکرم العالم الفاسق - علی عموم المفهوم قضاءً لتقدیم الخاصّ علی العامّ. هذا کلّه بناءً علی کون النسبة بین المفهوم المخالف و المنطوق العامّ هی العموم و الخصوص. و أمّا إذا کانت النسبة بینهما هی عموم من وجه، فمقتضی القاعدة، هو الحکم بالتساقط فی مورد التعارض، کما هو مقتضی القاعدة فی المنطوقین بناء علی عدم شمول الأخبار العلاجیّة لغیر التعارض التباینی.

إلّا إذا کان أحدهما حاکماً بالنسبة إلی الآخر فالحاکم مقدّم، أو إذا کان تقدیم أحدهما علی الآخر موجباً للغویّة الآخر دون العکس فالعکس مقدّم، مثلاً قوله علیه السلام «إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء» یدلّ بمفهومه علی اعتبار الکرّیّة فی عدم الانفعال. و إن کان الماء جاریاً، فإن قدّم ذلک علی عموم قوله علیه السلام الماء الجاری لاینفعل لزم اللغویّة، وذلک قرینة علی تقدیم قوله الماء الجاری علی مفهوم قوله إذا کان الماء قدر کرّ ینجّسه مع أنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه و مقتضی ذلک هو الجمع بین عنوان الجاری و الکرّ فی التأثیر بمعنی أنّ کلّ واحد منهما مؤثّر فی عدم الانفعال.

ص:403

ص:404

الفصل الثامن: فی الاستثناء المتعقّب للجمل

اشارة

فقد وقع الکلام فی أنّ الاستثناء، ظاهر فی استثناء جمیع الجمل المتقدّمة، أو ظاهر فی خصوص الأخیرة، أو لاظهور له أصلاً؟ یقع البحث فی مقامین:

المقام الأوّل: فی مقام الثبوت

و قد ادّعی أنّ رجوع الاستثناء إلی الجمیع مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد و هو غیر ممکن.

یمکن منع ذلک ضرورة، أنّ تعدّد المستثنی منه کتعدّد المستثنی فی أنّه لایوجب تقاوتاً فی ناحیّة الأداة بحسب المعنی، و کان المستعمل فیه الأداة فیما کان المستثنی منه متعدّداً هو المستعمل فیه فیما کان واحداً کما هو الحال فی المستثنی و علیه فدعوی أنّ رجوع الاستثناء إلی الجمیع مستلزم لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد کما تری.

ربّما یتوهّم تعدّد الإخراج بتعدّد الأطراف، فلو لا لحاظ الوحدة فی الجمل المتعدّدة أو المستثنیات المتعدّدة، لایکون الإخراج واحداً، و شمولها حینئذٍ للمتعدّد بما هو متعدّد موجب للاستعمال فی أزید من معنی واحد و لاجامع مفهومیّ بناء علی خصوصیّة الموضوع له.

ص:405

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الاستعمال لیس إلّا جعل اللفظ آلة لإفادة المعنی، فإن کان هذا هو المراد من جعله قالباً و فانیاً فلادلیل علی امتناع شیء واحد قالباً لشیئین أو أکثر، و إن کان المراد شیئاً آخر فلابدّ من بیانه.

وعلیه فإفادة المتکثّرات لاتسلتزم تکثّر الإفادة، فلایلزم من رجوع الاستثناء إلی الجمل المتعدّدة إفادة الاستثناء للإخراجات المتعدّدة بل الاستثناء یفید إخراج المتعدّدات، فلاتغفل.

المقام الثانی: فی مقام الاثبات

ولایخفی أنّه یختلف بحسب تکرار الحکم أو الموضوع أو کلیهما و عدمه، أو بحسب ذکر الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی و عطف سائر الجمل علیها مشتملة علی الضمیر الراجع إلیه، أو ذکر الاسم الظّاهر فی جمیع الجمل، و إلی غیر ذلک من التفصیلات، فالأولی هو الإشارة إلی بعضها.

أحدها: ما فی نهایة النهایة من التفصیل بین ما إذا کان الاستثناء قیداً للموضوع لاإخراجاً عن الحکم فهو ظاهر فی الرجوع إلی الأخیرة.

و بین ما إذا کان الاستثناء إخراجاً عن الحکم، فقال فإن لم یتکرّر الحکم فی الجمل، فالظّاهر بل المتعیّن هو رجوعه إلی الجمیع بخلاف ما إذا تکرّر الحکم فی الجمل.

ففی مثل أکرم العلماء و الشرفاء و الشعراء إلّا الفسّاق، یرجع الاستثناء إلی الجمیع، لأنّ المستثنی منه هو الحکم و هو واحد غیر متعدّد.

و فی مثل أکرم العلماء و أکرم الشرفاء و أکرم الشعراء إلّا الفسّاق، فالظّاهر هو رجوع الاسثتناء إلی الأخیرة مدّعیاً بأنّ الظّاهر بمقدّمات الحکمة إذا کان المتکلّم فی مقام البیان و لم یقم قرینة علی الرجوع إلی غیر الأخیرة هو الرجوع إلیها، فإنّ رجوعه إلی غیر الأخیرة یحتاج إلی البیان.

ص:406

وفیه: ما لایخفی حیث إنّ البحث یعم الصورتین و لاوجه للتفرقة المذکورة. هذا مع إمکان منع کون الحکم واحداً فی مثل أکرم العلماء و الشرفاء و الشعراء إلّا الفسّاق لأنّ مقتضی تعدّد الموضوع هو تعدّد الحکم کقوله علیه السلام اغسل للجمعة و الجنابة.

و أیضاً لامجال للأخذ بالمقدّمات مع وجود ما یصلح للرجوع إلی الجمیع فی الکلام.

وثانیها: ما فصّله المحقّق النائینی قدس سره، بین تکرار عقد الوضع، فالظّاهر هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الأخیرة، لأنّ تکرار عقد الوضع فی الجملة الأخیرة مستقلاً یوجب أخذ الاستثناء محلّه من الکلام، فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة الأخیرة إلی دلیل آخر و هو مفقود، و بین عدم تکرار عقد الوضع و اختصاص ذکره بصدر الکلام، کما إذا قیل «أکرم العلماء و أضفهم و أطعمهم إلّا فسّاقهم»، فلا مناص عن الالتزام برجوعه إلی الجمیع.

وفیه: أنّ استقلال الجملة لایمنع من احتمال رجوع الاستثناء إلی السابق، و دعوی لزوم رجوع الاستثناء إلی عقد ا لوضع محلّ منع، إذ لیس الاستثناء إلّا لأخراج الحکم، کقولهم ما جاء فی القوم إلّا زید، لظهوره فی تخصیص مجیء زید لا لتقیید الموضوع ثمّ تعلیق الحکم علیه، کأن یتصوّر القوم باستثناء زید، ثمّ علّق علیه عدم المجیء.

و الشاهد علی إمکان رجوع الاستثناء إلی الجمیع، أنّه لو علمنا أنّ المتکلّم أراد الاستثناء من الجمیع لایلزم منه خلاف أصل من الاُصول، أو ارتکاب تجوّز، و معه لامجال لأصالة العموم، لأنّ الاستثناء المذکور ممّا یصلح للمخصّصیّة.

وثالثها: ما فصّله السیّد المحقّق الخوئی قدس سره بین تعدّد القضیّة بدون تکرار المحمول، کما إذا قیل «أکرم العلماء و الأشراف و الشیوخ إلّا الفسّاق». منهم فالظّاهر فیه هو رجوع الاستثناء إلی الجمیع، لأنّ القضیّة فی الفرض المذکور فی حکم قضیّة واحدة.

ص:407

و بین تعدّد القضیّة مع تکرّر عقد الحمل، کما إذا قیل: «أکرم العلماء و الأشراف و أکرم الشیوخ إلّا الفسّاق منهم»، فالظّاهر هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل و ما بعدها من الجمل لو کانت لأنّ تکرار عقد الحمل قرینة علی قطع الکلام عمّا قبله. و بذلک یأخذ الاستثناء محلّه من الکلام، فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل إلی دلیل آخر مفقود علی الفرض.

وفیه: أنّ القضیّة فیما إذا تعدّدت موضوعاتها تتعدّد بتعدّدها، و مع التعدّد یمکن اختلاف الجمل المتعدّدة فی الاستثناء و عدمه.

هذا مضافاً إلی أنّ تعدّد القضایا عند تکرّر محمولاتها، لایمنع عن إمکان رجوع الاستثناء إلی جمیع موضوعاتها، و الشاهد علیه جواز تصریح المتکلّم بذلک.

نعم لایبعد دعوی ظهور رجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة فیما إذا تغایرت الجمل موضوعاً و محمولاً، کقولهم أکرم العلماء و جالس الأشراف إلّا الفسّاق منهم.

ورابعها: هو التفصیل بین ما إذا اتّحد المحمول مع تکرّر الموضوعات، مثل أن یقال أکرم العلماء و التجّار و الاُدباء إلّا الفسّاق منهم فالاستثناء راجع إلی الجمیع.

و بین ما إذا تکرّر المحمول بدون العطف، سواء اتّحد أم اختلف، مثل أن یقال، أکرم العلماء أضف التجّار احترم الاُدباء إلّا الفسّاق منهم.

فالمتعیّن هو رجوع الضمیر إلی الأخیرة، إذ بیان کلّ حکم بجملة مستقلّة غیر مرتبطة بسابقتها برابط یوجب کون الجملة السابقة فی حکم المغفول عنها و المنتهی عن شؤونها.

و بین ما إذا تکرّر المحمول مع العطف، مثل أن یقال أکرم العلماء و أضف التجّار و احترم الاُدباء إلّا الفسّاق منهم.

ص:408

و فی هذه الصورة یحتمل أن یکون استقلال الأخیرة موجباً لتعیّنه، و یحتمل أن یکون ربط الأخیرة بغیرها بحرف العطف موجباً لعدم تعیّنه لکون الجمیع بمنزلة الجلمة الواحدة، فیکون الکلام مجملاً ولکن تخصیص الأخیرة قدر متیقّن.

وفیه: أنّ دعوی تعیّن رجوع الاستثناء إلی الجمیع فی الصورة الاُولی لاشاهد لها مع کون القضیّة متعدّدة بتعدّد موضوعاتها، إذ عدم تعیّن رجوعه إلی الأخیرة لایلازم تعیّن رجوعه إلی الجمیع، بل یمکن القول بالإجمال إن لم نقل بتعیّن رجوعه إلی الأخیرة. هذا مضافاً إلی أنّ دعوی تعیّن رجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة فی الصورة الثانیة کما تری إذ لو سلّمنا هذ الترکیب فی الأدبیّات العربیّة لانسلّم کون الجمل السابقة فی حکم المغفول عنها، و حینئذٍ إن کان نوع المحمول متّحداً فلاظهور له فی الرجوع إلی الأخیرة و لا إلی الجمیع.

و إن کان نوع المحمول مختلفاً فدعوی ظهور رجوع الاستثناء إلی الأخیرة غیر بعیدة.

و أیضاً دعوی الإجمال فی الصورة الثالثة مندفعة، بأنّ العطف لایوجب وحدة الجمل بل الواو و تدلّ علی مغایرة الجمل بعضها مع بعض، ولکن مع ذلک لاینافی رجوع الاستثناء إلی الجمیع. نعم لایبعد دعوی ظهور الکلام فی الرجوع إلی الأخیرة بعد تغایرها مع سائر الجمل موضوعاً و محمولاً.

وخامسها: هو التفصیل بین ما إذا ذکر الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی و عطف سائر الجمل علیها مشتملاً علی الضمیر الراجع إلیه و اشتمل المستثنی أیضاً علی الضمیر کقوله أکرم العلماء و سلّم علیهم و ألبسهم إلّا الفسّاق منهم.

فإنّ الظّاهر منه هو رجوع الاستثناء إلی جمیع الجمل.

ص:409

و الوجه فی ذلک أن الضمیر فی المستثنی إشارة إلی شیء و لم یکن فی الجمل شیء صالح للإشارة إلیه إلّا الاسم الظّاهر المذکور فی صدرها، و أمّا سائر الجمل فلاتصلح لإرجاع الضمیر إلیها لعدم عود الضمیر إلی الضمیر.

بل لعلّ الأمر کذلک، فیما إذا لم یکن المستثنی مشتملاً علی الضمیر، ولکن الجمل السابقة تکون مشتملة علی الضمیر و یعود إلی الاسم الظّاهر فی الجملة الاُولی کما یقال فی المثال السابق، إلّا بنی فلان، لأنّ الضمیر فی سائر الجمل غیر صالح لتعلّق الاستثناء به فإنّه بنفسه غیر محکوم بشیء، فلامحالة یرجع الاستثناء إلی ما هو صالح له.

فإذا عاد الضمیر فی المستثنی إلی الاسم الظّاهر المذکور فی صدر الجمل لاینعقد الإطلاق فی الجمل التالیة بل یتّحد المراد بین الجمل.

وفیه: أنّ تقیید الموضوع فی الجملة الأخیرة باستثناء الفاسق من العلماء لا یستلزم تقیید الموضوع فی الجمل السابقة، لأنّ الجمل السابقة معطوفة علی الاسم الظّاهر فی الصدر بما هو مستمعل فی معناه اللغوی، لا بما هو مراد جدّیّ، و رجوع الضمیر إلی الصدر لایوجب رجوع الاستثناء إلی أیضاً. و بالجملة تعریف المستثنی متوقّف علی رجوع الضمیر إلی الصدر، لانفس الاستثناء.

هذا مضافاً إلی إمکان منع عدم صحّة تخصیص الضمیر، إذ الضمیر قائم مقام مرجعه، فإن کان عامّاً فهو بمنزلة العامّ فیجوز تخصیصه.

و کیف کان، فتحصّل صحّة القول برجوع الاستثناء إلی الجملة الأخیرة إذا کانت الجمل المتکرّرة متغایرة موضوعاً و محمولاً، لأنّ الجمل المتغایرة کالجمل المنفصلة، فلادلیل علی رجوع قید فی بعضها إلی الآخر إلّا إذا قامت قرینة مقالیّة أو حالیّة علی ذلک.

و أما سائر الموارد، فالظهور فیها، و المتّبع هو خصوصیّات الموارد فتدبّر.

ص:410

الفصل التاسع: فی وجه تقدیم الخاصّ علی العامّ

ولایخفی علیک أنّ الملاک فی تقدیم الخاصّ علی العامّ هو الأظهریّة لا الأخصیّة، و لذا إن کانت الأظهریّة فی طرف العامّ کما إذا ورد متکرّراً فی مقام الحاجة فهو مقدّم، و إن کانت الأظهریة فی طرف الخاصّ کما هو الغالب فالمقدّم هو الخاصّ.

و لو شکّ فی أظهریّة العامّ و الخاصّ، فمقتضی القاعدة هو التوقّف و الرجوع إلی الأصل العملی.

ثمّ إنّ تقدیم الخاصّ علی العامّ یوجب التخصیص، کما هو معلوم. و أمّا تبدیل العامّ علی الخاصّ یوجب التصرّف فی هیئة الخاصّ، فإن کان الخاصّ أمراً یحمل علی الاستحباب، کما إذا ورد مکرّراً فی مقام الحاجة - أعتق رقبة - من دون تخصیصه بخصوصیّة، ثمّ ورد - أعتق رقبة مؤمنة - فیحمل علی أنّ عتق المؤمنة مستحبّ.

و إن کان الخاصّ نهیاً، یحمل علی الکراهة کما إذا ورد مکرّراً فی مقام الحاجة - أکرم أیّ عالم -، ثمّ ورد - لاتکرم النحویّ -، فیحمل النهی علی الکراهة.

و لامانع من اجتماع کراهة إکرام فرد مع الوجوب بنحو العموم البدلی. نعم لایجتمع مع الوجوب بنحو العموم الاستغراقی إذ طلب کلّ فرد بعینه لایجامع مع طلب ترکه، بخلاف العموم البدلیّ، فإنّ المستفاد منه هو جواز ترک کلّ فرد مع الإتیان بفرد آخر، و من المعلوم أنّه یجتمع مع طلب ترک فرد بعینه.

ص:411

ص:412

الفصل العاشر

فی أنّ التخصیص، فیها إذا لم یکن العاّم آبیاً عن التخصیص و إلّا فلامجال له مثلاً عنوان الظلم یأبی عن التخصیص فلایصحّ أن یقال یحرم الظلم إلّا فی مورد کذا.

نعم ربّما یتزاحم العنوانان، فحینئذٍ یقدّم الأقوی إن کان، و إلّا فیحکم بالتخییر، ومرجع التزاحم لیس إلی التخصیص فی المادّة، لأنّها بقیت علی ما علیها، فمثل حفظ الإسلام إذا تزاحم مع حفظ دماء المسلمین ممّن تترّس بهم الکفار یقدّم علی حفظ دماء المسلمین من باب کونه أقوی ملاکاً، لأهمّیّة حفظ الإسلام بالنسبة إلی حفظ نفوس جماعة من المسلمین.

ص:413

ص:414

الفصل الحادی عشر: فی تخصیص الکتاب بالخبر الواحد

ولایخفی جوازه، فإنّه بعد ما قرّر فی محلّه من حجّیّة یکون کالخبر المحفوف بالقرینة القطعیّة، أو الخبر المتواتر، فی جواز رفع الید عن عموم الکتاب به. و دعوی أنّ الکتاب قطعیّ، السند، و الخبر ظنیّ السند، فکیف یجوز رفع الید عن القطعیّ بالظنیّ.

مندفعة بأنّ الخبر لاینافی الکتاب إلّا فی الدلالة، و الدلالة فی موارد التخصیص لیست بقطعیّة. ضرورة أنّ دلالة الکتاب علی العموم مبتنیة علی أصالة العموم، فیجوز رفع الید عن ذلک بالخبر، و لو لم یجز ذلک لما جاز رفع الید عن العموم بالمتواتر أو الخبر المحفوف بالقرینة القطعیّة أیضاً لأنّ دلالتهما ظنیّة و المعلوم خلافه.

نعم لو کانت دلالة الکتاب قطعیّة، لم یکن رفع الید عنها بالخبر الظنّیّ، بل لابدّ من طرح المخالف أو تأویله کما لایخفی.

لایقال: إنّ تقدیم الخبر الواحد علی العامّ الکتابی ینافی الأخبار الدالّة علی المنع من العمل بما خالف کتاب الله.

لأنّا نقول: إنّ تلک الأخبار مختصّة بالمخالفة التباینیّة، أو المخالفة علی نحو العموم و الخصوص من وجه و لایشمل المخالفة بنحو العموم و الخصوص المطلق.

ص:415

نعم یکون المراد من عنوان المخالفة فی الأخبار العلاجیّة هو العموم و الخصوص، ولکنّه فی مقام تقدیم أحد الخبرین علی الآخر بعد الفراغ عن حجّیّتهما ذاتاً فیرجّح موافق العموم الکتابی علی المخالف کما هو مقرّر فی محلّه.

ص:416

الفصل الثانی عشر: فی الدوران بین التخصیص و النسخ

وهنا صور:

أحدها: أن یکون الخاصّ متّصلاً بالعامّ، أو مقروناً به، ففی هذه الصورة لامورد لکلیهما، إذ مع وجود الخاصّ لاینعقد الظهور الجدّیّ فی العموم، و معه لاحکم فی مورد الخاصّ، حتّی یقع النزاع فی أنّ رفعه من باب التخصیص أو النسخ.

وثانیها: أن یکون الخاصّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالعامّ، و فی هذه الصورة ربّما یقال إنّ الخاصّ یدور أمره بین أن یکون ناسخاً أو مخصّصاً.

اورد علیه بأنّه لا مورد لاحتمال النسخ بعد ما قرّر فی محلّه، من أنّ النسخ هو رفع الحکم الثابت المولوی بانتهاء أمده، و المفروض فی المقام، أنّه لاحکم قبل حضور وقت العمل بالعامّ، و علیه فبعد انتفاء النسخ ینحصر الأمر فی التخصیص.

ودعوی: أنّ الأحکام فی القضایا الحقیقیّة الثابتة للموضوعات المقدّر وجدها ثابتة، فلامانع من نسخها بعد جعلها، لأنّ المفروض أنّها أحکام علی موضوعاتها المقدّرة.

مندفعة: بأنّ الأحکام المجعولة فی القاضایا الحقیقیّة مُنشأة بداعی جعل الداعی، فلامحالة یترقّب منها الدعوة عند وجود موضوعها و ما کان بهذا الداعی یستحیل جعل آخر یکون مقتضاه هو عدم فعلیّة هذه الأحکام ضرورة أنّه جمع بین المتنافیین، هذا

ص:417

مضافاً إلی أنّه مع علم الجاعل بانتفاء شرط فعلیّتها یکون جعلها لغواً محضاً و یستحیل أن یصدر اللغو من المولی الحکیم الملتفت و لافرق فی ذلک بین کون القضیّة حقیقیّة أو خارجیّة، فانحصر الأمر فی التخصیص.

وثالثها: أن یکون الخاصّ متأخّراً عن العامّ و کان بعد وقت حضور العمل بالعامّ، و قد فصّل فی الکفایة بین ما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الواقعیّ فیکون الخاصّ ناسخاً للعامّ و بین ما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری من باب ضرب القانون، کما هو الشائع فی غالب العمومات و الخصوصات الواردة فی الشرع فیکون الخاصّ مخصّصاً.

ودعوی: أنّ التخصیص موجب لتأخیر البیان عن وقت الحاجة و هو قبیح، لأنّه إمّا یوجب الوقوع فی الکلفة و المشقّة من دون مقتضٍ لذلک فی الواقع، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم إلزامیّ فی الظّاهر مع أنّ مورد التخصیص مشتمل علی حکم ترخیصیّ.

أو یوجب إلقاء المکلّف فی المفسدة، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم ترخیصیّ فی الظّاهر و یکون مورد التخصیص محرّماً.

أو یوجب تفویت المصلحة، کما إذا کان العامّ مشتملاً علی حکم ترخیصیّ و یکون مورد التخصیص واجباً.

مندفعة: بأنّ المصلحة الأقوی إذا اقتضت ذلک فلاقبیح فی ذلک أصلاً، و القبح فی تأخیر البیان عن وقت الحاجة حیث إنّه اقتضائیّ و لیس علّة تامّة، فلامانع من تأخّره إذا اقتضت المصلحة الملزمة الّتی تکون أقوی، کما أنّ التدرّج فی بیان أصل الأحکام یکون کذلک.

ص:418

لایقال: إنّ التخصیص فی المقام یشبه النسخ فی العمومات المذکورة، لأنّ البعث الواحد المتعلّق بموضوع متعدّد یکون بعثاً واحداً جدّیّاً ولو لاذلک لزم صدور البعث الواحد عن داعیین بلاجهة جامعة تکون هی الداعی، فإذا کان البعث جدّیّاً بالإضافة إلی الجمیع فالحکم منبعث عن المصالح الواقعیّة الأوّلیّة فی غیر مورد التخصیص و المصالح الثانویّة فی مورد التخصیص، بحیث ینتهی أمد المصالح الثانویّة بقیام المخصّص، و علیه فالتخصیص یرفع الحکم الثابت الثانویّ، و هذا هو معنی النسخ.

لأنّا نقول: أوّلاً، لا، إشکال فی عدم لزوم کون الإنشاء بعثاً حقیقیّاً بالإضافة إلی بعض الأفراد مع وجود أداة العموم کلفظة «کلّ» فی متعلّق الإنشاء مثل أکرم کلّ عالم، لأنّ مع التعدّد لامانع من أن یکون الداعی لفرد هو البعث الجدّیّ و لفرد آخر هو البعث علی نحو ضرب القانون، إذ لایجتمع الداعیان فی واحد، و معه فالتخصیص لا یشبه النسخ.

فالخاصّ المتأخّر عن العامّ فیما إذا کان بعد وقت حضور العمل بالعامّ یکون مخصّصاً أیضاً بالنسبة إلی العامّ لاناسخاً.

و یشهد له ظهور الخاصّ فی مثل لاتکرم العالم الفاسق بعد أکرم العلماء فی حرمة إکرام العالم الفاسق فی الشرع من أوّل الأمر لا من هذا الحین و إن کان فعلیة الحکم من هذا الحین، و حیث إنّ الظهور أظهر من ظهور أکرم العلماء یقدّم علیه و یخصّصه و إن کان متأخّراً عن العامّ، فتدبّر جیّداً.

ورابعها: أن یکون العامّ وارداً بعد الخاصّ و قبل حضور وقت العمل به، ففی هذه الصورة یأتی ما مرّ فی الصورة الثانیة حرفاً بحرف من تقدیم التخصیص، فیکون الخاصّ المتقدّم مخصّصاً للعامّ المتأخّر حیث لاموجب للنسخ و إلّا لزم اللغویّة، إذ جعل الحکم الخاصّ الوارد قبل العامّ و نسخه قبل حضور وقت العمل بالخاصّ لغو، بل جمع بین المتنافیین بل یؤخذ بظهورهما فی حکایتهما عن أنّهما حکمان شرعیّان من الابتداء لا

ص:419

من حین ورودهما، فیقدّم الخاصّ علی العامّ بعد ما عرفت من قوّة ظهوره بالنسبة إلی العامّ، فلامجال لاحتمال نسخ الخاصّ بالعامّ.

وخامسها: أن یکون العامّ وارداً بعد الخاصّ و بعد حضور وقت العمل به ففی هذه الصورة یقع الکلام فی أنّ الخاصّ المذکور مخصّص للعامّ المتأخّر أو أنّ العامّ المتأخّر ناسخ للخاصّ المتقدّم.

ربّما یقال إنّ الأظهر هو التخصیص، لکثرة التخصیص حتّی اشتهر ما من عامّ إلّا و قد خصّ و قلّة النسخ فی الأحکام، و بذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام أقوی من ظهور العامّ.

ولکن لقائل أن یقول: إنّ دعوی الکثرة فی مثل المقام مع تأخّر العامّ غیر ثابتة، و هکذا دعوی بناء العقلاء فی مثل المقام غیر محرزة.

فالأولی هو الاستدلال بسیرة المتشرّعة فی توجیه تقدیم التخصیص فی هذه الصورة، بأنّ النسخ فی الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام ممّا ینکره المتشرّعة و یستوحشون منه، بل الأئمة علیهم السلام أبوا عن ذلک، و هذا یکفی لدعوی قیام السیرة علی ترجیح التخصیص علی النسخ فی العمومات و الخصوصات الشرعیّة.

هذا مضافاً إلی أنّ الخاصّ و العامّ حاکیان عن الحکم فی الشریعة الإسلامیّة من ابتداء الأمر لا من حین ورودهما، و حیث إنّ الخاصّ أظهر من العامّ یقدّم علی العامّ و یخصّص العامّ به.

و علی هذا الضوء فالعامّ المتأخّر الوارد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ و إن کان بیانه متأخّراً عن بیان الخاصّ زماناً إلّا أنّه یدلّ علی ثبوت مضمونه فی الشریعة المقدّسة مقارناً لثبوت مضمون الخاصّ، فلاتقدّم و لاتأخّر بینهما فی مقام الثبوت.

ص:420

وعلیه فلاموجب لتوهّم کون العامّ ناسخاً للخاصّ بل لامناص من جعل الخاصّ مخصّصاً له.

بل هذا الوجه یصلح للدلالة علی تقدّم الخاصّ علی العامّ فی جمیع الصور الأربعة عدا الصورة الاُولی مع تسلیم دوران الأمر بین التخصیص و النسخ، من غیر فرق بین أن یکون الخاصّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالعامّ أو بعده، کما لاتفاوت بین أن یکون العامّ وارداً قبل حضور وقت العمل بالخاصّ أو وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاصّ.

فإنّ العامّ و الخاصّ حاکیان عن ثبوت الحکم فی الشریعة من أوّل الأمر لا من حین ورودهما، و حیث إنّ الخاصّ أظهر یقدّم علی العامّ و یخصّص العامّ به، فالتقسیمات المذکورة لاتوجب الفرق أصلاً.

و إذا عرفت ذلک فی معلوم التقدیم و التأخیر، فالحکم أوضح فیما إذا جهل و تردّد بین أن یکون الخاصّ، وارداً بعد حضور وقت العمل بالعامّ، أو قبل حضور، أو العامّ وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاصّ، أو قبل حضوره، إذ الخاصّ مقدّم علی کلّ حال، فلاتغفل.

ص:421

ص:422

المقصد الخامس: فی المطلق و المقید و المجمل و المبین

اشارة

ص:423

ص:424

الفصل الأوّل: فی تعریف المطلق

اشارة

حکی عن المشهور، أنّ المطلق هو ما دلّ علی شائع فی جنسه، اورد علیه بعدم الاطّراد لشموله للمقیّد کقوله رقبة مؤمنة، لأنّه أیضاً شائع فی جنسه و لشموله للعامّ فإنّه أیضاً شائع فی جنسه، هذا مضافاً إلی أنّ هذا التعریف غیر منعکس لخروج الأعلام الشخصیّة من هذا التعریف لعدم الشمول فیها إلّا للمعیّنات الخاصّة، والمعهودات الخارجیّة، و لامورد للشیوع فی الجنس فیها.

و عرّفه جماعة، منهم الشهید، أنّه اللفظ الدالّ علی الماهیّة من حیث هی هی اورد علیه بأنّ قولهم من حیث هی هی إن کان جزء مدلول اللفظ فهو ینافی الإطلاق و إن کان صفة للمعنی، فهو یشمل لما هو غیر مقیّد أصلاً و لما هو مقیّد ولکنّه ملحوظ من جهة إطلاقه فی حصصه و أفراده فإنّه یصدق علیه أیضاً أنّه دالّ علی الماهیّة من حیث هی هی و لایوجب انحصار المطلق فیما لاتقیید فیه و لعلّه لذلک عدل الشیخ الأنصاری قدس سره عن التعریف المنطقی، و ذهب إلی التعریف اللغوی.

و هو أنّ المطلق ما ارسل عنانه و هو یشمل الماهیّة المطلقة و النکرة؛ و المقیّد بخلافه، فإنّه ما لم یرسل عنانه، سواء کان مطلقاً و مرسلاً، ثمّ لحقه التقیید فأخذ عنانه و قلّ انتشاره، مثل رقبة مؤمنة، أو لم یکن مرسلاً من أوّل الأمر کالأعلام الشخصیّة و نحوها.

ص:425

قال شیخنا الأعظم: هذا الاستعمال فی غایة الشیوع بینهم، و علیه فیشمل المطلق بهذا المعنی الأعلام الشخصیّة فإنّها من المطلقات باعتبار إطلاق أحوالها من حیث القیام و القعود و السفر و الحضر و نحوهما من الحالات.

و لعلّ هذا هو مراد الشهید، فإنّ المطلق هو ما لم یؤخذ فیه قید و حال خاصّ، بل اخذ من حیث هی هی.

ثمّ إنّ معنی إرسال العنان أنّه لم یؤخذ شیء زائد علی نفس المعنی فیه، فالإطلاق مقتضی ذات المعنی، فإنّه یصدق علی کلّ فرد من أفراده بإطلاقه الذاتی، فالشیوع غیر مأخوذ فی المعنی اللغوی، و علیه فالمطلق لایشمل العموم لأخذ الشیوع فی العموم دون المطلق.

ثمّ إنّ الإطلاق و التقیید یکونان من أوصاف المدلول و المفهوم و إن اتّصف بهما الألفاظ بالتبع، إذ التوسیع و التضییق لا معنی له فی اللفظ مع کونه جزئیّاً و ممّا ذکر یظهر حکم أسامی الأجناس و أعلامها و النکرة من جهة أنّ نفس المعنی مدلولها من دون أخذ الشیاع و السریان أو بعض الخصوصیّات فیها، و إلیک تفصیل ذلک:

أسامی الأجناس:

ولایخفی أنّها موضوعة لنفس المعانی من دون ملاحظة أیّ قید من القیود فیها حتّی اعتبار المقسمیّة للأقسام بل حتّی اعتبار من حیث هی هی.

و لذلک یحمل علی الذاتیّات، من دون نظر إلی الخارج عنها کقولنا الإنسان حیوان ناطق أو الإنسان حیوان أو ناطق مع أنّه لو کان غیر الذات مأخوذاً فیه لما حمل علیه الذاتی کالجنس و الفصل من دون تجرید أو عنایة.

و لذلک أیضاً یحمل علی الأفراد فإنّها من مصادیقها من دون حاجة إلی التجرید و هو شاهد علی أنّ الشیوع و السریان غیر مأخوذین فی معناها، و إلّا لما حمل علیها من دون تجرید أو عنایة.

ص:426

ثمّ إذا اعتبر مع نفس المعنی أمر غیر ما هو مأخوذ فیه فی نفسه، فهو یعدّ من أطوار ذلک المعنی سواء کان ذلک الأمر اعتبار الوجود الذهنی فیه أو الخارجی، أو اعتبار أمر آخر غیرهما، إذ فی جمیع هذه الأطوار نفس المعنی محفوظ من دون تبدّل و تغییر فیه، و إنما التبدّل و التغییر فی أطوار المعنی و عوارضه.

فالموضوع له فی أسماء الأجناس هو معنی یکون فوق اللابشرط المقسمی، واللابشرط القسمیّ، لأنّهما متحقّقان فیما إذا قیس المعنی إلی خارجه، سواء کان الخارج هو الاعتبارات الثلاثة أو القیود الخارجیّة، بل لم یعتبر فیها بالمعنی الذی ذکرناه قید الإهمال و لاالإبهام و لاالإطلاق و الشیوع و لا قید الکلّیّ، إذ الموضوع له للمطلق لیس إلّا هو نفس المعنی و إن دلّت علی الاُمور المذکورة بقیام القرینة من باب تعدّد الدالّ و المدلول.

أعلام الأجناس:

و لایخفی علیک أنّ بعض الفحول من الاُصولیّین ذکر الفرق بین علم الجنس و اسم الجنس، فی أنّ علم الجنس کاُسامة وضع للجنس بملاحظة حضوره و تعیّنه فی الذهن، فمدلوله کمدلول المعرّف بلام الجنس متقیّد بالحضور و التعیّن، و لذا کان من المعارف دون اسم الجنس فإنّه و إن دلّ علی الماهیّة إلّا أنّ مدلوله لم یتقیّد بشرط الحضور.

یمکن أن یقال: إنّ تقیید المعنی بالحضور فی الذهن فی أعلام الجنس و المعرّفات باللام فاسد، إذ مقتضی التقیید بأمر ذهنیّ هو عدم صحّة حملهما علی الأفراد الخارجیّة، و هو کما تری.

فالصحیح هو أن یقال فی الفرق إنّ الموضوع له فی علم الجنس کاُسامة هو، حصة من الطبیعی تعلّقت بها الإشارة الذهنیّة من دون أخذ جهة التقیید بها فی مدلوله ومعناه،

ص:427

و هکذا الأمر فی المشار إلیه فی المعرّف بلام الجنس هذا بخلاف الموضوع له فی اسم الجنس، کأسد، فإنّه الطبیعیّ الذی له سعة إطلاق یشمل الکثیرین.

فالفرق بین اسم الجنس و علم الجنس والمعرّف بلام الجنس یکون بحسب المعنی، حیث إنّه کان لاسم الجنس سعة إطلاق و لیس ذلک لعلم الجنس و المعرّف بلام الجنس، بل یختصّ علم الجنس و المعرّف بلام الجنس بالحصّة الّتی اشیر إلیها.

وحیث إنّ التقیید بالإشارة لایؤخذ فی المعنی، یکون المعنی قابلاً للحمل علی الأفراد و الانطباق علی الخارجیّات.

فما ذکره المشهور من أهل العربیّة من کون التعریف فی علم الجنس و المعرّف بلام الجنس معنویّاً و لیس بلفظیّ متین جدّاً.

المعرّف باللام:

و الظّاهر من کلمات أهل الأدب أنّ الأصل فی اللام أنّه للتعریف إلّا ما خرج، و المعرّف بلام الجنس هو ما دخل علیه لام الجنس و هی الّتی اشیر بها إلی الجنس، فتفید تعریف الجنس و الإشارة إلیه.

وهذا التعریف لایحصل باسم الجنس المعرّی عن اللام و إنّ دلّ علی الجنس، والفرق بین المعرّف، بلام الجنس و علم الجنس هو أنّ فی الأوّل یستفاد التعریف بتعدّد الدالّ و المدلول بخلاف الثانی، لأنّ الدالّ فیه واحد و لافرق بینهما من ناحیة اخری.

و قدعرفت أنّ التعریف فی اللام و علم الجنس لیس من جهة کون التعیّن الذهنی دخیلاً فی المعنی جزءاً و تقیّداً، و إلّا لما صحّ حمل المعرّف باللام أو علم الجنس بما هو معرّف علی الأفراد.

بل التعریف من جهة دلالة اللفظ علی ذات المعنی فی حین ملاحظة تعیّن المعنی عن غیره من المعانی.

ص:428

وهذه الملاحظة توجب کون التعریف تعریفاً معنویّاً فلامجال لحمل اللام علی التعریف اللفظی، و لذا یترتّب علیه أحکام التعریف المعنویّ من جواز کونه مبتدأ و غیر ذلک. ثمّ إنّ معنی المعرّف بلام التعریف أو علم الجنس و إن لم یکن مقیّداً بالتعیّن ولکن مع ذلک لایکون مطلقاً، لأنّ المعنی هو الحصّة الملازمة مع الالتفات إلی خصوصیّات المعنی، فلایشمل غیر حال الالتفات.

ثمّ إنّ لام التعریف تدلّ علی تعریف الجنس إن کان مدخولها هو الجنس، و تدلّ علی الاستغراق إن کان مدخولها الأفراد، لأنّ التعریف الخارجی، فی الأفراد منحصر فی جمیع الأفراد، لعدم تعیّن غیر هذه المرتبة.

و تدلّ علی التعریف الحضوری إن کان مدخولها منطبقاً علی الحاضر، کقولک لمن یشتم رجلاً بحضرتک لاتشتم الرجل.

و تدلّ علی التعریف الخارجی إن کان مدخولها معهوداً فی الخارج کقولک لأهل البلد أکرموا القاضی.

و تدلّ علی التعریف الذکری إن کان مدخولها معهوداً بحسب الذکر قبل ذلک.

و بالجملة أنّ اللام وضعت للدلالة علی أنّ مدخولها واقع موقع التعیین إما جنساً أو استغراقاً أو عهداً بأقسامه ذکراً و خارجاً و ذهناً، و الدلیل علی ذلک هو التبادر الذی یشهد به الاستعمالات المتعارفة و إن لم یکن لها مرادف فی سائر اللغات.

ومع التبادر و الانسباق، لاوقع لحمل اللام علی إفادة مجرّد التزیین و الاعتماد علی القرائن الحالیّة و المقالیّة، و هذا هو المشهور.

النکرة:

هی علی ما ذهب إلیه مشایخننا موضوعة للجزئیّ الحقیقی، و یعبّر عنه بالفرد المردّد.

ص:429

لایقال: إنّ الجزئیّ یتوقّف علی تصوّره تمام تشخّصاته الواقعیّة المعیّنة لأنّا نقول لایتوقّف علی ذلک. ألا تری أنّه لو رأی الإنسان شبحاً من البعید و تردّد أنّه إنسان أو غیره، أو أنّه زید أو عمرو، لایخرجه هذا التردّد عن الجزئیّة.

ودعوی: أنّه لاوجود للفرد المردّد فی الخارج، حیث إنّ کلّ ما هو موجود فیه متعیّن لامردّد بین نفسه و غیره، فإنّه غیر معقول ضرورة. أنّ کلّ واحد هو هو لا هو أو غیره، فلابدّ من أن تکون النکرة الواقعة فی متعلّق الأمر هو الطبیعیّ المقیّد بمثل مفهوم الوحدة، و علیه فتکون النکرة کلّیّاً قابلاً للانطباق.

مندفعة بأنّه لاملازمة بین تردید المفهوم و تردید الخارج، إذ یمکن أن یکون المفهوم مشتملاً علی التردید و لایکون الخارج إلّا متعیّناً، ألاتری الکسور المشاعة أنّها قابلة للانطباق علی الخارج بأشکال مختلفة مع أنّ الخارج لیس إلّا المفروزات و المتعیّنات و لاأثر للإشاعة فی الخارج و علیه فلاإشکال فی تصوّر الفرد المردّد فی الذهن حاکیاً عن الجزئی، الخارجی من دون دخالة لفرد دون فرد.

ویشهد لذلک تبادر الفرق بین رجل من دون تنوین و رجل مع التنوین فی ظهور الأوّل فی الجنس و الماهیّة الکلّیّة الّتی لا یمتنع صدقه علی الکثیرین، و ظهور الثانی فی فرد غیر معیّن خارجیّ و هذا مضافاً إلی ورود الروایة علی صحّة الوصیّة بأحد الشیئین لأحد الشخصین.

ولیس المقصود من الفرد المردّد، وجود المردّد فی الخارج حتّی یقال إنّ المردّد، بما هو مردّد لاوجود له فی الخارج. لأنّ کلّ موجود له ماهیّة ممتازة عن سائر الماهیّات بامتیاز ماهویّ و له وجود ممتاز بنفس هویّة الوجود عن سائر الهویّات.

بل المقصود هو الخارجیّ المشار إلیه بمفهوم الفرد المردّد، و من المعلوم أنّ الخارجیّ من المتعیّنات و لامانع من أن یکون عنوان الفرد المردّد مشیراً إلی المتعیّنات الخارجیّة کما عرفت فی الکسور المشاعة.

ص:430

ثمّ إنّه لافرق بعد تصوّر الفرد المردّد بین وقوع النکرة فی الجملة الخبریّة کقوله تعالی: (وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَی الْمَدِینَةِ یَسْعی)، أو فی الجملة الإنشائیّة کقولهم جئنی برجل فی إفادة الفرد المردّد بحکم التبادر.

و قد یقال إنّ النکرة تدلّ باعتبار الاسم علی معناه الکلّیّ و باعتبار التنوین تدلّ علی اتّصافه بالوحدة، و علیه فالنکرة هی الطبیعة المتقیّدة بعنوان واحد.

وفیه: أنّ التبادر ممّا یشهد علی کون النکرة من الجزئیّات لاالکلّیّات.

هذا مضافاً إلی أنّ لازم ما ذکره القائل هو عدم خروج النکرة عن قابلیّة الانطباق بانطباق عَزضیّ علی القلیل و الکثیر و تقیّده بمفهوم الواحد لایوجب خروجه عن القابلیّة للانطباق عزضاً علی القلیل و الکثیر و هو کما تری فإنّ شأن النکرة إنما هو عدم الانطباق علی المتکثّرات إلّا بانطباق تبادلیّ.

و النکرة علی ما ذکرنا من أنّ معناها هو الفرد المردّد یحتاج فی الإطلاق التبادلی إلی مقدّمات الإطلاق، کما فی الإطلاق الأحوالی، و أیضاً علی قول من ذهب إلی أنّ معناها الکلّیّ المقیّد بقید الوحدة تحتاج إلی المقدّمات فی عدم دخالة قید من القیود کما لایخفی.

ص:431

ص:432

الفصل الثانی: فی مقدّمات الإطلاق

اشارة

ولایذهب علیک أنّ الحاجة إلی المقدّمات فیما إذا لم یکن الإطلاق مستنداً إلی طهور لفظیّ، و إلّا فلامجال لتلک المقدّمات، مثلاً لو قلنا بأنّ الشیاع و الإطلاق من جهة أنّ الموضوع له هو المعنی الشائع ففی إفادة الشیوع لاحاجة إلی المقدّمات، لأنّ اللفظ بالوضع یدلّ علیه ولکن أخذ الشیاع و الاطلاق فی الموضوع له ممنوع کما مرّ.

أو لو قلنا بأنّ الماهیّة فی ذاتها سیّالة ساریة، فإذا توجّه الحکم إلیها سری بتبع سرایة الماهیّة، لأنّ الماهیّة تمام الموضوع و ما هذا شأنه لاینفکّ عن الحکم فلاحاجة إلی المقدّمات، ولکن الثابت هو قابلیّة الماهیّة للشیاع. و علیه فی فعلیّة الإطلاق و الشیاع تحتاج إلی المقدّمات.

أو لو قلنا إنّ المراد لو کان مقیّداً فالإرادة حینئذٍ متعلّقة بالمقیّد بالأصالة و بالطبیعة المطلقة بالتبع لمکان الاتّحاد بینهما. هذا بخلاف ما إذا لم یکن مقیّداً، فإنّ الإرادة متعلّقة بالطبیعة بالأصالة و حیث إنّ ظاهر تعلّق الخطاب و الإرادة بالطبیعة أنّ الطبیعة أوّلاً و بالذات متعلّقة بالطبیعة لا أنّ المراد هو المقیّد، ثمّ اضیفت الإرادة إلیها بالتبع، و علیه فلاحاجة إلی المقدّمات. ولکنّه مدفوع بأنّ استناد الظهور إلی اللفظ غیر ثابت بل هو لأجل حکم العقلاء بأنّ ما جعل موضوعاً للحکم یکون تمام الموضوع لابعضه. و لعلّهم لایحکمون بذلک إلّا بعد تمامیّة کون المتکلّم فی مقام البیان، و الشاهد علی ذلک أنّه

ص:433

لو فرض أنّه یکون فی مقام بیان حکم آخر، أو فی مقام الإهمال لایحکمون بذلک، فهذه المقدّمة ممّا لامناص منها.

فانقدح ممّا ذکر، أنّ الألفاظ فی إفادة الإطلاق تحتاج إلی المقدّمات.

ما هی مقدّمات الإطلاق:

ذهب فی الکفایة إلی أنّ ا لمقدّمات ثلاثة إحداها: کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد، لاالإهمال و الإجمال و أطلق الکلام.

ثانیتها: انتفاء ما یوجب التعیین.

ثالثتها: انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب دون المتیقّن بملاحظة الخارج.

و لاکلام فی لزوم المقدّمة الاُولی، إذ بدون کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد لایحکم العقلاء، بأنّ الموضوع المذکور فی الکلام تمام موضوع حکمه و مع عدم حکمهم بذلک لاتتمّ الحجّة العقلائیّة علی المتکلّم.

وعلیه فاکتفاء المتکلّم بالمذکور فی کلامه من دون تقییده بقید مع تمکنّه من التقیید یوجب حکم العقلاء بأنّه بإطلاقه تمام موضوع حکمه.

نعم لو لم یتمکّن من التقیید لایحکم بأنّ المذکور بإطلاقه تمام موضوع حکمه و لاکلام أیضاً فی لزوم المقدّمة الثانیة، إذ مع وجود القرینة لامجال للأخذ بالإطلاق ولکن هذه المقدّمة من محقّقات الإطلاق، إذ مع وجود القرینة سواء کانت داخلیّة أو خارجیّة مقرونة لاینعقد الإطلاق، مع أنّ محطّ الکلام فی التمسّک بالإطلاق ما إذا جعل شیء موضوعاً لحکم و شکّ فی دخالة شیء آخر، فیرفع بالإطلاق.

وأمّا المقدّمة الثالثة، فقد استدلّ لها بکون القدر المتیقّن موجباً لإحراز أنّه من الموضوع و إلن لم یحرز أنّه تمامه، فالعبد لیس له نفی الخصوصیّة الزائدة المحتملة لعدم لزوم الاخلال بالغرض لو کان المتیقّن فی مقام التخاطب تمام موضوع حکمه، و لو أراد

ص:434

المتکلّم المطلق علیه نصب القرینة المانعة عن کون المتیقّن تمام موضوع حکمه، و إلّا لأخلّ بغرضه.

ویمکن أن یقال: إنّ المتکلّم لو أراد القدر المتیقّن لأشار إلیه بنحو من الأنحاء و لم یأخذ موضوعاً آخر أعمّ لکلامه، فإذا لم یشر إلیه و أخذ موضوعاً آخر أعمّ و لم یقیّده بقید کان ذلک موجباً للحکم بالإطلاق و القدر المتیقّن فی مقام التخاطب یوجب العلم بثبوت الحکم فی مورده، ولکن لایثبت خصوصیّة المورد، فمع عدم دلالة القدر المتیقّن علی ذلک لاوجه لرفع الید عن إطلاق المتعلّق المأخوذ فی الحکم. و لعلّه لذلک بنی العقلاء علی عدم الاعتناء بخصوصیّة الأسئلة عند کون الأجوبة مطلقة، و قالوا العبرة بإطلاق الوارد لابخصوصیّة المورد.

نعم لو کان القدر المتیقّن موجباً للانصراف فلاکلام فی کونه موجباً لتقیّد الموضوع و کان مندرجاً فی المقدّمة الثانیة.

فتحصّل: أنّ المقدّمات ثنائیّة لاثلاثیّة، بل المقدّمات منحصرة فی المقدّمة الاُولی بعد ما عرفت من أنّ المقدّمة الثانیة من المحقّقات لاالمقدّمات، و علیه فلیس للإطلاق إلّا مقدّمة واحدة و هی المقدّمة الاُولی.

ثمّ إنّ المراد من المقدّمة الاُولی هو أن یکون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد من الجهة الّتی فی صدد بیانها، و علیه فلایضرّ بذلک عدم کونه کذلک بالنسبة إلی سائر الجهات، و لذا نقول بحلّیّة أکل صید الکلاب باطلاق قوله تعالی:(فَکُلُوا مِمّا أَمْسَکْنَ عَلَیْکُمْ) و لو لم یقع التذکیة و الذبح الشرعی عند عدم المجال لمراعاتها ولکن لانقول بطهارة موضع ملاقاة الکلب للصید لأنّ الآیة الکریمة لیست فی صدد بیان الطهارة.

ص:435

بقی شیء

وأعلم أنّ صاحب الکفایة ذهب إلی أنّه إذا شکّ فی کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد و إطلاقه أو لا، کان مقتضی الأصل أنّه فی مقام بیان تمام المراد و إطلاقه.

وتبعه سیّدنا الإمام المجاهد قدس سره، و قال علیه جرت سیرة العقلاء، فالأصل بعد إحراز کون المتکلّم بصدد بیان الحکم لاالإهمال و الإجمال أن یکون بصدد بیان تمام ما له المدخلیّة فی الموضوع فی قبال الإهمال و الإجمال.

وبعبارة اخری، أنّ المراد الجدّیّ محقّق، و هو إمّا مقیّد أو مطلق، لکنّه یشکّ فی أنّه بصدد إظهار ذلک المراد الجدّیّ أم بصدد أمر آخر فالعقلاء یحکمون هنا بأنّ المولی الذی له مراد محقّق فهو بالجبلّة و الطبع أی لو خلّی و نفسه یقوم بصدد إظهاره و کونه بصدد إظهار أمر آخر یحتاج إلی التنبیه علیه، فینتجّ أنّ المراد الاستعمإلی غیر مهمل، بل إمّا مطلق أو مقیّد. فبضمیمة عدم التقیید یثبت الإطلاق خصوصاً إذا کان المورد مقام الحاجة و لو بمعنی حاجة السائل إلی فهم حکم المسألة کما هی عادة الرواة المتصدّین لضبط الأحکام عن الإمام علیه السلام.

وعلیه فالمراد من إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان تمام المراد فی المقدّمة الاُولی هو الأعمّ من العلم و العلمی، لما عرفت من کفایة بناء العقلاء فی إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان.

نعم حکم العقلاء بالإطلاق فیما إذا لو سئل المتکلّم عن مورد الإطلاق لأجاب بأنّه المراد أیضاً و إلّا فحکم العقلاء غیر محرز.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّ النکرة هی الفرد المردّد، و هذا عنوان للأفراد الخارجیّة علی سبیل التبادل، و البواقی أی اسم الجنس و علمه و المعرّف بلام الجنس حاکیات عن حصص معانیها دون الأفراد بما هی الأفراد لخلوّ المعانی عن الخصوصیّات الفردیّة.

ص:436

وعلیه فمقتضی الإطلاق فی النکرة جواز الإتیان بأیّ فرد کان، و مقتضی الإطلاق فی البواقی هو جواز الإتیان بأیّ حصّة من حصص الطبیعة المأمور بها و لاحکایة لها عن خصوصیّات الأفراد.

والمنع عن حکایة البواقی عن الحصص أیضاً بدعوی أنّ نفس الطبیعة تخالف الوجود و التشخّص و سائر عوارضها خارجاً أو ذهناً و لایمکن کاشفیّة الشیء عمّا یخالفه غیر سدید، لأنّه خلط بین الأحکام الفلسفیّة و الأحکام العرفیّة، لأنّ العرف لایفکّک بین الطبیعة و الوجود، و لذا حکم بوجود طبیعة الإنسان فی الخارج مع أنّ الموجود هو الوجود لاالطبیعة بالنظر العقلیّ الدقیق، فمع عدم التفکیک العرفی فلاوجه لإنکار حکایة المعانیّ المذکورة عن حصصها الوجودیّة، فلاتغفل.

التنبیه الثانی: أنّ انعقاد الظهور فی المطلق لایکون منوطاً بعدم وجود القید فی الواقع و إلّا لاختلّ أمر المطلقات باحتمال تقییدها فی الواقع و هو معلوم البطلان، و لذا کان بناء العقلاء علی تمامیّة الإطلاق بعد الفحص و عدم الظفر بالقیود و لیس ذلک إلّا لعدم مانعیّة القید فی الواقع عن انعقاد ظهور المطلق فی الإطلاق. و علیه فإذا ورد بعد مرحلة البیان شیء من القیود کان معارضاً مع الظهور المنعقد فی المطلق و لایرتفع ظهور المطلق بعد انعقاده لوصول القید بعد وقت البیان و دعوی تعلیق انعقاد الظهور بعدم البیان و لو للتإلی تنافی بناء العقلاء علی تقدیم القید من باب کونه أقوی الحجّتین.

إذ لو کان انعقاد الظهور معلّقاً علی عدم ورود القید لکان القید مقدّماً علی المطلق و لو کان أضعف ظهوراً من المطلق.

التنبیه الثالث: أنّ للانصراف مراتب متعدّدة، متفاوتة شدّة و ضعفاً حسب اختلاف مراتب الاُنس الناشی من کثرة الاستعمال أو غیرها و لابدّ من الإشارة إلی معتبّرها:

ص:437

منها: هو الانصراف البدویّ، و هو الذی یزول بأدنی تأمّل، کانصراف الماء إلی ماء خاصّ کماء الفرات فی بعض البلاد.

وهذا لایمنع عن الأخذ بالإطلاق لتمامیّة الإطلاق و عدم وجود المانع.

ومنها: الانصراف الموجب للاُنس اللفظی بمثابة یکون کالتقیید اللفظی و من المعلوم أنّه یمنع عن الاطلاق کانصراف الحیوان عن الإنسان مع أنّ الإنسان من أنواع الحیوان و هذا الانصراف قد یحصل بکثرة الاستعمال و التکرار، و قد یحصل بمناسبة الحکم و الموضوع و لو لم یکن تکرار مثلاً قال الإمام الصادق علیه السلام لزرارة و محمّد بن مسلم، «اللبن و اللباء و البیضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و کل، شیء ینفصل من الشاة و الدابّة ذکیّ، و إن أخذته منه بعد أن یموت، فاغسله و صلِّ فیه» فقوله فاغسله منصرف إلی غیر اللبن و اللباء بمناسبة الحکم و الموضوع.

ومنها: الانصراف الحاصل من الغلبة الخارجیّة و هو لیس بمعتبر ما لم توجب الاُنس اللفظی لأنّه لیس إلّا الظنّ و هو لیس بحجّة. هذا بخلاف ما إذا أوجب الاُنس اللفظی فإنّه من الظهورات، و هی حجّة عند العقلاء.

ثمّ إنّ الانصراف تارة یکون علی الإطلاق من دون اختصاصه بحال دون حال، واُخری یکون مخصوصاً بحال، کحال الإضطرار دون حال، کحال الاختیار.

مثلاً وضع الید فی التیمّم علی الأرض ینصرف منه فی حال الاختیار الوضع بباطن الکفّ لابظاهرها و فی حال الاضطرار و عدم التمکّن من وضع باطن الکفّ ینصرف منه وضع ظاهر الکف و هکذا فلایتقیّد المطلق بالانصراف إلّا فیما إذا تحقّق الانصراف و یکون موجباً للظهور اللفظیّ.

ص:438

التنبیه الرابع: أنّ مقدّمات الحکمة یختلف مقتضاها بحسب اختلاف المتعلّقات والمقامات، فإذا کان مجری المقدّمات هو النکرة تفید العموم البدلی و إذا کان هو الجنس کقوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) تفید العموم الاستیعابی و إذا کان هو صیغة الأمر تفید التعیّنیّة و العینیّة و النفسیّة عند الشکّ فیها، فإنّ إرادة غیرها من التخییریّة و الکفائیّة و الغیریّة تحتاج إلی عنایة زائدة کما قرّر فی محلّه.

التنبیه الخامس: أنّه یختلف امتثال الطبیعة فی الأوامر و النواهی، إذ الأمر یمتثل بإیجاد فرد ما بمقتضی الإطلاق و عدم دخالة فرد خاصّ یحرز بمقدّمات الحکمة نعم ربّما یستفاد من بعض الأوامر بمناسبة الحکم و الموضوع، أنّ الحکم لاینفکّ عن وجود الطبیعة مثل قوله تعالی:(أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ)

أو قولهم «أکرم العالم»، ففی هذه الموارد یتعدّد الحکم الموارد و لایکفی إتیان فرد واحد لامتثال غیره.

ثمّ إنّ النهی عن وجود الطبیعة لایمتثل إلّا بترک جمیع الأفراد عقلاً، ولاحاجة فی هذه الصورة إلی مقدّمات الحکمة، لأنّ الطبیعة فی سیاق النّفی أو النهی خرجت عن الإطلاق و دخلت فی العموم، بل النکرة إذا وقعت فی سیاق النّفی أو النهی کالطبیعة تفید العموم.

التنبیه السادس: أنّ الإطلاق أفرادیّ و أحوإلی و أزمانیّ، و یجتمع الإطلاق من هذه الجهات إذا اخذت الطبیعة فی متعلّق الأمر من دون تقییدها بفرد أو بحال أو زمان کقولهم أکرم العالم فإنّ مقتضاه هو وجوب إکرام کلّ فرد من العالم فی أیّ حال کان، و فی أیّ زمان من الأزمنة.

والتقیید یمکن أن یکون أفرادیّاً و یتبعه الحال و الزمان، إذ الفرد إذا خرج عن تحت الإطلاق خرج حاله و زمانه بالتبع أیضاً.

ص:439

ویمکن أن یکون: التقیید باعتبار حال من أحواله أو زمان من أزمانه، فیقتصر فی التقیید فی خصوص الحال أو الزمان الخارج فبعد زوال الحال أو الزمان الخاصّ یؤخذ بالإطلاق، لأنّ المطلق متعرّض لجمیع الأحوال و الأزمنة و المفروض أنّه لم یخرج عنه إلّا حال أو زمان خاصّ.

التنبیه السابع: أنّه لایختصّ التقیید بالمعانی الاسمیّة والأفرادیّة بالوجدان، إذ یجوز تقیید المعانی الحرفیّة.

و الجمل و المعانی الترکیبیّة أیضاً، و لذا تکون الجمل الجزائیّة مقیّدة و منوطة بالجمل الشرطیّة. وهکذا القضایا الحملیّة مقیّدة بجهاتها من الضروریّة و غیرها، و ذلک لأنّ الالتفات إلی المعانی الحرفیّة و الجمل و تقییدها ممکن باللحاظ الثانی و مع هذا الإمکان لاوجه لاختصاص التقیید بالمعانی الاسمیّة و الأفرادیّة.

التنبیه الثامن: أنّ بعد جریان مقدّمات الإطلاق فی ناحیة الحکم من ناحیة الزمان و المکان یدوم الحکم ما دام موضوعه باقیاً، و لایتغیّر الحکم باختلاف الأزمنة و الأمکنة، کما هو مقتضی مقدّمات الإطلاق، و یدلّ علیه النصوص کقوله صلی الله علیه و آله و سلم «حلال محّمد حلال إلی یوم القیامة و حرام محمّد حرام إلی یوم القیامة»، مثلاً المجتهد یحرم علیه التقلید و العامیّ یجب علیه التقلید، و هذا الحکمان یدومان إلی یوم القیامة مادام موضوعهما باقیاً.

نعم قد یتبدّل مصادیق الموضوعات بأن کان فرد عامیاً فتعلّم فیصیر مجتهداً أو عرض عارض لمجتهد فیزول عنه علمه و یصیر مقلّداً.

إلّا أنّ الاختلاف المذکور فی ناحیة مصادیق الموضوعات، لاالموضوعات أو أحکامها.

ص:440

و ممّا ذکر یظهر ما فی دعوی أنّ الأحکام متغیّرة بتغیّر الزمان و المکان من الخلط بین المصادیق و الموضوعات و الأحکام.

التنبیه التاسع: أنّه إذا علم بالتقیید و دار الأمر بین رفع الید عن إطلاق الهیئة أو إطلاق المادّة و شکّ فی وجوب تحصیل القید و عدمه -، إذ لو کانت الهیئة مقیّدة لایجب تحصیل القید و إن کانت المادّة مقیّدة یجب تحصیل القید -.

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره إلی الثانی أعنی رفع الید عن اطلاق المادة و توجیه إطلاق الهیئة بأنّه شمولیّ و مفاده هو الوجوب علی کلّ تقدیر یمکن أن یتوجّه معه الخطاب إلی المکلّف بخلاف إطلاق المادّة، فإنّه بدلیّ بمعنی أیّ فرد من أفراد الطبیعة یصلح للامتثال، فإذا دار الأمر بین المشولیّ و البدلیّ یؤخذ بالشمولیّ، لأنّه أقوی فی العموم و یرفع الید عن البدلیّ.

أورد علیه صاحب الکفایة بأنّ الإطلاق فی کلا المقامین مستفاد من مقدّمات الإطلاق فلایمکن تقدیم أحدهما علی الآخر بمجرّد کونه شمولیّاً و الآخر بدلیّاً.

و علیه، فمقتضی عدم تقدیم أحدهما علی الآخر هو الرجوع إلی مقتضی الأصل، و من المعلوم أنّ بعد العلم الإجمالی بالتقیید یتعارض أصالة الإطلاق فی طرف الهیئة مع أصالة الإطلاق فی طرف المادّة و مع التعارض و التساقط یرجع إلی مقتضی الأصل العملی و هو البراءة، إذ مع احتمال أن یکون القید قیداً للوجوب لاعلم بالوجوب فیجری البراءة.

التنبیه العاشر: أنّ معنی الإطلاق هو أخذ الموضوع من دون لحاظ شیء فیه و علیه فالإطلاق هو رفض القیود لاجمع القیود، إذ الإطلاق لایتوقّف علی لحاظ القیود و تسویة الموضوع باعتبارها کأن یقال إنّ الموضوع الفلانی سواء کان مع کذا أو کذا یترتّب علیه کذا فإنّه خلاف الوجدان.

هذا مضافاً إلی أنّ ملاحظة کلّ قید واحداً بعد واحد تحتاج إلی مؤونة زائدة، و هو لایناسب تعریف المطلق بأنّه أخفّ المؤونة.

ص:441

ص:442

الفصل الثالث: فی کیفیّة الجمع بین المطلق و المقیّد

ولایخفی أنّ المطلق و المقیّد إمّا یتضمّنان حکماً تکلیفیاً و إما حکماً وضعیّاً، ثمّ إنّ کلاً منهما إمّا متخالفان نفیاً و إثباتاً و إمّآ متوافقان.

و التکلیف، إمّا یکون إلزامیّاً و إمّا غیر إلزامیّ، و الکلام یقع فی صور:

الصورة الاُولی: هو ما إذا کان الحکم تکلیفیّاً و مختلفاً فی النّفی و الإثبات و تعلّق النهی بالمطلق و الأمر بالمقیّد کقوله لاتعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة أو کقوله لایجب عتق الرقبة و یجب عتق الرقبة المؤمنة.

فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد و لافرق فی ذلک بین أن یکون الحکم إلزامیّاً أو غیر إلزامیّ، هذا مع الإغماض عن کون هذه الأمثلة أمثلة العموم، فإنّ النکرة والجنس فی سیاق النّفی تفید العموم.

الصورة الثانیة: هی عکس الصورة الاُولی، و هو ما إذا کان النهی متعلّقاً بالمقیّد و الأمر متعلّقاً بالمطلق کقوله أعتق رقبة و لاتعتق رقبة فاسقة.

فإن کان المراد من النهی هو التحریم فلاإشکال فی أنّ مقتضی الجمع العرفی هو حمل المطلق علی غیر المقیّد.

ص:443

و وجهه واضح، إذ لایجتمع مطلوبیّة الذات مع مبغوضیّة المرکّب من الذات و الخصوصیّة فیحمل المطلق علی غیر المقیّد، و نتیجته أنّ المطلق فی ضمن المقیّد لیس بمطلوب و حمل المبغوضیّة فی المقیّد علی خصوصیّة القید لاالذات خلاف الظّاهر من تعلّق النهی بالمتّصف لاخصوص الوصف.

و أمّا إن کان المراد من النهی الکراهة، فالمطلق یحمل أیضاً علی غیر المقیّد، کما ذهب إلیه شیخ مشایخنا المحقّق الیزدی الحاج الشیخ قدس سره، وجه ذلک أیضاً هو ظهور تعلّق النهی بالطبیعة المقیّدة لابخصوص إضافة الطبیعة إلی قیدها.

نعم لو قامت قرینة علی أنّ الطبیعة الموجودة فی ضمن المقیّد مطلوبة أیضاً کما فی العبادات المکروهة، فاللازم حینئذٍ هو صرف النهی إلی خصوص الإضافة بحکم العقل و إن کان خلاف الظاهر.

وعلیه فلافرق بین النهی التحریمی و التنزیهی فی حمل المطلق علی غیر المقیّد، و ممّا ذکر یظهر حکم ما إذا شکّ فی کون النهی تحریمیّاً أو تنزیهیّاً، فإنّ النهی علی کلا التقدیرین یدلّ علی مرجوحیّة الطبیعة بحسب ما عرفت من ظهور تعلّق النهی بالطبیعة المتقیّدة و هو لایجتمع مع راجحیّة الطبیعة، فاللازم هو حمل المطلق علی غیر المقیّد، فتدبّر جیّداً.

الصورة الثالثة: هی ما إذا کان الدلیلان، أی المطلق و المقیّد، مثبتین إلزامیین کقوله أعتق رقبة، و أعتق رقبة مؤمنة.

ففی هذه الصورة إن احرزت وحدة الحکم فلاإشکال فی حمل المطلق علی المقیّد لأنّه المتفاهم العرفی فی مثله، و لافرق فیه بین کون القید منفصلاً أو متّصلاً، کما لاتفاوت بین کون منشأ إحراز وحدة السبب أو غیرها من سائر القرائن.

ص:444

ودعوی: الإجمال فیما إذا کان منشأ إحراز وحدة الحکم غیر وحدة السبب، لدوران الأمر بین بقاء المطلق علی إطلاقه و التصرّف فی المقیّد، إمّا هیئة بحمل الأمر فیه علی الاستحباب، و إمّا مادّة برفع الید عن ظاهره فی الدخالة، و بین حمل المطلق علی المقیّد، و حیث لاترجیح بینهما لاشتراک الکلّ فی مخالفة الظّاهر یتحقّق الإجمال.

مندفعة: بأنّ مع إحراز وحدة الحکم کما هو المفروض یکون المتفاهم العرفی هو الجمع بینهما بحمل المطلق علی المقیّد کسائر الموارد، وذلک لقوّة ظهور المقیّد بالنسبة إلی ظهور المطلق.

و إن لم یحرز وحدة الحکم فمقتضی ظاهر الأمرین أنّهما تکلیفان مستقلّان، وحیث لایمکن اجتماعهما فی واحد فیقیّد المطلق بغیر مورد المقیّد، و علیه فلایکفی امتثال کلّ عن الآخر، بل اللازم فی امتثال المطلق هو الإتیان بالمطلق فی غیر مورد المقیّد لعدم إطلاق المادّة، فتدبّر.

و إن احرز تعدّد التکلیف مع توافقهما فی الإثبات، فالمتعیّن هو حمل کلّ منهما علی التکلیف المستقلّ و تقیید المطلق بغیر مورد المقیّد أخذاً بظاهر الأمرین.

ففی مثل أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة، یکون المراد من الرقبة فی قوله أعتق رقبة هی غیر الرقبة الّتی تکون فی رقبة مؤمنة، فلایجتمع الخطابان بعد حمل المطلق علی غیر المقیّد فی واحد، و مقتضاه هو عدم کفایة امتثال الثانی عن الأوّل لعدم إطلاق المادّة.

هذا بخلاف مثل أکرم العالم و أکرم الهاشمی لعدم اجتماع الخطابین فی واحد من أوّل الأمر، و یجوز التداخل فی امتثالهما، لإطلاق المادّة و عدم تقیّدها بغیر مورد الآخر.

الصورة الرابعة: هی ما إذا کان الدلیلان نافیین إلزامیین، کما إذا ورد لاتشرب المسکر و لاتشرب الخمر.

ص:445

ففی هذه الصورة مع تعدّد التکلیف کما هو ظاهر تعدّد النهی یحمل المطلق علی غیر المقیّد فیحرم المسکر غیر الخمر کما یحرم الخمر.

وذلک لامتناع شمول المطلق لمورد المقیّد من جهة لزوم اجتماع حکمین متماثلین فی الطبیعة المتقیّدة مع أنّها واحدة. و علیه فلایکفی امتثال کلّ واحد عن الآخر لعدم إطلاق مادّة المطلق بالنسبة إلی المقیّد، و لاختصاص المقیّد بمورده، نعم لو احرزت وحدة الحکم، فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد، فلیس التکلیف إلّا بالمقیّد.

الصورة الخامسة: هی ما إذا کان الدلیلان النافیان غیر إلزامیین، فمع تعدّد التکلیف یمتنع اجتماعهما فی واحد، و مع امتناع الاجتماع یحمل المطلق علی غیر مورد المقیّد کما أنّ المقیّد لایشمل المطلق لخصوصیّة مورده.

هذا بخلاف ما إذا احرزت وحدة الحکم، فإنّ اللازم حینئذٍ هو حمل المطلق علی المقیّد إذ لیس فی البین إلّا تکلیف واحد و هو التکلیف بالمقیّد.

الصورة السادسة: هی ما إذا کان الدلیلان مثبتین غیر إلزامیین، فمع التوافق و تعدّد المطلوب هنا تکلیفان مستحبّان، أحدهما: متعلّق بالمطلق الذی یشمل غیر مورد المقیّد، وثانیهما: متعلّق بالمقیّد و لایشمل المطلق لمورد المقیّد للزوم اجتماع المثلین فی واحد.

ومع وحدة المطلوب یحمل المطلق علی المقیّد لأظهریّة المقیّد بالنسبة إلی المطلق، و لایبعد دعوی انصراف المستحبیّن فی تعدّد المطلوب لکثرة استعمال موارد المستحبّ فی الشریعة فی امور یکون مطلوبیّتها عامّة فی جمیع الأفراد لاشتمالها علی الملاک.

الصورة السابعة: هی ما إذا کان الدلیلان المثبتان، أحدهما حکم إلزامیّ و هو المطلق، و الآخر غیر إلزامیّ و هو المقیّد، ففی هذه الصورة یتصرّف فی غیر إلزامیّ بحمله علی بیان أفضل الأفراد من الواجب و لاموجب لرفع الید عن الحکم الإلزامیّ بغیر الإلزامیّ.

ص:446

الصورة الثامنة: أنّه لافرق بین الحکم التکلیفیّ و الوضعیّ، فمع اختلافهما فلامناص من تقیید المطلقات بالمقیّدات، و أمّا مع توافقهما، فمع وحدة الحکم یقدّم المقیّد علی المطلق أیضاً للأظهریّة، مثلاً قوله علیه السلام «إغسل ثوبک بالماء مرّتین عند ملاقاة البول» یقدّم علی قوله علیه السلام «إغسل ثوبک بالماء إذا لاقی بولاً»، لأنّ الحکم واحد فیحمل الثانی علی الأوّل.

و أمّا إذا لم یکن الحکم واحداً فلاوجه لحمل المطلق علی المقیّد، إذ لامنافاة بینهما کقوله علیه السلام «لاتصلّ فیما لایؤکل لحمه» و قوله «لاتصلِّ فی وبر مالا یؤکل لحمه» فیؤخذ بکلیهما، و لاوجه لحمل المطلق علی المقیّد لعدم المنافاة بینهما.

ص:447

ص:448

الفصل الرابع: فی المجمل و المبیّن

و المجمل هو ما لیس له ظاهر و المبیّن هو ما له ظاهر.

ثمّ إنّ المجمل لاحجّیّة له إلّا بالنسبة إلی القدر المتیقّن و هو ما یکون مراداً منه علی کلّ تقدیر، لدلالة اللفظ علیه مع جریان أصالة الجدّ.

بل قد یمکن رفع الإجمال عنه بالرجوع إلی المبیّن. هذا کلّه بالنسبة إلی المجمل الحقیقیّ، و قد یکون المجمل مجملاً حکمیّاً، و هو الذی لیس فی لفظه إجمال، و إنّما صار مجملاً من ناحیة اختلاف المراد الجدّیّ، کما إذا خصّص العامّ بدلیل منفصل یدور أمره بین المتباینین مثلاً إذا ورد «أکرم کلّ عالم» ثمّ ورد فی دلیل آخر «لاتکرم زیداً العالم» و المفروض أنّه مردّد بین الشخصین أی زید بن خالد وزید بن عمرو، صار العامّ مجملاً من ناحیة العلم الإجمالی، بخروج أحدهما، إذ مع العلم الإجمالی، بخروج أحدهما تعارض أصالة الجدّ فی کلّ واحد منهما مع أصالة الجدّ فی الآخر والمفروض عدم ترجیح بینهما و یعامل معه حینئذٍ معاملة المجمل. نعم لو کان مرجّح لأحدهما بالنسبة إلی الآخر فأصالة الجدّ جاریة فیه.

ثمّ إنّ الإجمال کما یکون فی المفردات، کلفظ الصعید، و لفظ الکعب، و لفظ الغناء، فکذلک یکون فی المرکّبات مثل قولهم «لاصلاة لمن لم یقم صلبه» بناءً علی عدم ظهور المقصود منه أنّه نفی الکمال أو نفی الحقیقة.

ص:449

ففی مثل هذه الموارد إن کان ظهور عرفیّ فهو، و إلّا فاللزام هو الرجوع إلی القواعد و الاُصول و هی تختلف باختلاف الموارد.

ثمّ الرجوع إلی العرف فیما إذا لم یکن الموضوع شرعیّاً و إلّا فاللازم هو الرجوع إلی الشرع لأنّه اصطلاح مخصوص به، فلاتغفل.

ثمّ إنّ المهمل، هو ما لایکون المتکلّم فی مقام بیان تفصیله و هو ملحق بالمجمل فی الحکم، لأنّهما مشترکان فی عدم مراد جدّیّ و إن کان لهما ظهور استعمالیّ.

و مع عدم کونهما فی مقام الجدّ فلایکونان حجّة. إلّا أنّ الإهمال بعد إحراز کون المتکلّم فی مقام بیان أصل الحکم خلاف الأصل لبناء العقلاء حینئذٍ علی أنّه فی مقام بیان التفصیلات.

ثمّ إنّ الآیات الکریمة، إن کانت موضوعاتها اموراً اختراعیّة، الّتی تحتاج إلی التفصیل، تکون فی مقام الإهمال بالنسبة إلی تلک الموضوعات.

نعم لو لم یذکر تفصیل له لا فی الکتاب و لا فی السنّة إلی أن یجیء وقت العمل، أمکن التمسّک بالإطلاق المقامی.

هذا بخلاف ما إذا کانت موضوعاتها من الموضوعات العرفیّة کالبیع و الشراء ونحوهما، فلاإهمال فیها لوضوح معانیها عند العقلاء، و یمکن الأخذ بالإطلاق فیما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان أصل الحکم و شکّ فی الإهمال و عدمه کسائر موارد الإطلاقات، و یشهد لذلک الترغیب إلی الاستشهاد بالآیات القرآنیّة فی الروایات و الله هو الهادی.

ص:450

المقصد السادس: فی الامارات و الحجج المعتبرة شرعا او عقلا

اشارة

ص:451

ص:452

الباب الأوّل: فی القطع

اشارة

وفیه فصول:

الفصل الأوّل: فی القطع، و یقع البحث فیه من جهات
اشارة

الجهة الأولی: أنّ القطع یکون بنفسه طریقاً إلی الواقع و حیث إنّ الطریقیة المذکورة عین ذات القطع لاتکون قابلة للجعل مطلقاً سواء کان الجعل بسیطاً کجعل طریقیّة القطع، أو مرکّباً کجعل القطع طریقاً لااستقلالاً و لاتبعاً، کما لایتصوّر الجعل فی ذاتیّات کلّ شیء کالحیوانیّة و النطق للإنسان، إذ وجدان الشی لذاته و ذاتیّاته ضروریّ و لایحتاج إلی جعل جاعل.

نعم یجوز تعلّق الجعل بوجود القطع أو بإیجاد المقدّمات الموجبة للقطع.

ودعوی أنّ الذاتیّ لاینفکّ عن الشیء مع أن القطع قد یصیب و قد لایصیب، فمنه علم أنّ الطریقیّة و الکاشفیّة لیستا ذاتیّاً، و کونه کذلک فی نظر القاطع لایثبت کونها من لوازمه الذاتیّة، لأنّ الذاتیّ لایختلف فی نظر دون نظر.

مندفعة: بأنّ کشف القطع فی نظر القاطع لایختلف فی نظر دون نظر، مادام القطع موجوداً عند القاطع، و عدم إصابته بالنسبة إلی الواقع لایجعل القطع غیر کاشف فالقطع أینما تحقّق لاینفکّ عن الکاشفیّة و حیث إنّها ذاتیّة لاتحتاج إلی الجعل.

ص:453

الجهة الثانیة: أنّ بعدما عرفت من کون الطریقیّة و الکاشفیّة عین القطع هل تکون حجیّة القطع ذاتیّة أم لا؟

هنا أقوال:

أحدها: أنّ تأثیر القطع فی الحجّیّة بمعنی تنجّز التکلیف و استحقاق العقوبة علی المخالفة لازم للقطع، و صریح الوجدان شاهد علی ذلک.

و لعلّ الوجه فیه أنّ مخالفة التکلیف المجهول لاتوجب استحقاق العقوبة بحکم العقل، بل الشرط فی تأثیرها فی ذلک، هو القطع بالتکلیف، فالقطع شرط فی تأثیر المخالفة فی حکم العقل باستحقاق العقوبة، فهذا الشرط کسائر الشروط التکوینیّة لایتوقّف تأثیره علی شیءٍ آخر غیر وجود المقتضی. فإذا انضمّ هذا الشرط إلی وجود المقتضی، فالتأثیر لازم قهراً من دون حاجة إلی جعل شرعیّ أو عقلائیّ إذ القطع یجعل المخالفة مصداقاً لهتک حرمة المولی، و من المعلوم أنّه ظلم، و قبح الظلم ذاتیّ و لیس بمجعول.

نعم المنجّزیّة لاتکون من لوازم ماهیّة القطع، بل هی من لوازم وجود القطع، فإذا حصل القطع للإنسان، یحکم العقل بترتّب استحقاق العقوبة علی المخالفة.

هذا کلّه بالنسبة إلی المنجّزیّة، و أمّا المعذّریّة، فظاهر العبارات أنّها کذلک، إذ العقل یحکم بعدم استحقاق العقوبة عند عدم مصادفة قطعه للواقع.

ثانیها: أنّ استحقاق العقوبة لیس من الآثار القهریّة و اللوازم الذاتیّة لمخالفة التکلیف المعلوم قطعاً، بل من اللوازم الجعلیّة من العقلاء، لأنّ حکم العقل باستحقاق العقوبة لیس ممّا اقتضاه البرهان، بل من القضایا المشهورة الّتی تطابقت علیها آراء العقلاء لعموم مصالحها، و مخالفة أمر المولی هتک لحرمته و هو ظلم علیه، و الظلم قبیح، أی ممّا

ص:454

یوجب الذمّ و العقاب عند العقلاء، فدخل القطع فی استحقاق العقوبة جعلیّ عقلائیّ لاذاتیّ قهریّ کسائر الأسباب الواقعیّة و الآثار القهریّة.

فإذا عرفت أنّ الحجّیّة بمعنی المنجّزیّة من اللوازم الجعلیّة العقلائیّة، فبناء علی أنّ جعل العقاب من الشارع یصحّ القول بجعل المنجّزیّة للقطع شرعاً، من دون لزوم محذور.

یمکن أن یقال: إنّ استحقاق العقوبة علی مخالفة التکلیف المعلوم من جهة کونها هتک لحرمة المولی لایحتاج إلی تطابق الآراء، بل العقل مدرک لذلک، و لو لم یکن اجتماع لأنّه من مصادیق قبح الظلم، و قبح الظلم کحسن العدل أمر ثابت و لو لم یکن اجتماع أو لم یوجب اختلالاً فی النظام، و ذلک لملائمة العدل مع القوّة العاقلة ومنافرة الظلم معها و هی تکفی فی إدراج القضیّة فی الیقینیّات.

هذا مضافاً إلی أنّ الأوامر الشرعیّة لیست بتمامها دخیلة فی حفظ النظام، فتدبّر.

ثالثها: أنّ الصحیح أنّ حجّیّة القطع من لوازمه العقلیّة بمعنی أنّ العقل یدرک حسن العمل به و قبح مخالفته و یدرک صحّة العقوبة عند المخالفة لقطعه، لابمعنی إلزام العقل أو تحریکه و بعثه.

ثمّ إنّ إدراک العقل لذلک لایکون بجعل جاعل أو بناء من العقلاء لتکون الحجّیّة من الاُمور المجعولة، أو من القاضایا المشهورة.

بل هو من الاُمور الواقعیّة الأزلیّة، کما هو الحال فی جمیع الإستلزامات العقلیّة و تحرّک الإنسان، نحو ما یراه نفعاً له، أو ابتعاده ممّا یراه ضرراً علیه لیس بإلزام من العقل بل السبب فیه حبّ النفس و لااختصاص لذلک، بالإنسان، بل کلّ حیوان یکون کذلک بفطرته، و هذا التحریک تکوینیّ لابعث تشریعیّ.

ص:455

ولایخفی علیک، أنّ القول الثالث یشبه القول الأوّل، و الفرق بینهما فی أنّ القول الأوّل ظاهر فی أنّ العقل حکم بذلک دون القول الثالث، فإنّه صریح فی عدم حکم العقل بذلک و هو الصحیح ولکن حرکة الإنسان غیر حرکة الحیوان، فإنّ الحرکة فی الإنسان ناشئة عن الإدراک، کإدراک الاستلزامات بخلاف الحیوان فإنّه فی الغالب غریزیّ فتدبّر.

الجهة الثالثة: أنّه هل یجوز للشارع أن ینهی عن العمل بالقطع أو لا؟

قال الشیخ الأعظم، لایجوز ذلک، لاستلزامه التناقض، إذ بمجرّد القطع بکون مائه بولایحصل له صغری و کبری أعنی قوله هذا بول و کلّ بول یجب الاجتناب عنه، فهذا یجب الاجتناب عنه، وعلیه فحکم الشارع بأنّه لایجب الاجتناب عن المقطوع یوجب التناقض إلّا إذا قلنا بأنّ النجاسة و حرمة الاجتناب من أحکام ما علم بولیّته من وجه خاصّ.

قال المحقّق الخراسانی، إنّ المنع عن تأثیر القطع ینافی کون التنجیز ذاتیّاً. هذا مضافاً إلی أنّه یلزم منه اجتماع الضدّین اعتقاداً مطلقاً أی أصاب أو لم یصب، و حقیقة فی صورة الإصابة.

اورد علیه سیّدنا الإمام قدس سره بأنّ وجه الامتناع لیس لزوم اجتماع الضدّین، لأنّ الضدّین، أمران وجودیّان، و الوجوب و الحرمة و غیرهما من الاُمور الاعتباریّة، بل وجه الامتناع هو لزوم اجتماع الإرادتین المختلفتین علی مراد واحد، و الإرادتان، أمران وجودیّان واقعیّان. هذا مضافاً إلی لغویّة الحکم الأوّل لو نهی عن العمل بالقطع.

و کیف ما کان فقد خالفهم صاحب الوقایة بدعوی أنّ التناقض لایلزم علی نحو الکلّیّة، إذ لایکون کلّ قطع مصیباً للواقع، و علیه فلایصحّ الحکم علی کلّیّ القطع بعدم جواز الردع عنه من هذه الجهة.

ص:456

هذا مضافاً إلی أنّ التناقض لایلزم إلّا إذا تعلّق الردع عمّا قطع علیه، و أمّا إذا کان مفادّ الأمارة المعذوریّة أو رفع تنجّز الحرمة فلاتناقض أصلاً. و قد وقع ذلک فی ترخیص الشارع فی ارتکاب مشکوک الحرمة بل و مظنونها فی موارد البراءة و البینّة القائمة علی حلّیّة مظنون الحرمة إذ الترخیص لایختصّ بصورة علی المصادفة مع الحرام، بل مشکوک الحرمة حلال مطلق إذا کان مورد البراءة و مفاد الأمارة، فالتناقض المدّعی وجوده، موجود فیها، إذ من المعلوم وجود محرّمات کثیرة، ونجاسات واقعیّة بین هذه المشکوکات.

فالإشکال مشترک، و طریق الحلّ واحد، و هو أنّ متعلّق القطع و الظّنّ هو الحرمة الواقعیّة، و الردع لایکون عنها أبداً، بل الإذن یکون مؤمناً من عقابها، أو رافعاً لتنجّزها، و التنجّز أو العقاب لم یتعلّق به القطع أبداً.

ودعوی: أنّ مرتبة الحکم الظاهری محفوظة مع الظّن و الشکّ، لوجود الساتر علی الواقع، فیکون بما هو مجهول الحکم حلالاً، بخلاف القطع الذی هو عین الانکشاف، من دون ستر و حجاب الذی لایدع مجالاً للإذن، و لا لموضوع حکم آخر.

مندفعة: بأنّه لاینحصر جعل الحکم الظاهری فی وجود الساتر، بل لیس الوجه فی إمکان أخذ الجهل موضوعاً إلّا تأخّر مرتبة هذا الحکم عن الواقع بسببه، و هذا موجود مع القطع أیضاً فکما أنّ الشی بعنوان أنّه مجهول الحکم متأخّر عنه، فکذلک متأخّر بعنوان أنّه مقطوع الحکم.

و یمکن أن یقال: أوّلاً: إنّ الترخیص فی ارتکاب فعل مقطوع الحرمة ترخیص فی المخالفة بنظر القاطع. إذ الإتیان بالفعل مع القطع بالحرمة علّة تامّة، لتحقّق عنوان المخالفة، و هی قبیحة بحکم العقل، و الإذن فیها یخالف القبح العقلی، و دعوی إمکان رفع التنجّز کما فی مورد الظنّ و الاحتمال لایساعد مع کون التنجّز ذاتیّاً لوجود القطع

ص:457

وعلیه فلایفید تأخّر مرتبة الترخیص عن مرتبة الحکم الواقعی فی رفع المحذور، فإنّ القطع بالحکم علّة تامّة لحکم العقل باستحقاق المذمّة و العقوبة لمخالفة التکلیف، و مع هذا الحکم الواضح العقلی لایقبل الشیء بعنوان مقطوع الحکم ما یخالف الحکم المتعلّق بنفس الشیء المنکشف بالقطع.

وثانیاً: أنّ النهی عن العمل بالقطع یستلزم التناقض فی مرحلة ثبوت الغرض الفعلیّ التامّ من جمیع الجهات و عدمه فی نظر القاطع، لأنّ الغرض الداعی إلی جعل التکلیف بنظر القاطع موجود و هو فعلیّ مطلق، حتّی فی موارد الشکّ و لامعنی للنهی عن القطع، إلّا عدم وجود الغرض الفعلی من جمیع الجهات و لایمکن الجمع بین ثبوت الغرض کما هو مقتضی القطع و بین عدمه کما هو مقتضی النهی عن العمل به کما لایخفی.

لایقال: لازم ما ذکر من عدم إمکان الترخیص فی مخالفة المقطوع هو عدم جواز تصرّف الشارع فی حجّیّة بعض أقسام القطع کالقطع الحاصل من الوسواس، أو القطع القیاسی مع أنّ المعلوم خلافه، إذ الشارع منع عن العمل بالقطع الوسواسیّ و القیاسی بالضرورة.

لأنّا نقول: إنّ الردع عن العمل بالقطع الواسوسی أو القیاسی بالنسبة إلی عمل نفسه لابدّ من أن یکون من جهة طروء عنوان یستوجب تبدّل الواقع عن حکمه إلی حکم آخر، فیکون القواع موضوعاً للحکم، إلّا فی حال الوسواس، فیکون له حکم آخر، نظیر العناوین المأخوذة موضوعات للأحکام الثانویّة، فشرب النجس مثلاً فی نفسه حرام، لکن کما أنّه، إذا اضطرّ إلیه یجب شربه فکذلک إذا کان المکلّف وسواسیّاً یجب علیه أن یشرب النجس و إن علم أنّه نجس، فالوسواسیّ و إن حکم بتنجیز الحکم الواقعیّ فی حقّ نفسه، ولکن للشارع أن یرخّصه فی ترکه لما یری من تبدّل عنوان الواقع المقطوع الموجب لرفع التنجّز واقعاً، و الوسواسیّ و القطّاع و إن حکما بقطعهما علی

ص:458

تنجیز الواقع، ولکن لااعتبار بعد إحراز طروء العناوین المبدّله للحکم الواقعیّ و لایناقض هذا الحکم مع الحکم الواقعیّ بعد کون حکم الشارع عند الوسواس أو القیاس متعلّقاً علی المعنون بعنوان الوسواس و القیاس، و الحکم المقطوع یکون متعلّقاً بعنوان نفس الشیء، و حیث إنّه أعمّ سقط الواقع عن التنجیز و لایلزم منه الترخیص فی المعصیة الفعلیّة، فإنّه فیما إذا لم یتبدّل الموضوع الواقعی.

وثالثاً: أنّ ما ذکرناه من عدم حجّیّة قطع القطّاع، أو قطع الوسواسی، لیس من شواعد عدم کون القطع علّة تامّة للتنجیز، لأنّ القطع عند القاطع یکون منجّزاً بنحو العلّیّة التامّة.

و هکذا ما ذکرناه لیس بمعنی رفع التنجیز، بل معنی ما ذکرناه هو أنّ الحکم بالتنجیز من القاطع لایعتبر عند الشارع فیما إذا کان القطع کثیر الخطأ، ففی هذه الصورة یجوز للشارع النهی عن العمل به، لطروء العناوین المسوّغة لذلک.

فتحصّل: أنّه لایجوز النهی عن العمل بالقطع ما لم یطرء عنوان آخر یسوّغ النهی عنه، کما فی مورد الوسواس أو القطّاع أو من أخذ بالقیاس.

تنبیه فی حقیقة الحکم و مراتبه

ذکر جماعة أنّ مراتب الحکم أربعة: إحدها: مرتبة الاقتضاء، و یعبّر عنها بمرتبة الشأنیّة، ول یس لهذه المرتبة إلّا شأنیّة الثبوت، فمثل طبیعة النظافة مثلاً فی نفسها ذات مصلحة مستعدّة باستعداد ماهویّ لقبول الوجوب فمع وجود المانع عن الوجوب یقال لها شأنیّة الوجوب، ووجوب اقتضائی و لیس لها وراء ذلک ثبوت و وجود، کما لایخفی.

ثانیتها: مرتبة الإنشاء، و هو إیجاد المعنی باللفظ إیجاداً لفظیّاً، بحیث ینسب الوجود الواحد إلی اللفظ بالذات، و إلی المعنی بالعرض.

ص:459

ثالثتها: مرتبة الفعلیّة، و هی الّتی تبلغ مرتبة البعث و الزجر بنحو الجدّ، فإذا أنشأ المولی حکما بداعی جعل الداعی من جدّ و إرادة جزمیّة تمّ الأمر من قبل المولی.

رابعتها: مرتبة التنجّز، و هی ما إذا بلغ الحکم إلی مرتبة الوصول إلی المکلّف و حصول العلم به، و حینئذٍ یکون مخالفته موجبة لاستحقاق العقوبة، و هذا هو معنی التنجیز.

یمکن أن یقال: إنّ مراتب الحکم إثنتان: إحداهما مرتبة الإنشاء و ثانیتهما مرتبة الفعلیّة من قبل المولی، إذ مرتبة التنجّز لیست من مراتب الحکم حیث إنّ علم المکلّف و جهله بالحکم لایوجب تغییراً فی ناحیّة الحکم الفعلیّ من قبل المولی. و هکذا مرتبة الاقتضاء لیست من مراتب الحکم، لأنّه لیس فیها ثبوت حکم أصلاً.

الجهة الرابعة: فی التجرّی، و اعلم أنّه لاإشکال فی أنّ القطع عند الإصابة یوجب التنجیز و استحقاق العقوبة علی المخالفة.

وإنّما الکلام فی أنّ القطع عند عدم الإصابة و التجرّی، هل یوجب استحقاق العقوبة علی المخالفة أو لا؟

ویقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل: أنهم استدلّوا علی أنّ التجرّی یوجب استحقاق العقوبة بوجوه، منها الاتّفاق و الإجماع، اجیب عنه بأنّ الإجماع المحصّل غیر حاصل، و المنقول لیس بحجّة، هذا مضافاً إلی أنّ المسألة عقلیّة، و الإجماع فیها لایکشف عن رأی المعصوم علیه السلام.

ومنها: حکم العقل بتقریب أنّ العقاب علی المعصیة الوقعیّة لیس إلّا لکونه هتکاً لحرمة المولی و جرأة علیه و هذا الملاک موجود فی التجرّی، و مقتضاه هو استحقاق المتجرّی للعقوبة، لایقال إنّ العقاب علی المعصیة یکون لأجل ذات المخالفة مع الأمر و النهی، أو

ص:460

لأجل تفویت الغرض، أو لأجل ارتکاب المبغوض للمولی، لأنّا نقول لیس کذلک لوجود الکلّ فی صورة الجهل. و مع ذلک لایحکم فیه باستحقاق العقوبة.

فالتجرّی مشترک مع المعصیة الواقعیة فی المناط الذی یحکم العقل لأجله باستحقاق العقوبة و هو الإقدام علی المعصیة و عدم المبالات ینهی المولی و هتک حرمته، و مقتضاه هو استحقاق العقوبة بالتجرّی کما یستحقّها بارتکاب المعصیة الواقعیّة.

ودعوی: أنّ استحقاق المذمّة علی ما کشف عنه الفعل من سوء السریرة لا یوجب استحقاقها علی نفس الفعل، و من المعلوم أنّ الحکم العقلی باستحقاق الذمّ، إنّما یلازم استحقاق العقاب شرعاً إذا تعلّق بالفعل، لابالفاعل.

مندفعة: بما عرفت من حکم العقل باستحقاق العقوبة، بمجرّد القطع بالتکلیف، و الإقدام علی المخالفة، من دون فرق بین الموافقة للواقع عدمها، و ذلک لأنّ الفعل المتجرّی به مضافاً إلی أنّه کاشف عن سوء السریرة یکون مصداقاً للهتک و الإهانة بالنسبة إلی المولی و هذا بنفسه ظلم و هو تمام الموضوع لاستحقاق العقوبة.

الأمر الثانی: فی أنّ الاستحقاق المذکور هل یکون علی الفعل المتجرّی به أو خصوص العزم، و المختار هو الأوّل.

و الوجه فیه، أنّه مصداق للهتک و الإهانة للمولی، و الهتک قبیح و محکوم بالحرمة و لاینافیه عدم اتّصاف الفعل فی نفسه بشیء من موجبات القبح، إذ صیرورة الفعل مصداقاً للهتک یکفی فی کونه موجباً لاستحقاق العقوبة و إن لم یتغیّر وجهه فی نفسه، و حیث إنّ موضوع القبح و الحرمة مع موضوع الحکم النفسی للفعل مختلف فلامنافاة و لاتضادّ بین کون الفعل محکوماً بالجواز فی نفسه، و بین کون محکوماً بالحرمة باعتبار کونه مصداقاً للهتک و الإهانة بالنسبة إلی المولی.

ص:461

و إنّما المنافاة فیما إذا ادّعی القبح بحسب ذات الفعل و هو خلاف المفروض، و دعوی أنّ اتّحاد الفعل المتجرّی به مع عنوان الهتک و الإهانة لیس دائمیّاً، لأنّ من أقدم علی مقطوع الحرمة من جهة شقوة نفسه لامن جهة الاستخفاف بالمولی، لایکون إقدامه هتکاً للمولی.

مندفعة: بأنّ الهتک یصدق مع القطع بکونه معصیة للمولی، و لو لم یقصد الهتک لکفایة مخالفته، مع القطع المذکور فی صدق الهتک و الإهانة.

لایقال: إنّ الجرأة علی المولی، تکون من الصفات النفسانیّة و الأحوال العارضة علی النفس، و الفعل المتجرّی به یکشف عن تحقّقها فی النفس، و لایکون هو بنفسه مصداقاً لها، و القبیح هو الجرأة و لاوجه لسرایة القبح منها إلی الفعل.

لأنّا نقول: أوّلاً: إنّه منقوض بمثل التعظیم و نحوه، فکما أنّ نفس الفعل المأتیّ به للتعظیم محکوم بالحسن و الوجوب، فکذلک نفس الفعل المتجرّی به محکوم بالقبح و الحرمة.

وثانیاً: إنّ لازم ذلک هو عدم القول بحرمة الهتک مطلقاً، لأنّ کلّ هتک یحکی عن الجرأة علی المولی، و هی محکومة بالحرمة لانفس الفعل و هو کما تری، و بالجملة کشف الهتک عن سوء السریرة و الجرأة و الطغیان لاینافی صدق الإهانة علی الفعل المتجرّی به و کفایة ذلک فی الحکم بالقبح أو الحرمة.

فتحصّل: أنّ الفعل المتجرّی به، أو العزم المتعقّب بالفعل، مصداق للهتک و الإهانة، و بهذا الاعتبار یندرج الفعل المتجرّی به تحت عنوان الظلم، و حکم العقل باستحقاق العقوبة علیه.

الأمر الثالث: فی ملازمة حکم العقل مع حکم الشرع و عدمها فی الاستحقاق المذکور.

ربّما یستدلّ علی ذلک فی المقام بقاعدة الملازمة بین الحکم العقلیّ و الحکم الشرعیّ، أعنی کلّما حکم به العقل حکم به الشرع.

ص:462

اورد علیه فی مصباح الاُصول بأنّ القاعدة المذکورة مسلّمة إن کان المراد بها، إدراک العقل فی ناحیة سلسلة علل الأحکام الشرعیّة من المصالح و المفاسد، إذ العقل لو أدرک مصلحة ملزمة فی عمل من الأعمال و أدرک عدم وجود مزاحم لتلک المصلحة فلامحالة علم بوجوبه الشرعی بعد کون مذهب أهل العدل، أنّ الأحکام الشرعیّة تابعة للمصالح و المفاسد.

و هکذا لو أدرک مفسدة ملزمة بلامزاحم علم بالحرمة الشرعیّة لامحالة، فهذه الکبری مسلّمة و لاکلام فیها، و إنّما الکلام فی صغراها، إذ قلّما یوجد مورد یعلم العقل بعدم المزاحم کموارد المستقلاّت العقلیّة، کحسن العدل و قبح الظلم، لأنّ العقل لا یحیط بالمصالح الواقعیّة، و المفاسد النفس الأمریّة، و الجهات المزاحمة لها. و لذا ورد فی الروایات: أنّ دین الله لایصاب بالعقول، و أنّه لیس شیء أبعد عن دین الله من عقول الرجال.

و إن کان المراد بها إدراک العقل فی ناحیة معلولات الأحکام الشرعیّة، کحسن الطاعة و قبح المعصیة و قبح التجرّی و حسن الانقیاد، فإنّ حکم العقل فیها فرع ثبوت الکم الشرعیّ المولوی، فقاعدة الملازمة أجنبیّة عنه. هذا مضافاً إلی لغویّة الجعل الشرعی مع وجود الحکم العقلی.

ودعوی: أنّ کلّما کان الشارع یهتمّ بحفظ الملاک، بأکثر ممّا یقتضیه الحسن و القبح من الحفظ الذاتیّ، و کان ذلک أی الحفظ المذکور یحصل بجعل الشارع أمکن استکشاف جعل شرعی، فی مورد الحکم العقلیّ من غیر فرق بین أن یکون حکم العقل فی مرتبة علل الأحکام أو فی سلسلة معلولاتها.

ففی مسألة التجرّی یمکن للشارع جعل خطاب تحریمیّ له لکی یحفظ ملاکات أحکامه الواقعیّة بمرتبة جدیدة و زائدة من الحفظ و لو فی حقّ من تنجّز علیه التلکیف

ص:463

الواقعی بغیر العلم، فإنّه علم بحرمة التجرّی علیه علی کلّ حال فقد یتحرّک و لایقدّم علی ارتکاب المخالفة، لأنّ للانقیاد و التحرّک عن خطابات المولی درجات، فقد ینقاد المکلّف فی موارد العلم بالتکلیف ولکنّه لاینفاد فی موارد الاحتمال أو الظّنّ و إن کان منجّزاً علیه بحکم العقل، فیکون جعل حرمة التجرّی لمزید الحافظیّة و سدّ أبواب العدم بهذا الخطاب، و فی هذه المرتبة فلالغویّة أصلاً.

مندفعة: بأنّ إمکان ترتّب الفائدة علی الحکم الشرعیّ أحیاناً لاإنکار له، ولکن ذلک لایکفی للحکم بالملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعیّ لجواز اکتفاء الشارع بالحکم العقلی فی إتمام الحجّة، إذ غایة ما تقضیه قاعدة اللطف، و الحکمة هو وجود ما یصلح للداعویّة، و الحکم العقلی فی سلسلة المعولات ممّا یصلح للداعویّة فلاحاجة إلی الجعل الشرعیّ المولویّ. نعم إذا علم باهتمام الشارع بحفظ الملاک بأکثر من ذلک فی بعض الموارد، أمکن استکشاف جعل شرعیّ فی مورد الحکم العقلیّ، ولکن قلّما توجد موارد یقطع بذلک فیها.

فتحصّل: أنّه لادلیل علی الملازمة إلّا فی موارد العلم باهتمام الشارع بحفظ الملاکات، بحیث لایکتفی بالحکم العقلی.

التنبیهات:

التنبیه الأول: أنّ قبح العزم و حسنه تبع لما یتعلّقان به من المعصیة و الطاعة.

و قبح المعصیة بما أنّها هتک لحرمة المولی ذاتیّ، و حسن الطاعة بما أنّها رعایة لحرمة المولی ذاتیّ. و علیه فقبح العزم فی التجرّی مثلاً لیس لما أنّه عزم بما هو عزم، بل لما أنّه عزم للمعصیة و مؤدٍّ إلیها، بالأخرة، إذ المعصیة الواقعیّة أو المعلومة مصداق للهتک، و العزم علی الهتک لیس مصداقاً للهتک، بل قبحه یکون من جهة تعلّقه بالهتک

ص:464

القبیح. و مقتضی ما ذکر، أنّ القبیح، هو العزم المتعقّب بالفعل الخارجی مع زعم کونه معصیة لصدق الهتک حینئذٍ، و إن لم یکن الفعل المذکور معصیة فی الواقع، و الهتک قبیح ذاتاً، و لاوجه لتخصیص القبح بمجرّد العزم و لو مع قطع النظر عن وجود متعلّقه. ودعوی أنّ القبیح یصدق علی ما إذا صار بصدد الجری الخارجی فیما یخالف رضا المولی، ولکن لم یتحقّق منه أیّ عمل خارجیّ أصلاً لمانع أقوی منه، کما لو أراد أن یسبّ المولی، فوضع شخص یده علی فمه و منعه عن التفوّه بأیّ کلمة، فلاإشکال فی صدق التجرّی و الهتک و غیرهما علی مجرّد کون العبد فی مقام الخروج عن العبودیّة، و بصدد مخالفة المولی و مجرّد الجری النفسیّ علی طبق الصفة الکامنة فی النفس، فإذا اتّضح صدق هذه العناوین علی العمل النفسیّ فی مورد کشف ذلک عن أنّ هذه العناوین لسیت من عناوین الفعل الخارجی، بل هی من عناوین النفس.

مندفعة: بأنّ مجرّد العزم مع قطع النظر عن الفعل الخارجیّ لیس بهتک و قبیح، و الحکم بالقبح فی المثال المذکور من جهة أنّ الإشارة تقوم فیه مقام الفعل مع وجود المانع، فلاتغفل.

التنبیه الثانی: أنه قد یقال بحرمة نفس القصد و العزم فی التجرّی من جهة الأدلّة النقلیّة.

أمّا من الآیات الکریمة فقوله تعالی:(تِلْکَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوًّا فِی الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ)1 یدلّ علی مبغوضیّة إرادة العلوّ و الفساد.

و قوله عزّوجلّ:(إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)2 یدلّ علی أنّ محبّة إشاعة الفحشاء سبب للعذاب.

ص:465

وقوله تبارک و تعالی:(وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْکُمْ بِهِ اللّهُ).1

و إلی غیر ذلک من الآیات الدالّة علی استحقاق المؤاخذة بسبب العزم و الإرادة.

و أمّا الروایات فموثّقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم نیّة المؤمن خیر من عمله، و نیّة الکافر شرّ من عمله، و کلّ عامل یعمل علی نیّته»(1) تدلّ علی أنّ نیّة الکافر شرّ.

و خبر زید بن علی، عن آبائه، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال: «إذا التقی المسلمان بسیفهما علی غیر سنة فالقاتل و المقتول فی النار، قیل یا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال صلی الله علیه و آله و سلم لأنّه أراد قتله».(2)

وخبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فی الخمر عشرة، غارسها، و حارسها، و عاصرها، و شاربها، و ساقیها، و حاملها، و المحمولة له، و بایعها، و مشتریها، و آکل ثمنها».(3)

ومرفوعة محمد بن مسلم، قال قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: «إنّما یجمع الناس الرضا و السخط فمن رضی أمراً فقد دخل فیه، و من سخطه فقد خرج منه».(4)

و إلی غیر ذلک، من الأخبار الکثیرة الدالّة علی حرمة نفس العزم، و استحقاق المؤاخذة علیه.

ولکن فی قبالها روایات اخری، تدلّ علی العفو و عدم ترتّب العقاب و المؤاخذة.

ص:466


1- (2) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، ح 2.
2- (3) الوسائل، الباب 67 من أبواب جهاد العدو، ح 1.
3- (4) الوسائل، الباب 55 من أبواب ما یکتسب به، ح 4.
4- (5) الوسائل، الباب 5 من أبواب الأمر و النهی، ح 10.

منها: صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال: «إنّ الله تبارک و تعالی جعل لآدم فی ذرّیّته، أنّ من همّ بحسنة فلم یعملها کتبت له حسنة، و من همّ بحسنة و علمها کتبت له عشراً، و من همّ بسیّئة لم تکتب علیه و من همّ بها و عملها کتبت علیه سیّئة».(1)

ومنها: صحیحة جمیل عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إذا همّ العبد بالسیّئة لم تکتب علیه».(2)

وغیر ذلک من الأخبار الدالّة علی عدم العقوبة و المؤاخذة علی نفس العزم علی المعصیة.

ویمکن الجمع بین الطائفتین باختلاف الموضوع، أی بحمل الأخبار الأخیرة علی صورة ارتداع المتجرّی عن قصده بنفسه، و حمل الأخبار السابقة علی من بقی علی قصده، حتّی عجز عن الفعل باختیاره.

أو بحمل الأخبار الأخیرة علی من اکتفی بمجرّد القصد و لم یشتغل بالمقدّمات و الأسباب، و الأخبار السابقة علی من اشتغل ببعض المقدّمات و الأسباب.

أو بحمل الأخبار الأخیرة علی العزم علی فعل المعصیة من نفسه و الأخبار السابقة علی الرضایة بفعل القوم و معصیة الغیر و غیر ذلک من المحامل الّتی توجب رفع التهافت. هذا مضافاً إلی أنّ النسبة بین الأخبار الدالّة علی مؤاخذة بعض النیّات کإرادة العلوّ و الفساد و بین الأخبار الدالّة علی العفو، عموم و خصوص، و مقتضاه هو تخصیص أخبار العفو بما دلّ علی مؤاخذة إرادة العلوّ و الفساد، و نحوهما.

و لو سلّم أنّ النسبة بینهما هی التباین یمکن الجمع بینهما بحمل أخبار العفو علی بیان عدم فعلیّة استحقاق العقوبة تفضّلاً من الله سبحانه و تعالی، و إن أبیت عن الجمع بین الأخبار و قلت بالتعارض بینهما، فیجری فیهما قواعد الأخبار المتعارضة. فإن قلنا

ص:467


1- (1) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 5.
2- (2) الوسائل، الباب 6 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 10.

بالتخییر فهو، و إلّا فالتساقط، و الرجوع إلی حکم العقل، و قدعرفت أنّ العقل لایحکم باستحقاق العقوبة علی مجرّد العزم، فتحصّل أنّه لادلیل عقلاً و لانقلاً علی فعلیّة حرمة نفس العزم عداً موارد خاصّة کالکفر، و محبّة إشاعة الفحشاء، و إرادة العلوّ و الفساد. فتختصّ عقوبة المتجرّی بما إذا أتی بالفعل فلایکفی فیه مجرّد العزم.

التنبیه الثالث: أنّ موضوع البحث فی التجرّی هو الحجّة، غیر المطابقة للواقع، سواء کانت هی القطع، أو العلم الإجمالی، أو الظّنّ، أو احتمال التکلیف المنجّز، کالشبهة البدویّة قبل الفحص، و علیه فالموضوع لایختصّ بالقطع.

فإذا قامت الحجّة المذکورة کان الحکم منجّزاً علیه، و لامؤمّن له بالنسبة إلیه، و مع عدم المؤمّن فإذا خالفه و أصاب القطع، أو الظنّ، أو الاحتمال المنجّز للواقع فهو عاصٍ حقیقة، وإلّا فهو من التجرّی، لأنّه لم یعمل بوظیفته و یخرج بارتکابه عن زیّ العبودیّة.

التنبیه الرابع: أنّه لو وجد مؤمّناً، و استند إلیه فی ارتکاب المشتبه کان معذوراً، سواء طابق المؤمّن للواقع، أو لم یطابق، لأنّه اعتمد علی الحجّة. و أمّا إذا لم یستند إلی الحجّة و ارتکب المشتبه برجاء مصادفة الحرام، فلو لم یصادف فهو من مصادیق التجرّی، و إن صادف الحرام فهو عاصِ حقیقة، و مطابقة عمله مع المؤمّن من دون استناد إلیه لایکفی فی صحّة الاعتذار بالنسبة إلی ارتکاب الحرام.

التنبیه الخامس: أنّ العقل حاکم باستحقاق العقوبة عند مخالفة أوامر الله تعالی و نواهیه، لأنّ المخالفة هتک لحرمة المولی، و خروج عن زیّ العبودیّة، ولکن لاحکم له باستحقاق المثوبة بالنسبة إلی موافقة أوامر الله تعالی و نواهیه، لأنّ الموافقة من أداء الوظیفة، کما أنّ إطاعة المملوک لمولاه لایوجب استحقاق المثوبة، لأنّه أتی بوظیفته. نعم غایة الأمر، أنّ العبد یصیر بذلک لائقاً للتفضّل من مولاه، و مقتضی ما ذکر هو حکم العقل باستحقاق العقوبة فی التجرّی دون الانقیاد و ان حکم بلیاقة المنقاد للتفضّل فلاتغفل.

ص:468

التنبیه السادس: أنّ حکم التجرّی یختلف شدّة و ضعفاً، مع اتّحاد المتجرّی به من ناحیة اختلاف حال المتجرّی، و من ناحیة اختلاف المنجزّ احتمالاً، وظنّاً و علماً.

فالتجرّی من العالم أو الشیخ المسنّ، أشدّ من الجاهل أو الشابّ، و المتجری مع الشک أقوی من التجرّی مع الاحتمال الضعیف، و أضعف من الظّنّ، إلّا إذا کان المتجرّی به مختلفاً، فیمکن أن یکون الإقدام الاحتمإلی أشدّ من الإقدام الظنّی، فالتجرّی بالإقدام الاحتمإلی علی قتل المؤمن، أشدّ من الإقدام الظنّیّ علی قتل حیوان محترم کما لایخفی.

التنبیه السابع: أنّه إذا عصی العبد مولاه بسبب غلبة شقوته، استحقّ العقوبة بنفس المخالفة، لصدق الهتک بالنسبة إلی مولاه، و إن لم یقصد الهتک باللحاظ الاستقلالی.

وإذا قصد عنوان التجرّی و المعصیة باللحاظ الاستقلالی، یتعدّد سبب الاستحقاق للعقوبة، و مقتضی التعدّد هو تعدّد استحقاق العقوبة، و لامجال لدعوی التداخل، إذا کان المسبّب قابلاً للتکرار، کما فی المقام.

لایقال: إنّ من العناوین المبغوضة ما یکون مقدّمة لما هو أشدّ مبغوضاً و قبحاً، فعلی تقدیر ترتّبه علیها، لایلاحظ إلّا بلحاظ المقدّمیّة المحضة، و لایوصف إلّا بالحرمة الغیریّة، و تکون مبغوضیّتها مندکّة فی الشدید، اندماج الضعیف فی الشدید، و مع الاندماج المذکور، فلایعدّان إلّا فعلاً واحداً، بخلاف ما إذا لم یترتّب علیها، فإنّها تستقلّ حینئذٍ بنفسها، و تعدّ مبغوضاً مستقلاً یترتّب علیها ما أعدّ لها من العقاب.

وحیث إنّ المعصیة الواقعیّة لایمکن وقوعها إلّا بالتجرّی، و لاینفکّ عنه، أکتفی فی العقاب بالعقاب علیها.

لأنّا نقول: لیس الکلام فی التجرّی بالمعنی الإلی حتّی یصحّ القیاس المذکور، بل الکلام فی التجرّی بالمعنی الاستقلإلی بأن یقصد عنوان التجرّی علی المعصیة بالمعنی

ص:469

الاستقلإلی زائداً علی ما لابدّ منه فی المعصیة من التجرّی بالمعنی الآلی، و حینئذٍ یجتمع سببان، لاستحقاق العقوبة، أحدهما هو المخالفة للأمر و النهی الواقعیّین عن عمد و اختیار، و ثانیهما قصد المتجرّی علی المعصیة باللحاظ الاستقلالی.

ودعوی: اتّحاد التجرّی علی المعصیة مع نفس الفعل المخالف للأمر أو النهی.

مندفعة: بما مرّ من أنّ التجرّی لیس هو الفعل المجرّد عن العزم، کما لیس هو العزم المجرّد عن الفعل، بل هو العزم المتعقّب بالفعل الخارجی. و من المعلوم أنّه مغایر مع الفعل المخالف للأمر و النهی. و مقتضی المغایرة هو التعدّد، و مقتضی التعدّد هو تعدّد استحقاق العقوبة.

و القول بأنّ وحدة العقوبة معلومة بالبداهة، مدفوع بأنّ ذلک فیما إذا لم یتجرّاً علی المعصیة بقصد المعصیة، و إنّما أتی بالمعصیة فقط، و إلّا فلاوجه لوحدة العقوبة. نعم یمکن عفو الشارع عن ذلک، و هو أمر آخر.

و قد ظهر ممّا مرّ، أنّ فی صورة التجرّی علی المعصیة باللحاظ الاستقلإلی و المصادفة، تحقّق السببان لاستحاق العقوبة من دون تداخل. و مقتضاه هو تعدّد استحقاق العقوبة.

هذا بخلاف ما إذا عصی العبد و اتّفق المصادفة، فإنّ السبب للاستحقاق فی هذه الصورة واحد.

فالمتحرّی المذکور أشدّ استحقاقاً فی صورة المصادفة من العاصی. أللّهمّ إلّا أن یدلّ الدلیل الشرعیّ علی عفو إحدی العقوبتین، ولکن لاینافی ما ذکرناه، بل هو مؤکّد للاستحقاق، کما لایخفی.

التنبیه الثامن: أنّ العقل حاکم فی التجریّ باستحقاق العقوبة، کما یکون حاکماً به فی المعاصی الواقعیّة. و أمّا تعیین نوع العقوبة أو مقدارها، فهو موکول إلی تعیین الشارع، لعدم إحاطة العقل بذلک.

ص:470

نعم یحکم العقل بالشدّة و الضعف، تبعاً للمعصیة الّتی تجرّی علیها، فالتجرّی علی الزنا بالمحصنة یوجب استحقاق العقوبة، بنحو أشدّ من التجرّی علی الزنا بالخلّیّة و هکذا.

و بالجملة المعاصی مختلفة فی شدّة استحقاق العقوبة و عدمها، و التجرّی تابع لها فی ذلک.

التنبیه التاسع: أنّه لافرق فی حکم العقل بقبح التجرّی بین کون الفعل المتجرّی به فی الواقع واجباً، أو حراماً، أو مستحبّاً، أو مکروهاً، أو مباحاً، لأنّ ملاک القبح فی التجرّی هو صدق الهتک، و هو متحقّق بإتیان ما علم أنّه محرّم، أو بترک ما علم أنّه مأمور به، من دون دخل، لمصادفة مع الواقع و عدمها. و إنّما اللازم هو إحراز الأمر و النهی فی صقع النفس، و هو حاصل، و معه فاستناد القبح إلی التجرّی ذاتیّ، و لا تأثیر لوجود المصالح فی الواقع فی رفع القبح، أو عدم فعلیّته عن الهتک، إذ المصلحة و المفسدة أمران واقعیّان وجودیّان، بخلاف الحسن و القبح، فإنّهما أمران ذاتیّان حقیقیّان، فی لوح الواقع الذی هو أوسع من لوح الوجود. و علیه فلاوجه للتفصیل المحکیّ عن صاحب الفصول فی التجرّی بین القطع بحرمة شیء غیر واجب واقعاً، و بین القطع بحرمة واجب غیر مشروط بقصد القربة، فرجّح العقاب فی الأوّل، و نفی العبد عن عدم العقاب فی الثانی مطلقاً، أو فی بعض الموارد، نظراً إلی معارضة الجهة الواقعیّة للجهة الظاهریّة، مستدلاً بأنّ قبح التجرّی عندنا لیس ذاتیّاً، بل یختلف بالوجوه و الاعتبار.

و ذلک لما عرفت من اختلاف باب المصالح و المفاسد الواقعیّة مع باب الحسن و القبح، فلامجال للتعامل بینهما و الکسر و الانکسار. هذا مضافاً إلی ما فی کلامه، من إنکار قبح التجرّی ذاتیّاً مع أنّ قبح الهتک ذاتیّ، و لایختلف بالوجوه و الاعتبار، فتدبّر جیّداً.

التبیه العاشر: أنّ الفعل الاختیاری هو الذی أتی به مع القصد، و یکفی فی ذلک تعلّق القصد به و لو بتخیّل کونه مصداقاً، لعنوان من العناوین و إن تخلّف قطعه بکون الفعل

ص:471

الذی قصده مصداقاً لذلک العنوان، فإنّ قطعه بکونه مصداقاً لذلک العنوان حیثیّة تعلیلیّة، لتعلّق القصد بالفعل، و لیس حیثیّة تقیّدیّة حتّی یستلزم تخلّفه عدم تعلّق القصد به، کما إذا أذن صاحب الدار لدخول شخص فی داره، بتخیّل أنّه عمرو، فإنّ الشخص المذکور مأذون فی دخول الدار و لو تخلّف تخیّل صاحب الدار. و علیه فالقطع بکون مائع خمراً یوجب فی المتجرّی أن یتعلّق إرادته بشرب هذا المائع الخارجی، بسبب تخیّل تطبیق الخمر علیه، و مع تعلّق إرادته بشرب المائع الخارجی، فالشرب المذکور مقصود و اختیاریّ، و لامجال لما قیل من أنّ ما قصده المتجرّی لم یقع، و ما وقع لم یقصد، ومع عدم کونه مقصوداً لیس بفعل اختیاریّ، ولایکون موضوعاً للحسن و القبح.

و لعلّ الوجه فی ذلک هو الخلط بین الحیثیّة التعلیلیّة و بین الحیثیّة التقییده، مع أنّ تخیّل المتجرّی لتطبیق عنوان حرام علی الفعل الخارجی لم یؤخذ فی الفعل بنحو التقیید، بل هو یوجب إرادته، نحو الفعل و لیس ذلک إلّا الحیثیة التعلیلیّة، کما لایخفی.

التنبیه الحادی عشر: أنّ المعیار فی نفی الجبر، و اختیاریّة الأفعال و التروک، هو التمکّن الوجدانی من خلافها بالتأمّل فیما یترتّب علیها من المصالح أو المفاسد، و العقوبة أو المثوبة، لوجود القدرة علی إیجاد الأضداد و النقائض عند إرادة الأفعال، أو التروک، و هذا هو حقّ الکلام فی إثبات الاختیار و نفی الجبر، و لافرق فی ذلک بین أفعال الجوارح و أفعال النفس من القصد و العزم و الإرادة. فإنّ اختیاریة کلّ واحد منها بالتمکّن من الخلاف، فما قیل فی تعریف الفعل الاختیاری من أنّه هو ما کان مسبوقاً بالإرادة و هی لیست باختیاریّة، و إلّا لزم التسلسل منظور فیه، لما عرفت من أنّ المعیار فی اختیاریّة الأفعال و التروک و نفی الجبر، هو التمکّن من الخلاف و إیجاد الأضداد أو النقائص، و لاحاجة مع وجود هذا المعیار فی إثبات الاختیار إلی استناد الأفعال و التروک إلی الإرادة، حتّی یقال إنّ الإرادة لیست باختیاریّة، و إلّا لزم التسلسل، بل یکفی فی الاختیاریّة مجرّد التمکّن من الخلاف.

ص:472

وعلیه فالمباحث الّتی أوردها فی الکفایة حول الإرادة ساقطة، إذ الإنسان مختار فی أفعاله و تروکه، بالتمکّن من الخلاف فیهما، و السعادة و الشقاوة لیستا ذاتیین بل هما مکتسبتان بالأعمال و الأفعال، کما فصّل فی محلّه، فلاتغفل.

الجهة الخامسة: فی أقسام القطع

ینقسم القطع إلی أقسام خمسة:

1 - القطع الطریقیّ المحض.

2 - القطع الموضوعی و هو علی أربعة أقسام: تمام الموضوع، أو جزؤه، و علی التقدیرین، إما یؤخذ علی وجه الوصفیّة، أو یؤخذ علی وجه الطریقیّة، فهذه خمسة.

ثمّ إنّه یقع الکلام فی مقامین.

المقام الأوّل: فی قیام الأمارات مقام القطع عند فقدان القطع

لاإشکال فی إمکان قیام الأمارات مقام القطع الطریقیّ المحض، بل القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة، لاعلی وجه الوصفیّة، أی بنحو الکشف التامّ الموضوعی.

والوجه فی قیامها مقام القطع الطریقی المحض، أو القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة، أنّ القطع المحض، أو المأخوذ علی وجه الطریقیّة فی موضوع حکم من الأحکام ملحوظ بما هو أحد مصادیق طرق منجّزة للواقع، و حیث إنّ الأمارة أیضاً بأدلّة اعتبارها من الطرق، فیفید فائدة القطع و تقوم مقامه، فیتنجّز به الواقع و یتحقّق به موضوع الحکم.

ثمّ إنّ المراد من قیام الأمارات مقام القطع، هو أن یعامل معها معاملة القطع و الیقین فی مقام العمل، و هذا أمر یستفاد من عموم أدلّة حجّیّة الأمارات من دون حاجة إلی تنزیل الظّنّ بمنزلة القطع، إذ بعموم الأدلّة تکون الأمارة من الطرق المعتبرة الّتی یحرز بها

ص:473

الواقع، و بهذه الأمارة یتحقّق مصداق موضوع الأحکام الّتی تترتّب فیها الحکم علی ما یقوم علیه الطریق المعتبر، لأنّ الأمارة طریقة معتبرة أیضاً.

نعم لو أخذ القطع فی موضوع حکم بنحو الصفتیّه أی بنحو یکون للکشف التامّ دخالة فیه فلاتقوم أمارة مقامه بأدلّة اعتبارها، إذ لاتفید الأمارة کشفاً تامّاً و المفروض دخالة الکشف التامّ فی تحقّق الموضوع. و لافرق فیما ذکرناه بین أن یکون القطع تمام الموضوع أو جزئه فلاتغفل.

المقام الثانی: فی قیام الاُصول مقام القطع

ولایخفی أنّ الاُصول علی قسمین: محرزة و غیرمحرزة.

أما الاُولی، فهی ناظرة إلی الواقع، کالاستصحاب و قاعدة الفراغ، و قاعدة عدم اعتبار شکّ کثیر الشکّ، و قاعدة عدم اعتبار شکّ الإمام و المأموم مع حفظ الآخر، و غیر ذلک من الاُصول المحرزة الّتی جعلها الشارع محرزة للواقع. إذ النظر فی الاستصحاب إلی الیقین السابق فی إحراز الواقع و فی قاعدة الفراغ یکون النظر إلی إرتکاز الفاعل حین العمل علی إتیانه بنحو کامل، و النظر فی شکّ الإمام و المأموم إلی حفظ کلّ واحد بالنسبة إلی الآخر فی إحراز الواقع.

والنظر فی شکّ کثیر الشکّ إلی حفظ المتعارف من الناس فی إحراز الواقع، و هکذا و بالجملة هذه الاُصول محرزة تعبّداً و تقوم مقام القطع الطریقی المجرّد، أو المأخوذ فی الموضوع بالشرح المذکور فی قیام الأمارات مقام القطع، و هو أنّ القطع معتبر من باب أنّه أحد الطرق من دون دخالة لوصف القطع، أو تمامیّة الکشف، فالمعتبر هو الطریق المعتبر، ومقتضی ذلک هو قیام الاُصول المحرزة مقام القطع بعد اعتبارها لکونه من الطرق المعتبرة.

ص:474

وأمّا الثانیة أی الاُصول غیر المحرزة الّتی لیس لها نظر إلی الواقع، بل هی مجرّد وظائف عملیّة للجاهل بالواقع کقاعدة الحلّیّة، و قاعدة الطهارة، و قاعدة الاحتیاط فی الشبهة البدویّة قبل الفحص، و البراءة العقلیّة و الشرعیّة بعد الفحص، فلاتصلح للقیام مقام القطع الطریقیّ و الموضوعی.

وذلک لعدم کونها محرزة للواقع، لابالوجدان و لابالتعبّد الشرعی و مع عدم کونها محرزة لیست مصداقاً للطرق، و مع عدم کونها من الطرق لاتکون قائمة مقام القطع الطریقی.

نعم، لو أخذ القطع بعنوان کونه حجّة من الحجج، فالأصول المذکورة تقوم مقامه، لأنّ کلّ واحد منهما حجّة فی مجراها، کما لایخفی.

فتحصّل: أنّ قیام الأمارات، و الاُصول المحرزة مقام القطع الموضوعیّ المأخوذ علی وجه الطریقیّة لاإشکال فیه ثبوتاً و إثباتاً و لاحاجة فیه إلی تجشّم الاستدلال.

الجهة السادسة: فی إمکان أخذ القطع فی موضوع نفسه، أو مثله، أو ضدّه، أو مخالفه و عدمه.

أمّا الأوّل فقد یقال إنّه لایکاد یمکن للزوم الدور، إذ القطع المتعلّق بحکم یکون طریقاً إلیه، و معنی کونه طریقاً إلی الحکم هو فعلیّة الحکم مع قطع النظر عن تعلّق القطع به، و معنی کون القطع مأخوذاً فی موضوع نفسه هو عدم کون الحکم فعلیّاً إلّا بعد تعلّق القطع به، إذ فعلیّة الحکم تابعة لفعلیّة موضوعه، فیلزم توقّف فعلیّة الحکم علی القطع به مع أنّ شأن طریقیّة القطع یقتضی فعلیّة الحکم فی رتبة سابقة علیه، و هذا هو الدور.

اورد علیه بأنّ الدور لازم لو کان القطع مأخوذاً لحکم نفسه علی نحو الجزئیّة، بمعنی أنّ القطع مع نفس الواقع أعنی الحکم الشرعیّ الخارجی موضوع لحکم نفسه، فالقطع حینئذٍ یتوقّف علی وجود الحکم، و لو توقّف الحکم علی القطع لزم الدور.

ص:475

هذا بخلاف ما إذا کان القطع تمام الموضوع لحکم نفسه فإنّه لایلزم الدور، لأنّ ما هو الموضوع هو القطع، سواء طابق للواقع أو لم یطابق. لأنّ الإصابة و عدمها خارجتان من وجود الموضوع، و علیه فلایتوقّف حصول القطع علی الواقع، المقطوع به. و إن توقف علی المقطوع بالذات أعنی الصورة الذهنیّة من الحکم. و أمّا المقطوع بالعرض الذی هو مقطوع به فی الخارج فلایتوقّف القطع علی وجوده فلایلزم الدور.

وبالجملة أنّ التوقّف من طرف واحد، إذ الحکم متوقّف علی القطع بالحکم، ولکن القطع بالحکم لا یتوقّف علی الحکم الخارج، و من المعلوم أنّ التوقف من طرف واحد لایلزم الدور.

و أجیب عنه بأنّ الدور و إن سلّم انتفائه فیما إذا کان القطع تمام الموضوع، ولکن مع ذلک یلزم من أخذ القطع باالحکم فی موضوع نفسه الخلف، و هو محال، لأنّ فرض تعلیق وجوب طبیعیّ الصلاة، علی العلم بوجوب طبیعیّ الصلاة مثلاً یساوی فرض عدم الوجوب لطبیعیّ الصلاة و فرض نفس القید و هو العلم بوجوب الصلاة هو فرض تعلّق الوجوب لطبیعیّ الصلاة و من المعلوم أنّ فرض تعلّق الوجوب لطبیعیّ الصلاة خلف فی فرض عدم الوجوب لطبیعی الصلوة عند تعلیق وجوب الطبیعیّ من الصلاة علی العلم بوجوبه.

وعلیه فجعل الوجوب علی المعلوم الوجوب بنحو القضیّة الحقیقیّة حتّی یصیر الحکم فعلیّاً بفعلیّة موضوعه یستلزم الخلف.

وجعل الوجوب واقعاً علی طبق ما اعتقده القاطع من الوجوب، من باب الاتّفاق، لابنحو القضیّة الحقیقیّة، بحیث لایکون وجوب واقعاً قبل حصول القطع به، فلایلزم منه محذور الخلف.

ص:476

ولکنّه یشکل مضافاً إلی کونه ممّا یشبه بالتصویب، و هو خلاف المذهب من جهة أنّ جعل الحکم بعثاً و زجراً لجعل الداعی، ومع فرض علم المکلّف بالحکم لایفید الجعل أثراً فی ذلک و هو لغو.

فتحصّل: أنّ أخذ القطع فی موضوع نفس الحکم محال، إمّا من جهة الدور، أو من جهة الخلف، أو من جهة اللغویّة.

فموضوع الحکم لایکون مقیّداً بالعلم به، و لابالجهل به، بل هو مطلق و محفوظ فی جمیع الحالات بالبرهان، لابالمقدّمات. فإنّها تجری فیما إذا أمکن التقیید. و قدعرفت عدم إمکان التقیید فی مثل المقام، ثمّ إنّ محذور الدور لایختصّ بالتقیید، بل هو لازم فیما إذا قلنا بنتیجة التقیید، إذ مرجهما إلی اختصاص الحکم بالعالم به، و معناه توقّف الحکم علی العلم به مع أنّ العلم بالحکم متوقّف علی وجود الحکم، و هو دور.

ودعوی أنّ الإهمال الثبوتیّ لایعقل، فلابدّ إما من نتیجة الإطلاق أو من نتیجة التقیید. فإنّ الملاک الذی اقتضی تشریع الأحکام، إمّا یکون محفوظاً فی کلتی حالّتی الجهل و العلم. فلابدّ من نتیجة الإطلاق، و إمّا أن یکون محفوظاً فی حالة العلم فقط، فلابدّ من نتیجة التقیید، و حیث لم یمکن أن یکون الجعل الأوّلی متکفّلاً لبیان ذلک، فلابدّ من جعل آخر یستفاد منه نتیجة الإطلاق أو التقیید، و هو المصطلح علیه بمتمّم الجعل.

فاستکشاف کلّ من نتیجة الإطلاق و التقیید یکون من دلیل آخر. و قد ادّعی تواتر الأدلّة علی اشتراک الأحکام فی حقّ العالم و الجاهل، ولکن تلک الأدلّة قابلة للتخصیص، و قد خصّصت فی غیر مورد، کما فی مورد الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام، حیث قام الدلیل علی اختصاص الحکم فی حقّ العالم، فقد أخذ العلم شرطاً فی ثبوت الحکم واقعاً.

ص:477

مندفعة: بأنّ الانقسامات اللاحقة علی ضربین أحدهما: ما لایمکن تقیید الأدلة به، بل و لایمکن فیه تنیجة التقیید، مثل أخذ القطع موضوعاً بالنسبة إلی نفس الحکم، فإنّه غیر معقول لابالتقیید اللحاظی و لابنتیجة التقیید، فإنّ حاصل التقیید، و نتیجته أنّ الحکم مختصّ بالعالم بالحکم، و هذا دور.

وحاصله توقّف الحکم علی العلم به، و هو متوقّف علی وجود الحکم، و هذا الامتناع لایرتفع لابالتقیید اللحاظی و لابالنتیجة التقیید.

وعدم الإعادة فی موضع الجهر و الإخفات، أو القصر و الإتمام، لایستلزم إختصاص الحکم بالعالم، لاحتمال أن یکون ذلک من جهة تقبّل مصداق الجهر مکان الإخفات، أو من جهة التخفیف، أو من جهة عدم قابلیّة المحلّ، للقضاء و الاعادة بعد الإتیان بما کان خلاف الوظیفة.

وأمّا الثانی: أی أخذ القطع بالحکم فی موضوع الحکم المماثل، فقد یقال إنّ ذلک غیر ممکن. بیان ذلک أنّه إذا قیل «إن قطعت بحرمة الخمر حرّمت علیک الخمر بحرمة اخری»، فإن قلنا بتعدّد الحکمین فی موضوع واحد فهو مستحیل، لأنّ الأحکام کالأعراض بلحاظ موضوعاتها، فکما أنّ اجتماع الأعراض فی الموضوع الواحد مستحیل، فکذلک الأحکام الّتی نزلت منزلتها.

و إن لم نقل بتعدّد، بل قلنا بالتأکّد، ففیه أنّ التحریک التنزیلیّ المنتزع عن الإنشاء بداعی جعل الداعی و إن کان یصحّ اعتبار الشدة و الضعف فیه، لکن لیس ذلک بنحو الحرکة و الاشتداد، بداهة أنّ الإنشائین الصادرین لجعل الداعی لیس بینهما اتّصال فی الوجود الوحدانی کی یجری فیها الحرکة و الاشتداد، و إن کان یختلف حمل الطبیعة علی أفراد التحریک التنزیلی بالشدّة و الضعف فیقال إنّ وجوب الصلاة أشدّ و أقوی من وجوب غیرها.

ص:478

و لو فرض فیما نحن فیه، تأکّد الداعی، و تأکّد الإرادة، و صدور التحریک المنزل منزلة التحریک الشدید، و سقوط الإنشاء السابق عن کونه محرّکاً، کان خلفاً، و إلّا لکان من اجتماع المثلین.

ودعوی إمکان انتزاع البعث الأکید عقلاً من مجموع الإنشائین، فلایلزم الخلف و لااجتماع المثلین غیر صحیحة، لأنّ خارجیّة الأمر الانتزاعی بخارجیّة منشأ انتزاعه، ومجموع الإنشائین واحد بالاعتبار لابالحقیقیة، فلامنشأ انتزاع للبعث الأکید حقیقیة حتّی یتحقّق البعث الأکید انتزاعا.

ویمکن الجواب، أمّا عن الأوّل، بأنّا لا نسلّم کون الأحکام، کالأعراض فإنّ الأعراض من الواقعیات، و الأحکام من الاعتباریّات.

فإن کان الکلام بلحاظ عالم الجعل فلایلزم من أخذ القطع بالحکم فی موضوع الحکم المماثل محذور اجتماع مثلین بعد کونهما من الاعتباریّات الّتی تکون خفیفة المؤونة، و إن کان الکلام بلحاظ مبادئ الحکم من الإرادة و الکراهة، ففیه أنّ تعدّد المصلحة لایوجب تعدّد الإرادة المستقلّة فی الداعویّة، بل یصیر منشاً لحصول إرادة أکیدة، و الإرادة الأکیدة توجب إنشاء البعث المؤکّد، أو توجب الإنشائین اللذین یفیدان تأکّد البعث.

و إن کان الکلام بحسب المنتهی أعنی مقام الامتثال، امتنع تحقّق داعیین مستقلّین، نحو فعل واحد لعدم قابلیّة المحلّ، بل یؤول الخطابان إلی تأکّد الداعی، و الحکم، کما یشهد له تأکّد الداعی و الحکم فی مجمع العنوانین، کقولهم: «أکرم العالم و أکرم الهاشمی»، و لذا لم یقل أحد فی المجمع بلزوم الأکرامین، و لم یذهب أحد إلی خروج المورد عن کلا الحکمین بدعوی استلزام اجتماع المثلین.

ص:479

وأمّا الجواب عن الثانی، بأنّ التأکید حاصل من تصادق العنوانین علی مورد الاجتماع، سواء کان من قبیل العموم من وجه، أو العموم المطلق، و توجّه الطلبین إلی مورد الاجتماع یوجب تأکّد الحکم و الطلب، و لایلزم فی التاکّد إمکان الحرکة والاشتداد، بل یکفیه تراکم الطلب، بل لایلزم فی التاکّد شدة الطلب، بل تعدّد الطلبین یفید فی مورد الاجتماع تأکّد الطلب و هو یوجب تأکّد الداعی، کما هو کاشف عن تأکّد الإرادة.

فتحصّل: أنّ اجتماع المثلین مع التزام التأکّد فی المبدأ، أو المنتهی، لایکون مستحیلاً، بل المستحیل، هو التزام التعدّد بنحو الاستقلال.

و علیه فأخذ القطع لحکم فی موضوع حکم آخر مثله ممکن، و یرجع إلی التأکّد، و لامانع منه، لافی مقام الجعل، و لافی المبدأ، و لا فی المنتهی.

و أمّا الثالث و هو أخذ القطع بالحکم فی موضوع ضدّه، کما إذا قال المولی إذا قطعت بوجوب الصلاة تحرم علیک الصلاة.

فقد یقال إنّ ذلک مستحیل لأنّ لازمه هو اجتماع الضدّین، لأنّ الحرمة و إن تعلّقت بالصلاة بما هی مقطوعة الوجوب فی مفروض المثال، إلّا أنّ الوجوب قد تعلّق بها بما هی، و إطلاقه یشمل ما لو تعلّق القطع بوجودبها، فلزم من ذلک اجتماع الضدین. فإنّ مقتضی إطلاق الوجوب، کون الصلاة واجبة و لو حین تعلّق القطع بوجوبها، و القطع طریق محض و مقتضی کون القطع بالوجب مأخوذاً فی موضوع الحرمة کون الصلاة حراماً فی هذا الحین، و هذا هو اجتماع الضدّین.

واُجیب عن ذلک بأنّه، لااستحالة فی اجتماع الضدّین فی الأحکام بعد ما عرفت من کونها من الاعتباریّات، و لاتقاس الأحکام بالأعراض.

ص:480

نعم یشمل ذلک من جهة مقام الإثبات، فإنّ جعل الضدّین لاداعی له عند العقلاء، بل هو نقض للغرض.

هذا مضافاً إلی استحالة ذلک بالنسبة إلی مقام الامتثال لامتناع الامتثال فی الحکم الزاجر الباعث فی عرض واحد لعدم إمکان تحقّق الانزجار و الانبعاث فی آنٍ واحد فتأمّل.

وأمّا الرابع و هو أخذ القطع بحکم فی موضوع حکم مخالف له کما إذا قیل إن قطعت بوجوب الصلاة وجب علیک الصوم، فلاإشکال فی إمکانه.

الجهة السابعة: فی أخذ الظنّ فی موضوع الحکم، و لایذهب علیک أنّ أخذ الظنّ فی موضوع نفسه فهو غیر ممکن لما مرّ فی القطع من الدور أو الخلف، سواء أخذ الظنّ علی نحو الجزئیّة أو تمام الموضوع و سواء کان الظنّ معتبراً أو لم یکن.

وهکذا، لایمکن أخذ الظنّ المعتبر نحکم فی موضوع حکم مضادّ لعدم إمکان اجتماع الانبعاث، نحو عمل مع الانزجار عنه فی مقام الامتثال، کما لایمکن اجتماع الإرادة و الکراهة، بالنسبة إلی عمل واحد بحسب المبادی، و یتبع عدم إمکان الاجتماع بحسب مقام الامتثال و المبادی لم یتعلّق الجعل بالحکمین من المولی الحکیم. نعم لو لم یکن الظنّ المأخوذ معتبراً فقد یقال أمکن أخذه بدعوی أنّ الظنّ غیر المعتبر فی حکم الشکّ، و معه تکون مرتبة الحکم الظاهریّ محفوظة، فلایلزم من جعل الحکم المضادّ، فی فرض الجهل بالواقع اجتماع الضدّین و إلّا فلایمکن الجمع بین الحکم الواقعیّ و الظاهریّ فی جمیع موارد الجهل بالواقع.

اورد علیه، بأنّ الکلام لیس فی إمکان جعل الحکم الظاهریّ و عدمه بل الکلام فی إمکان جعل الحکم الواقعیّ من حیث إنّه یمکن أخذ الظنّ بحکمه فی موضوع حکم واقعیّ آخر یضادّه أم لا. و الصحیح أن یقال: إنّ أخذ الظنّ فی موضوع حکم آخر مضادّ له غیر ممکن و إن کان الظنّ غیر معتبر، و الوجه فی ذلک ما مرّ فی القطع من أنّ إطلاق

ص:481

الحکم الّذی تعلّق به الظنّ یشمل صورة الظنّ به، فلایجتمع مع ضدّه المترتّب علی الظنّ بالحکم حسب الفرض.

وتوهّم أنّ الظنّ یحتمل أن یکون مخالفاً للواقع، و معه لایکون إلّا حکم واحد وهو ما أخذ الظنّ فی موضوعه.

مدفوع بأنّه یکفی فی الاستحالة احتمال مطابقة الظنّ للواقع، فإنّ احتمال اجتماع الضدّین أیضاً محال.

ولکنّ التحقیق هو إمکان الأخذ، لأنّ مع عدم اعتبار الظنّ لایکون فی الواقع حکم فعلیّ، و مع عدم فعلیّة المظنون لایجتمع الإرادة و الکراهة، و لاالانبعاث، و الانزجار بحسب المبادی و المنتهی، فلاوجه لدعوی الاستحالة و أمّا اجتماع الضدّین فی مقام الجعل فقد عرفت أنّه لیس بمحال، لأنّ الأحکام فی نفسها من الاعتباریّات والاستحالة فیها باعتبار المبادی و المنتهی. و المفروض عدم اجتماع الإرادة و الکراهة، و لاالانبعاث و الانزجار بحسبهما.

ثمّ إنّ أخذ الظنّ بحکم فی موضوع حکم یماثله ممکن و یفید التأکید کما مرّ فی القطع و هکذا یمکن أخذ الظنّ فی موضوع حکم مخالف، کما إذا قیل إن ظننت بوجوب الصلاة، یجب علیک التصدّق، و هو تابع للتعبّد الشرعیّ فی کون الظنّ تمام الموضوع، أو جزئه.

الجهة الثامنة:

فی وجوب موافقة القطع بحسب الالتزام القلبیّ المعبّر عنه بعقد القلب علی ما علمه و الخضوع القلبی له، بحیث یکون کلّ حکم علم به علی تقدیر ثبوته منحلاً إلی أمرین: أحدهما هو وجوب الإتیان، أو الاجتناب عنه، بحسب الخارج، و ثانیهما، هو وجوب الخضوع القلبی، و الالتزام بالعمل به فی الجنان.

ص:482

ثمّ إنّ عقد القلب و الخضوع القلبی من الأفعال الاختیاریّة القلبیّة وراء نفس العلم و الیقین، لجواز تفکیکهما عن العلم، و لذلک کان بعض الکفّار غیر مؤمنین فی عین کونهم عالمین بالمبدأ و المعاد و مع ذلک کانوا مکلّفین بالایمان، و هو شاهد علی أنّ الإیمان و هو عقد القلب علی ما کانوا عالمین به، أمر اختیاریّ.

و أیضاً یعتضد ذلک بالوعید بالعقوبة عند التخلّف عن الإیمان و مقدّمات البرهان، لاتفید إلّا العلم، و هو قهریّ. و أما عقد القلب، فهو لایکون قهریّاً، بل یحتاج إلی إرادة العالم.

و دعوی أنّ التسلیم القلبی لایحصل بالإرادة و الاختیار، فمن قام عنده البرهان علی شیء، لایمکن له عقد القلب عن صمیمه بعدم وجوده.

مندفعة: بأنّ ما لایکون اختیاریّاً هو العلم لاعقد القلب.

فإذا عرفت ذلک، فاعلم، أنّه لادلیل علی وجوب الالتزام القلبیّ بالنسبة إلی الاحکام المعلومة، إذ الامتثال فی الأحکام المعلومة حاصل بالإتیان بها أو الاجتناب عنها فی الخارج، و لو مع عدم الالتزام القلبیّ بها و الواجب هو الإتیان بها، أو الاجتناب عنها فی الخارج، و لادلیل علی أزید منه.

والشاهد لذلک حکم الوجدان بعدم استحقاق العقوبتین لو خالف و لم یمتثل.

لایقال: یکفی فی ذلک وجوب تصدیق النبیّ صلی الله علیه و آله و سلم فیما جاء به، فإنّه یقتضی وجوب الموافقة الالتزامیّة، إذ تصدیق النبی صلی الله علیه و آله و سلم لاینفکّ عن البناء القلبی علی موافقته.

لأنّا نقول: إنّ غایة ما یستفاد من وجوب تصدیق النبی صلی الله علیه و آله و سلم هو وجوب تصدیقه فی «أنّ ما جاء به، و أخبر عنه هو واجب، صادر من قبل الله تعالی»، و هذا المعنی لایرتبط بالالتزام القلبیّ علی العمل بما علمه من الأحکام.

ص:483

ثمّ إنّه علی تقدیر تسلیم ثبوت وجوب الالتزام القلبیّ بالعمل بالأحکام، لا ینافیه جعل حکم ظاهریّ فی مورد الدوران بین المحذورین، أو مورد أطراف المعلوم بالإجمال.

إذ المراد من وجوب الموافقة الالتزامیة، إمّا وجوب الالتزام بما هو الواقع علی الإجمال، و لامنافاة بین الإباحة الظاهریّة، للأصل، و الالتزام بالحکم الواقعیّ علی ما هو علیه من الوجوب أو الحرمة.

أو المراد من وجوب الالتزام، هو وجوب الالتزام بکلّ حکم بعینه و شخصه، فلاإشکال فی سقوط هذا الواجب فی موارد الدوران بین المحذورین، أو أطراف المعلوم بالاجمال، لعدم إمکان معرفة شخص التکلیف، و مع سقوط هذا التکلیف فلا مانع من جریان الحکم الظاهریّ، کما لایخفی.

أو المراد من وجوب الالتزام وجوب الالتزام بأحدهما علی نحو التخییر، و لاکلام فی بطلان ذلک، إذ کلّ تکلیف یقتضی الالتزام به علی تقدیر ثبوت وجوب الالتزام، لاالالتزام، به أو بضدّه علی نحو التخییر.

فتحصّل: أنّه لامانع من جریان الأصل فی موارد دوران الأمر بین المحذورین، و فی موارد العلم الإجمالی من ناحیة الموافقة الالتزامیّة.

الجهة التاسعة:

فی قطع القطّاع و الوسواس و نحوهما، و لایخفی علیک أنّ حکم العقل بالتنجیز، وقبح مخالفة التکلیف المقطوع و استحقاق العقوبة، یکون من باب أنّ المخالفة مع التکلیف المعلوم مصداق لهتک المولی، و هو ظلم، إلّا أنّ هذا الحکم یکون متفرّعاً علی المخالفة للتکلیف من حیث هی هی.

ص:484

فلامنافاة لأن ینطبق علی المخالفة المذکورة حکم آخر من جهة طروّ عنوان آخر أهمّ یزاحمه کالتحرّز عن الوقوع فی کثیر من الموارد فی خلاف الواقع، أو التحرّز عن إطاعة الشیطان و تعوّده لذلک.

ومع أهمّیّة العنوان الآخر الطاری لایبقی حکم العقل بالقبح علی فعلیّته، لوجود تزاحم الأهمّ.

ولاإشکال حینئذٍ فی أن یحکم الشارع المطّلع علی العنوان الطاری بالمنع عن العمل بالمقطوع، بل لاإشکال فی ذلک لکل من یعلم بطروّ العنوان الأهمّ، القاطع الذی لم یلتفت إلی ذلک رأی أنّ وظیفته هو الأخذ بما حکم به عقله، و لایمکن ردعه عن ذلک إلّا بتنبیهه إلی طروّ العنوان الأهمّ، أو یمنعه الشارع قبل صیرورته قاطعاً عن سلوک مقدّمات توجب القطع فلو قصّر فی المقدّمات المذکورة و حصل له القطع، لایکون معذوراً فی ذلک.

بل یمکن أن یقال: لاتنجیز للقطع المذکور، لأنّ التنجیز لیس کالکشف أمراً ذاتیّاً قهریّاً للقطع، بل هو حکم العقل، بملاحظة المصالح و المفاسد و المزاحمات ففی صورة تزاحم مصلحة الإطاعة لله تعالی مع مفسدة، تعوّد إطاعة الشیطان فی وسوسته لاحکم للعقل بالطاعة.

بل لاحکم للعقل مع الالتفات الإجمالی و احتمال عروض بعض العناوین المزاحمة.

ودعوی: أنّ القاطع بالحکم لایمکن إرجاعه إلی أحکام الشکّ من الاُصول العلمیّة لعدم شمولها له.

مندفعة: بأنّ عدم شمول أحکام الشکّ فی حال کون القاطع قاطعاً، لاینافی عدم المعذّریّة فی الجاهل المرکب المقصّر، و الوسواسی، و القطّاع و نحوهم بعد عروض العناوین المزاحمة، أو النهی عن سلوک بعض الطرق المؤدّیة إلی القطع.

ص:485

فیجوز للشارع أن یمنع عن اتّباع القطع الطریقی فی الموارد المذکورة، و القاطع فی هذه الموارد إذا التفت إلی أنّ الشارع لایحکم إلّا بملاحظة العناوین المزاحمة زال قطعه، أو حکمه من المعذّریّة و المنجزیّة. و بالجملة، فدعوی استحالة المنع عن العمل بالقطع صحیحة فیما إذا کان القطع طریقیّاً و لم یعرض عنوان مزاحم آخر.

تعاضد الدین و العقل البدیهیّ

ولایذهب علیک أنّه لاتعارض بین الدلیل العقل البدیهیّ الفطری، و بین الأدلّة النقلیّة لأنّ کلّ واحد مکمّل للآخر لوضوح کون الدین مبنیّاً علی الفطرة. و لایمکن صدور المنع الشرعیّ عن الدلیل العقل البدیهی، و إلّا لزم المناقضة فی الأحکام، و لاکلام فی ذلک إلّا ما عن بعض أصحابنا من المحدّثین حیث ذهبوا إلی إمکان صدور المنع الشرعیّ عن العقل البدیهی، و اللازم، حینئذٍ هو تقدیم الدلیل النقلی علی العقلی البدیهی عند التعارض.

ولعلّ منشأ ذلک هو الأخبار الدالّة علی «أنّه حرام علیکم أن تقولوا بشیء ما لم تسمعوا منّا» و علی «انّه لو أنّ رجلاً قام لیله و نهاره، و تصدّق بجمیع ماله، و حجّ جمیع دهره، و لم یعرف ولایة ولی الله، فیوالیه و یکون جمیع أعماله بدلالته إلیه ما کان له علی الله حقّ فی ثوابه، و لاکان من أهل الإیمان» و علی «أنّه من دان الله بغیر سماع من صادق، فهو کذا و کذا».

وعلیه فکلّ حکم لم یکن الإمام واسطة فی إبلاغه لم یجب امتثاله و لو دلّ علیه العقل البدیهیّ.

والجواب عن هذه الأخبار، أنّ النظر فیها إلی المنع عن الاستبداد بالعقول الناقصة الّتی اکتفت فی کشف الأحکام الشرعیّة بالأقیسة و الاستحسانات و نحوها من دون مراجعة إلی حجج الله تعالی و لانظر فیها ذلی ما یقتضیه العقل البدیهیّ الفطریّ، فلاتغفل.

ص:486

الملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعی

وقد اشتهر کلّ ما حکم به العقل، حکم به الشرع، و العکس، أی کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل.

و هذا یحتوی الملازمتین.

أمّا الملازمة الاُولی، فیمکن تصوّرها فی أقسام ثلاثة:

الأوّل: أنّ العقل کثیراً ما لایکون محیطاً بالنسبة إلی المناطات، و علل الأحکام و موانعها. و لذا لایتمکّن من الحکم فیها، و مع عدم حکم العقل لاملازمة، کما هو واضح. نعم إذا کان العقل محیطاً بالنسبة إلی مورد و حکم به و لایکون الحکم العقلی کافیاً فی جعل الداعی فدعوی الملازمة فیها لیست بمجازفة ولکنّه قلیل الوقوع.

الثانی: أنّ العقل یدرک المستقلاّت العقلیّة کإدراک حسن العدل، و قبح الظلم، وحسن شکر المنعم، و قبح کفرانه، و حسن تصدیق النبیّ بعد إقامة المعجزة، و قبح الکفر به، و حسن الطاعة، و قبح المعصیة.

ولامجال لإنکار حکم العقل فی أمثال هذه الموارد و لو لاذلک لما کان طریقاً إلی إثبات النبوّة و الشریعة و لو لاحکم العقل بقبح الإغراء لم یمکن تصدیق النبیّ بعد إقامة المعجزة، لاحتمال الکذب فی ادّعاء النبوّة. ففی هذه الموارد یصحّ دعوی الملازمة بین الحکم العقل و الشرع.

نعم حکم العقل بحسن الطاعة، و قبح المعصیة یکون فی طول الحکم الشرعی وفی مرتبة معلوله، إذ الموضوع مقدّم علی الحکم، و هو الطاعة و المعصیة، و هما بعد صدور أمر مولویّ من الشارع فلایمکن فی مثل هذا المورد أن یکشف الحکم العقلیّ عن الحکم الشرعیّ، کما لایخفی.

ص:487

لایقال: إنّ دعوی الملازمة و إن کانت ممکنة، ولکن مع إمکان اکتفاء الشارع بالحکم العقلی البدیهی بما هو عاقل، لاملزم علیه أن یحکم به بما هو شارع.

لأنّا نقول: إنّ الإنصاف، أنّ الحکم العقلی کثیراً ما لایکفی فی إمکان جعل الداعی فی أوساط الناس، و علیه فمقتضی قاعدة اللطف و الحکمة، هو أن یحکم الشارع بما هو شارع أیضاً، فما نسب إلی المشهور من وجود الملازمة صحیح عند إحاطة العقل بالعلل و عدم وجود المزاحمات، و کون حکمه فی ناحیة العلل و المناطات، أو الواقعیّات الّتی تکون من المقدّمات و المبادی.

والثالث: أنّ العقل یدرک أموراً واقعیّة، مع قطع النظر عن ثبوت شرع و شریعة، نظیر إدراکه استحالة اجتماع النقیضین، أو الضدّین، أو تقدّم المعلول علی وجود العلّة و غیر ذلک، و یسمّی إدراکه بالنسبة إلی هذه الاُمور عقلاً نظریّاً.

و هذه الاُمور کثیراً ما تنضمّ بصغریات شرعیّة، و بعد تمامیّة الصغری و الکبری یستکشف بها الحکم الشرعیّ و لاکلام و لاخلاف فی ذلک.

وأمّا الملازمة الثانیة، أعنی قاعدة کلّ ما حکم به الشرع، حکم به العقل، فهی صحیحة، إن ارید من الحکم الشرعیّ، الحکم الشرعیّ الحقیقی، و ارید من العقل هو العقل المحیط علی مناطات شرعیّة.

و ذلک لما علیه العدلیّة من ابتناء الأحکام علی المصالح و المفاسد، فکلّ ما حکم به الشرع بحکم حقیقیّ یدرکه العقل المحیط بالمصالح و المفاسد، بلاکلام.

فلایرد علیه أنّ الأوامر الامتحانیّة، أو الصادرة تقیّة، کانت من الأحکام الشرعیّة، و مع ذلک لایحکم العقل بها فدعوی الملازمة غیر تامّة، لأنّ الأوامر الامتحانیّة و الصادرة تقیّة لیست بأحکام حقیقة بل هی إمّا توریة، أو تؤوّل إلی الأوامر المتعلّقة بالمقدّمات، دون ذیها.

ص:488

ودعوی: أنّ الحکم الشرعیّ لایکشف عن المصلحة و المفسدة إلّا إجمالاً و العقل لایمکن له الحکم بحسنه، أو قبحه تفصیلاً.

وأمّا الحکم بحسنه أو قبحه إجمالاً، بدعوی اندراجه تحت القضایا المشهورة فلادلیل له، لأنّ المصالح و المفاسد الّتی هی ملازمات الأحکام الشرعیة المولویّة لایجب أن یکون من المصالح العمومیّة الّتی یحفظ بها النظام، و یبقی بها النوع.

کما أنّ الأحکام الشرعیّة غیر منبعثة عن انفعالات طبیعیّة من رأفة، أو ألفة، أو غیرها. و لاملاک للحسن و القبح العقلیّین إلّا أحد الأمرین. نعم العقل یحکم بأنّ الأحکام الشرعیّة لم تنبعث إلّا عن حکم و مصالح خاصة راجعة إلی المکلّفین بها فالحکم بالعلّة لمکان إحراز المعلول، أمر، و الحکم بالحسن و القبح العقلائیّین، أمر أخر.

مندفعة أوّلاً: بأنّ العقل یحکم بالحسن و القبح، و لو لم یکن نظام و اجتماع، مثلاً العقل یحکم بحسن العدل و قبح الظلم و لایتوقّف حکمه بذلک مع وجود الاجتماع و تطابق آرائهم علی حسن المصالح و قبح المفاسد الّتی یحفظ النظام أو یختلّ بها.

بل العقل یبتهج من العدل، و یشمئزّ من الظلم قبل الاجتماع، و تطابق الآراء. والوجه فیه أنّ الظلم نقص و العدل کمال، وعلیه فلاوجه لتخصیص التحسین، و التقبیح العقلیّین، بموارد القضایا المشهورة المتقوّمة بوجود الاجتماع و تطابق آرائهم.

وثانیاً: أنّ حکم العقلاء بالتحسین و التقبیح فی موارد القضایا المشهور ینتهی إلی صفتی النقص أو الکمال، طبقاً لقاعدة کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذّات، و إلّا لزم التسلسل، فتحصّل أنّ العقل إذا کان محیطاً علی مناطات شرعیّة حکم بما حکم به الشرع لتمامیّة المناطات الشرعیّة، وعلیه ففی الفرض المذکور صحّت الملازمة الثانیة أعنی قاعدة کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل، فلاتغفل.

ص:489

موارد النهی عن العمل بالقطع

بعد ما عرفت من إمکان ورود النهی عن العمل بالقطع فیما إذا کانت مقدّماته و أسبابه غیر صحیحة، أو عرض علی المقطوع عنوان أهمّ، آخر، یطلب حکماً غیر حکم المقطوع. تصل النوبة إلی مقام الإثبات و یمکن أن یقال إنّ الروایات تنهی عن العمل بالقطع فی بعض الموارد:

منها: الروایات الواردة فی العمل بالقیاس و الاستحسان، فإنّ إطلاقها، أو ظاهرها یشمل صورة حصول القطع أیضاً، و إلیک جملة منها:

ففی الکافی عن أبی عبدالله علیه السلام یقول: إنّ أصحاب المقائیس طلبوا العلم بالمقائیس، فلم تزدهم المقائیس من الحقّ إلّا بعداً، و إنّ دین الله لایصاب بالمقائیس.(1)

وفی الکافی عن أبی بصیر قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام تردّ علینا أشیاء لیس تعرفها فی کتاب الله و لاسنّته فننظر فیها، قال: لا، أما أنّک إن اصبت لم تؤجر و إن أخطات کذبت علی الله عزّوجلّ.(2)

و فی الکافی أیضاً عن مولانا أمیرالمؤمنین علیه السلام أنّه قال إنّ من أبغض الخلق إلی الله عزّوجلّ لرجلین، رجل یکله الله إلی نفسه فهو حائر (جائر) عن قصد السبیل... إلی أن قال: و إن نزلت به إحدی المبهمات المعضلات هیّأ لها حشواً من رأیه ثمّ قطع به، فهو من لبس الشبهات فی مثل غزل العنکبوت، لایدری أصاب أو أخطا لایحسب العلم فی شیء ممّا أنکر و لایری أنّ وراء ما بلغ فیه مذهباً.(3) الحدیث.

و إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة الدالّة علی النهی عن القیاس مطلقاً و لو کان موجباً للقطع، و حملها علی خصوص القیاس الظنّیّ ینافی إطلاقها، هذا مضافاً إلی دلالة بعض الأخبار علی ملاک النهی، و هو قصور العقل عن الإصابة، و هو یعمّ الظنّ و العلم.

ص:490


1- (1) جامع الأحادیث، ج 1، ص 270.
2- (2) جامع الأحادیث، ج 1، ص 275.
3- (3) جامع الأحادیث، ج 1، ص 302.

علی أنّ قوله علیه السلام إنّ أهل القیاس طلبوا العلم بالمقائیس، یشهد علی أنّ المراد هو النهی عن مطلق القیاس.

وهکذا إنّ تعجّب أبان بن تغلب من بیان الإمام، أنّ دیة قطع أصبع المرأة عشرة من الإبل، و دیة قطع إصبعین عشرون، و دیة قطع ثلاثة أصابع ثلاثون، و دیة قطع أربعة أصابع عشرون، یحکی عن کون قاطعاً قبل بیان الإمام، بحیث قال، إنّ هذا کان یبلغنا، و نحن بالعراق، فنتبرّأ ممّن قاله، و نقول إنّ الذی جاء به شیطان، و مع ذلک نهی الإمام إیّاه عن القیاس.

ودعوی: أنّ الإطلاقات المذکورة معارضة مع ما دلّت علیه النصوص من لزوم اتّباع العلم و یتساقطان، لأنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه، و مع التساقط لایبقی نهی بالنسبة إلی القطع الحاصل من القیاس.

مندفعة: بأنّ الأخبار الناهیة عن العمل بالقیاس و لو مع إفادته العلم مرجّحة، لأنّها معلّلات، بأنّ السنّة، إذا قیست محقّ الدین، و بأنّ العقول قاصرة عن الإصابة و نحو ذلک. هذا لو لم نقل بانصراف الأخبار الدالّة علی لزوم اتّباع العلم عن مورد القیاس المنهیّ.

ثمّ إنّ الأخذ بالعلل المنصوصة أو الحکم المنصوص، أو الدلالات الظاهرة من ألفاظ الکتاب و السنّة، خارج عن مورد القیاس، و لاتشمله النواهی الواردة فی القیاس، لأنّ بناء ذلک علی دلالات النصوص لاالمشابهة و المقایسة.

و هکذا إلغاء الخصوصیّة، أو إدراج القیود فی الموضوع لیس بقیاس، بل هو تنقیح موضوع الدلیل.

وأما تنقیح المناط فهو علی قسمین: أحدهما: مبنیّ علی المشابهة و المقایسة، فهو قیاس و مشمول للمطلقات، کما عرفت.

ص:491

وثانیهما: مبنیّ علی کشف العلل الواقعیّة الشرعیّة بالعقل المحیط، فهو لیس بقیاس، ولکنّه قلیل التحقّق و الوقوع، و کیف کان لایشمله الأدلّة الناهیة عن القیاس.

ومنها: الروایات الواردة فی النهی عن اعتناء الوسواسیّ بوسواسه، فإنّ إطلاقها یشمل ما إذا کان قاطعا.

ففی صحیحة ابن سنان ذکرت لأبی عبدالله علیه السلام، رجلاً مبتلی بالوضوء و الصلاة، قلت هو رجل عاقل، فقال أبوعبدالله علیه السلام: و أیّ عقل له، و هو یطیع الشیطان؟ فقلت له و کیف یطیع الشیطان؟ فقال علیه السلام: سله هذا الذی یأتیه من أیّ شیء هو، فإنّه یقول لک من عمل الشیطان.(1)

وغیرذلک من الأخبار الدالّة عن النهی، عن العمل بالوسواس، و إن کان قاطعاً فی ذلک هذا مضافاً إلی عموم التعلیلات الواردة فی کثیر الشکّ، مع أنّه لم یبلغ حدّ الوسواس کصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: إذا کثر علیک السهو فامض علی صلاتک فإنّه یوشک أن یدعک إنّما هو من الشیطان.(2)

وصحیحة زرارة قال: یمضی علی شکّه، ثمّ قال: لاتعوّدوا الخبیث من أنفسکم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشیطان خبیث معتاد لما عوّد، فلیمض أحدکم فی الوهم و لایکثرن نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلک مرّات لم یعدّ إلیه الشکّ.(3)

و من المعلوم أنّ المستفاد من هذه التعلیلات هی ممنوعیّة الإطاعة عن الشیطان، و هی أمر لایقبل التخصیص، و مع الممنوعیّة المذکورة و إطلاقها لایکون القطع منجّزاً و

ص:492


1- (1) الوسائل، الباب 10 من أبواب مقدّمات العبادات، ح 1.
2- (2) الوسائل، الباب 16 من أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، ح 1.
3- (3) الوسائل، الباب 16 من أبواب الخلل، ح 2.

لامعذّراً، لأنّ تلک الممنوعیّة تکشف عن عروض عنوان یمنع ذلک عن فعلیّتهما و أمّا قطع القطّاع، فلم أر نصّاً فیه نعم لایحکم العقل، أو العقلاء بعد کون القاطع قطّاعاً بالتنجیز، أو التعذیر، لموهونیّة قطعه و کشفه عندهم، و مع الموهونیّة لا وقع لقطعه، کما لاوقع لقطع من لم یتعلّم المقدّمات المقرّرة للعلوم و الفنون، و لم یکتسب خبرویّة عند العقلاء، و معذلک حصل له القطع، بل ینهونه عن العمل به، خصوصاً إذا کان موجباً لتضییع مال الغیر أو نفسه، فلاتغفل.

الجهة العاشرة: فی العلم الإجمالی

یقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل: أنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی، فی کونه موجباً لحرمة المخالفة القطعیّة، لأنّ المعتبر فی حکم العقل بقبح المخالفة هو وصول التکلیف، و الوصول کما یتحقّق بالتفصیلی فکذلک بالإجمالی، و عدم تمیّز مصداق المکلّف به فی أطراف المعلوم بالإجمال لاینافی وصول أصل المکلّف به، ألا تَری أنّه لافرق بین ما إذا عرف المکلّف خمراً بعینها، و بین علمه بوجودها فی أحد الکأسین فی حکم العقل بوجوب الاجتناب و قبح المخالفة.

الأمر الثانی: أنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی أیضاً فی کونه موجباً لوجوب الموافقة القطعیّة، إذ التکلیف ینتجّز بالإجمالی کالتفصیلی، و مقتضی تنجیز التکلیف، هو وجوب الامتثال، و هو لایتحقّق إلّا بالاحتیاط التامّ فی الأطراف، لأنّ الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.

ودعوی: التفصیل بین الشبهة الحکمیّة و کفایة الإتیان بأحد الأطراف، و بین الشبهة الموضوعیّة و لزوم الإتیان بجمیع الأطراف، مستدلاً بأنّ المعلوم الوجوب فی الأوّل هو

ص:493

الجامع، و هو الصلاة مثلاً، و ترددت بین الجمعة و الظهر، فحصلت الموفقة القطعیّة فی مثله بالإتیان بالجامع، و هویتحقّق بإتیان أحد الفردین، لأنّ الجامع یوجد بوجوده هذا بخلاف ما إذا کان المعلوم الوجوب هو الفرد و تردّد بین الطرفین فإنّ الإتیان بأحدهما لایکفی فی الامتثال.

مندفعة: بأنّ وجوب الجامع بما هو جامع لایقبل التردید و یکون خارجاً عن محلّ الکلام، لأنّ مقتضاه هو العلم التفصیلیّ بالجامع.

بل محلّ الکلام، هو ما إذا علمنا بنوع خاصّ من الصلاة و تردّدنا فی کونها هی الجمعة أو الظهر، فلاإشکال حینئذٍ فی أنّه یوجب الاحتیاط التامّ.

الأمر الثالث: أنّ العلم الإجمالی یکون مقتضیاً بالنسبة إلی المنجّزیّة و المعذّریّة، و لیس بعلّة تامّة، و ذلک لشوبه بالشکّ، إذ مع هذا الشوب بالشکّ یحکم العقل، أو العقلاء، بجواز أن یمنّ الشارع برفعه، و یسهّل الأمر علی المکلّفین، و یجعل الجهل التفصیلی بالخطاب، سبباً لجواز الترخیص فی ترک الموافقة القطعیّة، أو فعل المخالفة علیه، و لایلزم من ذلک مناقضة، و لاترخیص فی المعصیة، لأنّهما فیما إذا لم یکن فعلیّة علی بقاء التکلیف، و مع الرفع لاموضوع للظلم، کما لایخفی. و علیه فالرفع فی المعلوم یوجب المناقضة، مع أنّ الأحکام الواقعیّة فی الشبهات البدویّة مشترکة بین العالم و الجاهل ومع أنّ الأحکام المعلومة فی الشبهات غیر المحصورة واصلة بالعلم الإجمالی، فکذلک فی المعلوم بالإجمال، فی الشبهات المحصورة، و الملاک فی الکلّ، هو وجود الموضوع للحکم الظاهریّ و هو الشکّ، أو الشوب به.

الأمر الرابع: أنّ بعد ما عرفت من إمکان جعل الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی، یقع النوبة إلی مقام الإثبات، و البحث عن شمول أدلّة الاُصول العملیّة لأطراف المعلوم بالإجمال و عدمه.

ص:494

و هذا البحث یناسب باب البراءة و الاشتغال، و سیأتی إن شاء الله تعالی.

أنّ مقتضی الأدلّة العامّة، هو جواز الأخذ بالاُصول فی أطراف المعلوم بالاجمال أیضاً، ولکن یمنع عن ذلک الأدلّة الخاصّة، و الجمع بین الأدلّة العامّة و الخاصّة، یقتضی الحکم بعدم جواز الأخذ بالاُصول فی أطراف المعلوم بالإجمال مطلقاً، فیحرم المخالفة القطعیّة و الاحتمالیّة، و یجب الموافقة القطعیّة. نعم الموارد الّتی تکون خارجة عن مدلول الأخبار الخاصّة، و لو مع إلغا الخصوصیّة، یرجع فیها إلی عمومات البراءة، کموارد الشبهات غیر المحصورة، و الخارج عن محلّ الابتلاء، فتدبّر جیّداً.

الأمر الخامس: فی جواز الاکتفاء بالعلم الإجمالی فی مقام الامتثال مع التمکن من الامتثال التفصیلی.

و یقع الکلام فی جهات:

الجهة الاولی: أنّه لاإشکال فی جواز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی فی التوصّلیّات، لوضوح سقوط الأمر و التکلیف بإتیان المأمور به کیفما اتّفق، و المأمور به یؤتی به بالامتثال الإجمالی.

ودعوی: أنّ التوصّلیّات تعمّ الإیقاعات و العقود، و الإتیان بها احتیاطاً یوجب الإخلال بالجزم المعتبر فی الإنشاءات، إذ التردید ینافی الجزم، و لذا ذهبوا إلی عدم صحّة التعلیق فی الإنشاءات.

مندفعة بإمکان أن یأتی بکلّ طرف جازماً، من دون تعلیق و تردید فی الإنشاء. فلافرق بین الإجمالی و التفصیلی فی جواز الاکتفاء، سواء کان فی الإنشائیّات، أو غیرها. و دعوی اعتبار الجزم فی الإنشائیات لاتنافی مع الاکتفاء بالإجمالی، لإمکان أن یاتی بکلّ طرف جازماً لامعلّقاً، فلاتغفل.

ص:495

الجهة الثانیة: فی جواز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی فی العبادیّات، و لایذهب علیک أنّ الاحتیاط فیها، إما لایوجب التکرار، کما إذا دار الأمر بین الأقلّ و الأکثر، و إما یوجب التکرار، کما إذا دار الأمر بین المتباینین.

و فی کلّ واحد منهما یجوز الاکتفاء بالامتثال الإجمالی، لصلاحیّة احتمال الأمر للامتثال.

ودعوی: أنّ التکرار مستلزم لللعب و معه لایصدق الامتثال.

مندفعة: أوّلاً: بمنع الإستلزام المذکور، لإمکان أن یترتّب غرض عقلائیّ علی اختیار الامتثال الإجمالی.

وثانیاً: بأنّ مع تسلیم لزوم اللعب، لایضرّ ذلک، لأنّه فی کیفیّة الامتثال وخصوصیّاته، لا فی أصل الامتثال. و لاإشکال فی عدم لزوم قصد القریة فی الخصوصیات، کما إذا اختار المصلّی محلاً حارّاً أو بارداً لصلاته، فلاإشکال فی صحّة صلاته.

لایقال: إنّ التکرار و الاحتیاط ینافی قصد الوجه و التمیز.

لأنّا نقول: لادلیل علی وجوب مراعاتهما. هذا مضافاً إلی إمکان مراعاة قصد الوجه بأن یأتی بالاحتیاط و التکرار، لغایة وجوب العبادة.

ودعوی: أنّ الداعی علی التکرار، لیس هو احتمال الأمر، لأنّه سابق علی العمل، و لیس مترتّباً علیه، خارجاً مع أنّ الداعی یکون متأخّراً عن العمل بوجوده الخارجیّ.

و لیس الداعی علی الإتیان بکلّ واحد منهما تحقّق الموافقة مع الأمر، إذ لاعلم بتعلّق الأمر بکلّ واحد منهما، بل قصد الأمر بکلّ واحد، تشریع محرّم. نعم أحد الفعلین موافق للأمر قطعاً ولکنّه لایعلمه بعینه و علیه فالداعی لإتیان الفعلین أمران، أحدهما تحصیل

ص:496

الموافقة، و الآخر التخلّص من تعب تحصیل العلم مثلاً، و الأوّل داع قربیّ، و الآخر غیر قربیّ، و إن کان عقلائیّاً.

ونسبة هذین الداعیین إلی کلّ واحد من الفعلین علی حدّ سواء، بمعنی أنّه لا تمییز لأحدهما علی الآخر فی مقام الداعویّة، و علیه فیصدر کلّ من الفعلین عن داعیین أحدهما إلهیّ و الآخر دنیویّ، و هو ینافی المقرّبیّة.

مندفعة: بأنّ التکرار بداعی تحصیل الموافقة، لایکون تشریعا محرّماً، لوجود الأمر بین الأطراف، و الأمر المعلوم بینهما یتطلّب الموافقة، و هی تصلح للداعویّة و إن لم یعلم بأنّ الموافق أیّهما کان.

و التخلّص من تعب تحصیل الامتثال التفصیلیّ، من فوائد الامتثال الإجمالی، لا من أسبابه و دواعیه. هذا مع أنّه لو سلّم، ذلک فالداعی المذکور یکون داعیاً لکیفیّة الامتثال، لالأصل الامتثال، فلادلیل علی کون کیفیّة الامتثال قربیّا، فلاتغفل.

الجهة الثالثة: فیما إذا لم یتمکّن المکلّف من الامتثال العلمیّ التفصیلی، و دار الأمر بین الامتثال العلمیّ الإجمالی، و الامتثال الظنّیّ التفصیلی.

و لایخفی علیک أنّه إن کان الامتثال الظنّیّ التفصیلی، ممّا قام علی اعتباره دلیل خاصّ، فإن کان حجّیّة مترتّبة علی عدم إمکان الامتثال العلمیّ الإجمالی، فالمتعیّن، هو الامتثال العلمیّ الإجمالی.

وإن لم تکن کذلک، فالامتثال الظنّیّ التفصیلیّ المعتبر، کالعلم التفصیلی، فکما نقول بجواز الامتثال العلمیّ الإجمالی مع التمکّن من العلمیّ التفصیلی، فکذلک نقول بجواز الامتثال العلمیّ الإجمالی مع التمکّن من الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ المعتبر بالدلیل الخاصّ حرفاً بحرف، و أمّا إذا لم یکن الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ ممّا قام دلیل خاصّ علی اعتباره، بل یکون من الظنّ الانسدادیّ المعبّر عنه بالظنّ المطلق.

ص:497

فقد فصّل فیه، بین القول بالکشف، فیقدّم الامتثال الظنّیّ التفصیلیّ الانسدادی علی الاحتیاط بالامتثال الإجمالی.

فإنّ الکشف مبنیّ علی عدم جواز الاحتیاط، لکونه مخلّا بالاُمور، و معه یستکشف أنّ الشارع جعل لنا حجّة، و العقل یعیّنها بالسبر و التقسیم فی الظنّ المطلق، دون المشکوکات و الموهومات، لکون الظنّ، أقرب إلی الواقع من الشکّ و الوهم.

وعلیه فلامجال للاحتیاط مع التمکّن من الامتثال الظنّی، بعد ما عرفت من أنّ الکشف مبنیّ علی ممنوعیّة الاحتیاط.

و بین القول بالحکومة، فإنّه مبنیّ علی عدم وجوب الاحتیاط، لکونه عسراً، و معه فلایستکشف منه حجّیّة الظنّ المطلق شرعاً، و لایحکم العقل بجّیّته أیضاً، بل العقل یحکم بتضییق دائرة الاحتیاط فی المظنونات، لرفع العسر دون الموهومات و المشکوکات، و علیه فلامانع من الاحتیاط و الاکتفاء بالامتثال الإجمالی، مع التمکّن من الامتثال الظنّیّ المطلق التفصیلی.

ویتفرّع علی التفصیل المذکور، بطلان عبادة تارک طریقی التقلید و الاجتهاد، و الآتی بالاحتیاط فیما إذا کان الاحتیاط ممنوعاً، لکونه مخلّاً بالنظام فاللازم علیه هو الأخذ بالظنّ، فالعدول عنه إلی الاحتیاط یوجب البطلان، ولکنّه محلّ تأمّل و نظر، لأنّ غایته هو اجتماع الأمر و النهی، و حیث نقوف بجواز اجتماع الأمر و النهی، لامجال للحکم ببطلان العبادة. مع أنّ مرکب النهی هو کیفیّة الامتثال، لاأصل الامتثال، و النهی متوجّه إلیها من جهة کونها موجبة للإخلال بالنظام، لامن جهة خصوص العبادة، فتدبّر جیّداً.

ص:498

الفصل الأوّل: فی أنّ التعبّد به ممکن ذاتاً و لامحذور فیه

لأنّ الظنّ فی نفسه لیس کالقطع فی کون علّة أو مقتضیاً للحجّیّة لوضوح أنّ الظنّ لایکون کشفاً تامّاً عن التکلیف حتّی یثبت به موضوع حکم العقل بقبح مخالفة التکلیف و استحقاق العقوبة علی المخالفة. نعم لو انضمّ إلیه التعبّد الشرعی به فهو صار کالقطع فی کونه موضوعاً للحکم العقلی بقبح المخالفة و استحقاق العقوبة علیها.

فالتعبّد بالظنّ و جعل الحجّیّة له ممکن ذاتاً إذ لایستلزم من ذلک التناقض و لااجتماع المثلین لعدم ثبوت حکم فی الواقع بنفس الظنّ حتّی یلزم المحذورات المذکورة و لافرق فی ذلک بین أن یستفاد التعبّد بالظنّ من ظواهر الکتاب و السنّة أو الإجماع أو مقدّمات الانسداد علی تقدیر الکشف.

ثمّ لاتفاوت فی عدم حجّیّة الظنّ بین مقام إثبات التکلیف و بین مقام سقوطه.

ودعوی: کفایة الظنّ فی مقام سقوط الواقع بعد العلم بثبوته فی مقام الامتثال.

مندفعة: بأنّ مع الاشتغال الیقینیّ بالتکلیف لامجال للاکتفاء بالامتثال الظنّیّ ما لم یرد دلیل علی جواز الاکتفاء به شرعاً.

لایقال: یجوز الاکتفاء بالظنّ فی مقام سقوط الواقع إذ بعد الإتیان بالظنّ غیر المعتبر لایبقی إلّا احتمال الضّرر و دفعه لیس بواجب.

ص:499

لأنّا نقول: عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل ممنوع لأنّ الضّرر إن کان دنیویّاً یحکم العقل بنحو الاقتضاء بوجوب دفعه ما لم یعرض عنوان راجح علی تحمّل الضّرر الدنیوی و إلّا فیقدّم علیه. لأنّ الحکم بوجوب دفع الضّرر الدنیویّ اقتضائیّ و تعلیقیّ و یرتفع هذا الحکم بعروض عنوان راجح.

ولکن مفروض الکلام فیما إذا لم یعرض عنوان راجح و معه یجب دفع احتمال الضّرر و معناه عدم جواز الاکتفاء بالظنّ فی مقام السقوط.

وإن کان الضّرر أخرویّاً یحکم العقل بوجوب دفعه بنحو العلّیّة فلایجوز الاکتفاء بالإمتثال الظنّی الذی لادلیل علی اعتباره مع القطع بالتکلیف کما هو واضح و بالجملة فیمکن التعبّد بالظنّ ذاتاً و لایلزم من ذلک محذور أصلاً.

ص:500

الفصل الثانی

فی إمکان التعبّد بالظنّ وقوعاً لعدم لزوم محذور منه کصدور القبیح عن الحکیم المتعال إذ لاقبح فی التعبّد به کما هو الظّاهر بل أدلّ الدلیل علی وقوعه هو قیام الأدلّة القطعیّة علی حجّیّة بعض الظنون کحجّیّة الظنّ الحاصل من الألفاظ إذ لو لم یکن التعبّد به ممکناً لما صدر عن الشارع اعتبار الظنّ کما لایخفی.

و لو شکّ فی أنّ التعبّد بالظنّ ممکن أو ممتنع عند ورود التعبّد بالظنّ ذهب المشهور إلی الإمکان بدعوی أنّا نقطع بأنّ التعبّد المذکور لایلزم منه محال.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ دعوی القطع بعدم لزوم المحال موقوف علی إحاطة العقل و هی غیر حاصل فالأولی هو أن یقال لانجد فی عقولنا ما یوجب الاستحالة و هذا طریق یسلکه العقلاء فی الحکم بالإمکان.

و حاصل ذلک أنّ فی فرض عدم القطع بعدم المحذور نکتفی بعدم وجدان ما یوجب الاستحالة فی الحکم بالإمکان.

و استشکل علیه بأنّ ثبوت البناء من العقلاء علی ذلک أوّل الکلام. أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ مراد الشیخ الأعظم قدس سره هو قیام البناء علی الإمکان عند قیام دلیل معتبر علی الوقوع کما إذا دلّ ظاهر کلام المولی علی حجّیّة الظنّ.

ص:501

ولاینبغی الشکّ حینئذٍ فی ثبوت بناء العقلاء فی مثل ذلک علی الإمکان و العمل بالظواهر ما لم تثبت الاستحالة.

لایقال: أنّه لایعقل الجزم بثبوت الشیء إلّا مع الجزم بإمکانه و علیه فالجزم بالثبوت لایجامع احتمال الاستحالة.

لأنّا نقول: لیس المطلوب فی المقام الجزم بالشیء کما فی العقائد الدینیّة بل المطلوب هو الجری العملی علی وفق الظنّ و العمل علی طبقه من دون حاجة إلی الجزم بتحقیق المظنون و من المعلوم أنّ ذلک یکفی فیه وجود الحجّة علی اعتباره فالدلیل المتکفّل لحجّیّة الظنّ کالظنّ الخبری یکفی فی حجّیّة الخبر ما لم یقم حجّة علی خلافه و احتمال الاستحالة لاینافی حجّیّة الظنّ بقیام الحجّة علیه إذ الحجّة لایزاحمها إلّا الحجّة و احتمال الاستحالة لیس بحجّة.

ص:502

الفصل الثالث
اشارة

فی الوجوه التی استدلّ بها علی استحالة التعبّد بغیر العلم من الأمارات و أجوبتها بناء علی طریقیّة الأمارات.

أحدها: أنّ التعبّد بغیر العلم من الأمارات محال لرجوعه إلی اجتماع المثلین فیما إذا أصاب غیر العلم أو اجتماع الضدّین فیما إذا أخطاً بناء علی القول بالتخطئة و إلّا لزم من التعبّد بغیر العلم أن لایکون هناک أحکام غیر مؤدّیات الأمارات و هو التصویب الذی لانقول به.

و الجواب عنه أنّ التعبّد بالأمارات من باب مجرّد الکشف عن الواقع فلایلاحظ فی التعبّد لها إلّا الإیصال إلی الواقع و لامصلحة فی سلوک هذه الطرق وراء مصلحة الواقعیّات و علیه فلامضادّة و لااجتماع المثلین إذ فی هذا الفرض لایکون إلّا حکم واحد و إنّما التعدّد فی مجرّد الإنشاء لغرض الوصول و الأمر لیس إلّا للإرشاد إلی الواقع.

و دعوی أنّ ذلک منوط بعلم الشارع العالم بالغیب بدوام موافقة هذه الأمارات بالنسبة إلی الواقع أو منوط بعلمه بکونها أغلب مطابقة من غیرها و إلّا فلایصحّ التعبّد بها من باب الإرشاد إلی الواقعیّات إلّا مع تعذّر باب العلم لأنّ لازم مخالفة الأمارات أحیاناً

ص:503

للواقع هو تفویت الواقعیّات علی المکلّف و لو فی موارد النادر و علیه فالتعبّد بالأمارات مع انفتاح باب العلم و بقاء الواقعیات علی الإرادة الجدّیّة مستلزم للتفویت و هو قبیح.

مندفعة بأنّ القبح المذکور فیما إذا لم یکن تحصیل الواقعیّات مستلزماً للأفسد و إلّا فلاإشکال فی التعبّد بغیر العلم و لو فی زمان الانفتاح.

إذ إلزام الناس فی زمان الانفتاح علی العمل بالعلم و السؤال عن أئمّتهم علیهم السلام یوجب ازدحام الشیعة علی بابهم و تجمعهم حول دارهم و هو ممّا یوجب ازدیاد بغض الأعداء و عزمهم علی قتل الأئمّة علیهم السلام و هدمهم بحیث لم یبق معه مجال لنقل الأحکام منهم.

کما أنّه لامجال لوجوب الاحتیاط لکون فساده أظهر لأنّه مستلزم لاختلال النظام أو الحرج الشدید و رغبة الناس عن الدین.

ففی هذه الصورة لامجال لدعوی القبح فی التعبّد بالأمارات و لو مع انفتاح باب العلم.

و الأحکام الواقعیّة فی هذه الموارد تسقط عن الفعلیة إذ لایمکن التحفّظ التامّ بالنسبة إلیها مع تزاحمها مع الأفسد فی مقام الامتثال.

ثانیها: أنّها یلزم من التعبّد بغیر العلم تکلیف بالمحال و هو طلب الضدّین عند عدم الإصابة.

و الجواب عنه واضح بعد ما عرفت من سقوط الأحکام الواقعیّة عن الفعلیّة عند عدم الإصابة.

ثالثها: أنّه یلزم من التعبّد بغیر العلم تفویت المصلحة أو الإلقاء فی المفسدة فیما إذ أدّی التعبّد بغیر العلم إلی عدم وجوب ما هو واجب فی الواقع أو عدم حرمة ما هو حرام فی الواقع.

و الجواب عنه أنّه لامانع منه بعد تزاحمه بما هو أفسد.

ص:504

رابعها: أنّ الأمارة ربّما تقوم علی وجوب ما هو مباح واقعاً أو علی حرمة ما هو مباح کذلک و لازم حجّیّة الأمارة هو الإلزام بشیء من الفعل أو الترک من دون أن تکون فیه مصلحة أو مفسدة ملزمة مع أنّا نقول بتبعیة الأحکام الشرعیّة للمصالح و المفاسد و لعلّ هو مراد من یقول إنّ حجّیّة الأمارات تستلزم تحریم الحلال أو ایجابه.

و الجواب عنه أیضاً بأنّ العقل یحکم بلزوم ذلک بعد تزاحم المفاسد و المصالح الواقعیّة بالأفسد منها و دوران أمر المکلّف بین إدراک الواقع و الوقوع فی الأفسد و بین عدم إدراک الواقع و عدم الوقوع فی مفسدة أعظم.

و ذلک لما عرفت من سقوط الواقع عن الفعلیّة عند مزاحمته مع وجود المانع. هذا کلّه بناء علی عدم القول بالإجزاء فی الأمارات و الاُصول.

و أمّا علی القول بالإجزاء فلامجال للجواب المذکور من أنّه لیس فی متن الواقع إلّا الحکم الواقعی لأنّ الظاهر من أدلّة اعتبار الأمارات أنّ موردها یکفی لتحقّق امتثال التکالیف المعلومة بالإجمال فمع انکشاف الخطأ یحکم بصحّة ما أتی به طبقاً للأمارات و الأصول و هذا لایساعد مع کون الأمارات لإرشاد المحض فإنّ مقتضی کونها للإرشاد أنّ مع التخلّف لامجال للحکم بالصحّة إذ الواقعیّات باقیة علی ما علیها فیجب الإتیان بها ما دامت باقیة.

ولکن الذی یسهّل الخطب أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار الأمارات حینئذٍ هو حکومة مفادها علی الواقع و الحاکم و المحکوم ممّا یجتمعان و لامضادّة بینهما و إن کانا مولوین.

و مع الحکومة لایبقی الواقع علی الفعلیّة بل الحکم الظاهری الذی هو حاکم بالنسبة إلی الواقع فعلی فی ظرف الشکّ و یکون العمل علی وفقه مجزیّاً و مع سقوط الواقع عن الفعلیّة فلایرد المحاذیر المذکورة علی القول بالإجزاء أیضاً.

ص:505

و خلاصة الجواب فی الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بناء علی الطریقیّة و اعتبار الأمارات بلسان أنّها هی الواقعیّات سواء قلنا بالإجزاء أو لم نقل هو أنّ الواقعیات لاتبقی علی الفعلیّة.

و المراد من هذا الجمع لیس أنّ الحکم الواقعی واقف فی مرحلة الإنشاء فیما لو خالفته الأمارات حتّی یقال إنّ هذا لایساعد اشتراک الجاهل و العالم فی الأحکام الواقعیّة إذ الحکم الواقعی الواقف فی مرحلة الإنشاء لیس محرّکاً و لو حصل العلم به.

بل المراد أنّ الحکم الواقعی بلغ مرتبة الفعلیّة کحکم العالم ولکن بعد تزاحمه بمفاسد اخری أو بعد ابتلائه بالأدلّة الحاکمة تسقط عن الفعلیّة بحیث لو علم به و ارتفعت المفاسد أو ارتفع الحاکم کان مأخوذاً و لو فیما سیأتی من الأعمال. و علیه فحدیث الاشتراک فی الأحکام بین العالم و الجاهل باق علی قوّته و لامنافاة بینه و بین الجمع المذکور.

هذا کلّه أیضاً بناء علی اعتبار الأمارات من باب الطریقیّة المحضة کما علیه بناء العقلاء و أمضاه الشارع لأنّه لم یجعل طریقاً خاصّاً فی إحکامه و لم یلاحظ فی التعبّد بالأمارات إلّا الإیصال إلی الواقع فلامصلحة فی سلوک هذه الأمارات و الطرق وراء مصلحة الواقع.

أجوبة الوجوه المذکورة بناء علی السببیّة و اختلاف المرتبة:

و أمّا الجواب عن محذورات التعبّد بالأمارات بناء علی السببّیة بدعوی أنّ التعبّد بالطرق الظنّیّة یکون من جهة وجود المصلحة فیها فی الجملة إمّا فی الفعل أو فی سلوک الطریق فهو موقوف علی تصوّر السببیّة و هی علی وجوه:

منها أن یکون الحکم سواء کان فعلیّاً أو شأنیّاً تابعاً للأمارات بحیث لایکون فی حقّ الجاهل مع قطع النظر عن قیام الأمارات و عدمه حکم فی الواقع و هذا هو التصویب الباطل عند أهل الصواب من التخطئة و قد تواترت الأخبار بوجود الحکم المشترک بین

ص:506

العالم و الجاهل و علیه فلایمکن الجواب عن وجوه استحالة التعبد بالأمارات بهذا الوجه بدعوی أنّ الحکم علیه واحد و هو مفاد الأمارات فلایلزم من التعبّد بالأمارات اجتماع الضدّین أو المثلین لا فی الأحکام و لا فی مبادیها و لا فی ملاکاتها.

ومنها: أن یکون الحکم الفعلی تابعاً للأمارات بمعنی أنّ لله فی کلّ واقعة حکماً یشترک فیه العالم و الجاهل لو لا قیام الأمارات علی خلافها بحیث یکون قیامها مانعاً عن فعلیّة الأحکام لکون مصلحة سلوک الأمارات غالبة علی مصلحة الأحکام الواقعیّة.

و علیه فالأحکام الواقعیّة شأنیّة فی حقّ الظانّ بخلافه و فعلی فی حقّ غیر الظانّ بخلافه.

و هذا أیضاً تصویب مجمع علی خلافه لأنّ الحکم الواقعی لیس بحیث لو علم به لتنجّز لأنّه شأنیّ محض و اللازم فی الاشتراک هو الذی لو علم به لتنجّز.

ومنها: أن یکون العمل علی طبق الأمارة و الالتزام به فی مقام العمل بعنوان أنّه هو الواقع و ترتیب الآثار الشرعیّة المترتّبة علیه واقعاً مشتملاً علی مصلحة سلوکیّة من دون احداث مصلحة فی نفس الفعل فأوجبه الشارع و معنی إیجاب العمل علی الأمارة وجوب تطبیق العمل علیها لاوجوب إیجاد عمل علی طبقها إذ قد لاتتضمّن الأمارة إلزاماً علی المکلّف کما إذا تضمّنت استحباب شیء.

و تلک المصلحة لابدّ أن یکون ممّا یتدارک بها ما یفوت من مصلحة الواقع لو کان الأمر بالعمل به مع التمکّن من العلم و إلّا کان تفویتاً لمصلحة الواقع و هو قبیح.

و هذا الوجه لیس بتصویب إذ المصوّبة لایقولون بوجود حکم الله فی الواقع و فی هذا الوجه الحکم الواقعی موجود و اللازم هو وجوب تطبیق العمل علی الأمارة بعنوان أنّها طریقة إلی الواقع فإذا کانت الأمارة مخالفة للواقع کان الحکم الواقعی موجوداً بحیث

ص:507

لو علم به لما کان معذوراً و مما ذکر من المصلحة السلوکیة یمکن الجواب عن المحذورات المذکورة.

إذ الحکم الواقعی موجود معها و إنّما کان متزاحماً بما یمنع عن تأثیره و هو فی الواقع یکون بحیث لو علم به لایعذر فیه إلّا بإتیانه.

فلایلزم من القول بمصلحة سلوکیّة التصویب کما لزم ذلک من الوجه الأوّل و الثانی لعدم حکم فعلی فیهما غیر مؤدّی الأمارة.

لایقال: إنّ السلوک لیس أمراً وراء نفس الفعل الذی یوجده المکلّف و یکون محکوماً بالحکم الواقعی کصلاة الجمعة مثلاً و فی مقام التحقّق لاینفکّ عنه فصلاة الجمعة التی یوجدها المکلّف هی بعینها محقّقة للسلوک و مصداق له و لیس تحقّق السلوک إلّا بنفس هذا الفعل.

و القول بالسببّیة إنّما یتمّ إذا کان هناک عنوان ذو مصلحة وراء العناوین الواقعیّة حتّی یقال بأنّ المسألة من مصادیق اجتماع الأمر و النهی و لیس الأمر کذلک فإنّ العنوان المتوهمّ هنا هو سلوک الأمارة و لیس السلوک إلّا عبارة أخری عن العمل بمؤدّی الأمارة فلو قامت الأمارة علی وجوب الجمعة ولو فرضت حرمته واقعاً لزمت المحذورات ولو فرض کون قیام الأمارة سبباً لحدوث ملاک فیها وجب الکسر والانکسار بین الملاک الذاتیّ و الطاری و کان الحکم تابعاً لأقواهما فهذا البیان لایصحّح الجمع بین الحکمین.

لأنّا نقول: نمنع عدم کون السلوک عنواناً آخر وراء العناوین الواقعیّة إذ السلوک هو اعتناء بقول العادل و تصدیق عملی له بتطبیق العمل علی وفق قوله و حصر الأعمال فیما أخبر به العادل و هذا العنوان غیر عنوان أصل العمل و المفروض أنّه مشتمل علی مصلحة ملزمة.

ص:508

فکما أنّ التقلید أمر وراء نفس العمل فکذلک اتّباع العادل فی قوله عنوان آخر غیر الإتیان بالمؤدّی. و علیه فلایجتمع الحکمان المتضادّان فی عنوان واحد و الحکمان المذکوران لو وصلا یتزاحمان. و أمّا مع عدم وصول أحدهما و هو الحکم الواقعیّ فلایتزاحمان.

لایقال: إنّ السببیّة بهذا المعنی ممّا لایمکن الالتزام به لکونه مستلزماً لتبدّل الحکم الواقعی بنوع من التصویب إذ لو فرض کون سلوک الأمارة مشتملاً علی مصلحة یتدارک بها مصلحة الواقع الفائتة لایعقل تعلّق الإیجاب بالواقع یقیناً لکونه ترجیحاً بلا مرجّح بل لابدّ من تعلّق الایجاب بالواقع وسلوک الأمارة تخییراً و هذا نوع من التصویب و یدلّ علی بطلانه الإجماع و الروایات الدالّة علی اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل.

لأنّا نقول: و یمکن الجواب عنه بأنّ الأمارات و اعتبارها و سلوکها فی طول الأحکام الواقعیة و التخییر فرع کون سلوک الأمارة فی عرض الأحکام الواقعیّة و المفروض خلافه فتحصّل أنّ التعبّد بالأمارات بناء علی السببیة أیضاً ممکن بعد ما عرفت المراد من المصلحة السلوکیّة فالحکم الواقعی علی هذا المبنی أیضاً موجود و إنّما سقط الأمر به عن التأثیر لمزاحمته مع المصلحة السلوکیّة فیصیر شأنیّاً ولکن یکون بحیث لو علم به لایعذر فی ترکه فیجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری باختلاف المرتبة لصیرورة الحکم الواقعی شأنیّاً و الحکم الظاهری فعلیّاً.

أجوبة الوجوه المذکورة بتعدّد الموضوع و اختلاف الرتبة

ثمّ لایذهب علیک أنّ الشیخ الأعظم قدس سره أجاب عن المحذورات بتعدّد الموضوع حیث قال یعتبر فی التضادّ ما یعتبر فی التناقض من الوحدات الثمانیّة و من الوحدات المعتبرة فی التناقض هی وحدة الموضوع و علیه فلاتضادّ بین الحکم الواقعی و الظاهری

ص:509

لتعدّد موضوعهما فإنّ موضوع الأحکام الواقعیة هی الأشیاء بعناوینها الأوّلیّة و موضوع الأحکام الظاهریّة هی الأشیاء بعناوینها الثانویّة أی بعنوان أنّها مشکوک فیها فلاتضادّ بین الحکم الواقعی و الظاهری بعد اختلاف الموضوع فیهما.

أورد علیه بأنّ الإهمال فی مقام الثبوت من نفس الحاکم الجاعل للأحکام غیر معقول بأن یجعل الحکم لموضوع لایدری أنّه مطلق أو مقیّد فالحکم الواقعی بالنسبة إلی حال العلم و الشک إمّا أن یکون مطلقاً فیلزم اجتماع الضدّین إذ الحکم الظاهری و إن لم یکن فی مرتبة الحکم الواقعیّ إلّا أنّ إطلاق الحکم الواقعی یشمل مرتبة الحکم الظاهری و إمّا أن یکون مطلقاً فیلزم اجتماع الضدّین إذ الحکم الظاهری و ان لم یکن فی مرتبة الحکم الواقعیّ إلّا أنّ إطلاق الحکم الواقعی یشمل مرتبة الحکم الظاهری و إمّا أن یکون مقیّداً مجال العلم فیلزم التصویب المجمع علی بطلانه و أجیب عن هذا الإیراد بأنّ تصوّر ما یکون موضوعاً للحکم الواقعی الأوّلی مبنیّ علی قطع النظر عن الحکم لأنّ المفروض کون الموضوع موضوعاً للحکم فتصوّره یلزم أن یکون مجرّداً عن الحکم و تصوّره بعنوان کونه مشکوک الحکم لابدّ و أن یکون للحاظ الحکم و لایمکن الجمع بین لحاظ التجرّد عن الحکم و لحاظ ثبوته فحینئذٍ متی تصوّر الأمر صلاة الجمعة بملاحظة ذاتها تکون مطلوبة و حتّی تصوّرها بملاحظة کونها مشکوک الحکم تکون متعلّقة لحکم آخر، فالموضوع فیهما لیس بواحد بل متعدّد.

ودعوی لزوم الإهمال مندفع بأنّ الموضوع فی الحکم الواقعیّ هو العناوین الذهنیّة ولکن عند تعلّق الحکم بها لایلحظ موضوعات بالتجرّد الاسمیّ بالنسبة إلی الوجودات الخارجیّة و الأحوال المتأخرّة کالشکّ و غیره و إلّا فلایکون قابلاً للامتثال لأنّ موطنها حینئذٍ هو الذهن بل العناوین الذهنیّة تکون موضوعات للأحکام بالتجرّد الحرفی أی فی

ص:510

حال تجرّدها علی الوجودات و الأحوال المتأخّرة و علیه فالعلم و الشکّ یکونان ممّا یکون الموضوع مجرّداً عنه فی حال تعلّق الحکم بالعناوین الذهنیّة.

و علیه فموضوع الحکم الواقعی مباین مع موضوع الحکم الظاهری إذ الموضوع فی الحکم الواقعی مجرّد بنحو التجرّد الحرفی عن الشکّ فی الحکم بخلاف الموضوع فی الحکم الظاهری فإنّه متقیّد بالشکّ فی الحکم موضوعاً أو مورداً و مع المباینة و المغایرة فی الموضوع فالموضوع فی الحکم الواقعی لایشمل حال الشکّ و مع عدم الإطلاق فلامزاحمة و لاتضادّ.

و علیه فالحکم الواقعی فعلیّ کالحکم الظاهری من دون محذور لتعدّد موضوعهما و إنّما لایکون الحکم الواقعی منجّزاً لعدم وصوله بل موضوع الحکم الظاهری مترتّب علی عدم وصول الحکم الواقعی فهما فعلیّان مترتّان کما أنّ حکم المهمّ بناء علی تصویر الترتّب مترتّب علی ترک الأهمّ.

و لایلزم من ذلک إهمال لأنّ المتکلّم فی مقام بیان حکم العناوین الأوّلیّة ولک إطلاقه لایشمل الأحوال المتأخّرة لفرض ملاحظته مجرّداً عن الأحوال المتأخّرة بالتجرّد الحرفی کما عرفت فالموضوع فی الأحکام الواقعیّة لیس مقیّداً بالعلم حتّی یلزم التصویب و لایکون مطلقاً حتّی یلزم اجتماع الضدّین بل یکون مجرّداً بالتجرّد الحرفی فتدبّر جیّداً. فالموضوع فیهما غیر واحد بل رتبة موضوع الحکم الظاهری متأخّر طبعاً عن موضوع الحکم الواقعی بمرتبتین.

و أجاب صاحب الکفایة عن المحاذیر المذکورة بأنّ المجعول فی باب الطرق و الأمارات هو الحجّیّة لاالحکم التکلیفی و الحجّیّة موجبة للمنجّزیّة مع المطابقة مع الواقع و المعذّریّة مع المخالفة.

ص:511

و علیه فالتعبّد بالأمارات لایوجب اجتماع الحکمین سواء کانا مثلین أو ضدّین إذ لیس المجعول إلّا الحکم الواقعی فقط.

و بیان ذلک أنّ اعتبار نفس معنی الحجّیّة لیس معناه إلّا کون الشیء بحیث یصحّ الاحتجاج به و هذا المعنی إمّا یکون ذاتیّاً کما فی القطع و إمّا جعلیّاً انتزاعیاً کحجّیّة الظواهر و حجّیّة الأخبار الواردة عن الثقات أو جعلیّاً اعتباریّاً کقوله علیه السلام إنّهم حجّتی علیکم.

فإذا عرفت ما ذکرناه فی معنی الحجّیّة الاعتباریّة و الانتزاعیّة ظهر لک أنّ الحجّیّة لیست إلّا أمراً وضعیّاً و علیه لیس بین الحجّیّة و الحکم الواقعی تماثل و لاتضادّ حتّی یلزم من التعبّد بالأمارات اجتماع المثلین أو اجتماع الضدّین.

ثم إنّ نظیر ما ذهب إلیه صاحب الکفایة هو ما حکی عن المحقّق النائینی قدس سره من أنّ المجعول فی باب الطرق و الأمارات هو مجرّد الطریقیّة و الکاشفیّة بالأمر بإلغاء الخلاف و علیه أیضاً لایکون هنا حکم تکلیفیّ حتّی یلزم من اجتماع الحکم الظاهری و الواقعی اجتماع المثلین أو الضدّین بل حال الأمارة حال القطع فی عدم جعل الحکم التکلیفی.

و لعلّ وجه عدول المحقّق النائینیّ ممّا ذهب إلیه صاحب الکفایة هو توهّم أنّ المجعول بناء علی جعل الحجّیّة هو المنجّزیّة و المعذّریّة و لازم هذا الجعل هو اخترام قاعدة عقلیّة و هی قبح العقاب بلابیان إذ جعل العقاب بلا بیان تصرّف فی ناحیة الحکم و من المعلوم أنّه تخصیص للقاعدة العقلیّة و هو غیر معقول.

هذا بخلاف جعل الطریقیّة فإنّ تصرّف الشارع حینئذٍ یکون فی ناحیة موضوع القاعدة فإنّه یرجع إلی جعل الموضوع فإنّه جعل شیء طریقاً و أمارة فیشمله القاعدة المذکورة فلایوجب تخصیصاً فی القاعدة بل هو توسعة لها بتوسعة موضوعها.

ص:512

أورد علی صاحب الکفایة و النائینی بأنّه لادلیل علی جعل فی الطرق و الأمارات لابمعنی جعل المنجّزیّة و لابمعنی جعل الطریقیّة بل مدرک حجّیّة الأمارات هو بناء العقلاء و سیرتهم علی العمل بها من دون جعل و الشارع تبعهم فی ذلک و أمضی ما بنوا علیه.

و دعوی أنّ إمضاء بناء العقلاء علی لزوم العمل بالأمارات قد یؤدّی إلی خلاف الواقع.

مندفعة بما مرّ من أنّه لا مانع منه بعد حمل الحکم الواقعی علی الشأنی.

یمکن أن یقال: إنّ لحن طائفة من أدلّة اعتبار الأخبار یساعد مع جعل الطریقیّة کقوله علیه السلام «لاعذر لأحد فی التشکیک فیما یرویه ثقاتنا» لأنّه یرجع إلی الأمر بإلغاء احتمال الخلاف و المعاملة مع الخبر معاملة العلم و الیقین کما أنّ لحن أدلّة اعتبار قول المفتی یساعد مع الحجّیّة کقول مولانا الإمام الثانی عشر عجّل الله تعالی فرجه الشریف «إنّهم حجّتی و أنا حجة الله» و لاینافی ما ذکر الأمر بأخذ الأحکام و تلقّیها لإمکان الجمع بین الأخبار باعتبار الطریقیّة و هی توجب الحجّیّة فیترتّب علیه وجوب الأخذ و التلقّی.

ثمّ لایخفی علیک أنّ إشکال المناقضة أو التضادّ و إن ارتفع بجعل الطریقیّة أو الحجیّة.

ولکن یبقی الإشکال من ناحیة لزوم تحلیل الحرام و تحریم الحلال فإنّه باقٍ علی حاله إذ جعل الطریقیّة أو الحجّیّة ربّما یؤدّی إلی مخالفة الواقع.

و لایدفع هذا الإشکال إلّا بما مرّ من الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بحمل الواقعی علی الشأنی و علیه فالاکتفاء بمجرّد جعل الحجّیّة أو الطریقیّة و إبقاء الواقع علی الفعلیّة لایدفع الإشکال المذکور بل أساس الجواب عن المحاذیر المذکورة فی التعبّد بالأمارات هو یحمل الأحکام الواقعیّة علی الشأنیّة من ناحیة التزاحم بینها و بین مفاسد لزوم الاتّباع عن العلم و عدم جواز التعبّد بالأمارات فتدبّر جیّداً.

ص:513

إمکان التعبّد بالاُصول

و اعلم أنّه یکفی ما تقدّم من بیان إمکان التعبّد بالأمارات لإمکان التعبّد بالاُصول أیضاً و ذلک لأنّ لزوم الاتّباع عن العلم و عدم جواز التعبّد بالاُصول یوجب ترتّب مفاسد عظیمة من العسر الشدید و الحرج العظیم لایتحمّلها أکثر الناس و معها تسقط الأحکام الواقعیة عن الفعلیّة فمع سقوطها عن الفعلیّة و حملها علی الشأنیّة لا مانع من التعبّد بالاُصول کما لامانع من التعبّد بالأمارات.

ولافرق فی ذلک بین أن یکون الأصول محرزة و بین أن لاتکون کذلک و بالجملة فالجواب الصحیح الکامل عن المحذورات المذکورة فی الأمارات و الأصو. ل هو أن یقال إنّ الواقعیّات بعد منافاتها مع الأحکام الظاهریّة محمولة علی الشأنیّة بمعنی أنّها تسقط عن الفعلیّة من جهة المنافاة بینها و بین الأحکام الظاهریّة.

ودعوی أنّ مقتضی شأنیّة الواقعیّات هو عدم لزوم الإتیان بها عند العلم بها فضلاً عن قیام الأمارات علیها ضرورة عدم لزوم امتثال الأحکام التی لم تصر فعلیّة و لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر.

مع أنّ لزوم الإتیان بالواقعیّات عند العلم بها أو قیام الأمارات علیها من الواضحات.

مندفعة بأنّ هذا الإشکال ناشٍ من الخلط بین الشأنیّة التی لم تبلغ مرتبة البعث و الزجر و الشأنیّة التی بلغت مرتبة الفعلیّة ولکن تسقط من جهة التزاحم بین مصالحها و بین المفاسد المترتّبة علی الاقتصار علی غیرها و من المعلوم أنّ الثانیة إذا تعلّق بها العلم أو قامت علیها الأمارة وجب الإتیان بها بلاکلام فلاتغفل.

ص:514

الفصل الرابع: فی تأسیس الأصل

و لاإشکال فی أنّ التعبّد بالظنّ الذی لم یدلّ دلیل علی جواز التعبّدیّة محرّم لما دلّ علیه الأدلّة الأربعة و یکفی من الکتاب قوله تعالی:(قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّهِ تَفْتَرُونَ) حیث دلّ علی أنّ إسناد حکم إلی الله من دون دلیل افتراء علی الله تعالی.

و من السنّة قوله علیه السلام فی عداد القضاة من أهل النار «و رجل قضی بالحقّ و هو لایعلم» فالقضاء من دون علم و دلیل محرّم و إن طابق الواقع.

و من العقل تقبیح العقلاء من یتکلّف من قبل مولاه بما لایعلم بوروده عن المولی.

و من الإجماع ما ادّعاه الفرید البهبهانی فی بعض رسائله من أنّ عدم جواز التعبّد بالظنّ الذی لادلیل علی اعتباره بدیهیّ عند العوام فضلاً عن العلماء.

ودعوی: أنّ الاحتیاط أیضاً تعبّد بما لادلیل علی اعتباره و مقتضی ما ذکر هو حرمته.

مندفعة: بأنّه فرق بین الالتزام بشیء علی أنّه من قبل المولی مع عدم العلم بأنّه من ناحیته و بین الالتزام بإتیانه لاحتمال کونه منه فتحصّل أنّ التعبّد بالظنّ مع الشکّ فی رضایة الشارع بالعمل به فی الشریعة تعبّد بالشکّ من دون دلیل و هو باطل بحکم العقل و النقل.

ص:515

و أمّا مجرّد العمل علی طبقه فهو غیر محرّم إلّا إذا خالف أصلاً من الاُصول اللفظیّة أو العلمیّة الّتی تدلّ علی وجوب الأخذ بمضمونها حتّی یعلم الرافع.

ثمّ إنّ البحث عن الحرمة التکلیفیّة للتعبّد بالظنّ و عدمها خارج عن البحث الاُصولی إذ الأنسب به هو أن یقال إنّ الأصل فیما لایعلم اعتباره بالخصوص أو بالعموم هو عدم الطریقیّة أو عدم الحجّیّة جزماً و علیه فلایترتّب علی المشکوک اعتباره الآثار المترتّبة علی الطریق و الحجّة نعم یمکن أن یقال إنّ مرجع البحث عن الحرمة التکلیفیّة للتعبّد بالظنب إلی نفی الحجّیّة لوجود الملازمة بینهما بناء علی عدم إمکان جعل الحجّیّة بنفسها إذ الحجّیّة حینئذٍ منتزعة عن الأحکام التکلیفیّة و علیه فلابأس بتقریر الأصل بما ذکره الشیخ فی الفرائد من أنّ الأصل هو حرمة التعبّد والالتزام بشیء بعنوان أنّه من قبل المولی.

ثمّ لایذهب علیک أنّ نفس الشکّ فی جواز التعبّد بالظنّ و عدمه یکفی فی القطع بعدم حجّیّة التعبّد بالظنّ و بعدم ترتیب شیء من الآثار علیه للقطع بانتفاء الموضوع معه لأنّ الطریق أو الحجّة لایتحقّقان من دون الوصول. و علیه فمع الشکّ فی الطریقیّة و الحجّیّة یحصل القطع بانتفاء الموضوع و معه فلامجال لاستصحاب عدم الحجّیّة أو الطریقیّة لأنّ الأثر و هو التنجیز أو التعذیر لم یترتّب علی الطریق أو الحجّة بوجودهما الواقعی بل الأثر مترتّب علی الواصل من الطریق أو الحجّة و العلم بهما فمع الشکّ فی الطریق و الحجّة یقطع بانتفاء الموضوع و مع القطع لامجال لاستصحاب العدم لعدم تمامیّة أرکانه کما لایخفی.

إذ الشیء إذا کان بوجوده العلمی موضوعاً فإذا شکّ فیه حصل العلم بعدم وجود موضوعه و مع العلم بعدم وجود موضوعه لاحاجة إلی الدلیل الاجتهادی فضلاً عن الأصل العملی کما لایخفی.

ص:516

بقی شیء: و هو أنّ الحجّة تتمّ بالوصول و المعیار فی الوصول هو أن تکون الحجة موجودة بحیث لو تفحّص عنها المعکف لظفر بها فإنّ وصول عرفاً و لذا لو لم یتفحصّ و کانت الحجّة موجودة فی الواقع و تفحّص عنها المعکف و لم یظفر بها لم تتمّ الحجّة لعدم صدق الوصول عرفاً بالنسبة إلیها إذ لیست الحجّة بحیث لو تفحّص عنها لظفر بها فوجودها فی الواقع کالعدم.

و لافرق فی ذلک بین مرحلة التنجیز و بین مرحلة الإسقاط و العذر، لأنّ المعیار هو صدق الوصول و هو یعمّ المرحلتین.

ودعوی: أنّ هذا مختصّ بمقام التنجیز و الإثبات دون مقام التعذیر و الإسقاط فإنّ الحجة المجهولة غیر مفیدة من هذا الحیث مطلقاً سواء کانت حجّة فی الواقع أنّه لم تکن و علی الأوّل سواء وصلت علی تقدیر الفحص أم لم تصل و سواء قبل الفحص أو بعده.

أمّا بعد الفحص فواضح و أما قبله مع فرض الوصول لو تفحّص فلأنّ الحجّة الواقعیّة بوجودها الواقعی لاتورث سقوط تبعة ذلک الوجوب الواقعی عن هذا المعکف.

بل لابدّ للتعبد فی ترک الإطاعة مع وجود العلم الإجمالی بالتکلیف من وجود مستند یستند إلیه فی الترک ففی هذا الفرض تحقّق الحجّة علی الإباحة فی الواقع مع شکّ المعکف فیه لیس لهذا المعکف الشاکّ حجّة فی قبال المولی بل یکون العلم الإجمالی حجّة علیه و موجب لصحّة عقابه. فتحصّل أنّ وجود الحجّة الواقعیّة المجهولة لایؤثّر شیئاً فی مرحلة التنجیز و الإثبات إلّا فی صورة واحدة و هی ما إذا کانت موجودة و کان المعکف یظفر بها لو تفحّص عنها و أمّا فی مرحلة الإسقاط فلایؤثر شیئاً أصلاً فی شیء من الصور.

مندفعة: بأنّ العلم الإجمالی مؤثّر فی وجوب الاحتیاط فی جمیع الأطراف لو لم یرد فی بعض الأطراف بیان لعدم وجوبه و إلّا انحصر تأثیره فی الوجوب فی الطرف الآخر.

ص:517

و المفروض فی المقام کذلک فإنّ الحجّة المجهولة الّتی لو تفحّص عنها لظفر بها بیان عرفیّ لعدم وجوب طرف من أطراف العلم الإجمالی و لاتوقّف لکون الحجّة المجهولة بیاناً علی الإستناد و معه لاتأثیر للعلم الإجمالی بالنسبة إلی طرف قامت الحجّة علی عدم وجوبه و علیه فلاوجه للمؤاخذة بالنسبة إلی ترک هذا الطرف بل تکون المواخذة علیه قبیحة لأنّه عقاب بلابیان بل عقاب مع البیان علی الخلاف فالبیان الذی لو تفحّص المعکف عنه لظفر به کفی فی الحجّیّة و رفع المؤاخذة و لیس ذلک إلّا معنی المعذّریّة فلاوجه للفرق بین مقام المنجّزیّة و مقام المعذّریّة.

کما لاتفاوت بین أن یکون المورد من موارد العلم الإجمالی و بین أن لایکون کذلک بل یحتمل التکلیف و لم یفحّص و علی کلّ تقدیر تکفی الحجّة المجهولة للبیان مع فرض کونها بحیث لو تفحّص عنها المعکف لظفر بها.

و بناء علی کفایة الحجّة المجهولة الّتی لو تفحّص عنها لظفر بها فی المعذّریّة لایکون ترک الواجب الذی وردت الحجّة فی الواقع علی إباحته معصیة. نعم غایته هو التجرّی و ذلک لوجود المعذّر الواصل کما هو المفروض و دعوی لزوم الاستناد لبناء العقلاء علیه. مندفعة بأنّه غیر ثابت بل تکفی الحجّة الواصلة عرفاً کما هو المفروض فی المقام و الله هو الهادی.

ص:518

فهرس الموضوعات

الأمر الأوّل: فی تعریف علم الاصول و موضوعه 5

الجهة الاُولی: فی تعریف علم الاصول 5

الجهة الثانیة: فی تعریف موضوع کل علم 7

الجهة الثالثة: فی تمایز العلوم 9

الجهة الرابعة: فی موضوع علم الاُصول 11

الأمر الثانی: فی الوضع 13

المقام الأوّل: فی حقیقة الوضع. 13

عدم الحاجة إلی الالتزام و التعهّد فی الوضع 14

تحلیل الوضع و الدلالة 14

التنزیل و الهوهویة 16

المقام الثانی: فی أقسام الوضع 16

الأمر الثالث: فی مصحّح الاستعمالات المجازیّة 21

الأمر الرابع: فی استعمال اللفظ فی اللفظ 25

ص:519

الأمر الخامس: فی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی 27

الأمر السادس: فی وضع الهیأة قائمة علی المرکّبات 31

الأمر السابع: فی علائم الحقیقة و المجاز 35

ثمرة العلامات 48

الأمر الثامن: فی تعارض الأحوال 49

دوران الأمر بین الحقیقة و غیرها 49

دوران الأمر بین نفس الاحوال غیر الحقیقة 51

الأمر التاسع: فی الحقیقة الشرعیّة 57

الأمر العاشر: فی الصحیح و الأعمّ 63

أدلّة الصحیحیّ 77

أدلّة الأعمیّ 81

أسامی المعاملات 83

تبصرة 88

الأمر الحادی عشر: فی الاشتراک 91

الأمر الثانی عشر: فی إستعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد 93

وهم و دفع 97

الأمر الثالث عشر: البحث فی المشتق 101

المختار 109

استدلال الأعمّیّ 110

تنبیهات: 111

ص:520

التنبیه الأوّل: فی بساطة المشتقّ والمراد منها 111

التنبیه الثانی: فی الفرق بین المبدأ والمشتقّ 114

التنبیه الثالث: فی ملاک الحمل 114

التنبیه الرابع: 115

التنبیه الخامس: 116

الفصل الأوّل: فیما یتعلّق بمادة الامر 119

الجهة الأولی: 119

الجهة الثانیة: 119

الجهة الرابعة: إنّه یقع البحث فی المقامین: 121

المقام الأوّل: فی مفهوم الطلب و الإرادة 121

المقام الثانی: فی حقیقة الکلام النفسیّ 121

الفصل الثانی: فیما یتعلّق بصیغة الأمر 127

المبحث الأوّل: فی تحقیق معنی صیغة الأمر 127

المبحث الثانی: فی کیفیة استفادة الوجوب من صیغة الأمر 129

المبحث الثالث: فی الجمل الخبریّة المستعملة فی مقام الطلب و البعث 131

المبحث الرابع: فی التعبدی و التوصلی 132

المقام الأوّل: فی تعریف التعبّدیّ و التوصّلیّ 132

المقام الثانی: فی إمکان أخذ القربة فی متعلّق التکلیف و عدمه 132

وجوه الامتناع فی مقام الأمر 132

وجه الامتناع فی مقام الامتثال 135

ص:521

تصحیح أخذ قصد القربة بتعدد الأمر 136

تصحیح القربة بأخذ دواعی التقرب 136

المقام الثالث: فی الأخذ بالإطلاق عند الشکّ فی اعتبار قصد القربة فی واجب و عدمه 138

المقام الرابع: فی الأصل العملیّ عند فرض عدم جریان مقدّمات الإطلاق 139

المبحث الخامس: فی حمل الأمر علی النفسیّ و العینیّ و التعیینی 140

المبحث السادس: فی الأمر عقیب الحظر أو توهّمه 140

المبحث السابع: فی المرة و التکرار 141

المقام الأوّل: 142

المقام الثانی: 142

المقام الثالث: فی المراد من المرّة و التکرار 143

المقام الرابع: فی تبدیل الامتثال بالامتثال 144

المقام الخامس: فی الامتثال بالأزید 145

المقام السادس: فی عدم اختصاص النزاع بالأمر الوجوبیّ 145

المقام السابع: فی الفرق بین النواهی و الأوامر 145

المبحث الثامن: فی الفور و التراخی 145

الفصل الثالث: فی الاجزاء 147

تحقیق المقام فی الأجزاء و عدمه 150

الموضع الأوّل: 150

الموضع الثانی: 151

المقام الأوّل: فی إجزاء الأوامر الاضطراریّة 151

ص:522

کیفیة دلالة الأوامر الاضطراریّة علی الإجزاء 153

مقتضی الأصل 155

المقام الثانی: فی إجزاء الاصول و الامارات الظاهریّة 156

الفصل الرابع: فی مقدمة الواجب و الحرام 175

المقام الأوّل: 175

المقام الثانی: 175

المقام الثالث: 175

المقام الرابع: 176

المقام الخامس: 176

المقام السادس: 177

المقام السابع: فی تقسیمات المقدمة 178

تبصرة 181

المقام الثامن: فی تقسیمات الواجب 187

مقتضی الأصل 196

و منها تقسیمه إلی نفسیّ و غیریّ 197

تنبیهات: 204

المقام التاسع: فی تبعیة وجوب المقدمة عن وجوب ذیها 208

المقام العاشر: فی ما هو الواجب فی باب المقدّمة 209

دلیل المشهور 209

دلیل اعتبار القصد 209

ص:523

دلیل اعتبار الإیصال 212

اعتبار حال الإیصال 216

الثمرة بین القولین 217

تذنیب فی کیفیّة استکشاف الحکم الکلّیّ الفقهیّ 218

تأسیس الأصل 219

أدلّة وجود الملازمة 221

مقدّمة المستحب 225

مقدّمة الحرام أو المکروه 225

الفصل الخامس: فی أنّ الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ 227

المقام الأوّل: فی الضدّ الخاصّ 228

المقام الثانی: فی الضدّ العامّ 230

مقتضی الأصل 232

ثمرة المسألة 233

الترتّب 235

التنبیهات 239

الفصل السادس: فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه 245

الفصل السابع: فی متعلّق الأوامر و الطلب 247

الفصل الثامن: فی أنه بعد نسخ الوجوب 251

الفصل التاسع: فی تصویر الوجوب التخییری 253

الفصل العاشر: فی تصویر الواجب الکفائیّ 257

ص:524

الفصل الحادی عشر: فی الموسّع و المضیّق 259

الفصل الثانی عشر: فی دلالة الأمر بالأمر 263

الفصل الثالث عشر: فی الأمر بعد الأمر 265

الفصل الأوّل: فی مفاد مادّة النهی و صیغته و هنا مباحث 269

المبحث الأوّل: فی مادّة النهی 269

المبحث الثانی: فی صیغة النهی 269

المبحث الثالث: فی تفسیر النهی 269

المبحث الرابع: 270

الفصل الثانی: فی جواز اجتماع الأمر و النهی 277

بین المختار و مقدّماته: 290

تصویر اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة 292

تنبیهات 294

الفصل الثالث: فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟ 303

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها 307

المختار فی المسألة 310

المقام الأوّل: فی العبادات 310

المقام الثانی: فی المعاملات 311

الفصل الأوّل: فی تعریف المفهوم و المنطوق 319

الفصل الثانی: فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم وعدمها 323

ص:525

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه 340

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات 341

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب 345

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسببّات 346

الفصل الثالث: فی مفهوم الوصف 347

هنا تفصیلان 352

الفصل الرابع: فی مفهوم الغایة 355

الفصل الخامس: فی مفهوم الحصر 359

الفصل السادس: فی مفهوم اللقب و العدد 367

الفصل السابع: فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصیّن 369

المقام الأوّل: فی العلّة المنصوصة 369

المقام الثانی: فی الحکمة المنصوصة 370

الفصل الأوّل: فی تعریف العامّ 375

الأمر الأول: فی تعریف العامّ الاُصولی 375

الأمر الثانی: فی أقسام العمومات 376

الأمر الثالث: فی منشأ هذ التقسیم 377

الأمر الرابع: فی خروج أسماء الأعداد عن العمومات 377

الأمر الخامس: أنّ أداة العموم مثل لفظة «کلّ» موضوعة فی اللغة 378

الأمر السادس: فی تأسیس الأصل 378

ص:526

الأمر السابع: فی کیفیّة دلالة نفی الطبیعة و اسم الجنس و النکرة علی العموم 380

الأمر الثامن: فی أنّ اللام فی الجمع هل تفید العموم أو لا؟ 381

الفصل الثانی: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المبیَّن 383

الفصل الثالث: فی حجّیة العامّ المخصَّص فی الباقی بعد تخصیصه بالمخصِّص المجمل 385

الفصل الرابع: فی جواز العمل بالعامّ قبل الفحص و عدمه 387

الفصل الخامس: فی عمومیّة التکالیف و الخطابات لغیر الموجودین و الحاضرین 389

ثمرة البحث عن تعمیم الخطابات 392

الفصل السادس: أنّ تعقّب العامّ بضمیر لایراد منه إلّا بعض أفراد العامّ 395

الفصل السابع: فی تعارض المفهوم مع العموم 399

المقام الأوّل: فی أنواع المفهوم 399

أقسام المفهوم الموافق 399

المقام الثانی: فی تقدیم المفاهیم الموافقة 400

المقام الثالث: فی المفهوم المخالف 402

الفصل الثامن: فی الاستثناء المتعقّب للجمل 405

المقام الأوّل: فی مقام الثبوت 405

المقام الثانی: فی مقام الاثبات 406

الفصل التاسع: فی وجه تقدیم الخاصّ علی العامّ 411

الفصل العاشر: 413

الفصل الحادی عشر: فی تخصیص الکتاب بالخبر الواحد 415

ص:527

الفصل الثانی عشر: فی الدوران بین التخصیص و النسخ 417

الفصل الأوّل: فی تعریف المطلق 425

أسامی الأجناس: 426

أعلام الأجناس: 427

المعرّف باللام: 428

النکرة: 429

الفصل الثانی: فی مقدّمات الإطلاق 433

بقی شیء 436

تنبیهات: 436

الفصل الثالث: فی کیفیّة الجمع بین المطلق و المقیّد 443

الفصل الرابع: فی المجمل و المبیّن 449

الباب الأوّل: فی القطع 453

الفصل الأوّل: فی القطع، و یقع البحث فیه من جهات 453

هنا أقوال: 454

تنبیه فی حقیقة الحکم و مراتبه 459

التنبیهات 464

تعاضد الدین و العقل البدیهیّ 486

الملازمة بین الحکم العقلیّ و الشرعی 487

موارد النهی عن العمل بالقطع 490

ص:528

الفصل الأوّل: فی أنّ التعبّد به ممکن ذاتاً و لامحذور فیه 499

الفصل الثانی 501

الفصل الثالث 503

إمکان التعبّد بالاُصول 514

الفصل الرابع: فی تأسیس الأصل 515

فهرس الموضوعات... 531

ص:529

المجلد 2

اشارة

سرشناسه:خرازی، سیدمحسن، 1315 -

عنوان و نام پدیدآور:خلاصه عمده الاصول/ تالیف محسن الخرازی؛ تصحیح علی رضا الجعفری

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1415ق.= -1376

مشخصات ظاهری:2ج.

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

یادداشت:ج. 5 (چاپ اول: 1427ق. = 1385).

یادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1430ق. = 1388).

یادداشت:کتابنامه

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:جعفری، علیرضا، مصحح

رده بندی کنگره:BP159/8/خ 4ع 8 1376

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:م 78-2994

ص :1

ص :2

ص :3

هویة الکتاب

العنوان... خلاصة عمدة الأصول (ج 2)

الموضوع... اصول الفقه

تألیف... آیة الله السیّد محسن الخرّازی

باهتمام... السیّد علیّ رضا الجعفری

نشر... مؤسسه در راه حق

الطبعة... الاُولی

المطبعة... ولی عصر (عج)

العدد... 1000

ص:4

الظهّورات اللفظیّة

اشارة

فی الأمارات التی ثبتت حجّیتها بالأدلّة أو قیل بثبوتها.

وأعلم أنّ الأصل، هو عدم حجّیّة الظنّ و حرمة التعبّدبه، ولکن یخرج عن هذا الأصل عدّة من الظّنون من جهة قیام الأدلّة علی حجیّتها، و هی کما تلی:

و لایخفی أنّ الظّهورات الکلامیّة حجّة عند العقلاء، و لذا یحکمون بوجوب اتّباعها فی تعیین المرادات و استقرّ بنائهم علیها فی جمیع مخاطباتهم من الدعاوی و الأقاریر و الوصایا و الشّهادات و الإنشاءات و الإخبارات.

و لیست طریقة الشّارع فی إفادة مراداته مغایرة لطریقة العقلاء فی محاوراتهم، بل هی هی لأنّه یتکلّم مع النّاس بلسانهم و یشهد له إرجاعات الشّارع إلی الظّهورات و احتجاجاته بها ثمّ إنّ الظّهورات الکلامیّة تتحقّق من ظهور المفردات و الهیآت الترکیبیة فی معانیها من دون فرق بین کون ذلک بالوضع أو القرائن المتّصلة المذکورة فی الکلام أو بالقرائن الحالیة المقرونة و غیر ذلک.

و لو شکّ فی استعمال کلمة فی معناها الوضعی أم لافمقتضی أصالة الحقیقة هو استعمالها فیه فیتحقّق ظهور الکلمة فیه بأصالة الحقیقة.

ص:5

ولو شکّ فی وجود القرینة علی خلاف المعنی الموضوع له و عدمه فمقتضی أصالة عدم القرینة هو العدم، فیتحقّق الظّهور بأصالة عدم القرینة.

ولو شکّ فی التخصیص أو التقیید فمقتضی أصالة العموم أو الاطلاق هو ظهور الکلام فی العموم و الاطلاق بتلک الاصول.

ولو شکّ فی الخطأ و السهو و النسیان فمقتضی اصالة العدم هو الظّهور و عدم حدوث هذه الامور.

ولو شکّ فی أنّ هذه الظّهورات مرادة بالارادة الجدّیة أو لا، فمقتضی أصالة التطابق بین الارادة الاستعمالیّة و الجدّیة هی ارادتها جدّاً.

ثمّ لایخفی علیک أنّ الحجّیّة لاتختص بالمعانی الحقیقیّة بل المعانی المجازیّة التی تستفاد من الکلام بالقرینة تکون حجّة أیضاً لأنّ الملاک فی الحجّیّة هو الظّهورات و هی موجودة فیها.

ثمّ لافرق فی الحجّیّة فی الظّهورات بین من قصد افهامه و غیره ما لم یقم قرینة علی اختصاص الحکم بمن قصد افهامه.

کما لاتفاوت فی الحجّیّة بین أن تکون النّصوص شرعیة أو عرفیة، و لا بین الشّرعیة أن تکون النّصوص قرآنیّة أو روائیّة.

ولکن مع ذلک اختلف فی بعض الأمور المذکورة، فالأولی هو أن نذکر بعض تلک الموارد مع الجواب عنه و نقول بعون الله و توفیقه یقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل:

أنّ المحکی عن المحقّق القمّی قدّس سرّه هو اختصاص حجّیّة الظّهورات الکلامیّة بمن قصد إفهامه و هذه الظّهورات المقصودة بالافهام علی قسمین أحدهما: الخطابات الشّفاهیة الّتی کان المقصود منها افهام المخاطبین بها، و ثانیهما الکتب المصنفة لرجوع

ص:6

کل ناظر إلیها و أما الأخبار الواصلة من النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم و الأئمة الأطهار علیهم السّلام بعنوان الجواب عن الأسئلة أو الکتاب العزیز فالظهور اللفظی الحاصل منهما لیس حجّة لنا إلّا من باب الظّنّ المطلق الثابت حجّیته عند انسداد باب العلم لعدم کوننا مقصودین بالافهام فیهما فان المقصودین من الافهام فی القرآن أهل البیت علیهم السّلام و هکذا المقصودین من الافهام فی الاجوبة المذکورة هم الذین سئلوا و بعبارة اخری ادعی المحقق القمّی أمرین، أحدهما: أنّ الأخبار الواصلة عن النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم و الأئمّة الأطهار علیهم السّلام بعنوان السؤال و الجواب و هکذا الکتاب العزیز لیست کالمؤلفات حتی نکون من المقصودین بالافهام فیها.

وثانیهما: أنّه لاتجری الأصول العقلائیّة کأصالة عدم القرینة فی ظواهر الکلمات و الجملات بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام لاختصاص تلک الاصول باُمور جرت العادّة بأنّها لو کانت لوصلت إلینا دون غیرها ممّا لم یکن کذلک و علیه فلادلیل علی عدم الاعتناء باحتمال إرادة الخلاف إذا کان الاحتمال المذکور مسبباً عن اختفاء امور لم یجر العادة القطعیّة أو الظنیّة بأنها لو کانت لوصلت إلینا.

یمکن أن یقال أوّلاً: إنّا نعمنع عدم کون الأخبار الواصلة کالکتب المؤلفة فإنّها و إن کانت کثیراً ما بعنوان الأجوبة عن الأسئلة ولکن تکون فی مقام بیان وظائف النّاس من دون دخالة لخصوصیّة السائلین ولالعصر دون عصر سیما إذا کان السؤال من مثل زرارة و محمّد بن مسلم فأنّهما فی مقام أخذ الجواب لصور المسائل بنحو یکون من القوانین الکلّیة و أیضاً نمنع اختصاص الظّهورات القرآنیّة لقوم دون قوم بعد جریان القرآن کمجری الشمس و یشهد لذلک دعوته جمیع النّاس فی کل عصر إلی التدبّر فی آیاته و الاتّعاظ بمواعظه فکما تکون فی الکتب المؤلفة من المقصودین بالافهام فکذلک بالنّسبة إلی الأخبار المذکورة و القرآن الکریم.

ص:7

وثانیاً: إنّا ننکر عدم حجّیّة الظّهورات اللّفظیة بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام مالم یحرز أنّ بناء المتکلم علی القاء الرّموز و الاکتفاء بالقرائن الخفیة المعلومة بین المتکلم و السامع لجریان أصالة عدم القرینة بالنسبة إلی غیر المقصودین بالافهام أیضاً عند العقلاء و یشهد لذلک سیرة أصحاب الأئمّة علیهم السّلام فإنّهم کانوا یعملون بظواهر الأخبار الواردة إلیهم کما یعملون بما یسمعون من أئمّتهم علیهم السّلام.

فما ذهب إلیه المحقّق القمّی محل منع صغری و کبری، أما الصغری فلما عرفت من أنّا من المقصودین بالافهام و أمّا الکبری فلما ذکرنا من جریان أصالة عدم القرینة بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام عند العقلاء فلو سلمنا أنّا غیر مقصودین بالافهام لکانت الظّهورات حجة لنا أیضاً.

و دعوی اتکال الأئمّة علیهم السّلام علی القرائن المنفصلة مندفعة بأنّه و إن کانت صحیحة إلّا أنّه لایقتضی اختصاص حجّیّة الظّهورات بمن قصد افهامها بل مقتضاه هو الفحص عن القرائن و مع عدم الظّفر یؤخذ بالظهورات.

واحتمال التقطیع لایمنع عن انعقاد الظّهور بعد کون المقطعین عارفین بأسلوب الکلام العربی و ملتزمین برعایة الأمانة.

لایقال: لایمتنع أن ینصب المتکلم قرینة لایعرفها سوی من قصد افهامه و علیه فلایمکن لمن لم یقصد افهامه ان یحتج بکلام المتکلم علی تعیین مراده إذ لعلّه نصب قرینة خفیّة علیه علّمها المخاطب فقط لأنّا نقول إنّ محل الکلام فیما إذا صدر من المتکلم کلام متوجّه إلی مخاطب لابما هو مخاطب خاص کما هو المفروض فإنّ غرض الشّارع لیس إلّا بثّ الأحکام بین النّاس فلامجال لاحتمال الرّموز المانع من النّشر و البثّ کما لایخفی.

ص:8

و فی مثل هذا المورد لایبعد دعوی البناء علی عدم القرینة بعد الفحص و لاحاجة إلی حصول الإطمئنان بعدم وجود القرینة کما یظهر من سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه فلاتغفل.

الأمر الثّانی:

أنّ المناط فی حجّیّة الکلام و اعتباره هو ظهوره عرفاً فی المراد الاستعمالی و الجدّی و لو کان هذا الظّهور مسبّباً عن القرائن الموجودة فی الکلام و هذا هو الذی بنی علیه العقلاء فی إفادة المرادات بین الموالی و العبید و غیرهم من أفراد الإنسان.

و لایشترط فی حجّیّة الظّهور المذکور حصول الظّنّ الشّخصی بالوفاق أو عدم قیام الظّنّ غیر المعتبر علی الخلاف بل هو حجّة ولو مع قیام الظّنّ غیر المعتبر علی الخلاف أو عدم حصول الظنّ بالوفاق و لذا لایعذّر عند العقلاء من خالف ظاهر الکلام من المولی بأحد الأمرین.

ودعوی أنّ توقّف الأصحاب فی العمل بالخبر الصحیح المخالف لفتوی المشهور أو طرح الخبر المذکور مع اعترافهم بعدم حجّیّة الشّهرة یشهد علی أنّ حجّیّة الظّهورات متوقفة علی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی خلافها.

مندفعة بأنّ وجه التوقّف أو الطرح مزاحمة الشّهرة للخبر من حیث الصّدور إذ لایحصل الوثوق بالصدور مع مخالفة المشهور مع أنّ الوثوق بالصدور لازم فی حجّیّة الخبر لامزاحمة الشّهرة للخبر من جهة الظّهور کما هو محل الکلام.

و هذا واضح فیما إذا کان المطلوب هو تحصیل الحجّة و الأمن من العقوبة لوجود بناء العقلاء علی کفایة العمل بالظواهر مطلقاً.

ص:9

و أمّا إذا کان المطلوب هو تحصیل الواقع لا الاحتجاج کما إذا احتمل المریض إرادة خلاف الظّاهر من کلام الطبیب لایعمل بمجرّد الظّهور مالم یحصل الإطمئنان الشخصی بالواقع ولکنّه خارج عن محل الکلام.

و هکذا الظّهورات الواردة فی غیر الأحکام الشرعیّة کالاُمور الواقعیّة یکون الّلازم فی اعتبارها هو حصول الإطمئنان الشخصی بالاُمور المذکورة إذ لامعنی للتعبّد بالنّسبة إلیها إلّا إذا أدرجت فی موضوع الأحکام کالإخبار بها عن الله سبحانه و تعالی فی یوم القیامة فحینئذٍ یصحّ التعبّد بها بهذا الاعتبار کما لایخفی.

ثمّ إنّ محلّ الکلام فیما إذا انعقد الظّهور فلایتوقّف اعتباره علی وفاق الظنّ الشخصی و لاعلی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی خلافه.

و أمّا إذا اکتنف الکلام بما یصلح أن یکون صارفاً عن الظّهور فلاظهور حتّی یکون حجّة نعم لو لم یکتنف مایصلح أن یکون صارفاً بالکلام انعقد الظّهور و یحکمون بنفی احتمال الانصراف و ارتفاع الإجمال کما إذا قال المولی أکرم العلماء ثمّ ورد قول آخر من المولی لاتکرم زیداً و اشترک الزید بین العالم و الجاهل فلایرفع الید عن ظهور العام فی العموم و شموله لزید العالم بمجرد صدور لاتکرم زیداً بل یرفعون الإجمال بواسطة العموم و یحکمون بأنّ المراد من قوله لاتکرم زیداً هو الجاهل منهما.

ثمّ إنّ الظّهورات الکلامیّة و إن کانت من الظّنون ولکن حجّیّتها شرعاً من الضروریّات إذ لاطریق للشارع فی إفادات مراده إلّا مابنی علیه العقلاء فی تفهیم مقاصدهم من الظّهورات و علیه فظنّیة الظّهورات لاتنافی قطعّیة اعتبارها.

و إذا اتّضح ذلک فالآیات الناهیة عن العمل بالظنّ منصرفة عن العمل بالظهورات المذکورة لأنّ الأخذ بها أخذ فی الحقیقة بالقطع و الضرورة.

ص:10

ثمّ لایذهب علیک بعدما عرفت من حجّیّة الظّهور العرفی أنّ الظّهور العرفی لایتعدّد بتعدّد الآحاد و الأشخاص لتقوم الظهور العرفی باستظهار نوع الأفراد و هو غیر قابل للتعدّد نعم یمکن الاختلاف بین الآحاد فی کون شیء أنّه ظاهر فی ذلک عرفاً أو غیر ظاهر.

بأن یدّعی کلّ واحد من طرفی الاختلاف ظهور الکلام عرفاً فیما ادّعاه و حینئذٍ یمکن تعدّد دعوی الظّهور العرفی ولکنّ الظّهور العرفی بحسب واقع العرف واحد و الحجّیّة مخصوصة به.

و ممّا ذکر یظهر عدم صحّة مایتوهّم فی زماننا هذا من حجّیّة الظنّ الشخصی فی الألفاظ و العبارات ولو مع عدم مراعاة القواعد الأدبیّة و العقلائیّة بدعوی أنّ لکلّ شخص استظهاراً. و هو حجّة له ضرورة اختصاص أدلّة اعتبار الظّهورات بالظهورات العرفیّة لاالشخصیّة و للظهورات العرفیّة قواعد و ضوابط ینتهی ملاحظتها و إعمالها إلی الظّهور النوعی.

و دعوی أنّ التفسیرات المختلفة من القرآن الکریم تؤیّد حجّیّة الظّهورات الشخصیّة مندفعة، بأنّ التفسیرات المختلفة إن أمکن إرجاعها إلی معنی جامع فهو ظهور عرفی و إن لم یمکن ذلک فلیس کلّها بصحیح بل الصحیح هو واحد منها و هو مایستظهر بالاستظهار العرفی و البقیة من التفسیر بالرأی و هو منهی عنه بالأخبار القطعیّة.

ربّما یقاس جواز الأخذ بالظّنون الشخصیّة بجواز الأخذ بالقراءات المختلفة للقرآن الکریم ولکنّه مع الفارق فإنّ القراءات المختلفة و إن لم تکن جمیعها بصحیحة و مطابقة للواقع لأنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ولکن قامت الأدلّة الخاصّة علی جواز الاکتفاء بواحد منها تسهیلاً للأمر هذا بخلاف المقام فإنّه لادلیل علی جواز الإکتفاء بالظنّ الشخصی.

ص:11

و فی الختام أقول و لیس المدّعی عدم لزوم التعمّق الزائد حول النصوص والظواهر العرفیّة لکشف المطالب و الاستنباط بل هو لازم بتأکید ولکن الواجب هو مراعاة القواعد الأدبیّة و الاُصول العقلائیّة و إلّا فمع عدم مراعاتها لاحجّیّة لتلک الظّنون کما لایخفی.

الأمر الثالث:

أنّه لافرق فی حجّیّة الظّهورات بین المحاورات العرفیّة و بین النقلیة الشرعیة کما لاتفاوت فی النقلیّة بین الظّهورات القرآنیّة و بین الظّهورات الحدیثیّة.

و ذلک لعموم دلیل حجّیّة الظّهورات و هو بناء العقلاء و المفروض أنّ الشّارع لم یخترع طریقاً آخر لإفادة مراداته.

ولکن ذهب جماعة من الأخبارییّن فی الأعصار الأخیرة إلی عدم جواز الأخذ بظهورات الکتاب العزیز فیما إذا لم یرد التفسیر عن الأئمّة المعصومین علیهم السّلام و استدلّوا لذلک بوجوه:

منها: الأخبار الدالّة علی اختصاص فهم القرآن بالنبیّ و الأئمّة المعصومین صلوات الله علیهم، و من جملة هذه الأخبار خبر زید الشحّام عن أبی جعفر علیه السّلام أنّه قال فی حدیث له مع قتادة المفسّر و یحک یاقتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به.(1)

بدعوی أنّ مع اختصاص فهم القرآن بهم علیهم السّلام لامجال للاستظهار من الآیات الکریمة لغیرهم و مع فرض الإمکان لاحجّیّة له.

ویمکن الجواب أوّلاً: بأنّ المراد من الاختصاص المذکور هو اختصاص فهم القرآن و هو لا ینافی إمکان الاستظهار من جملة من الآیات و حجّیّتها بعد الاستظهار مع مراعاة شرائط الحجّیّة کالفحص عن القیود و ملاحظة القرائن المتّصلة و المنفصلة.

ص:12


1- (1) روضة الکافی، ص 312.

وردع الإمام علیه السّلام لمثل أبی حنیفة وقتادة عن الفتوی بظاهر القرآن یرجع إلی ردعه عن الاستقلال فی الفتوی من دون مراجعة إلی أهل البیت علیهم السّلام أو من دون ملاحظة القرائن المتّصلة و المنفصلة.

وثانیاً: بأنّ لازم الاختصاص هو أن یکون القرآن لغزاً أو معمّی مع أنّه لیس کذلک لأنّ القرآن نزل لیخرج النّاس من الظّلمات إلی النّور و کانت الأعراب یفهمونه بمجرّد قراءة القرآن و تلاوته و أثّر فی نفوسهم أشدّ التأثیر.

و الشّاهد علی حجّیّة ظواهر الآیات هو إرجاع النّاس إلی الکتاب فی غیر واحد من الأخبار إذ لایمکن ذلک بدون حجّیّة الظّهورات القرآنیّة.

ومنها: الأخبار الدالّة علی أنّ القرآن الکریم یحتوی علی مضامین شامخة و مطالب غامضة عالیة لاتکاد تصل إلیها أیدی أفکار اولی الأنظار غیر الرّاسخین العالمین بتأویله.

و من تلک الأخبار مارواه المعلّی بن خنیس عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إنّه لیس شیء أبعد من قلوب الرجال من تفسیر القرآن و فی ذلک تحیّر الخلائق أجمعون إلّا من شاء الله و إنّما أراد الله بتعمیته فی ذلک أن ینتهوا إلی بابه و صراطه و أن یعبدوه و ینتهوا فی قوله إلی طاعة القوّام بکتابه و النّاطقین عن أمره و أن یستنبطوا مااحتاجوا إلیه من ذلک عنهم لاعن أنفسهم.(1)

و یمکن الجواب بأنّ اشتمال القرآن علی المضامین العالیة الغامضة و اختصاص علمها بالرّاسخین فی العلم و لزوم الرجوع الیهم فی التفسیر و التأویل لاینافی وجود ظواهر فیه بالنّسبة إلی الأحکام و غیرها و حجّیّتها لغیرهم.

ص:13


1- (1) الوسائل، الباب 13 من أبواب صفات القاضی، ح 38.

هذا مضافًا إلی أنّ جعل تمام القرآن غامضاً لایساعد مع تصریح القرآن بکونه عربیّاً مبیناً بل دعوی إبهام تمام القرآن ینافی قول أبی جعفر علیه السّلام فمن زعم أنّ الکتاب مبهم فقد هلک و أهلک.(1)

وهکذا ینافی قول مولی الموحّدین فی ضمن احتجاجه علی زندیق: ثمّ إنّ الله قسّم کلامه ثلاثة أقسام فجعل قسماً یعرفه العالم و الجاهل و قسماً لایعرفه إلّا من صفا ذهنه و لطف حسّه و صحّ تمییزه ممّن شرح الله صدره للإسلام و قسماً لایعلمه إلّا الله و ملائکته و الرّاسخون فی العلم.(2)

ومنها: أنّ القرآن یشتمل علی المتشابهات و المتشابه یشمل الظّواهر و لاأقلّ من احتمال ذلک لتشابه معنی المتشابه.

و الجواب عنه واضح لمنع کون الظّاهر من مصادیق المتشابه بل هو خصوص المجمل الذی لیس له ظهور فی معنی من المعانی هذا مضافا إلی أنّ التمسّک بما یمنع عن الأخذ بالمتشابه فی مورد یحتمل أن یکون متشابها یرجع إلی التمسّک بالدّلیل فی الشّبهات الموضوعیّة و هو کما تری.

ومنها: دعوی العلم الإجمالی بطروّ تخصیصات و تقییدات و تجوّزات فی ظواهر الکتاب وعلیه فلایجوز العمل بالأصول اللّفظیة فی أطراف المعلوم بالإجمال لتعارضها و سقوطها.

وفیه أنّ العلم الإجمالی یمنع عن العمل بالظّواهر فیما إذا لم ینحل بالظفر بمقدار المعلوم بالإجمال و إلّا فلایبقی علم إجمالی بالنّسبة إلی غیر الموارد التی ظفرنا فیه بمقدار المعلوم بالإجمال.

ص:14


1- (1) الوسائل، الباب 13 من أبواب صفات القاضی، ح 39.
2- (2) الوسائل، الباب 13 من ابواب صفات القاضی، ح 44.

ومنها: الرّوایات النّاهیة عن التفسیر و هذه الأخبار علی طوائف:

الطّائفة الاُولی:

هی التی تدلّ علی اختصاص التفسیر بالأئمّة علیهم السّلام کقوله علیه السّلام إنّ من علم ما اوتینا تفسیر القرآن و أحکامه.(1)

و کقوله علیه السّلام تفسیر القرآن علی سبعة أوجه منه ما کان و منه ما لم یکن بعد تعرفه الأئمّة علیهم السّلام.(2)

الطّائفة الثّانیة:

هی التی نهت عن تفسیر القرآن بالرأی کموثّقة الریّان عن الرضا علیه السّلامعن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال الله جلّ جلاله: ماآمن بی من فسّر برأیه کلامی.(3)

الطّائفة الثّالثة:

هی الّتی تدلّ علی المنع عن ضرب القرآن بعضه ببعض فی التفسیر کقول أبی عبدالله علیه السّلام قال أبی: ماضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلّا کفر.(4)

والجواب عنه:

أوّلاً: بأنّ الأخبار المذکورة دلّت علی ممنوعیّة خصوص التفسیر و لانظر لها بالنّسبة إلی الأخذ و العمل بظواهر الکتاب إذ ذلک لایکون تفسیراً لاختصاص

ص:15


1- (1) الوسائل، الباب 13 من أبواب صفات القاضی، ح 13.
2- (2) الوسائل، الباب 13 من أبواب صفات القاضی، ح 50.
3- (3) الوسائل، الباب 6 من أبواب صفات القاضی، ح 22.
4- (4) الوسائل، الباب 13 من أبواب صفات القاضی، ح 22.

موضوع التّفسیر بما له إجمال و خفاء بحیث یحتاج إلی کشف القناع الذی هو حقیقة التفسیر و الظّواهر لاتحتاج إلی التفسیر و کشف القناع کما لایخفی.

ویشهد لما ذکر تطبیق التفسیر المنهی فی الرّوایات علی تفسیر البطون و ذکر المصادیق الخفیّة التی لم تسبق إلی الأذهان.

وثانیاً: بأنّا لو سلّمنا أنّ العمل بالظواهر من التفسیر فالمنع عنه محمول علی التّفسیر بالرأی و هو حمل اللفظ علی خلاف ظاهره بمجرّد رجحانه بنظره أو حمل المجمل علی بعض المحتملات بمجرّد رجحانه بنظره من دون إقامة دلیل أو فحص لازم.

ومن المعلوم أنّ ذلک لایشمل حمل ظواهر الکتاب علی معانیها اللغویّة و العرفیّة بعد الفحص اللاّزم عن القرائن المتّصلة و المنفصلة و العقلیّة و النقلیّة من دون إعمال رأی.

وثالثاً: بأنّه لو سلّمنا دلالة الأخبار المذکورة علی المنع عن الأخذ بظهورات القرآنیّة فلابدّ من حملها علی ماذکر لتعارضها مع الأخبار الدالّة علی جواز التمسّک بظواهر القرآن الکریم مثل خبر الثقلین و الرّوایات الدالّة علی الإرجاع إلی ظواهر الکتاب و التدبّر فیها و جعلها معیار الصّحة الأخبار و عدمها و غیر ذلک.

ومقتضی الجمع بین الأخبار هو حمل الأخبار النّاهیة علی النهی عن التفسیر بالرأی أو التفسیر من دون الفحص اللازم لأنّ جواز التمسّک بظواهر القرآن و عرض الأخبار المتعارضة علی تلک الظّواهر وردّ الشروط المخالفة لظاهر القرآن و الإرجاعات إلی ظواهر الکتاب و غیر ذلک من المسلّمات.

ودعوی أنّ الرجوع إلی الکتاب عند تعارض الأخبار أو تعیین الشروط الصّحیحة عن غیرها لیس من باب حجّیّة ظواهر الکتاب بل لعلّه من جهة المرجّحیّة.

مندفعة بأنّه لایساعد مع التعبیرات الواردة فی الأخبار من أنّ القرآن شاهد صدق و نور و هدایة و فصل الخطاب و غیره ممّا یکون من خصائص الحجّیّة کما لایخفی.

ص:16

التنبیهات:

التنبیه الأوّل:

أنّه ربّما یتوهّم أنّ البحث عن اعتبار ظواهر الکتاب قلیل الجدوی إذ ما من آیة من الآیات إلّا ورد فیها خبر أو أخبار فلو لم یکن ظواهر الآیات حجّة کفی الأخذ بالأخبار الواردة حول الآیات.

وأجیب عنه:

أوّلاً: بأنّ الآیات الواردة فی العبادات و إن کانت أغلبها کذلک ولکن غیرها من إطلاقات المعاملات ممّا یتمسّک بها فی الفروع غیر المنصوصة أو المنصوصة بالنّصوص المتکافئة کثیرة مثل قوله تعالی:(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) و (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ) و (وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ) و غیر ذلک.

هذا مضافاً إلی أنّ الأخبار الواردة حول الآیات فی العبادات ربّما تکون متعارضة أو ضعافاً ففی هذه الموارد یؤخذ بظهور الآیات.

نعم یمکن أن یقال: حیث لایحرز کون المتکلم فی مقام البیان لاأصل التشریع فی الآیات الواردة فی العبادات فلایجوز أن یؤخذ بظهور إطلاقها بخلاف الآیات الواردة فی الإمضائیات أو التأسیسیّات التی کان موضوعها من الموضوعات العرفیّة أو اللغویّة کالمعاملات و الجهاد و الدفاع و نحوهما لمعلومیّة الموضوع العرفیّة أو اللغویّة کالمعاملات و الجهاد و الدفاع و نحوهما لمعلومیّة الموضوع عند العرف و اللغة و لاحاجة إلی بیان الشّارع أللّهمّ إلّا أن یقال: بکفایة الإطلاق المقامی فی العبادیّات بعد حلول وقت العمل إذا اکتفاء الشّارع بما ذکره من الآیات بعد حلول وقت العمل یکشف عن إرادة إطلاقها و ذلک لأنّه لو لم یرد الإطلاق لاتّخذ سبیلاً آخر لبیان مراده.

ص:17

التنبیه الثّانی:

أنّ اللازم بعد حجّیّة ظهورات الکتاب هو إحراز کون الظّاهر من الکتاب و علیه فإذا اشتبه فی ظاهر أنّه من الکتاب أم لافلیس الظّاهر المذکور حجّة و یتفرّع علیه أنّه لو اختلفت قراءة القرآن، بحیث یوجب الاختلاف فی الظّهور و الأحکام مثل یطهرن بالتشدید و التخفیف فإنّ الأوّل ظاهر فی لزوم الاغتسال فی جواز المعاشرة و الثّانی ظاهر فی کفایة انتقاء عن الحیض فی ذلک ففی مثل هذا لایجوز التمسّک بأحدهما لإثبات خصوص ما یکون ظاهراً فیه لعدم إحراز کونه من ظاهر الکتاب فاللازم فی الحجّیّة إحراز کون الظّاهر من الکتاب.

و دعوی تواتر جمیع القراءات ممّا لاأصل له و إنّما الثّابت جواز القراءة و لاملازمة بینها و بین تواترها کما لاملازمة بین جواز القراءة تعبّداً و جواز الاستدلال بها.

و دعوی قیام الإجماع علی تواتر القراءات کماتری لعدم تحقّقه باتفاق مذهب واحد عند مخالفة الآخرین.

و القول بأنّ اهتمام الصحابة و التابعین بالقرآن یقضی بتواتر قراءاته غیر سدید لأنّه لایثبت به إلّا تواتر القرآن لاکیفیة قراءاته و لو کفی ذلک فی إثبات تواتر القراءات فلاوجه لتخصیصه بالقراءات السبعة أو العشرة بل لازمه هو الالتزام بتواتر جمیع القراءات و هو واضح الفساد و قد اعترف جمع کثیر من العلماء بعدم الملازمة بین تواتر القرآن و تواتر القراءات.

قال الزّرکشی فی البرهان القرآن: و القراءات حقیقتان متغایرتان إلی أن قال: و القراءات السبع متواترة عند الجمهور إلی أن قال: و التحقیق أنّها متواترة عن الأئمّة السبعة أمّا تواترها عن النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم ففیه نظر فإنّ اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود فی کتب القراءات و ممّا نقل الواحد عن الواحد.

ص:18

حجیّة قول اللغویین

نسب إلی المشهور حجّیّة قول اللغویّین فی تعیین الأوضاع وتشخیص الحقائق عن المجازات وتعیین الظّهورات المفردة و الترکیبیة و استدلّ له بقیام بناء العقلاء علی الرجوع إلیهم فی استعلام اللغات و الاستشهاد بأقوالهم فی مقام الاحتجاجات و لم ینکر ذلک أحد علی أحد.

و دعوی أنّ القدر المتیقّن من الرجوع إلیهم هو ما إذا اجتمع شرائط الشّهادة من العدد و العدالة لامطلقاً.

مندفعة، بمنع اشتراط ذلک فی الرجوع إلیهم لوضوح رجوعهم إلیهم من دون اعتبار التعدّد أو اعتبار الإخبار عن حسّ و هذا یکشف عن کون الرجوع إلیهم من باب أنّهم مهرة الفنّ و أهل الخبرة لامن باب الشهادة.

و القول بأنّ هذا البناء لم یحرز وجوده فی زمان الأئمّة علیهم السّلام حتّی یکون حجّة بعدم الرّدع عنه ولاکتاب لغة فی ذلک العصر حتّی یرجع إلیه.

ممنوع أوّلاً: بأنّ عدم الرّدع عن الکلّی المعمول به وهو رجوع الجاهل إلی العالم فی الاُمور یکفی فی إمضاء آحاد الکلّی المذکور و لاحاجة إلی إحراز کون کلّ فرد موجوداً فی عصر الإمام علیه السّلام.

ص:19

وثانیاً: یمنع عدم ثبوت رجوع النّاس إلی مهرة اللّغة فی صدر الإسلام بل قبله مع شیوع الاستعمالات اللّغویة وتبادل الأدبیّات بین الجوامع و وجود الحاجة فی فهم اللّغات و التّراکیب المعمولة إلی ذلک.

وثالثاً: بأنّ بعض الکتب اللّغویة مدوّن فی زمن الإمام الصادق علیه السّلام ککتاب خلیل وفی زمن الإمام الجواد علیه السّلام ککتاب جمهرة ویرجع إلیه ولم یردع عنه.

فیتحصّل أنّ الرجوع إلی قول اللّغویین من باب أنّهم خبراء و مهرة و علیه فقولهم حجّة فیما أخبروا به ممّا کانوا فیه خبراء من دون فرق بین کون ذلک من موارد الاستعمال أو الحقیقة والمجاز أو الظّهورات المفردة أو الترکیبیة هذا مضافاً إلی إمکان إدراج قوله فی خبر الواحد الموثوق به بضمیمة أصالة عدم الغفلة.

لایقال: إنّ الرّجوع إلی أهل اللّغة لیس من باب الخبرویة لأنّ الرجوع إلی أهل الخبرة إنما هو فی الأمور الحدسیّة التی تحتاج إلی إعمال النظر والرأی لافی الاُمور الحسیّة التی لادخل للنظر والرأی فیها.

وتعیین معانی الألفاظ من قبیل الاُمور الحسّیة لأنّ اللغوی ینقلها علی ما وجده فی الاستعمالات والمحاورات و علیه فیدخل إخبار اللغوی فی الشهادة الّتی اعتبر فیها العدالة والتّعدد فی مورد القضاء لأنّا نقول إنّ تخصیص الخبرة بالاُمور الحدسیة کما تری لأنّ الطبابة مبتنیة علی الحسّ و التجربة و مع ذلک لها خبراء و مهرة یعتمد علیهم و هکذا علم الرجال یبتنی علی مارآه و سمع الرجالی من أحوال الأشخاص و هما من حسیّات و مع ذلک له خبراء یعتمد علیهم.

هذا مضافاً إلی أنّ علم اللّغة لایخلو عن حدس أیضاً إذ اللغوی إذا رأی الاستعمالات المتکرّرة فی مثل رغب عنه فی معنی الإعراض ورغب فیه فی معنی

ص:20

الّتمایل حصل له الحدس بأنّ کلمة عنه بعد فعل رغب قرینة عامّة علی إرادة الإعراض و هکذا فی کلمة فیه بعد فعل رغب قرینة عامّة علی إرادة الّتمایل.

بل رأی اللّغوی کثیراً مایکون علی أساس الحدس وإعمال النظر فإنّه وإن کان رأس ماله السّماع و تتبع موارد الاستعمالات إلّا أنّه لابدّ له أیضاً أن یقارن بین موارد الاستعمالات و یجتهد فی تخریج و تجرید المعانی الّتی یستعمل فیها اللفظ و الّتی تستفاد من مجموع تلک المسموعات.

و بالجملة یجوز الرجوع إلی قول اللغوی فیما یکون فیه ماهراً وخبیراً من دون فرق بین موارد الاستعمالات وتعیین الظّهورات والحقیقة والمجاز.

ص:21

ص:22

الإجماع

اشارة

و الإجماع إمّا منقول وهو داخل فی الأمارات الظّنیّة وإمّا محصّل وهو لهذا السبب من مصادیق القطع هو ذکره فی القطع لافی المقام ولعلّ ذکره من باب توقف معرفة المنقول علیه وکیف کان فتحقیق الحال فی الإجماع یتوقف علی ذکر امور.

الأمر الأوّل:

فی المراد من الإجماع عند العامّة.

و اعلم أنّ المراد منه عندهم هو اتفاق الکلّ ویقصدون منه إمّا اتفاق الأمّة أو اتفاق أهل الحلّ والعقد أو اتفاق المجتهدین فی عصر واحد علی أمر من الاُمور.

و علی کلّ تقدیر یکون الإجماع عندهم حجّة بنفسه و دلیل فی قبال الکتاب و السّنة.

و استدلّوا له بالنبویّ صلی الله علیه و آله و سلّم أنّ أمتی لاتجتمع علی ضلالة فإذا رأیتم اختلافاً فعلیکم بالسّواد الأعظم.

أو أنّ الله أجارکم من ثلاث خلال أن لایدعو علیکم نبیکم فتهلکوا... و أن لاتجتمعوا علی ضلالة.

ص:23

اورد علیه بضعف السّند و الإرسال و اختصاص الدّلیل بالشقّ الأوّل من معنی الاتفاق هذا مضافاً إلی أنّ الضّلالة تستبطن الإثمّ و الانحراف و هو أخصّ من الخطأ و عدم الحجّیّة.

الأمر الثانی:

فی المراد من الإجماع عند الخاصّة.

و لایخفی أنّ الإجماع عندهم قد یطلق علی اتفاق العلماء من القدماء و المتأخّرین و قد یطلق علی جماعة من العلماء کالقدماء أو المتأخّرین أو علماء عصر واحد.

والإجماع بأیّ معنی کان لایکون حجّة بنفسه وإنّما حجیّته من ناحیة کشفه عن قول المعصوم أو تقریره و من المعلوم أنّ المکشوف من مصادیق السنّة و علیه فلایکون الإجماع عند الخاصّة شیئاً مستقّلاً فی قبال الکتاب والسنّة.

الأمر الثالث:

فی وجوه الکشف

الوجه الأوّل: الحسّ کما إذا سمع الحکم من الإمام فی جملة جماعة لایعرف أعیانهم وهو الذی یسمّی بالإجماع الدّخولی والتشرّفی وهذا نادر وعلی فرض وجوده لاإشکال فی حجّیّته.

الوجه الثّانی: قاعدة اللطف ذهب جماعة إلی أنّ الإجماع الاصطلاحی و هو اتفاق علماء الإمامیّة فی عصر واحد علی أمر حجّة و کاشف عن رأی المعصوم علیه السّلام إذ من الرحمة الواجبة فی الحکمة الإلهّیة أن یکون فی المجتهدین من علماء العصر من

ص:24

یکون رأیه موافقاً لرأی إمام عصره وصاحب أمره ومع عدم ذلک لزم أن یکون الآراء کلّها باطلة وهو ینافی الحکمة المذکورة فإذا اتّفقوا علی أمر علم بقاعدة اللطف أنّه رأی المعصوم وهو حجّة ولکن المحکی عن السّید المرتضی و أنّه یجوز أن یکون الحق عند الإمام و الأقوال الأخر کلّها باطلة و لایجب علیه الظّهور لأنّا إذا کنّا نحن السّبب فی استتاره فکلّ مایفوتنا من الانتفاع به وبما یکون معه من الأحکام قد فاتنا من قبل أنفسنا و لو أزلنا سبب الاستتار لظهر الانتفاء و انتفعنا به و أدّی إلینا الحق الذی کان عنده.

و ربّما یؤیّد ذلک بأنّ قاعدة اللطف لیست تامّة فی باب النبوّة و لافی باب الإمامة.

ویمکن أن یقال: إنّ قاعدة اللطف و الحکمة الإلهیة تامّة و التخلّف عنهما یوجب نقض الغرض أو الخلف فی الحکمة الإلهیة مع أنّ هدایة العباد ممّا تعلّقت به الإرادة الحتمیّة الإلهیّة ولکن تمامیّتها فی البابین لاتستلزم جواز الاستدلال بها فی المقام لما أشار إلیه السیّد المرتضی فلاتغفل.

الوجه الثّالث: تقریر المعصوم کما أفاده بعض الأعلام و بیانه أنّ الإجماع إذا کان فی الاُصول المتلقاة و اتّصل إلی زمان المعصوم و کان بمرأی و بمنظر الإمام علیه السّلام و لم یرشدهم إلی خلاف مااتفقوا علیه فهو تقریر له بالنّسبة إلی مااتفقوا علیه.

و إلّا لزم علیه بیان خطأهم مع حضوره و شهوده عندهم و حیث لم یرشدهم علی الخلاف علم تقریره بالنّسبة إلی مورد الإجماع و الاتفاق کسائر موارد التقریر کما لایخفی.

و لافرق فی ذلک بین أن یکون الإجماع المذکور معلوم المدرک أو محتمله و بین أن لایکون و لا بین أن یکون مدرکهم صحیحاً أو غیر صحیح و لایضرّ بهذا

ص:25

الاجماع أعنی إجماع القدماء المتّصل بإجماع أصحاب الأئمّة اختلاف المتأخّرین أو إجماعهم علی الخلاف لما عرفت من کشف هذا الإجماع عن تقریر المعصوم علیه السّلام.

و لا إشکال فیه و إنّما الإشکال فی طریق إحراز هذا الإجماع إذ لاوسیلة لنا لذلک إلّا الحدس کما إذا رأینا إجماع القدماء فی قبال العامّة فحصل لنا الحدس بأنّ رأی القدماء موافق لرأی الأصحاب وهو بمشهد الإمام ومرآة ویکون مورداً لتقریره.

الوجه الرّابع: هو الحدس وهو علی أقسام أحدها: أن یحصل لنا العلم برأی المعصوم بالحدس الضّروری الحاصل من مبادی محسوسة بحیث یکون الخطأ فیه من قبیل الخطأ فی الحسّ و المراد من المبادی المحسوسة من رؤیة الفتاوی أو استماع الأقوال.

وثانیها: أن یحصل لنا العلم برأی المعصوم بالحدس الاتّفاقی من رؤیة فتاوی جماعة من الفقهاء و إن لم تکن کذلک بحسب العادة.

وثالثها: أن یحصل لنا العلم بذلک بالحدس من مقدّمات نظریة وعقلیة کما إذا رأینا اتفاقهم فی بعض المسائل الأصولیّة أو القواعد اللفظیّة و زعمنا أنّ مورد الکلام من مواردهما فیحصل لنا الحدس بأنّ بقیة الأفراد أیضاً کذلک مع أنّا لم نر آرائهم و لم نسمع أقوالهم.

و لامجال للأخیر بعد احتمال الخطأ فی التطبیق أو احتمال وجود دلیل عندهم علی خلاف القواعد و الأصول.

کما لامجال للقسم الثّانی لندرة حصول العلم بدلیل تامّ من رأی جماعة معدودة من العلماء فانحصر الأمر فی القسم الأوّل و له تقاریب منها مامرّ فی ثالث الوجوه

ص:26

من أنّ إجماع القدماء إذا کان متّصلاً بإجماع أصحاب الأئمّة حصل لنا العلم بتقریر المعصوم بالنّسبة إلی آرائهم.

و لعلّ ذلک یحرز فی موارد کان رأی علماء الإمامیّة علی خلاف العامّة و لایرد علی هذا التقریب شیء من الإشکالات الواردة علی التقریب الآتی.

ومنها: أنّ الإجماع المحصّل سواء کان من القدماء أو المتأخّرین یکشف عن وجود النص إذا کان مورد الإجماع مخالفاً للقواعد والاُصول ولم یستندوا إلی دلیل إذ معه یحصل الحدس القطعی أو الاطمئنانی بتلقّیهم ذلک ممّن یکون قوله حجّة عند الجمیع ویکشف الإجماع عن وجود السّنة بینهم کانت نقیّة الدلالة و تامّة السّند حتّی من جهة الصّدور بحیث لو وصلت إلی المتأخرین عن المجمعین لنالوا منه مانالوا منه ولایلزم فی هذا الإجماع الاتفاق بل یکفیه إجماع جلّ الأصحاب ویرد علیه أوّلاً: أنّه لاعلم بالملازمة بین إجماع العلماء علی أمر وبین تلقّیهم ذلک من المعصوم بعد احتمال وجود الأدلّة العقلیّة أو کون المسألة من المسائل التفریعیّة الّتی استنبطوها من الاُصول والمتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام.

نعم لو کانت المسألة من المسائل النقلیة الأصلیة أمکن الحدس بأنّهم تلقوه من المعصوم علیه السّلام ولعلّ مورد الکلام هو هذا.

وثانیاً: أنّ هذه الطریقة موهونة إذ من البعید جدّاً أن یقف الکلینی أو الصدوق أو الشیخ و من بعده علی روایة متقنة دالّة علی المقصود و مع ذلک ترکوا نقلها فی کتبهم و هی صارت مکشوفة بالإجماع و الاتفاق.

أللّهمّ إلّا أن یقال: ربّما لم یکن مورد فتاوی القدماء هی الرّوایة المسندة بل هی المرسلات المعمول بها و لیس دأب أرباب الکتب نقلها فی الجوامع الرّوائیة فتأمّل.

ص:27

وثالثاً: أنّ دعوی الملازمة العادیة بین الإجماع وقول المعصوم بدعوی أنّ العادة تحکم بأنّ اتفاق المرؤسین علی أمر لاینفکّ عن رأی الرّئیس لاتتمّ إلّا إذا کان المرؤسون ملازمین لمحضر رئیسهم و هو غیر میسور فی زمان الغیبة نعم الملازمة الاتفاقیّة بمعنی کون الاتفاق یکشف أحیاناً عن قول المعصوم علیه السّلام من باب الاتّفاق ممّا لاسبیل إلی إنکارها ولکنّه لایجدی فی حجّیّة الإجماع بنحو الإطلاق.

ورابعاً: أنّ غایة مایقتضیه الإجماع أنّ الفقهاء حیث لایفتون بدون المستند علم أنّهم استندوا إلی الدّلیل وأمّا أنّ هذا الدّلیل تامّ سنداً ودلالة فلادلیل له ویمکن أن یکون الدّلیل المذکور غیر تامّ عندنا سنداً ودلالة.

و اجیب عنه بأنّ اتفاق الأصحاب مع اختلاف مشاربهم یکفی فی إحراز تمامیّة الدّلیل من جهة الدلالة والسّند أللّهمّ إلّا أن یقال: حصول الإطمئنان بذلک مشکل بعد مارأینا من وقوع الخلاف بین المتأخّرین والمتقدّمین فی مسألة منزوحات البئر.

و الحاصل أنّ الإجماع المحصّل المبتنی علی مباد محسوسة یکشف عن وجود النّص عند تمامیّة الخصوصیّات اللاّزمة للکشف المذکور وهذه التمامیّة غیر محرزة عندنا.

فالأولی هو العدول عن هذا التقریب إلی التقریب السّابق من الإجماع المتصل بإجماع الأصحاب حیث إنّه کان فی مرآی و مسمع الإمام المعصوم فإذا لم یردع عنه الإمام کشف عن تقریره إیّاه.

و لافرق فی ذلک بین أن یکون لهم مستند أو لایکون و بین أن یکون المستند تامّ أو غیر تامّ وبین أن یکون المسألة موافقة للقاعدة أو لاتکون إذ الإجماع المحصّل المذکور فی هذا التقریب یکشف علی جمع التقادیر عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام نعم یلزم أن یکون من المسائل الأصلیة لاالفرعیة المستنبطة من

ص:28

الأصول المتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام و یلحق بالإجماع فهم العلماء فإنّه إذا اتصل إلی فهم الأصحاب فی المسائل المذکورة یکشف عن تقریر الإمام علیه السّلام.

الأمر الرابع:

فی الإجماع المنقول بحسب مقام الثّبوت.

و اعلم أنّ الإجماع المنقول إمّا إخبار عن السّبب و هی الفتاوی فإن کان إخبار الناقل عن الحسّ کما إذا رأی أو سمع فتاویهم بواسطة المشایخ فلاإشکال فی حجیّته لأنّه خبر واحد عن حسّ و هو حجّة ببناء العقلاء وإمضاء الشّارع وحینئذٍ إن کان المنقول کافیاً عند المنقول إلیه للکشف عن رأی المعصوم و تقریره فهو کالمحصّل حجّة علی مافصّل آنفاً.

فلایضرّ بذلک کون الکشف المذکور حدسیاً یعدّ کونه من لوازم الإخبار الحسّی فإنّ لوازم الأمارات تثبت بثبوتها.

نعم اللاّزم هو أن یکون النقل ممّن یکون مشرفاً علی الأقوال و الآراء ومطّلعاً علیها حتّی یکون عن حسّ مثل صاحب مفتاح الکرامة والعلاّمة الحلّی قدّس سرّهما فی المتأخّرین والشیخین فی المتقدّمین.

و إن لم یکن المنقول کافیاً عند المنقول إلیه للکشف ولکن إذا انضمّ إلی سائر الفتاوی کشف عن تقریر الإمام علیه السّلام فهو أیضاً حجّة و مشمول لأدلّة الاعتبار لانتهائه إلی حکم شرعی فیکون مرتبطاً به بخلاف ماإذا لم یکشف و لو مع الانضمام فإنّه لایرتبط بالحکم الشرعی ولیس بحجّة و إن کان إخبار الناقل عن الحدس فلادلیل علی حجیّته لاختصاص أدلّة حجّیّة الخبر بالأمور الحسّیّة أو القریبة بها لاالحدسّیة.

هذا کلّه بحسب مقام الثّبوت.

ص:29

الأمر الخامس:

فی کیفیة الإجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات

ولایذهب علیک أنّ الإجماعات المنقولة قد تکون مستندة إلی الحسّ أو مایقرب منه وهی تکون کاشفة عن رأی الإمام أو تقریره علیه السّلام ولاکلام فیها عند إحرازها ولکنّها نادرة وقد تکون مبنیّة علی حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلاً و هی الغالب.

و الإجماعات المبنیّة علی الحدس أو الاعتقاد المذکور لافائدة لنقلها لأنّها بنفسها لاتفید ولاتصلح للانضمام أیضاً لکونها مبنیّة علی الحدس لاالحسّ.

ثمّ إنّ الناقل للإجماع عن حسّ إن احتمل فی حقّه تتبّع فتاوی من ادّعی اتفاقهم فلاإشکال فی حجّیّة نقله وفی إلحاقه بالخبر الواحد ولکن کشفه عن قول الإمام أو تقریره غیر محرز لأنّ استناد کلّ بعض منهم إلی مالانراه دلیلاً لیس أمراً مخالفاً للعادة.

فتحصّل: أنّ استلزام الإجماع المنقول المبنی علی الحسّ للنصّ التامّ الدّلالة غیر محرز إذ من المحتمل أنّهم استندوا بما لانراه دلیلاً لو وصل إلینا وهو لایکون مخالفاً للعادّة.

وعلیه تسقط الإجماعات عن الحجّیّة مطلقاً سواء کانت محصّلة أو منقولة لعدم کشفها عن الدّلیل التّام عندنا ومع عدم کشفها عن الدّلیل التام لاتکون مشمولة لأدلّة حجّیّة الأخبار.

نعم تتم الإجماعات المنقولة فی المسائل الأصلیة المتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام المبنیّة علی الحسّ المتّصلة بإجماعات أصحاب الأئمّة علیهم السّلام فإنّها تکشف عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام وإن استندوا إلی مالایتم فالإجماع لیس بحجّة عدی الإجماع المتّصل

ص:30

بإجماع الأصحاب فی المسائل الأصلیة الکاشف عن تقریر المعصوم من دون فرق بین المحصّل والمنقول إذا کان المنقول عن حسّ لکونه مشمولاً لأدلّة حجّیّة الخبر الواحد ولاتفاوت فیه بین کون المنقول تمام السبب أو جزئه فیما إذا أمکن تتمیمه بسائر الآراء و الأمارات بحیث یتصل بإجماع أصحاب الأئمّة علیهم السّلام و یکشف عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام.

التنبیهات

التنبیه الأوّل:

أنّ الظّاهر من الشّیخ الأعظم أنّ تحصیل قول الإمام من طریق الحسّ منحصر فی سماع قوله علیه السّلام فی ضمن أقوال المجمعین و هو ممّا یعلم بعدم تحقّقه لنوع الحاکین للإجماعات.

منعه فی نهایة الاصول بدعوی أنّ مراد الأصحاب من نقل قول الإمام هو نقله ولو بطریق صحیح وصل إلی النّاقل وبعبارة اخری النقل بالطریق الصحیح أیضاً من مصادیق الحسّ والتعبیر عن الخبر بالإجماع من جهة عدم تمکّنهم من الاستدلال بالخبر فی قبال العامّة لانحصار السّنة عندهم فی السنّة النبویّة و لذا أدرجوا الخبر تحت عنوان الإجماع ومرادهم حینئذٍ من الإجماع هو الخبر الصحیح فمتی استدلّوا فی مسألة بالإجماع أرادوا بذلک قول المعصوم ولکن لابالسماع من شخصه علیه السّلام بل بوصول صحیح معتبر إلی ناقل الإجماع و علیه فلاوجه لحصر قول الإمام الثابت بالحسّ فی السّماع من شخص إمام العصر عجل الله تعالی فرجه الشریف حتّی یحکم علیه بالنّدرة أو عدم الوقوع إلی أن قال و بالجملة فإذا رأیت الشّیخ الطّوسی قد یتمسّک فی بعض المسائل بإجماع الطّائفة مع کونها ممّا وردت فیها روایات

ص:31

مستفیضة أو متواترة وافیة بإثبات المسألة فلیس مقصوده حینئذٍ من الإجماع اتفاق الفقهاء وکشف قول الإمام بسببه بل أراد به قول الإمام المعصوم المنقول له بالإخبار المسندة المعتبرة عنده الموجبة للعلم به إلی أن قال وقد ظهر لک بما ذکرناه إلی هذا أنّ الإجماعات المنقولة فی کلمات القدماء لیست بمعنی أنّ ناقل الاجماع استکشف قول الإمام من اتفاق جماعة هو داخل فیهم بل قصدوا بالإجماع ما هو الملاک عندهم لحجیّته وهو نفس قول الإمام الواصل إلیهم بالأدلّة المعتبرة.

و علی هذا فناقل الإجماع إن کان عدلاً وثقة وکان نقله محتملاً لکونه عن حسّ کان نقله الإجماع فی المسائل الفقهیّة الأصلیّة المبتنیة علی النقل حجّة و وزانه وزان نقل الخبر عن الأئمّة علیهم السّلام وأمّا فی المسائل التفریعیّة فلیس بحجّة لأنّه إخبار عن حدس النّاقل واستنباطه انتهی. ولایخفی علیک أنّ مقتضی ماذکر هو خروج الإجماعات المنقولة عن القدماء عن محل الکلام لأنّ البحث فی حجّیّة الإجماع بمعناه الاصطلاحی وهو کما تری.

هذا مضافاً إلی أنّه لو کان کذلک کان المناسب أن لم یضف الإجماع إلی الطّائفة أو الفرقة فإنّ الحجّة عند العامّة هو اتفاق الکلّ لاإجماع جماعة من الأمّة بعنوان طائفة الشّیعة.

وأیضاً کان المناسب أن لم یعطف علیه الأخبار خصوصاً مع تعبیر وأخبارهم الظّاهر فی أنّ المراد منه هو أخبار الشّیعة لاالسّنة النبویّة المرویة عن طریق العامّة.

هذا مضافاً إلی أنّ الشیخ لم یحترز عن ذکر الرّوایات الواردة عن الأئمّة علیهم السّلامفی المبسوط والخلاف حتّی یضطرّ إلی التعبیر عنها بالإجماع.

ولو سلّم أنّ المراد من الإجماعات المنقولة فی کلمات القدماء هو الإخبار عن الأخبار دخلت المسألة فی الخبر الصحیح المنقول بالخبر الواحد وهو فی الحقیقة

ص:32

خبر عن الخبر ومن المعلوم أنّه مشمول لأدلّة حجّیّة الخبر ولکن تمامیّته دلالة الخبر المنقول بالخبر عنه الناقل لاتکون مستلزمة لتمامیّته عند المنقول إلیه کما لایخفی.

علی أنّه لایصحّ الاعتماد علیه لعدم المعرفة بالواسطة بینهم وبین المعصوم وعدم ثبوت وثاقتها.

و ینقدح ممّا ذکر أنّه لاوجه لرفع الید عن المعنی الاصطلاحی للإجماع فی کلمات القدماء بل المقصود منه هو معناه الاصطلاحی.

التنبیه الثّانی:

ربّما یتوهّم أنّه لایمکن للمتأخرین العثور علی مؤلّفات القدماء أو آرائهم بأجمعهم لعدم کونها باقیة إلی زمانهم هذا مضافاً إلی عدم ضبطهم أسماء المؤلّفین فضلاً عن کتبهم و علیه فکیف یمکن تحصیل الإجماع من مؤلفاتهم أو آرائهم بل لایمکن تحصیل الإجماع للمتقدّمین أیضاً لقصور اطّلاعهم علی تألیفات جمیع العلماء مع تفرّقهم فی البلاد و فقدان صنعة الطّبع وبعد الحوزات العلمیّة بعضها عن بعض وعدم إمکانات الاستخبار لکلّ واحدة بالنّسبة إلی الاُخری.

وعلیه فالمیسور من الإجماع لایفید والمفید منه معسور أو متعذّر ویمکن الجواب عنه بأنّ الحوزات العلمیّة اطّلعوا علی آراء المشهورین ومؤلّفاتهم والاستنساخ أمر شائع فی ذلک العصر فإذا أجمع العلماء المشهورون علی أمر ولم یذکروا الخلاف حصل الحدس القریب بالحسّ باتّفاق الآخرین معهم إذ لو کان رأیهم مخالفاً معهم لأطّلعوا علیه وذکروه وأبطلوه فحیث لم یذکروا خلافاً علم الاتّحاد والاتّفاق فمن اتفاق الأکابر فی الکتب الموجودة یصحّ الحدس بأنّ ذلک الحکم رأی عامّ لکلّ فقیه فی ذلک العصر وبعد إحراز الإجماع من القدماء أمکن

ص:33

إحراز إجماع الأصحاب بالحدس القریب إذ لو کانوا مخالفین لظهر ذلک للقدماء لقرب عهدهم بهم ولم یدّعوا فی المسائل الفقهیّة قبال العامّة بأنّ دلیلنا إجماع الطّائفة أو إجماع الفرقة.

التنبیه الثالث:

أنّه لایخفی علیک أنّ الإجماعات المنقولة ربّما تکون متعارضة والتعارض فیها إمّا من ناحیة المسبّب إذا لایجتمع مثلاً الإجماع علی حرمة صلاة الجمعة فی زمان الغیبة مع الإجماع علی وجوبها فیه للعلم بکذب أحدهما فإذا فرضنا أنّ الإجماعین مشمولان لأدلّة حجّیّة الخبر الواحد و سلّمنا کشف الإجماع عن قول المعصوم بالحسّ أو بقریب منه یترتّب علی المتعارضین من الإجماعین المنقولین حکم الخبرین المتعارضین من الأخذ بالمرجّحات إن کانت وإلّا فالحکم بالتخییر أو بالتّساقط علی القولین فی ذلک الباب وإمّا من ناحیة السبب کما إذا أُرید من الإجماع اتّفاق جمیع العلماء فإنّه یقع التعارض بین النقلین المتنافیین لامتناع اتّفاق الکلّ علی المتناقضین ویترتّب علیهما حکم المتعارضین بخلاف ماإذا أُرید من الإجماع رأی جماعة من العلماء یوجب القطع برأی المعصوم إذ لا تعارض حینئذٍ من جهة السبب لإمکان صدق کلّ ناقل فی نقل وجود آراء جماعة حصل فیها له القطع برأی المعصوم علیه السّلام وإن کانا متعارضین بحسب المسبّب ولکن لایصلح کلّ نقل لأن یکون سبباً عنه المنقول إلیه بعد وجود نقل الخلاف فی مورده أللّهمّ إلّا إذا کان أحدهما مشتملاً علی خصوصیّة راجحة موجبة للجزم برأی المعصوم ولو مع الاطّلاع علی الخلاف.

ص:34

التنبیه الرابع:

أنّ الإجماع المرکّب هو اجتماع العلماء علی نفی القول الثّالث مع اختلافهم فی المسألة علی القولین.

وهو علی قسمین: أحدهما: أنّ کلّ جماعة ینفون القول الثّالث مع قطع النظر عمّاذهبوا إلیه من رأیهم ومختارهم فی المسألة ولا إشکال فی حجّیّة هذا القسم بحسب المسالک المذکورة فی حجّیّة الإجماع لأنّه من مصادیق الإجماع المبحوث عنه.

وثانیهما: أن یکون نفی القول الثّالث من لوازم رأیهم وقولهم فی المسألة المختلف فیها وهذا الإجماع لایکون حجّة إذ الاجماع بالنّسبة إلی نفی الثّالث معلول لقولهم فی المسألة والمفروض أنّهم لم یجمعوا فی تلک المسألة علی قول واحد بل کلّ طائفة فی طرف غیر طرف آخر فما اختاره کلّ طرف لیس بإجماعی و لازم مختاره أیضاً لیس بإجماعی فلایترتّب علیه حکم الإجماع کما لایخفی.

التنبیه الخامس:

أنّه ربّما یتمسّک بفهم الأصحاب فی بعض المسائل کالقرعة من جهة عمومها وشمولها لغیر مورد الحقوق وعدمه.

ویشکل ذلک بأنّ الاتّباع عن فهم الأصحاب تقلید وهو لایجوز للمجتهدین.

واُجیب عنه بأنّ مراد المستدلّین بفهم الأصحاب هو أنّ فهمهم یکشف عن وجود قید أو خصوصیة للموضوع یمنع عن العموم والشمول فکما أنّ فتاوی الأصحاب فی سائر المسائل تکشف عن النصّ فکذلک فی مثل هذه الموارد یکشف عن وجود القید فإذا اتّصل هذا الفهم إلی زمان الامام علیه السّلام أحرز تقریره له فلاتغفل.

ص:35

التنبیه السادس:

فی التّواتر المنقول قال الشّیخ الأعظم نقل التواتر فی خبر لایثبت حجیّته ولو قلنا بحجّیّة خبر الواحد لأنّ التواتر صفة فی الخبر تحصل بإخبار جماعة یفید العلم للسامع ویختلف عدده باختلاف خصوصیّات المقامات و لیس کلّ تواتر ثبت لشخص ممّا یستلزم فی نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به فإذا أخبر بالتّواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له (أی للناقل) العلم بالواقع وقبول هذا الخبر لایجدی شیئاً لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر لیس من لوازم إخبار الجماعة الثّابتة بخبر العادل.

نعم لو أخبر بإخبار جماعة یستلزم عادة تحقق المخبر به بأن یکون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة کأن أخبر مثلاً بإخبار ألف عادل أو أزید بموت زید وحضور جنازته کان اللاّزم من قبول خبره الحکم بتحقّق الملزوم و هو إخبار الجماعة فیثبت اللاّزم و هو تحقّق موت زید هذا بالنّسبة إلی المسبّب و قد عرفت أنّ الشّرط فی قبول خبر الواحد هو کون ماأخبر به مستلزماً عادة لوقوع متعلّقه المذکور حتّی یترتّب علیه آثار نفس التّواتر وأحکامه کما إذا نذر أن یحفظ کلّ خبر متواتر فهو منوط بکیفیة اتخاذ الموضوع فإن کان الأثر مترتّباً علی تواتر و لو عند غیر السّامع فیترتّب علیه آثاره ولو لم یثبت تواتره عند السامع.

و إنّ کان الأثر مترتّبا علی ما تواتر عند السامع فلایترتّب الأثر بمجرّد نقل التواتر و إن کان المنقول إخبار عدّة لو اطّلع علیه السامع المنقول إلیه تحقّق العلم لأنّ المفروض هو عدم تحقق العلم الفعلی للسّامع بواسطة نقل إخبار تلک الجماعة مع اعتبار العلم الفعلی فی حقیقة التواتر.

ص:36

و لایخفی مافیه وذلک لما أفاده شیخنا الأستاذ تبعاً لشیخه الاُستاذ المحقّق الیزدی قدّس سرّه فی التّواتر المنقول من أ نّه إن قلنا إنّ للتواتر موضوعاً محفوظاً فی الواقع مع قطع النّظر عن حصول العلم الفعلی و هو بلوغ عدّة الأخبار إلی حدّ یفید عادة علم من اطلع علیها و إن لم یفد العلم الفعلی بواسطة عدم الاطّلاع أو اغتشاش الذهن و غیره فالظّاهر ترتّب آثار هذا الموضوع بل ترتّب آثار الواقع أیضاً بنقل التواتر لأنّ کون السبب سبباً عادیاً لحصول العلم الذی أخبر به المخبر نظیر إخباره بأنّ القتل وقع بآلة متعارفة فی القتل فإنّ التعارف والعادة من الأُمور الحسیّة الغیر المحتاجة إلی إعمال الفکر و النّظر ولیس مثل تنقیح بعض الاُمور العادیة المحتاجة إلی تصفیة الذهن و تخلیته و إعمال النّظر و الوسع کما هو فی تشخیص بعض المفاهیم العرفیة للألفاظ و إذن فکما یقبل إخباره بتعارف الآلة القتّالة یقبل إخباره بتعارف حصول القطع مع العدّة القائمة علی الأخبار و أمّا إن قلنا إنّ حقیقة التواتر هی أن یحصل من کثرة الأخبار مع قطع النظر عن شیء آخر وراء الکثرة القطع الفعلی بصدق المضمون و وقوعه فهذا المعنی غیر متحقّق بالنّسبة إلی السّامع المنقول إلیه قطعاً فإذا کان الأثر مترتّباً علی التواتر عنده بهذا المعنی فلایترتّب الأثر بخلاف ما إذا کان الأثر مترتّباً علی التواتر عند الناقل أو فی الجملة فیترتّب الأثر المترتّب علی نفس التواتر کما لایخفی ولکن اعتبار العلم الفعلی للسّامع فی تحقّق التواتر لادلیل له.

فتحصّل: أنّه لاوجه للقول بعدم ترتّب أثر التّواتر علی نقل التواتر مادام لم یحصل العلم الفعلی للسامع بل الظّاهر کفایة بلوغ عدّة الأخبار فی الواقع ولو بالانضمام یفید العلم عادة فی ترتّب آثار نفس التواتر ونقل هذا التواتر حجّة مطلقاً.

ص:37

ص:38

الشهرة

والکلام فیها یقع فی جهات:

الجهة الأُولی:

فی أنّ الشّهرة علی أقسام:

الأوّل: الشّهرة الرّوائیّة وهی بمعنی کثرة نقلها ویقابلها الشّذوذ و النّدرة و الشّهرة بهذا المعنی تکون من المرجّحات عند تعارض الأخبار.

الثانی: الشّهرة العملیّة و هی بمعنی العمل بالرّوایة و هو یوجب الوثوق بصدور الرّوایة إن کان فیها ضعف و فی قبالها إعراض المشهور عن الرّوایة فإنّه یکشف عن الخلل فیها بحیث یوهن سندها و إن کان صحیحاً.

الثالث: الشّهرة الفتوائیّة و معناها هو اشتهار الفتوی بحکم من الأحکام الشّرعیة بین معظم الفقهاء سواء یعرف فی قبالها فتوی الخلاف أو لم یعرف و ربّما تستعمل الشّهرة الفتوائیّة علی اتفاق جماعة من المعروفین من العلماء.

ثمّ مورد البحث هو القسم الثّالث لا الأوّل و الثّانی فإنّ البحث عن الأوّل مناسب لباب تعارض الأخبار و البحث عن الثّانی سیأتی فی البحث عن حجّیّة خبر الواحد إن شاء الله تعالی.

ص:39

الجهة الثانیة: أنّ الشّهرة الفتوائیّة إمّا ملحوظة بما هی تکون کاشفة کشفاً قطعیاً عن النصّ أو رأی المعصوم علیه السّلام و إمّا ملحوظة بما هی تفید الظنّ برأی المعصوم علیه السّلام کالخبر الواحد.

الجهة الثالثة: فی الاستدلال علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیة الکاشفة کشفاً قطعیّاً عن النصّ و لاإشکال فی حجّیّتها من ناحیة کونها مصداقاً للقطع کسائر موارد القطع و یتحقّق ذلک فی فتوی العلماء بشیء من دون استناد إلی دلیل و یکون فتواهم مخالفاً للقاعدة ولکنّه لیس بکثیر هذا مضافاً إلی النصّ المکشوف و إن تمّ عند المشهور إلّا أنّه لم یحرّز تمامیّته عندنا.

نعم إذا اشتهر الفتوی بین القدماء و اتّصل إلی زمان المعصوم کالإجماع المتصل کشف ذلک عن تقریر المعصوم علیه السّلام و هو حجّة ولافرق فیه بین أن یکون المسألة من الاُصول المتلقّاة أو غیرها أللّهمّ إلّا أن یقال: لایحرز التقریر إلّا فی الاُصول المتلقّاة فإنّ المسألة إذا کانت من المسائل التفریعیّة وأخطأ الأصحاب فی فهمها من الاُصول المتلقاة لایجب إرشادهم مع بیان الاُصول المتلقّاة فتأمّل.

نعم لو کان الاشتهار بالنّسبة إلی المسائل الأصلیة المأثورة و اتّصل الاشتهار إلی زمان المعصوم علیه السّلام کان وزان المتون المأثورة وزان الأخبار للعلم بصدورها عن المعصوم علیه السّلام و ترجع الشّهرة الفتوائیّة حینئذٍ إلی الشّهرة العملیة بالنّسبة إلی الأخبار کما لایخفی.

الجهة الرابعة: فی الاستدلال علی الشّهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ کالخبر الواحد المفید للظنّ.

قد استدلّ لذلک بوجوه:

الوجه الأوّل: قوله علیه السّلام فی مرفوعة زرارة فی حکم الخبرین المتعارضین: «یا زرارة خذ بما اشتهر بین أصحابک ودع الشّاذ النّادر».

ص:40

وقوله علیه السّلام فی مقبولة عمر بن حنظلة بعد فرض اختلاف الحکمین لروایتهما حدیثین مختلفین وکون راویهما عدلین مرضیین: «ینظر إلی ماکان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند أصحابک فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشّاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لاریب فیه قلت: فإن کان الخبران عنکما مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم قال ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب والسنّة وخالف العامّة فیؤخذ به».

بدعوی أنّ المحتملات فی قوله علیه السّلام المجمع علیه بالنّظر البدوی أربعة المتّفق علیه عند الجمیع أو المشهور بین الأصحاب فی قبال الشّاذ النّادر و علی الوجهین فی الرّوایة أو الفتوی فهذه أربعة.

و الاتفاق فی الرّوایة باطل قطعاً لعدم وقوعة فی الخارج إذ لیس لنا روایة رواها جمیع أصحاب الأصول و الجوامع.

و الاتفاق فی الفتوی لایساعد مع التعلیل بکون المجمع علیه لاریب فیه فإنّ المستفاد منه وجود الرّیب فی مقابله ولو کان الفتوی ممّا اتّفق علیه الکلّ بلا استثناء کان القول بخلافه واضح البطلان لاممّا فیه ریب.

و الشّهرة فی الرّوایة لیست بمراد لوضوح أنّ مقتضی إطلاق الخبر هو لزوم الأخذ بالروایة الّتی رواها أکثر الأصحاب و إن أعرضوا عنه و هذا ممّا لایمکن الالتزام به کیف والرّوایة علی هذا تصیر ممّا فیه کل الریب فکیف یحکم بکونها ممّا لاریب فیه.

فانحصر الأمر فی أن یکون المراد الشّهرة الفتوائیّة بأن یکون مفاد الخبر مشهوراً بین الأصحاب إفتاءاً.

ص:41

لایقال: حمل الشّهرة فی الحدیث علی الشّهرة الفتوائیّة مخالف لغرض الرّاوی کلیهما مشهورین لعدم تصوّر الشّهرة الفتوائیّة فی طرفی المسألة لأنّا نقول لیس المقصود بالشّهرة فی الحدیث الشّهرة بالمعنی الاصطلاحی أعنی ذهاب الأکثر إلی طرف بل یراد بها معناها اللّغوی أی الوضوح فالمشهور هو الواضح المعروف فی قبال الشّاذ الذی ینکر و هذا المعنی یتصوّر فی طرفی المسألة کما إذا فرض کون کلیهما ظاهرین بین الأصحاب ولو فرض کون أحدهما أکثر من الأخر إذا لم یبلغ الأخر إلی حدّ الشّذوذ والنّدرة.

یرد علی ذلک أنّ المستفاد من الحدیثین أنّ الشّهرة الفتوائیة مرجّحة للروایة الواجدة لشرائط الحجّیّة مع قطع النظر عن المعارض وهذا أجنبی عمّا نحن بصدده و هو حجّیّة الشّهرة بنفسها.

إلّا أن یقال: بإلغاء الخصوصیّة بأن یدعی لا خصوصیّة لوجود روایة تکون موافقة للشهرة کما لاخصوصیّة لوجود روایة یخالف مضمونها لها و هو کما تری لإمکان منع إلغاء الخصوصیّة لاحتمال خصوصیة الرّوایة الموافقة لمضمون الشّهرة فی حجیّتها.

و علیه فلادلیل علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة بما هی مفیدة للظنّ لاحتمال کون الحجّة أمراً مرکّباً من الرّوایة و الشّهرة.

ودعوی أنّ التعلیل بقوله علیه السّلام: «فإنّ المجمع علیه لاریب فیه» یغنینا عن إلغاء الخصوصیّة فإنّ المراد من المجمع علیه فی الموضعین هو المشهور بقرینة إطلاق المشهور علیه فی قوله علیه السّلام و یترک الشّاذّ الذی لیس بمشهور و علیه فقوله علیه السّلام فإنّ المجمع علیه الخ یدلّ علی أنّ المشهور مطلقاً ممّا یجب العمل به وإن کان مورد التّعلیل مورد الترجیح بین الخبرین لأنّ العبرة لعموم الموارد لابخصوصیة المورد.

ص:42

مندفعة بأنّ المراد من الموصول فی المرفوعة هو خصوص الرّوایة المشهورة من الروایتین دون مطلق الحکم المشهور و هکذا المجمع علیه یراد به الخبر المجمع علیه فلاتشمل الروایتان للشهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ کالخبر وإلغاء الخصوصیّة مع احتمال دخالة الرّوایة لامجال له.

ثمّ لو سلّمنا تمامیّة دلالة الرّوایتین علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیة.

فلاتدلاّن إلّا علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة من جهة کشفها عن رأی المعصوم علیه السّلام فحینئذٍ تکون الشّهرة کالخبر فی حجیّته بالنّسبة إلی إفادة الظنّ برأی المعصوم علیه السّلام ولذا لاتکون الشّهرة بین المتأخّرین حجّة لعدم کونها کاشفة عن رأی المعصوم فضلاً عن شهرة متأخّر المتأخّرین بل غایته هو الکشف عن النصّ وقد مرّ مراراً أنّ النصّ وإن کان تماماً عندهم ولکن من الممکن أن لایکون کذلک عندنا.

الوجه الثّانی: هو أدلّة حجّیّة خبر الواحد فإنّها تدلّ بالفحوی علی حجّیّة الشّهرة الظنیّة بمفهوم الموافقة لأنّ الظنّ الحاصل من الشّهرة ربّما یکون أقوی من الظنّ الحاصل من خبر العادل.

و اجیب عنه أنّ الأوّلیة الظّنیة أوهن بمراتب من الشّهرة فکیف یتمسّک بها فیی حجیّتها مع أنّ الأوّلیّة ممنوعة رأساً للظنّ بل العلم بأنّ المناط فی حجّیّة الخبر الواحد لیس مجرد إفادة الظنّ وإلّا لزم القول بحجّیّة کلّ ظنّ مساو للخبر أو أقوی منه وهو کما تری.

علی أنّ تسمیة الأولویّة الظنیّة بمفهوم الموافقة لاتساعد الاصطلاح.

و ملاک حجّیّة الخبر هو کونه غالب الإصابة باعتبار کونه إخبار عن حسّ و احتمال الخطأ فی الحسّ بعید بخلاف الإخبار عن حدس کما فی الفتوی فإنّ

ص:43

احتمال الخطأ فیه غیر بعید ویحتمل أیضاً دخل شیء آخر فی ملاک حجّیّة الخبر و مجرّد الاحتمال فضلاً عن الظنّ یکفی فی منع الأولویّة المذکورة. فتحصّل أنّه لادلیل علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة الظنیّة و لامجال لإلحاق الظنّ الحاصل منها بالظنّ الحاصل من الخبر.

ثمّ إنّ حکم نقل الشّهرة الظنّیة إذا کان عن حسّ لایزید علی الشّهرة المحصّلة الظنّیّة فإذا عرفت عدم حجّیّة الشّهرة المحصّلة الظنیّة فالشّهرة المنقولة أیضاً کذلک وبالجملة لاتکون الشّهرة الظنیّة حجّة سواء کانت منقولة أو محصّلة وأمّا حکم الشّهرة القطعیة فقد مرّ مفصّلاً فی الجهة الثّانیة وحکم نقلها کحکم نقل الاجماع فلاتغفل.

ص:44

العرف

اشارة

والکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل:

فی أنّ العرف علی قسمین العرف العامّ و العرف الخاصّ والأوّل: هو الذی لایختصّ بقوم و جمع خاصّ بل یعمّ جمیع الأقوام و الملل.

والثّانی: هو عرف جمع خاصّ کعرف الأطبّاء أو عرف الأصولیین و نحوهم و الشّارع جعل موضوعات أحکامه علی طبق مایفهمه العرف العامّ و لایکون العرف الخاصّ مخاطباً له بالخصوص فی أحکامه.

و لذا یشکل الاکتفاء بصدق الموضوعات عند عرف خاصّ مع عدم ثبوت صدقه عند عرف العامّ نعم لو کان صدقه عند عرف خاصّ موجباً لإمکان اطلاع عموم النّاس علیه وصدقه عندهم کفی ذلک فی رفع الإشکال.

المقام الثانی:

أنّه لاإشکال فی ثبوت مرجعیّة العرف فی ناحیة الموضوعات و الدلالات والاستظهارات و البناءات و الاعتبارات و هی کثیرة.

منها تشخیص حدود المفاهیم والمعانی.

ومنها: تطبیق المفاهیم علی المصادیق.

ص:45

ومنها: تعیین بقاء الموضوعات بعد تغییر أحوالها وعدمه.

ومنها: تصدیق الدّلالات بأنواعها من المطابقیّة والتضمنّیّة و الالتزامیّة والمفهومیّة و المنطوقیّة.

ومنها: تعیین نوع الجمع بین الأدلّة من التّخصیص أو التّقیید أو الحکومة أو الورود.

ومنها: الحکم بوجود الاعتبارات کاعتبار النّصف والرّبع ونحوهما من الکسور التسعة من دون تشخّص خارجی لها مع أنّ الجسم الخارجی متشخّص ومتعیّن بجمیع أجزائه.

ومنها: تعیین موضوع الحکم بإدراج شیء کالملاقاة فی مثل «النجس ینجّس الشیء» و کالمماسّة فی مثل «السکّین یقطع الید».

ومنها: إلغاء الخصوصیّة فی مثل رجل شکّ فی کذا و کذا فإنّ العرف یحکم فی مثله بعدم مدخلیّة الرجولیّة.

ومنها: تعیین موارد انطباق العناوین الثّانویّة.

ومنها: تعیین نوع القضیّة من الخارجیّة أو الحقیقیّة.

ومنها: البناءات العملیّة العقلائیّة کرجوع الجاهل إلی العالم وغیر ذلک من الموارد.

المقام الثالث:

أنّ العرف مرجع فی الموارد المذکورة و نحوها فیما إذا حکم بالعلم و الیقین دون الظنّ و التخمین و المسامحة.

المقام الرابع:

أنّه یجوز للشارع تخطئة العرف فیما حکم أو بنی علیه وکم له من نظیر کالنهی عن المعاملات الربویّة و مالیة المسکرات و غیر ذلک و لاإشکال فیه لأنّ النهی

ص:46

الشرعی یکشف عن خطأ العرف فی تشخیصة نعم یلزم أن یکون التخطئة صریحة حتّی یتوجّه إلیها العرف عند کون ماعلیه العرف ارتکازیاً.

المقام الخامس:

أنّه هل یجوز للعرف أن یلاحظ الملاکات والمناطات الظنّیّة لکشف الأحکام الشرعیّة حسبما تقتضیة تلک الملاکات أو لایجوز و الظّاهر من أهل التسنن هو الأوّل و استدلّوا له لوجوه:

منها: قوله تعالی:(خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ)1 بدعوی أنّ الأمر باتّباع العرف یفید حجیّته.

و فیه أنّ الآیة الکریمة لیست فی مقام بیان حجّیّة العرف فی آرائه و أحکامه حتّی تکون دلیلاً علی حجّیّة العرف بل سیاق الآیة باعتبار قبلها و بعدها یشهد بأنّ المراد من العرف هو المعروف من الأفعال الجمیلة و الأخلاق الحمیدة و علیه فتکون هذه الآیة کسائر الآیات الدالّة علی وجوب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فی الأمر بالمعروف و قد أمر سبحانه و تعالی فی صدر الآیة بالعفو عمّا فعله الجاهلون وأمر فی ذیلها بالإعراض عن الجاهلین.

و لذلک قال فی زبدة البیان الآیة تدلّ علی رجحان حسن الخلق ممّایستحقّه الإنسان فی ذمّة الغیر من الحقوق وغیره واستعمال اللین والملائمة فی المعاملات و الأمر بالمعروف و الإعراض عن الجهّال.(1)

ومنها: النبویّ صلی الله علیه و آله و سلّم مارآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن.(2)

و فیه مضافاً إلی ضعف السّند أنّه أجنبی عن المقام فإنّ البحث فی مرجعیّة العرف لاحجّیّة سیرة المسلمین.

ص:47


1- (2) زبدة البیان، صص 557-556.
2- (3) مجموعة رسائل ابن عابدین، ص 113.

ومنها: أنّ الشّارع قرّر کثیراً من العادات العربیّة وسکت عنها و لم یردعها و بنی مسائل الدّیات و القسامة علی العرف و أقرّها و لیست هذه العادات إلّا العرف فیعلم من إقرارها فی تلک الموارد أنّه أقرّهم علی العرف و جعله مرجعاً ودلیلاً کسائر الأدلّة.(1)

و فیه مالایخفی فإنّه خلط بین إقرارهم علی العرف بما هو عرف وبین إقرار حکم من أحکام العرف لموافقته مع الأحکام الإسلامیّة المبنیّة علی المصالح و المفاسد الواقعیّة فالثّابت هو الثّانی لاالأوّل و بینهما بون بعید.

و بعبارة اخری تصدیق العرف بنحو الموجبة الجزئیة لایستلزم تصدیقه بنحو الموجبة الکلّیة و الکلام فی حجّیّة العرف بنحو الموجبة الکلیّة و الأدلّة المذکورة لاتفی بذلک و بالجملة فالتحقیق أنّ العرف لایقدر علی تعیین الأحکام الشرعیّة بملاحظة المناطات و الملاکات الظنیّة لعدم إحاطته بذلک.

هذا مضافاً إلی منع النّصوص القطعیّة الکثیرة عن ذلک و الأمر بالتحذّر عنه منها موثقة الریّان بن الصلت عن علی بن موسی الرّضا علیهما السلام عن أبیه عن آبائه عن أمیرالمؤمنین علیهم السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال الله جل جلاله وما علی دینی من استعمل القیاس فی دینی.(2)

ومنها: موثّقة سماعة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: مالکم و القیاس إنّما هلک من هلک بالقیاس... الحدیث.(3)

ص:48


1- (1) أجوبة المسائل المبنائیة، ص 167.
2- (2) جامع الاحادیث، ج 1، الباب 7 من أبواب المقدّمات، ح 5.
3- (3) جامع الاحادیث، ج 1، الباب 7 من أبواب المقدّمات، ح 16.

ومنها: صحیحة أبان عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: إنّ السّنة لاتقاس ألاتری أنّ المرأة تقضی صومها و لاتقضی صلاتها، یاأبان إنّ السّنة إذا قیست محق الدّین.(1) و غیر ذلک من صحاح الأخبار.

فتحصّل: أنّه لادلیل علی مرجعیّة العرف فی الأحکام الشرعیة من جهة کشفها عن الملاکات و المناطات الظنیّة بل المستفاد من النصوص الصحیحة هی ممنوعیّة إعمال النظر حول هذا لقصورهم عن الإطّلاع اللاّزم.

و دعوی تغییر الأحکام حسب تغییر الأزمان و الأعصار و المرجع فی کلّ زمان و عصر هو العرف العام سخیفة جدّاً ومخالفة لضرورة المذهب لو أرید بذلک استقلال العرف فی کشف الأحکام من الملاکات والمناطات الظنیّة.

و الأسخف من ذلک هو توهّم أنّ الأحکام فی بقائها تحتاج إلی مقبولیّة العرف العامّ وتحرّز المقبولیّة بآراء وکلائهم فی المجالس الملّیّة مع أنّ بقاء الأحکام لایشترط بشیء و إنّما اللاّزم فی إجرائها هو مساعدة العرف العام و یجب علیهم لذلک المساعدة فی هذه الجهة یوجب العقاب و العذاب الألیم و حلال محمّد حلال إلی یوم القیامة و حرامه حرام إلی یوم القیامة والأحکام ثابتة علی موضوعاتها و المتغیّر هو بعض مصادیقها.

نعم یمکن تغییر الأحکام موقّتاً بسبب عروض العناوین الثّانویة توسّط الأئمّة علیهم السّلام والمنصوبین من قبلهم ولکنّه لایرتبط بالعرف کما لایخفی.

ص:49


1- (1) جامع الاحادیث 1، الباب 7 من أبواب المقدّمات ح 4.

ص:50

السیرة القطعیّة العقلائیّة

السّیرة القطعیّة العقلائیّة علی عمل من دون اختصاص بزمان أو مکان أو ملّة أو نحلة کالعمل بالظّواهر الکلامیّة أو رجوع الجاهل إلی العالم حجّة عقلائیة والقطع بالسّیرة کاشف عن وجودها ثمّ إنّ السّیرة لیست بنفسها حجّة شرعیة مالم ینضم إلیها إمضاء الشّارع ولو بعدم الرّدع فإنّ إمضاء الشّارع یکشف عن تقریر الشّارع بالنّسبة إلیها ومع تقریر الشّارع یثبت الحکم الشرعی و بدون التقریر المذکور لایفید حکماً شرعیاً لأنّها لیست بحجّة شرعیّة.

وعلیه فاللازم فی حجّیّة السّیرة القطعیّة العقلائیّة شرعاً هو أن تکون السّیرة المذکورة فی مرآی ومنظر الشّارع حتّی یتعلّق بها الإمضاء وعدم الردع.

هذا بخلاف السّیرة العقلائیّة الحادثة فإنّها لم تکن فی زمان الشّارع حتّی یکشف عدم الرّدع عنها عن تقریر الشّارع إیّاها أللّهمّ إلّا أن یقال: کما أفاد بعض الأعلام أن الشّارع کان فی مقام تصحیح أو ردّ جمیع البناءات فی مطلق الأزمنة وحینئذٍ إذا فحصنا ولم نجد شیئاً یصلح للرّدع جاز الاکتفاء به فی تقریره إیاها فتکون حجّة فتأمّل.

ثمّ إنّ السّیرة العقلائیّة قابلة لردع الشّارع لأنّها لیست کالقطع حتّی تأبی عن الردع.

نعم لزم فی الرّدع أن یکون صریحاً حتّی یتوجّه العقلاء إلی خطأ ما استقر علیه بنائهم.

ص:51

ص:52

السیرة المتشرعة

سیرة المتدیّنین بما هم متدیّنون تکشف عن کون السبب فی سیرتهم هو دینهم و احتمال أن یکون سیرتهم من عند أنفسهم لامن جهة أمر الشّارع بعید جدّاً بل محال عادی و علیه فسیرة المتشرّعة بنفسها تکشف عن الدّلیل الشرعی و هذا الکشف هو الفارق بین سیرة المتشرّعة وسیرة العقلاء لما عرفت من أن السّیرة العقلائیّة لاتکشف عن الدّلیل الشّرعی مالم ینظم إلیها إمضاء الشّارع و لو بعدم الرّدع.

و السّیرة المتشرعیّة تکشف فیما إذا لم تکن مستندة إلی قلّة المبالاة بأمر الدّین ولو شککنا فی ذلک فضلاً عن العلم به فلاتکشف عن شیء کما لایخفی.

قال سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد و سیرة المتشرّعة من أقوی أدلّة الباب و لایتطرّق فیها احتمال الرّدع بالآیات و الأخبار و بذلک تمتاز عن سیرة العقلاء فإنّها کما تری یحتمل ردعها.(1)

ثمّ إنّه إذا تعارضت السّیرة المتشرعیّة مع السّیرة العقلائیّة فلاإشکال فی تقدیم السّیرة المتشرعیّة لأنّ حجّیّة السّیرة العقلائیّة موقوفة علی عدم الرّدع عنها و السّیرة المتشرعیّة تکفی للردع عنها کما لایخفی.

ص:53


1- (1) المحاضرات لسیدنا الاستاذ، ج 2، ص 152.

ثمّ إنّ سیرة المتشرعیّة الکاشفة لاتختصّ بصورة اجتماع جمیع الطوائف من المسلمین علی عمل بل تکشف إذا کانت من الفرقة المحقة و الفرق بین صدق اجتماع الطوائف و اجتماع الفرقة المحقّة أن فی الاُولی تکشف عن إمضاء النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم وفی الثّانی تکشف عن إمضاء الإمام المعصوم علیه السّلام.

ثمّ إنّ السّیرة الکاشفة تکشف عن التقریر مادام لم یستندوا إلی النّصوص أو الفتاوی و إلّا فلاتفید إلّا نفس النّصوص أو الفتاوی.

ص:54

الخبر الواحد

اشارة

و البحث فیه یقع فی جهات:

الجهة الأولی:

أنّ جماعة من القدماء کالسّید و القاضی و ابن زهرة و ابن إدریس ذهبوا إلی عدم حجّیّة الخبر الواحد.

أدلّة المانعین:

اشارة

و استدلّ المانعون بوجوه:

منها الآیات الدالّة علی حرمة اتّباع غیر العلم کقوله تعالی:(وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ) وحرمة القول بغیر العلم کقوله عزّوجلّ:(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْیَ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِکُوا بِاللّهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) .

و الدالّة علی عدم کفایة الظنّ کقوله تعالی:(وَ إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً) .

و من المعلوم أنّ الخبر الواحد لیس بعلم و إسناده إلی الله قول بغیر علم و بالأخرة ظنّ و الظنّ لایغنی من الحقّ شیئاً.

و فیه أنّ أدلّة اعتبار الخبر الواحد قطعیّة و علیه لایبقی مورد لهذه الآیات لورود أدلّة الاعتبار بالنّسبة إلیها.

ص:55

و بعبارة اخری أنّ المراد من العلم فی الآیات هو الحجّة و معنی الآیات هو المنع عن اتّباع غیر الحجّة وعن القول بغیر الحجّة و أنّ غیر الحجة لایغنی من الحق شیئاً ومع قیام أدلّة اعتبار الخبر الواحد یکون الخبر الواحد من مصادیق الحجّة فلامورد بعد ذلک للآیات المذکورة فأدلّة الاعتبار واردة بالنّسبة إلی الآیات المذکورة و التعبیر بالحکومة لایخلو من الإشکال بعد کون المراد من العلم هو الحجّة و إن أبیت عن الورود أو الحکومة فلاخفاء فی کون أدلّة اعتبار الخبر الواحد موجبة لتخصیص تلک الآیات قضاءً لتقدیم الخاصّ علی العامّ.

ودعوی أنّ قوله عزّوجلّ:(وَ إِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً) آب عن التخصیص ممنوعة لأنّ الظنون مختلفة فی غالبیة الإصابة و عدمها فإذا کان بعضها کالخبر أغلب إصابة فلامانع من تخصیصها بما کان أغلب إصابة.

ومنها: الأخبار الکثیرة، وهی علی طوائف:

الطّائفة الأولی:

الرّوایات الواردة فی لزوم الموافقة مع الکتاب و السّنّة فی حجّیّة الأخبار و جواز العمل بها کقول أبی عبدالله علیه السّلام فما وافق کتاب الله فخذوه وما خالف کتاب الله فدعوه.

بدعوی أنّ المستفاد منها أنّ خبر الواحد لیس بنفسه حجّة.

یمکن الجواب عنه: بأنّ الموافقة للکتاب أو السّنّة مذکورة من باب المثال لأمارة الصدق و من الجائز أنّ ماروته الثّقات أیضاً من الأمارات و علیه فما من الحصر فی امثال هذه الرّوایات اضافی وملحوظ بالنّسبة إلی ماکان مخالفاً للقرآن و السّنة و لیس فی مقام حصر أمارة الصدق فی الموافقة المذکورة.

ص:56

الطائفة الثانیة:

الرّوایات الدّالّة علی المنع عن العمل بالخبر الذی لایوافق الکتاب و السّنّة کقوله علیه السّلام کلّ شیء مردود إلی الکتاب والسّنّة و کلّ حدیث لایوافق کتاب الله فهو زخرف.

و الجواب أنّ المتفاهم العرفی من هذه الأخبار هو اشتراط عدم المخالفة فیندرج فی الطّائفة الثّالثة الدّالّة علی مردودیّة المخالف ولاکلام فیه وإنّما الکلام فی المراد من المخالفة، و الظّاهر أنّ المراد من المخالف للقرآن هو المناقض له و لاإشکال فی مردودیّته.

ودعوی تعمیم المخالفة لمثل مخالفة العموم والخصوص والإطلاق والتقیید لایساعده العرف مع إمکان الجمع بینهما.

لایقال: إنّ الرّوایات المتباینة غیر مقبول عند الأصحاب ولایحتاج إلی النّهی عنه و علیه فلیکن المراد من المخالفة هی مخالفة العموم والخصوص والإطلاق و التقیید لأنّا نقول إنّ خصماء أهل البیت علیهم السّلام کانوا یأخذون الاُصول و یدسّون الأحادیث المخالفة فیها ولم یرووها حتّی لایقبلها الأصحاب.

هذا مضافاً إلی ضرورة صدور الأخبار المخالفة للقرآن بمخالفة العموم والخصوص والإطلاق والتقیید.

الطائفة الرابعة:

الأخبار الدالّة علی اشتراط الأخذ بالأخبار بوجود شاهد من الکتاب و السّنّة کقول أبی عبدالله علیه السّلام عند السّؤال عن اختلاف الحدیث یرویه من نثق به و منهم من لانثق به إذا ورد علیکم حدیث فوجدتم له شاهداً من کتاب الله أو من قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و إلّا فالذی جاءکم أولی به.

ص:57

وفیه أنّ هذه الأخبار من الأخبار العلاجیة عند تعارض الأخبار لترجیح بعض الأطراف علی البعض ولاارتباط لها بأصل حجّیّة الخبر الواحد بل المستفاد من أخبار العلاجیة هو أنّ الحجّیّة الذّاتیة مفروغ عنها.

أدلّة المثبتین

اشارة

استدلّ المجوّزون للعمل بخبر الواحد بالأدلّة الأربعة.

1 - أمّا الکتاب فبآیات:

منها قوله تعالی:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) .

وتقریب الإستدلال بوجوه:

الوجه الأوّل:

هو الاستدلال بمفهوم الشرط بتقریب أنّه سبحانه وتعالی علّق وجوب التبیّن عن الخبر علی مجیء الفاسق فینتفی عند انتفائه عملاً بمفهوم الشرط و إذا لم یجب التثبّت عند مجیء غیر الفاسق فإذا یجب القبول وهو المطلوب أو الردّ و هو باطل.

أورد علیه بأنّ مفهوم الشرط عدم مجیء الفاسق بالنبأ و عدم التبیّن هنا لأجل عدم مایتبیّن فالجملة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع کما فی قول القائل إن رزقت ولداً فاختنه فکما لامفهوم لقوله إن رزقت الخ فکذلک هی المقام لأنّه الانتفاء لیس إلّا لانتفاء الموضوع عقلاً إذ مع عدم مجیء الفاسق بالخبر لاخبر فاسق حتّی لزم التبیّن فیه.

و المعیار فی الشرطیة المحقّقة للموضوع موجود فی الآیة الکریمة و هو اتّحاد الموضوع فی القضیّة مع شرط الجزاء.

ص:58

واُجیب عنه: بأنّ الموضوع فی القضیّة هو النبأ الذی جیء به والواجب هو التبین والشرط لوجوب التبیّن هو مجیء الفاسق فالقضیّة حینئذٍ لاتکون مسوقة لبیان تحقّق الموضوع.

و علیه فالموضوع فی القضیّة هو النبأ و الشرط للجزاء هو مجیء الفاسق بالنبأ و بینهما مغایرة و لااتّحاد فلیس الشّرط محقّقاً للموضوع بعد وجود المغایرة بین الموضوع فی القضیّة و شرط الجزاء.

و نوقش فیه بأنّ الموضوع إن کان هو الفاسق و له حالتان لأنّ الفاسق قد یجیء بالنبأ و قد لایجیء به و علّق وجوب التبیّن علی مجیئه بالنبأ و یکون مفاد الکلام حینئذٍ أنّ الفاسق إن جاءکم بنبأ فتبیّنوا فلادلالة للقضیّة علی المفهوم لأنّ التبیّن متوقف علی مجیئه بالنبأ عقلاً فتکون للقضیّة مسوقة لبیان الموضوع إذ مع عدم مجیئه بالنبأ کان التبین منتفیاً بانتفاء موضوعه.

ویمکن أن یقال: إنّ الموضوع فی الأحکام القانونیّة هو الطبیعة وحتّی تکون مقسماً بین المنطوق والمفهوم وعلیه فلایکون الموضوع متّحداً مع الشرط بل هو أعمّ منه و مقتضاه هو کون الحکم المشروط مترتّباً علی حصّة من الطبیعی فالجملة حینئذٍ تدلّ علی المفهوم بالنّسبة إلی الحصص الأخری فیما إذا انتفی الشرط ففی مثل السّلام ممّا له أحکام مختلفة إذا قیل إذا جاءکم مؤمن بسلام فأجیبوه کان ظاهره أنّه إن لم یجیء مؤمن بسلام فلایجب الجواب بالسّلام. والوجه فی ذلک أنّ السّلام ممّا له أحکام مختلفة ویستظهر من الجملة الشّرطیة أنّ الموضوع هو طبیعة السّلام و له أحکام مختلفة و لیس الموضوع هو السّلام الخاصّ الذی جاء به المؤمن حتّی تکون القضیّة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع ففی الآیة الکریمة یکون النبأ موضوعاً طبیعیّاً

ص:59

لاموضوعاً خاصّاً وقوله تعالی:(إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) یدلّ علی حکم من أحکام هذه الطبیعة وعلیه فحیث إنّ الموضوع محفوظ مع عدم الشرط وهو طبیعة النبأ تدلّ الجملة علی المفهوم وهو أنّه إذا لم یجیء فاسق بنبأ بل جاء به عادل فلایجب التبیّن.

ودعوی أنّ الموضوع إن کان هو طبیعة النبأ فاللازم علی تقدیر الشرط وجوب التبیّن فی طبیعة النبأ وإن کانت متحقّقة فی ضمن خبر العادل وإن کان المراد أنّ الموضوع هو النّبأ الموجود الخارجی فیجب أن یکون التعبیر بأداة الشرط باعتبار التردید لأنّ النّبأ الخارجی لیس قابلاً لأمرین.

مندفعة أوّلاً: بالنقض بمثل قولهم العالم إن کان فقیهاً یجب إکرامه فإنّه لایدلّ علی وجوب إکرام طبیعة العالم ولو لم یکن فقیهاً.

وثانیاً: بالحلّ وهو أنّ الموضوع علی تقدیر کونه طبیعیاً لیس المراد منها الطبیعة المغلقة بنحو الجمع بین القیود بحیث یکون المراد منه الطبیعة المتحقّقة فی ضمن نبأ العادل والفاسق معاً بل المراد هو اللابشرط القسمی أی طبیعی النبأ الغیر الملحوظ معه نسبة إلی الفاسق ولاعدمها و إن کان هذا الطبیعی یتحصّص من قبل المحقّق علیه وجوداً وعدماً.

فیتحقّق هناک حصّتان إحدیهما موضوع وجوب التبیّن والاُخری موضوع عدم وجوب التبین ولامنافاة بین أن یکون الموضوع الحقیقی لکلّ حکم حصّة مخصوصة وأن یکون الموضوع فی الکلام رعایة للتعلیق المفید لحکمین منطوقاً و مفهوماً نفس الطّبیعی الغیر الملحوظ معه مایوجب تحصّصه بحصّتین وجوداً و عدماً.

ص:60

لایقال: إنّ الموضوع و إن کان ذات النبأ وطبیعته إلّا أنّ الموضوع فی الأحکام هو الطّبیعی الموجود فی الخارج و تکون الذات مأخوذة مفروضة الوجود و لیس الحال فیه کالمتعلّق.

و علیه فالنبأ الموجود و هو موضوع الحکم و هو لایخلو للحال فیه إمّا أن یکون نبأ فاسق أو نبأ عادل و لایقبل الانقسام إلی کلتا الحالّتین.

ولایمکن استفادة المفهوم منه لعدم قابلیّته النبأ الموجود للانقسام إلی کلتا الحالتین و اللازم من ذلک هو استعمال الأداة الدّاخلة علی مجیء الفاسق فی معنی الفرض و التقدیر ینظر مالو رأی المولی شبحاً فقال لعبده إن کان زیداً فأکرمه فإنّ الشبح لایقبل عروض الزیدیة علیه تارة و العمرویة أخری بل هو إمّا زید أو عمرو فالأداة تستعمل فی معنی الفرض و التقدیر لا فی معنی الشّرطیة إذ لیس هناک جامع بین الحالتین یتوارد علیه النفی و الإثبات کی یعلّق الإثبات علی شیء بل الشبح یدور بین المتباینین و ما نحن فیه من هذا القبیل و لایمکن استفادة المفهوم منه لعدم قابلیّة النبأ الموجود للانقسام إلی کلتا الحالتین.

لأنّا نقول: أوّلاً: إنّ ذلک منقوض بمثل العالم إن کان فقیهاً یجب تقلیده فإنّ الموضوع فیه مفروض الوجود و مع ذلک یدلّ علی المفهوم وثانیاً: أنّ ماذکر من المناقشة مبنی علی کون القضیّة خارجیّة و اشتباه الموضوع الخارجی و المفروض خلافه لأنّ القضیّة حقیقیّة و الموضوع هو طبیعیّ النبأ و لااشتباه فی الخارج فإذا خصّص بعض الحصص الموجودة من الطبیعی بحکمه عند شرط کذا یدلّ بمفهومه علی انتفاء هذا الحکم عن غیر هذه الحصص من سائر حصص الطبیعة الموجودة و لاریب فی أنّ هذا مفهوم مستفاد من تعلیق الحکم علی حصّة من الطبیعة عند شرط کذا.

ص:61

فتحصّل: ممّا تقدّم أنّ الموضوع هو النبأ لانبأ الفاسق لأنّ قوله تعالی:(إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا) فی قوة أن یقال إنّ النبأ إن جاء الفاسق به یجب التبیّن فیه فإنّه لافرق بین العبارتین أصلاً و لاإشکال فی المفهوم بناء علی ثبوت المفهوم للقضایا الشّرطیة و حجّیّته.

ودعوی عدم دلالة الآیة علی المفهوم من جهة أنّ النبأ لم یفرض فی الآیة موضوعاً فی المرتبة السابقة علی تحقّق الشرطیة و التعلیق بل قد افترض مجموع مفاد الجملة الشرطیة بافتراض واحد و من هنا لایکون لها مفهوم.

مندفعة: بأنّ العرف بمناسبة الحکم و الموضوع و کلّیة القضایا الشرعیة وعدم اختصاصها بالموارد الخاصّة یفهم أنّ الموضوع فی مثل الآیة الکریمة مقدّم رتبة علی تحقّق الشرط کما مرّ أنّ العرف یستفیدون من قولهم إذا جاءکم المؤمن بسلام فأجبه أنّ الموضوع هو السّلام و مقدّم علی الشرطیة ولذا یفهمون منه المفهوم فکذلک فی المقام هذا غایة مایمکن أن یقال لو قیل فی إثبات دلالة الآیة الکریمة بمفهوم الشرط علی حجّیّة خبر العادل فافهم.

الوجه الثانی:

الاستدلال بمفهوم الوصف فی الآیة الکریمة و هو أنّ وجوب التبیّن معلّق علی خبر الفاسق و علیه فذکر الفاسق یدلّ علی دخالته فی ثبوت حرمة العمل بدون التبیّن و المفهوم منه بمقتضی التعلیق علی الوصف أنّ العمل بخبر غیر الفاسق لایعتبر فیه التبیّن فلایجب التبیّن عن خبر غیر الفاسق و معنی ذلک هو حجّیّة خبر العادل.

و فیه أنّ التقریب المذکور فرع دلالة الوصف علی المفهوم وهو ممنوع فإنّ دلالة الوصف علی مدخلیته فی الحکم بنحو من الأنحاء وإن لم یکن لإنکارها سبیل

ص:62

ولکن لادلالة له فی دخالته فی أصل الحکم ولاطریق إلی استظهار أنّه دخیل فی أصل ا لحکم أو مرتبة من مراتبه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التردید فی الأحکام التکلیفیّة التی تکون ذا مراتب کالوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکراهیّة و أمّا إذا کان الحکم من الأحکام الوضعیّة کالحجّیّة ممّا لیس لها مراتب فدخالة الوصف تکون حینئذٍ فی أصل الحکم ومقتضاه هو دلالته علی المفهوم.

ولکن ذلک لایخلو عن المناقشة وهو أنّ دلالة الوصف علی المفهوم منوطة باستفادة کون الوصف علّة منحصرة فمع عدم إحراز ذلک لادلالة علی المفهوم ولافرق فی ذلک بین أن یکون الحکم ذا مراتب أو لایکون.

مانعیة التّعلیل عن انعقاد المفهوم

اشارة

لایذهب علیک أنّه لوتمّ ماذکر من دلالة الکریمة علی المفهوم لایخلو الاستدلال بها عن إشکال آخر وهو أنّ مقتضی عموم التعلیل وجوب التبیّن فی کلّ خبر لایؤمن عن الوقوع فی النّدم من العمل به وإن کان المخبر عادلاً وعلیه فیکون التعلیل معارضاً مع المفهوم الدالّ علی عدم لزوم التبیّن فی خبر العادل والترجیح مع ظهور التعلیل.

واُجیب عنه أوّلاً: بأنّ المفهوم أخصّ مطلق من عموم التعلیل لأنّ الخبر المفید للعلم خارج عن المفهوم والمنطوق و علیه یکون المفهوم منحصراً فی الخبر المفید لغیر العلم من العادل وهو أخصّ من عموم التعلیل الدالّ علی وجوب التبیّن فی الخبر مطلقاً سواء کان عن عادل أو غیر عادل و لو قدّم التعلیل علی مفهوم الشرط و حمل المفهوم علی الخبر المفید للعلم من العادل لزم لغویّة الشرط هذا مضافاً إلی أنّ خبر العادل المفید للعلم لیس محل الکلام و لزوم العمل به مفروغ عنه.

ص:63

بل یمکن أن یقال: لامنافاة ولامعارضة بین المفهوم و التعلیل لأنّ التعلیل یدلّ علی المنع عن العمل بما یکون فی معرض النّدامة وهو مالیس بحجّة و من المعلوم أنّه لاینافی الأخذ بالحجّة فإنّه لیس فی معرض النّدامة و المفهوم یدلّ علی حجّیّة خبر العادل والتعلیل یدلّ علی المنع عن العمل بغیر الحجّة فمورد المفهوم خارج عن مورد التعلیل خروجاً تخصّصیّاً کما لایخفی.

ودعوی أنّ دلالة الشرطیّة علی المفهوم مبتنیة علی ظهور الشرط فی القضیّة فی کونه علّة منحصرة بحیث ینتفی الحکم بانتفائه وأمّا إذا صرّح المتکلّم بالعلّة الحقیقیّة وکان التّعلیل أعمّ من الشّرط أو کان غیر الشرط فلامعنی لاستفادة العلّیة فضلاً عن انحصارها مثلاً إذا قال قائل إن جاءک زید فأکرمه ثمّ صرّح بأنّ العلّة إنّما هو علمه فنستکشف منه أنّ المجیء لیس بعلّة ولاجزء منها.

مندفعة: بما عرفت من عدم المنافاة بین التعلیل والشرط المذکور فإنّ مقتضاه هو أنّ التّعلیل مؤکّد للشرط المذکور فإنّ العرضیّة للندامة من ناحیة عدم الحجّیّة منحصرة فی الشرط المذکور و هو نبأ الفاسق فلیس التعلیل مفیداً لأمر هو أعمّ من الشرط أو لأمر مغایر للشرط المذکور حتّی ینافی علّیّة الشرط أو انحصارها و قیاس الآیة الکریمة بمثل قوله إن جاءک زید فأکرمه ثمّ التصریح بأنّ العلّة إنّما هو علمه فی غیر محلّه. فإنّ مجیء زید غیر العلم بخلاف المقام فإنّ نبأ الفاسق فی قوله تعالی إن جاءکم فاسق بنبأ یشیر إلی أنّ العلّة هو عدم إفادة خبر الفاسق العلم بمعنی الحجّة و هو غیر مناف لما أفاده التعلیل من أنّ الإقدام علی ما لیس بحجة یکون فی معرض الندامة بل هما متوافقان.

ولعلّ منشأ توهّم المنافاة بین المفهوم و التّعلیل هو حمل الجهالة فی قوله تعالی:(أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) علی عدم العلم بالواقع بقرینة کون الجهالة مقابلة للتبیّن وهو بمعنی تحصیل العلم وإحراز الواقع ومعلوم أنّ الجهالة بهذا المعنی مشترک بین خبری العادل والفاسق وهو

ص:64

یوجب تعمیم علّة التبیّن ویحصل المنافاة مع انحصار علّة التبیّن فی خبر الفاسق فلاینعقد ظهور المفهوم ولکن المنافاة فیما إذا ارید من الجهالة خصوص عدم العلم بالواقع و من التبیّن خصوص تحصیل العلم وإحراز الواقع وأمّا إذا قلنا إنّ المرتکز فی الإخبارات والإنباءات هو الاکتفاء بالحجّة فالتبیّن هو التفحّص عن حجّیّة الخبر والجهالة فی مقابلها وهو عدم التفحّص والإقدام مع عدم إحراز الحجّة ومن المعلوم أنّ الجهالة بهذا المعنی لیست مشترکة بین خبری العادل والفاسق فلامنافاة مع التعلیل وانحصار علّة التبیّن فی خبر الفاسق.

واُجیب ثانیاً: عن مانعیّة التعلیل للمفهوم بحمل الجهالة علی السفاهة وفعل مالایجوز فعله عند العقلاء مستشهداً بقوله عزّوجلّ:(فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) فإنّ النّدامة لا تکون إلّا علی فعل سفهی لایکون علی طریقة العقلاء فلایعمّ التعلیل المذکور لمثل الاعتماد علی خبر العادل.

اورد علیه أوّلاً: بأنّ حمل الجهالة علی السفاهة خلاف الظّاهر من لفظ الجهالة.

وثانیاً: أنّ قوله تعالی:(فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ) یساعد مع کون الجهالة بمعنی عدم الحجّة فإنّ العمل بالحجّة ممّا لاتترتّب علیه الندامة بخلاف العلم بما لیس بحجّة فلامنافاة بین التّعلیل والمفهوم من الآیة ولاحاجة إلی حمل الجهالة علی السّفاهة.

واُجیب ثالثاً: عن مانعیة التعلیل مع المفهوم بأنّ المفهوم حاکم علی التعلیل فإنّه یحکم فی خبر العادل بأنّه محرز و کاشف عن الواقع وعلم فی عالم التشریع فیخرج خبر العادل عن عموم التّعلیل تعبّداً و لایمکن أن یعارضه أصلاً لکی یوجب عدم انعقاده.

اورد علیه بأنّ حکومة سائر الأدلّة علی هذا التّعلیل المشترک وجیهة و أمّا حکومة المفهوم المعلّل منطوقه بنحو یمنع عن اقتضاء المفهوم المثبت لحجّیّة خبر العادل حتّی یرتفع به الجهالة تنزیلاً فهو دور واضح.

ص:65

وذلک لأنّ حکومة المفهوم متفرّعة علی عدم شمول التعلیل للمفهوم و المفروض أنّ عدم شمول التّعلیل متوقّف علی حکومة المفهوم و هو دور هذا مع الفحص عمّا فی دعوی دلالة أدلّة الاعتبار علی أنّ خبر العادل علم تشریعاً.

واُجیب رابعاً: عن مانعیة التّعلیل بأنّ خبر غیر الفاسق الذی تدلّ الآیة علی حجّیّته حجّة، و طریق عند العقلاء أیضاً و العقلاء یعبّرون عن جمیع الطرق المعتبرة عندهم بالعلم سواء فی ذلک الظّواهر و خبر الثّقات و غیرهما ویرون مفهوم العلم عاماً للقطع الذی لایحتمل الخلاف ولموارد قیام الطرق المعتبرة وإذا اعتبروا شیئاً طریقاً یرون قیام هذا الطریق علی شیء وصولاً إلی الواقع لابمعنی تنزیل شیء منزلة آخر بل بمعنی واقع الوصول کما فی القطع حرفاً بحرف.

وحینئذٍ فالآیة المبارکة إذا القیت إلیهم فهموا منها بمقتضی الشّرطیة المذیلة بالتّعلیل المذکور أنّ النبأ إذا لم یأت به الفاسق بل غیر الفاسق فهو طریق موصل إلی الواقع لیعمل به من دون حاجة إلی التبیّن ولایتصوّر فیه إصابة القوم بجهالة للوصول إلی الواقع فهو خارج عن مورد التعلیل ویکون المفهوم بلا معارض.

یمکن أن یقال: إنّ قطعیّة أدلّة الاعتبار لاتوجب کون المعتبر داخلاً فی العلم و القطع و إن اطلق علیه العلم بمعنی الحجّة إذ احتمال الخلاف لیس موهوناً فی جمیع موارد الظّواهر أخبار الثّقات.

ومع وجود احتمال الخلاف وجداناً کیف یقال إنّ هذه الطرق وصول واقعی فالصحیح فی الجواب عن المانعیة هو مامرّ من أنّ التعلیل لایدلّ علی عدم جواز الإقدام بغیر العلم مطلقاً بل مفاده هو ذلک فیما إذا کان الإقدام فی معرض حصول النّدامة واحتمال ذلک منحصر فیما لم یکن الإقدام حجّة.

و علیه فالآیة الکریمة بمفهومها تدلّ علی حجّیّة خبر العادل و بتعلیلها یدلّ علی عدم جواز العمل بغیر الحجّة فلامنافاة بین مفهومها و تعلیلها.

ص:66

ومنها قوله تعالی:(وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ) .

وتقریبها بوجوه:

الوجه الأوّل:

أنّ سیاق الآیة یدلّ علی مطلوبیّة الإنذار والحذر ووجوبهما لظهور کلمة (لولا) فی التحضیض ولاحاجة فی إثبات ذلک إلی بیان مفاد کلمة (لعلّهم) وأنّ المراد منها هو مطلوبیّة مدخولها.

وبالجملة ظاهر صدر الآیة أنّ ما أمر بالنّفر إلیه بمثابة من الأهمیّة بحیث لولا لزوم مثل اختلال النّظام ونحوه لوجب علی الجمیع النفر إلیه ولکن لزوم هذه الأمور منع من ایجاب النّفر علی الجمیع فعلی هذا لِمَ لایکون النفر لازماً لبعضهم حتّی یرشدوا أنفسهم وغیرهم بسبب اطلاعهم علی الدّین.

الوجه الثانی:

أنّ کلمة لعلّ بعد انسلاخها عن معنی الترجّی الحقیقی لعدم إمکانه فی حقّه تعالی تدلّ علی محبوبیّة التحذّر عند الإنذار فإذا ثبتت محبوبیّة التحذر ثبت وجوبه شرعاً إذ لامعنی لندب التحذّر عن العقاب الأُخروی مع قیام المقتضی للعقوبة إذ مع عدم المقتضی لها لامطلوبیّة و لاحسن للتحذّر لعدم الموضوع له و المفروض ثبوت المطلوبیّة.

أورد علیه أوّلاً: بأنّ التحذر یمکن أن یکون لرجاء إدراک الواقع و عدم الوقوع فی محذور مخالفته من فوت المصلحة أو الوقوع فی المفسدة و التحذّر حینئذٍ حسن و لیس بواجب مادام لم یقم حجّة علی التّکلیف.

ص:67

واُجیب عنه بأنّ الإنذار و التحذّر بملاحظة ترتّب العقوبة أنسب من أن یکون بملاحظة المصالح والمفاسد إذا المتعارف فی مقام الإنذار هو الحثّ علی العمل بالاحکام بذکر مایترتب علی الفعل أو الترک من العقوبات الاُخرویّة لاالمصالح و المفاسد هذا مضافاً إلی أنّ الإنذار لعموم النّاس لاللخواصّ و أرباب العقول حتّی یصحّ الإنذار باعتبار المصالح و المفاسد وعامّة النّاس لایتوجّهون إلی المصالح و المفاسد المکنونة فی الأحکام لأنّها من الاُمور الخفیّة الّتی لایطّلعون علیها ولو بنحو الإجمال.

اورد علیه ثانیاً: بأنا لو سلّمنا دلالة کلمة «لعلّ» علی المطلوبیّة فالحذر المطلوب إن کان هو الحذر من العقاب المساوق مع وجوب التحذّر بلحاظه فهذا الفرض یساوق عرفاً کون الإنذار بلحاظ العقاب أیضاً لأنّ ظاهر الآیة أنّ الحذر من نفس الشیء المخوف المنذر به وهو یعنی أنّ الإنذار فرض فی طول العقاب و المنجّزیّة و مثله یکشف عن الحجّیّة.

وإن کان المراد الحذر من المخالفة للحکم الواقعی بعنوانها فمطلوبیّة هذا الحذر لایلزم منها وجوبه لإمکان أن یکون مستحباً.

یمکن أن یقال: إنّ التحذّر باعتبار العقاب لاباعتبار المخالفة للحکم الواقعی والمصالح و المفاسد ولکن منجّزیّة الإمارة أعنی قول العادل کمنجّزیّة العلم فکما أنّ العلم بالحکم یوجب التنجّز بنفس العلم و یکون حجّة علی الحکم فکذلک إخبار العادل بالوجوب أو الحرمة وترتّب العقاب یوجب التنجّز لغیر المخبر بنفس الإخبار وإن کان الحکم منجّزاً علی نفس المخبر قبل إخباره بسبب العلم به سابقاً فلامنافاة بین أن یکون الحکم منجّزاً علی المخبر قبل إخباره ولا یکون منجّزاً علی السّامع

ص:68

قبل إخباره ویصیر منجّزاً علیه بنفس الإخبار وعلیه فحیث إنّ المنجّزیّة بالنّسبة إلی السّامع تحصل بنفس الإخبار یکشف ذلک عن کون إخبار العادل حجّة علی السامع و بالإخبار یحصل التنجّز والإنذار معاً والمحال هو تنجّز الحکم بنفس الإنذار بالنّسبة إلی المخبر لا السّامع فلاتغفل.

الوجه الثالث:

أنّ التحذّر غایة للإنذار الواجب لکونه غایة للنّفر الواجب کما تشهد له کلمة «لولا» التحضیضیّة.

و علیه فإذا أوجب الإنذار وجب التحذّر إذ الغایة المترتّبة علی فعل الواجب ممّا لایرضی الآمر بانتفائه سواء کان من الأفعال المتعلّقة للتکلیف أم لاکما فی قولک توضّأ لتصلّی.

اورد علیه فی الکفایة بعدم انحصار فائدة الإنذار بالتحذّر تعبّداً لعدم إطلاق یقتضی وجوبه علی الإطلاق ضرورة أنّ الآیة مسوقة لبیان وجوب النّفر لالبیان غائیة التحذّر و لعلّ وجوبه کان مشروطاً بما إذا أفاد العلم و علیه فالآیة تدلّ علی وجوب التحذّر عند إحراز أنّ الإنذار بمعالم الدّین.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ التحذّر وإن لم یکن له فی نفسه إطلاق نظراً إلی أنّ الآیة غیر مسوقة لبیان غائیّة الحذر بل لایجاب النّفر إلّا أنّ إطلاقه یستکشف بإطلاق وجوب الإنذار ضرورة أنّ الإنذار واجب مطلقا من کلّ متّفقه سواء أفاد إنذاره العلم للمنذر أم لا و حینئذٍ فلو کانت الفائدة منحصرة فی التحذّر کان التحذّر واجباً مطلقاً وإلّا لزم اللغویّة أحیاناً.

ودعوی أنّ الفائدة غیر منحصرة فی التحذّر بل لإفشاء الحقّ وظهوره بکثرة إنذار المنذرین فالغایة حینئذٍ تلازم العلم بما أنذروا به.

ص:69

مندفعة بأنّ ظاهر الآیة أنّ الغایة المترتّبة علی الإنذار والفائدة المترقّبة منه هی التحذّر لاإفشاء الحق وظهوره.

فالمراد من الآیة الکریمة والله العالم لعلّهم یحذرون بالإنذار لابإفشاء الحق بالإنذار کما أنّ ظاهرها هو التحذّر بما انذروا لابالعلم بما انذروا به.

بل نفس وجوب الإنذار کاشف عن أنّ الإخبار بالعقاب المجهول إنذار ولا یکون ذلک إلّا إذا کان الإخبار بالعقاب حجّة وإلّا فالإخبار المحض لایحدث للخوف ولو اقتضاءً حتّی یکون مصداقاً للانذار حتّی یجب شرعاً وممّا ذکر یظهر مافی کلام بعض أساتیذنا من أنّه لم یتبیّن أنّ الغایة هو التحذّر حتّی یتمسّک بإطلاقه لإثبات المطلوب لاحتمال أن یکون احتمال الحذر غایة حتّی یحصل العلم وذلک لما عرفت من أنّ ترتّب التحذّر علی نفس الإنذار لایبقی مجالاً لتقدیر العلم والإفشاء کما لایخفی.

لایقال: احتمال وجود المانع فی إیجاب الغایة علی الغیر یمنع عن الجزم بوجوب الغایة وهی التحذّر.

لأنّا نقول: إنّ هذا الاحتمال غیر سدید لوهنه بعد کون التحذّر مقصداً لوجوب ذی الغایة وعدم وجود مانع معقول فیه.

و دعوی أنّ هذه الآیة مربوطة بباب الجهاد من جهة السّیاق فإنّ سورة البراءة مرتبطة بالمشرکین و الجهاد معهم و من المعلوم أن النّفر إلی الجهاد لیس للتّفقه و الإنذار نعم ربّما یترتّبان علیه بعنوان الفائدة کما إذا شاهد المجاهدون فی سفر الجهاد آیات الله و ظهور أولیائه و غلبتهم علی الکفّار بها للفرقة المتخلّفة الباقیة فی المدینة المنوّرة وعلیه فالإنذار لیس غایة للنّفر الواجب حتّی تجب الغایة بوجوب ذیها وهو النفر بل الإنذار من قبیل الفائدة المترتّبة علی النّفر إلی الجهاد أحیاناً.

ص:70

مندفعة: بأنه لادلیل علی أنّ النفر للجهاد و مجرّد ذکر الآیة المبارکة فی آیات الجهاد لایدلّ علی ذلک بل الظّاهر من عنوان التّفقه والإنذار مضافاً إلی بعض الرّوایات هو کون النّفر لیس للجهاد.

والقول بأنّ النفر مختصّ بالجهاد ولکن أمر فی الآیة أیضاً بتخلّف جمع لیتفقّهوا وینذروا النّافرین عند رجوعهم عن الجهاد.

خلاف الظّاهر فإنّ الضمیر فی قوله «لیتفقّهوا» راجع إلی النافرین لاإلی الفرقة الباقیة فانحصر الأمر فی اختصاص الآیة المبارکة بالنفر للتفقّه و المعنی أنّ المؤمنین لیسوا بأجمعهم أهلاً للنّفر فلولا نفر من کلّ فرقة و قبیلة منهم طائفة و المستفاد من ذلک أنّ المقتضی لنفر الجمیع موجود بحیث لو لم یکن مانع عنه لأمروا جمیعاً بالنّفر و التّفقه ولکنّهم لیسوا أهلاً لذلک لاختلال نظامهم و تفرّق أمر معاشهم و حینئذٍ فلم لایجعلون الاحتیاج إلی المطالب الدینیّة فی عرض سائر احتیاجاتهم فیوجّهون طائفة منهم إلی تحصیلها کما یتوجّه کلّ طائفة منهم إلی جهة من الجهات الاُخری المربوطة بأمر المعاش کالزراعة و التجارة و نحوهما فسیاق الآیة ینادی بأعلی صوته إلی مطلوبیة الإنذار و الحذر و وجوبهما و هذا هو الظّاهر من الآیة وتشهد له أخبار کثیرة حیث استشهد الأئمّة علیهم السّلام بالآیة لوجوب النفر للتفقّه والتعلیم و التعلّم.

إن قلت: إنّ مقتضی ماذکر هو اختصاص الآیة بالنّفر للتفقّه و الإنذار المحقّق بقول العادل وإن لم یوجب الیقین والعلم وهذا لایتناسب مع الرّوایات الواردة فی استشهاد الإمام بالآیة الکریمة علی وجوب معرفة الإمام لأنّ الإمامة ممّا لاتثبت إلّا بالعلم وعلیه فالاستناد بالآیة لحجّیّة الدّلیل الدّینی لایفید العلم کالخبر الواحد کما تری.

قلت: لامانع من شمول إطلاق التفقّه و الإنذار للمعرفة بالحقائق الاعتقادیة و الإنذار بها أیضاً لأنّ هذا الاعتقاد أیضاً تفقّه ویکفی ذلک فی وجوب الإنذار وهو

ص:71

یکفی فی وجوب التحذّر من مخالفة هذا الاعتقاد وان لم یحصل للمخاطب بنفس الإنذار قطع فإنّ التحذّر فی الفقه بالعمل و هو محقّق بنفس إنذار عدل واحد والتحذّر فی الاعتقادات بالاعتقاد وحصوله یحتاج إلی تکرار الإنذار و الاستماع حتّی یحصل العلم. وبالجملة یختلف التحذّر باختلاف موارد الإنذار و إطلاق الآیة یعمّ جمیع الموارد و تطبیق الآیة علی التّفقّه فی الأحکام و التّفقّه فی المعارف ممّا یشهد علی إطلاقها کما لایخفی.

ثمّ إنّ الإنذار إمّا مطابقی و إمّا ضمنی وکلاهما مشمولان للآیة الکریمة وعلیه فکلّ روایة تدلّ علی حکم من الأحکام الإلزامیّة تدلّ بالدّلالة الضّمنیّة علی العقاب و أمّا الأخبار التی لاإنذار فیها لکون الحکم المذکور فیها غیر إلزامی فهی مشمولة للآیة الکریمة بعدم القول بالفصل فی حجّیّة الأخبار.

ودعوی أنّ المأخوذ فی الآیة هو عنوان التفقّه وعلیه فلاتشمل الآیة فیما أنذر الرّاوی بعنوان أنّه أحد من الرّواة فتختصّ الآیة بحجّیّة فتوی الفقیه للعامی ولا دلالة لها علی حجّیّة خبر العامی مع أنّ الکلام فیها.

مندفعة بأنّ المراد منه من عنوان التفقّه فی المقام لیس هو عنوان التفقّه الإصطلاحی بل المراد منه هو التفقه بمعناه اللغوی و هو الفهم و العلم و هو معلوم الحصول باستماع الرّوایات مع المعرفة بمفادها و إن کانت المعرفة مشکّکة و تختلف الرّواة فیها بحسب اختلاف استعداداتهم فإذا کان إخبار العادل فی المنذرات حجّة یتعدّی منها إلی غیرها بإلغاء الخصوصیّة.

لایقال: إنّ الآیة تکون فی مقام النّهی عن النّفر العام کما یشهد له صدر الآیة أعنی قوله تعالی:(وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً) لاإیجاب النّفر للبعض حتّی یترتّب

ص:72

علیه وجوب التحّذر فالحثّ علی لزوم التنجّزیّة و عدم النّفر العام لاعلی نفر طائفة من کل فرقة للتفقّه.

لأنّا نقول: إنّ هذا المعنی أی النّهی عن النّفر العامّ للجهاد متفرّع علی أنّ الآیة واردة فی النّفر للجهاد وقد عرفت أنّه لامعین لذلک و مجرّد کون السورة والآیات السابقة و اللاحقة مرتبطة بالجهاد لایکفی فی تعیین هذا المعنی بل لعلّ وجه ذکر هذه الآیة فی هذا الموضع هو تنبیه المسلمین بلزوم تعلّم أحکام الجهاد.

و لیس فی المقام روایة صحیحة تدلّ علی أنّ النفر للجهاد بل الشواهد الدّاخلیة فی نفس الآیة لاتساعد ذلک إذ الضمیر فی قوله لیتفقّهوا یرجع إلی النّافرین المذکورین فی الصّدر فهو شاهد علی أنّ المراد من الصّدر هو النّفر للتّفقّه هذا مضافاً إلی أنّ لازم ذلک هو أن یکون المراد من قوله عزّوجلّ بعد الصّدر (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) هو النّفر للجهاد لاللتّفقّه و مقتضاه هو رجوع الضّمیر فی قوله لیتفقّهوا و لینذورا قومهم إلی الفرقة الباقیة فی المدینة مع النبیّ صلی الله علیه و آله و سلّم فیدلّ علی وجوب تعلّم الفقه و الأحکام علیهم علی وجوب إنذارهم النّافرین بعد رجوعهم ببیان ماتعلّموا من النبی صلی الله علیه و آله و سلّم فی غیابهم وهو خلاف الظّاهر فإنّ الطائفة أقرب بالضمیر من الفرقة ومقتضاة هو رجوع الضّمیر إلی طّائفة النّافرة للتفقّه کما أنّ ارجاع الضمیر إلی الفرقة النّافرة للجهاد و إرادة الشهود من التّفقّه بالنّسبة إلی مارأوه فی سفر الجهاد من الغلبة والنصرة وبعض التعلیمات النازلة حال الحرب خلاف ظاهر إطلاق التّفقّه فی الدین فإنّه أنسب بالرجوع إلی الفرقة النّافرة للتّفقه و التّفقه المطلقة لایحصل بتمامه و کماله فی النفر للجهاد وإن لم یخل النفر للجهاد عن تعلّم بعض الأحکام کما لایخفی.

ص:73

فتحصّل: أنّ النّفر واجب للتّعلم و التفقّه و صدر الآیة الکریمة إخبار عن عدم تمکّن جمیع المؤمنین من النّفر للتفقّه فمع عدم تمکّنهم للنفر المذکور أوجبه الله سبحانه و تعالی علی کلّ طائفة من کلّ فرقة بنحو الوجوب الکفائی لیتفقّهوا ولینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم وتحذّر قومهم بمجرّد إنذارهم من دون توقّف علی شیء آخر من العلم وهذا مساوق لحجّیّة قول المنذر.

لایقال: إنّه لو کان مفاد الآیة وجوب الحذر عند الشکّ لایکون دلیلاً علی حجّیّة قول المنذر لأنّ الحذر واجب فی الشّبهة قبل الفحص بحکم العقل فقول المنذر إنّما ینتج فی إبداء الاحتمال و بمجرّد ذلک یجب علی المکلّف إمّا الاحتیاط أو تعلّم الحکم و بعبارة اخری کلّ من الخوف والحذر العملی واجب عند الشکّ قبل الفحص ولو لم یکن قول المنذر حجّة شرعاً کما دلّ علیه أخبار عدیدة مذکورة فی محالها.

لأنّا نقول: إنّ الإشکال المذکور جار فی کلّ أمارة فإنّ الاجتناب عن فعل محتمل الحرمة أو ترک محتمل الوجوب قبل الفحص واجب ومع ذلک أفادت أدلّة الاعتبار حجّیّة الأمارات وخاصیة الأمارات تظهر بعد الفحص فإنّها إذا دلّت علی حرمة شیء أو وجوب شیء وجب اتّباعها ولو بعد الفحص فلایکون اعتبارها لغواً إذ بعد الفحص لایحکم العقل بوجوب الاحتیاط ومفاد الأمارات هو وجوب الاتّباع عنها و أمّا دعوی أنّ ظاهر الآیات مدخلیّة کون النافرین جماعة فی وجوب النفر و وجوب الإنذار والحذر وحیث یحتمل دخالة تلک الخصوصیة فی الحکم واقعاً للمناسبة المذکورة لایمکن رفع الید عنه فلاطریق حینئذٍ إلی استظهار کون الجمع ملحوظاً بنحو الاستغراق و علی هذا کانت الآیة أجنبیة عن المدعی و لاترتبط بإثبات حجّیّة قول المنذر عند الشکّ فی قوله هل هو حکم الله الواقعی أو لابل إنّما کان مفادها

ص:74

وجوب نفر جماعة لیتعلّموا أحکام الله الواقعیّة فینذروا قومهم بها لعلّهم یحذرون من عقاب مخالفة تلک الأحکام أو یحذرون عملاً بإتیان واجب الدین و ترک محرمه و أین ذلک بما نحن بصدده فهی محل نظر لأنّ لازم اعتبار الجماعة هو عدم وجوب الإنذار إذا نفر جماعة وتفقّهوا ثمّ عرض لهم الموت وبقی واحد منهم وهو ممّا لایلتزم به أحد هذا مضافاً إلی أنّ مقام التعلّم والإنذار قرینة علی أنّ المراد من کلّ طائفة هو الاستغراق لاالمجموع والجماعة إذ التعلّم و التعلیم و الإنذار لایتقیّدان بالجمیع و الجماعة کما لایخفی.

ومنها - أی من الآیات التی استدلّ بها لحجّیّة المخبر آیة الکتمان وهی قوله تعالی:(إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدی مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ) .

بتقریب أنّ حرمة الکتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار وإلّا لزم لغویّة تحریم الکتمان ووجوب الإظهار.

اورد علیه أوّلاً: بأنّ موردها ماکان فیه مقتضی القبول لولا الکتمان لقوله عزّوجلّ:(مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتابِ) فالکتمان حرام فی قبال الواضح و الظّاهر علی حاله کما یشهد له سوق الآیة المبارکة فإنّه فی اصول الدین والعقائد ردّاً علی أهل الکتاب حیث أخفوا شواهد النّبوّة والبیّنات لافی قبال الإظهار والملازمة المذکورة بین حرمة الکتمان و وجوب القبول عند الإظهار لا مورد لها فی المقام إذلا إظهار فیه نعم تجدی الملازمة المذکورة فی مثل قوله تبارک وتعالی:(أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِی أَرْحامِهِنَّ) فإنّ الإظهار فیه متصوّر فمورد الآیة أجنبیة عن المقام.

ص:75

وثانیاً: بأنّ الآیة الکریمة لاتتعرّض لبیان حرمة الکتمان حتّی یؤخذ بإطلاقها لأنّها فی مقام بیان ترتّب بعض آثار الکتمان من اللعنة.

ومنها - بأنّ من الآیات التی استدلّ بحجّیّة الخبر - قوله تعالی:(وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَیِّناتِ وَ الزُّبُرِ) .

بدعوی أنّ وجوب السّؤال یستلزم وجوب القبول و إلّا لکان وجوب السّؤال لغواً و إذا وجب قبول الجواب وجب قبول کلّ مایصحّ أن یسأل عنه و یقع جوابا له لعدم مدخلیّة المسبوقیّة بالسؤال فکما أنّ جواب الرّاوی حین السؤال واجب القبول فکذلک قوله ابتداء بأنّی سمعت الامام یقول کذا واجب القبول والاتّباع.

أورد علیه أوّلاً: بأنّ المراد من أهل الذّکر بمقتضی السیاق علماء أهل الکتاب و علیه فالآیة أجنبیة عن حجّیّة الخبر.

اجیب عنه بأنّ العبرة بعموم الوارد لاخصوصیة المورد وتطبیق أهل الذکر علی علماء أهل الکتاب من باب تطبیق الکلّی علی بعض مصادیقه ولیس من باب استعمال الکلّی فی الفرد وعلیه فلامنافاة بین کون المورد علماء أهل الکتاب وعدم اختصاص الوارد به.

ویشهد للکلّیّة المذکورة تطبیق الآیة الکریمة علی الأئمّة المعصومین علیهم السّلام کما أنّ الآیة لاتختصّ بالأئمّة علیهم السّلام لمنافاته مع مورد الآیة و هو علماء أهل الکتاب فلیس ذلک إلّا لکلّیة الوارد.

هذا مضافاً إلی أنّه لو اختص الآیة الکریمة بالسؤال عن أهل الکتاب لزم وجوب قبول قول أهل الکتاب دون غیره ممّن أقرّ بالشهادتین وهو ممنوع إذ لایحتمل ذلک کما لایخفی.

ص:76

نعم یشکل الاستدلال بالآیة الکریمة من ناحیة أنّه لاأمر بالجواب فی الآیة حتّی یؤخذ بإطلاقه لصورة عدم إفادة العلم کما فی إیجاب الإنذار و حرمة الکتمان وعلیه فالمراد من الآیة هو إیجاب السّؤال إلی أن یحصل العلم بالجواب ولو بجواب جماعة ولا دلالة للآیة علی حصول العلم بالجواب الأوّل حتّی یکون ذلک علماً تعبّداً.

و أمّا ماقیل من أنّ عنوان أهل الذّکر والعلم لایطلق علی الرّواة بما هم رواة مع أنّ لصدق هذا العنوان مدخلیة فی الحکم ففیه أنّ عنوان أهل الذکر و الاطلاّع من العناوین المشکّکة و یصدق علی الرّواة أیضاً باعتبار معرفتهم بالحلال و الحرام ولو من دون إعمال نظر ورأی فتحصّل أنّ الاستدلال بالآیة الکریمة علی وجوب التعبّد بقول العادل مشکل.

وأمّا الأخبار فبطوائف:

الطائفة الأولی:

هی الّتی وردت فی الخبرین المتعارضین ودلّت علی الأخذ بالأعدل و الأصدق والمشهور و التخییر عند التّساوی مثل مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصّادق علیه السّلام حیث قال الحکم ماحکم به أعلمهما و أفقههما و أصدقهما فی الحدیث و أورعهما ولایلتفت إلی مایحکم به الآخر قال فقلت فإنّهما عدلان مرضیّان عند أصحابنا لایفضل واحد منهما علی صاحبه قال فقال ینظر إلی ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لاریب فیه... إلی أن قال فإن کان الخبران عنکم مشهوران قد رواهما الثّقات عنکم قال ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب والسّنة و خالف العامّة فیؤخذ به الحدیث.

ص:77

و موردها وإن کان فی الحکمین إلّا أنّ ملاحظة جمیع الرّوایة تشهد علی أنّ المراد بیان المرجح للروایتین اللتین استند إلیهما الحاکمان.

ثمّ إنّ هذا الخبر باعتبار قوله خذ بأعدلهما ظاهر فی اعتبار العدالة فی التعبّد بالخبر أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ قوله فی الذیل فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم... إلخ یشهد علی أنّ الملاک فی حجّیّة الخبر هو نقل الثقات والأعدلیة ملاک ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر.

ثمّ إنّ مع التعارض لاوثوق بالصّدور و مع ذلک دلّت المقبولة علی أنّ الخبر لایکون بالتعارض ساقطاً التعبّد بالخبر.

و إلّا فمع التّعارض لایحصل الوثوق فی الصّدور فی الراجح بمجرّد الأفضلیة فی صفات الرّاوی أو المطابقة مع الکتاب أو المخالفة مع العامّة و مع عدم الوثوق بالصّدور لابناء من العقلاء وإن کان النّاقل عدلاً أو ثقة بل یحکمون بالتّساقط.

ونحو هذه الروایة مرفوعة زرارة قال یأتی عنکم الخبران أو الحدیثان المتعارضان فبأیّهما نأخذ؟ قال علیه السّلام یازرارة خذ بما اشتهر بین أصحابک ودع الشّاذ النّادر قلت یاسیّدی إنّهما معاً مشهوران مرویان مأثوران عنکم فقال خذ بأعدلهما عندک وأوثقهما فی نفسک فقلت إنّهما معاً عدلان مرضیّان موثّقان فقال علیه السّلام انظر ماوافق منهما مذهب العامّة فاترکه وخذ بما خالفهم قلت ربّما کانا معاً موافقین لهم أو مخالفین کیف أصنع؟ فقال: إذن فخذ بما فیه الحائطة لدینک واترک ماخالف الإحتیاط فقلت إنّهما معاً موافقان للاحتیاط أو مخالفان له فکیف أصنع؟ فقال علیه السّلام إذن فتخیّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر.

فإنّها مثل المقبولة فی الدّلالة علی أنّ الخبر لایکون ساقطاً عند التّعارض بل یقدّم الراجح من حیث الصفات و سایر المرجّحات و مع عدم الرجحان فالحکم هو التخییر وقد عرفت أنّ هذا هو حجّیّة تعبّدیّة و لیس من باب بناء العقلاء.

ص:78

اورد علیه بأنّه لاإطلاق لهذه الطّائفة من الأخبار لأنّ السؤال عن الخبرین المتعارضین اللذین فرض السّائل کلّ واحد منهما حجّة یتعیّن العمل به لولا التّعارض و لا نظر للسّائل بالنّسبة إلی اعتبار خبر کلّ عدل أو ثقة بل نظره إلی حجّیّة الخبر فی حال التّعارض.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ هذه الأخبار ظاهرة الدّلالة علی مفروغیّة حجّیّة خبر الواحد فی نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض وإلّا لما سألوا عن صورة تعارضها لأنّ هذا السؤال مناسب مع حجّیّة الخبر فی نفسه وإنّما أُشکل الأمر من جهة المعارضة فسألوا عن حکمهما عند التّعارض.

ودعوی: أنّ التّعارض کما یوجد فی الخبرین غیر المقطوعین کذلک ربّما یوجد فی المتواترین أو المحفوفین بما یوجب القطع بصدورهما وعلیه فصرف بیان العلاج لایدلّ علی حجّیّة الخبر الذی لم یقطع بصدوره.

مندفعة بأنّ وقوع المعارضة بین مقطوعی الصّدور بعید جدّاً هذا مضافاً إلی أنّ الظّاهر من مثل قوله (یأتی عنکم خبران متعارضان) کون السّؤال عن مشکوکی الصّدور فإذا لم یکن المراد من الأخبار العلاجیة مقطوعی الصّدور تکشف الأخبار العلاجیة عن مفروغیّة حجّیّة خبر العادل عند عدم المعارضة.

نعم یشکل التمسّک بهذه الأخبار لحجّیّة خبر الثّقة بعد اعتبار الأعدلیّة فإنّ المستفاد منه أنّ المعتبر فی حجّیّة الخبر هو کون الرّاوی عدلاً حتّی یجعل الأعدلیّة مرجّحة بینهما.

أللّهمّ إلّا أن یقال: یکفی قوله فی المقبولة «فإن کان الخبران عنکم مشهوران قد رواهما الثّقات عنکم... الحدیث» للدّلالة علی أنّ المعتبر هو کو ن الرّاوی ثقة و البحث فی هذا المقام مع قطع النظر عن سائر الأخبار الدالّة علی حجّیّة خبر الثّقة.

ص:79

الطائفة الثانیة:

هی التی تدلّ علی إرجاع آحاد الرّواة إلی أشخاص معینین من ثقات الرّواة مثل قوله علیه السّلام: إذا أردت الحدیث فعلیک بهذا الجالس مشیراً إلی زرارة ولکن هذه الرّوایة لاتصلح للاستدلال لاحتمال أن یکون المعتبر هو العدالة و أرجع الرّاوی إلیه لکونه عدلاً.

و قوله علیه السّلام: نعم فی موثقة الحسن بن علی بن یقطین بعدما قال الرّاوی أفیُونس بن عبدالرحمن ثقة نأخذ معالم دیننا عنه.

فإنّ الظّاهر منه أنّ قبول قول الثّقة مفروغ عنه بین السّائل والمسؤل عنه وإنّما الرّاوی سئل عن کون یونس ثقة لیترتّب علیه آثار ذلک وعدمه.

وقوله علیه السّلام فی صحیحة أحمد بن اسحاق «العمری ثقتی فما أدّی إلیک عنّی فعنّی یؤدّی وما قال لک عنّی فعنّی یقول فاسمع له وأطع فإنّه الثّقة المأمون».

إذ مقتضی التّعلیل أنّ المعیار هو کون الرّاوی ثقة ومأموناً لأنّ المراد بالثّقة هو الثّقة عند النّاس ولذا قال الشّیخ الأعظم بعد نقل الأخبار المذکورة وغیرها وهذه الطّائفة أیضاً مشترکة مع الطّائفة الأولی فی الدلالة علی اعتبار خبر الثّقة المأمون.

اورد علیه بأنّ المراد من الثقات فی هذه الإرجاعات هم الأشخاص الذین لایکذبون لکونهم علی مرتبة عظیمة من التّقوی والجلالة حتّی وثق به الإمام علیه السّلام فهذه الأخبار لاتدلّ علی حجّیّة خبر کلّ ثقة بل تدلّ علی حجّیّة خبر ثقات أهل البیت و هم العدول.

ویمکن الجواب بأنّه نعم ولکن یکفی ماورد فی مثل یونس بعد سؤال الرّاوی عن کون یونس ثقة منه علیه السّلام نعم فی موثّقة الحسن بن علی بن یقطین للدلالة علی کفایة الوثوق عند النّاس.

ص:80

وحمل الثّقة فی هذه الرّوایة علی غیر الصّدق المخبری و إرادة کونه مورد الإطمئنان لأخذ الآراء بقرینة أنّ یونس من الفقهاء بعید والظّاهر منه هو الثّقة عند النّاس وهو الصادق فی إخباره بل لعلّه الظّاهر من التعلیل الوارد فی صحیحة أحمد بن إسحاق فی مورد العمری وهو قوله فإنّ الثّقة المأمون.

الطائفة الثالثة:

هی الأخبار الدالّة علی وجوب الرّجوع إلی الرّواة والثّقات والعلماء علی وجه یظهر منها عدم الفرق بین روایتهم وفتاویهم فی وجوب الرّجوع إلیهم والأخذ منهم.

مثل قول الحجّة عجّل الله تعالی فرجه لإسحاق بن یعقوب: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا إلی رواة حدیثنا فإنّهم حجّتی علیکم و أنا حجّة الله.

بدعوی أنّ ظاهر الصدر و إن کان هو الاختصاص بالرّجوع إلیهم فی أخذ حکم الوقائع وفتاویهم ولکن عموم التّعلیل بأنّهم حجتی یقتضی قبول روایاتهم أیضاً لأنّ التعلیل معمّم أللّهمّ إلّا أن یقال: جعل الحجّیّة للأخصّ وهو الرواة المجتهدون لایدلّ علی جعل الحجّیّة لمطلق الرّواة فهو أخصّ من المدّعی.

و مثل الرّوایة المحکیة فی العدّة عن الصّادق علیه السّلام إذا نزلت بکم حادثة لاتجدون حکمها فیما روی عنّا فانظروا إلی مارووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به واعتمد الشیخ علیها و صرّح باعتماد الأصحاب علیها.

دلّت هذه الرّوایة علی جواز أخذ روایات الثّقات ولو من العامّة فیما إذا لم یکن معارض لروایات الثّقات من العامّة فی روایاتنا.

و مثل مارواه فی الاحتجاج عن تفسیر الإمام العسکری علیه السّلام... فأمّا من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظاً لدینه مخالفاً علی هواه مطیعاً لأمر مولاه فللعوام أن یقلّدوه و ذلک لایکون إلّا بعض فقهاء الشّیعة لاکلّهم.

ص:81

فأمّا من رکب من القبائح و الفواحش مراکب علماء العامّة فلاتقبلوا منهما عنّا شیئاً و لاکرامة و إنما کثر التخلیط فیما یتحمّل عنها أهل البیت لذلک لأنّ الفسقة یتحمّلون عنّا فیحرّفونه بأسره لجهلهم ویضحون الأشیاء علی غیر وجوهها لقلّة معرفتهم وآخرون یتعمّدون الکذب علینا لیجرّوا من عرض الدنیا ماهو زادهم إلی نار جهنّم.

والمستفاد من مجموع الرّوایة أنّ المناط فی تصدیق الرواة والفقهاء هو التحرّز عن الفسق والکذب وإن کان ظاهر بعض فقراته هو اعتبار العدالة بل مافی فوقها ولکن العبرة بالمستفاد من مجموع الرّوایة و مثل ماعن أبی الحسن الثّالث علیه السّلام فیما کتبه جواباً عن سؤال أحمد بن حاتم بن ماهویة و أخیه عمّن آخذ معالم دینی؟

فهمت ماذکرتما فی دینکما علی کل مسنّ فی حبّنا و کل کثیر القدم فی أمرنا فإنّهما کافیکما إن شاء الله تعالی. ولکن عنوان مسنّ فی حبّنا وکثیر القدم فی أمرنا غیر عنوان الثّقة فلایشمل ماإذا لم یکن الثّقة واجداً لهذا العنوان ومثل قوله علیه السّلام لاتأخذن معالم دینک من غیر شیعتنا فإنّک إن تعدیتهم أخذت دینک من الخائنین الذین خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم إنّهم استئمنوا علی کتاب الله فحرّفوه وبدّلوه... الحدیث.

و الظّاهر منه وإن کان هو الفتوی ولکن الإنصاف شموله للروایة والمراد هو المنع عن قبول روایات غیر الثقات منهم جمعاً بینه و بین ما أفاده الشّیخ الطوسی قدّس سرّه فی العدّة و نقلناه آنفاً.

و مثل ما عن الإمام العسکری علیه السّلام بالنّسبة إلی کتب بنی فضال حیث قالوا ما نصنع بکتبهم وبیوتنا منها ملاء قال خذوا بما رووا وذروا مارأوا.

فإنّ المستفاد منه هو جواز أخذ الرّوایة منهم إذا کانوا من الثّقات.

ص:82

ومثل قوله علیه السّلام حدیث واحد فی حلال و حرام تأخذوه من صادق «یأخذه صادق عن صادق» خیر لک من الدنیا و ما فیها من ذهب و فضّة. بناء علی أنّ المراد من الصّادق هو الصدق المخبری.

و مثل ماورد فی التوقیع لاعذر لأحد من موالینا فی التشکیک فیما یرویه ثقاتنا قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرنا ونحمله إیّاه إلیهم.

ولکنّه أخصّ من المدّعی لأنّ ثقاتنا أخصّ من عنوان الثّقة ولو عند النّاس هذا مضافاً إلی توصیف الثّقة بکونها من أهل السّرّ.

الطائفة الرابعة:

هی الأخبار الدالّة علی جواز العمل بخبر الواحد کالنّبوی المستفیض بل المتواتر من حفظ من أمتی أربعین حدیثاً ممّا یحتاجون إلیه من أمر دینهم بعثه الله فقیهاً عالماً.

بدعوی أنّ دلالة هذا الخبر علی حجّیّة خبر الواحد لایقصر عن دلالة آیة النفر ولکنّه لایخلو عن إشکال وهو أنّه لاملازمة بین النّقل والقبول تعبّداً لاحتمال أن یکون القبول مشروطاً بحصول العلم أو الإطمئنان أو اتّصاف الرّاوی بوصف العدالة.

و کقوله علیه السّلام اکتب و بثّ علمک فی إخوانک فإن متّ فاُورث (فورث) کتبک بنیک فإنّه یأتی علی النّاس زمان حرج لایأنسون (فیه) إلّا بکتبهم.

وجه الدلالة واضح فإنّ مورد التّوصیة هو کتابة الواحد هذا مضافاً إلی التعبیر عنه بالبثّ بالعلم وأنّه إرث وموجب للأنس به و کلّ ذلک ینادی بحجّیّة خبر الواحد وکقوله علیه السّلام ستکثر بعدی القالة وإنّ من کذب علیّ فلیتبوّء مقعده من النار.

بدعوی أنّ بناء المسلمین لو کان علی الاقتصار علی المتواترات لم یکثر القالة و الکذابة إذ الاحتفاف بالقرینة القطعیّة فی غایة القلّة.

ص:83

و بالجملة یستفاد من مجموع هذه الأخبار القطع برضا الأئمّة علیهم السّلام بالعمل بالخبر الواحد و إن لم یفد القطع ثمّ إنّ هذه الأخبار کثیرة إلی حدّ ادّعی فی الوسائل تواترها.

ولکن القدر المتیقّن منها هو خبر الثّقة الذی یضعف فیه احتمال الکذب علی وجه لایعتنی به العقلاء ویقبحون التوقّف فیه لأجل هذا الإحتمال کما دلّ علیه لفظ الثّقة والمأمون و الصّادق و غیرها الواردة فی الأخبار المتقدّمة و هی أیضاً منصرف إطلاق غیرها.

بل ولو لم یکن الأخبار متواترة بالاصطلاح کفی کونها مفیدة للاطمئنان بحجّیّة خبر الثّقة ولو لم یکن عادلاً هذا.

وأمّا العدالة فأکثر الأخبار المتقدّمة خالیة عن اعتبارها بل فی کثیر منها التّصریح بخلافه مثل مارواه الشیخ فی کتاب العدّة فی الأخذ بما روته الثقات عن علی علیه السّلام. ولو من رواة العامّة وما ورد فی کتب بنی فضال، ومثل عموم التعلیل فی صحیحة أحمد بن اسحاق لقبول روایة العمری بأنّه الثّقة المأمون فإنّه یفید الکبری الکلّی و هی أنّ کلّ ثقة مأمون یسمع له و تطبیق هذه الکبری علی مثل العمری الذی کان فی مرتبة عالیة من الوثاقة و الجلالة لاینافی کون المعیار هو إفادة الوثوق بالمخبر ولا دخالة لما زاد علیه من المراتب العالیة لأنّ مازاد من خصوصیّات المورد کما لایخفی و غیر ذلک من الأخبار.

وأمّا ما یظهر من الأخبار من حصر الذی یعتمد علیه فی أخذ معالم الدین فی طائفة الشیعة فهو بالنّسبة إلی غیر الثّقة من العامّة فالحصر اضافی ویکون بالنّسبة إلی غیر ثقاتهم فلاینافی مادلّ علی جواز الأخذ من ثقاتهم فیما إذا لم یعارضه ماوصل إلینا من طرقنا.

ص:84

هذا مضافاً إلی أنّ بناء العامّة علی العمل بخبر الواحد کان ذلک بمرأی ومسمع الأئمّة علیهم السّلام و مع ذلک لم یردعوا عنه کما دلّ علیه روایات:

منها مرسلة داود بن فرقد حیث قال الإمام الصادق علیه السّلام لإبن أبی لیلی فبأیّ شیء تقضی قال بما بلغنی عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وعن علی و عن أبی بکر وعمر قال فبلغک عن رسول صلی الله علیه و آله و سلّم أنّ علیاً أقضاکم قال نعم قال فکیف تقضی بغیر قضاء علی وقد بلغک هذا... الحدیث.

بدعوی أنّ قول ابن أبی لیلی بما بلغنی یدل علی أنّ مراده منه البلوغ بنحو الخبر الواحد لقلّة التواتر جدّاً ولم یردعه الإمام علیه السّلام عن ذلک بل شبّهه بخبر آخر وصل إلیه.

نعم یمکن الإشکال فیه بأنّه لاإطلاق له حیث إنّه فی مقام بیان لزوم القضاء بقضاء علی علیه السّلام إلّا أنّ احتمال اشتراط العلم فی البلوغ فی أخبار العامّة بعید جدّاً بناء الأصحاب أیضاً علی ذلک کما یدلّ علیه الأخبار فمنها مرسلة شبیب و أبی جمیلة البصری و موثّقة إسحاق بن عمّار و خبر علی بن حدید و خبر معمّر بن خلاّد وصحیحة زرارة وخبر سلیم بن قیس وغیر ذلک من الأخبار الحاکیة علی أنّ أصحابنا آخذون بخبر الواحد الثّقة ودعوی کون المتیقّن من الرّوایات هو اعتبار خبر العدل لاالثّقة کما یشهد له الارجاع إلی الأعدل فی المتعارضین فإنّه حاک عن کون کلّ طرف من أطراف التعارض عدلاً هذا مضافاً إلی اعتبار عنوان (ثقاتنا) و عنوان (مرضیان) وعنوان (حجّتی) وعنوان (من کان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدینه مخالفاً علی هواه مطیعاً لأمر مولاه) وعنوان (کلّ مسنّ فی حبّنا) و عنوان (کل کثیر القدم فی أمرنا) فإنّها ظاهرة فی اعتبار العدالة وفوقها.

ص:85

مندفعة بأنّ اعتبار هذه العناوین لیس من جهة دخالتها فی حجّیّة الرّوایة بل من باب خصوصیّة مورد السّؤال أو من باب علاج الأخبار المتعارضة.

والشاهد علی ذلک عدم اعتبار الأصحاب فی الأخذ بالرّوایات أن یکون الرّاوی من أصحاب السّر أو ممّن یرضی عنه الأئمّة علیهم السّلام أو أن یکون الرّاوی من الشیعة کما صرّح بذلک الشّیخ الطّوسی فی العدّة حیث قال: إنّ الطائفة عملت بما رواه حفص بن غیاث وغیاث بن کلوب ونوح بن درّاج والسکونی وغیره من العامة الذین ینقلون الأخبار عن أئمّتنا علیهم السّلام فالمعیار فی جواز الأخذ هو الوثوق بالناقل ولو کان عامّیاً.

نعم یتقدّم روایة الشّیعی الثّقة علی روایة العامّی الثّقة عند التّعارض کما رواه فی العدّة عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: إذا نزلت بکم حادثة لاتجدون حکمها فیما روی عنّا فانظروا إلی مارووه (ای ماروته العامّة) عن علی علیه السّلام فاعملوا به.

فتحصّل: أنّ مقتضی امعان النّظر فی الأخبار هو حجّیّة خبر الثّقات فلامجازفة فی دعوی تواترها بالتّواتر المعنوی بالنّسبة إلی حجّیّة خبر الثّقات ذهب فی الکفایة إلی أنّ التّواتر فی المقام إجمالی لأنّها غیر تنقصر علی لفظ أو علی معنی حتّی تکون متواترة لفظاً أو معنی.

و معنی التواتر الإجمالی هو العلم بصدور بعضها منهم و قضیّته و إن کانت حجّیّة خبر دلّ علی حجّیّة أخصّها مضموناً إلّا أنّه یتعدّی عنه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیّة و قد دلّ علی حجّیّة ما کان أعمّ.

وقد عرفت کفایة الأخبار المذکورة فی إثبات التّواتر المعنوی هذا مضافاً إلی أنّ المستفاد من بعضها أنّ خبر الثّقة مفروغ الحجّیّة عند السائل و المسؤول عنه و أیضاً سیرة الأصحاب علی العمل بخبر الثقات ولو کان المخبر من العامّة أو الذین أخطأوا فی اعتقاداتهم من فرق الشّیعة.

ص:86

ثمّ إنّ الأخبار التی دلّت علی اعتبار الأعدلیة لاتعارض مع الأخبار المذکورة لأنّها فی مقام ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر فلاوجه لجعلها من أدلّة اعتبار العدالة فی حجّیّة الخبر هذا مضافاً إلی دلالة قوله فی المقبولة: (فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم...) علی أنّ الملاک فی حجّیّة خبر الواحد هو کون الرّاوی ثقة کما انّه لاوجه لجعل الأّخبار الواردة فی موارد العدول من الأخبار المعارضة بعد کونها معلّلة بکون الملاک فی اعتبار أخبارهم هو کونهم من الثّقات المأمونین فلاتغفل.

و ینقدح ممّا ذکرنا أنّه لاوجه للقول بتعارض الأخبار وإنّ النّسبة بینها من العموم من وجه والأخذ بالقدر المتیقّن منها وهو الجامع للعدالة والوثاقة کما ذهب إلیه فی مصباح الاُصول وذلک لما عرفت من أنّ مقتضی الإمعان فی الرّوایات أنّها غیر متعارضة و لامنافاة فیها حتّی تأخذ بالأخص مضموناً و الأظهر هو ماذهب إلیه الشّیخ الأعظم قدّس سرّه من ثبوت التّواتر المعنوی علی اعتبار خبر الثّقة المأمون.

وعلیه فدعوی منع التّواتر المعنوی و الأخذ بالتّواتر الإجمالی و الأخذ بالخبر الصحیح الأعلائی والاستدلال به لحجّیّة خبر کلّ ثقة المأمون تبعید المسافة من دون موجب.

ثمّ إنّ الظّاهر هو من محکیّ المحقّق النائینی قدّس سرّه إنکار التّواتر الإجمالی بدعوی أنّا لو وضعنا الید علی کلّ واحد من تلک الأخبار نراه محتملاً للصدق والکذب فلایکون هناک خبر مقطوع الصّدور.

وفیه أنّ مع تسلیم عدم ثبوت التّواتر المعنوی فلاوجه لإنکار التّواتر الإجمالی وذلک لأنّ احتمال الصّدق والکذب بالنّسبة إلی کلّ فرد لاینافی حصول القطع بصدور الأخصّ مضموناً باعتبار المجموع ألا تری أنّه إذا أخبر النّفرات الکثیرة

ص:87

بدخالة شیء فی صحّة معاملة أو عبادة أو بحدوث أمر مع الاختلاف فی النقل لم نعلم بخصوص کلّ واحد مع قطع النّظر عن أخبار الآخرین ولکن مع ملاحظة أخبار الآخرین نعلم بدخالة الأخصّ مضموناً کما لایخفی فإنّه هو الذی أخبر عنه بخصوصه أو فی ضمن المطلق ففی المقام إذا فرضنا أنّ بعض الأخبار یدلّ علی اعتبار العدالة وبعضها الآخر یدلّ علی اعتبار الثّقة وثالث یدلّ علی اعتبار کونه إمامیاً و فی رابع یدلّ علی اعتبار کونه مأموناً حصل لنا القطع باعتبار الاخصّ مضموناً و هو خبر الثّقة العدل الإمامی المأمون بملاحظة مجموع الأخبار و إن لم نقطع باعتبار کلّ واحد واحد فلامجال لإنکار التواتر الإجمالی و مقتضاه هو الالتزام بحجّیّة الأخصّ منها المشتمل علی جمیع الخصوصیّات المذکورة فی هذه الأخبار.

إلّا أنّ الذی یقتضی الإنصاف هو عدم وجود خبر یدلّ علی اعتبار کون الرّاوی إمامیاً وعدم وجود خبر یدلّ علی اعتبار العدالة لأنّ ما یستدلّ به لاعتبارها یکون مورداً بالنّسبة إلی عموم التعلیل أو لاإطلاق له أو یکون مخصوصاً بباب علاج الأخبار المتعارضة و أمّا اعتبار کونه مأموناً فهو ملازم مع کونه ثقة و علیه فلامعارض لإطلاق مایدل علی اعتبار کون الرّاوی ثقة.

و الرّوایات الدالّة علی حجّیّة أخبار الثّقات کثیرة و دعوی تواترها بالتّواتر المعنوی لیست بمجازفة و ممّا ذکرنا یظهر مافی المحکی عن الشهید الصدر من أنّ الرّوایات خمسة عشر روایة و هی عدد لایبلغ حد التّواتر ولکن فی خصوص المقام هناک بعض القرائن الکیفیّة التی قد توجب حصول الإطمئنان الشخصی لصدور بعض هذه الرّوایات و إن فرض التشکیک فی ذلک و عدم حصول اطمئنان شخصی فیکفی الإطمئنان النّوعی بالنّسبة إلی بعض الرّوایات و هی صحیحة الحمیری وهی

ص:88

القدر المتیقّن من السّیرة العقلائیة وذلک لأنّ الرّوایات لاتنحصر فی خمسة عشر روایة بل تزید علیها بکثرة و علیه فلاوجه لإنکار التواتر رأساً و الاعتماد علی الظنّ الشخصی الاطمئنانی لأنّ مجموع الأخبار یکون بحدّ یحصل القطع بأنّ الثقات حجّة بل التعلیلات الواردة فی الأخبار تشرح الأخبار الاُخری الّتی لم تعلم منها أنّ المعیار هو العدالة أو الوثاقة کما لایخفی.

التنبیهات:

التنبیه الأوّل:

أنّ اعتبار الأخبار من باب التعبّد لاالإرشاد إلی بناء العقلاء و اعتبار الوثوق والإطمئنان النّوعی بمؤدّاه ولذا یجوز الأخذ بإطلاق الأخبار ولو لم یثبت إطلاق البناء.

و الشاهد لذلک وقوع التعبّد بالرّاجح من المتعارضین عند ترجیح أحدهما بإحدی المرجّحات مع أنّ المرجّحات المذکورة فی الأخبار لاتوجب الإطمئنان النوعی بالمؤدّی أو وقوع التعبّد بالتخییر عند عدم وجود المرجّحات مع أنّ البناء حینئذٍ علی التساقط.

و هکذا یعتضد ذلک أیضاً بوقوع التعبّد بالأخبار ولو مع کثرة الوسائط مع أنّه لایحصل الإطمئنان أحیاناً بسبب کثرة الوسائط أو بوقوع التعبّد بتقدیم أخبار ثقات الشّیعة علی أخبار ثقات العامّة عند اختلافهما مع أنّه لافرق بینهما عند العقلاء کما لایخفی.

کلّ ذلک شاهد علی أنّ اعتبار الأخبار من باب الإمضاءات التعبّدیّة لاالإرشاد المحض إلی بناء العقلاء.

إنّا لانقول لا بناء من العقلاء علی اعتبار أخبار الثّقات بل نقول لاوجه لحمل أدّلة اعتبار الأخبار علی الإرشاد بل هی تفید التعبّد بالأخبار والمستفاد منها هو

ص:89

الأعم ممّا علیه بناء العقلاء وممّا ذکر ینقدح أنّه لاوجه لحمل سیرة المسلمین أیضاً علی السّیرة العقلائیّة.

التنبیه الثانی:

أنّ ممّا استدلّ به لحجّیّة أخبار الثّقات هو استقرار سیرة المسلمین علی استفادة الأحکام الشّرعیّة من أخبار الثّقات المتوسّطة بینهم و بین المعصوم علیه السّلام أو المجتهد و لایعتنون باحتمال الخلاف.

اورد علیه أوّلاً: بأنّه کیف یجتمع استقرار السّیرة المذکورة مع اختلاف جماعة من العلماء مثل السیّد و القاضی و ابن زهرة و الطّبرسی و ابن إدریس فی جواز العمل بمطلق الخبر فإنّ هؤلاء العلماء و مقلّدیهم یخالفون فی العمل و مع مخالفتهم لامجال لدعوی قیام سیرة المسلمین علی العمل بالخبر الواحد.

أللّهمّ إلّا أن یقال: ما من سیرة إلّا تخالفها جماعة ألا تری أنّ السّیرة علی رجوع الجاهل إلی العالم ومن ذلک خالف فیه الأخباریّون فالملاک فی تحقّق السّیرة هو قیام غالب النّاس بحیث یکشف عن رأی الشّارع و هو حاصل و إن خالفها جماعة فتدبّر.

وثانیاً: بأنّه لو سلّم اتّفاقهم علی ذلک لم یحزر أنّهم اتّفقوا بما هم مسلمون أو بما هم عقلاء ولو لم یلتزموا بدین.

ویمکن الجواب عنه: بأنّه لاموجب لإرجاع سیرة المسلمین إلی سیرة العقلاء بعدما نری من الاختلاف بینهما فی جواز العمل وعدمه فی بعض الأحوال کحال کثرة الوسائط أو حال التعارض و ترجیح أحدهما بالصّفات أو بالمخالفة مع العامّة أو بالموافقة مع الکتاب أو التخییر عند عدم المرجّحات فإنّ الاختلاف المزبور یشهد علی أنّ سیرتهم ثابتة بما هم مسلمون لابما هم عقلاء فتدبّر جیّداً.

ص:90

وعلیه فسیرة المسلمین کالأخبار فی إفادة حجّیّة خبر الثقات مطلقاً سواء حصل الإطمئنان النوعی أو لا.

نعم لایبعد تقییدها بما دلّت علیه أخبارنا من تقدیم الثّقة الإمامی علی الثّقة العامی عند المخالفة.

و دعوی اختصاص السّیرة المذکورة بما إذا حصل الإطمئنان بحیث لایعتنی باحتمال الخلاف ممنوعة لوجدان السّیرة المتشرّعة علی نقل الثّقات ولو لم یحصل الاطمئنان النّوعی إذ لادلالة بین کون الرّاوی ثقة و أمیناً و بین الوثوق بصدور ماأخبر به لاحتمال الخطأ والاشتباه وتعمّد الکذب فیما إذا أحرز الوثاقة بقیام البیّنة أو بحسن الحال.

نعم یمکن الدعوی المذکورة فی سیرة العقلاء فإنّها کما أفاد سیّدنا الاُستاذ استقرّت علی العمل بخبر الثّقة من جهة الوثوق به حیث بنقل الثّقة أو العادل تحصیل الوثوق غالب من قوله حیث لایحتمل عرفاً تعمّده للکذب فی شخص هذا الخبر ففی الحقیقة العمل یکون علی طبق الوثوق والإطمئنان.

التنبیه الثالث:

أنّه لایخفی علیک وقوع التعبّد بالخبر الواحد الثّقة بعد ما عرفت من الأخبار الکثیرة الدالّة علی حجّیّة قول الثّقات.

ودعوی أنّ التعبّد فی خبر الثّقة لامجال له لأنّ وثاقة الشخص إمّا تحصل بالجزم بها من طریق المعاشرة أو بشهادة الإمام علیه السّلام بالوثاقة الموجبة للجزم به لعدم احتمال الخطأ فیها وفی مثلها لایتوقّف قبول قول الثّقة علی التعبّد للجزم بصدقه بلا تردّد وحیث إنّ الإرجاعات الواردة فی الأخبار من هذا القبیل فلایستفاد منها التعبّد بل

ص:91

تتکفّل الإرشاد إلی و ثاقته فیترتّب علیها القبول عقلاً للجزم بصدقه لاتعبّداً فما نحتاج إلی التعبّد.

مندفعة بأنّ النصوص لاتنحصر فی النّصوص التی هی إرجاعات المعصوم علیه السّلام وقد عرفت النصوص الدالّة علی تقریر العامّة علی العمل بما روی الثّقات عندهم عن علی علیه السّلام.

کخبر شبیب بن أنس وداود بن فرقد وأیضاً عرفت النّصوص الدالّة علی اعتماد أصحابنا علی نقل الثّقات ولم ینهوا عنه والنّصوص الدالّة علی التوجّه النهی عن أخبار غیر ثقات العامّة هو الخیانة ومقتضاها هو جواز النقل عنهم عند انتفاء الخیانة.

و الأخبار الدالّة علی مفروغیة کون خبر الثّقة فی نفسه حجّة وإنّما السؤال عن حاله عند ابتلائه بالمعارض وإلی غیر ذلک من الرّوایات الدالّة علی حجّیّة خبر الثقات ولو لم نعاشرهم ولم یثبت توثیقهم بسبب قول الإمام المعصوم علیه السّلام هذا مضافاً إلی أنّ بعض الإرجاعات معلّل بعنوان الکلّی من الثّقة المأمون ومن المعلوم أنّ هذا العنوان الکلّی لیس ممّا أخبر عنه الإمام علیه السّلام بوثاقته حتّی لایتوقّف قبوله علی التعبّد لحصول الجزم به.

وأیضاً أنّ الإرجاعات إلی الموثّقین بتوثیق الإمام لایخصّص بمن سمع من الإمام علیه السّلام توثیقه بل الأمر کذلک لمن سمع من الواسطة ومن المعلوم أن بعد وجود الواسطة قد لایحصل القطع والجزم بوثاقة الواسطة ومع عدم الجزم بها یمکن التعبّد.

وبالجملة لامجال لإنکار التعبّد رأساً وجعل الأخبار إرشاداً کما لایخفی.

التنبیه الرابع:

أمّا الوثوق الفعلی بالصدور بمنزلة العلم بالصدور فکما أنّ العلم حجّة عقلاً و لایحتاج إلی الإمضاء فکذلک مایقوم مقامه من الوثوق الفعلی ثمّ إنّ العلم و الوثوق

ص:92

الفعلی لایکون مشمولاً للآیات النّاهیة عن العمل بالظنّ لخروج العلم أو الوثوق الفعلی عنها بالتخصّص.

وعلیه فإذا وثقنا وثوقاً فعلیّاً بصدور خبر ولو کان مرسلاً أو مسنداً بسند ضعیف فالخبر حجّة عقلاً ویصلح للاستشهاد إلیه للوثوق الفعلی.

ولعلّ من هذا الباب اعتماد الأصحاب علی ماروی بسند صحیح عن أصحاب الإجماع لأنّ ذلک یکشف عن احتفاف روایاتهم بقرائن توجب الوثوق الفعلی لهم بصدورها وإن وقع فی الطریق غیر الثّقات أو کان الطّریق مرسلاً أو مرفوعاً.

هذا بناء علی أنّ معنی اجتمعت العصابة علی تصحیح مایصحّ عنهم بمعنی تحقّق الإجماع علی تصحیح المروی لاالرّاوی وحینئذٍ یکون الإجماع کاشفاً عن احتفاف الرّاوی باُمور توجب الوثوق الفعلی بوثاقته.

وأیضاً یمکن أن یکون من هذا الباب اعتماد الأصحاب علی المتون المنقولة فی کتب علی بن بابویة وهدایة الصّدوق ونهایة الشّیخ وغیرهم فإنّهم اطمأنوا بالإطمئنان الفعلی بصدورها بسبب عمل الأصحاب بها وحینئذٍ إن حصل لنا ذلک الاعتماد الفعلی فهو حجّة ولعلّ اعتماد جلّ الأصحاب أو کلّهم مع اختلاف مشاربهم واستعداداتهم حاک عن مقرونیة المتون أو المروی بالقرائن المحسوسة التی تصلح لإیجاد الوثوق والإطمئنان الفعلی لنا أیضاً و إلّا لما أجمعوا علیه مع اختلاف مبانیهم.

التنبیه الخامس:

أنّه لایبعد دعوی أنّ الوثوق النوعی بالصّدور ممّا یصلح للاحتجاج عند العقلاء وإن لم یقرن بالوثوق الفعلی أو لم یکن الرّاوی ثقة وذلک لأنّ الوثوق النوعی طریق عقلائی و لذا یصحّ احتجاج الموالی علی عبیدهم بذلک ودعوی اختصاص الطریق العقلائی بخصوص نقل الثّقات مندفعة لصحیحة الاحتجاج المذکور ألا تری أنّ

ص:93

الإنسان إذا اطمأن بأنّ سفر البحر ورکوب السّفینة لایوجب الغرق لنفسه وماله وحصل له هذا الإطمئنان من أخبار المخبرین یقدم علی هذا السفر مع انّه محتمل مع ذلک للغرق ولکن یعامل معه معاملة المعدوم.

و هذا مرتکز فی نفوسهم والإرتکاز یمنع عن خطور خلافه فی ذهن نوع الأفراد ومع عدم خطور خلافه فی الذهن لایخطر ببالهم أنّ حجّیّة هذا الأمر الإرتکازی موقوف علی عدم منع المولی بل الإطمئنان المذکور حجّة فعلیّة تنجیزیّة فلذا لو ورد من الشّارع النهی عن العمل بالظنّ ینصرف عندهم إلی غیر الإطمئنان النوعی و یعاملون مع الإطمئنان المذکور معاملة العلم و إن کان غیر علم.

و لو کان للشارع طریقة اخری لزم علیه أن یُبیّنها ویظهرها بالتّصریح و التّنصیص وحیث لم یرد شیء فی ذلک یکشف أنّ الشّارع اکتفی بطریقة معمولة عند النّاس.

و دعوی أنّ المسلم هو حجّیّة خبر الثّقة وإلّا فمجرّد الوثوق بصدوره إذا کان الرّاوی غیر ثقة غیر معلوم الحجّیّة لو لم یکن معلوم العدم أتری أنّه إذا حصل الثّقة بصدق الخبر من طریق الرّؤیا مثلاً فهذا الخبر حجّة عند العقلاء کلاّ ومن الواضح أنّ موضوع الأخبار هو کون راوی الخبر ثقة وجعله طریقاً إلی الثّقة بالصّدور لو کان فإنّما هو بإلغاء الخصوصیّة العقلائیّة ولا یوافق علیها العقلاء هنا بل هم یرون خبر الثّقة حجّة.

مندفعة بما عرفت من وجود البناء علی حجّیّة الوثوق والإطمئنان النّوعی بالصّدور من دون حاجة إلی إلغاء الخصوصیّة و الشّاهد علیه صحّة الاحتجاج المذکور ولاملازمة بین وجود البناء علی حجّیّة الوثوق النّوعی والإطمئنان بالصدور فی المرتکزات العرفیّة وبین حجّیّة الوثوق الحاصل بالرؤیا لأنّ الحجّیّة تابعة لوجود البناء فإذا علمنا به فی المرتکزات دون الحاصل بالرؤیا اختصّت الحجّیّة بالمرتکزات العرفیّة کما لایخفی.

ص:94

التنبیه السادس:

فی انجبار الخبر الضّعیف بعمل المشهور و لایذهب علیک أنّ عمل الأصحاب بالخبر الضعیف یوجب الوثوق بالصّدور کما أنّ إعراضهم عن العمل بالخبر ولو کان صحیحاً یکشف عن اختلاله بشرط أن لایکون الإعراض اجتهادیاً و إلّا فلایکشف عن شیء کما لایخفی.

ودعوی أنّ الخبر الضّعیف لایکون حجّة فی نفسه علی الفرض و کذلک فتوی المشهور أو عملهم غیر حجّة علی الفرض وانضمام غیر الحجّة إلی غیر الحجّة لایوجب الحجّیّة فإنّ انضمام العدم إلی العدم لاینتج إلّا العدم.

و عمل المشهور لیس توثیقاً عملیّاً للمخبر حتّی یثبت بذلک کونه من الثّقات فیدخل فی موضوع الحجّیّة لأنّ العمل مجمل لایعلم وجهه فیحتمل أن یکون عملهم به کما ظهر لهم من صدق الخبر و مطابقته للواقع بحسب نظرهم و اجتهادهم لالکون المخبر ثقة عندهم هذا بالنّسبة إلی الکبری.

وأمّا الصّغری وهی استناد المشهور إلی الخبر الضعیف فی مقام العمل والفتوی فإثباتها أشکل من إثبات الکبری لأنّ القدماء لم یتعرّضوا للاستدلال فی کتبهم لیعلم استنادهم إلی الخبر الضّعیف فمن أین یستکشف عمل القدماء بخبر ضعیف و استنادهم غایة الأمر أنّا نجد فتوی منهم مطابقة لخبر ضعیف و مجرّد المطابقة لایدلّ علی أنّهم استندوا فی هذه الفتوی إلی هذا الخبر إذ یحتمل کون الدّلیل عندهم غیره فتحصّل أنّ القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور غیر تامّ صغری وکبری.

مندفعة أوّلاً: بأنّ انضمام غیر الحجّة إلی غیر الحجّة ربّما یکون موجباً للحجّیّة ألا تری فی الخبر المتواتر أنّ کلّ خبر لیس فی نفسه حجّة ولکن مع الانضمام وحصول

ص:95

التواتر یکون حجّة والوجه فی ذلک هو تراکم الاحتمالات إلی أن تصیر ظنّاً ثمّ مع تراکم الظّنون وحصول الإطمئنان أو العلم فالعلم والإطمئنان حجّة.

و هکذا الأمر فی المقام فالخبر وإن لم یکن فی نفسه حجّة ولکن مع اقترانه بمثل عمل الأصحاب یحصل الإطمئنان بالصدور إذ الأصحاب لم یعملوا بما لیس بحجّة فعملهم یکشف عن اقتران الخبر بما یوجب الإطمئنان بصدوره وعلیه فلامجال للمناقشة فی الکبری ثمّ دعوی عدم إحراز عمل الأصحاب مناقشة صغرویّة و هکذا احتمال کون عملهم اجتهادیّاً و البحث بعد فرض الاستناد و العلم به و الکشف عن اقتران الخبر بالقرائن المحسوسة بحیث لو اطّلعنا علیه لوثقنا بالصدور کما وثقوا به.

وثانیاً: بأنّ الکلام فی الوثوق بالصدور لاتوثیق المخبر فالقول بأنّ العمل بخبر ضعیف لایدلّ علی توثیق المخبر أجنبیّ عن المقام.

وثالثاً: بأنّ المتون المفتی بها فی عبارات بعض القدماء کعلی بن بابویة والصدوق فی الهدایة والشّیخ فی النّهایة وغیرهم روایات وأخبار استندوا إلیها فی الفتاوی ویکفی فی الوثوق بصدورها عملهم بها والفتوی بها فلاوجه للقول بأنّ القدماء لم یتعرّضوا للاستدلال بالروایات فی کتبهم لیعلم استنادهم إلی الخبر.

ورابعاً: بأنّ مطابقة فتوی القدماء للخبر الضّعیف و إن لم تدلّ علی استنادهم إلی خصوص الخبر الضعیف لاحتمال أن یکون الدّلیل عندهم غیره ولکن تصلح للوثوق بصدور مضمون الخبر لأنّ القدماء لم یفتوا من دون دلیل فإذا أجمعوا علی الفتوی بشیء یکشف ذلک عن وجود دلیل تامّ الدّلالة علی ذلک سواء کان هو الخبر الضّعیف أو غیره ممّا یکون مطابقاً له فی المضمون و علی کلّ تقدیر یحصل الوثوق بصدور مضمون الخبر وإن لم یعلم إستنادهم إلی خصوص الخبر الضّعیف فلاتغفل.

ص:96

فتحصّل: أنّ القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور أو فتاویهم تامّ کبری وصغری عند إحراز عملهم بالخبر الضعیف أو بما یطابقه فی المضمون فتدبّر جیّداً.

وهکذا یتمّ القول بأنّ إعراض المشهور عن العمل بالخبر مع وضوح صحّته وتمامیّة دلالته یوجب الوهن فی الخبر ویکشف عن اختلال فی الرّوایة من ناحیة الصّدور وإلّا فلاوجه لإعراضهم مع تمامیّة السّند والدلالة ولا فرق فی ذلک بین الشّهرة والإجماع واختصاصّ الوهن بإعراض الإجماع عن الخبر لاوجه له.

التنبیه السابع:

أنّه لاتفاوت فی حجّیّة الآحاد من الأخبار بین المنقولة بالواسطة و بین المنقولة بلا واسطة فی شمول أدلّة الاعتبار من السیرة و بناء العقلاء و الرّوایات الدالّة علی حجّیّة الخبر الواحد و تخصیص الأدلّة بالمنقولة بلاواسطة لاوجه له.

ودعوی أنّ الخبر مع الواسطة خبر عن الموضوع لاالحکم الشّرعی الکلّی و المشهور عدم حجّیّة الخبر فی الموضوعات بل لابدّ فیها من قیام البیّنة إذ لیس فی النّصوص الدالّة علی اعتبار الخبر مایدلّ علی حجّیّة الخبر مع الواسطة.

والأخبار التی بأیدینا کلّها من هذا القبیل لأنّها منقولة بالواسطة فالنّصوص الدالّة علی اعتبار الأخبار لاتنفع فی إثبات حجّیّتها.

و یشهد له خبر مسعدة بن صدقة الذی فیه: و الأشیاء کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة بناء علی أنّ المراد من البیّنة هی البیّنة الاصطلاحیّة.

مندفعة أوّلاً: بأنّ مورد خبر مسعدة بن صدقة هی الموضوعات الصّرفة التی لاارتباط لها مع الحکم بل هی مجرّد الموضوع وهذا بخلاف المقام فإنّ الخبر عن الخبر ینتهی إلی نقل الحکم و علیه فلایکون المقام مشمولاً لخبر مسعدة بن صدقة و

ص:97

لاأقل من الشکّ و معه فلایرفع الید عن عموم أدلّة اعتبار أخبار الآحاد بما هو مشکوک فی مفهومه من جهة اختصاصه بمورده أو عدمه هذا مضافاً إلی مافیه من ضعف السّند.

وثانیاً: بأنّه لو سلّمنا شمول مثل خبر مسعدة بن صدقة للمقام فیقدّم أدلّة اعتبار الخبر لقوّة ظهورها فی شمول الخبر مع الواسطة کقوله علیه السّلام «ائت أبان ابن تغلب فإنّه قد سمع منّی حدیثاً کثیراً فما رواه لک فأروه عنّی» و من المعلوم أنّ الأمر بالرّوایة عن الرّوایة من دون شرط یشمل الرّوایة مع الواسطة أیضاً هذا مضافاً إلی أنّ قوله علیه السّلام «فأروه عنّی» یدلّ علی الأمر بالرّوایة عن الرّوایة و هی الرّوایة مع الواسطة، وکغیره من الرّوایات المتعدّدة المتضافرة الدالّة علی جواز الرّوایة ولو مع الواسطة أو تقریر الرّوایة ولو مع الواسطة أو الرّوایة مع الواسطة.

وثالثاً: بقیام السّیرة القطعیّة علی عدم الفرق بین المنقولة بدون الواسطة و بین المنقولة مع الواسطة فتحصّل أنّه لاإشکال فی شمول أدلّة الاعتبار للمنقولة مع الواسطة هذا بحسب مقام الإثبات.

وأمّا بحسب مقام الثّبوت فقد یشکل فی ذلک إمّا بأنّ معنّی حجّیّة الخبر هو وجوب التّصدیق بمعنی لزوم ترتّب الأثر الشّرعی علی الخبر و علیه فالحکم بحجّیّة الخبر مع الواسطة یتوقّف علی أمرین: أحدهما إحراز نفس الخبر. وثانیهما وجود أثر شرعی حتّی یحکم بترتّبه علیه و من المعلوم أنّ فی المقام لایحرز الواسطة و لا أثرها إلّا بنفس حجّیّة الخبر ولازم ذلک هو تقدّم المتأخّر مضافاً إلی لزوم اتحاد الحکم و الموضوع.

ص:98

و توضیح ذلک أنّ خبر الکلینی محرز لنا بالوجدان ومع الإحراز المذکور یحکم بحجّیّته و وجوب تصدیقه بالمعنی المذکور بمقتضی أدلّة حجّیّة الأخبار و أمّا خبر من یروی عنه الکلینی ممّن کان متقدّماً علیه و خبر المتقدّم علیه ممّن تقدّم علیه من الرواة إلی أن ینتهی إلی الإمام المعصوم علیه السّلام فهو غیر محرز لنا بالوجدان وإحرازه بنفس الحکم بحجّیّة خبر الکلینی والحکم علیه بنفس هذه الحجّیّة یستلزم أن یکون الخبر المحرز من ناحیة هذه الحجّیّة متقدّماً علی نفس هذه الحجّیّة مع أنّه متأخّر عنها فالحکم بالحجّیّة فی المقام مع هذه الخصوصیّة یوجب أن یتقدّم المتأخّر و هو محال.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الإشکال ناشٍ من توهّم کون الحکم بالحجّیّة حکماً شخصیّاً و القضیّة قضیّة خارجیّة و أمّا إذا کان الحکم بالحجّیّة بنحو القضیّة الحقیقیّة فلایلزم هذا الإشکال أصلاً فإنّ الحکم بحجّیّة خبر الکلینی یوجب إحراز خبر من یروی عنه الکلینی فبعد الإحراز المذکور یشمل القضیّة الحقیقیّة لفرد آخر منها لاعین الفرد الثّابت بخبر الکلینی.

و مع تعدّد الحکم بتعدّد الأفراد لایلزم أیضاً إشکال اتّحاد الحکم والموضوع إذ الحکم یوجب ترتیب ماللمخبر به و هو خبر من یروی عنه الکلینی لیس بنفس شخص الحکم فی دلیل حجّیّة خبر الکلینی بوجوب تصدیق خبر العادل بل یکون بفرد آخر من أفراد القضیّة الحقیقیّة و قد یشکل ذلک إمّا بأنّ التعبّد بحجّیّة الخبر یتوقّف علی أن یکون المخبر به بنفسه حکماً شرعیاً أو ذا أثر شرعی مع قطع النظر عن دلیل حجّیّة الخبر لیصحّ التعبّد بالخبر بلحاظه و إلّا فالتعبّد بحجّیّة الخبر فیما لم یکن له حکم شرعی أو أثر شرعی لغو محض و لاارتباط له بالشرع و مقتضی ذلک أنّ دلیل الحجّیّة لایشمل الأخبار مع الواسطة لأنّها لیست إلّا الخبر عن الخبر وهذا الإشکال یجری فی أخبار جمیع سلسلة الرّواة إلّا الخبر المنتهی إلی قول الإمام علیه السّلام.

ص:99

ویمکن الجواب بأنّ الطریق إلی أحد المتلازمین طریق إلی الآخر و إن لم یکن المخبر ملتفتاً إلی الملازمة فحینئذٍ نقول یکفی فی حجّیّة خبر العادل انتهاؤه إلی أثر شرعی فکما أنّ الطریق إلی الحکم الشّرعی العملی طریق إلیه و یشمله أدلّة الحجّیّة فکذلک الطریق إلی طریق الحکم الشّرعی أیضاً طریق إلی الحکم الشرعی ویشمله أدلّة الحجّیّة.

وعلیه فنفس خبر العادل کخبر الشّیخ الطّوسی عن خبر العادل کالشّیخ المفید إلی أن ینتهی إلی المعصوم علیه السّلام یکون موجباً لکشف الظنّ النوعی بقول المعصوم فتشمله أدلّة التعبّد. فیکون حجّة ولا حاجة إلی شمول أدلّة التعبّد بنفس الوسائط حتّی یقال لاأثر للوسائط.

التنبیه الثامن:

أنّه ربّما یستدلّ علی حجّیّة الخبر بالوجوه العقلیّة.

منها أنّا نعلم إجمالاً بصدور أکثر الأخبار أو کثیر منها واحتمال الجعل لایکون فی جمیع الأخبار فإذا ثبت العلم الإجمالی بوجود الأخبار الصّادرة فیجب الاحتیاط بالعمل لکل خبر مع عدم المعارض والعمل بمظنون الصّدور أو مظنون المطابقة للواقع عنه وجود المعارض.

و فیه أنّ مقتضی هذا الدّلیل هو وجوب العمل بالخبر المقتضی للتّکلیف لأنّه الذی یجب العمل به و أمّا الأخبار النّافیة للتّکلیف فلایجب العمل بها کما لایخفی و أیضاً معنی حجّیّة الخبر کونه دلیلاً متّبعاً فی مخالفة الاُصول العملیّة و الأُصول اللفظیّة مطلقاً و هذا لایثبت بالدلیل المذکور.

لایقال: إنّ العلم الإجمالی بورود التخصیص فی بعض العمومات یوجب سقوط أصالة العموم أو الإطلاق عن الحجّیّة.

ص:100

لأنّا نقول: نعم ولکن العلم الإجمالی بإرادة العموم أو الإطلاق فی بعض العمومات یقتضی وجوب الاحتیاط بالعمل بجمیع العمومات والمطلقات الدالّة علی التّکالیف الإلزامیّة والخاصّ المذکور لایکون حجّة لیکون موجباً لانحلال العلم الإجمالی و حینئذٍ فالثمرة بین القول المذکور بالاحتیاط من جهة العلم الإجمالی وبین القول بحجّیّة الخبر واضحة حیث إنّه إن قلنا بحجّیّة الخبر فهو مقدّم علی العامّ أو المطلق وإن قلنا بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتیاط فالخبر لیس مقدّماً علی العامّ أو المطلق بل یجب العمل بالعموم أو المطلق کما لایخفی.

و یظهر الّثمرة أیضاً إذا کان مفاد کلّ من العامّ أو الخاصّ حکماً إلزامیاً بأن یکون مفاد العام وجوب إکرام العلماء و مفاد الخاص حرمة إکرام العالم الفاسق مثلاً فعلی القول بحجّیّة الأخبار لاإشکال فی تقدیم الخاصّ علی العمومات وتخصیصها به و علی القول بوجوب العمل بالأخبار من باب الاحتیاط فلایمکن الاحتیاط فی الفروض و یکون المقام نظیر دوران الأمر بین المحذورین و العقل یحکم حینئذٍ بالتّخییر.

هذا معنی الکلام فی بیان الّثمرة بین حجّیّة الخبر وبین لزوم العمل بالخبر بالدّلیل العقلی بالنّسبة إلی الاُصول اللّفظیة.

و أمّا بالنّسبة إلی الاُصول العملیّة فإن کانت الأخبار نافیة والأصول مثبتة فلاإشکال فی تقدیم الاُصول المثبتة لوجود موضوعها وهو الشکّ بعد عدم حجّیّة الخبر بخلاف ماإذا کان الخبر حجّة فإنّه مقدّم علی الاُصول المثبتة إذ لایبقی موضوع الاُصول المذکورة مع الخبر الحجّة کما لایخفی و إن کانت الأخبار مثبتة و کانت متوافقة مع الاُصول فلاإشکال أیضاً فی جریان الاُصول المذکورة علی القول بوجوب الخبر من باب الاحتیاط دون القول بحجّیّة الخبر فإنّه لاورود لموضوع الاُصول حینئذٍ بناء علی المعروف.

ص:101

وإذا لم یکونا متوافقین کأن یکون مفاد الأخبار حرمة الجمعة ومفاد الاُصول هو العکس فمقتضی القاعدة هو التخییر لأنّ مخالفة الاُصول مخالفة للشمول القطعی لحدیث (لا تنقض) وطرح الأخبار یوجب مخالفة العلم الإجمالی بخلاف ماإذا قلنا بحجّیّة الخبر فإنّ مع الخبر لایبقی موضوع للاُصول.

وإن کانت الأخبار نافیة والاُصول نافیة فلامانع من جریان الاُصول لوجود موضوعها ولا یلزم من ذلک المخالفة العملیّة علی عدم حجّیّة الخبر.

وإن کانت الأخبار مثبتة والاُصول نافیة فالمسألة مبنیّة علی جریان الاُصول فی بعض أطراف المعلوم بالإجمال وعدمه بخلاف ماإذا قلنا بحجّیّة الخبر فإنّ مع الخبر لایبقی موضوع للاُصول مطلقاً.

فانقدح أنّ معنی حجّیّة الخبر کونه دلیلاً متّبعاً فی مخالفة الاُصول العملیّة و هذا المعنی لایثبت بلزوم العمل بالخبر بالدّلیل العقلی.

التنبیه التاسع:

أنّ الأدلّة الشرعیّة الدالّة علی حجّیّة الخبر الواحد قاصرة الشمول بالنّسبة إلی الموضوعات لاختصاصها بالأحکام ومعالم الدّین.

نعم یمکن التمسّک ببناء العقلاء علی حجّیّة الخبر الواحد فی الموضوعات بعد عدم اختصاص بنائهم بموارد الأحکام والمفروض عدم ثبوت الردع عن ذلک البناء أشکل ذلک بأنّ البناء المذکور مردوع بمثل الأخبار الواردة فی اعتبارا لتعدّد فی الموضوعات وهذه الأخبار متعدّدة.

منها خبر مسعدة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: سمعته یقول کلّ شیء هو لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک وذلک مثل الثّوب یکون علیک قد اشتریته وهو سرقة والمملوک عندک لعّله حرّ قد باع نفسه أو ضرع فبیع قهراً أو

ص:102

امرأة تحتک وهی أختک أو رضیعتک والأشیاء کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة.

بدعوی أنّه یدلّ علی حصر حقیقی فیستفاد منه عدم حجّیّة الخبر الواحد فی الموضوعات مالم یتعدّد ویصدق علیه البیّنة.

أورد علیه أوّلاً: بضعف السّند لعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة وإن حکی عن السیّد المحقّق البروجردی اتّحاده مع مسعدة بن زیاد.

وثانیاً: بأنّه لم یثبت حقیقة شرعیّته للبیّنة ولعلّ المراد منها معناه اللغوی و هو الحجّة و هی تصدق علی الخبر الواحد أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ البیّنة الاصطلاحیّة شائعة فی عصر الصادقین علیهما السلامو حملها علی البیّنة اللغویّة لاموجب له.

وثالثاً: بأنّه لو سلّمنا إرادة البیّنة المصطلحة فالحصر المستفاد منها إنّما هو بالإضافة إلی موردها ممّا ثبتت الحلّیّة فیه بالأمارة أو الاستصحاب وأمّا غیره فالرّوایة أجنبیّة عنه وإلّا لزم تخصیص الأکثر لثبوت الحرمة بالاستصحاب و الإقرار و حکم الحاکم أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التّخصیص الأکثر لایلزم إذا کان التّخصیص عنوانیّاً.

فنتحصّل أنّه لم یثبت ردع عن بناء العقلاء.

ومنها: الأخبار الواردة فی لزوم شهادة العدلین فی الموارد الخاصّة کالمیتة و رؤیة الهلال بدعوی أنّها تدلّ علی عدم کفایة قول الثّقة و حیث لاخصوصیة لتلک الموارد فیستفاد منها عدم جواز الاکتفاء بقول الثّقة فی جمیع الموارد و لهذا یثبت الردع عن بناء العقلاء.

و اجیب عن ذلک بأنّ هذه الأخبار مختصّة بمواردها و إلغاء الخصوصیّة مشکل فاعتبار شهادة العدلین فی مثل هذه الموارد لاینافی وجود بناء العقلاء فی غیرها ممّا یحصل الوثوق النّوعی بشهادة أحد من الثقات.

ص:103

التنبیه العاشر:

أنّ حجّیّة الظنّ الخاصّ إمّا تکون بمعنی جعل غیر العلم علماً بالتعبّد فمع هذا التعبّد یجوز الإخبار عن الشیء ولو لم یحصل العلم الوجدانی به و یترتّب علی المخبر به آثاره الواقعی لقیام الحجّة علیه وحینئذٍ تشمل حجّیّة الخبر جمیع الأمور التکوینیّة والتاریخیّة کما سیأتی إن شاء الله تعالی فی التنبیه الثّانی من تنبیهات الانسداد.

وإمّا تکون الحجّیّة بمنعی کون الظنّ منجّزاً ومعذّراً فیختّص حجّیّة الظنّ الخاصّ بما إذا کان مؤدّی الخبر أثراً شرعیّاً فلاتعمّ الاُمور التکوینیّة والتاریخیّة إذ لامورد للمعذّریّة والمنجّزیّة بالنّسبة إلیها وجواز الإخبار عن تلک الأشیاء متفرّع علی العلم بها والمفروض عدم حصول العلم بها ولا یجوز الإخبار الّتی بما فی الرّوایة من الثواب والعقاب فاللاّزم أن یقال عند الإخبار بهما روی أنّه من صام فی رجب مثلاً کان له کذا.

ص:104

الظّن المطلق

اشارة

و لا یخفی أن الظنّ المطلق یکون فی مقابل الظنّ الخاص کالظنّ الحاصل من الخبر أو ظهورات الألفاظ والأدلّة التی مضت لحجّیّة الخبر من الآیات والرّوایات وغیرهما دلّت علی حجّیّة الظنّ الخبری بخلاف أدلّة المقام فإنّها تدلّ علی اعتبار الظنّ المطلق ولا نظر لها إلی خصوص الظنّ الخبری.

ثمّ إنّ الأدلّة التی اقیمت علی حجّیّة الظنّ المطلق علی قسمین:

الأوّل: مالا یختصّ بزمان الإنسداد بل یشمل زمان الانفتاح وزمان إمکان تحصیل العلم أو العلمی بالأحکام الواقعیة.

والثانی: مایختصّ بزمان إنسداد باب العلم أو العلمی و هو الذی یعبّر عنه بالظنّ الإنسدادی ولذا یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:

اشارة

فی الوجوه التی ذکروها لحجّیّة الظنّ المطلق من دون اختصاص لها بزمان الإنسداد و هی متعدّدة:

الوجه الأوّل:

أنّ فی مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحکم الوجوبی أو التّحریمی مظنّة للضرر وحیث إنّ دفع الضّرر لازم فالواجب حینئذٍ هو لزوم التبعیّة عما ظنّه من الحکم

ص:105

الإلزامی وهذا هو معنی الحجّیّة سواء کان زمان الإنسداد أو زمان الانفتاح أورد علیه بأنّ الصغری ممنوعة سواء کان المراد من الضّرر المظنون هو العقوبة أو المفسدة أمّا إذا کان المراد من الضّرر المظنون هو العقوبة فلأنّ استحقاق العقوبة علی الفعل أو الترک لیس ملازماً للوجوب والتحریم بوجودهما الواقعی بل من آثار تنجیز التّکلیف ولا ینجّز التّکلیف إلّا بالوصول والظنّ غیر المعتبر لایکون وصولاً کیف و قد یتحقّق التحریم الواقعی و مع ذلک نقطع بعدم العقاب کالحرام والواجب المجهولین جهلاً بسیطاً أو مرکبّاً بل استحقاق الثواب و العقاب إنّما هو علی تحقّق الإطاعة و المعصیة اللّتین لایتحقّقان إلّا بعد العلم بالوجوب والحرمة أو الظنّ المعتبر بهما و الظنّ غیر المعتبر لیس وصولاً لهما و مع عدم الوصول یقبح العقاب علیه لأنّه عقاب بلا بیان نعم لو لم نقل باستقلال العقل بقبح العقاب بلا بیان کان احتمال العقوبة فی فرض الظنّ الغیر المعتبر بالحکم موجوداً ولکنّه کما تری.

کلام حول حقّ الطّاعة

ربّما یقال إنّ حقّ الطّاعة لله تعالی ثابت علی عبیده و علی هذا یحکم العقل بوجوب إطاعته ولو فی موارد احتمال التّکلیف وهذا الإدراک العقلی لایختصّ بالتکالیف المعلومة بل هو موجود فی المحتملات والمظنونات مالم یرخص الشّارع فی ترک التحفّظ و الاحتیاط و علیه فالبراءة العقلیّة لاأصل لها لأنّه إذا کان حقّ الطاعة یشمل التکالیف ا لمشکوکة فهو بیان رفع البیان فلایکون عقاب الله للمکلّف إذا خالفها قبیحاً لأنّ المکلّف یفرط فی حقّ مولاه بالمخالفة فیستحقّ العقوبة ومع عدم جریان قاعدة قبح العقاب فاحتمال العقوبة موجود ومع وجود احتمال العقوبة فی المظنونات و المشکوکات یجب رفعه لقاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل أو المظنون و یتمّ البرهان.

ص:106

ویمکن الجواب بأنّ کبری لزوم إطاعة الله کسائر الکبریات العقلیّة والنقلیّة تتوقّف علی إحراز الموضوع وبدونه لاتنتج الحکم بلزوم الإتیان بشیء أو الترک فالمحتملات لا یحرز کونها إطاعة للمولی ومع عدم الإحراز فلایترتّب علیها وجوب الإطاعة واحتمال العقوبة فیها ینتفی بقاعدة قبح العقاب بلا بیان بعد اختصاص حقّ الطّاعة بالتّکالیف المعلومة بالعلم الوجدانی أو العلمی عند العقلاء.

و الشّارع لم یتّخذ فی باب الامتثال طریقة غیر طریقة العقلاء و لولا ذلک لبیّنها و لو بیّنها لشاعت و لبانت فی مثل هذه المسألة التی تکون مورد الإبتلاء.

لایقال: إنّ مورد جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان عند العقلاء مختصّ بموارد إمکان البیان و مع ذلک لم یتبیّن و أمّا إذا لم یمکن البیان کما إذا منع شخص أن یتکلّم المولی و نعلم بأنّ المولی أراد بیان وجوب شیء أو حرمته ففی مثله لاتجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

و جمیع الموارد المحتملة للتّکالیف تکون من هذا القبیل فإنّ المولی الشّرعی مع حدوث الموانع من الظّلمة والکذبة لایتمکّن من البیان فلایجوز الأخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بیان فی تلک الموارد لنفی العقوبة المحتملة عند العقلاء و معه فاحتمال العقوبة موجود و یتمّ البرهان بضمیمة کبری وجوب دفع الضّرر المظنون أو المحتمل لأنّا نقول: موارد قاعدة قبح العقاب بلا بیان ثلاثة أحدها: الموارد التی أمکن للمولی البیان و لم یبیّن و لاإشکال فی جریان القاعدة فیها من دون فرق بین المولی الحقیقی وسائر الموالی.

وثانیها: الموارد التی لاإشکال فی عدم جریانها فیها وهی التی فرض العلم بوجود الإرادات الحتمیّة للمولی مع عدم تمکّنه من البیان لوجود المانع و نحوه فإنّ العلم بالإرادة فی حکم البیان ولا مورد للقاعدة مع البیان کما لایخفی.

ص:107

وثالثها: الموارد التی یشکّ فیها أنّها من قبیل الأولی أو الثانیة ففی هذه الموارد تجری القاعدة عند العقلاء إلّا فی بعض مهامّ الاُمور إذ لابیان و مع عدم البیان تجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

ودعوی العلم بالإرادة الحتمیّة مع عدم الّتمکن من البیان بعد العلم بحصول الموانع من الظّلمة والکذبة مندفعة بأنّ المفروض هو الشکّ فی الإرادة والواقع بحسّ الموارد ومع الشکّ لابیان کما لایخفی.

و دعوی أنّه لاإشکال فی أنّ العقلاء بما هم کذلک لایتوقّفون فی محتمل المطلوبیّة و لایقتحمون فی محتمل المبغوضیّة فی مقاصدهم و أغراضهم فی شیء من الموارد و إذا کانوا کذلک فی الاُمور الرّاجعة إلیهم فبطریق أولی فی الاُمور الراجعة إلی موالیهم لأنّهم یرون العبد فانیاً فی مقاصد الموالی وبمنزلة أعضائه و جوارحه بحیث یجب أن یکون مطلوبه مطلوب المولی و غرضه غرضه فإذا کان العبد فی اموره بحیث ینبعث أو یرتدع بإحتمال النفع و الضّرر فیجب علیه بطریق أولی أن یرتدع بمجرّد احتمال کون هذا مطلوباً للمولی أو کون ذاک مبغوضاً له وإذا کان هذا حکم العقلاء بما هم عقلاء فکیف یحکم العقل بقبح العقاب.

مندفعة بأنّه لو سلّمنا وجود البناء فی الموارد المذکورة فلایمکن الاستدلال به فی مثل المقام بالأولویة لأنّ بناء الشّارع علی الأخذ بالسهولة و هذا الفرق یمنع عن التعدّی عن موارد البناء المذکور إلی المقام بالأولویّة.

هذا مضافاً إلی أنّ وجود النباء فی الموارد التی شکّ فی أصل الإرادة والتّکلیف فیها غیر ثابت سواء تمکّن عن البیان أو لم یتمکّن فلاتغفل.

ص:108

الوجه الثّانی:

أنّه لو لم یأخذ بالظنّ لزم ترجیح المرجوح علی الراجح وهو قبیح وعلیه فیجب الأخذ بالظنّ المطلق وهذا هو معنی حجّیّة الظنّ.

واُجیب عنه بالمنع عن الکبری بدعوی أنّه لیس ترجیح المرجوح فی جمیع الموارد قبیحاً لأنّ المرجوح قد یوافق الاحتیاط فالأخذ به فی هذا الصورة لیس قبیحاً وفیه أنّ المرجوح المطابق للاحتیاط لیس العمل به ترجیحاً للمرجوح بل هو جمع فی العمل بین الراجح والمرجوح مثلاً إذا ظنّ عدم وجوب شیء وکان وجوبه مرجوحاً فحینئذٍ الإتیان به من باب الاحتیاط لیس طرحاً للراجح فی العمل لأنّ الإتیان لاینافی عدم الوجوب.

فالأولی هو أن یجاب عنه بمنع الصغری فنقول إنّ الاستدلال بذلک إن کان فی صورة الانفتاح کما هو محلّ الکلام فی هذا المقام فلادوران حینئذٍ لأنّ بعد قیام العلم أو العلمی بالنّسبة إلی الأحکام الواقعیّة فینحلّ العلم الإجمالی بالأحکام فی موارد العلم و العلمی و لاعلم بوجودها بین مورد الظنّ و بین طرفه من الشکّ و الوهم حتّی یقال لزم الأخذ بالظنّ لئلاّ یلزم ترجیح المرجوح علی الراجح وحینئذٍ فمع عدم العلم بوجود الأحکام الشرعیّة بنی الظنّ و طرفه من الشکّ و الوهم یرجع إلی البراءة العقلیة أو الشرعیة فی جمیع الأطراف و لایلزم من ترجیح المرجوح علی الراجح لأنّ نسبة البراءة إلی جمیع الأطراف متساویة.

و إن کان الاستدلال بذلک فی صورة الانسداد ولزوم الأخذ بالظنّ أو طرفه من الشکّ والوهم دار الأمر بین ترجیح الظنّ و ترجیح طرفه ولکنّه یتوقّف علی تمامیّة مقدّمات الانسداد و إلّا فلاتصل النوبة إلی الدوران بین ترجیح الراجح و ترجیح

ص:109

المرجوح لأنّ اللازم علیه فی هذه الصورة هو أن یعمل بموارد الانحلال أو یعمل بالاحتیاط فی جمیع الأطراف لقاعدة الاشتغال فتحصّل أنّه لادلیل علی حجّیّة الظنّ المطلق فی حال الانفتاح.

المقام الثانی:

اشارة

فی دلیل الانسداد وهذا الدّلیل الذی استدلّ به علی حجّیّة الظنّ المطلق فی زمان الانسداد مرکّب من عدّة مقدّمات یستقلّ العقل مع ثبوتها بکفایة الإطاعة الظنّیة أو یستکشف بها مشروعیّة التبعیّة عن الظنّ فی مقام الإمتثال و هذه المقدّمات خمسة:

المقدمة الاُولی:

أنّه یعلم إجمالاً بثبوت تکالیف کثیرة فی الشریعة الإسلامیّة و أطراف هذا العلم الإجمالی لایختصّ بموارد الأخبار.

المقدمة الثانیة:

أنّه ینسد باب العلم أو العلمی بالنّسبة إلی المعلوم بالإجمال.

المقدمة الثالثة:

أنّه لایجوز إجمال التکالیف و ترک التعرّض لامتثالها لتنجّزها بسبب العلم الإجمالی.

المقدمة الرابعة:

أنّه لامجال للرجوع إلی الوظائف المقرّرة للجاهل بالأحکام من الاحتیاط التّام للزوم الاختلال أو العسر و الحرج و من الرجوع إلی فتوی الغیر الذی یعتقد الانفتاح لمنافاته مع العلم بالانسداد و من الرّجوع إلی القرعة لعدم جواز الأخذ بها فی الشّبهات الحکمیة ومن الرّجوع إلی الاُصول العملیّة للزوم المخالفة العملیة من جریانها إن کانت نافیة ولغیر ذلک.

ص:110

المقدمة الخامسة:

أنّ ترجیح المرجوح علی الرّاجح قبیح.

فإذا تمّت المقدّمات المذکورة ودار الأمر بین الامتثال الظّنّی والشکّی أو الوهمی لایجوز التنازل إلی الشکّی أو الوهمی فی مقام الامتثال لأنّه ترجیح المرجوح علی الراجح وهو قبیح. هذا تمام الکلام فی تقریب الاستدلال علی حجّیّة الظنّ المطلق.

ملاحظات حول دلیل الانسداد

أمّا المقدّمة الأولی: فهی و إن کانت بدیهیّة إلّا أنّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بالعلم الإجمالی فی الدائرة الصّغیرة وهی الأخبار ومعه لاموجب للاحتیاط إلّا فی خصوص دائرة الأخبار وعلیه فمع تمامیّة سائر المقدّمات لم یثبت إلّا وجوب العمل بالظنون الحاصلة من الأخبار لاالظنّ المطلق.

وأمّا المقدّمة الثانیة: ففیها منع عدم وفاء الدّلیل العلمی بمعظم الأحکام وإن انسدّ باب العلم و ذلک لما یحکم به الوجدان من عدم بقاء العلم الإجمالی بالأحکام بعد الأخذ بأخبار الثّقات وغیرها من یقینیّات والمعلومات التفصیلیّة و قد مرّ أنّ الأخبار الوادرة عن الثّقات حجّة و إن لم تفد الوثوق النوعی و هکذا عرفت حجّیّة الخبر الموثوق الصّدور وإن لم یکن رواتها من الثقات ومن المعلوم أنّ أخبار الثقات و الأخبار الموثوق بها مع ضمیمة الیقینیّات و المعلومات التفصیلیة وافیة بمعظم الفقه و معها ینحلّ العلم الإجمالی و لامجال لمقدّمات الانسداد.

نعم لو قلنا بحجّیّة خصوص أخبار العدول أو خصوص مایفید الوثوق الفعلی أو الوثوق النّوعی لما حصل الانحلال وحینئذٍ یکون لمقدّمات الانسداد مجال.

ص:111

و بالجملة یختلّ دلیل الانسداد بمنع هذه المقدّمة و لاثمرة للبحث عن سائر المقدّمات إلّا فی المشابهات للمقام مع ثبوت المقدّمة الثانیة فیها کدعوی الانسداد فی ترجمة الرجال بعد وجود العلم الإجمالی بوجوب الأخذ بروایاتهم و انسداد باب العلم والعلمی فی ذلک الباب فیمکن الاعتماد علی الظنّ الحاصل من التراجم بأحوال الرجال.

وأمّا المقدّمة الثّالثة: فلاإشکال فی تمامیّتها لتنجّز التکالیف بسبب العلم الإجمالی و لایجوز فی مقام الامتثال الاقتصار علی المعلوم بالتفصیل و إلّا لزم الخروج عن الدین.

وأمّا المقدّمة الرابعة: فهی تامّة بالنّسبة إلی الاحتیاط المخلّ بالنّظام لعدم رضا الشّارع بذلک وأمّا بالنّسبة إلی لزوم العسر والحرج من الاحتیاط فقد یمنع عدم وجوبه بدعوی عدم حکومة قاعدة نفی العسر و الحرج علی قاعدة الاحتیاط إذا کان الاحتیاط بحکم العقل لعدم العسر فی متعلّق الحکم الشرعی و لا فی نفس الحکم و إنّما العسر من ناحیة الجمع بین محتملات التّکلیف و هو لایجب إلّا بحکم العقل و الحکم العقلی لیس بمنفی بقاعدة نفی العسر و الحرج.

ویمکن أن یقال: إنّ المنفی نفس الحرج أو الضّرر من أیّ سبب حصل سواء کان منشأهما هو الحکم الشّرعی أو موضوعه أو الحکم العقلی الاقتضائی کوجوب الاحتیاط و هذا هو الظّاهر من تعلّق النّفی بنفس الحرج أو الضّرر إذ جعل المنفی و هو الضّرر أو الحرج عنواناً مشیراً إلی الضّارّ أو الموجب للحرج أو الحکم الشرعی خلاف الظّاهر لأنّ لفظ الضّرر أو الحرج اسم مصدر ولیس عنواناً لغیره کالضّارّ أو

ص:112

الحکم الشرعی العسری أو الضّرری حتّی یکون النفی راجعاً إلی الفعل الضرری أو الحرجی أو الحکم الشرعی وعلیه فتمّت هذه المقدّمة.

لایقال: لو کان المراد من نفی الضّرر أو الحرج هو نفی نفس الضّرر أو الحرج تشریعاً لکان مفاد لاضرر ولا حرج هو نفی حرمة الضّرر أو الحرج وهذا ممّا لم یلتزم به أحد.

و علیه فیدور الأمر بین أن یکون المراد من النفی هو النهی عن الإضرار و الضّرر بالغیر أو النّفس کما هو الحال فی مثل قوله تعالی:(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ) فإنّ المراد منه نهی المحرم عن هذه الاُمور حال الإحرام.

أو أن یکون المراد من النفی هو النفی التشریعی بمعنی نفی الحکم الضّرری أو الحرجی فی الشریعة وهو الظّاهر من أدلّة نفی الحرج والضّرر بقرینة مافی بعض الرّوایات من أنّه لاضرر فی الإسلام أو فی الدین.

لأنّا نقول: إنّ دلیل لاضرر و لاحرج بقرینة کونهما فی مقام الامتنان وإفادة سهولة الإسلام والدین لاینفیان الحرمة بل النفی فیهما هو التجویز ومعناه أنّ الضّرر أو الحرج لایجوّزه الشّارع لابالنّسبة إلی الغیر ولا بالنّسبة إلی النفس وبهذا الاعتبار یفید نفی نفس الضّرر أو الحرج و علیه تشریع تجویزهما من أیّ جهة کانت یستلزم نفی الموضوع الضّرری أو الحکم الشّرعی بل الاحتیاط العقلی أیضاً لأنّ الحکم العقلی فی أطراف العلم الاجمالی اقتضائی و الحکم الاقتضائی قابل لأن یرفعه الشّارع و لافرق فی شموله للحکم العقلی بین المبانی المذکورة من کون مفاد لاضرر أو لاحرج نفی نفس الضّرر أو الحرج أو نفی الموضوع الضرری أو الحرجی أو نفس الحکم الشّرعی ثمّ قوله فی الإسلام أو فی الدّین لایوجب تخصیص النّفی بالأحکام

ص:113

الشّرعیة لأنّ الدین أو الإسلام ظرف النفی لاالمنفی هذا مضافاً إلی أنّ القیدین المذکورین لم یردا فی الرّوایات المعتبرة.

و أمّا عدم جواز الرّجوع إلی فتوی الغیر فهو واضح ضرورة أنّه لایجوز ذلک إلّا للجاهل لاللفاضل الذی اعتقد خطأ المجتهد الذی یدّعی انفتاح باب العلم أو العلمی بل رجوعه إلیه من قبیل رجوع العالم إلی الجاهل.

و أمّا الرّجوع إلی القرعة فی الشّبهات الحکمیة فلاختصاصها بالشّبهات الموضوعیّة فی الجملة کما لایخفی.

و أمّا عدم جواز الرّجوع إلی الاُصول العملیّة فإن کان الأصل مثبتاً للتکلیف و لم یکن من الاُصول المحرزة کأصالة الاشتغال فلامانع من الرجوع إلیها لعدم منافاتها مع العلم الإجمالی بل هی مساعدة معه.

و إن کان الأصل مثبتاً و کان من الاُصول المحرزة کاستصحاب المثبت للتکلیف فهو علی قسمین أحدهما ماإذا لم یعلم بانتقاض الحالة السابقة کما إذا کان الکأسان نجسین و لم یعلم تطهیر أحدهما فلامانع من جریان استصحاب النجاسة و جواز الرجوع إلیه وثانیهما ماإذا علم إجمالاً بالانتقاض کما إذا کان الکأسان نجسین وعلم بتطهیر أحدهما وحینئذٍ فإن قلنا بأنّ المانع من جریان الاستصحاب فی أطراف ا لعلم الاجمالی هو لزوم المخالفة العملیّة فلامانع من جریان الاستصحاب فی المقام لعدم لزوم المخالفة العملیّة مع فرض کون الاستصحاب مثبتاً للتکلیف وإن قلنا بأنّ المانع هو نفس العلم الإجمالی بانتقاض الحالة السّابقة ولو لم یلزم المخالفة العملیّة فلایجری الاستصحاب للتکلیف فی المقام للعلم بانتقاض الحالة السابقة فی الجملة وإن کان الاُصول العملیّة نافیة فالرّجوع إلیها ممنوع فیما إذا کان فی الرّجوع

ص:114

إلیها محذور الخروج عن الدین أو الإهمال بالنّسبة إلی التکالیف الواقعیّة المعلومة کما هو الظّاهر لکثرة الاُصول النافیة.

وأمّا المقدّمة الخامسة: فلاکلام بالنّسبة إلیها لأنّ کلّ مورد یدور الأمر فیه بین ترجیح المرجوح علی الراجح أو العکس یحکم العقلاء بلزوم ترجیح الراجح علی المرجوح و قبح العکس و هذه کبری ثابتة عند العقل و العقلاء.

و حینئذٍ مع فرض تمامیّة المقدّمات المذکورة و دوران الأمر بین ترجیح الامتثال الظّنی و بین ترجیح الامتثال الشکّی أو الوهمی فلاإشکال فی تقدیم ترجیح الامتثال الظنّی للقاعدة المذکورة و المفروض أنّه لا طریقة للشارع غیر طریقة العقلاء و علیه فاللازم بعد الأخذ بالعلم التفصیلی والاُصول المثبتة هو الرجوع إلی التکالیف المظنونة دون المشکوکة أو الموهومة هذا إذا لزم من الاحتیاط فی جیمع الأطراف عسر و حرج کما هو المفروض و إلّا فاللاّزم هو الاحتیاط التامّ فی جمیع الأطراف لبقاء العلم الإجمالی بالتّکالیف.

ولکن الکلام فی تمامیّة المقدّمات وقد عرفت فی المقدّمة الثانیّة أنّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بالعلم الإجمالی فی الدائرة الصّغیرة و هی دائرة الأخبار إذ مع حجّیّة الأخبار والعلم بوجود تکالیف فعلیّة فیها بمقدار المعلوم بالإجمال لایبقی علم بالتکالیف فی غیرها فیجوز الرّجوع فیه إلی الاُصول العملیة النافیة فلایدور الأمر بین الامتثال الظنیّ و الامتثال الشکّی أو الوهمی حتّی یجب ترجیح الظنّی علی غیره.

بل اللازم حینئذٍ هو الأخذ بمفاد الأخبار بعد ثبوت حجّیتها و لاینتج المقدّمات ترجیح الظنّ فی مطلق موارد دوران الأمر بین الظنّ والشکّ أو الوهم وبالجملة فمع

ص:115

ثبوت حجّیّة الأخبار الآحاد و انحلال العلم الإجمالی بالتّکالیف الواقعیّة فیها لوفائها بها لامجال لدلیل الانسداد فی المقام.

نعم ربّما تتمّ مقدّمات دلیل الانسداد فی غیر المقام من موارد الامتثال کما إذا تردّدت القبلة بین الجهات الأربعة وظنّ بها فی بعضها المعیّن و لم تقم بیّنة علی طرف منها ولم یجر أصل محرز فی طرف منهما ولم یکن الاحتیاط لضیق الوقت فمع تنجّز التّکلیف وعدم الانحلال و عدم إمکان الاحتیاط یتعیّن الأخذ بالظنّ لقبح ترجیح المرجوح علی الرّاجح فی مقام الامتثال.

فتحصّل: أنّ الظنّ المطلق لادلیل علی حجّیّته بعد کون المفروض هو انحلال العلم الإجمالی بالتکالیف الشّرعیة فی دائرة الظّنون الخاصّة المعتبرة من الأخبار الآحاد لعدم تمامیّة مقدّمات الانسداد بالنّسبة إلی الظنّ المطلق فلاتغفل.

التنبیهات:

التنبیه الأوّل:

أنّه لامجال لحجّیّة الظنّ المطلق لاعقلاً ولا شرعاً بعدما عرفت من عدم تمامیّة مقدّمات الانسداد إذ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بأخبار الثّقات معه لامجال لحجّیّة الظنّ المطلق بل لو لم نقل بحجّیّة أخبار الثّقات ولکن انحلّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة بالعلم الإجمالی فی دائرة الصّغیرة وهی المظنونات وجب العمل بالمظنونات من باب کونها أطراف المعلوم بالإجمال و مقتضی العلم الإجمالی هو الاحتیاط التّامّ فی الأطراف لامن باب حکم العقل بحجّیّة الظنّ علی تقریر الحکومة و لا من باب کشف العقل عن حجّیّة الظنّ شرعاً هذا بناء علی عدم تمامیّة مقدّمات الانسداد.

ص:116

وأنّ بناء علی تمامیّة المقدّمات و عدم انحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة فهل یکون النتیجة هی حجّیّة الظنّ المطلق أو لا.

یمکن أن یقال: إنّ النتیجة هی التبعیض فی الاحتیاط لاحجّیّة الظنّ عقلاً و لاشرعاً وذلک لأنّ علی تقدیر تسلیم عدم انحلال العلم الإجمالی الأوّل بدعوی کون العلم بالتّکلیف أزید من موارد الأخبار لابدّ من التبعیض فی الاحتیاط علی نحو لایکون مخلاً بالنظام ولا موجباً للعسر والحرج فلو فرض ارتفاع المحذور بإلغاء الموهومات وجب الاحتیاط فی المشکوکات و المظنونات و إذا لم یرتفع المحذور بذلک یرفع الید عن الاحتیاط فی جملة من المشکوکات و یحتاط فی الباقی منها و فی المظنونات و هکذا إلی حدّ یرتفع محذور الاختلال و الحرج و یختلف ذلک باختلاف الأشخاص والأزمان والحالات الطارئة علی المکلّف و الموارد ففی الموارد المهمّة التی علم اهتمام الشّارع بها کالدّماء والأعراض والأموال الخطیرة لابدّ من الاحتیاط حتّی فی الموهمات منها وترک الاحتیاط فی غیرها بما یرفع معه محذور الاختلال والحرج.

فتحصّل: أنّ مقدّمات الانسداد علی تقدیر تمامیّتها عقیمة عن إثبات حجّیّة الظنّ لابنحو الحکومة لما عرفت من أنّ العقل لیس بمشرع لیجعل الظنّ حجّة وإنّما شأنه الإدراک لیس إلاّ، فالجعل والتشریع من وظائف المولی. نعم العقل یدرک ویری المکلّف معذوراً فی مخالفة الواقع مع الإتیان بما یحصل معه الظنّ بالامتثال علی تقدیر تمامیّة المقدّمات ویراه غیر معذور فی مخالفة الواقع علی تقدیر ترک الامتثال الظنّی و الاقتصار بالامتثال الشکیّ أو الوهمی والحکومة بهذا المعنی ممّا لابدّ منه.

و لابنحو الکشف لتوقّفة علی قیام دلیل علی بطلان التّبعیض فی الاحتیاط و لم یقم و علیه فتکون النتیجة التبعیض فی الاحتیاط لاحجّیّة مطلق الظنّ.

ص:117

ولکن ذهب بعض المحقّقین إلی أنّ الحقّ هو تقریر دلیل الانسداد علی نحو یفید الحکومة العقلیة بمعنی أنّ الظنّ مثبت للتکلیف عقلاً لابمعنی المعذوریّة فی مقام الامتثال واستدلّ لذلک بأنّ مسلک التبعیض مبنی علی منجّزیّة العلم الإجمالی و عدم انحلاله بکشف وجود منجّز آخر فی البین بمقدار الکفایة وهی ممنوعة جدّاً لقیام الإجماع والضّرورة علی بطلان الخروج من الدین ولو فرض عدم علم إجمالی راساً أو فرض عدم منجّزیّته للتکلیف.

إذ بمثله یکشف عن وجود مرجع آخر فی البین بمقدار الکفایة غیر العلم الإجمالی موجب لانحلاله ولذلک جعلنا هذا المحذور هو العمدة فی المستند لعدم جواز الإهمال.

هذا مضافاً إلی لزوم سقوطه عن المنجّزیّة أیضاً بمقتضی التّرخیص المطلق فی طرف الموهومات بل المشکوکات من جهة الاضطرار أو الحرج والعسر المقارن للعلم الإجمالی فبعد سقوط العلم الإجمالی یتعیّن تقریر الحکومة إذ بعد انسداد باب العلم والعلمی وعدم ثبوت جعل من الشّارع ولو بمثل ایجاب الإحتیاط یحکم العقل بلزوم اتخاذ طریق فی امتثال الأحکام بمقدار یرتفع به محذور الخروج عن الدین ویتعیّن فی الظنّ باعتبار کونه أقرب إلی الواقع من الشکّ والوهم فیحکم بلزوم الأخذ به والرجوع فیما عداه إلی البراءة ومع حکم العقل بذلک لامجال للکشف لاحتمال إیکال ا لشارع فی حکمه بلزوم تعرّض الأحکام إلی هذا الحکم العقلی إذ مع الاحتمال المزبور لایبقی طریق لکشف جعل من الشّارع فی البین.

ویمکن الجواب عنه: بأنّه لایبعد دعوی العلم الإجمالی بوجود التّکالیف عدیدة بین المظنونات مع قطع النظر عن العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة وبهذا قلنا بانحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة بوجود العلم الإجمالی فی دائرة الصّغیرة وهی

ص:118

دائرة المظنونات ومن المعلوم أنّ انحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة أو عدم منّجزیّته لایضرّ بوجود العلم الإجمالی فی دائرة المظنونات و منجّزیّته و علیه فمقتضی بقاء العلم الإجمالی فی دائرة المظنونات و منجّزیّته هو وجوب الاحتیاط التامّ فی أطرافها لامن باب کون الظنّ مثبتاً للحکم ولا من باب التبعیض فی الاحتیاط بل من باب کون المظنونات هی أطراف المعلوم بالإجمال.

هذا مضافاً إلی أنّ التّرخیص فی بعض أطراف المعلوم بالإجمال لایوجب سقوط العلم الإجمالی عن التنجیز فیما إذا کانت التکالیف متعدّدة.

و علیه فلو لم نقل بانحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة فلامحیص عن حکم العقل بالتبعیض فی الاحتیاط دفعاً لمحذور الاختلال أو العسر والحرج والعقل یحکم بمعذوریّة من أتی بالمظنونات و ترک الموهومات أو المشکوکات دفعاً لمحذور الاختلال أو العسر و الحرج و هذا هو معنی الحکومة العقلیّة فی مقام الامتثال فالحکومة بهذا المعنی ثابتة و أمّا بمعنی جعل الظنّ حجّة عقلاً أو شرعاً فلادلیل له و لاتفیده مقدّمات دلیل الانسداد فتدبّر جیّداً.

التنبیه الثانی:

أنّ دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیّة مقدّمات مختصّ بالفروع ولا یجری فی الاُصول الاعتقادیّة لعدم جواز الاکتفاء بالظنّ فیما یجب معرفته عقلاً وهذا هو مقتضی ماعرفته فی بحث القطع من أنّ الأمارات لاتقوم مقام القطع فیما أخذ القطع علی نحو الصفتیة فاللاّزم فی المسائل الاعتقادیة هو تحصیل العلم لو أمکن ومع العجز عنه کان معذوراً إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضیة المطلب مع قلّة الاستعداد.

ص:119

التنبیه الثالث:

أنّه لاإشکال فی النّهی عن القیاس بناء علی مامرّ من عدم استفادة حجّیّة الظنّ من مقدّمات الانسداد علی تقدیر تمامیّتها إذ لامنافاة بین عدم حجّیّة الظنّ المطلق والنّهی عن القیاس.

بل لاإشکال أیضاً فی النّهی عن القیاس مع استفادة حجّیّة الظنّ المطلق من مقدّمات الانسداد بناء علی الکشف إذ للشارع أن یجعل الحجّیّة لبعض الظنون دون بعض حسبما تقتضیه المصلحة فمع إحراز نهی الشّارع عن القیاس لامجال لکشف العقل عن حجّیّة الظنّ القیاسی وإن کشف حجّیّة الظنّ المطلق شرعاً بدلیل الانسداد.

و إنّما الإشکال فی وجه خروج الظنّ الحاصل من القیاس عن عموم حجّیّة الظنّ بدلیل الانسداد علی تقدیر الحکومة وتقریر الإشکال علی ماحکی عن الأسترآبادی أنّه کیف یجامع حکم العقل یکون الظنّ کالعلم مناطاً للإطاعة و المعصیة و یقبح علی الآمر و المأمور التعدّی عنه و مع ذلک یحصل الظنّ أو خصوص الإطمئنان من القیاس والشّارع لایجوز العمل به والجواب عنه واضح و هو أنّ حکم العقل بذلک معلّقاً علی عدم نصب الشّارع طریقاً واصلاً وعدم حکمه به فیما کان هناک منصوب ولو کان أصلاً بداهته أنّ من مقدّمات حکمه عدم وجود علم ولا علمی فلاموضوع لحکم العقل مع أحدهما فلایکون نهی الشّارع عنه رفع لحکم العقل عن موضوعه بل به یرتفع موضوع الحکم العقلی کما لایخفی.

التنبیه الرابع:

أنّ ظهور الألفاظ حجّة عند العقلاء ولا یرفع الید عنه إذا حصل الظنّ غیر المعتبر علی خلافه وعلیه فلو کان اللّفظ بنفسه ظاهراً فی معنی وخالفه المشهور لایسقط

ص:120

ظهوره عن الحجّیّة فیما إذا کان وجه المخالفة هو اجتهاداتهم لعدم حجّیّة اجتهاداتهم لغیرهم من المجتهدین.

هذا بخلاف ماإذا کان وجه المخالفة هو قیام دلیل عندهم یدلّ علی التّخصیص أو التّقیید کما لعلّه کذلک فی قاعدة القرعة لکلّ أمر مشتبه مع وضوح معناها فاللاّزم حینئذٍ هو رفع الید عن ظهور لفظ یخالفه المشهور فإنّ المتکشّف بالشّهرة حجّة لنا أیضاً.

و بالجملة فالظنّ المستفاد من فتوی المشهور و إن لم یکن علی اعتباره دلیل لکنّه یکشف أحیاناً کشفاً قطعیاً عن المقیّد أو المخصّص فمع هذا الکشف فاللاّزم هو الإتّباع لما ذهب إلیه المشهور و لامنافاة بین أن لایکون الشّهرة فی نفسها حجّة و مع ذلک تکشف عن وجود المقیّد أو المخصّص فلاتغفل.

التنبیه الخامس:

أنّ الثّابت بمقدّمات دلیل الانسداد فی الأحکام علی تقدیر تمامیّتها و إفادة حجّیّة الظنّ فی مقام إثبات التّکلیف هو حجّیّة الظنّ المطلق فی هذا المقام لانسداد باب العلم والعلمی لافی قوله تطبیق المأمور به علی المأتی به فی الخارج و علیه فیرجع إلی الظنّ المطلق فی مقام تعیین الحکم الکلّی و أمّا بعد تعیین الحکم الکلّی و حصول الشکّ فی أنّ المأمور به ینطبق علی المأتیّ به أوّلاً: فلایجوز أن یعتمد علی الظنّ المطلق بل لابدّ من أن یقطع بالانطباق بمقتضی أنّ الاشتغال الیقینی بمقتضی الفراغ الیقینی.

نعم قد یجری دلیل الانسداد فی بعض الموضوعات الخارجیة کموضوع الضّرر أو العدالة أو النّسب ونحوها ممّا لها أحکام کثیرة فإذا کان باب العلم والعلمی فیها منسدّاً فی الغالب بحیث لایعلم به إلّا بعد الوقوع فیه کالضّرر أو بحیث یترک الواجب کما فی العدالة أو النسب و علم أنّ الشّارع لایرضی بذلک ولا یمکن الاحتیاط عقلاً

ص:121

أو شرعاً أمکن دعوی جریان دلیل الانسداد فیه والاکتفاء بمجرّد الظنّ فی ترتّب الأحکام إلّا أنّه لاحاجة إلیه فی مثل الضّرر فی بعض الموارد کالصوم لإناطة جواز الإفطار علی خوف الضّرر فی الرّوایات.

التنبیه السادس:

أنّه هل یکتفی فی تعیین معنی موضوعات الأحکام الکلّیّة بالظنّ الانسدادی أو لا.

و استدلّ للأوّل بأنّ الأخذ بالظنّ فی ناحیة الموضوعات یرجع إلی الأخذ بالظنّ فی تعیین الحکم الکلّی فمع تمامیّة المقدّمات یجوز الرّجوع إلیه إلّا أنّ المقدّمات غیر تامّة لجواز الرّجوع فی موارد الاستعمال أو تراکیب الکلمات إلی أهل اللّغة لأنّهم خبراء ذلک و معه لاتصل النّوبة إلی الاکتفاء بالظنّ الانسدادی فی معنی الموضوعات.

أللّهمّ إلّا أن یقال: أنّ الرّجوع إلی الخبرة لایخرج الرّاجع عن الجهل ولذا لایجوز التّقلید عنه لأنّه جاهل والرّجوع إلیه رجوع الجاهل إلی الجاهل لارجوع الجاهل إلی العالم نعم لو کان اللغویّون متعدّدین جاز الاعتماد علی أقوالهم من جهة الشّهادة و علیه فلاإشکال فی التّقلید عمّن اعتمد علی الشّهادة.

فلو لم یکن المورد من موارد الشّهادة فلاإشکال حینئذٍ فی جواز الاعتماد علی الظنّ من باب الانسداد.

و یلحق به الظنّ الحاصل من توثیق أهل الرّجال فإنّ الأخذ بالظنّ فی ناحیة رجال الحدیث یرجع أیضاً إلی الأخذ بالظنّ فی الحکم الشّرعی فمع تمامیّة المقدّمات یکون الظنّ المطلق حجّة و یصحّ أن یعتمد علیه.

و المقدّمات تامّة. لأنّا مکلّفون علی أخذ قول العدول و الثّقات وتشخیص هؤلاء العدول بتعدیل العدلین بالنّسبة إلی جمیع الرواة غیر میسور. و علیه فالأمر یدور بین

ص:122

رفع التّکلیف وبین الاحتیاط التامّ و بین الاکتفاء بالظنّ فی تشخیصهما. والأوّل ممنوع والثّانی متعذّر أو متعسّر. فانحصر الأمر فی جواز الاکتفاء بالظنّ فی تشخیص الثّقة أو العدل. فیجوز الاعتماد علی الظنّ المستفاد من توثیق أهل الرّجال فی الموارد الّتی لم یتحقّق فیها شهادة العدلین ولله الحمد أوّلاً وآخراً.

ص:123

ص:124

المقصد السابع: فی الأصول العلمیة

اشارة

ص:125

ص:126

فی الاُصول العملیة

اشارة

و لایخفی أنّ مواضع الاُصول العملیّة هی موارد الاشتباه سواء کان الاشتباه من ناحیة فقدان النصّ أو تعارض النصوص أو إجمال الدلیل أو من ناحیة الاُمور الخارجیة.

ثمّ إمّا یکون الیقین السابق فی تلک الموارد ملحوظاً و إمّا لایکون کذلک و الأوّل مجری الاستصحاب مطلقاً و الثانی إمّا یکون الشکّ فیه فی أصل التکلیف و إمّا أن یکون الشکّ فی المکلّف به مع العلم بأصل التکلیف فالأوّل مورد البراءة و الثانی إن أمکن الاحتیاط فیه فهو مجری قاعدة الاحتیاط و إن لم یمکن الاحتیاط فیه کدوران الأمر بین المحذورین فهو مجری قاعدة التخییر.

فتحصّل: أنّ الکلام فی الأصول العملیّة لیعمّ الاستصحاب و البراءة و الاحتیاط و التخییر.

و یقع الکلام فی مقامین أحدهما: فی حکم الشکّ فی الحکم الواقعی من دون ملاحظة الحالة السابقة و هذا یعمّ البراءة و الاحتیاط و التخییر.

و ثانیهما: فی حکم الشکّ بملاحظة الحالة السابقة و هو منحصر فی الاستصحاب.

ص:127

المقام الأوّل:
اشارة

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه: إنّ الشکّ فی المقام الأوّل إمّا فی نوع التکلیف مع العلم بجنسه کما إذا تردّد شیء بین الوجوب و التحریم.

و إمّا فی متعلّق التکلیف مع العلم بنفسه کما إذا علم الوجوب و تردّد بین الظهر و الجمعة.

و الأول و هو التکلیف المشکوک فیه إمّا تحریم مشتبه بغیر الوجوب و إمّا وجوب مشتبه بغیر التحریم و إمّا تحریم مشتبه بالوجوب، هذه عمدة الصور و إلّا فصور الاشتباه کثیرة.

أقسام الشکّ فی التکلیف
اشارة

جعل الشیخ الشکّ فی التکلیف علی أقسام ثمانیة لأنّ الشبهة التکلیفیة تارة وجوبیة و اخری تحریمیة و منشأ الشکّ فیهما إمّا فقدان النصّ أو إجماله أو تعارضه و الشبهة تارة موضوعیة و هی إمّا وجوبیّة و إمّا تحریمیّة و منشأ الشکّ فیهما هی الاُمور الخارجیّة و علیه فصارت الأقسام ثمانیة.

ثمّ إنّه إن زدنا طرفاً آخر کالإباحة و دار الأمر بین الوجوب و الحرمة و الإباحة کانت الأقسام إثنی عشر لاثمانیة لأنّ منشأ الشکّ فی المزید أی الإباحة أربعة و هی فقدان النص أو إجماله أو تعارضه أو الاُمور الخارجیّة ثمّ إنّ البحث عن کلّ قسم مستقلاً غیر لازم لوحدة الملاک فی جمیع الأقسام و هو عدم وصول التکلیف و هو یقتضی البراءة و لذا نقتفی طریق الکفایة فإنّه عمّ البحث لمطلق الشکّ فی التکلیف وعده عمّا ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه من البحث عن کلّ واحد من الأقسام المذکورة فتدبّر.

ص:128

الفصل الأوّل: أصالة البراءة
اشارة

الفصل الأوّل أنّه إذا شکّ فی وجوب شیء و لاحجّة علیه جاز له الترک و إذا شکّ فی حرمة شیء و لاحجّة علیها جاز له ارتکابه و ذلک لقیام الأدلّة العقلیّة والشرعیّة علی جواز الترک و الفعل فیهما.

و لافرق فیما ذکر بین أن یکون عدم قیام الحجّة من جهة فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصین بناء علی التوقف و ا لتساقط فی تعارض النصّین فیما لم یکن بینهما ترجیح.

و أمّا مع القول بالتخییر عند تعارض النصّین فلامجال للبرائة لتمامیّة البیان و هو الدلیل الدالّ علی التخییر.

أدلّة القائلین بالبراءة فی الشکّ فی التکلیف

و استدلّ لها فی الشکّ فی التکلیف بالأدلّة الأربعة:

أمّا من الکتاب فبآیات:

منها قوله تعالی:(مَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری وَ ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً) (1)

و تقریب الاستدال بالآیة الکریمة أنّ قوله تعالی:(مَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْری وَ ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً) نزیه للحق المتعال و هو یرید بهذا البیان أنّ التعذیب قبل البیان مناف لمقامه الربوبی و أنّ شأنه تعالی أجلّ من أن یرتکب هذا الأمر لأن التعذیب فی هذه الصورة قبیح مستنکر یستحیل صدوره منه.

ص:129


1- (1) الاسراء، 15.

و ظاهر هذا الترکیب أی و ما کنّا معذّبین أنّ ذلک هو الطریقة العامّة للشارع التی لایناسبه و لایلیق به غیرها کما یظهر من مراجعة أمثال هذا الترکیب عرفاً و هو یفید عدم الاستحقاق و یظهر ذلک من استقراء موارد استعمال هذه الجملة أی «ما کان» أو «ما کنّا» کقوله تعالی:(وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ) (1) و قوله عزّوجلّ:(ما کانَ اللّهُ لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتّی یَمِیزَ الْخَبِیثَ مِنَ الطَّیِّبِ وَ ما کانَ اللّهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَ لکِنَّ اللّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَکُمْ أَجْرٌ عَظِیمٌ) و قوله تعالی (وَ ما کانَ اللّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ وَ ما کانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ) .(2)

إذ جملة الفعل الماضی من هذه المادة منسلخة عن الزمان فی هذه الموارد فیکون المراد أنّ التعذیب قبل البیان لایلیق به و مع عدم لیاقة التعذیب قبل البیان تدلّ الآیة فی المقام علی عدم کون العبد مستحقاً للعقاب إذ مع فرض استحقاق العبد لاوجه لعدم کونه لائقاً به تعالی.

و هنا إشکالات حول الاستدال بالآیة ولکنّها مندفعة نعم لایستفاد من الآیة أکثر ممّا یستفاد من حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان فلو دلّ الدلیل علی لزوم الاحتیاط أو التوقّف لصار ذلک نفسه بیاناً و وارداً علی الآیة کما علی الحکم العقلی فتدبر جیداً.

ومنها: قوله تعالی:(لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَیَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً) .(3)

ص:130


1- (1) التوبة، 115.
2- (2) انفال، 33.
3- (3) الطلاق، 7.

بدعوی أن إسم الموصول فی قوله عزّوجلّ (ما آتاها) یشمل ذات التکلیف بالإطلاق کما یشمل ذات المال و علیه فتدلّ الآیة علی أنّه تعالی لایؤاخذ و لایطالب شیئاً إلّا إذا آتاه و الإیتاه فی التکلیف بإیصاله إلی المکلّف کما أنّ الإیتاء فی المال بإعطائه و إقداره فالآیة الکریمة تنفی المؤاخذه بالنسبة إلی التکالیف إذا لم تکن واصلة و هذا هو المطلوب و بعبارة اخری أنّ إطلاق الموصول یکفی فی إثبات عدم تقیّده بالأمر الخارجی کما أنّ إطلاق الإیتاء یمنع عن تخصیصه بالإعطاء فالموصول یشمل ذات الحکم الاعتباری کما یشمل الأمر الخارجی و الإیتاء یشمل الإعلام کما یشمل الإعطاء و یشهد علی ذلک خبر عبد الأعلی مولی آل سام عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قلت لأبی عبدالله علیه السّلام أصلحک الله هل جعل فی الناس أداه ینالون بها المعرفة قال لا (فقال) قلت فهل کلّفوا المعرفة قال لا علی الله البیان لایکلّف الله نفساً إلّا وسعها و لایکلّف الله نفساً إلّا ما آتاها الحدیث فإنّه یدلّ علی أنّ الموصول فی قوله تعالی ما آتاها یعمّ التکلیف بالمعرفة أیضاً و علیه فالإیتاء أعمّ من الإقدار و الإعلام بقرینة هذه الروایة لأنّ قوله علیه السّلام لاعلی الله البیان یدلّ علی أنّ المراد. من قوله «ما آتاها» هو معنی یشمل البیان و الإعلام أیضاً. و الحاصل أنّ مع إطلاق الموصول و الإیتاء ینطبق الآیة الکریمة علی المقام بلاکلام.

حدیث رفع ما لایعلمون
اشارة

منها: صحیحة حریز بن عبدالله عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفع عن امتّی تسعة الخطأ و النسیان و ما اکرهوا علیه و ما لایعلمون و ما لایطیقون و ما أضطروا إلیه و الحسد و الطیرة و التفکر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطق بشفة».

ص:131

بدعوی أنّ الحدیث یدل علی رفع الإلزامات المجهولة عن الأمّة فی مرحلة الظّاهر و مع الرفع و الترخیص الظاهری لامجال لوجوب الاحتیاط و مع عدم وجوب الاحتیاط لامورد للمؤاخذة و العقاب.

وتوضیح ذلک یتوقّف علی تقدیم امور:

الأمر الأوّل:

أنّ قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل فی الأحکام تصلح للقرینیّة علی أنّ المرفوع لیس هو الحکم الواقعی بوجوده الواقعی و إلّا لزم أن یکون الحکم الواقعی مختصّاً بالعالمین و هو ینافی قاعدة الاشتراک و حسن الاحتیاط.

و علیه فالمرفوع هو الحکم الواقعی فی مرتبة الظّاهر لابوجوده الواقعی و معناه هو الترخیص فی ترکه و هو لایساعد مع وجوب الاحتیاط.

الأمر الثانی:

أنّ بعد ما عرفت من أنّ الرفع مسند إلی نفس الحکم الواقعی فی مرحلة الظّاهر لاوجه لإسناد الرفع إلی وجوب الاحتیاط کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه مع أنّه خلاف الظاهر.

نعم عدم وجوب الاحتیاط من لوازم رفع الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر.

الأمر الثالث:

أنّ المرفوع إذا عرفت أنّه نفس الحکم المجهول فی مرحلة الظّاهر فتقدیر المؤاخذة أو الأثر المناسب أو جمیع الآثار خلاف الظّاهر لأنّ التقدیر بأحد الأنحاء المذکورة بدلالة الاقتضاء متفرّع علی عدم إمکان إسناد الرفع إلی نفس ما لایعلمون

ص:132

و غیره و مع وضوح إمکانه فالمرفوع هو الحکم الواقعی فی مرحلة الظّاهر شرعاً کنفی الضّرر فی حدیث لاضرر فإنّه أیضاً نفی تشریعی بمعنی أنّ الضّرر من أیّ جهة کان محکوم بالنفی شرعاً و مقتضی رفع الحکم شرعاً هو رفع تنجیزه.

و التحقیق أنّ الرفع فی المقام لایحتاج إلی ادّعاء و عنایة أصلاً فإنّ الرفع رفع عن الأمّة و معنی رفع الأحکام عن الأمّة رفع ثقلها عنهم و ثقلها هو لزومها و تنجیزها و إسناد رفع إلی اللزوم و التنجیز حقیقی و لایحتاج فیه إلی العنایة و الادّعاء و هکذا الأمر بالنسبة إلی سایر الفقرات من الروایة أی رفع ما اضطرّوا إلیه و ما استکرهوا و غیرهما مع قید عن الأمّة.

إذا عرفت هذه الاُمور فاتّضح أنّ حدیث الرفع یدلّ علی أنّ الإلزامات المجهولة الموجودة فی الواقع مرفوعة عن الأمّة فی مرحلة الظاهر.

و معنی رفعها هو رفع ثقلها و لامنافاة بین وجود إلزام واقعاً و بین الترخیص الظاهری لإمکان الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بذلک و مع رفع الحکم فی مرحلة الظّاهر لایجب الاحتیاط و مع عدم وجوب الاحتیاط لامجال للعقاب و المؤاخذة.

ثمّ إنّ حدیث الرفع لایختصّ بالشبهات الموضوعیة بل یعمّ الشبهات الحکمیة لإطلاق الموصول فی رفع ما لایعلمون.

و دعوی أنّ أخوات فقرة رفع ما لا یعلمون یمکن أن تکون قرینة لاختصاص رفع ما لایعلمون بالشبهات الموضوعیّة لأنّ رفع ما اضطرّوا إلیه أو رفع ما استکرهوا علیه لایشمل غیر الشبهات الموضوعیة.

ص:133

مندفعة بأنّ عموم الموصول إنّما یکون بملاحظة سعة متعلّقه وضیقه فقوله صلی الله علیه و آله و سلّم «ما اضطرّوا إلیه» ارید منه کل ما اضطرّ إلیه فی الخارج غایة الأمر لم یتحقّق الاضطرار بالنسبة إلی الحکم فیقتضی اتحاد السیاق أن یراد من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «ما لایعلمون» أیضاً کل فرد من أفراد هذا العنوان ألاتری أنّه إذا قیل ما یؤکل و ما یری فی قضیة واحدة لایوجب انحصار الأوّل فی بعض الأشیاء تخصیص الثانی به.

تنبیهات حدیث الرفع
التنبیه الأوّل:

أنّ الرفع فی حدیث الرفع حیث إنّه رفع عن الأمّة یکون ظاهرا فی رفع الثقل عن الأمّة و من المعلوم أنّ رفع الثقل عن الاُّمة ممّا یصلح للامتنان علیهم.

و السبب فی هذا الرفع هی العناوین العارضة المذکورة فی الحدیث من الجهل و الخطأ و النسیان و الإکراه و الاضطرار و عدم الطاقة و المرفوع هی الأحکام الثابتة فی موارد عروض هذه العناوین و أمّا أحکام نفس هذه العناوین کوجوب سجدتی السهو و غیره ممّا یترتب علی نفس هذه العناوین فلیست مرتفعة أصلاً.

و علیه فالمراد من رفع الخطأ و النسیان مثلاً هو رفع أحکام ما أخطاؤا أو نسوا فیه لارفع حکم الخطأ و النسیان.

ثمّ إنّ الرفع حیث یختصّ برفع کلّ حکم ثقیل علی الأمّة لایشمل ما لایکون رفعه رفع الثقیل و هذا هو وجه الفرق بین فعل حرام اضطرّ إلیه و بین معاملة اضطرّ إلیها فإنّ حدیث الرفع یجری فی الأوّل دون الثانی لأنّ رفع الحرمة فی الاوّل امتنانی دون رفع الصحّة فی الثانی لأنّ صحّة الثانی لیست بثقیلة بل الأمر بالعکس بخلاف بیع المکره فإنّ صحّته ثقیلة علیه و رفع صحته یکون امتنانیاً لایقال: إنّ الامتنان نکتة الحکم لاعلّته و علیه فلم لم یؤخذ بإطلاق حدیث الرفع فی غیر موارد الامتنان.

ص:134

لأنّا نقول: إنّ تقیید رفع التسعة بقوله عن الأمة ظاهر فی رفع الثقل عنهم و هو امتنان بظاهر الکلام و لذلک لایشمل حدیث الرفع غیر موارد الامتنان.

هذا بخلاف حدیث لاضرر فإنّ الامتنان فیه من باب نکتة الحکم لاالظهور اللفظی و لذا یقع البحث عن شموله بالنسبة إلی موارد الامتنان فیها و عدم شموله.

و یتضرّع علیه اختصاص المرفوع بالآثار التی لایلزم من رفعها خلاف الإرفاق و الامتنان علی المکلّف و علیه فلایجری إذا شکّ فی شرط فی أصل التکلیف کالاستطاعة فی الحج لأنّ رفعه یقتضی وضع التکلیف الثقیل علی المکلّف و هو خلاف الإرفاق بخلاف إذا شکّ فی شرائط الواجب فإنّ رفعه فیها یوجب الإرفاق کما لایخفی.

التنبیه الثانی:

أنّ الرفع فی حدیث الرفع ظاهر فی معناه و هو إزالة الشیء عن صفحة الوجود بعد حصوله و تفسیره بالدفع خلاف الظّاهر و حیث إنّ الحکم مع قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل لایمکن رفعه فالرفع متعلّق بإلزامه فی مرحلة الظّاهر و هکذا الأمر فی سائر الفقرات فإنّ الرفع متعلّق بإلزام أحکام مواردها.

لایقال: إنّ الخطاب لایشمل الناسی و العاجز و نحوهما فلابّد أن یکون الرفع بالنسبة إلیهم بمعنی الدفع لاالرفع.

لأنا نقول: نمنع ذلک بل الرفع فی الموارد المذکورة بمعنی الرفع أیضاً لأنّ الخطا بات شاملة لهم بحسب الإرادة الاستعمالیة و هذه الخطابات قابلة للرفع و إن کان الرفع بالنسبة إلی الإرادة الجدیّة دفعاً.

لایقال: إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة لاحکم لها حتی یکون الرفع بالنسبة إلیها مستعملاً فی معناه بل اللازم أن یکون الرفع فیها، بمعنی الدفع.

ص:135

لأنا نقول: نمنع ذلک بل الرفع فی الموارد المذکورة بمعنی الرفع أیضاً لأنّ الخطابات شاملة لهم بحسب الإرادة الاستعمالیة و هذه الخطابات قابلة للرفع و إن کان الرفع بالنسبة إلی الإرادة الجدیّة دفعا.

لایقال: إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة لاحکم لها حتی یکون الرفع بالنسبة إلیها مستعملا فی معناه بل اللازم أن یکون الرفع فیها بمعنی الدفع.

لأنّا نقول: إنّ الفقرات الثلاثة من الأفعال القلبیة و بهذا الاعتبار یمکن تعلّق الحرمة بها فالحسد بمعنی تمنّی زوال النعمة عن الغیر فعل من الأفعال القلبیة و یمکن الحکم بحرمته و هکذا الوسوسة و الطیرة و الشاهد علیه کون هذه الأفعال محکومة بالأحکام فی الشرائع السابقة و مقتضی عمومها بحسب الزمان أن یکون حکمها باقیاً فی عامة الأزمنة و بحسب هذا الاعتبار یکون الرفع بالنسبة إلیها بمعناه الحقیقی أی الإزالة.

ثمّ لایذهب علیک أنّ مع وجود الإطلاقی و الإستعمالی لاحاجة إلی اعتبار الوجود سابقاً لیکون الرفع بمعناه الحقیقی کما لایخفی.

لایقال: إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة فی التفکر فی الخلق لیست اختیاریة حتی یکون لها أحکام.

لأنّا نقول: إنّ هذه الاُمور و إن کانت بنفسها غیر اختیاریة ولکنّها باعتبار مبادیها کانت تحت الاختیار لإمکان التحرّز عنها باختیار مبادی أضدادها فلامانع من أن یتعلّق بها أحکام بهذا الاعتبار.

ص:136

التنبیه الثاث:

أنّه لاإشکال فی قبح مؤاخذة الناسی و العاجز و المخطی بحکم العقل و علی هذا یرد علی الروایة أمران أحدهما: أنّ هذا لایختصّ بالأمة المرحومة لأنّ الحکم العقلی لایختصّ بزمان دون زمان.

وثانیهما: أنّ الروایة ظاهرة فی الامتنان مع أنّه لامنّة فی رفع ما هو قبیح عند العقل.

یمکن أن یقال: إنّا نمنع استقلال العقل بقبح الموأخذة فی الناسی و المخطی مع کون مبادی أضداد هما تحت الاختیار فإنّ مع شرک التحفظ لایقبح المؤاخذة فإذا لم تکن المؤاخذة قبیحة أمکن تصور الامتنان عند رفع الإلزام و المؤاخذة عند النسیان و الخطأ.

و هکذا العقل لایستقلّ بقبح المؤاخذة فیما لایتحمل عادة لافیما لایقدر علیه أصلاً فرفع المؤاخذة فیما لایتحمّل عادة ممکن و یکون امتنانیاً.

التنبیه الرابع:

أنّه لافرق بین أن یکون متعلّق الحکم هو الفعل أو الترک اذ أیّ واحد منهما فله حکم و أثر ثقیل یکون قابلاً للرفع و علیه فلو نذر شرب ماء الفرات فأکره علی الترک فالإکراه موجب لرفع حکم الترک و هو الحنث من الکفارة فلاوجه لتخصیص المرفوع بآثار الأمور الوجودیة لأنّ حکم الترک کحکم الفعل حکم حقیقی ثقیل و قابل للرفع ثمّ إنّ المرفوع فی مثل رفع النسیان و الخطأ نفس النسیان و نفس الخطأ و یؤول نفیهما مع أنّهما قد یقعان کثیراً کنایة عن فرض عدم صدورهما و جعل خطأه و نسیانه بمنزلة العدم فکأنّه فرضه أتیا بالواجب و تارکا للمحرم فیما إذا 166

ص:137

اترک الواجب أو أتی نسیان أو خطأ و علی هذا نقول و إن کان ظاهر الرفع فی قبال الدفع هو جعل الموجود بمنزلة المعدوم إلّا أنّ المرفوع یکون نفس صفة النسیان و الخطأ الموجودین إدّعاء باعتبار رفع الفعل أو الشرک الصادر عن المکلّف عن نسیان و خطأ و جعله بمنزلة العدم.

و علیه فکما یستفاد من الحدیث الرفع فی بعض الأحیان فکذلک یستفاد منه الوضع فی بعضها الآخر فلاموجب لاختصاص الحدیث برفع الأمور الوجودیة.

ثمّ لایذهب علیک أنّه لاوجه لجعل المرفوع بنفس المنسی بعد عدم إمکان أن یکون المرفوع هو نفس النسیان لشمول نفی النسیان لکلّ ما یکون ناشئاً عن النسیان و لو لم یکن بنفسه منسّیاً.

فمن هذا یعلم أنّه لایختصّ المرفوع بالحکم المتعلّق بالشیء أو الحکم الترتب علی الشیء بل یشمل ما یکون ناشئاً عن الخطأ و النسیان و مرتبطاً بهما بنحو من الأنحاء لأنّ ذلک هو مقتضی فرض النسیان أو الخطأ الموجود بمنزلة العدم من دون تقیید و تخصیص فلو فرض أحد یضطر أو یکره علی التکلم فی الصلوة فحرمة القطع مرفوعة بالاضطرار أو الإکراه بل یرتفع لازم التکلم من الإعادة و الفضاء المترتبین علی عدم الإتیان بالمأمور به أیضاً لأنّ منشأ هما هو الاضطرار أو الإکراه فإذا ارتفع الاضطرار أو الإکراه ارتفع لوازمهما أیضاً.

التنبیه الخامس:

أنّه لو نسی شرطاً أو جزءاً من المأمور به هل یمکن تصحیح المأتی به بحدیث الرفع أولا: ذهب بعض الأعاظم إلی الثانی مستدلاًّ بأنّ الحدیث لایشمل الاُمور العدمیة یمکن الجواب عنه کما مرّ بأنّه لاوجه لتخصیص المرفوع بآثار الاُمور

ص:138

الوجودیة لأنّ حکم الترک کحکم الفعل ثقیل و قابل للرفع فإعادة الواجب أو قضائه من ناحیة نسیان الجزء أو الشرط ثقیل و یکون مرفوعا.

و علیه فحدیث الرفع حاکم علی أدلّة المرکّبات أو علی أدلّة اعتبار الأجزاء و الشرائط و مقتضاه هو اختصاص الأجزاء و الشرائط بغیر حال النسیان و یکون تمام الأمور به فی حق المکلّف عامة الأجزاء و الشرائط غیر المنسیة وعلیه فالمأتی به حال النسیان موافق للمأمور به و مع المطابقة یصح المأتی به کما لایخفی.

ثمّ إنّ مقتضی ما عرفت من إمکان تصحیح المأتی به بحدیث الرفع هو عدم الفرق بین کون النسیان مستوعباً لجمیع الوقت و عدمه إذ مع شمول حدیث الرفع یکون المأتی به موافقاً للمأمور به و نتیجة ذلک هو سقوط الأمر المتعلّق بالمأمور به فلایبقی أمر حتی یجب إعادته فضلاً عن قضائه نعم لو دلّ دلیل خاصّ علی لزوم الإعادة لزم تخصیص حدیث الرفع. هذا کلّه بالنسبة إلی العبادات و أمّا المعاملات فیمکن أن یقال: إنّ النسیان مثلاً إن تعلّق بالسبب المقوّم أو الشرط المقّوم ممّا یکون قوام العقد به عرفاً کإرادة تحقّق معناه فلاریب فی بطلان المعاملة إذ لیس هنا عقد عرفاً حتی یتّصف بالصحّة ظاهراً.

و إن تعلّق بشرط من الشرائط الشرعیّة لکون العقد عربیاً فلاإشکال فی إمکان تصحیحه بحدیث الرفع فإنّ العقد محقّق قطعاً فی نطرالعرف فمع حکومة حدیث الرفع و سقوط الشرط المذکور عن الشرطیة یصیر العقد الصادر عقداً مؤثّراً فلاتغفل.

التنبیه السادس:

أنّه لااختصاص لحدیث الرفع بالأحکام التکلیفیة بل یعمّ الأحکام الوضعیّة فکما أنّ حدیث الرفع یرفع الحرمة و الوجوب فکذلک یرفع المفطریّة ونحوهما و علیه

ص:139

فلو أکره علی إیجاد المفطر فلایوجب بطلان الصوم و ذلک لأنّ المفطریّة من الأحکام المجعولة لمثل الأکل و مقتضی إطلاق رفع ما استکرهوا علیه هو رفع المفطریة بالإکراه و حیث إنّ حدیث الرفع حاکم بالنسبة إلی الأدلة الاوّلیة یوجب ذلک تخصیص المفطریة بحال غیر الإکراه و علیه فلایسقط الأمر المتعلّق بالمجموع من التروک فی باب الصوم و مع عدم السقوط فالمأتی به موافق للمأمور به و مع الموافقة لامجال لدعوی الملازمة بین ترک المأمور به و لزوم القضاء لعدم تحقّق موضوعه و هو ترک المأمور به.

لایقال: إنّ الموافقة و المخالفة والصحّة و الفساد لیست من الأمور الجعلیّة حتی تکونا قابلتین للرفع و الوضع.

لأنّا نقول: إنّ الموافقة و المخالفة للمأمور به و إن لم تکونا مجعولتین ولکنّهما قابلتان للرفع و الوضع بسبب إمکان وضع منشأهما و رفعه.

و دعوی أنّ الإکراه فی العبادات کالإکراه فی المعاملات فکما أنّ الإکراه فی المعاملات فی الأجزاء أو الشرائط یوجب البطلان فکذلک فی العبادات.

مندفعة بوضوح الفرق بینهما فإنّ مقتضی کون حدیث الرفع مختصّاً بموارد الامتنان هو رفع ثقل لزوم المعاملة و نفوذها بسبب الإکراه لأنّ اللزوم خلاف الامتنان و لذا یحکم ببطلان المعاملات إذا أکره علیها. هذا بخلاف باب العبادات فإنّ الحکم بلزوم الإعادة أو القضاء عند الإکراه خلاف الامتنان فالفارق هو اختلاف الموارد فی الامتنان و عدمه.

فتحصّل: أنّه یجوز الأخذ بعموم الحدیث فی الأحکام الوضعیة أیضاً ما لم تکن قرینة علی الاختصاص أو التخصیص ولکنه محلّ تأمّل لعدم ثبوت العمل بإطلاق حدیث الرفع.

ص:140

التنبیه السابع:

أنّه ربّما یفصل بین الإکراه علی إیجاد المانع الشرعی و بین الإکراه علی ترک الجزء أو الشرط بأنّه لو تعلّق الإکراه علی إیجاد مانع شرعی فإن کان العاقد مضطراً اضطراراً عادیاً أو شرعیاً لإیجاد العقد و المکره یکرهه علی إیجاد المانع فالظّاهر جواز التمسّک به لرفع مانعیة المانع فی هذا الظرف و إن لم یکن مضطراً للعقد فالظّاهر عدم صحّة التمسّک لعدم صدق الإکراه مع إمکان التفصّی عنه.

و لو تعلّق الإکراه علی ترک الجزء و الشرط فإن کان مضطراً فی أصل العقد عادة أو شرعاً فمحصّل المختار فیه عدم جریان الحدیث لرفعهما فی هذه الحالة لأنّ الإکراه قد تعلّق بترک الجزء أو الشرط و لیس للترک بما هو أثر شرعی قابل للرفع غیر البطلان و وجوب الإعادة و هو لیس أثراً شرعیاً بل من الاُمور العقلیّة فإنّ ما یرجع إلی الشارع لیس إلّا جعل الجزئیة أو الشرطیة تبعاً أو استقلالاً و أمّا إیجاب الإعادة و القضاء بعد عدم انطباق المأمور به علی المأتی به فإنّما هو أمر عقلی یدرکه هو عند التطبیق و عدمه.

و یمکن الجواب بأنّ منشأ هذا التفصیل هو زعم لزوم تقدیر الأثر فی حدیث الرفع و أمّا علی ما عرفت من عدم الحاجة إلی التقدیر فلاوجه له لأنّ مفاد حدیث الرفع أنّ الإلزامات المجهولة أو المنسیة أو المکره علیها أو المضطر إلیها رفعت ثقلها بعروض هذه الطواری و من المعلوم أنّ التدارک و الإعادة ثقیل علی المکلّفین و هما من لوازم بقاء الإلزامات المذکورة و مقتضی حدیث الرفع هو رفع ثقل هذه الإلزامات به منها بقاء و معنی ذلک عدم وجوب التدارک و الإعادة من دون فرق بین النسیان و الإکراه و من دون تفاوت بین کون الإکراه علی ترک الجزء أو الشرط و بین الإکراه علی إیجاد المانع إذ الحدیث یعمّ الجمیع.

ص:141

و لاحاجة إلی تقدیر الأثر الشرعی حتی یقال إنّ وجوب الإعادة لیس أثراً شرعیّاً فی حدّ نفسه و لاأثراً مجعولاً لبقاء الأمر الأوّل بل هو أمر عقلی منتزع یحکم به إذا أدرک مناط حکمه و إن أمکن الجواب عنه بکفایة کون وضع منشأه و رفعه بید الشارع فالأقوی هو عموم حدیث الرفع و عدم صحة التفصیل المذکور فلاتغفل.

التنبیه الثامن:

أنّ المرفوع فی حدیث الرفع هی أحکام الأفعال التی یکون للاختیار و العمد دخل فیها و أمّا ما لادخل لهما فیها فلایشمله حدیث الرفع.

و علیه فلایرفع حدیث الرفع مثل النجاسة الحاصلة بالملاقاة حال الجهل أو الإکراه أو الإضطرار و إن قلنا بأنّ التنجّس من الأحکام لعدم مدخلیة الاختیار و العمد فی الحکم بالنجاسة بل هی حاصلة بالملاقاة و هی من الأمور الواقعیة الخارجیة التکوینیة و لادخل لفعل الانسان فیها.

و إنّما حدیث الرفع یرفع أحکام أفعال النجاسة ما دامت العناوین المذکورة موجودة و لذا لو صلی فی النجس خطأ أو نسیاناً أو جهلاً أو اضطراراً أو إکراهاً فحدیث الرفع یدلّ علی رفع حکمه و ثقله فیحکم بصحّة صلاته فیه لارفع تنجس الملاقی کما لایخفی.

و قد أورد علیه بأنّ ما ذکرو إن کان تامّاً بالنسبة إلی مثل النجاسة ولکن لایتم بالنسبة إلی إتلاف مال الغیر نسیاناً فإنّ الإتلاف فعل للمکلّف و مقتضی ما ذکر أن یکون الحکم بالضمان مرفوعاً عند النسیان و معذلک محکوم بالضمان و هکذا مسّ المیّت فإنّه فعل للمکلّف و لیس کالملاقاة التی تقع بین شیئین من دون استناد إلی المکلّف و مقتضی شمول حدیث الرفع هو عدم وجوب الغسل مع أنّ المعلوم خلافه.

ص:142

أللّهمّ إلّا أن یقال: بالتخصیص او التخصّص حیث أنّ فی مثل الضمان بالإتلاف أو الغسل بمسّ المیت لم یعتبر فیه الاختیار و العمد و الکلام فیما إذا اعتبرا فیه فتدبّر جیّداً.

فتحصّل إلی حدّ الآن انّ اللازم فی تطبیق حدیث الرفع أمور:

أحدها: أن یکون المرفوع هو الحکم لاالموضوع و الفعل و لافرق فی الحکم بین أن یکون تکلیفیاً أو وضعیّاً

وثانیها: أن یکون لفعل المکلّف دخل فی ترتّب الحکم.

وثالثها: أن یکون للاختیار دخل فی موضوع الحکم أو متعلّقه فالمرفوع هو حکم فعل أو ترک من الأفعال أو التروک الاختیاریة للمکلّف لاحکم وجود شیء أو عدمه من دون دخل لفعل المکلّف و ترکه أو اختیاره فیه.

ورابعها: أن یکون رفع الحکم امتنانا علی الأمّة فما لاامتنان فیه بالنسبة إلی الأمة کرفع الضمانات عند عروض بعض هذه العناوین لایشمله حدیث الرفع.

التنبیه التاسع:

انّه ربّما یفصل فی الشکّ فی المانعیة بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة فی الإجزاء و عدمه فلو شک فی مانعیة شیء للصلاة فحدیث الرفع یدل علی صحة صلاته مادام شاکّاً و أمّا إذا قطع بکونه مانعاً وجب علیه إعادتها فی الوقت و قضاؤها فی خارجه کما هو مقتضی القاعدة فی الأحکام الظاهریة.

هذا بخلاف الشکّ فی انطباق عنوان ما هو مانع علی شیء فإنّه لایبعد أن یقال بالإجزاء و إن علم بعد العمل بالانطباق کما لو صلّی مع لباس شک فی أنّه مأکول

ص:143

اللحم صحّ صلاته لأنّ مقتضی رفع الآثار عن هذا المشکوک هو تخصیص المانع بصورة العلم و لایمکن هذا القول فی الشبهة الحکمیة لاستحالة تخصیص المانع بصورة العلم بالمانعیة.

وأجیب عنه بأنّ المستحیل إنّما هو جعل المانعیة ابتداء فی حق العالم بها لاستلزامه الدور و أمّا جعلها ابتداء بنحو الإطلاق ثمّ إخراج ما هو مشکوک المانعیة بضمیة حدیث الرفع بأن یرفع فعلته مانعیة فی حال من الأحوال فلیس بمستحیل فمع حکومة حدیث الرفع تخصیص المانعیة علی غیر هذه الصورة التی یوجد فیها إحدی العناوین المذکورة فی الحدیث و علیه فالآتی بالمأمور به مع المانع آت لما هو موافق للمأمور به و لازمه سقوط الأمّة و انتفاء الإعادة و القضاء و هکذا الکلام فی الشرطیة و الجزئیة إذ لاوجه لتخصیص البحث بالمانعیة.

ص:144

حدیث الحجب

ومنها: أی من السنة التی استدلّ بها علی البراءة حدیث الحجب.

روی الصدوق علیه الرحمه فی التوحید قال حدثنا أحمد بن محمّد بن یحیی العطار رضی الله عنه عن أبیه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی عن أبی عبدالله علیه السّلام قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.(1)

ورواه فی الکافی عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی عن أبی عبدالله علیه السّلام قال ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم.(2)

و قد أورد علیه من جهة السند من أنّ أبا الحسن زکریا بن یحیی المذکور فی السند مشترک بین التمیمی و الواسطی الثقتین و بین الحضرمی و الکلابی و النهدی و النصرانی الأب المجهولین و إن ذکر صاحب جامع الرواة هذه الروایة ذیل ترجمة الواسطی الثقة إلّا أنّه لاحجة فیه فالروایة لیس فیها حجة.(3)

ص:145


1- (1) کتاب التوحید باب 64 باب التعریف و البیان و الحجة و الهدایة، ح 9.
2- (2) الکافی، ج 1، ص 164 باب حجج الله علی خلقه، ح 3.
3- (3) تسدید الاُصول، ج 2، ص 142.

یمکن أن یقال: إنّ زکریا بن یحیی المکنی بأبی الحسن غیر النصرانی و الحضرمی و الکلابی و النهدی لعدم تکنیتهم بأبی الحسن و علیه فلیس المکنی بأبی الحسن غیر التمیمی و الواسطی و المفروض أنّهما ثقتان.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الثقتین أیضاً لم یثبت تکنیتهما بأبی الحسن أیضاً و معه إمّا هو غیر المذکورین مطلقاً أو محتمل بینهم فیبقی الاشتراک و الجهالة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنه ذکّار بن یحیی و ذکره النجاشی مع کنیته و هو ثقة فتأمّل هذا مضافاً إلی أنّ التمیمی و الواسطی لهما کتابان کما نص علیه النجاشی و غیرهما لیس له کتاب و لعلّ هذا قرینة علی أنّ من روی عنه مثل داود بن فرقد الذی بلغ من الجلالة إلی أن روی عنه صفوان و أحمد بن أبی نصر البزنطی و ابن أبی عمیر هو من له کتاب و هو کما نص النجاشی علیه هو التمیمی و الواسطی الثقتین و علیه فیتمیزّان عن غیرهما بنقل مثل داود بن فرقد فتدبر.

هذا مضافاً إلی أنّ مضمون الخبر المذکور معتضد بالروایات المتعددة الأخری.

منها: معتبرة برید بن معاویة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال لیس لله علی خلقه أن یعرفوا و للخلق علی الله أن یعرفهم و لله علی الخلق إذا عرفهم ان یقبلوا(1) بدعوی دلالتها علی رفع التکلیف بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة فالتکلیف بالقبول یتوقف علی المعرفة فإذا کان المکلّف جاهلاً بالأحکام الواقعیة فلاتکلیف فیعارض ما یدل علی وجوب الاحتیاط و منها معتبرة عبد الأعلی بن أعین قال سالت أباعبدالله علیه السّلام من لم یعرف شیئاً هل علیه شیء قال لا.(2) بدعوی شموله الجاهل المرکب و البسیط

ص:146


1- (1) الکافی، ج 1، ص 164 باب حجج الله علی خلقه، ح 1.
2- (2) الکافی، ج 1، ص 164 باب حجج الله علی خلقه، ح 2.

کما یشمل الغافل فنفی العقوبة و الکلفة من ناحیته ما لم یعرفه من الأحکام الواقعیة بقوله «لا» یدل علی عدم وجوب الاحتیاط و یتعدی منه إلی الجاهل ببعض الأحکام بعد الفحص لعدم الفصل بینهما فتعارض ما یدل علی وجوب الاحتیاط.

ومنها: معتبرة حمزة بن الطیار عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قال لی أکتب فأملی علیّ انّ من قولنا انّ الله یحتج علی العباد بما آتاهم و عرّفهم، الحدیث(1) بدعوی أنّه یدل علی نفی العقوبة علی مخالفة الأحکام المجهولة غیر الواصلة إلی المکلّف بناء علی ظهوره فی إیتاء الأحکام الواقعیة بعناوینها الأولیة و معرفتها کذلک فیعارض حینئذٍ ما دلّ علی وجوب الاحتیاط و إلّا فإن کان الإیتاء أعمّ من الأحکام الظاهریة فلاتقاوم أدلة الاحتیاط و ممّا ذکر یظهر وجه الاستدلال بالأخبار الآتیة أیضاً.

و منها: معتبرة حمزة بن محمّد الطیار عن أبی عبدالله علیه السّلام فی قول الله عزّوجلّ:(وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ)2 قال حتی یعرّفهم ما یرضیه و ما یسخطه و قال (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها)3 قال بیّن لها ما تأتی و ما تترک و قال (إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً) (2) قال عرّفناه إما آخذ و إمّا تارک و عن قوله (وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَیْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمی عَلَی الْهُدی فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ) (3) قال عرّفناهم فاستحبّوا العمی علی الهدی و هم یعرفون - و فی روایة بیّنالهم -.(4)

ص:147


1- (1) الکافی، ج 1، ص 164 باب حجج الله علی خلقه، ح 4.
2- (4) انسان، 3.
3- (5) فصلت، 17.
4- (6) الکافی، ج 1، ص 163 باب البیان و التعریف، ح 3.

ومنها: معتبرة عبد الأعلی قال قلت لأبی عبدالله علیه السّلام أصلحک الله هل جعل فی الناس أداة ینالون بها المعرفة قال فقال لا قلت فهل کلّفوا المعرفة قال لا، علی الله البیان (لا یُکَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها)1 و لایکلّف نفساً إلّا ما أتاها قال و سألته عن قوله:(وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ) قال حتی یعرّفهم ما یرضیه و ما یسخطه(1) و إلی غیر ذلک من الأخبار الدالة علی أنّ الجهل بالأحکام الواقعیة و عدم معرفتها یوجب وضعها و رفعها و عدم التکلیف بها.

و غیر خفی إنّ من لم یعرف الأحکام الواقعیة کان محجوبا عنها إنّ الله الذی لم یبینها لهم حجب تلک الأحکام عنهم و هذه الروایات تدلّ علی أنّ التکلیف بالأحکام الواقعیة متفرع علی المعرفة بها و لایصح الاحتجاج إلّا بالتعریف و المعرفة و البیان و لاتکلیف بالنسبة إلی أصل المعرفة بل التکلیف متفرع علی المعرفة و یجب علیهم أن یقبلوا ما عرفوه من الأحکام الواقعیة و یمتثلوها و لاعذاب و لاإضلال بالنسبة إلی ما لم یعرفوا و حجبوا عن علمها فالحجب أو عدم العلم و المعرفة بالأحکام الواقعیة یوجب عدم تأثیر التکالیف المجهولة و وضعها و رفعها و بعبارة أخری انّ الظّاهر من هذه الأحادیث هو رفع التکلیف و عدم الاحتجاج و العقوبة بالنسبة إلی ما لم یتمکنوا من المعرفة به من الأحکام الواقعیة لا ما تمکنوا من المعرفة. و قصّروا فیه من جهة عدم الفحص و عدم تعلّمه و لافرق فی رفع التکلیف بعدم المعرفة و الحجب بین أن بیّنه الله تعالی و لم یصل إلینا أو سکت عن بیانه إلی زمان ظهور الإمام الثانی عشر أرواحنا فداه لأنّ کل ذلک ممّا حجب علمه عن العباد و مما لم یعرفه الناس فهذه الأحادیث تشمل کل حجب و عدم المعرفة.

ص:148


1- (2) الکافی، ج 1، ص 163 البیان و التعریف، ح 5.

و دعوی اختصاص الحجب و عدم المعرفة بخصوص ما سکت عنه فلاتشمل ما حجب بواسطة الحوادث و النوازل کضیاع الکتب أو کتمان الروایات فیکون تلک الروایات مساوقة لما ورد من أنّ الله سکت عن أشیاء لم یسکت عنها نسیاناً، کما فی فرائد الاُصول.(1)

مندفعة بأنّ الحجب و عدم التعریف یصدقان أیضاً فیما إذا أمکن تجدید البیان و لم یفعل فإنّه تعالی بعد حدوث النوازل و إخفاء الأحکام و إمکان تجدید البیان إذا سکت عنها صدق انه حجب علمه عن من لم یطلع علیها و صدق عدم المعرفة به بالنسبة إلی من لم یصل التکلیف إلیه و لم یکن مقصراً فی ذلک نعم لایصدقان بالنسبة إلی من عرف و کتم عن تقصیر فی حفظه کما لایخفی.

و لقد أفاد و أجاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه فی جواب الإشکال المذکور حیث قال إنّ الموجب لخفاء الأحکام التی بیّنها الله تعالی بلسان رسوله صلی الله علیه و آله و سلّم اوصیائه علیهما السلامو إن کان هو الظالمین إلّا أنه تعالی قادر علی بیانها بأن یأمر المهدی علیه السّلام بالظهور و بیان تلک الأحکام فحیث لم یأمره بالبیان لحکمة لایعلمها إلّا هو صح إسناد الحجب إلیه تعالی هذا فی الشبهات الحکمیة و کذا الحال فی الشبهات الموضوعیة فإن الله تعالی قادر علی إعطاء مقدمات العلم الوجدانی لعباده فمع عدم الإعطاء صح إسناد الحجب إلیه تعالی فصحّ الاستدلال بهذا الحدیث علی البراءة فی الشبهات الحکمیة والموضوعیة کحدیث الرفع.(2)

و إذا عرفت صدق الحجب و عدم التعریف حتی بالنسبة إلی موارد إخفاء الظالمین بترک البیان المجدد فلاحاجة فی شمولهما للموارد المذکورة إلی ما ربّما

ص:149


1- (1) فرائد الاُصول، ص 199.
2- (2) مصباح الاُصول، ج 2، صص 271-272.

یقال من أنه لمّا لم یمکن وقوع فعل إلّا بإرادة الله و إذنه تعالی فیصح إسناد حجب الأشیاء أو حجب العلم بها عن العباد إلی الله تعالی و إن کان الحجب المذکور ناشئاً عن معصیة العصاة فی إیجاد أسباب الاختفاء.

مع ما فیه من أنه خروج عن الاستناد بالظواهر و استدلال بما هو مقتضی الأدلة العقلیة و مما ذکر یظهر ما فی تهذیب الاُصول و تسدید الاُصول و مباحث الحجج فراجع أو یظهر ما فیما قد یقال من أنّه یمکن التعدی من مورد خبر الحجب (و هو الأحکام الواصلة إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلّم بتوسیط خطابه إلیه التی لم یؤمر من قبله سبحانه بإبلاغها إلی العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فیها إلیه سبحانه) إلی غیرها من الأحکام المجهولة التی کان سبب خفائها الأمور الخارجیة بمقتضی عدم الفصل بینهما بعد صدق التکلیف الفعلی علی المضامین الخطابات المنزلة إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلّم و لو مع عدم الأمر بإبلاغها إلی العباد و بذلک تصلح الروایة لمعارضة ما دل علی وجوب الاحتیاط(1) مع ما فیه من أنّ الأخذ بعدم الفصل فیما إذا لم یشمل الدلیل و قد عرفت أنّ الحجب و عدم التعریف صادقان بعد إمکان البیان المجدد و امتنع عنه سبحانه تعالی ثمّ لاوجه لدعوی اختصاص هذه الروایات بالتفصیلات الاعتقادیة لإطلاقها و عمومها بالنسبة إلی الأحکام أیضاً کما لایخفی.

ثمّ إنّ ظاهر قوله علیه السّلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم أو قوله تعالی:(وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیِّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ) ای حتی یعرفهم ما یرضیه و ما یسخطه أو قوله علیه السّلام ولله علی الخلق إذا عرفهم أن یقبلوا أو قوله أن الله یحتج علی العباد بما آتاهم و عرفهم و غیر ذلک هو ثبوت الحکم فی

ص:150


1- (1) نهایة الأفکار، ج 3، ص 227.

الواقع و إنّ الحجب أو عدم التعریف یتعلّق بالعلم به و علیه فقوله علیه السّلام فهو موضوع عنهم أو قوله علیه السّلام من لم یعرف شیئاً هل علیه شیء قال لا أو قوله علیه السّلام و لله علی الخلق إذا عرفهم ان یقبلوا یدلّ علی رفع التکلیف بالنسبة إلی ما فی الواقع ارفاقاً و تسهیلاً فینا فی ما یدل علی وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی المحجوب من الأحکام الواقعیة و من المعلوم أنّ الإرفاق فیما إذا کان ما فی الواقع قابلاً للوضع ولو بوضع ظاهری و جعل الاحتیاط و هو لایکون إلّا الأحکام الفعلیة من ناحیة الله سبحانه و تعالی و أما ما لم یبلغ إلی الفعلیة کالحکم الإنشائی فلایحتاج إلی الرفع و الإرفاق و بذلک تصلح هذه الروایات للمعارضة مع ما دل علی وجوب الاحتیاط فی الأحکام الواقعیة الفعلیة فلاتغفل.

ص:151

ص:152

حدیث السعة

و من الأخبار التی استدلّ بها للبراءة «حدیث السعة»:

روی فی مستدرک الوسائل عن عوالی اللآلی عن النبی صلی الله علیه و آله و سلّم قال الناس فی سعة ما لم یعلموا.(1)

و فیه أنّ السند ضعیف بالإرسال و لم أر نسخة ما لایعلمون و لو کانت تلک النسخة موجودة فکلمة «ما» موصولة لاظرفیة لاختصاص الثانیة بما إذا کان النفی فی الماضی لاالمستقبل علی ما حکی عن أهل الأدب.

و روی فی الکافی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن (الحسین بن یزید) النوفلی عن السکونی عن أبی عبدالله علیه السّلام إنّ أمیرالمؤمنین علیه السّلام سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة کثیر لحمهاو خبزها و جبنها و بیضها و فیها سکین فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام یقوّم ما فیها ثمّ یؤکل لأنه یفسد و لیس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن قیل یا أمیرالمؤمنین لاندری سفرة مسلم أو سفرة مجوسی فقال هم فی سعة حتی یعلموا و رواه البرقی فی المحاسن عن النوفلی.(2)

ص:153


1- (1) المستدرک، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود، ح 4.
2- (2) الوسائل، الباب 38 من أبواب کتاب الصید و الذبائح، ح 2، ص 307.

لایقال: إنّ هذه الروایة أیضاً ضعیفة بالنوفلی إذ هو لم یوثق.

لأنا نقول: کما أفاد بعض الأعلام أنه وقع فی طریق کثیر من الأخبار فی الکتب المعتبرة و هو یکفی فی و ثاقته وإلّا فلم یکثروا عنه بهذه الکثرة هذا مضافاً إلی أنّ ناشر روایاته هو إبراهیم بن هاشم و غیره من أجلاء القمیّین فلو کانت روایاته ضعیفة لم یتحملها أجلاء القمیّین کما طعن القمیون علی أحمد بن محمّد بن خالد البرقی بأنّه یروی عن الضعفاء و اعتمد علی المراسیل و لذا نفاه أحمد بن محمّد بن عیسی عن بلدة قم ثمّ أعاده إلیها و اعتذر منه.

هذا مضافاً إلی أنّ روایات السکونی مقبولة کما نص الشیخ فی العدة بأنّه عملت الطائفة بما رواه السکونی فیما لم یکن عندهم خلافه مع أنّ کتب السکونی منقولة بواسطة النوفلی کما صرّح بذلک النجاشی فی رجاله و الشیخ فی الفهرست فلو کان النوفلی غیر مقبول الروایة لَما أفاد ما فی العدة من أنّ الطائفة عملت بما رواه السکونی فیما لم یکن عندهم خلافه کما لایخفی و لذا قال فی بهجة الآمال عند ترجمة السکونی و بالجملة من جمیع ما ذکر ظهر الاعتماد علی النوفلی أیضاً فإنّه الراوی عنه جُلاّ إن لم نقل کلا حتی روایة الماء یطهر المتقدمة فإن راویها عنه هو.(1) و قال أیضاً عند ترجمة النوفلی و مر فی اسماعیل بن أبی زیاد ما یشیر إلی اعتماد تام علیه و یؤیده روایة الأجلاء عنه منهم الحسن بن علی الکوفی(2)

و مما ذکر یظهر ما فی مباحث الحجج من تضعیف السند بواسطة النوفلی.(3)

ص:154


1- (1) بهجة الآمال، ج 2، ص 253.
2- (2) بهجة الآمال، ج 3، ص 322.
3- (3) مباحث الحجج، ج 2، ص 63.

و کیف ما کان فتقریب الاستدلال کما فی نهایة الأفکار انّ دلالة قوله الناس فی سعة ما لایعلمون علی المطلوب ظاهرة سواء کانت کلمة ما مصدریة ظرفیة أو موصولة أضیف إلیها السعة إذ المعنی علی الأول إنهم فی سعة ما داموا غیر عالمین بالواقع.

و علی الثانی انّهم فی سعة ما لایعلمونه من الأحکام الراجع إلی عدم کونهم فی کلفة إیجاب الاحتیاط فیعارض ما دلّ علی وجوب التوقف و الاحتیاط(1) إذ لو کان الاحتیاط واجباً لَما کانوا فی سعة فهذا الحدیث یعارض ما دل علی وجوب الاحتیاط.

أورد علیه فی فرائد الاُصول بأنّ فیه ما تقدم فی الآیات من أنّ الأخباریین لاینکرون عدم وجوب الاحتیاط علی من لم یعلم بوجوب الاحتیاط من العقل و النقل بعد التأمل والتتبع.(2)

و أجاب عنه فی نهایة الأفکار بأنّ ذلک یتم إذا کان دعوی الأخباری إثبات العقوبة علی مخالفة نفس إیجاب الاحتیاط فی قبال الواقع و لیس کذلک بل مقصودهم إنّما هو إثبات العقوبة علی مخالفة التکلیف المجهول بمقتضی ما دل علی وجوب التوقف و الاحتیاط فی قبال الاُصولی فإنّ هذا هو الذی یساعد أدلتهم من نحو روایة التثلیت من نحو قوله علیه السّلام و هلک من حیث لایعلم و علیه فلاوجه لتوهم ورود أدلة الاحتیاط علی الروایة و لاحکومتها علیها.

نعم لو کانت أدلة الاحتیاط متکفلة لإثبات العلم بالواقع کالإمارات کان لدعوی الحکومة کمال مجال ولکنه لیس کذلک بداهة إنّ مفاد تلک الأدلة لایکون إلّا مجرد إثباتوجوب التوقف و الاحتیاط عند الجهل بالواقع.

ص:155


1- (1) نهایة الأفکار، ج 3، ص 228.
2- (2) فرائد الاُصول، ص 199.

و مجرد صلاحیتها لتنجیز الواقع عند الموافقة لایقتضی الطریقیة و الکاشفیة کما هو ظاهر.

نعم لو کان العلم فی الروایة کنایة عن مطلق قیام الحجة علی الواقع أو کان المراد من عدم العلم الذی علیه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظیفة الفعلیة لأمکن دعوی ورود إیجاب الاحتیاط علیها ولکن ذلک خلاف ما یقتضیه ظهور الروایة فی کون العلم الذی علیه مدار الضیق هو العلم بالواقع کما هو ظاهر.(1)

و لقد أفاد و أجاد إلّا انّا لانسلم الحکومة أیضاً فیما إذا کان العلم فی الروایة کنایة عن مطلق قیام الحجة علی الواقع لأنّ أدلة الاحتیاط لیست من باب قیام العلم و الحجة علی الواقع.

و لذا قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه: إنّ العلم المستعمل فی الروایات و إن کان المراد منه المعنی الأعم أی الحجة لا الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ولکن الحجة عبارة عن الطرق العقلائیة و الشرعیة إلی الواقع التی تکشف کشفاً غیر تام و الاحتیاط لیس منها بلاإشکال و الشاهد علی ذلک إنّه لو أفتی أحد علی الواقع لقیام الأمارة علیه لَما یقال إنّه أفتی بغیر علم و أمّا إذا أفتی بوجوب شیء لأجل الاحتیاط فإنّه أفتی بغیر علم إلی أن قال إن شرب التتن بملاحظة کونه مجهول الحکم مرخص فیه حسب الحدیث فلو تم أخبار الاحتیاط و لزم وجوب الاحتیاط لعدّ ذلک منافیاً للترخیص من غیر فرق بین أن یکون لزوم الاحتیاط نفسیاً أو غیریاً.(2)

ص:156


1- (1) نهایة الأفکار، ج 3، ص 228.
2- (2) تهذیب الاُصول، ج 2، ص 174.

وممّا ذکر یظهر ما فی بعض العبائر من أنّ إیجاب الاحتیاط إنّما هو طریقی للوصول إلی التکلیف الواقعی فإیجابه ضیّق ناشٍ من ناحیة التکلیف الواقعی المجهول فالحکم بالسعة من ناحیته یقتضی عدم إیجاب الاحتیاط.(1)

و ذلک لما عرفت من أنّ الاحتیاط لیس بطریق إلی الواقع و إن أتی به الواقع و کان حکما غیریاً لأنّ الاحتمال لاطریقیة له و صرف کون الاحتیاط واجباً غیریاً لایوجب أن یکون طریقاً إلی الواقع هذا مضافاً إلی أنّ الاحتیاط لو کان طریقاً إلی الواقع فبعد قیام دلیل الاحتیاط لامجال للحکم بالسعة من ناحیة الجهل بالواقع إذ معه لاجهل بالنسبة إلی الحکم الواقعی.

ثمّ لایذهب علیک أنّ الاستدلال بهذا الحدیث لایتوقف علی تعیین أنّ کلمة «ما» موصولة أو ظرفیة لِما عرفت من تمامیة الاستدلال علی التقدیرین کما هو المستفاد من ظاهر الکفایة و نهایة الأفکار و تهذیب الاُصول و ذلک لأن متعلّق العلم هو الحکم الواقعی کما فی حدیث رفع ما لایعلمون فالحدیث یدل علی رفع الضیق الناشی من الحکم الواقعی المجهول أو یدل علی رفع الضیق الناشی من ناحیة الحکم الواقعی المجهول مادام لایحصل العلم أو الطریق بالنسبة إلی الحکم الواقعی.

و دعوی احتمال أن یکون مفاد الحدیث الحکم بالسعة مادام لم یعلموا بالضیق ولو ضیق ما بعنوان وجوب الاحتیاط فلامحالة تحصل الغایة و ترتفع السعة بوجوب الاحتیاط و مع هذا الاحتمال صار مفاد الحدیث مجملاً فإن کان مفاد الحدیث هو الحکم بالسعة من ناحیة الحکم الواقعی المجهول کان الحدیث معارضاً مع أدلة وجوب الاحتیاط و إن کان مفاد الحدیث هو الحکم بالسعة مادام لم یعلموا بضیق ما

ص:157


1- (1) تسدید الاُصول، ج 2، ص 143.

و لو ضیق الاحتیاط فلاینافی ذلک وجوب الاحتیاط بأدلته بل یکون کالبراءة العقلیة التی لاتنا فی وجوب الاحتیاط و حیث یحتمل فی قراءة الحدیث احتمالان فلاتقاوم هذه الروایة مع أدلة وجوب الاحتیاط.

مندفعة بما عرفت من ظهور کون متعلّق العلم هو الحکم الواقعی مثل قوله علیه السّلام رفع ما لایعلمون فکما أنّ دلیل حدیث الرفع ینافی دلیل وجوب الاحتیاط فکذلک فی المقام دلیل السعة عند الجهل بالحکم الواقعی ینافی أیّ ضیق و لو کان بعنوان وجوب الاحتیاط و علیه فلیس وجوب الاحتیاط حاکماً بالنسبة إلی دلیل السعة من دون فرق بین أن یکون «ما» موصولة أو ظرفیة فالصحیح دلالة الحدیث علی البراءة و بإطلاقه یشمل الشبهات الحکمیة و الموضوعیة و دعوی أنّ ما ذکر تام لو ثبتت صحة سند قوله صلی الله علیه و آله و سلّم الناس فی سعة ما لم یعلموا و أمّا مع ضعفه فلایصلح للتمسک به فلایبقی فی المقام إلّا قوله علیه السّلام فی موثقة السکونی هم فی سعة حتی یعلموا.

و شموله للمقام محل تأمل لأن مورده کما أفاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه هو خصوص اللحم و حکمه علیه السّلام بالإباحة إنّما هو من جهة کونه فی أرض المسلمین فهی أمارة علی التذکیة و إلّا کان مقتضی أصالة عدم التذکیة حرمة أکله و بالجملة مورد هذه الروایة هی الشبهة الموضوعیة القائمة فیها الأمارة علی الحلیة فهی اجنبیة عن المقام.(1)

مندفعة بأنّه لایکون فی موثقة السکونی قرینة علی أنّ الطریق هو طریق المسلمین حتی یکون أمارة علی التذکیة بل السؤال عن سفرة وجدت فی الطریق و

ص:158


1- (1) مصباح الاُصول، ج 2، ص 279.

الإمام علیه السّلام لم یستفصل عن أنّ الطریق طریق المسلمین أو غیره أللهّمّ إلّا أن یحمل جمعاً بینه و بین ما دل علی عدم جواز أکل اللحم من دون إحراز التذکیة علی تخصیص مورد هذه الروایة فی اللحم بمورد جریان الأمارة.

و أمّا ما ذکر من أنّ مورد الروایة مورد استصحاب عدم التذکیة و مقتضاه هو حرمة أکله ففیه أنّ مجری استصحاب عدم التذکیة هو الحیوان الذی یکون قابلاً للذبح لاأجزاؤه فلایجری الاستصحاب المذکور فی اللحم کما لایخفی. و أمّا دعوی اختصاص قوله هم فی سعة حتی یعلموا بخصوص اللحم فهی ممنوعة لأنّ الجبن أیضاً یکون فی السفرة و هو أیضاً مشکوک الحلیّة و لادلیل علی إحراز کونه من غیر میتة بل یکتفی فی جواز أکله بأصالة الحلیّة و لاوجه لتخصیص الروایة باللحم.

ثمّ لو کان تطبیق قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا علی مورد الروایة مشکلاً فلایضر ذلک بجواز الأخذ بالکبری فی الموارد التی لاأمارة فیها کحلیة الجبن فالروایة دالة علی البراءة فی الشبهة الموضوعیة و الحکمیة لأن قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا یکون بمنزلة الکبری الکلیة و تطبیقها علی الشبهة الموضوعیة لایوجب تخصیصها بها فبإطلاقها یشمل الشبهة الحکمیة أیضاً فتدبر جیداً.

أللّهمّ إلّا أن یقال: رجوع الضمیر فی قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا إلی الّذین وجدوا السفرة المطروحة یمنع عن کون هذا القول کبری کلیّة بل یحتاج إلی إلقاء الخصوصیة و هو مشکل بعد احتمال مدخلیة خصوصیات المورد ولکن لحن الروایة یساعد کبرویة القول المذکور و لاخصوصیة فی الذین و جدوا السفرة المطروحة فتدبر جیدّاً.

ص:159

ص:160

حدیث الحلّیة
اشارة

ومنها: أی من الأخبار الّتی استدلّ بها للبراءة «حدیث الحلّیّة» و هو منقول بألفاظ مختلفة منها مرسلة الشیخ الأنصاری قدّس سرّه وهی قوله علیه السّلام: «کلّ شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام» استدلّ به الشیخ قدّس سرّه فی فرائد الاُصول حیث قال کما فی قوله علیه السّلام فی روایة أخری کل شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام.(1)

و لم یوجد هذه الروایة بهذه اللفظة فی جوامع الحدیث و الموجود مختلف معه فی الألفاظ و الخصوصیّات.

و استظهر سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه انّه صدر روایة مسعدة بن صدقة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال سمعته یقول کل شیء لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و لعله سرقه الخ.

ولکنه غیر ظاهر بعد اختلاف صدر روایة مسعدة بن صدقة معه حیث زاد فی روایة مسعدة کلمة «بعینه» و جملة «فتدعه من قبل نفسک» مع أنّ قوله حتی تعلم غیر قوله حتی تعرف.

ص:161


1- (1) فرائد الاُصول، ص 201.

و احتمل المحقق العراقی انّها مضمون ما رواه فی الکافی بسنده عن أبان بن عبد الرحمن عن عبدالله بن سلیمان عن أبی عبدالله علیه السّلام فی الجبن قال علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی یجیئک شاهدان یشهدان أنّ فیه میتة.(1)

و لایخفی أنه لو کان کذلک لزم أن یقتصر فی نقل المضمون بمقدار مفاد هذه الروایة و المفروض أنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة الموضوعیة لدلالة جعل البیّنة هی الغایة علی أنّ الشبهة هی الموضوعیة مع أنّ قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعرف أنه حرام أعم من الشبهة الموضوعیة فلاتغفل.

ثمّ إنّ روایة الشیخ الأنصاری علی تقدیر ثبوتها تکون واضحة الدلالة علی البراءة فی الشبهة الحکمیة و الموضوعیة و لذا قال فی نهایة الأفکار دلالة هذه الروایة علی المطلوب ظاهرة لو کانت هی غیر روایة مسعدة بن صدقة(2) و إلّا ففیها إشکال من جهة موارد انطباقها کما سیأتی إن شاء الله تعالی بل عمومیة دلالتها متوقفة علی کونها غیر روایة عبدالله بن سلیمان و إلّا فالظّاهر اختصاصها بالشبهة الموضوعیة فإنّ السؤال فیها عن الجبن من جهة احتمال أن یکون الجبن مما فیه المیتة فأجاب الإمام بالحلیة حتی تقوم الحجة علی أنّ فیه میتة و أمّا الإیراد علی الروایة بأنها فی صدد الترخیص لارتکاب أطراف المعلوم بالإجمال فیکون وزانه وزان قوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فإنّ المتبادر منهما هو جواز التصرف فی الحلال المختلط بالحرام الذی جمع روایاته السیّد الفقیه الطباطبائی قدّس سرّه فی حاشیته علی المکاسب عند بحثه عن جوائز

ص:162


1- (1) الوسائل، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 2.
2- (2) نهایة الأفکار، ج 3، ص 243.

السلطان و لاترتبطان بالشبهة البدئیّة.(1) ففیه أنّ هذا الإیراد لو کان وارداً فی مثل کل شیء فیه حلال وحرام لَما کان وارداً فی مثل قوله «کل شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام» فإنّ المفروض فیه لیس هو اجتماع الحلال و الحرام مع اشتباه کل واحد بالآخر حتی یکون مربوطاً بباب اختلاط الحرام بالحلال بل الأمر کذلک فی مثل قوله کل شیء فیه حلال و حرام إذ لم یفرض فیه الاختلاط فتدبر جیداً.

ومنها: خبر مسعدة بن صدقة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال سمعته یقول کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک.

و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و هو سرقة و المملوک عندک لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع قهراً أو امرأة تحتک و هی اختک أو رضیعتک و الأشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة.(2)

لم یستدلّ شیخنا الأعظم قدّس سرّه بهذه الروایة علی البراءة فی الشبهة الحکمیة و لعل وجه ذلک هو اشتمالها علی جملة من أمثلة الشبهة الموضوعیة فرأی اختصاصها بها أو رأی أنّ الروایة فی مقام إبراز حلیة جامعة بین حلیات متعددة من قواعد مختلفة جمعت فی قضیة واحدة فالجملة إخبار عن القواعد المختلفة لاإنشاء یدل علی إنشاءات متعددة أو رأی شیئاً آخر.

ولکن استدلّ بها فی الکفایة فی الشبهة الحکمیة حیث قال و منها قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعرف أنه حرام بعینه الحدیث حیث دل علی حلیة ما لم یعلم حرمته مطلقاً و لو کان من جهة عدم الدلیل علی حرمته و بعدم الفصل قطعاً بین

ص:163


1- (1) راجع تهذیب الاُصول، ج 2، ص 175.
2- (2) الوسائل الباب، ج 4 من أبواب ما یکتسب به، ح 4.

إباحته و عدم وجوب الاحتیاط فیه و بین عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة الوجوبیة یتم المطلوب مع إمکان أن یقال ترک ما احتمل وجوبه مما لم یعرف حرمته فهو حلال تامل.(1)

و کیف ما کان فقد أورد علیه أوّلاً: بأن قوله علیه السّلام (بعینه) ظاهر فی الاختصاص بالشبهة الموضوعیة و ذلک لأن حمل هذه الکلمة علی التأکید بأن یکون المراد منها تاکید النسبة و الاهتمام بالعلم بالحرمة خلاف الظّاهر إذ الظّاهر أن یکون احترازاً عن العلم بالحرام لابعینه و لاینطبق إلّا علی الشبهة الموضوعیة إذ لایتصور العلم بالحرام لابعینه فی الشبهة الحکمیة فإنّه مع الشک فی حرمة شیء و حلیته لاعلم لنا بالحرام لابعینه.

و بعبارة أخری العناوین الکلیة إمّا أن تکون معلومة الحرمة أو لاتکون کذلک فعلی الأول تکون معلومة الحرمة بعینها و علی الثانی لاعلم بالحرمة أصلاً.

نعم یتصور العلم بالحرام لابعینه فی الشبهة الحکمیة مع العلم الإجمالی بالحرمة و من الظّاهر أنّ هذا الحدیث لایشمل العلم الإجمالی بالحرمة إذ جعل الترخیص فی الطرفین مع العلم بحرمة أحدهما إجمالاً مما لایمکن الجمع بینهما ثبوتاً و یتناقضان.

و أمّا الشبهة الموضوعیة فلاینفکّ الشک فیها عن العلم بالحرام لابعینه فإنّا إذا شککنا فی کون مائع موجود فی الخارج خمراً کان الحرام معلوماً لابعینه إذ نعلم إجمالاً بوجود الخمر فی الخارج المحتمل انطباقه علی هذا المائع فیکون الحرام معلوماً لابعینه.

ولکن هذا العلم لایوجب التنجیز لعدم حصر أطرافه و عدم کون جمیعها فی محل الابتلاء فما ابتلی به من أطرافه محکوم بالحلیّة ما لم یعلم أنه حرام بعینه.(2)

ص:164


1- (1) الکفایة، ج 2، ص 176.
2- (2) مصباح الاُصول، ج 2، صص 274-273.

وثانیاً: أنّ الأمثلة المذکورة فیها کلّها من الشبهات الموضوعیة. و هی تؤکد اختصاصها بالشبهة الموضوعیة فلاتشمل الشبهة الحکمیة هذا مضافاً إلی عدم ارتباطها بقاعدة الحلیة لأنّ تلک الموارد موارد الأمارة و الأصول المحرزة.

وثالثاً: أنّ جعل غایة الحلیة قیام البینة فی قوله علیه السّلام و الأشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة قرینة علی اختصاصها بالشبهة الموضوعیة أیضاً.

و علیه فلاوجه للاستدلال بموثقة مسعدة للبراءة فی الشبهات الحکمیة.

یمکن الجواب عن الجمیع أمّا عن الإشکال الأول فبأن هذه القرینة غیر تامة لوضوح أنّ المطلوب لیس هو التخصیص بالشبهة الحکمیة و إنما تعمیم الحدیث لها و هو لایتنافی مع عدم غلبة الشبهة غیر المحصورة فیها إذ یکفی أن یکون غیر نادر بلحاظ جامع الشبهة.(1)

و لایخفی ما فیه فإن الإشکال یکون من جهة ظهور فیه «بعینه» فی الاختصاص بالشبهة الموضوعیة بدعوی ظهوره فی الاحتراز عن العلم بالحرام لابعینه و هو لاینطبق إلّا علی الشبهة الموضوعیة لعدم تصور العلم بالحرام لابعینه فی الشبهة الحکمیة فإنه مع الشک فی حرمة شیء و حلیته لاعلم لنا بالحرام لابعینه و علی فرض تصوره فی العلم الإجمالی بالحرمة لایمکن شمول الحدیث له للمناقضة و بعبارة أخری أنّ الإشکال لیس من جهة حمل المطلق علی النادر حتی یصح الجواب عنه بأنّه لیس حمل المطلق علی النادر بل هو من باب إطلاق المطلق علی النادر بل الإشکال من جهة عدم إمکان تصور العلم بالحرام لابعینه فی الشبهة الحکمیة بحیث لاتلزم منه المناقضة فتدبر جیداً.

ص:165


1- (1) مباحث الحجة، ج 2، ص 65.

قال فی منتقی الاُصول یمکن تعمیم الحدیث للشبهة الحکمیة مع المحافظة علی ظهور لفظ «بعینه» کما فی موارد العلم الإجمالی (غیر المنجز کما کان بعض أطراف المعلوم بالإجمال خارجاً عن محل الابتلاء) بدوران الحرمة المجعولة بین شیئین کحرمة الغیبة أو الغناء فإنّه یصدق علی مثل ذلک بأن کلّاً منهما حلال حتی یعرف الحرام بعینه مع کون الشبهة فی کل منهما حکمیة لاموضوعیة.(1)

و لایخفی علیک أنّ فرض الخروج عن الابتلاء فی الشبهات الحکمیة کما تری فإنّ الأحکام مجعولة علی موضوعها علی نحو ضرب القانون لاالقضایا الخارجیة و المجتهد لایمکن له أن یجری البراءة فی الشبهات الحکمیة بمجرد کون بعض الأحکام خارجاً عن محل ابتلاء بعض الآحاد.

هذا مضافاً إلی أنّ مثل الغیبة والغناء لایکونان خارجین عن محل الابتلاء کما هو واضح.

نعم یمکن منع اختصاص الاحتراز بصورة العلم بالحرام لابعینه مع أنّ المفروض فی روایة مسعدة کل شیء لک حلال لاکل شیء فیه حلال وحرام و ذلک لإمکان أن یکون قید «بعینه» احترازاً عن الحکم بالحرمة بمجرد کون شیء شبیها و نظیراً للحرام الخاص فیصح أن یحکم بکونه حلالاً حتی یعرف أنه بعینه حرام و علیه فلاوجه لتخصیص الروایة بالشبهة الموضوعیة بل هی أعمّ منها کما ذهب إلیه صاحب الکفایة.

هذا مضافاً إلی أنه لاباس بکون قید «بعینه» للتاکید لأنه شائع بل لعله متعین لأن تخصیص الحدیث بموارد العلم الإجمالی یستلزم حمله علی النادر إذ الحدیث

ص:166


1- (1) منتقی الاُصول، ج 4، ص 425.

لایشمل موارد الابتلاء لاستلزام المناقضة و یختص بموارد التی خرج بعض أطرافها عن محل الابتلاء و المفروض أنّ هذه الموارد نادرة و دعوی أنّ الشبهة الموضوعیة لاتنفک عن العلم بالحرام لابعینه مندفعة بأنّ العلم الإجمالی فی هذه الموارد منحلة بالموارد المعلومة و یصیر الشبهة بدویة کما لایخفی.

و علیه فکون القید و هو بعینه لتأکید النسبة و الاهتمام بالعلم بالحرمة أقرب و معه لامانع من شمول الحدیث للشبهات الحکمیة فتدبر جیداً.

و أما عن الثانی فبأن الأمثلة المذکورة تکون من باب التمثیل لااختصاص الروایة بها و علیه فکما فی تسدید الاُصول أصالة الحل المذکورة فی الحدیث إذا کانت عامة لجمیع موارد الشک فی الحرمة فجمیع الأشیاء التی لم یعلم حرمتها مشمولة له محکوم علیها بالحل فأصالة الحل کبری کلیة و الأمثلة المذکورة مصادیق لها و جزئیات و لایجب فی ذکر المثال أن یذکر جمیع الأنواع المتصورة إذا لم یکن المتکلم بصدد بیان الأنواع المختلفة.(1)

ویمکن أن یقال: انّ الأمثلة المذکورة لو کانت من موارد أصالة الحل أمکن أن یقال اکتفی بذکر بعض مواردها و مصادیقها ولکنها أجنبیة عن أصالة الحل و البراءة إذ لیس فیها شیء یمکن أن یکون مستند الحلیة فیه هو أصالة الحل بل المستند هو قاعدة الید و الاستصحاب و لذا قال السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه: قد حاول البعض دفع الشبهة بأنّ المذکورات إنّما ذکرت من باب التمثیل لاالتطبیق.

ثمّ أورد علیه بأنّ هذا خلاف الظّاهر جداً لأن المناسب مع التمثیل ذکر القاعدة المماثلة للقاعدة المذکورة أولاً لاذکر تطبیقات قاعدة أخری لم تذکر کبراها.

ص:167


1- (1) تسدید الاُصول، ج 2، ص 147.

لایقال: بناء علی جریان الاُصول الطولیة إذا کانت من سنخ واحد تکون البراءة جاریة فی هذه الموارد.

فإنه یقال هذا المقدار لایکفی بعد ظهور الحدیث فی أنّ منشأ التأمین و الحلیة هو القاعدة وحدها لاالقاعدة بضم عدم جریان الاُصول الحاکمة علیها.(1)

أللّهمّ إلّا أن یکون: مقصود تسدید الاُصول أنّ المراد من أصالة الحل فی روایة مسعدة هو الحکم بحلیة کل شیء ما لم یقطع قطعاً وجدانیاً بالحرمة و إنّ العلم المذکور فیه لایعم العلم التعبدی الموجود فی مورد الاستصحاب و الید ولکنه مما لایمکن الالتزام به لمعلومیة تقدم أصالة الید و الاستصحاب علی أصالة الحلیة بأی معنی کانت.

قال فی نهایة الأفکار یمکن دفعه بأنه یتجه ذلک إذا کان الصدر إنشاء للحلیة فی الأمثلة المزبورة بعنوان کونها مشکوک الحرمة و إلّا فبناء علی کونه حاکیاً عن إنشاءات الحلیة فی الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من نحو الید و السوق و الاستصحاب و نحوها من العناوین التی منها عنوان مشکوک الحل و الحرمة فلایرد إشکال إذ المقصود حینئذٍ بیان عدم الاعتناء بالشک فی الحرمة فی هذه الموارد لمکان جعل الحلیة الظاهریة فیها بعنوانات مختلفة غیر انه جمع الکل ببیان واحد لا أنّ المقصود هو إنشاء الحلیة فی الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلیة.(2)

و لایخفی ما فیه لظهور قوله علیه السّلام کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فی الإنشاء و حمله علی الإخبار عن القواعد المختلفة خلاف الظّاهر هذا

ص:168


1- (1) مباحث الحجج، ج 2، ص 66.
2- (2) نهایة الأفکار، ج 3، صص 235-234.

مضافاً إلی ما أفاد الشهید الصدر قدّس سرّه من أنه خلاف الظّاهر لافقط باعتبار ظهور الجملة فی الإنشاء لا الإخبار بل من أجل قوة ظهورها فی أنّها فی مقام إعطاء قاعدة کلیة بنکتة واحدة للتطبیق علی الموارد المختلفة بحیث یستفید السامع تطبیقها بالفعل و هذا لایناسب مع کون القضیة إخباریة تجمع حیثیات و قواعد متعددة لایمکن أن یرجع إلیها المکلّف فی مجال التطبیق.(1)

و حکی أیضاً عن تعلیقة المحقق الخراسانی علی الفرائد فی دفع الإشکال أن ذکر الموارد المذکورة من باب التنظیر (ای تنظیر قاعدة أصالة الإباحة بسائر القواعد کقاعدة الید والسوق والاستصحاب) لتقریب أصالة الإباحة إلی الأذهان و أنّها لیست بعادمة فی الشریعة و إنّها حکمت بالحل فی الموارد المذکورة مع عدم القطع بالحلیة انتهی.

یمکن أن یقال: إنّ هذا الحمل لایساعد مع قوله علیه السّلام «و ذلک مثل الثوب» فإنّه کما أفاد فی تسدید الاُصول ظاهر جداً فی أنه ذکر مثال لقوله کل شیء هو لک حلال و لو أراد ما أفاده المحقق الخراسانی لقال و ذلک مثل حلیة الثوب(2)

و قال الشهید الصدر قدّس سرّه: فی نهایة الأمر و الذی یقوی فی النفس أنّ المقصود من الروایة النظر إلی مرحلة البقاء و إنّ ما أخذه المکلّف و کان حلالاً له علی أساس قاعدة شرعیة یبقی حلالاً و لاینبغی أن یوسوس فیه و فی مناشیء حصوله حتی یستبین خلافه أو تقوم به البیّنة و بهذا تکون أجنبیّة عن البراءة إذ لیست فی مقام جعل البراءة کما أن فی الأمثلة المذکورة لایوجد ما یکون موردا لها.(3)

ص:169


1- (1) مباحث الحجج، ج 2، ص 661.
2- (2) تسدید الاُصول، ج 2، ص 148.
3- (3) مباحث الحجج، ج 2، ص 67.

و فیه أنه لیس بجواب بل هو تصدیق للإشکال ببیان آخر هذا مع أنّ حمل الروایة علی ما ذکر خلاف الظّاهر جداً فإنّ ظاهر الروایة إنّ الشک فی أصل الحلیّة و الحرمة لا فی بقائهما و مما ذکر یظهر أنه لامحیص عن هذا الإشکال لأن الأمثلة لاتساعد مع القاعدة المذکورة فی صدرها أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المشکل هو تطبیق الکبری علی الأمثلة لاأصل الکبری فیمکن الأخذ بها.

و أما عن الثالث فبأنّ قیام البیّنة و إن اختص بالشبهة الموضوعیة إلّا أنه یمکن أن یقال إنّ الاستبانة المذکورة فی الذیل تعم الاستبانة العلمیة القطعیة و غیرها الحاصلة بمثل خبر الواحد أو الظواهر و علیه فذکر قیام البیّنة بعد الاستبانة من قبیل ذکر الخاص بعد العام و لاشاهد فیه علی الاختصاص فتحصّل أنّ الروایة لاتخلو عن الإشکال ولو من ناحیة الإشکال الثانی کما عرفت ولکن مع ذلک یمکن الأخذ بالکبری المذکورة فیها مع قطع النظر عن الأمثلة التی فیها هذا لو لا الإشکال فی سندها من الضعف و الظّاهر أنّ السند ضعیف فإنّ مسعدة بن صدقة عامی و لم یوثق ولکن المحکی من السیّد المحقق البروجردی قدّس سرّه هو اتحاده مع مسعدة بن زیاد الربعی الثقة و استشهد لذلک باتحاد مضمون روایاتهما التی تقرب عشر روایات و أیّده بأنّ المروی فی بعض طرق الکافی هکذا عن مسعدة بن صدقة عن زیاد و الظّاهر عندی أنّ الصحیح هو مسعدة بن صدقة بن زیاد وعلیه یکون زیاد اسم جد مسعدة و کثیراً ما کانوا یحذفون اسم الأب و ینسبون إلی الجد و علیه کلمة «عن زیاد» تصحیف ابن زیاد انتهی.

هذا مضافاً إلی ما حکی عن الوحید البهبهانی من أن جدی قال الذی یظهر من أخباره فی الکتب أنه ثقة لأن جمیع ما یرویه فی غایة المتانة و موافق لما یرویه

ص:170

الثقات و لهذا عملت الطائفة بما رواه بل لو تتبعت وجدت أخباره أسد و أمتن من أخبار مثل جمیل بن دراج و حریز بن عبدالله انتهی.

و قال النجاشی فی رجاله و له کتب منها کتاب خطب أمیرالمؤمنین علیه السّلام روی هارون بن مسلم عنه انتهی و هارون بن مسلم ثقة وجه. و قال بعض الأعلام أنّه ثقة لنقل بعض الأجلاء عنه هذا ولکن لقائل أن یقول اتحاد مضمون بعض روایات مسعدة بن زیاد مع مسعدة بن صدقة لایوجب إلّا الظن بالاتحاد هذا مضافاً إلی بُعد ذلک لأنّ الشیخ فی الفهرست و الرجال و النجاشی فی رجاله ذکر کلیهما من دون احتمال الاتحاد و أمّا عمل الطائفة فالمذکور فی کلام الشیخ الطوسی لیس هو مسعدة بن صدقة بل السکونی و حفض و غیرهما و لعل المقصود عمل جمع من الأصحاب من دون استناد ذلک إلی مثل الشیخ کما لعله هو الظّاهر و أمّا نقل بعض الاجلاء فلم ار إلّا هارون بن مسلم أللّهمّ إلّا أن یکون المقصود هو نقل من روی عن هارون بن مسلم مثل أحمد بن محمّد بن یحیی و عبدالله بن جعفر الحمیری و ابن شاذان فإنّهم من الأجلاء و کانوا یروون کتاب خطب امیرالمؤمنین علیه السّلام عن مسعدة بن صدقة بواسطة هارون بن مسلم کما فی رجال النجاشی و غیره و من البعید جداً نقل هولاء هذا الکتاب مع کون راویه غیر ثقة فتدبر جیداً.

ومنها: صحیحة عبدالله بن سنان التی رواها المشایخ الثلاثة فی کتبهم:

روی الصدوق فی الفقیه عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان قال، قال أبوعبدالله علیه السّلام: کل شیء یکون فیه حرام و حلال فهو لک حلال أبداً حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه(1) و سند الصدوق إلی الحسن بن محبوب صحیح و هو علی ما فی المشیخة محمّد بن موسی بن المتوکل (رحمهم الله) عن عبدالله بن جعفر الحمیری و سعد بن عبدالله

ص:171


1- (1) الفقیه، الباب 39 باب الصید و الذباحة، ح 83.

عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان وروی الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی التهذیب عن الحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان قال، قال أبو عبدالله علیه السّلام: کل شیء یکون فیه حرام و حلال فهو لک حلال أبداً حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه(1) و طریقه إلی الحسن بن محبوب صحیح أیضاً کما فی المشیخة و الفهرست.

و رواها أیضاً(2) بهذا السند عن عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السّلام قال کل شیء یکون منه حرام و حلال فهو لک حلال أبداً حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

و روی الکلینی قدّس سرّه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد و أحمد بن محمّد جمیعاً عن ابن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السّلام قال کل شیء یکون فیه حلال و حرام فهو حلال لک أبداً حتی أن تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.(3)

وروی الکلینی قدّس سرّه أیضاً عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن محبوب عن عبدالله بن سنان عن عبدالله بن سلیمان قال سألت أبا جعفر علیه السّلام عن الجبن فقال لی لقد سألتنی عن طعام یعجبنی ثمّ أعطی الغلام درهماً فقال یا غلام ابتع لنا جبناً و دعا بالغداء فتغدینا معه و أتی بالجبن فأکل و أکلنا معه فلما فرغنا من الغداء قلت له ما تقول فی الجبن فقال لی أو لم ترنی أکلته قلت بلی ولکنی أحب أن أسمعه منک فقال ساُخبرک عن الجبن و غیره کل ما کان فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فتدعه.(4) و حیث إنّ عبدالله بن سلیمان ممن روی عنه الصفوان تکون الروایة معتبرة.

ص:172


1- (1) التهذیب، ج 9، ص 79، الباب 2 باب الذبائح والأطعمة، ح 72.
2- (2) فی التهذیب، ج 7، ص 226، الباب 21 باب من الزیادات، ح 8.
3- (3) الکافی، ج 5، ص 313 باب النوادر، ح 39.
4- (4) الکافی، ج 6، ص 339 باب الجبن، ح 1.

هذا مضافاً إلی ما رواه أحمد بن أبی عبدالله البرقی فی المحاسن عن الیقطینی عن صفوان عن معاویة بن عمار عن رجل من أصحابنا قال کنت عند أبی جعفر علیه السّلام فسأله رجل عن الجبن فقال أبو جعفر علیه السّلام إنه طعام یعجبنی فسأخبرک عن الجبن و غیره کل شیء فیه الحلال و الحرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام فتدعه بعینه.(1)

هذه الروایات متوافقة المضمون و لعل یرجع بعضها إلی بعض.

و کیف ما کان فالمحکی عن الشهید إنّه استدلّ للبراءة بقوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه. و تقریب الاستدلال کما عن شرح الوافیة انّ معنی الحدیث انّ کل فعل من الأفعال التی تتصف بالحل و الحرمة و کذا کل عین مما یتعلّق به فعل التکلیف و یتصف بالحل و الحرمة إذا لم یعلم الحکم الخاص به من الحل و الحرمة فهو حلال.

فخرج ما لایتصف بهما جمیعاً من الأفعال الاضطراریة و الأعیان التی لایتعلّق بها فعل المکلّف و ما علم أنه حلال لاحرام فیه أو حرام لاحلال فیه.

و لیس الغرض من ذکر الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بیان ما فیه الاشتباه.

فصار الحاصل إنّ ما اشتبه حکمه و کان محتملاً لأن یکون حلالاً و لأن یکون حراماً فهو حلال سواء علم حکم کلی فوقه أو تحته بحیث لو فرض العلم باندراجه تحته أو تحققه فی ضمنه لعلم حکمه أو لا.

و بعبارة أخری انّ کل شیء فیه الحلال و الحرام عندک بمعنی إنّک تقسّمه إلی هذین و تحکم علیه باحدهما لاعلی التعیین و لاتدری المعین منهما فهو لک حلال فیقال حینئذٍ الروایة صادقة علی مثل اللحم المشتری من السوق المحتمل کونه من

ص:173


1- (1) الوسائل، الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 7، المحاسن، ص 496، ح 601.

المذکی أو المیتة و علی شرب التتن و علی لحم الحمیر إن لم نقل بوضوحه و شککنا فیه لأنه یصدق علی کل منها: إنّه شیء فیه حلال و حرام عندنا بمعنی أنّه یجوز لنا أن نجعله مقسماً لحکمین فنقول إمّا حلال و إمّا حرام و إنّه یکون من جملة الأفعال التی یکون بعض أنواعها و أصنافها حلالاً و بعضها حراماً و اشترکت فی أن الحکم الشرعی المتعلّق بها غیر معلوم انتهی.

ذکر نحوه فی الدرر حیث قال إنّ قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام حمل علی صلاحیتهما و احتمالهما فیصیر الحاصل ان کل شیء یصلح لأن یکون حراماً و لأن یکون حلالا و یصح ان یقال فیه إما حرام و إما حلال فهو لک حلال سواء کانت الشبهة فی الحلیة و الحرمة من جهة الشک فی اندراجه تحت کلی علم حکمه أم لا.(1)

أورد علیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه فی فرائد الاُصول بأنّ المراد بالشی لیس هو خصوص المشتبة کاللحم المشتری و لحم الحمیر علی ما مثّله بهما إذ لایستقیم إرجاع الضمیر فی «منه» إلیهما لکن لفظة «منه» لیس فی بعض النسخ و أیضاً الظّاهر أنّ المراد بقوله فیه حلال و حرام کونه منقسماً إلیهما و وجود القسمین فیه بالفعل لامردداً بینهما إذ لاتقسیم مع التردید أصلاً لاذهنا و لاخارجاً إلی أن قال فالمعنی و الله العالم أنّ کل کلی فیه قسم حلال و قسم حرام کمطلق لحم الغنم المشترک بین المذکی و المیتة فهذا الکلی لک حلال إلی أن تعرف القسم الحرام معیناً فی الخارج فتدعه.

و علی الاستخدام یکون المراد انّ کل جزئی خارجی فی نوعه القسمان المذکوران فذلک الجزئی لک حلال حتی تعرف القسم الحرام من ذلک الکلی فی

ص:174


1- (1) الدرر، ص 449.

الخارج فتدعه و علی أی تقدیر فالروایة مختصة بالشبهة فی الموضوع و أما ما ذکره المستدلّ من أنّ المراد من وجود الحلال و الحرام فیه احتماله و صلاحیته لهما فهو مخالف لظاهر القضیة و لضمیر منه ولو علی الاستخدام انتهی موضع الحاجة.(1)

حاصله أنّ قوله علیه السّلام کل شیء یکون فیه حلال و حرام ظاهر فی الانقسام الفعلی و هو لایتصور فی الشبهات الحکمیة فإنّ القسمة فیها لیست فعلیة بل هی فرضیة حیث انه لیس فیها إلّا احتمال الحل و الحرمة کما فی شرب التتن المشکوک حلیته و حرمته و علیه فیختص قوله علیه السّلام بالشبهات الموضوعیة التی یکون الشک فیها فی الحل و الحرمة من جهة الشک فی انطباق ما هو الحرام علی المشتبه بعد إحراز وجود الحلال و الحرام فیه بالفعل.

و یؤید ذلک أیضاً بظهور کلمة «منه» و «بعینه» و تعریف الحرام باللام فی قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه بعینه فإنّه إشارة و إرجاع إلی الحرام المذکور فی قوله کل شیء یکون فیه حلال و حرام و الإشارة و الإرجاع إلیهما متفرعتان علی إحراز وجودهما کما لایخفی.

و لایخفی علیک أنّ ما ذکره الشیخ یتّم فیما إذا کان المراد من الشیء فی قوله علیه السّلام کل شیء هو النوع و المراد من الحلال و الحرام هو حکم أصناف هذا النوع فإنّ الانقسام الفعلی لایتصور حینئذٍ إلّا فی الشبهة الموضوعیة و أمّا إذا کان المراد من الشیء هو الأعمّ من الجنس و من الحلال و الحرام أمکن أن یقال بشمول الروایة للشبهات الحکمیة أیضاً نظراً إلی إمکان فرض الانقسام الفعلی فیها کما فی کلی اللحم فإن فیه قسمان معلومان حلال و هو لحم الغنم و حرام و هو لحم الإرنب

ص:175


1- (1) فرائد الاُصول، ص 201.

و قسم ثالث مشتبه و هو لحم الحمیر مثلاً لایدری انه محکوم بالحلیة أو الحرمة و منشأ الاشتباه فیه وجود القسمین المعلومین فیقال بمقتضی عموم الروایة انّه حلال حتی تعلم حرمته و یخرج بذلک عن دائرة المشتبهات المحکوم فیها بالحلیة و بعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذی یوجد فی نوعه القسمان المعلومان یتعدی إلی غیره بعدم القول بالفصل.(1)

ویمکن الجواب عنه: بما فی کلام الشیخ من أنّ الظّاهر إن ذکر هذا القید مع تمام الکلام بدونه کما فی روایة أخری کل شیء لک حلال حتی تعرف إنه حرام بیان منشأ الاشتباه الذی یعلم من قوله علیه السّلام حتی تعرف إلی أن قال إنّ وجود القسمین فی اللحم لیس منشأ لاشتباه لحم الحمار و لادخل له فی هذا الحکم أصلاً و لا فی تحقق الموضوع و تقیید الموضوع بقید أجنبی لادخل له فی الحکم و لا فی تحقق الموضوع مع خروج بعض الأفراد منه مثل شرب التتن حتی أحتاج إلی إلحاق مثله بلحم الحمار و شبهه مما یوجد فی نوعه قسمان معلومان بالإجماع المرکب و مستهجن.(2)

و أوضح هذا الجواب فی مصباح الاُصول بأن الظّاهر من قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام إنّ منشأ الشک فی الحلیة و الحرمة هو نفس انقسام الشیء إلی الحلال و الحرام و هذا لاینطبق علی الشبهة الحکمیة فإنّ الشک فی حلیة بعض أنواع الحیوان لیس ناشئاً من الانقسام إلی الحلال و الحرام بل هذا النوع مشکوک فیه من حیث الحلیة و الحرمة و لو علی تقدیر حرمة جمیع بقیة الأنواع أو حلیتها (بل منشأ

ص:176


1- (1) نهایة الأفکار، ج 3، صص 234-233.
2- (2) فرائد الاُصول، ص 201.

الشک فی الحلیة و الحرمة فیه هو عدم النص أو اجمال النص کما لایخفی) و هذا بخلاف الشبهة الموضوعیة فإنّ الشک فی حلیة مائع موجود فی الخارج ناشیء من انقسام المائع إلی الحلال و الحرام إذ لو کان المائع بجمیع أقسامه حلالاً أو بجمیع أقسامه حراماً لما شککنا فی هذا المائع الموجود فی الخارج من حیث الحلیة و الحرمة فحیث کان المائع منقسماً إلی قسمین قسم منه حلال کالخل و قسم منه حرام کالخمر فشککنا فی حلیة هذا المائع الموجود فی الخارج لاحتمال أن یکون خلاً فیکون من القسم الحلال و ان یکون خمراً فیکون من القسم الحرام.(1)

هذا مضافاً إلی ما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه أیضاً من أن الظّاهر من قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه معرفة ذلک الحرام الذی فرض وجوده فی الشیء و معلوم أن معرفة لحم الخنزیر و حرمته لایکون غایة لحلیة لحم الحمار.(2)

و هذا الذی أشار الشیخ إلیه یلزم فیما إذا قلنا بشمول الروایة للشبهة الحکمیة إذ یحکم بحلیة لحم الحمار حتی تعرف لحم الخنزیر و حرمته مع أنه کما تری هذا بخلاف ما إذا قلنا باختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة فإنّ مورد الشبهة محکوم بالحلیة حتی تعرف إنّه مصداق الحرام الذی فرض وجوده فی الشیء و لاإشکال کما لایخفی.

فتحصل أنّ مفاد هذه الروایة لاینطبق علی الشبهة الحکمیة بشهادة أمرین:

أحدهما دلالته علی أن نفس الانقسام المذکور منشأ للشک و الاشتباه و ثانیهما جعل الحرام المعلوم منهما غایة للحلیة فإنه لایصح ذلک إلّا فی الشبهات

ص:177


1- (1) مصباح الاُصول، ج 2، صص 277-276.
2- (2) فرائد الاُصول، ص 201.

الموضوعیة و أما فی الحکمیة فلایصح جعل الحرام المعلوم المذکور غایة لحلیة لحم الحمیر مثلاً کما لایخفی.

إذ لامعنی لجعل العلم بکون لحم الخنزیر حراماً غایة لحلیة لحم الحمیر أمّا الأمر الأول فلامکان أن یقال نفی السببیة لوجود القسمین بالنسبة إلی الشک فی حکم لحم الحمیر فی غیر محله و الشاهد له أنّه لو علم ان مطلق اللحم حراماً أو حلالاً لم یبق له شک فی حکم لحم الحمیر فإنّ المشکوک لایبقی علی الشک مع العلم بحرمة مطلق اللحم أو العلم بحلیة مطلق اللحم کما لایخفی.

فالشک ناشٍ من وجود القسمین من الحلال و الحرام فی الأنواع و علیه فلاوجه لإنکار سببیة وجود القسمین فی الشبهات الحکمیة و العجب من مصباح الاُصول حیث قال هذا النوع مشکوک فیه من حیث الحلیة و الحرمة ولو علی تقدیر حرمة جمیع بقیة الأنواع أو حلیتها الخ مع أن اللازم هو إن قال ولو علی تقدیر حرمة مطلق اللحم أو حلیته کما قاله کذلک فی الشبهة الموضوعیه و من المعلوم أنه لو قال بمثل ما قال فی الشبهة الموضوعیة لم یبق شک فی هذا النوع أیضاً و علیه فوجود القسمین موجب للشک فی الشبهة الحکمیة کالشبهة الموضوعیّة و لذلک قال فی الدرر یکفی فی عدم لغویة القید (و هو قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام) انه لو علم کون مطلق اللحم حراماً أو حلالاً لم یبق شک فی لحم الحمیر فوجود القسمین فی اللحم صار منشأ للشک فی لحم الحمیر(1).

قال شیخنا الاُستاذ الأراکی قدّس سرّه: فی توضیح مراد استاذه قدّس سرّه و الحق هو اندفاع الإشکالین أما الأول فلأن التقیید المذکور لایکون لغواً لکونه دخیلاً فی الموضوع و

ص:178


1- (1) الدرر، ص 450.

ذلک لأن الشبهة فی لحم الحمار مثلاً و إن کانت کما ذکر ناشئة عن عدم النص لکن لاینافی هذا أن یکون منشأها وجود القسمین الحلال و الحرام فإنه لو کان النص علی حلیة کل لحم موجوداً لم یکن شک فی حلیة لحم الحمار ولو کان النص علی حرمة کل لحم موجوداً لم یکن شک فی حرمة لحم (الحمار).

ولکن لما لم یکن شیء من هذا النصین و انما صار بعض اللحوم حراماً و بعضها حلالاً فهذا أوجب الشک فی حکم لحم الحمار.

فهذا نظیر ما یقال فی العرف لو کان کل أفراد الإنسان أمیناً لما شککت فی أمانة هذا الشخص ولو کان کل أفراده خائناً ما شککت فی خیانة هذا الشخص ولکن لما کان أفراده مختلفة فبعضها أمین و بعضها خائن فلاجرم شککت فی أمانة هذا الشخص و خیانته و هذا مطلب صحیح عرفی.(1)

هذا کله بالنسبة إلی الأمر الأول و هو لزوم کون الانقسام سبباً و منشأ للشک و هو متحقق فی الشبهة الموضوعیة دون الحکمیة و أمّا الأمر الثانی و هو متحقق فی الشبهة الموضوعیة دون الحکمیة فقد أجاب عنه فی الدرر أیضاً بأنّ معرفة الحرام غایة للحکم علی المطلق أو علی ذلک الشیء الذی عرف حرمته. ولو لا ذلک للزم الإشکال علی تقدیر الاختصاص بالشبهة الموضوعیة أیضاً إذ بعد معرفة فرد من أفراد الغیر المذکی یصدق انّه عرف الحرام فیلزم ارتفاع الحکم عن الشبهات أیضاً فتدبر جیداً.(2)

قال شیخنا الاُستاذ الأراکی قدّس سرّه: فی توضیح ذلک و بالجملة إن کان المراد بعرفان الحرمة الذی جعل فی الحدیث غایة للحل حقیقة عرفان جنس الحرام حتی یکون صادقاً علی فرد واحد کان الإشکال مشترک الورود علی کلتا الشبهتین و إن کان

ص:179


1- (1) أُصول الفقه لشیخنا الاُستاذ، ج 2، ص 77.
2- (2) الدرر، ص 450.

المراد ان عرفان الحرمة فی کل شیء لیس إلّا غایة للحل بالنسبة إلی هذا الشیء دون غیره کان الإشکال غیر وارد فی کلتا الشبهتین ولکن حیث إنّ الظّاهر هو إرادة عرفان جنس الحرام الصادق علی فرد واحد کان الإشکال وارداً علی کلتیهما فلابدّ فی دفعه عن کلتیهما فنقول إنّ عرفان الحرام غایة للقضیة الاستغراقیة بوصف کونها استغراقیة فمعنی الحدیث أنّ الجنس الذی هو اللحم المنقسم فی الذهن إلی القسم المذکی و القسم المیتة یکون بجمیع أفراده حلالاً فکل فرد منه سواء کان میتة واقعاً أم مذکی واقعا فهو حلال و کذلک جنس اللحم الذی له قسمان احدهما لحم الغنم و الآخر لحم الخنزیر و له قسم ثالث و هو لحم الحمار فهو بجمیع أقسامه یکون حلالاً سواء کان من القسم الحلال واقعا أم من القسم الحرام حتی یعرف الحرمة فی فرد واحد علی الأول أو فی قسم واحد علی الثانی فحینئذٍ یکون هذا الحکم العام الاستغراقی الاستیعابی و هو حلیة کل فرد أو کل قسم مرتفعاً و هذا لاإشکال فیه إذ لاإشکال فی أنه بعد معرفة الحرمة فی الفرد الواحد أو القسم الواحد لم یبق هذا الحکم العام بعمومه.

و اذن فبناءً علی حمل الروایة علی التقسیم الذهنی فدلالتها علی البراءة فی الشبهة الحکمیة تامة غایة الأمر یکون موردها خصوص الشبهة الحکمیة التی کان له قسم حلال و قسم حرام و لم یکن القسم الحرام بعد معروفا فیتم فی غیر هذا و هو ما لم یکن له قسم حلال و قسم حرام و ما کان له ذلک بعد عرفان الحرام بعدم القول بالفصل.

ولکن الشأن فی إثبات ظهور الروایة فی التقسیم الذهنی دون الخارجی و هو غیر معلوم بل الظّاهر منها لایبعد أن یکون هو التقسیم الخارجی بقرینة ذکر لفظة «بعینه».(1)

و لایخفی علیک أیضاً أن الظّاهر من الحدیث کما أشار إلیه الاُستاذ قدّس سرّه بقرینة لام العهد فی قوله حتی تعرف الحرام و لفظة بعینه إن المراد من الغایة فی قوله حتی

ص:180


1- (1) أُصول الفقه شیخنا الاُستاذ، ج 2، صص 77-76.

تعرف الحرام منه بعینه هی معرفة ذلک الحرام الذی فرض وجوده بالفعل فی الشیء و ذلک لایساعد إلّا مع إرادة الشبهة الموضوعیة إذ مع الشبهة الحکمیة لامعنی لجعل معرفة حرمة لحم الخنزیر غایة لحلیة لحم الحمیر لعدم الارتباط بینهما فلاوجه لأن یقال. إنّ لحم الحمیر مثلاً الذی شک فی حلیته و حرمته عندما رأینا وجود القسمین فی اللحم حلال حتی تعرف حرمة لحم الخنزیر و علم بوجوده فی الشیء بل الذی یکون مناسباً مع الشبهة الحکمیة هو ان یقال إنّ لحم الحمیر المشکوک حلال حتی تعرف إنه حرام آخر و هو لایساعد مع ذکر لام العهد و رجوع الضمیر فی «بعینه» إلی الحرام الموجود فی الشیء کما لایخفی.

و لعل إلیه یؤول ما أشار إلیه شیخنا الاُستاذ الأراکی قدّس سرّه فی الدورة الأخیرة بقوله ولکن یمکن الإیراد علی الکلام المزبور أعنی التسریة إلی الشبهة الحکمیة بأن یقال إنّ الظّاهر أن یکون الدوران بین نفس الحلال و الحرام المذکورین فی الصدر و هو منحصر فی الشبهة الموضوعیة إذ لادوران فی الشبهة الحکمیة من لحم الحمیر بین اللحوم المعلوم الحرمة و اللحوم المقطوع الحلیة و بعبارة أخری الظّاهر انّ مورد الحکم بالحلیة شیء قابل لأن یعرف فیه ذلک الحرام المعلوم.

إلّا أن یقال: یکفی صحة انطباق عنوان الحرام بما هو هو فالمراد إنّ کل کلّی کان فیه الحلال و الحرام ولو لم یعرف عنوانهما بغیر هذین العنوانین فهو حلال فی أفراده المشتبهة حتی یعرف الحرام منه ولکنه مع ذلک لایخلو عن التکلف فالظّاهر اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة.(1)

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه: إنّ قوله «بعینه» و «منه» و «فیه» و مادة «العرفان» المستعملة فی الأمور الجزئیة قرینة علی الاختصاص فإنّ کل واحد من

ص:181


1- (1) أُصول الفقه لشیخنا الاُستاذ الأراکی قدّس سرّه، ص 624

هذه الأمور و إن کان فی حد نفسه قابلاً للمناقشة إلّا أنّ ملاحظة المجموع ربّما تصیر قرینة علی الاختصاص أو سلب الاعتماد بمثل هذا الإطلاق.(1)

و یؤیده عدم اشتراط البراءة فی هذه الأخبار بالفحص إذ لو کان لمراد أعمّ من الشبهة الحکمیة لزم تقیدها بکونها بعد الفحص فتأمّل.

یمکن أن یقال: بأنّ الاستبانة المذکورة فی الذیل تعمّ الاستبانة العلمیة القطعیة و غیرها الحاصلة بمثل خبر الواحد أو الظواهر و علیه فذکر قیام البیّنة بعد الاستبانة من قبیل ذکر الخاص بعد العام و لاشاهد فیه علی الاختصاص.

نعم لایخلو الروایة عن الضعف فی السند فإنّ مسعدة بن صدقه عامّی و لم یوثق إلّا أنّ المحکی عن السید المحقق البروجردی قدّس سرّه أنّه متحد مع مسعدة بن زیاد الربعی الثقة بقرینة اتحاد مضمون روایاته مع روایاته التی تقرب عشر روایات و أیّد ذلک بالمروی فی بعض طرق الکافی هکذا عن مسعدة بن صدقة عن زیاد لأنّ الظّاهر عندی أنّ الصحیح هو مسعدة بن صدقة بن زیاد و علیه یکون زیاد اسم جدّ مسعدة و کثیراما یحذف اسم الأب و ینسب الولد إلی الجدّ هذا مضافاً إلی ما حکی عن الوحید البهبهانی من أنّ جدّی قال الذی یظهر من أخباره فی الکتب أنّه ثقة لأنّ جمیع ما یرویه فی غایة المتانة و موافق لما یرویه الثقات.

ولکن لقائل أن یقول اتحاد مضمون بعض روایات مسعدة بن زیاد مع روایات مسعدة بن صدقة لایوجب إلّا الظن باتّحادهما هذا مضافاً إلی أنّه یبعده ذکر کلیهما فی الفهرست و الرجال و النجاشی فتأمّل.

ومنها: صحیحة عبدالله بن سنان التی رواها المشایخ الثلاثة فی کتبهم و مضمونها متوافقة و قد رواها الکلینی قدّس سرّه عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زیاد و أحمد بن

ص:182


1- (1) تهذیب الاُصول، ج 2، ص 188.

محمّد جمیعاً عن ابن محبوب عن عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السّلام قال کل شیء یکون فیه حلال و حرام فهو حلال لک أبداً حتی أن تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

و تقریب الاستدلال بها کما عن شرح الوافیة و فی الدرر أنّ معنی الحدیث أنّ کلّ فعل من الأفعال التی تتّصف بالحلّ و الحرمة و کذا کلّ عین ممّا یتعلّق به فعل التکلیف و یتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم یعلم الحکم الخاص به من الحلّ و الحرمة فهو لک حلال.

فخرج ما لایتّصف بهما جمعیا من الأفعال الاضطراریة و الأعیان التی لایتعلّق بها فعل المکلّف و ما علم أنّه حلال لاحرام فیه أو حرام لاحلال فیه.

فصار الحاصل أنّ ما اشتبه حکمه و کان محتملاً لأن یکون حلالاً و لأن یکون حراماً فهو لک حلال سواء علم حکمه کلی فوقه أو تحته بحیث لو فرض العلم باندارجه تحته أو تحققه فی ضمنه لعلم حکمه أو لم یعلم ذلک.

و علیه فالروایة صادقة علی مثل اللحم المشتری من السوق المحتمل حلیته لکونه من المذکی أو حرمته لکونه من المیتة و هکذا یصدق علی شرب التتن أو لحم الإرنب مثلاً لان ألحلّیة و الحرمة کلیهما محتملتان فیهما.

و بعبارة اخری قوله فیه حلال و حرام یحمل علی صلاحیة الشیء أو الفعل لهما و احتمالهما فیه فیصیر المعنی أنّ کل شیء یصلح لأن یکون حراماً و لأن یکون حلالاً و یصح فیه أن یقال: إنّه إما حرام أو حلال فهو لک حلال.

و قد أورد علیه بأنّ الظّاهر من قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام کونه منقسماً إلیهما و وجود القسمین فیه بالفعل لا مردّداً بینهما إذ لاتقسیم مع التردید أصلاً لا ذهناً و لاخارجاً و دعوی أنّ المراد من وجود الحلال و الحرام فیه هو احتماله و صلاحیته لهما مندفعة بأنه مخالف لظاهر القضیّة.

ص:183

و علیه فیختص قوله علیه السّلام بالشبهات الموضوعیة التی یکون الشکّ فیها فی الحل و الحرمة من جهة الشکّ فی انطباق ما هو الحرام علی المشتبه بعد إحراز وجود الحلال و الحرام فیه بالفعل.

و یؤیّد ذلک ظهور کلمة «منه» و «بعینه» و تعریف الحرام باللام فی قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه بعینه فإنّه إشارة و إرجاع إلی الحرام المذکور فی قوله علیه السّلام کل شیء یکون فیه حلال و حرام و من المعلوم أنّ الإشارة و الإرجاع إلیهما متفرّعتان علی إحراز وجودهما قبل الإشارة و الإرجاع و الأجوبة المذکورة عن هذا الإیراد لاتخلو عن التکلف و التأمل و الحاصل أنّ قوله «بعینه» و «منه» و «فیه» و مادة «العرفان» المستعملة فی الأمور الجزئیة قرینة علی اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و لاأقل من الشکّ فی شمولها للشبهة الحکمیة.

التنبیه

و اعلم أنّ مقتضی عموم قاعدة الحلّیة هی حلّیة المشکوک و لو کان الشیء المشکوک هو أجزاء الحیوان من الجلد أو اللحم أو الشحم المأخوذة من ید الکافر أو المستوردة من بلاد الکفر بشرط احتمال التذکیة الشرعیة فی حیوانها فحینئذٍ یجوز التصرف فیها عدی ما اشترط العلم بالتذکیة فی الاستعمال کالأکل أو لبسه فی الصلاة.

و ذلک لجریان قاعدة الحلّیة فیها کجریان قاعدة الطهارة و لامجال لاستصحاب عدم التذکیة فیها بناء علی أنّ التذکیة هی فری الأوداج الأربعة لاالأمر المعنوی الحاصل بالفری و من المعلوم أنّ فری الأوداج الأربعة لایتصور فی أجزاء الحیوان فانما لم تجر أصالة عدم التذکیة فمقتضی قاعدة الحلّیة هو جواز التصرف مطلقاً عدی ما خرج.

نعم لو کان المشکوک جسد الحیوان الکامل فلامجال لقاعدة الحلّیة لجریان أصالة عدم التذکیة فیحرم جمیع التصرفات.

ص:184

حدیث إحدی الجهالتین أهون

ومنها: أی من الأخبار التی أُستدلّ بها للبراءة صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبی عبدالله علیه السّلام قال سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدّتها بجهالة أهی ممن لاتحلّ له أبداً فقال لا أمّا إذا کان بجهالة فلیتزوجها بعد ما تنقضی عدّتها و قد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک فقلت بأیّ الجهالتین أعذر بجهالته أن یعلم أنّ ذلک محرم علیه أم بجهالته أنّها فی عدّة؟

فقال إحدی الجهالتین أهون من الاُخری الجهالة بأنّ الله حرّم ذلک علیه و ذلک أنّه لایقدر علی الاحتیاط معها فقلت فهو فی الاُخری معذور قال نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور فی أن یتزوجها فقلت و إن کان أحدهما متعمّداً و الآخر بجهالة فقال الذی تعمّد لایحلّ له أن یرجع إلی صاحبه أبداً.

و تقریب الاستدلال بها إنّ الروایة تدلّ علی أنّ الجهل مطلقا عذر و مقتضی ذلک أنّه لاعقوبة علیه و هو المطلوب.

و یشکل ذلک بأنّ الجهل فی الروایة إمّا یکون، بمعنی الشکّ فإن کان الشکّ متعلّقا بالحکم التکلیفی فالمعذوریة تتوقف علی الفحص إذ الجاهل بالحکم قبل الفحص لیس بمعذور إجماعاً.

ص:185

و لو حملنا الروایة علی ما بعد الفحص ففیه أنّه یبعد بقاء الجهل بعد الفحص لوضوح الحکم المذکور بین المسلمین و إن کان الشکّ متعلّقاً بالموضوع فیصحّ الحکم بالمعذوریة قبل الفحص إذا لم یعلم بکونها فی العدة سابقاً و إلّا فمع عدم العلم بانقضائها فمقتضی الاستصحاب بقاء العدّة و عدم المعذوریة.

و علیه فالحکم بمعذوریة الجاهل مطلقا لایطابق القواعد المسلّمة هذا کله فیما إذا کان الجهل فی الروایة بمعنی الشکّ.

و إمّا یکون الجهل فیها بمعنی الغفلة فیستقیم الحکم بالمعذوریة حینئذٍ و یشهد له قوله علیه السّلام و ذلک إنّه لایقدر علی الاحتیاط معها ولکن إشکاله أنّه أجنبی عن المقام لأنّ البحث الأصولی حول الشک لاالغفلة.

و یمکن الجواب بحمل الجهالة علی الغفلة فی کلتی الصورتین و بحمل قول السائل «بجهالة أنّ الله حرم علیه ذلک» علی الجهالة فی الحکم التکلیفی و قوله «أم بجهالته أنّها فی العدة» علی جهالته بأنّ العدة موضوعة للأمر الوضعی أعنی الحرمة الأبدیة.

و حینئذٍ وجه قدرته علی الاحتیاط فی الثانی أنّه بعد الالتفات یتمکن من رفع الید عن الزوجة بخلاف الأوّل فإنّه أتی بالفعل المحرم شرعاً و لایتمکن من تدارکه بعد الالتفات فافهم.

ولکن الروایة حینئذٍ تکون أجنبیة عن صورة الشکّ و التردید بل مختصة بمورد الغفلة مع أنّ بحث الاُصولی فی حکم الشکّ و التردید لاحکم الغفلة و الأولی هو الجواب عن الاشکال بأنّ الجهالة لیست فی الموضعین مستعملة فی معنیین بل استعملت فی کلیهما فی العام الشامل للشک و الغفلة و هو عدم العلم ولکن هذا

ص:186

المعنی العام یکون الغالب تحققه فی ضمن الغفلة بالنسبة إلی الحکم و فی ضمن التردید والشک بالنسبة إلی الموضوع فالاختلاف فی المحقق لافی المعنی المستعمل فیه الکلمة.

و أمّا وجه الاختلاف بینهما فلأنّ الحکم لغایة وضوحه مثل وجوب صلاة الظهر بین المسلمین یکون عدم علمه بنحو التردید فیه فی غایة الندرة نعم عدم علمه بنحو الغفلة لیس نادراً.

و أمّا الموضوع فالإنسان المرید لتزویج امرأة لامحالة یکون بصدد التفتیش عن موانع التزویج فی حق المرأة الشخصیّة و مع هذا لو لم یقع فی ذهنه الالتفات إلی حیث کونها فی عدة الغیر أولا فهو فی کمال البعد و الندرة فإذا کانت الغفلة بعیدة أمکن أن یبقی علی حالة التردید و الشکّ بالنسبة إلی الموضوع هذا هو المحکی عن الأستاذ الأعظم المیرزا الشیرازی قدّس سرّه و تبعه جماعة منهم المحقق الحائری و شیخنا الأستاذ و المحقّق العراقی قدّس الله أرواحهم.

فتحصّل: أنّ الروایة بعد تخصیصها بحکم العقل بغیر مورد الشبهة الحکمیة البدویة قبل الفحص و بغیر مورد الشبهة المحصورة و بغیر مورد الاستصحاب أو الأمارات تدلّ علی أنّ الجهل و عدم العلم بالحکم أو الموضوع عذر و معناه أنّه لافعلیة للحکم بالنسبة إلیه و لاعقوبة و معه لامجال لوجوب الاحتیاط مطلقاً سواء کانت الشبهة تحریمیة أو وجوبیة.

ص:187

ص:188

حدیث کلّ شیء مطلق

ومنها: أی الأخبار التی استدلّ بها للبراءة ما رواه الصدوق قدّس سرّه فی الفقیه مرسلاً عن الصادق علیه السّلام أنّه قال کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی و اعتمد علیه و روی نحوه فی المستدرک بسند غیر معتبر عن الصادق علیه السّلام الأشیاء مطلقة ما لم یرد علیک أمر و نهی و کیف کان فاعتماد الصدوق علیها لایستلزم اعتمادنا علیها فهی لاتصلح للاستدلال و لو اغمضنا من ضعف سندها.

فلایخفی أنّ دلالة هذه الروایة علی المطلوب أوضح من الکلّ لأنّ الظّاهر إرادة ورود النهی فی الشیء من حیث هو لا من حیث کونه مجهول الحکم فان تم ما سیأتی من أدلّة الاحتیاط دلالةً و سنداً و حب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها لظهورها فی عدم وجوب الاحتیاط ثمّ الرجوع إلی مقتضی قاعدة التعارض و قد أورد علیها بأنّ دلالتها تتوقف علی عدم صدق الورود إلّا بعد العلم أو ما بحکمه بالنهی عنه وإن صدر عن الشارع و وصل غیر واحد مع أنّه ممنوع لوضوح صدقه علی صدوره عنه سیّما بعد بلوغه إلی غیر واحد و قد خفی علی من لم یعلم بصدوره.

و یمکن الجواب عنه بأنّ مع العلم بصدور النهی عن الشارع و وصوله لغیر واحد لامجال للتمسک بالروایة لإثبات الإطلاق لفرض العلم بحصول الغایة ولکن مع

ص:189

الشکّ فی صدور النهی و وصوله لغیر واحد أمکن التمسک باستصحاب عدم ورود النهی و به ینقّح موضوع الحدیث و یصحّ التمسک به فی مورد یشکّ فیه من جهة ورود النهی عنه و عدمه.

نعم یرد حینئذٍ أنّ استصحاب عدم صدور النهی لإحراز الموضوع مثل هذه الروایة و الاستدلال بها تبعید المسافة لصحة الاستدال بنفس الاستصحاب من دون حاجة إلی الروایة فی الحکم بالإطلاق و بعبارة اخری لایجوز التمسک بالحدیث مع قطع النظر عن الاستصحاب لأنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة و مع ملاحظة جریان الاستصحاب فلاحاجة إلی التمسک بالحدیث لأنّ الاستصحاب مغن عن التمسک بالحدیث فلاتغفل.

هذا کله بناء علی أنّ المراد من الورود هو الصدور الواقعی و أمّا إذا أرید منه هو الوصول إلی المکلفین فلاحاجة فی ثبوته إلی الاستصحاب و یشهد له قوله علیه السّلام «یرد» فإنّه جملة استقبالیة و النهی المتوقع وروده فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام لیس نهیاً من النواهی الأوّلیة الواردة علی الموضوعات لأنّ ذلک بید الشارع و قد فعل ذلک و ختم طوماره بموت النّبی صلی الله علیه و آله و سلّمو انقطاع الوحی و علی ذلک ینحصر المراد من قوله علیه السّلام «یرد» علی الورود علی المکلّف و هو لیس إلّا الوصول الذی به یرتفع الحکم المجعول للشاک و هذا هو عین الحکم الظاهری.

ثمّ إنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة التحریمیة و لاتشمل الوجوبیة و لاضیر فیه لأنّ عمدة الخلاف بین الاُصولیّین و الأخباریین فی الشبهة التحریمیة و أمّا الوجوبیة فأکثر الأخباریین موافقون مع الاُصولییّن فی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط.

ص:190

حدیث أیّ رجل رکب أمراً بجهالة

ومنها: أی من الأخبار التی أستدلّ بها للبراءة صحیحة عبدالصمد بن بشیر حیث قال علیه السّلام فیها «أیّ رجل رکب أمراً بجهالة فلاشیء علیه»

و لایخفی علیک أنّ التمسک بها متوقف علی أنّ المراد من الجهالة هو الجهل بحکم الشیء واقعاً و عدم العلم به کما هو الظّاهر لعدم تقید الأمر المذکور فی الروایة بالشک و علیه فمقتضی هذا الحدیث الصحیح أنّ الإتیان بشیء عن عدم علم و جهالة بحکمه الواقعی لایوجب شیئاً.

فهذا الحدیث ینافی أدلّة وجوب الاحتیاط نعم لو کان المراد من الجهالة هو الجهل بمطلق الوظیفة الفعلیة یشکل التمسک به للبراءة لورود ادلة الاحتیاط علیه لکن عرفت أنّ ظاهر إطلاق الأمر فی قوله علیه السّلام أیّ رجل رکب أمراً یقتضی أن یکون الجهل متعلّقاً بحکمه الواقعی فیکون مفاده کحدیث الرفع فی دلالته علی البراءة بالنسبة إلی الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر.

و دعوی أنّ الباء فی قوله بجهالة ظاهر فی السببیة الارتکاب و علیه یختصّ بالغافل والجاهل المرکب و لایشمل الجاهل البسیط و صورة التردد و یؤیده أنّ تعمیم الجهالة لصورة التردد یوجب التخصیص بالشاک الغیر المقصّر و سیاقه آبٍ عن التخصیص.

ص:191

مندفعة بأنّ الجهل لیس علة للإتیان بالشیء فإنّ وجود الشیء فی الخارج معلول لمبادیه نعم ربّما یکون العلم بالحکم مانعا و رادعاً عن حصول تلک المبادی فی النفس و علیه فالمناسب هو جعل الباء فی قوله بجهالة بمعنی عن.

هذا مضافاً إلی أنّ التخصیص ممّا لابدّ منه للزوم إخراج الجاهل المقصر إذا حمل الجهالة علی الجاهل المرکب إذ المقصر و لو کان جاهلاً مرکباً لایکون ممن لاشیء علیه هذه عمدة ما أستدلّ به من الأخبار علی البراءة.

و الإنصاف هو ظهور بعضها فی الدلالة علی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط عند الشکّ فی الحکم الواقعی من دون فرق بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة و علیه فلو تمّت أخبار الاحتیاط الدالة علی التوقف عند الشبهة معللا بأنّ الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة کانت محکومة لأدّلة البراءة اذ لاهلکة مع أخبار البراءة و لو لم نسلم الحکومة فالأخبار الاحتیاط إما مخصّصة بأدّلة البراءة لاختصاصها بالشبهة التحریمیّة أو محمولة علی الاستحباب و الرجحان لو قلنا بتساویهما من جهة الإطلاق أو العموم.

ص:192

الاستدلال بالإجماع

ربّما یستدلّ بالإجماع علی البراءة فیما إذا لم یرد دلیل علی تحریم شیء من حیث هو هو.

و لیس المراد من الإجماع فی المقام قیام الإجماع علی قبح العقاب علی مخالفة التکلیف الغیر الواصل إلی المکلّف حتی یقال إنّ الإجماع المذکور إجماع علی أمر عقلی و لایکشف عن الحکم الشرعی هذا مضافاً إلی أنّ الإجماع علی الکبری لاینفع إلّا بعد ثبوت الصغری و هو عدم وصول دلیل الاحتیاط و المفروض هو تمامیة أدلّة الاحتیاط عند الأخبارییّن.

بل المراد من الإجماع فی المقام هو دعوی قیام الإجماع علی جواز الارتکاب و عدم وجوب الاحتیاط شرعاً.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه: لاتکاد تجد هی زمان المحدثین إلی زمان أرباب التصنیف فی الفتوی من یعتمد علی حرمة شیء من الأفعال بمجرد الاحتیاط.

و قد أورد علیه بأنّ تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة مما لانقل إلیه سبیل و من واضح النقل علیه دلیل بعید.

یمکن أن یقال: إنّ الإجماع المذکور علی فرض تحصیله و اتصاله إلی عصر الأئمة: لو کان خلافا للدین لأرشدهم الأئمة علیهم السّلام فمع عدم إرشادهم علیهم السّلام إلی لزوم

ص:193

الاحتیاط کفی ذلک فی کشف عدم وجوب الاحتیاط شرعاً لأنّه ینتهی إلی تقریر المعصوم علیه السّلام هذا من ناحیة الکبری و أمّا من جهة الصغری فلایخلو دعوی الإجماع عن الإشکال.

لما قیل کیف یمکن دعوی الإجماع مع مخالفة الأخباریّین و ذهابهم إلی وجوب الاحتیاط فی الشبهة التحریمیة الحکمیة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المراد من الإجماع هو إجماع الأجلاّء و الأعاظم من القدماء إلی زمان الأئمة علیهم السّلام و علیه فمخالفة المتأخرین لایضرّ بالإجماع المذکور فلاتغفل.

ص:194

الاستدلال بالسیرة

ربّما یستدلّ للبراءة بسیرة المسلمین علی عدم الالتزام و الإلزام بترک ما یحتمل ورود المنهی عنه من الشارع بعد الفحص و عدم الوجدان و ذلک لأنّ طریقة الشارع بیان المحرمات دون المباحات و لیس ذلک إلّا لعدم احتیاج الرخصة فی جواز ارتکاب الفعل إلی البیان بل یکفی فیه عدم وجدان النهی عنه.

و لذا نری انّ أهل الشرایع کافة لایخطئون من بادر إلی تناول شیء من المشتبهات سواء علم الإذن فیها من الشرع أم لم یعلم و لو کان تناولها محظوراً لأسرعوا إلی تخطئة کما لایخفی.

و قد أورد علیه بأنّ الغرض من عدم التخطئة إن کان بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحریم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتیاط علیه من الشارع لکنه راجع إلی الاستدلال بالدلیل العقلی و لاینبغی الاستشهاد له بخصوص أهل الشرائع اذ بناء کافة العقلاء علی قبح ذلک و إن لم یکونوا من أهل الشرایع.

و إن کان الغرض منه بناء العقلاء علی تجویز الارتکاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل فهو مبنی علی عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل و یمکن الجواب عنه بأنّ غرض المستدلّین لیس بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالحکم

ص:195

حتی یرجع إلی الدلیل العقلی و لایختصّ بأهل الشرائع و ذلک لعدم تقییدهم عمل المتشرعة بما إذا اتفقوا إلی القاعدة العقلیة.

و مجرّد توافق السیرة مع القاعدة لایلازم التفاتهم إلیها و لایوجب اتّحاد الدلیلین أیضاً و علیه فالاستدلال بالسیرة مع قطع النظر عن القاعدة العقلیة و لاوجه لإرجاعها إلیه هذا مضافاً إلی أنّ إرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لاتکون مبنیة علی عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل لأنّ بناء العقلاء مع عدم الردع عنها یکشف عن عدم وجوب الاحتیاط فی مثل المقام و مع عدم وجوب الاحتیاط فی مثل المقام لایحتمل الضّرر الأخروی فإرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لاتبتنی علی إنکار الکبری بل هی کاشفة عن عدم وجود الصغری فی المقام و لابأس به کما لایخفی.

ص:196

الاستدلال بالاستصحاب

و من الوجوه التی أستدلّ بها علی البراءة هو الاستصحاب و تقریب الاستدلال به علی نحوین لأنّ الأحکام الشرعیة لها مرتبتان:

المرتبة الأولی: مرتبة الجعل والتشریع و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوّم بفرض الموضوع لابتحقّقه فعلاً إذا التشریع غیر متوقّف علی تحقّق الموضوع خارجاً بل یصحّ جعل الحکم علی موضوع مفروض الوجود علی نحو القضیّة الحقیقیّة فصحّ تشریع القصاص علی القاتل مثلاً و إن لم یقتل أحد أحداً إلی الأبد و فی هذه المرتبة یمکن استصحاب عدم الجعل و التشریع ما لم یحصل الیقین بالجعل لأنّ الحکم المشکوک فیه مسبوق بعدم الجعل فی زمان قطعاً فیقال إنّ هذا الحکم المشکوک لم یکن مجهولاً للشارع و الآن کان کذلک.

و دعوی أنّ المحرّک للعبد أعنی الباعث أو الزاجر له إنّما هو التکلیف الفعلی لا الإنشائی فالحکم الإنشائی ممّا لایترتب علیه أثر و إثبات عدم التکلیف الفعلی باستصحاب عدم الجعل لایمکن لأنّه مثبت.

مندفعة بأنّ الحکم الفعلی هو الحکم الإنشائی مع فرض تحقّق قیوده المأخوذة فیه و مع وحدتهما فلامجال لدعوی کون استصحاب عدم الجعل مثبتا.

ص:197

فتحصّل: أنّه لامانع من جریان الاستصحاب و مع جریانه لایبقی مورد للرجوع إلی البراءة الشرعیّة أو العقلیّة.

لایقال: إنّ استصحاب عدم جعل الإلزام معارض باستصحاب عدم جعل الترخیص. و حیث نعلم إجمالاً بجعل أحد الأمرین یسقطان بالمعارضة و یرجع حینئذٍ إلی البرائة. لأنّا نقول لامانع من جریان کلا الاستصحابین ما لم یلزم من جریانهما مخالفة عملیة للتکلیف الإلزامی فإذا ثبت بالاستصحابین عدم جعل الإلزام و عدم جعل الترخیص کفی ذلک فی نفی العقوبة لأن استحقاقها مترتب علی ثبوت المنع و لایحتاج إلی ثبوت الترخیص فإذا ثبت عدم المنع ینتفی العقوبة و لو لم یثبت الترخیص.

و بالجملة یجری استصحاب عدم الجعل لعدم المانع منه و لافرق فیه بین الشبهة الحکمیة و الشبهة الموضوعیة لأنّ الأحکام المجعولة تکون بنحو القضایا الحقیقیة فتنحلّ إلی أحکام متعددة بحسب تعدد أفراد موضوعاتها کما لایخفی.

المرتبة الثانیة: هی المرتبة الفعلیّة و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوّم بتحقّق الموضوع خارجا لأنّ فعلیة الحکم إنّما هی بفعلیة موضوعه و علیه فیمکن استصحاب عدم التکلیف الفعلی المتیقن قبل البلوغ فی ما إذا شک فی حکم شیء بهذه المرتبة.

لایقال: إنّ المعتبر فی الاستصحاب أن یکون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولاً شرعیاً و عدم التکلیف الأزلی غیر قابل للجعل و لیس له أثر شرعی فإنّ عدم العقاب من لوازمه العقلیة فلایجری فیه الاستصحاب لأنا نقول: بأنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب أن یکون المستصحب قابلاً للتعبّد الشرعی و لاخفاء فی أنّ عدم التکلیف کوجوده قابل للتعبد عند جریان الاستصحاب و فی ظرف الشکّ.

ص:198

و دعوی أنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة لیصدق نقض الیقین بالشک عند عدم ترتیب الأثر حین الشکّ و فی المقام لااتحاد من حیث الموضوع إذ الترخیص المتیقّن ثابت لعنوان الصبی علی ما هو ظاهر قوله علیه السّلام رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم و هو مرتفع بارتفاع موضوعه و المشکوک فیه هو الترخیص لموضوع آخر وهو البالغ فلامجال لجریان الاستصحاب لأنه إسراء الحکم من موضوع إلی موضوع آخر.

مندفعة بأنّ عنوان الصبی مقوّم للموضوع الدلیلی و أمّا الموضوع الخارجی فهو باق عرفاً فإنّ زید بن عمرو مثلاً إذا لم یکن قبل بلوغه محکوماً بحکم و شککنا بعد بلوغه بأنّه صار محکوماً بالحکم المذکور أم لا أمکن جریان الاستصحاب لبقاء الموضوع الخارجی عرفاً.

فتحصّل: أنّ جریان استصحاب عدم التکلیف الفعلی لاإشکال فیه و معه لامجال لأدّلة الاحتیاط لحکومة الاستصحاب بالنسبة إلیها کما لایخفی.

نعم یشکل بعد تمامیة الاستصحاب بأنّه لایبقی مع جریان الاستصحاب موضوع لدلیل البراءة أیضاً و هو الشکّ لحکومة الاستصحاب علی موضوع البراءة کما أنّه حاکم بالنسبة إلی موضوع أدلّة الاحتیاط فیلزم منه لغویة أدلّة البراءة مع أنّ هنا روایات تدلّ علی البراءة.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الاستصحاب لایجری فی جملة من الموارد کتوارد الحالتین و موارد تغییر الموضوع بحیث لایبقی وحدة القضیة المتیقنّة و المشکوکة و غیر ذلک فلایلزم اللغویة بالنسبة إلی أدلّة البراءة هذا مضافاً إلی أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار الاستصحاب أنّه معتبر شرعاً فی قبال القواعد المخالفة لئلاّ یترتب آثار المخالف و علیه فلانفی لها بالنسبة إلی القواعد الموافقة معه و علیه فیجری الاستصحاب مع القواعد الموافقة کالبراءة فلاتغفل.

ص:199

ص:200

الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلابیان

ربّما یستدلّ بحکم العقل علی البراءة و المراد منه هو حکمه بقبح العقاب علی شیء من دون بیان التکلیف بعد الفحص و الیأس عن الظفر بما یکون حجة علی المکلّف و استشهد له بحکم العقلاء کافّة لقبح مؤاخذة المولی عبده علی فعل ما یعترف المولی بعدم إعلام تحریمه لأنّه من مصادیق الظلم هذا مضافاً إلی شهادة الوجدان بأنّ العقوبة و المؤاخذه بدون إقامة الحجة قبیحتان.

و یشکل ذلک بأمور:

منها: أنّ تلک القاعدة مصادرة حیث إنّ دعوی أنّ مخالفة التکلیف تمّت علیه الحجة خروج عن زیّ العبودیة فیکون ظلماً قبیحاً و أمّا مخالفة ما لم تتمّ علیه الحجة فلیس ظلماً و لایستحق فاعله العقاب و اللوم عین المدعی إذ ماذا یراد بالحجة إذ لو ارید بها ما یصحح العقاب کانت القضیة بشرط المحمول و إن أرید بها العلم فهو أوّل الکلام فیکون الدلیل عین المدعی نفسه و بمنهجة غیر فنیّة لأنّه التزم فیها بأنّ مرجع قضایا یا الحسن و القبح إلی قاعدة أوّلیة بدیهیّة هی حسن العدل و قبح الظلم.

ص:201

و قد تقدم أنّ قضیة قبح الظلم و حسن العدل لایمکن أن تکون أوّلیة لأنّ الظلم عبارة عن سلب ذی حق حقه فلابدّ من تشخیص الحق الذی هو من مدرکات العقل العملی نفسه فی المرتبة السابقة علیه.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ الدعوی هی أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من الوجدانیات البدیهیّة و من المعلوم أنّ الوجدانیات لاتحتاج إلی الاستدلال حتی یقال إنّ القضیة المستدلّ بها بشرط المعمول أو عین المدعی و مصادرة ثمّ لامنافاة بین کون القضیة المذکورة بدیهیة و بین تقدم تشخیص الحق و الظلم و العدل علی التقبیح و التحسین لأنّ تشخیص الحق و الظلم و العدل أیضاً من البدیهیات و ترتب الحکم البدیهی علی الموضوع البدیهی لاینافی بدیهیّة القضیة کما لایخفی.

ثمّ إنّ المراد من الحجة فی القضیة المذکورة هو ما یمکن الاحتجاج به و البیان لاعنوان ما یصحح العقوبة حتی یوجب أن یکون القضیة بشرط المحمول و حاصل القضیة أنّ مخالفة التکلیف الذی کان معلوما بالعلم أو العلمی ظلم و خروج عن زیّ العبودیة لقیام الحجة علیه بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لعدم قیام الحجة علیه فلیست بظلم بل العقوبة علیها عقوبة بلاحجة و ظلم إذ الاحتمال عند العقلاء لیس بحجة بل هو بحکم عدم البیان.

منها: إن تلک القاعدة منافیة مع حق الطاعة قال الشهید الصدر إنّ المحقّقین من علماء الاُصول قد فصّلوا بین أمرین أحدهما مولویة المولی و حق طاعته و اعتبروا المولویة و حق الطاعة کلّیا متواطئا لاتقبل الزیادة و النقصان و لیست ذات مراتب و هی عبارة عن حق طاعة کل تکلیف یصدر عن المولی واقعا إذا اتمّت علیه الحجة و البیان.

ص:202

و الثانی میزان الحجیة و المنجّزیة فقالوا بأنّ البحث فی أصل المولویة موضعه علم الکلام و أمّا البحث عن میزان الحجیة فهو وظیفة البحث الأصول.

و فی هذا المجال بیّنوا قاعدتین أحدهما حجیة القطع و أنّ کل حجة لابدّ و أن ترجع إلی القطع و الحجیة ذاتیة للقطع.

و الثانیة انتفاء الحجیة بانتفاء القطع لأنّه من مستلزمات کون الحجیة ذاتیة للقطع و هذا هو قاعدة قبح العقاب بلا بیان و ترتب علی ذلک أنّ الظن بنفسه لایمکن أن یکون حجة فلابدّ لکی یکون حجة من جعل جاعل و عندئذ نواجه حیرة فی أنّ جعل الجاعل کیف یجعل الظن حجة و متنجزا و هل ذلک إلّا تخصیص فی حکم العقل بقبح العقاب بلابیان مع أنّ أحکام العقل غیر قابلة للتخصیص.

و من هنا برزت اتجاهات جعل الطریقیة و العلمیة للحکومة علی حکم العقل إلی أن قال إنّ هناک خطأ أساسیاً فی هذا الطرز من التفکیر حیث فصّل بین الحجیة و المولویة مع أنّه لافصل بینهما بل البحث عن الحجیة بحیث عن حدود المولویة بحسب الحقیقه لأنّ المولویة عبارة عن حق الطاعة و العقل یدرک حق الطاعة بملاک من الملاکات کملاک شکر المنعم أو ملاک الخالقیة أو المالکیة ولکن حق الطاعة له مراتب و کلما کان الملاک آکد کان حق الطاعة أو سع.

فقد یفرض بعض المراتب من منعمیة المنعم لایترتب علیه حق الطاعة إلّا فی بعض التکالیف المهمة لافی کلّها و قد تکون المنعمیة أوسع بنحو یترتب من الطاعة فی خصوص التکالیف المعلومة و قد تکون مولویة المولی أوسع دائرة من ذلک بأن کانت منعمیته بدرجة یترتب علیه حق الطاعة حتی فی المشکوکات و المحتملات من التکالیف.

ص:203

فهذا بحسب الحقیقة سعة فی دائرة المولویة إذن فالحجیة لیست شیئا منفصلا عن المولویة و حق الطاعة و یرجع البحث فی قاعدة قبح العقاب بلابیان إلی البحث عن أنّ مولویة المولی هل تشمل التکالیف المحتملة أم لا.

و لاشک أنّه فی التکالیف العقلائیة عادة تکون المولویة ضیقة و محدودة بموارد العلم بالتکلیف و أما فی المولی الحقیقی فسعة المولویة وضیقها یرجع فیها إلی حکم العقل تجاه الخالق سبحانه و مظنونی أنّه بعد الالتفات إلی ما بیناه لایبقی من لایقول بسعة مولویة المولی الحقیقی بنحو تشمل فی التکالیف الموهومة و من هنا نحن لانری جریان البراءة العقلیة.

ویمکن أن یقال أوّلاً: إنّ الموالی العرفیة أیضاً مختلفون فی سعة المولویة و ضیقها إذ بعضهم أوسع حقا من الآخرین و معذلک لایحکم العقلاء بالنسبة إلی ذلک البعض بوجوب مراعاة التکالیف الموهومة بعد الفحص عنها و عدم وجدان حجة علیها.

فکما أنّ العقلاء لایحکمون بذلک بالنسبة إلی ذلک البعض فکذلک لایحکمون به إلی طاعة مولی الموالی.

وثانیاً: إنّ إیجاب الاحتیاط فی جمیع الاُمور بمجرد الاحتمال لایناسبه حکمة الربّ المتعال و أتمیة مراتب المولویة فی المولی الحقیقی توجب أهمیة امتثال أوامره و نواهیه فی الخطابات المعلومة لاالمحتملة أو الموهومة.

وثالثاً: إنّ الاحتمال لایصلح عند العقلاء للطریقة و لذا یرخصون المکلّف فی عدم الإتیان أو الفعل مع احتمال الوجوب فی الأوّل و الحرمة فی الثانی لأنّ احتمال التکلیف عندهم کعدمه نعم لو صرّح المولی بمراعاة الاحتیاط فی بعض المحتملات کان مراعاته لازما.

ص:204

و علیه فلامجال لاکتفاء الشارع بالاحتمال الذی لایراه العقلاء طریقاً و حجة و یؤکد هذا أنّ الشارع لم یعین طریقة أخری لامتثال أوامره و نواهیه بل اعتمد علی طریقة العقلاء کما قال عزّوجلّ:(وَ ما کُنّا مُعَذِّبِینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً) .

و بقیة الکلام إن شاء الله تعالی عند استدلال القائلین بالاحتیاط بالوجه العقلی ومنها أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی فرض تمامیتها محکومة بقاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل فإنّ حکم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل بیان عقلی و معه لاموضوع لقاعدة قبح العقاب بلابیان بل البیان موجود و معه فلاقبح للمؤاخذة.

وأجیب عنه بأجوبة:

أحدها: أنّ قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل من القواعد الکلیة الظاهریة فتدلّ علی العقوبة علی مخالفتها و إن لم یکن فی موردها تکلیف فی الواقع و لیست العقوبة علی التکلیف الواقعی المحتمل علی فرض وجوده و علیه فلاتصلح هذه القاعدة للورود علی قاعدة قبح العقاب بل قاعدة القبح واردة علیها لأنّ قاعدة وجوب رفع الضّرر المحتمل فرع احتمال الضّرر أعنی العقاب لأن الحکم الظاهری فی طول الحکم الواقعی و لااحتمال بعد حکم العقل بقبح العقوبة من غیر بیان.

و فیه أنّ احتمال التکلیف لایزید علی القطع به و لاتعدّد للعقاب مع القطع بالتکلیف فکیف مع احتماله و لازم کون الوجوب فی قاعدة دفع الضّرر المحتمل وجوباً نفسیاً بناء علی کونها قاعدة ظاهریّة و لو لم یکن فی موردها تکلیف فی الواقع هو تعدد العقاب عند مصادفة احتمال التکلیف للواقع و لایمکن الالتزام به فدعوی القاعدة الظاهریة لاوقع لها.

وثانیها: أنّ وجوب دفع الضّرر المحتمل إرشادی بمعنی أنّ العقل یحکم و یرشد إلی تحصیل المؤمن من عقاب مخالفة التکلیف الواقعی علی تقدیر تحققه و الفرق

ص:205

بینه و بین الوجوب الطریقی أنّ الوجوب الطریقی هو المنشأ لاحتمال العقاب و مولاه لما کان العقاب محتملاً بخلاف الإرشادی فإنّه فی رتبة لاحقة عن احتمال العقاب إذ لولا احتمال العقاب لما کان هنا إرشاد من العقل إلی تحصیل المؤمّن.

و بذلک ظهر أنّ مورد کلّ من القاعدتین مغایر لمورد الآخر و لامنافاة بینهما لعدم اجتماعهما فی مورد واحد و بعبارة اخری مورد وجوب دفع الضّرر المحتمل من ناحیة احتمال التکلیف الواقعی فرض وصول التکلیف إجمالا بنفسه أو بطریقه کما فی أطراف العلم الإجمالی و الشبهة قبل الفحص و موارد وجوب الاحتیاط الشرعی و مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان هی الشبهة بعد الفحص و الیأس عن الحجة علی التکلیف و من المعلوم أنّ احتمال التکلیف فیه لایستلزم احتمال العقاب و علیه فلاتوارد بین القاعدتین فی مورد واحد و فیه أنّ عدم استلزام احتمال العقوبة مع احتمال التکلیف أوّل الکلام و محتاج إلی الإثبات فمع عدم إثبات ذلک احتمال العقوبة باحتمال التکلیف موجود و مع وجود الاحتمال المذکور تتوارد القاعدتان علی مورد واحد و هو احتمال العقوبة فتأمّل.

و ثالثها أنّ موضوع قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل إمّا غیر محرز أو تکون القاعدة محکومة بقاعدة قبح العقاب بلا بیان.

أمّا الأوّل فلأنّ موضوع قاعدة دفع الضّرر المحتمل إن کان احتمال العقوبة لاعلی تقدیر (أی لاعلی تقدیر المراجعة إلی القاعدتین) فاحتمال العقوبة قبل المراجعة إلی القاعدتین فی نفسه غیر ملازم لاحتمال التکلیف لما مر من أنّ الملازمة بین الاحتمالین فرع الملازمة بین العقوبة و مخالفة التکلیف الواقعی و قبل المراجعة إلی القاعدتین کما هو المفروض لاملازمة بین التکلیف و العقوبة حتی تورث التلازم بین

ص:206

احتمال العقوبة و احتمال التکلیف و مع عدم إحراز الموضوع لامجال للتمسک بقاعدة وجود دفع الضّرر المحتمل.

و أمّا الثانی فلأنّ احتمال العقوبة علی تقدیر (أی تقدیر المراجعة إلی القاعدتین) محکوم بالعدم إذ قاعدة قبح العقاب بلا بیان تنفی الملازمة بین التکلیف و استحقاق العقوبة علی مخالفة بما هو بل تفید أنّ الملازمة إنّما تکون بین التکلیف الذی قامت علیه الحجة و استحقاق العقوبة فالاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان للجزم بعدم العقوبة لاللفراغ عن حکم العقاب المحتمل لاعلی تقدیر إذ المفروض عدم احتمال العقاب لاعلی تقدیر بمجرد احتمال التکلیف لأنّه فرع إحراز الملازمة بین المحتملین کما عرفت.

و إن کان موضوع قاعدة دفع المحتمل أعم من الاحتمال علی تقدیر و لا علی تقدیر لان ملاکه أعم کما هو واضح فاحتمال التکلیف ملازم لاحتمال العقوبة لاحتمال الملازمة واقعاً بین مخالفة التکلیف و استحقاق العقوبة فالموضوع محرز قبل المراجعة إلی القاعدتین.

وحینئذٍ فتقدیم قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی قاعدة دفع الضّرر المحتمل لأجل أنّ قاعدة دفع الضّرر المحتمل حکم فی فرض الاحتمال و قاعدة قبح العقاب بلا بیان حیث تنفی الملازمة بین مخالفة التکلیف الواقعی و استحقاق العقوبة فهی رافعة للاحتمال بتّا بحیث لایحتمل العقوبة علی تقدیر لإبطال التقدیر بقاعدة قبح العقاب فهی واردة علی قاعدة دفع الضّرر المحتمل.

و بالجملة إنّ القیاس فی قاعدة قبح العقاب بلا بیان مرکّب من صغری وجدانیة و کبری برهانیة فالنتیجة المتحصّلة منهما قطعیّة بتیّة و أمّا القیاس فی قاعدة وجوب

ص:207

دفع الضّرر لیس کذلک فإنّ الصغری فیه لیس أمراً وجدانیاً فعلیّاً بل صحة صغراه یتوقف علی امور إمّا تقصیر العبد فی الفحص عن تکالیفه أو کون المولی غیر حکیم أو غیر عادل أو کون العقاب بلا بیان أمراً غیر قبیح فلأجل واحد من هذه الاُمور یصیر العقاب محتملاً و المفروض عدم تحقّق واحد منهما فظهر أنّ الصغری فی قاعدة قبح العقاب وجدانیة قطعیة فعلیة أمّا الصغری فی قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل معلّقة علی تحقّق واحد من هذه الاُمور و المفروض عدم تحققها و لاشک عندئذ فی حکومة القیاس المنظم من المقدمات الفعلیة علی المتوقف علی امور لم یحصل واحد منها بمعنی أنّ قیاس قاعدة قبح العقاب بلابیان دافع لصغری قیاس وجوب دفع الضّرر المحتمل.

هذا کله فیما إذا کان المراد من الضّرر فی قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل هو العقوبة الأخرویة و أمّا إذا أرید من الضّرر غیر العقاب الاُخروی من الضّرر الدنیوی فلاحاکم حینئذٍ علی قاعدة دفع الضّرر المحتمل لاختصاص قاعدة قبح العقاب إلّا بالضّرر الأخروی و هو العقوبة فمقتضی وجوب الدفع هو الاحتیاط أن یقال: إنّ الشبهة من هذه الجهة موضوعیة فلایجب الاحتیاط فیها باعتراف الأخباریین هذا مضافاً إلی إمکان منع وجوب الدفع فیما إذا کان مقرونا بفرض عقلاًئی فتدبر جیداً.

ص:208

أدلّة القائلین بالاحتیاط فی الشکّ فی التکلیف
اشارة

و استدلّ للقول بوجوب الاحتیاط فیه بالأدلّة الثلاثة:

أمّا الکتاب فبالآیات المتعدّدة منها التی تنهی عن القول بغیر العلم کقوله عزّوجلّ:(وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) .

بدعوی أنّ الحکم بترخیص الشارع فی المحتمل الحرمة قول بغیر علم و أجیب عنه بأنّ فعل الشیء المشتبه حکمه اتکالاً علی قاعدة قبح العقاب بلا بیان لیس من القول بغیر علم.

لایقال: إنّ الحکم بالحلّیّة فی الواقعة المشکوکة قول بغیر علم.

لأنّا نقول: الحکم بالحلیة الواقعیة فی الواقعة المشکوکة قول بغیر علم و أمّا الحکم بالحّلیة الظاهریة لایکون کذلک و جواز ارتکاب الشبهة منوط بالحلیة الظاهریة و لایحتاج إلی إثبات الحلیة الواقعیّة حتی یقال أدلّة البراءة لاتدلّ علیها.

ومنها: التی تدلّ علی النهی عن الإلقاء فی التهلکة کقوله جلّ و علا:(وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ) .

و اجیب عنه بأنّ الهلاکة بمعنی العقاب معلوم العدم بأدلّة البراءة عقلیة کانت أو شرعیة فلاموضوع للآیة الکریمة فی المقام.

ص:209

ومنها: التی تدلّ علی الأمر بالتقوی مثل قوله عزّوجلّ (فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) بتقریب أنّها تدلّ علی وجوب الاحتیاط بنحو الأتم.

و اجیب عنه بأنّ ارتکاب الشبهة استناداً إلی ما یدلّ علی الترخیص شرعاً و عقلاً لیس منافیاً اللتقوی.

و أمّا الأخبار فبطوائف:

الطائفة الأولی: هی التی تدلّ علی التوقف عند الشبهة معلّلاً بأنّ الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة.

(أجیب عنه بأنّه لاهلکة فی الشبهة الحکمیة بعد الفحص لحکومة أدلّة البراءة من العقل و النقل علی مثل هذه الطائفة کما لاهلکة فی الشبهة الموضوعیة هذا مضافاً إلی تطبیق التعلیل علی الشبهة الموضوعیة التی لایلزم الاجتناب عنها بالاتفاق و علیه فاللازم هو أن یتصرف فی الخیریة بحملها علی ما یناسب الرجحان بأن یکون المراد من الأمر بالوقوف مطلق الرحجان کما أنّ المراد من الهلکة الأعم من المفاسد و لو کانت مثل العار و الشین.

علی أنّ هذه الأخبار تدلّ علی أنّه أذا کان فی المحتمل خطر و هلکة فقف عندها لکی لاتسقط فیها فالنظر فیها إلی المحتمل لاالاحتمال فلاتدلّ علی منجزیة الاحتمال و جعل إیجاب الاحتیاط شرعاً بل هو إرشاد لأنّ الهلکة مفروضة التحقق فی إرتکاب الشبهة مع قطع النظر عن الأمر بالتوقف.

الطائفة الثانیة: هی الأخبار الآمرة بالاحتیاط و هی کثیرة.

منها: صحیحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبی الحسن علیه السّلام فی رجلین أصابا صیداً و هما محرمان فلم یدریا أنّ الجزاء بینهما أولان علی کل منهما جزاءً مستقلاً

ص:210

قال لابل علیهما أن یجزی کل واحد منهما الصید قلت إنّ بغض أصحابنا سألنی عن ذلک فلم أدر ما علیه فقال علیه السّلام إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعلیکم بالاحتیاط تسألوا عنه فتعلموا.

و تقریب الاستدلال بها أنّ فی الشبهة حکمیة أمر الإمام علیه السّلام بالاحتیاط و أُجیب عنه بأنّ ظاهر الروایة هو صورة التمکن من استعلام حکم الواقعة بالسئوال و لامضائقة عن القول بوجوب الاحتیاط فی هذه الصورة و المقام لیس کذلک لأنّ المفروض عدم التمکن من الاستعلام عن الإمام علیه السّلام.

ومنها: موثقه عبدالله بن وضاح «قال کتبت إلی العبد الصالح علیه السّلام» یتواری القرص و یقبل اللیل ثمّ یزید اللیل ارتفاعا و تستر عنا الشمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و یؤذن عندنا المؤذنون أفاصلی حینئذٍ و أفطر إن کنت صائما أو انتظر حتی تذهب الحمرة التی فوق الجبل فکتب إلیّ أری لک.

أن تنتظر حتی تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدینک بدعوی أنّ الظّاهر منها هو السئوال عن الشبهة الحکمیة و علیه فقوله علیه السّلام و تأخذ بالحائطة لدینک بیان للزوم الاحتیاط.

و فیه أنّ الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة بعید عن مثل الإمام علیه السّلام لأنّ علیه أن یرشد الجاهل بالحکم لا أن یقرره علی جهله فتحمل الروایة علی الشبهة الموضوعیة بأن یکون مورد الموثقة عدم حصول العلم باستتار القرص لحیلولة الجبل فأمر بالانتظار حتی یحصل العلم فالأمر بالاحتیاط یکون فی الشبهة الموضوعیة التی کان مقتضی الاستصحاب عدم استتار القرص فلایتعدی عن هذا المورد إلّا إلی مثله من کل مکلّف یشک فی براءة ذمته عما اشتغل ذمته به لامطلق الشاک.

ص:211

هذا مضافاً إلی احتمال أن یکون الأمر بالاحتیاط لأجل التقیة فلاتستفاد منها لزوم الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة فلاتغفل.

ومنها: خبر أبی هاشم الجعفری عن الرضا علیه السّلام أنّ أمیرالمؤمنین علیه السّلام قال لکمیل بن زیاد أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت و نحوه سائر المرسلات الحکمیة کقوله علیه السّلام لک أن تنتظر الجزم و تأخذ الحائطة لدینک و فیه أنّه أمر بأعلی مراتب الاحتیاط فی جمیع الاُمور و من المعلوم أن هذا لایدل علی الوجوب بل یناسب الرجحان و الاستحباب کما أنّ قوله لک أن تنتظر الخ حیث جعل الاحتیاط فیه باختیار المکلّف لایدلّ علی أزید من استحباب الاحتیاط.

هذا مضافاً إلی أنّ النسبة بین أخبار البراءة و أخبار الاحتیاط حیث کانت هی العموم و الخصوص.

أمکن القول بتخصیص أخبار الإحتیاط و ذلک لأنّ أخبار البراءة اختصّت بالشبهة الحکمیة بعد الفحص و لاتعم قبل الفحص کما لاتشمل المقرونة بالعلم الإجمالی بخلاف أخبار الاحتیاط.

و لو سلّمنا أنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه فمقتضی القاعدة هو التساقط و الرجوع إلی قاعدة قبح العقاب بلابیان لأنّ المفروض أنّ بعد التعارض و التساقط لابیان.

هذا لو لم نقل بأظهریة الدلالة فی أخبار البراءة کقوله حلال و مطلق و هم فی سعة بخلاف الأمر بالاحتیاط فإنّ غایته هو ظهوره فی الوجوب و علیه فیحمل الظّاهر علی الأظهر و یرفع الید عن ظاهر الأمر فی وجوب الاحتیاط و یحمل علی الرجحان.

و إن أبیت عن جمیع ذلک أمکن أن یقال: لامجال لأخبار الاحتیاط و التوقف و ذلک لأنّ استصحاب عدم جعل الحرمة أصل موضوعی و معه لامجال للشک حتی

ص:212

یتمسک فیه بأخبار الاحتیاط أو أخبار التوقف و ذلک لتقدم الأصل الموضوعی علی الأصل الحکمی کما لایخفی.

الطائفة الثالثة: هی أخبار التثلیث

منها: مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال... و إنّما الاُمور ثلاثة أمر بیّن رشده فیتبع و أمربیّن غیّه فیجتنب و أمر مشکل یرد علمه إلی الله و إلی رسوله قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک فمن ترک الشبهات نجامن المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حیث لایعلم الحدیث بدعوی أنّ الاستشهاد بقول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم یدل علی أنّ الأمر بترک الشاذ یکون من جهة کونه من الشبهات التی یجب الاحتیاط فیها.

هذا مضافاً إلی أنّ تفرع قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «فمن ترک الشبهات نجامن المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرّمات و هلک من حیث لایعلم» علی التثلیث المذکور یدلّ علی أنّ تخلّص النفس من المحرمات و لو کانت من الشبهات واجب.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ هذه الروایة أجنبیة عن محل الکلام فإنّ السئوال فیه عن الخبرین المتعارضین و أنّه بأیهما بحسب الأخذ بعنوان الطریق و الحجّة و یشهد له التعبیر بالاتباع فإنّه یناسب باب الروایات و أجاب الإمام علیه السّلام بعدم جواز الأخذ بما فیه الریب بعنوان الحجة و لاشک فیه ولکن لادخل له بما نحن بصدده من لزوم الاحتیاط فی مقام العمل و عدمه.

هذا مضافاً إلی أن ما ثبت فیه الترخیص ظاهراً من قبل الشارع داخل فی ما هو بیّن رشده لافی المشتبه کما هو الحال فی الشبهات الموضوعیة.

ص:213

ومنها: مرسلة الصدوق قال إنّ أمیرالمؤمنین علیه السّلام خطب الناس فقال فی کلام ذکره حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک فمن ترک ما اشتبه علیه من الإثمّ فهو لما استبان له الترک و المعاصی حمی الله فمن یرتع حولها یوشک أن یدخلها.

ویمکن الجواب عنه: بأنّها مرسلة هذا مضافاً إلی أنّ الموضوع فی کلامه علیه السّلام هو الإثمّ المشتبه و هو لایکون إلّا فی موارد العلم بالتکلیف إجمالاً أو فی موارد یکون الحکم منجّزاً کما فی الشبهة الحکمیة قبل الفحص فلایعم الشبهة الحکمیة بعد الفحص لأنّ الإثمّ لامورد له فیها بعد الحکم العقلی الشرعی بعدم العقاب.

ومنها: معتبرة جمیل عن الصادق علیه السّلام عن آبائه علیهم السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّمفی کلام طویل، الأمور ثلاثة أمر تبیّن لک رشده فاتبعه و أمر تبیّن لک غیّه فاجتنبه و أمر اختلف فیه فردّه إلی الله عزّوجلّ.

و فیه أنّها لاتناسب المقام لأنّ الاتباع و الرّد إلی الله یناسب باب الروایات و الأخبار لاباب الارتکاب و الاقتحام فلاتغفل.

ومنها: خبر نعمان بن بشیر عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم یقول إنّ لکل ملک حمی و ان حمی الله حلاله و حرامه و المشتبهات مات بین ذلک کما لو ان راعیا رعی إلی جانب الحمی لم یثبت غنمه ان تقع فی وسطه فدعوا الشبهات.

و فیه أنّ التنظیر و التشبیه المذکور قرینة الإرشاد و عدم الوجوب إذ الاجتناب عن حالة الإشراف علی الحرام راجح هذا مضافاً إلی ضعف الخبر.

ومنها: موثقه فضیل بن عیاض عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قلت له من الورع من الناس قال الذی یتورع عن محارم الله و یجتنب هولاء فإذا لم یتق الشبهات وقع فی الحرام و هو لایعرفه.

ص:214

و لایخفی أنّ لسان الروایة لسان الإرشاد لاالوجوب هذا مضافاً إلی أن قوله علیه السّلام الذی یتورع الخ فی مقام تعریف الورع الذی بلغ من الکمال إلی المراتب العالیة و هو لایدل علی اللزوم و الوجوب فتدبر جیداً.

فتحصّل: من جمیع ما ذکرناه عدم تمامیة الأدلّة النقلیة التی تمسک بها القائلون بالاحتیاط فی الشبهات التحریمیّة بعد الفحص.

ص:215

ص:216

وأمّا العقل فتقریره بوجهین
الوجه الأوّل:

إنّا نعلم إجمالاً قبل المراجعة بالأدلة الشرعیة بمحرمات کثیرة و الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی و حیث لانقطع بالفراغ بعد المراجعة بالأدلة و العمل بها فاللازم هو الاجتناب عن کل ما یحتمل أن یکون منها حتی یحصل القطع بالفراغ.

و فیه أنّه لافرق بین الشبهة التحریمیة و الشبهة الوجوبیة فلو کان العلم المذکور موجباً للاحتیاط فی التحریمیة فلیکن کذلک فی الوجوبیة مع أنّ القائلین بالاحتیاط فی التحریمیّة لایقولون به فی الوجوبیة.

هذا مضافاً إلی أنّ العلم الإجمالی ینحل بوصول الأمارات الدالة علی المحرمات لاحتمال کون المعلوم بالإجمال هی موارد الأمارات المعلومة حرمتها تفصیلاً و مع لانحلال لامانع من الرجوع إلی أصالة الحل فی غیر مورد تلک الأمارات و لاحاجة فی ذلک إلی إثبات أنّ المعلوم بالتفصیل بالأمارات عین ما علم بالإجمال بل یکفیه احتمال الانطباق إذ مع هذا الاحتمال لایبقی علم بالنسبة إلی سائر الأطراف فینقلب القضیة المنفصلة الحقیقیّة و هی أنّ المحرمات إمّا هذه الموارد أو غیرها إلی قضیة بینة و هی أنّ موارد قیام الأمارات المعتبرة هی المحرمات و إلی قضیة مشکوکة و

ص:217

هی أنّ سائر الموارد غیر الأمارات المعتبرة یحتمل حرمتها و علیه فیلزم الاجتناب عن موارد الأمارات المعتبرة للعلم بها أو قیام الحجة علی حرمتها دون سائر الموارد لأنه لیس فیها إلّا احتمال الحرمة و هو محلّ البراءة کما لایخفی.

الوجه الثانی:

أنّ الأصل فی الأفعال الغیر الضروریة هو الحظر فیعمل به حتی یثبت من الشرع الإباحة و لم یرد الإباحة فیما لانصّ فیه و ما ورد فیه علی تقدیر تسلیم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف و الاحتیاط فالمرجع بعد التعارض هو أصالة الحظر و لو تنازلنا عن ذلک فاللازم هو الوقف.

واستدلّ لأصالة الحظر أیضاً بأنّ کلّ مکلف عبد مملوک لله تعالی بشراشر وجوده و العبد لایجوز أن یتحرک إلّا بإذن مولاه کما لایجوز له أن یتصرّف فی ملک مولاه و المفروض أنّ العبد و ما فی یده و ما فی حوله و غیرهما ملک الله تعالی.

و فیه أنّ الملکیة المذکورة إنّما تقتضی ما ذکر مادام لم یجعل الله تعالی نفسه کأحد الموالی و مع جعله کذلک تجری بالنسبة إلیه ما یجری بالنسبة إلی سائر الموالی و العبید فکما أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان تدلّ علی قبح العقاب بلا بیان بالنسبة إلی الموالی و العبید فکذلک بالنسبة إلیه سبحانه و تعالی.

هذا مضافاً إلی إمکان منع عدم جواز الحرکة و سکون العبد إلّا بإذن المولی و لو مع عدم منافاتهما مع حقوق المولی لأنّ الحرکة و السکون فی هذه الصورة لاتکونان خروجاً عن زیّ الرقبة.

الوجه الثالث:

ما حکی عن الشهید الصدر من حق الطاعة بتقریب أنّ المولویة المطلقه الذاتیة لله تعالی التی تحققت من جهة خالقیته و منعمیته و مالکیته توجب حق الطاعة المطلقة

ص:218

و لو فی التکالیف الاحتمالیة و علیه فلایختصّ حق إطاعته تعالی بما یصل إلینا بالقطع بل اللازم هو الاحتیاط حتی بالنسبة إلی التکالیف الاحتمالیة نعم لو رخص الشارع فی ذلک لایجب الاحتیاط کا لایخفی.

و استدلّ له بأنّ الإقدام علی ما لایؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما یعلم المفسدة فیه و دعوی أنّ مقتضی قاعدة اللطف إنّه لو کان فی الفعل مفسدة لوجب علی الحکیم بیانه و حیث لم یبین ذلک کشف ذلک عن الإباحة.

مندفعة بأنّه قد یکون المفسدة فی الاعلام و یکون المصلحة فی کون الفعل علی الوقف.

و فیه أنّه لاوجه للاستدلال بما هو محل الخلاف و الإشکال و إلّا لصح الاستدلال علی البراءة بما قیل من کون تلک الأفعال علی الإباحة.

هذا مضافاً إلی أنّ ما قیل من أنّ الإقدام علی ما لایؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما تعلم فیه المفسدة ممنوع و لو قیل بوجوب دفع الضّرر المحتمل فان المفسدة المحتملة فی المشتبه لیست بضرر غالبا ضرورة أنّ المصالح و المفاسد التی هی مناطات الأحکام لیست براجعة إلی المنافع و المضار بل ربّما یکون المصلحة فیما فیه الضّرر و المفسدة فیما فیه المنفعة و احتمال أن یکون فی الشبهة ضرر ضعیف غالباً لایعتنی به قطعاً مع أنّ الضّرر لیس دائماً ممّا یجب التحرز عنه عقلاً بل قد یجب ارتکابه أحیاناً فیما کان الترتب علیه أهم فی نظره ممّا فی الاحتراز عن ضرره مع القطع فضلاً عن احتماله.

وفیه أوّلاً: إنّا لانسلّم إیجاب المولویة الذاتیة لله تعالی لطاعته المطلقة فی التکالیف الظنیة و الاحتمالیة زائداً علی الرجحان و الاستحباب کما لاتوجب المولویة المذکورة وجوب تداوم ذکر تعالی و عدم الغفلة عنه مع أنّ المناسبة بینهما و بین

ص:219

مولویته المذکورة موجودة لأنّ مولویّته تعالی دائمیّة و مقتضاها هو تداوم ذکره و عدم الغفلة عنه مطلقاً.

وثانیاً: إنّ ذلک علی تقدیر التسلیم صحیح مادام لم یجعل نفسه کأحد الموالی فی مقام الامتثال و إلّا فیجری فیه تعالی ما یجری فی حق الموالی العرفیة.

و قد دّل مثل قوله تعالی (و ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا) علی أنّ طریقته تعالی فی الاحتجاج لیس إلّا طریقة العقلاء من الاکتفاء بما وصل من الأوامر و النواهی فی مقام الامتثال و الاحتجاج.

وثالثاً: إنّ ذلک علی تقدیر التسلیم مادام لم یستلزم محذور العسر و الحرج و الاختلال فی النظام و مع الإستلزام کما هو الظّاهر تمنع عن وجوب ذلک الحق حکمة الرب المتعال.

ورابعاً: إنّ لطاعة الله سبحانه و تعالی درجات متعددة و مراتب مختلفة و لیس کل مرتبة واجبة کما یشهد لذلک إنّ من المراتب أن لایطیع العبد إلّا إیّاه تعالی حتی فی المباحات مع أنّ المعلوم أنّ هذه المرتبة لیست بواجبة بالضرورة.

و علیه فیمکن أن یکون الإطاعة فی المحتملات من المراتب الراجحة نعم یجب طاعته فیما یکون ترکها منافیاً لزیّ الرقّیة و العبدیة.

وخامساً: إنّ نظریة حق الطاعة لو کانت صحیحة لزم الاحتیاط فی جمیع الموارد التی تحمتل فیها أنّ للمولی غرضاً لزومیاً و لو لم یأمر به و ذلک لأنّ نظریة حق الطاعة ترجح فی اللب إلی لزوم رعایة احترام المولی إذ لاخصوصیة للفظ الطاعة الدالة علی تحقّق الأمر فلایکون وجود الأمر و لو احتمالاً شرط للزوم هذا الاحترام

ص:220

و علیه فلافرق بین رعایة احترام المولی فی الأوامر المحتملة و بین رعایة احترامه فی الأغراض اللزومیة المحتملة مع أنّه لم یلتزم به أحد بالنسبة إلی الأغراض المحتملة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ عدم التکلیف من ناحیة المولی یکشف عن عدم وجود الغرض اللزومی فلایجب رعایة الأغراض المحتملة لعدم لزومها ولکن هذا صحیح فیما إذا لم نحتمل أنّ عدم التکلیف من ناحیة وجود الموانع کما لایخفی.

الوجه الرابع:

ما حکاه بعض الأعلام عن سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه من أنّ الاحتمال کالعلم منجز فیما إذا لم یتمکن المولی من البیان ألا تری صحة احتجاج المولی علی عبده بالاحتمال عند عدم تمکنه من البیان کما إذا منع من التکلّم فلایقبح المؤاخذة حینئذٍ بالاحتمال لأنّه فی حکم البیان فی هذه الحال و معه لایبقی موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان کما لاموضوع له عند العلم بالخطاب أو المراد و علیه فالبراءة العقلیة ممنوعة بل یجب الاحتیاط مع الاحتمال.

أورد علیه بعض الأعلام بأنّ هذا صحیح إذا علمنا بأنّ المولی عند ارتفاع المانع أمر أو نهی و أمّا إذا لم نعلم بذلک بل احتملنا أنّه لایأمر و لاینهی من جهة مزاحمة مفسدة أو مصلحة فلایکفی الاحتمال المذکور لوجوب الاحتیاط عند الاحتمال فالأولی.

أن یقال: فی تقریب وجوب الاحتیاط العقلی و منع البرائة العقلیة إنّه لاشک فی أنّ العبد أحتاط فی أمور نفسه عند احتمال الإلزامیات ألاتری أنه لو عطش و احتمل وجود الماء فی مکان جهله فی طلبه لئلا یهلک من العطش و لم یترک الطلب و الاحتیاط.

فإذا کان العبد فی أمور نفسه کذلک فالالتزام بالاحتیاط فی أمور المولی واجب بالأولویة إذ لیس أمر إطاعته سبحانه و تعالی أدون من أغراض نفسه.

ص:221

ولقائل أن یقول: إنّا لانسلم ذلک فی احتمال الإلزامیات بالنسبة إلی الأمور الشخصیة إلّا فیما إذا کان ترک الاحتیاط موجباً للهلاکة فالدلیل المذکور أخصّ من المدعی و هو لزوم الاحتیاط فی جمیع المحتملات.

هذا مضافاً إلی أنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یجعل المولی نفسه کسائر الموالی فی کیفیة الإطاعة و الامتثال و أمّا مع هذا الجعل کما هو ظاهر الأدلة فلایکون احتمال الإلزامیات منجزاً.

ومضافاً إلی أنّ لزوم الاحتیاط بمجرد الاحتمال ینافی ما علیه الشریعة من کونها سمحة سهلة فتحصل أنه لاحکم للعقل بالنسبة إلی وجوب الاحتیاط عند احتمال التکلیف و الله هو الهادی.

التنبیهات:
التنبیه الأوّل

أنّ جریان أصالة البراءة و الإباحة فی مشتبه الحکم مشروط بعدم جریان أصل حاکم علیهما لأن موضوع البراءة العقلیة هو عدم البیان بالنسبة إلی الحکم الواقعی کما أنّ موضوع الإباحة الشرعیة هو الشکّ و عدم العلم بالحکم الواقعی و علیه فکل ما یکون بیاناً و رافعاً للشکّ و لو تعبداً یتقدم علی البراءة و الإباحة بالورود أو الحکومة و لافرق فی ذلک بین الشبهة الموضوعیة و الحکمیة و قد عبّر عن هذا الأصل بالأصل الموضوعی باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر أو حاکم علیه.

و یتفرع علیه فروع منها أنّه لو شک فی حلیّة أکل لحم حیوان مع العلم بقبوله التذیکة جرت أصالة الحلیّة بخلاف ما إذا شک فی الحلیة من جهة الشکّ فی قبوله للتذکیة و عدمه فإنه یحکم بالحرمة لجریان الأصل الموضوعی باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر حاکم علیه.

ص:222

ویتفرع علیه فروع منها أنّه لو شک فی حلیّة أکل لحم حیوان مع العلم بقبوله التذکیة جرت أصالة الحلیّة بخلاف ما إذا شک فی الحلیة من جهة الشکّ فی قبوله للتذکیة و عدمه فإنه یحکم بالحرمة لجریان الأصل الموضوعی فیه و هو أصالة عدم التذکیة لأنّ من شرائطها قابلیة المحل و هی مشکوکة فیحکم بعدمها و کون الحیوان میتة هذا بالنسبة إلی الشبهة الحکمیة.

و أمّا الشبهة الموضوعیة فقد یقال إنّ اللحم المردد بین کونه من المذکی أو من المیتة لایجری فیه أصالة الإباحة فإنّ أصالة عدم التذکیة المقتضیة للحرمة و النجاسة حاکمة علی أصالتی الإباحة الطهارة.

لایقال: إنّ استصحاب عدم التذکیة بناء علی جریانه یعارض مع استصحاب عدم الموت و الحرمة و النجاسة من أحکام المیتة و مع المعارضة فلایکون أصل موضوعی بالنسبة إلی أصالتی الإباحة و الطهارة لأنا نقول: بأنّ عدم التذکیة و لو بالأصل موضوع لحرمة الأکل کما یشهد له استثناء «ما ذکیتم» من قوله «و ما أکل السبع» فی الآیة الکریمة فلم یبح الشارع إلّا ما ذکی فیدل ذلک علی إناطة إباحة الأکل بما ذکر اسم الله علیه و غیره من الأمور الوجودیة المعتبرة فی التذکیة فإذا انتفی بعضها و لو بحکم الأصل انتفت الإباحة و علیه و لایتوقف ثبوت الحرمة علی ثبوت الموت حتی ینفی بانتفائه و لو بحکم الأصل و هو استصحاب عدم الموت.

هذا مضافاً إلی أنّ عنوان المیتة عنوان عدمی و هو مساوق لعنوان غیر المذکی فلایکون أمراً وجودیاً حتی لایمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة و علیه فمع أصالة عدم التذکیة یصدق عنوان المیتة أیضاً لمساوقة العنوانین فی المعنی فلامنافاة بین ترتب الحرمة و النجاسة علی عنوان المیتة التی هی عبارة شرعاً عن کلّ زهاق روح

ص:223

انتفی فیه شرط من شروط التذکیة و بین ترتبهما علی عنوان غیر المذکی بعد وحدتهما فی المعنی.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الزهوق أمر وجودی و المفروض أنّه مأخوذ فی معنی المیتة و علیه فلایکون عنوان المیته عدمیاً.

و التحقیق أنّ حرمة أکل اللحم مترتب علی عدم التذکیة بمقتضی قوله تعالی (إلّا ما ذکیتم) و هکذا عدم جواز الصلاة بخلاف النجاسة فإنّها مترتبة علی عنوان المیتة و الموت فی عرف المتشرعة علی ما صرح به فی مجمع البحرین زهاق النفس المستند إلی سبب غیر شرعی کخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب و غیره فیکون الموت أمراً وجودیاً لایمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة.

و علیه فیتمّ دعوی معارضة أصالة عدم التذکیة مع أصالة عدم الموت فیساقطان فیرجع إلی قاعدة الطهارة إلّا أنّ التحقیق جریان أصالة عدم التذکیة مع أصالة عدم الموت لأنّ مجرد کون عدم التذکیة ملازماً للموت غیر مانع من جریانهما فإنّ التکفیک بین اللوازم فی الأصول العملیة غیر عزیز ففی المقام یحکم بعدم جواز الأکل بمقتضی أصالة عدم التذکیة و بالطهارة لأصالة عدم الموت.

و علیه فیتقدم أصالة عدم التذکیة علی أصالة الإباحة بالنسبة إلی الأکل بعد ما عرفت من أنّ غیر المذکی بنفسه موضوع للحرمة کما یتقدم أصالة عدم الموت علی قاعدة الطهارة بالنسبة إلی النجاسة لأنّ الموت أمر وجودی و موضوع للنجاسة و یکون أصالة عدم الموت أصلاً موضوعیاً بالنسبة إلی قاعدة الطهارة التی کان موضوعها هو الشکّ فی الموت و عدمه و التفکیک فی اللوازم فی التعبدیّات لامانع منه فلااستعباد فی الجمع بین حرمة الأکل مع الحکم بالطهارة مع أنّ لازم الحکم

ص:224

بالحرمة هو النجاسة. ثمّ لایذهب علیک أنّ جریان الأصل الحاکم و هو أصالة عدم التذکیة موقوف علی کون غیر المذکی موضوعاً مرکبا من الحیوان الزاهق روحه و غیر الوارد علیه التذکیة لاموضوعاً متصفا بعدم رعایة التذکیة الشرعیة إذ أصالة عدم التذکیة لاتثبت الاتصاف.

و أیضاً جریان أصالة عدم التذکیة مشروط بما إذا لم یکن عموم یدل علی قابلیة کل حیوان التذکیة و إلّا فلامجال لجریان الأصل المذکور.

و أیضاً جریان أصالة عدم التذکیة یتوقف علی ما إذا لم یکن أصلاً موضوعیاً آخر یدل علی قبوله للتذکیة کما إذا شک مثلاً فی أنّ الجلل فی الحیوان هل یوجب ارتفاع قابلیته للتذکیة أم لا فأصالة قبول الحیوان للتذکیة مع الجلل محکمة و مع أصالة قبوله للتذکیة لامجال لأصالة عدم تحقّق التذکیة فهو قبل الجلل کان یطهر و یحل بالفری مع سائر شروطها فالأصل أنّه کذلک بعده.

فتحصّل: أنّ مع جریان أصالة عدم التذکیة یحکم بحرمة أکل اللحم و عدم جواز الصلاة فیها و أمّا النجاسة فهی غیر مرتبة علی غیر المذکی حتی یحکم بثبوتها مع جریان أصالة عدم التذکیة بل هی مرتبة علی عنوان المیتة و هو أمر وجودی و مع جریان أصالة عدم الموت یحکم بعدم النجاسة.

ثمّ لایخفی علیک أنّ المتصف بالموت هو الحیوان لااللحم و الشاهد لذلک أنّه لایقال: مات اللحم و الجلد بل یقال مات الحیوان و علیه فالتذکیة صفة فی الحیوان لافی أجزائه و مقتضی ذلک عدم جریان أصالة عدم التذکیة فی الجلود و اللحوم و غیر هما من الأجزاء المنفصلة المرددة بین کونها من المذکی أو غیر المذکی.

فإذا عرفت عدم جریان أصالة عدم التذکیة فی الأجزاء من الحیوان أمکن الأخذ بقاعدة الطهارة و حلیة الاستعمال فی اللحوم و الجلود المستوردة من بلاد الکفار مع

ص:225

احتمال تزکیة حیوانها فیها أو فی بلاد المسلمین ثمّ نقلوها إلی بلادهم نعم لایجوز أکل هذه اللحوم لاشتراط العلم بالتذکیة فی جواز الأکل فلاتغفل.

ومنها: أنّه لو شک فی الحکم الوجوبی أو التحریمی لأجل الشکّ فی النسخ فإنه تجری فیه أصل موضوعی و هو أصالة عدم النسخ و معها لاتصل النوبة إلی أصالة الإباحة و البراءة عن التکلیف.

ومنها: أنّه إذا شک فی مال أنّه حلال التصرف أو حرامه فإن کان الشک بعد إحراز کونه مال الغیر فی طیب نفس مالکه و عدمه فالأصل الموضوعی و هو أصالة عدم الطیب و لو بالعدم الأزلی یمنع عن جریان أصالة الإباحة و یحکم بحرمة التصرف فیه.

و إن شک فی کونه مالاً للغیر و عدمه فإن کان هذا الشک عارضیا بعد معلومیة کونه ملکاً للغیر و إنّما الشک من ناحیة احتمال تحقّق بعض الأسباب الملکیة و عدمه فلامجال لأصالة الإباحة مع جریان استصحاب حرمة التصرفات الثابتة سابقاً و إن کان الشکّ ساریاً إلی أوّل وجوده مثل الثمرة التی تردد بین کونه من بستان نفسه أو بستان غیره فالمسألة مبتنیة علی أنّ المراد من قوله علیه السّلام «لایحل مال إلّا من حیث ما أحلّه الله» هل یستفاد منه اشتراط حلیة المال علی تحقّق أمر و عنوان و حیثیة وجودیة علی نحو مفاد کان التامة فیستصحب عدم الأزلی عند الشک و معه لایبقی مجال لأصالة الحلیة و الإباحة بخلاف ما إذا لم یکن کذلک کما هو واضح.

التنبیه الثانی

فی رجحان الاحتیاط و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة سواء کانت وجوبیة أو تحریمیة أو کانت موضوعیة أو حکمیة.

ص:226

و الوجه فیه هو حکم العقل بأن الاحتیاط لإدراک الواقع حسن لأن ما فی الواقع تکالیف فعلیة للمولی و لها ملاکات واقعیة و إن کان الجهل بلزومها عذراً فی مخالفتها و قوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه شاهد علی وجود الحکم و ثبوته حال الجهل بحیث یمکن أن یصیر معلوما.

هذا مضافاً إلی الأخبار الکثیرة الدالة علی الأمر بالاحتیاط ثمّ إن الظّاهر من أوامر الاحتیاط هو المولویة و الاستحباب جمعاً بینها و بین أخبار البراءة.

و لازم ذلک استحقاق الثواب علی إطاعة أوامر الاحتیاط مضافاً إلی الثواب المرتب علی نفسه.

المقام الثانی: فی رجحان الاحتیاط فی العبادات المحتملة و لاإشکال فیه کما إذا دار الأمر بین الوجوب و الاستحباب للعلم بالأمر فیه فیمکن من نیة القربة بإتیانه بقصد الأمر المعلوم بالإجمال.

و أما إذا دار الأمر بین الوجوب و غیر الاستحباب من الإباحة أو الکراهة یشکل حسن الاحتیاط من جهة أن العبادة لابدّ فیها من نیة القربة و هی متوقفة علی العلم بأمر الشارع تفصیلاً أو إجمالاً و لاعلم بذلک فی الفرض المذکور.

ویمکن الجواب عنه: بأن اللازم فی صحة العبادة مطلق الداعی القربی فإن الانبعاث عن احتمال الأمر داع قربی إلهی لأنه مظهر من مظاهر الإخلاص و أتا للمولی و هو یوجب التقریب ذاتاً إلیه بلاحاجة إلی محل.

التنبیه الثالث

فی قاعدة التسامح فی أدلة السنن و استدلّ لها بأخبار «من بلغ» علی جواز الحکم باستحباب شرعی اصطلاحی لکل مورد فیه خبر یدل علی طلب فعله و لو

ص:227

کان الخبر ضعیفاً و هذا هو معنی قاعدة التسامح فی أدلة السنن إذ یسامح فی سند الاخبار الدالة علی استحباب فعل شیء من الأشیاء و هنا روایات:

منها: صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السّلام قال من سمع شیئاً من الثواب علی شیء فصنعه کان له و إن لم یکن علی مابلغه (کما بلغه خ - ل) و غیر ذلک من الأخبار و لاإشکال فیها من حیث السند و إنما الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل:

أن موضوع هذه الأخبار هو البلوغ أو السماع و مقتضی تفرع العمل علیهما بقوله علیه السّلام فصنعه او فعمله إن الداعی إلی العمل هو نفس البلوغ و السماع و حیث إن البلوغ و السماع لایسا و قال الحجیة فلامحالة یعمّان الموارد التی لایکون البلوغ و السماع حجة کالأخبار الضعیفة.

الأمر الثانی:

إنه لادلالة لهذه الأخبار علی استحباب نفس العمل لأنّ الموضوع فیها لیس ذات العمل حتی یمکن استکشاف الأمر من ترتب الثواب علیه بعنوان الجزاء و الاستحقاق بدعوی أنه لاوجه لهذا الترتب إلّا تعلّق الأمر به فیکون نظیر من سرح لحیته فله ثواب کذا فی دلالة ترتب الثواب علی استحباب نفس العمل بل الموضوع فیها هو العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و علیه فلادلالة لهذه الأخبار إلّا علی ترتب الثواب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و لعله من جهة الإرشاد و التفضل إلی ما حکم به العقل من استحقاق الثواب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و هو الاحتیاط.

ص:228

ویشهد له لسان الدلیل و هو ظهور الفاء فی قوله فعمله او فصنعه فی التفریع علی بلوغ الثواب فإنه یدل علی أن الثواب المجعول فی الروایات المذکورة لیس مرتباً علی ذات العمل بل مرتب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر.

و دعوی أن الداعی إلی العمل لایوجب و جهاد عنوانا یؤتی به بذلک الوجه و العنوان لأنه حیثیته تعلیلیة لاتقییدیة.

مندفعة بأنها صحیحة بالنسبة إلی العمل الخارجی الذی أتی به لابالنسبة إلی لسان الدلیل و علیه فجعل الثواب علی العمل المتفرع علی السماع لایکشف عن أمر آخر تعلّق بهذا العمل مع هذا العنوان و العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر ممّا یحکم العقل باستحقاق الثواب علیه و هو موضوع یقتضی بنفسه الثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعی لأنه احتیاط و انقیاد فلایکشف جعل الثواب علیه عن تعلّق الأمر بالعمل المأتی به بداعی احتمال الأمر فضلاً عن نفس العمل مع قطع النظر عن تفرعه علی السماع.

و مع عدم کشف الأمر لامجال للحکم باستحباب العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر فضلاً عن نفس العمل.

الأمر الثالث:

أن لسان أخبار من بلغ هو مجرد الأخبار عن فضل الله سبحانه و تعالی بإعطائه الثواب الذی بلغ و إن کان غیر مطابق للواقع و من المعلوم أنها غیر ناظرة إلی أن العمل یصیر مستحباً لأجل طرد عنوان البلوغ و أیضاً لایکون مفادها إسقاط شرائط حجیة الخبر من العدالة و الوثاقة فی المستحبات.

ثمّ إن البلوغ حیث کان أعم من البلوغ المعتبر فلاوجه لما ذهب الیه بعض من أنه لایشمل الخبر الضعیف.

ص:229

الأمر الرابع:

إن مفاد أخبار من بلغ هو تفضل الثواب علی من أتی بالعمل بداعی الثواب و رجائه کما یشهد له التفرع علی بلوغ الثواب فی مثل قوله علیه السّلام من سمع شیئاً من الثواب علی شیء فصنعه أو نعمله کان له أجر ذلک و علیه فلایترتب الثواب علی ما إذا أتی بالعمل لغرض آخر.

الأمر الخامس:

إن المحکی عن الشهید الثانی قدّس سرّه أن الأکثر ذهبوا إلی التسامح فی أدلة السنن و الآداب و الفضائل و المواعظ و أشباهها و المحکی عن الشیخ الأعظم قدّس سرّه أنه ذهب إلیه نظراً إلی أن العمل بکل شیء علی حسب ذلک الشیء و العمل بالخبر الوارد فی الفضائل نشرها و الوارد فی المصائب ذکرها للإبکاء قائلاً بأن العقل یحکم بحسن العمل مع الأمن من حضرة الکذب و أن عموم النقل کما فی النبوی و روایة الإقبال یقتضی استحبابه.

أورد علیه بأن التقابل بین الکذب المخبری و الصدق المخبری بالعدم و الملکة لأن الکذب المخبری هو القول الذی لایعتقد بموافقته مع الواقع بخلاف الصدق المخبری فإنه القول الذی یعتقد بموافقته و علیه فالکذب المخبری قول بغیر علم و یندرجه الحکایة عنه فی الکذب القبیح عقلاً و المحرم شرعاً و لایختصّ قبح الکذب عقلاً بصورة الإضرار کما لااختصاص شرعاً بذاک و علیه فنشر الفضیلة التی لاحجة علیها أو ذکر المصیبة التی لاحجة علیها قبیح عقلاً و محرم شرعاً فکیف یمکن أن یعمها أخبار من بلغ.

أجیب عنه بأن نشر الفضیلة أو ذکر المصیبة یخرج عن الکذب بعد ورود أخبار من بلغ للترغیب إلی النشر أو الذکر فمن أخبر بالفضیلة أو المصیبة أخبر بحجة

ص:230

شرعیة و هی أخبار من بلغ و الإخبار بالحجة الشرعیة لایکون کذباً هذا مضافاً إلی أن قبح الکذب و حرمته اقتضائی ولذا یجوز بعروض مصلحة من المصالح المهمة و علیه فلامانع من أن یرفع الیه من قبح الکذب بسبب مصلحة أقوی من مفسدة الکذب.

علی أن نشر الفضلیة أو ذکر المصیبة بعنوان احتمال الصدور أو الوقوع لایکون کذباً أصلاً کما لایخفی.

الأمر السادس:

إنّ بعض الأعلام قال لانضائق عن ترتب الثواب فی کل مورد صدق فیه بلوغ الثواب سواء کان ذلک بفتوی فقیه باستجاب شیء أو بنقل روایة فی ترتب الثواب علی عمل کما لافرق بین الدلالة المطابقة و بین الدلالة الالتزامیة.

و لقائل أن یقول إنّ أحادیث من بلغ منصرفة عن الإخبار بالحدسیات و الفتاوی من الحدسیات دون الحسیات و الروایات و علیه فلاتشمل الفتاوی.

الأمر السابع:

أن أخبار من بلغ هل یشمل ما بلغ فیه الثواب الذی قامت الحجة علی حرمته أو لاتشمل.

یمکن القول بانصراف أخبار من بلغ عن مورد قیام الحجة علی حرمته هذا مضافاً إلی معارضة الدلالة الالتزامیة فی إثبات الثواب مع الدلالة الالتزامیة فی إثبات العقاب و مع المعارضة لادلیل علی ترتب الثواب.

الأمر الثامن:

إن الکراهة هل تکون ملحقة بالاستحباب فی جواز التسامح فی أدلتها اولا ذهب المشهور إلی الأول و هو یتوقف علی أحد أمور اما تنقیح المناط بدعوی أن المناط فی التسامح فی المستحبات هو عدم کونها إلزامیة و هذا المناط موجود فی

ص:231

المکروهات و هو کما تری أو بدعوی أن المناط فی التسامح هو الترغیب نحو تحصیل الثواب من دون خصوصیة فیما یثاب علیه.

وهو محل تأمل لعدم القطع بالمناط

و اما دعوی أنّ ترک المکروه مستحب فقد بلغ استحباب الترک بالالتزام و هذا خلاف التحقیق لأن کل حکم تکلیفی لاینحل إلی حکمین فعلاً و ترکاً و اما دعوی أنّ ترک المکروه إطاعة للنهی التنزیهی و هو ممّا یثاب علیه و هو لایساعد أخبار من بلغ بظهورها فی الوجودیات و لاتشمل التروک و العدمیات أللّهمّ إلّا أن یکتفی فیه بقول المشهور.

الأمر التاسع:

إنه قد یقال لافرق بین القول بدلالة أخبار من بلغ علی استحباب ذات العمل و عدمها لترتب الثواب علی العمل فی الصورتین فلافائدة فی البحث عن استحباب ذات العمل و عدمه.

ذکروا فی الجواب عن هذا المقال فوائد للبحث منها أنه یجوز المسح ببلّة المسترسل من اللحیة لو دل الدلیل الضعیف علی استحباب غسله فی الوضوء بناء ثبوت الاستحباب الشرعی لذات العمل بأخبار من بلغ.

و لایجوز ذلک بناء علی عدم ثبوت الاستحباب الشرعی و الوجه فیه عدم إحراز کون لحیة المسترسل من أجزاء الوضوء.

أورد علیه بأن غسل المسترسل حیث کان مستحباً مستقلاً فی واجب أو مستحب لایجوز المسح ببلته حتی علی القول باستفادة استحباب نفس الغسل من أخبار من بلغ.

ص:232

هذا مضافاً إلی إمکان أن یقال: علی تقدیر القول بکون غسل لحیة المسترسل مستحباً لغیر ان جزء من الأجزاء المستحبة یمکن أن المسح برطوبة غیر الأجزاء الأصلیة.

ومنها: أن الوضوء الذی دل خبر ضعیف علی استحبابه لغایة من الغایات کقراءة القرآن أو النوم فعلی القول باستفادة استحباب نفسی من أدلة التسامح فی السنن یرتفع الحدث به بخلاف ما إذا لم نقل بذلک.

أورد علیه بأنه لم یثبت أن کل وضوء مستحب رافع للحدث ألاتری أن الوضوء للخبث أو الحائض مستحب فی بعض الأحوال و معذلک لایرتفع به الحدث.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ عدم ارتفاع الحدث فیهما إنّما هو من جهة عدم قابلیة المورد فهذه الثمرة تامة ولکنّها مبنیة علی القول بعدم استحباب الوضوء نفسیاً من دون أن یقصد به غایة من الغایات و أما علی القول باستحبابه کذلک فلاتتم الثمرة المذکورة إذ علیه یکون نفس الوضوء مستحباً رافعاً للحدث ثبت استحبابه لغایة خاصة أو لم یثبت و إلی غیر ذلک من الفوائد.

التنبیه الرابع

إنه ربّما یتوهم عدم جریان البراءة فی الشبهة التحریمیة الموضوعیة بعد ما قام الدلیل مثلاً علی حرمة الخمر لوجوب الاجتناب عن جمیع أفرادها الواقعیة و لایحصل العلم بالامتثال إلّا بالاجتناب عن کل ما احتمل حرمته و بعبارة أخری لیس الشک فی مثله فی التکلیف بل الشک فی مقام الامتثال و مقتضی القاعدة فیه هو وجوب الاحتیاط.

و تحقیق ذلک یتوقف علی ملاحظة صور متعلّق النواهی.

ص:233

أحدها: أن یکون النهی متعلّقاً بصرف وجود طبیعة الفعل و هو أول الوجود و ناقض العدم الکلی بحیث لو أتی بصرف الوجود عصی و سقط النهی و جاز الإتیان بالباقی ففی هذه الصورة لامجال للبراءة.

لأن امتثال النهی یکون منوطاً بترک جمیع الوجودات و إلّا لما حصل العلم بالامتثال.

أورد علیه بأن الشک فی انطباق متعلّق النهی مجری للبراءة فإنه بعد إن کان الطبیعة عین الفرد و منطبقاً علیه أصبح الشک فی الشبهة التحریمیة شکاً فی سعة دائرة المحرکیة المولویة باعتبار شمولیة النهی.

ویمکن الجواب عنه: أوّلاً: بأن لازم ما ذکر هو عدم وجوب الاجتناب عن أطراف المعلوم بالإجمال لأن الشک فی شمول النهی لکل طرف ینتهی إلی الشک فی سعة دائرة المحرکیة المولویة و یکون الشک فی مصداقیة شیء للمعلوم بالإجمال.

وثانیاً: بأن الشک فی هذه الموارد شک فی ناحیة الامتثال بعد العلم بالاشتغال و مقتضی العلم بالاشتغال هو وجوب الاحتیاط.

وثانیها: هو أن یکون النهی متعلّقاً بذات طبیعة الفعل و حیث إنّ الطبیعة ملحوظة بعنوان المرآة إلی الوجودات الخارجیة لابنحو الموضوعیة مع قطع النظر عن الوجودات الخارجیة ینحل الحکم تحریماً بعد المصادیق الخارجیة و علیه فلو شک فی کون شیء مصداقاً للطبیعة یرجع الشک إلی ثبوت التکلیف زائداً علی المصادیق الأخری المعلومة فیکون مجری للبراءة لأن الشک فی سعة التکلیف و ضیقه و یلحق به ما إذا تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی.

فإن النهی فیه أیضاً ینحل إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة و یجوز الرجوع فی الأفراد المشکوکة إلی البراءة.

ص:234

وثالثها: و هو أن یکون النهی أو الزجر متعلّقاً بمجموع أفراد الطبیعة بحیث لو ترک فرداً واحداً امتثل و لو أتی ببقیة الأفراد.

و السرّ فی ذلک ان المفسدة فی مجموع وجودات الفعل فی زمان خاص أو مکان خاص فإذا ترک أحدها لم یأت بالمجموع و یتحقق الامتثال.

ورابعها: ان یرجع النهی إلی طلب العنوان الانتزاعی عن مجموع التروک الذی عبر عنه فی محکی کلام المحقق النائینی بالموجبة العدولة المحمول کقوله کن لاشارب الخمر فهو لایتحقق إلّا بمجموع التروک فلو شرب الخمر و لو دفعة لم یتحقق هذا العنوان و هو عنوان لاشارب الخمر فإذا شک فی مورد أنه مصداق ذلک أولا لایجری فیه البراءة لأن الشک فی المحصل و اللازم فیه هو الاحتیاط.

هذا کله بالنسبة إلی مقام الثبوت و أما بالنسبة إلی مقام الإثبات فالظّاهر أن النواهی تعلّقت بذات الطبایع و هو الصورة الثانیة إذ لاتحتاج تلک الصورة إلی مؤونة زائدة بخلاف إرادة صرف الوجود أو مجموع أفراد الطبیعة أو العنوان الانتزاعی.

ثمّ إن الطبیعة فی الصورة الثانیة ملحوظة بعنوان المرآة إلی أفرادها فینحل النهی إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة فیجری البراءة فی المشکوکة منها.

و هکذا الأمر لو تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی فإن النهی فیه أیضاً ینحل إلی المعلوم و المشکوک فیجری فیه البراءة و ممّا ذکر فی المقام یظهر جواز الصلاة فی اللباس المشکوک إنه ممّا لا یؤکل لحمه و دعوی أن النواهی عن الموانع فی المرکبات مثل الصلاة ظاهرة فی کون متعلّقها هو صرف وجود الموانع و معه لا مجال للبراءة بعد کون صرف الوجود ملحوظاً بنحو

ص:235

الموضوعیة لا الطریقیة بل اللازم هو الاحتیاط إلّا أن یقال إنّ النهی فی المرکبات یمکن أن یکون بنحو العموم البدلی عن کل فرد و معه فدعوی ظهوره فی خصوص صرف الوجود محتاجة الی مؤونة زائدة.

و لو شک فی کون النهی بنحو صرف الوجود أو ذات الطبیعة لکان الشکّ فی التکلیف الزائد فیجری فیه البراءة أیضاً.

التنبیه الخامس

إنّ ملاک حسن الاحتیاط و رجحانه فی الشبهات البدویة هو إدراک الواقع من التکالیف الفعلیة ذات ملاکات واقعیة إذ الجهل بلزومها یکون عذراً فی مخالفتها و جعل العذر لایوجب رفع أصل الأحکام الواقعیة بحیث لایکون للجاهل حکم فی الواقع بل جعل العذر یکون بمعنی رفع الثقل من ناحیة تلک التکالیف.

و هذا الملاک بعینه موجود فی موارد قیام الأمارات بعد ممنوعیة التصویب لأن الواقع باقٍ علی حاله و لو مع قیام الأمارات علی خلافه و مع بقاء الأحکام الواقعیة مع ملاکاتها کان الاحتیاط فی مورد الأمارات أیضاً راجحاً لأنه یوجب إدراک الواقع و هو حسن.

و لافرق فی رجحان الاحتیاط بین کون الاحتیاط فی الأمور المهمة کالدماء و الفروج و الأموال و بین کونه فی غیرها کما لاتفاوت بین کون احتمال التکلیف قویاً أو ضعیفاً نعم لو استلزم الأخذ بالاحتیاط فی جمیع موارد الأمارات و الشبهات البدویة اختلالاً للنظام فالاحتیاط الموجب لذلک قبیح بل لیس براجح بل سقط التکالیف الواقعیة التی توجب الجمع بین محتملاته الإخلال بالنظام عن الفعلیة الباعثه أو الزاجریة کما لایخفی.

ص:236

و علیه فاللازم هو التبعیض فی الاحتیاط إما باختیار الاحتیاط فی الشبهات العرضیة ما لم یوجب الاختلال و إما باختیار التبعیض من أول الأمر بحسب الاحتمالات أو بحسب المحتملات کالاحتیاط فی المظنونات أو کالاحتیاط فی الدماء و الفروج و حقوق الناس.

ثمّ لایذهب علیک أن الآثار الوضعیة لاتزول بالبراءة أو الإباحة و إنما المرتفعة بهما هی آثار الأحکام التکلیفته من العقوبة و المؤاخذة.

التنبیه السادس

إنّ مورد البراءة ما یکون رفعه أو وضعه بید الشارع و علیه فلو شک فی القدرة العقلیة فی مورد من الموارد لامجال للبراءة عند الشک فیها بل یحکم العقل بعد العلم بالخطاب بالاحتیاط بالإقدام علی الفحص عن القدرة و عدمها نعم تجری البراءة فی القدرة الشرعیة کالاستطاعة إذا شک فیها.

التنبیه السابع

إنه إذا شک فی کون الواجب تعینیاً أو تخییریاً أو عینیاً أو کفائیاً فمقتضی مقدمات الحکمة هو کونه تعینیاً و عینیاً و نفسیاً لأن إرادة غیر ذلک یحتاج إلی مؤونه زائدة هذا بناء علی تمامیة مقدمات الحکمة و إن لم تکن مقدمات الإطلاق تامة فقد یقال بالبراءة فی الشک بین التعینی و التخییری بدعوی أن خصوصیة التعینیة زائدة علی أصل الوجوب فتکون مجری البراءة.

أورد علیه بأن خصوصیة التعینیة امر ینتزع عن عدم جعل عدل له و لیس هو بنفسه مجعولاً شرعیاً فلایشمله حدیث الرفع فتأمّل.

ص:237

و أما جریان البراءة بالنسبة إلی وجوب العدل ففیه ان رفع وجوبه یوجب التضییق علی المکلّف و هو خلاف الامتنان فلایجری البراءة فالمرجع حینئذٍ هو قاعدة الاشتغال.

و دعوی إنّ الشیئین إذا اتحدا فی الأثر فاللازم عند العقل أن یکون ذلک الأثر مستنداً إلی القدر المجامع فیجری البراءة بالنسبة إلی الخصوصیة مندفعة بأن التخییر و إن کان راجعاً إلی تعلّق الحکم بالجامع عقلاً ولکن لو کان مراد المولی ذلک العنوان الخاص الذی جعله مورداً للتکلیف علی وجه التعیین لم یکن للعبد عذر حیث یعلم توجه الخطاب بالنسبة إلی العنوان المخصوص فلاوجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات بإمکان إرجاعها إلی الجامع الحقیقی لظهور الخطابات الشرعیة فی تعلّقها بالأشیاء الخاصة و رفع الید عن هذا الظّاهر خلاف الظّاهر و بالجملة العرف لایحکم بالاعتذار فی ترک الخاص الذی یکون مورداً للخطاب بمجرد احتمال کون الخطاب فیه بدلیاً من دون فرق بین أن یمکن إرجاع الخطاب إلی جامع واحد و أن لایمکن و ذلک لفرض تعلّق الخطاب بالخاص.

و التحقیق أن یقال إن مرجع الشک فی کون الوجوب تعینیاً أو تخییریاً هو الشک فی جعل التضییق و عدمه فیجری فیه أصالة البراءة و لافرق فیه بین کون الوجوب فیهما من سنخ واحد أو من سنخین لجریان أصالة البراءة بالنسبة إلی التعیین و لیست تلک الأصالة متعارضة لجریانها بالنسبة إلی التخییر لعدم جریانها بالنسبة إلی التخییر لأنه یوجب التطبیق و هو خلاف الامتنان.

إلا أنّه یبقی فی المقام أنه یدفع هذا النزاع مراجعة العرف فمن سمع نداء المولی بإکرام زید فأجابه بإکرام العمرو معتذراً بأنی احتملت کون تعلّقه بالزید بدلیاً و کان بدله العمرو و لم أقطع أنه متعلّق به معیناً فهل تراهم یعدّونه معذوراً عندهم حاشا و کلاّ.

ص:238

و علیه فتعلّق الخطاب بعنوان مخصوص یوجب لزوم مراعاته عند عرف العقلاً و علیه یتحد حکم ما إذا لم یکن إطلاق مع ما إذا کان إطلاق فکما ینتج مقدمات الإطلاق تعینیة المشکوک و عینیته و نفسیته فکذلک یکون مقتضی ما إذا لم یکن إطلاق لما عرفته من بناء العرف فلافرق بینهما فی أن المشکوک فی الأمور المذکورة محمول علی التعینی و العینی و النفسی فلاتغفل.

التنبیه الثامن

فی جواز الأخذ بالإباحة فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة قبل الفحص أخذ بعموم أدلتها و قوله علیه السّلام فی ذیل روایة مسعدة بن صدقة و الأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیره أو تقوم به البینة فإن ظاهره حصول الاستبانة و قیام البینة لابالتحصیل.

أللّهمّ إلّا أن یقال: بأن مثل روایة مسعدة واردة فی موارد وجود الأمارة الشرعیة علی الحلیة فلاتشمل المقام.

هذا مضافاً إلی صحیحة زرارة حیث قال قلت لأبی جعفر علیه السّلام فهل علیّ إن شککت فی أنه أصابه شیء أن أنظر فیه قال لا» فإنّها صریحة فی عدم لزوم الفحص فی الشبهة الموضوعیة التحریمیة.

ولکنّها مختصة بباب النجاسات هذا مضافاً إلی معارضتها مع صحیح محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة و إن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثمّ صلیت فیه ثمّ رأیته بعد فلاإعادة علیک و کذلک البول.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إن التعلیل المذکور فی صحیحة زرارة أی قوله علیه السّلام «ولکنک إنما ترید أن تذهب بالشک الذی وقع من نفسک» یستوجب التصرف فیها بالحمل علی الاستحباب.

ص:239

فتحصّل أنه لایلزم الفحص فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة بصریح صحیحة زرارة و إطلاق الروایات الدالة علی الإباحة من دون تقیید بالفحص.

نعم یمکن أن یقال إنّ الصحیحة المذکورة لاتدلّ إلّا علی عدم لزوم النظر و من المعلوم أن النظر غیر الرؤیة لاحتیاج النظر إلی تفتیش و إعمال مقدمات کما یرشد إلیه بعض موارد الاستعمالات کقوله علیه السّلام من نظر فی حلالنا و حرامنا فله کذا فإنه لیس مجرد الرؤیة التی لاحاجة فیها إلی أی مقدمة من المقدمات و علیه فنفی الأخص و هو النظر لایدل علی نفی الأعم و هو الرؤیة و علیه فیمکن أن یقال بعدم وجوب الفحص فیما إذا احتاج إلی المقدمات بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لحصول العلم بمجرد الرؤیة لمن شک فی بقاء اللیل و عدمه و هو علی سقف مرتفع و الهواء لاغیم فیه بحیث إذا فتح عینیه إلی مطلع الفجر تبین له الأمر.

و دعوی أن الشک فی هذا المورد أیضاً صادق بالفعل فیشمله أدلة الإباحة مندفعة بانصرافه عما یذهب بأدنی التفات و علیه فلامؤمن لترک الاحتیاط بعد اختصاص صحیحة زرارة بنفی ما یحتاج إلی إعمال المقدمات هذا کله بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة التحریمیة.

و أما بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة الوجوبیة فقد اختلف فیها بین الأعلام فی وجوب الفحص و عدمه ذهب بعض إلی عدم وجوب الفحص فی مسألة الفحص عند الشک فی تحقّق المسافة و عدمه. لإطلاق دلیل الأصل و عدم الدلیل علی التقیید لأن الشبهة موضوعیة و یظهر التردید من الشیخ الأعظم فی وجوب الفحص و عدمه من ناحیة أصالة العدم التی لایعتبر فیها الفحص عند إجرائها فی الموضوعات و من ناحیة تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الآمریة فیجب لتحصیل الواقع عند الشک إما الجمع و إما الفحص و الأول منتف هنا إجماعاً فتعین الثانی انتهی.

ص:240

و فیه أن تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الآمریة لایوجب عدم جریان الأصل عند الشک و تحصیل الواقع و إن کان واجباً مع قطع النظر عن هذا الأصل الجاری فی الموضوع للعلم الإجمالی بوجوب أحد التکلیفین لکن الأصل المفروض یوجب انحلاله.

ألا إن الأحوط مع ذلک الفحص لأن الأصل النافی للتکلیف إما عقلی کالبراءة و إما نقلی کحدیث الرفع و استصحاب العدم و علی کل حال لامجری له قبل الفحص أما العقلی فلوضوح أن ملاکه عدم البیان و مع عدم الفحص یشک فی تحققه إذ لیس المراد بالبیان المعتبر عدمه البیان الفعلی بل الأعم منه و ممّا یظفر به بعد الفحص بالمقدار المتعارف و لافرق فیه بین الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة لوحدة الملاک.

وأما النقلی فلإمکان دعوی انصراف الشک و عدم العلم عن مورد یمکن تحصیل العلم فیه بسهولة و بمقدار متعارف من الفحص.

فالأدلة المعلقة للترخیص علی هذین العنوانین غیر شاملة للشک الابتدائی قبل الفحص و بعد عدم المؤمن من طرف الشرع و احتمال وجود البیان علی وجه یظفر به بعد الفحص یجب بحکم العقل الاحتیاط أو الفحص و سیأتی بقیة الکلام فی شرائط الأصول إن شاء الله تعالی.

ص:241

ص:242

الفصل الثانی: فی أصالة التخییر
اشارة

فی أصالة التخییر فیما إذا دار الأمر بین المحذورین اللذین لا ثالث لهما کالدوران بین الفعل والترک مثل وجوب شیء وحرمته فقط وإنما قیّدنا الدوران بالوجوب والحرمة فقط لأن احتمال شیء آخر من الأحکام غیر الإلزامیة یوجب رجوع الشک فیه إلی الشک فی التکلیف فیمکن الأخذ فیه بالبراءة ویخرج عن الدوران بین المحذورین والعلم بأصل الإلزام کما أنه لادوران بین المحذورین فیما إذا کان أحد الطرفین بخصوصه مورداً للاستصحاب لانحلال العلم الجمالی إلی العلم التفصیلی والشک البدوی فیمکن الرجوع فیه إلی البراءة.

ثمّ تحقیق الحال فی مورد الدوران بین المحذورین یقتضی البحث فی مقامات:

المقام الأوّل: فی دوران الأمر بین المحذورین فی التوصلیات مع وحدة الواقعة ولا یخفی أنّه إذا حلف مثلاعلی سفر معین وتردد فی أنه حلف علی فعله أو ترکه فالأقوال فیه متعددة:

1) الحکم بالاباحة الظاهریة نظیر الحکم بالإباحة عند دوران الأمر بین الحرمة وغیر الوجوب.

2) التوقف بمعنی عدم الحکم بشیء لا ظاهراً ولا واقعاً.

ص:243

3) تقدیم احتمال الحرمة علی احتمال الوجوب لأولویة دفع المفسدة من جلب المنفعة.

4) الحکم بالتخییر الشرعی کالتخییر بین المتعارضین.

5) الحکم بالتخییر العقلی بین الفعل والترک بمناط الاضطرار عند عدم ترجیح أحدهما علی الآخر وهذا هو المختار.

أمّا القول الأول فقد استدلّ له باُمور:

الأمر الأوّل: هو الاستدلال بعموم أدلة الاباحة الظاهریة مثل قوله علیه السّلام: کلّ شیء لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه بدعوی أنّ الظّاهر من قوله علیه السّلام حتّی تعلم هو الحکم بالحلّیة مادام لم یحصل العلم التفصیلی وعلیه فمع الإجمال یصدق أنّه لم یعلم تفصیلاً فمقتضی العموم وعدم وجود المانع لاعقلاً ولانقلاً هوالحکم بالإباحة الظاهریة.

ویمکن أن یقال: إنّ أدلة الاباحة تنصرف إلی محتمل الحرمة وغیر الوجوب و وجهه ظاهر لاختصاص تلک الأدلّة بما إذا کان طرف الحرمة هی الإباحة والحلیة ولیس فی باب الدوران بین المحذورین احتمال الإباحة والحلیة بل یکون مقابل الحرمة هو الوجوب کما لا یخفی.

هذا مضافاً إلی أنّ أدلة الإباحة الشرعیة مختصة بالشبهات الموضوعیة فلاتجری فی الشبهات الحکمیة فهو أخص من المدعی.

الأمر الثانی: هو الاستدلال بالبراءة العقلیة بدعوی أنّ الوجوب والحرمة غیر معلومین فمقتضی قاعدة قبح العقاب بلابیان هو عدم العقوبة لا علی الوجوب ولا علی الحرمة ویمکن أن یقال إنّ العلم بجنس التکلیف وهو الالزام یکفی فی ارتفاع

ص:244

موضوع البراءة العقلیة لان العلم بجنس التکلیف بیان ویوجب الاحتیاط بینهما ان أمکن کما اذا علم بان هذا أمّا خمر حرام أو ذاک مائع خاصّ الذی یجب شربه بنذر ونحوه فیجب علیه ترک شرب محتمل الخمریة وشرب ما احتمل وجوب شربه بنذر ونحوه ومع البیان لا مجال للبراءة العقلیة وان لم یمکن الاحتیاط کما اذا دار الأمر بین الفعل والترک فی شیء واحد حکم العقل بالترخیص فی الفعل والترک بمناط الاضطرار فمع فرض حصول الترخیص بحکم العقل بمناط الاضطرار لا حاجة إلی الترخیص الظاهری بمناط قبح العقاب مع عدم البیان نظرا إلی حصول الترخیص حینئذٍ فی المرتبة السابقة بحکم العقل بالتخییر بین الفعل والترک.

الأمر الثالث: هو الاستدلال بعموم أدلة البراءة الشرعیة مثل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفعَ عن امتی ما لا یعلمون» بدعوی أنّه یعمّ الطرفین إذ المرفوع هو ما کان وجوده ثقلاً عن الاُمة والوجوب أو الحرمة ممّا یثقل علی الاُمة وهکذا المرفوع هو ما کان مصداقاً لما لا یعلمون وکلّ واحد من الوجوب أو الحرمة مصداق لما لا یعلمون لأنّ کلّ واحد منهما غیر معلوم والمجعول فی الشرع هو خصوص الوجوب أو الحرمة لا الجامع بینهما وعلیه فإطلاق الموصول فی قوله ما لا یعلمون یعمّ کلّ واحد من المحتملین.

وفیه: أنّه لا مجال للبراءة الشرعیة لأنّ مع العلم الإجمالی بالوجوب أو الحرمة لا یصدق موضوع أدلّة البراءة إذ المرفوع هو ما لا یعلمونه مطلقاً لا تفصیلاً ولا إجمالاً والمقام ممّا یعلم إجمالاً وإن لم یعلم بالتفصیل.

هذا مضافاً إلی أنّ مع تقدم حکم العقل بالتخییر لاثقل للوجوب أو الحرمة وعلیه فکیف یرفع الثقل بعموم «رفع ما لایعلمون» وأیضاً الحکم بالبراءة شرعاً من

ص:245

الأحکام الظاهریة ولابدّ فی الأحکام الظاهریة من ترتب الآثار الشرعیة وإلّا لکانت لغواً ولاخفاء فی أنّ جعل البراءة سواء کانت عقلیة أو شرعیة أو جعل الإباحة الشرعیة بعد حکم العقل بالترخیص والتخییر بین الفعل والترک لا أثر له.

هذا کلّه بالنسبة إلی القول الاول أی الحکم بالإباحة الظاهریة والبراءة نظیر الحکم بالإباحة عند دوران الأمر بین الحرمة وغیر الوجوب.

وأمّا القول الثانی: وهو التوقف بمعنی عدم الحکم بشیء لا ظاهراً ولا واقعاً فلعله من جهة توهم عدم تمامیة القواعد العقلیة والشرعیة عند قائله وسیأتی إن شاء الله تعالی تمامیة القول الخامس من التخییر العقلی.

وأمّا القول الثالث: وهو تقدیم جانب الحرمة بملاک أولویة دفع المفسدة من جلب المنفعة ففیه أوّلا: أنّ إطلاق ذلک ممنوع کوضوح تقدیم وجوب حفظ النفس علی حرمة الغصب فیما إذا توقف الحفظ علی التصرف فی مال الغیر من دون إذنه.

وثانیاً: أنّ المصلحة الفائتة بترک الواجب أیضاً مفسدة وإلّا لم تصلح للالزام ما لم تبلغ حداً یکون فی فواته مفسدة.

وثالثاً: أنّ هذه القاعدة علی فرض تمامیتها فاللازم هو تخصصیها بموارد کون المفسدة والمصلحة معلومتین وأمّا لو کان الموجود احتمال المفسدة فلانسلم أولویة رعایته من رعایة احتمال المصلحة والشاهد علیه عدم وجود البناء علی رعایة مجرد احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة فضلاً عن ما إذا احتمل وجود المصلحة.

ودعوی: أنّ مقتضی القاعدة عند دوران الأمر بین التعیین والتخییر هو الأخذ بما یحتمل فیه التعیین وهو الحرمة.

ص:246

مندفعة: بأنّ احتمالا التعیین لا یختص بجانب الحرمة بل ربّما یکون فی جانب الوجوب هذا مضافاً إلی أنّ القاعدة المذکورة غیر جاریة فی أمثال المقام ممّا یکون العقل فیه یستقل بالتخییر أو یستقل بالتعیین نعم الشک إنّما یکون فی الأحکام التوقیفیة التی لا یدرکها العقل.

لایقال: یحتمل ورود الحکم الشرعی التوقیفی بالنسبة إلی ترجیح جانب الحرمة ولو کان ذلک احتمال شمول أخبار التوقف لما نحن فیه وهو کاف فی لزوم الاحتیاط والأخذ بجانب الحرمة.

لأنّا نقول: إنّ أخبار التوقف محمولة علی الاستحباب جمعا بینها وبین الأخبار الدالة علی البراءة والإباحة فلایوجب الأمر الاستحبابی وجوب ترجیح جانب الحرمة نعم ذهب فی الکفایة إلی أنّ استقلال العقل بالتخییر إنّما هو فیما لا یحتمل الترجیح فی أحدهما علی التعیین ومع احتماله لا یبعد دعوی استقلاله بتعینه.

اورد علیه السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه بأنّ الوجه فی تقدیم محتمل الأهمیة فیما إذا لم یکن لشئ منهما إطلاق، هو أنّ کلاً من الحکمین یکشف عن اشتمال متعلّقه علی الملاک الملزم وعجز المکلّف عن استیفائهما ممّا یقتضی جواز تفویت أحدهما فعند احتمال أهمیة أحد الحکمین بخصوصه یقطع بجواز استیفاء ملاکه وتفویت ملاک الآخر علی کلّ تقدیر.

وأمّا تفویت ملاک ما هو محتمل الأهمیة ولو باستیفاء ملاک الآخر فلم یثبت جوازه فلامناص حینئذٍ من الأخذ بمحتمل الأهمیة.

وهذا الوجه للزوم الأخذ بالتعیین غیر جار فی المقام إذ المفروض أنّ الحکم المجعول واحد مردد بین الوجوب والحرمة فلیس فی البین إطلاقان وملاکان ونسبة العلم الإجمالی إلی کلّ من الحکمین علی حد سواء فالحکم بالتخییر باقٍ علی حاله.

ص:247

وأمّا القول الرابع: وهو الحکم بالتخییر الشرعی نظیر التخییر فی الأخذ بأحد الخبرین المتعارضین فلادلیل علیه فی المقام وإن قام علیه دلیل فی الخبرین المتعارضین.

والتخییر بمعنی الأخذ بأحدهما من الفعل أو الترک فی مقام العمل تخییر عقلی وهو حاصل ومعه لا حاجة إلی طلبه شرعاً لأنه تحصیل الحاصل.

وأمّا القول الخامس: وهو الحکم بالتخییر العقلی بین الفعل والترک بمناط الاضطرار عند عدم ترجیح أحدهما علی الآخر فلاإشکال فیه لأنّ الفعل والترک إذا کانا متساویین فی نظر العقل یحکم العقل بالتخییر لقبح الترجیح بلامرجح وبعبارة اخری إدراک قبح الترجیح بلامرجح ملازم لإدراک التخییر نعم لو کان أحد الطرفین مرجحاً فلایحکم العقل بالتخییر بل یحکم بلزوم الأخذ بذی المزیة کما لا یخفی.

والعلم الإجمالی بالتکلیف فی مثل المقام یسقط عن التأثیر وهو الاحتیاط لعدم تمکنّه منه کما أنّه لا یصلح المقام للحکم التخییری شرعیاً کان کما فی باب الخصال أو عقلیاً کما فی المتزاحمین فإنّه إنما یکون فی مورد یکون المکلّف قادراً علی المخالفة بترک کلاطرفی التخییر فکان الأمر التخییری باعثاً علی الإتیان بأحدهما وعدم ترکهما معا لا فی مثل المقام الذی هو من التخییر بین النقیضین فإنّه بعد عدم خلو المکلّف تکویناً عن الفعل أو الترک لا مجال للأمر التخییری بینهما وإعمال المولویة فیه لغو محض فینحصر التخییر فی المقام بالتخییر العقلی المحض بمناط الاضطرار.

نعم الأولی أن یقال إنّ المراد من حکم العقل بالتخییر هو إدراکه أنّ زمام الواقعة بید المکلّف عند تساوی الطرفین أی الفعل والترک بمناط الاضطرار.

هذا کلّه بالنسبة إلی دوران الأمر بین المحذورین من التوصلیات مع وحدة الواقعة.

ص:248

المقام الثانی: فی الدوران بین المحذورین من التوصلیات مع تعدد الواقعة کما إذا علم بصدور شرطین أو حلفین وأنّ أحدهما تعلّق بفعل أمر والآخر بترک آخر واشتبه الأمر فی الخارج دار الأمر فی کلّ منهما بین الوجوب والحرمة.

ولا یخفی أنّ العلم الإجمالی باقٍ فی هذه الصورة علی تنجیزه فیحرم المخالفة القطعیة للتمکن منها بالإتیان بهما أو ترکهما وأمّا الموافقة القطعیة فهی ساقطة لعدم التمکن منها بخلاف الموافقة الاحتمالیة فإنها ممّا لابدّ منه عقلاً.

نعم لو ظنّ أنّ الواجب هو فعل هذا وترک ذاک أو بالعکس لا یبعد الحکم بوجوب مراعاة الظن بالنحو المذکور لأنّ الموافقة القطعیة إذا امتنعت لزم الإکتفاء بالموافقة الظنیة والمفروض أنّها ممکنة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ التمکن من ترک المخالفة القطعیة فی واقعتین غیر مفید لأنه لیس امتثالاً للتکلیف المعلوم الذی یترقب امتثاله فإنّ کلّ تکلیف فی واقعة یستدعی امتثال نفسه بحکم العقل لا امتثاله أو امتثال تکلیف آخر فی واقعة اخری.

وبعبارة اخری لا یتنجز العلم الإجمالی من حیث ترک المخالفة القطعیة فی واقعتین کما لم یتنجز فی صورة وحدة الواقعة فی الدوران بین المحذورین وعلیه فیکون المکلّف مخیّراً مطلقاً ولو أوجب ذلک مخالفة قطعیة فیجوز الإتیان بهما أو ترکهما فی صورة تعدد الواقعة.

واُجیب عنه بأنّه لا نلحظ العلم الإجمالی فی کلّ واقعة کی یقال إنّ المخالفة القطعیة للعلم الإجمالی المزبور مخالفة غیر مؤثرة بل الملحوظ هو العلم الإجمالی الحاصل بضمّ الواقعتین إحداهما إلی الاُخری وهو لا ینافی عدم تنجیز العلم الإجمالی بالنسبة إلی کلّ واقعة بحیالها.

ص:249

وذلک لأنّه یتولد فی المقام علمان إجمالیان آخران أحدهما العلم الإجمالی بوجوب أحد الفعلین والثانی العلم الإجمالی بحرمة أحدهما والعلم الإجمالی بالوجوب یقتضی الإتیان بهما تحصیلاً للموافقة القطعیة کما أنّ العلم الإجمالی بالحرمة یقتضی ترکهما معاً کذلک.

وحیث إنّ الجمع بین الفعلین والترکین مستحیل یسقط العلمان عن التنجیز بالنسبة إلی وجوب الموافقة القطعیة ولکنّ یمکن مخالفتهما القطعیة بایجاد الفعلین أو بترکهما فلامانع من تنجیز کلّ منهما بالنسبة إلی حرمة المخالفة القطعیة فإنّها المقدار الممکن وحینئذٍ فاللازم هو اختیار أحد الفعلین وترک الآخر تحصیلاً للموافقة الاحتمالیة وحذراً من المخالفة القطعیة.

لایقال: إنّ العلمین الإجمالیین المذکورین حصلاً بتبع العلم الإجمالی بالالزام المردّد بین الوجوب والحرمة فی کلّ من الأمرین فإذا کان العلم الإجمالی المتبوع ساقطا عن التأثیر فالعلمان التابعان یسقطان عن التأثیر أیضاً فلاتأثیر لهما کما لا تأثیر للعلم الإجمالی المتبوع.

لأنّا نقول: لا ملازمة بین عدم تنجیز هما وبین عدم تنجیز العلم الإجمالی المتبوع وإن کان العلمان الاجمالیان تابعین فی الوجود فحینئذٍ یکون مقتضی العلمین هو التنجیز بالنسبة إلی المخالفة القطعیة دون الموافقة القطعیة نعم یجب مراعاة الموافقة الظنیة فیما إذا لم یکن الموافقة القطعیة.

والفرق بین المقام الثانی والمقام الأوّل فی أنّ العلم الإجمالی فی المقام الأول ساقط أصلاً ولا تأثیر له ولذا لا یجب فیه مراعاة الظن فی طرف من أطرافه بخلاف المقام الثانی فان العلم الإجمالی بالتقریب المذکور باقٍ علی التنجیز ولو فی الجملة فیجب مراعاته مهما أمکن فلایجوز أن یأتی علی وجه یعلم بالمخالفة القطعیة کما لا یجوز أن یاتی علی خلاف المظنون.

ص:250

ولا فرق فیما ذکر بین ما إذا کانت الواقعة متعددة عرضاً وبین ما إذا کانت کذلک طولا کما إذا علم بتعلّق حلف بایجاد فعل فی زمان ویتعلّق حلف آخر بترکه فی زمان ثان ثمّ اشتبه الزمانان ففی کلّ زمان یدور الأمر بین الوجوب والحرمة.

فإنّ بناءً علی تنجیز العلم الإجمالی فی الأمور التدریجیة کغیرها کما هو الظّاهر یکون العلم الإجمالی منجّزاً بالنسبة إلی حرمة المخالفة القطعیة لإمکانها فاللازم اختیار الفعل فی أحد الزمانین واختیار الترک فی الآخر حذراً من المخالفة القطعیة وتحصیلاً للموافقة الاحتمالیة إلّا إذا حصل الظن بفعل هذا وترک ذاک أو بالعکس فلایبعد القول بوجوب الموافقة الظنیة أیضاً فیقدم المظنون علی غیره فإن کان المظنون هو ترک الأوّل وفعل الثانی اختار ذلک وإن عکس ذلک اختار العکس وذلک لما عرفت من أنّ الموافقة الظنیة من مراتب الموافقة القطعیة فاللازم هو الاتیان بالمیسور منها وهو الموافقة الظنیة ولا مجال للحکم بالتخییر مطلقاً سواء لزمت المخالفة القطعیة أم لم تلزم وسواء امکنت الموافقة الظنیة أم لم تمکن فلاتغفل.

المقام الثالث: فی التخییر البدوی والاستمراری

ولا یذهب علیک أنّه لو کان لمورد دوران الأمر بین المحذورین أفراد و وقائع طولیة تدریجیة کما إذا علم اجمالاً بصدور حلف واحد علی الاتیان بفعل أو علی ترکه فی کلّ لیلة جمعة فهل یکون التخییر حینئذٍ بدویا أو استمراریا فالمختار هو الثانی.

باعتبار أنّ کلّ فرد من أفراد ذلک الفعل له حکم مستقل وهو حکم العقل بالتخییر کما تقدم لعدم امکان الموافقة القطعیه ولا المخالفة القطعیة ولا یلزم من استمرار حکم العقل بالتخییر فی المقام إلّا العلم اجمالاً بمخالفة التکلیف الواقعی فی أحدهما ولا بأس به لعدم کون التکلیف الواقعی منجّزاً علی الفرض.

ص:251

ودعوی: أنّ العلم بالالزام المردّد بین الوجوب والحرمة وإن لم یوجب تنجیز المعلوم بالاجمال إلّا أنّه مع فرض تعدد الأفراد یتولد من العلم الإجمالی المذکور علم اجمالی متعلّق لکل فردین من الأفراد وهو العلم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر إذ المفروض اشتراکهما فی الحکم وجوباً وحرمة وهذا العلم الإجمالی وإن لم یمکن موافقته القطعیة لاحتمال الوجوب والحرمة فی کلّ منهما إلّا أنّه یمکن مخالفته القطعیة باتیانهما معا أو ترکهما کذلک وقد عرفت أنّ العلم الإجمالی یتنّجز معلومه بالمقدار الممکن من حیث وجوب الموافقة القطعیة أو حرمة المخالفة القطعیّة فلامناص من کون التخییر بدویاً حذراً من المخالفة القطعیة فلایجوز التفکیک بین الأفراد من حیث الفعل والترک.

مندفعة: بمنع تولد العلم الإجمالی المتعلّق بکل فردین من الأفراد وهو العلم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر إذ تعدد لیلة الجمعة لا یوجب العلم بوجوب أحدهما وحرمة الآخر بل کلّ لیلة باقیة علی کونها محتملة الأمرین فکما أنّ اللیلة الواحدة محتملة الأمرین فکذلک اللیلتان فلذا لو أتی بالفعلین فیهما أو ترکهما لم یعلم بالمخالفة القطعیة لاحتمال أن یکون المحلوف علیه هو الفعل فالاتیان به فی الفردین موافق له أو المحلوف علیه هو الترک فترک الفعل فی الفردین موافق له.

نعم لو أتی بالفعل فی فرد وترک الفعل فی فرد آخر یعلم اجمالاً بمخالفة التکلیف الواقعی فی فرد کما یعلم بموافقه التکلیف الواقعی فی آخر ولا ترجیح للمخالفة علی الموافقة ولا بأس بحصول العلم بالمخالفة لعدم کون التکلیف الواقعی منجّزاً علی الفرض.

فتحصّل: أنّ الصحیح هو التنجیز الاستمراری فیجوز له أن یأتی بالفعلین أو الترکین أو التفکیک بینهما.

ص:252

لایقال: إنّ حرمة المخالفة القطعیّة أهم بنظر القعل من لزوم الموافقة القطعیة لأنّا نقول لادلیل علی أهمیّة حرمة المخالفة القطعیّة بالنسبة إلی لزوم الموافقة القعطیّة کما لا یخفی.

المقام الرابع: فی تنجیز العلم الإجمالی بالنسبة إلی المخالفة القطعیة مع تمکنها دون الموافقة القطعیة لعدم التمکن منها

إذا کان أحد الحکمین أو کلاهما تعبدیا مع وحدة الواقعة کما إذا دار الأمر بین وجوب الصلاة علی المرأة وحرمتها علیها لاحتمالها الطهرو الحیض مع عدم احراز أحدهما ولو بالاستصحاب بناء علی حرمة الصلاة علی الحائض ذاتا بمعنی أن یکون نفس الصلاة حراماً علیها ولو أتت بها من دون قصد القربة.

ففی هذه الصورة وإن لم تمکن الموافقة القطعیة لدوران الأمر بین المحذورین إلّا أنّ المخالفة القطعیة ممکنة فإنّه إذا جاءت المرأة بالصلاة بدون قصد القربة قطعت بالمخالفة القطعیة إمّا من جهة ترک الواجب لو کانت الصلاة واجبة علیها وإمّا من جهة الاتیان بالحرام لو کانت الصلاة محرمة علیها ذاتا.

ومع تمکنها من المخالفة القطعیة فلامانع من تنجیز العلم الإجمالی بالنسبة إلی المخالفة القطعیة فلایجوز لها أن تأتی بالصلاة بدون قصد القربة ومع تنجیز العلم الإجمالی فلامجال للرجوع إلی البراءة الشرعیة أو العقلیة بل یحکم العقل بالتخییر بین الاتیان بالصلاة برجاء المطلوبیة والقربة وبین ترکها رأساً ولا یجوز لها أن یترک کلاً الأمرین رأساً باتیان الصلاة من دون قصد القربة لما عرفت من أنّه مخالفة قطعیة ینافی تنجیز العلم الإجمالی.

المقام الخامس: فی عدم التزاحم فیما إذا کانت القدرة فی طرف شرعیة

لااشکال فی الحکم بالتخییر فی مقام الامتثال عند التزاحم ان لم یکن أهم فی البین ولکنّه یختص ذلک بما إذا کانت القدرة المأخوذة فی طرفی التزاحم عقلیة أو

ص:253

شرعیة وأمّا إذا کانت فی طرف شرعیة وفی طرف آخر عقلیة فالصحیح هو تقدیم طرف القدرة العقلیة علی طرف القدرة الشرعیة فلامجال للتخییر.

وذلک لتعلیق طرف القدرة الشرعیة علی عدم ارتکاب المحرم أو ترک الواجب ومن المعلوم أنّ هذا الحکم یرتفع بتزاحمه مع ارتکاب المحرم أو ترک الواجب.

والسرّ فی ذلک أنّ القدرة المعتبرة فی الأجزاء والقیود قدرة شرعیة فمع توقف احراز شیء منهما علی ترک الواجب أو مخالفة الحرام تسقط تلک الأجزاء والقیود عن الوجوب لعدم تمکن المکلّف منه شرعاً فیتنزل إلی الصلاة فاقدة الشرط أو الجزء فلامساغ لارتکاب المحرم أو ترک الواجب مقدمة لاتیان شیء من الاجزاء والقیود المعتبرة فی الصلاة.

مثلاً إذا بنینا علی أنّ الصلاة فی النجس محرمة بالذات نظیر سایر المحرمات المولویة وتردد الثوب الطاهر بین الثوبین المشتبهین الذین أحدهما طاهر والآخر نجس فالقدرة المعتبرة فی الصلاة فی الثوب الطاهر شرعیة والقدرة المأخوذة فی ترک المحرم (کالصلاة فی النجس بناء علی ثبوت ذلک) عقلیة وعند تزاحم التکلیفین المشروط أحدهما بالقدرة الشرعیة یتقدم ما هو المشروط بالقدرة العقلیة علی غیره ولا مجال للتزاحم والحکم بالتخییر.

نعم اذا کانت القدرة المعتبرة فی الطرفین عقلیة أو شرعیة کان المورد فیحکم من المتزاحمات وتمّ ما ذکر فیه من أنّ المقدم هو الأهم وإلّا بالتخییر فی مقام الامتثال.

المقام السادس: فی دوران الأمر بین شرطیة شیء وبین مانعیته فی العبادات

إذا دار الأمر بین المحذورین فی العبادات الضمیمة کما إذا دار الأمر بین شرطیة شیء أو جزئیته لواجب وبین مانعیته عنه ذهب بعض الاساطین إلی التخییر فی الاتیان بما یحتمل کونه شرطاً أو جزءاً وبین ترکه لاحتمال کونه مانعاً واطلاق القول

ص:254

بالتخییر محلّ نظر وتوضیح المقام أنّ احتمال کون شیء مانعاً أو شرطاً أو جزءاً یتصور بصورتین.

الصورة الاُولی: ما یتمکن فیه المکلّف من الامتثال التفصیلی ولو برفع الید عمّا هو مشتغل به فعلاً کما لو شک بعد النهوض للقیام فی الاتیان بالسجدة الثانیة فانّه بناء علی تحقّق الدخول فی الغیر بالنهوض کان الاتیان بالسجدة زیادة فی الصلاة وموجباً لبطلانها وبناء علی عدم تحققه به کان الاتیان بها واجباً ومعتبراً فی صحتها وفی هذه الصورة یتمکن من الامتثال التفصیلی بابطال الصلاة والاتیان بالصلاة الکاملة بناء علی عدم حرمة قطع الصلاة فی مثل المقام أو مطلقاً ولا یجوز له الاکتفاء بأحد الاحتمالین والحکم بالتخییر لعدم احراز الامتثال بذلک والاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی فعلیه الامتثال التفصیلی برفع الید عن هذه الصلاة بناء علی عدم حرمة القطع واعادتها أو اتمامها علی أحد الاحتمالین ثمّ اعادتها وعلی کلّ تقدیر لا وجه للحکم بالتخییر وجواز الاکتفاء بأحد الاحتمالین.

هذا بناء علی عدم حرمة ابطال صلاة الفریضة مطلقاً أو فی خصوص المقام من جهة أنّ دلیل الحرمة هو الاجماع والقدر المتیقن منه هو الحکم بحرمة قطع الصلاة التی یجوز للمکلف الاختصار علیها فی مقام الامتثال وأمّا الصلاة المحکوم بوجوب اعادتها فلادلیل علی حرمة قطعها وأمّا لو بنینا علی حرمة قطع الفریضة حتّی فی مثل المقام کان الحکم بالتخییر فی محله إلّا أنّه لا لأجل دوران الأمر بین الجزئیة والمانعیة بل من جهة دوران الأمر بین حرمة الفعل وترکه.

الصورة الثانیة: ما یتمکن فیه المکلّف من الامتثال الإجمالی إمّا بتکرار الجزء أو بتکرار أصل العمل کما إذا دار أمر القراءة بین وجوب الجهر بها أو الاخفات فانه إذ

ص:255

کرّر القراءة بالجهر مرة وبالاخفات مرة اخری مع قصد القربة وقصد جزئیة أحدهما الواقعیة وکون الزیادة قرآنا فقد أتی بالامتثال الإجمالی ولا یجوز الاقتصار علی الامتثال الاحتمالی علی القول بالتخییر بل یجب علیه احراز الامتثال ولو اجمالاً لأنّ الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.

نعم هذا فیما إذا أمکن التکرار واحراز الامتثال وأمّا اذا لم یمکن التکرار تضیق الوقت فلامحیص عن التخییر فی الدوران بین الشرطیة والمانعیة بناء علی ابتناء وجوب القضاء علی صدق عنوان الفوت وهو غیر ثابت وأمّا بناء علی أنّ القضاء بالأمر السابق لا بالأمر الجدید المترتب علی عنوان الفوت صح القول بوجوب الاحتیاط بالأداء والقضاء ومع وجوب الاحتیاط لا مجال للتخییر کما لا یخفی.

فتحصّل: أنّ القول بالتخییر مطلقاً فی ما إذا دار الأمر بین الجزئیة أو المانعیة محلّ تأمل ونظر فیما إذا أمکن الامتثال التفصیلی أو الإجمالی نعم فیما إذا لم یتمکن منهما فلامحیص عن التخییر بین الشرطیة وبین المانعیة.

المقام السابع: فی مجری أصالة التخییر

واعلم أنّ الظّاهر من أکثر العبائر أنّ مجری أصالة التخییر فی علم الاُصول هو یختص بموارد دوران الأمر بین المحذورین اللذین لا یتمکن المکلّف فیها من الموافقة القطعیّة ولا من المخالفة القطعیّة کما إذا علم بالتکلیف وشک فی المکلّف به بین فعل شیء وبین ترکه بحیث لا یتمکن المکلّف فیه من الموافقة القطعیة ولا من المخالفة القطعیة ففیه یسقط العلم الإجمالی عن التأثیر ویحکم العقل بالتخییر الاضطراری التکوینی وهذا فی التوصلیین واضح.

وأمّا بالنسبة إلی غیرهما کما إذا کانا تعبدین أو کان أحدهما تعبدیا یشکل الأمر للتمکن من المخالفة القطعیة فیه باتیان العمل من دون قصد القربة بناء علی حرمة

ص:256

العمل ذاتا ولو بدون قصد القربة کالصلوة عن المرئة المردّدة فی الطهر والحیض فإنّه إذا اتت بالصلاة وترکت قصد القربة قطعت بالمخالفة لأنها أتت بالحرام باتیان الصلاة وترکت الواجب بترک قصد القربة.

وفی مثله لا یسقط العلم الإجمالی عن التأثیر لتمکنها من المخالفة القطعیة وإن لم تکن متمکنة من ناحیة الموافقة القطعیة ومقتضی اشتراط عدم التمکن من المخالفة القطعیة هو خروج هذه الصورة عن محلّ البحث إذ فی هذه الصورة یتمکن المکلّف من المخالفة القطعیة مع أنّ المکلّف مختار بعین أن یفعل الفعل بنحو قربی وبین أن یترک الفعل رأساً فالأظهر أنّ یقال یکفی عدم التمکن من الموافقة القطعیة فی حکم العقل بالتخییر الاُصولی وعلیه فیعمّ مجری أصالة التخییر لما إذا کانا تعبدین أو کان أحدهما المعین تعبّدیا ولا یختص بالموارد التی لا یتمکن من المخالفة القطعیة ولا الموافقة القطعیة بل یکفی کما عرفت عدم التمکن من الموافقة القطعیة فی جریانه فلاتغفل.

ثمّ إنّ محلّ البحث فی التخییر الاُصولی یختص بما إذا کان عدم التمکن من الموافقة القطعیة ناشٍ من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارضه لا من جهة التزاحم فی مقام الامتثال.

وأمّا الموارد التی لا یمکن الجمع بینهما فی مقام الامتثال من جهة التزاحم بین الواجبین فلااشکال فی حکم العقل فیها بالتخییر وکان هذا التخییر تخییرا فقهیاً بین المتزاحمین فیما إذا لم یکن ترجیح لأحد المتزاحمین ولم یمکن الجمع بینهما.

وأمّا إذا کان ترجیح فی بعض الأطراف فاللازم هو الاتیان به لأنّ الأمر یدور بین التعیین والتخییر والأصل فیه هو التعیین لأنّ الشک فی السقوط بعد العلم بالثبوت کما أنّ الجمع إذا کان ممکنا فلامجال لترکه بعد وجود الملاک فیهما.

ص:257

المقام الثامن: فی اشتراط عدم أصل لفظی فی جریان أصالة التخییر

إذا دار الأمر بین التعیین والتخییر فإن کان الشک فی ثبوت التکلیف من ناحیة خصوصیة فی طرف منهما فمقتضی القاعدة هو التخییر إذا لم یکن أصل لفظی فی المورد لأنّ الشک فی التکلیف الزائد من ناحیة الخصوصیة ویجری فیها البراءة ویحکم العقل بالتخییر مثلاً إذ اعلمنا أنّ الشارع وجب علینا خصال الکفارات ثمّ شککنا فی أنّ بعضها مرتب علی الآخر أو واجب فی عداد البقیة وکان الشک فی التعیین والتخییر ویحکم العقل بالتخییر إذا لم یکن أصل لفظی فی البین وإلّا فمعه لا مجال للأصل العملی وان کان الشک فی السکوت بعد العلم بالثبوت ولم یکن اطلاق فی البین فمقتضی الأصل هو التعیین والاتیان بما یحتمل تعینه کما إذا شککنا فی حجیة قول غیر الأعلم والأمر یدور بین تعیین الأعلم والتخییر بین الأعلم وغیر الأعلم فاللازم حینئذٍ هو الأخذ بقول الأعلم لأنّ الشک فی السقوط بعد العلم بالثبوت ومقتضی القاعدة أنّ الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی وهو لزوم الاکتفاء بقول الأعلم أو الراجح من جهة اخری وعلیه فالأصل هو التعیین ولکنّ هذا فیما إذا لم یکن اطلاق لفظی وإلّا فلامجال للأصل لأنّ موضوعه هو الشک وهو یرتفع باطلاق الدلیل فافهم.

ص:258

الفصل الثالث: فی أصالة الاشتغال
اشارة

إذا کان الشک فی المکلّف به مع العلم بأصل التکلیف من الایجاب أو التحریم وأمکن الاحتیاط فالشک إما یکون من جهة تردّد المعلوم بین المبتائنین کتردد الواجب بین کونه جمعة أو ظهرا وإما یکون من جهة تردده بین الأقل والأکثر الارتباطیین کتردد الصلوة بین فاقد السورة و واجدها وعلیه فالکلام یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی الشک فی المکلّف به مع العلم بالتکلیف وإمکان الاحتیاط عند دوران الأمر بین المتبائنین.

ومثاله أن یعلم بوجوب أحد الشیئین أو بحرمة أحدهما أو أن یعلم بوجوب فعل امر أو ترک آخر مع امکان الاحتیاط فیه بفعل هذا وترک ذاک.

ولافرق فی المقام بین کون العلم الإجمالی متعلّقاً بأصل التکلیف والتردید فی النوع وبین کونه متعلّقاً ببطلان إحدی الصلاتین فی مرحلة الامتثال.

فإن قلنا بجریان الاُصول النافیه فی جمیع أطراف المعلوم بالاجمال أو بعضها فلامانع من جریان قاعدة الفراغ فی کلتا الصلوتین أو فی أحدهما فلاوجه لتخصیص النزاع بالاصول الجاریة عند الشک فی أصل التکلیف دون الجاریة فی مرحلة الامتثال.

ص:259

یقع البحث فی جهات مختلفة:

الجهة الاُولی: فی إمکان الترخیص الشرعی فی أطراف المعلوم بالإجمال

ولا یخفی أنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی فی کونه منجّزا للحکم الواقعی ومقتضاه عدم جواز المخالفة و وجوب الموافقة القطعیة لأنّ العلم الإجمالی کالتفصیلی بیان تام و معه لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلابیان ولا کلام فیه.

وانما الکلام فی أنّه هل یمکن جعل الترخیص عقلاً فی مورد العلم الإجمالی أو لا یمکن وعلی فرض الامکان هل ورد ترخیص فی ذلک شرعاً أو لا.

وقد تقدم فی مبحث القطع أنّ العلم الإجمالی لشوبه بالشک مقتض للتنجیز ولیس بعلة تامة ولذلک أمکن للشارع أن یرفع الید عن فعلیة الحکم المعلوم بالاجمال.

والوجوه المانعة من قبیل أنّ الترخیص ینافی الحکم الواقعی المعلوم فی الاطراف أو ینافی حکم العقل بوجوب امتثال التکلیف المعلوم بالاجمال أو یکون الترخیص ترخیصا فی المعصیة وهو قبیح أو ظلم ونحوه.

ممنوعة لأنّها متفرعة علی بقاء الحکم الواقعی علی ما هو علیه من الفعلیة والتنجیز کما إذا تعلّق العلم التفصیلی بها وأمّا مع شوب العلم الإجمالی بالشک أمکن للشارع رفع الید عن المعلوم بالاجمال جمعا بینه وبین أدلّة الترخیص لمصلحة التسهیل أو غیره کما یرفع الید عن الأحکام الواقعیة فی موارد الشبهات البدویّة أو الأحکام الظاهریة جمعا بینها وبین أدلّة الترخیص أو بین الأحکام الظاهریة.

ودعوی لزوم نقض الغرض مندفعة بأنّ الحکم الواقعی لا یختص بأطراف المعلوم بالاجمال بل یشمل غیرها ومع شموله لغیرها لا یلزم اللغویة ولا یلزم نقض الغرض

ص:260

لکفایة ذلک فی کونه موجباً لجعل الداعی بالنسبة إلی من علم به بالتفصیل والأحکام مجعولة علی نحو ضرب القانون لا القضایا الشخصیة.

نعم لو کان الحکم الواقعی فعلیّا من جمیع الجهات بحیث لا یرضی الشارع برفعه بوجه لما جاز الترخیص بالنسبة الیه ولو لم یکن فی أطراف المعلوم بالاجمال کالشبهات البدویة.

لایقال: إنّ الإذن الشرعی فی کلا المشتبهین یوجب الحکم بعدم حرمة الخمر المعلوم اجمالاً فی متن الواقع وهو ممّا یشهد الاتفاق والنصّ علی خلافه حتّی نفس هذه الأخبار (أخبار الإباحة) حیث إنّ مؤداها ثبوت الحرمة الواقعیة للأمر المشتبه.

لأنّا نقول: لیس معنی الترخیص عدم الحکم فی متن الواقع حتّی یکون الاتفاق والنص علی خلافه بل معناه هو جعل العذر بالنسبة إلیه کجعل العذر بالنسبة إلی الحکم الواقعی فی موارد الشبهات البدویة والأحکام الظاهریة ومن المعلوم أنّ ذلک لا یوجب عدم الحکم فی متن الواقع فی موارد الشبهات البدویة والأحکام الظاهریة لاشتراک العالم والجاهل فی الأحکام الواقعیة.

لایقال: إنّ الحکم الظاهری لا یقدح مخالفته للحکم الواقعی فی نظر الحاکم مع جهل المحکوم بالمخالفة لرجوع ذلک إلی معذوریة المحکوم الجاهل کما فی أصالة البراءة.

وأمّا مع علم المحکوم بالمخالفة فیقبح من الجاعل جعل کلا الحکمین لأنّ العلم بالتحریم یقتضی وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلک المحرم فإذن الشارع فی فعله ینافی حکم العقل بوجوب الإطاعة.

لأنّا نقول: إنّ حکم العقل بوجوب الإطاعة حکم تعلیقی منوط بما إذا لم یرخص الشارع فی حکمه من باب التسهیل وعلیه فبعد العلم بالترخیص الشرعی وجعل العذر فلاحکم للعقل بالقبح ولا بالعقوبة علی الحکم الواقعی ولا یلزم منه ترخیص

ص:261

فی المعصیة وذلک لما عرفت من شوب العلم الإجمالی بالشک فإنّه یوجب إمکان جعل العذر فی أطرافه وعلیه فلایقاس العلم الإجمالی بالعلم التفصیلی.

لایقال: لا فرق بین العلم الإجمالی والتفصیلی فی المنجزیة لأنّ الإجمال إنّما هو فی الخصوصیّات ولا دخل لها فیما یدخل فی العهدة وتشتغل به الذمة بحکم العقل إذ ما هو موضوع لذلک إنّما هو العلم بالأمر أو النهی الصادرین عن المولی وأمّا خصوصیة کونه متعلّقاً بالجمعة أو الظهر فلادخل لها فی المنجزیة فالمنجّز هو أصل الإلزام وهو معلوم تفصیلاً ولا إجمال فیه فلاقصور فی منجزیة العلم الإجمالی.

لأنّا نقول: إنّ العلم بالإلزام حاصل بسبب العلم بأحد النوعین وموقوف علی عدم الترخیص الشرعی بالنسبة إلی النوعین وعلیه فمع جریان البراءة فی النوعین للشک فیهما لا یبقی علم بأصل الإلزام هذا مضافاً إلی أنّ حکم العقل بالتنجیز فی العلم الإجمالی معلّق علی عدم ورود الترخیص ومعه لا حکم للعقل.

فتحصّل: أنّ العلم الإجمالی لا یمنع عن ورود الترخیص بالنسبة إلی المخالفة القطعیة فضلاً عن المخالفة الاحتمالیة هذا کلّه بالنسبة إلی مقام الثبوت وأمّا مقام الإثبات فسیأتی البحث عنه إن شاء الله تعالی.

الجهة الثانیة: فی إمکان جواز الترخیص فی بعض الأطراف.

ولایخفی أنّه علی فرض تسلیم عدم إمکان الترخیص بالنسبة إلی جمیع الأطراف والمخالفة القطعیة یقع الکلام فی أنّه هل یمکن الترخیص ثبوتاً بالنسبة إلی بعض الأطراف أولا.

یمکن أن یقال: إنّ العقل یحکم بوجوب الاحتیاط وتحصیل الموافقة القطعیة بعد العلم الإجمالی بثبوت التکلیف ولکن حیث إنّ حکم العقل معلق علی عدم ورود

ص:262

الترخیص الشرعی لاینافی الترخیص فی البعض وجعل البدل فی طرف آخر فلاإشکال فی جواز الترخیص الظاهری بالنسبة إلی بعض الأطراف نعم لو کان المعلوم بالإجمال حکماً فعلیّاً من جمیع الجهات وجب موافقته قطعاً لأنّ الترخیص فی البعض حینئذٍ کالترخیص فی جمیع الأطراف ولکنّ کون المعلوم بالإجمال کذلک یحتاج إلی إقامة الدلیل ولا یثبت ذلک إلّا بالنسبة إلی بعض الموارد.

وبالجملة إنّ الترخیص فی البعض من دون جعل البدل ینافی ما ذهبوا الیه من امتناع الترخیص فی جمیع الأطراف لکونه اذنا فی المعصیه أو لکونه ظلما فی حق المولی أو لکونه نقضا لغرض المولی لأنّ المحذورات المذکورة باقیة علی تقدیر المصادفة وعدم جعل البدل هذا بخلاف ما إذا کان ذلک مقرونا بجعل البدل وعلیه فالترخیص المقرون بجعل البدل بالنسبة إلی بعض الأطراف ممکن ولو علی مبنی من ذهب إلی امتناع الترخیص فی جمیع الأطراف فتحصّل انه لا مانع من جعل الحکم الظاهری فی بعض الأطراف بحسب مقام الثبوت.

الجهة الثالثة: فی مقام الإثبات وهو أنّ بعد الفراغ عن إمکان الترخیص فی أطراف المعلوم بالاجمال هل ورد الترخیص أو لا.

یمکن الاستدلال علی الأوّل بأمرین أحدهما الأخبار العامة التی تدلّ علی الحلیة أو البراءة لکون موضوعها هو المشتبه وهو بعمومه یشمل أطراف المعلوم بالاجمال ومن جملتها صحیحة عبدالله بن سنان «کلّ شیء یکون فیه حرام وحلال فهو لک حلال أبدا حتّی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه» وغیرها من الأخبار العامة الدالة علی الحلیة والاباحة.

أورد علی هذه الطائفة شیخنا الأعظم بأنّها وأمثالها لا تصلح لذلک لأنّها کما تدلّ علی حلیّة کلّ واحد من المشتبهین کذلک تدلّ علی حرمة ذلک المعلوم اجمالاً لأنّه

ص:263

أیضاً شییء علم حرمته (فیتناقض الصدر والذیل من الروایة وتتساقط دلالتها بالنسبة إلی مورد العلم الإجمالی).

فان قلت: إنّ غایة الحلّ معرفة الحرام بشخصه وهذه المعرفة لم تتحقق فی المعلوم بالاجمال (بل تحصل بالمعرفة التفصیلیة وعلیه فالذیل لا یشمل المعلوم بالاجمال فارتفع تناقض الصدر والذیل).

قلت: أمّا قوله کلّ شیء حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه (فی صحیحة اخری) فلایدلّ علی ما ذکرته لان قوله علیه السّلام بعینه تأکید للضمیر (الذی فی قوله انه حرام) جییء به للاهتمام فی اعتبار العلم کما یقال رایت زیداً بعینه لدفع توهم وقوع الاشتباه فی الرؤیة وإلّا فکل شیء علم حرمته فقد علم حرمة نفسه فإذا علم بنجاسة إناء زید وطهارة إناء عمرو فاشتبه الإناءان فإناء زید شیء علم حرمته بعینه إلی أن قال وأمّا قول علیه السّلام فهو لک حلال حتّی تعرف الحرام منه بعینه (فی غیر هذه الصحیحة) فله ظهور فیما ذکر حیث إنّ قوله بعینه قید للمعرفة فمؤداه اعتبار معرفة الحرام بشخصه ولایتحقّق ذلک إلّا إذا أمکنت الإشارة الحسّیة إلیه وأمّا إناء زید المشتبه بأناء عمرو فی المثال وإن کان معلوما بهذا العنوان إلّا أنّه مجهول باعتبار الامور الممیزة له فی الخارج عن إناء عمرو فلیس معروفا بشخصه إلی أن قال إلّا أن ابقاء الصحیحة (الاخیرة) علی هذا الظهور توجب المنافاة لما دل علی حرمة ذالک العنوان المشتبه مثل قوله علیه السّلام اجتنب عن الخمر لأنّ الإذن فی کلاً المشتبهین ینافی المنع عن عنوان مردّد بینهما ویوجب الحکم بعدم حرمة الخمر المعلوم اجمالاً فی متن الواقع وهو ممّا یشهد الاتفاق والنص علی خلافه انتهی.

ولا یخفی علیک أنّ صدر الروایة الاولی أما یختص بالعلم الإجمالی أو یعمّه والغایة مختصة بمعرفة تفصیلیة لأنّ العلم المأخوذ فی الغایة ظاهر عرفاً فی

ص:264

خصوص ما یکون منافیاً للشک ورافعا له لتعلّقه بعین ما تعلّق به الشک کما أنّ الأمر فی دلیل الاستصحاب کذلک لأنّ العلم الإجمالی لا یکون ناقضاً للشک فی الأطراف وإنّما الناقض هو العلم التفصیلی وعلیه فیدل الصدر علی الحلیة فی موارد العلم الإجمالی ولا یناقضه الذیل لاختصاصه بالعلم التفصیلی هذا مضافاً إلی أنّ الدلیل الدال علی الحلیة والاباحة غیر منحصر فیما مشتمل علی تلک الغایة کما اعترف الشیخ نفسه فمع فرض اجمال هذه الروایة المذیله بالذیل المذکور لامانع من التمسک بغیرها ممّا لا اجمال وظاهر فی المعرفة التفصیلیة کالروایة الثانیة.

وأمّا منافاة ابقاء الصحیحة علی هذا الظهور لما دل علی حرمة ذلک العنوان المشتبه مثل قوله علیه السّلام اجتنب عن الخمر فقد تقدم الجواب عنه بمثل الجواب فی الأحکام الظاهریة بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة فإنّ مخالفة الحکم الظاهری لا توجب ارتفاع الأحکام الواقعیة بل یجمع بینهما بسقوط الأحکام الواقعیة عن الفعلیة.

ومن جملة الاحادیث العامة الدالة علی البراءة حدیث الرفع أی قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفع ما لایعلمون» بدعوی أنّ مصداق مالایعلمون فی حدیث الرفع هو الحکم الالزامی المجهول إذ هو الأمر الواقعی الذی یکون فیه ثقل علی الأمة فهذا الحکم الالزامی سواء کان فی الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة یکون مجهولاً ومرفوعاً بالحدیث الدال علی الرفع ومقتضی عموم حدیث الرفع هو جریان البراءة عن التکلیف والحکم بالبراءة فی أطراف العلم الإجمالی أیضاً.

یشکل ذلک بأنّه یمکن دعوی الانصراف بالنسبة إلی أطراف العلم الإجمالی ولو بملاحظة أنّ شمولها یعدّ عرفاً إذنا فی المعصیة لحکم العرف بتنجیز المعلوم بالاجمال واُجیب عنه بأنّ حکم العقل بتنجیز المعلوم بالاجمال تعلیقی لا تنجیزی ومعه فالانصراف بدوی.

ص:265

لایقال: إنّ حدیث الرفع لا یشمل أطراف المعلوم بالاجمال لأنّ المقصود من العلم فی قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفع ما لا یعلمون» هو الحجة وحکم العقل بلزوم الاجتناب عن أطراف المعلوم بالاجمال حجة بل الدلیل الدال علی التکلیف حجة علی تنجیز التکلیف فی کلّ واحد من الأطراف.

لأنّا نقول: حکم العقل بلزوم التنجیز تعلیقی ومع حدیث الرفع لا مورد للحکم العقلی حتّی یکون حجة والدلیل الدال علی التکلیف أیضاً لا یکون حجة بالنسبة إلی خصوص کلّ واحد من الاطراف ومجرد تطبیق الاحتمال المنجز علی کلّ واحد من الأطراف لا یصدق علیه العلم ومخالفة الترخیص مع الدلیل الدال علی التکلیف کمخالفة الأحکام الظاهریة مع الأحکام الواقعیة.

ودعوی: أنّ المانع بحسب الحقیقة اثباتی لا ثبوتی کما یظهر ذلک بمراجعة الفهم العرفی والارتکاز العقلائی فانه لا یساعد علی جعل الترخیص الظاهری فی تمام الأطراف ویری فیه نحو مناقضة مع التکلیف الواقعی المعلوم بالاجمال رغم کونه ممکنا عقلاً. هذا مضافاً إلی أنّ المنساق عرفاً من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفع ما لا یعلمون» أنّه کان بصدد الترخیص فی قبال الاغراض الالزامیة غیر المعلومة لا المتیقنة.

مندفعة: بأنّ المناقضة بدوی اذ مع الالتفات إلی أنّ التنجیز تعلیقی فی المعلوم بالاجمال ویرتفع مع دلیل الترخیص لا یراه العرف مناقضاً کما أنّ الاغراض فی موارد الشبهات الحکمیة البدویة بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة أیضاً الالزامیة ومع ذالک رفع الشارع عنها بعد الفحص بالاغراض الترخیصیة.

هذا مضافاً إلی أنّ مصداق «مالا یعلمون» فی کلّ طرف من أطراف المعلوم بالاجمال هو الحکم الالزامی وهو غیر معلوم ومصب الحکم بالرفع هو شخص هذه

ص:266

المصادیق الغیر المعلومة لا أمر انتزاعی عقلی وهو عنوان أحدهما: ولا المصداق الواقعی فإنّه لیس شیئاً آخر وراء الأطراف وعلیه فالترخیص لیس إلّا فی قبال الاغراض الالزامیّة غیر المعلومة هذا کلّه بالنسبة إلی عمومات الترخیص فانقدح أنّه لا مانع من شمول عمومات الترخیص لأطراف المعلوم بالاجمال.

ثانیهما: هی الأخبار الخاصة التی یستدلّ بها علی جواز ارتکاب أطراف العلم الإجمالی.

منها: صحیحة أبی بصیر قال سألت أحدهما عن شراء الخیانة والسرقة قال لا إلّا أن یکون قد اختلط معه غیره فأمّا السرقة بعینها فلا... الحدیث.

بدعوی أنّ مورد السئوال شراء الخیانة والسرقة فالجواب عنه بجواز شرائهما مع الاختلاط بغیره ظاهر فی جواز اشتراء جمیع أطراف المعلوم بالإجمال.

ویمکن أن یقال: إنّ غایة ما تدلّ علیه الروایة هو جواز اشتراء شیء من أموال من یکون فی أمواله حرام لاشراء جمیع أمواله فما یؤخذ من البایع محتمل الحرمة ولا علم بحرمته والعلم بحرمته أو غیره من أموال البائع وإن کان موجوداً ولکنّ غیر مورد الشراء خارج عن مورد الابتلاء.

ومنها: صحیحة الحلبی عن أبی عبدالله علیه السّلام قال أتی رجل أبی فقال إنّی ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبه الذی ورثته منه قد کان یربو وقد أعرف أنّ فیه ربا وأستیقن ذلک ولیس بطیب لی حلاله لحال علمی فیه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا لا یحل أکله فقال أبوجعفر علیه السّلام ان کنت تعلم بأنّ فیه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالک وردّ ما سوی ذلک وإن کان مختلطا فکله هنیئاً مرئیاً فإنّ المال مالک واجتنب ما کان یضح صاحبه الحدیث وإلی غیر ذلک من الأخبار.

بدعوی أنّ هذه الأخبار تدلّ علی أنّ اختلاط الربا المحرم الحلال یوجب حلیة جمیع الأطراف اجیب عنه بأنّ ظاهر هذه الأخبار ارتفاع الحرمة إذا اختلط الربا

ص:267

بمال حلال فی ید المرابی ثمّ انتقل منه بالإرث إلی وارثه فجمیع المال المشتمل علی الربا حلال للوارث وماله ویأکله هنیئاً مرئیاً ولا بأس بأن یکون حکم الحرمة الواقعیة مشروطاً بشرط فلامحالة ترتفع بفقدان شرطها فلاربط لهذه الأخبار بما نحن فیه وهی اجنبیة عن المقام.

ومنها: موثقة سماعة قال سألت أباعبدالله علیه السّلام عن رجل أصاب مالا من عمل بنی امیة وهو یتصدق به ویصل منه قرابته ویحج لیغفر له ما اکتسب وهو یقول إنّ الحسنات یذهبن السیئات فقال أبوعبدالله علیه السّلام إنّ الخطئیة لا تکفر الخطیئة ولکنّ الحسنة تحطّ الخطیئة ثمّ قال إن کان خلط الحلال بالحرام فاختلط جمیعا فلایعرف الحلال من الحرام فلابأس.

بدعوی دلالتها علی أنّ الاختلاط موجب لجواز التصرف فی الجمیع.

واُجیب عنه بحملها علی حرام خاصّ یعذر فیه الجاهل کالربا أو بحملها علی ارتکاب البعض مع ابقاء مقدار الحرام ولکنهما لا یساعدان ظاهر الروایة إذ حمله علی حرام خاصّ لاشاهد له کما أنّ حمله علی ارتکاب البعض ینافی الترخیص الظّاهر فی التصرف العام فی جمیع المال نعم ربّما تحمل الروایة علی ارادة وقوع هذا الاختلاط قبل وصوله إلی ید المتصرف.

ولکنّه مدفوع بأنّ هذا الوجه صحیح بناء علی أن یکون النسخة أصاب مالاً من عمال بنی امیة کما نقله الشیخ الأعظم فی فرائده وإلا فالمال مقابل لعمله لهم ویکون حراماً إذا وقع فی ید الرجل العامل والخلط المفروض فیها خلط هذا الحرام المأخوذ بمال آخر حلال ولا محالة یکون فی ید المتصرف نفسه.

ولم نجد فی الجوامع الحدیثیة نسخة عمال بنی امیة لأنّ فی المستطرفات عن رجل أصاب مالا من أعمال السلطان وفی نسخة الکافی المصححة بتصحیح الشهید

ص:268

الثانی عن رجل أصاب مالا من عمل بنی امیة وفی التهذیب عن رجل أصاب مالا من عمل بنی امیة.

ولم ینقل فی الوسائل غیر ما فی نسخة الکافی والتهذیب وعلیه فلاموجب لذلک الحمل وأمّا حمل الروایة علی أنّ المراد إذا لم یعرف قدر الحرام ولا صاحبه فیجب فیه الخمس ویحل الباقی ففیه أنّه خلاف الظّاهر لعدم تقیید سؤال السائل بما إذا لم یعرف قدر الحرام ولم یترتب الإمام علیه السّلام الترخیص علی اخراج الخمس.

نعم الایراد الوارد علی الروایة هو أنّها فی موردها لم تکن معمولا بها فلاحجة فیها أصلاً وفی قبال تلک الروایات عمومها وخصوصها أخبار خاصّة تدلّ علی وجوب الاحتیاط التام فی أطراف المعلوم بالاجمال ومقتضی القاعدة لو لم تتم الأخبار الخاصة هو تخصیص العمومات بها وعلی فرض تمامیة الأخبار الخاصة المتقدمة یقع التعارض تلک الأخبار مع الأخبار الخاصة الآتیة الدالة علی وجوب الاحتیاط التام فی أطراف المعلوم بالاجمال وحیث إنّ الرجحان مع الأخبار الخاصة الآتیة کانت النتیجة تخصیص العمومات بها أیضاً.

والیک الأخبار الخاصة الدالة علی وجوب الإحتیاط التام فی أطراف المعلوم بالاجمال.

منها صحیحة زرارة قال فی ضمن أسئلته قلت (فی مورد جریان الاستصحاب) فإنّی لم أکن رایت موضعه (أی موضع الدم فی ثوبی) وعلمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر علیه فلما صلیت وجدته قال علیه السّلام تغسله وتعید إلی أن قال قلت قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أین هو فأغسله قال تغسل من ثوبک الناحیة التی تری أنّه قد أصابها حتّی یکون علی یقین من طهارتک الحدیث.

ص:269

بدعوی أنّ الأصل الاستصحابی لو کان جاریاً فی جمیع الأطراف وصار الحکم الواقعی ساقطا عن الفعلیة بسبب جریانه لما کان للأمر بالغسل والإعادة مورد لجریان استصحاب الطهارة فی الأطراف المحتملة لإصالة الدم.

نعم تختص هذه الصحیحة بارتکاب جمیع الأطراف دفعة وبالشبهة المحصورة التحریمیة وعلیه فیرفع الید عن العمومات الدالة علی الترخیص فی أطراف المعلوم بالاجمال بالنسبة إلی المخالفة القطعیة فلایجوز المخالفة القطعیة فی الشبهة المحصورة التحریمیة.

ومنها: موثقة عمار الساباطی عن أبی عبدالله علیه السّلام فی حدیث قال سئل عن رجل معه إناءان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیّهما هو وحضرت الصلاة ولیس یقدر علی ماء غیرهما قال یهریقهما جمیعا ویتیمم ونحوها موثقة سماعة.

بدعوی أنّ فی الأمر باراقتهما دلالة علی أنّه لا ینتفع بشیء منهما ولو فی الشرب وغیره وعلیه لزم الاحتیاط التام بالنسبة إلی جمیع الأطراف ولکنّ تختص هذه الروایة أیضاً بالشبهة التحریمیة ولو کان خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء موجباً لرفع الاحتیاط لأمر الإمام علیه السّلام باراقة أحد إناءین وحکم بطهارة الآخر.

ومنها: صحیحة ابن أبی یعفور عن أبی عبدالله علیه السّلام «قال سألته عن المنیّ یصیب الثوب قال إن عرفت مکانه فاغسله وإن خفی علیک مکانه فاغسله کلّه» مع أنّ الأصل یجری فی کلّ طرف.

ومنها: صحیحة صفوان بن یحیی أنّه کتب إلی أبی الحسن علیه السّلام یسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم یدر أیّهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها ولیس عنده ماء کیف یصنع قال یصلی فیهما جمیعا قال الصدوق قدّس سرّه یعنی علی الانفراد.

ص:270

بتقریب أنّه لو لم یکن الحکم الشرعی هو وجوب الاحتیاط فی الأطراف لجرت أصالة الطهارة أو استصحابها فی کلّ واحد من الثوبین ولاکتفی بصلاة واحدة فی واحد منهما ولم یحتج إلی التکرار.

ومنها: صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام «فی حدیث فی المنی یصیب الثوب فإن عرفت مکانه فاغسله وإن خفی علیک فاغسله کلّه».

ومنها: ما رواه الشیخ بسندین معتبرین عن علی بن اسباط عن غیر واحد من أصحابنا عن أبی عبدالله علیه السّلام «قال من نسی من صلاة یومه واحدة ولم یدر أیّ صلاة هی صلی رکعتین وثلاثاً وأربعاً».

ونحوه ما رواه البرقی باسناد معتبر عن الحسین بن سعید یرفع الحدیث قال سئل ابوعبدالله علیه السّلام «عن رجل نسی من الصلوات لا یدری أیتها هی قال یصلی ثلاثة واربعة ورکعتین فإن کانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلی أربعا وإن کانت المغرب أو الغداة فقد صلّی».

فهذه الطائفة من الأخبار تدلّ علی وجوب الاحتیاط فی الشبهة المحصورة الوجوبیة من قضاء الصلوات.

وبالجملة إنّ الأخبار الخاصة تدلّ علی وجوب الاحتیاط فی أطراف المعلوم بالاجمال فی الشبهات المحصورة من الوجوبیة والتحریمة.

ومقتضی الجمع بینها وبین العمومات الدالة علی الترخیص هو رفع الید عنها بهذه الأخبار.

نعم أنّ مورد هذه النصوص الخاصة هو شبهة القلیل فی القلیل فی الشبهات التحریمة الفعلیة غیر التدریجیة أو الوجوبیة العبادیة فالتعدی عن مورد هذه

ص:271

النصوص إلی مطلق موارد المعلوم بالاجمال ولو کانت شبهة القلیل فی الکثیر أو الکثیر فی الکثیر أو من الامور التدریجیة أو من الامور غیر العبادیة مشکل بل یقتصر علی مورد هذه الأخبار ویرجع فی غیرها إلی عمومات الحلیّة والاباحة.

ولذا یمکن القول برفع الید عن تأثیر العلم الإجمالی فی من شک فی وصوله إلی حد الترخص وعدمه عند الشروع فی السفر فصلّی تماما عند خروجه عن البلد وشک فی وصوله إلی حد الترخص عند رجوعه من السفر إلی البلد فصلّی قصرا فإنّه وإن علم ببطلان إحدی صلاتیه ولکنّ أمکن له التمسک بالعمومات الدالة علی رفع التکلیف أو بعموم أدلّة الاستصحاب خارجاً وراجعاً لاختصاص الأدلّة الخاصة الدالّة علی وجوب الاحتیاط بالدفعیات ولا تشمل التدریجیات أللّهمّ إلّا أن یقال لاخصوصیة للدفعیات ویتعدی منها إلی غیرها فتأمل وبالجملة کلّ مورد شک فیه من حیث جواز الارتکاب وعدمه یمکن الرجوع إلی عموم أدلّة الاباحة أو البراءة.

حکم جریان الأمارات فی أطراف المعلوم بالإجمال

ولا یخفی أنّ الأمارات إمّا جاریة فی کلّ واحد من الأطراف علی خلاف المعلوم بالاجمال کما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعین وقامت البینة علی طهارة أحدهما المعین وقامت بینة اخری علی طهارة الآخر فتقع المعارضة بینهما للعم الإجمالی بنجاسة أحدهما ومع المعارضة تسقطان عن الحجیة کما هو مقتضی الأصل فی تعارض الأمارات وبقی وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی الأطراف.

وإمّا جاریة فی بعض الأطراف کما إذا قامت البینة علی طهارة أحدهما المعین فقط فالعلم الإجمالی ینحلّ حکما فإن کان مفاد البینة هو تعیین الطاهر فما قامت علیه البینة طاهر ولازم البینة أنّ النجس فی طرف آخر فیجب الاجتناب عن غیر مورد قیام البینة.

ص:272

وإن کان مفاد البینة هو تعیین النجس فما قامت علیه البینة نجس ولازمها هو طهارة الآخر.

فتحصّل: ممّا تقدم أن العلم الإجمالی کالعلم التفصیلی منجز ولکنّ ذلک التنجیز فی العلم الإجمالی معلق علی عدم الترخیص الظاهری لکونه مشوبا بالشک بخلاف التنجیز فی العلم التفصیلی فانه لا یکون معلقا وعلیه فالترخیص فی أطراف العلم الإجمالی ممکن بالنسبة إلی المخالفة القطعیة فضلاً عن المخالفة الاحتمالیة والاکتفاء بالموافقة الاحتمالیة هذا کلّه بحسب مقام الثبوت.

وأمّا بحسب مقام الاثبات فقد عرفت أنّ مقتضی الجمع بین الأدلة هو عدم جواز الترخیص فی المخالفة الاحتمالیة فضلاً عن المخالفة القطعیة فیجب الاحتیاط التام فی أطراف الشبهة المحصورة التی تکون أطرافها محلّ الابتلاء.

ولا فرق فیه بین أن یکون المعلوم بالاجمال من نوع واحد کالعلم بوجوب هذا أو ذاک أو من نوعین کالعلم بوجوب شیء أو حرمة شیء آخر کما لا تفاوت فیما ذکر بین أن یکون العلم الإجمالی علما وجدانیا أو علما نعیدیا کما إذا قامت البینة الشرعیة علی نجاسة أحد الکاسین.

وأمّا الشبهة غیر المحصورة أو غیر المبتلی بها فلامانع من التمسک بالأدلة العامة الدالة علی البراءة فیها فتدبّر جیّدا.

تنبیهات

التنبیه الاوّل: فی أنّه لا فرق فی حکم العقل بوجوب الاحتیاط بین الامور الدفعیة والتدریجیة لعدم التفاوت فی حکمه بوجوب الاحتیاط بین کون الواجب المعلوم بین الأطراف واجباً مطلقاً أو واجباً معلقاً بناء علی ما قرّر فی محله من فعلیّة الوجوب فی الواجب المعلّق واستقبالیة زمان الواجب وهذا واضح.

ص:273

وأمّا بناء علی عدم تصور الواجب المعلّق وحصر الواجب فی المطلق والمشروط فإن کان الواجب مشروطاً بشرط یحصل فیما بعد فإن لم یعلم بحصول الشرط فیما بعد فلاعلم بالتکلیف الفعلی ومعه فلامانع من الرجوع إلی مقتضی الاصول فی الأطراف وإن علم بحصول الشرط فی وقته فهو عند العقلاء کالواجب المطلق فی الحکم لکفایة کون التکلیف فی ظرف وجوده فعلیّا ومعلوماً عند العقلاء للحکم بالتنجیز ومعه فلامجال للاصول.

فتحصّل: أنه لا فرق فی وجوب الاحتیاط فی الأطراف بین الفعلیات والتدریجیات سواء قلنا بثنائیة الواجب أی المطلق والمشروط أو بثلاثیة الواجب أی المطلق والمعلق والمشروط لفعلیّة الوجوب فی المطلق والمعلق ولقیام بناء العقلاء فی الواجب المشروط علی الاحتیاط.

هذا کلّه بالنسبة إلی القاعدة العقلیة وبناء العقلاء وعدم ملاحظة الأدلة الشرعیة وأمّا مع ملاحظة أدلّة البراءة الشرعیة فقد عرفت أنّها بعمومها وخصوصها تدلّ علی البراءة حتّی فی أطراف المعلوم بالاجمال ویمکن الأخذ بها والجمع بینها وبین المعلوم بالاجمال بحمل المعلوم علی غیر الفعلی کما هو مقتضی الجمع بین الأحکام الواقعیة والظاهریة نعم یمنع عن ذلک الأدلة الخاصّة الدالة علی وجوب الاحتیاط فی أطراف المعلوم بالاجمال من دون فرق بین الشبهة التحریمیة وبین الشبهة الوجوبیة إلّا أنّ الأدلة الخاصة الدالة علی وجوب الاحتیاط مختصة بغیر التدریجیات وعلیه فالتدریجیات تبقی تحت عمومات البراءة.

ویترتب علیه وجوب التمام علی من أراد المسافرة والخروج عن البلد عند الشک فی وصوله إلی حد الترخص لاستصحاب کونه فی البلد و وجوب القصر

ص:274

علی المسافر الذی أراد البلد وشک فی وصوله إلی حدّ الترخص لاستصحاب کونه فی السفر فوجب علیه اتیان الصلاة قصراً وإن علمنا اجمالاً بمخالفة احدهما للواقع ولا حاجة إلی الاحتیاط لسقوط الواقع عن الفعلیة أللّهمّ إلّا أن یقال بالغاء الخصوصیة وعدم الفرق بین الفعلیات والتدریجیات فحینئذٍ لا یترک الاحتیاط فی التدریجیات فلاتغفل.

التنبیه الثانی: فی موارد جواز الرجوع وعدمه إلی الأصل الطولی قال فی مصباح الاصول إنّ الأصل الجاری فی أحد طرفی العلم الإجمالی إمّا أن یکون من سنخ الأصل الجاری فی الطرف الآخر أو یکون مغایراً له وعلی الأوّل إمّا أن یکون أحد الطرفین مختصا بجریان الأصل الطولی فیه دون الآخر أو لا یکون کذلک فهذه أقسام ثلثة:

أمّا القسم الأوّل وهو ما کان الأصل الجاری فی طرف من سنخ الجاری فی الطرف الآخر مع اختصاص أحدهما بالأصل الطولی کما إذا علم بوقوع نجاسة فی الماء أو علی الثوب فإنّ الأصل الجاری فی کلّ منهما مع قطع النظر عن العلم الإجمالی هو أصالة الطهارة ولا اشکال فی سقوطها وعدم جریانها فی کلّ الطرفین لما تقدم فلایجوز التوضی بالماء ولا لبس الثوب فی الصلاة إلّا أنّ العلم بالنجاسة لا أثر له فی حرمة لبس الثوب بل یجوز لبسه مع العلم التفصیلی بالنجاسة فیبقی شرب الماء محتمل الحرمة والحلیة لاحتمال نجاسته.

فهل تجری فیه أصالة الحلّ أو تسقط بالعلم الإجمالی کسقوط أصالة الطهارة وجهان: ذهب المحقّق النائینی قدّس سرّه إلی سقوطها للمعارضة بالأصل الجاری فی الطرف الآخر وإن کان واحدا فالتزم بعدم جواز شرب الماء فی المثال لعدم المؤمن من احتمال العقاب علیه ولکنّ التحقیق جریانها وعدم معارضتها بأصالة الطهارة فی الطرف الآخر.

ص:275

وذلک لما عرفت من أنّ العلم الإجمالی بالتکلیف لا یوجب تنجز الواقع إلّا بعد تساقط الاصول فی أطرافه فإذا کان الأصل الجاری فی الطرفین من سنخ واحد کأصالة الطهارة فی المثال المذکور فلامناص من القول بعدم شموله لکلاً الطرفین لاستلزامه الترخیص فی المعصیة ولأحدهما لأنّه ترجیح بلامرجح.

وأمّا الأصل الطولی المختص بأحد الطرفین فلامانع من شمول دلیله للطرف المختص به إذلایلزم منه ترجیح من غیر مرجح لعدم شمول دلیله للطرف الآخر انتهی موضع الحاجة.

یمکن أن یقال: إنّ ما ذکره فی القسم الأوّل مبنی علی المشهور من تقدم الأصل السببی علی المسببّی حتّی فی الموافق فإنّ أصالة الحلیة حینئذٍ تکون محکومة بالنسبة إلی أصالة الطهارة لأنّ الشک فی الحلیة وعدمها مسبّب عن الشک فی طهارة الماء وعدمه فإذا حکم فیه بالطهارة لا مجال للشک فی الحلیة تعبّدا وعلیه ففی مفروض المسألة یجوز شرب الماء بعد تساقط أصالة الطهارة فی الطرفین بالمعارضة وجریان الأصل المحکوم وهو أصالة الحلیّة فی شرب الماء.

وأمّا بناء علی ما ذکره بعض الأکابر من أنّ الاُصول لا نظر لها عند الاعتبار إلّا إلی مخالفها فأصالة الحلیّة کأصالة الطهارة ساقطة بالمعارضة مع أصالة الطهارة فی الطرف المقابل ومع سقوطها فاللازم هو وجوب الاحتیاط بترک شرب الماء قضاء للعلم الإجمالی.

ثمّ قال السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه أمّا القسم الثانی وهو ما إذا کان الأصل الجاری فی کلّ طرف من سنخ الأصل الجاری فی طرف الآخر مع عدم اختصاص احدهما بأصل طولی فلاینبغی الشک فی عدم جریان الأصل فی شیء منهما.

ص:276

وهذا القسم یتحقّق فی موردین أحدهما: ماإذا لم یکن لشیء من الطرفین أصل طولی کما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبین فإنّ الأصل الجاری فی کلّ منهما مع قطع النظر عن العلم الإجمالی هی أصالة الطهارة فتسقط فیهما.

ثانیهما: ما إذا کان الأصل الطولی مشترکا فیه بین الطرفین کما إذا علمنا بنجاسة أحد المائین فإنّ الأصل الجاری فی کلّ منهما ابتداء هی أصالة الطهارة وبعد سقوطهما تصل النوبة إلی أصالة الحلّ فی الطرفین والعلم الإجمالی کما یوجب تساقط الأصلین الحاکمین کذلک یوجب تساقط الأصلین المحکومین أیضاً بملاک واحد وهو کون جریان الأصل فی الطرفین مستلزماً للترخیص فی المعصیة وفی أحدهما ترجیحاً بلامرجح انتهی موضع الحاجة.

ولا یخفی علیک أنّ ما ذکره من لزوم الاحتیاط سواء لم یکن لشییء من الطرفین أصل طولی کما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبین لتساقط أصالة الطهارة فالعلم الإجمالی یوجب الاحتیاط أو کان الأصل الطولی مشترکا بینهما کما إذا علمنا بنجاسة أحد المائین لتساقط الأصلین الحاکمین ابتداء أو الأصلین المحکومین ثانیاً تام ولکنّ لا وجه لتقدم سقوط أصالة الطهارة علی سقوط أصالة الحلیة.

بناء علی ما عرفت من عدم دلیل علی حکومة الأصل الموافق بالنسبة إلی الأصل الموافق وممّا ذکر یظهر أن تنظیر القسم الاوّل (و هو ما کان الأصل الجاری فی طرف من سنخ الأصل الجاری فی الطرف الآخر مع اختصاص أحدهما بأصل طولی) بسائر الموارد التی یرجع فیها إلی الأصل المحکوم بعد سقوط الأصل الحاکم کما إذا علم بنجاسة شیء فی زمان وطهارته فی زمان آخر وشک فی المتقدم منهما فإنّه بعد تساقط الاستصحابین بالمعارضة یرجع إلی قاعدة الطهارة محلّ تأمل ونظر

ص:277

لوجود الفرق بین المقام وبین سائر الموارد التی یرجع فیها إلی الأصل المحکوم بعد سقوط الأصل الحاکم لأنّ الاستصحاب المخالف فی تلک الموارد یمنع عن جریان أصالة الطهارة لحکومة الاستصحاب بالنسبة إلیه وعلیه فأصالة الطهارة وإن کانت جاریة مع استصحاب الطهارة ولکنّها مع ملاحظة استصحاب النجاسة المخالف لا تجری لکونها محکومة لا یرجع إلیها الا بعد تساقط الاستصحاب المخالف عند معارضته مع الاستصحاب الموافق هذا بخلاف المقام لما عرفت من جریان أصالة الطهارة مع استصحاب الطهارة لموافقتهما فتدبّر جیّدا.

التنبیه الثالث: فی انحلال العلم الإجمالی وعدم تأثیره بسبب الاضطرار إلی ارتکاب بعض الأطراف وعدمه.

والکلام یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فیما إذا کان الاضطرار إلی أحدهما المعین وهو یتصور بصور مختلفة أحدها: أن یکون الاضطرار قبل العلم بالتکلیف أو مقارناً معه فالظّاهر فی هذه الصورة عدم وجوب الاجتناب عن الباقی لرجوع ذلک إلی عدم تنجز التکلیف بالاجتناب عن الحرام الواقعی لاحتمال کون المحرم هو المضطر إلیه.

وثانیها: أن یکون الاضطرار بعد العلم بالتکلیف ولکنّ مدة الفصل بین التکلیف وعروض الاضطرار قلیلة بحیث لا یمکن فیها الامتثال بالنسبة إلی التکلیف المعلوم ومع عدم التمکن من الامتثال فلایعقل تنجیز التکلیف قبل حدوث الاضطرار وهذه الصورة ملحقة بما اذا کان الاضطرار قبل العلم بالتکلیف أو مقارناً له.

ثالثها: أن یکون الاضطرار بعد العلم الإجمالی بزمان یتمکن فیه من الامتثال ففی هذه الصورة اختلفت الآراء والأقوال.

ص:278

منها: أنّ الظّاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لأنّ الإذن فی ترک بعض المقدمات العلمیة بعد ملاحظة وجوب الاجتاب عن الحرام الواقعی یرجع إلی اکتفاء الشارع فی امتثال ذلک التکلیف بالاجتناب عن بعض المشتبهات فیجب الاجتناب عن الطرف غیر المضطر الیه وهذا هو المختار.

أورد علیه بأنّ عدم الاضطرار من شرائط التکلیف شرعاً فالتکلیف محدود شرعاً بحصول الاضطرار إلی متعلّقه ومقتضاه هو عدم العلم بثبوت أصل التکلیف علی کلّ تقدیر ومعه ینفی التکلیف المشکوک بالأصل ولأجل ذلک یختلف الاضطرار عن صورة فقد أحد الاطراف لأنّ الققدان لیس من حدود التلکیف شرعاً.

یمکن أن یقال: إنّ مع فرض تسلیم کون الاضطرار حدّا شرعیا فلاوجه لدعوی انحلال العلم الإجمالی فی مفروض الکلام لبقاء العلم الإجمالی ولو بعد الاضطرار بالتکلیف المردّد بین المحدود فی طرف المضطر الیه بحدّ الاضطرار وبین غیر المحدود فی الطرف الآخر لأنّ أمره یدور بین الاجتناب عن هذا الفرد إلی عروض الاضطرار أو عن ذلک حتّی بعد عروض الاضطرار ومقتضی بقاء العلم الإجمالی بالتکلیف المردّد بین المحدود وغیره هو وجوب الاحتیاط فی غیر المحدود کما لا یخفی.

ورابعها: هی أن یکون الاضطرار بعد التکلیف وقبل العلم به کما إذا اضطر إلی شرب أحد المایعین مثلاً ثمّ علم بأنّ أحدهما کان نجساً قبل الاضطرار فهل الاعتبار بسبق التکلیف علی الاضطرار فیحکم بالتنجیز و وجوب الاحتیاط أو بالعلم الحادث بعد الاضطرار فیحکم بعدم التنجیز وبعدم وجوب الاحتیاط لکون الاضطرار قبل العلم بالتکلیف علی الفرض.

یمکن القول بالثانی مستدلا بأنّ المانع من جریان الأصل هو العلم الإجمالی بالتکلیف لاالتکلیف بواقعیته ولو لم یعلم به المکلّف أصلاً فهو حین الاضطرار إمّا

ص:279

قاطع بعدم التکلیف فلایحتاج إلی اجراء الأصل بل لا یمکن وإمّا شاک فیه فلامانع من جریانه فی الطرفین لعدم المعارضة لعدم العلم بالتکلیف علی الفرض والعلم الأجمالی الحادث بعد الاضطرار ممّا لاأثر له لاحتمال وقوع النجاسة فی الطرف المضطر إلیه ولا یوجب حدوث التکلیف فیه لکون الاضطرار رافعا له ودعوی أنّ التکلیف الواقعی وإن لم یکن مانعاً من جریان الأصل إلّا أنّه بعد العلم به تترتب آثاره من حین حدوث التکلیف لا من حین العلم به کما هو الحال فی العلم التفصیلی فإنّه لو علمنا بأنّ الماء الذی اغتسلنا به للجنابة قبل اسبوع مثلاً کان نجساً یجب ترتیب آثار نجاسة الماء المذکور من حین نجاسته لامن حین العلم بها فیجب الاتیان بقضاء الصلوات التی اتی بها مع هذا الغسل ففی المقام أیضاً لا مناص من ترتیب آثار التکلیف من حین حدوثه لامن حین انکشافه وعلیه فبعد طروّ الاضطرار نشک فی سقوط هذا التکلیف الثابت قبل الاضطرار لأجل الاضطرار لأنّه لو کان فی الطرف المضطر الیه فقد سقط بالاضطرار ولو کان فی الطرف الآخر کان باقیاً لا محاله فیرجع إلی استصحاب بقاء التکلیف أو قاعدة الاشتغال ولا مجال للرجوع إلی أصالة البراءة فی الطرف غیر المضطر إلیه.

ویمکن الجواب عنه بأنّ البحث یکون فی الحکم التکلیفی لا الوضعی والعلم بعد حدوث الاضطرار بالتکلیف لا یوجب فعلیّة التکلیف لا قبل حدوث الاضطرار لأنّ المفروض أنّ المکلّف فی تلک الحال إمّا قاطع بعدم التکلیف أو شاک فی التکلیف ومع القطع بالعدم لا معنی لفعلیة التکلیف فی تلک الحال ومع الشک کان مورد جریان البراءة لعدم علمه بالتکلیف فی تلک الحال ولا بعد حدوث الاضطرار إلی المعین فإنّه مع العلم بأنّ الطرف المضطر إلیه کان محکوما بالتکلیف لا یبقی التکلیف المذکور فعلیّا بالنسبة إلیه لأنّه حال العلم مضطر الیه فمع عدم العلم بالتکلیف الفعلی

ص:280

فی الطرف الذی حدث الاضطرار فیه لا قبل الاضطرار ولا بعده فلامانع من جریان البراءة فی الطرف الآخر لاحتمال التکلیف فی هذا الطرف ولا مجال للاستصحاب أو قاعدة الاشتغال إذ لاعلم بالحکم الفعلی لا قبل الاضطرار ولا بعده حتّی یستصحب أو یجری فیه قاعدة الاشتغال هذا بخلاف ما إذا کان الاضطرار بعد العلم بالتکلیف فإنّ التکلیف فیه معلوم الحدوث ومشکوک الارتفاع فیجوز الحکم فیه ببقاء الحکم للاستصحاب أو لقاعدة الاشتغال ثمّ لا یذهب علیک أنّ الصور المذکورة فی الاضطرار تجری فی فقدان المعین من الأطراف أو خروجه عن محلّ الابتلاء أو الاکراه علیه وذلک لشمول ما ذکر فی صور الاضطرار إلی المعین لصور هذه الموارد أیضاً حرفا بحرف فلاحاجة إلی الاطالة.

المقام الثانی: فیما إذا کان الاضطرار إلی غیر معین ذهب الشیخ فی هذا المقام إلی وجوب الاجتناب عن الباقی وإن کان الاضطرار قبل العلم الإجمالی معلّلاً بأنّ العلم حاصل بحرمة واحد من امور لو علم حرمته تفصیلاً وجب الاجتناب عنه والترخیص فی بعضها علی البدل موجب لاکتفاء الآمر بالاجتناب عن الباقی.

إن قلت ترخیص ترک بعض المقدمات یدلّ علی عدم إرادة الآمر الاجتناب عن الحرام الواقعی وعلیه فلاتکلیف بما عداه فلامقتضی لوجوب الاجتناب عن الباقی.

قلت واللازم من الترخیص عدم وجوب تحصیل العلم بالامتثال لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام رأساً فیرجع الأمر إلی ثبوت التکلیف بالواقع من الطریق الّذی رخصّ الشارع فی امتثاله منه وهو الاجتناب عن باقی الأطراف.

وهذا نظیر جمیع الطرق المجعولة الشرعیة للتکالیف الواقعیة مع تخلفها أحیانا فان مرجعه إلی القناعة عن الواقع ببعض محتملاته معینا کما فی الأخذ بالحالة السابقة فی الاستصحاب أو مخیّرا کما فی موارد التخییر.

ص:281

ودعوی: أن الترخیص فی بعض الأطراف ینافی العلم بالتکلیف الفعلی علی کلّ تقدیر ومع عدم اجتماع الترخیص فی بعض الأطراف مع العلم بالتکلیف الفعلی علی کلّ تقدیر لایبقی إلّا احتمال التکلیف فی غیر مختار المکلّف لرفع اضطراره وهو منتفی بالأصل.

مندفعة: بأنّ الوجه فی عدم منع الاضطرار إلی غیر المعین عن تنجیز العلم الإجمالی أنّ الاضطرار لیس إلی شرب النجس لوضوح أنّ متعلّق التکلیف بما هو مقدور فعلا وترکاً لا أنّ أحدهما المردّد حرام وأحدهما المردّد مضطر الیه لیقال بأنّ نسبة الاضطرار إلی الحرام وغیره علی حد سواء بل معنی الاضطرار إلی أحدهما أنّه لا یقدر علی ترکهما معا مع القدرة علی فعل کلّ منهما وترکه فی نفسه.

وعلیه فشرائط تنجز الخطاب الواقعی من العلم به والقدرة علی متعلّقه موجودة فیوثر العلم أثره وإنّما المکلّف یعجز عن الموافقة القطعیة دون الامتثال بالکلیة فیکون معذوراً عقلاً فیما هو عاجز عنه لا فی غیره مع ثبوت مقتضیه.

فالحرام وهو شرب النجس لا یکون مورد الاضطرار حتّی لا یمکن التکلیف الفعلی فیه بل مورد الاضطرار وعدم التمکن هو ترک جمیع أطراف المعلوم بالاجمال فیکتفی بترک أحدهما لرفع الاضطرار باختیار الطرف الآخر ویکون معذوراً فی عدم الموافقة القطعیة.

نعم یمکن أن یقال لیس الاضطرار فی طول الجهل بالحرام الواقعی بل یکون فی عرض الحرام الواقعی عند کونه سابقاً علی التکلیف ومقارناً معه فنفس الترخیص مع احتمال المصادفة للحرام لا یجتمع مع الحرمة الفعلیة علی کلّ تقدیر إذ لا حرمة فعلیّة فی طرف یصادف الواقع وعلیه فالطرف المقابل یکون مشکوک الحرمة بالشک البدوی فلامانع من جریان أصل البراءة فیه.

ص:282

ولکنّ یختص ذلک بما إذا کان الاضطرار سابقاً علی التکلیف أو مقارناً معه أو کان التکلیف فی الواقع قبل حدوث الاضطرار ولکنّ العلم به یحصل بعد الاضطرار فی مدة لم یتمکن من الاتیان به فإنّ مع الاضطرار فی هذه الصور لا علم بالتکلیف الفعلی کما فصّل ذلک فی الاضطرار إلی المعیّن.

وأمّا إذا کان حدوث الاضطرار بعد العلم بالتکلیف ومضی مدة یمکن الامتثال فیها فحکمه وجوب الاحتیاط لما مرّ فی الاضطرار إلی المعیّن من أنّ المعلوم بالاجمال یدور حینئذٍ بین الطویل والقصیر حیث یعلم المکلّف بتکلیف فعلی علی کلّ تقدیر فی هذا الطرف إلی زمان حدوث الاضطرار أو فی الطرف المقابل حتّی الآن ومقتضی العلم بالتکلیف الفعلی علی کلّ تقدیر هو وجوب الاحتیاط فی طرف لم یضطر إلی اتیانه فتحصّل أنّ حکم الاضطرار إلی غیر المعین کحکم الاضطرار إلی المعین فی التفصیل بین الصور فلایجب الاحتیاط إذا کان الاضطرار سابقاً علی التکلیف أو کان مقارناً مع التکلیف وکان العلم بالتکلیف بعد حدوث الاضطرار وان کان التکلیف فی الواقع سابقاً علیه ولکنّ لم یتمکن من الامتثال فی المدة الفاصلة بخلاف ما إذا کان حدوث الاضطرار بعد تعلّق التکلیف والعلم به ومضی مدة یتمکن فیها من الامتثال إذ الحکم فی هذه الصور هو وجوب الاحتیاط للعم الإجمالی بتعلّق تکلیف فعلی علی کلّ تقدیر قبل حدوث الاضطرار من دون فرق بین أن یکون الاضطرار إلی المعین أو إلی غیر المعین فلاتغفل.

التنبیه الرابع: فی اشتراط کون الأطراف مورد الابتلاء وعدمه یمکن القول بالأوّل وتقریبه أنّه لو کان ارتکاب الواحد المعین من أطراف المعلوم بالاجمال ممکنا عقلاً ولکنّ المکلّف غیر مبتلی به بحسب حاله کما إذا تردد النجس بین إنائه وبین إناء

ص:283

آخر لا دخل للمکلف فیه أصلاً فلامجال للتکلیف بالاجتناب عن هذا الإناء الآخر المتمکن منه عقلاً فإنّه غیر منجّز والحاصل أنّ النواهی المطلوب فیها حمل المکلّف علی الترک مختصة بحکم العقل والعرف بمن یعدّ مبتلی بالواقعة المنهی عنها ولذا یعدّ خطاب غیره بالترک مستهجناً إلّا علی وجه التقیید بصورة الابتلاء.

ولعلّ السرّ فی ذلک أنّ غیر المبتلی تارک المنهی عنه بنفس عدم ابتلائه فلاحاجة إلی نهیه والتکلیف لانقداح الداعی ومع خروج المورد عن محلّ الابتلاء لا یوجب التکلیف انقداحا فی النفس بالنسبة إلی الخارج عن محلّ الابتلاء فیکون مستهجناً.

أورد علیه بأنّ التحقیق أنّ حقیقة التکلیف الصادر من المولی المتعلّق بالفعل الاختیاری لایعقل أن یکون إلّا جعل الداعی بالامکان لا بمعنی البعث الخارجی الموجب لصدور الفعل منه قهرا فإنّه خلف إذ المفروض تعلّق التکلیف بالفعل الاختیاری فلاشأن له إلّا الدعوة الموجبة لانقداح الارادة فی نفس المکلّف لکنّه لا بحیث یوجب اضطراره إلی ارادة الفعل أیضاً لأنّه وإن لم یکن منافیاً لتعلّق التکلیف بالفعل الاختیاری لفرض توسط الارادة بین التکلیف وفعل المکلّف إلّا أنّه خلاف المعهود من التکالیف الشرعیة حیث إنّه لیس فیها الاضطرار حتّی بهذا المعنی بل تمام حقیقته جعل ما یمکن أن یکون داعیاً ویصلح أن یکون باعثاً.

ولا معنی للامکان إلّا الذاتی والوقوعی فیجتمع مع الامتناع بالغیر أی بسبب حصول العلّة فعلاً أو ترکا من قبل نفس المکلّف فإنّ الامتناع بسبب العلة مع عدم امتناع عدم العلّة یجامع الامکان الذاتی والوقوعی.

وفیه: أن جعل ما یمکن أن یکون داعیاً ویصلح أن یکون باعثاً فیما لا یبتلی به المکلّف أصلاً مستهجن أیضاً وإن أمکن الابتلاء به عقلاً بالامکان الذاتی أو الوقوعی

ص:284

ودعوی عدم الارتباط بین الاستهجان العرفی وحقیقة التکلیف مع أنّ الأوامر والنواهی من الارادات التشریعیة التی لا تنقدح إلّا بعد حصول مبادیها لا وجه لها إذ خطاب من لا ینبعث عن أمر المولی خطابا حقیقیاً مستهجن جداً ومع استهجانه لا ینقدح فی نفس المولی الارادة التشریعیة.

وبعبارة اخری أنّ حقیقة التکلیف وإن کان هو بمعنی جعل ما یمکن أن یکون داعیاً لا بمعنی البعث الفعلی الخارجی ولکنّ لا یکتفی فیه بالامکان الذاتی بل اللازم مضافاً إلی الامکان الذاتی هو أن یکون کذلک بالامکان العرفی وهو لا یکون فی غیر المبتلی به کما لا یخفی ثمّ إنّه لا تفاوت فی الاستهجان بین أن یکون الخطاب شخصیا أو قانونیا لأنّ الخطابات الکلیة القانونیة تنحلّ إلی خطابات بعدد المکلفین بحیث یکون کلّ مکلف مخصوص بخطاب خاصّ به وتکلیف مستقل متوجه إلیه لأنّ القضایا فی الخطابات القانونیة تکون حقیقیة لاطبیعیة ومقتضی کون القضایا حقیقیة هو الانحلال بالنحو المذکور.

ودعوی: أنّه قد وقع الخلط بین الخطابات الکلیة المتوجهة إلی عامّة المکلفین والخطاب الشخصی إلی آحادهم فإنّ الخطاب الشخصی إلی خصوص العاجز وغیر المتمکن عادة أو عقلاً ممّا لا یصح ولکنّ الخطاب الکلی إلی المکلفین المختلفین حسب الحالات والعوارض ممّا لا استهجان فیه فإنّ الملاک فی الاستهجان فی الخاصّ هو کون المخاطب غیر متمکن وفی العام کون العموم أو الغالب غیر متمکن.

والاستهجان بالنسبة إلی الخطاب العام إنّما یلزم لو علم المتکلم عدم تأثیر ذلک الخطاب العام فی کلّ المکلفین وأمّا مع احتمال التأثیر فی عدد معتدّ به غیر مضبوط تحت عنوان خاصّ فلامحیص عن الخطاب العمومی ولا استهجان فیه أصلاً.

ص:285

مندفعة: بأنّه لا فرق بین الخطابات الشخصیة والخطابات القانونیة فی استهجان الخطاب وتنجیزه عند عدم کون المورد من موارد الابتلاء لأنّ الأحکام القانونیة وإن کانت انشاء واحداً ولکنّها تنحلّ بحکم العقل إلی الخطابات مستقلّة بعدد المکلفین وإن کانت بانشاء واحد و وحدة الانشاء لا تنافی انحلال الخطاب إلی خطابات متعددة وإن کان المدرک هو العقل لأنّ المدرک بالفتح هو الحکم الشرعی ولا یقاس الأحکام القانونیة بالاخبار عن القضایا الطبیعیة الکلیّة کقولهم کلّ نار حارّة لأنّ المقنن أراد بالارادة التشریعیة عند المخاطبة مع عموم الناس فعل شیء أو ترکه من جمیع الآحاد ولا مقصد له إلّا ذلک وهو قرینة علی أنّ خطابه وإن کان واحداً ولکنّه منحلّ إلی خطابات عدیدة هذا بخلاف الأخبار المذکور فانه لایکون إلّا الأخبار عن القضیة الکلیة.

والعقل وإن حکم فیه أیضاً بالتحلیل ولکنّ لا یحکم بتعدد الأخبار ولذا لا یکون الکذب فیه إلّا کذباً واحداً.

لایقال: إنّ الانحلال ممنوع لعدم صحة خطاب العصاة والکفار لعدم انبعاثهم وخطاب من لا ینبعث قبیح أو غیر ممکن.

لأنّا نقول: إنّ الداعی فی الخطابات إن کان هو الانبعاث أو الانزجار الفعلی کان الأمر کذلک ولکنّ عرفت أنّ الداعی هو جعل ما یمکن أن یکون داعیاً ویصلح أن یکون باعثاً وهو أمر یجتمع مع العصیان أو الکفر لعدم منافاة بین الامکان الذاتی أو الوقوعی مع الامتناع بالغیر.

هذا کلّه مضافاً إلی امکان أن یقال نرفع الید عن أدلّة البراءة العامة فی أطراف المعلوم بالاجمال بالأدلة الخاصة الدالة علی وجوب الاحتیاط وتلک الأدلّة منصرفة

ص:286

عن موارد الخروج عن محلّ الابتلاء وعلیه فلاوجه لرفع الید عن أدلّة البراءة الشرعیة فی أطراف المعلوم بالاجمال.

ویؤکد ذلک بالروایات الخاصة الدالة علی عدم وجوب الاحتیاط عند خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء ومن جملتها صحیحة أبی عبیدة عن أبی جعفر علیه السّلام قال سألته عن الرجل منّا یشتری من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو یعلم أنّهم یأخذون منهم أکثر من الحق الّذی یجب علیهم قال فقال ما الأبل إلّا مثل الحنطة والشعیر وغیر ذلک لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه الحدیث.

بتقریب أنّ منشأ الشبهة هو العلم بأنهم یأخذون من الناس أزید ممّا وجب علیهم فیحتمل أن ینطبق الحرام علی مورد الاشتراء فهو یعلم بوجود الحرام فی ما بایدیهم اجمالاً إلّا أنّه لیس مورد ابتلائه إلّا خصوص بعض أطراف هذا العلم وهو ما یرید شراؤه منهم وحینئذٍ فتجویز شرائه ولا سیما بقوله لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه دلیل واضح علی جریان اصالة الحلیه فی الطرف الذی یکون محلّ الابتلاء کما هو واضح.

ثمّ إنّ الخروج عن محلّ الابتلاء یوجب عدم تأثیر العلم الإجمالی فیما إذا کان حدوث العلم الإجمالی متأخراً عن خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء أو مقارناً معه إذ معهما لایحصل العلم بالتکلیف المنجز.

وأمّا إذا علم بخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء بعد العلم بالتکلیف فلاأثر للخروج المذکور إذ الشک حینئذٍ فی السقوط بعد ثبوت التکلیف والاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.

نعم لو کان العلم بالخروج علما بالخروج من أوّل الأمر بحیث یشک فی التکلیف من أوّل الأمر کتبدل العلم التفصیلی بالشک الساری فلاموجب للاحتیاط.

ص:287

ولا فرق فی ذلک بین أن یکون زوال العلم بالتکلیف بالعلم الوجدانی أو بقیام الأمارة علی الخروج من أوّل الأمر لوحدة الملاک.

ثمّ المحکی عن هامش الکفایة أنّ اشتراط الابتلاء لا یختص بالشبهة التحریمیة لوجود الملاک المذکور فی الشبهة الوجوبیّة أیضاً فلایکون العلم الإجمالی فیها أیضاً منجّزاً إلّا فیما إذا کان جمیع الأطراف محلاً للابتلاء من حیث الترک لأنّ التکلیف الوجوبی لایصح إلّا فیما إذا کان للمکلف داع إلی ترکه عادة فیکلف بفعله إذ لو کان الشیء ممّا یفعله المکلّف بطبعه ولا داعی له إلی ترکه کان جعل التکلیف الوجوبی بالنسبة إلیه لغواً محضاً.

وبعبارة اخری کما أنّ النهی عن شیء متروک فی نفسه حسب العادة لغو مستهجن کذلک البعث نحو شیء حاصل بنفسه لغو مستهجن فیعتبر فی تنجیز العلم الإجمالی عدم کون بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء عادة فی المقامین نعم ربّما یقع الخطاب للأهمیة أو احتمال صیرورة المورد محلاً للابتلاء وهو أیضاً لا فرق فیه بین المحرمات والواجبات.

بقی هنا حکم الشک فی الخروج عن محلّ الابتلاء وعدمه ذهب الشیخ الأعظم هنا إلی وجوب الاحتیاط حیث إنّ المطلق الناهی المقیّد بقید مشکوک التحقق فی بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه یتمسک به ویجب الاجتناب عن المشکوک إلّا ما علم عدم تنجز التکلیف بأحد المشتبهین علی تقدیر العلم بکونه الحرام أو یکتفی بصحیحة علی بن جعفر الدالة علی عدم وجوب الاحتیاط فیما إذا رعف أحد فامتحظ فصار الدم قطعاً صغاراً فاصاب إنائه لأنّ الماء وظاهر الإناء من قبیل عدم تنجّز التکلیف فیکون ذلک ضابطا فی الابتلاء وعدمه ومع هذه الضابطة یرتفع الشک فی کثیر من الموارد ولا یکون الاحتیاط فیه واجباً.

ص:288

أورد علیه فی الکفایة بأنّ عند الشک فی الخروج عن محلّ الابتلاء وعدمه یرجع إلی البراءة لأنّ الشک المذکور یرجع إلی الشک فی حسن الخطاب وعدمه ومعه لاعلم بالاطلاق حتّی یرجع إلیه فالحکم بالبراءة لا یخلو من وجه ودعوی کفایة احراز الملاک وتمامیته فی وجوب الاحتیاط مندفعة بأنّ الملاک فی المقام حاصل بنفسه إذ المقصود من النهی عن اجتناب النجس هو ترک شربه وهو حاصل عند عدم الابتلاء ولا یقاس المقام بمورد الشک فی القدرة العقلیة فلأن الملاک لا یحصل فیه إلّا بالاحتیاط.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الملاک فی الشبهات التحریمیة وإن کان حاصلاً بعدم الابتلاء ولکنّه لایحصل فی الشبهات الوجوبیة إلّا بالاحتیاط فاللازم هو التفصیل بین الشبهات التحریمیة والشبهات الوجوبیة إن قلنا بکفایة الملاک تتمة وهی أنّ بعض الأعلام قال فی الشک فی الابتلاء إنّ الشک إن کان فی مفهوم الابتلاء یرجع إلی عموم الأدلة أو إطلاقها ومقتضاه هو وجوب الاجتناب وإن کان الشک فی المصداق فلایرجع إلی عموم الأدلة ولا إلی ما دل علی أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء یوجب سقوط الخطاب عن التنجیز لأنّه من الشبهات المصداقیة ومقتضی القاعدة فیها هو الأخذ بأصالة البراءة.

ولکنّ لقائل أن یقول فی الشبهة المفهومیة وإن کان مقتضی القاعدة هو الرجوع إلی العموم والاطلاق فی الموارد المشکوکة ولکنّ هذا فیما إذا لم یکن الشبهة ممّا یوجب استهجان الخطاب والمقام یکون کذلک لأنّ المورد لو کان من موارد الابتلاء لایبقی حسن للخطاب فلایصح الأخذ بعموم الخطاب أو اطلاقه فتحصّل أنّ لزوم الاجتناب عن أطراف المعلوم بالاجمال مشروط بما إذا لم یکن بعض الأطراف حین

ص:289

الخطاب خارجاً عن محلّ الابتلاء حتّی یحرز الاطلاق ومقتضی ما ذکر هو عدم وجوب الاجتناب عما یشک فی کونه محلّ الابتلاء لعدم احراز اطلاق الخطاب مع الشک المذکور.

نعم یمکن دعوی کفایة احراز الملاک فی وجوب الاحتیاط فی الشبهات الوجوبیة عند الشک فی الخروج عن مورد الابتلاء لأنّ الملاک لایحصل إلّا بالاحتیاط بخلاف الشبهات التحریمة فإنّ الملاک فیها حاصل لترکه بنفسه بسبب خروجه عن الابتلاء ثمّ ان دعوی وجوب الاحتیاط فی الشبهات المفهومیة کماتری بعد کون المورد لو کان من موارد الابتلاء لایبقی حسن للخطاب فلایصح الأخذ بعموم الخطاب أو اطلاقه لوجوب الاحتیاط فلاتغفل.

التنبیه الخامس: فی الشبهة غیر المحصورة ویقع الکلام فی جهات:

الجهة الاُولی: فی تعریفها وهی أنّ کثرة الاحتمال بلغت إلی حدّ یوجب عدم الاعتناء بالضّرر المعلوم وجوده بین المحتملات کقذف واحد من أهل البلد فإنّ أهل البلد لایتأثر منه بخلاف قذف أحد الشخصین لابعینه فإنّهما یتأثران منه ولیس ذلک إلّا لعدم الاعتناء به فی الأوّل والاعتناء به فی الثانی.

أورد علیه بأنّ ما افید من عدم اعتناء العقلاء بالضّرر مع کثرة الأطراف إنّما یتم فی مثل المضار الدنیویة وذلک أیضاً فیما یجوز توطین النفس علی تحملها لبعض الاغراض لاما یکون مورد الاهتمام عندهم کالمضار النفسیة وإلّا ففیها یمنع إقدامهم علی الارتکاب بمحض کثرة الأطراف لو علم بوجود سمّ قاتل فی کأس مردّد بین ألف کئوس أو أزید.

فالأولی أن یقال فی تحدید کون الشبهة غیر محصورة إنّ الضابط فیها هو بلوغ الأطراف بحیث إذا لو حظ کلّ واحد منها منفرداً عن البقیة یحصل الاطمینان بعدم

ص:290

وجود الحرام فیه الملازم للاطمینان بکون الحرام فی بقیة الأطراف فیکون فی کلّ طرف یرید الفاعل ارتکابه طریق عقلائی علی عدم کون الحرام فیه.

وبعبارة اخری أنّ الشبهة غیر المحصورة هی التی توجب کثرة الاطراف ضعف احتمال کون الحرام مثلاً فی طرف خاصّ.

ودعوی أنّ الاطمینان بعدم الحرام فی کلّ واحد من الأطرافلایجتمع مع العلم بوجود الحرام بینها مندفعة بأنّ ایجاب الجزئی وإن کان لایجتمع مع السلب الکلی إلّا أنّ المنافاة إنّما یتحقّق فی المقام إذا لو حظت الأفراد فی عرض واحد لا إذا لوحظت کلّ واحد فی مقابل الباقی فکلّ واحد من الأطراف إذا لوحظ فی مقابل الباقی یکون فیه احتمال واحد فی مقابل الاحتمالات الکثیرة ولا اشکال فی ضعف احتمال واحد فی مقابل مأة ألف احتمال یشکل ذلک فیما اذا کانت جملة من الافراد مظنونة الحرمة دون الاخری فإنّ دعوی عدم الاعتناء فی المظنونات محلّ تأمل ونظر بل یجب الاحتیاط فی دائرة المظنونات لتنجیز العلم الإجمالی فی المظنونات إلّا إذا کانت المظنونات بنفسها غیر محصورة أللّهمّ إلّا أن یتمسک باطلاق صحیحة عبدالله بن سنان الدالة علی البراءة بعد خروج الشبهة المحصورة منها من دون فرق بین المظنونات وغیرها.

الجهة الثانیة: أن مقتضی عموم أدلة البراءة هو شمولها لأطراف المعلوم بالاجمال وإنّما نرفع الید عنها للأدلة الخاصة الدالة علی لزوم الاحتیاط ولکنّها مختصة بالشبهات المحصورة وعلیه یرجع إلی البراءة فی الشبهة غیر المحصورة.

هذا مضافاً إلی ما عرفت من أنّ بعد قیام طریق عقلائی علی عدم وجود الحرام فی طرف یرید الفاعل ارتکابه یوجب الاطمینان بخروجه عن أطراف المعلوم

ص:291

بالاجمال وصیرورته کالشبهة البدویة من جهة الحکم بالبراءة وأیضاً یمکن الاستدلال بمثل صحیحة عبدالله بن سنان لظهورها فی العلم الإجمالی فیدل علی البراءة من دون فرق بین المظنونات وغیرها.

الجهة الثالثة: فی اختصاص البحث بمانعیة کثرة الأطراف دون غیرها

ولا شبهة فی أنّ البحث فی المقام عن منجزیة العلم الإجمالی وعدمه کما یقضیه ظاهر العنوان فی کلماتهم مختص بمانعیة کثرة الأطراف عن تأثیر العلم وعدمها وعلیه فاللازم فرض الکلام فی موارد تکون خالیة عن جمیع ما یوجب المنع عن تأثیر العلم الإجمالی کالعسر والحرج والاضطرار إلی ارتکاب بعض الأفراد.

الجهة الرابعة: فی معیار الکثرة وعدمها

واعلم أنّ العبرة فی المحتملات قلة وکثرة بتقلّل الوقایع وتکثّرها عرفاً فقد یکون تناول أمور متعددة باعتبار کونها مجتمعة یعدّ فی أنظارهم وقعة واحدة کاللقمة من الاُرز أو الحنطة فی ألف حبّة مع کون تناول ألف حبة من الاُرز بعشر لقمات فإنّ مرجعه إلی العلم بحرمة تناول أحد لقماته العشر ومضغها لاشتمالها علی مال الغیر أو النجس.

وقد یکون تناول کلّ حبّة یعدّ فی أنظارهم واقعة مستقلة فیدخل فی غیر المحصور.

الجهة الخامسة: فی عدم مانعیة المخالفة القطعیة عن جریان البراءة فی أطراف الشبهة غیر المحصورة

ولا یذهب علیک أنّ مقتضی الجمع بین العلم الإجمالی وشمول أدلّة البراءة لأطراف الشبهة غیر المحصورة هو سقوط المعلوم عن الفعلیة والتنجز فیجوز المخالفة الاحتمالیة والقطعیة کلیهما.

ص:292

الجهة السادسة: فی جواز اجتماع الاطمئنان بعدم الفرد من المعلوم بالإجمال مع وجود العلم الإجمالی بین الأفراد

أنّ مقتضی ما عرفت فی الشبهة غیر المحصورة من أنّه یجوز اجتماع الاطمینان بعدم الفرد من المعلوم بالاجمال مع وجود العلم الإجمالی بین الأفراد هو سقوط حکم الشک البدوی عن بعض الأطراف فیجوز المعاملة معه معاملة العلم بالعدم فلو فرض العلم الإجمالی باضافة الماء فی أفراد غیر محصورة جاز التوضی بواحد منها فلاتغفل.

الجهة السابعة: فی أنّ اللازم أن یکون نسبة المعلوم بالإجمال بالنسبة إلی الأطراف نسبة القلیل إلی الکثیر

ولا یخفی أنّ عدم تنجیز العلم الإجمالی فی الشبهة غیر المحصورة إنّما یکون فیما إذا کانت نسبة المعلوم بالإجمال إلی الأطراف نسبة القلیل إلی الکثیر بخلاف ما إذا کانت النسبة هی نسبة الکثیر إلی الکثیر فیکون العلم الإجمالی حینئذٍ منجزّاً لأنّ الشبهة حینئذٍ تخرج من غیر المحصورة إلی المحصورة کما لا یخفی.

التنبیه السادس: فی أنّ ارتکاب أحد المشتبهین لا یوجب ترتب أحکام المعلوم بالإجمال وإن وجب الاجتناب عنه

ولا یذهب علیک أنّ العلم الإجمالی بوجود الحرام فی أطرافه یوجب الاجتناب عن تلک الأطراف ولو بعضها من باب المقدمة للتکلیف بالاجتناب عن الحرام الواقعی المعلوم بالاجمال ولکنّ الآثار المترتبة علی ذلک الحرام لا یترتب علی کلّه واحد من الأطراف منفرداً عن الآخر لعدم جریان المقدمة فیها مثلاً العلم بوجود الخمر بین الأطراف لا یستلزم العلم بشرب الخمر إذا اکتفی بشرب أحد الأطراف وحینئذٍ یمکن الرجوع إلی الاُصول الجاریة فی کلّ من المشتبهین بالخصوص ولذا ارتکاب أحد المشتبهین لا یوجب حدّ الخمر.

ص:293

والوجه فیه واضح لأنّ ترتب سائر الأحکام فرع ثبوت موضوعها ومع ارتکاب أحد المشتبهین لم یحرز موضوع سائر الأحکام.

ولا کلام فی ما ذکر بحسب الکبری وإنّما البحث فی بعض الموارد من جهة أنّه من مصادیق هذه الکبری أو لا مثل ملاقی أحد أطراف المعلوم بالاجمال نجاستها فإنّه ذهب بعض إلی وجوب الاجتناب عن الملاقی بالکسر أیضاً بدعوی أنّ تنجس الملاقی بالکسر إنّما جاء من وجوب الاجتناب عن ذلک النجس بناء علی أنّ الاجتناب عن النجس یراد به ما یعمّ الاجتناب عن ملاقیه ولو بوسائط.

ولکنّه کماتری لأنّ النجس والملاقی موضوعان مستقلان لوجوب الاجتناب وکلّ واحد محتاج إلی شمول الدلیل الدال علی وجوب الاجتناب عن النجس وتقریب الدلالة بنحو ما ذکر یحتاج إلی مؤونة زائدة لاحتیاجها إلی جعل الاجتناب عن الملاقی بالکسر من شوؤن الاجتناب عن النجس مع أنّهما موضوعان مستقلان ولکل واحد حکمه وشأنه.

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الکلام فی الملاقی للشبهة المحصورة یقع فی ضمن مسائل:

المسألة الاولی: أنّه إذا علم بالملاقاة بعد العلم الإجمالی بنجاسة أحد الطرفین أمکن أن یقال کما إذا شککنا فی ملاقاة شیء مع النجس المعلوم بالتفصیل لا یحکم بنجاسة الملاقی للشک فی الملاقاة کذلک إذا شککنا فی ملاقاة شیء مع المعلوم بالاجمال لا یحکم بنجاسته للشک فی الملاقاة وذلک واضح ولا حاجة إلی التطویل هذا ولکنّ بعض الأصحاب ذهبوا إلی وجوب الاحتیاط بدعوی أنّ الملاقی بالکسر مثل الملاقی بالفتح فی العلم الإجمالی.

ص:294

بنجاسته أو نجاسة المشتبه الآخر فلافرق بین المتلاقیین فی کون کلّ واحد منهما أحد طرفی الشبهة فهو نظیر ما إذا قسّم أحد المشتبهین قسمین وجعل کلّ قسم فی إناء ولو فرض انعدام الملاقی بالفتح کان العلم الإجمالی بالنجاسة المردّدة بین الملاقی والطرف الآخر موجوداً ویقتضی الاجتناب عن الملاقی والطرف الآخر تحصیلاً للموافقة القطعیة.

وفیه: أنّ أصالة الطهارة فی الملاقی بالکسر سلیمة عن معارضة أصالة الطهارة فی المشتبه الآخر بخلاف أصالة الطهارة فی الملاقی بالفتح فإنّها معارضة بها فی المشتبه الآخر والسرّ فی ذلک أنّ الشک فی الملاقی بالکسر ناشٍ عن الشبهة المنقولة بالمشتبهین فالأصل فیهما أصل فی الشک السببی والأصل فی ناحیة الملاقی بالکسر أصل فی الشک المسببی وقد تقرّر فی محله أنّ الأصل فی الشک السببی حاکم علی الأصل فی الشک المسبّبی فما دام الأصل الحاکم الموافق أو المخالف جاریاً لم یجر الأصل المحکوم واذا لم یجر الأصل الحاکم للمعارضة زال المانع فیجری الأصل فی الشک المسببی و وجب الرجوع الیه ومقتضا هو الطهارة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ تقدیم الأصل السببی علی الأصل المسببی مخصوص بما إذا کان الأصل المسببی مخالفاً مع الأصل السببی وأمّا إذا کانا متوافقین فهما جاریان إذ لا حکومة بینهما فمع جریانهما معا لا یبقی الأصل المسببی بعد سقوط الأصل السببی بالمعارضة حتّی یکون مرجعا بعد سقوط الأصل السببی فی الطرفین وعلیه فاللازم حینئذٍ هو الرجوع إلی مقتضی العلم الإجمالی وهو الاحتیاط کما لا یخفی.

هذا مضافاً إلی ما فی مصباح الاُصول بناء علی المعروف من تقدیم الأصل السببی علی المسببی حتّی فی الموافق من أنّه کما أنّ جریان أصالة الطهارة فی

ص:295

الملاقی بالکسر فی طول جریان أصالة الطهارة فی الملاقی بالفتح کذلک جریان أصالة الحلّ فی الطرفین فی طول جریان أصالة الطهارة فیهما إذ لو أجریت أصالة الطهارة وحکم بالطهارة لا تصل النوبة إلی جریان أصالة الحلّ وعلیه فتکون أصالة الطهارة فی الملاقی بالکسر وأصالة الحل فی الطرف الآخر فی مرتبة واحدة لکون کلیهما مسببین فإنّا نعلم اجمالاً بعد تساقط أصالة الطهارة فی الطرفین بأنّ هذا الملاقی بالکسر نجس أو أنّ الطرف الآخر حرام فیقع التعارض بین أصالة الطهارة فی الملاقی بالکسر واصالة الحلّ فی الطرف الآخر ویتساقطان فیجب الاجتناب عن الملاقی بالکسر نعم لا مانع من جریان أصالة الحلّ فی الملاقی بالکسر بعد سقوط أصالة الطهارة فیه للمعارضة بأصالة الحلّ فی الطرف الآخر لعدم معارض له فی هذه المرتبة.

فالصحیح فی الجواب عن استدلال بعض الأصحاب لوجوب الاحتیاط هو أن یقال إنّ العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی بالکسر أو الطرف الآخر وإن کان حاصلاً بعد العلم بالملاقاة إلّا أنّه لا یمنع عن جریان الأصل فی الملاقی بالکسر لأنّ الأصل الجاری فی الطرف الآخر قد سقط للمعارضة قبل حدوث العلم الثانی فلیس العلم الإجمالی الثانی علما بالتکلیف الفعلی علی کلّ تقدیر إذ یحتمل أن یکون النجس هو الطرف الآخر المفروض تنجز التکلیف بالنسبة إلیه للعلم السابق ومعه لا یبقی إلّا احتمال التکلیف فی الملاقی بالکسر فیجری فیه هذا الأصل النافی بلامعارض فیحکم بالطهارة فی الملاقی بالکسر کما لا یخفی.

هذا کلّه فیما إذا لم یکن الطرف الآخر الذی هو عدل للملاقی بالفتح مجری لأصل طولی سلیم عن المعارض کما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعین ثمّ لاقی

ص:296

أحدهما شیء آخر وأمّا إذا کان مجری لأصل طولی کما إذا علمنا بنجاسة مرددة بین الثوب والماء ثمّ لاقی الثوب شیء آخر فتسقط أصالة الطهارة فی الطرفین للمعارضة وتبقی أصالة الحل فی الماء بلامعارض لعدم جریانها فی الثوب فی نفسها فیقع التعارض حینئذٍ بین أصالة الطهارة فی الملاقی بالکسر أی الملاقی للثوب وبین أصالة الاباحة فی الماء فإنّا نعلم اجمالاً بأنّ هذا الملاقی نجس أو أن هذا الماء حرام وبعد تساقط الأصلین یکون العلم الإجمالی بالنسبة إلی الملاقی بالکسر أیضاً منجّزاً فیجب الاحتیاط عنه أیضاً فی هذا الفرض فهنا تفصیل بین جریان أصل طولی سلیم عن المعارض فی عدل الملاقی بالفتح وعدمه والحکم بوجوب الاحتیاط فی الاوّل دون الثانی ولکن یمکن ان یمنعا عن تنجیز العلم الإجمالی بالنسبة إلی الملاقی بالکسر لأنّ العلم الإجمالی الثانی لیس علما بالتکلیف الفعلی علی کلّ تقدیر إذ یحتمل أن یکون الحکم المعلوم بالاجمال هو الطرف الآخر المفروض تنجز التکلیف بالنسبة إلیه للعلم الإجمالی الأوّل ومعه لا یبقی إلّا احتمال التکلیف فی الملاقی بالکسر فیحکم فیه بالطهارة ولا مجال لوجوب الاجتناب عنه.

ثمّ لا فرق فی عدم وجوب الاحتیاط بین کون العلم الإجمالی بالنجاسة حادثاً قبل الملاقاة أو قبل العلم بها وبین کون العلم الإجمالی بالنجاسة حادثاً بعد الملاقاة وقبل العلم بها لاشتراکهما فی کون العلم الإجمالی بالنجاسة مقدما علی العلم بالملاقاة ومع تقدم العلم الإجمالی بالنجاسة علی العلم بالملاقاة یتساقط الأصلان فیهما بالمعارضة ویتنّجز التکلیف ویجب الاجتناب عن الملاقی بالفتح وطرفه ولا أثر للعلم بالملاقاة بعد تنجز التکلیف بالعلم الاوّلی فإنّ العلم بالملاقاة وإن کان یوجب علما اجمالیا بنجاسة الملاقی بالکسر أو الطرف الآخر إلّا أنّه لا أثر لهذا

ص:297

العلم بالنسبة إلی الطرف الآخر لتنجز التکلیف فیه بمنجز سابق وهو العلم الأوّلی فلامانع حینئذٍ من الرجوع إلی الأصل اعنی أصالة الطهارة فی الملاقی بالکسر لو لم یعارض مع أصالة الحلیة فی عدل الملاقی بالفتح وإلّا فیجب الاحتیاط کما لا یخفی.

المسألة الثانیة: أنّه لو حصل للأصل الجاری فی هذا الملاقی بالکسر أصل آخر فی مرتبته بحیث یحصل المعارضة بینهما کما لو وجد معه ملاقی المشتبه الآخر ففی هذه الصورة یحصل العلم الإجمالی بوجود النجاسة فی هذا الملاقی بالکسر أو فی ذلک الملاقی بالکسر فالأصل الجاری فی کلّ طرف یعارض للأصل الجاری فی الآخر فیرجع إلی العلم الإجمالی وهو یقتضی وجوب الاحتیاط.

المسألة الثالثة: هی ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها ثمّ حدث العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی بالفتح والملاقی بالکسر أو بنجاسة الطرف الآخر ومقتضی العلم الإجمالی هو وجوب الاجتناب عن جمیع الاطراف بل الأمر کذلک مع مقارنة العلم بالملاقاة مع العلم بالنجاسة کما إذا کان ثوب فی إناء فیه ماء وعلمنا اجمالاً فی تلک الحال بوقوع نجاسة فیه أو فی اناء آخر.

ودعوی: أنّ الأصل الجاری فی الملاقی بالکسر متأخر رتبة عن الأصل الجاری فی الملاقی بالفتح إذ الشک فی نجاسة الملاقی بالکسر ناشٍ عن الشک فی نجاسة مالاقاه ولا تصل النوبة إلی جریان الأصل فی الملاقی بالکسر إلّا بعد سقوط الأصل فیما لاقاه وبعد سقوطه للمعارضة بینه وبین الأصل فی الطرف الآخر یجری الأصل فی الملاقی بالکسر بلامعارض فیحکم بالطهارة.

مندفعة: بما مرّ من أنّ الأصل الموافق لا یکون متأخراً لقصور أدلة اعتبار الاُصول عن افادة ذلک لاختصاصها بالأصل الموافق.

ص:298

هذا مضافاً إلی أنّ الأصل الجاری فی الملاقی بالکسر لیس متأخراً عن الأصل الجاری فی الطرف الآخر کما أنّ الأصل الجاری فی الملاقی بالفتح لیس متأخراً عنه فکما یقع التعارض بین جریان الأصل فی الملاقی بالفتح وجریانه فی الطرف الآخر کذلک یقع التعارض بین جریان الأصل فی الملاقی بالکسر وجریانه فی الطرف الآخر وبالنتیجة تسقط الاُصول ویکون العلم الإجمالی منجّزاً فیجب الاجتناب عن الجمیع الملاقی بالفتح والملاقی بالکسر والطرف الآخر.

علی أنّ التقدم والتاخر الرتبی إنّما تترتب علیهما الآثار العقلیة دون الأحکام الشرعیة لأنّها مترتبة علی الوجودات الخارجیة التی تدور مدار التقدم والتأخر الزمانی دون الرتبی فالسبب والمسبب اذا کانا معینین فی الوجود یعمهما دلیل الحکم فی عرض واحد.

ثمّ لا فرق فیما ذکر من وجوب الاحتیاط بین أن یکون زمان النجس المعلوم بالاجمال بوجوده الواقعی سابقاً علی زمان الملاقاة کما إذا علمنا یوم السبت بأنّ أحد هذین الإنائین کان نجساً یوم الخمیس ولاقی أحدهما ثوب یوم الجمعة وبین أن یکون زمانهما متحداً کما إذا کان ثوب فی إناء فیه ماء وعلمنا اجمالاً بوقوع نجاسة فیه أو فی إناء آخر فی تلک الحال.

والوجه فیه ان النجس المعلوم بالاجمال فی هذه الصورة وإن کان سابقاً بوجوده الواقعی علی زمان الملاقاة إلّا أنّه مقارن له بوجوده العلمی والتنجیز من آثار العلم بالنجاسة لامن آثار وجودها الواقعی وحیث إنّ العلم الإجمالی بنجاسة أحد الاطراف متأخر عن الملاقاة فلامحالة یکون الملاقی بالکسر أیضاً من أطرافه ولا أثر لتقدم المعلوم بالاجمال بوجوده الواقعی علی الملاقاة واقعاً.

ص:299

المسألة الرابعة: هی ما إذا علم بالملاقاة ثمّ علم اجمالاً بنجاسة الملاقی بالفتح أو الطرف الآخر ولکن کان الملاقی بالفتح حین حدوث العلم خارجاً عن محلّ الابتلاء فانّه حینئذٍ تقع المعارضة بین جریان الأصل فی الملاقی بالکسر وجریانه فی الطرف الآخر ویسقطان فیجب الاجتناب عنهما وإمّا الملاقی بالفتح فلایکون مجری للأصل بنفسه لخروجه عن محلّ الابتلاء فانه لا یترتب علیه أثر فعلی ویعتبر فی جریان الأصل ترتب أثر عملی فعلی.

وإذ رجع الملاقی بالفتح بعد ذلک إلی محلّ الابتلاء لم یکن مانع من الرجوع إلی الأصل فیه لعدم ابتلائه بالمعارض لسقوط الأصل فی الطرف الآخر قبل رجوعه إلی محلّ الابتلاء فیکون حال الملاقی بالفتح فی هذا الفرض حال الملاقی بالکسر فی المسألة الاُولی من حیث کون الشک فیه شکا فی حدوث تکلیف جدید یرجع فیه إلی الأصل.

اللّهم إلّا أن یقال: إنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لا یمنع عن جریان الأصل فیه إذا کان له أثر فعلی والمقام کذلک فإنّ الملاقی بالفتح وان کان خارجاً عن محلّ الابتلاء إلّا أنّه یترتب علی جریان أصالة الطهارة فیه أثر فعلی وهو الحکم بطهارة ملاقیه فمجرد الخروج عن محلّ الابتلاء غیر مانع من جریان الأصل إلّا ان العلم الإجمالی بنجاسته أو نجاستة الطرف الآخر یمنع من الرجوع إلی الأصل فی کلّ منهما فیجب الاجتناب عنهما وأمّا الملاقی بالکسر فحکمه من حیث جریان الأصل فیه وعدمه علی التفصیل الذی تقدّم فی المسائل الثلاث هذا.

ولا یخفی علیک أنّ العلم الإجمالی بنجاسة الملاقی بالفتح أو نجاسة الطرف الآخر مع کون أحد الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء وکون الخطاب فیه مستهجناً

ص:300

لا یکون منجزّا فإذا لم یکن العلم الإجمالی منجّزاً لا یمنع عن الرجوع إلی الأصل فی الملاقی بالفتح عند رجوعه إلی محلّ الابتلاء فیحکم بطهارته وأمّا الملاقی بالکسر فی الفرض المذکور أی العلم بالملاقاة قبل العلم بالنجاسة فهو من أطراف العلم الإجمالی بالنجاسة وهو مانع من جریان الأصل فیه وعلیه یجب الاحتیاط فیه.

المسألة الخامسة: هی ما لو تعلّق العلم الإجمالی أوّلاً بنجاسة الملاقی بالکسر أو شیء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقی بالفتح أو ذلک الشیء قبل الملاقاة ذهب فی الکفایة إلی وجوب الاجتناب عن الملاقی بالکسر دون الملاقی بالفتح بدعوی أنّ حال الملاقی بالفتح فی هذه الصورة حال الملاقی بالکسر فی الصورة الاُولی فی عدم کونه طرفاً للعلم الإجمالی وأنّه فرد آخر علی تقدیر نجاسته واقعاً غیرمعلوم النجاسة لا إجمالاً ولا تفصیلاً.

المقام الثانی: فی الشک فی المکلّف به مع العلم بالتکلیف وامکان الاحتیاط ودوران الأمر بین الأقل والأکثر الارتباطیین.

ومحلّ الکلام فیما إذا کان الأقل متعلّقاً للتکلیف بنحو لا بشرط المقسمی بحیث لا یضره الأکثر.

وأمّا إذا کان الأقل مأخوذاً فی التکلیف بنحو بشرط لا حتّی یضرّه الاتیان بالأکثر کما فی دوران الأمر بین القصر والاتمام فهو خارج عن محلّ الکلام لکون الدوران فیه حینئذٍ من قبیل الدوران بین المتباینین.

وإذا عرفت ذلک لا یخفی علیک أنّه وقع الکلام فی أنّ الشک فی الأقل والأکثر الارتباطیین ملحق بالشک فی التکلیف حتّی یجری البراءة فی وجوب الأکثر أو ملحق بالشک فی المکلّف به حتّی یکون مورداً لقاعدة الاحتیاط.

ص:301

وتحقیق الکلام فی جهات:

الجهة الاُولی: فی جریان البراءة فی صورة دوران الأمر بین الأقل والأکثر من الأجزاء الخارجیة والمشهور عدم وجوب الاحتیاط فی الأجزاء الخارجیة وهو المختار وقد ذکر لجریان البراءة العقلیة وجوه.

الوجه الأول للبراءة العقلیة: هو الانحلال بالعلم التفصیلی بمطلوبیة الأقل استقلالاً أو فی ضمن الأکثر.

وتوضیح هذا الوجه أنّ الأقل واجب یقیناً بالوجوب الجامع بین الوجوب الاستقلالی والوجوب الضمنی إذ لو کان الواجب فی الواقع هو الأقل فیکون الأقل واجباً بالوجوب الاستقلالی ولو کان الواجب فی الواقع هو الأکثر فیکون الأقل واجباً بالوجوب الضمنی لأنّ التکلیف بالمرکب ینحلّ إلی التکلیف بکل واحد من الأجزاء وینبسط التکلیف الواحد المتعلّق بالمرکب إلی التکالیف متعددة متعلّقة بکل واحد من الأجزاء ولذا لا یکون الآتی بکل جزء مکلّفاً باتیانه ثانیاً لسقوط التکلیف المتعلّق به بل الآتی بکل جزء یکون مکلّفاً باتیان جزء آخر بعده لکون التکلیف متعلّقاً بکل جزء مشروطاً بلحوق الجزء التالی بنحو الشرط المتأخر.

أورد علیه مناقشات

منها أنّه لو اقتصرنا علی الأقل نشک فی حصول غرض المولی.

اجیب عنه بأنّه إن کان الغرض بنفسه متعلّقاً للتکلیف وکان بسیطا یجب علی المکلّف احراز حصوله والاتیان بما یکون محصلاً له لأنّ المکلّف به وهو الغرض معلوم والشک فی محصله ولا اشکال فی هذه الصورة فی وجوب الاحتیاط وإن کان الغرض مرددّا بین الأقل والأکثر فلایجب إلّا الأقل لأنّ الأکثر لم یقم علیه الدلیل فیجری فیه البراءة کما تجری فی أصل التکلیف.

ص:302

وأمّا إن کان التکلیف متعلّقاً بالفعل المأمور به فلایجب علی العبد إلّا الاتیان بما امر المولی به وأمّا کون المأمور به وافیاً بغرض المولی فهو من وظائف المولی لا من وظائف العبد.

ومنها: أنّ ما ذکر فی وجوب الاحتیاط فی المتبائنین بعینه موجود هنا وهو أنّ المقتضی وهو تعلّق الوجوب الواقعی بالأمر الواقعی المردّد بین الأقل والأکثر موجود والجهل التفصیلی به لا یصلح مانعاً لا عن المأمور به ولاعن توجه الأمر.

واُجیب عنه بالفرق بینهما وهو انحلال العلم الإجمالی فی المقام دون المتبائنین بالتقریب المذکور.

ومنها: أنّ الاشتغال الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة والعلم الإجمالی بالتکلیف المردّد بین الأقل والأکثر اشتغال یقینی ومقتضاه هو الاحتیاط حتّی یحصل البراءة الیقینیة.

واُجیب عنه بأنّ فی المقام لا یقین إلّا بالاشتغال بالأقل إذ الاشتغال بالأکثر بعد ما عرفت من انحلال العلم الإجمالی إلی المعلوم والمشکوک غیر ثابت.

وعلیه فوجوب الأجزاء المعلومة جزئیتها معلوم بخلاف الاجزاء المشکوکة فتجری البراءة فی المشکوکة.

ومنها: أنّ الموجب لانحلال العلم الإجمالی هو العلم التفصیلی بوجوب الأقل بنحو الاطلاق والموجود فی المقام هو العلم التفصیلی بوجوب الأقل علی نحو الاهمال الجامع بین الاطلاق والتقیید فما هو موجود لا یکون موجباً للانحلال بل مقوم للعلم الإجمالی وما هو موجب للانحلال لا یکون موجوداً.

واُجیب عنه بأنّ وجوب الأقل معلوم ومطلق سواء وجب الأکثر أم لا ومع معلومیته واطلاقه یوجب الانحلال.

ص:303

وبعبارة اخری أنّ الواجب ذات الأقل علی نحو الاطلاق المقسمی و وجوبه لا ینافی مع وجوب شیء آخر أو عدم وجوبه إذ الأکثر لیس إلّا الأقل والزیادة ولا یفترق حال الأقل بالنسبة إلی تعلّق أصل التکلیف به ضمت إلیه الزیادة أو لا تضم فالقطع التفصیلی حاصل من غیر دخول الإجمال بالنسبة إلی وجوب الأجزاء التی یعلم انحلال المرکب إلیها وإنّما الشک فی أنّ الجزء الزائد هل یکون دخیلاً فیه حتّی یکون متعلّق التکلیف بعین تعلّقه بالمرکب أو لایکون دخیلاً هذا مضافاً إلی أنّ ملاک الانحلال لیس تعلّق العلم التفصیلی ببعض الأطراف بل ملاکه عدم البیان علی سائر الأطراف بحیث لو فرض وجود البیان علیها لم نقل بالانحلال فالمدار علی عدم البیان المستند إلی عدم بقاء العلم لاعلی تعلّق العلم التفصیلی ببعض الأطراف وکیف کان فالأظهر أنّ الانحلال انحلال حقیقی.

الوجه الثانی للبراءة العقلیة: هو الانحلال بالعلم التفصیلی بمطلوبیة الأقل نفسیاً أو مقدمیاً والشک فی الأکثر.

وتوضیح ذلک أنّ العلم الإجمالی فیما نحن فیه غیر مؤثر فی وجوب الاحتیاط لکون أحد طرفیه معلوم الالزام تفصیلاً والآخر مشکوک الالزام رأساً ودوران الالزام فی الأقل بین کونه مقدمیاً أو نفسیاً لا یقدح فی کونه معلوم بالتفصیل لما ذکرنا من أنّ العقل یحکم بوجوب القیام بما علم اجمالاً أو تفصیلاً الزام المولی به علی أیّ وجه کان ویحکم بقبح المؤاخذة علی ما شک فی الزامه والمعلوم الزامه تفصیلاً هو الأقل والمشکوک الزامه راسا هو الزائد والمعلوم الزامه اجمالاً هو الواجب النفسی المردّد بین الأقل والأکثر ولا عبرة به بعد انحلاله إلی معلوم تفصیلی ومشکوک کما فی کلّ معلوم اجمالی یکون کذلک.

ص:304

أورد علیه بما عرفت آنفا من عدم المغایرة بین الاجزاء الداخلیة والمرکب لأنّ المرکب عین الأجزاء بالأسر ومعه فلامجال للوجوب المقدمی حتّی ینکره بعض ویثبته آخر بحسب ما تقدم فی محله.

هذا مضافاً إلی أنّه لو سلم وجود المغایرة بینهما وکون الوجوب فی الأقل مقدمیاً یرد علیه أنّ الانحلال فاسد قطعاً لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الأقل فعلاً إمّا بنفسه أو لغیره علی تنجز التکلیف مطلقاً ولو کان متعلّقاً بالأکثر فلو کان لزومه کذلک مستلزماً لعدم تنجزه إلّا إذا کان متعلّقاً بالأقل کان خلفا مع أنّه یلزم من وجوده عدم لاستلزامه عدم تنجز التکلیف علی کلّ حال المستلزم لعدم الانحلال وما یلزم من وجوده عدمه محال.

الوجه الثالث للبراءة العقلیة: والتحقیق أن یقال إنّ المرکب عین أجزائه فالأجزاء واجبة بوجوب نفسی لأنّ المنبسط علی ذات الأقل علی هذا القول هو الوجوب النفسی الذی لموافقته ثواب ولمخالفته عقاب الذی لا یتوقف تنجزّه علی تنجّز تکلیف آخر لیرد المحذور بل المحاذیر المتقدمة نعم لا یعلم أنّ المنبسط علیه التکلیف النفسی هو تمام المنبسط علیه واقعاً أو بعضه وهذا لا یخرج التکلیف النفسی المعلوم عن التنّجز ولیس تنجّز الأجزاء فرع تنّجز الکلّ ومن ناحیته وذلک بخلاف أن یکون وجوبها مقدمیاً.

فالأقل معلوم الوجوب بالوجوب النفسی لأنّ المرکب باللحاظ الأوّل الذی یجعله الحاکم موضوعاً للحکم ملحوظ بلحاظ واحد وموجود فی الذهن بوجود واحد ولا جزء له بهذه الملاحظة وإنّما یعتبر الجزئیة بملاحظة ثانویة وهی ملاحظة کلّ جزء منه مستقلاً فالجزء إن لوحظ فهی مقدمة للکل وإن لوحظ طریقاً إلی الملاحظة الأولیة للحاکم علی الطبیعة المهملة فهی عین الکلّ إذ لیس للأجزاء بهذه الملاحظة

ص:305

وجود علیحدة وعلیه فالانحلال حقیقی بعد عدم مغایرة وجوب الأقل مع وجوب المرکب لکون المرکب عین الأجزاء ومع العینیة لا مجال للوجوب الغیری المقدمی فی الاجزاء أیضاً لأنّه فرع المغایرة بینها وبین ذیها وهو لا یساعد مع العینیة.

ولا مجال أیضاً لجعل نسبة الأجزاء إلی المرکب کنسبة المحصّل إلی المحصّل لأنّه أیضاً فرع المغایرة بل لا مجال للوجوب الضمنی بعد عینیة المرکب مع أجزائه وکون الاختلاف بین المرکب واجزائه بالاجمال والتفصیل ومع العینیة فالتعبیر بالضمنیة مسامحة کما لا یخفی.

بل یرجع الأمر فی النهایة إلی انکار العلم الإجمالی فی المرکبات الاعتباریة إذ مع الدقة یظهر أنّه لاعلم بالتکلیف إلّا بمقدار ذات الأقل والشک فی تعلّقه بالزائد علیه والوجوب فی ذات الأقل نفسی لا غیری ولا ضمنی.

هذا کلّه بالنسبة إلی جریان البراءة العقلیة فی الأقل والأکثر الارتباطیین.

فی جریان البراءة الشرعیة

وأمّا جریان البراءة الشرعیة فقد صرّح الشیخ الأعظم به أیضاً بدعوی أنّ وجوب الجزء المشکوک محجوب علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وأنّ وجوب الجزء المشکوک فهو فهو ممّا لم یعلم فهو مرفوع عنهم بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم رفع عن امتی ما لایعلمون.

والقول بأنّ حدیث الرفع لا یجری فی الشک فی الوجوب الغیری غیر سدید بعد عدم الفرق بین الوجوبین فی نفی ما یترتب علیه من استحقاق العقاب لأنّ ترک الواجب الغیری منشأ لاستحقاق العقاب ولو من جهة کونه منشأ لترک الواجب النفسی هذا مضافاً إلی امکان دعوی أنّ العقاب علی ترک الجزء أیضاً من خصوص ذاته لأنّ ترک الجزء عین ترک الکلّ فافهم.

ص:306

هذا کلّه إن جعلنا المرفوع والموضوع فی الروایات خصوص المؤاخذة وأمّا لو عممناه لمطلق الآثار الشرعیة المترتبة علی الشیء المجهول کانت الدلالة أوضح لکن سیأتی ما فی ذلک.

ولا یخفی علیک صحة ما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه من جریان البراءة الشرعیة بعد ما عرفت من تقریب جریان البراءة العقلیة بعدم العلم إلّا بالتکلیف بالأقل والشک فی تعلّقه بالأکثر.

ولکنّ الوجوب المرفوع أو المحجوب فی الزائد علی الأقل لیس وجوباً غیریاً أو ضمنیا بعد ما عرفت مفصّلاً من عینیة المرکب مع أجزائه فلاوجه لجعل الوجوب المشکوک فی الأکثر وجوباً غیریاً بل الصحیح هو عینیة المرکب مع اجزائه وکون الوجوب فی المشکوک وجوباً نفسیاً.

وممّا ذکر یظهر أنّ العقاب علی الجزء المشکوک عقاب من جهة نفسه لامن جهة کونه منشأ لترک الواجب النفسی.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ من أنکر جریان البراءة العقلیة بتوهم عدم الانحلال لا یتمکن من جریان البراءة الشرعیة بالنسبة إلی وجوب الأکثر أیضاً لأنّ رفع وجوب الأکثر معارض عنده مع رفع وجوب الأقل.

نعم أمکن له جریان البراءة فی جزئیة المشکوک لعدم معارضه جریانها فی الأکثر بجریانها فی الأقل العلم بالجزئیة فی الأقل.

إلّا أن یقال: إنّ الجزئیة من الامور الانتزاعیة النسبیة ولا تدخل تحت الجعل التشریعی القانونی حتّی یصح رفعها بل الّذی یقع تحت الجعل هو الوجوب والطلب والمفروض أنّ رفع وجوب الأکثر معارض مع رفع وجوب الأقل بناء علی القول بعدم الانحلال.

ص:307

هذا کلّه حال الأصل العقلی والشرعی بالنسبة إلی الأقل والأکثر الارتباطیین من الواجبات التوصلیة.

وأمّا الأقل والأکثر الارتباطیین من الواجبات التعبدیة فمحصّل القول فیها أنّها کالتوصلیات من حیث جریان البراءة فی القیود کجریانها فی الأجزاء الخارجیة.

وذلک لأنّه مع الشک فی أخذ قصد القربة وعدمه والقول بامکان أخذه یکون کسائر الأجزاء المشکوکة فی جریان أصالة البراءة وأمّا مع عدم امکان أخذه فی المأمور به والقول بکونه من الأغراض المترتبة علی الأمر فتنجزه تابع لتنجز الأمر فکما أنّ العقل یحکم فی الشبهات البدویة بعدم تنجز الغرض المترتب علی الأمر علی المکلّف فکذلک هنا علی القول بالبراءة أی یحکم بعدم تنجز الغرض فی مورد البراءة وهو الأکثر عند الشک فی الأقل والأکثر فلایجب الاتیان بالأکثر فی التعبدیات أیضاً إذ لا موجب له.

نعم لوکان التکلیف متعلّقاً بالأقل یجب علی المکلّف امتثاله علی نحو یسقط به الغرض إذ الحجة قد قامت علیه هذا کلّه هو الجهة الاُولی فی جریان البراءة فی صورة دوران الأمر بین الأقل والأکثر الارتباطیین من الأجزاء الخارجیة.

دوران الأمر بین الأقل و الأکثر فی الأجزاء التحلیلیة

وأمّا الجهة الثانیة ففی جریان البرائة فی صورة دوران الأمر بین الأقل والأکثر الارتباطیین من الأجزاء التحلیلیة وهی علی أقسام:

القسم الأوّل: أن یکون ما احتمل دخله فی المأمور به علی نحو الشرطیة موجوداً مستقلاً فی الخارج کالتستر بالنسبة إلی الصلاة والحکم فیه هو البراءة کما عرفتها فی الشک فی الاجزاء عقلاً ونقلاً ولا نطیل بالاعادة.

ص:308

القسم الثانی: أن یکون ما احتمل دخله فی المأمور به علی نحو الشرطیة متحدّا مع المقیّد فی الوجود الخارجی کالایمان فی الرقبة المؤمنة ولم یکن من مقومات المأمور به ففی هذه الصورة ربّما یقال إنّه لیس ممّا یتعلّق به وجوب والزام مغایر لوجوب أصل الفعل ولو بعنوان المقدمة وعلیه فلایندرج فیما حجب الله علمه عن العباد.

أورد علیه بأنّه لا بأس بنفی القیود المشکوکة للمأمور به بأدلّة البراءة من العقل والنقل لأنّ المنفی فیها الالزام بما لا یعلم ورفع کلفته ولا ریب أنّ التکلیف بالمقیّد مشتمل علی کلفة زائدة والزام زائد علی ما فی التکلیف المطلق وإن لم یزد المقیّد الوجود فی الخارج علی المطلق الموجود فی الخارج.

ودعوی: أنّ کلّ مورد تکون الخصوصیة المشکوکة فیه راجعة إلی نفس متعلّق التکلیف بحیث توجب سعة التکلیف وزیادته عرفاً ودقة کانت مجری البرائة شرعاً لأنّها تقبل انبساط التکلیف فالشک فیها یکون الشک فی تکلیف زائد مع وجود قدر متیقن فی البین هو ذات المقیّد فیتحقّق الانحلال المدعی وذلک نظیر الطهارة مع الصلاة فإنّ الصلاة مع الطهارة والصلاة بدونها بنظر العرف من الأقل والأکثر.

أمّا إذا کانت الخصوصیة المشکوکة غیر راجعة إلی متعلّق التکلیف بل إلی موضوع المتعلّق بنحو لا یستلزم وجودها زیادة فی المتعلّق ولا فقدها فیه وذلک نظیر عتق الرقبة المؤمنة فإنّ إیمان الرقبة أو عدم إیمانها لا یلازم زیادة فی العتق أو نقصا بل نفس العتق علی کلاً التقدیرین بنحو واحد لا اختلاف فیه فالشک فیها لا یکون مجری البراءة إذ لا یتصور الانبساط هیهنا إذ لا یکون المتعلّق مقیّداً بتلک الخصوصیة إذ هی لیست من خصوصیاته المضیّقه له وبالجملة لا متیقن فی البین فی متعلّق التکلیف یشار الیه ویقال إنّه معلوم الوجوب والشک فی الزائد علیه بل الفعل

ص:309

بدون الخصوصیة مباین للفعل المنضم للخصوصیة فلایتحقّق الانحلال فالحقّ هو التفصیل بین الصورتین.

مندفعة: بأنّ متعلّق التکلیف وإن لم یتقید ابتداء بالخصوصیة المشکوکة ولکنّ یکتسب التقید باضافته إلی موضوع مقیّد فیصح حینئذٍ أن یشک فی کون المتعلّق ذا سعة أولا ومع اکتساب التقیّد والتضیّق من المضاف الیه یصح الانحلال المبنی علی القول بانبساط الوجوب أیضاً وعلیه فالشک فی الاشتراط یرجع إلی الشک فی وجوب هذا التقید بنفس الوجوب الشخصی النفسی الاستقلالی المنبسط علی المشروط ومع هذا الشک یصح الأخذ بالبراءة العقلیة والنقلیة فلافرق بین کون الشرط شرطاً لمتعلّق التکلیف کالطهارة فی الصلاة وبین کونه شرطاً لمتعلّق المتعلّق کاشتراط الایمان فی عتق الرقبة لأنّ الأمر فی کلیهما من الدوران بین الأقل والأکثر بلحاظ ما یدخل فی العهدة فتجری البراءة عنه.

القسم الثالث: أن یکون ما احتمل دخل فی الواجب بمنزلة الفصل بالنسبة إلی الجنس ممّا لیس له منشأ انتزاع مغایر بحسب الوجود الخارجی بل یکون من مقدمات المأمور به.

ففی هذه الصورة ربّما یقال بعدم جریان البراءة لعدم الأقل والأکثر بحسب الوجود الخارجی إذ الجنس لا یوجد بدون الفصل فالأمر یدور بین أن یکون الجنس متمیزا بفصل معین أو بفصل ما من فصوله وهذا من موارد دوران الأمر بین التعیین والتخییر لامن موارد الدوران بین الأقل والأکثر.

یمکن أن یقال: إنّ العبرة فی الأحکام بعالم تعلّق الوجوب وعالم الجعل وهو عالم التحلیل وفی هذا العالم یمکن الافتراق حتّی بین الجنس والفصل بالتحلیل العقلی کما نقول فی تعریف الإنسان إنّه مرکب من الحیونة والنطق مع أنّ مقتضی المقابلة

ص:310

هو أن لا یکون النطق داخلاً فی الحیوانة ولیس ذلک إلا لکون الملحوظ فی طرف الجنس مهیة مبهمة وبهذا الاعتبار یدور الأمر بین الأقل والأکثر ولا یضره الاتحاد الخارجی لأن الخارج ظرف السقوط لا الثبوت فیجری البراءة فی المشکوک ویحکم بکفایة الذات من دون حاجة إلی ضمّ ضمیمة لأنّ تصور الجنس بنحو الاهمال یکفی فی تحقّق المعلوم والمشکوک لایقال إنّ المبهم لا یکون مورد تعلّق الحکم.

لأنّا نقول: لا مانع من ذلک ألاتری أنّ الاشبح الذی لا نعلم أنّه حیوان أو إنسان لا یجوز قتله ویجوز أسناد الرؤیة إلیه وهو شاهد علی جواز تعلّق الحکم به فدعوی عدم جواز تعلّق الحکم بالمبهم کماتری.

ودعوی: أنّ عینیة الطبیعة المهملة مع المقیّد لا أصل لها إذ الحصة الموجودة من الطبیعة لیست عین الوجود بل متحدة به اتحاد اللامتحصل مع المتحصل فالجامع بین الحصص أولی بأن لا یکون عین الوجود فالوجود المضاف إلی الحصة مضاف إلیها بالعرض کما أنّ الوجود المضاف إلی الجامع بواسطة حصته یکون عرضیاً بالأولویة والوجوب کالوجود مضاف إلی الحصة عرضاً فضلاً عن الجامع وعلیه فلاعلم بوجوب الجامع إلّا بالمعنی الأعم ممّا بالذات وما بالعرض.

مندفعة: بإمکان منع عرضیة أسناد الوجوب أو الوجود إلی الحصة بل إلی الجامع عند العرف وإن سلم ذلک بالدقة العقلیة بل هما یسندان إلیهما حقیقة وعلیه فالطبیعة المهملة معلوم الوجوب والزائد علیها مشکوک فیجری فیه البراءة وحیث لا یکون تباین بین الطبیعی وأفراده أو بین الجنس وأنواعه بل کلّ الطبیعی موجود فی الخارج بنعت الکثرة لا بنعت التباین فأنّ الطبیعی لما لم یکن فی حدّ ذاته واحداً ولا کثیراً فلامحاله یکون مع الواحد واحدا ومع الکثیر کثیراً فیکون موجوداً مع کلّ فرد

ص:311

بتمام ذاته ویکون متکثرا بتکثر الافراد فزید إنسان وعمرو إنسان وبکر إنسان لا أنّهم متبائنات فی الإنسانیة بل متکثرات فیها وإنّما التباین من لحوق عوارض مصنفة ومشخصة.

فلامجال لانکار الأقل والأکثر لأنّ الأقل وهو الجنس أو الطبیعی معلوم وإنّما الشک فی خصوصیة نوع أو فرد وعلیه فینحلّ العلم الإجمالی إلی المعلوم والمشکوک ویجری البراءة فی المشکوک.

بقی شیء:

وهو أنّ المحکی عن سیّدنا الاُستاذ قدّس سرّه هو التفصیل بین ما کان من قبیل الشرط والمشروط فحکمه بحسب البراءة الشرعیة حکم ما إذا تردد الأمر بین الأقل والأکثر من الأجزاء دون البراءة العقلیة فإنّ الظّاهر عدم جریانها فی المقام وإن قلنا بجریانها فی الأقل والأکثر من الأجزاء لأن الانحلال المتوهم فیه لایکاد یتوهم هاهنا حیث إنّ التکلیف لو کان متعلّقاً بالمشروط واقعاً لما کان إلّا متعلّقاً به بما هو لا بجزءین أحدهما ذات المشروط والآخر تقیّده بالشرط فإنّ الثانی لیس ممّا یصح أن یکلف به الآمر لعدم ما یکون بحذائه خارجاً وذلک واضح فلیس یصح أن یقال إنّ التکلیف بذات المشروط معلوم تفصیلاً والتکلیف بتقییده بالشرط مشکوک بدواً وبین ما کان من قبیل العام والخاصّ أو الجنس والنوع فحکمه بحسب الأصل العقلی حکم القسم الأوّل (أی دوران الأمر بین الأقل والأکثر من الأجزاء الخارجیة) فإن قلنا بجریان البراءة العقلیة فیه لقلنا به هاهنا وأمّا بحسب الأصل النقلی فکذلک ظاهراً لأن التردید بین الجنس و النوع و إن کان من قبیل التردید بین المتباینین عرفاً و کان خصوصیة الخاصّ منتزعة من نفس الخاصّ إلّا أنه بعد اللتیا والتی

ص:312

تکون الارادة علی النوع مشکوکة وعلی الجنس معلومة والملاک فی جریان حدیث الرفع لیس إلّا الشک فی الارادة الواقعیة النفس الأمریة.

وبعبارة اخری إن تعلّق الارادة بالنوع والخاصّ مشکوک فالأصل عدمه ولایعارضه البراءة فی الجنس لعدم جریانها فیه حیث إنّ تعلّق الإرادة به معلوم انتهی ولایخفی علیک أنّ التفصیل بین البراءة العقلیة و الشرعیة فیما اذا کان التکلیف من قبیل الشرط و المشروط بدعوی عدم صحة التکلیف بشیء و لیس ما بحذائه شیء خارجاً لا وجه له لصحة التکلیف بالشیء ولو لم یکن ما بخدائه شیء خارجاً لامکان الاتیان به ولو مع المشروط ومع صحة التکلیف یدور الأمر بین التکلیف بذات المشروط وبین التکلیف به مع الشرط والتکلیف بذات المشروط معلوم تفصیلاً والتکلیف بالشرط مشکوک فیجری فی المشکوک البراءة مطلقاً عقلیة کانت أو شرعیة ولا موجب للتفصیل المذکور فتحصّل أنّه لافرق فی جریان البراءة مطلقاً بین الشرط و المشروط و بین الجنس و النوع لانحلال المعلوم بالاجمال إلی المعلوم بالتفصیل و المشکوک ولو فی الذهن الثانی فی جمیع الموارد و معه تجری البراءة فی الأجزاء التحلیلیة کالأجزاء الخارجیة فتدبّر جیداً.

ص:313

ص:314

تنبیهات المقام الثانی
اشارة

التنبیه الأوّل: فی جریان البراءة فی الأسباب والمسببات وعدمه و اعلم أنّ الأسباب والمسببات تنقسم إلی عقلیة وعادیة وشرعیة فإذا کانت الأسباب عقلیة أو عادیة فلامجال للبراءة لأنّ بیانها لیس علی الشارع والمفروض أنّ المکلّف به معلوم ومبیّن من جهة المفهوم وإنّما الشّک من ناحیة أسبابه العقلیة والعادیة فاللازم حینئذٍ هو الاحتیاط فی الأسباب المذکورة.

هذا إن کانت الأسباب والمسبّبات عقلیة أو عادیة وأمّا إذا کانت الأسباب والمسببات شرعیة أو کانت المسببات تکوینیة إلّا أنّ أسبابها لابهامها لا تتعین بفهم فهم العرف فاللازم أن یکشف عنها الشارع ففی الصورتین یجوز جریان البراءة لأنّ للشرع دخالة حینئذٍ فی تعیین السبب وما یدخل فی العهدة ومقتضی عموم حدیث الرفع هو البراءة عن مورد الشک وعلی هذا الأساس تجری البراءة عن شرطیة شیء أو مانعیته فی الوضوء السبب للطهور هذا إذا لم نقل بأنّ الطهور بنفسه اعتبار شرعی منطبق علی نفس الأفعال الخارجیة وإلّا فجریان الأصل فیه واضح.

ودعوی اختصاص حدیث الرفع بالجعول والمسبّب الشرعی مندفعة بأنّ عموم حدیث الرفع یشمل کل ما یکون أمره بید الشارع ولو لم یکن مجعولاً شرعیاً ورفع

ص:315

الابهام عن الأسباب المبهمة عرفا بید الشارع کما أنّ بیان الأسباب الشرعیة بعهدة الشارع فلامانع من جریان البراءة العقلیة أو الشرعیة بالنسبة إلی عقوبة ترک المسبّب من ناحیة الشک فی أسبابه الشرعیة أو من ناحیة أسبابه التکوینیة التی لا یتمکن المکلّف من الکشف عنها إلّا ببیان الشرع أخذاً باطلاق حدیث الرفع.

التنبیه الثّانی: فی مقتضی القاعدة العقلیة والشرعیة فی النقیصة العمدیّة والسهویّة ولا یذهب علیک وضوح بطلان العمل بالنقص العمدی لأنّ الفاقد للجزء أو الشرط لیس مأموراً به بل هو کالمتروک راسا ولا کلام فیه.

وإنّما الکلام فی مقتضی القاعدة فی النقیصة السهویة فنقول بعون الله تعالی واعلم أنّه اذا ثبتت جزئیة شیء أو شرطیته وشک فی کونه من الأرکان بحیث اعتبر حتی حال السهو النسیان وعدم کونه منها ففی جریان قاعدة البراءة مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة خلاف.

ذهب الشیخ الأعظم قدّس سرّه إلی أنّ الأقوی هو البطلان بسبب نقص الجزء إلّا أن یقوم دلیل عام أو خاص علی الصحة وذلک لأنّ ما کان جزءاً فی حال العمد کان جزءاً فی حال الغفلة فإذا انتفی المرکب فلم یکن المأتی به موافقا للمأمور وهو معنی فساده.

أمّا عمومیة جزئیته لحال الغفلة فلأنّ الغفلة لاتوجب تغییر المأمور به فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة فی الأثناء لم یتغیر الأمر المتوجه إلیه قبل الغفلة ولم یحدث بالنسبة إلیه من الشارع امر آخر حین الغفلة لأنّه غافل عن غفلته فالصلاة المأتی بها من غیر سورة غیر مأمور به بأمر أصلاً غایة الأمر عدم توجه الأمر بالصلاة مع السورة إلیه لاستحالة تکلیف الغافل فالتکلیف ساقط

ص:316

عنه مادام الغفلة نظیر من غفل عن الصلاة رأساً أو نام عنها فإذا التفت إلیها والوقت باقٍ وجب علیه الاتیان بمقتضی الأمر الأوّل.

أورد علیه سید مشایخنا المیرزا الشیرازی قدّس سرّه بأنّا سلّمنا ما ذکر عن عدم صحة تخصیص الناسی والساهی بالخطاب ولکن بالتام أیضاً خطابه غیر صحیح خطابه غیر صحیح لکونه غافلاوتکلیف الغافل غیر صحیح فالغافل غیر مأمور بشیء من الناقص والتّام وحیث إنّ حاله لیس کالبهائم فی عدم المحبوبیة الذاتیة فی حقه للعمل بل المحبوبیة للعمل ثابتة فی حقه فننقل الکلام فی هذه المحبوبیة فنقول هی ممکن التعلّق بالناقص والزائد علی حدّ سواء.

فإذا فرغ عن العمل والمفروض أنّه غیر مأمور بشیء أصلاً ثمّ تذکر أنّ سهی عن السورة مثلاً فهو یحتمل أنّ المحبوب النفسی الأمری الالهی فی حقه فی حال السهو ونسیانه هو ما أتی به من الصلاة الناقص السورة ویحتمل أنّه کان الصلاة التام الأجزاء حتی السورة.

والأصل العقلی فی حقه حینئذٍ هو البراءة إذ لا فرق فی تقریب البراءة بین متعلّق الحبّ ومتعلّق الأمر فإن قلنا بالانحلال فی مسألة الأقل والأکثر یرتفع عند هذا الحکم العقلی بسبب الانحلال وإلّا کان مشغول الذمّة حتی یأتی الأکثر فالبراءة تجری حال ذکره الحاصل له بعد العمل لیرفع الاعادة عنه و دعوی أنّ مقتضی قیام الاجماع علی أنّ لکل أحد خطابا أن یکون خطاب الغافل کخطاب الذاکر لعدم امکان اختصاصه بخطاب غایة الأمر أنّ الخطاب عام و المکلّف مادام غافلالم یتنجز علیه و بعد الالتفات یتنجّز الخطاب بالنسبة إلیه و مقتضاه هو وجوب الإعادة مع الاتیان بالجزء المنسی.

ص:317

مندفعة: بأنّ دعوی قیام الاجماع بالنسبة إلی الغافل بالموضوع ممنوعة نعم الغفلة عن الحکم لا توجب اختلاف الحکم وإلّا لزم التصویب کما قرر فی محله.

لایقال: لا یتحقق الامتثال فی حق الغافل حیث إنّ ما اعتقده من الأمر وتحرّک علی طبقه لم یکن فی حقه فلااطاعة حقیقة للأمر حیث لا أمر وأمّا محبوبیته واقعا فکفی بها مقربة له لکنه ما أتی بالفعل بداعی محبوبیته فما یصلح للدعوة المقربة ما دعاه وما دعاه لا واقعیة له حتی یضاف الفعل إلی المولی بسبب الداعی من قبله.

لأنّا نقول: إنّ قصد الأمر من باب الخطأ فی التطبیق ومحرکه فی الحقیقه هو أمر المولی أو حبّه فهو قاصد لاتیان ما أتی به سواء کان مأمورا به أو محبوبا.

هذا مضافاً إلی أنّه یصدق العبادة بالامرین وهما الحسن الفعلی والحسن الفاعلی وکلاهما موجودان فی مثل المقام هذا کله بناء علی عدم امکان الخطاب للناسی والساهی وإلّا فلامجال للتمسک بالأصل العقلی المذکور إذ مع البیان لامورد للأصل وعلیه فاللازم هو البحث عن امکان الخطاب للناسی وعدمه ثبوتا و اثباتاً.

إمکان الخطاب للناسی و عدمه

فنقول مستعیناً بالله تعالی ذکروا هنا وجوها لامکان الخطاب للناسی والمراد من الخطاب إمّا خطاب عامّ یشمل الغافل والذاکر کدلیل الجزئیة أو الشرطیة أو خطاب مختص بالساهی والناسی الّذی یدلّ علی مطلوبیة الأقل منه بخصوصه وکیف کان فمع الإطلاق لا مجال للأصل العقلی بل مع خطاب العامّه فالحکم هو جوب الاعادة ومع خطاب الخاص فالحکم هو الاکتفاء بالأقل.

ولابأس بذکر عمدة الوجوه المذکورة لامکان الخطاب للناسی منها أنّ الخطابات العامة القانونیة فعلیة ولا محذور فی شمولها للناسی بعد عدم تنجّزها بسبب السهو

ص:318

والنسیان وکونها من الخطابات القانونیة العامه لا الخطابات الشخصیة حتی تکون لغوا بالنسبة إلی الساهی والناسی ولا مجال لدعوی تقوّم البعث والزجر بامکان فعلیة الداعویة حین الخطاب وهو مستحیل بالنسبة إلی الغافل والناسی بعد کفایة أن یکون الخطاب داعیا إلی الامتثال بشرط العلم والالتفات من دون توقف علی فعلیتهما.

یمکن أن یقال: بناء علی انحلال الخطابات بحسب الأفراد کما هو الحق لا مجال لشمول الخطابات العامّة القانونیّة للساهی والناسی لعدم امکان الانبعاث بالنسبة إلیهما حال السهو والنسیان واشتراط العلم والالتفات فی الناسی والساهی عدول عن کونهما بما هما معنونان بعنوان الناسی والساهی مورداً للخطاب ودعوی الشمول وعدم التنجیز لغو کما أنّ خطاب العاجز وعدم التنجیز أیضاً لغو.

ومنها: أنّا لا نسلّم منع محرکیّة الخطاب بالناسی وذلک لامکان أن یکون للشارع أن یقول فی حق الذاکر والناسی بنحو الکبری الکلی الذاکر یفعل کذا وکذا والناسی یفعل کذا وکذا فمن یرید الصلاة یعلم أنّ المطلوب من الذاکر کذا وکذا ومن الناسی کذا و کذا فالناسی لغفلته عن نسیانه وتخیله أنّه الذاکر ینوی أمر الذاکر ولکنّه حیث کان من باب الخطاء فی التطبیق کان قصده فی الحقیقة هو امتثال أمره الفعلی وهو أمر الناسی فالناسی فی الحقیقة منبعث بالأمر المتوجه إلی الناسی ویکفی الانبعاث المذکور فی رفع لغویة الخطاب فتخصیص الناسی بهذا الوجه ممکن ومع الامکان لاوجه لدعوی اطلاق دلیل جزئیة المشکوک حال النسیان حتی یجب الاعادة لأنّ هذه الدعوی متوفقة علی عدم امکان تخصیص الناسی بالخطاب وهو من جهة الثبوت حسن ولکن لم نجد أنّ الشارع خصص الناسی بخطاب غیر خطاب الذاکر.

ومنها: أنّه یمکن أن یتوجه الخطاب بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسی والساهی کأن یقال أیّها الذی یکون مزاجک رطوبیّا لغلبة اقتران الرطوبة مع النسیان

ص:319

وعلیه فلایلزم منه الاستحالة إذ لا یخرج عن عنوان الناسی او الساهی بتوجیه الخطاب المذکور إلیه.

وفیه أنّ العنوان اللازم إنّما أخذ معرّفا لما هو العنوان حقیقة والعنوان الحقیقی إنّما هو عنوان الناسی والّذی لابدّ منه فی التکلیف امکان الالتفات إلی ما هو العنوان حقیقة فیعود المحذور.

ومنها: أنّ امتثال الأمر لا یتوقف علی أن یکون المکلّف ملتفتا إلی خصوص العنوان بل یمکن له الامتثال بالالتفات إلی ما ینطبق علیه هی العنوان ولو کان من باب الخطأ فی التطبیق وعلیه یکفی فی تحقق الامتثال أن یقصد الناسی الأمر المتوجه الیه بالعنوان الّذی یعتقد أنّه واجد له وإن أخطأ فی اعتقاده والناسی حیث یری نفسه ذاکراً فیقصد الأمر المتوجه إلیه بتخیل أنه أمر متوجه إلی الذاکر.

وفیه أنّه یعتبر فی صحة البعث والطلب أن یکون قابلا للانبعاث ولو فی الجملة أمّا الذی لیس قابلا فی وقت فهو قبیح وکون امتثاله دائما من باب الخطاء فی التطبیق لا یمکن الالتزام به نعم قد یتفق الخطاء فی التطبیق فی سایر الموارد وأین هذا بما یکون کذلک دائما.

ومنها: أنّه یمکن تخصیص الجزئیة بحال الذکر بحسب الأدلّة الاجتهادیة کما إذا وجّه الخطاب علی نحو یعمّ الذاکر والناسی بالخالی عما شک فی دخله مطلقا وقد دلّ دلیل آخر علی دخله فی حقّ الذاکر.

وفیه أنّه علی تقدیر تسلیم مقام الثبوت وعدم الاستحالة یرد علیه أنّه خلاف ما وصل إلینا من أدلة الاجزاء ودلیل المرکب حیث إنّه أمر فیها بالتمام بعنوان ذاته لا أنّه أمر المکلّف بما عدی المنسی مطلقا هذا مضافا إلی أنّه لا تعیّن للمنسی حتی

ص:320

یؤمر بما عداه مطلقا وبه مقیّداً بالالتفات فلابدّ من الالتزام بتعدد البعث بعدد ما یتصور من أنحاء النسیان للجزء اطلاقاً وتقییدا وهو کما تری.

ودعوی امکان التکلیف بعدة من الأجزاء الأرکانیة مطلقا وبغیرها مقیداً بالالتفات مندفعة بأنّ الامکان الثبوتی لا یستلزم الامکان الاثباتی.

فتحصّل: أنّ الوجوه المذکورة لامکان الخطاب بالناسی لاتکون تامة إمّا من جهة الاستحالة وإمّا من جهة عدم الدلیل علیها فالنتیجة أنّه لاخطاب للناسی ومع عدم الخطاب له یرجع إلی البراءة.

لایقال: إنّ أقصی ما تقیضه أصالة البراءة الشرعیة عن الجزء المنسی هو رفع الجزئیة فی حال النسیان لا فی تمام الوقت إلّا مع استیعاب النسیان لتمامه فلو تذکر فی أثناء الوقت بمقدار یمکنه ایجاد الطبیعة بتمام مالها من الأجزاء یجب علیه الاتیان بها وأصالة البراءة لا تقتضی عدم وجوب ذلک بل مقتضی إطلاق الأدلة، وجوبه لأنّ المأمور به هو صرف الوجود من الطبیعة التامة الأجزاء والشرائط فی مجموع الوقت ویکفی فی وجوب ذلک التمکن من ایجادها ولو فی جزء من الوقت ولایعتبر التمکن منه فی جمیع الوقت کما هو الحال فی غیر الناسی من ذوی الأعذار.

لأنّا نقول: لوکان مفاد أدلة البراءة رفع الجزئیة المشکوکة فی حال النسیان لکان المکلّف به فی حق الناسی هو خصوص بقیة الأجزاء کما کان فی حق الذاکر تمامها وکما أنّه لا یجب علی الذاکر الاتیان به مرّة ثانیة کذلک لا یجب علی الناسی للجزء الإتیان بالمنسی إذا أتی بتمام ما کان مکلفا به الذی هو خصوص بقیة الأجزاء سواء تذکر فی الوقت أولا حیث لا یجب علی المکلّف فی تمام الوقت إلّا الإتیان بفرد من طبیعة الصلاة التی کانت مأمورا بها فی هذا الوقت الوسیع.

ص:321

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ مقتضی اطلاق التکلیف بعدة من الأجزاء والشرائط فی ظرف من الوقت مع قطع النظر عن حدیث الرفع ونحوه هو وجوب الاتیان بتمام ما کلّف به فی جزء من هذا الوقت الوسیع بحیث لو لم یتمکن منها إلّا فیما یسعها من الزمان لوجب علیه اتیانها فی هذا الجزء معیّنا.

وغایة ما یقتضیه حدیث الرفع عدم جزئیة المنسی فی حال النسیان فلو فرض استیعابه لتمام الوقت أو عروض موت علی المکلّف فی حال النسیان وکان آتیا ببقیة الأجزاء فی هذا الحال لقد أتی بتمام المأمور به فی حقه إلّا أنّ ذلک لا یقتضی عدم وجوب الاتیان بتمام الأجزاء إذا تذکر فی الوقت.

ولقائل أن یقول إنّ حدیث الرفع فی غیر فقرة «رفع ما لا یعلمون» دلیل اجتهادی یؤخذ فیه بما کان من لوازم الرفع الواقعی فحدیث الرفع باشتماله علی رفع النسیان عن الأمة یعمّ المورد ویرفع عن الأمة النسیان بما له من الثقل وهو وجوب الاعادة أو القضاء.

وبتعبیر آخر حکومة قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «رفع النسیان» علی الأحکام الأولیة حکومة واقعیة فیرفع أصل التکلیف عن الجزء وبعد رفعه لا دلیل علی عوده هذا علی فرض الاطلاق لأدلة الأجزاء والشرائط بالنسبة إلی الناسی والساهی وأمّا مع عدم ثبوت الاطلاق لأدلّة الأجزاء والشرائط فلاجعل بالنسبة إلی المنسی رأسا کما لا یخفی.

التنبیه الثالث: فی مقتضی القاعدة فی الزیادة العمدیّة والسهویّة واعلم أنّ مقتضی القاعدة فیها أنّه إن کان اشتراط عدم الزیادة مأخوذاً فی جزء المأمور به بنحو «بشرط لا» کانت الزیادة موجبة للنقیصة لأنّ فاقد الشرط کالمتروک وقد عرفت حکمها فی التنبیه الثانی وهو البطلان مع العمد والصحة مع السهو والنسیان.

ص:322

وإن کان اشترط عدم الزیادة مأخوذا فی جزء المأمور به بنحو «لا بشرط» فالزیادة ولو کانت عمدیة لا توجب البطلان قطعاً ولا اشکال فی الصورتین.

وإنّما: الکلام فی صورة الشک فی اعتبار عدم الزیادة فی المرکب وعدمه مع احراز عدم اعتبار عدم الزیادة فی جزئیة الجزء ففی هذه الصورة أمکن أن یقال إنّ المرجع هی البراءة لأنّه من مصادیق الشک فی التقیید ومقتضاه هو الصّحة لو أنی بالمرکب مع الزیادة مطلق سواء کان عامداً أم ساهیاً أم جاهلاً من دون فرق بین الجهل القصوری أو التقصیری هذا فیما إذا کان الواجب توصلیا.

وأمّا لو کان الواجب تعبّدیا فإمّا أن یرید جزءاً بقصد کونه جزءا مستقلاً کما إذا اعتقد شرعاً أو تشریعاً أنّ الواجب فی الصلاة مثلاً فی کل رکعة رکوعان أو یرید جزءاً بقصد کونه مع المزید علیه جزءاً واحداً أو یأتی بالزائد بدلاً عن المزید بعد رفع الید عنه اقتراحا او لغرض دینی أو لا یقاع الأول علی وجه فاسد فیبدو له فی اعادته علی وجه صحیح وقد اختلف الأعلام هنا.

ذهب الشیخ الأعظم إلی الفرق فی الصور الثلاثة حیث حکم بفساد العبادة فی الصورة الأولی من دون فرق بین أن نوی ذلک قبل الدخول فی الصلاة أو فی الأثناء وعلّله بأنّ ما أتی به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل علی الزیادة غیر مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلک الزیادة لم یقصد الامتثال به.

هذا بخلاف الصورتین الاخیرتین فإنّ مقتضی الأصل عدم بطلان العبادة فیهما لأنّ مرجع الشک إلی الشک فی مانعیة الزیادة ومرجعها إلی الشک فی شرطیة عدمها وقد تقدم أنّ مقتضی الأصل فی الشک فی المانعیّة هی البراءة.

وفیه: أنّ اللازم هو الحکم بالصحة فی جمیع ثلاث الصور فإنّه لو قلنا بفساد العبادة فی الصورة الأولی مطلقا من جهة الاخلال بقصد الأمر من جهة الاشتمال

ص:323

علی الزیادة لوجب القول به فی الصورتین الأخیرتین أیضاً لاشتمالهما علی الزیادة أیضاً ولو قلنا بفسادها فیها فیما لزم من الزیادة عدم امتثال الأمر بالعبادة إلّا علی تقدیر کونها کما اعتقد لوجب أیضاً القول به فی الصورتین الأخیرتین کذلک.

ولکن یکفی فی الصحة اجتماع الحسن الفعلی مع الحسن الفاعلی حتی فیما إذا قیّد الامتثال بالصورة التی اعتقد أنّها المطلوبة أو بنی علیها فالتفصیل المحکی عن الشیخ لا وجه له بل تقیید الصحة فی کلام صاحب الکفایة بما إذا لم یرد الامتثال إلّا علی تقدیر کون العبادة کما اعتقد لیس بصحیح بل مقتضی القاعدة مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة فی صورة الزیادة والشک فی اعتبار عدمها فی المرکب هو الحکم بالصحة من دون فرق بین أن یکون الواجب توصلیاً أو تعبّدیّا ومن دون تفاوت بین أن یقصد المکلّف امتثال خصوص الأمر المتعلّق بما یترکب من الزائد وبین أن لا یقصد خصوصه.

الاستدلال بالاستصحاب للصحة

قد یقال إنّ جریان أصالة البراءة عند الشک فی مانعیة الزیادة منوط بعدم جریان الاستصحاب لحکومة الاستصحاب علی البراءة ولو کانا متوافقین علی المشهور وعلیه یمکن أن یقال بجریان الاستصحاب فی المقام ومعه لا مجال للبراءة فإنّ العبادة قبل حدوث هذه الزیادة کانت صحیحة والأصل هو بقاؤها.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه بما حاصله أنّ المستصحب إن کان هو صحة مجموع الأجزاء فلم یتحقق وإن کان صحة الأجزاء السابقة فهی مقطوعة ولکن لا تجدی فی اثبات صحة الصلاة وعدم مانعیة الطاری لأنّ صحة تلک الاجزاء السابقة لاتستلزم عدم مانعیة الطاری بل یمکن اجتماع القطع بصحة الأجزاء السابقة مع

ص:324

القطع بمانعیة شیء فضلا عن الشک فی المانعیة فلامجال للاستصحاب نعم اطلاق القاطع علی بعض الأشیاء کاشف عن أنّ لأجزاء الصلاة فی نظر الشارع هیئة اتصالیة ترتفع ببعض الأشیاء دون بعض والقطع یوجب الانفصال القائم بالمنفصلین وهما فی المقام أجزاء السابقة والتی تلحقها بعد تخلل القاطع فبه یسقط کل من الأجزاء السابقة واللاحقه عن قابلیة الاتصال وعلیه فیمکن أن یقال فی موارد الشک فی القاطع دون المانع إنّ الأجزاء السابقة کانت قابلة للاتصال والأصل بقاؤها ولایقصد فی المقام إلّا بقاء هذه دون اثبات عدم قاطعیة الطاری کل یشکل بأنّه من الأصول المثبته.

وعلیه فیمکن التفصیل بین الشک فی القاطع وقبول الاستصحاب والشک فی المانع وعدم الاستصحاب ولکن یمکن الخدشة فی جریان الاستصحاب بالمعنی المذکور بأنّ المراد من الهیئة الاتصالیة إن کان ما بین ببعض الأجزاء السابقة مع بعض فهو باقٍ إلّا أنّه لا یجدی وإن کان المراد هو ما بین الأجزاء السابقة والأجزاء اللاحقة فالشک فی حدوثها لا فی بقاءها.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الهیئة الاتصالیة بین الأجزاء السابقة واللاحقة وإن لم تکن مسبوقة بالوجود بالدقة العقلیة ولکن یحکم العرف باستمرارها بالأصل ویری الهیئة الاتصالیة موجودة بمجرد الشروع فی العمل ویجری فیه الاستصحاب کما یجری فی اللیل والنهار فیصح التفصیل بین الشک فی القاطع والشک فی المانع.

أورد سیدنا الاُستاد علی التفصیل المذکور بأنّ اعتبار مانعیة الشیء غیر اعتبار شرطیة عدمه ولذلک یختلف أثرها والوجه فیه واضح فإنّ الارادة تارة متعلّق بشیء بشرط أن لا یکون معه شیء آخر بحیث یکون متعلّقها الشیء الأوّل وعدم کون الشیء الثانی معه وهذا هو الّذی یعبّر عنه بشرطیة العدم.

ص:325

واُخری یتعلّق بشیء لکن لما یری أنّ الشیء الاخر مانع عن تحصیل المراد بوجوده یتوجه بغض قهری إلی وجوده وهذا هو الّذی یعبر عنه بمانعیة الوجود إلی أن قال إذا عرفت ذلک نقول منع جریان الاستصحاب فی موارد الشک فی المانعیة إمّا یکون لأجل أنّ استصحاب صحة أجزاء السابقة لا یجدی فی اثبات صحة المأمور به لأنّ القطع بالصحة لا ینافی القطع بمانعیة الزیادة فکیف الشک فی الزیادة ففیه مضافا إلی أنّ عنایة مانعیة شیء غیر عنایة شرطیة عدمه أنّ کون الشیء مانعا یمکن أن یکون بلحاظ أحد الأمور الثلاثة الأوّل أن یکون وجوده موجبا لحصول النقص فی الأجزاء السابقة به تسقط عن قابلیة ترکیبها مع سایر الأجزاء والشرائط وتأثیرها فی حصول المرکب.

الثانی أن یکون وجوده مانعا لتأثیر أجزاء السابقة فی ایجاد المرکب.

الثالث أن یکون وجوده مانعا لتأثیر الأجزاء اللاحقه فی ایجاد المرکب.

وبذلک تعرف أنّ وجود المانع قد یوجب زوال صفة الجزء السابق بلحاظها کأن یطلق علیه أنّه صحیح ویوجد فیه نقص یسقط به عن قابلیة ترکیبه مع سایر الاجزاء.

وقد لا یوجد فیه النقص إلّا أنّه یمنع عن تأثیره الذی هو قابلیة ضمّة إلی سایر الأجزاء وتحصیل الکل والحاصل أنّه یمکن تصویر عروض الفساد علی الجزء الذی وقع صحیحا ومعه یوجه استصحاب الصّحة بأن یقال قبل عروض هذا المانع الاحتمالی کانت أجزاء السابقة صحیحة فنشک فی فسادها بسبب عروض المانع والأصل بقاؤها علی صحتها وعلیه فلافرق بین الشک فی القاطع والشک فی المانع فی جریان الاستصحاب.

وإن کان الاشکال من جهة الأصل المثبت بدعوی أنّ اجراء هذا الأصل لا یثبت سقوط الأمر وعدم وجوب استیناف لأنّ هذا الأثر عقلی ولازم لبقاء الأجزاء السابقة

ص:326

علی صحتها وضمّ سایر الأجزاء بها ففیه أنّ التعبد بشیء لا یحتاج إلّا إلی أن یکون نفس ذلک الشیء أو أثره مما بید الشرع رفعا ووضعا ولو تبعا لمنشأ انتزاعه و حصول الکل وإن کان فی المقام أثر عقلی إلّا أنّه مما یمکن رفعه ووضعه تشریعا بتبع وضع منشأ انتزاعه ورفعه أعنی وضع الأمر بالکل و رفعه.

فتحصّل: أنّ الاستصحاب یجری أیضاً فی الشک فی المانع کما یجری فی الشک فی القاطع والاشکال فی الشک فی المانع ناشٍ من الخلط بین شرطیة العدم ومانعیة الوجود اذ لاتأثیر للعدم بخلاف مانعیة الوجود فمع جریان الاستصحاب فی الشک القاطع والشک فی المانع لامجال لأصالة البراءة بناء علی المشهور من حکومة الاستصحاب علی أصالة البراءة وأمّا علی المختار من اختصاص الحکومة بما إذا کانا متخالفین دون ما إذا کانا متوافقین فکلاهما جاریان لأنّ أدلّة اعتبار الاستصحاب ناظرة إلی احتمال الخلاف لااحتمال الوفاق کما لایخفی.

التنبیه الرّابع: فی حکم الزیادة والنقیصة بحسب مقتضی النصوص الخاصة ولا یذهب علیک أنّ ما ذکر فی التنبیه الثانی والثالث هو حکم الزیادة والنقیصة بحسب مقتضی الأصول إلّا أنّ هنا نصوصا خاصة تدلّ علی البطلان أو الصحة فی خصوص بعض الموارد کالصلاة وتفصیل ذلک وإن کان مناسباً لابواب الفقه ولکن لا بأس بالاشارة إلیه فی المقام.

وقد وردت فی الصلاة طوائف من الأخبار الطائفة الأولی ما تدلّ علی بطلان الزیادة مطلقا (سواء کان الزائد عن عمد أم غیره وسواء کان فی رکن أم غیره) کقوله علیه السبب فی صحیحه أبی بصیر من زاد فی صلاته فعلیه الاعادة الطائفة الثانیة ما تدلّ علی بطلانها بالزیادة السهویة کقوله علیه السّلام فی صحیحة زرارة إذا استیقن أنّه زاد

ص:327

فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها فاستقبل صلاته استقبالا إذا کان قد استیقن یقینا والطائفة الثالثة ما تدلّ علی بطلانها بالاخلال السهوی فی الأرکان بالزیادة أو النقصان وأمّا الاخلال بغیر الارکان سهواً فلایوجب البطلان کقوله علیه السّلام لا تعاد الصلاة إلّا من خمس الطهور والقبلة والوقت والرکوع والسجود.

ومقتضی الجمع بین هذه الطوائف هو الحکم ببطلان الصلاة بالزیادة العمدیة مطلقا وببطلانها بالزیادة السهویة فی الأرکان مطلقا وبعدم البطلان بالزیادة السهویة فی غیر الأرکان والنسبة بین الطائفة الاولی التی تدلّ علی البطلان مطلقا سواء کان عن عمد أم عن سهوه سواء کان رکناً أم لم یکن وبین حدیث لاتعاد الدال علی عدم البطلان بالاخلال السهوی فی غیر الأرکان وإن کانت هی العموم من وجه لأنّ حدیث لاتعاد وان کان خاصاً من جهة ان الحکم بالبطلان فیه مختص بالاخلال بالأرکان إلّا أنّه عام من حیث الزیادة والنقصان إلّا أنّ حدیث لاتعاد حاکم علی الأدلة وشارح لها إذ مفاده أنّ الاخلال السهوی فی الأجزاء والشرائط لایوجب البطلان إلّا فی الأرکان الخمسة المذکورة فیه وحیث کان لسانه لسان الشرح والحکومة یتقدم علی ما یدلّ علی البطلان فی الزیادة مطلقا أو یتقدم علی ما یدلّ علی البطلان فی الزیادة السهویة مطلقا فتحصل أنّ الزیادة العمدیة موجبة للبطلان مطلقا سواء کان ذلک الزائد رکناً أم غیر رکن وأنّ الزیادة السهویة لا توجب البطلان إلّا فی الأرکان.

أورد علی ذلک أوّلا بأنّ الحکومة لا تختص بحدیث لا تعاد إذ کل واحده من الأدلّة ناظرة إلی أدلّة الأجزاء والشرائط وحاکمة بالنسبة الیها وعلیه فهذه الطوائف من الأخبار متعارضة ولا وجه لحکومة بعضها علی بعض لوحدة لسان الطوائف المذکورة و وجود مناط الحکومة وهو تعرض أحد الدلیلین لما لم یتعرض له دلیل

ص:328

آخر فمع التعارض وعدم الترجیح بینهما فإن کان للادلة الدالة علی الجزئیة والشرطیة اطلاق یؤخذ بها فی مورد التعارض کالزیادة السهویة فی غیر الأرکان ویحکم بالاعادة وإن لم یکن لها اطلاق یرجع إلی مقتضی الأصول علی التفصیل المتقدم فی التنبیه الثانی والثالث هذا بناء علی عدم ترجیح إحدی هذه الطوائف وتعارضها وتساقطها.

ولکن لقائل ان یقول إنّ الترجیح موجود فی قاعدة لاتعاد لاشتمالها علی الحصر المستفاد من الاستثناء وهو موجب لقوة الدلالة ولاشتمالها أیضاً علی تعلیل الحکم بقوله القراءة سنّة والتشهد سنّة ولا تنقض السنّة الفریضة وإن شئت قلت إنّ التعلیل مشتمل علی ملاک الحکومة وهو تعرض أحد الدلیلین لسلسلة علل الحکم أعنی الاعادة وعلیه فمع تقدیم قاعدة لا تعاد علی غیرها یرتفع الاشکال وذلک لقیام القرینة علی حکومة قاعدة لا تعاد أو أظهریتها بالنسبة إلی غیرها.

نعم هنا اشکال آخر وهو أنّ حدیث من زاد الخ بعد تقدیم قاعدة لا تعاد علیه یختص مورده بالزیادة الخمسة بل یختص بزیادة الرکوع والسجود بعد ما عرفت من أنّ الزیادة فی الخمسة لا تکون متصورة إلّا فی الرکوع والسجود وعلیه فالزیادة العمدیة نادرة ومن البعید تأسیس قاعدة کلیة بقوله من زاد فی صلاته الخ لأجل الزیادة فی الرکوع أو السجود سهواً أو عمداً وجه البعد أنه یمکن تخصیص الأکثر أو حمل المطلق علی النادر.

فالأولی أن یقال إنّ قاعدة لا تعاد لا تشمل الزیادة وعلیه فتحمل قاعدة لا تعاد علی النقیصة حملا للظاهر علی الاظهر فتبقی الزیادة تحت حدیث من زاد الخ.

وتکون موجبة للبطلان مطلقا سواء کانت فی الرکن أم غیره وسواء کان عمداً أم سهواً فلاتکون مورد حدیث من زاد فی صلاته الخ نادراً ولا معارضة بینه وبین

ص:329

قاعدة لاتعاد لاختلاف موضوعهما ولکن أجیب عن الاشکال المذکور بأنّ حمل حدیث من زاد فی صلاته الخ علی ذلک مخالف لفتوای الأصحاب حیث إنّ الزیادة السهویة فی غیر الأرکان لا توجب البطلان فلامحیص من أن یحمل حدیث من زاد فی صلاته الخ علی زیادة الرکن أو الرکعة هذا الحمل أیضاً لا یخرجه عن الحمل علی النادر فالأولی فی الجواب أن یقال إنّ الزیادة العمدیة فی غیر الأرکان لا تکون مشمولة لقاعدة لاتعاد کما لا تشمل القاعدة النقیصة العمدیة لانصراف قاعدة لاتعاد عن صورة العمد إلّا أنّه لا مانع من أن تکون الزیادة العمدیة مشمولة لحدیث من زاد فی صلاته الخ وعلیه فلایلزم من ذلک حمل الحدیث علی النادر أو تخصیص الأکثرو تقدیم القاعدة علی الحدیث المذکور فی زیادة ماعدا الخمسة وهی زیادة ما لیس برکن مع أنّه مورد لکل واحد منها لیس إلّا من جهة الحکومة أو الأظهریة فیقال بأنّ قاعدة لا تعاد تدلّ علی أنّ الزیادة السهویة فی غیر ما هو رکن لا یوجب البطلان وإن کان مقتضی اطلاق حدیث من زاد فی صلاته الخ هو البطلان والنسبة بینهما تکون هی العموم من وجه وذلک لما عرفت من حکومة قاعدة لا تعاد أو أظهریتها بالنسبة إلی حدیث من زادصلاته الخ وأورد علیه ثانیاً بأنّ النسبة بین حدیث لا تعاد بناء علی اختصاصه بالسهو وبین قوله علیه السّلام «إذا استیقن أنه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها فاستقبل صلاته استقبالاً» بناء علی اختصاصه أیضاً بالسهو هی العموم والخصوص لأخصیة الثانی «أی قوله علیه السّلامإذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ لاختصاصه بالزیادة» بالنسبة إلی الأوّل «أی حدیث لا تعاد لأنّه یشمل الزیادة والنقیصة» وعلیه فلاوجه لحکومة قاعدة لا تعاد علی قوله علیه السّلام إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ.

ص:330

یمکن أن یقال: إنّ حدیث إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ وإن کان أخص مطلقا من جهة سهو الزیادة من قاعدة لا تعاد فلو أرید تقدیم قاعدة لا تعاد علی حدیث إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ من هذه الجهة لکان حدیث إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ بلا مورد إلّا أنّ حدیث إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ أعم من قاعدة لا تعاد من جهة اطلاق الحدیث أو عمومه للأرکان وغیرها فلایلزم من تقدیم قاعدة لا تعاد علی الحدیث المذکور من هذه الجهة صیرورته بلا مورد اذ بقی الأرکان بعنوان المورد له وإذا نقول کما أنّ لسان لا تعاد کان حاکماً علی حدیث من زاد فی صلاته فکذلک لسان لا تعاد کان حاکما علی هذا الحدیث ای حدیث إذا استیقن أنّه زاد فی صلاته الخ فیخصصه بالزیادة الواقعة فی الارکان ویبقی تحت حدیث اذا استیقن انه زادصلاته الخ مورد تلک الزیادة.

فتحصل أنّ القاعدة قدمت علی الحدیث المذکور من باب الحکومة أو من باب الأظهریة ولا محذور فیه ودعوی تخصیص الأکثر مندفعة بأنّ التخصیص عنوانی للأفرادی.

مفاد قاعدة لاتعاد

ولا بأس بالاشارة إلی مفاد هذه القاعدة بأمور:

الأوّل: أنّ مفاد قاعدة لا تعاد أنّ وقوع الخلل فی الصلاة سواء کان بالزیادة أم بالنقصان لا یوجب الاعادة فی غیر الخمسة المذکورة وعلیه فلااشکال فی شمولها للسهو أو النسیان عن الحکم أو الموضوع بل مقتضی عمومها هو شمولها للجهل بالحکم أو الموضوع ودعوی أنّ شمولها للجهل لا یلائم کلمات الاصحاب مندفعة بأنّه لا یضرّ إذا احتمل أنّه من باب الاجتهاد لا الکشف عن قید یوجب عدم شمولها

ص:331

للجهل و ربّما یقال یؤید عدم شمولها لصورة الجهل کثرة الأمر بالاعادة فی جواب الأسئلة الکثیرة الواردة فی ترک بعض الأجزاء أو الشرائط أو زیادتهما جهلاً لأنّها أمارة علی أنّ قاعدة لا تعاد تختص بالساهی والناسی وإلّا فلامورد للأمر بالاعادة فی صورة الجهل ولکن یمکن الجواب عنه بأنّ هذه الدعوی غیر ثابتة ومع عدم ثبوتها لا وجه لرفع الید عن عموم القاعدة.

الثانی: أنّ القاعدة لا تشمل العالم العامد لمنافاة ذلک مع أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط لکونه خلفا فی الجزئیة والشرائط إلّا أن یکون المراد من عدم الاعادة فی القاعدة عدم بقاء المجال للتدارک بعد ترک الجزء والشرط فتدلّ القاعدة حینئذٍ علی أنّ مع ترک الجزء أو الشرط أو زیادتهما لا یبقی مجال التکرار لا أنّ عمله صحیح حتی ینافی مع أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط وعلیه فلامانع من شموله للعالم العامد فضلا عن الجاهل المقصّر إذ لا یستلزم من ذلک خلف ولا لغویه جعل الشرط أو الجزء لأنّ اللغویة والخلف فیما إذا کان مفاد القاعدة هو الصحة لا عدم امکان التدارک والاعادة.

ویمکن أن یقال: إنّ قاعدة لا تعاد تدلّ علی الصحة ومع هذه الدلالة لا تشمل العالم العامد للزوم اللغویة والوجه فی دلالتها علی الصّحة ذیل صحیحه زرارة وهو قوله علیه السّلام «القراءة سنّة والتشهد سنّة فلاتنقض السنّة الفریضة».

ومن المعلوم أنّ معنی عدم نقض السنة للفریضة زیادة أو نقصانا هو صحة الصلاة والحکم بالصحة فی فرض العمد ینافی أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط ویلزم اللغویة والخلف.

الثالث: أنّ القاعدة هل تشمل الاستیناف فی الأثناء أو لا تشمل ربّما یقال الظّاهر من الاعادة هو الاتیان ثانیا بعد تمام العمل فلاتعمّ القاعدة الاستیناف فی الأثناء ولکن التعلیل فی ذیل الصحیحه یوجب التعمیم لعدم تقییده باتمام العمل.

ص:332

الرابع: أنّ مقتضی عموم القاعدة هو شمولها للزیادة والنقیصة ولا یضرّه عدم تصور الزیادة فی بعض الأقسام المذکورة فیها کالوقت والقبلة والطهور فالزیادة داخلة فی النفی والاثبات کما أنّ النقیضة کذلک ویشهد له التعلیل فی الذیل بأنّ الفریضة لا تنقض بالسنة من دون اعتبار خصوصیة للوجودی والعدمی ودعوی انصراف الروایة إلی الوجودیات فلایشمل العدمیات.

مندفعة: بعدم تسلیم الانصراف مع الاطلاق هذا مضافا إلی أنّ الانصراف إلی الوجودیات لا یمنع عن شمول القاعدة للزیادة لحکم العرف بوجود الزیادة فیما إذا زاد وإن کان عدمها مأخوذا فی المأمور به بحسب الدقة العقلیة.

التنبیه الخامس: فی قاعدة المیسور بحسب الأصول العملیة والأدلة الاجتهادیة إذا ثبت جزئیة شیء أو شرطیته وتعذرتا یقع الکلام فی سقوط التکلیف بالنسبة إلی الباقی وعدمه فصور المسألة أربعة.

أحدها: أن یکون لدلیل المرکب اطلاق دون دلیل اعتبار الجزء أو الشرط ومقتضی اطلاقه هو وجوب الاتیان به حال تعذر الجزء أو الشرط کالصلاة لما ورد من أنّ الصلاة لا تترک مجال.

وثانیها: أن یکون لدلیل الجزء أو الشرط اطلاق دون دلیل المرکب ومقتضی إطلاق دلیل الجزء أو الشرط وعدم اطلاق دلیل المرکب هو القول بسقوط الأمر المتعلّق بالمرکب لتعذر الجزء أو الشرط مع عدم مطلوبیة العمل بدون الجزء أو الشرط.

وثالثها: أن یکون لدلیل الجزء أو الشرط ولدلیل المرکب کلیهما اطلاق فإن رجح أحد الاطلاقین علی الأخر فهو المقدم فإن کان الراجح هو دلیل المرکب فیلحق بالصورة الأولی ویجب الاتیان به وإن کان الراجح هو دلیل الجزء أو الشرط فیلحق

ص:333

بالصورة الثانیة ویسقط الأمر بالمرکب وان لم یکن رجحان لأحدهما فحکمه حکم الصورة الرابعة.

ورابعها: أن لا یکون لواحد منهما اطلاق وهو المقصود بالبحث ویقع الکلام فیه إما بحسب القواعد الأصولیة من البراءة أو الاستصحاب وإمّا بحسب القواعد الفقهیة کقاعدة المیسور لا یسقط بالمعسور.

أمّا بحسب القواعد الاصولیة فالعجز والتعذر إما یکون طارئا مع کونه قادرا قبل ذلک وإما أن یکون عاجزا من أوّل الأمر قبل زمان التکلیف.

ثمّ إنّ القدرة والعجز تارة یفرضان فی واقعة واحدة کما إذا کان فی أول الظهر قادراً علی اتیان الصلاة بتمامها فصار عاجزاً عن اتیان بعض أجزائها وشرائطها فی الوقت وأخری فی واقعتین کما إذا کان قادراً فی الأیام السابقة فطرء علیه العجز فی یومه فصّل فی الدرر بین ما إذا کان عاجزاً من أوّل الأمر فقال لم تجر فی حقه إلّا قاعدة البراءة دون قاعدة الاستصحاب وقاعدة المیسور ضرورة توقفهما علی الثبوت فی الزمن السابق.

أللّهمّ إلّا أن یکتفی فی تحقق قاعدة المیسور بتحقق مقتضی الثبوت.

وبین ما إذا کان العجز طاریا علیه فی واقعة واحدة فقال الحق هو وجوب الاتیان بالمقدور عقلاً لأنّه یعلم بتوجه التکلیف إلیه فإن لم یأت بالمقدور لزم المخالفة القطعیة انتهی ولعل الأمر فی واقعتین بالنسبة إلی الواقعة الثانیة کالعجز من أوّل الأمر وکیف کان أورد علی صاحب الدرر سیدنا الأمام المجاهد قدّس سرّه بأنّ الحق هو جریان البراءة فی جمیع الصور.

أمّا جریانها فی الأولی فواضح جدا لأنّ مرجع الشک فیه إلی أصل التکلیف وأمّا جریانها فی الثالثة فلان تمامیة الحجة فی الأیام الماضیة لا تصیر حجة للأیام الفعلیة

ص:334

وأمّا الصورة الثانیة فلأنه وإن کان فی أوّل الوقت مکلفا بالاتیان بالمرکب تاما لکنه قد ارتفع بارتفاع حکم الجزء وتعذره عقلاً بعد العجز والتکلیف بالفاقد مشکوک فیه من رأس فیکون المرجع إلی البراءة هذا کله بالنسبة إلی البراءة العقلیة وأمّا البراءة الشرعیة فلاشک فی أنّ حدیث الرفع لا یثبت وجوب الفاقدة لانّه حدیث رفع لا حدیث وضع انتهی.

ولقائل أن یقول لا مجال للبراءة إذا کان العذر طارئا وذلک لجریان الاستصحاب فی الوجوب النفسی الانحلالی بالنسبة إلی الأجزاء غیر المتعذرة بعد ما تقدم من أنّ الوجوب بالنسبة إلی الأجزاء والشرائط المعلومة وجوب نفسی انبساطی وهو معلوم فعلی هذا فالوجوب النفسی المتعلّق بالأجزاء غیر المتعذرة معلوم وإنّما الشک فی بقائه ولا یتوقف هذا الوجوب علی وجوب المرکب منه ومن غیره حتی یکون الوجوب وجوباً ضمنیاً ویرتفع بارتفاع وجوب الکل بسبب تعذّره ولا یکون الوجوب مقدمیا حتی یقال وجوبه مرتفع بوجوب ذی المقدمة وذلک لأنّ الوجوب منبسط علی نفس الأجزاء بالأسر ومعه لا مجال للمقدمیة.

وهکذا لیس وجوب غیر المتعذر باعتبار عروض الوجوب للمرکب حتی یقال بأنّ العرف لا یتسامح فی موضوع المستصحب وذلک لأنّ الأجزاء فی المرکبات وإن لو حظت بلحاظ الوحدة ولکن هذه الوحدة لا دخالة لها فی تعلّق الحکم بل هی عین الکثرة والکثرة عین الوحدة ومعنی العینیة هو تعلّق الوجوب بنفس الأجزاء بالأسر من دون ملاحظة انضمام سائر الأجزاء إلیها وعلیه فالأجزاء غیر المتعذرة هی التی تعلّق بها الوجوب عند تعلّقه بالمرکب منها ومن غیرها فالوجوب الثابت لها هو وجوب نفسی متعلّق بنفسها وعینها ولیس هو وجوب المرکب منها ومن غیرها

ص:335

وعلیه یجری فیه الاستصحاب من دون حاجة إلی التسامح فی الموضوع لأنّ الموضوع حینئذٍ باقٍ بالدقة من دون مسامحة.

لایقال: إنّ الحکم یتشخص بموضوعه فذلک الوجوب النفسی المنبسط علی الأجزاء بالأسر لتشخصه بها زال قطعاً والتشخص بالأجزاء الباقیة لوکان لکان وجوبا آخر فلابدّ من المسامحة.

لأنّا نقول: إنّ بعد فرض انبساط الوجوب والأمر وتعدد تعلّقاته بتعداد الأجزاء یکون الزائل بتعذر جزءٍ أحدَ التعلّقات وأمّا التعلّقات الأخری فهی عین الوجوب النفسی السابق المتعلّق بغیر المتعذر من الأجزاء وتشخّصها باقٍ ببقاء موضوعها والمفروض بقاء موضوع سائر التعلّقات.

ودعوی: أنّ متعلّق الأمر الواحد والارادة الواحدة لیس إلّا أمراً وحدانیا وأنّ الأجزاء بنعت الکثرة لا یعقل أن تقع مصبّا للطلب الواحد إلّا أن یصیر الواحد کثیرا أو الکثیر واحدا وکلاهما خلف بل المتعلّق للبعث الواحد إنّما هی نفس الأجزاء فی لحاظ الوحدة والإجمال وفی حال اضمحلالها وفنائها فی صورتها الوحدانیة لابمعنی کون الأجزاء من قبیل المحصلات لما هو متعلّق الأمر بل الأجزاء عین المرکب لکن فی حالة التفصیل کما أنّ المرکب عین الأجزاء لکن فی لباس الوحدة وصورة الإجمال وعلیه فالقول بانبساط الارادة أو البعث الوحدانی علی موضوعها مما لامحصّل له.

لأنّ المتعلّق بالفتح کالمتعلّق بالکسر لیس إلّا أمراً وحدانیا وإن کانت ذات أجزاء عند التحلیل ولحاظه تفصیلا و معه لایصح أن یقال إنّه قد علم زوال انبساطه عن المتعذر و شک فی زواله عن غیره إذ کل ذلک فرع أن یکون المتعلّق ذات أبعاض

ص:336

وأجزاء عند تعلّق الأمر والمفروض أنّ الأمر لایتعلّق بالکثیر بما هو کثیر ما لم یتخذ لنفسه صورة وحدانیة یضمحل فیها الکثرات والأبعاض والأجزاء ومع الاضمحلال لا مجال للتفوه بالانبساط وبذلک یبطل القول بالعلم بارتفاع الوجوب عن جزء والشک فی ارتفاعه عن الأجزاء الباقیة.

مندفعة: بأنّ المرکبات الاعتباریة لیست أمراً مغایر للأجراء بالأسر بل هی عینها حقیقة والوجه فیه أنّه لیس المراد من المرکبات إلّا الأجزاء فی لحاظ الوحدة ولحاظ الوحدة لا توجب المغایرة بین الأجزاء والمرکبات ولذا لا مجال لتوهم کون الأجزاء من المحصّلات للمرکبات فعنوان المرکبات مجمل الأجزاء ومعصورها کما أنّ عنوان الأجزاء مفصّل ذلک المجمل.

وعلیه فدعوة الأمر نحو ایجاد الأجزاء إنّما هو بعین دعوته إلی المرکب لا بدعوة مستقلة عن دعوته ولا بدعوة ضمنیة ولا بدعوة مقدمیّة بحکم العقل الحاکم بأنّ اتیان الکل لا یحصل إلّا باتیان ما یتوقف علیه من الأجزاء.

فتحصّل: أنّ استصحاب وجوب الأجزاء غیر المتعذرة فی صورة العجز الطاری فی واقعة واحدة یجری ولکنّه فیما إذا لم یکن الجزء المتعذر من المقومات بحیث یتبدل الموضوع بانتفائه ولا یبقی موضوع للاستصحاب عرفا ولیس المستصحب هو الجامع بین وجوب الباقی وبین وجوب المرکب حتی یکون مبنیّاً علی صحة القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی بل المستصحب هو شخص الوجوب المتعلّق بالأجزاء غیر المتعذرة المنبسط علیها بسبب عنوان المرکب الذی یکون عنوانا اجمالیا للأجزاء ولا مورد لاستصحاب الجامع وأیضاً أنّ المستصحب هو حکم نفس الأجزاء غیر المتعذرة لا حکم المرکب بما هو مرکب منها ومن سایر الأجزاء المتعذرة حتی یحتاج الاستصحاب إلی المسامحة مع تعذر بیض الأجزاء.

ص:337

هذا تمام الکلام فی قاعدة المیسور بجسب الأصول العملیة من البراءة أو الاستصحاب وإنّما قیدنا جریان الاستصحاب بما إذا کان العذر طاریا ولم یکن الجزء المتعذر من المقومات لأنّ مع العجز من أوّل الأمر لا معلوم فیه حتی یستصحب فلاتجری فی حقه إلّا أصالة البراءة وهکذا مع کون الجزء المتعذر مقوما لا مجال للاستصحاب للعلم بارتفاع الوجوب عن الأجزاء مطلقا.

مقتضی القواعد الفقهیة

وأمّا الکلام بالنسبة إلی القواعد الفقهیّة فقد استدلّ له بالنبوی والعلویین المرویات فی غوالی اللئالی فعن النبی صلی الله علیه و آله و سلّم «إذا أمرتکم بشیء فأتوا منه ما استطعتم» وعن علی علیه السّلام «المیسور لا یسقط بالمعسور» «وما لا یدرک کله لا یترک کله» اورد علیها بضعف أسنادها وأجیب عنه بأنّ الضعف منجبر باشتهارها بین الأصحاب فی أبواب العبادات هذا مضافاً إلی ما أفاده بعض الا عزّة من أنّ جملة من الروایات المنقولة فی غوالی اللئالی هی التی استدلّ بها الفقهاء فی تضاعیف الابواب الفقهیه ویشکل ذلک باختصاص اشتهارها بکلمات المتأخرین وهو لا یوجب جبر ضعف أسنادها کما لا یخفی.

وأمّا تقریب الأستدلال بالروایة الاولی فبان یقال کلمة «من» ظاهرة فی التبعیض کما أنّ کلمة «ما» ظاهرة فی الموصولة أو الموصوفة وعلیه فالمعنی إذا أمرتکم بمجموع مرکب من أجزاء وشرائطه ولم تقدروا علی اتیان الکل فأتوا بالبعض الذی استطعتم.

ونوقش فیه باحتمال کون «من» بمعنی الباء أو بیانا و «ما» مصدریّه زمانیّة فیکون مفادها تخصیص أو امر النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم بزمان الاستطاعة فلاارتباط له بقاعدة المیسور.

ص:338

وأجیب عنه بأنّ کون «من» بمعنی الباء مطلقا أو بیانیه فی خصوص المقام خلاف الظّاهر وبعید ولعلّ وجه ذلک أنّ الضمیر فی قوله «منه» من المبهمات فکیف یصح أن یجعل بیاناً لمبهم آخر وهو الشیء المذکور فی الروایة مع أنّ الضمیر فی لفظه «منه» راجع إلیه ولا یقاس المقام بمثل قولک خاتم من فضة فإنّ مدخول «من» فیه یصلح لرفع الابهام عن الخاتم بخلاف المقام.

هذا مضافا إلی أنّ کلمة «ما» ظاهرة فی الموصولة أو الموصوفة لا وقتیه وزمانیة وجعلها ظرفاً بعید جدّاً لکثرة استعمالها فی الموصولة أو الموصوفة.

ویشکل الاستدلال بهذه الروایة لأنّ الأخذ بظاهرها مستلزم للتخصیص الأکثر فاللازم هو جعل کلمة «من» فیها زائدة أو بمعنی الباء وکلمة «ما» مصدریة زمانیة فیکون مفادها تخصیص أوامر النبی صلی الله علیه و آله و سلّم بزمان الاستطاعة هذا مضافا إلی أنّ المعنی المذکور لا یساعد مورد الروایة فإنّه ورد جوابا عن سؤال تکرار الحج فی کلّ عام فهذا الکلام فی مقام نفی التکرار.

ویمکن الجواب عنه بأنّ مورد الروایة وإن کان فی الکلی ذی الأفراد ولکن ذلک لا یوجب تخصیصها به بعد عموم الشیء فی نفسه وشموله لکل من الکل والکلی.

وتوهم عدم امکان عموم «الشیء» فی الروایة لکلّ من الکلّ ذی الأجزاء والکلی الذی له أفراد لمبائنة لحاظین لاقتضاء لحاظه بالاعتبار الأوّل لکون کلمة «من» بمعنی الباء أو بیانیة وبالاعتبار الثانی تبعیضیة وبعد عدم جامع بینهما یتعین خصوص الثانی بقرینة المورد.

مدفوع بامکان إرادة التبعیض من الکلی أیضاً بلحاظ حصصه الموجودة فی ضمن أفراده وبهذه الجهة لا مانع من ارادة ما یعم الکلّ والکلی من الشیء المأمور به

ص:339

مع ارادة التبعیض من لفظة «من» وعلیه فلامتعین فی المرکب بل یشمل الکلی ولفظ الشیء یلائم ذلک.

وهنا مناقشات أخری یمکن الجواب عنها ولکن حیث لا فائدة کثیرة فی تلخیصها أعرضنا عن ذلک.

حدیث المیسور لایترک بالمعسور

وتقریب الاستدلال به أن یقال المیسور من الواجب لا یسقط بمعسوره سواء کان الواجب کلیاً أو کلاّ أخذاً بالاطلاق وعلیه فیجوز التمسک به فی المقام عند تعسّر بعض الأجزاء أو بعض الأفراد ولا وجه لتخصیص الحدیث بالثانی.

ویشکل ذلک بأنّ معنی الحدیث أنّ الحکم الثابت للمیسور لا یسقط بسبب سقوط حکم المعسور ولا کلام ذلک بعد الفراغ عن وجود الحکم وثبوته فی المیسور لأنّ سقوط حکم شیء لا یوجب بنفسه سقوط الحکم الثابت لشیءٍ آخر ولکن المفروض فی المقام هو عدم ثبوت حکم آخر فی المیسور من الأجزاء وعلیه فتحمل الروایة علی دفع توهم السقوط الأحکام المستقلة التی یجمعها دلیل واحد فی مثل اکرم العلماء ولا یشمل الکلّ الذی تعذر بعضه لأنّ الحکم فیه ثابت للمرکب قبل التعذر ولا حکم للأجزاء غیر المتعذرة حتی لا یسقط عن الباقی من الأجزاء بتعذر جزء من المرکب وسقوط حکم المرکب.

وفیه ما لا یخفی بعد ما تقدم من أنّ وجوب الأجزاء وجوب نفسی لأنّ المرکب بالملاحظة الثانویة عین الأجزاء بالأسر فوجوب المرکب عین وجوب الأجزاء وعلیه فبعد تعذّر بعض الأجزاء یصح أن یقال: لا یسقط الوجوب المتعلّق بالأجزاء غیر المتعذرة بسقوط وجوب الأجزاء المتعذرة کما یصح ذلک بالنسبة إلی تعذر بعض الأفراد ودعوی اجمال الروایة باحتمال ارادة عدم سقوط المیسور من أفراد العام بالمعسور.

ص:340

مندفعة: بأنّ الروایة بعمومها یشمل الأجزاء والأفراد ومع العموم لا اجمال.

لایقال: لا تدلّ الروایة علی عدم السقوط لزوماً ما لعدم اختصاصها بالواجب ولا مجال معه لتوهم دلالتها علی أنّ عدم السقوط بنحو اللزوم.

لأنّا نقول: إنّ الروایة تدلّ علی عدم سقوطه بما له من الحکم وجوبا کان أو ندباً بالسبب سقوطه عن المعسور.

ودعوی: أنّ لفظة «لا یسقط» نهی وعلیه فیقع التعارض بین ظهور الهیئة فی اللزوم وبین اطلاق المیسور للمستحبات وبعد التعارض لا یبقی ما یدلّ علی لزوم الباقی حتی فی الواجبات.

مندفعة: بأنّه یبتنی علی أن یکون لفظة «لا یسقط» نهیا بلسان النفی کالجمل الخبریة فی مقام الأنشاء وهو خلاف الظّاهر هذا مضافا إلی ظهور حرف السلب الداخل علی الفعل المضارع فی النفی دون النهی وأیضاً مادة یسقط التی وقعت مدخولا لحرف النفی لا تناسب النهی لأنّ سقوط المیسور عن ذمة المکلّف لیس فعلا للمکلف مباشرة کی یناسب النهی فیه.

هذا مع امکان أن یقال مع تسلیم کون لفظة لا یسقط نهیا لا نفیا وتعارضه مع اطلاق المیسور یقدم ظهور الفعل علی ظهور المتعلّق ویحمل المیسور علی الواجب بقرنیة النهی فلاتغفل.

نعم یبقی هنا اشکال وهو ما أورده فی الدرر من لزوم خروج الأکثر فلابدّ من حمل الحدیث علی ما لایستلزم منه ذلک والأولی هو حمله علی الارشاد والموعظة لمن أراد اتیان شیء بالوجه الأکمل أو الانتهاء إلی أقصی درجات الکمال فلم یتمکن فإنّ النفس قد تنصرف عن الاقدام علی المیسور أیضاً وإن کان حسنا کما هو المشاهد المعلوم فالحدیث یرثه إلی الاتیان بالمیسور.

ص:341

ولکن یمکن الجواب عنه: بأنّ تخصیص الأکثر لیس ممتنعا ذاتا ولا قبیحا عقلاً بل استهجانه من جهة أنّ القاء الکلام واخراج أکثر أفراده عنه یعد عند العرف أمراً خارجا عن طریقة المحاورة وإذا نقول کلما یستلزم من التخصیص ذلک یعدّ مستهجنا عرفا وإلّا فلافإذا کان المخرج خارجا بعنوان واحد أو عنوانین لا یعدّ الکلام خارجا عن طریقة المحاورة ولو فرض أنّ الخارج أکثر أفرادا من الداخل.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ لازم ذلک هو الالتزام بوجوب المیسور من أجزاء المرکب جمیع الموارد حتی فیما لم یبق من المرکب إلّا قلیل مع أنّ ظاهر کلمات العلماء رضوان الله تعالی علیهم أنّهم لم یلتزموا بذلک.

ودعوی لزوم أن یبقی من المرکب ما لا یعد عرفا مبایناً للکل.

ممنوعة لعدم اعتبار ذلک بعد صدق المیسور علی غیر الأجزاء المتعذرة ولو کان جزءاً واحداً والانصاف عدم ظهور الروایة فی مثل المقام بل موردها ما کان فی البین مراتب من الطلب ولم یتمکن من استیفاء المرتبة الکاملة فدلت علی عدم سقوط المرتبة الناقصة بتعذر المرتبة الکاملة وعلیه ففی ما لم یثبت للمیسور أو المدرک مرتبة من الطلب لما کان یشمله الحدیث کما فی المقام حیث أنّ مطلوبیة بقیة الأجزاء أوّل الکلام.

ولقائل أن یقول أوّلا إنّ المیسور من المرکب عند العرف هو ما یترتب علیه ما یترتب علی المرکب من الأثر والخاصیة ولو بنحو ناقص وأمّا ما لم یترتب علیه شیء من الأثر والخاصیة فلایکون میسوراً منه فالمیسور من المعجون الّذی یوثر فی رفع الصفراء مثلاً هو الّذی یترتب علیه هذا الأثر ولو بنحو ناقص لا ما لم یترتب علیه شیء من هذا الأثر وعلیه فاعتبار أن یبقی من المرکب ما لا یعد عرفاً مبایناً

ص:342

للکل فی محله و لاموجب حینئذٍ لاختیار أن یکون مورد الحدیث هو ما کان فی البین مراتب من الطلب ولم یتمکن من استیفاء المرتبة الکاملة فدلّت الروایة علی عدم سقوط المرتبة الناقصة مع أنّه خلاف الظّاهر لأنّ المراد من المیسور هو المیسور من الشیء لا المیسور من الطلب المتعلّق بالشیء.

وثانیاً: أنّه لو سلم دلالة الحدیث علی ما ذکر أمکن القول بأنّ الجزء من المرکب بناء علی عینیة المرکب مع الأجزاء بالأسر مطلوب بمرتبة من مراتب الطلب فلاوجه لدعوی عدم دلالة الروایة علی وجوب المیسور بتعذر سایر الأجزاء.

فتحصّل: مما ذکرناه تمامیة الحدیث من ناحیة الدلالة وهو بعمومه یشمل المیسور من الکلّ کالمیسور من الکلی.

نعم ینصرف المیسور إلی ماله أثر الکل ولو بمرتبة فلایشمل مالا أثر له اصلا والعمدة هو عدم تمامیة الحدیث من ناحیة السند بعد ما تقدم من خلو کلمات القدماء عن الاستناد إلیه ونحوه فلاتغفل.

حدیث ما لایدرک کلّه لایترک کلّه

وتقریب هذا الحدیث العلوی بأن یقال إنّ کلمة «ما» أعم من الکلّ والکلّی فیدل علی أن الکلی أو الکلّ إذا لم یدرک بجمیعه أو بعمومه یجب الاتیان بالمقدار المدرک منه من دون فرق بین أن یکون المتعذر هو المجموع أو الجمیع.

ودعوی: أنّ الکل ظاهر فی المجموعی لا الأفرادی فلادلالة له إلّا علی رجحان الاتیان بباقی الفعل المأمور به واجباً کان أو مستحباً عند تعذر بعض أجزائه لظهور الموصول فیما یعمّهما ولو سلم ظهور قوله لا یترک فی الوجوب فهو لایوجب

ص:343

تخصیص عموم الموصول بالواجب لو لم یکن ظهور الموصول فی الأعم قرنیة علی ارادة خصوص الکراهة أو مطلق المرجوحیة فی «لا یترک» ولا أقل من الإجمال.

فلایستفاد منه اللزوم ولو قیل بظهوره فیه فی غیر المقام.

مندفعة: أوّلاً: بأنّ لفظة «کله» یشمل الکلّی والکلّ ومعه فلاوجه لقوله إنّ الکل ظاهر فی المجموعی لا الأفرادی.

وثانیاً: بأنّ دعوی الإجمال فی تعارض ظهور الفعل مع ظهور المتعلّق لا وجه لتقدم ظهور الفعل علی المتعلّق کما صرحوا به فی مثل لا تضرب أحداً إذ حملوا الأحد علی الحیّ بعد ظهور الضرب فی المولم ولا یرفع الید عن الضرب المولم بسبب اطلاق الأحد بالنسبة إلی الحیّ والمیت وعلیه فیختص الموصول بالواجب و لایشمل المستحب.

لا یقال: إنّ أمر الروایة دائر بین حملها علی تعذر الاتیان بمجموع أجزاء المرکب مع التمکن من بعضها لیکون الوجوب المستفاد منها مولویا وبین حملها علی تعذر بعض أفراد الواجب مع التمکن من البعض الاخر لیکون الوجوب ارشادیا الی حکم العقل بعدم سقوط واجب بتعذر غیره وحیث إنّه لا جامع بین الوجوب المولوی والارشادی لتکون الروایة شاملة لهما ولا قرنیة علی تعیین أحدهما فتکون الروایة مجملة.

لأنّا نقول: إنّ الارشادیة والمولویة کالوجوب والاستحباب لیستا من المدالیل اللفظیة بل هم مستفادتان من الظهور المقامی فلایقاس المقام بموارد استعمال اللفظ فی معناه کما قرر فی محله وعلیه فإذا کان المدلول التصدیقی مما یناسب أن یجمع المولویة والارشادیة فی مورد فلامحذور فی ارادتهما ومعه فلااجمال فالعمدة هو ضعف هذا الخبر سنداً ولا یجبر ضعفه بالشّهرة لاختصاصها بالمتأخرین کما تقدم.

ص:344

جریان قاعدة المیسور مع تعذر الشرط

ولا یخفی علیک أن الملاک فی جریان قاعدة المیسور فی الجزء غیر المتعذر هو صدق المیسور عرفا علی الباقی وهو بعینه هو الملاک فی جریانها مع تعذر بعض الشروط أیضاً فإذا صدق المیسور عرفاً تجری القاعدة وإن کان فاقد الشرط مباینا للواجد عقلا.

نعم لو کان فاقد الشرط مبایناً للواجد عرفاً فلاتجری قاعدة المیسور کما لایخفی لأنّ الشرط علی المفروض یکون من المقومات العرفیة هذا فیما إذا لم یکن تخطئة شرعیة فی البین وإلّا فهی مقدمّة وتجری القاعدة ولو مع عدم صدق المیسور عرفا أو لا تجری ولو مع صدق المیسور عرفا فلاتغفل والحاصل أنّ مع عدم التخطئة الشرعیة یکون المعتبر هو صدق المیسور عرفا وهو لا یکون إلّا إذا کان المعظم من الأجزاء او الشرائط موجودا ولم یکن المفقود من المقومات وإلّا فلامجال للقاعدة ویشکل ذلک بأنّ الباقی الواجد لمعظم الأجزاء والشرائط مع عدم کون المفقود من المقومات یکون بالنسبة إلی الخارج کالقطرة من البحر أللّهمّ إلّا أن یکون خروج ما خرج عن تحت القاعدة علی نحو التخصص لا التخصیص بان یدعی ان الفاقد فی تلک الموارد أجنیا غیر مربوط بالواجد فی نظر الشارع وإن تخیل العرف أنّه میسوره ولا ینافی ذلک أن یکون العبرة بنظر العرف ما لم یعلم خلافه شرعا وعلیه فلایلزم تخصیص الأکثر مع کون کل ما ورد عن الشارع تخطئة للعرف خارجاً عن تحت القاعدة تخصصا لاتخصیص وعدم کون المفقود من المقومات إلّا أن یورد علی اعتبار وجود معظم الأجزاء او الشرائط بأنّ الظّاهر امکان التمسک بالقاعدة المذکورة فی جمیع الموارد التی تعذر بعض الأجزاء أو الشرائط سواء کان المتعذر معظمها أم

ص:345

کان غیر معظمها فإنّه یصدق علی الباقی الفاقد للمعظم أیضاً أنّه المیسور من المرکب ولو لم یکن إلّا جزءاً واحداً وعلیه فدعوی اعتبار أن لا یکون المتعذر معظم الأجزاء والشرائط محل منع هذا مضافاً إلی أنّ مع دلالة الحدیث علی وجوب المیسور فی جمیع الموارد فقیام الدلیل علی اخراج مورد لا یعقل إلّا علی وجه التخصیص لهذا العموم.

وأما دعوی لزوم تخصیص الأکثر فهی مندفعة إمّا بأنّه یستکشف من عدم تمسک الاصحاب فی الموارد الکثیرة بالحدیث احتفافه بما کان یمنع عن شموله لتلک الموارد المجمع علی خروجها عن تحت القاعدة.

وإمّا بأنّ تخصیص الأکثر لا قبح ولا استهجان فیه إذا کان الأکثر خارجا بعنوان عام یشمله.

والانصاف أنّ صدق المیسور عرفا یختص بما یترتب علیه ما یترتب علی المرکب أو المشروط من الأثر والخاصیة ولو بنحو ناقص وأمّا ما لم یترتب علیه شیء من الأثر والخاصیة فلایعدّ عرفا أنّه المیسور وعلیه فدعوی اختصاص المیسور بما إذا لم یکن المفقود معظم الأجزاء والشرائط ولم یکن من المقومات لیست بمجازفة وعلیه فلایرد اشکال علی من خصّص قاعدة المیسور بما إذا لم یکن المفقود معظم الأجزاء والشرائط أو من المقومات وعلیه فدعوی التخصص للتفصّی عن اشکال تخصیص الأکثر باعتبار أهمیة بعض الأجزاء أو الشرائط بمثابة تکون فقدانها کفقدان المعظم غیر مجازفة هذا کله بناء علی تمامیة الأدلة الاجتهادیة وإلّا کما هو الظّاهر لضعف الاسناد فقد تقدم أنّ المحکم هو استصحاب الحکم مع صدق بقاء الموضوع عرفا وهی ذات الأجزاء والمشروط بالشرائط وذلک لأنّ المستصحب هو وجوب نفس الأجزاء والمشروط بالشرائط بناء علی ما عرفت من انبساط

ص:346

الوجوب علیها بنفسها وهو المستصحب لا وجوب المرکب منها وغیرهما من المتعذرة ففی هذه الصورة یکون الموضوع وهو الأجزاء الباقیة والمشروط باقیا عرفا وحکمه هو الاستصحاب فیستصحب.

فرعان:

الفرع الأوّل: فی دوران الأمر بین ترک الجزء وترک الشرط

قال الشیخ الأعظم إنّه لو دار الأمر بین ترک الجزء وترک الشرط کما فیما إذا لم یتمکن من الاتیان بزیارة عاشورا مع جمیع أجزائه فی مجلس واحد علی القول باشتراط اتحاد المجلس فیها فالظّاهر تقدیم ترک الشرط فیأتی بالأجزاء تامة فی غیر المجلس الواحد ویترک الشرط لأنّ فوات الوصف أولی من فوات الموصوف ویحتمل التخییر انتهی و قد یقال إنّ المتبع هو الأهم إن کان وإلّا فالحکم هو التخییر کما فی کلیة المتزاحمین أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ الاتیان بالجزء وترک الشرط المعتبر فی نفس هذا الجزء أهم.

الفرع الثّانی: فی تقدیم البدل الاضطراری علی الناقص

واعلم أنّه لو جعل الشارع للکل بدلا اضطراریاً کالتیمم بالنسبة إلی الوضوء ففی تقدیم البدل الاضطراری علی الناقص وجهان من أنّ مقتضی البدلیة کونه بدلا عن التام فیقدم علی الناقص کالمبدل ومن أنّ الناقص حال الاصطرار تامّ لانتفاء جزئیة المفقود فیقدم علی البدل کالتام ویویده بعض الروایات لقد أفاد وأجاد المحقق الآشتیانی حیث قال إنّ جمیع ما دل علی مشروعیة الناقص حاکم علی دلیل البدل.

ودعوی: أنّ البدل وجود تنزیلی للمبدل ومع التمکن من الاتیان به لا یبقی موضوع للقاعدة لاختصاص جریانها بصورة تعذر الواجب المنتفی بالتمکن من البدل.

ص:347

مندفعة: بأنّ تنزیل البدل منزلة البدل لا یکون إلّا فیما إذا تعذر المبدل ومع تمکنه عنه بقاعدة «المیسور لایسقط بالمعسور» لا مجال للوجود التنزیلی کما لایخفی.

لایقال: المختار هو التخییر بین الاتیان بالمبدل ناقصا وبین الاتیان ببدله الاضطراری.

لأنّا نقول: إنّ جعل البدلیة متأخر عن عدم التمکن من الاتیان بالمبدل ولا یکون ذلک فی عرض التمکن من الاتیان بالمبدل حتی یقال إنّهما متزاحمان ومع التزاحم وعدم المرجح یحکم بالتخییر وقاعدة المیسور توجب التوسعة فی التمکن من الاتیان بالمبدل لا من باب تنزیل الباقی منزلة الواجب حتی یقال إنّ کلا من المیسور والبدل وجود تنزیلی للواجب ولا ترجیج لأحدهما علی الأخر فیتخیر بل یکون من باب انتفاء جزئیة المفقود ورفع الید عنه فلاتغفل.

هذا کله فما إذا کان تباین بین البدل الاضطراری والبدل الذی یدل علیه قاعدة المیسور کالوضوء والتیمم وأمّا إذا لم یکن تباین بینهما کالصوم ستین یوما والصوم ثمانیة عشر یوما فی کفارة شهر رمضان أو کفارة الظهار فمقتضی قاعدة المیسور کما عرفت هو عدم وجود مجال للبدل الاضطراری إلّا أن یکون ظهور الدلیل فی تخصیص القاعدة کما فی مورد المثال أقوی من ظهور قاعدة المیسور فاللازم هو اتباع ظهور الدلیل فی تخصیص القاعدة کما لا یبعد ذلک فی مورد المثال.

التنبیه السادس: فی وجوب الاحتیاط بالتکرار أو التنجیر بین الفعل والترک فیما إذا دار الأمر بین جزئیة شیء أو شرطیته وبین مانعیته أو قاطعیته بمعنی حصول العلم الإجمالی باعتبار أحد الأمرین فی الواجب أما فعل هذا الشیء أو ترکه فهل یجب الاحتیاط بتکرار العمل وایجاده مرة مع هذا الشیء وأخری بدونه أو یختار بین فعله وترکه مرة واحدة وجهان.

ص:348

وقد یقال علی القول بوجوب الاحتیاط فی دوران الأمر بین الأقل والأکثر یجب الاحتیاط فی المقام أیضاً وعلی القول بالبراءة فیه یحکم بالبراءة فی المقام فإنّ العلم الإجمالی باعتبار وجود شیء أو عدمه لا أثر له لعدم تمکن المکلّف من المخالفة العملیة القطعیة لدوران الأمر بین فعل شیء وترکه وهو لا یخلو من أحدهما مع قطع النظر عن العلم الإجمالی فلم یبق إلّا الشک فی الاعتبار وهو مورد لأصالة البراءة وعلیه فیکون مختارا بین الفعل والترک ومقتضی اطلاق هذا الکلام عدم الفرق بین کون طرفی المعلوم بالاجمال توصیلین أو تعبدیین.

أورد علیه بأنّ التحقیق وجوب الاحتیاط والاتیان بالواجب مع هذا الشیء مرة وبدونه أخری وإن قلنا بالبراءة فی الدوران بین الأقل والأکثر وذلک لأنّ المامور به هو الطبیعی وله أفراد طولیة فالمکلّف متمکن من الموافقة القطعیة بتکرار العمل ومن المخالفة القطعیة بترک العمل راسا فیکون العلم الإجمالی منجزا للتکلیف لا محاله فیجب الاحتیاط فی المقام وإن قلنا بالبراءة فی الدوران بین الأقل والأکثر والفرق بینهما واضح فإنّه لیس فی الأقل والأکثر إلّا احتمال اعتبار شیء فی المأمور به فیکون مجری البراءة بخلاف المقام للعلم الإجمالی باعتبار شیء فی المأمور به غایة الأمر لا ندری أنّ المعتبر هو وجوده أو عدمه فی المأمور به فلابدّ من الاحتیاط ولا فرق بین التوصلین أو تعبّدیین.

ودعوی: أنّ مع تسلیم کون الطبیعة مورد تعلّق التکلیف لا الفرد أمکن التفصیل بین التوصلین و جریان البراءة فی الطرفین و الحکم بعدم اعتبارهما لعدم لزوم المخالفة العملیة القطعیة من جریان الأصل نباء علی عدم المانع من جریان البراءة فی أطراف المعلوم بالاجمال إذا لم یؤدّ إلی المخالفة القطعیة العملیة وبین التعبدیین

ص:349

ولزوم الاحتیاط للتمکن من المخالفة القطعیة فی هذه الصورة ومعه لا یجوز الترخیص بالنسبة إلی الطرفین.

مندفعة: بأنّه إذا دار الأمر بین کون شیء شرطا أو جزءاً بین کونه مانعاً أو قاطعاً فالعلم الإجمالی بتقیید الواجب بأمر حاصل إلّا أنّه دائر بین وجود ذاک الشیء وعدمه وحیث إنّه لا جامع أصلا بینهما وأمکن الاحتیاط ولو بالتکرار فالعقلاء یحکمون فی مثله بوجوب الموافقة القطعیة ولو لم یلزم من جریان الأصل فیه مخالفة قطعیة عملیة ومع حکم العقلاء وعدم الردع عنه لا مجال للرجوع إلی البراءة ولو فی التوصلیات فتحصّل أنّ الأقوی هو وجوب الاحتیاط فی مفروض المسألة مطلقا سواء کان طرفی المعلوم بالاجمال من التوصلیات أو التعبدیات فتدبر جیداً.

خاتمة فی شرائط الاُصول

والکلام یقع تارة فی الاحتیاط واُخری فی البراءة والاحتیاط إمّا فی التوصلیات و إمّا فی العبادات.

أمّا الاحتیاط فی التوصلیات فلایعتبر فی حسنه أمر زائد علی تحقّق موضوعه وهو کونه بنحو یوجب احراز الواقع وهو ان یأتی بجمیع المحتملات وهو حسن ما لم یؤدّ إلی اختلال النظام وإلّا فهو احتیاط موجب لادراک الواقع ولکنّه مبغوض للمولی وساقط حسنه عن الفعلیة وأمّا الاحتیاط فی العبادیات فلاشک فی حسنه فیما إذا لم یتمکن المکلّف من تحصیل العلم التفصیلی باتیان المأمور به او لم یکن الواقع منجّزا علیه کما فی الشبهات البدویة الموضوعیة أو الشبهات البدویة الحکمیة بعد الفحص وعدم الظفر بالدلیل هذا بخلاف ما إذا کان المکلّف متمکنا من الامتثال التفصیلی ففی جواز الاحتیاط قبل الفحص وعدمه أو التفصیل بین کون الاحتیاط

ص:350

مستلزما للتکرار وعدمه أقوال والأقوی هو الأوّل إذ لا دلیل علی اعتبار قصد الوجه مع صدق تحقق الاطاعة علی الاتیان بالمأمور به بدونه سواء استلزم التکرار أو لم یستلزم.

نعم لو شک فی اعتبار قصد الوجه وعدمه وتمکن منه بالفحص عن الأدلّة أو رأی مجتهده أمکن القول بوجوب الفحص لاحتمال دخالته فی الاحتیاط وادراک الواقع ولکن عرفت عدم الدلیل علی دخالة قصد الوجه فیه شرعا ولا فرق فیه بین استلزام الاحتیاط للتکرار وعدمه.

ودعوی الاجماع علی اعتبار نیّة الوجه غیر ثابتة هذا مع احتمال أن یکون مورد الاجماع هو وجوب قصد القربة لا وجوب قصد الوجه فتحصّل أنّ الاحتیاط مطلقا لا یتوقف علی الفحص والعلم بوجه الأحکام من الوجوب أو الندب ومع عدم توقفه علی ذلک یجوز الاحتیاط فی العبادیات کالتوصّلیات من دون فرق بین استلزام الاحتیاط للتکرار وعدمه.

وأمّا البراءة فالکلام فیها یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: فی البراءة العقلیة ولا یخفی علیک أنّه لا یجوز اجراؤها إلّا بعد الفحص والیأس عن الظفر بالحجة علی التکلیف وذلک لأنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان لا مورد لها إلّا بعد ثبوت موضوعها وهو عدم البیان ولا یثبت هذا الموضوع إلّا بالفحص والیأس عن الظفر بالحجة ولافرق فی ذلک بین الشبهات الموضوعیة والحکمیة ما لم یرخصّ الشارع.

وأمّا إذا رخصّ الشارع فهو ترخیص شرعی یرفع به عما یقتضیه الدلیل العقلی لأنّ حکم العقل بالاحتیاط قبل الفحص یکون من باب الاقتضاء ومعه یمکن الترخیص الشرعی.

ص:351

المقام الثّانی: فی البراءة الشرعیة وهی إمّا فی الشبهة الموضوعیة التحریمیة وإمّا فی الشبهة الموضوعیة الوجوبیة وإمّا فی الشبهة الحکمیة.

أمّا الشبهة الموضوعیة التحریمیة فلادلیل علی اعتبار الفحص فی جریان البراءة فیها لاطلاق بعض الادلة الدالة علی البراءة الشرعیة من حیث الفحص وعدمه کقوله علیه السّلام کل شیء منه حرام وحلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ اطلاق الأخبار منصرف عن الموارد التی یمکن تحیل العلم فیها بسهولة ومع الانصراف لا مجال للبراءة قبل الفحص الذی لا یحتاج الی مؤنة.

نعم یجری البراءة من دون فحص إذا کان الفحص محتاجا الی دقة واعمال نظر کما یدل علیه صحیحه زرارة حیث قال قلت لأبی جعفر علیه السّلام فهل علیّ إن شککت فی أنّه أصابه شیء أن انظر فیه قال لا ولکنّک إنّما ترید أن تذهب بالشک الذی وقع فی نفسک.

وذلک لأنّ النظر هو الفحص مع الدقّة فالمنفی فی هذه الروایة هو فحص خاصّ لا مطلق الفحص وإن کان مع سهولة.

وأمّا الشبهة الموضوعیة الوجوبیة فالأمر فیها أوضح لعدم دلیل خاص فیها یدلّ بالاطلاق علی عدم الحاجة إلی الفحص فالشک الذی أخذ موضوعا فیها منصرف من الموارد التی یمکن تحصیل العلم فیها بسهولة بل یصدق العلم المأخوذ فی الغایة علی ما لو تفحص لظفر به فالأقوی عدم جواز اجراء الأصل مطلقا إذا کان الواقع ینکشف بأدنی فحص ولیس الشک مستقرا.

وأمّا الشبهات الحکمیة فقد استدلّ لاعتبار الفحص فیها بأمور.

ص:352

الأول: دعوی الاجماع القطعی علی عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع فی الأدلة.

أورد علیها بأنّ الاجماع هیهنا غیر حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فإنّ تحصیله فی مثل هذه المسألة ممّا للعقل إلیه سبیل صعب.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الاجماع فی مثل المقام غیر متوقف علی الأدلة الموجودة المذکورة فیه بحیث لو لا الأدلة کان بناء الأصحاب علی لزوم الفحص فهذا الاجماع العملی منهم حجة ودلیل علی عدم فهمهم من أدلة البراءة الاطلاق أو دلیل علی تخصیصها علی فرض کونها مطلقه.

هذا مضافا إلی أنّ الاستناد إلی الأدلّة لا یضر إذا اتّصل الاجماع فی کلمات القدماء إلی إجماع أصحاب الائمة علیهم السّلام فإنّه کاشف حینئذٍ عن تقریر الإمام.

الثانی: حصول العلم الإجمالی لکل أحد قبل الأخذ فی استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات کثیرة فی الشریعة ومعه لایصح التمسک بأصل البراءة لما تقدم من أنّ مجراه الشک فی أصل التکلیف لا فی المکلّف به مع العلم بالتکلیف.

أورد علیه بأنّ مقتضی هذا الدلیل هو جواز الرجوع إلی البراءة قبل الفحص بعد ما لو ظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من الأحکام وعدم جواز الرجوع الیها بعد الفحص فیما إذا لم یظفر بهذا المقدار وذلک لأنّ المانع من اجراء البراءة بمقتضی هذا الدلیل لیس عدم الفحص بل هو العلم الإجمالی فما لم یظفر علی المقدار المعلوم بالاجمال لا یصح له الرجوع إلی البراءة ولو بعد الفحص لمنع العلم الإجمالی منه وإذا ظفر علیه یصح له ذلک ولو قبل الفحص والظّاهر عدم التزامهم بذلک فی شیء من الموردین.

ص:353

هذا مضافاً إلی أنّ محل الکلام فی البراءة فیما لم یکن هناک علم موجب للتنجز إمّا لانحلال العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا یکون بینها علم بالتکلیف من موارد الشبهات ولو لعدم الالتفات الیها.

الثالث: أنّ العقل لایعذر الجاهل القادر علی الفحص کما لایعذر الجاهل بالمکلّف به العالم به اجمالا ومناط عدم المعذوریة فی المقامین هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فیهما فاحتمال الضّرر بارتکاب الشبهة غیر مندفع بما یؤمن معه من ترتب الضّرر ألا تری أنّهم حکموا باستقلال العقل بوجوب النظر فی معجزة مدعی النبوة وعدم معذوریته فی ترکه مستندین فی ذلک إلی وجوب دفع الضّرر المحتمل لا إلی أنّه شک فی المکلّف به.

الرابع: الآیات والروایات الدالة علی وجوب التعلم مقدمة للعمل وهی العمدة و أمّا من الایات فقوله تعالی:(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بدعوی أنّ الایة الکریمة أوجبت الفحص والسؤال عن أهل الذکر عند عدم العلم مع أنّه لو کان حدیث الرفع جاریا قبل الفحص فلایکون السؤال لازما.

وقوله تعالی:(وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ)1 بدعوی أنّ الآیة أوجبت السفر والنفر لتعلم الأحکام مع أنّه لو کان حدیث الرفع جاریا قبل الفحص فلاوجه لایجاب السفر والنفر للتعلم.

وأمّا من الروایات فموثقة مسعدة بن زیاد قال سمعت جعفربن محمد علیهما السلام وقد سئل عن قوله تعالی:(فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال إنّ الله یقول للعبد یوم القیامة عبدی

ص:354

کنت عالما فإن قال نعم قال له أفلاعملت بما علمت وإن قال کنت جاهلا قال أفلاتعلّمت حتی تعمل فیخصمه فتلک الحجة البالغة.

بدعوی أنّها تدلّ علی عدم کون الجاهل بالحکم معذوراً إذا کان قادرا علی التعلم واتفقت المخالفة مع أنّه لو کان حدیث الرفع جاریا فیه فلامجال للعتاب والمؤاخذة علی ترک التعلم والتفحص.

وصحیحة أبی جعفر الأحول مؤمن الطاق عن أبی عبدالله علیه السّلام قال لا یسع الناس حتی یسألوا ویتفقّهوا ویعرفوا إمامهم ویسعهم أن یاخذوا بما یقول وإن کان تقیه.

بدعوی صراحتها علی أنّ الناس لیسوا فی سعة بسبب جهلهم بل اللازم علیهم أن یسألوا ویتفقّهوا مع أنّه لو کان حدیث الرفع جاریا فیه قبل الفحص والتعلم کانوا فی سعة وغیر ذلک من صحاح الأخبار الدالة علی عدم جواز الرجوع إلی اطلاق حدیث الرفع قبل الفحص.

وهذه الأدلّة اللفظیة من الآیات والروایات هی عمدة الوجه لتقیید إطلاق أدلّة البراءة الشرعیة بناء علی إطلاقها.

استحقاق العقاب عند ترک الفحص و حصول المخالفة

لا شبهة فی استحقاق العقوبة علی المخالفة فیما إذا کان ترک التعلم والفحص مؤدّیاً إلیها فإنّ المخالفة حینئذٍ وإن کانت مغفولة حین المخالفة وبلا اختیار إلّا أنّها منتهیة إلی الاختیار وهو کاف فی صحة العقوبة بل مجرد ترک التعلم والتفحص کاف فی صحة المؤاخذة والعقوبة وإن لم یکن مؤدّیا إلی المخالفة مع احتمال إدّائه إلی المخالفة لاجل التجرّی وعدم المبالات بها.

نعم یشکل ذلک فی الواجب المشروط والموقت ولو أدّی ترکهما قبل الشرط والوقت إلی المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم یؤدّ إلیهما حیث لا یکون حینئذٍ

ص:355

تکلیف فعلی أصلا لا قبلهما وهو واضح ولا بعدهما وهو کذلک لعدم التمکن منه بسبب الغفلة ولذلک التجأ المحقق الأردبیلی وصاحب المدارک وصاحب الکفایة إلی الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسیا تهیئیا فیکون العقوبة علی ترک التعلّم نفسه لاعلی ما أدّی إلیه من المخالفة أو إلی الالتزام بکون المشروط أو الموقت مطلقا معلّقا لکنّه قد اعتبر علی نحو لا تتصف مقدماته الوجودیة عقلاً بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غیر التعلم والفحص فیکون الایجاب حالیا وإن کان الواجب استقبالیاً قد أخذ علی نحو لا یکاد یتصف بالوجوب شرطه و لاغیر التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته وأمّا لو قیل بعدم الایجاب إلّا بعد الشرط او الوقت فلامحیص عن الالتزام بکون وجوب التعلم نفسیا ولا بأس به و لاینافی ذلک ما یظهر من الأخبار من کون وجوب التعلم إنّما هو لغیره لا لنفسه حیث إنّ وجوبه لغیره لا یوجب کونه واجبا غیریا یترشح وجوبه من وجوب غیره فیکون مقدمیّا بل للتهیأ لایجابه.

یشکل ذلک بأنّ الواجب المعلق خلاف الظّاهر من الأدلة وفتاوی المشهور هذا مضافا إلی أنّه لو کان الواجب توصّلیا ولم یحصل العلم به ثمّ اتفق صدور الواجب منه من باب الاتفاق لزم استحقاقه العقوبة مع اتیانه الواجب حیث ترک التعلم الذی هو واجب نفسی وهو کما تری.

والأولی أن یجاب عن الأشکال بأنّ الواجب المشروط یکون متعلّقا للارادة الفعلیة من الآن علی تقدیر تحقق شرطه کما یساعد علیه الوجدان وملاحظة الإنسان مطلوبات نفسه فإذا علم الإنسان بحصول الشرط فی المستقبل وجب علیه تحصیل مقدماته فعلا.

أو یجاب بأنّ أدلّة وجوب تحصیل العلم کأدلّة وجوب الاحتیاط فکما أنّ وجوب الاحتیاط طریقی فکذلک وجوب تحصیل العلم وکما أنّه لو عصی الأول

ص:356

یعاقب علی ترک الواقع لتنجّزه علیه فکذلک لو عصی التکلیف بوجوب تحصیل العلم فلو ترک الواقع المحتمل من جهة ترک تحصیل العلم یعاقب علیه.

وفیه أنّ تعلّق الارادة الفعلیة من الآن علی تقدیر تحقق شرطه یکون بمعنی أنّ الارادة فعلیة والمراد استقبالی وعلیه فلافرق بین هذا وبین الواجب المعلق فی جواز دفع الاشکال به فإنّ الوجوب فی کلیهما فعلی والواجب استقبالی.

وعلیه فالقول بالواجب المعلّق لدفع الاشکال لا مانع منه.

هذا مضافا إلی أنّه لا یقاس المقام بوجوب الاحتیاط وطریقیته لأنّ احتمال التکلیف الفعلی موجود فیه بخلاف المقام قبل الوقت او الشرط.

نعم یمکن أن یقال بناء العقلاء علی صحة المؤاخذة علی ترک المشروط أو الموقت اذا التفت المکلّف وتمکّن منها فی الجملة ولو بالتعلم والتفحص وذلک لقبح تفویت الملاک ووجوب تحفّظه.

فتحصّل: أنّ التفحص والتعلم واجب ولو فی الموقتات والمشروطات وذلک لقبح تفویت الملاک التام ووجوب حفظه عند العقل والعقلاء ولو لم نقل بالواجب المعلق أو بالوجوب النفسی فلاتغفل.

بقی هنا شیء وهو أنّه إذا کان الواقع بحیث لو تفحّص المکلّف عنه لا یصل إلیه فهل یستحق العقاب علی مخالفة الواقع لو لم یتفحص أولا وجهان:

أحدهما: أنّه یمکن الالتزام بعدم استحقاق العقاب علی مخالفة الواقع لجریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان إذ المراد من البیان هو البیان الواصل والمفروض أنّه غیر واصل.

وثانیهما: هو التفصیل بین وجوب الفحص لآیة السؤال والأخبار الدالة علی وجوب التعلم فالحق عدم استحقاق العقاب لعدم امکان التعلم وتحصیل العلم بالأحکام فالمورد لا یکون مشمولا للأدلة المذکورة.

ص:357

وبین وجوب الفحص لأجل العلم الإجمالی أو لأجل أدلة التوقف والاحتیاط فالحن استحقاق العقاب علی مخالفة الواقع لکونه منجّزا بالعلم الإجمالی أو أدلة وجوب الاحتیاط ولقائل أن یقول محل الکلام فی وجوب الفحص لا یختص بموارد العلم الإجمالی بل یعمّ موارد احتمال التکلیف بلا علم هذا مضافا إلی معارضة أدلّة التوقف والاحتیاط مع أدلّة البراءة ویمکن الجمع بینهما بحمل أدلّة الاحتیاط علی صورة التمکن من ازالة الشبهة بمثل الفحص والمفروض فی المقام أنّه لا یتمکن من ذلک هذا کله بالنسبة إلی استحقاق العقوبة علی المخالفة وأمّا الصحة والبطلان فهو کما یلی إن شاء الله تعالی.

حکم الصحة أو فساد عمل الجاهل بلا فحص و تعلّم

إذ اعمل الجاهل بلا فحص وتعلّم فیحکم ببطلان عمله بحسب الظّاهر ما لم ینکشف الواقع والمراد من الحکم بالبطلان ظاهرا هو عدم جواز الاجتزاء به فی مقام الامتثال بحکم العقل لاحتمال مخالفة المأتی به مع الواقع والمفروض أنّه لا مؤمّن له فی الاکتفاء به لأنّ المفروض أنّه لم یتفحص ولم یتعلم هذا کله فیما إذا لم ینکشف الواقع و إلّا ففیه صور:

الصورة الاُولی: أن تنکشف مخالفة المأتی به مع الواقع إما بالعلم الوجدانی أو بالتقلید عن المجتهد الذی یجب الرجوع إلیه حین العمل أو یجب الرجوع إلیه فعلاً ففی هذه الصورة یجب علیه الإعادة أو القضاء لعدم اتیانه بالمأمور به.

الصورة الثانیة: أن تنکشف مطابقة المأتی به للواقع بسبب فتوی مجتهده فی زمان العمل ومجتهده الذی یجب علیه الرجوع إلیه فعلا ففی هذه الصورة لا إشکال فی الحکم بصحة العمل لمطابقة عمله مع الواقع بحسب الحجة الفعلیة بعد العمل وحنیه.

ص:358

الصورة الثالثة: أن تنکشف مطابقة العمل المأتی به لفتوی من کان یحب الرجوع إلیه حین العمل ومخالفته لفتوی من یحب الرجوع إلیه فعلا ففی هذة الصورة فصلّمصباح الأصول بین الأدلة الخاصة کحدیث «لا تعاد» فاختار الحکم بالصحة فی خصوص الصلاة حتی بالنسبة إلی الجاهل وبین الأدلة العامة التی أقاموها علی دلالة الأوامر الظاهریة للاجزاء بلا فرق بین الصلاة وغیرهما وعمدتها الإجماع علی عدم وجوب الاعادة والقضاء بعد امتثال الأوامر الظاهریّة ولو انکشف خلافها فاختار الحکم بالبطلان من جهة عدم کون المقام داخلاً فی معقد الاجماع یقیناً لأنّ الاجماع علی الاجزاء وعدم وجوب الاعادة والقضاء إنما هو فیما إذا کان العامل عمله مستنداً إلی الأمر الظاهری وأمّا إذا لم یستند إلیه کما فی المقام فلااجماع علی صحته.

ویمکن أن یقال: یکفی فی الإجزاء مطابقه المأتی به مع الحجة والمفروض أنّها متحققة فی المقام إذ فتوی من کان یحب الرجوع إلیه حین العمل حجة له ولا دخالة للاستناد فی حجیتها کما لادخالة له فی سائر الأمارات کالخبر ومعنی حجیتها أنّ العمل بما یطابقها یوجب العذر وسقوط الأمر الواقعی عن التنجیز والمفروض أنّه عمل بما یطابقها فمع العمل والاتیان بالموافق کان معذورا وسقط الأمر الواقعی ومع السقوط المذکور لا مجال للاعادة أو القضاء فلاتغفل.

أللّهمّ إلّا أن یقال: هذا صحیح فیما إذا قلنا بالإجزاء مطلقا بالأدلة اللفظیة وأمّا إذا لم نقل بذلک وقلنا به بدلیل السیرة والاجماع فالقدر المتیقن منهما هو صورة الاستناد.

الصورة الرابعة: أن تنکشف مطابقة العمل المأتی به للواقع بحسب فتوی المجتهد الفعلی ومخالفته له بفتوی المجتهد الأوّل فإن قلنا بلزوم الاستناد فی الحجیة أمکن للعامل أن یستند إلی المجتهد الفعلی ویحکم بصحة عمله وإن لم نقل بلزوم الاستناد وقلنا بکفایة

ص:359

المطابقة فی الحجیة فإن کان الأوّل أعلم یجب علیه الاعادة والقضاء لانحصار الحجیة فیه وإن کان الثانی أعلم فلایجب علیه الاعادة والقضاء لما عرفت وإن کانا متساومین فقول کل واحد منهما حجة له بنحو الحجة التخییریة والمکلّف مخیّر بینهما فتدبر.

الإجهار فی موضع الإخفات و بالعکس

وردت هنا النصوص الصحیحة الخاصة الدالة علی صحة الصلاة فی الجهر موضع الاخفات وبالعکس من دون فرق بین کون الجهل قصوریا أو تقصیریاً فلو انکشف الخلاف قبل انقضاء الوقت فلاحاجة إلی الاعادة فضلا عن القضاء بعد الوقت ولا اشکال فی ذلک وإنّما الإشکال فی الجمع بین الحکم بالصحة واستحقاق العقاب فی صورة کون الجهل تقصیریاً فیقال کیف یعقل الحکم بالصحة مع العلم باستحقاق العقوبة علی ترک الواجب فیما إذا قصّر فی الفحص والتعلّم.

وأجیب عنه بوجوه:

منها أنّ الحکم بالصحة إنما هو لاشتمال المأتی به علی المصلحة الملزمة والحکم باستحقاق العقاب إنّما هو لأجل فوات المصلحة الزائدة التی لا یمکن تدارکها بسبب تقصیره فی ترک الفحص والتعلّم.

ومنها: أنّه یمکن أن یقال بتعدد المطلوب وأنّه فی حال الجهل أمران أحدهما أصل الصلاة والثانی الصلاة المقیدة بکونها قصرا ومع الاتیان بالمقید یحصل المطلق وبحصول المطلق یفوت مصلحة الصلاة المقیّدة بکونها قصرا.

وبذلک ینحلّ الاشکال إذ وجه صحة الاتمام علی هذا کونه مأمورا به ووجه استحقاق العقاب علی ترک القصر کونه مأمورا به أیضاً ووجه عدم وجوب الاعادة قصرا لو علم بالحکم فی الوقت هو تفویت مصلحة القصر بالاتیان بأصل الصلاة ولو فی ضمن الاتمام.

ص:360

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ فوت مصلحة الصلاة المقیدة بکونها قصرا یتوقف علی التضاد.

وهنا اشکال آخر: وهو أنّ ظاهر النصوص أنّ الصلاة المأتی بهما مع کیفیة الاتمام فی موضع القصر أو الاجهار فی موضع الاخفات وبالعکس تامّة الأجزاء والشرائط وهذا ینافی بقاء شرطیة الواقع من الجهر أو الاخفات مثلاً أو جزئیته بالنسبة الی الجاهل فمع عدم بقائهما وتمامیة الأجزاء والشرائط یبقی السؤال والاشکال السابق وهو أنّه کیف یعقل الحکم بالصحة مع الحکم باستحقاق العقوبة علی ترک الواجب.

وأجیب عنه بأنّه لیس فی أخبار الاتمام مکان القصر أزید من قوله علیه السّلام فلااعادة ومن المعلوم أنّ نفی وجوب الاعادة أعم من کون المأتی به تاماً أو ناقصاً سقط الواجب به.

وهکذا الأمر فی خبر الجهر والإخفات فإنّه وإن تضمّن قوله علیه السّلام «وقد تمّت صلاته» إلّا أنّ المراد به بقرنیة صدر الحدیث هو مجرد عدم انتقاص الصلاة وعدم احتیاجها إلی الاعادة فلاینافی استحقاق العقوبة علی ترک الواجب فلاتغفل.

شرطان آخران لجریان البراءة:

وقد حکی عن الفاضل التونی شرطان لجریان البراءة:

أحدهما: أن لا یکون اعمال الأصل موجبا لثبوت حکم شرعی من جهة أخری وعلیه ففی مثل الإنائین المشتبهین لا یجری أصالة عدم وجوب الاجتناب فی طرف لأنّه یوجب الحکم بوجوب الاجتناب عن الطرف الآخر وهکذا لا یجری فی مثل مورد الشک فی المتقدم والمتاخر کالکریّة والملاقاة أصالة عدم بلوغ الملاقی للنجاسة کرّاً لأنّ إعمال الأصل یوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقی بالکرّ أو الماء.

ص:361

أورد علیه الشیخ قدّس سرّه بقوله إنّ ایجاب العمل بالأصل لثبوت حکم آخر إمّا باثبات الأصل المعمول به لموضوع أنیط به حکم شرعی کان یثبت بالأصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدین فیصیر بضمیمة أصالة البراءة مستطیعا فیجب علیه الحج فإنّ الدین مانع عن الاستطاعة فیدفع بالأصل ویحکم بوجوب الحج بذلک المال ومنه المثال الثانی فإنّ أصالة عدم بلوغ الماء الملاقی للنجاسة کرّاً یوجب الحکم بقلته التی أنیط بها الانفعال.

وإما لاستلزام نفی الحکم به عقلاً أو شرعاً أو عادة ولو فی هذه القضیة الشخصیة لثبوت حکم تکلیفی فی ذلک المورد أو فی مورد آخر کنفی وجوب الاجتناب عن أحد الانائین فإن کان ایجابه للحکم علی الوجه الأوّل کالمثال الثانی فلایکون ذلک مانعا عن جریان الاصل لجریان ادلته من العقل والنقل من غیر مانع ومجرد ایجابه لموضوع حکم آخر وجودی آخر لا یکون مانعا من جریان ادلته.

وإن کان علی الوجه الثانی الراجع إلی وجود العلم الإجمالی بثبوت حکم مردد بین حکمین فإن أرید باعمال الأصل فی نفی أحدهما إثبات الآخر ففیه أنّ مفاد أدلّة أصل البراءة مجرد نفی التکلیف دون اثباته وإن کان الاثبات لازما واقعیا لذلک النفی فإنّ الأحکام الظاهریة إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلّتها ولا یتعدی إلی أزید منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعیة بینه وبین ما ثبت إلّا أن یکون الحکم الظاهری الثابت بالأصل موضوعا لذلک الحکم الآخر کما ذکرنا فی مثال براءة الذمة عن الدین والحج.

وإن ارید باعماله فی أحدهما مجرد نفیه دون الاثبات فهو جار إلّا أنّه معارض بجریانه فی الآخر فاللازم إمّا اجرائه فیهما فیلزم طرح ذلک العلم الإجمالی لأجل العمل بالأصل وإمّا اهماله فیهما وهو المطلوب وأما اعمال أحدهما بالخصوص فترجیح بلا مرجح.

ص:362

وکیف کان فسقوط العمل بالأصل فی المقام لأجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة بل یجری فی غیره من الاُصول والأدلة ولعلّ مقصود صاحب الوافیه ذلک وقد عبّر هو قدّس سرّه فی باب الاستصحاب بعدم المعارض.

ثمّ لا یخفی علیک أنّه لا معنی للنزاع فی حجیة مثبتات البراءة وعدمها إذ أصالة البراءة لا تنفی إلّا تنجّز الحکم الواقعی أو فعلیته فالأمر العادی أو العقلی أو الشرعی المترتب علیها لو کان من آثار عدم تنجز الحکم ولوازمه أو فعلیته ولوازمها یترتب علیه لا محالة إذ بعد اجراء البراءة یرتفع تنجز الحکم أو فعلیته بالوجدان وذلک یستلزم ثبوت کل ما کان مترتبا علیه أو ملازماله.

ولو کان من آثار عدم الحکم واقعا لا یترتب بعد جریان البراءة ولو قلنا بالأصل المثبت إذ البراءة لا تنفی الحکم واقعا.

ومما ذکر یظهر أنّه لا وجه لارجاع کلام الفاضل التونی إلی عدم حجیته مثبتات البراءة فلاتغفل.

وثانیهما: من شرائط جریان البراءة أن لا یتضرر باعمال البراءة مسلم کما لو فتح انسان قفص طائر فطار أو حبس شاة فمات ولدها أو أمسک رجلا فهرب دابته فإنّ اعمال البراءة فی هذه الموارد والحکم بعدم الضمان یوجب تضرر المالک فیحتمل اندراجه فی قاعدة الاتلاف وعموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم لا ضرر ولا ضرار ولا ظن بأنّ الواقعة غیر منصوصة فلایتحقق شرط التمسک بالأصل من فقدان النصّ بل یحصل القطع بتعلّق حکم شرعی بالضّار ولکن لایعلم أنّه مجرد التعزیر أو الضمان أوهما معا فینبغی له تحصیل العلم بالبراءة ولو بالصلح.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه ومن تبعه بأنّه إن کان قاعدة نفی الضّرر معتبرة فی مورد الأصل کان دلیلا کسائر الأدلّة الاجتهادیة وحاکما علی البراءة وإلّا فلامعنی

ص:363

للتوقف فی الواقعة وترک العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة تحت قاعدة الاتلاف أو حدیث لا ضرر لا یوجب رفع الید عن الأصل مع تحقق موضوعه وهو الشک.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ أدلّة البراءة إنّما وردت امتناناً والمرادیة هو الامتنان النوعی ومن المعلوم أنّ جعل البراءة فی المورد الذی شکّ فی ایجاب البراءة فیه للضرر علی الغیر خلاف الامتنان النوعی والظّاهر أنّ مراد الفاضل التونی هو اشتراط عدم الضّرر واقعاً علی الغیر لا اشتراط عدم جریان قاعدة نفی الضّرر وعلیه فما أفاده متین إذ مرجعه إلی اشتراط أن یکون جعل البراءة موافقاً للامتنان النوعی.

لایقال: إنّ لازم ذلک هو اشتراط جریان البراءة بالعلم بعدم النصّ وهذا واضح الفساد فإنّ أصالة البراءة مشروطة بعدم العلم بالنصّ لا بالعلم بعدم النص.

لأنّا نقول: إنّ عدم جریان الأصل فی مورد الشک فی الضّرر من جهة عدم إحراز الامتنان النوعی مع أنّ الملحوظ فی أصالة البراءة هو الامتنان النوعی وعلیه فأدلة البراءة قاصرة عن شمول الموارد التی لیس فیها امتنان نوعی.

وجعل البراءة فی موارد الشک فی الضّرر خلاف الامتنان النوعی وإن کان موضوع الأصل وهو الشک متحققاً.

ص:364

قاعدة لاضرر و لاضرار

اشارة

وحیث انجرّ الکلام إلی حدیث لا ضرر ولا ضرار ینبغی أن یبحث عنه علی وجه الاختصار فی ضمن أمور إن شاء الله تعالی.

الأمر الأوّل: فی أسناد الحدیث وطرقه وهی متعددة

منها ما رواه فی الکافی بسند موثق عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال إنّ سمرة بن جندب کان له عذق فی حائط لرجل من الأنصار وکان منزل الأنصاری بباب البستان وکان یمرّ إلی نخلته ولا یستأذن فکلّه الانصاری أن یستأذن إذا جاء فأبی سمرة فلما تأبّی جاء الأنصاری إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فشکا إلیه وخبّره الخبر فأرسل إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وخبّره بقول الأنصاری وما شکا وقال إن ردت الدخول فاستأذن فأبی فلمّا أبی ساومه حتی بلغ به من الثمن ماشاءالله فأبی أن یبیع فقال لک بها عذق یمدّ لک فی الجنة فأبی أن یقبل فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم للأنصاری إذ هب فاقعلها وارم بها إلیه فإنّه لا ضرر ولا ضرار.(1)

ومنها: ما رواه الصدوق بسند موثق عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال إنّ سمرة بن جندب کان له عذق فی حائط رجل من الأنصار وکان منزل الأنصاری فیه

ص:365


1- (1) الکافی، ج 5، ص 292.

الطریق إلی الحائط فکان یأتیه فیدخل علیه ولا یستأذن فقال إنّک تجییء وتدخل ونحن فی حال نکره أن ترانا علیها فإذا جئت فاستأذن حتی نتحرز ثمّ نأذن لک وتدخل قال (فقال) لا أفعل هو مالی أدخل علیه ولا أستأذن فأتی الأنصاری رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فشکا إلیه وأخبره فبعث إلی سمرة فجاءه فقال له استأذن علیه فأبی فقال له مثل ما قال الانصاری فعرض علیه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّمأن یشتری منه بالثمن فأبی علیه و جعل یزیده فیأبی أن یبیع فلما رأی ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال له لک عذق فی الجنّة فأبی أن یقبل ذلک فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الأنصاری أن یقلع النخلة فیلقیها إلیه وقال لا ضرر ولا اضرار (ضرار خ ل).(1)

ومنها ما رواه فی الکافی بسند ضعیف وهو مثل الروایتین المتقدمین إلّا أنّ فیه فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إنّک رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار علی مؤمن.(2)

والوجه فی ضعف الروایة أنّها مقطوعة حیث قال الکلینی عن علی بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبی عبدالله عن بعض أصحابنا عن عبدالله بن سکان عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام.

ومنها ما رواه فی الفقیه عن الحسن الصیقل عن أبی عبیدة الحذاء قال قال ابوجعفر علیه السّلام کان لسمرة سمرة بن جندب نخلة إلی أن قال ثمّ قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم یسرّک أن یکون لک عذق فی الجنة بنخلتک قال لا قال لک ثلاثة قال لا قال ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً إذهب یا فلان فاقلعها واضرب بها وجهه.(3)

ص:366


1- (1) من لا یحضره الفقیه، باب المضاریة، ح 18.
2- (2) الکافی، ج 5، ص 294.
3- (3) من لا یحضره الفقیه، باب حکم الحریم، ص 339، الطبعة القدیمة.

ولا یخفی أنّ قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً» بمنزلة الصغری لقوله لاضرر ولا ضرار وتدلّ علیها.

ودعوی ان الروایة ضعیفة من ناحیة الحسن الصیقل مندفعة بکفایة نقل الأجلاّء عنه فی حصول الوثوق به.

ولیس مقصودنا من کفایة نقل الأجلاء أنّهم لم ینقلوا عن الضعفاء حتی یقال إنّ هذا البناء لم یثبت فی حق غیر محمدبن ابی عمیر وصفوان ومحمدبن ابی نصر النبرنطی بل المقصود أن نقل الأجلاّء عن فرد واکثارهم فی ذلک یوجب الوثوق به عادة والفرق بینهما واضح.

لایقال: اشتمال سند الصدوق إلی الحسن الصیقل علی علی بن الحسین السعد آبادی یوجب ضعف الروایة لعدم توثیقه لأنا نقول إنّ السعدآبادی من مشایخ ابن قولویه بلا واسطة وعبارة مقدمة کامل الزیارات صریحة فی کون مشایخه بلا واسطة ثقات وأما القول بأنّ مفاد المقدمة أنّه لم یورد فی کتابه روایات الضعفاء والمجروحین ولیس مراده من ذلک وثاقة جمیع من وقع فی أسانید روایاته فإنّ منهم من لا شائبة فی ضعفه وهکذا لیس مراده وثاقة عامة مشایخه فإنّ منهم من لا تطبق علیهم الصفة التی وصفهم بها وهی کونهم مشهورین بالحدیث والعلم فهو غیر سدید لأنّ دعوی عدم انطباق وصف المشهور علی علی بن الحسین السعدآبادی أوّل الکلام لاحتمال أن کان هو من المشهورین فی ذلک الزمان ولا یضر بذلک عدم کونه کذلک فی زماننا هذا.

هذا مضافا إلی کون السعدآبادی من شیوخ الإجازات بالنسبة إلی جماعة من الأصحاب.

ص:367

علی أنّ للصدوق طریقا آخر إلی البرقی وهو صحح بالاتفاق.

لا یقال: إنّ هذا الطریق یختص بما اذا روی الصدوق فی الفقیه مبتدئاً باسم البرقی.

لإمکان الجواب عنه بأنّ الصیقل لیس له کتاب کما أنّ السعدآبادی کذلک وعلیه فالکتاب للبرقی أو یونس وکتابهما مرویان بریق آخر صحیح والشاهد علی أنّ الصدوق نقل من کتاب البرقی هو تکرار النقل عنه مرات عدیدة فإنّه قرینة علی أخذه من الکتاب لا أنّهم رووا له مرّات عدیدة ولا فرق فیه بین ابتدائه باسم البرقی وبین عدم ذلک کما لا یخفی.

فنتحصل أنّ ما رواه الصدوق فی الففیه عن الحسن الصیقل معتبر وعلیه فلایصح دعوی أنّ قضیة سمرة لم تذکر مقرونة بجملة لا ضرر ولا ضرار فی کتبنا إلّا بطریق واحد فقط فلاینبغی الخلط بین ثبوت هذه القضیة فی نفسها وبین ثبوتها مقرونة بهذه الجملة فإنّه ان صحّت دعوی استفاضة أصل القضیة فلاتصح دعوی استفاضتها مقرونة بهذه الجملة.

وذلک لما عرفت من أنّ الطریق لا ینحصر بما رواه زرارة بل یروی القضیة المذکورة بطریق آخر وهو علی ما ذکره الصدوق فی المشیخة عن ابی عبیدة الحذاء عن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السّلام.

لا یقال: إنّ ما رواه الصدوق لا یکون مقروناً بجملة لا ضرر ولا ضرار.

لانّا نقول: یکفی فی اقترانها دلالة قوله صلی الله علیه و آله و سلّم لسمرة ما أراک یا سمرة إلّا مضاراً فإنّه بمنزلة الصغری لقوله لا ضرار ولا ضرار فحینئذٍ ان قلنا بکفایة الإثنین فی صدق الاستفاضة فالروایة مستفیضة لنقل زرارة وأبی عبیدة ولکنّه لا یوافق ما ذکره شیخنا البهائی فی تعریف المستفیض حیث قال اذا کان نقله فی کل مرتبة أزید من ثلاثة فمستفیض فقضیة سمرة لیست بمستفیضة وان کانت الروایة الدالة علیها موثقة.

ص:368

هذا بناء علی قطع النظر عن غیر قضیة سمرة وإلّا فدعوی الاستفاضة واضحة لنقل هذه الجملة اعنی «لا ضرر ولا ضرار» فی قضایا اخری باسناد مختلفة متعددة.

منها: ما رواه فی الکافی بسند ضعیف عن عقبة بن خالد عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قضی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بالشفعة بین الشرکاء فی الأرضین والمساکن وقال «لا ضرر ولا ضرار» وقال إذا رفّت الاُرف وحدّت الحدود فلاشفعة.

وهی مرتبطة مع صدرالحدیث من جهة أنّه تصلح لکونه حکمة لعدم لزوم المعاملة فی مورد جعل حق الشفعة بناء علی ظهور قوله وقال «لا ضرار ولا ضرار» فی کونه مقولا للنبّی صلی الله علیه و آله و سلّم أو للإمام علیه السّلام فی وجه تشریع الشفعة کما هو المختار لا أنّه قول الراوی بدعوی أنّه ذکره هنا من باب الجمع بین الروایات.

ومنها: ما رواه فی الکافی بسند موثق عن طلحة بن زید عن أبی عبدالله عن ابیه علیهما السلامقال قرأت فی کتاب لعلی علیه السّلام «أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم کتب کتابا بین المهاجرین والأنصار ومن لحق بهم من أهل یثرب أن کل غازیة غزت بما یعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بین المسلمین فإنّه لا یجوز حرب إلّا باذن أهلها وأن الجار کالنفس غیر مضار ولا آثمّ وحرمة الجار علی الجار کحرمة أمه وأبیه لا یسالم مؤمن دون مؤمن فی قتال فی سبیل الله إلّا علی عدل وسواء»

والظّاهر أنّ فی الروایة تصحیفاً والشاهد لذلک ما رواه الشیخ فی التهذیب عن الکافی بهذا السند عن أبی عبدالله عن أبیه علیهما السلام «قال قرأت فی کتاب علی علیه السّلام أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم کتب کتابا بین المهاجرین والأنصار ومن لحق بهم من اهل یثرب أنّ کل غازیة غزت معنا لعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط مابین المسلمین وأنّه لا یجار حرمة إلّا باذن أهلها وأنّ الجار کالنفس غیر مضار ولا آثمّ وحرمة الجار

ص:369

کحرمة أمه وأبیه لا یسالم مؤمن دون مؤمنین فی قتال فی سبیل الله إلّا علی عدل وسواء» ونسخة الشیخ من الکافی محصحّحة ومنها یعلم أنّ کلمة «بما» غلط والصحیح هی «معنا» وعلیه فقوله یعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بین المسلمین خبر لقوله کل غازیة غزت معنا والمراد منه هو التوصیة برعایة النوبة فی الجهاد.

ویعلم منها أنّ قوله فإنّه لا یجوز حرب إلّا باذن أهلها غلط والصحیح هو وانه لا یجار حرمة إلّا باذن أهلها والمراد من الحرمة هوالمرأة وعلیه فمعناه أنّه لا یجوز أن تجار حرمة إلّا باذن اهل المرأة وعلیه کان ما أفاده العلامة المجلسی من أنّ المراد من الجار فیه من آجرته لا جار الدار صحیحا لأنّ الجار یأتی بمعنی المستجیر والمستجار کلیهما.

ثمّ إنّ هذه المکتوبة مرویة مع سائر المکتوبات المرویّة عن النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم فی کتب العامة وهی تؤیّد صحة نسخة الشیخ من کتاب الکافی.

وکیف کان یحتوی هذا الخبر عنوان غیر مضار وهو بمنزلة الصغری لقوله «لا ضرار ولا ضرار» ویدل علی عدم جواز ایراد الا ضرار من الغیر إلی الجار کما لا یجوز أن یورد الجار الضّرر الی الغیر بحیث یکون آثما بناء علی کون قوله غیر مضار ولا آثمّ راجعا إلی الجار أو کما لا یجوز ایراد الإضرار من الغیر إلی النفس ومن النفس إلی الغیر فکذلک الجار بناء عی رجوع قوله غیر مضار ولا آثمّ إلی النفس.

وبالجملة یدل الحدیث علی عدم جواز الاضرار بالنسبة الی الغیر ولا نظر له الی الاضرار بالنفس.

ص:370

ومنها: ما رواه فی الکافی بسند ضعیف عن عقبة بن خالد عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قضی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بین أهل البادیة أنّه لا یمنع فضل ماء لیمنع به فضل کلاء وقال «لا ضرر ولا ضرار».

هذا مضافا إلی روایات أهل السنة کمسند أحمدبن حنبل عن عبادة بن الصامت أنّ من قضاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أن لا ضرار ولا ضرار.

وسنن بیهقی عن ابی سعید الخدری أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال «لا ضرر ولا ضرار» من ضار ضره الله ومن شاق شق الله علیه.

ولموطأ لما لک عن عمروبن یحیی المازنی عن أبیه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال «لا ضرر ولا ضرار» وغیر ذلک من أخبارهم الدالة علی الکبری المذکورة أعنی «لا ضرر ولا ضرار».

فدعوی الاستفاضة فی تلک الکبری لیست بمجازفة هذا مضافا إلی الأخبار الکثیرة الواردة فی الموارد الخاصة التی یمکن الاطمئنان باحتوائها للکبری وهذه الاخبار کثیرة جدا بحیث قال بعض لعل جماعة الرواة الذین رووا الموارد الخاصة تکون أزید من أربعین رجلا والروایات المسندة المرویة أزید من خمسین روایة وقال سیدنا الاستاد بعد ذکر جملة منها ولا یخفی ان هذه الطائفة اکثر من أن یحصی.

وبالجملة لا مجال للریب فی صدور الکبری المذکورة أی «لا ضرر ولا ضرار» وعلیه فاللازم هو البحث عن ألفاظها وکیفیّة دلالتها.

الأمر الثّانی: فی ألفاظ الحدیث والثابت هو قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر ولا ضرار» کما فی موثقة زرارة المنقولة فی الکافی والفقیه وأمّا قید «فی الإسلام» فهو موجود فی کلام الصدوق فی قبال العامة الذین قالوا ان المسلم لا یرث الکافر فاحتج علیهم

ص:371

الصدوق بأنّ الله عزّوجلّ إنّما حرّم علی الکفار المیراث عقوبة لهم بکفرهم کما حرّم علی القاتل عقوبة لقتله فأمّا المسلم فلأیّ جرم وعقوبة یحرم المیراث فکیف صار الإسلام یزیده شراً مع قول النّبی علیه السّلام «لا ضرر ولا ضرار فی الاسلام» فالاسلام یزید المسلم خیراً ولا یزیده شراً ومن المعلوم أنّ الصدوق فی مقام الاحتجاج به علی العامة بما ورد فی طرقهم والمشهور لم یرووا هذه الزیادة ولم یعملوا به حتی یمکن انجبار ضعف الروایة العامیة.

بل لم یظهر اعتماد غیرالمشهور علی القید المذکور لأنّ ما یستدلّ به علماؤنا فی المسائل الخلافیة بیننا وبین العامة من الروایات المرویة بطرق عامة لیس من باب الاعتماد علیها وإنّما هو من باب الاحتجاج علی الخصم بما یعترف بحجیته ونقل الروایة فی الخلاف والتذکرة إنّما هو من هذا القبیل بل الأمر کذلک فی نقل الفقیه أیضاً بالنسبة إلی عدة مسائل خلافیّة.

وأمّا قید «علی مؤمن» فلادلیل علیه إلّا مقطوعة الکافی عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام أنّه قال إنّ سمرة بن جندب کان له عذق إلی أن قال قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إنّک رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار علی مؤمن الحدیث.

ولا حجیة للمقطوعة فتحصل أنّ الثابت من الفاظ الحدیث هو لا ضرر ولا ضرار من دون قید «فی الاسلام» أو قید «علی مؤمن» نعم لا مانع من أن یقال إنّ نفی الشارع بما هو الشارع لا یکون إلّا بالنسبة إلی تشریعاته وقوانینه.

الأمر الثالث: فی فقه الحدیث وهنا ثلاث مقامات

المقام الأوّل: فی مفاد مادّة (ض ر ر) والظّاهر أنّها موضوعة لجامع النقص سواء کان فی المال أو البدن أو الحال أو الحقوق.

ص:372

ودعوی: أنّ الضّرر بمعنی سوء الحال أو الضیق وقد یستعمل فی النقص بلحاظ تسبیبه لسوء الحال أو للضیق.

مندفعة: أوّلا بأنّ ذلک خلاف المنساق من الضّرر والضرار وهو جامع النقص نعم لا بأس بأنّ یقال إنّ سوء الحال أو الضیق من مصادیق النقص وعلیه فتفسیر الضّرر بسوء الحال أو الضیق من باب الخلط بین المصداق والمفهوم وثانیا بأنّ سوء الحال من المفاهیم المعنویة المحضة بخلاف الضیق والنقص فإنّهما من المعانی المحسوسة وفرض الأمور المعنویة المحضة معنی أصیلا لللفظ یخالف طبیعة اللغة.

ولقائل أن یقول إنّ استعمال الألفاظ فی المعانی غیر المحسوسة مورد الحاجة فی عرض الاحتیاج إلی استعمالها فی المعانی المحسوسة فالصحیح أنّ المعنی الأصلی هو النقص بمعناه الجامع فیعم النقص البدنی والمالی والحالی والحقوقی.

ثمّ إنّ الضّرر کما أفاد سیدنا الاستاد عبارة عن اعدام النفع الموجود وهو أعمّ من أن یکون وجوداً حقیقیا أو تنزیلیا بأن یکون مقتضی وجوده موجودا.

ولا فرق بین أن یکون سبب الاعدام المذکور هو الأحکام الوجودیة أو العدمیة لعدم قصور للقاعدة فی شمولها للأحکام العدمیة کالوجودیة فکما أنّ اطلاق وجود الأحکام ربّما یوجب اعدام النفع الموجود فکذلک قد یوجب ذلک اطلاق الأحکام العدمیة.

المقام الثّانی: فی مفاد الهیئة الأفرادیة لمادّة (ض ر ر) وهی هیئة الفعل للضرر وهیئة الفعال للضرار.

أمّا الضّرر فهو إسم مصدر من ضرّ یضرّ ضرّا والوجه فی ذلک هو التبادر إذ المنساق من لفظ الضّرر أنّه لا یتضمن نسبة تقییدیة ناقصة بخلاف المصدر فإنّه یحتوی تلک النسبة فإذا کان النظر مثلاً إلی نفس العلم لا الی عالم کما یقال العلم

ص:373

خیر من الجهل فهو اسم مصدر ویعبّر عنه فی اللغة الفارسیة ب - «دانش» واذا کان النظر الیه مع نسبته إلی شخص کما یقال علم زید بکذا أقوی من علم عمرو به فهو مصدر ویعبّر عنه ب - «دانستن» والمصدر فی الفارسیة مختوم بالنون دون اسم المصدر.

وأمّا الضرار فهو مصدر علی وزن (فعال) لباب (المفاعلة) یقال ضارة یضارّه مضارة وضرارا أو لباب الثلاثی المجرد أی ضرّ ضرارا علی ما قیل.

ودعوی أنّ المراد من الضرار هو المجازاة علی الضّرر مندفعة بأنّ هذا لا ینطبق علی مورد روایة سمرة بن جندب إذ لا ضرر من ناحیة الأنصاری حتی یحمل نفی الضرار علی نفی المجازاة.

وممّا ذکر یظهر النظر فیما یقال من أنّ المقصود من الضرار هو الضّرر المتعمد الذی یصرّ علیه ویتخذه ذریعة إلیه وهذا هو المتعیّن فی المقام فإنّ سمرة بن جندب کان یتذرع ویضرّ علی الاضرار بالأنصاری باتخاذ حقه فی العذق ذریعة إلی الدخول علیه بلا استئذان فالحکم بأنّ الناس مسلطون علی أموالهم وإن کان غیر ضرری فی نفسه ولکن قد یتخذ ذریعة للاضرار بالآخرین ویتقصد به ذلک کما فعل سمرة بن جندب وهذا المعنی مضافاً إلی استفادتنا له وجداناً من کلمة الضرار هو المناسب من استعمال هذه الکلمة فی هذه الروایات بلحاظ ما أشرنا إلیه من لزوم التکرار المستهجن وذلک لأنّ حرمة الضّرر المتعمد الذی یصرّ علیه ویتخذه ذریعة إلیه تستفاد أیضاً من حرمة الضّرر من غیر تقیید بالتعمد والاصرار بالأولویة ولا حاجة إلی التکرار.

ذهب بعض الأکابر إلی أنّ الفرق بین الضّرر والضرار أنّ الثانی لا یشمل ایراد الضّرر علی النفس بخلاف الأول فذکر الضرار بعد الضّرر من قبیل ذکر الخاص

ص:374

عقیب العام وعلیه فالمقصود من الضرار هو الا ضرار للغیر والمراد من قوله إنّک رجل مضار هو ذلک والاهتمام بنفیه یوجب ذکره بالخصوص وکیف کان ففی الاحتمالات المذکورة إمّا نقول برجحان بعضها علی بعض فهو وإلّا فهی متساویة فی معنی نفی الضرار والإجمال فی معناه لا یوجب الإجمال فی نفی الضّرر فلاتغفل.

والمقام الثالث: فی مفاد الهیئة الترکیبیة ولا یخفی علیک تعذّر الاخبار عن نفی الضّرر والضرار حقیقة لوجود هما فی الخارج فالاخبار عن عدمهما فی الخارج کذب محض.

ولذلک ذهب جماعة إلی أنّ المراد من النفی هو النهی واستدلوا له بوجوه:

منها: أنّ (لا ضرر ولا ضرار) کقوله صلی الله علیه و آله و سلّم لا جَلَب فی الاسلام أولا بنیان کنیسة فی الاسلام فکما یدل النبوی علی النهی عن الزام صاحب الماشیة بسوق الماشیة نحو الساعی للزکاة وعن احداث الکنیسة فکذلک قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر ولا ضرار» یدل علی النهی عن ایجاد الضرر.

وفیه أنّ ارادة خصوص النهی من النفی من دون قیام قرینة علیه مع امکان ارادة تعمیم النفی بلحاظ مطلق الحکم تکلیفاً کان او وضعیا خلاف الظّاهر بخلاف الأمثلة المذکورة فإنّ نفی الحکم فیها بنحو المطلق غیر ممکن بل یستفاد منها النهی عن الالزام فی الأول وعن الاحداث فی الثانی وهو شاهد علی ارادة خصوص النهی من النفی.

هذا مضافا إلی أنّ مدخول (لا) فی المقام طبیعة الضّرر بمعناه الاسم المصدری لابمعناه المصدری الذی هو فعل المکلّف فنفیه لا یختص بخصوص فعل المکلّف لیکون لازم نفیه حرمته بل یعمّه والضّرر الحاصل من امتثال أحکامه تعالی.

ص:375

ومنها: أنّه یقدر کلمة المجوز فی قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر ولا ضرار» فیکون المراد من هذا الکلام عدم تجویز الشارع له وهی الحرمة التکلیفیة وفیه أنّه خلاف الظّاهر إذ الأصل عدم التقدیر مالم یقم علیه قرینة.

ومنها: أنّ المراد من حدیث (لا ضرر ولا ضرار) نفی الضّرر والضرار ادعاء فی الخارج ومصحح الادّعاء هو حکم الشارع بتحریم الضّرر والضرار.

وفیه: أنّ تخصیص ما هو مصحح للادعاء المذکور بحکم الشارع بحرمته تکلیفا لا وجه له بعد امکان تعمیم النفی بلحاظ مطلق الحکم تکلیفا کان أو وضعا کما هو الظّاهر هذا کله نباء علی ارادة النهی من النفی وقد عرفت أنّه لا شاهد لها.

ذهب الفاضل التونی ومن تبعه بعد تسلیم عدم ارادة النهی عن النفی إلی أنّ المراد من المنفی هو الضّرر الغیر المتدارک ومرجع هذا المعنی هو الحکم بالتدارک شرعا وتقریبه بوجوه:

أحدها: أن یکون المراد من المنفی الضّرر الغیر المتدارک بنحو التقیید سواء کان ذلک بنحو استعمال المطلق فی الخاص مجازا أو کان بنحو ارادة الخاص بتعدد الدال والمدلول والإخبار بعدم وجود الضّرر الغیر المتدارک مع وجوده فی الخارج یرجع فی الحقیقة إلی الادعاء والکنایة عن حکم الشارع بلزوم تدارکه اجیب عنه أولا بأنّ الضّرر الخارجی لا ینزل منزلة العدم بمجرد حکم الشارع بلزوم تدارکه بل المنزّل منزلته هو الضّرر المتدارک بالفعل.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إذا حکم الشارع بالتدارک وجعل تنفیذ ذلک قوة اجرائیة کما أنّ لکل قانون من القوانین الاجتماعیة بحسب التشریع قوة اجرائیة طبعا.

ص:376

وفیه: أنّ التدارک من جهة المقنن لا یکفی فی صدقة بنظر العرف مع ما رآه العرف من موانع الاجراء.

وثانیها: أن یکون المراد منه الضّرر الذی لم یحکم الشارع بتدارکه بأحد النحوین المذکورین ونفی الضّرر علی هذا المعنی نفی حقیقی لا ادعائی وفیه أنّ الظّاهر أنّ قوله علیه السّلام فی الاسلام ظرف للضرر فلایناسب أن یراد به الفعل المضر بل المناسب هو الحکم الشرعی الملقی للعباد ویشکل ذلک بما مرّ من عدم ثبوت قید فی الاسلام فی متن الحدیث وان کان النفی فی هذا المقام.

ثالثها: أن یکون المراد منه هو الضّرر المطلق ویکون نفیه ادعاء ومصححه حکم الشارع بلزوم تدارکه.

اورد علیه بأنّ اللازم من ذلک هو عدم جواز التمسک بالقاعدة لنفی الحکم الضرری المتعلّق بنفس التکلیف وهذا الاشکال مشترک الورود بالنسبة إلی الوجوه الثلاثة هذا مضافا إلی أنّ تخصیص المنفی بالضّرر الغیر المتدارک أو الضّرر الغیر المحکوم بالتدارک خلاف الظّاهر ولا یساعده موارد تطبیق الحدیث لعدم الحکم بالتدارک فی قصة سمرة فنتحصل أنّ المنفی لیس هو الضّرر الغیر المتدارک.

فیقع البحث فی أنّ المنفی بالنفی المذکور أیّ شیء یکون هل هو الحکم الضرری أو الموضوع الضرری أو نفس الضّرر هنا ثلاث احتمالات.

أحدها: هو ما اختاره الشیخ الأنصاری قدّس سرّه من أنّ المنفی هو الحکم الذی یوجب ثبوته ضرراً علی العباد وکان منشأ له فمعنی قوله لا ضرر أی أنّه لا حکم کان موجباً للضرر فکل حکم کان سبباً للضرر تکلیفاً کان أو وضعیاً منفی باطلاق الحدیث.

ص:377

فالمعنی بعد تعذر الحقیقة هو عدم تشریع الضّرر بمعنی أنّ الشارع لم یشرّع حکما یلزم منه ضرر علی أحد تکلیفا کان أو وضعیا فلزوم البیع مع الغبن حکم یلزم منه ضرر علی المغبون فینتفی بالخبر وهکذا فالمراد من الضّرر المنفی هو الحکم الموجب للضرر وعلیه فالنفی والمنفی کلاهما حقیقیان ولا یلزم من النفی الکذب بعد کون المنفی هو الحکم الموجب للضرر ولا المجاز بعد کون المنفی هو الحکم الضرری فی عالم الشرع.

وفیه: أنّ ارادة نفی الحکم حقیقة من نفی الضّرر بتقدیر الحکم أو استعمال الضّرر فیه مجازا خلاف الظّاهر إذ الأصل فی الکلام هو عدم التقدیر والأصل فی الکلمة هو استعمالها فی معناها لا فی فرد منها.

وعلیه فنفی الضّرر وارادة نفی الحکم الناشی من قبله الضّرر حقیقه کما ذهب الیه الشیخ خلاف الظّاهر لأنّ ظاهر النفی هو نفی نفس الضّرر لا نفی الناشی من قبله الضّرر وهو الحکم.

ثانیها: هو ما اختاره صاحب الکفایة من أنّ أقرب المجازات بعد عدم امکان ارادة نفی الحقیقه حقیقه هو نفی الحقیقه ادعاء تحفظاً علی نوع المعنی المستفاد من هذه الجملة واشباهها ویشهد له کثرة استعمال هذا الترکیب فی النفی الادعائی کقوله علیه السّلام «یا اشباه الرجال ولا رجال» فالمنفی فی هذا الترکیب ای «لا ضرر ولا ضرار» هو العمل المضر والمقصود من نفی الموضوع الضرری ادعاء نفی الحکم الثابت للعمل بعنوانه لا الحکم الثابت للضرر بعنوان الضّرر لوضوح ان الضّرر علة للنفی ولا یکاد یکون الموضوع یمنع عن حکمه وینفیه بل یثبته ویقتضیه ثمّ المصحح للحقیقة الادعائیة عند صاحب الکفایة أنّ تمام حقیقه الموضوع وهو العمل المضر عبارة عن

ص:378

ترتیب آثاره علیه فاذا کانت الآثار مترتبة علیه صحّ نسبة الوجود الیه واذا فقدت الآثار صحّ ادعاء نفیه بسبب نفی آثاره فالعقد الضرری الذی لم یجب الوفاء به صحّ أن یدعی عدمه باعتبار عدم وجود أظهر خواصه وهو اللزوم.

وفیه أولاً: أنّ الحکم التکلیفی لیس من آثار حقیقة الفعل فی الخارج حتی یصح نفی الموضوع بلحاظ عدم ترتب الحکم علیه الا مثل اللزوم والصحة من الأحکام الوضعیة فإنّها تعدّ أثراً للمعاملة فیصح نفیها بنفیها.

وثانیاً: بأنّ نفی الضّرر وارادة نفی الفعل المضر خلاف الظّاهر لأنّ عنوان الضّرر غیر عنوان المضر والمنفی هو نفس الضّرر الذی یتقوم بنفس النقص لا المنقص وقصد العمل المضر من الضّرر إمّا بنحو المرآتیة أو بنحو آخر فإن کان بنحو المرآتیة ففیه أولا أنّ جعل العنوان مرآة للمعنون خلاف الظّاهر وثانیا أنّ المرآتیة لیست جزافیة لأنّ أقل ما یعتبر فیها هو نحو اتحاد بین المفهومین وجودا کما فی العنوان والمعنون ولیست نسبة الضّرر إلی العمل المضر کالوضوء من هذا القبیل بل هی من قبیل نسبة المعلول إلی العلة.

وإن کان علی غیر المرآتیة کالسببیة والمسببیّة فهو أبعد منها استظهاراً لأنّ المرآتیة فیها یقال أخف مراحل المجاز.

وثالثها: أنّ کثرة النفی الادعائی فی أمثال هذا الترکیب علی تقدیر التسلیم لاتوجب ترجیح ما ذهب إلیه صاحب الکفایة لاختلاف تلک الموارد فی امکان الادعاء وعدمه.

وثالثها: وهو المختار وهو أنّ المنفی هو نفس الضّرر ولا نظر فی هذا النفی إلی الأفعال المضرة الخارجیة لأنّها أجنبیة عن مرحلة التشریع إذ الخارج ظرف السقوط

ص:379

لا ظرف الثبوت بل النظر فی هذا النفی إلی الضّرر المعلول الناشی من قبل الأحکام الشرعیة وحینئذٍ یکون نفی هذا الضّرر دإلّا بدلالة الاقتضاء علی نفی اسبابه الشرعیة وهی الأحکام مطلقا تکلیفیة کانت أو وضعیة وجودیة کانت أو عدمیة ولا حاجة فی هذا النفی إلی دعوی المجاز فی الکلمة ولا إلی التقدیر کارادة الحکم من نفس الضّرر أو ارادة فعل الضار والمضر الخارجی ولا إلی المجاز السکاکی بمعنی اطلاق المسبب وارادة نفسه لکن بادعاء أنّ السبب عین المسبب وان نفیه عین نفیه.

بل مفاد لا ضرر نفی نفس الضّرر المعلول والناشی من الأحکام الشرعیة بالنفی الحقیقی فی عالم التشریع والقرنیة علیه هو أنّ الشارع بما هو شارع لا یتصرف إلّا فی حیطة أحکامه وتشریعاته ولا نظر له إلی الخارج ومن المعلوم أنّ هذا النفی حقیقی ولیس بادعائی لأنّ المفروض انه نفی تشریعی والمنفی هو المسبب ویدل نفیه بدلالة الاقتضاء علی نفی السبب.

والقول بأنّ مورد حدیث نفی الضّرر یصلح للقرینیة علی أنّ المراد من الضّرر المنفی هو عدم جواز اضرار بعض الناس علی بعض ولا ارتباط للحدیث بنفی طبیعة الضّرر فی جمیع الاحکام الشرعیة غیر سدید بعد کون العبرة بعموم الوارد لا بخصوصیة المورد.

هذا مضافاً إلی امکان منع اختصاص مورد الحدیث بالضّرر الحاصل من بعض علی بعض لامکان أن یکون قوله لا ضرر ولا ضرار تعلیلاً لأمرین.

أحدهما المنع من عدم الاستیذان وثانیهما الحکم بقلع الشجرة ویعتضد ذلک بأخبار الشفعة فإنّها معللة بحدیث نفی الضّرر وهذا وأشباهه یصلح للقرینیة علی أنّ المقصود هو نفی طبیعة الضّرر فی جمیع الأحکام الشرعیة من دون اختصاص ببعض الموارد.

ص:380

ودعوی: أنّ حدیث قلع أسباب الضّرر تشریعا یبطله کثرة الأحکام الضرریة وکون اصول أحکامه وأساس دینه أحکاما ضرریة علی العباد فی عاجلهم فی نظر العقلاء و معه کیف یدعی أنّه لا حکم ضرری فی الاسلام وأنّه قلع أسباب الضّرر بعدم تشریع حکم ضرری.

مندفعة: بأنّ حدیث لا ضرر منصرف عما یکون واردا مورد الضّرر کالجهاد والزکاة و الحج و الخمس و إنّما النظر فیه إلی الأحکام التی لیست کذلک وإنّما تؤدّی الی الضّرر باطلاقها أو عمومها هذا مضافا إلی أمکان منع الضّرر فی الأحکام المذکورة حتی عند العقلاء بعد مقابلتها بالفوائد الجسیمة الدنیویة ألا تری أنّ فوائد الحج کاجتماع المسلمین فی محل واحد واشرافهم علی احوالهم وتنظیم برنامج لاحیاء حقوقهم وحفظ استقلالهم وتقویة بنیة دفاعهم فی قبال الأعداء من الاُمور الواضحه وهکذا الأمر فی فوائد بذل الخمس و الزکاة للمجتمع الاسلامی فإنّ بذلهما یوجب تحصیل الأمنیة والاستقلال والقدرة والتمکن من أن یعیشوا سالمین من دون تعارض بین الطبقات وغیر ذلک من الفوائد.

وبما ذکر یحفظ ظهور الکلام فی عدم التقدیر وفی أنّ المنفی هو نفس الضّرر لا الحکم الضرری ولا الفعل الضرری او المضرّ لأنّهما غیر عنوان نفس الضّرر ولا یلزم منه المجاز فی کلمة الضّرر بارادة الحکم الضرری ولا حاجة الی جعل النفی نفی الادعائی بل ظهور کلام النبی صلی الله علیه و آله و سلّم فی أنّه صادر بما هو مشرع ومقنن یکفی للدلالة علی أنّ النفی تشریعی ومربوط بأحکامه فیکون النفی حقیقیا ویدل نفی حقیقة المسبب بدلالة الاقتضاء علی نفی أسبابه الشرعیة من الأحکام التکلیفیة والوضعیة والوجودیة والعدمیة.

ص:381

ودعوی أنّ هذا الترکیب لم یعهد استعماله فی نفی المسبب بل المعهود والشایع هو استعماله فی النهی مندفعة بعدم انحصار موارد استعماله فیما ذکر لکثرة استعماله فی نفی المعالیل فیدل بدلالة الاقتضاء علی نفی عللها کقولهم لا نور ولا حرارة مع أنّ منهما المقصود بدلالة الاقتضاء هو نفی سببهما من السراج أو النار.

هذا مضافا إلی امکان منع شیوع ارادة النهی من هذا الترکیب لأنّ جملة من الموارد التی استشهد بها علی ارادة النهی مقترنة بکلمة «فی الاسلام» کقوله علیه السّلام ولا حمی فی الاسلام ومع هذه الضمیمة یکون النفی ظاهراً فی نفی الماهیة بلحاظ عالم التشریع أی عدم وقوعه موضوعاً للحکم لا نفیها خارجاً بداعی الزجر عن ایجادها.

علی أنّ الضّرر بما أنّه معنی اسم مصدری لا یتضمن النسبة الصدوریة ولا تناسب بینه وبین احتمال النهی الظّاهر فی المنع عن ایجاد الفعل والمصدر الذی یتقید بالنسبة الصدوریة.

ثمّ لا یذهب علیک أنّ ما اخترناه لا یرجع إلی نفی أحکام نفس طبیعة الضّرر منها نفی الضّرر حتی یرد علیه أنّ الضّرر علة للنفی ولا یکاد الموضوع یمنع عن حکمه وینفیه بل یثبته ویقتضیه اذ المنفی فی حدیث لا ضرر هو نفس طبیعة الضّرر الناشی من الأحکام لا حکم هذه الطبیعة نعم یدل نفی المعلول وهو الضّرر الناشی من الأحکام علی نفی أسبابه وهی الأحکام الموجبة للضرر من ناحیة اطلاقها أو عمومها بدلالة الاقتضاء ولا دلالة لنفی المعلول علی نفی حکم نفس هذا المعلول فلاتغفل.

مسلک من حمل النفی علی النهی السلطانی

ولا یخفی علیک أنّ المحکی عن سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّ المحتمل جدّا بل هو المتعیّن حسب القرائن الواصلة أنّ قوله صلی الله علیه و آله و سلّم لا ضرر ولا ضرار بمعنی النهی عن

ص:382

الضّرر لا بمعنی النهی الالهی کاکثر النواهی المذکورة فی الکتاب والسنة بل بمعنی النهی السلطانی والحکم المولوی وقد صدر عنه بما أنّه سائس الملة وقائدها ورئیس الملّة وأمیرها وأنّه صلی الله علیه و آله و سلّم نهی أن یضر الناس بعضهم ببعض وأن یجعل أحد أحداً فی ضیق وحرج ومشقة وقد ألقاه صلی الله علیه و آله و سلّم علی الوجه الکلی حتی یکون حجة علی الکلّ فی جمیع الأدوار وهو بما أنّه نهی سلطانی صدر عن النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم مفروض الطاعة یجب اقتفاء أثره واتباع قوله هذا هو المدعی.

وأمّا ما یدل علیه فمن طرق العامة ما رواه أحمدبن حنبل فی مسنده بروایة عبادة بن صامت حیث وقفت علی أنّه رواه بلفظه «و قضی» أن لا ضرر ولا ضرار ثمّ ساق سائر الأقضیة وقد أوضحنا أنّ لفظة «قضی وحکم وامر» ظاهر فی کون المقضی والمحکوم به من أحکام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بما هو سلطان او من قضائه بما هو قاض ومعه لا مجال لحمله علی أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم بصدد الحکم النازل إلیه من عند الله أو لیس المقام مقامه وظاهر الکلام علی خلافه کما أنّ المقام لیس مقام فصل الخصومة والقضاء فینحصر قوله: «لا ضرر ولا ضرار» فی کونه نهیاً سلطانیاً أراد به نهی الاُمّة عن الاضرار وایجاد الضیق والحرج وأمّا ما ثبت وروده من طرقنا هو قضیة سمرة والآثار الواردة من طرق الشیعة وإن لم یکن مصدرة بلفظ «قضی» ونحوه إلّا أن التأمل فی صدر القضیة وذیلها والامعان فی هدف الأنصاری حیث رفع الشکایة إلی النبی صلی الله علیه و آله و سلّم لیدفع عنه الظلم والتدبر فی أنّه لم یکن لواحد منهما شبهة حکمیة ولاموضوعیة یورث الاطمئنان بأنّ الحکم حکم سلطانی والنهی نهی مولوی من جانب النبی صلی الله علیه و آله و سلّم.

هذا مضافاً إلی عدم معهودیة ما ذکروه من المعنی من أمثال هذه التراکیب الدراجة فی کلمات الفصحاء فإنّ الغالب إنّما هو نفی الأثر بلسان نفی موضوعه أو

ص:383

النهی بلسان النفی وأمّا نفی عنوان الضّرر وارادة نفی ماله أدنی دخالة فی تحققه فلم یعهد من هذا الترکیب.

أورد علیه أولاً: بأنّ سمرة کان یری دخوله فی دار الأنصاری سائغاً له باعتبار حقه فی الاستطراق إلی نخلته فإنّ حق الاستطراق عرفاً یترتب علیه جواز الدخول مطلقاً فی کل زمان وحال لا خصوص الدخول بالاستئذان فإنّ إناطة الدخول بالاستئذان یناسب عدم الحق راسا وقد احتج بذلک سمرة فی حدیثه مع الأنصاری ومع النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم وعلی هذا فلو کان المراد بالحدیث مجرد النهی التکلیفی لبقی استدلال سمرة بلا جواب لأنّه یتمسک بحقه فی الاستطراق ومفاد لا ضرر یقول لا تضر بالأنصاری ومن المعلوم أنّ النهی التکلیفی عن ذلک لیس إلّا اعمال سلطة ولیس جوابا عن وجه تفکیک الجواز المطلق عن حق الاستطراق وهذا بخلاف ما لو ارید به نفی التسبیب الی الضّرر بجعل حکم ضرری فإنّه یرجع الجواب عن هذا الاستدال بأنّ الاسلام لم یمض الأحکام العرفیة حتی استوجبت تفویت حق الآخرین والاضرار بهم فلایترتب علی حق الاستطراق جواز الدخول مطلقا ولا یثبت حق الاستطراق مطلقا بل ذلک مقید بعدم کون الدخول ضررا علی الأنصاری فی حقه من التعیش الحرّ فی داره وبذلک یظهر أنّ لا ضرر علی هذا التفسیر أکثر تناسباً وأوثق ارتباطاً بقضیة سمرة منه علی تفسیره بالنهی عن الاضرار.

وثانیاً: بأنّ کلمة «قضی» لیست مذکورة فی الروایات الواردة فی قصة سمرة نعم وردت کلمة قضی فی روایات المنع عن فضل الماء وحق الشفعة وهی غیر مربوطة بقصة سمرة وعلیه فلاقرنیة لرفع الید عن ظهور کلمة «لا» فی النفی فی قوله: «لا ضرر ولا ضرار».

ص:384

وثالثاً: بأنّ فصل الخصومة بین الرعیة والدفاع عن المظلومین منهم وإن کان باعمال الولایة منهم علیهم السّلام إلّا أنّه لا ریب فی أنّ مبناه هو الحقوق المجعولة للناس فی الشریعة الالهیة فی قالب أحکام الالهیة فمجرد کونه فی مقام الدفاع عن المظلوم أو فصل الخصومة لیس قرنیة علی أنّ کل ما یقوله ویستند الیه فی هذا المقام هو حکم سلطانی بل لابدّ وأن یستفاد ذلک من قرنیة اخری ومع عدم القرنیة یکون مآل کلامه صلی الله علیه و آله و سلّم الی الاستناد إلی حکم کلی إلهی یکون مستندا للدفاع أو فصل الخصومة أو یکون نفسه رافعا للخصومة وفاصلاً لها لارتفاع جهلهم وغفلتهم به ویؤید ذلک أو یشهد علیه تفکیک القضاء عن نقل حدیث نفی الضّرر فی خبر عقبة بن خالد عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قضی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّمبالشفعة بین الشرکاء فی الأرضین والمساکن وقال: «لا ضرر ولا ضرار».

ورابعاً: بأنّ الروایات التی عبرت بأنّ من قضاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أن لا ضرر ولا ضرار عامیة وضعیفة هذا مضافا إلی اختصاصها بغیر قصة سمرة.

وخامساً: بأنّه یستبعد أن یکون المراد من القضاء هو معناه الاصطلاحی لاحتمال أن یکون المراد منه فی امثال قضی فی الرکاز الخمس أنّ الخمس ثابت فی الغنیمة.

وسادساً: بأنّ دعوی انّه لم یکن هناک نزاع بین الرجل الأنصاری وبین سمرة فی حکم شیء من حق أو مال بل إنّما کان مورد الحدیث شکایة الأنصاری ظلم سمرة له فی الدخول فی داره بدون استئذان ووقوعه لذلک فی الضیق والشدة.

مندفعة: بما أفاد بعض الأعلام من منع عدم وجود النزاع فی أیّ حکم فی مورد قضیة سمرة فإنّ الذی تمثله هذه القضیة تحقق امرین.

ص:385

الأوّل: وجود النزاع فی شبهة حکمیة حیث إنّ الأنصاری کان لایری لسمرة حق الدخول فی داره بلا استئذان وسمرة کان یری أنّ له حق استطراقه بلا حاجة الی الاستئذان.

الثانی: طلب الأنصاری من النبی صلی الله علیه و آله و سلّم أن یحمیه ویدفع عنه أذی سمرة.

وعلیه فیمکن القول بأنّ النّبی صلی الله علیه و آله و سلّم فی مورد الأول حکم علی وفق القانون الإلهی العام وأمر سمرة بالاستئذان وهذا القانون هو تحریم الاضرار بالغیر بناء علی مسلک النهی أو محدودیة حق الاستطراق بعدم لزوم الضّرر بالغیر بناء علی مسلک النفی أو بکلا الأمرین علی المعنی المختار للحدیث الجامع للنفی والنهی بلحاظ کلتا الجملتین وهما لا ضرر ولا ضرار وبعد ترجیح موقف الأنصاری وإباء سمرة وصلت النوبة إلی معالجة الأمر الثانی بتنفیذ الحکم القضائی دفعا للضرر عن الأنصاری وقد استند صلی الله علیه و آله و سلّم إلی مادة قضائه المذکور وهی لا ضرر ولا ضرار فأمر بقلع نخلته والحاصل أنّ قوله صلی الله علیه و آله و سلّم لا ضرر ولا ضرار یدل علی رفع الشبهة الحکمیة وعلی وجه أمره الولائی بالقلع.

وسابعاً: بأنّ دعوی أنّ تعلیل الأمر بالقلع بحدیث نفی الضّرر فی قضیة سمرة لم یتجه لو أرید بالنفی نفی الحکم الضرری أو النهی الأوّلی عن الاضرار إذ هذان المعنیان لا یبرر ان الاضرار بالغیر بالقلع لأنّ القلع فی حد نفسه اضرار وإنّما یبرره اعمال الولایة فلابدّ أن یکون مفاد لا ضرر ولا ضرار حکما سلطانیا مندفعة بأنّ مفاد لا ضرر لا یبرر الأمر بالقلع فی حدّ ذاته سواء کان حکماً أولیاً أو سلطانیاً.

فتحصّل: أنّه لا وجه لحمل قوله لا ضرر ولا ضرار علی النهی السلطانی مع ترجیح کونه حکما إلهیا بوجوه منها ظهور هذا الترکیب فی النفی الکلی لا النهی فضلا عن السلطانی ومنها تناسبه لرفع الشبهة ودفع الظلم کلیهما.

ص:386

مسلک من فصّل بین لاضرر و لاضرار فی المفاد

وقد یفصّل بین لا ضرر ولا ضرار فی استفادة النهی عن الثانی دون الأول وبیان ذلک أنّ مدخولهما مختلف فی المعنی إذ هیئة الضرار تدلّ علی نسبة مستتبعة لنسبة اخری بالفعل أو بالقوة وذلک مما یختلف بحسب اختلاف الموارد فتارة تکون النسبة الاخری کالأول صادرة من نفس هذا الفاعل بالنسبة إلی نفس الشیء وأخری تکون أحدهما صادرة من الفاعل والاُخری من المفعول کما فی ضارب فیعبر عن المعنی حینئذٍ بالمشارکة وفی الحالة الاُولی قد یکون تعدد المعنی من قبیل الکم المنفصل فیعبر عنه بالمبالغة أو یعبر عنه بالامتداد إذا لم یکن التعدد واضحاً کما فسّر لفظ المطالعة بإدامة الاستطلاع مع أنّه استطلاعات متعددة فی الحقیقة وقد یکون المعنی من قبیل الکم المتصل فیکون تکرره بلحاظ انحلاله إلی أفراد متتالیة کما فی سافر.

وعلی ضوء ذلک یمکن القول بأنّ الضرار یفترق عن الضّرر بلحاظ أنّه یعنی تکرر صدور المعنی عن الفاعل أو استمراره وبهذه العنایة أطلق النبی صلی الله علیه و آله و سلّم علی سمرة أنّه مضار لتکرر دخوله فی دار الأنصاری من دون استیذان فمفاد القسم الأول منه وهو قوله لا ضرر نفی التسبیب إلی الضّرر بجعل الحکم الضرری ومفاد القسم الثانی وهو لا ضرار التسبیب إلی نفی الاضرار وذلک یحتوی علی تشریعین الأوّل تحریم الاضرار تحریماً مولویاً تکلیفیاً والثانی تشریع اتخاذ الوسائل الاجرائیة حمایة لهذا التحریم.

وبذلک یحتوی الحدیث علی مفادین:

1 - الدلالة علی النهی عن الاضرار.

2 - والدلالة علی نفی الحکم الضرری ومضافاً إلی ذلک دلالته بناء علی المختار علی تشریع وسائل اجرائیة للمنع عن الاضرار خارجاً.

ص:387

والوجه الإجمالی لما ذکرهو أنّ نفی تحقق الطبیعة خارجاً فی مقام التعبیر عن موقف شرعی بالنسبة إلیها یستعمل فی مقامات مختلفه کافادة التحریم المولوی أو الارشادی أو بیان عدم الحکم المتوهم وما إلی ذلک ولکن استفادة کل معنی من هذه المعانی من الکلام رهین بنوع الموضوع وبمجموع الملابسات المتعلّقه به.

وملاحظة هذه الجهات تقضی فی الفقرتین بالمعنی الذی ذکرناه لهما أمّا الفقرة الاُولی وهی (لا ضرر) فلأنّ الضّرر معنی اسم مصدری یعبر عن المنقصة النازلة بالمتضرر من دون احتواء نسبة صدوریة کالاضرار والتنقیص وهذا المعنی بطبعه مرغوب عنه لدی الانسان ولا یتحمله أحد عادة إلّا بتصور تسبیب شرعی إلیه لأنّ من طبیعة الإنسان أن یدفع الضّرر عن نفسه ویتجنّبه فیکون نفی الطبیعة فی مثل هذه الملابسات یعنی نفی التسبیب الیها بجعل شرعی.

أمّا الفقره الثانیة وهی (لا ضرار) فهی تختلف فی نوع المنفی وسائر الملابسات عن الفقرة الاُولی لأنّ الضرار معنی مصدری یحتوی علی النسبة الصدوریة من الفاعل کالاضرار وصدور هذا المعنی من الأنسان أمر طبیعی موافق لقواه النفسیة غضبا وشهوة وبذلک کان نفیه خارجا من قبل الشارع ظاهرا فی التسبیب إلی عدمه والتصدی له.

ومقتضی ذلک أولاً تحریمه تکلیفاً فإنّ التحریم التکلیفی خطوة أولی فی منع تحقق الشیء خارجا وثانیا تشریع اتخاذ وسائل اجرائیة عند تحقق الاضرار من قبل الحاکم الشرعی وذلک لأنّ مجرد التحریم القانونی ما لم یکن مدعماً بالحمایة إجراء لا سیما فی مثل (لا ضرر) لا یستوجب انتفاء الطبیعة ولا یصحح نفیها خارجاً إلی أن قال.

وهذا التشریع یرتکز علی قوانین ثلاثة:

ص:388

1 - قانون النهی عن المنکر

2 - قانون تحقیق العدالة الاجتماعیة بین الناس وهذا من شؤون الولایة فی الامور العامة الثابتة للنّبی صلی الله علیه و آله و سلّم وائمة الهدی علیهم السّلام والفقهاء فی عصر الغیبة إذ لابدّ من العدالة فی حفظ النظام.

3 - حمایة الحکم القضائی فیما إذا کان منع الاضرار حکما قضائیا من قبل الوالی بعد رجوع المتخاصمین إلیه کما فی مورد قضیة سمرة حیث شکا الأنصاری فقضی النبی صلی الله علیه و آله و سلّم بعدم جواز دخوله کذلک وحیث أبی سمرة عن العمل بالحکم امر النبی صلی الله علیه و آله و سلّم بقلع النخلة لتنفیذ الحکم بعدم الدخول عملا ویلاحظ أنّ هذا الجزء من مفاد (لا ضرار) هو مبنی تعلیل الأمر بقلع النخلة فی قطبة سمرة بهذه الکبری.

وفیه مواقع للنظر.

منها أنّ جعل معنی نفی للضرر نفی التسبیب إلی الضّرر إن کان بمعنی تقدیر التسبیب ففیه أنّه خلاف الأصل والظاهر.

هذا مضافا إلی أنّه لا حاجة إلیه وذلک لأنّ نفی طبیعة الضّرر حقیقة بعد عدم إمکان نفیه خارجاً یدل بدلالة الاقتضاء علی عدم جعل أسبابه فی حرمة الشرع.

کما لا وجه لتقدیر الحکم أو الفعل الضار هذا مع ما فی اختلاف التقدیر من البعد حیث إنّ المقدر فی «لا ضرر» هو نفی التسبیب وفی «لا ضرار» تسبیب النفی.

ومنها أنّ تقید المنفی بالضّرر الخارجی ثمّ جعل النفی ادعائیا لا موجب له مع أنّ نفی الخارج لا یساعد شأن الشارع.

ومنها أنّ التفرقة بین الضّرر والضرار فی أنّ کلمة «لا» فی الأول تفید النفی وفی الثانی تفید النهی خلاف الظّاهر من وحدة السیاق.

ص:389

ومنها: أنّ جعل الضرار بمعنی الاضرار المتکرر أو المستمر لا یکفی فی رفع رکاکة التکرار لأنّ نفی الضّرر یشمل صورة الضّرر المتکرر والمستمر لأنّ الضّرر اسم مصدر وحاصل للمصدر والمصدر باطلاقه یشمل الضّرر بالنسبة إلی الغیر سواء کان متکرراً أو لم یکن.

تفصیل آخر:

وهو أنّ حدیث لا ضرر ینفی الحکم الضرری ویبقی عندئذ حکم لیس ضرریاً بنفسه لکنه یتقصد ویتعمد به الضّرر مثاله انّ الحکم «بکون الناس مسلّطین علی أموالهم» بنفسه لیس ضرریاً لکنه قد یستغله أحد الشریکین فیعمل هذا الحق الذی لیس بنفسه ضرریاً بنحو یوجب أن لا یأذن لشریکه أن ینتفع بهذه العین بوجه من الوجوه من بیعها وتقسیم ثمنها أو إجارتها وتقسیم اجرتها أو الانتفاع بها بأیّ نحو من الأنحاء فمثل هذا تنفی بقوله «لا ضرار» ولا یلزم من ذلک تکرار ویؤید ذلک نفی الفقهاء بالقاعدة جملة من الأحکام التی لیست ضرریة فی نفسها حتی تکفی فی نفیها حکمة «لا ضرر» وإنما تستغل للاضرار ویتعمد بها الضّرر وذلک من قبیل نفی کون الطلاق بید الزوج حینما یستغل الزوج ذلک فی الاضرار والنظر فی لا ضرر ولاضرار إلی الضّرر الناشی من الأحکام الشرعیة مطلقا سواء کانت وجودیة أو عدمیة ولتأکید نفی الضّرر الناشی من الأحکام الشرعیة ضمّ نفی الضرار أیضاً والمقصود به کما عرفت هو نفی الضّرر الناشی من التعمد والتقصد بالأحکام ولو أنّها لیست فی نفسها ضرریاً کما یکون مورد روایة سمرة کذلک فانه تقصّد بمثل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «الناس مسلطون علی أموالهم» لایجاد الضّرر علی الأنصاری مع أنّ نفس الحکم لا یکون ضرریاً ویدلّ علیه أیضاً قوله تعالی:(وَ لا تُمْسِکُوهُنَّ ضِراراً

ص:390

لِتَعْتَدُوا) فإنّه یدل علی النهی عن الامساک الذی یکون جائزاً فی نفسه إذا تقصّد الزوج بذلک الاضرار والاعتداء علی المرئة.

فإذا نفی الضّرر والضرار فی قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر ولا ضرار» دلّ ذلک بدلالة الاقتضاء علی عدم السبب والتسبیب للضرر وذلک لا یتحقق إلّا بالنفی والنهی والمنع الولائی.

اورد علیه بأنّه لا أثر لتحقیق أنّ الضرار یکون بمعنی قصد الضّرر وتعمّده وتطبیقه علی سمرة بهذه الملاحظة أو لا یکون وذلک لاندراجه فی الفقرة الاُولی أعنی نفی الضّرر خصوصا إذا کان المقصود بنفع الضّرر النهی عنه لاختصاص متعلّق النهی بما إذا کان عن قصد وارادة.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ نفی الضّرر یختص بالضّرر الناشی من نفس الأحکام والموارد التی تقصّد بها الضّرر ولیست الأحکام فیها بنفسها ضرریّاً وإنّما الضّرر ناشٍ من التقصّد بها وعلیه فیحتاج نفیها إلی ضمیمة «لا ضرار».

فتحصل قوة کون «لا» فی لا ضرر ولا ضرار للنفی لوحدة السیاق ولا یلزم منه الرکاکة بعد ما عرفت من اختصاص الضرار بما یتقصّد به الضّرر وإن لم یکن ضرریا فی حدّ نفسه ولو سلمنا شمول لا ضرر لصورة تقصّد الضرار بناء علی نفی طبیعة الضّرر فی حومة ما یرتبط بالشرع ولو لم یکن ناشئا عن نفس الأحکام فنمنع الرکاکة بعد وجود مصلحة الاهتمام بذکر صورة التقصّد فلایکون لا ضرر مجملاً.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل: فی شمول قاعدة نفی الضّرر للاضرار علی النفس وعدمه والمختار هو الشمول فیما إذا کان الشمول امتنانا والمحکی عن الشیخ الاعظم قدّس سرّه أنّ الاضرار بالنفس کالاضرار بالغیر محرم بالأدلة العقلیة والنقلیة.

ص:

اورد علیه بأنّ الظّاهر اختصاص نفی الضّرر بالاضرار بالغیر لان المتبادر منه لیس إلّا ذلک ولذا لا یشک أحد فی عدم شمول ما دل علی وجوب اطعام الناس علی أولیاء الأوقاف أو استحبابه لاطعامهم لانفسهم بل لابدّ فی التعمیم من القطع بالملاک وبالجملة فالمتبادر من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر ولا ضرار» خصوصا بملاحظة قوله لا ضرار ارادة الاضرار بالغیر خاصة کما ان المتبادر من قول القائل لا ضرب ولا مضاربة فی داری ارادة ضرب بعض بعضاً لا مطلق الضرب ولو ضرب أحد نفسه.

هذا مضافاً إلی أنّ لازم شمول الحدیث للاضرار بالنفس هو حرمة الوضوء الضرری أو الحج الضرری ونحو ذلک وهو فی غایة الاشکال ولذا تری کثیرا من الفقهاء بل کلهم یحکمون بلزوم البیع الضرری مع علم المکلّف به مستدلا بأنّه أقدم علی الضّرر علی نفسه ولولا انصراف حدیث لا ضرر عن مثل هذا الاضرار لما کان لحکمهم بذلک وجه فکما أنّ حدیث لا ضرر لا یشمل الضّرر المقدم علیه فی البیع الغبنی ونحوه کذلک لا یشمل الاضرار بالنفس لأنّه فی المعنی راجع إلی الضّرر المقدم علیه.

ولقائل: أن یقول أولاً لا وجه لتنظیر قوله صلی الله علیه و آله و سلّم لا ضرر ولا ضرار بما دلّ علی وجوب إطعام الناس علی أولیاء الأوقاف فی عدم شموله لأنفسهم لأنّ فی المثال المذکور یمنع عن الشمول ذکر من یجب إطعامه وهو الناس بخلاف لا ضرر ولا ضرار فإنّه لم یذکر فیه من یرد علیه الضّرر وهو بعمومه یشمل الاضرار بالنفس.

وثانیاً: أنّ مجرد الاقدام لا یؤثر فی عدم شمول حدیث نفی الضّرر ألا تری أنّه إذا أقدم من دون الدواعی العقلانیة علی الضّرر المالی أو البدنی ونحوهما فلاوجه

ص:392

فی هذه الصورة لدعوی الانصراف مع أنّه أقدم علی الضّرر بل شمول لا ضرر یدل علی ممنوعیة الإقدام المذکور وهذا الشمول موافق للامتنان فالمعیار فی شمول لا ضرر أنّه موافق للامتنان أو غیر موافق فإن کان موافقاً للامتنان فلایضره الإقدام وإلّا فلاوجه للشمول فالقول بعدم الشمول بمجرد الاقدام ممنوع.

وثالثاً: أنّ الصحیح هو التفصیل بین ما إذا کان ذلک الغرض نفس الأمر الضرری أو معلولاً له بحیث ینتفی بنفی الحکم الضرری وبین ما إذا کان الغرض فی أمر یکون مستلزماً للضرر أو علة له.

فالأول: هو الحاصل فی الاقدام علی المعاملة الغبنیة فإنّ غرض المشتری المغبون فی نفس المعاملة وتملک البیع تملکا مطلقا لازما رغم الغبن فیه فهو یقدم علی الحکم الضرری ابتداء لأنّ غرضه فی ذلک وهنا لا اشکال فی عدم المنّة فی رفع الحکم بصحة المعاملة ولزومها.

والثانی: هو المحقق فی باب الاجناب عمدا فان غرض المکلّف لیس فی الاقدام علی الغسل ولا فیما یتوقف علی الغسل بل الامر بالعکس فانه یرید الاجناب الذی هو علّة قهریة لوجوب الغسل ومن امنیّاته أن لا یکون هذا الاجناب علة لوجوب الغسل فیتوصل إلی مقصوده من دون هذه التبعیة ومن المعلوم أنّ فی هذا النوع من الاقدام علی الضّرر لا یکون نفی الحکم الضرری علی خلاف الامتنان بل علی طبق الامتنان فلامانع من اطلاق الحدیث لنفی مثل هذا الحکم الضرری فلیس مجرد الاقدام مانعا عن شمول حدیث نفی الضّرر بل العبرة فی الشمول وعدمه هو صدق الامتنان وعدمه.

وممّا ذکر یظهر أنّ حدیث لا ضرر یشمل الوضوء الضرری من جهة أنّه مستلزم للضرر والمتوضی لا یقدم إلّا علی العبادة فالوضوء بما هو مستلزم للضرر حرام وبما هو معنون للعبادة مطلوب ومقتضی القول بجواز اجتماع الامر والنهی هو صحة العبادة.

ص:393

لایقال: «لا ضرر» لا یدل علی حرمة الاضرار بالغیر فضلا عن الاضرار بالنفس لأنّه ناظر إلی نفی الأحکام الضرریة فی عالم التشریع.

لانّا نقول: قوله صلی الله علیه و آله و سلّم «لا ضرر» یدل علی نفی الضّرر مطلقا من ناحیة الأحکام ومن المعلوم أنّ تجویز الاضرار بالنفس ضرر کما أنّ تجویز ذلک بالنسبة إلی الغیر ضرر ومقتضی الاطلاق هو نفی التجویز مطلقا.

فتحصل أنّ الملاک فی شمول حدیث لا ضرر وعدمه هو صدق الامتنان وعدمه لا الاقدام وعدمه ولا دلیل علی تخصیص النفی فی حدیث «لا ضرر» بنفی الزام المکلّف بل یعمّ مطلق الضّرر ولو کان ناشئاً من التجویزات ثمّ إنّه لو سلمنا عدم تمامیة دلالة حدیث لا ضرر علی حرمة الاضرار بالنفس فقد استدلّ بوجوه اخری وهی امور:

منها قوله تعالی:(وَ لا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ) .

وفیه: أنّه لا یدل إلّا علی صورة کون الضّرر موجبا للهلاکة او ما یدانیها اذا الهلاکة أخص من عنوان الضرر.

ومنها: ما رواه فی الکافی والعلل واللحاسن بسند مرسل أو مجهول عن ابی عبدالله علیه السّلام ورواه فی الفقیه بسند مجهول عن أبی جعفر وعن أبی عبدالله علیه السّلام حدیث طویل من قوله علیه السّلام إنّ الله تعالی لم یحرّم ذلک علی عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه فیما حرّم علیهم ولا زهداً فیما أحلّ لهم ولکنّه عزّوجلّ خلق الخلق وعلم ما یقوم به أبدانهم وما یصلحهم فأحلّه لهم واباحه تفضلا علیهم به تبارک وتعالی لمصلحتهم وعلم عزّ وجلّ ما یضرّهم فنهاهم عنه وحرمه علیهم إلی أن قال علیه السّلام أمّا المیته فإنّه لا یدمِنُها أحدٌ إلّا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته

ص:394

وانقطع نسله الحدیث بدعوی انّ الظّاهر منها انّ علة حرمة المحرمات هی اضرارها بالنفس فالحرمة تدور مدار الاضرار بالنفس.

وفیه: أنّ التأمل فیها یشهد بعدم دلالتها علی حرمة الاضرار بالنفس حیث إنّ المستفاد منها أنّ الحکمة فی تحریم جملة من الأشیاء کونها مضرة بنوعها لا أنّ الضّرر موضوع للتحریم وعلة له.

ویمکن أن یقال: إنّ الاضرار بالنفس إذا کان حکمة لحرمة أشیاء کالمیتة ونحوها کما دلّ علیه قوله علیه السّلام وعلم ما یضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه علیهم کان نفس الاضرار بالنفس محرّما بالضرورة وإلّا فالأمر الجایز وهو الاضرار بالنفس کیف یصیر حکمة لتحریم أشیاء اخری.

والعمدة فی الاشکال علی هذه الروایات أنّها ضعیفة السند.

ومنها: ما ورد فی حرمة أکل الطین وهی الأخبار المستفیضة مثل موثقه هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السّلام قال إنّ الله عزّوجلّ خلق آدم من طیق فحرّم اکل الطین علی ذرّیته ومثل موثقه السکونی عن ابی عبدالله علیه السّلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه.

ومثل ما رواه فی الکافی بسند موثق عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قیل لأمیرالمؤمنین علیه السّلام فی رجل یأکل الطین فنهاه وقال لا تأکله فإن أکلته ومتّ کنت قد أعنت علی نفسک.

اورد علیه بأنّ المستفاد من هذه الروایات ونظائرها أنّ الحکمة فی حرمة بعض الأشیاء هی کونه مضرّا بحسب النوع کما أنّ الحکمة فی حلّیة بعض الأشیاء هی کونه ذا منفعة ومصلحة نوعیة فلادلالة لها علی کون الحرمة دائرة مدار الضرر.

ص:395

یمکن أن یقال إنّ جعل الضّرر حکمة لحرمة بعض الأشیاء یدلّ علی مفروغیة الحرمة فی نفس الضّرر وإلّا فکیف یجعل الأمر الجایز حکمة للتحریم.

نعم تختص موثقة السکونی وموثقة ابن القداح بالضّرر المهلک فلاتشملان مطلق الضّرر هذا مضافا إلی احتمال أن تکون حرمة اکل الطین فی صحیحة هشام من ناحیة اخری غیر حکمة الضرر.

ومنها: ما رواه فی العلل وعیون الأخبار بأسانیده عن محمدبن سنان عن الرضا علیه السّلام فیما کتب إلیه من جواب مسائله فی حدیث من قوله علیه السّلام وحرمت المیتة لما فیها من فساد الأبدان والآفة لما اراد الله عزّوجلّ ان یجعل تسمیته سببا للتحلیل وفرقا بین الحلال والحرام وحرم الله الدم کتحریم المیتة لما فیه من فساد الأبدان وأنّه یورث الماء الأصفر ویبخر الفم وینتن الریح ویسیء الخلق ویورث القسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتی لا یؤمن أن یقتل ولده ووالده وصاحبه وحرّم الطحال لما فیه من الدم ولأنّ علته وعلة الدم والمیتة واحدة لانه یجری مجریها فی الفساد.

اورد علیه بأنّه أخص لأنّ فساد الأبدان غیر عنوان مطلق الضّرر هذا مضافا إلی ضعف السند.

ومنها: ما رواه فی التهذیب بسند موثق عن أبی عبدالله علیه السّلام قال قرأت فی کتاب لعلی علیه السّلام أنّ رسول الله کتب کتابا بین المهاجرین والأنصار ومن لحق بهم من أهل یثرب أنّ کل غازیة غزت معنا یعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط ما بین المسلمین وأنّه لا یجار حرمة إلّا باذن أهلها وأنّ الجار کالنفس غیر مضار ولا آثمّ وحرمة الجار کحرمة أمه وأبیه الحدیث والمراد من الحرمة فی قوله «لایجار حرمة» هی المرأة والمراد من الجار هو من آجرته لا جار الدار بقرنیة السیاق وإن احتمل ان یکون المراد هو جار الدار ولذا أدرجه فی الکافی فی البابین.

ص:396

وکیف کان استدلّ بقوله «و أنّ الجار کالنفس غیر مضار ولا آثم» علی حرمة الاضرار بالنفس بدعوی أنّه یدل علی مفروغیة حرمة الاضرار بالنفس بحیث صارت سببا لتنزیل الجار منزلته فی حرمة الاضرار.

اورد علیه أولاً بأنّ المراد هو تنزیل الجار منزلة النفس فی عدم جواز اضرار الغیر له کما أنّ التعبیر بقوله غیر مضار شاهد علی مغایرة من أراد الاضرار للنفس مع النفس لظهور باب المفاعلة فی ذلک.

وثانیاً بأنّه لو سلمنا أنّ المقصود من التنزیل هو تنزیل الاضرار بالجار منزلة الاضرار من النفس إلی النفس لا یدل علی حرمة الاضرار بالنفس لاحتمال أن یکون المراد کما أنّ الانسان یحترز من الاضرار بالنفس بالطبع والجبلّة فلیکن کذلک فی حق الجار فلایدلّ علی حرمة خلافه.

فتحصّل: عدم تمامیة هذه الوجوه علی تقدیر صحة سندها علی اثبات حرمة مطلق الضّرر علی النفس لما عرفت من اختصاصها بالهلاکة وافساد البدن أو غیر ذلک.

فالعمدة هو ما تقدم علیها من عموم حدیث نفی الضّرر والضرار بالتقریب الذی قدّمناه والله هو العالم.

ثمّ لا یخفی أنّ المقصود من الضّرر المحرّم هو الضّرر المعتدّ به عند العقلاء فلایشمل ما لا یکون کذلک فلو شک فی أنّ الضّرر معتدّ به أولا فمقتضی الأصل هو الجواز.

التنبیه الثّانی: فی عمومیة حدیث نفی الضّرر بالنسبة إلی الأحکام العدمیة کالأحکام الوجودیة وعدمها.

ص:397

قد یقال: قاعدة لا ضرر لا تشمل الأحکام العدمیة لأنّ عدم حکم الشارع بشیء لیس من الأحکام المجعولة واطلاق الحکم علیها لیس إلّا من باب المسامحة.

وفیه: أنّه لا قصور فی شمول القاعدة للأحکام العدمیة علی نحو شمولها للأحکام الوجودیة علی المعنی المختار فی الحدیث وذلک لأنّها إخبار بعدم وجود طبیعة الضّرر بمعناه الحدثی بعنایة عالم التشریع وجعل الأحکام والمقصود به هو سدّ باب الضّرر والمضارة بلحاظ حال التشریع من دون فرق بین أن یکون الضّرر ناشئا من الحکم الوجودی أو العدمی وهکذا الأمر بناء علی مختار الشیخ ومن تبعه من أنّ معنی القاعدة عدم تشریع أحکام ینشأ منها الضّرر لان الفرق ظاهر بین ما اذا ذکر لفظ الحکم فی العبارة فقیل لا حکم ینشأ منه الضّرر وبین ما اذا لم یذکر هذا اللفظ ویقال ان المعنی هو نفی ما ینشأ منه الضّرر مما یمکن ان یستند الی الشارع حیث یمکن منع شمول العبارة الاُولی بظاهرها للأحکام العدمیة من جهة عدم صدق الحکم علیها حقیقة بخلاف الثانیة التی لیس فیها ما یصرفها بظاهرها عن تلک الأحکام کما لایخفی وبالجملة لا أری قصورا فی شمول القاعدة لمورد الکلام کما یساعده الوجدان والاعتبار.

واستشکل علیه بأنّ دعوی أنّ ما هو الملاک فی صحة تعلّق النهی بنفس أن لا تفعل من صحة استناد العدم الی الفاعل بقاء وان لم یصح حدوثا هو الملاک فی صحة استناد عدم جعل الاحکام الی الجاعل فلامانع من شمول القاعدة لها واثبات الحکم بها مندفعة بأنّ هذا یصح فیما تعلّق الجعل بالعدم بأن یجعل عدم الضمان مثلاً فما لم یتعلّق الجعل به رفعا ووضعا لا یمکن اثبات الجعل فیه بالقاعدة.

ص:398

واُجیب عنه بأنّ المستفاد من قاعدة لا ضرر هو نفی ما ینشأ منه الضّرر ممّا یمکن أن یستند إلی الشارع ولا فرق فیه بین الأحکام العدمیة والوجودیة ولا یلزم فیه الجعل بل یکفی صحة الاستناد.

ولقد أجاد وأفاد الشهید الصدر قدّس سرّه من أنّا جعلنا النفی منصبا علی الاضرار الخارجیة وقد خرج من اطلاقها بمقید کالمتصل الضّرر غیر المرتبط بالشارع والذی لا یستطیع الشارع بما هو مشرع رفعه أو وضعه فیبقی ما عداه تحت الاطلاق سواء کان من جهة حکم من الشارع أم عدم حکم کالترخیص من قبله.

التنبیه الثّالث: فی عدم جواز اضرار الغیر لدفع الضّرر المتوجه إلی نفسه کما لا یجب دفع الضّرر عن الغیر باضرار نفسه.

والوجه فی ذلک أنّ الجواز فی الأول والوجوب فی الثانی حکمان ضرریان ومقتضی عموم حدیث نفی الضّرر هو نفیهما هذا مضافا إلی امکان أن یقال إنّه لا اشکال فی أنّ مقتضی القواعد الأولیة مع قطع النظر عن قاعدة لا ضرر عدم جواز اضرار الغیر لدفع الضّرر المتوجه إلی نفسه فی الفرض الأول لأنّه من اضرار المؤمن الدال علی حرمته اخبار کثیرة.

وهکذا مقتضی القواعد المذکورة عدم وجوب دفع الضّرر عن الغیر فی الفرض الثانی لعدم الدلیل علی وجوب حفظ مال الغیر سواء استلزم الضّرر علی نفسه أولا.

وأیضاً لا یجوز اضرار الغیر بسبب الاکراه علیه لأنّ توسطه فی ایصال الضّرر إلی الغیر اضرار المؤمن فیحرم بأدلته وکونه مکرهاً فی ذلک لا یخرجه عن الحرمة لقصور أدلة الاکراه عن شمول هذه الصورة. (لانه ینافی الامتنان)

فقاعدة نفی الضّرر توافق القواعد الأولیة ولا یتغیر بها حکم الفروض المذکورة.

ص:399

التنبیه الرّابع: فی أنّه لا اشکال فی أنّ دلیل لا ضرر ولا ضرار حاکم علی الأدلة المثبته للتکالیف وتقریب ذلک کما أفاد سیدنا الاستاذ أنّ معنی الحکومة ادعاء نفی الجعل فی مورد قد اقتضی العمومات أو الاطلاقات ثبوته فی ذلک المورد إمّا بادعاء نفی الموضوع کأن یقال بعد ما ورد أکرم العلماء عاما «زید لیس بعالم» أو بادعاء نفی المتعلّق کأن یقال الضیافة لیست باکرام أو بادعاء نفی الحکم کأن یقال لم یجعل الوجوب فی مورد زید فإنّ مرجع جمیع ذلک إلی نفی جعل الحکم ادعاء ومصحح الادعاء عدم تعلّق الارادة الجدّیة بمورد دلیل الحاکم هذا فیما اقتضی دلیل الحاکم تضییق دلیل المحکوم.

وقد یقتضی دلیل الحاکم توسعة دلیل المحکوم ومرجعه حینئذٍ إلی اثبات الجعل فی مورد ادعاء وکنایة عن ثبوت الارادة الأکیدة فیه.

وذلک أیضاً إمّا بادعاء ثبوت موضوع الدلیل کأن یقال «زید عالم» مع انه جاهل فی الواقع أو بادعاء ثبوت المتعلّق کأن یقال مثلاً السکوت عند العالم اکرام او بادعاء ثبوت الحکم کان یقال قد جعلت الوجوب فی مورد زید ومرجع جمیع ذلک أیضاً إلی ثبوت جعل الحکم فی مورد دلیل الحاکم وقد عرفت أنّ مصحح الادعاء وجود الارادة الجدّیة فی مورده فدلیل الحاکم یحدّد الدلیل المحکوم بمدلوله بلسان نفی الجعل مورد اقتضی دلیل المحکوم ثبوته أو ثبوته فی مورد لم یقتض ثبوته لا بلسان عدم تطابق الارادة الجدیة مع الاستعمالیة کما یترائی من المحقق النائینی فانه علی هذا المعنی غیر مطرد فیما اقتضی دلیل الحاکم توسعة دلیل المحکوم لان المفروض حینئذٍ عدم وجود الارادة الاستعمالیة کما یقتضی دلیل الحاکم عدم تطابقها مع الارادة الجدّیة.

ص:400

التنبیه الخامس: فی صحة العمل الضرری العبادی وعدمها لو أتی به مع اعتقاد الضّرر وکان مضرا فی الواقع.

وقد یقال بصحة الوضوء الضرری مثلاً لوجود الملاک فیه وإن لم یکن بمأمور به لکفایة واجدیته لملاک ولذا ذهبوا إلی صحة العبادة إذا کانت مورد التزاحم بالأهم وأتی بها وترک الأهم مع أنّ الأمر متوجه إلی الأهم فعلا.

اورد علیه بأنّ مقتضی حکومة «لا ضرر» علی عموم أدلة الوضوء خروج الفرد الضرری من الوضوء عن عموم أدلته ومعه لا معنی لثبوت الملاک فیه ولا کاشف له بعد خروج الفرد الضرری عن عموم الأدلة.

واُجیب عنه بامکان استفادة الملاک بالأدلة الخارجیة مثل اطلاق قوله علیه السّلام الوضوء نور ونحوه بل یدل علیه نفس أدلة نفی الحرج والضّرر بضمیمة الأدلة الأولیة لأنّ سیاق أدلة نفی الحرج والضّرر رفع الکلفة والمشقة والضّرر عن المکلّف وظاهرها بقاء المطلوبیة علی حالها وأنّ الشارع لم یوجبها مع مطلوبیتها لتسهیل الأمر علی المکلّف وعدم وقدعه فی الحرج والضرر.

هذا مضافاً إلی دلالة آیة الوضوء والتیمم فإنّها تدلّ علی أنّ عدم وجوب الوضوء عند السفر بالخروج عن الطریق أو عند المرض أو عند عدم وجدان الماء والأمر بالتیمم لرفع الحرج حیث قال:(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ وَ إِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَ أَیْدِیکُمْ مِنْهُ ما یُرِیدُ اللّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لکِنْ یُرِیدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَ لِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) (1)

ص:401


1- (1) المائدة، 6.

وهو ظاهر فی بقاء الملاک وانما الحرج هو المانع عن الوجوب ودعوی أنّ المکلّف لما کان مقدما علی الوضوء الضرری لا مجال لرفع وجوبه بقاعدة لا ضرر حیث إنّ تلک القاعدة وردت امتناناً وموردها ما اذا لم یرد المکلّف الفعل مع قطع النظر عن ایجابه.

مندفعة: بأنّ الاقدام یکون علی الوضوء لا علی الضّرر وملازمة الوضوء للضرر أو اتحاده معه لا یوجب أن یکون الاقدام علی الضّرر ومع عدم الاقدام علی نفس الضّرر یکون شمول لا ضرر للوضوء الضرری أو الغسل الضرری موافقا الامتنان فلاوجه للمنع عن شمول القاعدة بالنسبة إلی الوضوء الضرری أو الغسل الضرری والحاصل أنّه لا مجال للحکم بالبطلان مع القول بجواز اجتماع الامر والنهی لوجود الامر أو القول بالامتناع لبقاء الملاک إلّا إذا دل نص خاص علی البطلان.

التنبیه السّادس: فی عدم شمول حدیث لا ضرر المعاملات التی اقدم فیها علی الضّرر بداع من الدواعی العقلائیة فلو تزوج امراة بمهر فی ذمة الزوج وعلمت أنّ المهر ینقص قدرة شرائه بمرور السنوات فلایشمله قاعدة لا ضرر لو اختلفت قدرة شراء مهرها لاقدامها علی الضّرر المذکور ویشهد له صحیحه یونس قال کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السّلام أنّه کان لی علی رجل عشرة دراهم وأنّ السلطان أسقط تلک الدراهم وجاءت دراهم (بدراهم خ ل) أعلی من تلک الدراهم الاُولی ولها الیوم وضیعة فأیّ شیء لی علیه الاُولی التی أسقطها السلطان أو الدراهم التی أجازها السلطان فکتب لک الدراهم الاُولی (الوسائل الباب 20 من ابواب الصرف ح 2) ولایخفی أنّ مع الوضیعة المحتمله عندهما لم یحکم بالضمان لکون المورد مما اقدم علیه ولا یشمله قاعدة لا ضرر.

ص:402

نعم لو کان مقدار تغییر القیمة وقدرة الشراء أمراً لا یزعمه طرفا المعاملة فلایبعد القول بضمانه مستندا إلی قاعدة لا ضرر لأنّ الضّرر الفاحش مما لم یقدم علیه طرفا المعاملة بخلاف الضّرر غیر الفاحش ولا یکون شمول لا ضرر بالنسبة إلیه منافیا للامتنان أللّهمّ إلّا أن یقال بأنّ السیرة ثابتة علی أنّ نقص قدرة الشراء فی الدیون والمهور لم یکن مورد الضمان مطلقا ولکنّه محل تامل واللازم هو التصالح نعم لو اعتمد طرفا المعاملة علی القانون الرائج وهو الضمان فلااشکال فی الضمان فتدبّر جیّداً.

التنبیه السابع: فی تصادم الضررین ولا یخفی علیک أنّه یختلف حکم التصادم باختلاف الموارد.

فتارة یدور الأمر بین ایراد الضّرر إمّا علی نفسه أو علی الغیر.

واخری یدور الأمر بین ایراد أحد الضررین علی الغیر.

وثالثة یدور الأمر بین ایراد أحد الضررین علی نفسه.

ورابعة یدور الأمر بین ایراد أحد الضررین علی شخصین.

فعلی الاول إن کان الضّرر بمقتضی طبعه متوجها الیه لا یجوز له دفعه إلی الغیر وإن کان متوجها بطبعه الی غیره لا یجب علیه صرفه إلی نفسه.

وإن کان متوجها الی الغیر أیضاً لکن لا بمقتضی طبعه بل بتوسیط المکلّف لا یجوز له التوسیط وإن کان فی عدمه ضرر علیه ومسألة التولی من قبل الجائر یدخل فی هذا القسم.

ثمّ فی صورة دوران الأمر بین ایراد الضّرر علی نفسه أو علی الغیر إن کان نسبة الضّرر الیهما علی حد سواء بأن لم یکن بمقتضی جریه العادی متوجهاً إلی هذا ولا إلی ذاک کما فیما لو ادخل دابة رجل رأسه فی القدر الآخر فیدور الأمر بین ذبح الدابة أو کسر القدر فلااشکال فی أنّه یختار حینئذٍ أقل الضررین إلّا أنّه لو کان

ص:403

أحدهما مقصرا فی ذلک یکون هو الضامن لضرر الأقل کما أنّه لو کان أحدهما مطالبا بما له یکون ضامنا لمال الآخر ومع عدم التقصیر والمطالبة المذکورة من أحدهما یقسم بینهما ضرر الأقل لان التقسیم یوافق قاعدة العدل والانصاف کالدرهم الودعی.

وعلی الثانی وهو انّ دوران الأمر بین ایراد أحد الضررین علی الغیر کما لو اکره المکلّف علی ذلک وکان فی ترکه یتوجه إلیه ضرر عظیم من قتل النفس ونحوه فی الأهمیة فیحول الأمر إلی الغیر فإن اختار أحدهما فیختاره المکلّف سواء کان أقل الضررین أو اکثرهما وإلّا فیخیّر ثمّ علی فرض احالة الأمر إلی الغیر وعدم اختیاره لا مجال للحکم بتخییر المکلّف بین أقل الضررین وأکثرهما بل اللازم هو الرجوع إلی أقل الضررین لکفایة الأقلیة للترجیح.

وممّا کر یظهر الحکم فی المورد الثالث من دوران الأمر بین أحد الضررین علی نفسه فلو کان أحدهما اقل ضررا والآخر أکثر ضررا فالأقلیة تصلح لمرجحیة الطرف الأقل بعد کون أصل ایراد الضّرر محرما.

وأمّا حکم الرابع وهو ما إذا دار الأمر بین ایراد أحد الضررین علی شخصین کما لو اکره المکلّف علی ایراد الضّرر إمّا علی هذا أو علی ذاک فقد یقال یختار حینئذٍ أقل الضررین ولکنّه محل تامل ونظر لأنّ ادلة الاکراه قاصرة بعد کون الحکم المذکور أی نفی الاکراه خلاف الامتنان فاللازم هو تحمل الضّرر بنفسه إلا اذا کان ضرراً لا یرضی الشارع به.

التنبیه الثامن: فی دوران الأمر بین تضرر المالک والاضرار بالغیر واعلم أنّه إذا دار الأمر بین تضرر شخص والاضرار بالغیر من جهة التصرف فی ملکه کمن حفر فی داره بالوعة أو بئرا یکون موجبا للضرر علی الجار مثلاً فهنا صور:

ص:404

الاُولی: أن یکون المالک بتصرفه قاصداً لا ضرار الجار من دون أن یکون فیه نفع له أو فی ترکه ضرر علیه.

الثانیة: الصورة مع کون الداعی الی التصرف مجرد العبث والمیل النفسانی لا الاضرار بالجار.

والحکم فی هاتین الصورتین هو الحرمة والضمان ولا موجب لرفع حرمة الاضرار.

الثالثة: أن یکون التصرف المذکور بداعی المنفعة بأن یکون فی ترکه فوات المنفعة.

الرابعة: أن یکون الداعی التحرز عن الضّرر بأن یکون فی ترکه ضرر علیه والمنسوب إلی المشهور هو جواز التصرف وعدم الضمان فی الصورتین الأخیرتین واستدلّ لذلک بأنّ منع المالک من التصرف فی ملکه حرج علیه ودلیل نفی الحرج حاکم علی أدلة نفی الضّرر کما أنّه حاکم علی الأدلة المثبة للأحکام.

اورد علیه بمنع هذا الدلیل صغری وکبری أمّا الصغری فلعدم کون منع المالک عن التصرف فی ملکه حرجا علیه مطلقا بل قد یکون وقد لا یکون.

وفیه ما لا یخفی إذ اثبات الصغری لا یحتاج إلی أن یکون حرجیا فی جمیع الموارد لکفایة ثبوته فی بعض الموارد کما لا یخفی.

وأمّا الکبری فلانه لا وجه لحکومة أدلة الحرج علی أدلة نفی الضّرر فإنّ کل واحد منهما ناظر إلی الأدلة الدالة علی الأحکام الأولیة فلاوجه لحکومة أحدهما علی الآخر.

وفیه أنّ توارد الضّرر والحرج یکفی فی جواز معاملة المتزاحمین فیقدم ما کان مقتضیه أقوی وإن کان دلیل الآخر أرجح واُولی والغالب فی توارد العارضین أن

ص:405

یکون من باب المتزاحمین لثبوت المقتضی فیهما مع تواردهما لامن باب التعارض لعدم ثبوته إلّا فی أحدهما.

ثمّ إنّ هذا فیما إذا کان فی ترک التصرف فوات المنفعة ولکن کان ذلک حرجا علیه وأما إذا کان فی ترک التصرف ضرر علیه تزاحم الضرران فیسقط دلیل لا ضرر بالنسبة الیهما ومعه یرجع إلی عموم قاعدة الناس مسلطون علی اموالهم فی جواز التصرف فی ملکه فتدبّر وآخر دعوانا الحمدلله رب العالمین.

ص:406

فی الاستصحاب

والبحث عنه یقع فی ضمن امور:
الأمر الأوّل: فی تعریفه
اشارة

عرّف الاستصحاب بتعاریف أسدّها و أخصرها «ابقاء ما کان» و المراد بالابقاء هو الحکم بالبقاء و دخل الوصف فی الموضوع مشعر بعلیته للحکم و علیه فعلّة الابقاء المذکور هی أنّه کان فیخرج بذلک عن التعریف ابقاء الحکم لأجل وجود علته أو لوجود دلیله.

ثمّ إنّ «ابقاء ما کان» یشمل الاستصحاب الموضوعی و الحکمی.

کما لافرق فی الحکم بالبقاء بین کون المبنی فی الاستصحاب هو بناء العقلاء علی ذلک مطلقاً أو فی الجملة أو حکمهم بالتصدیق الظنّی بالبقاء الحقیقی بسبب وجود الملازمة بین ثبوت الشیء فی السابق و بین الظنّ ببقائه أو الأخبار الدالة علی الاستصحاب تعبداً مطلقاً أو فی الجملة اذ مرجع جمیع هذه الوجوه إلی حکم الشارع بالبقاء فی کل شیء وجد ثمّ شک فی بقائه من دون فرق بین کون الحکم بذلک تأسیسّیا أم امضائیا.

ص:407

ثمّ ان المراد بالابقاء هو الابقاء التنزیلی حیث إنّ ابقاء نفس الحکم أو الموضوع.

حقیقة غیر معقول

ثمّ لایخفی علیک أنّه لایکون تعریف الاستصحاب بابقاء ما کان جامعا علی جمیع الأقوال المتقابلة و لاضیر فیه لکون التعریف المذکور من باب الشرح الإسمی لا التعریف المنطقی.

الأمر الثانی: فی أرکان الاستصحاب

و هی الیقین السابق و الشک اللاحق و تعریفه بابقاء ما کان مشعر بکلیهما إذ لایفرض أنّه کان إلّا إذا کان متیقناً کما أنّ الشک اللاحق یفهم من کلمة الابقاء إذ لامورد له إلّا مع الشک فی الواقع الحقیقی الثابت فی السابق.

ثمّ إنّ المعتبر فی الشک و الیقین امور:

منها: أن یکون المقصود من الیقین هو الیقین بالحالة السابقة من دون فرق بین أن تکون الحالة السابقة حکماً شرعیاً أو موضوعاً ذا حکم شرعی.

ومنها: أن یتعلّق الشک ببقاء المتیقن لوضوح أنّ مع فرض بقاء الیقین لاشک حتی یمکن الاستصحاب.

ومنها: أنّه لافرق فی الشک بین أن یکون متساوی الطرفین أو لا یکون إذ المراد من الشک هو عدم العلم و العلمی ببقاء المتیقن و علیه فالاستصحاب یجری و لو مع الظنّ بالبقاء أو الظن بعدم البقاء.

ومنها: أن یتعدد زمان المتیقن و المشکوک و إلّا فالشک یکون شکاً ساریاً فی نفس ما تیقنه فی السابق فیکون قاعدة الیقین لا الاستصحاب و لایشمله أدلّة الاستصحاب.

ص:408

ومنها: وحدة متعلّق الیقین و الشک بأن یکون الشک فی البقاء متعلّقاً بنفس ما تعلّق به الیقین و یحکم ببقاء ما فیه اقتضاء البقاء عند الشک فی حدوث مانع له من دون نظر له إلی مقام تأثیره و ترتب الأثر الذی لم یکن موجوداً قبلا و بهذا مضافاً الی وحدة المتیقن و المشکوک یفترق الاستصحاب عن قاعدة المقتضی و المانع الّتی تکون موردها ما لو حصل الیقین بالمقتضی و یشک فی تأثیره من جهة احتمال وجود المانع فیکون المشکوک فیها غیر المتیقن فمن یذهب إلی صحتها یقول یجب البناء علی تحقق المقتضی بالفتح عند الیقین بوجود المقتضی بالکسر لکفایة احراز وجود المقتضی بالکسر مع الشک فی وجود المانع فی الحکم بترتب الأثر مثلاً إذا علم بوجود نار مماسّة للثیاب و شک فی رطوبة الثیاب و عدمها یمکن الحکم باحتراقها بقاعدة المقتضی و عدم المانع.

ومنها: سبق زمان المتیقن علی زمان المشکوک بمعنی أنّه یجب أن یتعلّق الشک فی بقاء ما هو متیقن الوجود سابقاً بدعوی أنّ هذا هو الظّاهر من معنی الاستصحاب فلو انعکس الأمر بأن کان زمان المتعلّق متأخراً عن زمان المشکوک بان یشک فی مبدأ حدوث ما هو متیقن الوجود فی الزمان الحاضر فإنّ هذا یرجع إلی الاستصحاب القهقرائی الذیّ لا دلیل علیه و لایشمله أخبار الاستصحاب لأنّه لیس من باب عدم نقض الیقین بالشک بل یرجع أمره إلی نقض الشک المتقدم بالیقین المتأخر هذا مضافاً إلی صریح قوله علیه السّلام «لأنک کنت علی الیقین من طهارتک فشککت الخ» فی تقدم متعلّق الیقین علی متعلّق الشک فلایدل علی حجیة الاستصحاب إذا تقدم زمان المشکوک علی زمان المتیقن.

ص:409

الأمر الثالث:

فی أنّ البحث عن حجیّة الاستصحاب هل هو بحث أصولی أو بحث فقهی و المختار هو الأوّل لأنّ حجیة الاستصحاب إمّا من قبیل حجیّة الأمارات فتدخل فی مسائل علم الأصول و إمّا من قبیل الأصول العملیة فتدخل فیها أیضاً کسایر الأصول العملیة فلاحاجة فی اثبات کونها من المسائل الأصولیة إلی تکلف زائد هذا کله بالنسبة إلی الاستصحابات الجاریة فی الشبهات الحکمیة المثبته للأحکام الظاهریة الکلیّة.

و أمّا الاستصحابات الجاریة فی الشبهات الموضوعیة کعدالة زید فلااشکال فی کونها أحکاما فرعیة سواء کان المتکلم فیه من باب الظنّ أم کان من باب کونها قاعدة تعبّدیة مستفادة من الأخبار.

لأنّ التکلم فیها علی الأوّل نظیر التکلم فی اعتبار سائر الأمارات کید المسلمین و سوقهم و البیّنة و نحوها فی الشبهات الخارجیة و علی الثانی نظیر قاعدة الفراغ.

الأمر الرابع: فی جریان استصحاب حال العقل أی حکمه و عدمه

و المقصود منه هو البحث عن جریان الاستصحاب و عدمه فی الأحکام الشرعیة المستندة الی الأحکام العقلیة إذا شک فی بقائها تأمّل شیخنا الأنصاری فی جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة کما لامجال للاستصحاب فی نفس الأحکام العقلیة نعم لایمنع مقارنة الأحکام الشرعیة مع العقلیة عن جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة إذا لم تکن مستندة الیها.

أورد علیه فی الکفایة بامکان جریان الاستصحاب من دون فرق بین کون الأحکام الشرعیة مستندة إلی الأحکام العقلیة إلیها و بین عدم کونها کذلک.

ص:410

بیان ذلک أنّ الحکم الفعلی العقلی یستلزم الحکم الشرعی ولکن هذا فی مرحلة مقام الاثبات و الاستکشاف فإذا طرء انتفاء بعض قیود موضوع حکم العقل الذی یحتمل دخله فی ملاک حکمه. لایحکم العقل ببقاء حکمه إلّا أنّه لایستلزم عدم بقاء الحکم واقعاً لاحتمال بقاء الملاک الواقعی و مع هذا الاحتمال یجری الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة لتمامیة أرکان الاستصحاب فیها بعد ما رأی ما احتمله من الأحوال لا المقوّمات و علیه فمعنی عدم حکم العقل عند انتفاء بعض القیود أنّ العقل لایحکم به لا أنّه حکم بالعدم و علیه فالحکم الشرعی المستند معلوم الحدوث و مشکوک البقاء عرفاً فیستصحب.

و بعبارة اخری أنّ الحکم الشرعی إنما یتبّع حکم العقل بما هو ملاک الحکم واقعاً لا بما هو مناطه بنظر العقل فی مقام الاثبات و من المحتمل عدم دخالة ما انتفی فی الحکم واقعاً أو وجود ملاک آخر معه عرفاً فتحصّل أنّه لامجال للتامل فی جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة مع کون القیود المنتفیة من الأحوال عند العرف لا من المقومات قال فی الدرر ذهب جمع من مشایخنا تبعاً لسیّد مشایخنا المیرزا الشیرازی (قدس الله اسرارهم) إلی جریان الاستصحاب و هو الحق فنقول لاینبغی الاشکال فی عدم جواز استصحاب نفس حکم العقل ضرورة عدم تصور الشک فی بقائه کما لاینبغی الاشکال فی عدم جواز الاستصحاب ملاک حکمه لأنّ الشک و ان کان متصوراً فیه ولکنه لیس موضوعاً لأثر من الآثار الشرعیة ولکن استصحاب الحکم الشرعی المستکشف بقاعدة الملازمة بمکان من الامکان لعدم المانع فیه إلّا الشک فی الموضوع بحسب الدقة و لو کان هذا مانعاً لانسدّ باب الاستصحاب فی الأحکام الکلیة و الجزئیة لکون الشک

ص:411

فیها راجعاً إلی الشک فی الموضوع یقیناً و ما هو الجواب فی باقی موارد الاستصحاب هو الجواب هنا من دون تفاوت أصلا(1) و یمکن التفصیل بین ملاحظة الموضوعات بنحو الکلی مجردة عن اللواحق فلایجری فیها الاستصحاب للعلم بزوالها مع عروض اللواحق هذا بخلاف ما إذا کانت الموضوعات ملحوظة مع تصادقها علی الوجود الخارجی فانّه یجری الاستصحاب فیه لبقاء الموضوع خارجاً عرفاً.

قال سیّدنا الامام المجاهد قدّس سرّه قد یصدق عنوان حسن محض ملزم علی موجود خارجی من غیر أن یصدق علیه عنوان قبیح فیکون الموضوع الخارجی حسناً محضا. ملزماً فیکشف العقل منه الوجوب الشرعی ثمّ یشک فی صدق عنوان قبیح علیه ممّا هو راجح مناطا فیقع الشک فی الموضوع الخارجی بأنّه حسن أو قبیح و قد یکون بعکس ذلک.

مثال الأوّل: أنّ انقاذ الغریق حسن عقلاً فقد یغرق مؤمن فیحکم العقل بلزوم انقاذه و یکشف الحکم الشرعی بوجوبه ثمّ یشک فی تطبیق عنوان السابّ لله و رسوله علیه فی حال الغرق حیث یکون تطبیق هذا العنوان علیه ممّا یوجب قبح انقاذه و یکون هذا المناط أقوی من الأوّل أو دافعاً له فیشک العقل فی حسن الانقاذ الخارجی و قبحه و یشک فی حکمه الشرعی.

ومثال الثانی: أنّه قد یکون حیوان غیر مؤذ فی الخارج فیحکم العقل بقبح قتله ثمّ یشک بعد رشده فی صیرورته مؤذیا فیشک فی حکمه الشرعی فاستصحاب الحکم العقلی فی مثل المقامات مما لامجال له لأنّ حکم العقل مقطوع العدم فإنّ حکمه فرع ادراک المناط و المفروض أنّه مشکوک فیه و أمّا الحکم الشرعی المستکشف

ص:412


1- (1) الدرر، ص 516، ط جدید.

منه قبل الشک فی عروض عنوان المزاحم علیه فلامانع من استصحابه إذا کان عروض العنوان أو سلبه عن الموضوع الخارجی لایضرّان ببقاء الموضوع عرفاً کالمثالین المتقدمین فإنّ عنوان السابّ و المؤذی من الطواری الّتی لایضرّ عروضها و سلبها ببقاء الموضوع عرفاً فتلخص مما ذکرنا جواز جریان الاستصحاب فی الأحکام المستکشفه عن الحکم العقلی هذا بخلاف ما اذا کانت الأحکام العقلیة مترتبة علی العناوین الکلیة غیر ملحوظة انطباقها علی الخارج فلایمکن أن یشک العقل فیها بعد کون موضوع حکمها معلوماً و لحاظ قید أو خصوصیة اخری فیه یوجب مغایرة الموضوع فیرتفع الحکم عنه عقلاً و عرفاً و مع الارتفاع القطعی لامجال لاستصحاب الحکم الشرعی المستکشف بالحکم العقلی.(1)

الأمر الخامس: فی أدلّة حجیة الاستصحاب و هی متعددة
اشارة

منها: استقرار بناء العقلاء علی العمل علی الحالة السابقة اعتماداً علیها و تعبداً بها و حیث لم یثبت الردع عنه کان هذا البناء حجة شرعیه و فیه منع إمّا بمنع البناء تعبّداً لامکان أن یکون عمل العقلاء لاطمینانهم أو ظنّهم الشخصی بالبقاء أو أن یکون عملهم ناشیا عن الاحتیاط أو أن یکون عملهم لغفلتهم عن البقاء و عدمه.

و اجیب عنه بأنّ الاطمینان أو الظنّ المذکور ببقاء ما ثبت غیر حاصل بالنسبة إلی جمیع الموارد بل کثیرا ما نجد العقلاء انهم عاملون علی طبق الحالة السابقة فیما لیس فیه اطمینان أو ظن بثبوت ما کان بل فیما ثبت الظن بعدم ثبوته فیس مدار بنائهم علی حصول الاطمینان أو الظن الشخصیین ببقاء ما کان و اما الاحتیاط فهو و

ص:413


1- (1) راجع الرسائل لسیّدنا الإمام المجاهد، صص 80-77.

إن کان مما یراعونه فی امورهم إلّا أنّه لیس دائراً مدار الثبوت فی السابق و الشک فی اللاحق بل یجری فی جمیع المقامات.

و أمّا احتمال الغفلة فهو مرفوع بانا نجد العقلاء بانین علی طبق الحالة السابقة فی موارد التردید فی البقاء و عدمه و هذا دلیل علی أنّ بنائهم لیس لاجل الغفلة عن احتمال الانتفاء. فلااشکال فی الاستدلال ببناء العقلاء لحجیة الاستصحاب.

لایقال: یکفی فی الردع عن مثل هذه السیرة ما دلّ من الکتاب و السنّة علی النهی عن اتباع غیر العلم و لزوم الاحتیاط فی الشبهات.

لأنّا نقول: الجواب هو الجواب الذی قد تقدّم فی حجیة الخبر الواحد من أنّ ما دلّ من الکتاب راجع إلی المنع عن الاکتفاء بغیر العلم فی اصول الدین.

هذا مضافاً إلی أنّ الآیات الناهیة ارشادیة إلی عدم العمل بالظن لاحتمال مخالفة الواقع و الابتلاء بالعقاب فلایشمل الاستصحاب الذی یکون بناء عملیا من العقلاء للقطع بالامن من العقاب حینئذٍ و العقل لایحکم بازید مما یحصل معه الأمن من العقاب.

إلّا أن یقال إنّ القطع بالأمن متفرع علی عدم شمول الأدلة الناهیة لمثل الاستصحاب و عدم شمولها متفرع علی حجیة الاستصحاب و هو کما تری.

و التحقیق أنّ المقام خارج عن مورد الآیات الناهیة تخصّصاً لأنّ المقصود من الآیات الناهیة هو النهی عن اتباع غیر العلم لاثبات الواقع و لایکون المقصود فی الاستصحاب هو ذلک إذ المقصود من الاستصحاب هو العمل علی طبق الحالة السابقة أو أنّ المقصود هو النهی عن غیر الحجة و علیه فیرتفع موضوع الآیات الناهیة بوجود الحجة و هی الاستصحاب الذی علیه بناء العقلاء فإذا عرفت خروج

ص:414

السیرة عن مورد الآیات الناهیة فلافرق فیها بین کون السیرة متقدمة علی الآیات أو مقارنة أو متاخرة عنها و هذا لخروجها عن مورد الآیات الناهیة تخصّصاً.

نعم یمکن منع شمول هذا الدلیل لجمیع موارد الاستصحاب کموارد جریان سائر الأصول المحرزة کأصالة السلامة کما إذا احتمل أنّ طرف معاملته هلک بمثل زلزلة أو شیء آخر ارسل متاعه أو طلب منه دیونه بسبب جریان أصالة السلامة أللّهمّ إلّا أن یقال جریان سائر الأصول المحرزة لا یمنع عن جریان الاستصحاب أیضاً لأنّ أدلّة اعتبارها ناظرة إلی تخطئة مخالفها و لانظر لها فی التخطئة إلی موافقها.

بقی شیء و هو أنّه کیف یمکن الاستدلال بالسیرة العقلائیة علی حجیة الاستصحاب مع ما نری فیه من البحث العظیم بین الأعاظم و الاختلاف بینهم.

وفیه: أنّ التشکیک فی وجود بناء العقلاء بمجرد البحث عنه عند الأعاظم غیر مقبول لامکان أن یکون البحث لأیضاًح خصوصیاته و موارده.

ثمّ إنّ دعوی اختلاف الموارد من حیث القوّة و الضعف و السیرة کلما کانت أقوی احتاجت إلی ردع أقوی و السیرة فی خبر الثقة قویّه إلی درجة لایمکن الاقتصار فی ردعها علی هذا المقدار من عموم أو اطلاق من هذا القبیل و هذا بخلاف المقام الذی نحتمل علی الأقل الکفایة فی ردع السیرة بمثل هذه العمومات و الاطلاقات لعدم قوة السیرة بتلک المرتبة مندفعة بانا لانسلم اختلافهما فی القوّة و الضعف فإنّ السیرة العقلائیة ثابتة فی الخبر و الاستصحاب کلیهما و إنّما الفرق بینهما یکون فی الأماریّة و عدمها فإنّ السیرة فی الخبر من جهة کونه طریقا إلی الواقع و فی الاستصحاب من جهة کونه وظیفة للشاک و لو لم یظن بالبقاء کما هو مقتضی کونه أصلا من الأصول العملیة فلافرق بینهما فی أصل الثبوت فتامل جیدا و

ص:415

علی تقدیر الفرق المذکور لا یؤثر ذلک فی جواز الاکتفاء بالعمومات و الاطلاقات فی الردع عنها لخروج المقام عنها تخصّصاً کما عرفت.

ومنها: الأخبار و هی العمدة فی هذا الباب:

أحدها: ما رواه الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی التهذیب بسند صحیح عن زرارة «قال قلت له الرجل ینام و هو علی وضوء أتوجب الخفقة و الخفقتان علیه الوضوء؟

فقال یا زرارة قد تنام العین و لاینام القلب و الاُذن فإذا نامت العین و الاُذن و القلب فقد وجب الوضوء قلت فإن حرک إلی جنبه شیء و لم یعلم به قال لاحتی یستیقن أنّه قد نام حتی یجیء من ذلک أمر بیّن و إلّا فإنّه علی یقین من وضوئه و لاینقض الیقین أبداً بالشک ولکن ینقضه بیقین آخر».

بتقریب أنّ جواب الشرط فی قوله و إلّا فإنّه علی یقین مخذوف و هو فلایجب علیه الوضوء و علیه قامت العلة مقام الجواب لدلالته علیه و علیه فمعنی الروایة إن لم یستیقن أنّه قد نام فلایجب علیه الوضوء لأنّه علی یقین من وضوئه فی السابق و بعد احتمال تقیید الیقین بالوضوء و جعل العلة نفس الیقین یکون قوله و لاینقض الیقین بمنزلة کبری کلیة للصغری المزبورة.

و دعوی أنّ مبنی الاستدلال علی کون اللام فی الیقین (فی قوله علیه السّلام و لاینقض الیقین أبدا بالشک) للجنس إذ لو کان للعهد (بأن تکون اللام اشارة إلی الیقین فی قوله علیه السّلام فإنّه علی الیقین من وضوئه) لکانت الکبری المنضمّة إلی الصغری هی قوله: «و لاینقض الیقین بالوضوء بالشک» فیفید قاعدة کلیة فی باب الوضوء و أنّه لاینقض إلّا بالیقین بالحدث و اللام و إن کان ظاهرا فی الجنس إلّا أنّ سبق یقین بالوضوء ربّما یوهن الظهور المذکور بحیث لو فرض ارادة خصوص یقین الوضوء لم یکن بعیداً عن اللفظ.

ص:416

مندفعة بأنّ الظّاهر أنّ اللام للجنس کما هو الأصل فیه و سبق قوله علیه السّلام «فإنّه علی یقین من وضوئه الخ» لایکون قرینة علی اختصاص الیقین بالیقین بالوضوء مع کمال الملائمة مع الجنس أیضاً.

هذا مضافاً إلی قوة احتمال أن یکون من وضوئه متعلّقا بالظرف (أی الظرف المستقر کأنّه یقال مکان قوله «فإنّه علی یقین من وضوئه» فإنّه مستقر من وضوئه علی یقین فکما أنّ قوله علی یقین متعلّق بقوله مستقر فکذلک قوله من وضوئه متعلّق بقوله مستقر محذوف) لامتعلّقا بیقین و کان المعنی فإنه کان من طرف وضوئه علی یقین و علیه لایکون الأصغر إلّا الیقین لاالیقین بالوضوء و بالجملة لایکاد یشک فی ظهور القضیة حینئذٍ فی عموم الیقین و الشک خصوصاً بعد ملاحظة تطبیقها فی الأخبار علی غیر الوضوء أیضاً و ظهور التعلیل فی أنّه تعلیل بأمر ارتکازی من عدم نقض المبرم بغیره.

و أیضاً احتمال العهد مع قطع النظر عن کونه مخالفا لسائر الأخبار لایساعده تذبیل قوله علیه السّلام «و لاینقض الیقین أبداً بالشک» بقوله «ولکن ینقضه بیقین آخر».

لأنّه یدل علی أنّ علة عدم النقض هو أنّ الیقین لایصلح لهدمه إلّا بمثله من یقین آخر و لادخالة للوضوء فی هذا التعلیل و علیه فلاوجه لجعل اللام فی الیقین فی الکبری أعنی قوله علیه السّلام و لاینقض الیقین أبداً بالشک للعهد و اشارة إلی الوضوء.

و إن أبیت عن جمیع ما ذکر و قلت اللام للعهد أمکن أن یقال إنّه لاخصوصیة للوضوء فالعلة هو نفس عنوان الیقین بما هو الیقین لاالیقین بما هو الیقین بالوضوء و علیه فقوله علیه السّلام: «و لاینقض الیقین بالشک» یفید کبری کلیة سواء کان اللام للعهد أو للجنس خصوصا أنّ ظاهر التعلیل انه یکون بامر ارتکازی من عدم نقض المبرم بغیره و هو لایختص بمورد خاص کما لایخفی.

ص:417

وثانیها: صحیحة اخری لزرارة قال قلت لأبی جعفر علیه السّلام إنّه أصاب ثوبی دم من رعاف أو غیره أو شیء من منّی فعلمت أثره إلی أن اصیب له ماء فاصبت الماء و حضرت الصلاة و نسیت أنّ بثوبی شیئا فصلیت ثمّ إنّی ذکرت بعد ذلک؟

قال علیه السّلام: تعید الصلاة و تغسله.

قال: قلت: فإن لم أکن رایت موضعه و قد علمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر علیه فلما صلیت وجدته؟

قال: تغسله و تعید قال قلت: فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم اتیقن ذلک فنظرت فلم أرشیئا ثمّ طلبت فرأیته فیه بعد الصلاة قال تغسله و لاتعید الصلاة قال قلت و لم ذلک؟

قال: لانک کنت علیّ یقین من نظافته ثمّ شککت فلیس ینبغی لک ان تنقض الیقین بالشک أبداً.

قلت: فإنّی قد علمت أنّه قد أصابه و لم أدر أین هو فأغسله.

قال: تغسل من ثوبک الناحیة الّتی تری أنّه أصابها حتی تکون علی یقین من طهارته.

قال: قلت: فهل علیّ إن شککت فی أنّه أصابه شیء أن أنظر فیه فأقلبه.

قال: لا ولکنک أنّما ترید بذلک أن تذهب الشک الذی وقع فی نفسک قال قلت: فإن رایته فی ثوبی. و أنا فی الصلاة

قال: تنقض الصلاة و تعید إذا شککت فی موضع منه ثمّ رأیته فیه و إن لم تشک ثمّ رأیته قطعت و غسلته ثمّ بنیت علی الصلاة فإنّک لاتدری لعله شیء وقع علیک فلیس ینبغی لک أن تنقض بالشک الیقین.

ص:418

موضع الاستدلال بها هو قوله علیه السّلام: «فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً» الذی ذکر فیها مرتین مع اختلاف یسیر بینهما بالتقریب الذی عرفته فی الصحیحة الأولی.

ثمّ ظهور هذه الجملة فی دلالتها علی کبری الاستصحاب فی هذه الصحیحة أقوی من الصحیحة السابقة لاشتمالها علی التصریح بالتعلیل فی قوله علیه السّلام لأنک الخ و التعبیر بعدم الانبغاء الذی یدل علی کونها من القواعد الارتکازیة.

و یشکل الاستدلال بهذه الصحیحة من ناحیتین:

أحدهما: أنّ الإمام علیه السّلام علّل عدم وجود الاعادة.

فی جواب السؤال عمن ظنّ بالاصابة و فحص و لم یتیقن بها ثمّ رأی تلک النجاسة بعد اتمام الصلاة بقوله تغسله و لاتعید الصلاة قلت لم ذلک قال لأنّک کنت علی یقین من طهارتک فشککت فلیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبداً.

مع أنّ الاعادة لو کانت واجبة لما کانت نقضا للیقین بالشک بل نقضا للیقین بالیقین للعلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فهذا التعلیل فی جواب ذاک السؤال لاینطبق علی المورد.

واجیب عنه أوّلاً: بأنّ غایة الأمر إن أمکننا التطبیق علی المورد فهو و إلّا فلانفهم کیفیة التطبیق علی المورد و هو غیر قادح فی الاستدلال بها.

وثانیاً: بان هذا الاشکال وارد علی تقدیر أن یکون المرئی هو النجاسة السابقة مع أنّه یمکن أن یکون المراد من الیقین هو الحاصل قبل ظن الاصابة و هو الیقین بالطهارة و من المرئی هی النجاسة المردّدة بین أن تکون من الأوّل أو حدثت بعد الصلاة و هذا ینطبق علی المقام و یسلم عن الاشکال المذکور لأنّ مع احتمال

ص:419

حدوث النجاسة بعد الصلاة لاعلم بنقض الیقین بالطهارة فی حال الصلاة حتی یکون من نقض الیقین بالیقین إذ مع هذا الاحتمال لاعلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فیسلم الروایة عن الاشکال المذکور فیجری الاستصحاب باعتبار حال الصلاة من دون اشکال اذ لو کانت الاعادة واجبة کانت نقضا للیقین بالشک لابالیقین.

إلّا أنّ هذا الجواب موقوف علی احتمال حدوث النجاسة بعد الصلاة.

و أمّا إذا کانت النجاسة المرئیة بعد الصلاة هی النجاسة المظنونة سابقاً کما هو صریح نسخة العلل «فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم یتیقّن ذلک فنظرت فلم أر شیئاً ثمّ طلبت فرأیته فیه بعد الصلاة» فلامجال لاستصحاب الطهارة بعد العلم بنقضها حیث دل علی أنّه رأی بعد الصلاة عین النجاسة المظنونة قبل الصلاة کما یشهد له الاتیان بالضمیر فی قوله «فرأیته فیه» فلامجال لاستصحاب الطهارة بعد العلم بنقضها برؤیة النجاسة المظنونة لعدم الشک فی البقاء حین العلم بأنّها هی النجاسة المظنونة و علیه فالحکم بالاعادة بعد انکشاف وقوع الصلاة فیها لیست نقضاً للیقین بالطهارة بالشک فیها بل بالیقین بارتفاعها.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المستفاد من أدلة اعتبار الطهارة الخبیثة فی الصلاة أنّ الشرط أعم من الطهارة الواقعیة و الظاهریة و احرازها و لو باصل او قاعدة و علیه فمقتضی کونه حال الصلاة عالما بالطهارة و شاکا فی بقائها قبل رؤیة النجاسة بعد اتمام الصلاة أنّه کان مجری للاستصحاب قبل رؤیة النجاسة بعد اتمام الصلاة فقوله لأنّک کنت علی یقین من نظافته ثمّ شککت الخ یدلّ علی اعتبار الاستصحاب حال الصلاة قبل اتمامها لبقاء حالة الشک له حین الصلاة حتی کانت الاعادة منافیة لقاعدة عدم نقض الیقین بالشک.

ص:420

لأنّ معنی لزوم الاعادة هو تجویز نقض الیقین بالشک حال الصلاة نعم لو اعتبر خصوص الطهارة الواقعیة فمع کشف الخلاف لامجال للاستصحاب ولکن المفروض أنّ الطهارة الخبیثة المشروطة أعم من الواقع و احرازها.

و احراز الطهارة بدلیل الاستصحاب موجود حال الصلاة و مع وجود الشرط حال الصلاة لامجال للاعادة.

و یظهر مما تقدم أنّ الاکتفاء بالطهارة الظاهریة الاستصحابیة لم نستفده من هذه الصحیحة بل کان هو مقتضی ما استفدناه من الأدلة الاُخری الدالة علی أنّ الشرط فی الطهارة الخبیثة أعم من الظاهریة غایة الأمر أنّ زرارة کان غافلاعن أعمیة الشرط فیها و نبهّه الامام علیه السّلام او کان جاهلا بذلک و علّمه الامام علیه السّلام.

وثانیهما: أنّه لو کان مفاد هذه الصحیحة أنّ جریان الاستصحاب موجب لعدم الاعادة فیما إذا انکشف الخلاف بعد اتمام الصلاة لکان موجبا لذلک فیما اذا انکشف الخلاف فی اثناء الصلاة فلاوجه للفرق بینهما فی هذه الروایة بالحکم بعدم الاعادة فی الصورة الأولی و البطلان فی الثانیة.

وأجیب عنه بأنّ هذا الاشکال فیما إذا انکشف الخلاف فی اثناء الصلاة مبنی علی تخیل أنّ استفادة أنّ الشرط اعم من الطهارة الواقعیة مستندة إلی هذه الصحیحة مع أنّه تقدم أنّها مستندة إلی الأدلة الاُخری فمجرد شرطیة الأعم لمن فرغ عن صلاته ثمّ علم بنجاسة ثوبه لیس دلیلا علی شرطیة ذلک الأعم لمن علم بها فی اثناء الصلاة أیضاً فالإستلزام غیر ثابت و الاشکال غیر وارد بعد تفصیل الأخبار الواردة فی اشتراط الطهارة الخبیثة بین الصورتین.

بقی شیء و هو أنّ دلالة الحدیث علی اعتبار الاستصحاب مبنیّة علی أن یکون المراد من الیقین فی قوله علیه السّلام «لأنّک کنت علی یقین من طهارتک» هو الیقین

ص:421

بالطهارة قبل ظنّ اصابة النجاسة کما هو ظاهر الحدیث لا الیقین الحاصل بالنظر و الفحص و إلّا کان مفاد الحدیث قاعدة الیقین و هو خلاف الظّاهر إذ قوله فنظرت فلم أر شیئاً ثمّ طلبت فرأیته فیه بعد الصلاة لایساعد مع حصول الیقین بعدم النجاسة بالفحص و النظر.

حیث إنّ قوله ثمّ طلبت یدلّ علی عدم حصول العلم و الیقین بعدم النجاسة بالفحص و النظر و إلّا فلامجال للفحص المجدّد و علیه فلایعمّ الحدیث قاعدة الیقین بل هو مختص بمورد الاستصحاب هذا مضافاً إلی أنّ مجرد النظر و عدم الوجدان لایدلّ علی أنّه تیقّن بالطهارة و عدم النجاسة و أیضاً هذه الکبری المذکورة فیها منطبقه فی غیر واحد من الأخبار علی الاستصحاب فالصحیحة اجنبیة عن قاعدة الیقین فتحصل أنّ الاستدلال بهذه الصحیحة لحجیة الاستصحاب تامّ.

وثالثها: صحیحة اخری عن زرارة رواها الکلینی عن أحدهما علیهما السلام قال قلت: له من لم یدر فی أربع هو أم (أو - یب - صا) فی ثنتین و قد أحرز اثنتین قال یرکع (رکع - یب) رکعتین و أربع سجداًت و هو قائم بفاتحة الکتاب و یتشهّد و لاشیء علیه.

و إذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع و قد أحرز الثلاث تام فأضاف إلیها أخری و لاشیئ علیه و لاینقض الیقین بالشک و لایدخل الشک فی الیقین و لایخلط أحدهما بالآخر ولکنّه ینقض الشک بالیقین و یتمّ علی الیقین فیبنی علیه و لایعتدّ بالشک فی حال من الحالات بدعوی أنّ المراد من الیقین هو الیقین بعدم الاتیان بالرابعة سابقاً و الشک فی اتیانها فیستصحب فهذه الصحیحة تدلّ علی الاستصحاب هذا.

ص:422

و قد تأمّل فیه الشیخ الأعظم من ناحیة أنّه إن کان المراد بقوله علیه السّلام فی الفقرة الثانیة قام فاضاف إلیها أخری القیام للرکعة الرابعة من دون تسلیم فی الرکعة المرددة بین الثالثه و الرابعة حتی یکون حاصل الجواب هو البناء علی الأقل فهو مخالف للمذهب و موافق لقول العامة و مخالف لظاهر الفقرة الأولی من قوله یرکع رکعتین بفاتحة الکتاب فإنّ ظاهره بقرینة تعیین الفاتحة ارادة رکعتین منفصلتین أعنی صلاة الاحتیاط فتعیّن أن یکون المراد به فی الفقرة الثانیة القیام بعد التسلیم فی الرکعة المردّدة إلی رکعة مستقلّة کما هو مذهب الامامیة.

فالمراد بالیقین کما فی الیقین الوارد فی الموثقة الاتیة هو الیقین بالبراءة فیکون المراد وجوب الاحتیاط و تحصیل الیقین بالبراءة بالبناء علی الأکثر و فعل صلاة مستقلة قابلة لتدارک ما یحتمل نقضه.

و علی تقدیر تسلیم ظهور الصحیحة فی البناء علی الأقل أو عدم الاتیان بالأکثر المطابق للاستصحاب یرفع الید عنه بالصوارف مثل تعیّن حملها علی التقیة و هو مخالف للأصل هذا مضافاً إلی أنّ هذا المعنی مخالف لصدر الروایة الآبی عن الحمل علی التقیة مع أنّ العلماء لم یفهموا منها إلّا البناء علی الأکثر إلی غیر ذلک مما یوهن ارادة البناء علی الأقل.

و هذا الوجه (أی البناء علی الأکثر و الاتیان بصلاة الاحتیاط منفصلة) و إن کان بعیداً فی نفسه ولکنّه منحصر بعد عدم إمکان الحمل علی ما یطابق الاستصحاب و لا أقلّ من مساواته فیسقط الاستدلال بالصحیحة.

و أورد علیه فی الکفایة بأنّ الاحتیاط کذلک لایأبی عن ارادة الیقین بعدم الرکعة المشکوکة بل کان أصل الاتیان بها باقتضائه غایة الأمر اتیانها مفصولة ینافی اطلاق

ص:423

النقض و قد قام الدلیل علی التقیید فی الشک فی الرابعة و غیره و أن المشکوکة لابدّ أن یؤتی بها مفصولة فافهم.

و لقد أفاد و أجاد و یعتضد ذلک بظهور الیقین و الشک فی الفعلی منهما فحمل الیقین فیه علی الیقین بالبراءة بسبب الاحتیاط خلاف الظهور المذکور.

و یرفع اشکال الشیخ الأعظم بأحد الوجهین الأوّل: أنّ المراد من الیقین و الشک هو الیقین بالاشتغال و الشک فیه فیفید استصحاب الاشتغال.

و علی ذلک یکون المراد من الرکعة الّتی أمر باضافتها هی الرکعة المفصولة و لااشکال لأنّ الاتیان بالمفصولة هو الذی یوجب الیقین بالفراغ دون غیره عند الامامیة.

الثانی: أنّ المراد بالیقین و الشک هو الیقین بعدم اتیان بالمشکوکة سابقاً و الشک فی اتیانها فمعنی عدم نقض الیقین بالشک البناء علی عدم الاتیان بالمشکوکة.

و لازمه لو خلّی و نفسه و إن کان لزوم الاتیان بالرکعة المفصولة إلّا أنّ الإمام لمّا ألقی الکلام إلی مثل زرارة الذی کان عالما بمثل هذه الأحکام سلک فی مقام بیان الحکم الواقعی مسلک التقیة فأطبق الاستصحاب تقیة علی المورد الذی یجب فیه القیام إلی الرکعة المفصولة لیمکن حمله فی مقام الظّاهر علی مذهب أهل الخلاف و لایکون الإمام مأخوذاً عندهم ففی کلا الوجهین لایراد من الیقین هو الیقین بالبراءة بسبب الاحتیاط.

وهم و دفع

لایقال: کیف یمکن الالتزام بالتقیة هنا مع أنّ صدر الروایة دالّ علی أنّ المقام لما کان مقام التقیة حیث إنّه علیه السّلام أمر فی جواب السائل عن الشک بین الإثنین و الأربع

ص:424

بأن یرکع رکعتین و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الکتاب و هذا الکلام ظاهر فی وجوب رکعتین منفصلتین من جهة ظهوره فی تعیین الفاتحة و هو خلاف مذاق العامّة.

فإنّه یقال هذا صحیح لو اتفق کلمات أهل الخلاف علی التخییر فی الرکعتین الأخیرتین بین الفاتحة و التسبیحة ولکن لیس الأمر کذلک حیث یری الاختلاف بینهم فی ذلک.

و دعوی أنّ الصحیحة مجملة لاتفید قاعدة کلیة ینتفع بها فی سایر الموارد لظهور أنّ قوله علیه السّلام «و لاینقض الیقین بالشک» تأکید لقوله علیه السّلام «قام فاضاف إلیها اخری» لا علة له حتی یستفاد منه الکلیة

مندفعة: بأنّ الاجمال فی التطبیق لایسری إلی الاجمال فی القاعدة مع دلالة الفقرات الست علی أنها کلیات لاتختص بموردها.

فیتضع مما ذکر تمامیة الاستدلال بالروایة المذکورة علی حجیة الاستصحاب و لاوقع لاحتمال أن یکون المراد من الیقین هو الاحتیاط بالاتیان المشکوکة منفصلة کما لامجال لدعوی الاجمال بعد ظهور الجملة فی الکلیة بالنسبة إلی جمیع موارد الاستصحاب.

لایقال: إنّ المراد من النهی عن نقض الیقین بالشک إن کان هو الاستصحاب فی عدم الاتیان بالرکعة الرابعة فلاتدلّ علی اعتبار الاستصحاب فی سائر الموارد لظهور فقرات الروایة فی کون الأفعال الواردة فیها مبنیّة علی الفاعل و الفاعل فیها ضمیر یرجع إلی المصلّی.

هذا مضافاً إلی أنّه لیس مقتضی الاستصحاب إلّا الاتیان بالرکعة الرابعة متصلة لأنّ من صلّی من صلاته الظهر ثلاث رکعات فعلیه الاتیان بالرابعة متصلة و ما دلّ

ص:425

علی لزوم الاتیان بالمشکوکة بصلاة الاحتیاط إلغاء للاستصحاب فی الشک فی الرکعات لاتقیید لحکم ظاهری.

و علی الجملة الاستصحاب فی عدم الاتیان بالرکعة الرابعة لایقتضی أمرین بأن یدل علی الاتیان بالرکعة الرابعة بدلالة وضعیة و أن یدل علی الاتیان بها متصلة بالاطلاق لیقال برفع الید عن إطلاقه بالدلیل الوارد علی التقیید بل مدلوله إحراز المکلف بأنّه لم یأت بالرکعة الرابعة و المکلف بصلاة الظهر مثلاً یجب علیه أربع رکعات بعنوان الظهر متصلة.

فإنّه یقال إنّ حکم من لم یأت برکعة هو القیام و الاتیان بالباقی و هذا الحکم دلّ علیه قوله علیه السّلام قام فاضاف إلیها اخری و لاشیء علیه و لایکون المقصود من ضمیمة الکبریات المذکورة بعد ذلک إفادة نفس هذا الحکم فإنّه تکرار لما هو معلوم بل المراد من ضمیمتها هو إفادة وجه الحکم و لافرق فیه حینئذٍ بین أن یکون تلک الأفعال المذکورة فیها مبنیّة علی الفاعل أو غیرها لأنّ الظّاهر منها هو الوجه الکلی الذی أوجب القیام لاضافة الرکعة الاخری فلایختص الاستصحاب بمورد المصلّی الشاک المذکور.

هذا مضافاً إلی أنّ الظّاهر من قوله علیه السّلام «و لاینقض الشک بالیقین» هو وجود الیقین و الشک حال النهی عن النقض و حمله علی إرادة إضافة الرکعة الإحتیاطیة یوجب إفادة لزوم تحصیل ذلک الیقین المطلوب فی الشک فی الرکعات و من المعلوم أنّه ینافی الیقین الفعلی.

علی أنّ الظّاهر من نفس القضیة هو أنّ مناط حرمة النقض إنما یکون لأجل ما فی الیقین و الشک لا لما فی المورد من الخصوصیة و أنّ مثل الیقین لاینقض بمثل

ص:426

الشک و دعوی أنّ لازم هذا التنویع أنّه إن أتی المکلف بالرکعة المشکوکة متصلة مع قصد الرجاء و حصول القربة ثمّ تبین أنّ صلاته ناقصة کانت صلاته باطلة لفرض تعین وظیفة الشاک فی الانفصال و هو مما لایمکن الالتزام به ضرورة أنّه قد أتی بصلاته تامة و أدلة صلاة الاحتیاط فی الشکوک لاتدلّ علی أزید من أنّه إن کان المصلّی صلّی رکعتین (مثلا) کانت هاتان تمام الأربع و مقتضاها لیس أزید من اغتفار الزیادات المأتی بها بالنسبة إلی الشاک لا أنّ اتیان الصلاة أربع رکعات متصلة غیر مقبولة.

مندفعة بأنّ الحکم الوارد فی صورة الشک فی الرکعات بأن یأتی بالرکعة أو الرکعتین منفصلة حکم ظاهری و الحکم الظاهری فی طول الحکم الواقعی و عند الجهل به و علیه فمن أتی به رجاء ثمّ علم التطابق فلاإشکال فی کفایة المأتی به و لامنافاة بین کفایته واقعاً و کون الحکم الظاهری هو لزوم الاتیان منفصلة.

لایقال: إنّ لازم التنویع المذکور أن یکون الشاک فی الرکعات محکوماً بوجوب الانفصال فی کلتا الأخیرتین أو إحدیهما و غیر الشاک و هو من أیقن بعدد الرکعات محکوماً بوجوب الاتصال و حینئذٍ فحیث أنّ لسان «لاینقض الیقین بالشک» أنّ الیقین باقٍ غیر منقوض فالشارع بمقتضی الاستصحاب قد تعبّد بأنّ الیقین باقٍ و أنّ المکلف متیقن و لازمه أن یکون محکوماً بحکم المتیقن و من المعلوم أنّ الصحیحة صریحة فی شمول القاعدة للشاک فی الرکعات.

فإذا کان محکوماً تعبداً بأنّه متیقن برکعات صلاته کان لازمه أن یأتی بالرکعة المشکوکة متصلة فکان بعد تسلیم ذلک التنویع أیضاً مقتضی الاستصحاب أن یاتی بالمشکوکة متصلة و هو مقتضی صریح الاستصحاب هنا و نصّه لا أنّه مقتضی إطلاقه.

ص:427

لأنّا نقول: لایستفاد من الاستصحاب إلّا الحکم بعدم الاتیان بالرکعة الرابعة تعبداً فالمکلف الشاک حینئذٍ موظف بإتیان الرکعة الرابعة من جهة أدلة وجوب اتیان الظهر بأربعة رکعات متصلة کما أنّ المتیقن بثلاث رکعات موظف بذلک و هذا مقتضی أدلة اتیان رکعات الظهر متصلة و یدلّ علی الشاک المذکور باطلاقه و مع ملاحظة أدلة الاحتیاط عند الشک فی الرکعات یرفع الید عن هذا الاطلاق جمعا بین أدلة اتیان رکعات الظهر متصلة و بین أدلة الاحتیاط لأخصیة تلک الأدلة عن ذلک الاطلاق و لانظر لادلة الاحتیاط بالنسبة إلی الاستصحاب لما عرفت من أنّه لایدل إلّا علی عدم الاتیان بالرابعة و لادلالة له بالنسبة إلی کیفیة الاتیان بالرابعة و علیه فلاتعارض بین الصحیحة و أدلة الاحتیاط.

فتحصّل: أنّ الصحیحة الثالثة تدلّ علی أنّ الیقین لاینقض بالشک و حمل الیقین علی الیقین بالبراءة بالاحتیاط خلاف الظّاهر لأنّ المستفاد منها هو وجود الیقین و الشک معا بالفعل و الیقین الحاصل من ناحیة الاحتیاط لیس موجوداً بالفعل.

ودعوی أنّ قوله لاینقض الیقین بالشک و غیره من الجملات المذکورة فی الصحیحة لایکون کلیاً لأنّ الضمیر فی قوله لاینقض و لایخلط و غیرهما راجع الی المصلّی الشاک المذکور.

مندفعة بأنّ الظّاهر أنّ ذکر هذه الجمل المتعددة عقیب قوله علیه السّلام قام فاضاف إلیها أخری و لاشیء علیه لایکون لافادة نفس هذا الحکم فإنّه تکرار لما هو معلوم بل المراد منها هو افادة وجه هذا الحکم المذکور و المعمول فی ذکر الوجه هو ذکره بالوجه الکلی و لافرق فیه بین أن یکون الافعال المذکورة مبنیة للفاعل أو للمفعول.

ص:428

ورابعها: موثقة إسحاق بن عمار قال قال لی ابوالحسن الأول علیه السّلام إذا شککت فابن علی الیقین قال قلت هذا أصل؟ قال: نعم.(1)

و یحتمل فیها بحسب مقام الثبوت وجوه الأول ارادة البناء علی الاحتیاط و تحصیل الیقین و هذا مخالف لظاهر قوله فابن علی الیقین إذ الظّاهر منه ارادة البناء علی الیقین المفروض الوجود لا وجوب تحصیل الیقین الثانی ارادة قاعدة الیقین و هو أیضاً مخالف للظاهر منه و هو ارادة الموجود حال البناء لا الذی کان موجوداً فی السابق و ارتفع بعروض الشک الثالث ارادة قاعدة الاستصحاب و هو الظاهر.

و یشکل ذلک إمّا من حیث الدلالة لان الموثقة بناء علی اختصاصها بالشکوک الواقعة فی الرکعات یقتضی الاستصحاب فیها البناء علی الأقل مع أنّ المذهب استقر علی خلافه فلابّد من حمله علی التقیة و هو فی غایة البعد بملاحظة سیاق الموثقة ربّما یتفصّی من هذا الاشکال بعدم الدلیل علی اختصاص الموثقة بالشکوک الواقعة فی الرکعات و مجرد ذکر الأصحاب إیّاها فی ضمن أدلة تلک المسألة لایدلّ علی الاختصاص.

و إمّا من حیث السند لاحتمال الإرسال فیها و معه لاحجیة لها حیث قال فی الفقیه روی عن اسحاق بن عمار فیقال هل تشمل مشیخة الفقیه إیاها أو لاتشمل لاختصاص المشیخة بما رواه مباشرة و قد حقق بعض الأفاصل فی ذلک و ذهب فی آخر المطاف إلی عدم الفرق فی شمول مشیخة الفقیه بین ان عبر فی الفقیه روی عن فلان بالمبنی للفاعل او بالمبنی للمفعول و علیه فلاتکون الروایة مرسلة.

خامسها: الأخبار الخاصة الّتی تصلح للتأیید أو الاستدلال:

ص:429


1- (1) الوسائل، الباب 8 من أبواب الحّلل، ح 2.

منها: صحیحة عبدالله بن سنان قال سأل أبی أباعبدالله علیه السّلام و أنا حاضر إنّی اعیر الذّمی ثوبی و أنا أعلم أنّه یشرب الخمر و یأکل لحم الخنزیر فیرد (ه - صا) علیّ فأغسله قبل أن اصلی فیه فقال أبوعبدالله علیه السّلام صلّ فیه و لاتغسله من أجل ذلک فانک أعرته إیّاه و هو طاهر و لم تستیقن أنّه نجّسه فلابأس أن تصلّی فیه حتی تستیقن أنّه نجّسه.(1)

قال الشیخ الأعظم و فیها دلالة واضحة علی أنّ وجه البناء علی الطهارة و عدم وجوب غسله هو سبق طهارته و عدم العلم بارتفاعها و لو کان المستند قاعدة الطهارة لم یکن معنی لتعلیل الحکم بسبق الطهارة إذ الحکم فی القاعدة مستند إلی نفس عدم العلم بالطهارة و النجاسة نعم الروایة مختصة باستصحاب الطهارة دون غیرها و لایبعد عدم القول بالفصل بینهما و بین غیرها مما یشک فی ارتفاعها بالرافع.

هذا مضافاً إلی ظهور سیاقها فی التعلیل و إلقاء القاعدة خصوصا إذا فرضنا إرتکازیة الاستصحاب و الإنصاف أنّ هذه الصحیحة من أحسن الروایات الدالة علی الاستصحاب و ذلک من وجوه:

منها عدم ورود التعبیر بالیقین فیها لیتطرق إلیها إحتمال إرادة قاعدة الیقین و إنما ظاهرها أخذ الحالة السابقة نفسها موضوعاً للحکم الظاهری بالبقاء و هو صریح فی الاستصحاب.

ومنها: ما یتفرع علی ذلک من کون موضوع التعبد الاستصحابی فیها نفس الحالة السابقة لاالیقین بها و هو جریان الاستصحاب فی موارد ثبوت الحالة السابقة بإحدی الأمارات لا بالیقین.

ص:430


1- (1) الوسائل، الباب 74 من أبواب النجاسات، ح 1.

ومنها: عدم اشتمالها علی کلمة النقض فتستریح من شبهة اختصاص الاستصحاب بموارد الشک فی المانع لا المقتضی.

فتحصّل: إلی حدّ الآن تمامیة بعض الأدلة المذکورة لحجیة الاستصحاب بعنوان الکبری الکلی هذا مضافاً إلی بعض الروایات الخاصة الّتی أمکن القاء الخصوصیة فیه و الله هو العالم.

التنبیهات:

التنبیه الأوّل: أنّ الشیخ الأعظم قال ما حاصله إنّ المعروف بین المتأخرین الاستدلال بالأخبار العامة علی حجیة الاستصحاب فی جمیع الموارد سواء کان الشک هو الشک فی الرافع أم کان الشک فی المقتضی و یشکل ذلک بأنّ حقیقة النقض هو رفع الهیئة الاتصالیة فی نقض الحبل و الأقرب الیه علی تقدیر مجازیته هو رفع الأمر الثابت نعم قد یطلق النقض علی مطلق رفع الید عن الشیء و لو لعدم وجود المقتضی له بعد أن کان آخذاً به فالمراد من النقض عدم الاستمرار علیه و البناء علی عدمه بعد وجوده.

و کیف کان فالأمر یدور بین أن یراد من النقض مطلق ترک العمل و ترتیب الأثر و بین أن یراد من النقض ظاهره و هو ترک ما من شأنه الاستمرار و لایخفی أنّ هذا راجح بالنسبة إلی مطلق ترک العمل لان الفعل الخاص المتعلّق بشیء کالنقض یصیر مخصصا لمتعلّقه العام کقول القائل لاتضرب أحدا فان الضرب الظّاهر فی المولم قرینة علی تخصیص الأحد العام بالاحیاء و لایتوهم حینئذٍ ان ذلک یوجب الحاجة إلی تصرف فی الیقین بارادة المتیقن منه لأنّ التصرف المذکور لازم علی کل حال فان النقض الاختیاری القابل لورود النهی عنه لایتعلّق بنفس الیقین علی کل تقدیر

ص:431

بل المراد من نقض الیقین المبنی هو نقض ما کان علی یقین منه و هو الطهارة السابقة و أحکام الیقین و المراد من أحکامه لیس أحکام نفس وصف الیقین اذ لو فرضنا حکماً شرعیاً محمولاً علی نفس صفة الیقین ارتفع بالشک قطعاً.

کمن نذر فعلاً فی مدة الیقین بحیوة زید بل المراد أحکام المتیقن المثبتة له من جهة الیقین و هذه الأحکام کنفس المتیقن أیضاً لها إستمرار شأنی لایرتفع إلّا بالرافع فان مثل جواز الدخول فی الصلاة بالطهارة أمر مستمر إلی أن یحدث ناقضها.

نعم یمکن أن یستفاد من بعض الروایات إرادة مطلق رفع الید عن الشیء و لو لعدم المقتضی مثل قوله علیه السّلام بل ینقض الشک بالیقین مع أنّه لا إبرام فی الشک حتی ینقض و قوله علیه السّلام و لایعتد بالشک فی حال من الحالات مع أنّ الشک یعمّ الشک فی المقتضی و قوله علیه السّلام الیقین لایدخله الشک صم للرؤیة و أفطر للرؤیة فإنّ مورده استصحاب بقاء رمضان و الشک فیه لیس شکا فی الرافع و قوله علیه السّلام إذا شککت فابن علی الیقین فإنّ المستفاد من هذه المذکورات عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف للیقین السابق نظیر قوله علیه السّلام إذا خرجت من شیء و دخلت فی غیره فشکک لیس بشیء هذا.

ولکن الانصاف أنّ شیئا من هذه الموارد لایصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره.

لأنّ قوله علیه السّلام بل ینقض الشک بالیقین معناه رفع الشک لأنّ الشک مما إذا حصل لایرتفع إلّا برافع و أمّا قوله الیقین لایدخله الشک فتفرع الإفطار للرؤیة علیه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلی أن یحصل الرافع و بالجملة فالمتأمل المنصف یجد أنّ هذه الأخبار لاتدلّ علی أزید من اعتبار الیقین السابق عند الشک فی الارتفاع برافع انتهی.

ص:432

و استشکل علیه سیّد الاساتیذ العظام المیرزا الشیرازی (قدس الله تعالی نفسه الزکیة) بأنّه لا داعی إلی صرف الیقین عن ظاهره بارادة المتیقن منه إذ کما أنّ النقض الاختیاری بالنسبة إلی نفس الیقین غیر متحقق و انما هو قهری الانتقاض کذلک الحال بعینه فی المتیقن الذی یشک المکلف فی بقائه و ارتفاعه فإنّه أیضاً إن کان باقیا فبغیر اختیاره و إن کان منتقضا فکذلک فالتصرف فی النقض بإرادة رفع الید عملا محتاج إلیه علی کل حال و معه یکون التصرف فی الیقین بلاجهة.

و من المعلوم أنّ نفس صفة الیقین کالعهد و البیعة و الیمین ممّا یصح استعارة النقض لها لما فیها من الإستحکام فیتخیل کونها ذات أجزاء متداخلة مستحکمة فیکون الخبر شاملا لکل من الشکین انتهی.

و علیه فالنهی عن نقض الیقین بعد عدم تعلّقه بنفس الیقین من حیث هو و بعد عدم تعلّقه بالمتیقن یجب أن یکون متعلّقاً بالنقض من حیث العمل و علی هذا کما أنّه یصح أن یقال یجب علیک معاملة بقاء المتیقن من حیث الآثار کذلک یصح أن یقال یجب علیک معاملة بقاء الیقین کذلک من حیث العمل و الآثار.

إن قلت: نعم لکن علی الثانی تفید القضیّة وجوب ترتیب أثر نفس الیقین و هو غیر مقصود.

قلت: الیقین فی القضیة ملحوظ طریقا إلی متعلّقه فیرجع مفاد القضیة إلی وجوب معاملة بقاء الیقین من حیث کونه طریقا إلی متعلّقه فیندفع المحذور.

و الحاصل أنّه لاوجه لارتکاب خلاف الظّاهر بالتصرف فی الیقین بإرادة المتیقن منه معلّلاً بأنّ النقض الاختیاری لایتعلّق بنفس الیقین إذ لامجال للنقض الإختیاری بالنسبة إلی المتیقن کما لامجال للنقض بالنسبة الی نفس صفة الیقین.

ص:433

فانحصر الأمر فی التصرف فی نفس النقض بان یراد منه رفع الید عنه عملا و إسناد النقض بهذا المعنی إلی الیقین لما یتخیّل فیه من الأجزاء المتداخلة المستحکمة ممّا یصح و یحسن و لایتوقف حسن ذلک الإسناد علی إرادة المتیقن من نفس الیقین و اختصاص المتیقّن بما من شأنه الإستمرار.

فالمعنی فی قوله علیه السّلام لاتنقض الیقین بالشک هو النهی عن رفع الید عن الیقین عملا لا من جهة آثار نفس وصف الیقین بما هو وصف الیقین لما عرفت من أنّه عبرة إلی الیقینات الخارجیة الّتی تکون طریقیة و ناظرة الیها و لا من جهة رفع الید عن نفس المتیقن بل من جهة آثار الیقین الطریقی المتّحد مع آثار المتیقنات لأنّها مما یتطلبها الیقین المتعلّق به فالواجب هو ترتیب آثار الیقین الطریقی إلی شیء و عدم رفع الید عنه عملا و لا فرق فیه بین أن یکون الشک فی الرافع أو المقتضی لأنّ النقض أسند الی نفس الیقین لا إلی المتیقن و المقصود من النقض هو رفع الید عنه عملا و هذا هو موافق للظاهر و لاوجه لرفع الید عنه کما لایخفی.

فتحصّل: أنّ النهی عن نقض الیقین بما هو جامع لمصادیقه الّتی تکون مرایا للمتیقنات لا بما هو وصف خاص و علیه فلایکون المراد من الیقین هو المتیقن بل المراد هو الیقین و إن کان مصادیقه عبرة إلی المتیقنات فاذا اتّضح أنّ النقض مستند إلی الیقین لا إلی المتیقن فلافرق فیه بین أن یکون الشک فی الرافع أو المقتضی.

هذا مضافاً إلی ما أفاده سیّدنا الأستاذ فی فرض إسناد النقض بلحاظ المتیقن أو آثاره من أنّه لا دلیل علی اختصاصه بما من شأنه البقاء و الاستمرار و مجرد أقربیّته بالنسبة إلی المعنی الحقیقی بنظر الاعتبار لایوجب تعینّه ما لم یراه أهل العرف أقرب إلی المعنی الحقیقی فلاوجه لرفع الید عن إطلاق المتعلّق بل المحکم هو إطلاقه.

ص:434

علی أنّه لو سلمنا عدم تمامیة الصحاح المشتملة علی کلمة النقض للاستدلال بها فی الشک فی المقتضی یکفینا غیرها من سائر الروایات ممّا لم یرد فیه التعبیر بالنقض منها صحیحة عبدالله بن سنان قال سأل أبی أباعبدالله علیه السّلام و أنا حاضر إنّی أعیر الذمیّ ثوبی و أنا أعلم أنه یشرب الخمر و یأکل لحم الخنزیر فیرد علیّ.

فأغسله قبل أن اصلّی فیه فقال ابوعبدالله علیه السّلام صلّ فیه و لاتغسله من أجل ذلک فإنّک أعرته إیاه و هو طاهر و لم تستیقن أنّه نجّسه فلابأس أن تصلی فیه حتی تستیقن أنّه نجّسه.(1)

التنبیه الثانی: فی اعتبار الاستصحاب فی خصوص الموضوعات الخارجیة و الأحکام الجزئیة أو فی الأعم منها و الأحکام الکلیة.

و الحق هو التعمیم لعدم قصور الأدلة و لعدم المعارضة بین استصحاب المجعول و استصحاب الجعل.

توضیح ذلک کما أفاد فی الکفایة أنّ قضیة لاتنقض ظاهرة فی اعتبار الاستصحاب فی الشبهات حکمیة کانت أو موضوعیة و اختصاص المورد بالاخیرة لایوجب تخصصیها بها خصوصا بعد ملاحظة أنها مذکورة فی الروایة بعنوان قضیة کلیة ارتکازیة فی غیر مورد لاجل الاستدلال بها علی حکم المورد فلاقصور فی الأدلة.

لایقال: إنّ الجمع بین الموضوعات و الأحکام الکلیة لایساعده الأمر بعدم الفحص فی الشبهات الموضوعیة لوجوبه فی الأحکام الکلیة و حمل أدلة الاستصحاب علی

ص:435


1- (1) الوسائل، الباب 74 من أبواب النجاسات، ح 1.

القضیة المهمله بالنسبة إلی الأحکام الکلیة و علی المطلقه بالنسبة إلی الموضوعات خلاف الظاهر.

لأنا نقول: القضیة مطلقه لامهملة و العبرة بعموم الوارد لابخصوصیة المورد و ذکر عدم لزوم الفحص بالنسبة إلی مورد السؤال لاینافی لزوم الفحص بالنسبة إلی الأحکام الکلیة.

و دعوی أنّ عدم تعرض الأصحاب للاستصحاب فی الأحکام الکلیة قبل والد الشیخ البهائی قدّس سرّه قرنیة علی اختصاص أدّلتها بالموضوعات.

مندفعة بأنّ ذلک لایمنع عن الاستدلال به فی الأحکام الکلیة أیضاً بعد ظهور أدلّتها فی التعمیم نعم هنا إشکال آخر أورده الفاضل النراقی علی الاستصحاب فی الأحکام الکلیة و حاصله:

أنّ الاستصحاب فی الأحکام الکلیة معارض بمثله دائما و ذلک لأنّ الشک فی الحکم الشرعی تارة یکون راجعاً إلی مقام الجعل و لو لم یکن المجعول فعلیّا لعدم تحقق موضوعه فی الخارج فیجری فیه استصحاب بقاء الجعل و یسمّی باستصحاب عدم النسخ و هذا الاستصحاب خارج عن محل الکلام و قوله علیه السّلام حلال محمد حلال إلی یوم القیامة یغنینا عن هذا الاستصحاب.

و تارة اخری یکون الشک راجعاً إلی المجعول بعد فعلیته بتحقق موضوعه فی الخارج کالشک فی حرمة و طیء المرأة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال.

و الشک فی المجعول مرجعه إلی أحد الأمرین لاثالث لهما لأن الشک فی بقاء المجعول إمّا أن یکون لأجل الشک فی دائرة المجعول سعة و ضیقا من قبل الشارع و الشک فی سعة المجعول وضیقه یستلزم الشک فی الموضوع لامحالة فإنّا لاندری

ص:436

أنّ الموضوع للحرمة هل هو وطیء واجد الدم أو المحدث بحدث الحیض و یعبر عنه بالشک فی الشبهة الحکمیة.

و إمّا أن یکون الشک لأجل الأمور الخارجیة بعد العلم بحدود المجعول سعة وضیقا من قبل الشارع فیکون الشک فی الانطباق کما إذا شککنا فی انقطاع الدم بعد العلم بعدم حرمة الوطیء بعد الانقطاع و لو قبل الاغتسال و یعبّر عن هذا الشک بالشبهة الموضوعیة و جریان الاستصحاب فی الشبهات الموضوعیة ممّا لاإشکال فیه و لاکلام کما هو مورد الصحیحة و غیرها من النصوص.

و أمّا الشبهات الحکمیة فإن کان الزمان مفرّدا للموضوع و کان الحکم انحلالیا کحرمة و طیء الحائض مثلاً فان للوطیء افراداً کثیرة بحسب امتداد الزمان من أوّل الحیض إلی آخره و ینحلّ التکلیف و هو حرمة وطیء الحائض إلی حرمة امور متعددة و هی أفراد الوطیء الطولیة بحسب امتداد الزمان فلایمکن جریان الاستصحاب فیها حتی علی القول بجریان الاستصحاب فی الاحکام الکلیة لأنّ هذا الفرد من الوطیء و هو الفرد المقید المفروض وقوعه بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال لم تعلم حرمته من أوّل الأمر حتی نستصحب بقاؤها نعم الأفراد الأخر کانت متیقنة الحرمة و هی الأفراد المفروضة من أوّل الحیض إلی انقطاع الدم و هذه الأفراد قد مضی زمانها مع الامتثال أو مع العصیان فلامجال للاستصحاب فیها.

و إن لم یکن الزمان مفرّدا و لم یکن الحکم انحلالیا کنجاسة الماء القلیل المتمّم کرّا فإنّ الماء شیء واحد غیر متعدد بحسب امتداد الزمان فی نظر العرف و نجاسته حکم واحد مستمر من أوّل الحدوث إلی آخر الزوال.

و من هذا القبیل الملکیة و الزوجیة فلایجری الاستصحاب فی هذا القسم أیضاً لابتلائه بالمعارض لأنه إذا شککنا فی بقاء نجاسة الماء المتمم کراً فلنا یقین متعلّق

ص:437

بالمجعول و یقین متعلّق بالجعل فبالنظر إلی المجعول یجری استصحاب النجاسة لکونها متیقنة الحدوث مشکوکة البقاء و بالنظر إلی الجعل یجری استصحاب عدم النجاسة (عدم جعل النجاسة) لکونه متیقنا و ذلک للیقین بعدم جعل النجاسة للماء القلیل فی صدر الإسلام لامطلقاً و لامقیّداً بعدم المتمم و القدر المتیقن إنّما هو جعلها للقلیل غیر المتمم أمّا جعلها مطلقاً حتی للقلیل المتمم فهو مشکوک فیه فنستصحب عدمه و یکون المقام من قبیل دوران الأمر بین الأقل و الأکثر فنأخذ بالأقل لکونه متیقنا و نجری الأصل فی الأکثر لکونه مشکوکا فیه فتقع المعارضة بین استصحاب بقاء المجعول و استصحاب عدم الجعل و کذا الملکیة و الزوجیة و نحوهما.

و اجیب عنه بأنّ المعارضة بین استصحاب عدم الجعل و استصحاب المجعول فرع المنافاة بینهما و هو أوّل الکلام.

و ذلک لأنّ مورد کلام القائل بالمعارضة کالنراقی هو ما إذا کان الزمان ظرفا فحکم فیه باستصحاب الوجود و العدم أما الاول فواضح و أمّا الثانی فلأنّ عدم وجوب المطلق و إن انتقض إلّا أنّ عدم وجوب الجلوس المقید بما بعد الزوال لم ینتقض أصلا فیستصحب و بعبارة اخری لاضیر فی اعتبار الجلوس مقیّدا بما بعد الزوال فیقال هذا لم یعلم وجوبه و الأصل عدم وجوبه و هذا الأصل العدمی و إن کان جاریا إلّا أنه لاینافی استصحاب الوجود لعدم المضادّة أو المعارضة بین الوجود المطلق و العدم المقید و إنّما المعارضة بین الوجود المطلق و العدم المطلق أو بین الوجود المقید و العدم المقید و ذلک لاعتبار وحدة الموضوع فی المعارضة و ینقدح مما ذکر ما فی کلام الشیخ قدّس سرّه رداً علی الفاضل النراقی قدّس سرّهما من أنّ الزمان إن کان مفردا فلایجری استصحاب الوجود لعدم اتحاد الموضوع و یجری استصحاب العدم.

ص:438

و إن لم یکن الزمان مفردا فیجری استصحاب الوجود لاتحاد الموضوع و لایجری استصحاب العدم فلامعارضة بین الاستصحابین أصلا انتهی و ذلک لما عرفت من جریان استصحاب عدم وجوب الجلوس المقید بما بعد الزوال أیضاً فإنّ المنقوض هو عدم وجوب المطلق لا المقیّد.

نعم لاینافی استصحاب عدم وجوب الجلوس المقید بما بعد الزوال مع استصحاب الوجوب المطلق لعدم اتحاد الموضوع فی الوجوب المطلق و العدم المقید کما هو واضح.

وینقدح ممّا ذکر أیضاً ما فی کلام بعض الأعلام حیث تسلم المعارضة فیما إذا لم یکن الزمان مفرّدا و أورد علی الشیخ القائل بعدم جریان استصحاب العدم و عدم المعارضة بین الاستصحابین أصلا بقوله و قد أوضحنا وقوع المعارضة مع عدم کون الزمان مفرّدا و وحدة الموضوع فیقال إنّ هذا الموضوع الواحد کان حکمه کذا و شک فی بقائه فیجری استصحاب بقائه و یقال أیضاً إنّ هذا الموضوع لم یجعل له حکم فی الأول لامطلقاً و لامقیدا بحال و المتیقن جعل الحکم له حال کونه مقیدا فیبقی جعل الحکم له بالنسبة إلی غیرها تحت الأصل فتقع المعارضة بین الاستصحابین مع حفظ وحدة الموضوع.

و ذلک لما عرفت من عدم المنافاة و المعارضة بینهما لجریان استصحاب الوجوب المطلق و مع جریانه لامجال لجریان استصحاب عدم وجوب المطلق للعلم بانتقاضه نعم یجری استصحاب عدم وجوب المقید من دون معارضة بین الاستصحابین.

و دعوی أنّ الزمان فی الاستصحاب العدمی أیضاً مأخوذ بنحو الظرفیة فکلا الاستصحابین یرد ان علی الوجوب المتعلّق بالجلوس الذی یکون الزمان الخاص

ص:439

ظرفا له أحدهما یثبته و الأخر ینفیه و یقع بینهما التعارض الموجب للتساقط و یجب الرجوع الی الأصول الأخر مندفعة بأنّ مع أخذ الزمان بنحو الظرفیه لامجال للاستصحاب العدمی للعلم بانتقاضه حین وجوب الجلوس و مع العلم بالانتقاض و الشک فی البقاء یستصحب الناقض و لامجال لاستصحاب العدم.

هذا مضافاً إلی مخالفة ذلک مع الصحاح الدالة علی اعتبار الاستصحاب لأنّ مجعولیة الطهارة فی زمان الشک بالاستصحاب تکون معارضة مع استصحاب عدم جعلها و هو کما تری نعم إذا فرض الزمان قیدا مثلاً لوجوب الجلوس فلایجری إلّا استصحاب العدم ولکن الکلام فی استصحاب وجوب الجلوس من دون تقیّده بالزمان.

لایقال: إنّ الزمان الخاص ظرف للحکم المجعول الایجابی و النّفی یرد علی هذه الجملة فإذا شرع الشارع أنّ الجلوس واجب بعد زوال الجمعة فالظرف ظرف لتعلّق الوجوب بطبیعة الجلوس فإن لم یشرع الشارع نقول لیس الجلوس بواجب بعد زوال الجمعة فالنّفی یرد علی هذه الجملة الّتی تکون الظرف فیها ظرفا للوجوب لا أنّ الظرف لوحظ ظرفا للعدم و فی محل الکلام حیث إنّ المستصحب هو نفی الأحکام الثابت قبل تشریع الشریعة فزمان ما بعد الزوال یتصور ظرفا للوجوب المتعلّق بالجلوس و یقال إنّ الجلوس بعد زوال الجمعة لم یکن واجبا فیرد النّفی علی القضیة الایجابیة بمالها من الخصوصیات و منها أنّ ما بعد الزوال ظرف تعلّق الحکم بالطبیعة الّتی هی موضوع الایجاب و کما أنّ فعلیة وجوب طبیعة الجلوس علی المکلف موقوفة علی حضور الوقت و فعلیة الزمان فهکذا فعلیة عدم الوجوب فاذاً ما بعد الزوال لایجب علی المکلف جلوس بمقتضی هذه القضیة السلبیة.

ص:440

لأنّا نقول: إنّ القضیة السلبیة المذکورة لامجال لها بعد العلم بالتشریع او استصحابه لاقبل الزوال و لابعده بناء علی الظرفیة أمّا صورة العلم بالتشریع فلعدم الشک و أمّا صورة استصحاب التشریع فلانه ملحق بصورة العلم تعبداً فالتحقیق حینئذٍ هو جریان الاستصحاب فی القضیة الایجابیة و معه لایجری الاستصحاب فی القضیة السلبیة نعم یجری استصحاب عدم وجوب الموضوع المقید بما بعد الزوال ولکنه لاینافی مع القضیة الایجابیة المطلقة فلاتغفل.

و قد یقال فی وجه جریان الاستصحاب الوجودی دون العدمی إنّ الاستصحاب العدمی و هو أنّه لیس الجلوس واجبا بعد الزوال من یوم الجمعة غیر جار بنفسه لابتلائه بالمعارض فإنّ هنا استصحابین آخرین عدمیین أحدهما استصحاب أنّه لایجب الجلوس یوم الجمعة.

وثانیهما: استصحاب أنّه لایجب الجلوس قبل الزوال منه فان کل واحد منهما من وجوبه یوم الجمعة مطلقاً و وجوبه قبل زواله قضیة حقیقیة مسبوقة بالعدم قبل الشریعة یقتضی الاستصحاب بقاءها مع أنّا نعلم بانتقاض إحدی هذه الثلاثة لفرض العلم بالوجوب قبل الزوال إجمالا فلاحجة فی شیء منها.

و الاستصحاب الوجودی لیس طرفا لهذه المعارضة حتی یسقط هو أیضاً لأنّه محکوم لکل من هذه الاستصحابات الثلاثة فإنّها استصحابات تجری فی أحکام کلیة و تحکم بأنّ المکلف علی یقین بعدم الوجوب فی أیّ من الصور الثلاث المحتملة فلامحالة إمّا هو متیقن بعدم الوجوب فی ما قبل الزوال أو بعدمه بعده فیختل أحد رکنی الاستصحاب أو کلیهما و هذا بخلاف الاستصحاب الوجودی فإنّه استصحاب مصداق جزئی من الوجوب بعد انطباق القضیة الحقیقیّة علی المورد و

ص:441

اتضاح حکم جلوسه فی هذه الجمعة فیجرّ هذا الحکم الشخصی فی کل جمعة إلی ما بعد الزوال فالحاصل أنّه لامجال للاستصحاب الوجودی مع کل واحد من هذه الثلاثة فإذا سقطت هذه الثلاثة بالمعارضة و صلت النوبه إلی الاستصحاب الوجودی و کان جاریا بلا اشکال.

و لقائل أن یقول مع ملاحظة الزمان ظرفا لیس الاستصحاب العدمی إلّا واحداً.

إذ قبل الزوال أو بعد الزوال لم یلاحظ فی الحکم بل الحکم العدمی هو عدم وجوب الجلوس فی یوم الجمعة و هو معلوم و هذا الحکم منقوض بالعلم بالوجوب فی الجمعة فی الجملة فإذا شک أنّه مختص بقبل الزوال أو یشمل بعده یستصحب الناقض و لامجال معه للاستصحاب العدمی و الدلیل الشرعی الدال علی وجوب الجلوس حیث لایختص بجمعة خاصة کلّی و مقتضاه هو تعمیم الحکم لکل جمعة فلاوجه لجعله جزئیا و الحکم العدمی کلیاً.

و دعوی اختلال أرکان الاستصحاب الوجودی من ناحیة الاستصحابات العدمیة ممنوعة إذ القضایا سواء کانت عدمیة أو وجودیة کلّیة و مع العلم بوجود الحکم فی کل جمعة یعلم بانتقاض الحکم العدمی الکلی فی کل جمعة و معه لامجال للاستصحاب العدمی.

هذا مضافاً إلی أنّ الشک لایکون متصلا بالیقین بالعدم مع حیلولة العلم بالنقض نعم یمکن أن یلاحظ الزمان قیدا فیجری فیه الاستصحاب ولکنه لاینافی الاستصحاب الوجودی لعدم المضادة بینهما.

فتحصّل: أنّ الجواب عن إشکال النراقی هو أن یقال إنّ موضوع الاستصحاب الوجودی و العدمی إن فرض واحداً فالمعارضة صحیحة ولکن هذا الفرض یوجب

ص:442

سقوط أحدهما لأنّ الموضوع إمّا نفس الجلوس فلایجری الاستصحاب العدمی لانتقاضه بالعلم بالوجوب قبل الزوال فلایکون بین الشک و الیقین اتصال و إمّا الموضوع هو الجلوس المتقید ببعد الزوال فلایجری الاستصحاب الوجودی لعدم الیقین بوجوب الجلوس المتقیّد بما بعد الزوال و ان لم یکن موضوع الاستصحاب الوجودی و العدمی واحداً بأن یکون مفاد أحد الاصلین ثبوت الوجوب لنفس الجلوس و مفاد الاخر عدم وجوب الجلوس المتقید بما بعد الزوال فلامنافاة بینهما و لذا یصح أن یقال إنّ الجلوس بعد الزوال واجب بما أنه جلوس و لیس الجلوس بما أنه متقید بما بعد الزوال واجبا و علیه فلااشکال فی جریان الاستصحاب الوجودی فی الشبهات الحکمیه.

التنبیه الثالث: فی التفاصیل المذکورة بین الأحکام الوضعیة و بین الأحکام التکلیفیة أحدها ما حکی عن الفاضل التونی قدّس سرّه من التفصیل بین الأحکام الوضعیة یعنی نفس الأسباب و الشروط و الموانع و الأحکام التکلیفیة التابعة لها و بین غیرها من الأحکام الشرعیة و الأحکام الوضعیة بمعنی سببیة السبب و شرطیة الشرط و نحوهما من الامور الوضعیة فیجری فی الأول دون الثانی.

بدعوی أنّ ثبوت الحکم فی الزمان الثانی بالنص لابالثبوت فی الزمان الأوّل فیما إذا کان الحکم موقتا إذ مع ثبوت الحکم بالنص لا بالثبوت فی الزمان الأوّل لایکون ثبوته فی الزمان الثانی استصحابا.

و إذا کان الحکم غیر موقت فهو کذلک إن قلنا بإفادة الأمر للتکرار و إلّا فذمة المکلف مشغولة حتی یأتی به فی أیّ زمان کان و نسبة أجزاء الزمان إلیه نسبة واحدة فی کونه أداء فی کل جزء منها سواء قلنا بأنّ الأمر للفور أم لا و توهم أنّ

ص:443

الأمر إذا کان للفور یکون من قبیل الوقت المضیق اشتباه غیر خفی علی المتأمل فهذا أیضاً لیس من الاستصحاب فی شیء و لایمکن أن یقال اثبات الحکم فیما بعد وقته من الاستصحاب فإنّ هذا لم یقل به أحد و لایجوز أجماعا و کذا الکلام فی النهی بل هو الأولی بعدم التوهم للاستصحاب فیه لأنّ مطلقه یفید التکرار و التخییری (ای الحکم التخییری) أیضاً کذلک فالأحکام التکلیفیة الخمسة المجردة عن الأحکام الوضعیة لایتصور فیها الاستدلال بالاستصحاب.

و أما الاحکام الوضعیة فإذا جعل الشارع شیئا سببا لحکم من الأحکام الخمسة کالدلوک لوجوب الظهر و الکسوف لوجوب صلاته و الزلزلة لصلاتها و الایجاب و القبول لاباحة الاستمتاعات فی النکاح و نحو ذلک فینبغی أن ینظر إلی کیفیة سببیة السبب هل هی علی الإطلاق کما فی الإیجاب و القبول أو فی وقت معین کالدلوک و نحوه مما لم یکن السبب وقتا و کالکسوف و الحیض و نحوهما مما یکون السبب وقتا للحکم فإنّ السببیة فی هذه الاشیاء علی نحو آخر فإنّها أسباب للحکم فی أوقات معینة و جمیع ذلک لیس من الاستصحاب فی شیء فإنّ ثبوت الحکم فی شیء من أجزاء الزمان الثابت فیه الحکم لیس تابعا للثبوت فی جزء آخر بل نسبة السبب فی محل اقتضاء الحکم فی کل جزء نسبة واحدة و کذلک الکلام فی الشرط و المانع و نحوهما.

و أمّا نفس السبب و الشرط فیجری الاستصحاب فیه بما اوضحه بقوله.

فظهر مما ذکرناه أنّ الاستصحاب المختلف فیه لایکون إلّا فی الأحکام الوضعیة أعنی الأسباب و الشرائط و الموانع للأحکام الخمسة من حیث إنّها کذلک و وقوعه فی الأحکام الخمسة إنما هو بتبعیتها کما یقال فی الماء الکر المتغیر بالنجاسة إذا

ص:444

زال تغیره من قبل نفسه فإنّه یجب الاجتناب عنه فی الصلاة لوجوبه قبل زوال تغیره فإنّ مرجعه إلی أنّ النجاسة کانت ثابتة قبل زوال تغیره فکذلک یکون بعده.

و اختار فی الأحکام الوضعیة بمعنی نفس السبب و الشرط و نحوهما عدم جریان الاستصحاب مع قطع النظر عن الأخبار الدالة علی حجیة الاستصحاب و جریانه مع ملاحظة تلک الأخبار.

وفیه أوّلا: أنّ قوله و علی الأوّل یکون وجوب ذلک الشیء أو ندبه فی کل جزء من أجزاء ذلک الوقت ثابتا بذلک الأمر فالتمسک فی ثبوت الحکم فی الزمان الثانی بالنص لابثبوته فی الزمان الأوّل حتی یکون استصحابا.

منظور فیه لأنّ الموقت قد یتردّد وقته بین زمان و ما بعده فیجری الاستصحاب الموضوعی أو الحکمی.

وثانیاً: أنّ قوله و علی الثانی أیضاً إن قلنا بافادة الأمر للتکرار الخ مورد الایراد حیث قد یکون التکرار مردداً بین وجهین کما إذا علم بانه لیس للتکرار الدائمی لکن العدد المتکرر یکون مردداً بین الزائد و الناقص و لایندفع هذا الإیراد بأنّ الحکم فی التکرار کالأمر الموقت.

بل الصواب فی الجواب بأن نقول اذا ثبت وجوب التکرار فالشک فی بقاء ذلک الحکم من هذه الجهة مرجعه إلی الشک فی مقدار التکرار لتردده بین الزائد و الناقص و لایجری فیه الاستصحاب (عند أحد).

لأن کلّ واحد من المکرر إن کان تکلیفا مستقلا فالشک فی الزائد شک فی التکلیف المستقل و حکمه النّفی بأصالة البراءة لا الاثبات بالاستصحاب.

ص:445

و إن کان الزائد علی تقدیر وجوبه جزء من المأمور به بأن یکون الأمر بمجموع العدد المتکرّر من حیث انه مرکب واحد فمرجعه إلی الشک فی جزئیة الّتی المأمور به و عدمها و لایجری فیه الاستصحاب أیضاً.

لأنّ ثبوت الوجوب لباقی الأجزاء لایثبت وجوب هذا الشیء المشکوک فی جزئیة بل لابدّ من الرجوع إلی البراءة أو الاحتیاط.

وثالثاً: أنّ ما ذهب الیه الفاضل التونی غیر صحیح اذ لاوجه لتخصیص جریان الاستصحاب مع إطلاق أدلّته بالأسباب و الشروط و الموانع و الأحکام التابعة لها دون الأحکام التکلیفیة الشرعیة المستقلة لما عرفت من إمکان تصور الشک و التردید فیها کما لامجال لتخصیصه بغیر الأحکام الوضعیة بمعنی سببیة السبب و شرطیة الشرط و نحوهما بعد فرض کونها مما تناله ید الشارع فتدبر جیّدا.

وثانیها: التفصیل الّذی ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه من جریان الاستصحاب فی الأحکام التکلیفیة دون الوضعیة لاختصاص الجعل بالأحکام التکلیفیة دون الوضعیة.

و ذلک لأن الخطاب الوضعی مرجعه إلی الخطاب الشرعی و أنّ معنی کون الشیء سببا لواجب هو الحکم بوجوب ذلک الواجب عند حصول ذلک الشیء و معنی قولنا اتلاف الصبی سبب لضمانه أنّه یجب علیه غرامة المثل أو القیمة إذا اجتمع فیه شرائط التکلیف من البلوغ و العقل و الیسار و غیرها.

و لم یدع أحد ارجاع الحکم الوضعی إلی التکلیف المنجز حال استناد الحکم الوضعی إلی الشخص حتی یدفع ذلک بما ذکره بعض من غفل عن مراد النافین من أنّه قد یتحقق الحکم الوضعی فی مورد غیر قابل للحکم التکلیفی کالصبی و النائم و شبههما.

ص:446

و کذا الکلام فی غیر السبب من الشرطیة و المانعیة و الجزئیة.

و أمّا الصحة و الفساد فی العبادات بمعنی موافقة الفعل المأتی به للفعل المأمور به أو مخالفته له و من المعلوم أنّ الموافقة و المخالفة لیستا بجعل جاعل.

و أمّا الصحة و الفساد فی المعاملات فهما بمعنی ترتب الأثر علیها و عدمه فمرجع ذلک إلی سببّیة هذه المعاملة لاثرها و عدم سببیة تلک فإن لو حظت المعاملة سببا للحکم التکلیفی کالبیع للاباحة فالکلام فیها یعرف مما سبق فی السبیة و أخواتها.

و إن لو حظت سببا لأمر آخر کسببیة البیع للملکیة فهذه الامور بنفسها لیست أحکاما شرعیة.

و حقائقها إمّا امور اعتباریة منتزعة من الأحکام التکلیفیة أو امور واقعیة کشف عنها الشارع فیکون أسبابها کنفس المسبّبات اموراً واقعیة مکشوفا عنها ببیان الشارع و علی التقدیرین فلاجعل فی سببیة هذه الأسباب و نحوها.

فتحصّل: أنّ الأحکام التکلیفیة مجعولة دون الأحکام الوضعیة مطلقاً بل هی إما امور اعتباریة انتزاعیة عن الأحکام التکلیفیة أو امور واقعیة کشف عنها الشارع و علیه فلامجال للاستصحاب فی الأحکام الوضعیة لعدم کونها مجعولة بجعل مستقل وفیه: أوّلاً: أنّه لاوجه لانکار جریان الاستصحاب فی الأحکام الوضعیة لامکان الجعل التبعی فیها و عدم لزوم کون الجعل استقلالیا لأنّ الجعل التبعی جعل شرعی أیضاً لکونه مجعولا بتبع جعل المجعول و هو التکلیف فإنّ المولی إذا جعل التکلیف بلا قید کان تکلیفه مطلقاً و إذا جعله مقیدا بوجود شیء فی الموضوع کان تکلیفه مقیّدا و هکذا إذا جعله مقیّدا بعدم شیء کان ذلک الشیء مانعاً و هکذا غیرهما مما

ص:447

تناله ید الشارع إلیه و لو بالجعل التبعی و بالجملة لاحاجة فی جریان الاستصحاب إلی کون المستصحب مجعولا مستقلا.

وثانیاً: أنّ الملکیة و الزوجیة و أمثالهما مجعولة بالاستقلال لأنّ ظاهر الأدلة کقوله علیه السّلام الناس مسلطون علی أموالهم فی التصرفات أنّ جواز التصرف مسبوق بالملکیة و من أحکامها لا أنّ الملکیة منتزعة من جواز التصرف فإنّ الحکم بجواز التصرف مستفاد من قوله علیه السّلام مسلّطون و الملکیة مستفادة من إضافة الأموال إلیهم فی قوله علیه السّلام علی أموالهم فظاهر الحدیث أنّ الملکیة متقدمة علی جواز التصرف تقدم الموضوع علی الحکم و هکذا الأمر فی غیر الملکیة کالزوجیة فإنّ جواز الاستمتاع من آثار الزوجیة و متفرعة علیها لا أنّها منتزعة من جواز الاستمتاع له.

وثالثاً: أنّه لاتلازم بین الملکیة و جواز التصرف فإنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه إذ قد یکون الشخص مالکا و لایجوز له التصرف کالسفیه و قد یجوز التصرف له مع عدم کونه مالکا کالمباحات الاصلیة فکیف یمکن القول بأنّ الملکیة منتزعة من جواز التصرف.

وثالثها: هو تفصیل صاحب الکفایة و توضیحه أنّ الأحکام الوضعیة علی أنحاء ثلاثة الأول مالا یکون مجعولا بالجعل التشریعی أصلا لااستقلالاً و لاتبعاً للتکلیف کالسببیة لما هو سبب تکوینی لانشاء التکلیف أو الشرطیة أو المانعیة لما هو مانع و شرط تکوینا فإنّها لیست مجعولة لااستقلالاً و لاتبعاً.

و إن کانت مجعولة عرضا بجعل تکوینی إذ السبب مثلاً اذا وجد وجدت السببیة عرضا باعتبار وجود منشأ انتزاعه إذ لیس فی الخارج إلّا وجود السبب فوجود السببیة هی أمر انتزاعی بوجود منشأ انتزاعها و هو وجود ضعیف عرضی کوجود المقبول بوجود القابل بالعرض لا بالذات.

ص:448

و لایکاد یعقل انتزاع هذه العناوین للسبب للتکلیف و شرطه و مانعه من التکلیف المتأخر عنها ذاتا حدوثا فی الشرط و السبب أو ارتفاعا فی المانعیة کما أنّ اتصافها بها لیس إلّا لاجل ما علیها من الخصوصیة المستدعیة لحدوث التکلیف أو ارتفاعه تکوینا للزوم أن یکون فی العلة باجزائها ربط خاص به کانت مؤثرة فی معلولها لا فی غیره و لاغیرها فیه و إلّا لزم أن یکون کل شیء موثرا فی کل شیء و تلک الخصوصیة لاتکاد توجد فیها بمجرد انشاء مفاهیم العناوین.

و علیه فلایتصور فی هذا القسم أعنی سبب تکوینی أو شرطه أو مانعه السببیة و الشرطیة و المانعیة المجعولة.

الثانی: ما لایتطرق الیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف کالجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة لما هو جزء المکلف به و شرطه و مانعه و قاطعه حیث إنّ اتصاف شیء بجزئیة المأمور به أو شرطیة أو غیرهما لایکاد یکون إلّا بالأمر بجملة امور مقیدة بأمر وجودی أو عدمی.

و لایکاد یتصف شیء بذلک أی کونه جزء أو شرطاً للمأمور به إلّا بتبع ملاحظة الأمر بما یشتمل علیه مقیّدا بأمر آخر و ما لم یتعلّق بها الأمر کذلک لما کاد اتصف بالجزئیة أو الشرطیة و إن انشأ الشارع له الجزئیة او الشرطیة و جعل الماهیة و اجزائها لیس الّا تصویر ما فیه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها.

فتصورها بأجزائها و قیودها لایوجب اتصاف شیء منها بجزئیة المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها فالجزئیة للمأمور به أو الشرطیة له إنّما ینتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به بلاحاجة إلی جعلها و بدون الأمر به لا اتصاف بها أصلا و إن اتصف بالجزئیة أو الشرطیة للمتصور أو لذی المصلحة.

ص:449

الثالث: ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بانشائه و تبعاً للتکلیف بکونه منشأ لانتزاعه و إن کان الصحیح انتزاعه من انشائه و جعله و کون التکلیف من آثاره و أحکامه أی اعتباره استقلالاً من إنشاء المنشیء.

فهذا القسم باعتبار الوقوع یکون مستقلا و إن أمکن الجعل التبعی فیه.

و هو کالحجیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة إلی غیر ذلک.

ضرورة صحة انتزاع الملکیة و الزوجیة و العتاق بمجرد العقد أو الایقاع ممن بیده الاختیار من دون ملاحظة التکالیف و الآثار و لو کانت منتزعة عنها لما کاد یصح اعتبارها إلّا بملاحظتها.

إذا عرفت اختلاف الوضع فی الجعل فلامجال لاستصحاب دخل ماله الدخل فی التکلیف إذا شک فی بقائه علی ما کان علیه من الدخل لعدم کونه حکماً شرعیاً و لایترتب علیه أثر شرعی.

و لااشکال فی جریان الاستصحاب فی الوضع المستقل بالجعل حیث إنّه کالتکلیف و هکذا لا اشکال فی جریان الاستصحاب فی ما إذا کان المستصحب مجعولا بالتبع فإنّ أمر وضعه و رفعه بید الشارع و لو بتبع منشأ انتزاعه.

و لقد أفاد و أجاد إلّا أن صریح کلامه فی القسم الأوّل عدم امکان جعل السببیة و الشرطیة لنفس التکلیف لا استقلالاً و لاتبعاً و هو لا یخلو عن التامل و النظر.

لأنّ ما لایمکن جعله هو ماله الدخل فی التکوین لا ماله الدخل بحسب مقام التشریع مثلاً إذا علق الأمر بالصلاة علی دلوک الشمس فإنّه تارة یلاحظ الواقع و یقال إنّ الدلوک واقعاً شرط تأثیر المصلحة المقتضیة لایجاب الصلاة و اخری

ص:450

یلاحظ مقام الجعل و یقال إنّ الانشاء بداعی البعث حیث علق علی دلوک الشمس فلایکون الانشاء المذکور مصداقاً للبعث إلّا إذا اقترن حقیقة بدلوک الشمس و هو أمر زائد علی کون تأثیر الصلاة منوطا بالدلوک.

فالشرطیة و السببیة تکون بحسب مقام الطلب قابلة للجعل التبعی أیضاً دون مقام التکوین و دخل الشیء فی التأثیر الواقعی.

بقی الکلام فی امکان تعلّق الجعل بالسببیة و الشرطیة استقلالاً و عدمه و توضیح ذلک یستدعی رسم مقدمة و هی أن نفس التکالیف الّتی لایکاد یشک أحد فی إمکان تعلّق الجعل بها مستقلا هل هی الارادة أو الکراهة الموجودة فی نفس المکلف بالکسر أو الارادة أو الکراهة الاعتباریة.

فإن کان المراد من السبیة و الشرطیة هی الإرادة أو الکراهة الواقعیة لم یصح تعلّق الجعل التشریعی بهما لا استقلالاً و لاتبعاً لأنهما من الاُمور الواقعیة الّتی لاتنالها الجعل التشریعی أصلا و إن کان المراد منهما هی الاُمور الاعتباریة الّتی یوجد بالاعتبار و لایوجد بعدمه و یعبر عنها بالوجوب الاعتباری و الحرمة الاعتباریة صح تعلّق الجعل الاعتباری بها إذ بعد کون نفس التکلیف أمراً اعتباریا لم لایصح اعتبار أمر آخر سببا أو شرطاً له فکما أنّ نفس التکلیف أمر اعتباری محض کان سببیة السبب أو الشرطیة أمراً اعتباریا.

ثمّ لایذهب علیک أنّ مقتضی ما ذکر فی السببیّة و الشرطیة الاعتباریة بالنسبة إلی نفس التکالیف هو إمکان جعل الجزئیة أو الشرطیة بالنسبة إلی المکلف به أیضاً لأنّ مناط إمکان الجعل هو اعتباریة التکالیف و هو موجود فی الجزئیة أو الشرطیة بالنسبة إلی المکلف به.

ص:451

و علیه فیجوز أن یجعل الجزئیة لشیء بالنسبة إلی المکلف به مستقلا إن لم یذکر فی المکلف به کما إذا أمر بمرکب خال عن شیء خاص ثمّ قال إن الشیء الفلانی جزء للمرکب المأمور به.

ثمّ إنّ هذه المباحث لیس بمهمة بعد الاعتراف بأنّ الاستصحاب یجری فیما اذا ترتب علیه اثر شرعی و لو لم یکن موضوع الاستصحاب حکماً او ذا اثر شرعی لکفایة ترتب الأثر علیه بقاء.

و یشهد له جریان الاستصحاب فی الأعدام الأزلیة مع أنها لیست أحکاما شرعیة و لا من الموضوعات الشرعیة سابقاً إذ لم یترتب علیها أحکام فی الازل و معذلک یجری فیها الاستصحاب بناء علی ما هو الأقوی من کفایة ترتب الأثر الشرعی علیه بقاء فی جریان الاستصحاب.

و علیه فالأحکام الوضعیة الّتی یترتب علیها الأحکام بقاء صح استصحابها و لو لم تکن مجعولة بنفسها أو بالتبعیة کسائر الموضوعات التکوینیة الّتی یترتب علیها أحکام شرعیة بقاء کوجود اللحیة لزید مثلا.

تبصرة: و هی أن الصحة و الفساد بمعنی الموافقة للمأمور به و المخالفة له تکونان أمرین تکوینیین لاربط لهما بالجعل الشرعی و لافرق فیه بین العبادیات و المعاملات فالصحة و الفساد فیهما منتزعتان من إنطباق الطبیعة المجعولة علی الفرد الخارجی و عدمه و لیستا مجعولتین.

هذا فی الصحة و الفساد الواقعیتین و أمّا الصحة و الفساد الظاهریتان فحیث إنّ موضوعهما هو الفرد المشکوک فیه فللشارع أن یحکم بترتیب الأثر علیه و أن یحکم بعدمه فلامحالة تکون الصحة و الفساد حینئذٍ مجعولتین من قبل الشارع و لذا

ص:452

حکم بالصحة الظاهریة فی مورد الشک بعد تجاوز المحل أو بعد الفراغ من العمل و حکم بالفساد فی موارد اخری کما فی بعض الشکوک العارضة فی الرکعات.

و لایخفی أنّ هذا مبنی علی أنّ الصحة و الفساد بمعنی الموافقة للمأمور به و المخالفة له و لو فی المعاملات.

و أمّا إذا کانت الصحة و الفساد فیها بمعنی ترتب الأثر و عدمه فمرجع الصحة و الفساد إلی سببیة هذه المعاملة لأثرها و عدم السبیة فمن ذهب إلی انتزاعیة السببیة لزم علیه أن یقول بعدم مجعولیة الصحة و الفساد فی المعاملات.

و من قال باعتباریة السبیّة و ترتب الأثر للمعاملة فالصحة و الفساد فیها مجعولتان أیضاً من دون فرق بین الصحة و الفساد الواقعیتین و بین الظاهریتین فتحصل أنّ الأحکام الوضعیة الاعتباریة سواء کانت بالنسبة إلی التکالیف الاعتباریة أو بالنسبة إلی المکلف به من السبیة و الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة کلها مجعولة بالتبع بل یمکن جعل بعضها بالاستقلال کالسببیة بالنسبة إلی التکالیف الاعتباریة و الجزئیة بالنسبة الی المکلف به و کالقضاوة و الحکومة و الزوجیة و غیرها مما یترتب علیها الأحکام الشرعیة فلاإشکال فی جریان الاستصحاب فی الأحکام الوضعیة الاعتباریة سواء کانت مستقلة أو بالتبع بل یجری الاستصحاب فیما إذا ترتب علی المستصحب أثر شرعی و لو بقاء للکفایة ذلک فی التعبد ببقائه کاستصحاب الاعدام الأزلیة کما لایخفی.

التنبیه الرابع: فی اعتبار فعلیة الشک و الیقین و عدمه:

قال صاحب الکفایة إنّ المعتبر فی الاستصحاب فعلیة الشک والیقین فلااستصحاب مع الغفلة لعدم الشک فعلاً و لو فرض أنّه یشک لو التفت ضرورة أنّ

ص:453

الاستصحاب وظیفة الشاک و لاشک مع الغفلة أصلا و یتفرّع علیه الحکم بصحة صلاة من أحدث ثمّ غفل و صلّی ثمّ شک فی أنّه تطهر قبل الصلاة أو لم یتطهر لجریان قاعدة الفراغ بحدوث الشک بعد الصلاة بخلاف من التفت قبل الصلاة و شک ثمّ غفل و صلی فیحکم بفساد صلاته فیما إذا قطع بعدم تطهیره بعد الشک لکونه محدثا قبلها بحکم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابی فلایشمله قاعدة الفراغ لأنّه محکوم بالحدث قبل الدخول فی الصلاة مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابی.

لایقال: استصحاب الحدث فی حال الصلاة بعدماً التفت بعد الصلاة یقتضی فسادها فی الصورة الأولی أیضاً.

فإنّه یقال نعم لو لاقاعدة الفراغ المقتضیة لصحتها المقدمة علی أصالة فساد الصلاة فی الصورة الاُولی لأنّ العکس أعنی تقدیم الاستصحاب یوجب لزوم لغویة قاعدة الفراغ إذ ما من مورد إلّا و فیه یجری أصالة الفساد من استصحاب عدم وجود الجزء أو الشرط فعلی ما ذهب إلیه صاحب الکفایة یحکم بالصحة فی الصورة الاُولی و بالفساد فی الصورة الثانیة.

أورد علیه سیّدنا الاُستاذ بعدم اعتبار الشک الفعلی فی جریان الاستصحاب و کفایة الشک التقدیری و ذلک لأنّ المستفاد من قوله علیه السّلام فی الصحیحة الأولی لزرارة بعد ما سأل عن حکم من حرّک فی جنبه شیء «لاحتی یستیقن أنّه قد نام حتی یجیء من ذلک أمر بیّن» و کذا من قوله «لاتنقض الیقین بالشک ولکن تنقضه بیقین آخر» أنّ الضابط فی رفع الید عن الحالة السابقة تعلّق الیقین بخلافها فما لم یحصل هذا الیقین تعبّد الشارع ببقاء ما کان و لذا کان الاستصحاب حجة

ص:454

فیما یظن بخلاف الحالة السابقة أیضاً و إذا کان الأمر کذلک کان الاستصحاب حجة حتی فی مورد الشک التقدیری و عدم الشک الفعلی لعدم تعلّق الیقین بالخلاف فی مورده أیضاً و علیه فیجری الاستصحاب فی الصورة الأولی أیضاً مع فرض عدم العلم بالخلاف و مقتضی ذلک هو البطلان و الفساد فی الصورتین لا التفصیل الذی اشار الیه صاحب الکفایة لعدم مجال لقاعدة الفراغ فی الصورتین مع جریان الاستصحاب لاختصاص قاعدة الفراغ بما إذا کان الشک حادثا بعد الصلاة و بالجملة ظاهر بعض أدلة الاستصحاب أنّ الناقض للحالة السابقة لایکون إلّا الیقین بخلافها فبذلک یستکشف أنّ الشک المأخوذ فی بعض الآخر لیس ملحوظا بذاته بل إنّما هو ملحوظ من جهة کونه مصداقاً لهذا الکلی.

و لقائل أن یقول إنّ حدیث «لاتنقض الیقین بالشک لکن تنقضه بیقین آخر» یدل علی أمرین أحدهما هو النهی عن نقض الیقین بالشک و ثانیهما هو الأمر بنقض الیقین بیقین آخر و ظاهر الفقرة الأولی أنّ النظر إلی الیقین و الشک بذاتهما و مقتضاه أنّ الشک المأخوذ فیه. ملحوظ بذاته فلاوجه لرفع الید عنه مع تقدمها و ظهورها فی ذلک و الفقرة الثانیة متفرعة علی الفقرة الاُولی فإنّه بعد عدم جواز نقض الیقین بالشک الأعم من الظن انحصر الأمر فی نقض الیقین بالیقین و علیه فلاوجه لرفع الید عن ظهور الصدر فی کون الشک ملحوظا بذاته لعدم المنافاة بینهما هذا مضافاً إلی أنّ محل الکلام فی صورة الغفلة عن الحدث رأسا بحیث لم یکن له الشک و لو بنحو الارتکاز و أمّا صورة وجود الشک الارتکازی فهو خارج عن محل الکلام کما لایخفی. و علیه فالتفصیل بین الصورة الأولی و الحکم بالصحة و بین الصورة الثانیة و الحکم بالبطلان کما أشار إلیه صاحب الکفایة فی محله.

ص:455

نعم هنا اشکال آخر أفاده سیّدنا الأستاذ بقوله إنّ استصحاب الحدث حال الصلاة علی فرض جریانه لایعارض قاعدة الفراغ أصلا حتی یقدم أحدهما علی الآخر لأنه لابدّ فی کل زمان من لحاظ الأصل الجاری فی هذا الزمان فلایفید فی ترتیب الأثر فی زمان جریان الأصل فیما قبله و لاشبهة فی أن زمان جریان قاعدة الفراغ هو بعد الفراغ عن العمل فلاینافیه إلّا الأصل الجاری عنده المخالف فی النتیجة.

و مما یهدیک إلی ما ذکر أنّه لاشبهة فی صحة الصلاة الّتی ورد فیها شاکا فی الطهارة رجاءً مع تیقن الحدث من قبل ثمّ تیقن بعد الصلاة بأنّه کان متطهرا و شک فی صیرورته بعد محدثا.

و لیس ذلک إلّا لأنّ استصحاب الطهارة بعد الصلاة تقتضی صحتها و لاینافیه کون المکلف حال الصلاة محدثا بحکم الاستصحاب.

و مثل ذلک أنّه لاشبهة فی بطلان الصلاة الّتی ورد فیها مع الطهارة المستصحبة إذا تبدّل حاله بعد الصلاة بکونه متیقنا بالحدث قبل شاکا فی ارتفاعها بعد و کیف کان ففی کل زمان یکون المناط هو الاصل الجاری فی هذا الزمان و علیه فالمعارض لقاعدة الفراغ إنّما هو استصحاب الحدث بعد الصلاة.

و إذاً لافرق فیما لو تیقن بالحدث ثمّ غفل و صلّی ثمّ التفت و شک فی کونه محدثا حال الصلاة أو متطهرا بین ما لو قلنا بکفایة الشک التقدیری فی جریان الاستصحاب و بین ما لو لم نقل بها.

ضرورة أنّ مقتضی القول الأول لیس إلّا جریان الأصل حال الصلاة کما أنّ مقتضی القول الثانی عدم جریانه و قد عرفت أنّ وجود هذا الأصل و عدمه علی حد سواء فیما هو المقصود من ترتیب الأثر بعد الفراغ عن العمل فلابدّ من رعایة الأصل

ص:456

الجاری بعد العمل و هو علی القولین استصحاب الحدث و یعارضه قاعدة الفراغ فلو قدمت هذه القاعدة علیه أما لحکومتها علیه أو للزوم اللغویة لو عکس کانت الصلاة (فی الفرغ الأول) صحیحة إلی أن قال.

و مما ذکرنا تعرف حال الفرع الثانی و هو ما اذا التفت المتیقن بالحدث إلی حاله فی اللاحق فشک ثمّ غفل عن ذلک و صلّی فإنّه لافرق فیه أیضاً بین القولین المذکورین حیث إنّ ما اقتضی بطلان الصلاة فیه لیس إلّا استصحاب الحدث الجاری بعد الصلاة لا الجاری حالها حتی یفرق بین مورد جریانه و عدمه.

و الفرق بین هذا الفرع و سابقه أنّ الشک فی الفرع السابق کان حادثا بعد الصلاة فلم یکن محذور فی شمول قاعدة الفراغ له و هذا بخلاف هذا الفرع فإنّ الشک فیه لیس حادثا بحکم العرف فإنّه یراه إعادة المعدوم لاوجوداً جدیدا.

(و فی هذه الصورة یحکم بفساد صلاته لاستصحاب الحدث الجاری بعد الصلاة و عدم جریان قاعدة الفراغ لعدم کون الشک حادثا).

نعم لو شک بعد الصلاة فی أنّه تطهر بعد التفاته (و شکه ثمّ غفل) و صلّی أم صلی بدونه جری فی حقه حکم الشک الحادث فیشمله قاعدة الفراغ فتأمل تعرف انتهی و علیه فمقتضی ما ذهب إلیه سیّدنا الاستاذ هو التفصیل بین الفرع الأول و الحکم بالصحة و بین الفرع الثانی و الحکم بالبطلان فیوافق رأیه مع رأی صاحب الکفایة.

ثمّ استشکل فی اخیر کلامه فی شمول قاعدة الفراغ للمقام بأنّ مقتضی التعلیل فیها بأنه حین العمل أذکر هو الغاء احتمال الغفلة و المفروض فی المقام هو العلم بالغفلة حال الصلاة فمع عدم شمول قاعدة الفراغ للمقام یحکم بفساد الصلاة لجریان

ص:457

استصحاب الحدث بعد الصلاة من دون فرق بین الصورتین إلی أن قال و یدفع هذا الاشکال بان ذلک یصح فیما فرض المکلف بعد صدور الحدث عنه غافلاإلی أن فرغ من الصلاة و هذا فرض بعید. أللّهمّ إلّا أن یقال ان العبرة بحال الشروع و المفروض ان المکلف حال الشروع غافل فیشکل شمول قاعدة الفراغ للمقام.

نعم لو کان قوله علیه السّلام لأنّه حین العمل أذکر هو حکمة الحکم لاعلته فیشمل المقام أیضاً و یصح التفصیل بین الفرع الاول و الحکم بالصحة لتقدم قاعدة الفراغ علی الاستصحاب و بین الفرع الثانی و الحکم بالفساد لعدم جریان قاعدة الفراغ.(1)

التنبیه الخامس: أنّه هل یکون الملاک فی جریان الاستصحاب مجرد الثبوت فی الواقع و إن لم یحرز بالیقین بحیث یصح الاستصحاب مع الشک فی بقاء شیء علی تقدیر ثبوته إذا ترتب علیه أثر شرعاً أو عقلاً بحیث لامدخلیة للیقین فی ذلک أو یکون للیقین مدخلیة فی نفسه و لایکفی مجرد الثبوت فی الواقع فی جریان الاستصحاب ما لم یحرز الواقع بالیقین و قد یقال فیه اشکال من عدم احراز الثبوت فلایقین مع أنّه لابدّ منه فی الاستصحاب بل و لا شک لأنّ الشک علی تقدیر الحدوث و هو لم یثبت.

اجیب عنه بأنّ اعتبار الیقین انما هو لأجل أنّ التعبد و التنزیل شرعاً إنّما هو فی البقاء لا فی الحدوث فیکفی الشک فیه علی تقدیر الثبوت فیترتب علیه الأثر فعلاً فیما کان هناک أثر.

و استشکل فیه سیّدنا الاُستاذ بأنّ ظاهر أدلة الاستصحاب عدم کفایة الشک فی بقاء الشیء علی تقدیر ثبوته و إن لم یحرز.

ص:458


1- (1) المحاضرات لسیّدنا الاستاذ، ج 3، صص 56-51.

ثمّ انه یظهر النتیجة فی هذا البحث بناء علی القول بالإجزاء الأوامر الظاهریة فیمن تیقن بالطهارة فشک و صلّی باستصحاب الطهارة ثمّ انکشف الخلاف و کونه محدثا من قبل فان مقتضی ان یکون الاعتبار بنفس الیقین دون الواقع کان له امر ظاهری و هو علی الفرض یقتضی الإجزاء.

ثمّ لایذهب علیک أنّ صاحب الکفایة تفرع علی المقام ذبّ الأشکال الذی أورد علی استصحاب الأحکام الّتی قامت الأمارات المعتبرة علی مجرد ثبوتها و قد شک فی بقائها علی تقدیر ثبوتها من أنّه لایقین بالحکم الواقعی و لایکون هناک حکم آخر فعلی بناء علی أنّ التحقیق من أنّ قضیة حجیة الأمارة لیست إلّا تنجزّ التکلیف فی الإصابة و العذر مع المخالفة.

و قال فی توجیه الذبّ عنه بأن یقال إنّ الحکم الواقعی الذی هو مؤدی الطریق حینئذٍ محکوم بالبقاء فتکون الحجة علی ثبوته حجة علی بقائه تعبداً للملازمة بینه و بین ثبوته واقعاً ثمّ أورد علیه سیّدنا الاستاذ بقوله أقول کلامه یفید أمرین: أحدهما: انه لو قلنا باعتبار الیقین بنفسه فی جریان الاستصحاب أشکل الأمر فی استصحاب الأحکام الّتی قامت الأمارات المعتبرة علی ثبوتها حیث لم یحرز ثبوتها بالیقین و فیه عدم انحصار وجه الذب عن الاشکال فی ذلک بل یمکن أن یذب عنه بما یقال فی وجه تقدم الأمارات علی مثل قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعلم أنّه حرام.

فإنّ العلم بنفسه مأخوذ فی غایات هذه الأحکام الظاهریة و معذلک یقدم علیه الأمارات.

و الوجه فیه أنّ العلم المأخوذ فی تلک الأدلة أعم من الیقین الوجدانی و من الحجة أو أنّ مفاد أدلّة حجیة الأمارات الغاء احتمال الخلاف و تنزیل المکلف منزلة

ص:459

العالم و تقدیم الأمارات علی أدلة تلک الأحکام یکون بالورود علی الوجه الأول و بالحکومة علی الوجه الثانی.

و هذه الاُمور تجری بعینها فی المقام بأن یقال إنّ المراد من الیقین المأخوذ فی دلیله أعم من الیقین الوجدانی و من الحجة أو بأن یقال إنّ الحجة بمنزلة الیقین بأدلة حجیتها.

وثانیهما: أنّه لو کان هناک حکم آخر فعلی علی طبق مؤدّی الطریق کما هو ظاهر الأصحاب أمکن جریان الاستصحاب دون ما إذا لم یکن قضیة حجیتها إلّا تنجز التکالیف مع الإصابة و العذر مع المخالفة و فیه أنّ مراد أکثر من ذهب إلی أنّ قضیة الأمارات جعل الأحکام علی طبقها هو السببیة المحضة فی تلک الأمارات و معناها أنّ قیام الطریق مثل قول العادل مثلاً أوجب مصلحة فی العمل علی وفقه و الجری علی طبقه بحیث کان العمل بقول العادل مثلاً ذا مصلحة ملزمة اوجبت الأخذ بقوله و العمل علی وقفه و علی هذا لامجال لاستصحاب هذا الحکم أصلا ضرورة قیام المصلحة بالعمل علی وفق ما أخبر به العادل و هو لم یخبر إلا بثبوت الحکم لابقائه هذا کله علی فرض ان یکون هناک حکم آخر علی طبق مؤدی الطریق.

و الذی ینبغی أن یقال فی الذب عن الاشکال هو أن الیقین بمعناه الأعم من الیقین الوجدانی و من الحجة مأخوذ فی أدلة اعتبار الاستصحاب و به یرتفع الاشکال المذکور علی استصحاب الأحکام الّتی قامت الأمارات المعتبرة علی مجرد ثبوتها و قد شک فی بقائها من أنّه لایقین بالحکم الواقعی و الوجه فی الذب هو ما تقدم من ان المراد من الیقین هو الأعم من الوجدانی و من الحجة و هو یکفی فی استصحاب ما قامت علیه الأمارة کما لایخفی.

ص:460

التنبیه السادس: فی استصحاب الکلی و هو علی ثلاثة أقسام:

لأنّ الشک فی بقاء الکلی قد یکون من جهة الشک فی بقاء الفرد الموجود فی ضمنه الکلی و اخری من جهة ترددّ ذلک الفرد بین ما هو باقٍ جزما و بین ما هو مرتفع کذلک و ثالثة من جهة الشک فی وجود فرد آخر مع الجزم بارتفاع ذلک الفرد.

القسم الأوّل: من استصحاب الکلی أنّه لا اشکال فی جریان استصحاب الکلی و الفرد و ترتیب آثار کل منهما علیه إن کان لکل واحد منهما اثر.

و قد یقال إنّ استصحاب الفرد یغنی عن استصحاب الکلی الموجود فی ضمنه فیکفی استصحاب الفرد فی ترتیب آثار کل من الفرد و الکلی بخلاف استصحاب الکلی فانه لایغنی عن الفرد و إن کان بقاؤه مستلزما لبقاء ذلک الفرد فلو کان الفرد ذا أثر شرعی فاللازم هو جریان الاستصحاب فیه مستقلا و قد یفصّل فی ذلک بین أن قلنا بعینیة الطبیعی مع الفرد فی الخارج فیصح دعوی أنّ استصحاب الفرد یغنی عن استصحاب الکلی بخلاف ما إذا لم نقل بذلک لوجود المغایرة بینهما بالنظر العرفی و یمکن أن یقال إنّ النزاع فی المقام لایرتبط بالبحث عن عینیة الکلی مع فرده و عدمها بل المعیار هو ملاحظة الخصوصیة الّتی اختارها الشارع عند اعتبار موضوع الأثر و عدمها فمع ملاحظة الخصوصیة لایغنی استصحاب أحدهما عن الاخر و لو قلنا بعینیة الفرد مع الکلی لاختلافهما فی الموضوع الشرعی.

ثمّ أنه لایخفی علیک أنّه لافرق فی جریان الاستصحاب فی الکلی بین أن یکون الکلی من الکلیات المتأصلة أو من الکلیات الاعتباریة و منها الأحکام الشرعیة التکلیفیة و الوضعیة أو من الکلیات الانتزاعیة.

ص:461

القسم الثانی: من استصحاب الکلی إن شک فی الکلی من جهة تردّد الخاصّ الذی کان فی ضمنه بین ما هو باقٍ أو مرتفع قطعاً لا اشکال فی استصحابه فیترتب علیه کافة ما یترتب علی الکلی عقلاً و نقلاً من أحکامه و لوازمه و لایضر تردّد الخاص بین متیقن الارتفاع و مشکوک الحدوث المحکوم بعدم حدوثه باستصحاب الکلی المتحقق فی ضمنه مع عدم إخلاله بالیقین و الشک فی حدوثه و بقائه نعم یضرّ التردد بین الفردین باستصحاب أحد الخاصین لإخلاله بالیقین الذی هو أحد رکنی الاستصحاب لعدم الیقین بحدوث کل واحد من الخاصیّن و معه یختل أحد رکنی الاستصحاب و هو الیقین و أما استصحاب العدم فی کل واحد من الفردین و ترتیب آثار عدم کل واحد منهما علیه فلااشکال فیه ما لم یلزم منه مخالفة عملیه و إلّا یتعارض الاصلان و یتساقطان کما لو علم أجمالا بترتب تکلیف وجوبی.

أو تحریمی علی الخاصّین فإنّه یجب حینئذٍ رعایة هذا التکلیف من جهة العلم الاجمالی بوجوده إمّا فی هذا الفرد أو فی ذلک هذا إذا قلنا بجریان الأصول فی أطراف المعلوم بالاجمال و إلّا یشکل جریانه فی المقام مطلقاً سواء لزم منه مخالفة عملیه أولا و دعوی أنّ الاستصحاب فی الکلی من القسم الثانی و إن کان جاریا فی نفسه لتمامیة موضوعه من الیقین و الشک إلّا أنّه محکوم بأصل سببی فإنّ الشک فی بقاء الکلی مسبّب عن الشک فی حدوث الفرد الطویل و الأصل عدمه مثلاً إذا شک فی بقاء الحدث و کان ذلک مسبّبا عن الشک فی حدوث الجنابة تجری أصالة عدم حدوث الجنابة و بانضمام هذا الأصل إلی الوجدان یحکم بارتفاع الحدث فإنّ الحدث الأصغر مرتفع بالوجدان و الحدث الأکبر منفی بالأصل فلامجال لاستصحاب الکلی.

ص:462

مندفعة بأنّ الشک فی بقاء الکلی لیس مسبّباً عن الشک فی حدوث الفرد الطویل بل مسبّب عن الشک فی کون الحادث طویلا أو قصیراً و لیس له حالة سابقة حتی یکون مورداً للأصل فتجری فیه أصالة عدم کونه طویلا فما هو مسبوق بالعدم و هو حدوث الفرد الطویل لیس الشک فی بقاء الکلی مسبّبا عنه و ما یکون الشک فیه مسبّبا عنه و هو کون الحادث طویلا لیس مسبوقا بالعدم حتی یکون مورداً للأصل.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ هذا الجواب مبنی علی عدم جریان الأصل فی العدم الأزلی و أمّا إذا قلنا بجریانه کما هو الحق فلامانع من جریان أصالة عدم کون الحادث طویلا و یمکن الجواب عنه بأنّه مبنی علی سببیة عدم کون الحادث طویلا بالنسبة الی عدم الکلی مع أنّه محل نظر و هو أنّ التسبب إنّما هو فی طرف الوجود لا العدم لأن عدم الکلی لیس مسببا عن عدم هذا الفرد بل هو مسبب عن عدم وجود فرد ما الذی لایحصل إلّا بعدم تحقق جمیع أفراد الکلی و علیه فمع جریان استصحاب عدم کون الحادث طویلا یجری استصحاب الکلی الجامع أیضاً لعدم السببیة بینهما فلاوجه للمنع عن استصحاب الجامع بمجرد استصحاب عدم کون الحادث طویلا و لافرق فی ذلک بین جریان الأصل فی العدم الأزلی و عدم جریانه هذا مضافاً إلی إمکان دعوی التعارض فی ناحیة السبب لان وجود کل من الفردین بخصوصیة مشکوک فیه و مسبوق بالعدم فأصالة عدم الحدوث یجری فی کلیهما و مجرد العلم بحدوث الکلی لایوجب خروج شیء من الفردین عن عموم دلیل الاستصحاب بعد أن کان المفروض فیهما الیقین بعدم وجوبهما قبلا و الشک فی حدوث کل منهما فالأصلان فی ناحیة السبب متعارضان و یسقطان بالتعارض فتصل النوبة لامحالة إلی الأصل المحکوم أعنی استصحاب بقاء الکلی.

ص:463

و أیضاً أنّ عدم بقاء الکلی لیس من الأثار الشرعیة لعدم حدوث الفرد الطویل بل من لوازمه العقلیة فلاحکومة لأصالة عدم حدوث الفرد الطویل علی استصحاب الکلی و من المعلوم أنّ مجرد السببیة لاتکفی فی حکومة الأصل السببی علی الأصل المسببی بل المیزان فی الحکومة أن یکون ثبوت المشکوک أو انتفاؤه من الآثار الشرعیة للأصل السببی لیکون الأصل السببی رافعا للشک المسببی بالتعبد الشرعی فلایجری الأصل فیه لانتفاء موضوعه و هو الشک بالتعبد الشرعی.

فتحصل مما ذکر أنّه یجری الاستصحاب فی القسم الثانی من أقسام استصحاب الکلی فیما إذا لم یکن اصل سببی أو لم تکن السببیة الشرعیة و قد عرفت عدم وجودهما و علیه فلامانع من جریان استصحاب الکلی أو الجامع.

بقی هنا امور

أحدها: أنّه قد یقال إنّ استصحاب کلی النجاسة مثلاً غیر جار فی القسم الثانی من أقسام الاستصحاب الکلی حیث إنّ أدلتها ناظرة إلی الموجودات الخاصة لا الکلی بما هو کلی و حیث إنّ الوجود فی ضمن الفرد القصیر غیره فی ضمن الفرد الطویل فلامحالة یختل أرکان الاستصحاب من جهة أنّ کل وجود بالخصوص مسبوق بالعدم فیجری استصحاب عدمه و الوجود المردد نظیر الفرد المردد فی الاستحالة و یمکن أن یقال نعم إنّ الکلی بما هو کلی مع قطع النظر عن الوجود لا أثر له و أمّا إذا لو حظ مع أصل الوجود من دون خصوصیات الوجود فلاوجه للقول بعدم ترتب الأثر علیه لأن الآثار المشترکة مترتبة علی أصل الوجود لاخصوصیات الوجود و هو یکفی لجریان استصحاب الکلی فی القسم الثانی هذا مضافاً الی أنّه یمکن استصحاب الفرد المردد للعلم بفرد ما و الشک فی ارتفاعه فیترتب علیه الأثر

ص:464

المشترک و دعوی عدم الوجود المردد مندفعة بان المستحیل هو الوجود المردد فی الخارج لا العلم بالعنوان المردد کما قرر فی محله.

وثانیها: أنّه قد یقال إنّ الشک فی بقاء القسم الثانی من الکلی یکون دائما من الشک فی المقتضی إذ الشک یکون فی اقتضاء أحد الطرفین فمن منع من جریان الاستصحاب فی الشک فی المقتضی لیس له أن یجری الاستصحاب فی الکلی و العجب من الشیخ الأعظم قدّس سرّه حیث إنّه ذهب إلی جریان الاستصحاب فی القسم الثانی من الکلی مع أنّه لم یقل بجریان الاستصحاب فی الشک فی المقتضی و یمکن أن یقال إنّ الشک فی الرافع یتصّور فی القسم الثانی من الکلی أیضاً کما إذا کان اقتضاء الطرفین معلوماً کما إذا علم بوجود الحدث و تردد بین الأصغر و الأکبر و من المعلوم أنّ کل واحد منهما یقتضی البقاء لولا الرافع فإذا توضأ شک فی أنّه یرفع الحدث المعلوم أم لا فإن کان الحدث هو الأصغر فارتفع بالوضوء و إن کان هو الأکبر لم یرتفع ففی هذا الفرض لایکون الشک فی المقتضی لمعلومیة الاقتضاء فی کل واحد منهما.

ثالثها: أنّ جریان الاستصحاب فی الکلی إنّما هو فیما إذا لم یکن أصل یعین به حال الفرد و إلّا فلامجال لجریان استصحاب الکلی کما إذا کان أحد محدثا بالحدث الأصغر ثمّ خرج عنه رطوبة مردّدة بین البول و المنی ثمّ توضأ و شک فی بقاء الحدث فمقتضی استصحاب الکلی و إن کان بقاء الحدث إلّا أنّ الحدث الأصغر کان متیقنا و بعد خروج الرطوبة. المردّدة یشک فی تبدّل الأصغر بالأکبر فمقتضی الاستصحاب هو بقاء الأصغر و عدم تبدّله بالأکبر فلایجری معه الاستصحاب فی الکلی لتعین الفرد بالتعبّد الشرعی فیکفی فیه الوضوء فقط.

ص:465

نعم من کان متطّهرا ثمّ خرجت عنه الرطوبة المردّدة لایجوز له الاکتفاء بالوضوء فقط بل یجب علیه الجمع بین الوضوء و الغسل.

شبهة عبائیة

رابعها: فی أنّه قد یرد هنا شبهة موسومة بالشبهة العبائیة و حاصلها أنّه لو علمنا أجمالا بنجاسة أحد طرفی العباء ثمّ غسلنا أحد طرفیه فلاإشکال فی أنّه لایحکم بنجاسة الملاقی للطرف المغسول للعلم بطهارته بعد غسله و هکذا لایحکم بنجاسة الملاقی للطرف الآخر بناء علی عدم نجاسة الملاقی لاحد أطراف الشبهة المحصورة.

ثمّ لو لاقی شیء مع طرفیه فلابدّ من الحکم بعدم نجاسته أیضاً لأنّه لاقی طاهراً یقیناً و أحد طرفی الشبهة و من المعلوم ان ملاقاة شیء منهما لاتوجب النجاسة مع أنّ مقتضی استصحاب الکلی هو الحکم بنجاسة الملاقی للطرفین فلابدّ من رفع الید عن جریان استصحاب الکلی أو القول بنجاسة الملاقی لأحد أطراف الشبهة المحصورة لعدم امکان الجمع بینهما فی المقام و هذه الشبهة ناشئة من جریان استصحاب الکلی فی القسم الثانی.

و اجیب عنها بأنّه لایجری استصحاب الکلی فی مورد الشبهة المذکورة لعدم ترتب الأثر علی الکلی المعرّی عن الوجود و مع عدم جریانه فلایلزم المحذور و هو لزوم القول بنجاسة الملاقی لأحد الأطراف من الشبهة المحصورة أو لزوم الحکم بنجاسة الملاقی للطرفین مع أنّه لاقی الطاهر الیقینی و المشکوک النجاسة و لیس ملاقاة کل واحد منهما موجبة للنجاسة.

و یمکن أن یقال لاوجه للاشکال فی جریان استصحاب الکلی فیما إذا ترتّب علیه أثر من الآثار الشرعیة کالآثار المشترکة لکفایة لحاظ أصل الوجود فیه و عدم

ص:466

الحاجة إلی لحاظ الوجود الخاصّ و فی مثل المقام لامدخلیة لخصوصیات الأطراف لأنّ وجود النجاسة و صرفها مؤثر و استصحاب صرف الوجود ارکانه تامّة و صرف الوجود لیس إلّا وجود النجاسة فی البین فالاستصحاب جار فی القسم الثانی من أقسام الاستصحاب فی الکلی.

هذا مضافاً إلی أنّه لامانع من استصحاب الفرد المردّد بعد کون التردید فی العنوان لا المعنون و المحال هو الموجود المردّد فی الخارج لا العنوان المردد نعم یمکن أن یقال کما أفاد بعض الأکابر إنّ أدلّة الاستصحاب منصرفة عن مثل هذا الاستصحاب الذی یکون لازمه هو الالتزام بنجاسة الملاقی لبعض أطراف الشبهة المحصورة أو الالتزام بنجاسة الملاقی للطرفین مع انه لایلاقی إلّا الطاهر الیقینی و المشکوک النجاسة.

و مع الانصراف فلایجری استصحاب الکلی و مع عدم جریانه فی مثل المقام لایرد محذور إذ نحکم بطهارة الملاقی للطرفین لو لاقی معهما کما نحکم بطهارة الملاقی للطرف المشکوک النجاسة و عدم شمول أدلّة الاستصحاب لمثل المقام لایمنع من اعتباره فی سایر المقامات کما لایخفی.

القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی قد اختلفت الآراء فیه علی الثلاثة عدم جریان الاستصحاب مطلقاً و جریان الاستصحاب فی الجملة و جریانه مطلقاً و الأخیر هو المختار.

و الوجه فی الأوّل أنّ وجود الطبیعی و إن کان بوجود فرده إلّا أنّ وجوده فی ضمن المتعدد من أفراده لیس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعددها فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده و إن شک فی وجود فرد آخر مقارن لوجود ذلک الفرد أولارتفاعه.

ص:467

فما هو متیقن ارتفع قطعاً و غیره مشکوک الحدوث مطلقاً سواء کان الشک فی وجوده مقارناً لوجود المتیقن أو مقارناً لارتفاعه.

و علیه فلایجری الاستصحاب فی القسم الثالث من أقسام الکلی مطلقاً إلّا إذا کان الفرد المحتمل المتبدل الیه بقاء ذلک المتیقن عرفاً کما فی تبدلّ العرض الشدید إلی أضعف منه فیجری فیه استصحاب الفرد و الکلی کلیهما لأنّه من قبیل القسم الأوّل من أقسام استصحاب الکلی و یکون خارجا عن محل الکلام.

یمکن أن یقال: إنّ المعتبر هو الوحدة العرفیة بین القضیة المتیقنة و المشکوکة فمع صدق الوحدة العرفیة یجری الاستصحاب فی الجامع من دون فرق بین احتمال وجود فرد مقارن للفرد المقطوع بحدوثه و بین احتمال حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد المقطوع بحدوثه فلایصح الاستدلال علی عدم جریان الاستصحاب فیه مطلقاً بمغایرة وجود الکلی فی کل فرد مع وجوده فی غیره لأنّ المغایرة عقلی لاعرفی ففی کل مورد یتوجه ذهن العرف إلی الخصوصیات الشخصیة فلاوحدة و لایجری الاستصحاب بخلاف الموارد الّتی لایتوجه الذهن إلی الخصوصیات بل یتوجه. إلی القدر الجامع کالإنسان فیجری فیها الاستصحاب من دون فرق بین احتمال مقارنة الفرد الآخر مع وجود الفرد المعلوم و بین احتمال مقارنته مع ارتفاع الفرد المعلوم لعدم صدق انقراض الإنسان فی الصورتین فما لم یعلم بعدم جمیع أفراد الطبیعة أمکن جریان الاستصحاب فی الجامع.

فانقدح مما ذکر قوّة القول بجریان الاستصحاب فی الجامع مطلقاً خلافاً لمن ذهب الی عدم جریانه مطلقاً او فی الجملة.

ص:468

هذا کله بالنسبة إلی مقام الثبوت و أمّا مقام الاثبات فهو تابع لمفاد الأدلّة فإنّ جریان استصحاب الواحد النوعی یتوقف علی کونه موضوعاً للحکم الشرعی فإن ترتّب علیه أثر شرعی فیجری الاستصحاب فیه و إلّا فلا.

و یظهر مما ذکر جریان الاستصحاب فی الطلب الکلی فیما إذا کان النظر إلی نفس الطلب لاخصوصیة الوجوب أو الاستحباب لأنّ الموضوع للأثر علی الفرض هو الکلی الجامع و هو معلوم الحدوث و مشکوک البقاء بخلاف ما إذا کان النظر إلی خصوصیات الطلب کالوجوب أو الاستحباب فإن مع ارتفاع الوجوب لامجال للاستصحاب لعدم الوحدة بین الوجوب و الاستحباب عرفاً.

و التفصیل بین ما إذا احتمل وجود فرد مقارن للفرد المقطوع بحدوثه و بین ما إذا احتمل حدوثه مقارناً لارتفاعه بجریان الاستصحاب فی الأول و عدمه فی الثانی من جهة أنّ مناط صدق الواحد النوعی علی أفراده تقرّر حصة من الواحد النوعی فی مرتبة ذات الفرد فاذا قطع بوجود فرد فکما یقطع بوجود حصة متعینة و هی الماهیة الشخصیة فکذلک یقطع بوجود ذات الحصة و بوجود ذلک الواحد النوعی الصادق علی الفرد فالقطع بالفرد و إن کان علة للقطع بالوجود المضاف إلی ذلک الواحد النوعی إلّا أنّ زوال القطع بالتعین و القطع بارتفاعه لایوجب القطع بزوال الوجود المضاف إلی الواحد النوعی لاحتمال بقائه بالفرد المحتمل حدوثا مقارناً لحدوث ذلک الفرد بخلاف احتمال حدوثه مقارناً لارتفاع الفرد المقطوع به فإنّ الوجود المضاف إلی الواحد النوعی فی الزمان السابق قد قطع بارتفاعه و إنّما المحتمل حدوث وجود آخر مضاف إلی الواحد النوعی.

ص:469

مندفع بان جریان الاستصحاب لایتوقف علی الوحدة العقلیة بل المیزان وحدة القضیة المتیقّنة و المشکوکة فیها عرفاً.

فإذا شک فی بقاء نوع الإنسان إلی ألف سنة یکون الشک فی البقاء عرفاً مع تبادل الأفراد لکن العرف یری بقاء نوع الإنسان و إن تبادلت الأفراد و قد یکون الجنسین بالنسبة إلی أفراد الأنواع کذلک و قد لایساعد العرف کافراد الإنسان و الحمار بالنسبة إلی الحیوان فإنّ العرف لایری الإنسان من جنس الحیوان و قد لایساعد فی أفراد الأجناس البعیدة و قد یساعد و بالجملة المیزان وحدة القضیة المتیقنة و المشکوک فیها عرفاً من دون تفصیل و لاضابط لذلک.

و دعوی أنّ الفرق بین القسم الثانی و الثالث أنّ فی الثالث لایحتمل بقاء عین ما کان دون الثانی لاحتمال بقاء عین ما کان موجوداً مندفعة بأنّه خلط بین احتمال بقاء ما هو المتیقن بما أنّه متیقن الذی هو معتبر فی الاستصحاب و بین احتمال بقاء الحیوان المحتمل الحدوث ففی الآن الثانی و إن احتمل بقاء حادث لکن هو احتمال بقاء ما هو محتمل الحدوث لامعلومه.

فتحصل أنّه لااشکال ثبوتا فی جریان الاستصحاب فی القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی مطلقاً.

لایقال: إنّ مقتضی جریان الاستصحاب فی القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی أنّه إذا قام أحد من النوم و احتمل جنابته فی حال النوم لم یجز له الدخول فی الصلاة مع الوضوء بناء علی جریان الاستصحاب فی الصورة الاولی من القسم الثالث من استصحاب الکلی إذ یجری استصحاب الحدث بعد الوضوء لإحتمال اقتران الحدث الأصغر مع الجنابة و هی لاترتفع بالوضوء مع أنّ کفایة الوضوء فی

ص:470

مثله من الواضحات و هذا یکفی للشهادة علی عدم جریان الاستصحاب فی القسم الثالث من استصحاب الکلی.

لأنّا نقول: نمنع عن ذلک و الوجه فیه أنّه یجری فیه استصحاب عدم الجنابة و معه ینقح موضوع دلیل الوضوء و هو کل محدث لایکون جنباً فکونه محدثا بالحدث الأصغر و هو النوم معلوم بالوجدان و کونه غیر جنب محرز بالتعبد الشرعی و هو استصحاب عدم الجنابة و حینئذٍ یدخل تحت آیة الوضوء (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ) الآیة و یکون الوضوء رافعا لحدثه و لاحاجة إلی غسل الجنابة.

القسم الرابع من أقسام استصحاب الکلی و هو علی ما أفاده السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه أنّه إذا علمنا بوجود فرد معیّن و علمنا بارتفاع هذا الفرد ولکن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان یحتمل انطباقه علی الفرد الّذی علمنا ارتفاعه و یحتمل انطباقه علی فرد آخر فلو کان العنوان المذکور منطبقا علی الفرد المرتفع فقد ارتفع الکلی و إن کان منطبقا علی غیره فالکلی باقٍ و مثاله ما إذا علمنا بوجود زید فی الدار و علمنا بوجود متکلم فیها ثمّ علمنا بخروج زید عنها ولکن احتملنا بقاء الإنسان فیها لاحتمال أن یکون عنوان المتکلم منطبقا علی فرد آخر.

و یمکن أن یقال إنّ القسم الرابع یرجع إلی القسم الثانی أو الثالث لأنّ الشک فیه یرجع إلی الشک فی بقاء الکلی مع احتمال بقاء فرده فإنّ التکلم إن کان قیدا للموضوع فلایخرج استصحاب بقاء المتکلم فی الدار بعد القطع بخروج زید من استصحاب الکلی فی القسم الثانی نظیر الاستصحاب فی بقاء الحیوان عند تردد فرده بین البقر و الفیل.

و إن لم یکن التکلم قیداً بل هو معرف لوجود الانسان فی الدار الموضوع للحکم فالعلم بوجود زید فی الدار و ارتفاعه یجعل الاستصحاب کون إنسان فی الدار من الاستصحاب فی القسم الثالث من الکلی.

ص:471

و دعوی الفرق بین القسم الرابع و غیره من القسم الثانی و الثالث بأن یکون الفرد فی القسم الثانی مردداً بین متیقن الارتفاع و متیقن البقاء أو محتمله بخلاف الفرد فی القسم الرابع فإنّه لیس فیه الفرد مردداً بین فردین بل الفرد معیّن غایة الامر أنّه یحتمل انطباق عنوان آخر علیه.

و بأن لیس فی القسم الثالث علمان بل علم واحد متعلّق بوجود فرد معیّن غایة الأمر نحتمل تقارن فرد آخر مع حدوثه أو مع ارتفاعه بخلاف القسم الرابع فإنّ المفروض فیه علمان علم بوجود فرد معین و علم بوجود ما یحتمل انطباقه علی هذا الفرد و علی غیره.

مندفعة بأنّ الفروق المذکورة لیست بفارقة بعد ما عرفت من رجوع القسم الرابع إلی القسم الثانی أو الثالث لأنّ الشک فیه یرجع إلی الشک فی بقاء الکلی مع احتمال بقاء فرده.

التنبیه السابع: فی استصحاب التدریجیات و المراد بالتدریجیات هو ما لایکون جمیع أجزائه مجتمعا فی الوجود فی زمان واحد بل یوجد جزء و ینعدم و یوجد جزء آخر بخلاف المرکبات القارة فای أجزائها مجتمعة فی الوجود فی زمان واحد و لا کلام فی جریان الاستصحاب فی المرکبات القارة لشمول ما دلّ علی النهی عن نقض الیقین بالشک لها کما یشمل البسائط من دون فرق.

و إنّما الکلام فی استصحاب التدریجیات و المقصود من استصحابها هو أن یکون وجودها متیقنا فی حین فیشک فی انقطاعه بعده فیستصحب و لا فرق فیه بین أن یکون المرکب التدریجی الغیر القار زمانا کما إذا استصحب بقاء اللیل و النهار أو زمانیا کاستصحاب بقاء القراءة و نحوها من الزمانیات أو مقیدا بالزمان المنصرم الغیر

ص:472

القار کتقیید الصوم بکونه فی الیوم او الصلاة بکونه فی وقت خاص و کیف کان فالبحث عنه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: فی جریان الاستصحاب فی نفس الزمان و قد استشکل فیه بأنّ قوام الاستصحاب بالشک فی البقاء و لامجال له فی الزمان فإنّ الجزء السابق المتیقن قد انعدم و الجزء اللاحق حادث مشکوک و مسبوق بالعدم.

و یمکن الجواب عنه بأنّ الزمان موجود واحد مستمر متقوم بالانصرام و السیلان و لذا یعبّر عنه بغیر القارّ و علیه فلامانع من جریان الاستصحاب فیه لوحدة القضیة المتیقنة و المشکوکة بالدقة العقلیة فضلا من الدقة العرفیة فإذا شککنا فی بقاء النهار یجری استصحاب وجوده بلا اشکال.

ففی هذه الصورة یکون النهار إسما لزمان کون قرص الشمس فوق الافق فیوجد عند طلوعها و یبقی إلی غروبها فالزمان المذکور أمر یتحقق عرفاً و عقلاً بحدوثه و یستمر و الاستصحاب فیه یکون من الاستصحاب فی بقاء الشیء لاحتمال بقاء کونه بین المبدأین حتی بنظر العقل فضلا عن العرف.

بل یجری الاستصحاب فیه و إن قلنا بأنّ الزمان مرکب من الآنات الصغیرة المتصرمة نظیر ما ذکره بعض فی الأجسام من ترکبها من الأجرام الصغیرة غیر القابلة للتجزئه فإنّ فی هذه الصورة أیضاً لامانع من جریان الاستصحاب فیه لوحدة القضیة المتیقنة و المشکوکة بنظر العرف و الوحدة العرفیة هی المدار فی جریان الاستصحاب و إن کان القول بعدم قابلیة الأجسام للتجزئه باطلا فی نفسه إلّا أن الالتزام به لایمنع من جریان الاستصحاب فی الزمان علی هذا القول أیضاً.

بل قال بعض لو تحقق العدم بین أجزاء بعض المرکبات بحیث لایکون مخلاً للاتصال الموجب للوحدة عرفاً یحکم ببقائه ما لم تنته أجزاؤه فإذا وقع الکسوف

ص:473

بحیث ینعدم جزء من النهار لا یوجب ذلک التخلل کون ما قبله مع ما بعده شیئین من النهارین و مع الوحدة العرفیة یجری الاستصحاب فی ناحیة بقاء النهار و لافرق فی ذلک بین أن نقول بالأجزاء الّتی لایتجزی و بین أن لم نقل بذلک.

لایقال: إذا کان الأثر الشرعی مترتبا علی کون هذ الوقت نهارا لایجری الاستصحاب لأنّه أصل مثبت.

لأنّا نقول: بعد اتصال الزمان و عینیة الموجود مع ما مضی جری الاستصحاب لان هذا الزمان کان نهارا قبلا و نشک فی زوال هذا العنوان عنه فیحکم الاستصحاب ببقائه علی ما کان فینطبق علیه حکم وجوب الصیام فتحصل أنّ الاستصحاب فی الزمان جار علی أی حال بعد ما عرفت من حکم العرف بوحدة القضیة المتیقنة و المشکوکة من جهة الاتصال العرفی بین اجزائه.

المقام الثانی: فی استصحاب الزمانی و هو علی قسمین لأنّ الأمر التدریجی إمّا أن یکون مثل الزمان بحیث یکون تقومه بالانصرام و الانقضاء کالحرکة و التکلم و نحوهما و إمّا أن یکون بنفسه غیر منصرم و له ثبات فی نفسه ولکنه من حیث تقیده بالزمان یکون غیر قار کالقیام الی الظهر او الجلوس الی المغرب.

أمّا القسم الأوّل من الزمانی فقد ظهر الکلام فیه مما ذکرنا فی استصحاب الزمان لأنّه إن قلنا بکون الحرکة المتصله أمراً واحداً و إنّ الاتصال مساوق الوحدة فلااشکال فی جریان الاستصحاب فیها حتی بناء علی اعتبار وحدة الموضوع بالدقة العقلیة.

و إن قلنا بکون الحرکة مرکبة من الحرکات الیسیرة الکثیرة بحیث یکون کل جزء من الحرکة موجوداً منحازاً عن الجزء الآخر فلاینبغی الاشکال فی جریان

ص:474

الاستصحاب فیها أیضاً لکون الموضوع واحداً بنظر العرف و إن کان متعددا بالدقة العقلیة بل تخلل العدم لایمنع من جریان الاستصحاب فی مثل الحرکة إذا کان یسیرا لأنّ المناط فی الاستصحاب هو الوحدة العرفیة و لایضرّ السکون القلیل بوحدة الحرکة عرفاً.

ثمّ لافرق فیما ذکر بین المرکب الحقیقی و المرکب الاعتباری کالصلاة کما لایخفی و أمّا القسم الثانی من الزمانی و هو الذی له ثبات فی نفسه ولکنه حیث قیّد بالزمان فی لسان الدلیل یکون غیر قار کالامساک المقید بالنهار و الشک فیه إمّا یکون من جهة الشبهة الموضوعیة و إمّا یکون من جهة الشبهة الحکمیة.

أمّا الصورة الأولی من الشبهة الموضوعیة فتارة یکون الفعل فیه مقیّدا بعدم مجییء زمان کما إذا کان الامساک مقیّدا بعدم غروب الشمس فلااشکال فی استصحاب عدم غروب الشمس و یحکم بوجوب الامساک کما أنّه باستصحاب عدم طلوع الفجر یحکم بجواز الأکل و الشرب لتنقیح الموضوع بالاستصحاب.

و اخری یکون الفعل مقیدا فی لسان الدلیل بوجود الزمان کما إذا کان الامساک مقیّدا بالنهار و جواز الأکل و الشرب مقیّدا باللیل فیجری فیه استصحاب نفس الزمان بالتقریب المذکور فی استصحاب الزمان و یتقید الفعل به بعد بقاء الزمان تعبداً کما لایخفی و أمّا الصورة الثانیة و هی الشبهة الحکمیة قد یکون الشک فیها لشبهة مفهومیة کما إذا شککنا فی أنّ الغروب الذی جعل غایة لوجوب الامساک هل هو عبارة عن استتار القرص أو عبارة عن ذهاب الحمرة المشرقیة عن قمة الرأس و قد یکون الشک فیه لتعارض الأدلة کما فی آخر وقت العشائین لتردّده بین انتصاف اللیل أو طلوع الفجر.

ص:475

و کیف کان سواء کانت الشبهة مفهومیة او من جهة تعارض الأدلة فقد ذهب الشیخ و من تبعه إلی أنّ الزمان إذا أخذ قیدا للفعل و کانت الشبهة حکمیة فلایجری الاستصحاب فیه و إذا أخذ ظرفا فلامانع من جریان الاستصحاب فیه و استشکل فیه بأنّ الاهمال فی مقام الثبوت غیر معقول فالأمر بالشیء إمّا یکون مطلقاً و إمّا أن یکون مقیدا بزمان خاص و لاواسطة.

و معنی کونه مقیّدا بذلک الزمان الخاص عدم وجوبه بعده فأخذ الزمان ظرفا للمأمور به بحیث لاینتفی المأمور به بانتفائه مما لایرجع إلی معنی معقول فإنّ الزمان بنفسه ظرف لایحتاج إلی الجعل التشریعی فإذا أخذ زمان خاص فی المأمور به فلامحالة یکون قیدا له فلامعنی للفرق بین کون الزمان قیدا أو ظرفا فإنّ أخذه ظرفا لیس إلّا عبارة اخری عن کونه قیدا فإذا شککنا فی بقاء هذا الزمان و ارتفاعه من جهة الشبهة المفهومیة أو لتعارض الأدلة لایمکن جریان الاستصحاب لا الاستصحاب الحکمی و لا الموضوعی أمّا الحکمی فلکونه مشروطا باحراز بقاء الموضوع و هو مشکوک فیه علی الفرض فإنّ الوجوب تعلّق بالامساک الواقع فی النهار فمع الشک فی بقاء النهار یشک فی بقاء الموضوع فلایمکن استصحاب الحکم مع الشک فی بقاء موضوعه و لاوحدة بین القضیة المتیقنة و المشکوکة إذ الموضوع فی المتیقنة هو الامساک فی النهار و موضوع القضیة المشکوکة هو الامساک فی جزء من الزمان یشک فی کونه من النهار و التمسک بقوله لاتنقض الیقین بالشک لاثبات وجوب الامساک فیه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

و أمّا الاستصحاب الموضوعی بمعنی الحکم ببقاء النهار فلأنه لیس لنا یقین و شک تعلّقا بشیء واحد حتی یجری فیه الاستصحاب بل لنا یقینان یقین باستتار

ص:476

القرص و یقین بعدم ذهاب الحمرة المشرقیة فأیّ موضوع یشک فی بقائه بعد العلم بحدوثه حتی یجری فیه الاستصحاب فإذا لاشک لنا إلّا فی مفهوم اللفظ و لامعنی لجریان الاستصحاب فیه.

و یمکن أن یدفع الاشکال المذکور أوّلا بأن القول بعدم الفرق بین کون الزمان قیدا أو ظرفا منظور فیه للخلط بین الموضوع الدلیلی و الموضوع الاستصحابی إذ الموضوع فی الدلیل و إن کان مأخوذاً مع الزمان ولکن لیس کل مأخوذ فیه بحسب الدلیل قیدا للموضوع بحسب العرف و لذا إذا شککنا فی بقاء الحکم بعد مضی ظرف الزمان أمکن ان نقول إنّ الجلوس مثلاً کان واجبا قبل انقضاء هذا الزمان و الآن یکون کذلک بحکم العرف فإنّ الموضوع فی القضیة هو الجلوس و هو متحد مع الموضوع فی القضیة المتیقنة عرفاً و إن لم یکن کذلک بحسب الموضوع الدلیلی فیجری فیه استصحاب وجوب الجلوس و ثانیاً بأنّا لانسلم أنّ أخذ الزمان لیس إلّا عبارة عن کونه قیدا لأنّ ذکر الزمان فی الواجب بنحو الظرفیة دون القیدیة أمر شایع کقول المولی لعبده إذا ذهبت یوما إلی منزل صدیقی فقل له أعطنی الکتاب الفلانی أنا أحتاج إلیه و من المعلوم ان الیوم فیه مأخوذ بنحو الظرفیة لا القیدیة بحیث لو لم یذهب إلیه فی الیوم لم یسقط لوجوب و علیه فدعوی الکلیة المذکورة ممنوعة لعدم دخالة الزمان المأخوذ فیه فی المثال المذکور و أشباهه.

فتحصّل: أنّ الاستصحاب جار فی نفس الزمان سواء کان الزمان کالنهار إسما لزمان کون قرص الشمس فوق الأفق فیوجد عند الطلوع و یبقی إلی الغروب أو کان الزمان مرکبا من الآنات الصغیرة کالأجسام المرکبة من الأجرام الصغیرة لوحدة القضیة المتیقنة و القضیة المشکوکة عرفاً و عقلاً فی الأوّل و عرفاً فی الثانی بل

ص:477

یجری الاستصحاب مع تحقق العدم بین بعض أجزاء بعض المرکبات و لایکون مخلّا کاستصحاب النهار مع وقوع الکسوف فیه.

و هکذا یجری الاستصحاب فی الزمانی کالحرکة و التکلم مما یکون تقوّمه بالانصرام و الانقضاء کما یجری فی الزمان و إذا کان الزمانی له ثبات فی نفسه ولکن حیث تقید بالزمان فی لسان الدلیل یعدّ غیر قارّ کالامساک المقید بالنهار و الشک فیه إمّا من جهة الشبهة الموضوعیة و إمّا من جهة الشبهة الحکمیة.

فان کان الأول أی الشبهة الموضوعیة فتارة یکون الفعل فیه مقیّداً بعدم مجییء زمان کما إذا کان الامساک مقیدا بعدم غروب الشمس فلااشکال فی استصحاب عدم غروب الشمس و یحکم بوجوب الامساک و تارة یکون الفعل مقیدا فی لسان الدلیل. بوجود الزمان کما إذا کان الامساک مقیدا بالنهار فیجری فیه استصحاب نفس الزمان و یتقید الفعل به بعد التعبد ببقاء الزمان.

و إن کان الثانی أی الشبهة الحکمیة فقد یکون الشک فیه لشبهة مفهومیة کما إذا شککنا فی أنّ الغروب الذی جعل غایة لوجوب الامساک عبارة عن استتار القرص أو عبارة عن ذهاب الحمرة المشرقیة عن قمة الرأس و قد یکون الشک فیه من جهة تعارض الأدلة کما فی آخر وقت العشائین لترددّه بین انتصاف اللیل أو طلوع الفجر.

فصّل الشیخ فی هذه الصورة بین ما إذا اخذ قیدا للفعل و کانت الشبهة حکمیة فلایجری فیه الاستصحاب و بین ما أخذ ظرفا فلامانع من جریان الاستصحاب فیه و هو الأقوی.

و دعوی أنّ الاهمال فی مقام الثبوت غیر معقول فالأمر بالشیء إمّا أن یکون مطلقاً و إما أن یکون مقیدا بزمان خاص و لا واسطة و معنی کونه مقیدا بذلک

ص:478

الزمان الخاص عدم وجوبه بعده فأخذ الزمان ظرفا للمأمور به بحیث لاینتفی المأمور به بانتفائه مما لایرجع الی معنی معقول.

مندفعة بأن عدم الفرق بین کون الزمان قیدا أو ظرفا منظور فیه للخلط بین الموضوع الدلیلی و الموضوع الاستصحابی.

اذ الموضوع فی الدلیل و إن کان مأخوذا مع الزمان ولکن لیس کل مأخوذ فیه بحسب الدلیل قیداً للموضوع بحسب حکم العرف و لذا إذا شککنا فی بقاء الحکم بعد مضی ظرف الزمان المأخوذ أمکن اجراء الاستصحاب و یقال إنّ الجلوس مثلاً کان واجبا قبل انقضاء هذا الزمان و الآن یکون کذلک بحکم العرف فلاتغفل هذا مضافاً إلی أنّا لانسلم أنّ أخذ الزمان لیس الّا عبارة عن کونه قیدا لأن ذکر الزمان فی الواجب بنحو الظرفیة أمر شایع فالتفصیل المحکی عن الشیخ قدّس سرّه بین کون الزمان قیداً و بین کونه ظرفا تام جداً.

ثمّ إنّ کل مورد لایجری فیه الاستصحاب لعدم الوحدة بین القضیة المشکوکة و القضیة المتیقنة فاللازم حینئذٍ هو الرجوع إلی الأصول الاُخری کالبراءة فیما إذا کان الشک فی الأقل و الأکثر کما فی الشبهة المفهومیة من الغروب فلایجب بعد استتار القرص أن یدوم الصوم إلی ذهاب الحمرة المشرقیة و کالاحتیاط إذا کان الشک بین المتبائنین کما إذا تردّد بین الأداء و القضاء فی العشائین بعد انتصاف اللیل فیجب ان یأتی بالصلاة مرة بالأداء و مرة بالقضاء أو بقصد ما فی الذمة إن لم یأت به قبل استتار القرص فتدبر جیّدا.

التنبیه الثامن: فی استصحاب الحکم التعلیقی إذا فرضنا أنّ الشارع قال العنب إذا غلی یحرم کانت حرمة العنب معلقة علی الغلیان فإذا صار العنب زبیبا و شک فی

ص:479

بقاء حکمه التعلیقی و عدمه ذهب الشیخ الأعظم قدّس سرّه إلی جریان الاستصحاب فیه معللا بان الوجود التقدیری له نحو تحقق فی مقابل عدمه فإنّ وجود کل شیء بحسبه.

و دعوی أن الموضوع منتف بصیرورة العنب زبیبا مندفعة بعدم صیرورة العنب بواسطة الجفاف موضوعاً آخر عند العرف و لذا یبحث فیه عن الفرق بین الأحکام المطلقة و الأحکام المعلقة و إلّا فمع انتفاء الموضوع فلامجال للبحث المذکور.

لایقال: إنّ الحکم المرتب علی الموضوع المرکب إنّما یکون وجوده و تقرره بوجود الموضوع بماله من الأجزاء و الشرائط و الموضوع للنجاسة و الحرمة فی مثال العنب إنّما یکون مرکبا من جزئین العنب و الغلیان فقبل فرض غلیان العنب لایمکن فرض وجود الحکم و مع عدم فرض وجود الحکم لامعنی لاستصحاب بقائه لاعتبار أن یکون للمستصحب نحو وجود و تقرر فی الوعاء المناسب له فی الاستصحاب الوجودی. فوجود أحد جزئی الموضع المرکب کعدمه لایترتب علیه الحکم الشرعی ما لم ینضم الیه الجزء الآخر.

لأنّا نقول: الحرمة و النجاسة التقدیریة إنّما تکون قطعیا بالنسبة إلی العنب لا الزبیب فیمکن استصحابها فی حال الزبیبّیة و بعبارة اخری استصحاب هذا الأمر الموجود بعد فرض وجود موضوعه و هو العنب مما لا اشکال فیه و الموضوع للحرمة الفعلیة أو النجاسة الفعلیة إنما هو العنب المغلی أو بشرط الغلیان فلابدّ من فرض وجوده بکلا جزئیه عند إرادة الاستصحاب للحکم الفعلی بخلاف استصحاب الحرمة التعلیقیة فإنّه لایحتاج إلّا إلی فرض وجود العنب قبل وجود الغلیان لأنّه الموضوع لهذه الحرمة و الفرق بینهما واضح کما لایخفی.

ص:480

هذا کله بناء علی أنّ الحکم المعلق علی العنب المذکور لیس حکماً فعلیا بل هو صرف إنشاء حکم عند کذا و قد عرفت أنّه لا إشکال فی جریان الاستصحاب فیه بعد تبدّل حالة العنبّیة إلی حال الزبیبّیة لأنه أمر وجودی خاص.

و أمّا إذا قلنا بأنّ القضیة الدالة علی حرمة العنب اذا غلی قضیة حقیقیة و مفادها جعل الحکم فی فرض وجود الموضوع و شرطه فتدلّ القضیة علی فعلیة الحرمة المترتبة علی موضوعها نعم لیس للحکم المذکور الفاعلیة قبل وجود الموضوع مع شرائطه فی الخارج و لاریب أنّ هذا الحکم الفعلی حکم شرعی فإذا شک فی بقائه صح استصحابه و علیه فلاتعلیق إلّا فی الفاعلیة لا فی الحکم فلامجال لانکار شمول أدلة الاستصحاب لمثل المقام.

و دعوی أنّ فرض وجود شیء فی ظرفه لایلزمه إلّا فرض النجاسة و کما أنّ الفرض لایستلزم وجود شیء بل یجتمع مع عدمه فهکذا فرض النجاسة لایلزمه واقع حکم النجاسة بل یجتمع مع عدمها.

مندفعة بأنّ فرض وجود شیء فی ظرفه و ان لم یستلزم وجوده بالفعل حین الفرض ولکن لیس لازم ذلک کون الحکم المترتب علی الشیء المفروض فرضیا بل الشارع جعل حکماً حقیقیا علی الشیء المفروض الوجود فی ظرفه و کان المنشیء یری وجود شیء و شرطه فی ذلک الظرف و حمل علیه النجاسة مثلاً و هذا لیس عدماً کما لایخفی بل مقتضی ذلک فعلیة الحکم و ان لم یکن لها الفاعلیة کما قرر فی محله من الواجبات المعلقة و المشروطة.

و یظهر الأثر فی لزوم انبعاث الغیر إلی بعض مقدمات الأمر المتأخر إذا لم یمکن تحصیله فی ظرفه هذا.

ص:481

ولکن التحقیق أنّ الوارد شرعاً هو أنّ العصیر العنبی اذا غلی یحرم لا ان العنب اذا غلی یحرم و لا خفاء فی ان العصیر العنبی لایبقی بعد جفاف العنب و صیرورته زبیبا فالمثال المزبور اعنی العنب اذا غلی یحرم مثال فرضی و عدم کونه مثالا للمقام لایضر بالبحث کما لایخفی.

شبهة المعارضة

و قد یشکل الاستصحاب التعلیقی من ناحیة معارضته مع استصحاب حکم تنجیزی یضاده فیسقطان.

و بیان ذلک أنّ مقتضی الاستصحاب التعلیقی فی مسألة الزبیب مثلاً هو حرمته بعد الغلیان و مقتضی الاستصحاب التنجیزی حلیته بعد الغلیان فانه کان حلالا قبل الغلیان و نشک فی بقاء حلیته فیستصحب و یقع التعارض بین الاستصحابین و یسقطان.

و یمکن الجواب عنه بأنّ استصحاب الحرمة المعلقة لاینافی استصحاب الحلیة لأنّ الحلیة أیضاً مغیاة بعدم وجود المعلق علیه إذ مفهوم قوله علیه السّلام إنّ العصیر العنبی إذا غلی یحرم أنّ العصیر العنبی ما لم یغل یحلّ فکما أنّ الحرمة معلقة و محدودة بما إذا غلی فکذلک الحلیة مغیاة بما إذا لم یغل و لامنافاة بینهما حتی یکونا متعارضین فالغلیان فی المثال کما کان شرطاً للحرمة غایة للحلیة التعلیقیة.

تبصرة: و هی أنّه بناء علی جریان الاستصحاب التعلیقی فی الأحکام الشرعیة قد یقع البحث فی جریان الاستصحاب التعلیقی فی موضوعات الأحکام الشرعیة أو متعلّقاتها و عدمه مثلاً إذا وقع ثوب متنجس فی حوض کان فیه الماء سابقاً و شککنا فی الحال فی وجوده فهل لنا أن نقول لو وقع الثوب المذکور فی هذا

ص:482

الحوض سابقاً لصدق الغسل بالماء و مقتضی الاستصحاب ذلک أیضاً فی زمان الشک.

و الظّاهر عدم جریان الاستصحاب لأنّ المعتبر فی جریانه أن یکون المستصحب حکماً شرعیاً بنفسه لیصح التعبد ببقائه أو یکون ذا أثر شرعی لیقع التعبد بترتیب اثره الشرعی و المستصحب فی المقام لیس حکماً شرعیاً و لا ذا اثر شرعی لأنّ الأثر مترتب علی الغسل المتحقق فی الخارج و المستصحب فی المقام أمر فرضی لا واقعی و لایمکن اثباتهما بالاستصحاب المذکور إلّا علی القول بالأصل المثبت فإنّ تحققهما فی الخارج من لوازم القضیة الفرضیة و لایجری هذا الاشکال فی صورة جریان الاستصحاب التعلیقی فی الأحکام لأنّ المستصحب فیها هو المجعول الشرعی و هو الحکم المعلق لا لازمه حتی یکون الاستصحاب بالنسبة إلی اثبات الحکم الفعلی من الأصل المثبت.

التنبیه التاسع: فی استصحاب أحکام الشرایع السابقة و عدمه و الذی یمکن أن یذکر بعنوان الموانع امور:

منها أن الحکم الثابت لجماعة خاصة لایمکن إثباته فی حق آخرین لتغایر الموضوع إذ من لحق غیر من سبق و ما ثبت فی حق اللاحقین مثل ما ثبت فی حق السابقین لاعینه.

و الجواب عنه واضح لأنّ الکلام فی الحکم الثابت للعنوان الکلی و القضیة الحقیقیة لا الخارجیة و من المعلوم أنّه لایبقی مجالا لتغایر الموضوع.

یمکن أن یقال: لم یحرز أنّ الجعل فی الشریعة السابقة کان بحیث یعم أهل الشریعة اللاحقه و القدر المتیقن ثبوت الحکم للسابقین.

ص:483

إذ لاسبیل لنا إلی إحراز إطلاق خطابات الأحکام فی الشرائع السابقة بل لا سبیل لنا إلی ذلک إلّا من طریق القرآن الکریم لتحریف کتب الیهود و النصاری و القرآن لایدل إلّا علی مشروعیة ما کان یصدر منهم و لاطریق إلی کشف اطلاقها لعدم کون الآیات فی مقام بیان هذه الجهة.

ومنها: أنّ مع نسخ الشریعة السابقة بمجیء اللاحقه یعلم بارتفاع الأحکام الواردة فی الشریعة السابقة و مع العلم بارتفاعها لامجال للاستصحاب لعدم تمامیة أرکانه.

واُجیب عنه بأنّ الشریعة السابقة و إن کانت منسوخة بهذه الشریعة یقیناً إلّآ أنّه لایوجب الیقین بارتفاع جمیع أحکامها لبقاء بعض أحکامها فیستصحب.

أورد علیه بأن العلم بنسخ کثیر من الأحکام السابقة تفصیلا حیث لیس بالمقدار المعلوم بالاجمال حتی ینحل العلم الاجمالی باحتمال تطبیقه علی المعلوم بالتفصیل لایجری حینئذٍ الاستصحاب لکونه فی أطراف المعلوم بالاجمال أو یجری و یکون متعارضا علی القولین فیرجع إلی أصل آخر.

أللّهمّ إلّا أن یقال: بأنّه لاعلم بالنسخ فی غیر الموارد المنسوخة و معه لامانع من جریان استصحاب الحکم المجعول فی الشریعة السابقه.

فتحصّل: أنّه لامانع عن استصحاب الشرع السابق لو لم یکن الحکم فی الشرع السابق لخصوص جماعة التابعین لذلک الشرع نعم عدم اختصاص الحکم بأهل الشریعة السابقة یحتاج الی دلیل.

تنبیه: و هو أنّ بعد ما عرفت من عدم إحراز إطلاق الأحکام الثابتة فی الشرائع السابقة یقع السؤال عن أنّه هل یمکن اثبات بقاء أحکام الشریعة السابقة من طریق آخر أولا.

ص:484

قال الشیخ الأعظم إنا نفرض الشخص الواحد مدرکا للشریعتین فإذا حرم فی حقه شیء سابقاً و شک فی بقاء حرمة ذلک الشیء فی الشریعة اللاحقه فلامانع عن الاستصحاب اصلا و فرض انقراض جمیع أهل الشریعة السابقة عند تجدد اللاحقه نادر بل غیر واقع و أمّا التسریة من الموجودین إلی المعدومین فیمکن التمسک فیها بالاستصحاب بالتقریب المتقدم أو باجرائه فیمن بقی من الموجودین إلی زمان وجود المعدومین و یتم الحکم فی المعدومین بقیام الضرورة علی اشتراک أهل الزمان الواحد فی الشریعة الواحدة انتهی.

و توجیه ذلک کما حکاه سیّدنا الاستاذ من شیخه المحقّق الیزدی أنّ المعدوم الذی یوجد فی زمان المدرک للشریعتین متیقن بثبوت الحکم فی حق المدرک و شاک فی بقائه فی حقه فیحکم بأدلة الاستصحاب ببقاء ذلک الحکم للشخص المدرک للشریعتین ثمّ یحکم بثبوته لنفسه بواسطة الملازمة الشرعیة.

و بعبارة اخری الحکم الثابت للمدرک بالاستصحاب بمنزلة الموضوع لحکم نفسه فالاستصحاب فی حقه من الأصول الجاریة فی الموضوع و بالجملة فحیث ثبت بالملازمة الشرعیة أنّ من آثار وجود الحکم لشخص وجوده لشخص آخر فالاستصحاب الذی یحکم بثبوت الحکم للمدرک یوجب ترتیب الأثر الشرعی لحکم المدرک و من آثاره الشرعیة وجود الحکم لنفسه إلی أن قال.

و انما المحذور أنّ هذا یجدی لمن کان فی عصر المدرک و لایجدی لغیره ممن یوجد فی أزمنة المتاخرة لأنّ الأثر فی حقه إنّما یترتب علی وجود الحکم المدرک بوسائط عدیدة غیر شرعیة و هی وجوده لمن کان فی عصره ثمّ وجوده لمن کان فی عصر هذا و هکذا و المفروض أنّ وجود الحکم فی حق هولاء لیس من الآثار

ص:485

الشرعیة لیکون الوسائط کلها شرعیة وذلک لانقراض اعصارهم فکیف یمکن التعبد شرعاً بوجود الحکم فی حقهم انتهی.

و لقائل أن یقول إنّ ثبوت الحکم للموجود فی زمن المدرک یحتاج الی إجراء الاستصحاب فی حق المدرک للشریعتین مع الأخذ بقاعدة الإشتراک و الملازمة الشرعیة بین ثبوته للمدرک و ثبوته لغیره هذا بخلاف ثبوته لغیرا لموجود فی زمن المدرک فان ثبوت الحکم له لایحتاج الّا الی قاعدة الاشتراک إذ الأحکام الشرعیة فی الاسلام یکون لجمیع الآحاد فإذا ثبت للموجود فی زمن المدرک للشریعتین أحکام من الشرع السابق تکون تلک الأحکام ثابتة لغیره من الموجودین فی سائر الأعصار و لایحتاج ذلک الی التوسل بوسائط عدیدة بل نفس ثبوتها للموجود فی زمن المدرک یکفی للحکم بثبوتها لمن یوجد فی أزمنة متأخرة فتحصل أنّ الأحکام الثابتة فی الشرع السابق إن لم تقترن بقرینة توجب اختصاصها بالشرع السابق یجری فیها الاستصحاب و تثبت للمدرکین الشریعتین بالاستصحاب و لغیرهم من الوجودین فی زمان المدرکین بالاستصحاب و قاعدة الاشتراک و للموجودین فی ازمنة متأخرة بقاعدة الاشتراک کما لایخفی.

التنبیه العاشر: فی الأصل المثبت و الکلام فیه یقع فی أنّ أدلة اعتبار الاستصحاب هل تختصّ بانشاء حکم مماثل لنفس المستصحب فی استصحاب الأحکام أو لنفس أحکامه فی استصحاب الموضوعات.

أو یعم الآثار الشرعیة المترتبة علی المستصحب ولو بواسطة غیر شرعیة عادیة کانت او عقلیة ذهب الشیخ الأعظم إلی الأوّل بدعوی أنّ معنی عدم نقض الیقین و المضی علیه هو ترتیب آثار الیقین الثابتة بواسطته للمتیقن و وجوب تلک الآثار من

ص:486

جانب الشارع لایعقل إلّا فی الآثار الشرعیة المجعولة من الشارع لذلک الشیء لأنها القابلة للجعل دون غیرها من الآثار العقلیة و العادیة و علیه فالأصل لایثبت أمراً فی الخارج حتی یترتب علیه حکمه الشرعی نعم لو کان مدرک الأصل غیر الأخبار و هو الظن النوعی الحاصل ببقاء ما کان علی ما کان لم یکن إشکال فی أنّ الظن بالملزوم یوجب الظن باللازم و لو کان عادیا إذ لایمکن حصول الظن بعدم اللازم بعد حصول الظن بوجود ملزومه.

و من هنا یعلم أنّه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ لم یکن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة لعدم انفکاک الظن بالملزوم عن الظن باللازم شرعیاً کان أو غیره إلّا أن یقال إنّ الظن الحاصل من الحالة السابقة حجة فی لوازمه الشرعیة دون غیرها لکنه إنّما یتم إذا کان دلیل اعتبار الظن مقتصرا فیه علی ترتب بعض اللوازم دون آخر.

و حاصل کلامه أنّ الوجه فی عدم اعتبار الاستصحاب فی غیر الآثار الشرعیة المجعولة من الشارع بلاواسطة بناء علی کون دلیل الاعتبار هو الأخبار هو الاشکال الثبوتی و الاثباتی و بناء علی کون دلیل الاعتبار هو الظن النوعی هو الاشکال الاثباتی.

یمکن أن یقال: إنّ الاشکال الثبوتی منظور فیه و ذلک لأنّ تنزیل الموضوعات الخارجیة إذا کان ممکنا باعتبار آثارها فالتنزیل فی الوسائط العقلیة و العادیة باعتبار آثارها أیضاً ممکنا و إن لم یکن معقولا باعتبار نفسها و علیه فاللازم أن یجعل الاشکال علی کل تقدیر هو الاشکال الاثباتی لا الثبوتی و إلّا فلامجال لاستصحاب الموضوعات فالتحقیق أن یقال إنّ تنزیل الشیء بلحاظ الآثار الشرعیة

ص:487

الّتی یترتب علیه بواسطة عقلیة او عادیة و إن کان بمکان من الامکان إلّا أنّ دلیل التنزیل قاصر عن اثبات ذلک و لافرق فیه بین أن یکون دلیل الاعتبار هو الأخبار أو الظن النوعی فإنّ النظر فی أدلة الاستصحاب إلی نفس المستصحب أو أثره و لانظر لها إلی غیرهما من الآثار المترتبة علی الوسائط العقلیة و العادیه نعم أثر الشرعی المترتب علی الأثر الشرعی و إن لم یترتب بالاستصحاب إلّا أنّ موضوعه هو الأثر الشرعی إذا ثبت بالاستصحاب یشمله عموم الأدلة الدالة علی الأثر الشرعی المترتب علیه.

تبصرة و لایخفی علیک أنّ مورد البحث فی الأصول المثبة هو ما إذا کان اللازم العقلی أو العادی لازما لبقاء المستصحب فی زمان الشک و ذلک لأنّه لو کان اللازم العقلی أو العادی لازما من حین الیقین السابق کان هو بنفسه مجری للاستصحاب کما یجری الاستصحاب فی ناحیة الملزوم لاشتراکهما فی الیقین السابق و الشک اللاحق فإن کان حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی کان اللازم أیضاً مشمولا لأدلة الاستصحاب بلاحاجة إلی الالتزام بالأصل المثبت.

الابتلاء بالمعارض

و قد عرفت أنّ الدلیل لعدم اعتبار الأصول المثبتة قصور الأدلة و اضیف الیه لزوم التعارض بین استصحاب الملزوم و بین التعبد بعدم اللازم فیتساقطان و یرجع إلی أمر آخر و قد یقال لو کان التعارض صحیحا لزم أن لایترتب آثار نفس الملزوم أیضاً لتعارض الاستصحابین مع ان المعلوم خلافه بالاجماع و مما ذکر یظهر ان الأصل مقدم فی طرف الملزوم و جار للترجیح فلاتعارض أو أنّ مورد المعارضة هو أثر اللازم لا الملزوم فیقدم الأصل فی طرف الملزوم من جهة أنّه لامعارض له فتأمل.

ص:488

الفرق بین الأمارات و الأصول

و قد یسئل ما الفرق بین الأمارات و الأصول فی کون مثبتات الأمارة حجة و مثبتات الأصول لیست بحجة مع اشتراکهما فی ما یقال من قصور الأدلّة و اجیب عنه بوجوه: منها أنّ الطریق أو الأمارة حیث إنّه کما یحکی عن المؤدّی و یشیر إلیه کذا یحکی عن أطرافه من الملزوم و اللوازم و الملازمات و یشیر إلیها کان مقتضی اطلاق دلیل اعتبارها لزوم تصدیقها فی حکایتها و مقتضاه هو حجیة المثبت منها بخلاف مثل دلیل الاستصحاب فإنّه لابدّ من الاقتصار مما فیه من الدلالة علی التعبد بثبوته و لادلالة له إلّا علی التعبد بثبوت المشکوک بلحاظ اثره فلادلالة له علی اعتبار المثبت منه کسائر الأصول التعبدیة إلّا فیما عدّ أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو شدة وضوحها و جلائها.

یمکن أن یقال إنّ الحکایة فرع القصد و المخبر قد لایقصد اللوازم بل قد لایکون ملتفتا إلیها أو یتخیل عدم الملازمة و مع ذلک یقال بحجیة اللوازم و ذلک لأنّ الأدلة تدلّ علی حجیة الخبر و الخبر و الحکایة من العناوین القصدیة فلایکون الإخبار عن الشیء إخباراً عن لازمه إلّا إذا کان اللازم لازما بمعنی الأخص أو کان لازما بالمعنی الأعم مع کون المخبر ملتفتا إلی الملازمة فحینئذٍ یکون الإخبار عن الشیء إخبارا عن لازمه.

و یدفع ذلک بأن وجه حجیة مثبتات الأمارات أن جمیع الأمارات الشرعیة انما هی أمارات عقلائیة أمضاها الشارع و لیس فیها ما تکون حجیتها بتأسیس من الشرع و معلوم أنّ بناء العقلاء علی العمل بها إنّما هو لاجل إثباتها الواقع لاللتعبد بالعمل بها فإذا ثبت الواقع بها تثبت لوازمه و ملزوماته و ملازماته بعین الملاک

ص:489

الّذی لنفسه فکما أنّ العلم بالشیء موجب للعلم بلوازمه و ملزوماته و ملازماته فکذلک الوثوق النوعی به موجب للوثوق بتلک الاُمور و کذا الحال بالنسبة الی احتجاج الموالی للعبید و بالکعس نعم لو حاولنا إثبات حجیة الأمارات بالأدلة النقلیة التعبدیة لما أمکن لنا اثبات حجیة مثبتاتها.

و دعوی احتمال اعتبار القصد فلاوجه لها بعد عدم اعتباره عند العقلاء لا فی بناءاتهم و لا فی احتجاجاتهم و یشهد له أخذهم بلوازم الأقاریر و لو لم یکن المقر متوجها إلیها ألا تری أنّ من لم یرد ذکر مدة عمره فیسئل عنه عدة سؤالات یکشف منها مدة عمره کان مأخوذا بما اجاب و إن لم یقصد اللازم و لیس ذلک الّا لعدم اعتبار القصد فی الحجیة.

فتحصّل: أنّ الفرق بین الأمارات و الأصول فی حجیة المثبتات فی الاُولی دون الثانیة أنّ دلیل حجیة الأمارات إنما یکون مفیدا لحجیتها بما کانت عند العقلاء و لا اشکال فی أنّ طریقه العقلاء استقرت علی العمل بالطرق لجمیع أطرافها هذا بخلاف أدلة اعتبار الأصول فإنها لاتفید إلّا التعبد باقامة المشکوک مقام المتیقن فی ترتیب الآثار أو التعبد ببقاء الیقین الطریقی فی مقام العمل و لایلزم منه صیرورة الاستصحاب أمارة و القدر المتیقن من أدلة اعتبار الاستصحاب هو لزوم ترتیب آثار نفس المتیقن فلایشمل غیرها لکونها قاصرة.

لایقال: سلمنا قصور أدلة اعتبار الاستصحاب عن شمول الآثار المترتبة علی المتیقن بالواسطة لکن یقع الاشکال فی الآثار الشرعیة الّتی تکون وسائطها شرعیة مع أنّه لاکلام بینهم فی وجوب ترتیب تلک الآثار.

لأنّا نقول: إنا سلمنا أن دلیل التنزیل لیس ناظرا إلّا إلی آثار نفس المتیقن لکن نقول بعد ما کان قضیة ادعاء وجود زید فی عالم الشک جعل آثاره المترتبة علی

ص:490

وجوده الواقعی یکون جعل تلک الآثار مماثلا للواقع من جمیع الجهات أنسب و أحری بتصحیح الادعاء و لایشکل حینئذٍ بأنّ لازم ذلک ترتیب الآثار العقلیة أو العادیة و ما یترتب علیهما أیضاً و ذلک لأنّ جعل تلک الآثار لیس بید الشارع کی یکون أنسب بمقام ادعائه فیختص الجعل بما کان بید الشارع وضعا و رفعاً.

هذا مضافاً إلی إمکان أن یقال إنّ مع ثبوت الموضوع و هو الأثر الشرعی بالاستصحاب یشمله عموم أدّلة الأثر الشرعی المترتب علیه و المقصود أنّ الاستصحاب لایقتضی إلّا أنّ فی محیط القانون و محدودة الشرع المتیقن السابق باقٍ و موجود فی زمان الشک تعبداً و بنفس التعبد بوجوده لامحاله یعمه الدلیل الدال علی ترتب الحکم علیه و ثبوت آثاره الشرعیة إنما هو بدلالة أدلّة تلک الآثار لابنفس الاستصحاب نعم ببرکة الاستصحاب یحرز تطبیق الأدلة علیه و علیه فالأثر الشرعی المترتب علی الأثر الشرعی بعد ثبوت موضوعه و هو الأثر الشرعی بالاستصحاب ثابت بالأدلة المتکفلة لترتب ذلک الأثر الشرعی علیه.

بقی اشکال و هو أنّ ما ذکر من حجیة الأمارات بالنسبة إلی لوازمها و ملزوماتها لایجری فی اعتبار مطلق الأمارة هذا مضافاً إلی أنّ اعتبار بعض الامارات کان تأسیسا من الشارع فاللازم فیه هو الاقتصار علی مورده کالظن بالقبلة لمن لایتمکن من العلم بها فإنّه معتبر ولکن لو کان ذلک الظن موجبا للظن بالوقت فلیس بحجة و سوق المسلمین أمارة علی التزکیة ولکن لایکون أمارة علی کونه مأکول اللحم و بالجملة فما هو المعروف فی الألسنة من اعتبار الأمارة بالاضافة إلی أطرافها أیضاً لا أساس له بل لابدّ من ملاحظة الدلیل الدال علی اعتبار الامارة من أنّ مقتضاه الاطلاق او الاختصاص.

ص:491

و فیه أوّلا أنّ الکلام فی الامارات العقلائیة و إنکار حجیة اللوازم فیها کما تری و یشهد له احتجاجهم بلوازم الاقادیر و إن لم یکن مع القصد و الالتفات و ثانیاً أنّ سوق المسلمین کما کانت أمارة علی التزکیة کانت أمارة علی کونه من مأکول اللحم فیما إذا کان البیع و الشراء مبنیین علی کونه من مأکول اللحم.

فتحصّل: أنّ لوازم الأمارات العقلائیة و أطرافها حجة و إن لم تکن مقصودة للمخبر و لذا اکتفی بالاقرار فی ثبوت اللوازم مع أنّ المقرّ قد لایکون ملتفتا إلیها و هکذا یکون دلالة الاقتضاء حجة مع أنها مقتضی الجمع بین الأدلّة کدلالة قوله تعالی:(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) .

بانضمام قوله جلّ و علا (وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ کامِلَیْنِ) علی أنّ أقل الحمل هو ستة أشهر هذا بخلاف لوازم الأصول فإنها لیست بحجة لعدم کونها مندرجة فی الآثار المأمور بترتبها فی الاستصحاب لظهور الآثار المذکورة فی الآثار المترتبة علی نفس المتیقن و أمّا غیرها فهی خارجة عنها تخصّصاً نعم الأثر الشرعی الثابت بالاستصحاب لو کان له أثر شرعی آخر ثبت له بعموم أدلة ذلک الأثر الشرعی بعد ثبوت موضوعه بالاستصحاب.

موارد الاستثناء

استثنی من عدم حجیة الأصول المثبتة موارد:

منها: خفاء الواسطة و هو ما اذا کانت الواسطة خفیة بحیث یعدّ فی العرف الأحکام الشرعیة المترتبة علیها أحکاما لنفس المستصحب و ذی الواسطة و هذا المعنی یختلف وضوحا و خفاء باختلاف مراتب خفاء الواسطة عن انظار العرف و من جملتها ما اذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقین مع جفاف الاخر فانه

ص:492

لایبعد الحکم بنجاسته مع ان تنجسه عند العقل لیس من أحکام ملاقاته للنجس رطبا بل من أحکام سرایة رطوبة النجاسة الیه و تأثره بها بحیث یوجد فی الثوب رطوبة متنجسة فاستصحاب رطوبة النجس لایثبت تأثر الثوب بالدقة العقلیة إلّا ان العرف حیث لایری الواسطة من جهة خفائها جعل النجاسة اثرا لملاقاة الطاهر للنجس رطبا قال فی الدرر ان العرف لایری ترتب الحکم الشرعی علی تلک الواسطة بل یراه مرتبا علی نفس المستصحب و خطاب لاتنقض الیقین بالشک کسایر الخطابات تعلّق بالعنوان باعتبار مصادیقه العرفیة لا الواقعیة العقلیة فما یتوهم من ان المسامحة العرفیة بعد العلم بخطائهم لایجوز الاعتماد علیها و ان المقام من هذا القبیل ناشٍ عن عدم التأمل فان المدعی ان مورد الحکم بحسب الدقة هو المصادیق العرفیة نعم لو ترتب حکم علی عنوان باعتبار ما هو مصداقه بحسب الواقع لایجوز الاعتماد علی ما یراه العرف مصداقاً له.

و دعوی انه لا اثر لخفاء الواسطة لانه ان کان الأثر لذی الواسطة بحسب ما ارتکز عند العرف فهذا لایرجع فی الحقیقة الی التفصیل و ان کان أثراً للواسطة فی الحقیقة و العرف یعدّه من آثار ذی الواسطة تسامحا فلاعبرة به لان نظر العرف انما یکون متبعاً فی المفاهیم لا فی تطبیقها علی المصادیق.

مندفعة بان الاثر للواسطة فی الحقیقة ولکن العرف لایتوجه الی الواسطة و ان الأثر لها بل یعتقد ان الأثر لذی الواسطة.

هذا مضافاً الی ان نظر العرف فی حدود المفاهیم و تطبیقها مورد الاعتبار شرعاً و لاوجه للتفکیک بینهما لان الملاک فیهما واحد و هو ان العرف لو لم یتنبّه له لایتوجه الیه بنظره العرفی.

ص:493

و مسامحات اهل العرف علی النحوین أحدهما: ما یتوجه الیه نفسه و انما یتسامح من جهة عدم الاعتناء بالموضوع و هذا مما لایتوجه الیه و یضرب علی الجدار.

و ثانیهما: ما لایتوجه الیه بنظره العرفی اصلا و لاشبهة ان هذه المسامحة معتنی بها فی الأحکام و من ذلک تری الفقهاء یحکمون بطهارة لون الدم مع انه دم فی الحقیقة لاستحالة انتقال العرض و انفکاکه عن المعروض و لا اشکال فی اعتبار العرف فی هذه الموارد و لو فرض ان الشارع اراد الحکم علی وفق الدقة العقلیة للزم علیه التنبیه بما یلتفت الیه أهل العرف و حیث لم ینبّه علی ذلک علم ان الاعتبار بالنظر العرفی فی تطبیق المفاهیم کما ان الأمر کذلک فی نفس المفاهیم.

فتحصل قوة القول بجریان الاستصحاب فیما اذا کان الاثر بحکم العقل للواسطة ولکن العرف یجعله اثرا لذی الواسطة بالدقة العرفیة.

و المناقشة فی مثال استصحاب رطوبة النجس لاثبات تنجس ملاقیة بان العرف هو الذی یستفید من الادلة الشرعیة ان التنجس لایکون الا لاجل سرایة النجاسة الی الملاقی فملاقاة الثوب للرطب لایکون موضوعاً للحکم بالغسل عند العرف بل الموضوع هو الثوب المتأثر عن النجاسة الرطبة و استصحاب الرطوبة لایثبت هذا العنوان لان الواسطة الخفیة ما تکون عقلیة لایراها العرف کما ان استصحاب عدم الحاجب للحکم بتحقق عنوان الغسل مثبت لان الواسطة عرفیة لاعقلیة یمکن دفعها بان المستفاد من اکثر الادلة ان مجرد ملاقاة الطاهر مع النجس الرطب موضوع للنجاسة و علیه فالعرف لایری ترتب الحکم الشرعی بالنجاسة علی تلک الواسطة

ص:494

بل یراه مرتبا علی نفس المستصحب و لاحاجة الی اثبات ما حکم به العقل حتی یقال ان استصحاب الرطوبة لایثبت ذلک.

و مقتضی الرفع المذکور ان الخفاء الحاصل من الادلة کالخفاء الواقعی العقلی فی انه لیس الموضوع للاستصحاب الّا ما یعرفه العرف و لو بحسب الادلة فتدبر.

و من جملتها أصالة عدم دخول هلال شوال فی یوم الشک المثبت لکون غده یوم العید فیترتب علیه احکام العید من الصلاة و الغسل و غیرهما فان مجرد عدم الهلال فی یوم لایثبت آخریته و لا أوّلیته غده للشهر اللاحق لکن العرف لایفهمون من وجوب ترتیب آثار عدم انقضاء رمضان و عدم دخول شوال الا ترتیب احکام آخریة ذلک الیوم لشهر و أولیة غده لشهر آخر فالاول عندهم ما لم یسبق بمثله و الآخر ما اتصل بزمان حکم بکونه أول الشهر الآخر و کیف کان فالمعیار خفاء توسط الامر العادی و العقلی بحیث یعدّ آثاره آثار النفس المستصحب.

و المناقشة فیه بانه اذا بنینا علی ان عنوان الاولیة مرکب من جزئین احدهما وجودی و هو کون هذا الیوم من شوال و ثانیهما عدمی و هو عدم مضی یوم آخر منه قبله ثبت بالاستصحاب المذکور کون الیوم المشکوک فیه اول شوال لان الجزء الاول محرز بالوجدان و الجزء الثانی یحرز بالاصل فبضمیمة الوجدان الی الأصل یتمّ المطلوب.

و اما اذا بنینا علی ان عنوان الأوّلیة امر بسیط منتزع من وجود یوم من الشهر غیر مسبوق بیوم اخر من الوجود و العدم السابق لم یمکن اثبات هذا العنوان البسیط بالاستصحاب المذکور الّا علی القول بالاصل المثبت فان الأوّلیة بهذا المعنی لازم عقلی للمستصحب و غیر مسبوق بالیقین نعم حیث ان التحقیق بساطة معنی الاولیة بشهادة العرف لایمکن اثباتها بالاستصحاب المزبور.

ص:495

یمکن دفعها بان العرف لایفهم من وجوب ترتیب آثار عدم انقضاء رمضان و عدم دخول شوال إلّا ترتیب أحکام آخریة ذلک الیوم لشهر و أوّلیة غده لشهر آخر فرأی آثار آخریة ذلک الیوم لشهر آثار عدم انقضاء رمضان و عدم دخول شوال و آثار أوّلیة غده لشهر آخر آثار عدم دخول شوال و لافرق فیه بین ان یکون الأوّلیة مرکبة او البسیطة.

فتحصل ان ما ذهب الیه الشیخ و صاحب الکفایة من استثناء الواسطة الخفیة صحیح کبری و صغری و ان لم تکن الصغری خالیة عن بعض المناقشات.

ومنها: جلاء الواسطة و هو ان یکون وضوح الواسطة بحیث یورث الملازمة بین ذی الواسطة و نفسها فی مقام التنزیل عرفاً فدلیل تنزیل أحدهما یکون دلیل تنزیل الآخر کالمتضائفین مثل أبوّة زید لعمرو وبنوّة عمرو لزید لعدم التفکیک بینهما فی التنزیل کما لاتفکیک بینهما فی الواقع بل عدم ترتیب مثل هذا الاثر علیه یکون نقضا لیقینه بالشک أیضاً بحسب ما یفهم من النهی عن نقضه عرفاً.

أورد علیه بان المذکور صحیح من ناحیة الکبری الا ان الاشکال من جهة الصغری لعدم ثبوت هذه الملازمة فی التعبد فی مورد من الموارد و ما ذکر من المتضائفات من الملازمة فی التعبد مسلم الا انه خارج عن محل الکلام اذ الکلام فیما اذا کان الملزوم فقط مورداً للتعبد و متعلّقاً للیقین و الشک و المتضائفان کلاهما مورد للتعبد الاستصحابی فیجری الاستصحاب فی نفس اللازم بلا احتیاج الی القول بالاصل المثبت هذا مضافاً الی امکان منع الملازمة التعبدیة بین المتضائفین و ان کان التلازم بینهما بحسب الوجود الواقعی لأنّ مجرد شدة التلازم بین الشیئین فی مرحلة الواقع لایوجب عدم انفکاک احدهما عن الاخر فی عالم التنزیل الظاهری.

ص:496

کما انه قد یراد عرفاً من تنزیل البنوّة لشخص خصوص الآثار المترتبة علی البنوّة لا الآثار المترتبة علی الابوّة و قد یراد العکس و قد یراد تنزیل نفس الاضافة الموجب لترتیب کلا المتضائفین.

علی أن ذلک یستلزم المعارضة لو کانت الحالة السابقة فی کل منهما مختلفة بان کان احدهما مسبوقا بالوجود و الاخر مسبوقا بالعدم فیشکل الامر من جهة انه کما یمکن ان یقال ان تنزیل وجود أحدهما المسبوق بالوجود ملازم لتنزیل الاخر فکذلک یمکن العکس بان یقال تنزیل عدم الاخر أیضاً ملازم لتنزیل عدم ملازمه.

مثلاً اذا فرض انه متیقن بوجود بعض اجزاء العلة ثمّ شک فی بقائه و علم مقارناً للشک المذکور بوجود سایر اجزاء العلة فانه یستصحب بقاء ذلک البعض اذا ترتب علیه اثر شرعی و لایترتب علیه آثار وجود المعلول بدعوی الملازمة بین تنزیل العلة و تنزیل المعلول لانه کما یمکن ان یقال ان تنزنیل وجود العلة یستلزم تنزیل وجود المعلول فیترتب علیه اثره کذلک یمکن العکس بان یقال تنزیل عدم المعلول و استصحابه یستلزم تنزیل عدم العلة فیترتب علیه اثره و لیس اثر المعلول الاثر الشرعی للعلة کی یکون استصحابها حاکما علی الاصل الجاری فی المعلول.

و یمکن ان یقال انه لیس المدعی هو عدم التفکیک فی التعبد و التنزیل فی جمیع موارد المتضائفین حتی یمنع ذلک بل المدعی ان فی کل مورد ثبت عدم التفکیک بین التعبد فی المستصحب و بین التعبد فی لازمه یشمله حدیث لاتنقض و یمنع عن التفکیک لانه نقض للیقین بالشک.

و هذا مضافاً الی أن تعارض الاستصحاب فیما اذا کان احد الاستصحابین مسبوقا بالوجود و الآخر مسبوقا بالعدم و سقوطهما فیه لایوجب الاشکال بالنسبة

ص:497

الی ما لم یکن الاستصحابان متعارضین کما ان التعارض فی بعض موارد الاستصحاب لایمنع عن حجیة الاستصحاب مطلقاً.

التنبیه الحادی عشر: فی دفع توهم المبتیة عن بعض موارد الاستصحاب و الظّاهر من الکفایة انه لاتفاوت فی الاثر المترتب علی المستصحب بین ان یکون الاثر مترتبا علی المستصحب بلاوساطة شیء او بواسطة عنوان کلی ینطبق علیه بالحمل الشایع و یتحد معه وجوداً کان ذلک العنوان منتزعا عن مرتبة ذاته کالعناوین الّتی تکون بالنسبة الی مصادیقها من قبیل الذات و الذاتیات او کان منتزعا عن ذاته بملاحظة بعض عوارضه مما هو الخارج المحمول کالوکالة و الولایة و نحوهما مما لیس فی الخارج إلّا منشأ انتزاعها و هو عین المستصحب من دون حاجة الی الواسطة و علیه فالاستصحاب فی الصورتین لیس بمثبت فان الاثر فیهما انما یکون للمستصحب حقیقة حیث لایکون بحذاء ذلک الکلی فی الخارج سواه لان الطبیعی انما یوجد بعین وجود فرده کما ان العرضی کالملکیة و نحوها لاوجود له الّا بمعنی وجود منشأ انتزاعه فالفرد أو منشأ الانتزاع فی الخارج هو عین ما رتب علیه الاثر لاشیء آخر فاستصحابه لترتب اثره لایکون بمثبت کما لایخفی.

هذا بخلاف المحمول بالضمیمة کالسواد او البیاض حیث کان ذلک مع الضمیمة و هی السواد او البیاض کان الاستصحاب فیه مثبتا و قد یجاب عنه بان العنوان الملحق بالکلی الطبیعی ان کان هو العنوان الوصفی الاشتقاقی بلحاظ قیام مبدئه بالذات فلافرق بین العنوان الذی کان مبدئه قائما بقیام انتزاعی او بقیام انضمامی اذ کما ان الفوق عنوان متحد مع وجود السقف فکذلک عنوان الابیض او الاسود متحد مع الجسم فیصح استصحاب العنوان الموجود فی الخارج بوجود معنونه و ترتیب

ص:498

الاثر المترتب علی العنوان الکلی و علیه فلامقابلة بین الخارج المحمول و المحمول بالضمیمة من هذه الحیثیة و ان کان المراد نفس المبدأ القائم بالذات تارة بقیام انتزاعی و اخری بقیام انضمامی فلتوهم الفرق مجال نظرا الی ان وجود الامر الانتزاعی بوجود منشئه بخلاف الضمیمة المتأصله فی الوجود فانها مبائنة فی الوجود مع ما تقوم به فاستصحاب ذات منشأ الانتزاع و ترتیب اثر الموجود بوجوده کترتیب اثر الطبیعی علی فرده المستصحب بخلاف ذات الجسم و ترتیب اثر البیاض فانهما متبائنان فی الوجود.

و لایخفی علیک ان ظاهر هذا الجواب ان التقابل بین الخارج المحمول و المحمول بالضمیمة صحیح فی الصورة الثانیة.

و الاولی هو انکار التقابل مطلقاً سواء کان المراد منهما نفس المبدأ او العنوان الاشتقاقی فان التفرقة لو کان فی الاثر المترتب علی المبدأ فلافرق فیه بین الخارج المحمول و المحمول بالضمیمة.

فانه کما یکون السواد مغایراً خارجا مع وجود محله فکذلک مثل الوکالة أیضاً بالنسبة الی منشأ انتزاعها.

و لو کانت التفرقة فی الاثر المترتب علی نفس المحمول فلافرق أیضاً بینهما لاتحاد المحمول مع مورده فی الحالین فلاوجه للتفصیل بین المحمولین لا فی الأثر المترتب علیهما و لا فی الاثر المترتب علی مبدئهما نعم لامجال للاستصحاب ان ارید من المستصحب هو الفرد بحیثیة الفردیة و الخصوصیة لا العنوان المنطبق علیه للمغایرة بینهما فی عالم الاعتبار و تقدیر موضوعیة الموضوع لان حیثیة الفردیة غیر حیثیة الجامع الّتی باعتبارها تعلّق الاثر فلاتغفل.

ص:499

التنبیه الثانی عشر: فی انه لافرق بین المجعولیة الاستقلالیة و بین المجعولیة التبعیة فی جریان الاستصحاب فاذا کان المستصحب مجعولا باحدی الجعلین جاز الاستصحاب و حاصل الکلام انه یکفی المجعولیة و لو کانت بالتبعیة فی جریان الاستصحاب لان کلیهما مما تناله ید الجعل شرعاً و یکون امرهما بید الشارع وضعا و رفعاً و لو بوضع منشأ انتزاعه و رفعه فالتفرقة فی جریان الاستصحاب بین المجعولیة الاستقلالیة و بین المجعولیة التبعیة لاوجه لها بعد کونهما مشترکین فی أصل المجعولیة.

قال فی الکفایة فلیس استصحاب الشرط او المانع لترتیب الشرطیة او المانعیة بمثبت کما ربّما توهم بتخیل ان الشرطیة او المانعیة لیست من الاثار الشرعیة بل من الامور الانتزاعیة انتهی.

و علیه فاستصحاب الشرط کالطهارة او المانع کالنجاسة الخبیثة لترتیب آثار الشرطیة او المانعیة من جواز الدخول فی الصلاة مثلاً أو عدم جواز الدخول فیها لیس بمثبت اذ الواسطة و هی الشرطیة او المانعیة مجعولة بجعل تبعی.

و الآثار المترتبة علی الشرطیة او المانعیة آثار لمجعول شرعی تبعی

و قد یقال ان الشرط او المانع للمأمور به لیس دخیلا فی الحکم وجوداً او عدماً بل الدخیل هو التقید بوجوده او بعدمه لما قرر فی محله ان فی مثل القیود للمأمور به یکون القید خارجا و التقید داخلا.

نعم اذا کان الشرط شرطاً للتکلیف فلایخلو اما ان یکون مثل المجییء و الزوال فی قوله اذا جاءک زید فاکرمه و اذا زالت الشمس وجب الصلاة و لا اشکال فی صحة جریان الاستصحاب فیه لاثبات الوجوب.

ص:500

و اذا کان الشرط شرطاً لنفس الانشاء من جهة انه فعل من افعال المنشیء فاستصحاب هذا الشرط لاینتج لاثر ثبوت الانشاء لانه عقلی.

و فیه ان انکار الاستصحاب فی ناحیة الشرط او المانع للمأمور به مع ان مورد بعض أخبار الاستصحاب هو ذلک کما تری و علیه یجری الاستصحاب فی ناحیة الشرط سواء کان شرطاً للمأمور به أم شرطاً للتکلیف نعم لو کان الشرط شرطاً لنفس الانشاء من جهة انه فعل من افعال المنشیء فلایجری فیه الاستصحاب لانه من الامور العقلیة لا الشرعیة.

التنبیه الثالث عشر: فی استصحاب الاعدام

و قد یشکل الاستصحاب فی الاعدام من نواح مختلفة أحدها: ان استصحاب عدم التکلیف بناء علی عدم مجعولیة العدم لیس له اثر شرعی فان اطلاق العنان من الآثار المترتبة العقلیة علی عدم التکلیف و علیه فجریان الاستصحاب فی عدم التکلیف یحتاج الی وساطة لشیء آخر حتی یترتب علیه اثر شرعی و هو لیس الّا اصلا مثبتا.

و فیه ان اللازم هو ان یکون المستصحب مما یترتب علی التعبد به اثر شرعاً فکونه مطلق العنان و ان کان اثرا عقلیا للیقین بالعدم الا انه اذا استصحب الیقین فی حال الشک یترتب علیه کون المکلف مطلق العنان شرعاً و هو اثر شرعی بقاء و ان کان فی حال عدم التکلیف فی الازل اثرا عقلیا للیقین بعدم التکلیف و لا دلیل علی لزوم جعل المماثل للمستصحب او جعل المماثل للأثر الشرعی للمستصحب حتی یستلزم عدم جریان الاستصحاب فی الاعدام الازلیة اذ قوله لاتنقض الیقین بالشک لایدل الّا علی اعتبار بقاء الیقین فی عالم التشریع و اعتبار ذلک لایکون الّا فیما اذا

ص:501

کان له اثر یکون تحت ید الشارع بقاء و حیث ان الاثر لایلزم ان یکون أمراً وجودیا و لا اثراً عملیا یجوز ان یترتب علیه عدم لزوم العمل المساوق لکون المکلف مطلق العنان.

وثانیها: ان العدم غیر مجعول و ذلک لان الحکم بعدم الوجوب او عدم الحرمة لیس من باب الانشاء بل هو من باب الاخبار حقیقة و علیه فلامجال لاستصحاب عدم الوجوب او عدم الحرمة لاختصاصه بالمجعول الشرعی و المفروض ان العدم غیر مجعول.

واجیب عنه بوجهین:

الأوّل: ان انشاء عدم الوجوب او عدم الحرمة اظهاراً لبقاء عدمهما علی حاله ممکن لان الانشاء خفیف المؤونة و قصد ثبوت مفهوم عدم الوجوب بقوله لایجب انشاءاً امر معقول و الانشاء قد یکون بداعی الایجاد و تارة اخری یکون بداعی نحو الکشف و الاظهار کالانشاء بداعی الارشاد و رشد العبد و خیره.

الثانی: ابقاء العدم علی حاله بعدم جعل الداعی نحو ایجاده یکون عن اختیار فان عدم الفعل تارة فی حال الغفلة او فی حال عدم القدرة فالفعل فی مثل هذه الاحوال غیر اختیاری و الترک یکون علی طبع الفعل غیر اختیاری.

و اخری فی حال الالتفات و القدرة علی الفعل فابقاء العدم حینئذٍ یکون بعدم اعمال القدرة فی ایجاده عن شعور و التفات و الفعل حینئذٍ حیث انه مقدور فلامحاله یکون الترک مقدورا و مستنداً الیه و لاحاجة الی صدق الحکم و لا الی صدق الجعل المساوق للایجاد بل مجرد الاستناد الی الشارع یکفی فی جریان

ص:502

الاستصحاب و الابقاء لایختص بطرف الوجود بل المراد به استمرار کل مفروض علی حاله فی حاله اخری.

ثالثها: أنّ عدم استحقاق العقاب مترتب علی عدم الوصول و من المعلوم ان عدم الوصول متحقق بنفس الشک فی الوصول و علیه فلاحاجة الی التعبد بعدم التکلیف بالاستصحاب ظاهرا لتحقیق عدم الوصول.

وفیه ان استحقاق العقاب منوط بوصول التکلیف و مخالفته و ینتفی ذلک بانتفاء کل جزء من الاجزاء الثلاثة وجداناً او تعبداً و قاعدة قبح العقاب بلا بیان مختصة بحیثیة عدم الوصول و عدم قیام الحجة و البیان و اما عدم التکلیف بنفسه او عدم المخالفة مثلاً فلاربط لهما بقاعدة قبح العقاب بلا بیان و عدم الاستحقاق من جهتهما لادخل له بعدم الاستحقاق من جهة عدم البیان و کما انه مع وصول التکلیف الواقعی حقیقة او عنواناً لامجال للقاعدة فکذلک مع وصول عدمه حقیقة أو عنواناً لامجال للقاعدة فعدم الاستحقاق المرتب علی استصحاب عدم التکلیف لادخل له بعدم الاستحقاق من حیث عدم الوصول حتی یقال ان عدمه وجدانی بل هو من حیث عدم التکلیف بنفسه و مع ایصال عدمه عنواناً تعبداً لاتکلیف یشک فی ثبوته لیکون لوصوله و عدم وصوله مجال فلیس مفاد القاعدة مترتبا علی استصحاب عدم التکلیف لیقال بان موضوعه ثابت لاحاجة الی التعبد به لان عدم الوصول متحقق بنفس الشک فی الوصول و الظّاهر ان الاشکال ناشٍ من الخلط بین عدم الاستحقاق من ناحیة عدم التکلیف او عدم المخالفة و بین عدم الاستحقاق من ناحیة عدم الوصول.

التنبیه الرابع عشر: ان ما عرفت من عدم ترتب الاثر الغیر الشرعی و لا الشرعی بواسطة غیر الشرعی من العادی او العقلی بالاستصحاب یختص بالاثار المختصة

ص:503

بالحکم الواقعی کالإجزاء و اسقاط المأمور به الواقعی بالاتیان به و اما اذا کان الاثر مترتبا علی المستصحب مطلقاً سواء کان واقعیا او ظاهریا فلامانع من ترتبه علی المستصحب لان المفروض انه اثر لمطلق الحکم و هو اعم من الواقعی و الظاهری و الاستصحاب محقق للموضوع ظاهرا.

و علیه فلایرد علی المختار فی الأصول المثبتة من عدم ترتب الاثر العادی او العقلی فیها ان ذلک یوجب عدم اعتبار الاستصحاب مطلقاً موضوعیاً کان او حکمیا لعدم انفکاک الاستصحاب عن اثر عقلی کنفی الاضداد فی استصحاب الاحکام کالوجوب الموجب لحرمة الضد أو کوجوب الاطاعة و حرمة المخالفة مما للوجوب عقلاً یترتب علی الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه او استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة و حرمة المخالفة و استحقاق العقوبة الی غیر ذلک کما یترتب علی الثابت بغیر الاستصحاب.

التنبیه الخامس عشر: انه قد تقدم فی جریان الاستصحاب کفایة کون المستصحب حکماً شرعیاً او ذا حکم شرعی و لو بقاء و مقتضی ذلک صحة استصحاب العدم الازلی للتکلیف فان جرّ العدم الازلی الی زمان الشک بید الشارع فیصح له ان یجرّه تشریعا فانه و ان لم یکن بحکم مجعول فی الازل و لا ذا حکم شرعی.

الا انه حکم مجعول فیما لایزال حیث ان نفیه کثبوته فی الحال مجعول شرعاً و کذا استصحاب موضوع لم یکن له حکم ثبوتا او کان و لم یکن حکم فعلیا و له حکم کذلک بقاء و الوجه فی ذلک عموم النهی عن نقض الیقین بالشک و صدق نقض الیقین بالشک علی رفع الید عنه و العمل کما اذا قطع بارتفاعه یقیناً.

ص:504

التنبیه السادس عشر: انه لااشکال و لاکلام فی جریان الاستصحاب و حرمة نقض الیقین بالشک فیما اذا کان الشک فی اصل تحقق حکم او موضوع ذی حکم او کان الشک فی ارتفاع حکم او موضوع ذی حکم بعد العلم بتحققه.

و اما اذا کان الشک فی تقدمه و تأخره بعد العلم بتحققه او کان الشک فی تقدم الارتفاع و تأخره بعد العلم باصله.

فالکلام فیه یقع تارة فیما اذا لوحظ التأخر و التقدم بالنسبة الی اجزاء الزمان و اخری بالنسبة الی حادث اخر فهنا مقامان:

أحدهما: انه لااشکال فی جریان استصحاب العدم الی زمان العلم بالتحقق فیترتب علیه آثار العدم الی زمان العلم بالتحقق.

مثلاً اذا علمنا بوجود زید یوم الجمعة و شککنا فی حدوثه یوم الخمیس او یوم الجمعة فیجری استصحاب العدم الی یوم الجمعة و تترتب علیه آثار العدم الی الیوم الجمعة لکن لایثبت بهذا الاستصحاب آثار تأخر وجوده عن یوم الخمیس ان کان لعنوان تأخره عنه اثر فان التاخر لازم عقلی لعدم حدوثه یوم الخمیس فاثباته بالاستصحاب یتوقف علی الاصل المثبت.

و کذا لو ترتب علی حدوثه فی یوم الجمعة اثر لایثبت ذلک بالاستصحاب بناء علی ان الحدوث بسیط و هو اول الوجود کما هو الحق و اما بنآء علی ان الحدوث مرکب من الوجود فی الزمان اللاحق کالجمعة و عدم الوجود فی السابق کالخمیس جری استصحاب عدم الوجود یوم الخمیس و ذلک لکون احد الجزئین محرز بالوجدان و هو الوجود فی یوم الجمعة و الجزء الاخر و هو عدم الوجود یوم الخمیس محرز بالتعبد.

ص:505

وثانیهما: و هو ما اذا کان الشک فی تقدم احد الحادثین علی الاخر و هو یتصور بصورثمان حیث ان الحادثین اما ان یکونا مجهولی التاریخ او یکون تاریخ احدهما معلوماً و علی کلا التقدیرین اما ان یکون الاثر مترتبا علی الوجود الخاص من السبق و اللحوق او ان یکون الاثر مترتبا علی العدم و علی التقادیر الاربعة اما ان یکون الاثر مترتبا علی الوجود و العدم بمفاد کان و لیس التامّین او بمفاد کان و لیس الناقصین.

ویقع الکلام أوّلا فی مجهولی التاریخ فنقول

1 - اذا کان الاثر للوجود بمفاد کان التامة المعبّر عنه بالوجود المحمولی کما اذا فرض ان الارث مترتب علی سبق موت المورث علی موت الوارث فلامانع من التمسک باصالة عدم التقدم فیحکم بعدم الارث و هذا واضح فیما اذا کان الاثر لسبق احد الحادثین علی الاخر کما اذا کان لأحد الاخرین ولد دون الآخر فان تقدم موت ذی الولد علی موت الآخر لایترتب علیه الأثر و هو الارث لأنه یرثه ولده بخلاف العکس.

و کذا الامر فیما اذا کان الاثر لسبق کل منهما علی الاخر فیجری فی کل منهما اصالة عدم السبق أیضاً و لامعارضة بین الاصلین لاحتمال التقارن نعم لو کان الاثر لسبق کل منهما علی الاخر فی مجهولی التاریخ و کان لنا علم اجمالی لسبق احدهما علی الاخر یتعارض استصحاب العدم فی کل واحد مع استصحاب العدم فی طرف آخر و جریان الاصل فیهما موجب للمخالفة القطعیة و فی احدهما ترجیح بلامرجح.

و هکذا لامعارضة لو کان الاثر لسبق احدهما علی الاخر و کان لتاخیره عن الاخر أیضاً اثر لان الاستصحاب کان جاریا فی عدم السبق و التأخیر و لامعارضة

ص:506

بینهما مع احتمال التقارن الا فی صورة العلم الاجمالی بسبق احدهما علی الاخر فیتعارض استصحاب عدم السبق باستصحاب عدم التأخر کما اشرنا الیه.

فتحصّل: ان استصحاب العدم یجری فی جمیع موارد مجهولی التاریخ من دون تعارض فیما اذا کان الاثر الموجود بمفاد کان التامة عدا مورد قیام العلم الاجمالی.

2 - و اذا کان الاثر للوجود بمفاد کان الناقصة المعبّر عنه بالوجود النعتی کما اذا فرض ان الارث مترتب علی کون موت المورث متصفا بالتقدم علی موت الوارث فقد ذهب صاحب الکفایة الی انه لامورد هیهنا للاستصحاب لعدم الحالة السابقة فانه لم یکن لنا علم باتصاف احدهما بالسبق علی الاخر و لا بعدم اتصافه به حتی یکون مورد الاستصحاب.

و فیه ان الاصل هو عدم اتصاف هذا الحادث بالتقدم علی الحادث الاخر لانه لم یتصف بالتقدم حین لم یکن موجوداً فالآن کما کان و لایعتبر فی استصحاب عدم الاتصاف بالتقدم علی الحادث الاخر وجوده فی زمان مع عدم الاتصاف به بل یکفی عدم اتصافه به حین لم یکن موجوداً فان اتصافه به یحتاج الی وجوده و اما عدم اتصافه به فلایحتاج الی وجوده بل یکفیه عدم وجوده فان ثبوت شیء بشیءٍ و ان کان فرع ثبوت المثبت له الا ان نفی شیء عن شیء لایحتاج الی وجود المنفی عنه و هذا معنی قولهم ان القضیة السالبة لاتحتاج الی وجود الموضوع.

و علیه فیجری استصحاب العدم فی هذا القسم أیضاً و لامعارضة إلّا مع العلم الاجمالی بالتقریب الذی اشرنا الیه فی القسم الاول و هو ما اذا کان الاثر للوجود بمفاد کان التامة.

3 - إن کان الاثر للعدم النعتی فلایجری فیه الاستصحاب علی مسلک صاحب الکفایة لعدم الیقین بوجود هذا الحادث متصفا بالعدم النعتی فی زمان حدوث الآخر.

ص:507

و من المعلوم ان القضیة اذا کانت معدولة فلابدّ فیها من فرض وجود الموضوع بخلاف القضیة السالبة لان مفاد القضیة السالبة سلب الربط فلایحتاج الی وجود الموضوع و اما معدولة المحمول فبما أنّ مفاده ربط السلب لزم فیه وجود الموضوع لامحالة.

وفیه: ان الانصاف انه لامانع من جریان الاستصحاب فی هذا القسم أیضاً فانه و ان لم یمکن ترتیب آثار الاتصاف بعدم وصف باستصحاب عدم ذلک الوصف لانه لایثبت به العدم المأخوذ نعتا إلّا انه یمکن ترتیب آثار عدم الاتصاف بذلک الوصف باجراء الاستصحاب فی عدم الاتصاف و لایعتبر فی استصحاب عدم اتصافه بالتقدم وجوده فی زمان مع عدم الاتصاف کما عرفت فی القسم الثانی فحال القسم الثالث حال القسم الثانی فی جریان الاستصحاب.

4 - و ان کان الاثر لعدم کل واحد منهما فی زمان الاخر بنحو مفاد لیس التامة المعبر عنه بالعدم المحمولی فلااستصحاب اما للجریان و المعارضة و اما لقصور الادلة و عدم شمولها لهذا المورد.

نعم فیما اذا کان الاثر لعدم أحدهما فی زمان الاخر کان للبحث اثر عملی فانه یجری الاستصحاب فی طرف ماله اثر لعدم المعارض کما لایخفی.

و الحاصل ان فی الصورة الرابعة ان کان الاثر لعدم کل واحد منهما فی زمان الاخر بنحو مفاد لیس التامة فلااستصحاب اما للجریان و المعارضة و اما لقصور ادلة الاستصحاب و عدم شمولها لهذا المورد و ان کان الاثر لعدم احدهما فی زمان الاخر یجری الاستصحاب فی طرف ماله اثر و امثلته کثیرة منها ما لو علمنا بموت اخوین لاحدهما ولد دون الآخر و شککنا فی تقدم موت کل منهما علی الاخر

ص:508

فاستصحاب عدم موت من له ولد الی زمان موت الاخر یترتب علیه ارثه منه بخلاف استصحاب عدم موت من لا ولد له الی زمان موت الاخر فانه لایترتب علیه اثر لکون الوارث له ولده.

توجیه عدم جریان الاستصحاب

ملخص ما ذکره فی الکفایة فی توجیه عدم جریان الاستصحاب انه لابدّ فی جریان الاستصحاب من اتصال زمان الشک بزمان الیقین فانه هو المستفاد من کلمة «فاء» فی قوله علیه السّلام «لانک کنت علی یقین من طهارتک فشککت» و علیه فلاتشمل ادلة الاستصحاب موارد انفصال زمان الشک عن زمان الیقین بل و لاموارد احتمال الانفصال اما الاول فانه اذا تیقنّا بالطهارة ثمّ بالحدث ثمّ شککنا فی الطهارة لامجال لاستصحاب الطهارة مع وجود الیقین و الشک بالنسبة الی الطهارة لعدم اتصال زمان الشک بزمان الیقین بل یجری فیه استصحاب الحدث و اما الثانی فلان الشبهة حینئذٍ مصداقیة بالنسبة الی ادلة الاستصحاب فلایمکن الرجوع معه الی العموم حتی علی القول بجواز التمسک بالعموم فی الشبهات المصداقیة فان القائل به انما یدعی ذلک فیما اذا انعقد للعام ظهور و کان المخصّص منفصلا کما اذا دل دلیل علی وجوب اکرام العلماء ثمّ ورد دلیل آخر علی عدم وجوب اکرام الفساق منهم و شککنا فی ان زیدا عادل او فاسق و اما اذا کان المخصص متصلا و مانعاً عن انعقاد الظهور فی العموم من اول الامر کما اذا قال المولی اکرم العالم العادل و شککنا فی عدالة زید فلم یقل احد بجواز التمسک بالعموم فیه و المقام من هذا القبیل و حیث ان الحادثین فی محل الکلام مسبوقان بالعدم و یشک فی المتقدم منهما مع العلم بحدوث کل منهما فلم یحرز اتصال زمان الشک بزمان الیقین مع ان المستفاد من

ص:509

کلمة (الفاء) فی قوله علیه السّلام فشککت لزوم اتصال زمان الشک بزمان الیقین فادلة الاستصحاب قاصرة عن الشمول لموارد الانفصال.

و یرد علیه ان الانصاف انه لایرجع الی محصل لما عرفت سابقاً من انه لایعتبر فی الاستصحاب سبق الیقین علی الشک لصحة جریان الاستصحاب مع حدوثهما معا و انما المعتبر تقدم زمان المتیقّن علی زمان المشکوک فیه بان یکون المتیقّن هو الحدوث و المشکوک هو البقاء و ما یستفاد من ظاهر قوله علیه السّلام لانک کنت علی یقین من طهارتک فشککت من حدوث الشک بعد الیقین فهو ناظر الی غلبة الوقوع فی الخارج لا انه معتبر فی الاستصحاب.

نعم فیما اذا کان الشک حادثا بعد الیقین یعتبر فی جریان الاستصحاب فیه اتصال زمان الشک بزمان الیقین بمعنی عدم تخلل یقین آخر بینهما و الّا لم یصدق نقض الیقین بالشک بل یصدق نقض الیقین بالیقین و علیه فلامانع من جریان الاستصحاب فی المقام و یسقط للمعارضة فیما اذا کان الاثر لکل واحد منهما بخلاف ما اذا کان الاثر لاحدهما علی الاخر فان فیه یجری الاستصحاب فی طرف له اثر هذا تمام الکلام فی صور مجهولی التاریخ و قد تبیّن الی هنا جریان الاستصحاب فی جمیع الصور الاربعة من مجهولی التاریخ.

ثمّ یقع الکلام ثانیاً فیما اذا کان احدهما معلوم التاریخ و هو یتصور أیضاً باربع صور.

لان الاثر تارة مترتب علی الوجود الخاص من السبق او اللحوق و اخری علی العدم و علی الاول فاما ان یکون الاثر مترتباً علی الوجود المحمولی المعبر عنه بمفاد کان التامه و اما ان یکون مترتبا علی الوجود النعتی بمعنی الاتصاف بالسبق او

ص:510

اللحوق المعبر عنه بمفاد کان الناقصة و علی الثانی اما ان یکون الاثر مترتبا علی العدم المحمولی المعبر عنه بمفاد لیس التامة و اما ان یکون مترتبا علی العدم النعتی المعبر عنه بمفاد لیس الناقصة و نضیفها هذه الصور الی صور مجهولی التاریخ و نقول:

5 - اما اذا کان الاثر مترتبا علی الوجود بمفاد کان التامة فلااشکال فی جریان استصحاب العدم فان له حالة سابقة الا انه یسقط بالمعارضة فیما اذا کان الاثر للطرفین مع العلم الاجمالی بسبق احدهما علی الاخر و عدم احتمال التقارن.

6 و 7 - و اما اذا کان الاثر مترتبا علی الوجود النعتی بمعنی الاتصاف بالسبق او اللحوق او اذا کان الاثر مترتبا علی العدم النعتی بمعنی الاتصاف بالعدم فقد استشکل فی جریان الاستصحاب فیهما بان الاتصاف مطلقاً سواء کان بالوجود او العدم لیس له حالة سابقة.

و قد تقدم الجواب عنه بان عدم الاتصاف له حالة سابقة فیستصحب عدم الاتصاف و نحکم بعدم ترتب اثر الاتصاف علی ما تقدم بیانه فی مجهولی التاریخ.

8 - و اما ان کان الاثر مترتبا علی العدم المحمولی المعبر عنه بمفاد لیس التامة بان کان الاثر مترتبا علی عدم احدهما فی زمان وجود الاخر کمسألة عدم موت المورث و اسلام الوارث.

فصّل الشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی بین معلوم التاریخ و مجهوله فاختاروا جریان الاستصحاب فی مجهول التاریخ و عدمه فی معلومه.

اما جریانه فی مجهول التاریخ فواضح لان عدمه متیقن و نشک فی انقلابه الی الوجود الی الوجود فی زمان وجود الاخر و الاصل بقاؤه و اما عدم جریانه فی معلوم التاریخ فهو لما مرّ من صاحب الکفایة من عدم احراز اتصال زمان الشک

ص:511

بزمان الیقین فتکون الشبهة مصداقیة و قد تقدم الجواب عنه فی مجهولی التاریخ من ان المیزان فی الاستصحاب هو الیقین الفعلی مع الشک فی البقاء لا الیقین السابق و الشک اللاحق حتی یتصل الشک بالیقین.

او هو لما ذکره المحقّق النائینی من ان مفاد الاستصحاب هو الحکم ببقاء ما کان متیقنا فی عمود الزمان و جرّه الی زمان الیقین بالارتفاع و لیس لنا شک فی معلوم التاریخ باعتبار عمود الزمان حتی نجرّه بالتعبد الاستصحابی.

فان عدم موت المورث فی مسألة موت المورث و اسلام الوارث متیقن یوم الجمعة و حدوثه معلوم یوم السبت و بقاؤه معلوم الی یوم الاحد فلیس لنا شک متعلّق بالموت حتی نجری الاستصحاب.

یرد علیه ان الموت و ان کان معلوم الحدوث یوم السبت الا ان الاثر لایترتب علیه فان الاثر لعدم حدوث الموت فی زمان الاسلام و حدوث الاسلام مشکوک فیه و لامنافاة بین کون شیء معلوماً بعنوان و مشکوکا فیه بعنوان آخر فلامانع من جریان الاستصحاب فی المقام بلافرق بین معلوم التاریخ و مجهوله غایة الامر سقوطه بالمعارضة فی بعض الصور علی ما تقدم تفصیله فی مجهولی التاریخ فانقدح مما ذکر ان الاستصحاب یجری فی الصور الاربعة المذکورة فیما اذا کان احد الحادثین معلوم التاریخ و الاخر مجهول التاریخ کما عرفت جریانه فی الصور الاربعة المتقدمة فی مجهولی التاریخ.

بقی شیء فی مجهولی التاریخ

و هو ان الاستصحاب فی مجهولی التاریخ غیر جار لا لعدم احراز اتصال الشک بالیقین بل لعدم احراز کونه من مصادیق نقض الیقین بالشک لاحتمال کونه من

ص:512

نقض الیقین بالیقین و علیه فالتمسک بدلیل الاستصحاب فی مجهولی التاریخ یکون من التمسک بعموم دلیل الاستصحاب فی الشبهة المصداقیة.

بیانه انه لو فرض الیقین بعدم الکریة و بعدم الملاقاة فی أول النهار و علمنا بتحقق احدهما لا بعینه فی وسطه و تحقق الاخر لابعینه فی الجزء الاول من اللیل فالجزء الاول من اللیل ظرف الیقین بتحقق کلیهما و ظرف احتمال حدوث کل منهما للعلم الاجمالی بحدوث کل منهما اما فی وسط النهار او فی الجزء الاول من اللیل فاستصحاب عدم کل منهما الی زمان الوجود الواقعی للاخر محتمل ان یکون من نقض الیقین بالیقین لاحتمال حدوث الوجود الواقعی للاخر فی الجزء الاول من اللیل و هو ظرف العلم بتحقق کلیهما اما سابقاً و اما فی هذا الجزء فاستصحاب عدم الملاقاة الی زمان الوجود الواقعی للکریة یحتمل ان یجری الی الجزء الاول من اللیل الذی هو طرف احتمال حدوث الکریة لانها یحتمل ان تکون حادثة فی وسط النهار او اول اللیل.

و الجریان الی اللیل من نقض الیقین بالیقین لان ذلک الجزء ظرف الیقین بحصول الملاقاة اما فیه و اما قبله و هکذا الحال بالنسبة الی الحادث الاخر و من شرایط جریان الاصل احراز ان یکون المورد من نقض الیقین بالشک.

و اجیب عن ذلک بانه فرق واضح بین استصحاب عدم الملاقاة الی الجزء الاول من اللیل و بین استصحاب عدم الملاقاة الی زمان الوجود الواقعی للکریة فان مفاد الاول عدم حصول الملاقاة فی اجزاء الزمان الی الجزء الاول من اللیل الذی هو ظرف الیقین بتحقق الملاقاة و اما الثانی فمفاده او لازمه تأخر الملاقاة عن الکریة و لهذا لو اخبرت البیّنه بان الملاقاة لم تحصل الی الجزء الاول من اللیل بحیث کانت الغایة داخلة فی المغیّی نکذبها للعلم بخلافها.

ص:513

و اما لو اخبرت بان الملاقاة لم تحصل الی زمان الکریة نصدقها و نحکم بان الکریة المرددة بین کونها حادثة فی وسط النهار او الجزء الاول من اللیل حدثت فی وسط النهار و الملاقاة حدثت متأخرة عنها فی الجزء الاول من اللیل و کذا لو کانت لوازم الاستصحاب حجة فاستصحاب عدم حصول الملاقاة الی الجزء الاول من اللیل بحیث یکون الغایة داخلة فی المغیّی غیر جار للعلم بخلافه بخلاف استصحاب عدم الملاقاة الی زمان حصول الکریة فان استصحابه مساوق لتقدم حصول الکریة علی الملاقاة و حدوث الکریة فی وسط النهار و حدوث الملاقاة فی الجزء الاول من اللیل.

و هذا دلیل علی ان مفاد هذا الاستصحاب ای استصحاب عدم الملاقاة الی زمان حصول الکریة لیس جرّ المستصحب الی الجزء الاول من اللیل حتی یکون من نقض الیقین بالیقین بل مفاده حصول المستصحب فی زمان تحقق الاخر و لازمه تأخره عن صاحبه.

و بعبارة اخری الشک و الیقین موجودان بالفعل فی صقع النفس اذا لوحظ حال کل طرف بالنسبة الی زمان الجزء الاخر واقعاً و مع وجودهما یشملهما عموم ادلة الاستصحاب و استصحاب عدم احدهما الی زمان الوجود الواقعی للاخر لایساوی استصحاب عدمه الی الجزء الاول من اللیل حتی یرد علیه انه یکون من نقض الیقین بالیقین.

فتحصل ان الاستصحاب یجری فی جمیع الصور الثمانیة من دون فرق بینها من جهة کونهما مجهولی التاریخ او من جهة کون أحدهما مجهول التاریخ نعم استشکل سیّدنا الاستاذ قدّس سرّه فی مجهولی التاریخ بان عدم کل من الحادثین فی زمان الاخر فی

ص:514

مجهولی التاریخ انما یثبت بالاستصحاب لو فرض ان زمان حدوث الاخر هو الزمان الثانی من الازمنة الثلاثة المفروضة حیث ان هذا العدم فی الآن الثالث منقوض بالیقین بالخلاف لانه یعلم بانتقاضه اما فی هذا الآن او فی الآن قبله و حیث ان هذا العدم فی خصوص الزمان الثانی لیس بموضوع للاثر الشرعی فلایکاد یفید استصحابه و استصحابه علی ای حال لایجری لاحتمال عدم اتصال الیقین بالشک و انفصاله بالیقین بالخلاف من جهة احتمال حدوث الاخر فی ثالث الازمنة.

ویمکن الجواب عنه: بالمنع عما ذکره من ان هذا العدم فی خصوص الزمان الثانی لیس بموضوع للاثر الشرعی لوضوح ان استصحاب عدم الکریة الی زمان الملاقاة ای الزمان الثانی یرجع الی ان الماء حین الملاقاة لیس بکرّ و اثر هذا المرکب ان النجاسة لاقت فی الزمان الثانی الماء القلیل و لاخفاء فی ان الملاقاة مع الماء القلیل موضوع للاثر و هو انفعال الماء القلیل.

هذا مضافاً الی تمامیة الارکان من الیقین و الشک بلاتخلل یقین آخر بینهما اذ التردد المذکور بحسب الواقع لایضر بجریان استصحاب عدم الکریة الی زمان الملاقاة واقعاً او استصحاب عدم الملاقاة الی زمان الکریة واقعاً لوجود الیقین و الشک فی صقع النفس فعلاً فلایلزم نقض الیقین بالیقین و لاعدم اتصال زمان الیقین بالشک من استصحاب عدم احدهما فی زمان تحقق الاخر.

نعم استشکل بعض الاکابر بان التعارض فی الأصول فیما اذا لایکون ترجیح لاحد الاستصحابین علی الاخر کما فی مجهولی التاریخ و اما اذا کان ترجیح لاحدهما علی الاخر فالجاری هو استصحاب الراجح لجریان اصالة العموم فی طرفه دون الاخر و لایبعد ان یکون کذلک فیما اذا کان تاریخ احدهما معلوماً و

ص:515

الاخر مجهولاً اذ شمول عموم دلیل الاستصحاب للمعلوم تاریخه بدعوی ان المعلوم تاریخه و ان لم یکن فیه شک بالنسبة الی زمان وقوعه الا ان زمان وقوعه بالنسبة الی زمان وقوع الاخر مورد الشک غریب عن اذهان العرف و هو کاف فی ترجیح مجهول التاریخ علی معلوم التاریخ فی اجراء اصالة العموم فی عموم دلیل لاتنقض الیقین بالشک بالنسبة الیه و علیه فلاوجه لدعوی المعارضة فی غیر مجهولی التاریخ لعدم جریان الاستصحاب بحسب مقام الاثبات الّا فی طرف مجهول التاریخ.

أللّهمّ إلّا أن یقال: ان دلیل الاستصحاب لایشمل للاحوال المتأخرة و منها التعارض ولکن لایساعد ذلک کفایة لحاظ الطبیعة فی شمولها للاحوال المتاخرة من دون لحاظ القیود فان ذلک مقتضی کون الاطلاق هو رفض القیود لاجمعها فاتضح من ذلک ان مجری الاستصحاب فی الصور المتقدمة ستة صور اربع منها فی مجهولی التاریخ و الاثنان منها فی الصورتین من صور ما اذا کان احد الطرفین مجهولا و الاخر معلوماً فتدبر جیّدا.

التنبیه السابع عشر: فی تعاقب الحالتین کالطهارة و الحدث المتضادتین و الفرق بینهما و بین الحادثین الذین شک فی المتقدم و المتأخر منهما ان الموضوع فی الحادثین المذکورین کان مرکبا من عدم احد الحادثین و وجود الاخر کعدم موت المورث و اسلام الوارث و فی المقام یکون الموضوع بسیطا کما اذا علمنا بوجود الحدث و الطهارة منه و شککنا فی المتقدم و المتأخر منهما.

و کیف کان فالکلام فیه علی المشهور هو الکلام المذکور فی التنبیه السابق من جریان الاستصحاب و التعارض و التساقط عدی ما اذا کان الترجیح فی طرف واحد فالاستصحاب یجری فیه من دون معارضة.

ص:516

الا ان المحکی عن المحقّق قدّس سرّه انه قال یمکن ان یقال ینظر الی حالة قبل تصادم الاحتمالین فان کان حدثا بنی علی الطهارة لانه تیقن انتقاله عن حالة الحدث الی حالة الطهارة و لم یعلم تجدد الانتقاض و علیه فصار متیقنا للطهارة و شاکا فی الحدث فیبنی علی الطهارة و ان کان قبل تصادم الاحتمالین متطهرا بنی علی الحدث لعین ما ذکر فیما اذا کان حالة السابقة هی الحدث قال سیّدنا الاستاد ما ذکره المحقّق قوی جداً نظرا الی انه لو کان قبل طرو الحالتین محدثا علم بزوال حدثه بالطهارة المعلومة اجمالا و حیث لایعلم بزوال هذه الطهارة یستصحب وجودها و لایعارضها استصحاب الحدث لعدم العلم به اجمالا حتی یستصحب المعلوم بالاجمال.

و ذلک لان امر هذا الحدث یدور بین ان یکون قبل التطهیر او بعده و علی الاول لا اثر لوجوده بناء علی ما هو التحقیق من عدم تأثیر الحدث فبالأخرة ینحل هذا العلم الاجمالی بالعلم التفصیلی و الشک البدوی و بالجملة لافرق بین العلم بطرو حدث مردد بین وقوعه علی الحدث او بعد الطهارة و بین الشک البدوی فی وقوعه بعد الطهارة و علیه فلاوجه لدعوی تعارض استصحاب الطهارة مع استصحاب الحدث فی الصورة الاولی او تعارض عکس ذلک فی الصورة الثانیة.

هذا کله فیما اذا جهل تاریخ کل من الحالتین المتعاقبتین و ان علم تاریخ احدهما فالامر اوضح فانه یجری الاستصحاب فی المعلوم الذی یکون ضدا للحالة السابقة بلا اشکال فلو کان تاریخ الطهارة معلوماً و کان قبل تصادم الاحتمالین محدثا یجری استصحاب الطهارة و لایعارضه استصحاب الحدث لعین ما ذکر و کذا لو کان تاریخ الحدث معلوماً و کان قبل تصادم الاحتمالین متطهرا بنی علی

ص:517

استصحاب الحدث السلیم عن معارضته باستصحاب الطهارة هذا کله فیما اذا علم حاله قبل تصادم الاحتمالین و الّا فیشکل جریان الاستصحاب لانه لو کان حاله فی الواقع هو الطهارة لکان استصحاب الحدث جاریا دون استصحابها و لو کان حاله فی الواقع هو الحدث عکس الامر و حیث لم یحرز حاله فی الواقع یسقط الاستصحاب و یرجع الی قاعدة الاشتغال القاضیة بوجوب التطهر للاعمال المشروطة بالطهارة و قد تحصّل من جمیع ما ذکر ان الاقوی عند تعاقب حالتین متضادتین هو الأخذ بضد الحالة السابقة علیهما لو علم بها و الّا فالمرجع سایر القواعد من البراءة او الاشتغال.

نعم لو علم تاریخ أحدهما تفصیلا جری الاستصحاب فیه دون مجهول التاریخ لتمامیة ارکان الاستصحاب فی معلوم التاریخ.

لایقال ان استصحاب ضد الحالة السابقة علی الحادثین یکون معارضا باستصحاب المماثل للحالة السابقة المذکورة فیتعارض استصحاب ضد الحالة السابقة مع استصحاب المماثل للحالة السابقة و یتساقطان فیرجع الی مقتضی الاصل الجاری فی المقام.

و توضیح ذلک ان الاستصحاب الجاری فی المماثل هو استصحاب الکلی من القسم الثانی اذ بعد وقوع الحدث و الطهارة و عدم العلم بالمتقدم منهما علم بحدوث جامع الحدث بین المقطوع ارتفاعه و هو الحدث السابق علی الحادثین و بین المقطوع حدوثه و مشکوک البقاء عند العلم بالحدث و الطهارة اجمالا.

فیستصحب الکلی و الجامع بین الحدثین و یعارض مع استصحاب الطهارة و هی ضد الحالة السابقه فالحق حینئذٍ مع المشهور الذی قالوا بتعارض الاستصحاب و لزوم الرجوع الی سائر القواعد لا ما ذهب الیه المحقّق قدّس سرّه و من تبعه من جریان

ص:518

الاستصحاب فی ضد الحالة السابقة و لا معارضة لعدم تمامیة ارکان الاستصحاب فی غیر ضد الحالة السابقة.

لأنا نقول: لامجال لاستصحاب الجامع بعد العلم بوقوع الحادثین من الطهارة و الحدث لان الحدث السابق علی الحالتین مقطوع الارتفاع بالعلم بحدوث الطهارة اجمالا او تفصیلا و مع القطع بارتفاعه لامجال لاستصحاب الجامع بینه و بین الحدث الاخر و الحدث اللاحق ان کان متقدماً علی الطهارة و حادثاً بعد الحدث السابق فلایکون موثرا و الجامع بین مقطوع الارتفاع و ما لا اثر له لا أثر له حتی یجری فیه الاستصحاب و ان کان الحدث متأخراً و حادثا بعد حدوث الطهارة فلایکون مقارناً للحدث السابق حتی یکون لهما جامع بل هو حادث بعد ارتفاع الحدث السابق فلایجری فیه استصحاب الکلی من القسم الثانی.

فاتضح بما ذکر قوة ما ذهب الیه المحقّق من جریان الاستصحاب فی ضد الحالة السابقة من دون تعارض خلافاً لما ذهب الیه المشهور من جریان الاستصحابین و تعارضهما و الرجوع الی الاصل الجاری فیه نعم اذا علم تاریخ احدی الحالتین المتعاقبتین کالحدث و کانت مماثلا مع الحالة السابقة علی الحالتین یجری استصحاب الحدث المعلوم التاریخ و یعارض استصحاب ضد الحالة السابقة و هی الطهارة فلابدّ من الرجوع فی هذا الفرض الی مقتضی القواعد و الأصول کما ذهب إلیه المشهور.

التنبیه الثامن عشر: فی مجاری و الاستصحاب لااشکال فی جریان الاستصحاب فی الأحکام الشرعیة و موضوعاتها و هکذا لا اشکال فی جریان الاستصحاب فی معانی الموضوعات اللغویة فیما اذا علم ان لفظ الصعید الموضوع لجواز التیمم به

ص:519

کان حقیقة لغة فی مطلق وجه الارض ثمّ شک فی نقله الی معنی آخر عند نزول الایة المبارکة أو ورود الاحادیث الشریفة الآمرة بالتیمم بالصعید فلامانع من استصحاب ذلک لترتیب الحکم الشرعی علیه و هو جواز التیمم بمطلق وجه الارض.

لایقال: ان الاستصحاب المذکور مثبت لانا نقول لیس کذلک لان الاحکام مترتبة علی نفس المعانی المستصحبة و لاواسطة و دعوی ان الاستصحاب المذکور استصحاب تعلیقی لان ظهور الموضوعات اللغویة متفرع علی الاستعمال فیقال ان اللفظ الفلانی لو استعمل کان ظاهرا فی المعنی الکذائی و الآن کما کان و هو عین التعلیق الغیر الشرعی.

مندفعة بان ظهور لفظ الصعید فی مطلق وجه الارض فی الاستعمالات الرائجة قبل نزول الایة الکریمة و الاحادیث الشریفة ظهور فعلی لاتعلیقی کما لایخفی.

و اما جریان الاستصحاب فی الاحکام الاعتقادیة ففیه ان الاثر المهم ان کان متفرعا علی القطع و الیقین بما هما من الصفات فلامجال للاستصحاب بعد زوالهما للعلم بارتفاع الموضوع فیهما.

و ان کان الاثر المهم هو عقد القلب و الانقیاد علی تقدیر نفس وجوده فی الواقع تیقن به ام لاجری الاستصحاب فیه و هکذا لو شک فی بقاء وجوب تحصیل الاعتقاد بشیء ثمّ شک فی بقاء ذلک الوجوب یجری الاستصحاب فیه.

التنبیه التاسع عشر: فی استصحاب حکم المخصص و هو انه اذا ورد عام و اخرج منه بدلیل خاص بعض افراده فی بعض الازمنة و لیس للدلیل المخرج اطلاق او عموم بالنسبة الی غیر ذلک الزمان فقد وقع الکلام فی جواز التمسک بالاستصحاب

ص:520

لادامة الخروج او وجوب التمسک بعموم العام کما هو الظّاهر او اللازم هو التفصیل بین أخذ عموم الزمان افرادیا و بین اخذه لبیان الاستمرار ففی الاول یعمل بالعموم و لایجری فیه الاستصحاب و فی الثانی یجری الاستصحاب و لایعمل بالعموم و الوجه فی الاول من التفصیل فی مثل اکرم العلماء فی کل یوم و لاتکرم زیدا یوم الجمعة ان الاصل دلیل حیث لادلیل و مع دلالة العموم علی عموم الزمان افرادیا لامجال للأخذ بالاستصحاب بل لو لم یکن عموم وجب الرجوع الی سایر الأصول لان مورد التخصیص هو الزمان دون الافراد.

و الوجه فی الثانی من التفصیل ان عموم الازمان مأخوذ فی العام لبیان الاستمرار کقولهم اکرم العلماء دائما فاذا شک فی حکم ذلک الفرد المخرج بعد ذلک الزمان یجری فیه الاستصحاب اذ لایلزم من ثبوت ذلک الحکم للفرد المذکور بعد ذلک الزمان تخصیص زائد علی التخصیص المعلوم لان مورد التخصیص الافراد دون الازمنة بخلاف القسم الاول هذا ما ذهب الیه الشیخ الاعظم قدّس سرّه.

و قد أورد علی اطلاق کلامه قد فی الکفایة بان اللازم تقیید کلام الشیخ حیث قال «فیما اذا اخذ الزمان لبیان الاستمرار کقوله اکرم العلماء دائما ثمّ خرج منه فرد فی زمان و یشک فی حکم ذلک الفرد بعد ذلک الزمان فالظّاهر هو جریان الاستصحاب و لایجوز التمسک بالعام» بما اذا لم یکن التخصیص من الاول او الاخر و الّا فالمرجع. بعد ذلک الزمان او قبل الزمان الاخر هو عموم العام و لامجال مع دلالة العام لاستصحاب حکم الخاص لان الاصل دلیل حیث لا دلیل و المفروض ان العام یدل علی حکمه فیتمسک بالعام بعد الزمان الاول او قبل الزمان الاخر هذا بناء علی کون الزمان بنحو الاستمرار فی العام و الخاص فیفصل فیه بین

ص:521

کون التخصیص من الاول او الاخر فیتمسک بالعام بعد الاول و قبل الاخر و بین کون التخصیص من الوسط فیتمسک بالاستصحاب بعد ذلک الزمان.

و ان لو حظ العام و الخاص بنحو المفردیة فلابدّ من التمسک بالعام بلا کلام لکون موضوع الحکم بلحاظ هذا الزمان من أفراده فله الدلالة علی حکمه و المفروض عدم دلالة الخاص علی خلافه.

و ان لوحظ فی العام بنحو الاستمرار و فی الخاص بنحو المفردیة فلایجوز التمسک بالاستصحاب أیضاً فانه و ان لم یکن هناک دلالة اصلا لا للعام و لا للخاص الا ان انسحاب الحکم الخاص الی غیر مورد دلالته یکون من باب اسراء حکم موضوع الی موضوع آخر.

کما لا مجال للتمسک بالعام لعدم دخول الفرد المشکوک علیحدة فی موضوع العام بل اللازم هو الرجوع الی غیر العام و الخاص من سائر الأصول.

و ان عکس الامر بان لوحظ فی العام بنحو المفردیة و فی الخاص بنحو الاستمرار کان المرجع هو العام للاقتصار فی تخصیصه بمقدار دلالة الخاص.

و التحقیق انه یجوز التمسک بالعموم حتی فیما اذا اخذ الزمان فیه بنحو الاستمرار و علیه فلافرق بین کون الزمان مفّرداً و بین کون الزمان ملحوظا بنحو الاستمرار کما ذهب الیه الشیخ الأعظم کما لافرق أیضاً بین ان یکون التخصیص من الاول او من الاخر و بین الوسط کما یظهر من صاحب الکفایة.

و حاصل الکلام ان التخصیص و التقیید لیسا اخراجا عن المراد الاستعمالی بل اللفظ مستعمل فی معناه و الاخراج انما هو عن المراد اللبّی الجدّی فالمتبع فیما عدا مورد التخصیص و التقیید هو الاصل العقلائی علی تطابق الارادتین و مقتضاه هو

ص:522

حجیة العام فی مدلوله و التخصیصات المنفصلة لیست اخراجا عن المراد الاستعمالی بل الاستمرار فی المقام بوحدته باقٍ من غیر انثلام فیه اصلا بحسب الاستعمال و لم یطرء علیه الانقطاع بحسبه و بعد ذلک یبقی الامر منحصراً فی الاصل العقلائی علی التطابق و علیه فاللازم هو الاقتصار فی مخالفته علی المقدار المعلوم.

و بالجملة لانعقل فرقا اصلا بین مفاد الکل و مفاد لفظ «دائما» و نحوه فکل منهما امر وحدانی لاینحفظ مع خروج بعض ما یشمله فکیف لایرتفع هذه الوحدة فی الاول بسبب التخصیص و یرتفع فی الثانی.

و علی هذا لایبقی فرق بین منقطع الوسط و الابتداء و الاخر فی جواز التمسک فی العموم لانه بحسب الاستعمال قد اعطی کل من العموم الفردی و الاطلاق الزمانی معناه و انما التصرف بحسب الجدّ فیقتصر فی مخالفته علی المقدار المعلوم و یرجع فیما زاد الی اصالة الجدّ.

و بعبارة اخری مع محفوظیة مرتبة الاستعمال لم یخرج فرد فی مقام الاستعمال حتی یقال مع خروجه لاموضوع حتی یؤخذ فیه بمقدمات الاطلاق لاستمراره و علیه فالتفصیلات المذکورة لاوجه له بل لاوجه للتفصیل المنسوب الی المحقّق النائینی قدّس سرّه من ان العموم الازمانی تارة یکون فی متعلّق الحکم و تحته بان یعرض الحکم علی المتعلّق المستمر بان یلاحظ الفعل فی عمود الزمان فعلاً واحداً تعلّق به التکلیف و اخری یکون فی نفس الحکم بان یکون الزمان ظرفا لنفس الحکم و التکلیف بان اعتبر الحکم واحداً مستمراً.

ففی الاول یجوز التمسک بالعام بعد انتهاء أحد التخصیص الازمانی لان دلیل الحکم بنفسه یثبت العموم و الاستمرار لمتعلّقه و العام حجة فی ما عدا مقدار التخصیص.

ص:523

و فی الثانی لایجوز التمسک بالعام بعد انتهاء أمد التخصیص بل یتعین الرجوع فیه الی الاستصحاب و ذلک لأن الاستمرار الطاری علی الحکم لیس مفادا لنفس دلیل الحکم.

بل هو فی طول ثبوته بدال آخر یقتضی استمرار ما ثبت و بعد ورود التخصیص فی زمان فرد لایمکن التمسک بالعام و اثبات حکمه بالاضافة الی ما بعد ذلک الزمان لان الحکم کان واحداً علی الفرض و قد انقطع بالتخصیص و لادلالة لخطاب العام الا علی الحکم المقطوع.

و ذلک لما عرفت من ان الظهور الاستعمالی باقٍ علی ما هو علیه من دون فرق بین کون الاستمرار ملحوظا فی ناحیة الفعل او نفس الحکم و هکذا من دون تفاوت بین کون الاستمرار مستفادا من نفس دلیل الحکم او من دال آخر و مع بقائه علیه فیجوز الرجوع الی خطاب العام فیما عدا مورد التخصیص و دعوی ان للعموم بعد ان کان المخصص منفصلا ظهورین احدهما ظهور فی ارادة جمیع الافراد و ثانیهما ظهور آخر فی ان الحکم المتعلّق بالافراد سار فی جمیع الا زمان و حینئذٍ اذا احتملنا فی هذا الدلیل المنفصل ان یکون موضوعه قد خرج عن العموم الافرادی و ان یکون قد خرج عن الاطلاق الزمانی فقد علمنا علما اجمالیا بورود التصرف علی احد الظهورین و لیس احدهما اولی من الاخر بل ان اصالة الظهور فی کل منهما تعارض الاخری و تتساقطان فلامجال للرجوع الی العموم فی مورد المشکوک.

مندفعة بما عرفت من ان الظهورین باقیان علی ما هما علیه بحسب الاستعمال بعد فرض کون المخصص منفصلا و انما یرفع الید عن اصالة التطابق فی القدر المتیقن من المخصص سواء کان مخصصا لظهور العام فی ارادة جمیع الافراد او

ص:524

لظهوره فی ارادة کون الحکم المتعلّق بالافراد ساریا فی جمیع الازمان و تخصیص بعض الافراد فی زمان خاص لاینافی بقاء الحکم علیه فی غیر ذلک الزمان فی عمود الزمان بعد کون المفروض هو بقاء الظهور الاستعمالی علی ما هو علیه فی التخصیصات المنفصلة.

فانقدح من جمیع ما ذکر صحة الاستدلال باصالة الاطلاق عند الشک فی تقیید زائد و معه فلامجال للاستصحاب فی هذا القسم کما لامجال له فی القسم الاخر المبنی علی کون الزمان ملحوظا بنحو التقطیع الموجب لتعدد الحکم و الموضوع جعلا فتحصل قوة القول بالرجوع الی العموم او الاطلاق فیما اذا اخذ الزمان ظرفا فضلا عن کونه مفردا و لامجال للاستصحاب من دون تفصیل من التفصیلات المذکورة و الله هو الهادی.

التنبیه العشرون: فی ان المراد من الشک المأخوذ فی دلیل الاستصحاب هو خصوص ما یتساوی طرفاه او عدم الیقین الذی یعم الظن غیر المعتبر و الظّاهر من الادلة هو الثانی لترک الاستفصال بین الشک و الظن فی الاخبار هذا مضافاً الی ان مقتضی جعل الیقین بالنوم مثلاً غایة لعدم وجوب الوضوء فی قوله علیه السّلام حتی یستیقن ان الظن داخل فی المغیّی.

علی ان التحقیق ان المراد من الشک فی ادلة الاستصحاب لیس هی الصفة النفسانیة بل المراد منه بقرنیة مقابله للیقین هو اللاحجة کما ان المراد من الیقین هو الحجة و اللاحجة تشمل الظن کما تشمل الشک المساوی لطرفیه.

التنبیه الواحد و العشرون: فی انه حکم السیّد المحقّق الیزدی قدّس سرّه بطهارة بخار البول او الماء المتنجس و قال فلاباس بما یتقاطر من سقف الحمام الا مع العلم بنجاسة السقف.

ص:525

و استشکل علیه بان الماء الذی یتقاطر من البخار المتنجس عین الماء المتنجس السابق لأنّ الزائل العائد عند العرف کالذی لم یزل فالقطرات المذکورة محکومة بالنجاسة و لاحاجة فی ذلک الی الاستصحاب حتی یقال لایجری الاستصحاب لانفصال زمان الشک عن زمان الیقین بالیقین بالطهارة بسبب الاستحالة.

و الوجه فی عدم الحاجة الی الاستصحاب هو العلم بعود الموضوع و مع العلم بوجود الموضوع یترتب علیه حکمه و لاحاجة فیه الی الاستصحاب.

و دعوی ان الحکم بان الزائل العائد کالذی لم یزل صحیح بالنسبة الی نفس الذوات لا اوصافها فان العرف لایراها مثل الذوات باقیة بل یری الحکم بالنجاسة مماثلا للحکم بالنجاسة السابقة کسایر الاوصاف الاعتباریة و علیه فلابدّ من ان یتعلّق الحکم بمثلها و هو غیر مسبوق بالعلم فلامجال للاستصحاب بل یرجع الی قاعدة الطهارة مندفعة بان العرف یری المتّصف کالذات باقیا و معه لامجال للاستصحاب للعلم بوجود الموضوع و یحکم بالنجاسة و لامجال لقاعده الطهارة.

التنبیه الثانی و العشرون: فی ان الاستصحاب هل یکون من الأصول المحرزة و التنزیلیة اولا.

و قد یوجه کونه من الأصول المحرزة بان الاستصحاب یدل حال الشک علی ترتیب الاثر الذی کان حال الیقین و من المعلوم ان الیقین المذکور طریق الی الحکم الاولی و محرز له و علیه فالحکم بعدم نقض الیقین بالشک یدل علی حکم تنزیلی یترتب علیه ما یترتب علی الیقین هذا بالنسبة الی الاستصحاب و لاکلام فیه.

و انما الکلام فی غیره من القواعد کقاعدة الحلیه و قد استدلّ علی کونها کقاعدة الطهارة من الأصول التنزیلیة أیضاً بانه لو لم تکن قاعدة الطهارة من الأصول

ص:526

التنزیلیة فکیف یکتفی بها فی تحصیل الطهارة المشروطة فی الصلاة بالتوضی بالماء المشکوک فمن ذلک یعلم ان الطهارة الظاهریة منزلة منزلة الطهارة الواقعیة.

و قد یفصل بین قاعدة الطهارة و قاعدة الحلیة بان الطهارة حکم وضعی و لم یتقید الحکم الوضعی بالعلم و الجهل بخلاف قاعدة الحلیّة لان الحلیة من الاحکام التکلیفیة فیمکن فیها الفرق بین العلم و الجهل و علیه فیمکن تقییدها بصورة الجهل فلایکون حینئذٍ من الاحکام التنزیلة.

التنبیه الثالث و العشرون: فی الاستصحاب القهقرائی و لایخفی علیک ان قوله علیه السّلام فی صحیحة زرارة «و ان لم تشک (فی موضع النجاسة) ثمّ رأیته (ای النجس فی الثوب) رطبا قطعت (الصلاة) و غسلته ثمّ بنیت علی الصلاة فانک لاتدری لعله شییء وقع علیک فلیس ینبغی لک ان تنقض بالشک الیقین» یدل علی عدم صحة الاستصحاب القهقرائی اذ لو کان ذلک الاستصحاب جاریا لحکم بوقوع النجاسة من اول الصلاة لان مقتضی عدم نقض الیقین بالشک بالنسبة الی ما سبق هو ذلک مع ان الروایة صریحة فی خلافه حیث قال لعله شیء وقع علیک فاذا لم یکن مسبوقا بالشک فی موضع النجاسة ثمّ رأی النجاسة و احتمل حدوثها فی اثناء الصلاة لزم علیه ان یظهر و یبنی علی صلاته هذا مضافاً الی ظهور قوله علیه السّلام «لاتنقض الیقین بالشک» فی کون المشکوک کالشک متأخراً عن المتیقن و الیقین و دعوی ان اصالة عدم النقل من الأصول المعول علیها و هی دلیل جریان الاستصحاب القهقرائی مندفعة بان اصالة عدم النقل من الأصول اللفظیة لا التعبدیة و الأصول اللفظیة اما تکون من الأصول العملیه العقلائیة و لاحجیة للوازمها الا اذا کانت بحیث لو لم یترتب علی ملزومها لزم کذب الملزوم و اما تکون من الامارات العقلائیة الّتی

ص:527

توجب الاضمئنان النوعی فتکون لوازمها حجة کملزومها و لذا اخذ بلوازم قول الرجالی فیما اذا قال فلان قوله مسموع فی ترتب احکام العدالة لاستلزام ذلک القول بعدالة الفلانی و علی کلا التقدیرین لیست اصالة عدم النقل من الاستصحاب التعبدی.

التنبیه الرابع و العشرون: ان الاستصحاب کما یجری فی الزمان و الزمانی فکذلک یجری فی المکان و المکانی بعد عموم قوله لاتنقض الیقین بالشک فاذا شککنا فی ان المحل الفلانی خرج عن حدّ الترخص مثلاً ام لا امکن استصحاب بقائه علی ما هو علیه و یترتب علیه احکامه و هکذا الامر فی المکانی کالطواف فیما اذا شک الطائف بعد العلم بکون طوافه فی حد المطاف فی انه باقٍ علیه او خارج عن المطاف امکن له الاستصحاب و یترتب علیه الحکم بصحة الطواف سواء امکن له ام لم یتمکن.

التنبیه الخامس و العشرون: فی الاستصحاب الاستقبالی مقتضی عموم قوله علیه السّلام لاتنقض الیقین بالشک هو جریان الاستصحاب فیه و اصالة السلامة من موارده و صرح صاحب الجواهر قدّس سرّه بجریان الاستصحاب فیه فی مسألة بیع الاناسی حیث قال دلت النصوص علی ان مالکیة احد الزوجین لصاحبه بشراء او اتهاب او ارث توجب استقرار الملک و عدم استقرار الزوجیة ثمّ تفرع علیه فی الجواهر بانه لو ملک فزال الملک لفسخ بخیار و نحوه لم یعد النکاح إلی أن قال و لافسخ فی الفضولی قبل الاجازة علی القول بالنقل و لایمنع (ای العبد) عن الوطی و علی الکشف ففی شرح الاستاد یمنع عنه ان کانت الزوجة هی المشتریة و یتوقف العلم بحصول الفسخ من حین العقد علی تحقق الاجازه ثمّ اورد علیه بان اصالة عدم حصول الاجازة تکفی فی الحکم بجواز الوطی انتهی.

ص:528

و من المعلوم ان مراد صاحب الجواهر من اصالة عدم حصول الاجارة هو الاستصحاب الاستقبالی کما لایخفی.

تتمة الاستصحاب

یقع الکلام فی مقامات:

المقام الأوّل: فی اعتبار الوحدة فی الموضوع و المحمول فی القضیة المشکوکة و القضیة المتیقنّه و لاکلام فیه و استفادته من الاخبار اذ البقاء و النقض لایتصوران بدون هذا الاتحاد بین متعلّق الشک و الیقین بعد ما یقتضیه طبع الشک و الیقین من ان یکونا متعلّقین بمفاد الجملة و القضیة و الّا فلایکون الشک فی البقاء بل فی الحدوث و لارفع الید عن الیقین فی محل الشک نقض الیقین بالشک.

ثمّ لایخفی علیک ان المراد ببقاء الموضوع لیس احراز وجوده الخارجی فی الزمان الثانی کیف و قد یکون الموضوع أمراً صالحا لمحمول الوجود و العدم کما فی زید موجود فمثل هذه القضیة تصلح لان تقع مجری الاستصحاب مع ان وجود الموضوع لیس مفروغا عنه بل یشک فیه و یثبت بالاستصحاب فالوحدة المعتبرة فی الموضوع تعمّ الوحدة الذهنیة فتدبر جیّدا.

المقام الثانی: فی مرجع الاتحاد و لایذهب علیک ان بعد اعتبار الوحدة بین القضیة المشکوکة و القضیة المتیقنة یقع الکلام فی ان الرجع فی الاتحاد هل هو العقل او الدلیل او العرف؟

و الحق هو الاخیر و الّا لزم التضییق فی موارد الاستصحاب لو اعتبر الاتحاد بحسب العقل اذ لا مجال للاستصحاب فی کثیر من موارد الشبهات الحکمیة و الشبهات الموضوعیة عند تغییر بعض الخصوصیات لان مع التغییر المذکور لایبقی

ص:529

الموضوع بحسب حکم العقل و لایصدق علیه العنوان المأخوذ فی الدلیل أیضاً لقصور الادلة عن شمول غیر العناوین المأخوذة فی موضوع الأدلة فانحصر الامر فی ان المرجع هو العرف فاذا کان الاتحاد بنظر العرف فجریان الاستصحاب فیه لامانع منه لان العرف یری التغییر من الاحوال لو لم یکن مورد التغییر من المقومات و التغییرات العرضیه او الاحوالیة لاتنافی بقاء الموضوع لان الوجود حافظ الوحدة بنظر العرف.

المقام الثالث: فی ان للعرف نظرین احدهما: بما هو اهل المحاورة و من اهل فهم الکلام و بهذا النظر یستفید الموضوع الدلیلی من الکلام فیری ان الموضوع فی مثل قوله الماء المتغیر نجس هو الماء المتغیر بما هو متغیر و ان الموضوع فی مثل قوله الماء اذا تغیر تنجس هو الماء بما هو الماء.

وثانیهما: بما ارتکز فی ذهنه من المناسبة بین الحکم و الموضوع بعد تحقق الموضوع الدلیلی فی الخارج و تطبیق الدلیل علیه بالانحلال و بهذا النظر یستفیدان الموضوع العرفی هو نفس الماء و النجاسة من عوارض الماء و التغییر واسطة فی ثبوت النجاسة فی الماء و لادخل له فی ناحیة الموضوع سواء کان التغییر ماخوذا بنحو القید او بنحو الشرط.

و النظر الثانی فی طول النظر الاول و لذا لایمنع عن انعقاد ظهور الادلة فی الموضوع الدلیلی فبعد استفادة الموضوع الدلیلی و انحلاله بحسب الخارج یحکم العرف بعدم دخالة التغییر فی بقاء الحکم لانه واسطة فی الثبوت فتدبر جیّدا.

المقام الرابع: فی المراد من العرف و انت خبیر بان المقصود من العرف لیس العرف السامحی بل المراد منه هو العرف الدقی فی تشخیص المفاهیم و تطبیقها علی

ص:530

المصادیق و لا اشکال فی اعتبار تشخیص العرف فی تعیین حدود المفاهیم و تطبیقها علی المصادیق لان الشارع تکلم مع الناس کاحد من العرف فی المخاطبات و لم یجعل له طریقا آخر لافادة مراداته.

فکما ان العرف محکم فی تشخیص المفاهیم کذلک محکم فی صدقها علی المصادیق و تشخیص مصادیقها.

و دعوی انه لادلیل علی صحة اتباع نظر العرف فی تطبیق المفاهیم فان الغایة حجیة نظره فی تشخیص المفاهیم لاتطبیقها علی المصادیق فی الاوامر و النواهی الواردة علی الطبایع فان الطبیعة الّتی یرد علیها الامر و النهی هی الّتی لم یعرض لها وصف الوجود الخارجی و الّا فلامعنی لتعلّق الطلب به.

مندفعة بان ملاک حجیة نظر العرف فی تشخیص المفاهیم یعم تطبیقها علی المصادیق أیضاً هذا مضافاً الی ان التطبیق متقوم بالوجود اللافراغی لا الوجود الخارجی حتی لامعنی لتعلّق الطلب به علی ان الکلام فی متعلّق المتعلّق لا المتعلّق و لااشکال فی کونه طبیعة موجودة.

المقام الخامس: فی ان قاعدة لاتنقض هل یشمل الشک الساری و قاعدة الیقین أولا.

و الاقرب هو الثانی لان الظّاهر من هذه الکبری (ای لاتنقض الیقین بالشک) کون الیقین متحققا فعلاً فمعنی قوله: «لاتنقض الیقین بالشک» ان الیقین المتحقق بالفعل لاتنقض و لایشمل الیقین الزائل و الیقین فی قاعدة الیقین زائل فلایشمل دلیل الاستصحاب مورد قاعدة الیقین لان اللازم فی قاعدة الیقین هو عدم وجود الیقین.

ص:531

المقام السادس: فی وجه تقدم الامارة علی الاستصحاب و الوجه فی تقدمها علیه هو الحکومة او الورود او التوفیق العرفی بین الدلیلین.

الحکومة:

ذهب الشیخ الاعظم قدّس سرّه الی الحکومة بدعوی ان العمل بالامارة فی مورد الاستصحاب لیس من باب تخصیص دلیله بدلیلها و لا من باب خروج المورد بمجرد الدلیل عن مورد الاستصحاب لان هذا مختص بالدلیل العلمی المزیل بوجوده الشک المأخوذ فی مجری الاستصحاب بل هو من باب حکومة دلیلها علی دلیله و معناها ان یحکم الشارع فی ضمن دلیل بوجوب رفع الید عمّا یقتضیه الدلیل الآخر لولا هذا الدلیل الحاکم أو یحکم الشارع فی ضمن دلیل بوجوب العمل فی مورد لایقتضیه دلیله لو لا الدلیل الحاکم.

ففیما نحن فیه اذا قال الشارع اعمل بالبینة فیما ادت الیه کان معناه رفع الید عن آثار الاحتمال المخالف للبینة الّتی منها الاستصحاب.

اورد علیه بان ما ذکره فی ضابط الحکومة فی مبحث التعادل و التراجیح من ان یکون دلیل الحاکم بمدلوله اللفظی ناظرا الی دلیل المحکوم و مفسرا له غیر موجود هنا اذ لیس حال ادلة الامارات بالنسبة الی دلیل الاستصحاب حال دلیل التفسیر.

و اجیب عنه بانه لاینحصر الحکومة فیما ذکره فی باب التعادل و التراجیح بل قد یکون دلیل الحاکم ناظراًَ الی تشریع دلیل المحکوم و جعله کما تقدم فی دلیل لاضرر و لاحرج حیث قلنا ان هذه الادلة حاکمة علی اطلاق الادلة الاولیة المتکفلة لبیان الاحکام لکنه لیس حکومتها من جهة کونها ناظرة الی اخراج فرد عن تحت

ص:532

تلک المطلقات او الی ادخاله تحتها بل انّما هی لکونها ناظرة الی عالم التشریع و ظاهرة فی ان الحکم الضرری او الحرجی لم یجعل فی الشریعة.

فکما ان دلیل نفی الضّرر و الحرج ینظر الی اطلاقات الادلة الاولیة بلسان ان الاحکام الضرریة لم تجعل فی الشریعة فکذلک دلیل صدق العادل او اعمل بالبیّنة یکون ناظرا الی جعل الحکم الوارد علی الموضوع المشکوک بلسان ان هذا الحکم لم یجعل فی مورد قیام الخبر و البیّنة تعبداً فیفهم منه العرف ان غرضه رفع الشک تعبداً و هو لیس الّا الحکومة.

الورود:

ذهب صاحب الکفایة الی الورود و الوجه فیه ان رفع الید عن الیقین السابق بسبب الدلیل المعتبر علی خلافه لیس نقضا له بالشک بل یکون نقضا بالیقین و المنهی انما هو نقض الیقین بالشک لانقضه بالدلیل المعتبر و بعبارة اخری ان العلم المأخوذ غایة فی الأصول فی مثل قوله علیه السّلام لاتنقض الیقین بالشک بل تنقضه بیقین آخر و قوله علیه السّلام کل شیء حلال حتی تعلم انه حرام و نحو ذلک یراد منه بحسب المناسبة المقامیة هو الحجة اذ لا دخل لصفة العلم و الیقین و علیه فالمراد من الشک ما یقابله و هو اللاحجة فعند قیام الطریق المعتبر یرتفع اللاحجة بورود الحجة و هو لیس الا الورود.

و الاظهر هو الورود لان الحکومة فرع وجود المحکوم حتی یکون الدلیل الاخر مقدما علیه من جهة الحکومة و مع الورود لایبقی المحکوم فلایصل النوبة بان یکون الدلیل الاخر حاکما علیه.

هذا مضافاً الی انه یوجد فی نفس ادلة الأصول قرائن واضحة علی ارادة ان المراد من الیقین ما هو الاعم من الحجة.

ص:533

فقد قال فی صحیحة زرارة الاولی قلت فان حرّک الی جنبه شیء و لم یعلم به قال «لاحتی یستیقن انه قد نام حتی یجیء من ذلک امر بیّن و الّا فانه علی یقین من وضوئه و لاینقض الیقین أبداً بالشک ولکن ینقضه بیقین آخر».

فتراه انه جعل غایة الوضوء عند المکلف أمر بین یشهد ببطلانه و عروض الحدث البطل له و لاریب فی ان الطریق المعتبر امر بین فالتعبیر بهذا العنوان العام فیه دلالة واضحة علی ان الملاک کله انما هو قیام امر بیّن قطعاً کان أولا و حینئذٍ فالتعبیر بالیقین لایکون الّا بارادة المعنی الاعم منه.

فالمراد من العلم هو الحجة بتعدد الدال و المدلول لا ان العلم مستعمل فی الحجة و ارادة المجاز.

لایقال: ان الورود یوجب رکاکة التفکیک بین الیقین المذکور فی الصدر و بین المذکور فی الذیل فان المراد من الاول هو الیقین بالحکم بعنوانه الأوّلی الواقعی النفس الامری و حینئذٍ لو ارید من الیقین الثانی غیر هذا المعنی لزم التفکیک الرکیک.

لأنّا نقول: ان التفکیک لازم فیما اذا لم یرد من الصدر و الذیل امر واحد و هو الحجة و هی تکون أعم من الیقین الوصفی ففی کلیهما یکون المراد هو الطریق المعتبر و حاصل المراد حینئذٍ ان مع قیام الطریق المعتبر سواء کان یقیناً وصفیا او حجة طریقیة لامجال لنقضه بالشک بل اللازم هو الأخذ به الّا مع قیام طریق معتبر آخر علی خلافه فیرفع الید حینئذٍ عن الحجة السابقة بالحجة اللاحقة فتحصل ان الاظهر ان تقدم الامارات علی الاستصحاب یکون من باب الورود لا الحکومة و هکذا الامر بالنسبة الی الأصول الّتی لم یؤخذ الیقین فی غایاتها لان موضوعها هو الشک و هو یساوی اللاحجة فمع الامارة لایبقی موضوعها.

ص:534

ثمّ أن مع العلم بوجه التقدیم من الحکومة او الورود لامجال للتوفیق العرفی.

خاتمة

و هی فی تبیین النسبة بین الاستصحاب و سائر الأصول العملیة عقلیة کانت او شرعیة و فی تبیین حکم التعارض بین الاستصحابین.

أما الأول فقد یقع الکلام بالنسبة إلیه فی أمرین:

أحدهما: فی تقدیم الاستصحاب علی الأصول العقلیة و لاإشکال فی ان وجه تقدیمه علیها هو الورود لوضوح ان موضوعها هو عدم البیان او عدم العلم بالمؤمّن او عدم وجود ما یرتفع به التحیّر فمع جریان الاستصحاب یرتفع موضوعها اذ الاستصحاب حجة و مؤمّن و یرتفع به التحیّر.

وثانیهما: فی تقدیم الاستصحاب علی الأصول الشرعیة و قد ذکروا فی وجه التقدیم وجوها مختلفة و قد یوجه ذلک بما وجه به تقدیم الامارات علی الاستصحاب من الورود بدعوی ان مع الاستصحاب لامورد للاصول الشرعیة اذ المراد من الشک و العلم فی تلک الأصول هو الشک و العلم به بوجه من الوجوه و لو بعنوان انه قام علیه دلیل شرعی و علیه فاذا علم بالحکم بوجه من الوجوه ارتفع الشک و حیث علمنا الحکم فی مورد الاستصحاب بعنوان النهی عن نقض الیقین بالشک فلایبقی موضوع لسایر الأصول.

و أورد علیه بانه کما ان الأخذ بالحالة السابقة یوجب العلم بعنوان کذلک الاخذ بالبراءة او الاشتغال او الأخذ بقاعدة الطهارة فای ترجیح للاستصحاب حتی یقدم و یؤخذ به دون غیره من الأصول.

ص:535

و قد یوجّه ذلک بالحکومة بدعوی ان دلیل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهی السابق بالنسبة الی الزمان اللاحق فقول لاتنقض الیقین بالشک یدل علی ان النهی الوارد لابدّ من ابقائه و فرض عمومه للزمان اللاحق و فرض الشیء فی الزمان اللاحق مما ورد فیه النهی فمجموع الروایة المذکورة و دلیل الاستصحاب بمنزلة ان یقال کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی و کل نهی ورد فی شیء فلابدّ من تعمیمه لجمیع ازمنة احتماله فیکون الرخصة فی الشیء و اطلاقه مغیّا بورود النهی المحکوم علیه بالدوام و عموم الازمان فیکون مفاد الاستصحاب نفی ما یقتضیه الاصل الاخر فی مورد الشک لولا النهی و هذا معنی الحکومة.

أورد علیه بانه لیت شعری ان معنی تعمیم دلیل لاتنقض للنهی السابق بالنسبة الی الزمان اللاحق هل هو غیر ان الحرمة مجعولة عند الشک فی بقاء الحرمة السابقة و ارتفاعها فبالاخرة یکون التحریم حکماً مجعولا فی ظرف الشک فیشکل بان الرخصة المستفادة من دلیل البراءة أیضاً کذلک فای وجه فی تقدیم الاول علی الثانی و قد یوجّه ذلک ان المدلول الابتدائی لدلیل لاتنقض هو ان المستصحب یکون علی یقین اذ الاستصحاب ادامة عمر المستصحب فی ظرف الشک و المستصحب کان هوالیقین بالحکم فالمعنی انک ایّها الشاک تکون علی یقین کما کنت کذلک سابقاً و لیس لک ان تنقض هذا الیقین و تعامل معاملة من لایقین له و علی هذا یقدم الاستصحاب علی سائر الأصول من جهة ان مدلوله الابتدائی ابقاء الیقین و الغاء الشک و أمّا المدلول الابتدائی فی سایر الأصول لیس التعبد بنفس الیقین و الغاء الشک تعبداً بل هو الترخیص او غیره و المفروض انه حکم فی ظرف الشک و الشک قد ارتفع تعبداً بدلیل الاستصحاب.

ص:536

أورد علیه بان الاستصحاب عبارة عن الحکم بترتیب آثار الیقین لا الحکم ببقاء الیقین و ان المستصحب بالکسر یکون متیقنا انتهی.

و الانصاف ان الظّاهر من أدلة الاستصحاب هو الحکم بابقاء الیقین و الحکم بترتیب آثار الیقین مترتب علی الحکم بابقاء الیقین بدلالة الاقتضاء و علیه فالبیان

المذکور یکفی لتقدم الاستصحاب علی سایر الأصول الشرعیة بالحکومة فان مع ابقاء الیقین تعبداً لایبقی مورد لتلک الأصول لتقومها بوجود الشک.

فتحصل ان الاستصحاب مقدم علی الأصول العقلیة بالورود و علی الأصول الشرعیة بالحکومة و الیه یرجع ما هو المعروف من ان الاستصحاب من الأصول المحرزة و یتقدم علی الأصول الشرعیة کما یتقدم الامارات علی الأصول و الله هو العالم.

تعارض الاستصحابین

ان کان التعارض بین الاستصحابین من جهة عدم امکان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة فی احدهما کاستصحاب وجوب ازالة النجاسة عن المسجد و استصحاب وجوب اداء الفریضة مع صیرورة وقت الفریضة ضیقا فهو من باب تزاحم الواجبین فاللازم هو مراعاة الاهم اذا کان کما هو الظّاهر فی اداء فریضة الصلاة و إلّا فالتخییر فلاتعارض.

و ان کان التعارض لاجل العلم بانتقاض الحالة السابقة فی أحدهما فتارة یکون الشک فی أحدهما مسببا عن الشک فی الآخر و اخری لایکون کذلک ففی الاول ان کان أحدهما اثرا شرعیاً للآخر فلامورد إلّا للاستصحاب فی طرف السبب و ذلک لان اللاستصحاب فی طرف المسبب موجب لتخصیص الخطاب و جواز نقض الیقین

ص:537

بالشک فی طرف السبب بعدم ترتیب اثره الشرعی فان من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به بخلاف الاستصحاب فی طرف السبب فانه بلامحذور علیه فاللازم هو الأخذ بالاستصحاب السببی الّا اذا لم یجر الاستصحاب السببی کتبادل الحالتین فحینئذٍ یجری الاستصحاب المسببی و لامحذور فیه مع وجود ارکان الاستصحاب و عموم خطابه فلاتعارض أیضاً و الوجه فی تقدم الاستصحاب السببی علی المسببی اما هو الورود او الحکومة او التقدم الطبیعی و لایبعد الورود بعد کون المراد من الیقین فی صدر الروایة و ذیلها امر واحد یعم الحکم بالعنوان الأوّلی و الثانوی و اما التقدم الطبعی من جهة ان المسببی معلول للسببی ففیه ان موضوع ادلة الاحکام انما هو الاشیاء بوجوداتها الخارجیة و لیس المنظور الیها رتبها العقلیة فالمعیّة الوجودیة توجب کونهما مشمولین للعام فی عرض واحد.

أللّهمّ إلّا أن یقال: ان العرف لایرونهما متساویین بل یرون المزیة للشک السببی و یکون الامر عندهم دائرا بین التخصیص و التخصص اذ تقدم السبب یوجب رفع الشک عن الثانی عرفاً بخلاف تقدم المسبب فانه یوجب تخصیص لاتنقض مع وجود ارکانه من الشک و الیقین فمع جریان الاستصحاب فی السببی لاتعارض.

لایقال: ان صحیحة زرارة تشهد بان الاصل السببی لایجری و الجاری هو المسببی فان الامام علیه السّلام فی تعلیل جریان الاستصحاب قال فانه علی یقین من وضوئه ولاینقض الیقین أبداً بالشک ولکن ینقضه بیقین اخر و لم یقل فانه علی یقین بعدم وجود الناقض و لاینقض الیقین أبداً بالشک ولکن ینقضه بیقین آخر مع ان الشک فی بقاء الوضوء و عدمه ناشٍ من الشک فی حدوث ناقض و عدمه.

ص:538

لأنّا نقول: ان دلیل اعتبار الاستصحاب ینهی عن النقض و هو مختص بالأصول المخالفة لا الموافقه اذ لایتحقق النقض من جریانها و علیه فلامانع من اجتماعهما فکما ان الاستصحاب یجری فی عدم حدوث الناقض کذلک یجری الاستصحاب فی بقاء الوضوء و الطهارة و علیه فتمسک الامام علیه السّلام باستصحاب بقاء الوضوء و الطهارة لاینافی جریان الاصل فی طرف سببه و هو عدم الناقض هذا مضافاً الی دلالة بعض الاخبار علی جریان الاستصحاب فی طرف السبب مثل ما ورد فی الفأرة الّتی وقعت فی الاناء فصارت منسلخة سأل عمار بن موسی الساباطی عن الرجل یجد فی إنائه فارة و قد توضأ من ذلک الاناء مرارا و غسل منه ثیابه و اغتسل منه و قد کانت الفارة منسلخة فقال ان کان رآها فی الاناء قبل ان یغتسل او یتوضأ او یغسل ثیابه ثمّ فعل ذلک بعد ما رآها فی الاناء فعلیه ان یغسل ثیابه و یغسل کل ما أصابه ذلک و یعید الوضوء و الصلاة و ان کان انما رآها بعد ما فرغ من ذلک و فعله فلایمسّ من الماء شیئا و لیس علیه شیء لانه لایعلم متی سقطت فیه ثمّ قال لعله ان یکون انما سقطت فیه تلک الساعة الّتی رآها.

بدعوی انه حکم الامام علیه السّلام فیه بعون استصحاب عدم وقوع الفارة الی أن وقع الفراغ من الوضوء و غسل الثیاب بعدم وجوب اعادة الوضوء و الصلاة و غسل الثیاب مع ان مقتضی الاستصحاب فی کل منها وجوب الاعادة ففی الاولین استصحاب الاشتغال و فی الاخیر استصحاب نجاسة الثوب فیعلم من عدم الاعتناء بهذه الاستصحابات و اجراء استصحاب عدم وقوع الفارة الی أن وقع الفراغ تقدم الاصل السببی علی المسببی فیما اذا کان متخالفین.

فتحصل ان الاستصحاب فی طرف السبب مقدم علی الاستصحاب فی طرف المسبب فلاتعارض أیضاً هذا کله فیما اذا کان أحدهما مسببا عن الأخر.

ص:539

إذا کان مسببین عن أمر ثالث

ذهب المعروف الی جریان الاستصحاب فیهما ان لم یستلزم من جریان الاستصحاب فیهما محذور المخالفة القطعیة للتکلیف الفعلی المعلوم اجمالا و هو مقتضی وجود المقتضی و هو اطلاق الخطاب و عدم المانع.

فاذا کانت الحالة السابقة هی النجاسة و علم بطهارة أحدهما فلایلزم من استصحاب النجاسة فی الطرفین مخالفة عملیه و لاتعارض و لایضر بذلک تذییل بعض الروایات ب «ولکن تنقض الیقین بالیقین» بدعوی انه یمنع عن شمول قوله فی الصدر «لا تنقض الیقین بالشک» للیقین و الشک فی اطراف المعلوم بالاجمال للزوم المناقضة ضرورة المناقضة بین السلب الکلی و الایجاب الجزئی.

و ذلک لان علی تقدیر تسلیم المناقضة و عدم کون المراد من الیقین فی قوله ولکن تنقض الیقین بالیقین الیقین التفصیلی الناقض غایته انه یمنع عن انعقاد الاطلاق فی الخبر المذیل بذلک و لایمنع عن شمول النهی فی سائر الاخبار مما لیس فیه هذا الذیل اذ اجمال هذه الروایة لایسری الی غیرها مما لیس فیه ذلک الذیل هذا کله فیما اذا لم یستلزم من جریان الاستصحاب فیهما محذور المخالفة القطعیة و اما اذا استلزم من جریان الاستصحاب مخالفة عملیة فلایجری الاستصحاب کما اذا علم بنجاسة احد الانائین اللذین کانت الحالة السابقة فیهما هی الطهارة فان استصحاب الطهارة فیهما موجب للمخالفة القطعیة بل لایجری فی طرف منه أیضاً لوجوب الموافقة القطعیة له عقلاً و مع جریانه یلزم محذور المخالفة الاحتمالیة و علیه فلامجال لجریان الاستصحاب حتی یکون الاستصحاب فیهما متعارضین هذا بحسب المعروف من عدم جریان الاستصحاب فی اطراف المعلوم بالاجمال.

ص:540

ذهب سیّدنا الاستاذ إلی أن الاقوی ان الاصل یجری فی أطراف المعلوم بالاجمال مع قطع النظر عن الاخبار الخاصة و لایلزم من ذلک التعارض و التساقط و لافرق بین استلزام ذلک للمخالفة القطعیة و عدمه.

و الوجه فیه ان موارد العلم الاجمالی کلها یکون من قبیل العلم بالحجة الاجمالیة و العلم الاجمالی لشوبه مع الشک یکون معلقا علی عدم ورود الترخیص الشرعی فی أحد الأطراف و الّا فیجوز رفع الید عنه فی الظّاهر بمجییء الترخیص الشرعی الظاهری لامکان الجمع بینهما کالجمع بین الأحکام الظاهریة و الواقعیة بسقوطها عن الفعلیة.

لامن قبیل العلم بالارادة الواقعیة النفس الامریة و الّا فوجب الاحتیاط لتحصیل الموافقه القطعیة.

بل لو وجدنا مورد الشک فی الحکم بدوا ولکن علم انه علی فرض ثبوته کان علی طبقه ارادة واقعیة نفس الامریة وجب الاحتیاط و لم یجز الرجوع الی البراءة و فی غیر هذه الموارد یجوز للشارع الترخیص سواء کان فی الشبهة البدویة او المقرونة بالعلم الاجمالی مع قطع النظر عن الاخبار الخاصة فلاتعارض فی جریان الاستصحاب فی امثال هذه الموارد و اما مع ملاحظة الروایات الخاصة فاللازم هو الاحتیاط التام فی اطراف المعلوم بالاجمال و مع لزوم الاحتیاط التام فلامجال لجریان الاستصحاب و لو فی طرف من الاطراف ولکن تختص تلک الروایات بالشبهة المحصورة و شبهة القلیل فی القلیل لاالقلیل فی الکثیر و بموارد الابتلاء و اما فی غیر هذه الموارد امکن الرجوع الی عموم ادلة البراءة او الاستصحاب فی اطراف المعلوم بالاجمال کما عرفت آنفاً.

ص:541

تذنیب

یلاحظ فیه الاستصحاب مع بعض قواعد اخری المجعولة شرعاً من جهة تقدمه علیها او تقدمها علیه.

و لایخفی علیک ان قاعدة التجاوز فی حال الاشتغال بالعمل و قاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه و اصالة الصحة فی عمل الغیر و غیر ذلک من القواعد المقررة فی الشبهات الموضوعیة إلّا القرعة تکون مقدمة علی استصحاباتها المقتضیة لفساد ما شک فیه من الموضوعات لتخصیص دلیل الاستصحاب بادلة القواعد المذکورة و کون النسبة بین الاستصحاب و بعض قواعد اخر هی العموم من وجه لایمنع عن تخصیص الاستصحاب بهذه القواعد اذا الملاک فی التخصیص لزوم لغویة احد الدلیلین علی تقدیر عدم الالتزام بتخصیص الدلیل الاخر و هذا موجود فی المقام اذ لم یوجد مورد من موارد العمل بالقواعد المذکورة لم یکن الاستصحاب فیه مخالفا إلّا فی موردین احدهما تبادل الحالتین المتضادتین و ثانیهما ما اذا کان الاستصحاب مطابقا للقواعد کما اذا شک بعد الفراغ من الصلاة فی طروّ مانع من موانع الصلاة حین الاشتغال بها فان استصحاب عدم طرو المانع موافق لقاعدة الفراغ کما هو ظاهر.

اما ملاحظة الاستصحاب مع قاعدة القرعة فقد قال سیّدنا الاستاذ قدّس سرّه التحقیق ان یقال ان اخبار القرعة علی ثلاث طوائف.

الاولی: ما یفید ان القرعة لکل امر مشکل لم یتبیّن حکمه من الکتاب و السنة.

الثانیة: ما یدل علی جریان القرعة فی المشتبه من حیث الموضوع فی خصوص باب التنازع الثالثة ما یدل علی جریانها فی کل امر مشتبه.

ص:542

اما الطائفة الاولی فموردها ما اذا لم یتبین الحکم مطلقاً لا ظاهراً و لاواقعاً لا من الکتاب و لا من السنة و لا من غیرهما و یرتفع الاشکال بمجرد ثبوت الحکم و لو فی الظّاهر و علیه یکون دلیل الاستصحاب وارداً علی دلیل القرعة و مقدماً علیه و اما الطائفة الثانیة فموردها و ان کان هو خصوص الشبهات الموضوعیة فی خصوص باب التنازع و من هذه الجهة یکون خاصا بالنسبة الی مورد الأصول الا انها تعم مورد الأصول و غیره و تکون بهذه الملاحظة عامة بالنسبة الیه من جهة اخری و بالاخرة یکون النسبة بینهما الاعم و الاخص من وجه الا ان الظّاهر من قوله علیه السّلام «انه یخرج سهم الحق و انه سهم الله و سهم الله لایخیب» ان القرعة ناظرة الی الواقع و کاشفة عنه و کان حجیتها من باب الطریقیة و الاماریة و علیه فتقدمها علی الأصول کتقدم سایر الامارات علیها.

و اما الطائفة الثالثة فموردها خصوص الشبهات الموضوعیة لعدم شمول اخبار القرعة للشبهات الحکمیة و لهذه الجهة تصیر اخص من موارد ادلة الأصول الا انها تعم مورد الأصول و غیرها و بهذه الملاحظة تکون النسبة عامین من وجه الا ان الامر هنا بالعکس لان الأصول مقدمة علی القرعة و لو کانت طریقة اذ لو عکس الامر وجب تخصیص ادلة الأصول بالشبهات الحکمیة و هو مستلزم لخروج المورد فی اخبار البراءة و الاستصحاب و خروج ما هو القدر المتیقن من شمول اخبار الاحتیاط عنها و کل ذلک قبیح مستهجن فلهذا یعکس الامر و یقدم الأصول علیها کی لایلزم المحذور هذا کله بالنسبة الی الأصول النقلیة.

و اما الأصول العقلیة فمقتضی القاعدة ورود القرعة علیها الا ان التقدیم الی خصوص قاعدة الاشتغال خارج عن طریقة المسلمین و سیرة المتشرعین حیث لم یکونوا یکتفون بالامتثال الاحتمالی فیما اصابته القرعة فافهم.

ص:543

فتحصّل: ان الاستصحاب یقدم علی القرعة فی الطائفة الاولی و الطائفة الثالثة اذ مع تقدیم الاستصحاب لایبقی لها موضوع فی الطائفة الاولی و هو الاشکال و فی الطائفة الثالثه و هو الاشتباه.

و القرعة مقدمة علی الاستصحاب فی الصورة الثانیة سواء قلنا باماریة الاستصحاب او لم نقل لان القرعة ناظرة الی الواقع و کاشفة عنه و کان حجیتها من باب الطریقیة و الاماریة و علیه فتقدم القرعة علی الاستصحاب کتقدم سایر الامارات علیه هذا کله بالنسبة الی الأصول النقلیة

و اما الأصول العقلیة فمقتضی القاعدة هو ورود القرعة علیها الا ان التقدیم بالنسبة الی خصوص قاعدة الاشتغال خارج عن طریقة المسلمین و سیرة المتشرعة حیث لم یکونوا یکتفون بالامتثال الاحتمالی فیما اصابته القرعة أللّهمّ إلّا أن یقال ان الامتثال بعد کون قاعدة القرعة من الامارات لیس احتمالیا فافهم و الله هو الهادی و لله الحمد أولاً و آخراً.

ص:544

المقصد الثامن: فی التعادل و التراجیح

اشارة

ص:545

ص:546

فی التعادل و التراجیح

اشارة

وفیه فصول:

الفصل الأول: فی تعریف التعارض و الوجه فی تقدیم تعریف التعارض أن مورد التعادل و التراجیح هو الدلیلان المتعارضان.

و التعارض لغة من العرض بمعنی الاظهار و غلّب فی الاصطلاح علی تنافی الدلیلین و تمانعهما بالتناقض، کما اذا دلّ أحدهما علی وجوب شیء والآخر علی عدم وجوبه، أو بالتضاد، کما إذا دلّ أحدهما علی وجوب شیء و الآخر علی حرمته.

و لاینافی کون التعارض وصفا للدالّین المنافاة الموجودة بین المدلولین، بل هی موجبة لتعارض الدالین، فالتعارض من أوصاف الدلیلین أو الأدلة لا من أوصاف المدلول حتی یکون لحوقه بالدلیلین من باب الوصف بحال متعلّقه؛ یقال تعارض الرجلان أی أظهر کلّ منهما نفسه لصاحبه علی وجه لایجتمع معه فی جانب، و هو بهذا الاعتبار غلّب فی عرف الأصولیین علی تعارض الدلیلین؛ و لذا عرّف بتنافی الدلیلین. و ظاهر أنّ تعارض الدلیلین إنّما هو باعتبار دلالتهما، کما لو دلّ أحدهما علی وجوب شیء و الآخر علی تحریمه مثلا، فإن الأوّل کأنه بدلالته علی الوجوب ینفی التحریم و الثانی بدلالته علی التحریم ینفی الوجوب.

ص:547

و بعبارة أخری إن أرید من التعارض التنافی فی الوجود فهو حقیقة و بالذات لایعقل إلّا فی المدلولین أو فی االدلیلین بما هما دلیلان و حجتان لا فی الدالین بما هما کاشفان نوعیان، إذ لاتعارض فی مرحلة الدلالة و مقام الاثبات، لأن الدالین الکاشفین لیس دلالتهما و کشفهما بالکشف التصدیقی القطعی أو الظنی الفعلی حتی یستحیل اجتماعهما بالذات، بل بالکشف النوعی لایتقوم إلّا بمکشوفین بالذات لاتمانع بینهما من حیث نفسهما.

لکن یوصف الدالان بوصف المدلولین بحمل الشایع بالعرض لما بینهما من الاتحاد جعلا و اعتبارا، فتنافی المدلولین فی هذه الصورة واسطة فی عروض التنافی علی الدالین لاواسطة فی الثبوت، و إن أرید من التعارض أخص من مطلق التنافی نظرا إلی أنه لایوصف الوجوب و الحرمة بانهما متعارضان و إن وصفا بأنهما متنافیان، و کذلک الحجیة لاتوصف بالمعارضة و إن وصفت بالمنافاة، بل یوصف ما دلّ علی الوجوب و ما دلّ علی عدمه مثلاً بالمعارضة، فیقال تعارض الخبران لاتعارض الحکمان، فالتعارض من أوصاف الدال بما هو الدال بالذات لابالعرض، فالمنافاة بین المدلولین فی هذه الصورة واسطة فی ثبوت المعارضة فی الخبرین.

و دعوی أن الظهور الدلالی مجردا عن الإرادة الجدیة لیس بحجّة و لابمعارض مع دلیل آخر، و علیه فالتعارض هو تنافی الدلیلین بحسب کشفهما عن الإرادة الجدیة و هو قد یختلف و ینقلب بورود دلیل آخر.

مندفعة بأن التعارض من العرض و هو بمعنی الإظهار و الدالان المتنافیان لکل منهما ثبوت و یظهر کل منهما نفسه علی الآخر، بخلاف المدلولین أو الحجتین کما عرفت، فإنه لاثبوت إلّا لأحدهما فلامعنی لإظهار کل منهما نفسه علی صاحبه و

ص:548

خلوهما عن الإرادة الجدیة لایوجب عدم معارضتهما بعد وجود الإرادة الاستعمالیة، کما لایستلزم بعد خروج فرد عن الإرادة الجدیة خروجه عن کونه حقیقة.

و لعل رفع التنافی بین الدالین بالتوفیق العرفی أو بالحکومة من شواهد کون مورد التعارض هو الدلالة، و إلّا فالمضادة بین المدالیل موجودة و لیست بمرتفعة.

لاتعارض بین الأصول و الأمارات

ثمّ إن التعارض لایتحقق إلّا بعد اتّحاد الموضوع بین الأصول و الأمارات، و إلّا فلایمتنع اجتماعهما.

ومنه: یعلم أنه لاتعارض بین الأصول و ما یحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادیة، لأنّ موضوع الحکم فی الأصول الشیء بوصف أنه مجهول الحکم و موضوع الحکم الواقعی الفعل من حیث هو، فإذا لم یطلع علیه المجتهد کان موضوع الحکم فی الأصول باقیا علی حاله، فیعمل علی طبقه و إذا اطلع المجتهد علی دلیل یکشف عن الحکم الواقعی فإن کان بنفسه یفید العلم صار المحصّل له عالما بحکم العصیر مثلاً (و هو الحرمة)، فلایقتضی الأصل حلّیته لأنه إنما اقتضی حلیة مجهول الحکم، فالحکم بالحرمة لیس طرحا للأصل، بل هو بنفسه غیر جار و غیر مقتض، لأن موضوعه مجهول الحکم و هو مرتفع بحصول العلم. و إن کان بنفسه لایفید العلم بل هو محتمل الخلاف لکن ثبت اعتباره بدلیل علمی، فإن کان الأصل ممّا کان مؤداه بحکم العقل کأصالة البراءة العقلیة و الاحتیاط و التخییر العقلیین فالدلیل وارد علیه و رافع لموضوعه، لأن موضوع الأول عدم البیان و موضوع الثانی احتمال العقاب و مورد الثالث عدم الترجیح لأحد طرفی التخییر و کل ذلک یرتفع بالدلیل الظنی.

ص:549

و إن کان مؤدی الأصل من المجعولات الشرعیة کالاستصحاب کان ذلک الدلیل حاکما علی الأصل بمعنی أنه یحکم علیه بخروج مورده عن مجری الأصل، فالدلیل العلمی المذکور و إن لم یرفع موضوعه أعنی الشک إلّا أنه یرفع حکم الشک أعنی الاستصحاب فالدلیل إما وارد علی الأصول أو حاکم علیها و علی أیّ تقدیر لاتعارض بین الأمارات و الأصول.

وجه تقدیم الأمارات علی الأصول

و قد یقال إن حکومة الأمارات علی الأصول متفرعة علی أن الأمر بالتصدیق فی أدلة اعتبارها أمر بالتصدیق الجنانی و إلقاء احتمال الخلاف تعبدا و هو غیر ثابت لاحتمال أن یکون الأمر بالتصدیق مفیدا للتصدیق العملی. و علیه لانظارة لأدلة اعتبار الأمارات، و مع عدم النظارة لامعنی للحکومة، و لذا ذهب فی الکفایة إلی أن وجه تقدم الأمارات علی الأصول هو التوفیق العرفی لأن العرف لایکاد یتحیر فی تقدیم الأمارات علی الأصول بعد ملاحظتهما، إذ لایلزم منه التخصیص أصلا، لأنه نقض الیقین بالیقین أو رفع الشک بالعلم بخلاف العکس، فإنه یلزم فیه محذور التخصیص، فإذا دار الأمر بین التخصیص و التخصص فالثانی مقدم بحکم العرف.

و لیس وجه التقدم هو الحکومة لعدم کون أدلة الأمارات ناظرة إلی أدلة اعتبار الأصول و تعرضها لبیان حکم موردها لایوجب کونها ناظرة، و إلّا کانت أدلة اعتبار الأصول أیضاً کذلک؛ هذا مضافا إلی إمکان أن یقال نفی احتمال الخلاف فی الأمارات لیس نفیا لفظیا حینئذ، بل هو نفی عقلی لازم لحجیة الأمارات. و کیف کان فلاتعارض بین الأمارات و الأصول لعدم تحیر العرف فی الجمع بینهما، و لذا یکون خارجاً عن موضوع التعادل و التراجیح.

ص:550

لاتعارض بین الأمارات بعضها مع بعض

و لایذهب علیک أنه لاتعارض بین الدلیلین بمجرد تنافی مدلولیهما إذا کان بینهما حکومة بأن یکون أحدهما سیق ناظراً إلی بیان کمیة ما أرید من الآخر بحسب الإرادة الجدیة مقدماً کان أو مؤخرا أو کان علی نحو إذا عرضا علی العرف وفق بینهما بالتصرف فی خصوص أحدهما، کما هو مطرد فی مثل الأدلة المتکفلة لبیان أحکام الموضوعات بعناوینها الأولیة مع مثل الأدلة النافیة للعسر و الحرج و الضّرر و الإکراه و الاضطرار مما یتکفل لأحکامها بعناوینها الثانویة، حیث یقدم فی مثلهما الأدلة النافیة و لا تلاحظ النسبة بینهما أصلاً.

و قد یتفق ذلک فی غیرهما کما إذا کان الطرفان من العناوین الأولیة کقولهم لحم الغنم حلال و المغصوب حرام، فإنهما و إن کانا من العناوین الأولیة إلّا أن العرف یقدم الثانی علی الأول. و إن کان النسبة بینهما هی العموم من وجه أو وفق بینهما بالتصرف فیهما، فیکون مجموعهما قرینة علی التصرف فیهما أو فی أحدهما المعین و لو کان الآخر أظهر. و کیف کان فمع الجمع بینهما بالنظارة أو بالوفق العرفی بالتصرف فی خصوص أحدهما أو بالتصرف فی کلیهما لایبقی التعارض حتی یکون داخلا فی باب التعادل و التراجیح.

لاتعارض بین النصّ و الظاهر

ثمّ إنّه لاتعارض بین الدلیلین إذا کان أحدهما قرینة عند العرف علی التصرف فی الآخر کما فی الظّاهر مع النص أو الأظهر کقوله لابأس بفعله مع لاتفعل أو لابأس بترکه مع إفعل، فیرفع الید عن الظهور بنصّ الآخر أو بالأظهر أو ککون کل واحد ظاهراً فی التعیین، فیرفع الید عن الظهور بنصّ الآخر فی الإجزاء بغیره فیحکم بالتخییر.

ص:551

و بالجملة الأدلة فی هذه الصورة و إن کانت متنافیة بحسب مدلولاتها إلا أنها غیر متعارضة بحسب مقام الدلالة، و علیه لایبقی تعارض حتی یکون داخلا فی باب التعادل و التراجیح.

مورد التعارض بین الأخبار

قال فی الکفایة: و إنما یکون التعارض بحسب السند فیما إذا کان کل واحد منها قطعیا دلالة وجهة أو ظنیّاً فیما إذا لم یمکن التوفیق بینهما بالتصرف فی البعض أو الکل، فإنّه حینئذ لامعنی للتعبد بالسند فی الکل اما للعلم بکذب أحدهما أو لأجل أنّه لامعنی للتعبد بالصدور مع الإجمال إذ التعبد لترتب الأثر و مع الإجمال لایمکن ذلک فیقع التعارض بین أدلة السند انتهی.

و لایخفی علیک أن قطعیة الدلالة و الجهة علی تقدیر وجودهما لاتلازم قطعیة التحمل و الحفظ و الأداء حتی تکون ملازمة للعلم بعدم صدور أحدهما و یکون الاختلال من ناحیة السند، و علیه فمع عدم العلم بعدم الصدور أمکن التعبد بصدورهما کما أن مع إمکان ترتیب الآثار علی المجموع و هو نفی الثالث یصح التعبد بصدور الأدلة مع إجمالها، فلاوجه لقوله و لامعنی للتعبد بصدورها.

وبالجملة إذا کان الاختلاف مستقرا دائمیا و لاجمع بین الأطراف بحسب العرف یتحیّر العرف و یحکم بورود خلل فی بعض الأدلة و الأصول الجاریة فی الأطراف إما فی ناحیة الصدور و إما فی ناحیة الإرادة و إما فی ناحیة جهة الإرادة. و حیث إنه لامزیة لإحدی الجهات علی الأخری کان جمیع الجهات موردا للتعارض لاخصوص السند، إلا إذا کان بینهما ما کان قطعیا من جمیع الجهات، فهو خارج عن أطراف العلم الإجمالی و بقی الباقی طرفا له. و کیف کان فلاوجه لحصر مورد التعارض فی تعارض السند.

ص:552

هذا مضافا إلی عدم تصور التعارض فی الدلیلین القطعیین و لا الظنیین بالظن الفعلی، إذ القطع بالمتنافیین، و کذا الظن الفعلی بهما محال. و إنما التعارض فی الدلیلین الظنیین بالظن النوعی کما هو الحال فیما بأیدینا من الطرق و الأمارات، من باب إفادة نوعها الظن لا من باب الظن الفعلی کما لایخفی.

المعیار فی الحکومة

و لایخفی علیک خروج موارد الورود أو الحکومة أو التوفیق العرفی أو التخصیص و التقیید عن مورد التعارض لکمال التلائم بین الدلیلین فی هذه الموارد، و لاکلام فیه إلّا من جهة توضیح بعضها کالحکومة.

و هو أن الدلیل الحاکم بمنزلة أعنی فی النظارة إلی بیان المراد من المحکوم کمیة أو کیفیة و لذا یوسع الحاکم أو یضیق دائرة الإرادة الجدیة من موضوع الدلیل المحکوم و لیس تفسیر الحکومة بذلک مستلزما لحصر الحاکم فیما إذا اشتمل علی کلمة التفسیر بمثل أعنی و أی، لوضوح أن قوله علیه السّلام لاشک لکثیر الشک أو لاربا بین الوالد و الولد من موارد الحکومة مع أنه خال عن کلمة التفسیر، و علیه فالتفسیر بمثل أعنی و أی من باب المثال.

و لایستلزم التفسیر الحکومة بما ذکر لتقدم المحکوم علی الحاکم بحسب الزمان لتوهم تقوم الشرح و الحکومة بذلک. و الوجه فی عدم الإستلزام أن المشروح المقوم للشارح أو المحکوم المقوم للحاکم فی مقام الشارحیة و الحکومة هو وجوده العنوانی الذی له ثبوت فعلی بثبوت الشارح بالذات و هو تقدم طبیعی تقدم الموضوع علی محموله و المتأخر بالزمان هو المشروح بالعرض الذی لایکون مقوما للشارح أو الحاکم کما لایکون المعلوم بالعرض مقوما للعالم.

ص:553

و کیف کان فمحل البحث فی التعادل و التراجیح هو موارد التعارض لا الموارد الّتی لاتعارض فیها کالموارد المذکورة من الورود و الحکومة و غیرهما.

الفصل الثانی: فی مقتضی الأصل الأوّلی فی المتعارضین و الأصل الأولی فیهما علی ما هو المعروف بناء علی الطریقیة هو سقوطهما عن الحجیة فی خصوص مفادهما. و ذلک لأن المتعارضین لایصیران من قبیل الواجبین المتزاحمین، للعلم بعدم إرادة الشارع سلوک الطریقین معا إذ أحدهما مخالف للواقع قطعاً، فلایکونان طریقین إلی الواقع و لو فرض محالاً إمکان العمل بهما کما یعلم إرادته لکل من المتزاحمین فی نفسه علی تقدیر إمکان الجمع.

فإذا عرفت عدم إرادة الشارع سلوک الطریقین معاً لمخالفة أحدهما للواقع قطعاً لزم الحکم بالتوقف لابمعنی أن أحدهما المعین واقعا طریق و لانعلمه بعینه، کما لو اشتبه خبر صحیح بین خبرین بل بمعنی أن شیئا منهما لیس طریقا فی مؤدّاه بخصوصه فیتساقطان من حیث جواز العمل لکل واحد منهما لعدم کونهما طریقین و مقتضاه هو الرجوع إلی الأصول العملیة. هذا علی تقدیر القول بأن دلیل حجیة الخبر تدلّ علی حجیته من حیث هو مع قطع النظر عن حال التعارض. و أما إن قلنا بإطلاق دلیل الحجیة لحال التعارض، فالوجه هو التخییر لأن جعل الخبرین حجة فی حال التعارض لا معنی له إلّا التخییر؛ إلا أن یقال لم یظهر من أدلة حجیة الخبر هذا الإطلاق. نعم، یمکن القول بحجیة أحدهما لابعینه کما سیأتی تقریبه إن شاء الله تعالی.

ثمّ إنه لاثمرة لتأسیس هذا الأصل بالنسبة إلی الأخبار الآحاد لورود الأخبار العلاجیة فیها و هی متکفلة لبیان حکم تعارض الأخبار الآحاد و لاثمرة للأصل مع

ص:554

وجود الدلیل. نعم یثمر الأصل المذکور فی تعارض غیر الأخبار الآحاد مما لم یرد فیه الأخبار العلاجیة لتعارض البینات فی الشبهات الموضوعیة أو کالتعارض بین الخبرین المتواترین أو کالتعارض بین فردین من قاعدة الید الّتی تکون أمارة من الأمارات.

الفصل الثالث: فی نفی الثالث و الرابع و الخامس و التخییر بناء علی الطریقیة مع عدم إطلاق أدلة الاعتبار لحال التعارض.

و حاصل الکلام أن سقوط المتعارضین یکون بالنسبة إلی مدلولهما المطابقی لابالنسبة إلی المدلول الالتزامی، و علیه فإذا تعارض الخبران فی وجوب الظهر و الجمعة مثلاً مع العلم بکذب أحدهما یسقطان من حیث دلالتهما علی خصوص الظهر أو الجمعة فلاحجة علی خصوص الجمعة و لا علی خصوص الظهر. و الوجه فیه هو عدم إمکان التعبد بالمتعارضین فإن التعبد بهما یرجع إلی التعبد بالمتناقضین و هو غیر معقول، و لاوجه للتعبد بخصوص أحدهما بعینه دون الآخر لبطلان الترجیح بلامرجح. و أما شمول أدلة الاعتبار بالنسبة إلی أحدهما لابعینه و حجیته فهو المستفاد من الکفایة و مع حجیة أحدهما لابعینه ینفی بدلالته الالتزامیة الثالث و غیره من أشباهه.

و بیان ذلک أن التعارض لایوجب إلا العلم بکذب أحدهما و هو لایکون مانعا عن حجیة الآخر، إلا أنه حیث کان بلاتعیین و لاعنوان واقعا فإنه لم یعلم کذبه إلا کذلک لم یکن واحد منهما بحجة فی خصوص مؤداه لعدم التعیین فی الحجة أصلا ولکن نفی الثالث و نحوه یکون من جهة بقاء أحدهما علی الحجیة و صلاحیته علی ما هو علیه من عدم التعیین لنفی الثالث لا من جهة بقائهما علی الحجیة.

ص:555

لایقال: إن نفی الثالث و غیره من الأحکام الخمسة و نفی التخییر من جهة الدلالة الالتزامیة فی المتعارضین و هی تابعة للدلالة المطابقیة، و المفروض سقوط الدلالة المطابقیة فی المتعارضین، و معه لامجال للدلالة الالتزامیة لکونها تبعا للدلالة المطابقیة، لأنّا نقول: التبعیة فی الحدوث لا البقاء.

هذا مضافا إلی أن نفی الأمور المذکورة من جهة حجیة أحدهما لابعینه لکونه مشمولا لأدلة الاعتبار و مقتضاها هو حجیة دلالته الالتزامیة التابعة لدلالة المطابقیة له إذ التبعیة بین الدلالة الالتزامیة و المطابقیة فی أحدهما لا بعینه لابینها و بین المتعارضین حتی تکون ساقطة بسقوط المطابقیة.

و قد یشکل ذلک بأن أحدهما لابعینه لیس فرداً لعموم ما دلّ علی اعتبار الأخبار لأن دلیل الاعتبار إنما یشمل کل واحد من الطریق معینا لا الواحد الغیر المعین و لولا ذلک لما کان للحکم بالتساقط من رأس وجه.

واُجیب عنه أولاً: بأن التساقط من حیث الخصوصیات لاینافی حجیة أحدهما لابعینه مع ترتب الأثر علیه و هو نفی الثالث و غیره.

وثانیاً: بأن أصالة العموم الجاریة فی أدلة الاعتبار لاترفع الید عنها إلّا بالنسبة إلی أحدهما، و علیه فیبقی الآخر علی تحت عموم العام و مقتضاه هو حجیته فی الدلالة المطابقیة و الالتزامیة کلیهما، فلامانع من شمول الأدلة للکلی المذکور و هو عنوان أحدهما لابعینه کما یشمل عموم دلیل اعتبار الاستصحاب لمورد العلم بنجاسة أحد الطرفین لابعینه فی المعلوم بالإجمال مع أنه عنوان لابعینه.

وثالثاً: بأنه لو سلم عدم شمول أدلة الاعتبار لعنوان أحدهما لابعینه أمکن الاستدلال بالمناط و ملاک حجیة الأخبار بالأولویة بالنسبة إلی نفی الثالث و

ص:556

نحوه، إذ ملاک الحجیة هو الاطمئنان بالصدق لکون احتمال الإصابة فیه کثیرا بحیث یساوی 99% فی قبال الاشتباه و هو 1%، و هذا الملاک و المناط موجود بالنسبة إلی نفی الثالث بنحو أشد، و ذلک لأن تقارن اشتباه راو آخر کمحمد بن مسلم مع اشتباه زرارة 2% بخلاف احتمال الإصابة و عدم مقارنة الاشتباه، فإنه 198 من مأتین فإذا کان الاطمئنان الحاصل من کل خبر حجة فالاطمئنان الحاصل بالخبرین بکون الاشتباه فی غیر مورد المقارنة أولی بالحجیة و أشدّ بالنسبة إلی الاطمئنان الحاصل بکل خبر. و هذا یفید أن الثالث و نحوه منفی بنحو أشد و معنی نفی الثالث أن أحدهما لابعینه حجة من جهة الاطمئنان القوی بوجوده.

نعم، هذا التقریب یختص بالأمارات المبتنیة علی الاطمینان النوعی الذی یکون حجة ذاتیة کالعلم و لایأتی فی الأمارات الّتی کانت مبتنیة علی التعبد و أصالة العموم من باب التعبد العقلائی، أللّهمّ إلّا أن یقال إن اعتبار أصالة العموم کغیرها من الأصول اللفظیة من باب الاطمینان و الأماریة أیضا فتدبر.

هنا إشکالات أخری

أحدها: أن الصفات الحقیقیة أو الاعتباریة لایعقل أن تتعلّق بالمبهم و المردد، إذ المردد لاثبوت له ذاتا و وجودا و ماهیة و هویة، و ما لا ثبوت له بوجه یستحیل أن یکون مقوما و مشخصا بصفة حقیقیة أو اعتباریة.

اجیب عنه: بأنّ مفهوم أحدهما مردد بالحمل الأولی لا بالحمل الشایع الصناعی، إذ هذا المفهوم المردد إذا لوحظ ثانیا کان مفهوماً معلوما و بهذه الملاحظة یصح أن یکون طرفا للعلم کمفهوم العدم، فإنه بالحمل الشایع الصناعی موجود و یصح أن یقع طرفا للعلم.

ص:557

ثمّ إن مفهوم أحدهما عنوان یشیر به إلی المصادیق الخارجیة المتعینة المتشخصة و لایلزم أن یکون مصادیق المفهوم المردد مرددا، کما أن مصادیق الکسور المتسعة لا إشاعة فیها و إنما الإشاعة فی مفاهیمها لا مصادیقها، إذ لا إشاعة فی الخارج. و لعل منشأ توهم الاستحالة فی الفرد المردد هو الخلط بین المفهوم و المصداق و توهم سرایة جمیع أوصاف المفهوم إلی الخارج مع أن المفهوم عنوان مشیر و لیس بکلی طبیعی حتی ینطبق بجامع مفهومه، فلاإشکال فی تعقل مفهوم الفرد المردد و إمکان تعلّق العلم به فضلا عن تعلّق الصفة الاعتباریة به. و یشهد لذلک إمکان تعلّق العلم الإجمالی بنجاسة أحد الکأسین مع أن عنوان أحد الکأسین عنوان مردد.

وثانیها: أن حقیقة الحجیة سواء کانت بمعنی تنجیز الواقع أو جعل المماثل إیصالا للحکم الواقعی بعنوان آخر سنخ معنی لایتعلّق بالمردد بداهة أن الواقع الذی له تعیّن واقعا هو الذی یتنجز بالخبر و هو الذی یصل به بعنوان آخر، فلایعقل أن یکون مردداً و مبهما.

هذا مضافا إلی أن الأثر المترتب من الحجیة هو لزوم الحرکة علی طبق ما أدت إلیه الحجة و الحرکة نحو المردد غیر معقولة. و اجیب عنه بأن غیر المعقول هو حجیة المردد بما هو مردد و الحرکة نحو المردد بما هو مردد بالحمل الأولی. و أما حجیة المردد بما هو مشیر إلی أحد الخبرین الخارجین و هکذا الحرکة نحو أحد الخبرین الخارجین ممکنة و مع الإمکان یشمله عموم أدلة الاعتبار.

فتحصّل: أن مع حجیة أحدهما لا بعینه ینفی الثالث و نحوه و یظهر عدم احتمال التخییر الواقعی، لأن التخییر الواقعی لایجتمع مع العلم بکذب أحدهما و لامنافاة بین دعوی سقوطهما و حجیة أحدهما بلا عنوان، لأن النظر فی الدعوی الأولی إلی

ص:558

سقوط الخصوصیة فی طرفی المعارضة بخلاف الدعوی الثانیة، فإن النظر فیها إلی نفی الثالث و نحوه و نفی التخییر الواقعی.

و مقتضی القاعدة بعد حجیة عنوان أحدهما هو الاحتیاط بفعل شیء دلّ الدلیل علی وجوبه و بترک شیء آخر دلّ الدلیل الآخر علی حرمته أو الاحتیاط بفعل الشیئین الذین دلّ الدلیلان علی وجوبهما مع عدم احتمال التخییر الواقعی بینهما أو بترک الشیئین الذین دلّ الدلیلان علی حرمتهما مع العلم بکذب أحدهما واقعاً.

و کیف کان فإذا تم مقام الثبوت یشمله عموم أدلة الاعتبار فیکون أحدهما لابعینه حجة، فمقتضی التعارض بناء علی الطریقیة هو التساقط بالنسبة إلی خصوصیتهما، إلا أن مقتضی حجیة أحدهما لابعینه هو الاحتیاط فیما إذا کان طرفا المعارضة حکما إلزامیا إیجابیا کان أو سلبیا أو إیجابیا و سلبیا. هذا مضافا إلی أن مقتضی حجیة أحدهما هو نفی الثالث و نحوه من سایر الأحکام.

الفصل الرابع: فی الأصل الأولی بناء علی السببیة

وحان الوقت لبیان مقتضی الأصل الأولی بناء علی السببیة، و حاصله أنه لیس کل واحد منهما بحجة فی خصوص مؤداه، بل یتساقطان لو کان الحجة هو خصوص ما لم یعلم کذبه بأن لایکون المقتضی للسببیة فی الأمارات إلّا فیه أی ما لم یعلم کذبه، لأنّه هو المتیقن من أدلة اعتبار السند أو الظهور أو جهة الصدور سواء کانت الأدلة هی الّتی بنی العقلاء علیها أو هی الأدلّة الشرعیة.

نعم، لو کان المقتضی للحجیة موجودا فی کل واحد من المتعارضین لکان التعارض بینهما من باب التزاحم فیما إذا کانا مؤدین إلی الحکم الإلزامی کوجوب الضدین و حکم التعارض حینئذ هو التخییر إذا لم یکن أحدهما معلوم الأهمیة أو

ص:559

محتملها، لا فیما إذا کان مؤدی أحدهما حکماً غیر إلزامی، فإنّه لایزاحم الآخر ضرورة عدم صلاحیة ما لااقتضاء فیه أن یزاحم به ما فیه الاقتضاء، إلا أن یقال إن قضیة اعتبار دلیل الغیر الإلزامی أن یکون عن اقتضاء، فیزاحم به حینئذ ما یقتضی الإلزامی و یحکم فعلا بغیر الإلزامی و لایتزاحمان لکفایة عدم تمامیة علة الإلزامی فی الحکم بغیره. نعم، یکون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا لو کان قضیة الاعتبار لزوم البناء و الالتزام بما یؤدی إلیه من الأحکام لامجرد العمل علی وفقه. و علیه یتزاحم الواجبان ولکن لادلیل نقلاً و لاعقلاً علی لزوم الموافقة الالتزامیة للأحکام الواقعیة فضلا عن الظاهریة، فتبیّن أن حکم التعارض بناء علی السببیة و کون المقتضی للحجیة فی کل واحد منهما هو التخییر فیما إذا کان مؤداهما هو الحکم الإلزامی و لم یکن المزیة لأحدهما بها یرجح علی الآخر.

یمکن الإیراد علی القول بالتخییر أولا: بأن ملاک التعارض و التساقط هو أن یکون اجتماع النّفی و الإثبات فی محل واحد، و هذا الملاک موجود علی القولین، و علیه فلایبقی فرق بین القول بالسببیة فی باب الطرق و بین القول بالطریقیة، إذ القائل بالسببیة إنما یقول إن مفاد الطریق بتمامه حجة لکن لابملاک کونه طریقاً إلی استیفاء الواقع، بل بملاک أن فی العمل بمفاده بالتمام مصلحة ملزمة.

فالقائل بالسببیة و الطریقیة یشترکان فی القول بأن الحجة مفاد الطریق بتمامه من المدلول المطابقی و الالتزامی، و علیه یجتمع الإثبات و النّفی الذی یلزمه الدلالتان المطابقیة و الالتزامیة فی محل واحد علی کلا القولین من دون تفاوت، و حیث هو محال عقلاً یحکم بالتساقط لا بالتخییر علی کلا القولین من الطریقیة أو السببیة.

و یمکن أن یقال فی دفع هذا الإیراد إن الکلام بناء علی السببیة یکون فیما إذا احتمل التخییر لوجود المصلحة فی کل طرف، و معه لاتعارض و لاتساقط لعدم نفی

ص:560

کل طرف بالآخر، بل یحکم بالتخییر بسبب وجود المصلحة فی کل طرف و لایجتمع الإثبات و النّفی فی موضوع واحد حتی یوجب التساقط بدعوی وجود ملاک التعارض و التساقط.

و یمکن الإیراد ثانیا علی الحکم بالتخییر بأن التزاحم و الحکم بالتخییر لیس بمطلق لأنه إنما یتصور التزاحم فیما کان هناک حکمان إلزامیان لم یتمکن المکلّف من امتثالهما، فإن لم یکن أحدهما أو کلاهما کذلک یخرج عن مسألة التزاحم بالکلیة.

نعم، یتصور التزاحم فیما إذا فرض أن أحد الطریقین أدّی إلی وجوب شیء و الآخر إلی وجوب شیء آخر، أو أدّی أحدهما إلی حرمة شیء و الآخر إلی حرمة شیء آخر، او أدّی أحدهما إلی الوجوب و الآخر إلی الحرمة و لایتمکن من الجمع بینهما، ففی هذه الصور الّتی لایتمکن المکلف من امتثال کل طرف یؤخذ بالأهم أو محتمل الأهمیة إن کان، و إلّا فیحکم فیها بکونه مخیراً، فدعوی الحکم بالتخییر مطلقا علی القول بالسببیة کما تری.

لایقال: إن جعل الحجیة فی أطراف المعلوم بالإجمال مع التضاد أو التناقض غیر معقول. و علیه فلامجال للحکم بالتخییر، بل الحجیة مجعولة بالنسبة إلی ما لم یعلم کذبه فمقتضاه هو التساقط لا التخییر.

لأنّا نقول: إن جعل الحجیة لایتعلّق بالمتضادین أو المتناقضین، بل یتعلّق بعنوان واحد و هو عنوان خبر العادل. و لااستحالة فی تعلّق جعل الحجیة بخبر العادل، کما لا استحالة فی تعلّق الوجوب بإنقاذ الغریق مع عدم التمکن من إنقاذ الغریقین فی حال واحد، فالحکم یعرض علی المتضادین بواسطة جعل الحکم علی العنوان و لامانع منه.

ص:561

و دعوی أن المصلحة فی الإنقاذ معلومة فی الطرفین بالقرائن و الارتکاز دون المقام، فیحتاج إلی إطلاق الدلیل و هو أول الکلام. مندفعة بأن المفروض وجود المصلحة السلوکیة فی کل طرف علی القول بالسببیة، فتدبر جیّدا.

فتحصّل: أن إطلاق الحکم بالتخییر مع التمکن من الاحتیاط کما إذا کانا مثبتین و أمکن الاحتیاط بإتیانهما محل نظر، فإن الوظیفة حینئذ بناء علی السببیة هو الاحتیاط لأن مضمون أحدهما مجعول فی حقه و مقتضی العلم الاجمالی به هو الاحتیاط. و هکذا لامجال لإطلاق الحکم بالتخییر مع کون أحدهما مثبتا و الآخر نافیا، و احتمل کون النافی مخالفا للواقع و صار موجبا لانقلاب الواقع إلی مؤداه مع العلم بمطابقة أحد الخبرین للواقع، لأن مقتضی الأصل حینئذ هو البراءة لاحتمال کون النافی مخالفا للواقع و موجبا لانقلاب الواقع إلی مؤداه بناء علی السببیة و لامجال للتخییر.

نعم، لاإشکال فی التزاحم بناء علی السببیة و الحکم بالتخییر فیما إذا لم یکن أحد الطرفین أهم أو محتمل الأهمیة و لم یتمکن من الاحتیاط و کان الحکمان إلزامیا. و علیه فلایصح القول بأنّ حکم المتعارضین بحسب مقتضی الأصل علی السببیة هو التخییر مطلقا لما عرفت من أن ذلک بناء علی السببیة یختلف بحسب اختلاف الموارد، و الله هو الهادی. هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل الأولی بناء علی الطریقیة و السببیة.

الفصل الخامس: فی بیان الأصل الثانوی فی الخبرین المتعارضین مع قطع النظر عن الأخبار العلاجیة، و قد عرفت أن الأصل الأولی فی مورد تعارض الأمارات بناء علی الطریقیة المحضة هو التساقط بالنسبة الی خصوص مفادهما.

ص:562

ولکن حیث إن مقتضی أصالة العموم الجاریة فی أدلّة اعتبار الأخبار و الأمارات هو عدم رفع الید عنها فی المتعارضین إلّا بالنسبة إلی أحدهما، فلذلک یبقی الآخر تحت العموم و مقتضاه حجیته فی الدلالة المطابقیة و الالتزامیة کلیهما، و هذا هو مقتضی الأصل الأولی الذی یرجع إلیه عند عدم الدلیل علی الخلاف. هذا مضافا إلی إمکان دعوی الإجماع المدعی علی عدم سقوط کلا المتعارضین من الأخبار.

وحینئذٍ یقع الکلام فی تأسیس أصل ثانوی مع قطع النظر عن الأخبار العلاجیة الآتیة، و حاصله أن بعد ما ثبت وجوب الأخذ بأحد المتعارضین (بحسب القاعدة أو بحسب نقل الإجماع) هل یجب الأخذ بما هو یکون أقرب إلی الواقع أو یخیّر بین الأخذ بکل منهما. و یظهر الثمرة فی مورد المرجحات الغیر المنصوصة، فعلی الأول یجب الأخذ بذی المرجح، و علی الثانی یخیّر بین الأخذ به و بصاحبه.

فنقول: إما أن یکون المتعارضان متکافئین من جمیع الجهات أو یکون لأحدهما مزیة علی الآخر.

فعلی الأول: یحکم بالتخییر من باب التخییر فی الأخذ بأحدهما، إذ للشارع أن یحکم بوجوب الأخذ بأحدهما مخیرا، فما لم یأخذ المکلف بواحد منهما معینا لایکون حجة و لایشمله دلیل الاعتبار. و أما إذا أخذ به و صار معینا بالأخذ یشمله دلیل الحجیة و یجعلها حجة فی المفاد، و یشیر إلیه قوله علیه السّلام: فبأیهما أخذت من باب التسلیم وسعک، فإن معناه أن کل واحد من المتعارضین أخذت به و بنیت علیه فهو حجة لک.

و علی الثانی: فإن أخذ المکلف بذی المزیة علم أنه حجة له لأنّه هو القدر المتیقن، إما لأنه کان حجة قبل الأخذ بعنوان کونه ذا مزیة أو لأنّه أخذ به و بنی علیه، بخلاف ما إذا أخذ بغیره، فإنه یشک فی صیرورته حجة بالأخذ لاحتمال أن

ص:563

یکون الحجة صاحبه. فلایترتب علیه آثار الحجة، بل لو أخذ فیما کان لأحدهما مزیة بغیر ذی المزیة حصل له العلم الإجمالی بالحجة المرددة بین المأخوذ و ذی المزیة بمعنی أنه یعلم إجمالا بقیام الحجة علیه إما علی المأخوذ و هو غیر ذی المزیة أو علی ذیها.

و لازمه هو الاحتیاط بالجمع بین الفعلین فیما إذا أدّیا الی وجوب شیئین و بین الترکین فیما اذا أدّیا إلی حرمتهما و بین فعل أحدهما و ترک الآخر فیما إذا أدّیا إلی وجوب الأول و ترک الثانی و البراءة فیما إذا أدی أحدهما إلی حکم غیر إلزامی لانحلال العلم الإجمالی بحجیة ذی المزیة أو المأخوذ لکون أحدهما حکما غیر إلزامی. هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل الثانوی بعد العلم بحجیة أحدهما بالقاعدة أو بقیام الإجماع المدعی.

الفصل السادس: فی حکم المتعارضین مع ملاحظة الأدلة الشرعیة فی مقام علاجهما، و الأخبار الواردة فی هذا المقام علی طوائف:

الطائفة الأولی: ما استدلّ به علی التخییر.

منها: صحیحة علی بن مهزیار: قرأت فی کتاب لعبدالله بن محمّد إلی أبی الحسن علیه السّلام اختلف أصحابنا فی روایاتهم عن أبی عبدالله علیه السّلام فی رکعتی الفجر فی السفر فروی بعضهم أن صلهما فی المحمل و روی بعضهم أن لاتصلهما إلّا علی الأرض، فأعلمنی کیف تصنع أنت لأقتدی بک فی ذلک؟ فوقّع علیه السّلام موسع علیک بأیة عملت.(1)

ص:564


1- (1) )) التهذیب، ج 3، ص 228.

بدعوی صراحتها علی سعة الأمر للمکلف فی العمل بأیة من الروایتین شاء، و الصحیحة و إن وردت فی مورد خاص ولکن یمکن إلغاء الخصوصیة، أللّهمّ إلّا أن یقال: إن القطع بعدم الخصوصیة مفقود خصوصا مع ما یری من التفریق بین المستحبات و الإلزامیات.

هذا مضافا إلی احتمال أنه إن لم یکن ترجیح لأحدهما علی الآخر فلاإطلاق لها بالنسبة إلی مورد وجود المرجح.

و أیضاً أن الظّاهر أن سؤال الراوی عن حکم الواقعة واقعا و الجواب أیضاً ناظر إلی ذلک، و علیه فحمل الروایة علی بیان الحکم الأصولی فی غایة البعد.

و لقائل أن یقول: إن السؤال لعلّه کان عن المسألة الأصولیة و الحکم الظاهری، حیث قال السائل: اختلف أصحابنا فی روایاتهم، و المورد لاینافی کون السؤال عن المسألة الأصولیة، و یؤیّده الجواب أیضاً، حیث کان ظاهره هو الجواب عن المسألة الأصولیة، حیث قال: بأیّة عملت أی بأیة الروایتین عملت، و لانظر له إلی المورد حتی یقال یحتاج إلی إلغاء الخصوصیة و جواب الإمام علیه السّلام ناظر إلی المسألة الأصولیة، و یؤیّده أن الإمام علیه السّلام امتنع عن جواب قول السائل: فأعلمنی کیف تصنع أنت لأقتدی بک فی ذلک، و لم یذکر کیفیة عمله حتی یکون المسألة فقهیة، بل أرجع السائل إلی قوله: «موسع علیک بأیّة عملت» الذی یدلّ علی التخییر بین الروایتین و هو المسألة الأصولیة.

ومنها: موثقة سماعة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: سألته عن رجل اختلف علیه رجلان من أهل دینه فی أمر کلاهما یرویه أحدهما یأمر بأخذه و الآخر ینهاه عنه، کیف یصنع؟ فقال: یرجئه حتی یلقی من یخبره فهو فی سعة حتی یلقاه. و فی روایة

ص:565

اخری «بأیهما أخذت من باب التسلیم وسعک» بدعوی أنّ موضوع السؤال هو الاختلاف الناشی عن اختلاف الخبرین المتعارضین، و قد حکم الإمام علیه السّلام فیه بالأمرین: أحدهما یرجئه حتی یکشف الحکم الواقعی و هو المستفاد من قوله یرجئه حتی یلقی من یخبره و هو الإمام علیه السّلام، و ثانیهما أن الوظیفة الفعلیة هی التخییر و هو مستفاد من قوله فهو فی سعة الخ أی فی سعة فی الأخذ بأیة الروایتین شاء.

أُورد علیه بأن موردها دوران الأمر بین المحذورین، حیث إن أحد الخبرین یأمر والآخر ینهی و العقل یحکم فیه بالتخییر بین الفعل و الترک و قول الامام علیه السّلام لایدلّ علی أزید منه.

واُجیب عنه أولاً: بأن دوران الأمر بین المحذورین الذی تجری فیه أصالة التخییر عبارة عما لو علمنا بجنس الالزام و ترددنا بین الوجوب و التحریم. و أما إذا شککنا فی الوجوب و التحریم معاً فلاإشکال فی إجراء البرائة عنهما معاً فإن کان المقصود أن السائل افترض العلم من الخارج، فهذا شیء لم یرد عنه ذکر فی هذه الروایة و لم یفرض سماعة العلم بالإلزام فی المقام، بل الغالب فی مثل هذه الموارد أنه کما یحتمل کذب أحد الخبرین أو یعلم به کذلک یحتمل کذبهما معاً و إن کان المقصود أن جامع الإلزام یثبت بنفس مجموع هذین الخبرین، فهذا لیس علی طبق القاعدة و إنما هو شیء علی خلاف القاعدة و لایصح قوله إن الخبر لایدلّ علی أزید من التخییر العقلی.

وثانیاً: أنه لو سلمنا دوران الأمر بین المحذورین فی المقام فلیس متی ما دار الأمر بین المحذورین جرت أصالة التخییر، بل إنما تجری أصالة التخییر إن لم یکن عندنا مرجع من قبیل عموم او استصحاب نرجع إلیه، و الّا فلامعنی لأصالة التخییر،

ص:566

فإطلاق هذه الروایة لفرض وجود مرجع من هذا القبیل یرجع إلیه بعد تساقط الخبرین یدل مثلاً علی ما یقوله المشهور من التخییر عند تعارض الخبرین.

أورد الشهید الصدر علی الاستدلال بموثقة سماعة بأن التحقیق عدم تمامیة دلالة الروایة فی المقام علی مختار المشهور لقوة احتمال کونها فی أصول الدین، و ذلک لما جاء فیها من التعبیر بقوله «أحدهما یأمر بأخذه» فإن الأخذ إنما یناسب الاعتقادیات لا الأعمال.

و أما فی الأعمال فینبغی أن یقال مثلاً أحدهما یأمر بفعله و الآخر ینهاه عنه، و هذا إن لم یکن قرینة علی صرف الروایة إلی الاعتقادیات، فلاأقل من أنه یوجب الإجمال علی أن دوران الأمر بین الوجوب و الحرمة إنما یکون غالباً فی الاعتقادیات.

و أما فی الفروع فهو نادر جداً و یؤید ما ذکرنا قوله علیه السّلام «یرجئه حتی یلقی من یخبره» أی یترک هذا الشیء بکلا جانبیه و لایلتزم بأحد الاعتقادین حتی یلقی من یخبره و یتسئم مع هذا المعنی قوله علیه السّلام: «فهو فی سعة حتی یلقاه»، أی أنه فی سعة من الاعتقاد و الالتزام بشیء فی المقام، فلایلتزم بأحدهما حتی یلقاه، فتفسیر السعة بالتخییر إنما یناسب فرض عدم اختصاص الروایة بأصول الدین. و أما إذا استظهرنا اختصاصها بأصول الدین و الاعتقادیات فمعنی السعة هو عدم لزوم الالتزام و الاعتقاد بأحد الطرفین.

ولقائل أن یقول أولاً: إن الأخذ لایختص بالاعتقادیات، بل یعم الأخذ بأحد الخبرین الدالین علی حکم الأعمال بعنوان الحجة الفعلیة و یصدق علی من روی أحد الخبرین و یقول اعمل به أنّه یأمر بأخذه فلایکون قوله «أحدهما یأمر بأخذه» شاهدا علی إرادة خصوص الاعتقادیات أو موجبا للإجمال.

ص:567

وثانیاً: أن شمول الروایة للأخذ فی الاعتقادیات بعید فضلا عن اختصاصها بها، و یؤید ذلک بل یشهد له قوله «کیف تصنع»، فإن الظّاهر منه أن المقصود هو رفع التحیر من جهة الأعمال و هذا لایساعد مع إرادة الأخذ فی أصول الدین و الاعتقادیات.

ومنها: معتبرة الحمیری: قال الطبرسی فی الاحتجاج: و مما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله علیه من جوابات المسائل الفقهیة أیضاً ما سأله فیها محمّد بن عبدالله بن جعفر الحمیری فیما کتب إلیه، إلی أن قال: کتاب آخر لمحمّد بن عبدالله بن جعفر الحمیری أیضا إلیه (صاحب الزمان علیه السّلام) فی مثل ذلک فرأیک أدام الله عزّک فی تأمل رقعتی و التفضل بما أسال من ذلک لأضیفه إلی سایر أیادیک عندی و مننک علیّ و احتجت أدام الله عزک أن یسألنی بعض الفقهاء عن المصلی إذا قام من التشهد الأول إلی الرکعة الثالثة هل یجب علیه التکبیر و یجزیه أن یقول بحول الله و قوته أقوم و أقعد.

الجواب: ان فیه حدیثین أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلی حالة اخری فعلیه التکبیر و أما الآخر فإنه روی أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانیة فکبر ثمّ جلس ثمّ قام فلیس علیه فی القیام بعد القعود تکبیر، و کذلک فی التشهد الأول یجری هذا المجری، و بأیّهما أخذت من جهة التسلیم کان صوابا.

تقریب الاستدلال أن الامام علیه السّلام جعل فی الخبرین المختلفین الأخذ بأیّ الحدیثین أراده المکلف من جهة التسلیم صوابا، و حیث لاخصوصیة للمورد یکون الأمر کذلک فی کل خبرین متعارضین.

و دعوی أن مورد هذه الروایة خارج عن محل الکلام فإن النسبة بین الخبرین المذکورین فی هذه الروایة هی العموم و الخصوص، و مقتضی الجمع العرفی هو

ص:568

التخصیص و الحکم بعدم استحباب التکبیر فی مورد السؤال. و علیه فحکم الإمام علیه السّلام بالتخییر إنما هو لکون المورد من الامور المستحبة، إذ التکبیر ذکر فی نفسه فلابدّ من الاقتصار علی مورد الروایة و لایجوز التعدی عنه.

مندفعة بأن مقتضی قوله علیه السّلام فی الجواب عن السؤال «إن فیه حدیثین» و قوله علیه السّلام فی ذیل الروایة «و بأیّهما أخذت من باب التسلیم کان صوابا» أن الملاک فی الجواب هو مجیء الحدیثین المختلفین و لاتأثیر للمورد، و علیه فلایضر کون مورد الروایة هی المستحبات لأن مورد السؤال و هو التکبیر و إن کان ذکراً فی نفسه ولکنّه بعنوان الجزء المستحب للصلاة لابعنوان أنه ذکر فی نفسه. و علیه کان المورد من موارد التعارض بناء علی أن الحدیث المطلق کان وارداً مورد الحاجة و کان الحکم فی ذلک الوقت هو المطلق، فیعارض حینئذ مع الحدیث المقید الدال علی عدم استحباب التکبیر.

فمقتضی القاعدة هو الحکم بنسخ المطلق ولکنّ الحدیث یدلّ علی عدم النسخ و بقائه علی ما هو علیه، فیکون المکلف بعد بقاء المطلق مخیرا بین أن یأتی بالتکبیر بعنوان جزء المستحب و أن لایأتی به بعنوان أنه لیس بجزء مستحب، فیصح الجواب حینئذ بالتخییر فی الأخذ بالروایة و یکون مطابقاً للسؤال.

لایقال: إن الروایة أجنبیة عن المقام و هو تعارض الأخبار لأن الخبرین و إن کانا متعارضین فی لزوم التکبیر بعنوان الجزء المستحب و عدمه بعنوان أنه لیس بجزء مستحب، إلا أنهما لیسا متعارضین فی مورد سؤال السائل و هو التکبیر فی القیام بعد التشهد الأول، لأن الخبر الثانی إنما دلّ علی نفی التکبیر فی القیام بعد الجلوس.

و هذا لاینافی کون القیام بعد التشهد یستوجب التکبیر بناء علی أن قوله علیه السّلام «و کذلک التشهد الأول یجری هذا المجری» لیس تتمة للخبر الثانی، بل هو من کلام

ص:569

صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، و بناء علی هذا الاحتمال أیضا تکون الروایة أجنبیة عن المقام و لابدّ من حملها علی التخییر الواقعی و هذا یکفی فی الاجمال و عدم الظهور فی کون تلک الفقرة تتمة للخبر الثانی، فلایصح الاستدلال به للتخییر الظاهری.

لأنّا نقول: إن الظّاهر أن قوله «و کذلک التشهد الأول یجری هذا المجری» حتی لو کان کلاما للإمام الثانی عشر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فالمقصود منه بیان أن خبر نفی التکبیر بعد الجلوس من السجدة الثانیة یشمل فرض التشهد أیضا، و مع شمول خبر نفی التکبیر بعد الجلوس لفرض التشهد فالروایات فی مورد السؤال متعارضة، إذ بعضها یدلّ علی ثبوت التکبیر لفرض التشهد و بعضها الآخر یدلّ علی نفی التکبیر فی فرض التشهد و مقتضی قوله علیه السّلام «و بأیهما أخذت من جهة التسلیم کان صوابا» هو التخییر الظاهری بینهما بعد کون الروایات متعارضة.

تنبیه

قال صاحب الوسائل: روی الشیخ فی کتاب الغیبة جمیع مسائل محمد بن عبدالله بن جعفر الحمیری عن صاحب الزمان علیه السّلام عن جماعة عن أبی الحسن محمد بن أحمد بن داود، قال: وجدت بخط أحمد بن إبراهیم النوبختی و إملاء أبی القاسم الحسین بن روح.

قال الشیخ فی الفهرست: محمّد بن أحمد بن داود له کتب، منها کتاب المزار الکبیر حسن و کتاب الذخائر الذی جمعه کتاب حسن و کتاب الممدوحین و المذمومین و غیر ذلک. أخبرنا بکتبه و روایاته جماعة منهم الشیخ المفید رحمة الله و الحسین بن عبیدالله و أحمد بن عبدون کلهم عنه، انتهی. و ظاهره التوثیق، فإنّ

ص:570

نقل کتبه توسط الجماعة المذکورین سیما الشیخ المفید یکفی فی حصول الاطمینان بوثاقته، فتحصّل تمامیة هذه الروایة دلالة و سندا علی ثبوت التخییر الظاهری فی الخبرین المتعارضین.

فتحصّل: من جمیع ما تقدم کفایة بعض الأخبار دلالة و سندا لإثبات التخییر الظاهری بین الخبرین المتعارضین، فلامجال لدعوی التساقط عند فقد المرجح، فهل یحکم حینئذ بالتخییر أو العمل بما طابق منهما الاحتیاط أو بالاحتیاط و لو کان مخالفا لهما کالجمع بین الظهر و الجمعة مع تصادم أدلتهما.

المشهور الأول و هو التخییر عند فقد المرجحات و ذهب بعض إلی التخییر مطلقا و سیأتی إن شاء الله تحقیق ذلک.

الطائفة الثانیة: هی ما یدلّ علی التوقف مطلقا و المراد منه هو وجوب الامتناع عن الفتوی بکل واحد من المتعارضین و أنه لیس شیء منهما حجة فی خصوص مفاده و هی عدة من الأخبار.

منها: موثقة سماعة عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: سألته عن رجل اختلف علیه رجلان من أهل دینه فی أمر کلاهما یرویه أحدهما یأمر بأخذه و الآخر ینهاه عنه، کیف یصنع؟ فقال: یرجئه حتی یلقی من یخبره فهو فی سعة حتی یلقاه، و فی روایة اخری: بأیّهما أخذت من باب التسلیم وسعک.

بدعوی أن المراد منها أن المکلف یکون فی سعة من جهة الأمر و النهی الواقعین، لا أنه فی سعة من ناحیة الأخذ بأیهما شاء من الخبرین.

و الشاهد علیه قوله علیه السّلام: «یرجئه حتی یلقی من یخبره»، فإن معناه تأخیر الأمر و عدم الإفتاء بمضمون أحدهما حتی یلقی الإمام و یسأله. و فیه أنه قد تقدم أن

ص:571

الخبر یدل علی الأمرین بالفقرتین أحدهما تأخیر اکتشاف الحکم الواقعی و عدم القول بالآراء و الأهواء بقوله «یرجئه حتی یلقی من یخبره. و ثانیهما هو جواز الأخذ بأحدهما و العمل به بقوله: «فهو فی سعة حتی یلقاه»، و لامنافاة بینهما و الأمر بالتوقف من جهة الأمر الأول.

و هذا لاینافی جواز الأخذ بأحد الخبرین المتعارضین بعنوان الوظیفة الفعلیة الظاهریة حتی یتبین له الواقع بلقاء الامام علیه السّلام و بهذه الملاحظة فالاولی هو جعل هذه الروایة من أدلّة التخییر الظاهری.

ومنها: ما رواه الصدوق فی العیون عن المیثمی أنه سئل الرضا علیه السّلام یوما و قد اجتمع عنده قوم من أصحابه و قد کانوا یتنازعون فی الحدیثین المختلفین عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فی الشیء الواحد، فقال علیه السّلام: إن الله عزّوجلّ حرم حراماً و أحلّ حلالاً و فرض فرائض فما جاء فی تحلیل ما حرّم الله أو تحریم ما أحل الله أو دفع فریضة فی کتاب الله رسمها بین قائم بلاناسخ نسخ ذلک.

فذلک مما لایسع الأخذ به لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لم یکن لیحرّم ما أحلّ الله و لایحلّل ما حرّم الله و لایغیّر فرایض الله و أحکامه کان فی ذلک کله متبعا لله مؤدیا عن الله ما أمره به من تبلیغ الرسالة.

قلت: قد یرد عنکم الحدیث فی الشیء عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ممّا لیس فی الکتاب و هو فی السنة ثمّ یرد خلافه.

قال: و کذلک قد نهی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن اشیاء نهی حرام فوافق فی ذلک نهیه نهی الله تعالی و أمر باشیاء فصار ذلک الأمر واجبا لازما کالعدل فرائض الله تعالی، ووافق فی ذلک أمره أمر الله تعالی، فما جاء فی النهی عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهی

ص:572

حرام ثمّ جاء خلافه لم یسع استعمال ذلک و کذلک فیما أمر به لأنا لانرخص فیما لم یرخص فیه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم، و لا نأمر بخلاف ما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلا لعلة خوف ضرورة، فإما أن نستحل ما حرّم رسول الله أو نحرّم ما استحل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم، فلایکون ذلک ابدا لأنا تابعون لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم مسلمون له کما کان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم تابعا لأمر ربه عزّوجلّ مسلما له و قال عزّوجلّ (وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) .(1)

و إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّمنهی عن أشیاء لیس نهی حرام بل اعافة و کراهة و أمر بأشیاء لیس أمر فرض و لاواجب بل أمر فضل و رجحان فی الدین، ثمّ رخّص فی ذلک للمعلول و غیر المعلول فما کان عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهی اعافة أو امر فضل فذلک الذی یسع استعمال الرخص فیه.

إذا ورد علیکم عنا فیه الخبران باتفاق یرویه من یرویه فی النهی و لاینکره و کان الخبران صحیحین معروفین باتفاق الناقلة فیهما یجب الأخذ بأحدهما أو بهما جمیعا أو بأیهما شئت و احببت موسع ذلک لک من باب التسلیم لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و الرد إلیه و إلینا و کان تارک ذلک من باب العناد و الإنکار و ترک التسلیم لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم مشرکا بالله العظیم. فما ورد علیکم من خبرین مختلفین فأعرضوهما علی کتاب الله، فما کان فی کتاب الله موجودا حلالا أو حراماً فاتبعوا ما وافق الکتاب و ما لم یکن فی الکتاب فأعرضوه علی سنن النبی صلی الله علیه و آله و سلّم، فما کان فی السنة موجودا منهیا عنه نهی حرام أو مأموراً به عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهی رسول الله و أمره صلی الله علیه و آله و سلّم، و ما کان فی السنة نهی إعافة أو کراهة ثمّ کان الخبر

ص:573


1- (1) الحشر، 7.

الآخر خلافه فذلک رخصة فیما عافه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و کرهه و لم یحرمه، فذلک الذی یسع الأخذ بهما جمیعا أو بأیهما شئت وسعک الاختیار من باب التسلیم و الاتباع و الرد إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم.

و ما لم تجده فی شیء من هذه الوجوه فردوه الینا علمه فنحن اولی بذلک و لاتقولوا فیه بآرائکم و علیکم الکف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتی یأتیکم البیان من عندنا.

و تقریب الاستدلال بهذه الروایة بأن یقال: إن قوله علیه السّلام و ما لم تجدوه فی شیء من هذه الوجوه فردّوا إلینا علمه فنحن أولی بذلک و لاتقولوا فیه بآرائکم و علیکم الکف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتی یأتیکم البیان من عندنا یدلّ بوضوح علی لزوم التوقف عن العمل بالأخبار المتعارضة مطلقا و من الواضح أن الخبرین المتعارضین إذا کانا واجدین لشرائط الاعتبار داخلان فی هذا الذیل الذی حکم علیه السّلام بوجوب التوقف و التثبت إلی أن یتضح الأمر ببرکة بیانهم.

هذا مضافا إلی دعوی أن ظاهر حکمه علیه السّلام بالتخییر بین العمل بخبر الأمر أو النهی و العمل بخبر الترخیص بقوله علیه السّلام و ما کان فی السنة نهی إعافة أو کراهة ثمّ کان الخبرالآخر خلافه فذلک رخصة فیما عافه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و کرهه و لم یحرمه، فذلک الذی یسع الأخذ بهما جمیعا أو بأیهما شئت وسعک الاختیار من باب التسلیم و الاتباع و الرد إلی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم.

ان التخییر و التوسعة المنقولة عنهم علیهم السّلام یختص بهذا المورد الذی لیس من التعارض المستقر فالروایة تدلّ علی عدم تشریع التخییر فی المتعارضین المستقرین.

وفیه: أن الظّاهر من قوله علیه السّلام «و ما لم تجدوه فی شیء من هذه الوجوه» بعد الأقسام المذکورة سابقا فی هذه الروایة أنه یختص بمورد التعارض المستقر و الحکم

ص:574

بالوقوف فی هذا القسم من ناحیة الآراء و الأهواء لاینافی التخییر الظاهری المستفاد من سایر الأخبار فی الأخذ بأیهما للعمل. و علیه فیمکن الجمع بینهما بأن للعامل أن یأخذ بأیّ منهما و یحکم بالتخییر الظاهری و لیس له الحکم بمفاد کل واحد بعنوان الحکم الواقعی.

ومنها: ما رواه الصفار عن أبی عبدالله علیه السّلام قال إن من قرة العین التسلیم إلینا أن تقولوا لکل ما اختلف عنا أن تردوا إلینا، و هو ضعیف لجهالة بعض رواته.

ومنها: ما رواه عن محمّد بن عیسی قال: أقرأنی داود بن فرقد الفارسی کتابة الی أبی الحسن الثالث و جوابه بخطه فقال: نسألک عن العلم المنقول إلینا عن آبائک و أجدادک قد اختلفوا علینا فیه، کیف العمل به علی اختلافه إذا نرد إلیک فقد اختلف فیه؟

فکتب و قرأته ما علمتم أنه قولنا فألزموه و ما لم تعلموا فردّوه إلینا. و التقریب بهذه الروایة هو أن یقال إن وجوب الرّد الیهم علیهم السّلام فی الأخبار ظاهر فی لزوم التوقف عن الأخذ و الفتوی بأحد الطرفین و هو یعارض الأخبار الدالة علی التخییر.

وفیه: أن أخبار التوقف لیست ناظرة إلی ما یقابل الأخذ بأحدهما علی سبیل التخییر و لا علی سبیل التعیین، بل هی ناظرة إلی تعیین مدلول الخبرین المتعارضین بالمناسبات الظنیة الّتی لا اعتبار بها شرعاً و لاعقلا، فیکون المعنی علی هذا أنّه لیس له استکشاف الواقع و الحکم بأن الواقع کذا کما کان له ذلک فیما کان فی البین ترجیح. و لا إشکال فی أن التخییر من جهة الواقع لابدّ له من قاعدة یرجع إلیها فی مقام العمل، فلو جعل التخییر مرجعا له فی مقام العمل لاینافی وجوب التوقف، کما أنه لو جعل المرجع فی مقام العمل الأصل الموافق لأحد الخبرین لم یکن منافیا لذلک.

ص:575

و الحاصل أنا ندعی أن أخبار التوقف منصرفة إلی حرمة القول بالرأی فی تعیین مدلول کلام الشارع، فإذا ورد دلیل دال علی التخییر فی مقام العمل فلامنافاة بینه و بین تلک الأخبار و یشهد له قولهم علیهم السّلام بعد الأمر بالتوقف فی بعض الأخبار «و لاتقولوا فیه بآرائکم».

هذا مضافا إلی أن مدلول أخبار التوقف أعم مطلقا من مدلول أخبار التخییر، فیجب تخصیص تلک الأدلة بها.

و أیضاً أن أخبار التوقف تدلّ علی إرجاء العمل و تأخیره إلی لقاء الإمام و الوصول إلی حضرته علیه السّلام و السؤال عن حقیقة الحال، فتختص بالمتمکّنین من ذلک کله. أما أخبار التخییر فهی إما ظاهرة فی صورة عدم التمکن أو عامة لها أیضاً فتخصص بها جمعا.

فتحصّل: أنه لایعارض أخبار التوقف ما تقدم من الأخبار الدالة علی التخییر الظاهری بین الروایات المتعارضة لاختلاف موضوعهما، إذ موضوع التوقف هو استکشاف الواقع بالآراء و الأهواء و موضوع التخییر هو الأخذ بأحد الخبرین و العمل به بعنوان الحکم الظاهری.

هذا مضافا إلی أنه لو سلمنا التعمیم فالمعارضة بدوی، لأن أخبار التوقف أعم و أخبار التخییر و الترجیح أخصّ و مقتضی الجمع العرفی هو تقدیم أخبار التخییر و الترجیح علی أخبار التوقف.

بل المنساق من أدلة التوقف فی استکشاف الواقع و إرجاء ذلک إلی لقاء الإمام علیه السّلام لیس هو الرجوع فی مقام العمل إلی الأصل الموافق لأحد الخبرین، و إلّا لأشیر إلیه. بل المستفاد منها هو الرجوع إلی نفس الخبرین المتعارضین فی العمل

ص:576

بأیّ منهما فی مدة عدم التمکن من لقاء الإمام علیه السّلام، و علیه فتکون أخبار التوقف کأخبار التخییر فی إفادة التخییر الظاهری.

الطائفة الثالثة: و هی ما دلّ علی الاحتیاط و لادلیل له إلّا مرفوعة زرارة الّتی رواها ابن أبی جمهور الاحسائی فی کتاب عوالی اللئالی عن العلامة مرفوعا إلی زرارة بن أعین قال سئلت الباقر فقلت جعلت فداک یأتی عنکم الخبران أو الحدیثان المتعارضان فبأیّهما آخذ؟ قال علیه السّلام: یا زرارة! خذ بما اشتهر بین أصحابک و دع الشاذ النادر، فقلت: یا سیّدی! إنهما معا مشهوران مرویان مأثوران عنکم، فقال علیه السّلام: خذ بأعدلهما و أوثقهما فی نفسک، فقلت: إنهما عدلان مرضیان موثقان، فقال علیه السّلام: انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاترکه و خذ بما خالفهم، قلت: ربّما کانا معا موافقین لهم أو مخالفین، فکیف أصنع؟ فقال علیه السّلام: إذن فخذ بما فیه الحائطة لدینک و اترک ما خالف الاحتیاط فقلت إنهما معا موافقان للاحتیاط أو مخالفان له، فکیف أصنع فقال علیه السّلام: إذن فتخیّر أحدهما فتأخذ به و تدع الآخر. و فی روایة إنه علیه السّلام قال: إذن فارجه حتی تلقی إمامک فتسئله.

و مراده مما یطابق منهما الاحتیاط هو أن یکون أحد الخبرین دالا علی حکم إلزامی مثلاً و الآخر علی غیر إلزامی، فیعمل بالاول و إن کان کلاهما دالین علی حکمین إلزامیین کوجوب الظهر و الجمعة فالمرجح هو الاحتیاط بإتیانهما إن أمکن و إلّا فهو التخییر.

وفیه أولاً: أنّه یدلّ علی الأخذ بالحائطة بعد فقد المرجحات فلایستفاد منه إطلاق الأخذ بالحائطة.

ص:577

وثانیاً: أنها مرفوعة، هذا مضافا إلی ما أفاده فی مصباح الأصول من أنها لم توجد فی کتب العلامة و لم یعلم عمل الأصحاب بها.

الطائفة الرابعة: و هی ما تدلّ علی الأخذ بالأحدث. روی فی الوسائل عن أبی عمرو الکنانی عن أبی عبدالله علیه السّلام أنه قال لی: یا أبا عمرو! أرأیت لوحدثتک بحدیث أو أفتیتک بفتیا ثمّ جئتنی بعد ذلک فأتیتنی عنه فأخبرتک بخلاف ما کنت أخبرتک أو أفتیتک بخلاف ذلک بأیهما کنت تأخذ قلت: بأحدثهما و أدع الآخر، فقال: قد أصبت یا عمرو، أبی الله إلّا أن یعبد سرّا، أما و الله لئن فعلتم ذلک أنه لخیرلی و لکم أبی الله عزّوجلّ لنا فی دینه إلا التقیة.

وفیه: أن السند ضعیف لجهالة أبی عمرو الکنانی. هذا مضافا إلی أن مدلولها غیر مربوط بالترجیح بین المتعارضین بالأحدثیة، بل هو بصدد بیان شیء آخر و هو تعین العمل بالثانی لکونه وظیفته الفعلیة الواقعیة أو الوظیفة عند التقیة علی أن تعلیق حکمه علی عنوان الحی فی خبر المعلی بن خنیس خذوا به حتی یبلغکم عن الحی، فإن بلغکم عن الحی فخذوا بقوله یعنی أنه لحیاته و إعمال ولایته و إمامته یرشدکم إلی ما ینبغی لکم المشی علیه بلحاظ خصوص زمانکم، فلو کان حکما کلیا إلهیا لما اختلف فیه حیاة الإمام القائل و موته.

الطائفة الخامسة: ما یدلّ علی الإرجاء و التأخیر و هی مقبولة عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبدالله علیه السّلام عن رجلین من أصحابنا بینهما منازعة فی دین أو میراث، إلی أن قال الإمام علیه السّلام (بعد ذکر عدة من المرجحات و لزوم تقدیم ذویها خلافاً لأخبار التخییر) فی فرض عدم شیء من تلک المرجحات «فارجه حتی تلقی إمامک، فإن الوقوف عند الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات».

ص:578

و من المعلوم أنها تخالف أخبار التخییر سواء کانت المرجحات أو لم تکن، فإن مع وجود المرجحات تدلّ المقبولة علی لزوم تقدیم ذویها، و مع عدم وجودها تدلّ علی لزوم الإرجاء و التأخیر، فأین التخییر، بل هی مخالفة لمقتضی القاعدة الأولیة و هی السقوط و رفع الید عن الخبرین و الرجوع إلی الأدلة أو الأصول الأخری، لأنّ الإرجاء و التأخیر لایساعد القاعدة المذکورة.

ولقائل أن یقول أولاً: إن الترجیح عند وجود المرجحات إن اختص بباب القضاء فهو أجنبی عن المقام و هو مقام الإفتاء. و إن لم یختص بباب القضاء یمکن الجمع بینها و بین أخبار التخییر بتخصیص أخبار التخییر بما یدلّ علی الترجیح بالمرجحات.

وثانیاً: إن الوقوف و الإرجاء إلی لقاء الإمام علیه السّلام لم یکن منافیا فی نفسه مع التخییر، لأن المراد من الوقوف و الإرجاء هو عدم الفتوی بمدلول أحد المتعارضین بعنوان أنّه الواقع، و من المعلوم أنه لایمنع عن جواز الأخذ بأیّ منهما فی الفتوی بالحکم الظاهری أو جواز الأخذ للعمل من باب التسلیم.

وثالثاً: إن المقبولة مختصة بزمان یتمکن فیه من لقاء الإمام علیه السّلام، فلاتصلح لتقیید أخبار التخییر فیما إذا لم یتمکن من لقاء الإمام علیه السّلام کزماننا هذا.

الطائفة السادسة: هی الأخبار الدالة علی الترجیح بمرجحات منصوصة و هی متعددة و تسمی بالأخبار العلاجیة.

منها: مقبولة عمر بن حنظلة و فیها: قلت: فإن کان کل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضیا أن یکونا الناظرین فی حقهما و اختلفا فیما حکما و کلاهما اختلفا فی حدیثکم.

ص:579

قال: الحکم ما حکم به أعدلهما و أفقهما و أصدقهما فی الحدیث و أورعهما و لایلتفت إلی ما یحکم به الآخر.

قال: قلت: فإنهما عدلان مرضیان عند أصحابنا لایفضل واحد منهما علی صاحبه (الآخر).

قال: فقال: ینظر إلی ما کان من روایتهم عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه من أصحابک، فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک، فإن المجمع علیه لاریب فیه. و إنما الامور ثلاثة أمر بیّن رشده فیتبع و أمر بیّن غیّه فیجتنب و أمر مشکل یرد علمه إلی الله و إلی رسوله، قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک، فمن ترک الشبهات نجی من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حیث لایعلم.

قلت: فإن کان الخبران عنکم مشهوران قدرواهما الثقات عنکم. قال: ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب و السنة و خالف العامة فیؤخذ به و یترک ما خالف حکمه حکم الکتاب و السنة و وافق العامة.

قلت: جعلت فداک، أرأیته إن کان الفقیهان عرفا حکمه من الکتاب و السنة و وجدنا أحد الخبرین موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم، بأی الخبرین یؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففیه الرشاد.

فقلت: جعلت فداک، فإن وافقهما الخبران جمیعا.

قال: ینظر إلی ما هم امیل حکامهم و قضاتهم فیترک و یؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حکامهم الخبرین جمیعا.

ص:580

قال: إذا کان ذلک فارجه حتی تلقی إمامک، فإن الوقوف عند الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات.

سند الحدیث

و الروایة مقبولة لنقل الأجلاء عن عمر بن حنظلة، هذا مضافا إلی أنه روی یزید ابن خلیفة أنه قال للإمام علیه السّلام: إن عمر بن حنظلة أتانا عنک بوقت، فقال: إذا لایکذب علینا، الحدیث.

فقه الحدیث

أورد علی الحدیث المذکور إشکالات:

منها: أن صدرها ظاهر فی التحکیم لأجل فصل الخصومة مع أن قطع المخاصمات لایناسب تعدد الحکم.

ومنها: أن مقام الحکومة آب عن غفلة الحاکم عن المعارض لمدرک حکمه.

ومنها: أن تحرّی المترافعین و اجتهادهما فی مدرک حکم الحاکم غیر جائز إجماعاً.

ومنها: أن اللازم فی سلب الحکومة الأخذ بحکم السابق من الحکمین و بعد حکمه لایجوز الأخذ بحکم الآخر، و علی فرض صدور الحکمین و فقه فاللازم التساقط.

ومنها: أن تعیین الحاکم بید المدعی بالإجماع، فینفذ حکم من اختاره و قد فرض فی الروایة أن الأمر فی تعیین الحاکم بیدهما.

اجیب عن تلک الإشکالات بأن ینزل فرض السؤال علی صورة التداعی و اختیار کلّ من المتداعیین غیر ما اختاره الآخر، و علیه یرتفع جمیع الإشکالات. أما

ص:581

التعدد فلعدم تراضیهما علی واحد، بل المفروض رفع کل أمره (و) ما لا یناسبه التعدد إنما هو مقام الدعوی بأن یکون أحدهما مدعیا و الآخر منکرا لا مقام التداعی بأن یکون کل واحد مدعیا.

و أما غفلة الحکمین فلإمکان اطلاع کل علی قدح فی سند المعارض. و أما تحرّیهما فی سند الحکمین فلایبعد عدم نفوذ حکم أحد الحکمین مع واحد و الآخر علی الآخر لعدم تمکین واحد منهما الآخر فی تعیین من اختاره من الحکمین، فإن قطع التنازع فی هذه الصورة یتوقف لامحالة علی تحرّی نفس المترافعین و اجتهادهما فی مدرک حکم الحکمین.

و أما نفوذ حکم أحدهما بعد حکم الآخر فلاضیرفیه، حیث لم یکن حکم الأول نافذاً علی من لم یرض به.

و أما کون الأمر فی تعیین الحکم بنظرهما فلامحذور فیه فی مقام التداعی و ما أجمعوا علیه من أن الأمر بید المدعی غیر مرتبط بمقام التداعی، بل المفروض أن کل واحد علی الفرض یکون مدعیا. هذا کله بناء علی حمل سؤال السائل علی صورة التداعی.

و یمکن أن یخرج الواقعة من المخالفة و المخاصمة و یحمل علی السؤال عن المسألة المتعلّقة بالأموال لیعلم حکم المسألة و یرتفع النزاع من البین، و حینئذ لاإشکال أیضاً.

أما التعدد فلأنه لامحذور فی سؤال حکم المسألة عن اثنین بل أزید. و أما غفلة أحد المفتین فلإمکان اطلاعه علی المعارض لکن لم ینظر إلیه لما رأی قدحا فی صدوره أو جهة صدوره أو دلالته.

ص:582

و أما تحرّیهما فلایبعد بعد اختلاف المفتین و عدم وضوح حکم المسألة. و أما نفوذ حکم أحدهما بعد الآخر فأجنبی عن مقام الإفتاء و نظیرة الإشکال الخامس أو یحمل الروایة علی قاضی التحکیم کما احتمله الشیخ الأعظم قدّس سرّه.

وهنا جملة أخری من الاشکالات:

أحدها: أن محمّد بن عیسی فی طریق الکلینی مجهول، و أجیب عنه بأنّه بقرینة نقل محمّد بن الحسین عنه هو محمّد بن عیسی بن عبید و هو موثق.

ثانیها: أن الظّاهر أن الترجیح بالصفات إنما لوحظ فی حکم الحاکم لا إلی الروایة من حیث الروایة. و ذلک لظهور الصدر فی أن المقام مقام الحکومة، حیث نهی عن التحاکم إلی الطاغوت و قضاة الجور و أمر بالرجوع إلی قضاة العدل. و أما الترجیح بالشهرة فهو محتمل الوجهین فالقدر المتیقن إنما هو وجوب الترجیح بموافقة الکتاب و مخالفة القوم.

و إن أبیت فلاأقل من التنزل إلی إدخال الشهرة و إلحاقها بذلک فی إرجاعها إلی الروایة ولکنّ الصفات المذکورة راجعة إلی الحکم.

و اجیب عنه بأن قوله علیه السّلام فی تعلیل لزوم الأخذ بالمجمع علیه «فإن المجمع علیه لاریب فیه» ینفی الریب عن المجمع علیه، و إذا لم یکن فیه ریب فلامحالة یجب الأخذ به سواء کان فی مقام القضاء و الحکومة أو غیره. و علیه فالخبر الذی یکون مجمعا علیه بحسب الروایة کان راجحا، سواء کان فی مقام القضاء و الحکومة أو لم یکن، فلایبعد أن تکون الشهرة الروائیة من المرجحات فی الأخبار المتعارضة.

ثالثها: ما یقال من أن المقبولة تختص بمورد التنازع و الترافع فلاتشمل غیره. و أجیب عنه بأن ظاهر الذیل هو ترجیح إحدی الروایتین علی الأخری، إذ الترجیح

ص:583

بکون الروایة مجمعا علیها بین الأصحاب و بموافقة الکتاب و السنة و بمخالفة العامة قد اعتبر فیها بعد فرض سقوط حکم الحکمین بالمعارضة فمفادها أنه بعد سقوط الحکم یرجع إلی الروایتین و یؤخذ بالراجح منهما، هذا مضافا إلی أن الشبهة ربّما تکون حکمیة و اللازم فیها عند التمکن من لقاء الإمام علیه السّلام هو إرجاء الأمر إلی لقائه فی تعیین الحکم الشرعی فلایختص الإرجاء بمورد التنازع.

رابعها: أن المقبولة تختص بزمان الحضور بقرینة قوله علیه السّلام «فارجه حتی تلقی إمامک»، فلاتصلح للأخذ بها فی غیر زمان الحضور.

و اجیب عنه: بأنّه لو کان الوظیفة مع التمکن من الوصول عدم التوقف، فمع عدم التمکن منه یکون کذلک بطریق أولی، و علیه فیصح التمسک بالمقبولة للزوم الترجیح بالمرجحات الروائیة فی زمان عدم التمکن من لقاء الإمام علیه السّلام کزماننا هذا. و الأمر بالإرجاء عند عدم وجود المرجحات لاینافی لزوم الترجیح بالمرجحات عند وجودها سواء تمکن من لقاء الإمام أو لاتتمکن.

خامسها: أن اللازم من العمل بالترجیح حمل أخبار التخییر علی الفرد النادر لندرة وجود مورد لم یکن فیه شیء من المرجحات المذکورة فی المقبولة.

اجیب عنه: بأن الجمع بین أخبار التخییر و بین المقبولة یقتضی حمل العناوین المذکورة للترجیح من الأعدلیة و الأورعیة و الافقهیة و الشهرة و موافقة الکتاب و مخالفة العامة علی العناوین المحرزة. و من المعلوم أن عدم العلم بشیء منها غالب التحقق، فلایلزم من العمل بالترجیح حمل أخبار التخییر علی الفرد النادر. هذا مضافا إلی إمکان منع ندرة الموارد الّتی لیس فیها المرجحات المنصوصة.

سادسها: أن المراد من الشهرة هی الشهرة من حیث العمل و الفتوی و الروایة، بحیث یوجب القطع بمضمونها و یوجب أن یکون خلافها مقطوع الخلاف، و علیه

ص:584

فالأمر بالأخذ بالمشهور و ترک الشاذ یکون لتمییز الحجة عن اللاحجة لالترجیح الحجة علی الحجة.

و اجیب عنه: بأن مستند هذه الدعوی أمور ثلاثة: أحدها: أن الظّاهر من الاشتهار بین الأصحاب ما یوجب القطع بصحته و أن مضمونه حکم الأئمة علیهم السّلام. الثانی: أن الظّاهر من إدراج الخبر المشتهر فی جملة الأمور الّتی رشدها بیّن کون الشهرة بالغة إلی حدّ یوجب القطع بحکم الله، إذ الحکم الذی کان رشده بیّنا هو الحکم المقطوع أنه حکم الشارع. الثالث: قوله علیه السّلام «فإن المجمع علیه لاریب فیه» فإن ظاهره عدم الریب حقیقة لا بالإضافة. إلا أن له مبعدات تصرفه عن هذا المعنی.

الأول: أن لازمه تأخر القطع بالحکم عن الأعدلیة و الأفقهیة و الأصدقیة بمعنی أن عند اختلاف الحکمین کان اللازم أولا الترجیح بهذه الأوصاف، فإن فقدت فالأخذ بما هو مقطوع أنه حکم الله و هذا کما تری.

الثانی: أن الأمر بالأخذ بالمشهور علی هذا المعنی یکون إرشادیا صرفا و هو خلاف الظاهر.

الثالث: أنه یقتضی أن یکون المراد من الشهرة فی قوله علیه السّلام «فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور» غیر المراد منها فی قول السائل «فإن کان الخبران عنکم مشهورین»، إذ لو کان المراد من الشهرة فی المقامین معنی واحدا یلزم القطع بحکمین مختلفین علی أنهما حکم الله و هو کما تری محال، فلامحالة لابدّ من أن یراد من الشهرة فی قوله «فإن کان الخبران عنکم مشهورین» ما لایوجب القطع بحکم الله، و هذا خلاف ظاهر السیاق جدّا.

فالأولی أن یحمل الشهرة علی الشهرة الروائیة، و حینئذ یکون الأمر بالأخذ بالروایة المشهورة و ترک الشاذ النادر تعبدا فیفید أن عند تعارض الروایتین

ص:585

الجامعتین لشرائط الحجیة ینظر إلی الروایة المشهورة و یؤخذ بها و یترک الشاذة، و هذا کما تری لیس إلّا ترجیحا إذ من الممکن عدم إعمال الترجیح و الأمر بالأخذ بکلا الروایتین و التصرف فی ظاهرهما أو ظاهر إحدیهما.

و علی هذا فإدراج الخبر المشهور فی الأمور الّتی رشدها بین إنما یکون بملاحظة الصدور بمعنی أن الروایة المشهورة من جهة القطع بصدورها داخلة فی الأمور الّتی رشدها بیّن، فإن رشدها من جهة الصدور بین. و علی هذا أمکن أن یتأتی فرض الشهرة فی کلا الروایتین من دون لزوم محذور، إذ القطع بصدور روایتین مختلفین فی المفاد الظاهری محقق کثیرا ما و لاضیرفیه، و علی هذا المعنی یحمل الشهرة فی المقامین علی معنی واحد.

غایة الأمر الشهرة قد تکون بالغة إلی حدّ تکون مجمعا علیه بین الأصحاب و تکون الروایة المعارضة لها شاذة نادرة و قد لاتبلغ کأن رواها جمع من الثقات و روی الأخری أیضا جمع بحیث لایکون إحدیهما شاذة. و مما یؤید أن یکون المراد من الشهرة هی الشهرة الروائیة هو قوله «فإن کان الخبران منکم مشهورین قد رواهما الثقات»، فإن الظّاهر المستفاد من قوله إن محقق الشهرة فی الروایتین هی روایة الثقات، فیکون المراد لامحالة الشهرة الروائیة.

سابعها: أن الأمر بالأخذ بموافق الکتاب و ترک المخالف لیس من باب ترجیح الحجة علی الحجة، بل هو من باب تمییز الحجة عن اللاحجة. و الوجه فیه قوة احتمال أن یکون الخبر المخالف للکتاب فی نفسه غیر حجة بشهادة ما ورد أنه زخرف و باطل، و کذا الخبر الموافق للقوم لیس حجة فی نفسه، ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقیة

ص:586

بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به غیر جاریة للوثوق بصدوره کذلک فیکون موهونا.

اجیب عنه: بأن المراد من المخالف الذی أمروا بضربه علی الجدار أو جعلوه باطلا هو الذی خالف الکتاب بنحو التباین. و المراد من المخالف الذی أمروا بترکه فی مقام المعارضة و الأخذ بمعارضه الموافق للکتاب هو المخالف لعموم الکتاب أو مقیدا لإطلاقه علی التحقیق. و من المعلوم أن المخالفة للعموم أو الإطلاق الکتابی لاتوجب سقوط الخبر عن الحجیة، کما لایوجب الموهونیة بالنسبة إلی أصالة عدم التقیة حتی یکون من باب تمییز الحجة عن اللاحجة.

فتحصّل: ممّا تقدم تمامیة المقبولة للدلالة علی لزوم الترجیح فی الأخبار المتعارضة بالمرجحات المنصوصة، و المقام مقام ترجیح الحجة علی الحجة لاتمییز الحجة عن اللاحجة.

ومنها: (أی من الأخبار العلاجیة) ما رواه سعید بن هبة الله الراوندی فی رسالته الّتی ألفها فی أحوال أحادیث أصحابنا و إثبات صحتها عن الصادق علیه السّلام أنّه قال إذا ورد علیکم حدیثان مختلفان فأعرضوهما علی کتاب الله، فما وافق کتاب الله فخذوه و ما خالف کتاب الله فردوه، فإن لم تجدوهما فی کتاب الله فأعرضوهما علی أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه و ما خالف أخبارهم فخذوه.(1)

و هذا الحدیث الشریف یدلّ علی وجوب الترجیح بموافقة الکتاب و مخالفة العامة فی المتعارضین من الأخبار. و یعتضد ذلک بالأخبار المتعددة کمعتبرة الحسن بن الجهم، قال: قلت للعبد الصالح علیه السّلام: هل یسعنا فیما ورد علینا منکم إلّا التسلیم

ص:587


1- (1) )) الوسائل، الباب 9 من أبواب صفات القاضی، ح 29.

لکم؟ فقال: لا و الله لایعکم إلا التسلیم لنا، فقلت: فیروی عن أبی عبدالله علیه السّلام شیء و یروی عنه خلافه فبأیّهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم و ما وافق القوم فاجتنبه.(1)

و کما رواه القطب الراوندی بسند صحیح، قال: قلت للرضا علیه السّلام: کیف نصنع بالخبرین المختلفین؟ فقال: إذا ورد علیکم خبران مختلفان فانظروا إلی ما یخالف منهما العامة فخذوه و انظروا إلی ما یوافق أخبارهم فدعوه.(2)

و کخبر المیثمی و غیر ذلک من الأخبار. و بعد الجمع بینهما بحمل مطلقها علی مقیدها یکون حاصلها تقدیم موافق الکتاب علی مخالفه، و مع عدم وجود الموافق و المخالف فی الکتاب یقدم مخالف العامة علی موافقهم و الله هو العالم.

و بعبارة أخری الأخبار علی طوائف: منها ما دلّ علی وجوب الترجیح بموافقة الکتاب فقط، و منها ما دلّ علی وجوبه بمخالفة العامة کذلک، و منها ما دلّ علی وجوبه أوّلاً بموافقة الکتاب ثمّ بمخالفة العامة، و منها ما دلّ علی وجوب التوقف عند التمکن من لقاء الإمام علیه السّلام و وجوب الترجیح بمخالفة القوم عند عدم التمکن.

و مقتضی الجمع بین الطوائف الأول حمل الأولین علی إرادة أن کل واحد من موافقة الکتاب و مخالفة القوم مرجح فی نفسه من دون النظر إلی عدم کون غیره کذلک. و أما ما دلّ علی التفصیل بین التمکن من لقاء الإمام عند العمل و عدمه، فمقتضی الجمع بینه و بین ما دلّ علی وجوب الترجیح مطلقا سواء تمکن أو لم یتمکن من اللقاء تقیید الإطلاق به.

ثمّ إن التعارض بین هذه المفصلة بین التمکن و عدم التمکن و بین مقبولة عمر بن حنظلة الدالة علی وجوب الترجیح بموافقة الکتاب و مخالفة العامة تعارض

ص:588


1- (1) الوسائل، الباب 9 من أبواب صفات القاضی، ح 31.
2- (2) الوسائل، الباب 9 من أبواب صفات القاضی، ح 34.

المتباینین، إذ مورد المقبولة هو ما یتمکن فیه من لقاء الإمام علیه السّلام، کما یشیر إلیه قوله علیه السّلام «فارجه حتی تلقی إمامک»، فإن المستفاد منه أن مع التمکن من لقاء الإمام علیه السّلام کانت الوظیفة أولا الترجیح ثمّ الوقوف. و الجمع بینهما یقتضی حمل النهی عن العمل علی الکراهة و المقبولة صریحة فی جواز الترجیح. و من المعلوم أن مقتضی الجمع العرفی بین ما صریحه الجواز و بین ما ظاهره الحرمة هو التصرف فی ظهور الثانی و حمله علی الکراهة.

و بالجملة المستفاد من مجموع الأخبار الواردة فی علاج المتعارضین وجوب الترجیح بموافقة الکتاب ثمّ بمخالفة العامة لاشتراک جمیع الأخبار فی هذا المضمون.

ثمّ إن الترجیح بالشهرة فلادلیل له عدی المقبولة و المرفوعة، و یشکل الاستدلال بهما باختصاص المقبولة بالحکومة و ضعف سند المرفوعة، أللّهمّ إلّا أن یقال: إن قوله علیه السّلام «فإن المجمع علیه لاریب فیه» فی المقبولة تعلیل. و مقتضاه هو التعمیم بدعوی أن تعلیل الأخذ بأن المجمع علیه لاریب فیه ینفی الریب عن المجمع علیه، و إذا لم یکن فیه ریب فلامحالة یجب الأخذ به سواء کان فی مقام القضاء و الحکومة أو غیره.

فتحصّل: إلی حدّ الآن أن المرجحات المنصوصة و هی الشهرة و موافقة الکتاب و مخالفة العامة متقدمة علی إطلاقات التخییر جمعا بین الأخبار، و أما الترجیح بالأفقهیة و الأعدلیة و الأصدقیة المذکورة فی المقبولة أجنبی عن المقام من ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر، فإنّه فی المقبولة ناظر إلی ترجیح أحد الحکمین علی الآخر عند اختلافهما فلاتغفل.

ص:589

تنبیهات:

التنبیه الأول: ان الظّاهر من الشهرة المذکورة فی المقبولة هی الشهرة الروائیة لا الشهرة الفتوائیة و لا الشهرة العملیة، و الشاهد له أن الشهرة الفتوائیة أو العملیة لایقعان فی طرفی المعارضة، و علیه فقوله یا سیّدی إنهما مشهوران أوضح شاهد علی أن المراد من الشهرة هی الشهرة الروائیة، لأن هذا هو الذی یمکن إتصاف الروایتین بها لجواز صدورهما معا و إن لم یتم جهة الصدور إلّا فی أحدهما، أللّهمّ إلّا أن یقال إن المراد من الشهرة هو معناها اللغوی و هو الوضوح.

و الشهرة بهذا المعنی قد تصدق علی فتوی جماعة کما تصدق علی طرفی المعارضة، و لذا یقال إن فی المسألة قولان مشهوران أشهرهما هو الأول مثلا. و علیه فالشهرة المرجحة أعم من الروائیة ولکن لایساعده قوله فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثقات، فإن الظّاهر المستفاد من قوله إن محقق الشهرة فی الروایتین هی روایة الثقات فیکون المراد لامحالة هی الشهرة الروائیة.

ثمّ إن المستفاد من قوله فی المقبولة قال: قلت: فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثقات عنکم، قال: ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب و السنة و خالف العامة فیؤخذ الخ أن رتبة الشهرة مقدمة علی الموافقة للکتاب و السنة و المخالفة للعامة، و علیه یقید بالمقبولة إطلاق کل ما ورد فیه الأخذ بما وافق کتاب الله و ما خالف القوم.

لایقال: إن الترجیح بالشهرة مختص بباب الحکومة و القضاوة فلایمکن الأخذ بها فی باب تعارض الروایتین.

ص:590

لأنّا نقول: إن المذکور فی المقبولة أوّلا هو مرجحات أحد الحکمین علی الحکم الآخر بصفات القاضی و بعد فرض تساویهما فی الصفات المذکورة ذکر فیها مرجحات إحدی الروایتین علی الأخری فی مقام المعارضة. هذا مضافا إلی أن ظاهر المقبولة أن المنشأ بین المتخاصمین جهلهما بحکم الموافقة بالشبهة الحکمیة، فلایحتاج رفعها إلی القضاء بل یکفی المراجعة إلی من یعتبر فتواه أو یعتبر مستند فتواه إن أمکن للمراجع استفادة الحکم من ذلک المستند.

ودعوی أن الظّاهر أن المراد من المشهورة فی المقبولة هی الّتی أجمع الأصحاب علی صدورها عن المعصوم علیه السّلام بقرینة قوله علیه السّلام بعد الأمر بالأخذ بالمجمع علیه «إن المجمع علیه لاریب فیه». و علیه فیکون الخبر المعارض له ساقطا عن الحجیة لما دلّ علی طرح الخبر المخالف للکتاب و السنة، فإن المراد بالسنة هو مطلق الخبر المقطوع صدوره عن المعصوم علیه السّلام لاخصوص النبوی کما هو ظاهر، و علیه فیکون الشهرة من الممیزات لا المرجحات.

مندفعة أولاً: بأن المجمع علیه فی النقل و الروایة لایستلزم کون الروایة الأخری بیّن الغیّ و إن کان صدور المجمع علیه قطعیا و بیّن الرشد، إذ لاینافی ذلک صدور الروایة الأخری أیضاً لعدم کون صدورها مقابلا و مخالفا لصدور المجمع علیه، بل یمکن القطع بصدورهما معا کما فرضه الراوی بعد ذلک. و علیه فلایکون الروایة الأخری مخالفة للسنة القطعیة و لامجال لحمل المقبولة علی أن المراد منها بیان تمییز الحجة عن اللاحجة.

وثانیاً: أن جعل الروایة بالنسبة إلی الشهرة من ممیزات الحجة عن اللاحجة لایساعد وحدة السیاق لوضوح أن الموافقة للکتاب و المخالفة للعامة من المرجحات لاالممیزات.

ص:591

التنبیه الثانی: فی توضیح المراد من الموافقة و المخالفة للکتاب. ربّما یقال: إن المقبولة لاتدلّ علی الترجیح بموافقة الکتاب فیما إذا کان الخبران مظنونی الصدور لاختصاص مورد المقبولة بالمقطوع صدورهما، و علیه فلاعموم أو إطلاق بالنسبة إلی الخبر الظنی حتی یؤخذ به.

ولکنّه مندفع بأن المراد من المقطوع الصدور هو المقطوع الحجة، و علیه فإذا تعارض الحجتان یمکن الرجوع إلی المرجح المذکور من الموافقة للکتاب و المخالفة للعامة، إذ الحجة لاتختص بالمقطوع الصدور، بل یشمل الخبر الظنی الذی یکون حجة.

ثمّ إن المراد من المخالفة للکتاب هی المخالفة بنحو العموم و الخصوص و الإطلاق و التقیید لا المخالفة التباینیة، لأن الکلام فی ترجیح إحدی الحجتین علی الأخری لاتمییز الحجة عن اللاحجة و المخالف التباینی لاحجیة له و أخبار الترجیح لانظر لها بالنسبة إلی مورد المخالفة التباینیة، بل هی مشمولة للأخبار الدالة علی أن المخالف للکتاب زخرف و باطل، کما أن تلک الأخبار لاتعم المخالفة للعموم و الإطلاق ضرورة الجمع بینهما بتقدیم الخاص علی العموم أو المقید علی إطلاق الکتاب.

و أما المخالفة للکتاب بنحو العامین من وجه فسیأتی تفصیل الکلام فیها فی الفصل العاشر، و مجمل القول فیها أنه قد یقال لو سلم شمول الأخبار العلاجیة للعامین من وجه أن الظّاهر العرفی أن المراد من سقوط ما خالف الکتاب أن کون المخالفة حیثیة تعلیلیة، و علیه فیسقط الخبر کله لأنّه خبر مخالف للکتاب.

نعم، لو فهمنا من سقوط ما خالف الکتاب کون المخالفة حیثیة تقییدیة فالسقوط مختص بمورد المخالفة و هو مادة الاجتماع. ولکن یمکن أن یقال کما أفاد الشهید الصدر إن الصحیح هو أن التساقط إنما هو مادة الاجتماع مطلقا.

ص:592

و توضیحه: أن ما الموصولة فی قوله علیه السّلام «ما خالف الکتاب» تشمل بإطلاقها کل أمارة تخالف الکتاب و منها السند و منها الظهور، فکأنما قال إذا تعارض السند و أصل الصدور مع الکتاب فاطرحوه، فإذا کان التعارض بالتباین کان السند و أصل الصدور معارضا للکتاب فیطرح. و إذا کان التعارض بالعموم من وجه فالسند و أصل الصدور لیس مخالفا للکتاب. و إنما ظهوره فی الشمول لمادة الاجتماع مخالف للکتاب فیسقط. و إنما الکلام فی شمول الأخبار العلاجیة للعامین من وجه و التحقیق عدم شمولها.

بقی شیء

و هو أن الشهید الصدر قدّس سرّه قال قد یقال إن المقصود من الموافقة و عدمها و وجود شاهد و عدمه إنما هو الموافقة و المخالفة للروح العامة و الإطار العام للکتاب الکریم لا الموافقة و المخالفة المضمونیة مثلاً لو وردت روایة تحلل الکذب و الایذاء فی یوم خاص کانت تلک الروایة مخالفة للروح العامة للکتاب.

و یشهد لذلک أمور: أحدها ما جاء فی بعض الروایات من قول: «إن وجدتم علیه شاهدا أو شاهدین من کتاب الله» الخ فإنه لو کان المقصود الموافقة المضمونیة فأی أثر لافتراض وجود شاهد ثان، فهذه قرینة علی أن المقصود وجود الأشباه و النظائر و الروح العامة المنسجمة مع الحکم المذکور فی الروایة فی الکتاب الکریم، فیقول مثلا: إن وجدتم له نظیرا أو نظیرین فی الکتاب فخذوا به.

و لقائل أن یقول: إن هذا لوتم لایوجب تخصیص الموافقة و المخالفة بالروح العامة المنسجمة، بل غایة ما یدل علیه هو أعمیة الموافقة و المخالفة بالنسبة إلی ما ذکر.

ص:593

تبصرة

و هو أن الخبر الواحد إذا کان مخالفا لظاهر الکتاب أو السنة القطعیة و کانت النسبة بینهما هو التباین أو العموم من وجه یؤخذ بظاهر الکتاب أو السنة القطعیة و یطرح الخبر مطلقا سواء کان خبر آخر معارضا له أم لم یکن. و الوجه فیه هو الأخبار الکثیرة الدالة علی عدم حجیة الخبر المخالف للکتاب أو السنة القطعیة و أنه زخرف و باطل. و لاکلام فیه فیما إذا کان العموم فی کل من الکتاب و الخبر وضعیا، فیؤخذ بظاهر الکتاب و السنة و یطرح الخبر بالنسبة إلی مورد الاجتماع لجواز التفکیک فی الحجیة باعتبار مدلول الکلام.

و أما إن کان العموم فی کل من الکتاب و الخبر بالإطلاق فقد قال السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه: یسقط الإطلاقان فی مورد الاجتماع لما ذکرنا من أن الإطلاق غیر داخل فی مدلول اللفظ، بل الحاکم علیه هو العقل ببرکة مقدمات الحکمة الّتی لایمکن جریانها فی هذه الصورة. و ذکرنا أن المستفاد من الکتاب ذات المطلق لا إطلاقه کی یقال إن مخالف إطلاق الکتاب زخرف و باطل. و لذا لو کان العموم فی الخبر وضعیا و فی الکتاب أو السنة القطعیة إطلاقیا یقدم عموم الخبر فی مورد الاجتماع بعد ما ذکرناه من تمامیة الإطلاق مع وجود العموم الوضعی فی قباله.

و لایخفی ما فیه بعد فرض کون الخبر و الکتاب منفصلین لانعقاد الظهور الاستعمالی فی کل منهما فی نفسهما و بقائه، و حینئذ لافرق بین کون العموم وضعیا أو إطلاقیا، فیؤخذ بظاهر الکتاب أو السنة القطعیة و یطرح الخبر بالنسبة إلی مادة الاجتماع بمقتضی الأخبار الدالة علی عدم حجیة الخبر المخالف للکتاب أو السنة القطعیة.

ص:594

التنبیه الثالث: فی المراد من الموافقة و المخالفة للقوم و لا إشکال فی صدق الموافق علی الخبر الذی یوافق مذهب العامة إذا اتفقوا علی شیء.

و إنما الکلام فیما إذا اختلفوا و کانت إحدی الروایتین موافقة لبعضهم و أخری مخالفة لبعض آخر.

و الأظهر أن الروایة الموافقة کانت للتقیة إذا کان لهذه الطائفة سلطة حکومیة، فالمعیار هو الموافقة مع مذهب من المذاهب الحاکمة و لایلزم اتفاق القوم کما لایخفی.

ثمّ إن ظاهر أخبار الترجیح أن کل واحد من الموافقة للکتاب و مخالفة العامة مرجح مستقل و لایلزم اجتماعهما فی الترجیح.

ثمّ إن المذکور فی المقبولة و إن کان حکم الواجد و الفاقد لکلا المرجحین و الواجد و الفاقد لأحد المرجحین دون ما إذا کان أحدهما واجدا لمرجح و الآخر واجدا للمرجح الآخر، إلا أن حکمه یعلم من صحیحة الراوندی بسنده عن الإمام الصادق علیه السّلام أنه قال: «إذا ورد علیکم حدیثان مختلفان فأعرضوهما علی کتاب الله، فما وافق کتاب الله فخذوه و ما خالف کتاب الله فردوه، فإن لم تجدوه فی کتاب الله فأعرضوهما علی أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه و ما خالف فخذوه». و علیه یحکم بتقدیم الخبر الموافق للکتاب و إن کان موافقا للعامة و طرح الخبر المخالف للکتاب و إن کان مخالفا للعامة. ثمّ إنه إذا کان کلا الخبرین موافقین للعامة لکونهم قائلین بمفاد کلیهما، فاللازم هو ترک طرف کانت العامة بالنسبة إلیه أمیل.

التنبیه الرابع: فی أن التخییر یکون فی المسألة الأصولیة لا الفرعیة، و ذلک لأن ظاهر جمع کثیر من أخبار التخییر فی أن التخییر إنما هو فی الأخذ بأحد الخبرین و البناء علیه و جعله طریقا له لا فی مجرد تطبیق عمله علی مضمون أحد الخبرین.

ص:595

هذا مضافا إلی تأیید ذلک بأن أدلة التخییر ناظرة إلی رفع النقص الموجود فی أدلة حجیة خبر الثقة حیث لاتشمل الخبرین المتعارضین فإذن فالمستفاد منها عرفا هو الحجیة التخییریة لامجرد التخییر فی العمل.

ثمّ إنه یجوز للمجتهد أمران: أحدهما الإفتاء بالتخییر فی المسألة الأصولیة، و ثانیهما الإفتاء بما اختاره من الخبرین فی عمل نفسه و عمل مقلدیه. و یشکل ذلک بأن إیجاب مضمون أحد الخبرین علی المقلد مع أنه لم یقم علیه دلیل تشریع.

و یدفع ذلک الإشکال بأن الإیجاب المذکور من لوازم التخییر الأصولی المستفاد من الأدلة، و معه لاوجه للزوم التشریع.

فتحصّل: أنه یجوز للمجتهد الأمران: أحدهما هو الإفتاء بالتخییر الأصولی، و ثانیهما هو الإفتاء بمفاد الخبر الذی اختاره، کما یجوز للمقلد الأمران و لایلزم من ذلک تشریع و لاخروج عن أساس علم و خبرة، لأن إفتائه بمفاد هذا الخبر من لوازم التخییر الأصولی الذی اختاره الفقیه علی أساس علم و خبرة و هو یکفی فی جواز رجوع العامی إلیه.

نعم، لادلیل علی الإفتاء بالتخییر فی المسألة الفرعیة، إذ الدلیل علی التخییر بین الأخذ بهذا الخبر أو ذلک الخبر غیر الدلیل علی التخییر الواقعی بینهما. و المفروض عدم التخییر الواقعی، إذ لیس فی الواقع إلّا أحدهما، فالتخییر أصولی لافقهی. هذا فی الإفتاء، و أما فی القضاء و الحکومة فالظّاهر أن الفقیه یتخیر أحدهما فیقضی به لأن القضاء و الحکم عمل له للغیر فهو المخیّر. هذا مضافا إلی أن تخیّر المتخاصمین لایرفع معه الخصومة.

التنبیه الخامس: فی أن التخییر بدوی أو استمراری و الأظهر هو الثانی.

ص:596

استدلّ لترجیح التخییر البدوی بأنه لادلیل علی التخییر الاستمراری، لأن دلیل التخییر إن کان هو الأخبار فالظّاهر أنها مسوقة لبیان وظیفة المتحیر فی ابتداء الأمر، فلاإطلاق لها بالنسبة إلی حال المتحیر بعد الالتزام بأحدهما. و إن کان الدلیل هو العقل الحاکم بعدم جواز طرح کلیهما فهو ساکت من جهة کون التخییر بدویا أو إستمراریاً.

و الأصل عدم حجیة الآخر بعد الالتزام بأحدهما. نعم، لو کان الحکم بالتخییر فی المقام من باب تزاحم الواجبین کان الأقوی استمراره لأن المقتضی له فی السابق موجود بعینه.

و أما استصحاب التخییر فهو غیر جار لأن الثابت سابقا ثبوت الاختیار لمن لم یتخیر، فإثباته لمن اختار و التزم اثبات للحکم فی غیر موضعه الأول.

ویمکن الجواب عنه، أولاً: بأن الظّاهر من بعض الأخبار أن التخییر إنما هو من باب التسلیم، و من المعلوم أن مصلحة التسلیم لایختص بحال الابتداء، بل یعم الحالتین فالحکم فیهما بالتخییر إنما هو علی القاعدة.

وثانیاً: بأن قضیة الاستصحاب کون التخییر إستمراریاً و توهم أن المتحیر کان محکوما بالتخییر و لاتحیر له بعد الاختیار، فلایکون الإطلاق و لا الاستصحاب مقتضیا للاستمرار لاختلاف الموضوع فیهما فاسد لأن التحیر بمعنی تعارض الخبرین باقٍ علی حاله.

وثالثاً: بأن قوله علیه السّلام فی الأخبار فهو فی سعة حتی یلقاه علیه السّلام، و قوله علیه السّلام فموسع علیک حتی تری القائم علیه السّلام فترد إلیه بناء علی دلالتهما علی التخییر انهما ظاهران فی استمرار التوسعة و بقاء التخییر إلی أن یری القائم علیه السّلام فتلخص أن أدلة التخییر

ص:597

کما تکون ناهضة لإثباته حدوثا کذلک ناهضة لإثباته مستمرا، و علی فرض سکوتها یجری الاستصحاب.

لایقال: إن الظّاهر عدم صحة الأخذ بالاستصحاب لأن التخییر الثابت سابقا هو جعل أحد الخبرین حجة فی حقه بالأخذ به، و بعد الأخذ بأحدهما و صیرورته حجة یکون التخییر بمعنی إخراج ذلک المأخوذ سابقا عن الاعتبار و جعل الآخر حجة، و هذا لم یکن فی السابق ثابتا لیستصحب.

لأنّا نقول: إن ذلک من لوازم استمرار التخییر فی الأخذ بإحدی الحجتین، فإذا کان هذا التخییر باقیا بالاستصحاب فلامانع من لزوم إخراج ذلک المأخوذ و جعل الآخر حجة و لایکون من لوازم بقاء المستصحب لایلزم أن یکون ثابتا فی السابق لیستصحب.

فتحصّل: أن التخییر استمراری لابدوی، بل قوله علیه السّلام «موسع علیک بأیة عملت» فی صحیحة علی بن مهزیار یعم العمل بنحو الدوام أو فی بعض الأوقات، فیجوز الأخذ بإحدی الروایتین بنحو التوقیت، و حینئذ اذا انقضی الوقت زالت الحجیة، إذ هی تابعة علی الفرض للأخذ جمعا بین قوله علیه السّلام موسع علیک بأیة عملت فی صحیحة علی بن مهزیار و قوله علیه السّلام بأیهما أخذت من جهة التسلیم کان صوابا فی معتبرة الحمیری.

و المخاطب للتخییر هو الذی جاءه الحدیثان المتعارضان و تقییده بالمتحیر خلاف ظاهر الأدلة و إن أوجب التعارض تحیرا بالنسبة إلی الحکم الواقعی، ولکن لم یؤخذ ذلک فی موضوع أخبار التخییر. و مقتضی إطلاق الموضوع أنّ المخاطب مخیر فی کلّ واقعة فی الأخذ بأیّ من الخبرین شاء و حمله علی التخییر فی إحداث الأخذ به فی ابتداء الأمر خلاف الظاهر. و قد ظهر ممّا تقدم أنّ مع تمامیة دلالة الإطلاقات علی التخییر و استمراره لاحاجة إلی استصحاب الاستمرار.

ص:598

الفصل السابع: فی جواز التعدی عن المرجحات المنصوصة و عدمه و لایخلو الجواز عن قوة لولا إطلاق أدلّة التخییر.

وقد استدلّ علی الأوّل بفقرات من الروایات:

منها: الترجیح بالأصدقیة فی المقبولة و بالأوثقیة فی المرفوعة، فإن اعتبار هاتین الصفتین لیس إلا لترجیح الأقرب إلی مطابقة الواقع فی نظر الناظر فی المتعارضین من حیث إنه أقرب من غیر مدخلیة خصوصیة سبب ولیستا کالأعدلیة و الأفقهیة یحتملان لاعتبار الأقربیة الحاصلة من السبب الخاص. فیمکن أن یقال حینئذ إذا کان أحد الروایتین أضبط من الآخر أو أعرف بنقل الحدیث بالمعنی أو شبه ذلک فیکون أصدق و أوثق من الراوی الآخر. و یتعدی من صفات الراوی المرجحة إلی صفات الروایة الموجبة لأقربیة صدورها، لأن أصدقیة الراوی و أوثقیته لم یعتبر فی الراوی إلّا من حیث حصول صفة الصدق و الوثاقة فی الروایة، فإذا کان أحد الخبرین منقولا باللفظ و الآخر منقولا بالمعنی کان الأول أقرب إلی الصدق و أولی بالوثوق.

أورد علیه بأن جعل خصوص شیء فیه جهة الإرائة و الطریقیة حجة أو مرجحا لا دلالة فیه علی أن الملاک فیه بتمامه جهة إرائته بل لا إشعار فیه لاحتمال خصوصیة فی نفس الطریق.

هذا مضافا إلی عدم دلالة المقبولة علی کون الأوصاف المذکورة من مرجحات الخبرین المتعارضین فضلا عن دلالتهما علی أن ذکر الأوصاف مثال لما یوجب أقربیة أحد المتعارضین إلی الصدق، و ذلک لأن الأصدقیة و الأعدلیة و الأفقهیة و الأورعیة من مرجحات الحاکم لا من مرجحات الروایة کما هو ظاهر قوله علیه السّلام الحکم ما حکم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما فی الحدیث و أورعهما فی المقبولة.

ص:599

ومنها: تعلیله علیه السّلام الأخذ بالمشهور بقوله علیه السّلام «فإن المجمع علیه لاریب فیه»، و توضیح ذلک أن معنی کون الروایة مشهورة کونها معروفة عند الکل کما یدلّ علیه فرض السائل کلیهما مشهورین، و المراد بالشاذ ما لایعرفه إلا القلیل.

و لاریب أن المشهور بهذا المعنی لیس قطعیا من جمیع الجهات قطعی المتن و الدلالة حتی یصیر مما لاریب فیه، و إلّا لم یمکن فرضهما مشهورین و لا الرجوع إلی صفات الراوی قبل ملاحظة الشهرة و لا الحکم بالرجوع مع شهرتهما إلی المرجحات الآخر.

فالمراد بنفی الریب نفیه بالإضافة إلی الشاذ، و معناه أن الریب المحتمل فی الشاذ غیر محتمل فیه، فیصیر حاصل التعلیل ترجیح المشهور علی الشاذ بأن فی الشاذ احتمالا لایوجد فی المشهور، و مقتضی التعدی عن مورد النص فی العلة وجوب الترجیح بکل ما یوجب کون أحد الخبرین أقل احتمالا لمخالفة الواقع.

أورد علیه أن الاستدلال بالتعلیل المذکور یتوقف علی عدم کون الروایة المشهورة مما لاریب فیها حقیقة فی نفسها، مع أن ذلک ممکن، إذ الشهرة فی الصدر الأول بین الروات و أصحاب الأئمة علیهم السّلام موجبة لکون الروایة المشهورة مما یطمئن بصدورها، بحیث یصح أن یقال عرفا إنها مما لاریب فیها حقیقة.

و علیه فلابأس بالتعدی منه إلی مثله مما یوجب الوثوق و الاطمئنان بالصدور لا إلی کل مزیة و لو لم توجب إلّا أقربیة ذی المزیة إلی الواقع من المعارض الفاقد لها. و علیه فمع إمکان إرادة نفی الریب حقیقة حمل قوله علیه السّلام «فإن المجمع علیه لاریب فیه» علی الریب النسبی و الإضافی خلاف الظّاهر جداً و لاموجب له بعد إمکان اجتماع الخبرین فی الوثوق بالصدور فقط.

ص:600

هذا مضافا إلی أن نفی الریب بالإضافة إلی أصل صدوره لا إلی جهات أخری، و لایمکن التعدی إلی ما یوجب کون الخبر مما لاریب فیه من جهة أخری غیر الصدور.

ومنها: تعلیلهم علیهم السّلام لتقدیم الخبر المخالف للعامة بأن الحق و الرشد فی خلافهم و إن ما وافقهم فیه التقیة، فإن هذه کلها قضایا غالبیة لا دائمیة، فیدل بحکم التعلیل علی وجوب ترجیح کل ما کان معه أمارة الحق و الرشد و ترک ما فیه مظنة خلاف الحق و الصواب.

بل الإنصاف أن مقتضی هذا التعلیل کسابقه وجوب الترجیح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر و إن لم یکن علیه أمارة المطابقة کما یدل علیه قوله علیه السّلام ما جاءکم عنّا من حدیثین مختلفین فقسهما علی کتاب الله و أحادیثهما، فإن أشبههما فهو حق، و إن لم یشبههما فهو باطل. فإنه لاتوجیه لهاتین القضیتین إلا ما ذکرنا من إرادة الأبعدیة عن الباطل و الأقربیة إلیه.

أورد علیه بأنّا بعد تسلیم أن لیس المراد من التعلیل أن الرشد کلیة فی الخبر المخالف، إذ لیس کل ما خالفهم حقا کما لیس کل الموافق باطلاً.

نقول: لابدّ من رفع الید عن ظاهر التعلیل بالقرینة المعلومة، لکن لایلزم لأن یکون المراد إثبات الرشد بالنسبة إلی الخبر الموافق و بالإضافة إلیه کی یکون مقتضاه وجوب الترجیح بکل ما هو أبعد عن الباطل من الآخر، فلم لایکون المراد أن الرشد غالبا و نوعا فی الخبر المخالف، فیکون هذه الغلبة النوعیة الّتی لاحظها الشارع موجبة للأخذ بالمخالف، فلایمکن التعدی إلّا إلی ما بلغ المصادفة النوعیة و الرشد الغالبی فیه بهذا المقدار و لادلیل علی بلوغ المصادفة بهذا المقدار فی غیر المخالفة مع العامة حتی یمکن التعدی إلیه.

ص:601

ومنها: قوله علیه السّلام «دع ما یریبک إلی ما لا یریبک»، فإنه یدلّ علی أنّه إذا دار الأمر بین الأمرین فی أحدهما ریب لیس فی الآخر ذلک الریب یجب الأخذ به، و لیس المراد نفی مطلق الریب. و حینئذ فإذا فرض أحد المتعارضین منقولا بلفظه و الآخر منقولا بالمعنی وجب الأخذ بالأوّل لأن احتمال الخطاء فی النقل بالمعنی منفی فیه. أورد علیه أوّلا بضعف السند و ثانیاً بأنّه لم لایبقی علی ظاهره من الدعوة إلی الأخذ بالیقین فی إتیان العمل و ترک المشتبهات.

هذا کلّه ما ذکره الشیخ الأعظم لجواز التعدی عن المرجحات المنصوصة، و قد عرفت عدم تمامیتها.

و هنا تقریب آخر و هو أن التعدی عن المرجحات المنصوصة إلی غیرها مطابق للقاعدة و لایحتاج إلی دلیل خارجی.

و توضیح ذلک بتقدیم مقدمة و هی أن بعد إحراز العموم أو الإطلاق فی أدلة اعتبار الطرف و الأمارات إذا شککنا فی خروج ذی المزیة أو خروج ما لامزیة له منها بعد العلم بعدم کذبهما أو بعد العلم بعدم صدقهما معا کان اللازم الأخذ بأصالة العموم فی ذی المزیة و القول بشمول العموم أو الإطلاق له، إذ لامجال لاحتمال خروج ذی المزیة و غیره عن مفاد العموم أو الإطلاق بعد کون الفرض هو عدم احتمال کذبهما. و هکذا لامجال لدخولهما بعد کون الفرض هو التعارض و عدم صدقهما معا. فإذا دار الأمر بین شمول المرجوح و خروج الراجح و بین شمول الراجح و خروج المرجوح لزم القول بشمول الراجح و خروج المرجوح، حیث إن خروج الراجح یلازم خروج المرجوح عرفاً، لعدم احتمال العرف خروج الراجح و بقاء المرجوح و إن خروجهما معا لایساعد مع عدم احتمال کذبهما، فانحصر الأمر فی خروج المرجوح أخذا بأصالة العموم أو الإطلاق.

ص:602

و هذا البیان یجری فی مسألة تعارض الأخبار و تعارض آراء المجتهدین و تعارض البینات مع فرض العلم بعدم کذبهما معا أو بعدم صدقهما معا.

فإذا عرفت تلک المقدمة فنقول فی مثل عموم صدق العادل فی أدلة اعتبار الأخبار إن خروج المتعارضین عن مفاد الإطلاق المذکور لامجال لاحتماله للعلم بعدم کذبهما معا، و هکذا لامجال لشمول الإطلاق المذکور للمتعارضین لفرض العلم بعدم صدقهما معا.

و علیه فیؤخذ بإطلاق دلیل صدق العادل و یحکم بشموله لذی المزیة و خروج المرجوح دون العکس لعدم انسباقه إلی الذهن العرفی، ولکنّه متفرع علی ثبوت إطلاق صدق العادل بالنسبة إلی المتعارضین و عدم القول بأن الأدلة الدالة علی اعتبار الأخبار أو الأصول اللفظیة لیست ناظرة إلی صورة تعارضهما انتهی.

و لقائل أن یقول: إن شمول إطلاق أدلة الاعتبار للخبرین المتعارضین هو مقتضی الإطلاق الذاتی، و معه لاحاجة إلی اللحاظ حتی یقال إن الأدلة لیست ناظرة إلی حال تعارضهما، کما أن أصالة العموم تکون مقتضی العموم الوضعی و لایرفع الید عنها إلا بمقدار المتیقن و هو المرجوح.

و علیه فجواز التعدی عن المرجحات المنصوصة إلی غیرها لایخلو من وجه إن لم یمنع عنه إطلاق أدلة التخییر الشرعی، و إلّا فمع القول بإطلاق أدلة التخییر الشرعی کما هو الظّاهر مما تقدم یمنع ذلک الإطلاق من دعوی لزوم الترجیح بالمرجحات الغیر المنصوصة و إن کان الأخذ بطرف الراجح أحوط.

الفصل الثامن: فی اختصاص الأخبار العلاجیة بموارد الّتی لیس لها جمع عرفی و عدمه، و المعروف هو الأول. و الوجه فیه أن ما یمکن التوفیق فیه عرفا لایدخل فی

ص:603

مورد السؤال عن علاج المتعارضین لأن مورد السؤال مختص بما إذا تحیّر السائل فی المتعارضین و لم یستفد المراد منهما إلّا ببیان آخر لأحدهما أو لکلیهما.

و دعوی أن مساعدة العرف علی التوفیق لایوجب اختصاص السؤالات بغیر موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التعارض البدوی أو للتحیر فی الحکم الواقعی مندفعة بأن التوفیق العرفی فی مثل الخاص و العام و المقید و المطلق و النص و الظّاهر و الظّاهر و الأظهر مما کان علیه السیرة القطعیة من لدن زمان الأئمة علیهم السّلام و ما قبله، و هی کاشفة إجمالا عما یوجب تخصیص أخبار العلاج بغیر موارد التوفیق العرفی لولا دعوی اختصاص أخبار العلاج بغیر موارد التوفیق العرفی.

هذا مضافا إلی أن ظاهر موارد السؤال عن حکم المتعارض أن السائل متحیر فی وظیفته، و هو لایکون إلا إذا لم یکن بین الخبرین جمع عرفی، و إلّا فلاتحیر، و مع الجمع العرفی لاتعارض.

لایقال: إن الخاص لیس منشأ لانعقاد ظهور آخر و صرف ظهور العام کالقرینة المتصلة حتی لایبقی تعارض فی البین و لایحسن السؤال و لایشمله الأخبار و المرتکزات العرفیة لاتلزم أن تکون مشروحة عند کل أحد حتی یری السائل عدم احتیاجه إلی السؤال. و یؤیده ما ورد فی روایة الحمیری و ما رواه علی بن مهزیار، فإن موردهما من قبیل العام و الخاص و النص و الظاهر، مع أنه أمر بالتخییر فی کلا المقامین. و دعوی السیرة علی التوفیق ممنوعة مع ذهاب مثل الشیخ الطوسی إلی الترجیح.

لأنّا نقول: منع السیرة المذکورة لیس إلّا مکابرة. هذا مضافا إلی وجود قرائن تدلّ علی أن التحیّر عریق لابدوی فی الأخبار المتعارضة. و السیرة لاتنکر بذهاب فرد

ص:604

من الأفراد مع التزامه فی تضاعیف أبواب الفقه بالسیرة المذکورة. و أما الروایتان فهما قاصرتان عن إثبات التخییر فی المسألة الأصولیة، إذ المناسب فی مقام الجواب بیان الحکم الواقعی لابیان العلاج بین المتعارضین، فیقوی أن یکون المراد التخییر فی المسألة الفرعیة.

الفصل التاسع: فی الموارد الّتی اشتبه الحال فیها من ناحیة تمییز أن أیهما أظهر و أیهما ظاهر و قد ذکر فیما اشتبه الحال أمور للتمییز:

الأمر الأول: أنّه إذا تعارض العموم مع الإطلاق کما إذا ورد أکرم العالم و لاتکرم الفساق دار الأمر بین ترجیح العموم علی الإطلاق و تقدیم التقیید علی التخصیص أو بالعکس.

ذهب بعض إلی تقدیم التقیید بما محصّله أن ظهور العام فی العموم تنجیزی، بخلاف ظهور المطلق فی الإطلاق، فإنّه معلق علی عدم البیان و العام یصلح لذلک. و علیه فتقدیم العام علی المطلق لعدم تمامیة المقتضی فی طرف الإطلاق مع وجود العام بخلاف العکس.

أورد علیه بأن عدم البیان الذی هو جزء المقتضی فی مقدمات الحکمة إنما هو عدم البیان فی مقام التخاطب لا إلی الأبد، و علیه فمع انقضاء مقام التخاطب لافرق بین ظهور الإطلاق و ظهور العموم، فلاترجیح للتقیید علی التخصیص. فاللازم هو ملاحظة الخصوصیات الموجبة لأظهریة أحدهما من الآخر، و هی تختلف بحسب الموارد.

و مقتضی ذلک أن مع عدم ثبوت الأظهریة فی طرف یکون المقام من موارد التعارض فیشمله الأخبار العلاجیة بناء علی شمول الأخبار العلاجیة للعامین من وجه أو یکون المقام من موارد التساقط و الرجوع إلی العموم أو أصل بناء علی عدم شمول الأخبار العلاجیة للعامین من وجه.

ص:605

الأمر الثانی: فی دوران الأمر بین التخصیص و النسخ، کما إذا ورد الخاص قبل ورود العام یقع الکلام حینئذ فی أن الخاص یقدم علی العام و یخصصه أو العام یقدم علی الخاص و ینسخه. و الأظهر هو تقدیم التخصیص علی النسخ مطلقا سواء کان قبل وقت العمل أو بعده للسیرة القطعیة علیه.

و غیر خفی علی من راجح طریقة أصحاب الأئمة علیهم السّلام أن الحکم فی المقام إخراج مورد الخاص عن حکم العام، فإنّه لولا ذلک کان اللازم علی کل أحد إذا ورد علیه خاصّ و عام أن یکلف نفسه استخبار حال الدلیلین و تاریخ صدورهما عن الإمام علیه السّلام و أن أیهما مقدم و أیهما مؤخر، مع أن المقطوع من طریقة الأصحاب خلاف ذلک، إذ لو کان من بنائهم ذلک صار مع کثرة الموارد المبتلی بها من البینات الواضحات بل کالنور علی الطور، و حیث لیس الأمر هکذا یستکشف أن بنائهم لم یکن علی ذلک و أنه یستکشف أنهم کانوا یقدمون الخاص مطلقا سواء کان قبل العام أو بعده و لم یکونوا یحتملون کون العام ناسخا للحکم المستفاد من الخاص.

بقی شیء

و هو أن الخاص المتأخر عن وقت العمل بالعام و إن لم یکن محلا للنزاع لأن اللازم علینا هو العمل بالخاص ناسخا کان أو مخصصا، ولکن یمکن القول فیه أیضا بترجیح التخصیص إذا کانت الخصوصیات کثیرة کخصوصیات الواردة عن الأئمة علیهم السّلام بالنسبة إلی العمومات الصادرة من النبی صلی الله علیه و آله و سلّملاستبعاد النسخ من الأئمة علیهم السّلام و لو بنحو إیداع النواسخ عندهم، و علیه فالتخصیص متعین. و دعوی قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة مندفعة بأن القبح فیما إذا لم یکن مصلحة فی إخفاء الخصوصات أو لم یکن مفسدة فی إبدائها.

ص:606

الفصل العاشر: فیما إذا کان التعارض بین الدلیلین بالعموم من وجه، و لایخفی علیک أن الظّاهر من الخبرین المتعارضین هو کون التعارض بینهما تباینا کلیا، لأنّه هو الذی یوجب أن یکون الخبران متقابلین بقول مطلق، بحیث یتعرض کل طرف بجمیع ما فیه مع جمیع ما فی مقابله. و علیه فلامجال للتمسک بأخبار العلاجیة فی العامین من وجه، کما لا وجه للرجوع إلی أخبار التخییر، بل اللازم هو الرجوع إلی مقتضی القاعدة فی مورد التعارض لو لم یعلم حجیة أحدهما من طریق آخر.

و دعوی أن العرف بمناسبة الحکم و الموضوع و إلقاء الخصوصیة یفهم أن الخبرین الواردین عن الأئمة علیهم السّلام إذا تصادما و تعارضا بأی وجه کان لایجوز طرحهما، بل لابدّ من الترجیح و الأخذ بالراجح و مع فقدانه التخییر، فلایرضی الشارع فیهما بالعمل علی طبق القاعدة.

مندفعة بأن دعوی إلغاء الخصوصیة کما تری بعد کون الأصل فی المتعارضین هو التساقط، إذ التخییر و الترجیح محتاجان إلی صدق موضوع الدلیل و شمول عنوان الخبرین المختلفین لما اختلفا و تعارضا فی بعض مضمونها غیر محرز و لا أقل من الشک، فلایجوز التمسک بأخبار التخییر و لا بالأخبار العلاجیة لعدم إحراز موضوعهما.

و علی فرض الإطلاق فی موضوع الأخبار العلاجیة أو عمومه و قد یفصل بین المرجحات السندیة کالترجیح بالأصدقیة و الأعدلیة و عدم الجریان و بین مرجحات جهة الصدور و المضمون و الجریان.

فإن الرجوع إلی المرجحات السندیة یوجب طرح أحدهما رأسا حتی فی مادة الافتراق أو التبعیض فی السند و الالتزام بصدوره فی مادة الافتراق دون مادة الاجتماع و کلا الأمرین مما لایمکن الذهاب إلیه.

ص:607

أما الأول فلأن طرح أحدهما فی مادة الافتراق طرح للحجّة بلا معارض. و أما الثانی فلأنه لایعقل التعبد بصدور کلام واحد بالنسبة إلی بعض مدلوله دون البعض الآخر.

هذا بخلاف مرجحات جهة الصدور أو المضمون، فإن التفکیک فی جهة الصدور أو المضمون فلامانع منه بأن یقال صدور هذا الخبر بالنسبة إلی بعض مدلوله لبیان الحکم الواقعی و بالنسبة إلی البعض الآخر للتقیة. و کذلک التفکیک فی المضمون بأن یقال بعض مدلول هذا الخبر متعلّق للإرادة الجدیة دون البعض الآخر للتخصیص أو التقیید الوارد علیه.

وفیه: أن التفصیل المذکور لادلیل علی الترجیح بصفات الراوی رأسا لاختصاص الدلیل بباب القضاوة، و معه لامجال للمرجحات السندیة فی باب تعارض الأخبار عدی الشهرة بناء علی أن المراد منها هی الشهرة الروائیة.

و قد یفصل بین ما إذا کان العموم مستفادا فی کل منهما بالوضع فیمکن التعبد بصدوره دون عمومه، لإمکان أن یکون الکلام صادرا عن الإمام علی غیر وجه العموم بقرینة لم تصل إلینا و بین ما إذا کان العموم فی کل منهما مستفادا من الإطلاق، فتسقط الروایتان فی مادة الاجتماع من الأول بلا حاجة إلی الرجوع إلی المرجحات.

و ذلک لأن الإطلاق بمعنی اللا بشرط القسمی المقابل للتقیید غیر داخل فی مدلول اللفظ، إذ اللفظ موضوع للمهیة المهملة الّتی یعبر عنها باللابشرط المقسمی، فلایروی الراوی عن الإمام علیه السّلام إلّا بثبوت الحکم للطبیعة المهملة. و أما إطلاقه فهو خارج عن مدلول اللفظ و یثبت بحکم العقل بعد تمامیة مقدمات الحکمة. و علی هذا فلاتعارض بین الخبرین باعتبار نص مدلولهما مع إهمالهما، فیسقط الدلیلان معا فی مادة الاجتماع و یرجع إلی دلیل آخر من عموم أو إطلاق أو أصل عملی.

ص:608

وفیه: أنه لاوجه للتفصیل المذکور لأن مقدمات الحکمة و إن کانت عقلیة ولکن لیست عقلیة صرفة حتی لایتصور فیه التعدد، بل هو حکم عقلی فی الأحکام العرفیة. و علیه فالتعدد فی الإطلاق متصور کالوضع و یکون ظهور کل واحد من المطلقین منعقد مع قطع النظر عن الآخر. و دعوی عدم انعقاد الظهور قبل وصول الآخر کما تری.

و علیه فلافرق بین کون العموم ناشئا من الوضع أو الإطلاق فی إمکان رجوع الأمر إلی إنکار العموم أو الإطلاق من جهة إمکان کون الکلام صادرا عن الإمام علیه السّلام علی غیر وجه العموم و الإطلاق بقرینة لم تصل إلینا، فاختص العموم و الإطلاق بغیر مورد الاجتماع، فلایلزم من شمول الأخبار العلاجیة للعامین من وجه أحد المحذورین من طرح الحجة بلامعارض أو التبعیض فی السند.

تنبیه

و قد یقال: إن الخبر الواحد إذا کان مخالفا لظاهر الکتاب أو السنة القطعیة و کانت النسبة بینهما التباین یطرح الخبر و لو لم یعارضه خبر آخر بمقتضی الأخبار الکثیرة الدالة علی عدم حجیة الخبر المخالف للکتاب أو السنة القطعیة و أنه زخرف و باطل.

و أما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم و الخصوص المطلق فلاینبغی الإشکال فی تخصیص الکتاب أو السنة القطعیة به ما لم یکن خبر آخر معارضا له، و إلّا فیطرح و یؤخذ بالخبر الموافق للکتاب و السنة بمقتضی أخبار الترجیح.

و أما إذا کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه فإن کان العموم فی کل منهما بالوضع یؤخذ بظاهر الکتاب أو السنة، و یطرح الخبر بالنسبة إلی مورد الاجتماع لأنّه زخرف و باطل بالنسبة إلی مورد الاجتماع بمقتضی ما ذکر من إمکان التفکیک فی الحجیة باعتبار مدلول الکلام.

ص:609

و إن کان العموم فی کل منهما بالإطلاق یسقط الإطلاقان فی مورد الاجتماع لما ذکر من أن الإطلاق غیر داخل فی مدلول اللفظ بل الحاکم علیه هو العقل ببرکة مقدمات الحکمة الّتی لایمکن جریانها فی هذه الصورة. و ذکرنا أن المستفاد من الکتاب ذات المطلق لا إطلاقه، کی یقال إن مخالف إطلاق الکتاب زخرف و باطل. و من هنا یظهر أنه لو کان العموم فی الخبر وضعیا و فی الکتاب أو السنة إطلاقیا یقدم عموم الخبر فی مورد الاجتماع بعد ما ذکر من عدم تمامیة الإطلاق مع وجود العموم الوضعی فی قباله.

و لایذهب علیک أنه لافرق بین کون العموم بالوضع و بین کونه بالإطلاق فی انعقاد الظهور فی الطرفین کالوضع. و علیه فما افید فی الوضع یجری فی الإطلاق أیضا، فیؤخذ بظاهر الکتاب و السنة و یطرح الخبر بالنسبة إلی مورد الاجتماع بناء علی إطلاق ما دلّ علی أن المخالف زخرف و باطل، وإلّا فمقتضی القاعدة هو تساقطهما فی مورد الاجتماع طبقا للقاعدة.

و ممّا ذکر یظهر أنه لو کان العموم فی الخبر وضعیا و فی الکتاب أو السنة القطعیة إطلاقیا فلاوجه لتقدیم عموم الخبر علی إطلاق الکتاب فی مورد الاجتماع بعد ما عرفت من انعقاد الظهور علی الصورتین، بل یقدم إطلاق الکتاب کعمومه علی المخالف أخذا بإطلاق ما دلّ علی أن المخالف زخرف و باطل.

الفصل الحادی عشر: فی تعیین الأظهر بین المتعارضات المتعددة و انقلاب النسبة و عدمه.

لا إشکال فی تعیین الأظهر إذا کان التعارض بین الإثنین. و أما إذا کان التعارض بین الزائد علیهما فتعینه لایخلو من خفاء و خلاف، فاللازم هو ملاحظة المسألة بصورها المختلفة.

ص:610

أحدها: ما إذا کانت هناک عام و خصوصات و النسبة بینها و بین العام متحدة و هی العموم و الخصوص کان مقتضی القاعدة أن تعرض الخصوصات جمیعا علی العام فی عرض واحد، ففی مثل أکرم العلماء و لاتکرم الفساق منهم و لاتکرم النحویین منهم یخصص أکرم العلماء بالخاصین.

خلافا لبعض الأعلام، حیث ذهب إلی تخصیص العام بواحد من الخصوصات ابتداء، فتنقلب النسبة بین العام و الخاص الآخر إلی عموم و خصوص من وجه، لأن نسبة عنوان العلماء فی قوله أکرم العلماء بعد تخصیصه بقوله لاتکرم الفساق من العلماء إلی قوله لاتکرم النحویین منهم هی العموم و الخصوص من وجه، إذ العالم غیر الفاسق نحوی و غیر نحوی، کما أن النحوی فاسق و غیر فاسق. فاللازم حینئذ هو رعایة النسبة الجدیدة و تقدیم الراجح منهما أو التخییر بینهما لو لم یکن راجح بینهما.

و یمکن أن یقال إن النسبة بین العناوین و الأدلة انما یلاحظ بالظهورات الاستعمالیة و هذه الظهورات لاتنثلم بتخصیص العام بمخصص منفصل و لو کان قطعیا و إن انثلم به حجیته و لذلک یکون بعد التخصیص بالمنفصل حجة فی الباقی لأصالة عمومه بالنسبة إلیه.

لایقال: إن العام بعد تخصیصه بالقطعی لایکون مستعملا فی العموم قطعاً فکیف یکون ظاهرا فیه، فإنّه یقال إن المعلوم عدم إرادة العموم جدا لاعدم استعمال العام فی العموم لإفادة القاعدة الکلیة فیعمل بعمومها ما لم یعلم بتخصیصها و إلا لم یکن وجه فی حجیته فی تمام الباقی لجواز استعماله حینئذ فیه و فی غیره من المراتب الّتی یجوز أن ینتهی إلیها التخصیص و أصالة عدم مخصص آخر لاتوجب انعقاد

ص:611

ظهور للعام و لا فی غیره من المراتب لعدم الوضع و لا القرینة المعیّنة منها لجواز إرادتها علی الإجمال و الإبهام وعدم نصب قرینة علیها.

فانقدح بذلک أنه لابدّ من تخصیص العام بکل واحد من الخصوصات مطلقا و لو کان بعضها مقدما أو قطعیا ما لم یلزم منه محذور انتهائه إلی ما لایجوز الانتهاء إلیه عرفا و لو لم یکن مستوعبة لأفراده فضلا عما إذا کانت مستوعبة لها، فإنه حینئذ لابدّ من معاملة التباین بینه و بین مجموع الخصوصات.

و من ملاحظة الترجیح بینهما و عدمه نتحصل أن الخصوصات مقدمة علی العام فی عرض واحد و لادلیل علی تقدم بعضها علی بعض. و یشهد له بناء العقلاء و السیرة، إذ لم یلاحظوا زمان الخاص أنه متقدم علی العام أو أنه متأخر عنه أو أن الخاص متقدم علی خاص آخر أو متأخر عنه.

بقی شیء

و هو لزوم تصدیق انقلاب النسبة فی الجملة و قد یقال إن ملاک تقدیم الخاصّ علی العام إنما هو أظهریته بالنسبة إلی العام، فإذا کان أحد المخصصین قطعی الدلالة و الآخر ظنیّها کان مقتضی ذلک خروج مورد القطعی عن تحت العام علی کل حال فیکتسب العام بذلک قوة فی الدلالة علی إرادة الباقی.

و حینئذ قد یساوی ظهوره فی الباقی مع ظهور الخاص الآخر أو یزید علیه، فیقدم علیه بمعنی أنه یتصرف فی ظهور الخاص دون العام و ما ذکر نتیجة انقلاب النسبة فی الجملة. هذا إذا کان واحد منهما قطعیا. و أما لو کانا ظنیین فاللازم تخصیص العام بهما جمیعا کما تقدم.

و فیه أن مقتضی ما عرفت آنفا من بقاء الظهور الاستعمالی و النوعی و تقدیم الخصوصات علی العام فی عرض واحد کما علیه بناء العقلاء و السیرة المتشرعة هو

ص:612

عدم الفرق بین کون أحد الخاصین قطعی الدلالة و الآخر ظنیها و بین کونهما قطعی الدلالة أو ظنیها، فلاوجه لتصدیق انقلاب النسبة فی الجملة فی الفرض المذکور. و علیه فمع عدم انقلاب النسبة و بقاء الظهور الاستعمالی لا معنی للقول بقوة دلالة العام فی الباقی و أظهریته بالنسبة إلی الخاص الآخر بعد تخصیصه بالخاص الأوّل، فإنه فرع تغییر الظهور و قد تقدم أنه لایتغیر.

ثانیها: ما إذا کانت النسبة بین المتعارضات متعددة، کما إذا ورد هناک عامان من وجه مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما، مثل أن یقال یستحب إکرام العدول و یجب إکرام العلماء و لاتکرم الفساق من العلماء، فالنسبة بین الأول و الثانی هی العموم من وجه و بین الثانی و الثالث هی العموم و الخصوص.

ولابدّ من تقدیم الخاص علی العام و معاملة العموم من وجه بین العامین من الترجیح أو التخییر بینهما. و ذلک لما تقدم من أنه لاوجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج، و قد تقدم أن العبرة فی ملاحظة النسبة بالظهورات الاستعمالیة و هی ثابتة علی ما علیها قبل العلاج.

نعم، لو لم یکن الباقی تحت العام بعد تخصیصه إلّا ما لایجوز أن یتجاوز عنه التخصیص أو کان بعیدا جدا تقدم العام المذکور علی العام الآخر لا لانقلاب النسبة بینهما، بل لکونه کالنص فی الباقی فیقدم علی الآخر الظّاهر فی الباقی.

ثالثها: ما إذا کانت النسبة بین العمومات المتعارضة واحدة و هی العموم من وجه کما إذا ورد یجب إکرام العلماء و لاتکرم غیر المسلمین و یکره إکرام بنی عباس، ففی هذه الصورة مقتضی ما تقدم من أن العبرة بالظهور الاستعمالی هو عدم تغییر النسبة عما علیها و إن کانت قلة الأفراد فی بعضها موجبة لترجیحه علی غیره، لأن

ص:613

النسبة ملحوظة باعتبار الظهور الاستعمالی و هو ثابت علی الفرض بل یجری فیه أحکام الأخبار المتعارضة.

رابعها: ما إذا ورد العامان المتباینان مع خاصّ لأحدهما کما إذا ورد أکرم العلماء و لاتکرم العلماء و لاتکرم الفساق من العلماء.

فمع ما عرفت من أن العبرة بالظهور الاستعمالی و هو ثابت لاتختلف النسبة بین المتباینین و لو بعد التخصیص بخلاف ما إذا لم نقل بثبوت الظهور الاستعمالی، فإن الاختلاف بین المتباینین مرتفع بعد تخصیص أحد المتباینین بالخاص لانقلاب النسبة بین هذا العام المخصص و العام الآخر من التباین إلی العموم و الخصوص، و مقتضاه هو تقدیم العام المخصص علی العام الذی لم یرد علیه تخصیص.

و مثل ذلک ما إذا ورد بعد ورود العامین المتباینین خبر یفصل فیه بین مورد وجوب الإکرام و بین غیره، کما إذا أمر فیه بوجوب إکرام العدول من العلماء و حرمة إکرام الفساق من العلماء، فارتفع التباین حینئذ بمجیء الفصل و یکون الفصل شاهداً للجمع کما لایخفی.

خامسها: ما إذا ورد العام الواحد مع الخاصین اللذین اختلف حکمهما فی النّفی و الإثبات، فإن کان بین الخاصین جمع دلالی بجمع بینهما بحمل الظّاهر علی الأظهر أو النص کما إذا کان أحد الخاصین أخص من الآخر مثل أکرم العلماء و لاتکرم الأدباء منهم و لابأس بإکرام النحویین من الأدباء، و حیث لاتعارض بین الخاصین یقدم الأخص علی الأعم و یقدم حاصلهما علی العام الدال علی وجوب إکرام العلماء لکون النسبة بینهما هی العموم و الخصوص.

و إن لم یکن بین الخاصین جمع عرفی لتباینهما کما إذا ورد أکرم العلماء و لاتکرم الأدباء و أکرم الأدباء یتعارض الخاصان، فإن کان ترجیح بینهما أو قلنا

ص:614

بالتخییر بینهما فالمرجح أو المأخوذ یقدم علی العام إن کان مخالفا للعام، و إن لم یکن ترجیح أو لم نقل بالتخییر فهما یتساقطان و یرجع إلی العام أو الأصل. فتحصل أنّ النسبة لاتنقلب عما هی علیه إن کانت العبرة بالظهور الاستعمالی کما هو الظّاهر فی الصور المذکورة.

سادسها: ما إذا استلزم تخصیص العام بکل من الخاصین إن لایبقی مورد العام أو إن ینتهی إلی حدّ الاستهجان فإن کان بین العام و مجموع الخاصین تباین فیلاحظ حینئذٍ الترجیح بین خطاب العام و مجموع الخاصین. فلو رجح مجموع الخصوصات أو اختیر جانبها فیما لم یکن هناک ترجیح، فلامجال للعمل بالعام أصلا. و لورجح طرف العام أو قدم طرف العام تخییرا فلایطرح من الخصوصات إلّا خصوص ما لا یلزم المحذور مع طرحه من التخصیص بغیره، فإن التباین إنما کان بینه و بین مجموع الخصوصات لاجمیع الخصوصات. و حینئذ یقع التعارض بین الخصوصات، فیخصص ببعضها ترجیحا أو تخییرا. و لازم ذلک هو سقوط الخاص الآخر المرجوح أو غیر المأخوذ عن الاعتبار.

تبصرة فی الشبهات المصداقیة و المفهومیة

و لایخفی علیک أن لازم القول بأن الظهورات الاستعمالیة منعقدة بعد تمامیة الکلام و لامجال لانقلاب النسبة هو حجیة العمومات فی الشبهات المصداقیة، لأن شمول العموم بالنسبة إلی مورد الشبهة معلوم. و إنما الشک فی الإرادة الجدیّة فتجری فیه أصالة التطابق بخلاف لفظ الخاص، فإن شموله بالنسبة إلی مورد الشک غیر محرز.

و معه فلایجری فیه أصالة التطابق لعدم الظهور الاستعمالی فیه مثلاً إذا ورد أکرم العلماء و لاتکرم الفساق منهم و شککنا فی زید العالم أنه فاسق أو لا لما أمکن

ص:615

التمسک بقوله لاتکرم الفساق منهم لعدم إحراز إطلاق الفاسق علیه. هذا بخلاف التمسک بالعام، فإنه جایز لأن شموله لزید العالم محرز بناء علی ما عرفت من انعقاد الظهور الاستعمالی بعد تمامیة الکلام، فتجری فیه أصالة الجد و یحکم بوجوب إکرامه.

و دعوی أن أصالة الجد فی طرف العموم معارضة مع أصالة الجد فی طرف الخاص مندفعة بأن أصالة الجد تابعة للظهور الاستعمالی و هو محرز فی طرف العموم و غیر محرز فی طرف الخاصّ لعدم العلم بشموله للمشکوک، و هکذا یکون الأمر فی الشبهات المفهومیة بعد تخصیص العام بما یشک فی مفهومه.

الفصل الثانی عشر: فی تقدیم المرجحات بعضها علی بعض

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه: إن الرجحان بحسب الدلالة لایزاحمه بحسب الصدور و کذا لایزاحمه هذا الرجحان أی الرجحان من حیث جهة الصدور، فإذا کان الخبر الأقوی دلالة موافقا للعامة قدم علی الأضعف المخالف لما عرفت من أن الترجیح بقوة الدلالة من الجمع المقبول الذی هو مقدم علی الطرح.

أما لو زاحم الترجیح بالصدور الترجیح من حیث جهة الصدور بأن کان الأرجح صدورا موافقا للعامة، فالظّاهر تقدیمه علی غیره و إن کان مخالفا للعامة بناء علی تعلیل الترجیح بمخالفة العامة باحتمال التقیة فی الموافق، لأن هذا الترجیح ملحوظ فی الخبرین بعد فرض صدورهما قطعاً کالمتواترین أو تعبداً کما فی الخبرین بعد عدم إمکان التعبد بصدور أحدهما و ترک التعبد بصدور الآخر. و فیما نحن فیه یمکن ذلک بمقتضی أدلة الترجیح من حیث الصدور.

فإن قلت: إن الأصل فی الخبرین الصدور فإذا تعبدنا لصدورهما اقتضی ذلک الحکم بصدور الموافق تقیة، کما یقتضی ذلک الحکم بإرادة خلاف الظّاهر فی

ص:616

أضعفهما دلالة فیکون هذا المرجح نظیر الترجیح بحسب الدلالة مقدما علی الترجیح بحسب الصدور.

قلت: لامعنی للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعین علی التقیة، لأنه إلغاء لأحدهما فی الحقیقة. و لذا لو تعین حمل خبر غیر معارض علی التقیة علی تقدیر الصدور لم یشمله أدلة التعبد بخبر العادل.

نعم، لو علم بصدور الخبرین لم یکن بدّ من حمل الموافق علی التقیة و إلغائه و إذا لم یعلم بصدورهما کما فیما نحن فیه من المتعارضین فیجب الرجوع إلی المرجحات الصدوریة، فإن أمکن ترجیح أحدهما و تعیّنه من حیث التعبد بالصدور دون الآخر تعین، و إن قصرت الید عن هذا الترجیح کان عدم احتمال التقیة فی أحدهما مرجحا، فمورد هذا المرجح تساوی الخبرین من حیث الصدور إما علما کما فی المتواترین أو تعبدا کما فی المتکافئین من الآحاد.

و أما ما وجب فیه التعبد بصدور أحدهما المعین دون الآخر، فلاوجه لإعمال هذا المرجح فیه، لأن جهة الصدور متفرع علی أصل الصدور.

وفیه: کما حکی عن المحقّق الرشتی أنه منقوض بالمتکافئین إذ لو لم یکن لتصدیق الخبر ثمّ حمله علی التقیة معنی معقولا لکونه إلغاء له فی المعنی و طرحا له فی الحقیقة فیلزم من دخوله تحت أدلّة التصدیق خروجه و ما یلزم من وجوده عدمه فهو باطل، فکیف یتعقل الحمل علی التقیة فی صورة التکافؤ و فقد المرجح.

فما برهن علیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه من تقدیم المرجح الصدوری علی الجهتی محل تأمل و نظر، لعدم الفرق بین المتکافئین و المتخالفین فی إمکان التعبد و عدمه کما أشار إلیه المحقّق الرشتی قدّس سرّه.

ص:617

و التحقیق هو أن یقال إن الکلام یقع تارة مع قطع النظر عن النصوص و قد عرفت البحث عنه و أخری مع النظر الیها و هو العمدة، و لامجال لإنکار دلالة المقبولة علی تقدیم الترجیح بالشهرة علی الترجیح بموافقة الکتاب و الترجیح بموافقة الکتاب علی الترجیح بمخالفة العامة، کما أن ظاهر غیرها من الأخبار الّتی اقتصر فیها علی الآخرین و لم یذکر الشهرة ترجیح الأول علی الثانی و تقدمه علیه.

و ما یستفاد من الکفایة من أن أدلة الترجیح تکون فی مقام بیان أن هذا مرجح و ذاک مرجح و ذکرها مرتبا لایدلّ علی الترتیب.

مدفوع بظهور الأخبار و لاسیما بعضها فی إرادة الترتیب، فإن الأمر بالأخذ بالشهرة فی المقبولة ثمّ فرض الراوی الشهرة فیهما معا فأمره علیه السّلام حینئذ بالأخذ بالموافق للکتاب ثمّ فرض الراوی أن کلیهما مخالفان أو موافقان فأمره علیه السّلام بالأخذ بمخالف العامة ظاهر فی إرادة الترتیب و أن أمره علیه السّلام بالأخذ بالشهرة أو لا مطلق سواء کان أحدهما موافقا للکتاب أو مخالفا أو موافقا للعامة أو مخالفا. و هکذا أمره علیه السّلام بعد بالأخذ بموافق الکتاب، بل الأخبار صریحة فی ملاحظة الترتیب کصحیحة الراوندی.

و بالجملة إنکار دلالة أخبار الترجیح علی الترتیب بین الأخیرتین مکابرة واضحة، فانقدح مما ذکر أن بملاحظة أخبار العلاج لابدّ من تقدیم الترجیح بالشهرة علی الترجیح بموافقة الکتاب و الترجیح بها علی الترجیح بمخالفة العامة. فدعوی عدم التقدم و التأخر کدعوی تقدم المرجح الجهتی علی الصدوری مدفوعة بتلک الأخبار.

و بالجملة فالأظهر هو الأخذ بأخبار العلاجیة و مقتضاها هو تقدیم المرجحات الصدوریة علی غیرها. و المراد من المرجحات الصدوریة هی صفات الراوی إن لم

ص:618

نقل بأنها من مرجحات الحکمین، کما لایبعد ذلک لذکرها عند اختلافهما فی الحکم أو هی الشهرة بناء علی أن المراد منها هی الشهرة الروائیة کما تقدم بیان ذلک فی التنبیه الأول و قویناه. و مقتضی ذلک هو تقدیم المرجح المضمونی کموافقة الکتاب علی غیره کمخالفة العامة، ثمّ إن وجدت إحدی المزایا المنصوصة فی أحدهما و أخری فی الآخر فمقتضی إطلاق دلیل تقدیم الصدوری علی جهة الصدور هو تقدیم طرف فیه مرجح صدوری. و هکذا الأمر یکون بالنسبة إلی المرجح المضمونی و المرجح الجهتی أخذا بإطلاق أدلة المرجحات.

هذا کلّه بناء علی الاقتصار علی المرجحات المنصوصة، و أما لو لم نقتصر علی المرجحات المنصوصة و تعدینا إلی کل ما یوجب الأقربیة إلی الواقع أو الأبعدیة عن الخلاف، أو قلنا بناء علی الاقتصار إن أدلة الترجیح إنما تکون فی مقام بیان ذکر المرجحات دون الترتیب بینها، فمتی وجدت فی أحد المتعارضین إحدی المزایا الموجبة للأقربیة أو الأبعدیة و وجدت أخری فی الآخر کذلک أو وجدت إحدی المزایا المنصوصة فی أحدهما و أخری فی الآخر فقد یقال بالتخییر سواء کانت المزیتان راجعتین إلی الصدور أو أحدهما إلیه و الأخری إلی جهته.

و لایخفی أن مع عدم الأخذ بأخبار العلاجیة و تعارض إحدی المزایا مع الأخری منها یمکن القول بتقدیم الأقرب و الأقوی ملاکا منهما إن لم یکن إطلاق أدلة التخییر و إلّا فالحکم هو التخییر شرعا. و قد تقدم تقویة إطلاق أدلة التخییر بالنسبة إلی المرجحات غیر المنصوصة و معه فالحکم فی الصورة المذکورة هو التخییر و إن کان الأحوط هو تقدیم الأقرب و الأقوی ملاکا.

الفصل الثالث عشر: فی أن علی القول بالتعدی عن المرجحات المنصوصة و عدم إطلاق أدلة التخییر لزم أن یتعدی إلی کل مرجح، ولکن لامجال للترجیح بشیء قام

ص:619

الدلیل علی عدم اعتباره کالظن الحاصل من القیاس. فإن عموم التعلیل فی المرجحات المنصوصة و إن اقتضی علی القول بالتعدی وجوب الترجیح بالظن القیاسی أیضا، ولکنه یعارض مع إطلاق قوله علیه السّلام «دین الله لایصاب بالعقول» و قوله علیه السّلام «السنة إذا قیست محق الدین»، فإن مثلهما یقتضی عدم جواز الترجیح به فیتعارضان فی مورد الترجیح.

أللّهمّ إلّا أن یقال: یقدم مثل هذا الإطلاق فی قوله علیه السّلام دین الله لایصاب بالعقول و نحوه علی عموم التعلیل المستفاد من المقبولة، إذ حمل إطلاق قولهم علی خصوص القیاس فی الأحکام المستقلة بعید جدا، بخلاف حمل عموم التعلیل علی غیر مثل القیاس ممّا دلّ الدلیل علی عدم اعتباره و عدم جواز الترجیح به.

ثمّ إن الذی ینبغی أن یتوجه إلیه أن الظن القیاسی الممنوع هو الذی یعمل فی الدین و السنة کما إذا ظن بالقیاس بوجوب شیء أو حرمته. و أما الذی یعمل فی الموضوعات الّتی یترتب علیها الأحکام، فلایکون ممنوعا لابنحو الاستقلال و لا فی مقام الترجیح مثلاً إذا فرضنا أن الشارع اکتفی بالظن بالقبلة لابأس بإعمال القیاس لتحصیل ذلک الظن، إذ لیس هو قیاسا فی الدین و الشریعة، أو إذا فرضنا اکتفاء الشارع بالظن بالأقربیة فی الترجیح لابأس بإعمال القیاس لتحصیل ذلک الظن.

الفصل الرابع عشر: فی الموافقة مع الشهرة الفتوائیة الّتی لاتفید إلّا الظن. و أما الشهرة المفیدة للاطمینان فقد تقدم حکمها من أنها حجة. و کیف کان فلادلیل علی الترجیح بالشهرة الفتوائیة المفیدة للظن إلّا إذا تعدینا عن المرجحات المنصوصة کمرجحیة الکتاب بدعوی أن الکتاب أمارة مستقلة و بعد إلغاء خصوصیة الکتاب

ص:620

تکون الشهرة الفتوائیة المطابقة لمضمون أحد الخبرین کالکتاب مرجحا و لیس ذلک إلا لأقوائیة أحد الدلیلین بالموافقة للکتاب أو المشهور.

ولکن یرد علیه ما أورد علی التعدی عن المرجحات المنصوصة إلی کل مزیة، فإنه لو کان الترجیح بالشهرة الفتوائیة جایزاً لأشار الإمام علیه السّلام إلیه.

ص:621

ص:622

الخاتمة فی الاجتهاد و التقلید

اشارة

وفیها فصول:

الفصل الأول: فی تعریف الاجتهاد
اشارة

و هو لغة تحمل المشقة أو صرف الطاقة، و اصطلاحا هو استفراغ الوسع فی تحصیل الحجة علی الأحکام.

و من المعلوم أنّ تحصیل الحجة علی الأحکام لازم علی کلّ أحد تعیینا أو تخییرا، و حیث إنّ الحجة عندنا هی الظنّ الخاص و هی الأخبار الصادرة عن النبی و الأئمة علیهم الصلوات و السلام بعد حجیة الکتاب و السنة القطعیة فلانری لغیر ذلک و منه مطلق الظن حجیة أصلا.

ثمّ إنّک بناء علی ما ذکر فی تعریف الاجتهاد تعرف أنّه لا وجه لاعتراض الأخباریین علی المجتهدین فی تعریف الاجتهاد مع أنّه لا محیص عنه. فإنّ العامة و الخاصة و الأصولی و الأخباری متفقون فی لزوم تحصیل الحجّة علی الأحکام الشرعیة.

غایة الأمر تری العامة الظنّ بإطلاقه حجة و الخاصة لایحتجون إلّا بما ورد فی الکتاب و الأخبار، فلانزاع فی التعریف. و إنّما الاختلاف فی الصغریات کما لایخفی.

ص:623

هنا مناقشات:

منها: أنّ المراد من الحکم الشرعی هل هو خصوص المجعول الشرعی من الأحکام الوضعیة و التکلیفیة أو الأعم منه؟ فإن ارید الأوّل لکان التعریف تعریفا بالأخص، فإنّ أداء الاستنباط إلی البراءة العقلیة أو الشرعیة اجتهاد مع أنّه لیس من استنباط الحکم الشرعی.

وفیه: أنّ المراد من المجعول الشرعی أعم مما یدرکه العقل، و علیه فلایختص بما لاسبیل للعقل إلیه.

ومنها: أنّ مجرد قیام الحجة إذا کان فی قالب احتمال التکلیف قبل الفحص عنه لیس من الاجتهاد فی شیء، و إنما الاجتهاد هو عملیة استخراج الحکم أو القدرة علیه بالاستناد إلی طریق معتبر أو أصل معتبر. هذا مضافاً إلی أنّ إضافة استفراغ الوسع فی التعریف بلا طائل فإنّه لو قیل إنّ الاجتهاد هو تحصیل الحجة التفصیلیة علی الحکم الشرعی الفرعی الکلی لکان أخصر، ولکنّه لایخلو عن الإشکال أیضاً، لأنّه یشمل رجوع المتمکن من الاجتهاد إلی المجتهد، مع أنّه لایجوز رجوع المتمکن من الاجتهاد إلی غیره.

فالمناسب لذلک أن یعرف المجتهد بمن له ملکة الاستنباط، فحینئذٍ لاینافی هذا التعریف لعدم جواز رجوع المتمکن من الاجتهاد إلی الغیر، لأنّه یصدق علیه المجتهد بواسطة اتصافه بملکة الاجتهاد. و هو أیضاً لایخلو عن إشکال و الذی یسهل الخطب أنّ باب التعریفات باب شرح الإسم.

الفصل الثانی: فی جواز تقلید المتمکن من الاستنباط و عدمه

و الأظهر هو التفصیل بین ما إذا علم أنّه لو استنبط کان نظره مخالفا للغیر فلایجوز، و بین ما لم یعلم ذلک فیجوز. قد یقال لایجوز الرجوع إلی الغیر فی

ص:624

الفتوی مع قوة الاستنباط فعلاً و إمکانه له من غیر فرق بین من له قوة مطلقة أو فی بعض الأبواب أو الأحکام. و ذلک لأنّ الدلیل علی جواز رجوع الجاهل إلی العالم هو بناء العقلاء و لم یثبت هذا البناء فی مثل المقام. و علیه فیجب علیه عقلاً الاجتهاد و بذل الوسع فی تحصیل مطلوبات الشرع.

و یرد علیه أوّلا: بأن المنع من رجوع العقلاء بعضهم إلی بعض فیما لم یستنبطوا فی غیر محله ألا تری أنّ الأطباء یرجع بعضهم إلی بعض فیما لم یستنبطوا و عملوا بنظر الغیر من دون نکیر.

و دعوی أنّ مع شیوع کثرة الإختلاف فی نظر الفقهاء کیف یأخذ الفقیه بنظر الغیر مع احتماله أنّه لو استنبط کان نظره مخالفا لنظره.

مندفعة: بأنّ احتمال الخلاف فی المهرة شایع و لایختص ذلک بالفقهاء. هذا مضافاً إلی أنّ هذا الاختلاف لو کان مضراً لما جاز أصل التقلید جایزا بعد إمکان الاحتیاط و إدراک الواقع.

نعم، لایجوز للمتمکن من الاستنباط الرجوع إلی الغیر إن علم أنّه لو استنبط کان نظره مخالفا للغیر، و ذلک لعدم إحراز بناء العقلاء فی هذه الصورة.

لایقال: إنّه لما کان لامانع من شمول أدلّة الأحکام للمجتهد فلامحالة تتنجز الأحکام الواقعیة فی حق المجتهد، و معه لاعذر له فی ترک امتثال تلک الأحکام بالاستناد إلی فتوی الغیر، فإنّ موردها من لاحجة له علی الحکم و المفروض فی المقام هو شمول أدلّة الأحکام للمجتهد و هی حجة علیه.

لأنّا نقول: إنّ موضوع جواز التقلید هو من له جهل فعلی بالأحکام و هو یعم المتمکن من الاجتهاد فما لم یستنبط یجوز له الرجوع إلی مجتهد آخر لأنّ الاستناد إلیه استناد إلی طریق معتبر.

ص:625

فتحصّل: أنّه یجوز رجوع من له ملکة الاجتهاد و لم یستنبط إلی الغیر فیما إذا لم یعلم أنّه لو استنبط کان نظره مخالفا للغیر، و ذلک لبناء العقلاء و السیرة المتشرعة علیه.

الفصل الثالث: فی تقسیم الاجتهاد إلی مطلق و متجزیء

والأوّل: یعرّف بملکة الاقتدار علی تعیین الوظیفة العملیة الفعلیة بالنسبة إلی جمیع الأحکام.

والثانی: یعرّف بملکة ذلک بالنسبة إلی بعضها، و هذا هو ظاهر الکفایة. أورد علیه المحقّق الإصفهانی بأنّ المناسب لمفهومه اللغوی هو استنباط الحکم من دلیله و هو لایکون إلّا عن ملکة، فالمجتهد هو المستنبط عن ملکة و هو موضوع الأحکام باعتبار انطباق عنوان الفقیه و العارف بالأحکام علیه لا أنّه من الملکات و استفادة الحکم من آثارها کما فی ملکة العدالة ثمّ إنّ المقتدر علی استنباط الکل و لو لم یستنبط إلّا البعض مجتهد مطلق لامتجزیء.

ثمّ إنّه لاإشکال فی إمکان المطلق و حصوله للأعلام و الأعاظم.

ودعوی: أنّا نری عدم تمکنهم من الترجیح فی بعض المسائل أو تعیین حکمه أو التردید فی بعض المسائل، و هذا حاک عن امتناع صدق المجتهد المطلق علی من یکون کذلک.

مندفعة بأنّ التردید لیس بالنسبة إلی الحکم الفعلی لأنهم ذهبوا حین التردید إلی مقتضی الأصول و القواعد الجاریة فیه و حکموا به من دون تردید و إنما التردید بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة. و الوجه فیه عدم دلیل مساعد فی کل مسألة علیه أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم لالقلة الاطلاع أو قصور الباع.

ص:626

ثمّ إنّ المجتهد بعنوانه لم یقع موضوعاً للحکم فی آیة و لا فی روایة، بل الموضوع فی الروایات هو عنوان الفقیه و الراوی و من یعرف أحکامهم أو شیئاً منها.

نعم، عنوان (من نظر فی حلالنا و حرامنا) فی مقبولة عمر بن حنظلة مختص بالمجتهد اصطلاحا، فإنّ المقصود من النظر فی الشیء هو النظر العلمی فی قبال النظر إلی الشیء، فإنّه بمعنی الرؤیة؛ و لذا ورد فی حکایة قضیة الخلیل علیه السّلام أنّ المراد من قوله تعالی:(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ * فَقالَ إِنِّی سَقِیمٌ)1 هو النظر فی مقتضیاتها و آثارها لا النظر إلیها بأبصارها.

و دعوی أنّ المعتبر فی موضوع تلک الأحکام مجرد صدق عنوان العارف بالأحکام، و من الواضح أنّ صدق العارف بالأحکام بمجرد السماع من المعصوم شفاها من دون إعمال قوة نظریة فی تحصیل معرفة الأحکام کجلّ الرواة دون أجلّائهم مما لاریب فیه و إن لم یصدق عنوان المجتهد.

نعم، فی زمان الغیبة لایمکن تحصیل المعرفة باحکامهم علیهم السّلام إلّا بواسطة إعمال القوة النظریة، فیلازم الفقاهة و المعرفة للاجتهاد. و علیه یکفی صدق العارف بالأحکام و لو من دون إعمال قوة نظریة مندفعة بأنّ الأصحاب من الصدر إلی الآن استفادوا من حدیث عمر بن حنظلة اعتبار الاجتهاد، و علیه فلاوجه لدعوی ترتب الأحکام علی مجرد السماع من دون إعمال قوة نظریة فی تحصیل معرفتها، بل اللازم فی ترتب الأحکام فی جمیع الأزمنة هو إعمال القوة النظریة و إن اختلف الاجتهاد فی زماننا هذا مع الاجتهاد فی عصر الحضور من جهة السهولة و الصعوبة. هذا مضافاً إلی أنّ الرجوع إلی الرواة کثیرا ما کان لأخذ الروایة لا لأخذ الآراء حتی

ص:627

یکون تقلیداً عنهم. نعم، کان الرجوع إلی بعض الأصحاب کأبان بن تغلب من باب التقلید کما لایخفی. فتحصّل: أنّه لایجوز التقلید عمن اطلع علی الأحکام تقلیداً.

الفصل الرابع: فی الأحکام المترتبة علی الاجتهاد المطلق و هی متعددة:
اشارة

منها: أنّه یجوز أن یعمل المجتهد برأیه و لایجوز له الرجوع إلی الغیر. و ذلک لأنّ المجتهد إن استنبط و صار عالما إن أخطأ الغیر کان رجوع إلیه رجوع العالم إلی الجاهل و هو کما تری. و إن کان اجتهاده متحدا مع اجتهاد غیره کان رجوعه إلیه لغوا، لایقال إنّ اللازم حینئذٍ هو العمل برأیه لاجوازه.

لأنّا نقول: إنما عبرنا بالجواز لإمکان العمل بالاحتیاط بعد ما قرر فی محله من صحة الامتثال الإجمالی و عدم لزوم الامتثال التفصیلی.

ومنها: أنّه لاإشکال لغیر المجتهد أن یرجع إلی المجتهد إذا کان المجتهد انفتاحیا لما عرفت من أنّه رجوع الجاهل إلی العالم.

و أما إذا انسد باب العلم و العلمی فجواز التقلید عنه محل الإشکال، و حاصله کما فی الکفایة أنّ المجتهد فی هذه الصورة جاهل بالأحکام و باب العلم و العلمی بها منسد علیه، فلایشمله أدلّة جواز التقلید، لأنّها دلت علی جواز رجوع غیر العالم إلی العالم لا إلی الجاهل.

و أما قضیة مقدمات الانسداد فلیست إلّا حجیة الظن علی من انسدّ علیه باب العلم و العلمی لا علی غیره. و علیه فلابدّ فی حجیة اجتهاد المجتهد الانسدادی لغیره من جریان مقدمات الانسداد فی حقه أیضاً و هی غیر جاریة لعدم انحصار المجتهد به، و إذا لم ینحصر المجتهد به بل وجد مجتهد انفتاحی لم یکن باب العلم و العلمی منسداً علی المقلد لحجیة فتوی الانفتاحی فی حقه.

ص:628

و الانسدادی و إن یخطیء الانفتاحی فی فهمه إلّا أنّه لا طریق له إلی تخطئة المقلد بکسر اللام لأنه لا طریق له إلی نفی حجیة فتوی الانفتاحی فی حق المقلد المذکور، فهو مع حکمه بخطأ الانفتاحی یحکم بحجیة فتواه فی حق المقلد، و علی هذا یکون المقلد ممن انفتح علیه باب العلم و العلمی.

و علی فرض الانحصار أیضاً لایجری مقدمات الانسداد فی حق المقلد إذا لم یکن له سبیل إلی إثبات عدم وجوب الاحتیاط المستلزم للعسر و الحرج. نعم، لو جرت المقدمات فی حقه کما إذا انحصر المجتهد بالانسدادی و لزم من الاحتیاط العسر و الحرج المحذور العقلی کالاختلال النظام، أو لزم منه العسر و الحرج مع التمکن من إبطال وجوبه حینئذٍ کانت المقدمات مفیدة لحجیته فی حقه، ولکن دونه خرط القتاد. هذا کله علی تقدیر الحکومة.

و أمّا علی تقدیر الکشف فجواز الرجوع إلی المجتهد الانسدادی محل إشکال أیضاً، لأنّ مقدمات الانسداد إنّما اقتضت حجیّة الظن شرعاً علی من انسدّ علیه باب العلم و العلمی لا علی غیره، فحجیته لغیره تحتاج إلی جریان مقدماته فی حقه أیضاً، فیرد الإشکال المتقدم. و علی تقدیر التسلیم أیضاً أنّ قضیتها کون الظنّ المطلق معتبرا شرعاً کالظنون الخاصة الّتی دلّ الدلیل علی اعتبارها بالخصوص انتهی.

و لایخفی أنّ رجوع المقلد إلی المجتهد الانسدادی فی مقدمات الانسداد یکون من باب رجوع الجاهل إلی العالم لا من باب رجوع الجاهل إلی الجاهل، لأنّ المجتهد الانسدادی انفتاحی بالنسبة إلی المقدمات، فحینئذٍ یجوز للمقلد الرجوع إلی المجتهد الإنسدادی إذا لم یکن مجتهد آخر هو أعلم و انفتاحی فی قباله، بل یجب

ص:629

الرجوع إلیه إذا کان الانسدادی أعلم من غیره، کما یختار فی الرجوع إذا کان الانسدادی مساویا مع غیره. و کیف کان فإذا رجع المقلد إلیه صار المقلد کالمجتهد الانسدادی فی وجوب العمل بالظنّ بعد عدم إمکان الامتثال القطعی، و علیه فوظیفته هو العمل بالظن.

فإذا رجع إلی الانسدادی فی تشخیص عدم قیام العلم و العلمی بالنسبة إلی الأحکام المعلومة بالإجمال و فی کون الاحتیاط عسریا و باطلا صار المقلد المذکور کالمجتهد الانسدادی فی وجوب العمل بالظن بعد عدم إمکان الامتثال القطعی. و علیه فوظیفته هو العمل بالظن و لو کان مخالفا لظن المجتهد الانسدادی الذی رجع إلیه فی مقدمات الانسداد.

و لافرق فی ذلک بین انحصار المجتهد فی الانسدادی و عدمه. فما یظهر من الکفایة من أنّه یشترط فی جریان مقدمات الانسداد انحصار المجتهد فی الانسدادی فهو منظور فیه. و بالجملة لیس رجوع المقلد إلی المجتهد الانسدادی فی مقدمات الانسداد رجوع الجاهل إلی الجاهل، لأنّ المجتهد الانسدادی یکون انفتاحیا بالنسبة إلی المقدمات کما تقدم.

ومنها: أنّه لا إشکال فی نفوذ حکم المجتهد المطلق إذا کان باب العلم و العلمی له مفتوحا. و الفرق بین حکم المجتهد و فتواه واضح، فإنّ الفتوی إظهاره الحکم الشرعی الفرعی الکلی فی الوقائع بحسب الاستنباط و الاجتهاد فی الأدلة، و القضاء عبارة عن إنشائه الحکم الجزئی عند الترافع إلیه و الاختلاف فی ثبوت موضوعه و عدمه.

و لا إشکال فی نفوذ حکم المجتهد المطلق إذا کان باب العلم أو العلمی له مفتوحا. و أمّا إذا کان باب العلم أو العلمی منسداً فقد یشکل ذلک بناء علی

ص:630

الصحیح من تقریرات المقدمات علی نحو الحکومة بأنّ مثله لیس ممن یعرف الأحکام، مع أنّ معرفتها معتبرة فی حکم الحاکم؛ أللّهمّ إلّا أن یدعی عدم القول بالفصل بین الکشف و الحکومة علی تقدیر الانسداد، و هو و إن کان غیر بعید إلّا أنّه لیس بمثابة یکون حجة علی عدم الفصل، إلّا أن یقال بکفایة انفتاح باب العلم فی موارد الإجماعات و الضروریات من الدین أو المذهب أو المتواترات إذا کانت جملة یعتد بها. و إن انسدّ باب العلم بمعظم الفقه فإنّه یصدق علیه أنّه ممن روی حدیثهم علیهم السّلام و نظر فی حلالهم و حرامهم و عرف أحکامهم علیهم السّلام عرفاً بالحقیقة.

و أمّا قوله علیه السّلام فی المقبولة فإذا حکم بحکمنا الخ، فالمراد أنّ مثله إذا حکم کان بحکمهم علیهم السّلام حکم حیث کان منصوبا منهم. کیف و حکمه غالبا یکون فی الموضوعات الخارجیة و لیس مثل ملکیة دار أو زوجیة امرأة له من أحکامهم علیهم السّلام، فصحة إسناد حکمه إلیهم علیهم السّلام إنّما هو لأجل کونه من المنصوب من قبلهم هذا.

ویمکن أن یقال أوّلاً: إنّ الظّاهر بمناسبة الحکم و الموضوع أنّ المراد من المعرفة هی المعرفة بالأحکام المربوطة بالقضاء، و علیه فلایکفی المعرفة بأحکام اخری الّتی هی غیر مرتبطة بباب القضاء، بل لایجوز القضاء للمجتهد إذا لم یکن عارفا بأحکام القضاوة و لو کان عارفا بسائر الأحکام.

وثانیاً: إنّ الظّاهر من قوله فإذا حکم بحکمنا اعتبار أن یکون الحکم حکم الأئمة علیهم السّلام بأن یکون حکم المجتهد مستفادا من الحجج المقررة فی الشریعة منهم علیهم السّلام، فإذا لم یکن القاضی عارفا بأحکام الشریعة فی مورد القضاء أو کان عارفا بها ولکن لم یحکم علی طبقها لیس حکمه حکم الأئمة علیهم السّلام، فلایکون حکمه حینئذٍ حجة کما لا یخفی. و علیه فلاینتفع علم الانسدادی بجملة معتدة بها من

ص:631

الأحکام غیر المربوطة بباب القضاء فی نفوذ حکمه و قضاوته بعد فرض جهله بأحکام القضاء.

نعم، بناء علی تقریر المقدمات علی نحو الکشف لامحذور، إذ المجتهد الانسدادی حینئذٍ عالم بالحجة الشرعیة و هو الظن الذی حصل له من أی طریق کان، فلو ظن فی باب القضاوة بشیء کان عالما بحجیته شرعاً، فإذا حکم بمقتضاه حکم بحکم الشرع فلاتغفل.

بقی شیء فی جواز توکیل العامی للقضاء

و هو أنّه لو لم یکن المجتهدون بمقدار حاجة القضاء فهل یجوز أن یکتفی ولیّ المسلمین بغیر المجتهدین ممن یعلم الأحکام القضائیة بالتقلید أو لا یجوز. و الجواب أن الشارع لایرضی بترک القضاء للزوم اختلال النظام و نحن نعلم بأنّ النبی الأعظم صلی الله علیه و آله و سلّم و الأئمة علیهم السّلام لو کانوا موجودین فی عصرنا لم یهملوا ذلک. و علیه فشرط الاجتهاد عند حاجة النظام ساقط حفظاً للنظام و دفعا لاختلاله.

ثمّ إن مع سقوط شرط الاجتهاد عند الضرورة هل یجوز للعارف بأحکام القضاوة تقلیداً المنصوب من قبل ولی الأمر أن یقضی بنفسه طبقا لما علمه من الفتاوی، أو یلزم علیه أن یقضی وکالة عن الولی الفقیه المنصوب من قبله.

و الظّاهر هو الأوّل لأنّ العارف المذکور منصوب ولی الفقیه لا الوکیل عنه، و لادلیل علی صحة الوکالة فی القضاء.

ومنها: أنّ الحکومة بالمعنی الأعم مجعولة للمجتهد المطلق، و تقریر ذلک کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّا نعلم علما ضروریا بأنّ النبی صلی الله علیه و آله و سلّم المبعوث بالنبوة الختمیة أکمل النبوات و أتم الأدیان بعد عدم إهماله جمیع ما یحتاج إلیه البشر حتی

ص:632

آداب النوم و الطعام و حتی أرش الخدش لایمکن أن یهمل هذا الأمر المهمّ الذی یکون من أهمّ ما یحتاج إلیه الاُمة لیلا و نهارا، فلو أهمل و العیاذ بالله مثل هذا الأمر المهم أی أمر السیاسة و القضاء لکان تشریعه ناقصا و کان مخالفا لخطبته فی حجة الوداع.

و کذا لو لم یعین تکلیف الاُمة فی زمان الغیبة أو لم یأمر علی الإمام أن یعین تکلیف الاُمة فی زمانها مع إخباره بالغیبة و تطاولها کان نقصا فاحشا علی ساحة التشریع و التقنین یجب تنزیهها عنه.

فالضرورة قاضیة بأنّ الاُمة بعد غیبة الإمام علیه السّلام فی تلک الأزمنة المتطاولة لم تترک سدی فی أمر السیاسة و القضاء الذی هو من أهمّ ما یحتاجون إلیه خصوصا مع تحریم الرجوع إلی سلاطین الجور و قضاتهم و تسمیته رجوعا إلی الطاغوت و أنّ المأخوذ بحکمهم سحت و لو کان الحق ثابتا و هذا واضح بضرورة العقل و یدلّ علیه بعض الروایات.

وما قد یقال: إن غیبة الإمام منّا فلایجب تعیین السائس بعد ذلک غیر مقنع، فأیّ دخالة لأشخاص الأزمنة المتأخرة فی غیبته روحی له الفداء خصوصا مثل الشیعة الذین یدعون ربهم لیلا و نهارا لتعجیل فرجه، فإذا علم عدم إهمال جعل منصب الحکومة و القضاء بین الناس فالقدر المتیقن هو الفقیه العالم بالقضاء و السیاسات الدینیة العادل فی الرعیة خصوصا مع ما یری من تعظیم الله تعالی و رسوله الأکرم و الأئمة علیهم السّلام العلم و حملته و ما ورد فی حق العلماء من کونهم حصون الإسلام و أمنائه و ورثة الأنبیاء و منزلتهم منزلة الأنبیاء فی بنی إسرائیل و أنّهم خیر خلق الله بعد الأئمة علیهم السّلام إذا صلحوا و أنّ فضلهم علی الناس کفضل النبی علی أدناهم و أنّهم

ص:633

حکّام الملوک و أنّهم کفیل أیتام أهل البیت و أنّ مجاری الاُمور و الأحکام علی أیدی العلماء بالله و الاُمناء علی حلاله و حرامه إلی غیر ذلک، فإنّ الخدشة فی کل واحد منها سنداً أو دلالة ممکنة، لکنّ مجموعها یجعل الفقیه العادل قدر المتیقن کما ذکرنا.

و مما یدلّ علی أنّ القضاء بل مطلق الحکومة للفقیه مقبولة عمر بن حنظلة و هی مع اشتهارها بین الأصحاب و التعویل علیها فی مباحث القضاء محبورة من حیث السند، و لا إشکال فی دلالتها فإنّه بعد ما شدّد أبوعبدالله صلی الله علیه و آله و سلّم النکیر علی من رجع إلی السلطان و القضاة و أنّ ما یؤخذ بحکمهم سحت و لو کان حقا ثابتا قال (عمر بن حنظلة): قلت: فکیف یصنعان؟ قال: ینظران إلی من کان منکم ممن قد روی حدیثنا و نظر فی حلالنا و حرامنا و عرف أحکامنا فلیرضوا به حکماً فإنّی قد جعلته علیکم حاکما، الحدیث.

دلّت هذه الروایة علی أنّ الذی نصبه للحکومة هو الذی یکون منّا فغیرنا لیس منصوبا لهم و لم یکن حکمه نافذاً، و لو حکم بحکمهم و یکون راوی الحدیث و الناظر فی حلالهم و حرامهم و العارف بأحکامهم و هو الفقیة، فإنّ غیره لیس ناظرا فی الحلال و الحرام و لیس عارفا بالأحکام بل راوی الحدیث فی زمانهم کان فقیها، فإنّ الظّاهر من قوله «ممن روی حدیثنا» أی کان شغله ذلک و هو الفقیه فی تلک الأزمنة فإن المتعارف فیها بیان الفتوی بنقل الروایة کما یظهر للمتتبّع، فالعامی و من لیس له ملکة الفقاهة و الاجتهاد خارج عن مدلولها.

إلی أن قال: و یدلّ قوله علیه السّلام فی مقبولة عمر بن حنظلة «فإنّی قد جعلته حاکما» علی أنّ للفقیه مضافاً إلی منصب القضاء منصب الحکومة أیة حکومة کانت،

ص:634

لأنّ الحکومة مفهوما أعم من القضاء المصطلح. إلی أن قال: و سؤال السائل بعده عن مسألة قضائیة لایوجب اختصاص الصدر بها کما هو واضح.

و قوله إذا حکم بحکمنا لیس المراد الفتوی بحکم الله جزما، بل النسبة إلیهم لکون الفقیه حاکما من قبلهم فکان حکمه حکمهم وردّه ردّهم انتهی.

و لقد أفاد و أجاد: هذا مضافاً إلی أنّ السند لایحتاج إلی جبران المشهور لقوة صحته و قد تقدم وجه ذلک، و مضافاً إلی أنّ المورد لایختص بالقضاء لأن المنازعة فی المیراث المشار إلیها فی الصدر قد تکون من ناحیة الشبهة الحکمیة و قد تکون من ناحیة الشبهة الموضوعیة مع الاتفاق فی الحکم و ترک الاستفصال یعمهما.

و علیه فإنّ السؤال عن مسألة الدین أو المیراث لایوجب اختصاصه بمسألة قضائیة لأنه ذوجهتین، و قوله بعد ذلک فتحاکما إلی السلطان أو القضاة یشهد علی ذلک.

لایقال: إنّ لفظ الحاکم مشترک لفظی بین المسلط علی الاُمور و بین القاضی، فیحمل لفظ الحاکم علی القاضی.

لأنّا نقول أوّلاً: إنّ لفظ الحاکم الإسلامی کثیرا ما یستعمل فیمن له الأمر و هو أعم من القضاء و إن أمکن تخصیصه ببعض الاُمور بالقرینة. و یدلّ علیه ما ورد عنهم علیهم السّلام من أنّ الفقهاء حصون الإسلام و حکّام الملوک و مجاری الاُمور و الأحکام بأیدیهم.

وثانیاً: إنّ الصدر أعم من المنازعة فی الحکم و الإجرائیات و هو یصلح للقرینة علی إرادة ما یعم القضاوة و الولایة من لفظ الحاکم، فلایضر الاشتراک اللفظی علی تقدیر ثبوته بعد قیام القرینة علی الأعم.

ص:635

لایقال: إنّ المقبولة لم یفرض فیها زمان الغیبة بل المتیقن من الأمر فیها بالمراجعة إلی من وصفه علیه السّلام زمان حضوره، و من الظّاهر أنّ فی ذلک الزمان لم یکن القضاء من أصحابه علیهم السّلام کالقضاء ممن له شؤون القاضی من استیفاء حقوق الناس بعضهم من بعض أو حقوق الله من العقوبات، لأنّ هذا الاستیفاء یتوقف علی القدرة و السیطرة الّتی کانت بید المخالفین و لاتحصل للشخص إلّا أن یکون بیده ولایة البلاد أو یکون منصوبا بالنصب الخاص من قبل من یکون کذلک، أللّهمّ إلّا ن یقال إن عدم التمکن من العمل بمقتضی الولایة لاینافی ثبوت الولایة لهم.

لأنّا نقول: صدور ذلک فی زمان الحضور لایوجب اختصاص الصادر بذلک الزمان مع إطلاقه و عدم تقییده بذلک الزمان، کما أنّ عدم التمکن من العمل بمقتضاه فی ذلک الزمان لایمنع عن کون المجعول للفقهاء أمراً عاما، و لایکون محدودا بوقت أو بشیء خاص. فالخبر یدل علی ثبوت الولایة للفقهاء فی قبال قضاة العامة و ولاتهم. و یشهد له المنع من المراجعة إلی السلطان و القضاة من العامة فی صدر الروایة، فإنّ المستفاد منه أنّ الفقهاء مکان الولاة و القضاة. و علیه فالمناصب الجاریة لهما مجعولة للفقهاء من الشیعة و لایجوز العدول عنهم إلی غیرهم، بل یجب الالتزام بحکمهم و أمرهم. و مقتضی عدم تقییده بزمان الحضور أنّه یعم زمان الغیبة فللفقهاء تلک الأمور و علیهم الإجراء مهما أمکن ذلک و لو فی مجتمع الشیعة أو فی بعض الأزمنة کما لایخفی.

الفصل الخامس: فی الأحکام المترتبة علی المجتهد المتجزّی

ویقع الکلام فی مواضع:

الموضع الأوّل: فی إمکان التجزّی و هو محل الخلاف بین الأعلام إلّا أنّه لاینبغی الارتیاب فیه، حیث کان أبواب الفقه مختلفة مدرکا و المدارک متفاوتة سهولة و

ص:636

صعوبة عقلیة و نقلیة مع اختلاف الأشخاص فی الاطلاع علیها و فی طول الباع و قصوره بالنسبة إلیها.

و دعوی استحالة حصول اجتهاد مطلق عادة غیر مسبوق بالتجزی للزوم الطفرة.

مندفعة بأنّ الأفراد کلها فی عرض واحد و لایکون بعضها مقدمة لبعض آخر حتی یتوقف الوصول إلی المرتبة العالیة علی طیّ المراتب النازلة، فلامانع عقلاً من حصوله دفعة و بلاتدریج و لو بنحو من الإعجاز. أللّهمّ إلّا أن یراد من الاستحالة هی الاستحالة العادیة لا العقلیة، فإنّه لایتمکن عادة حصول الاجتهاد المطلق دفعة، بل یتوقف علی التدرج شیئا فشیئا، لأنّ حصول الجمیع دفعة من المحالات العقلیة.

الموضع الثانی: فی حجیة رأی المتجزی علی نفسه، و لا إشکال فی جواز عمله بفتواه لو استنبط، فإنّ المجتهد المتجزی بعد الاستنباط یصدق علیه أنّه عالم بالنسبة إلی ما استنبطه، فیشمله عموم الأدلّة. و لاکلام إلّا فی أنّه إذا علم قبل الاستنباط أنّه لو استنبط لابتلی بالخطأ کثیرا ما فی طریق الاستنباط، بحیث لایشمله حدیث رفع الخطأ، فعند ذلک لیس له اتباع ذلک المقدمات و لو اتبعها و حصل له القطع کان معاقبا فیما خالف قطعه الواقع، لعدم جواز العمل برأی نفسه للشک فی شمول بناء العقلاء لمثله، و هکذا الأمر لو علم غیر الأعلم أنّه لو استنبط لابتلی بالخطأ کثیرا ما.

الموضع الثالث: فی جواز رجوع غیر المتصف بالاجتهاد إلیه فی کل مسألة اجتهد فیها، و هو محل الإشکال من جهة صدق رجوع الجاهل إلی العالم، فیعمه أدلّة جواز التقلید و من دعوی عدم الإطلاق فی الأدلّة المذکورة و قد تقدم کفایة المعرفة بجملة من أحکام باب القضاء فی جواز الرجوع إلیه لصدق العالم بالقضاء حینئذٍ و یشمله عموم الأدلّة.

ص:637

بقی شیء و هو أنّه لو علم شخص أحکام باب القضاء عن تقلید فهل ینفذ حکمه فیما علم به عن تقلید أو لا؟ الأظهر هو الثانی لظهور الأدلة فی کون المعرفة بالأحکام بنحو النظر و الاجتهاد.

الفصل السادس: فی مبادی الاجتهاد و مقدماته

و لایخفی احتیاج الاجتهاد إلی معرفة العلوم العربیة فی الجملة و لو بأن یقدر علی معرفة ما یبتنی علیه الاجتهاد فی المسألة بالرجوع إلی ما دوّن فیه و معرفة التفسیر کذلک و عمدة ما یحتاج إلیه هو علم الأصول إذ بدونه لایتمکن من استنباط و اجتهاد.

و حینئذٍ یقع الکلام فی امور:

الأمر الأوّل: فی أنّه هل یلزم الاجتهاد فی تلک المبادی و المقدمات أم لا؟ و الظّاهر جواز التقلید فی المقدمات بالنسبة إلی أعمال نفسه لعدم الفرق فی الأدلّة الدالة علی جواز التقلید بین أن یکون فی الحکم الفرعی أو فی غیره.

الأمر الثانی: فی أنّه هل یجوز التقلید عمن کان مقلدا فی المقدمات أم لا؟ و قد یقال: یجوز لأنّ المجتهدین کثیرا ما لایجتهدون فی المقدمات و لایمنع ذلک عن التقلید عنهم. و استشکل فی ذلک بعدم صدق عنوان العارف و الفقیه علیه، بل لابدّ من تنقیح کل ذلک بالنظر و الاجتهاد لا بالتقلید و إلّا لم یصدق علیه عنوان العارف و الفقیه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ تعلیل عدم حجیة قول اللغوی بأنّ اللغوی لیس من أهل الخبرة بالنسبة إلی المعانی الحقیقیة و المجازیة بل هو خبیر بموارد الاستعمالات یلوح منه حجیة قوله لو فرض کونه خبیرا بالمعانی الموضوع لها الألفاظ، و هذه عبارة اخری

ص:638

عن جواز التقلید فی فهم الظهورات و مثلها سایر المقدمات و مع التقلید فی المقدمات یصدق علیه أنّه عارف و عالم بالأحکام بالحجة بعد حجیة قول المهرة فیها و ناظر فی الروایات، و بعبارة اخری عنوان العارف بالأحکام یعم العارف بها بالحجة أیضاً.

الأمر الثالث: فی أنّه هل یلزم تعلم المنطق أو لا؟ و قد یقال و من مقدمات الاجتهاد تعلم المنطق بمقدار تشخیص الأقیسة و ترتیب الحدود و تنظیم الأشکال من الاقترانیات و غیرها و تمییز عقیمها من غیرها و المباحث الرائجة منه فی نوع المحاورات لئلا یقع فی الخطأ لأجل إهمال بعض قواعده. و أمّا تفاصیل قواعده و دقائقه الغیر الرائجة فی لسان أهل المحاورة فلیست لازمة و لایحتاج إلیها فی الاستنباط.

و لایخفی علیک أنّ تعلّم تشخیص الأقیسة لایجب إلّا بمقدار یتوقف الاستدلال الصحیح علیه و هکذا غیره.

الأمر الرابع: فی أنّه هل یلزم تعلّم علم الرجال أو لا؟ و الواضح هو الأول لابتناء المسائل غالبا علی الروایات و ملاحظة أسانیدها و تمییز صحیحها عن سقیمها، و هذا لایمکن بدون علم الرجال کما هو واضح.

و دعوی کفایة الشهرة الفتوائیة فإنّه یکشف عن إحرازهم القرینة علی صحتها، فما أخذوه هو الصحیح و ما ترکوه لایتم، مندفعة بأنّ عمل المشهور و إن أفاد الاطمئنان فی الأصول المتلقاة عن الأئمة علیهم السّلام، إلّا أنّ الشهرة المذکورة غیر محققة فی جمیع المسائل لکون کثیر منها من التفریعات لا من الأصول المتلقاة. هذا مضافاً إلی إجمال بعض الموارد من ناحیة وجود الشهرة و عدمه، و علیه فلاتغنی الشهرة عن المباحث الرجالیة.

ص:639

الفصل السابع: فی التخطئة و التصویب
اشارة

و قد تقدم فی مبحث الظنّ أنّ التعبد بالأمارات بناء علی الطریقیة یکون من باب مجرد الکشف عن الواقع و لایلاحظ فی التعبد بها إلّا الإیصال إلی الواقع و لیس فی باب التعبد بالأمارات جعل من قبل الشارع أصلا، لأنّها طرق عقلائیة دائرة بینهم فی مقام الاحتجاج، و الشارع لم یردع عنها و أمضاها. و الأوامر الظاهریة فیها لیست بأوامر حقیقیة بل هی إرشادیة إلی ما هو أقرب إلی الواقعیات. و حینئذٍ فإن أصابت الأمارات فهی مصیبة، و إلّا فهی مخطئة.

ثمّ إنّ آراء المجتهدین حیث کانت من الأمارات فتکون إرشادیة إلی الواقعیات کسایر الأمارات، و لامجال معه للتصویب الذی نسب إلی مخالفینا، فإنّه یناقض الإرشاد إلی الواقع فإنّ التصویب عند العامة بمعنی أنّ لله سبحانه و تعالی أحکاما عدیدة فی موضوع واحد بحسب اختلاف آراء المجتهدین، فکل حکم أدّی إلیه نظر المجتهد و رأیه فهو الحکم الواقعی فی حقه و هو کما تری، لأنّه قول یخالفه الاعتبار العقلائی فی تقنین القوانین، إذ المقنّن یشرع القوانین حسب ما یراه مطابقا للمصالح و المفاسد لاحسب ما أدّی إلیه نظر المکلفین. و علیه ربّما یصل إلیها المکلف و ربّما لایصل. و القانون یکون علی ما هو علیه من دون أن ینقلب فی حق المخطیء، فلامجال لدعوی إطلاق التصویب و إنکار التخطئة رأسا.

هذا مضافاً إلی الإجماع و إلی الأخبار الکثیرة الدالة علی أنّ لله حکماً فی کل واقعة یشترک فیه العالم و الجاهل و إلی نفس إطلاقات أدلّة الأحکام، لأنّ مقتضی إطلاق ما یدلّ علی وجوب شیء أو حرمته ثبوته فی حق من قامت عنده الأماراة علی الخلاف أیضاً.

ص:640

علی أنّ مقتضی الأدّلة الکثیرة الواردة فی بیان علل الشرائع أیضاً عمومها لجمیع المکلفین، فإنّ العلل المذکورة فیها من قبیل الآثار التکوینیة الّتی لافرق فی ترتبها علی الأعمال بین العالم بحکمها و الجاهل، فإنّ مفسدة شرب الخمر و أکل المیتة و الخنزیر کما تترتب لمن عرف حرمتها تترتب علی الجاهل بها المعتقد خطأ لحلیتها، فالحرمة المستندة إلیها لامحالة تتبعها فی العموم لمعتقدی حلّها أیضاً.

هذا کله بناء علی الطریقیة، و قد عرفت بقاء الأحکام الواقعیة علی ما هو علیها و الأوامر الإرشادیة ربّما یصل إلیها و ربّما لایصل.

و أمّا بناء علی السببیة فلایلزم التصویب أیضاً علی بعض وجوهه و قد تقدم تفصیل ذلک فی مبحث الظن.

وحاصله أنّ تصور السببیة علی وجوه:

أحدها: أن یکون الحکم سواء کان فعلیا أو شأنیا تابعا للأمارات، بحیث لا یکون فی حق الجاهل مع قطع النظر عن قیام الأمارات و عدمها حکم. فیکون الأحکام الواقعیة مختصة فی الواقع بالعالمین بالأمارات و الطرق، و الجاهل بالحکم الواقعی مع قطع النظر عن مؤدی الأمارات لاحکم له و هذا هو التصویب الباطل عند أهل الصواب من التخطئة و قد تواترت الأخبار بوجود الحکم المشترک بین العالم و الجاهل.

ثانیها: أن یکون الحکم الفعلی تابعا لهذه الأمارات بمعنی أنّ لله فی کل واقعة حکماً یشترک فیه العالم و الجاهل لولا قیام الأمارات علی خلافها، بحیث یکون قیامها مانعاً عن فعلیة الأحکام الواقعیة لکون مصلحة سلوک هذه الأمارات غالبة علی مصلحة الأحکام الواقعیة، فالحکم الواقعی فعلی فی حق غیر الظانّ بخلافه و

ص:641

شأنی فی حقه، و هذا هو تصویب مجمع علی خلافه، لأنّ اللازم من الاشتراک هو وجود الحکم المشترک فی الواقع بحیث لو علم به لتنجزه و هنا بعد تزاحم المصلحة فی نفس الفعل لایبقی إلّا حکم شأنی و العلم به لایوجب التنجز.

ثالثها: أن لایکون للأمارة القائمة علی الواقعة تأثیر فی نفس الفعل الذی تضمنت الأمارة حکمه و لاتحدث فیه مصلحة إلّا أنّ العمل علی طبق تلک الأمارة و الالتزام به فی مقام العمل علی أنّه هو الواقع و ترتیب الآثار الشرعیة المترتبة علیه واقعاً یشتمل علی مصلحة.

ففی هذه الصورة لایلزم التصویب لوجود الحکم الواقعی فیها، إذ المراد بالحکم الواقعی الذی یلزم بقاؤه هو الحکم المتعین المتعلّق بالعباد الذی تحکی عنه الأمارة و یتعلّق به العلم و الظنّ و إن لم یلزم امتثاله فعلاً فی حق من قامت عنده أمارة علی خلافه، إلّا أنّه یکفی فی کونه الحکم الواقعی أنّه لایعذر فیه إذا کان عالما به أو جاهلا مقصرا أو الرخصة فی ترکه عقلاً کما فی الجاهل القاصر أو شرعاً کمن قامت عنده أمارة معتبرة علی خلافه. و من المعلوم أنّ مع الرخصة فی ترکه لم ینتف الحکم واقعاً، بل هو موجود فی الواقع، بحیث لو علم به لما کان معذورا فیه، فلایلزم من القول به التصویب لوجود الحکم فی الواقع، بحیث لو علم به تنجز و السببیة بهذا المعنی لا إشکال فیها و بقیة الکلام فی محله.

الفصل الثامن: فی تبدل رأی المجتهد
اشارة

و قد یقال إذا اضمحلّ الاجتهاد السابق بتبدل الرأی الأول بالآخر أو بزواله بدون التبدل فلاشبهة فی عدم العبرة به فی الأعمال اللاحقة و لزوم اتباع الاجتهاد اللاحق مطلقاً أو الاحتیاط فیها.

ص:642

أورد علیه: بأنّ الظّاهر أنّه جمع فی التعبیر و إلّا فقد یکون اللازم اتباع الاجتهاد تعینا کما إذا قطع بالواقع فإنّه لا احتیاط مع القطع. و قد یکون اللازم اتباع الاحتیاط، کما إذا لم یستقر رأیه ثانیاً علی شیء و قد یکون بالخیار، کما إذا ظفر بالحکم بحسب الطرق و الأمارات، فإنّه یکفیه متابعة رأیه المستفاد منها کما یکفیه الاحتیاط فی الواقع.

وفیه: أنّ احتمال الخلاف و إن لم یکن للمجتهد إذا قطع بحکم ولکن مقلده إذا لم یقطع بما قطع به مجتهده أمکن له الاحتیاط مضافاً إلی أنّ اتباع الاحتیاط یتعین لو کان التکلیف معلوماً بالإجمال، و إلّا فأمکن له الرجوع إلی البراءة.

تحریر محل النزاع و صوره

ذکر سیّدنا الاُستاذ صور اضمحلال الاجتهاد السابق بقوله: فتارة یستقر رأیه علی شیء غیر ما استقر أوّلا إمّا بالقطع و إمّا بالأمارات و الطرق و الأصول.

و اخری لایستقر له رأی و علی التقدیرین فتارة کان بحسب الاجتهاد الأوّل قد حصل له القطع بالحکم، و اخری کان هناک طریق معتبر شرعاً، و ثالثة کان هناک أصل کذلک من استصحاب و نحوه.

و علی الثانی فتارة یعلم مدرک اجتهاده السابق تفصیلا فقطع بفساده أو شک فیه و اخری لایعلم به کذلک.

و هذا القسم الأخیر خارج عن محل الکلام و لیس محطا للنقض و الإبرام، بل کان الاجتهاد السابق حجة فی الأعمال السابقة و اللاحقة قطعاً للمجتهد و مقلدیه، إذ ما من مجتهد إلّا و یشک عادة بعد ما استقر رأیه علی شیء فی صحة مبانی اجتهاده و استنباطه، إذ قلما یتفق أن یکون المجتهدون بعد ما فرغوا عن استنباط

ص:643

حکم المسألة عالمین بمدارک استنباطهم فی تلک المسألة بل کثیرا ما کانوا مذهولین عن نفس فتاویهم فضلا عن مدارکها، بل هو الحال بحسب العادة فی الأوحدی منهم نظیر محمد ابن مسلم وزرارة فضلا عن غیرهم و اتفاق مجتهد یعلم من حاله أنّ فهمه لایزید عما استقر علیه رأیه و إن کان بمکان من الإمکان بل الوقوع، إلّا أنّه أقل قلیل خارج عن الأفراد المتعارفة الذین یقوی ملکة الاجتهاد فیهم لایزال بسبب المزاولة و کثرة الممارسة.

و لذا تری تغییر آرائهم فی کتابین لمجتهد واحد بل فی کتاب واحد فی باب و باب. و بالجملة نوع المجتهدین کانوا إذا دخلوا فی استنباط حکم مسألة غافلین عن حکم مسألة اخری و مدارکها، و حینئذٍ یعرض لهم الشک فعلاً فی صحة اجتهادهم السابق و صحة مدارکها و الشک فی ذلک مساوق لاضمحلال الرأی و عدم وجوده فعلاً.

و هذا لو أثر فی عدم حجیة الرأی السابق کما قد یتوهم بتخیل أنه لادلیل علی حجیة القطع السابق بالحکم أو بالوظیفة فی ترتیب الآثار علیه فی اللاحق و لاقطع بأحد الأمرین فعلاً کی یکون حجة له بحکم العقل، فیلزمه الاحتیاط أو تجدید النظر و تحصیل القطع لأدّی إلی اختلال النظام و الهرج و المرج، بل قام الإجماع قولا و عملا علی خلافه، بل طریقة کل العقلاء علی ترتیب الآثار علی قول أهل الخبرة و تشخیصهم فی الأمور الراجعة إلیهم، و لو طال الزمان بحیث غفل الخبیر عن مدرک تشخیصه. إلی أن قال: فانقدح أنّ زوال الرأی إذا کان بهذا الوجه لایضر و لایؤثر فی عدم حجیة الرأی السابق لا بالنسبة إلی الأعمال السابقة و لا اللاحقة لا بالنسبة إلی المجتهد و لامقلدیه.

ص:644

و ما ذکره سیّد الاُستاذ واضح فیما إذا لو استنبط فعلاً لاینتهی إلی الأسّد مما مضی، و إلّا فلایکتفی بما مرّ؛ أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ الإنصاف أنّ طریقة السیرة و طریقة العقلاء لیست علی هذا التفصیل.

ثمّ قال سیّدنا الاُستاذ فی تتمیم الصور المذکورة:

و إذا کان بحسب الاجتهاد الأوّل قد حصل له القطع بالحکم و قد اضمحل فهو خارج عن موضوع مسألة الإجزاء (لعدم حکم ظاهری فی صورة فرض القطع)، و مثله ما لو قام طریق معتبر شرعاً مثل الخبر الواحد ثمّ اضمحل القطع بحجیته و فی هذین الفرضین لایجری نزاع الإجزاء.

و أمّا إذا قام طریق معتبر شرعاً علی الحکم ثمّ انکشف أنّ الواقع علی خلافه أو کان بحسب الاجتهاد الأوّل مجری الأصل الشرعی فیأتی النزاع فی باب الإجزاء.

فإن قلنا بإجزاء الأوامر الظاهریة عن الواقعیة یصح الأعمال السابقة، سواء قلنا بالطریقیة أو بالسببیة، فالمتبع هو دلالة الدلیل.

فإن قلنا بالإجزاء أو بسائر ما اقتضی الصحة عمّ القولین، و إلّا کان مقتضی أدلّة الأحکام الأولیة الإتیان بکل ما فات منها بعد انکشاف الحال من دون فرق بین القول بالسببیة أو بالطریقیة.

و لقائل أن یقول بناء الأصحاب لیس علی الإعادة أو القضاء بالاجتهادات اللاحقة.

ثمّ إنّه لافرق فی القول بالإجزاء بین الأمارات و الأصول، لأنّ المعیار هو دلالة الأدلّة علی الإجزاء. و قد تقدم فی مبحث الإجزاء فی عمدة الأصول المجلد 2 أنّ الانفهام العرفی من أدلّة اعتبار الأمارات و الأصول هو الإجزاء لعدم مساعدة ارتکاز المتشرعة لوجوب الإعادة أو القضاء بعد ما أتی بالأعمال فی ثمانین أو تسعین سنة.

ص:645

ثمّ إنّ بعد وضوح محل النزاع حان الوقت للاستدلال للإجزاء باُمور:

أحدها: حدیث الرفع

و قد یستدلّ به للإجزاء بأنّ التحقیق أنّ عموم حدیث الرفع جار فی مورد الاجتهاد السابق المبنی علی الطریقیة إذا قامت أمارة معتبرة فی زمان الاجتهاد الثانی علی خلاف ذلک الطریق الأوّل.

و ذلک لأنّ موضوع هذا الحدیث هو «ما لایعلمون» و العلم لیس مرادفاً للقطع الذی ربّما یکون مخالفا للواقع حتی یکون فرض القطع بالتکلیف فرض صدق العلم مطلقاً، بل العلم ینطبق علی خصوص القطع أو الطریق المعتبر الذی کان مطابقا للواقع و لو انکشف خطأ القطع أو الأمارة انکشف أنّ المکلف کان جاهلا غیر عالم بالواقع و إن کان یتخیّل نفسه (حین القطع أو قیام الأمارة) عالما به. و علیه فإذا قامت أمارة معتبرة علی التکلیف علی خلاف الطریق الذی استند إلیه علم أنّ هذا التکلیف الذی انکشف له بهذه الأمارة کان مما لایعلمون حین بقاء الاجتهاد الأوّل، فکان مشمولا للرفع المدلول علیه بحدیث الرفع المدلول علیه بحدیث الرفع.

و لافرق فی هذا الذی ذکرناه بین ما کان حالته السابقة علی الاجتهاد الأوّل یقیناً بذلک التکلیف و بین غیره. و سبقها بالیقین لایوجب جریان الاستصحاب التکلیف فی زمان الجهل الواقعی المذکور حتی یمنع جریان حدیث الرفع. و ذلک لأنّ قوام جریان الاستصحاب بالشک الذی یتوقف علی الالتفات إلی الشیء و التردد فیه و لایکفی فیه مجرد عدم العلم کما حقق فی باب الاستصحاب. و هذا بخلاف حدیث الرفع، فإنّ موضوعه «ما لایعلمون» الصادق مع الجهل المرکب أیضاً.

و بالجملة فالحق أنّ موارد الأمارات کالقطع تکون مصداقاً لما لا یعلمون و مجری لحدیث الرفع، فکانت مثل ما کان مستند الاجتهاد السابق من أوّل الأمر نفس

ص:646

حدیث الرفع. نعم، ما لم یتخیّر اجتهاده فالمجتهد یتخیل الموارد خارجة عن موضوع الحدیث و یکون القطع أو الأمارة المستند إلیها واردا أو حاکما علی الحدیث، إلّا أنّ هذه الحکومة ظاهریة تخیّلیة و یرتفع أثرها بعد قیام الدلیل علی بطلان ذلک الاجتهاد.

ثمّ لافرق فیما ذکر بین الواجبات و المعاملات، و ذلک لأنّ المجتهد کما أنّه قبل تبدل رأیه جاهل بوجوب السورة و کونها جزءاً للصلاة، فهکذا هو جاهل باشتراط العربیة مثلاً فی العقد و لاریب فی أنّ اعتبارهما فی الصلاة أو العقد أمر جعلی تابع للتقنین، فهو قد کان جاهلا بهذا الأمر المجعول، و لاشک فی أنّ جعله کلفة زائدة علی المکلفین، فلامحالة یکون مشمولا لعموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: «رفع عن امتی.... ما لایعلمون...».

و مقتضی الجمع بینه و بین الذی عثر علیه فی الاجتهاد الثانی الدالّ علی جزئیة السورة أو شرطیة العربیة أن تختص هذه الجزئیة و الشرطیة بخصوص العالم بهما. غایة الأمر أنّ هذا الاختصاص إنّما هو فی مرحلة ترتیب الآثار و العمل بالقوانین فقط لئلا یلزم اختصاص الأحکام الواقعیة بخصوص العالم بها و یحفظ اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل، لکنه علی أیّ حال تکون نتیجة الجمع العرفی بین الأدلة أنّ الصلاة الواجبة للجاهل بجزئیة السورة (و لو فی مرحلة ترتیب الأثر) إنما هی معنی یعمّ الفاقدة للسورة و أنّ العقد المنشأ للأثر الفعلی للجاهل باشتراط العربیة هو الأعم الشامل للعربی و غیره انتهی.

و یشکل الاستدلال بحدیث الرفع بما تقدم فی البحث عن الإجزاء من أنّ لازم الاستدلال علی الإجزاء بحدیث الرفع بالتقریب المذکور هو جریان حدیث الرفع مع

ص:647

الأمارات، سواء خالفت الواقع أو وافقته، لأنّ بقیام الأمارات لایحصل العلم الحقیقی بالواقع، فالواقع غیر معلوم بالعلم الحقیقی بالواقع، و هو یجتمع مع قیام الأمارات.

و مقتضاه هو رفع الأحکام الواقعیة بعدم فعلیة موجبها و هو أغراضها و لم یقل به أحد و یخالف ما التزم به الأصحاب من عدم جریان الأصل عند قیام الأمارات و لو بملاکه. و ذلک ناشٍ من جعل الموضوع فی حدیث الرفع هو عدم العلم الحقیقی بالواقع مع أنّ الموافق للتحقیق هو أن یکون المراد من عدم العلم المأخوذ موضوعاً فی لسان أدلّة البراءة هو عدم الحجة.

و علیه فیکون مفاد قوله: «رفع ما لایعلمون» هو رفع ما لاحجة علیه، و بناء علیه فلایشمل حدیث الرفع مورد قیام الأمارات مطلقاً سواء کانت موافقة للواقع أو مخالفة له لأنّ بقیامها قامت الحجة، فلایبقی موضوع لحدیث الرفع. و علیه فیختص مورد البراءة بما إذا کان المشکوک غیر معلوم بنفسه.

و القول بأن حدیث الرفع جار بحسب الواقع و نفس الأمر مع عدم مطابقة الأمارة للواقع لمکان انحفاظ موضوعه، لکنّ المکلف عند قیام الأمارة و عدم انکشاف الخلاف یری نفسه عالما بالواقع حقیقة أو حکماً، فیری نفسه خارجا عن عموم الحدیث و غیر مشمول له، فلایجری الحدیث فی حق نفسه، هذا معنی الحکومة و بعد انکشاف الخلاف یعلم بأن اعتقاده السابق کان خطأ و کان هو داخلا فی عمومه کالشاک فالحکومة ظاهریة.

ففی صورة عدم انکشاف خطأ الأمارة یری نفسه عالما بالواقع، فلایجری البراءة مع الأمارة و فی صورة انکشاف الخطأ یجری البراءة دون الأمارة، لأنّه کان داخلا فی عموم حدیث الرفع و لم تصح الأمارة فأین اجتماع الأمارة و البراءة حتی یکون بینهما المناقضة.

ص:648

غیر سدید بعد ما عرفت من أنّ لازمه هو جریان حدیث الرفع مع الأمارات بناء علی أنّ المراد من العلم هو العلم الحقیقی بالواقع، إذ مع قیام الأمارات لایحصل له العلم الحقیقی بالواقع، و حدیث الرفع جار بحسب الواقع لانحفاظ موضوعه، فیتحصّل المناقضة بین حدیث الرفع و الأمارات و لاحکومة فیما إذا اخذ عدم العلم الحقیقی فی موضوع البراءة لبقائه مع وجود الأمارة.

فإذا عرفت عدم جریان حدیث الرفع مع الأمارة المخالفة فلاوجه للاستدلال بحدیث الرفع للإجزاء. هذا مضافاً إلی أنّه یستلزم الإجزاء لما لایلتزم به الفقهاء مثلاً إذا لاقی شیء مشکوک النجاسة ماءاً فیحکم بطهارة الماء و عدم وجوب الاجتناب عنه بحدیث الرفع، ثمّ إذا انکشفت نجاسة الشیء المشکوک لزم أن یحکم بطهارة الماء ما لم یلاق ثانیاً الشیء المشکوک. فإذا لاقی نفس الشیء المذکور ثانیاً یحکم بنجاسته و هو غریب فتأمل.

تقریب الاستدلال بالسیرة

استدلّ للإجزاء بقیام سیرة المتشرعة علی عدم لزوم تدارک الأعمال الماضیة الواقعة فی وقتها علی طبق الحجة المعتبرة.

نعم، لم یثبت اعتبار الفتوی السابق فی موارد بقاء موضوع الحکم الوضعی السابق أو موضوع الحکم التکلیفی کما فی مثل مسالّتی الذبح بغیر الحدید و بقاء ذلک الحیوان المذبوح کذلک بعضا أو کلّا، و بقاء الشیء المتنجس الذی کان علی اجتهاده السابق أو تقلیده طاهرا. و من المقطوع عدم حدوث هذه السیرة جدیدا من فتوی العلماء بالإجزاء بل کانت سابقة و مدرکا لهذا الفتوی.

کما یظهر ذلک من الروایات الّتی ذکر الإمام علیه السّلام الحکم فیها تقیة، حیث لم یرد فی شیء تعرضهم للزوم تدارک الأعمال الّتی روعیت فیها التقیة حین الإتیان بها. و

ص:649

علی الجملة لا امتناع فی إمضاء الشارع المعاملات الّتی صدرت عن المکلف سابقاً علی طبق الحجة. ثمّ ینکشف فسادها واقعاً و وجداناً فضلا عما لم ینکشف إلّا تعبداً کما یشهد لذلک الحکم بصحة النکاح و الطلاق من کافرین أسلما بعد ذلک و انکشف لهما بطلان عقد النکاح أو الطلاق الحاصل قبل إسلامهما.

نعم، فیما إذا انکشف بطلان العمل السابق وجداناً لم یحرز جریان السیرة علی الإجزاء، بل المحرز جریانها فی موارد الانکشاف بطریق معتبر غیر وجدانی کما وقع ذلک فی نفوذ القضاء السابق، حیث لاینتقض ذلک القضاء حتی فیما إذا عدل القاضی عن فتواه السابق. و لاینافی الإجزاء کذلک فی مثل هذه الموارد مع مسلک التخطئة، إلّا أنّ عدم اعتبار الفتوی السابق فی موارد بقاء الموضوع للحکم التکلیفی أو الوضعی لاینافی اعتبار الأعمال الماضیة المطابقة للفتوی السابق بالسیرة کما لایخفی.

تقریب الاستدلال بنفی العسر و الحرج

و استدلّ للإجزاء بأنّ الحکم بتدارک الأعمال السابقة مستلزم للعسر و الحرج، إذ تدارک الأعمال السابقة فی العبادات و المعاملات من العقود و الإیقاعات یوجب العسر و الحرج نوعاً، بحیث لو لم یخل تدارکها بنظام المعاش یقع الناس فی العسر و الحرج نوعاً، کما إذا تبدل الرأی الأوّل أو زال بعد زمان طویل من العمل به، بل تدارک المعاملات ربّما یوجب الاختلاف بین الناس و لزم الفحص عن مالک الأموال الّتی اکتسبها الناس بالمعاملات الّتی ظهر فسادها علی طبق الاجتهاد الثانی أو التقلید الثانی أو المعاملة معها معاملة الأموال المجهول مالکها إلی غیر ذلک من المحذور مما یقطع بعدم إلزام الشارع بمثل هذه التدارکات الّتی کانت الأعمال حین وقوعها علی طبق الحجة المعتبرة فی ذلک الزمان.

ص:650

نعم، لو بقی موضوع الحکم السابق کالحیوان المذبوح بغیر الحدید مع إمکان ذبحه به یعمل فی مثله طبق الاجتهاد الثانی.

لایقال: إنّ أدلّة نفی العسر و الحرج ناظرة إلی نفی العسر و الحرج الشخصی، فیلتزم بالنّفی فی موارد لزومهما و مسألة الاختلاف بین الناس فی موارد المعاملات یرتفع بالمرافعات.

لأنّا نقول: إنّ وجه الاستدلال بنفی العسر و الحرج ناظر إلی دعوی العلم و الاطمینان بأنّ الشارع لم یلزم الناس بتدارک الأعمال السابقة، فإنّ لزومه ینافی کون الشریعة سهلة و سمحة، کما أنّه یوجب فرار الناس عن الالتزام بالشریعة نظیر ما ادعی من العلم و الاطمئنان بعدم لزوم الاحتیاط علی العامی فی الوقایع الّتی یختلف المجهتدان أو اکثر فی حکمها فیما إذا احتمل العامی أنّ الحکم الواقعی خارج عن اجتهادهما.

هذا مضافاً إلی ما فی تخصیص نفی العسر و الحرج بالشخصی منهما مع أنّه ینافی إطلاق أدلّة نفی العسر و الحرج و موارد انطباقهما، فإنّها أعم من الشخصی فیشمل الشخصی و النوعی کلیهما.

فتحصّل إلی حدّ الآن: قوة القول بالإجزاء من دون فرق بین القول بالسببیة و بین القول بالطریقیة و من غیر فرق بین کون المستند هو الأمارة أو الأصل، إلّا إذا وردت روایات خاصة علی عدم الإجزاء فی مورد خاص، کصحیحة عبدالرحمن بن أبی عبدالله عن أبی عبدالله علیه السّلام قال: قلت له: رجل أسرته الروم و لم یصم شهر رمضان و لم یدر أیّ شهر هو. قال: یصوم شهراً یتوخاه و یحسب (ویحتسب) فإن

ص:651

کان الشهر الذی صامه قبل (شهر - فقیه) رمضان لم یجزه، و إن کان (بعد شهر - فقیه یبسط) رمضان أجزئه.(1)

یتوخاه أی یترجح عنده کونه شهر رمضان و لو بازدیاد الاحتمال و لم یبلغ الظنّ.

فإن هذه الروایة تدلّ علی عدم إجزاء صومه عن الواقع إذا تبیّن أن الشهر الذی صامه قبل شهر رمضان خلافاً لما یتوخاه، بخلاف ما إذا تبین أن الشهر المذکور بعد شهر رمضان فإنّه صحیح قضاءا، ولکن یقتصر علی المورد و لایتعدی عنه بعد ما عرفت من السیرة و لزوم العسر و الحرج و دلالة أخبار التقیة. هذا مضافاً إلی الأدلّة الخاصة کقاعدة لاتعاد و غیرها.

و مما ذکر یظهر ما فی تخصیص الإجزاء بموارد جریان الأصل دون الأمارة، لما عرفت من وجود السیرة فی کلیهما. ثمّ إنّ لازم جعل الأصل حاکما بالنسبة إلی الشروط الواقعیة و توسعتها هو حکومته أیضاً بالنسبة إلی الموانع الواقعیة و توسعتها من جهة الواقعیة و الظاهریة. فمن استصحب المانع و معذلک صلی رجاء، ثمّ انکشف الخطأ و عدم وجود المانع لزم علیه الإعادة فی الوقت و القضاء فی خارج الوقت، لأن الصلاة الّتی أتی بها تکون مع المانع الظاهری. و مقتضی ذلک هو بطلان صلاته، لأنه أتی بها مع المانع الظاهری، و الالتزام به مشکل. و لعل هذا مما یؤید أن الدلیل علی الإجزاء هو السیرة و لزوم العسر و الحرج لا الأصل، فتأمل جیداً.

حکم المقلدین بعد تبدل رأی المجتهدین

لایقال: إنّ المقلدین مستندهم فی الأحکام مطلقاً هو رأی المجتهدین و هو أمارة إلی تکالیفهم بحسب ارتکازهم العقلائی و الشرعی أیضاً أمضی هذا الارتکاز و

ص:652


1- (1) جامع الأحادیث، ج 9، ص 145-146، الباب 15 من أبواب فضل شهر رمضان، ح 1.

البناء العملی العقلائی. و لیس مستندهم فی العمل هو أصل الطهارة أو أصالة الحلیة و لا الاستصحاب أو حدیث الرفع، لأنّ العامی لایکون مورد الجریان الأصول الحکمیة، فإنّ موضوعها الشک بعد الفحص و الیأس من الأدلّة الاجتهادیة، و العامی لایکون کذلک، فلایجری فی حقه الأصول حتی تحرز مصداق المأمور به و مجرد کون مستند المجتهد هو الأصول، و مقتضاها الإجزاء لایوجب الإجزاء بالنسبة إلی من لم یکن مستنده إیاها، فإنّ المقلدین لیس مستندهم فی العمل هی الأصول الحکمیة بل مستندهم الأمارة و هی رأی المجتهد، فإذا تبدل رأیه فلادلیل علی الإجزاء.

لأنّا نقول: فیه أولاً: إنّ ذلک مبنی علی التفرقة بین الأصول و الأمارات فی إفادة الإجزاء.

و قد عرفت أنه لامجال للتفرقة بینهما بعد وجود سیرة المتشرعة و إطلاق دلیل نفی العسر و الحرج الأعم من الحرج الشخصی و النوعی، و بعد إطلاق أدلة التقیة من دون فرق بین الأمارات و الأصول و بین القول بالطریقیة و السببیة فی الأمارات.

وثانیاً: إنّ العامی و إن لم یتمکن بنفسه من الفحص عن الأدلّة و تحصیل مفادها، إلّا أنّه لایوجب خروجه عن الأدلة و عدم حجیتها له مع عدم أخذ عنوان فی موضوعها لایشمله. و علیه فإذا أمکن له العثور علیها و علی مفادها و لو بالواسطة کان مضمونها منجزا علیه و هذه الواسطة هو المجتهد الثقة الخبیر.

فتحصل قوة القول بالإجزاء فی جمیع الموارد إلّا إذا بقی موضوع الحکم السابق کذبیحة ذبحت بغیر الحدید و بقی بعضها أو کلها، فلایجوز أکلها، و إن قلنا بعدم حرمة ما أکل منها وصحة المعاملة علیه فیما مضی فلاتغفل.

ص:653

الفصل التاسع: فی تعریف التقلید

و قد یعرّف بأنّه أخذ قول الغیر و رأیه أو تعلّمه أو الاستناد إلیه للعمل به فی الفرعیات أو للالتزام به فی الاعتقادات تعبداً بلا مطالبة دلیل علی رأیه. و أمّا تعریفه بنفس العمل ففیه منع، و إلّا لزم سبق الشیء علی نفسه و هو محال.

و التحقیق أنّ المصحح للعمل و المفرغ لذمة المکلف فیما إذا کان المجتهد متعینا، کما إذا کان أعلم أو فیما إذا کان المجتهدون متساوین فی الرأی هو مطابقة العمل مع الحجة و هو رأی المجتهد الأعلم أو المجتهدین المتساوین فی الرأی، و لاحاجة إلی شیء آخر من صدق عنوان التقلید المبنی علی اعتبار الأخذ و الالتزام بالعمل أو اعتبار تعلم الفتوی فی حجیة رأی المجتهد أو المجتهدین علیه أو اعتبار الاستناد فی نفس العمل.

بل یکفی مطابقة العمل مع رأی المجتهد و هو الحجة کما هو الشأن فی سایر الحجج و الأمارات الشرعیة. و علیه فلادخل لعنوان التقلید حتی یبحث عن معناه اللغوی. و بالجملة إن المکلف مختار بین ثلاثة امور و هی الاجتهاد أو الاحتیاط أو الاکتفاء بوجود مطابقة عمله مع الحجة و هو رأی من یتبع قوله تعیینا أو رأی جمیع المجتهدین إذا کانوا متساوین فی الرأی.

نعم، إذا کانوا مختلفین فی الرأی توقف تصحیح العمل علی الاستناد أو الالتزام بالعمل برأی أحدهم المعین، إذ بدون ذلک لاحجة له فی الاکتفاء بالمأتی به مع تکاذب آراء المجتهدین عند اختلافهم.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الحجة فی الآراء المختلفة من أوّل الأمر هی الحجة التخییریة، و حینئذٍ یکفی المطابقة أیضاً مع أحدهما عند اختلافهما، لأنّ المجعول فی باب حجیة قول المجتهدین هی الحجیة التخییریة لوضوح عدم وجوب العمل بآراء جمیعهم، و إلّا لزم القول بسقوط الأقوال لتعارض الآراء و لزوم القول بأحوط الأقوال.

ص:654

و علیه فالمصحح هو الاجتهاد أو الاحتیاط أو المطابقة للحجة مطلقاً، سواء کان المجتهدون متساوین أم لا. و لاملزم علی صدق عنوان التقلید حتی یبحث عنه.

هذا مضافاً إلی إمکان أن یقال إن جعل الحجیة بنفسه ینافی فعلیة الأحکام الواقعیة عند المخالفة، فنفس الجعل لایجتمع مع فعلیة الأحکام الواقعیة. و علی هذا فلو صلّی أحد الصلاة من دون سورة من دون توجه إلی أمارة تدلّ علی عدم وجوب السورة أو من دون استناد إلیها تجزیه صلاته و لایصح عقابه، لما عرفت من أن نفس الترخیص فی جواز الإتیان بالصلاة طبقا للأمارة بدون السورة ینافی بقاء الحکم الواقعی علی الفعلیة.

لایقال: إنّ الحجة التخییریة متفرعة علی إمکان الفرد المردد مع أنّه لاوجود له فی الخارج. هذا مضافاً إلی أنّ المطابقة مع قول أحدهم تعارض مع عدم المطابقة مع الآخر ما لم یستند إلی أحدهما.

لأنّا نقول: إنّ الفرد المردد ممکن لأنّ التردید فی المفهوم لا فی المنطبق علیه الفرد المردد کما قرر فی محله. و أما التعارض فلایلزم إذا سقط الواقع فی الطرف المخالف عن الفعلیة بعدم مطابقته مع الرأی المخالف الذی یکون حجة ظاهریة فلیتأمل.

الفصل العاشر: فی أدلة جواز التقلید
اشارة

یستدلّ علی جوازه بأمور:

منها دلیل العقل:

و لایذهب علیک أنّ جواز التقلید و رجوع الجاهل إلی العالم فی الجملة من البدیهیات الجبلیة الفطریّة و لایحتاج إلی إقامة دلیل آخر، و إلّا لزم سدّ باب العلم به علی العامی مطلقاً غالبا لعجزه عن معرفة ما دلّ علیه کتابا و سنة. و لایجوز

ص:655

التقلید فی جواز التقلید أیضاً و إلّا لزم الدور إن توقف جواز التقلید علی نفس جواز التقلید أو التسلسل إن توقف جواز التقلید علی جواز التقلید بتقلید آخر.

هذا مضافاً إلی أنّ عدم رفع الجهل بعلم العالم مع احتمال کونه دخیلا فی الإتیان بوظائفه یوجب المذمة و هو کاف فی کون لزوم رفع الجهل بعلم العالم جبلیا و عقلیا.

و قد یستدلّ علی استکشاف العقل لزوم التقلید شرعاً بمقدمات الانسداد بتقریب أنّ العقل بعد ثبوت المبدأ المتعال و إرسال الرسل و تشریع الشریعة و عدم کون العبد مهملا یذعن بأنّ عدم التعرض لامتثال أوامره و نواهیه خروج عن زیّ الرقیة و رسم العبودیة و هو ظلم، فیستحق به الذم و العقاب من قبل المولی.

و علیه لزم أن یقوم العبد بامتثال تکالیف المولی إمّا بنحو تحصیل العلم بها و إمّا بنحو الاحتیاط عند الإمکان، و مع عدمه من جهة لزوم العسر و الحرج أو عدم معرفة طریق الاحتیاط یذعن العقل بنصب طریق آخر فی فهم التکالیف و کیفیة امتثالها لئلا یلزم اللغویة فی جعل الأحکام و نقض الغرض من بقاء التکالیف و عدم نصب الطریق إلیها و هو منحصر إمّا فی الاجتهاد و هو تحصیل الحجة علی الحکم لم یتمکن منه، أو التقلید و هو الاستناد إلی من له الحجة علی الحکم بل لو احتمل حینئذٍ العمل بظنه لکان المتعین علیه عقلاً هو التقلید، لاحتمال تعیّنه حتی قیل بأنّه من ضروریات الدین أو المذهب دون تعیّن الظن فلایقین ببراءة الذمة إلّا بالتقلید. و لیعلم أنّ الغرض من البیان المزبور استکشاف نصب الطریق شرعاً بحکم العقل من ناحیة مقدمات الانسداد.

وفیه: أنّ مقدمات الانسداد لاتفید إلّا لزوم الاحتیاط بمقدار الممکن لاحجیة مطلق الظن و لاالظن الخاص کتقلید المجتهد.

ص:656

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ المقلد حیث لم یعرف کیفیة الاحتیاط لزم علیه الرجوع إلی المجتهد فی کیفیة الاحتیاط لعدم علمه بها، فیکون الظنّ الحاصل من قول المجتهد حجة بالنسبة إلی المقلد بعد تمامیة مقدمات الانسداد و لیس الظنّ المذکور إلّا ظنا خاصاً.

ومنها سیرة العقلاء

الحق ثبوت الارتکاز و بناء العقلاء علی رجوع الجاهل فی کل باب إلی العالم به و کون قول ذلک العالم ظنا خاصا عندهم، و بضمیمة عدم الردع الشرعی یصیر ظنا خاصا شرعیاً.

وفیه: أنّ هذه السیرة إنّما تنتفع بضمیمة عدم الردع لابانفرادها، فیحتاج إلی إثبات ذلک. و حینئذٍ فإن کان الکلام فی المجتهد فهو و إن کان له سبیل إلی إثباته لکن قوله لاینفع المقلد إذ الکلام هنا فی حجیة قوله، و جواز التقلید فیه یستدعی الدور أو التسلسل.

و إن کان الکلام فی المقلد فهو عاجز عن إثبات عدم الردع عند انقداح احتماله فی نفسه. نعم، قد یکون غافلاعن الردع، بحیث یمشی علی جبلّته و فطرته و لایحتمل الردع أصلا، لکنّ الکلام فیمن شک فی الردع و انقدح احتماله فی خاطره لا فی الغافل، فإنّه معذور شرعاً فی جمیع الموارد.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ الردع عن الارتکازیات یجب أن یکون واضحا و صریحا حتی یمکن الارتداع و لو فی الجملة، و إلّا فالناس یعملون بارتکازاتهم و لایلتفتون إلی الردع. و حینئذٍ أمکن للعامی أن یستدلّ علی عدم الردع بأنّه لو کان لبان و حیث لم یبن لم یکن، و هذا أمر یعرفه غیر المجتهد أیضاً.

ص:657

هذا مضافاً إلی ما قیل من أنّ ثبوت سیرة المتشرعة دلیل علی عدم الردع عن السیرة العقلائیة.

ومنها: سیرة المسلمین، و لاریب فی أنّ سیرة المسلمین علی رجوع الجاهل إلی العالم و احتمال الردع مردود هنا، لأنّ عدمه یکشف عن نفس وجود السیرة المذکورة، فإنّ عمل المسلمین بما هم مسلمون بشیء کاشف عن جوازه و لولا الجواز لم یکن المسلمون عاملین مع کون عملهم المستمر فی المرآی و منظر الشارع، و عملهم المذکور دلیل علی عدم ردع الشارع کما لایخفی.

ومنها الآیات الکریمة:

1 - قوله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) .(1)

و تقریب الاستدلال به أنّ الأمر بالسؤال یستتبع وجوب القبول، و إلّا لکان السؤال لغوا. فقول العالم یکون واجب القبول و هو مساوق لحجیة قوله. و یشکل ذلک باحتمال أن یکون الأمر بالسؤال لیتحصل العلم، إذ قد یحصل العلم بسبب السؤال فی بعض الموارد. و علیه فلایدل علی حجیة قول أهل الذکر تعبداً و لو لم یحصل العلم من جوابه.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ العرف یفهم من هذه الآیة وجوب قبول قول العالم و لو لم یحصل به العلم، کما یفهم وجوب قبول قول الطبیب بل مطلق أهل الخبرة لو أمر بالرجوع إلیه، ولکنّ الذی فی الباب احتمال أن یکون مستند فهمهم کذلک ما استقر علیه بناؤهم علیه من رجوع کل جاهل فی کل أمر إلی العالم به، فالآیة إمضاء لبناء العقلاء و لاتکون دلیلا آخر.

ص:658


1- (1) النحل، 43.

2 - قوله تعالی:(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ) .(1)

و تقریب الاستدلال به أنّه لولا حجیة قول الفقیه لکان نفره و إنذاره لغوا، فالأمر بالإنذار یستتبع وجوب القبول، و إذا ثبت وجوبه عند بیان الحکم مقرونا بالإنذار ثبت وجوبه عند بیانه من دون الإنذار أیضاً لعدم الفرق قطعاً.

أورد علیه بأنّ الأمر بالإنذار لعله لحصول العلم منه فی بعض الموارد فلایلغو، بل فائدته فی مورد لایحصل العلم أیضاً هو أنّ المکلفین یخرجون بالإنذار عن الغفلة و یصیرون شاکین فی الحکم فیجب علیهم الاحتیاط أو تحصیل العلم و لایجوز إجراء البراءة لعدم جریانها قبل الفحص.

و اجیب عنه بأنّ الإنصاف أنّ تقیید وجوب القبول بمورد حصول العلم من قول المفتی بعید.

نعم، یمکن أن یکون الوجه فی هذه الاستفادة هو ما ارتکز فی أذهانهم بمقتضی جبلتهم و فطرتهم من رجوع الجاهل إلی العالم.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ وجود الارتکاز لایوجب أن یکون ما ورد من الشرع ممحضا فی الإمضاء، بل یمکن أن یکون حکماً تعبدیا بحیث یصح الأخذ بإطلاقه. و الأصل فی الأوامر الشرعیة أن یکون الشارع فی مقام بیان الأحکام الشرعیة لا المرتکزات العقلائیة إلّا إذا کان ما ورد من الشرع مقرونا بقرینة تدلّ علی إرادة خصوص الإمضاء لما علیه الارتکاز فتأمل.

ص:659


1- (1) التوبة، 122.

و دعوی أنّ آیة النفر لادلالة لها علی جواز التقلید و أخذ قول النذیر تعبداً، بل تکون فی مقام إیجاب تعلم الأحکام و وجوب إبلاغها إلی السائرین.

مندفعة بأنّ ترتیب التحذر بقوله لعلهم یحذرون علی الإنذار من دون ضمّ صمیمة من المراجعة إلی المعارضات و غیرها یدلّ علی أنّ المراد هو الإخبار بالفتوی، فإنّه مما یحذر به المقلد من دون حاجة إلی تأمل و ضم ضمیمة، بخلاف نقل الروایات، فإنّ سامع الروایات إن کان مقلدا فلایحذر بمجرد الإنذار، بل یحتاج إلی ضمّ مقدمات منها وجوب دفع الضّرر المحتمل و هو لایتمکن منه.

و إن کان مجتهدا فلایحذر بمجرده أیضاً، بل لزم علی المجتهد أن یتفحص عن سند ما روی له و ملاحظة معارضاته فیحذر عند تمامیة الجهات، فحیث إنّ الحذر مترتب بلافصل علی الإنذار من دون ذکر ضمیمة شیء یظهر اختصاص الآیة الکریمة بإظهار الفتوی.

فتدلّ الآیة الکریمة علی أنّه یجب علی کل واحد من کل طائفة من کل فرقة النفر لتحصیل العلم بالفروع العملیة لیبیّنها لکل واحد من الباقین لیتحذّر المکلف و یعمل بقوله سواء حصل له العلم منه أو لم یحصل. و هذا لیس إلّا حجیة قول الفقیه.

ومنها: الاستدلال بالروایات و هی طوائف: تدلّ علی جواز الاجتهاد و التقلید بالمطابقة أو بالملازمة و إلیک جملة من هذه الطوائف:

1 - الأخبار الدالة علی جواز تفریع الفروع إنما علینا أن نلقی إلیکم الأصول و علیکم أن تفرعوا.

و المستفاد من هذه الطائفة هو جواز الاجتهاد، إذ التفریع الکامل لایکون إلّا هو الاجتهاد. و مقتضی إطلاق ذلک هو جواز الاجتهاد فی عصر الحضور و غیره، و إذا

ص:660

کان الاجتهاد جایزا کان التقلید عنه جائزا لعدم تخصیص جواز الاجتهاد بکونه لعمل نفسه.

2 - الأخبار الدالة علی الإرجاع إلی الغیر بملاک کون الغیر عالما أو ثقة، مثل صحیحة إسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: سألت أباعبدالله علیه السّلام عن المتعة، فقال: ألق عبدالملک ابن جریج فسله عنها، فإن عنده منها علما، بدعوی أن تعلیل الإرجاع بقوله «فإن عنده منها علما» یدلّ علی الأمر المطوی المفروغ عنه و هو جواز الرجوع إلی العالم و أخذ الرأی منه.

و مثل صحیحة أحمد بن إسحاق عن أبی الحسن علیه السّلام، قال سألته و قلت: من أعامل و عمن آخذ؟ و قول من أقبل؟ فقال: العمری ثقتی فما أدّی إلیک عنّی فعنّی یؤدّی و ما قال لک عنّی فعنّی یقول فاسمع له و أطع فإنّه الثقة المأمون.

و تعلیل الذیل دلیل علی جواز الأخذ عن کل ثقة مأمون و لایختص جواز الأخذ بمن کان ثقة عند الإمام المعصوم علیه السّلام.

3 - الأخبار الدالة علی النهی عن الإفتاء بغیر علم، مثل صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج، قال: قال لی أبوعبدالله علیه السّلام: «إیاک و خصلتین ففیهما هلک من هلک إیاک أن تفتی الناس برأیک أو تدین بما لاتعلم»، فإنّها تدلّ بمفهومها علی جواز الإفتاء إذا کان عن الأدلة المعتبرة و الحجج المعتبرة الّتی تکون من العلم.

4 - الأخبار الدالة علی أنّ الاجتهاد و الاستنباط معمول به بین الأصحاب و لم یردعهم الأئمة الطاهرة علیهم السّلام و هی کثیرة جداً.

مثل خبر الحسن بن الجهم قال: قال لی أبوالحسن الرضا علیه السّلام: یا أبا محمد! ما تقول فی رجل تزوج نصرانیة علی مسلمة؟ قال: قلت: جعلت فداک، و ما قولی بین

ص:661

یدیک قال: لتقولن فإن ذلک یعلم به قولی، قلت: لایجوز تزویج نصرانیة علی مسلمة و لاغیر مسلمة، قال: و لِمَ؟ قلت: لقول الله عزّوجلّ (وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ)1 ، قال: فما تقول فی هذه الآیة (وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ)2 ؟ قلت: فقوله (وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتّی یُؤْمِنَّ)3 نسخت هذه الآیة، فتبسّم ثمّ سکت.

5 - الأخبار الدالة علی تعلیم الاستنباط و الاجتهاد کخبر مولی آل سام قال: قلت لأبی عبدالله علیه السّلام: عثرت فانقطع ظفری فجعلت علی أصبعی مرارة، فکیف أصنع بالوضوء؟ قال: یعرف هذا و أشباهه من کتاب الله عزّوجلّ، قال الله تعالی (وَ ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ)4 إمسح علیه.

6 - الأخبار الدالة علی المنع عن أخذ آراء المنحرفین و جواز روایاتهم، مثل خبر حسین بن روح عن أبی محمد الحسن بن علی علیهما السلام أنه سئل عن کتب بنی فضال، فقال: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا.

فالخبر یدلّ علی جواز الأخذ بآراء من یکون علی مذهب الحق و احتمال اختصاص الآراء باُصول العقائد مندفع بالإطلاق.

7 - الأخبار الدالة علی النهی عن الحکم بغیر ما أنزل الله تعالی بناء علی عدم اختصاص الحکم بباب القضاء کما هو الظاهر، فإنّ مفادها أنّ الحکم بغیر ما أنزل الله منهی عنه. و یستفاد منه أنّ الحکم بما انزل الله لامانع منه و المجتهد الذی استنبط الحکم مما أنزل الله لایکون مشمولا للنهی.

ص:662

8 - الأخبار الصحیحة الدالة علی کیفیة علاج الأخبار المتعارضة بأخذ موافق القرآن الکریم و طرح المخالف، و بأخذ المخالف للعامة و طرح الموافق لهم، و غیر ذلک من الاُمور الّتی لایمکن إلّا بالاجتهاد إذ تشخیص المخالف و الموافق للکتاب و العامة لایمکن بدون الاجتهاد و العلم بالقواعد.

9 - الأخبار الدالة علی النهی عن القیاس و الاستحسان و الاستصلاح و مجرد الرأی من دون استناده إلی الحجة الشرعیة و غیر ذلک من الاستنباطات الظنیة الّتی عولت علیها العامة.

فالاقتصار فی النهی علی الموارد المذکورة یدلّ علی جواز الاستنباط و الاجتهاد الشایع بین الشیعة، إذ لو کان ذلک ممنوعاً أیضاً ألحقه الإمام علیه السّلام بالموارد المذکورة فی النهی.

و ینقدح مما ذکر أنّه لاوقع لتشنیع الأخباریین علی الأصولین من جهة التزامهم بالاجتهاد و الاستنباط مع ما عرفت من أدلّة مشروعیة الاجتهاد و الاستنباط.

و الأخباریون إن کان مورد تشنیعهم ما توهموا من جعل العامی، المجتهد فی عرض النبی و الأئمة علیهم السّلام ذا حظ من التشریع، کما هو دأب العامة بالنسبة إلی أئمتهم الأربعة، فهذا بمعزل عن مرام الأصولین. و إن کان مورد تشنیعهم هو قول الأصولیین بأنّ استنباط الأحکام یحتاج إلی مقدمات صعبة من إعمال القوة فی تشخیص مدالیل الألفاظ، ثمّ فی الفحص عن المعارض، ثمّ فی علاج التعارض. و العامی لیس أهلا لهذا الشأن، بل الأهل له هو المجتهد. فیلزم علی العامی الرجوع إلیه کسائر موارد الرجوع إلی الخبرة، فهذا التشنیع علی هذا المعنی غیر متوجه لکونه أمراً حقا و یدل علیه الارتکاز القطعی مضافاً إلی الأدلّة التعبدیة.

ص:663

لایقال: إنّ الأخذ بالأحکام العقلیة کقاعدة قبح العقاب بلا بیان و قاعدة حکم العقل بالتخییر عند دوران الأمر بین المحذورین و غیر ذلک أخذ بغیر الکتاب و السنة، فیکون مشمولا للنهی عن الأخذ بغیر الکتاب و السنة مع أنّه أمر شایع بین الأصولین.

لأنّا نقول: إنّ الأصولی الشیعی لایعمل بهذه القواعد ما لم یحصل له العلم بها و مع حصول العلم و الاطمئنان بها و إقامة الدلیل علیه کان داخلا فی مفهموم قوله علیه السّلام «و من أفتی بغیر علم فعلیه کذا»، فإنّه أفتی بعلم. و المراد من العلم أعم من العلم الوجدانی و الحجج الشرعیة. و علیه فمثل هذه الأخبار غیر ناهیة عن القواعد الّتی توجب العلم. هذا مضافاً إلی اعتضاد بعض تلک القواعد بالنصوص الشرعیة کأدلة البراءة العقلیة.

علی أنّ بعض تلک القواعد کالبحث عن جواز اجتماع الأمر و النهی بحث حول إطلاق الأمر و النهی الشرعیین و لایکون أجنبیا عن الکتاب و السنة. و أیضاً أنّ الأخباری یحتاج إلی الجمع بین الروایات و رعایة قواعد الجمع، فلو لم یراع ذلک لم یأت بشیء إلّا بالاجتهاد الناقص عصمنا الله تعالی من الزلل و وفقنا لمرضاته.

بقی شیء

و هو أنّ المحصل من الأدلة جواز الرجوع إلی المجتهد و هو بإطلاقه یشمل ما إذا کان مع المجتهد مجتهد آخر یساویه فی العلم و الفضیلة، ولکن یخالفه فی الرأی و الفتوی، و لا إشکال فی ذلک بعد أنّ المستفاد من الأدلة هو جواز الرجوع إلی واحد منهم و هی الحجیة التخییریة، لوضوح أنّه لایلزم العمل برأی جمیعهم. و علیه فلاوجه لدعوی تساقط آراء المجتهدین و لزوم الرجوع إلی الاحتیاط عند اختلافهم

ص:664

فی الرأی. هذا بخلاف أدلّة حجیة الأمارات، فإنّ المستفاد من الأدلة فیها هو وجوب الأخذ بجمیعها لابواحد منها، و لذا یقع التعارض بینها عند اختلافها.

الفصل الحادی عشر:

فی اختلاف أهل الفتوی فی العلم و الفضیلة و اختلاف الفتاوی إذا علم المقلد اختلاف الأحیاء فی الفتاوی مع اختلافهم فی العلم و الفضیلة. فقد یقال: اللازم هو الرجوع إلی الأفضل إذا احتمل تعیّنه للقطع بحجیة رأیه و الشک فی حجیة غیره. و من المعلوم أنّ الشک فی الحجیة مساوق لعدمها. هذا حال العاجز عن الاجتهاد فی تعیین ما هو قضیة الأدلّة فی هذه المسألة.

و أمّا غیر المقلد فقد اختلفوا فی جواز تقدیم المفضول و عدم جوازه و المعروف هو الثانی و هو الأقوی للأصل و عدم الدلیل علی خلافه. و لا إطلاق فی أدلة التقلید، لوضوح أنّها إنما تکون بصدد بیان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا فی کل حال من غیر تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل.

و دعوی السیرة علی الأخذ بفتوی أحد المخالفین فی الفتوی من دون فحص عن أعلمیته مع العلم بأعلمیة أحدهما ممنوعة. و لا عسر فی تقلید الأعلم لا علیه أی الأعلم، لإمکان أخذ فتاویه من رسائله و کتبه، و لالمقلدیه لذلک أیضاً. و لیس تشخیص الأعلمیة بأشکل من تشخیص أصل الاجتهاد مع أنّ قضیة نفی العسر الاقتصار علی موضع العسر، فیجب فیما لایلزم منه العسر.

ویمکن أن یقال: و قد تقدم أنّ مفاد أدلّة اعتبار الفتاوی غیر مفاد أدلّة اعتبار الأخبار، إذ المقصود فی الثانی هو الأخذ بجمیعها بخلاف الأوّل، لأنّ الأخذ بجمیع الفتاوی لیس بواجب، بل الواجب هو الأخذ بواحد منها و علیه فمفاد أدلّة اعتبار الفتاوی من أول الأمر هی الحجة التخییریة من دون حاجة إلی دلیل خارجی.

ص:665

و لامعارضة فی حجیتها بعد إطلاق أدلّتها، بخلاف التخییر فی الأخبار، فإنّه یحتاج إلی دلیل خارجی بعد معارضة المتعارضین و تساقطهما. و علیه فلامجال لقیاس المقام بالأمارات، لأنّ مفاد أدلّة اعتبار الفتاوی من أوّل الأمر هی الحجیة التخییریة، و معه لاوجه للقول بالتساقط لأنه فرع التعیین، فینافی تعیین کل طرف مع تعیین طرف آخر بخلاف حجیة کل طرف بالحجة التخییریة بین هذا الطرف و طرف آخر لعدم المنافاة بینهما کما لایخفی.

و دعوی عدم الإطلاق فی أدلّة التقلید ممنوعة لإطلاق مثل قوله تعالی:(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ)1 ، فإنّه یدلّ بإطلاقه علی جواز الرجوع إلی کل من کان من أهل الذکر، سواء عارض قوله قول غیره أم لا، نظیر قوله علیه السّلام صدق العادل، و هکذا الإرجاعات الخاصة کالإرجاع إلی یونس بن عبدالرحمن و زکریا بن آدم و نحوهما، فإنّه یدلّ علی حجیة قول هؤلاء، سواء کان هناک من هو أعلم منهم أم لم یکن.

و دعوی عدم الإطلاق لاحتمال عدم وجود الأعلم منهم فی ذلک الزمان و علم الإمام بذلک مندفعة بأنّ ذلک مبنی علی أنّه علیه السّلام أمرهم بالإفتاء أو أرجع الأصحاب إلیهم باعمال الغیب و الاطلاع علی أحوال جمیع الموجودین فی زمانه، و هو بعید جداً.

لایقال: لاتنهض الإطلاقات للأحوال المتأخرة منها المعارضة .

لأنّا نقول: یکفی الإطلاق الذاتی لسرایة الحکم فی الأحوال المتأخرة، و إلّا فلامجال للقول بتعارض الحجتین فی الخبرین المتعارضین، مع أن التعارض من الأحوال المتأخرة و لایکون ذلک إلّا بإرادة الحجیة الذاتیة، ثمّ إنّ مع تسلیم الإطلاقات لامجال للتمسک بالأصل المذکور، لأنّ الأصل دلیل حیث لادلیل. ولکنّ

ص:666

هذا یتم لو لم تکن سیرة العقلاء علی خلافه و السیرة المستمرة علی ترجیح قول الأعلم عند تعارضه مع قول غیره ثابتة، و حیث لم یردع الشارع هذه السیرة تکون حجة شرعیة.

أللّهمّ إلّا أن یقال: إنّ ذلک مختص بما کان المقصود إدراک الواقع کحفظ الأموال و النفوس، لا فیما إذا کان المقصود هو الاحتجاج علی المولی فی الإمتثال، و إلّا فلافرق بین الأعلم و غیره فی جواز الرجوع إلیه، إلّا أن یقال إنّ الخطابات الشرعیة الحاکیة عن إرادات الله تعالی لاتکون أدون من خطاباتنا الحاکیة عن تعلّق إراداتنا بإدراک الواقع، فالمتبع إنما هو السیرة المحقّقة بین العقلاء.

لایقال: إنّ مع سقوط دلیل اعتبار الفتوی بعدم شمول ما دلّ علی اعتباره للمتعارضین یمکن الإشکال فی اعتبار الفتوی مع التعارض و الاختلاف، و یحتمل کون وظیفة العامی الأخذ بأحوط الأقوال، فلایکون فی البین دوران الحجة بین التعیین و التخییر.

لأنّا نقول: إنّ احتمال الأخذ بأحوط الأقوال بعد قیام الإجماع المرکب علی عدم السقوط منفی، فإنّ المجمعین بین قائل بالتخییر و بین قائل بالتعیین فکل نفوا السقوط و لزوم العمل بأحوط الأقوال، فإذا کان احتمال السقوط و أحوط الأقوال باطلا فلامناص من الأخذ بقول الأعلم بعد ما قامت السیرة العقلائیة علی الأخذ بقول الأعلم. هذا مضافاً إلی أنّ مقتضی القاعدة مع وجود الإطلاق و دوران الأمر بین خروج واحد من الأعلم أو العالم منه هو خروج غیر الأعلم، لعدم احتمال خروج الأعلم و بقاء غیره عند العقلاء کما لایخفی.

ثمّ إنّ الملاک فی تقدیم الأعلم حیث کان هو أصوبیة رأی الأعلم یوجب ذلک تقدیم قول الحیّ المعارض مع الحی الأعلم إذا کان قول الحی المعارض لقول الأعلم

ص:667

موافقا لأعلم من الأموات، و هکذا یوجب ذلک تقدیم قول الحی المذکور علی غیره إذا کان قول الحی المذکور موافقا للمشهور لقوة نظره الموافق للمشهور بالنسبة إلی غیره.

فلایترک الاحتیاط فی ترجیح الأقوی ملاکا و هو یختلف بحسب اختلاف الموارد. هذا کله بالنسبة إلی دوران الأمر بین العالم و الأعلم. و أما إذا کان الأمر دائرا بین ذی فضیلة من سایر الفضائل و غیره، فإن کان مرجع الفضیلة إلی کونها دخیلة فی ملاک طریقیة الفتوی، فلاإشکال فی تقدیمه علی غیره، و إلّا فلاوجه لتقدیمه علی غیره بناء علی وجود الإطلاقات الدالة علی جواز الرجوع إلی المجتهدین کما تقدم.

نعم لو لم یکن إطلاق و قلنا بالتخییر لقیام الإجماع علی عدم السقوط، فاللازم هو تقدیم ذی الفضیلة علی غیره لاحتمال أن یعتبره الشارع بملاحظة منصب المرجعیّة، فیدور الأمر بین التعیین و التخییر، فاللازم هو الأخذ بالتعیین فیما إذا لم یکن الأصل الحاکم جاریا فی مورده کالاستصحاب کما أشار إلیه سیّدنا الاُستاذ فیما تقدم.

و هکذا الأمر لو قلنا بخروج أحد الطرفین من الإطلاق و شککنا أنّه هو ذو الفضیلة أو غیره، فاللازم هو الأخذ بقول ذی الفضیلة لعدم احتمال خروجه و بقاء غیره عند العقلاء. هذا کله بالنسبة إلی الرجوع إلی أهل الفتوی لأخذ فتاویه.

و أمّا حکم الرجوع إلی أهل الفتوی للزعامة و ولایة الاُمور، فمع التساوی فی العلم و الفضیلة یحکم بالتخییر فی فرض التعدد. و أمّا مع اختلافهما و لزوم تقدیم أحدهما، فإن کانت الفضیلة دخیلة فی حسن إجراء الولایة بنحو الأتم.

فلاإشکال فی تقدیم ذی الفضیلة لعدم احتمال خروجه عن الإطلاق و بقاء غیره فیه کما تقدم، و إلّا فالتخییر باق و إن کان ذو الفضیلة أحسن استنباطاً، لأنّ الزعامة

ص:668

و الولایة غیر مرجعیة الفتوی، إلّا إذا ورد نص خاص و إن تعارض الفضائل بعضها مع بعض. فإن کان المقصود هو أخذ الفتوی، فاللازم هو الرجوع إلی من یکون أجود استنباطاً. و إن کان المقصود هو ولایة الاُمور، فاللازم هو الرجوع إلی من یکون أحسن إجراء، و الله هو العالم.

الفصل الثانی عشر: فی جواز تقلید المیت و عدمه

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی جواز التقلید الابتدائی عن المیت و عدمه.

و قد استدلّ علی العدم بالأصل و هو أن جواز التقلید عن الحی معلوم و التقلید عن المیت مشکوک، و الأصل عدمه لأنّ الحجیة تحتاج إلی دلیل.

أورد علیه بمنع کلّیة ذلک الأصل لاحتمال تعیّن قول المیت فی بعض الموارد، کما إذا کان المیت أعلم؛ أللّهمّ إلّا أن یقال إنّ هذا الاحتمال مردود بالإجماع المرکب، فإنّ الأقوال بین تعیین الحی و التخییر و لیس هنا قول بتعین التقلید عن المیت و لو کان أعلم، ولکنه کما تری لأنّ الإجماع المرکب لیس بحجة ما لم یرجع إلی الإجماع البسیط و هو غیر محرز.

هذا مضافاً إلی أنّ التمسک بالأصل فیما إذا لم یکن دلیل علی جواز التقلید عن المیت. و یکفی فی المقام بناء العقلاء علی الجواز، حیث إنّهم لایفرقون فی جواز الرجوع إلی الخبرة بین الحیّ و المیت.

و لامجال لقیاس آراء المجتهدین بالأمارات، لأنّ اللازم فی الأمارات هو الأخذ بجمیعها بخلاف آراء المجتهدین، فإنّ الواجب فیها هو الأخذ برأی واحد منهم.

و علیه فالمستفاد من إطلاق أدلّة اعتبار آراء المجتهدین هی الحجة التخییریة، و معه لامجال لدعوی التساقط عند التعارض، کما لاحاجة إلی دلیل آخر فی إفادة

ص:669

التخییر. و علیه فإن کانت أدلّة اعتبار آراء المجتهدین مطلقة فیجوز الأخذ بأحد الآراء، و إلّا فاللازم هو الأخذ بالمتیقن من دون فرق بین الحیّ و المیت.

فتحصّل: أنّ التقلید عن المیت ابتداء بعد کونه مشمولا لإطلاق الأدلّة لامانع منه خصوصا إذا أدرک المقلد زمان المجتهد المیت فی حال کونه ممیزا لحجیة رأیه له کما لغیره، و لامجال للأصل بعد وجود بناء العقلاء علیه.

أللّهمّ إلّا أن یمنع الإجماع عن التقلید عن المیت ابتداء سواء کان المیت أعلم أم لم یکن کما هو ظاهر العبائر فیقتصر علیه.

والمقام الثانی: فی جواز البقاء علی تقلید المیت، و لایخفی علیک جواز البقاء علی تقلید المیت لقیام سیرة العقلاء علیه و عدم إحراز الإجماع علی خلافه، بل یجب البقاء فیما إذا کان المیت أعلم أو کان قوله موافقا لأعلم من الأموات أو انحصر احتمال الأعلمیة فیه، لأنّه أصوب عند العقلاء کما لایخفی. و لو عکس الأمر بأن یکون الحی أعلم أو انحصر احتمال الأعلمیة فیه أو کان قوله موافقا لقول أعلم من الأموات وجب العدول عن المیت إلی الحی المذکور، ثمّ إنّ مع جریان بناء العقلاء لامجال للاستصحاب لأنّ البناء دلیل و الأصل دلیل حیث لادلیل.

لایقال: إنّ تجویز البقاء علی المیت مع مخالفة رأیه لرأی الحی یؤول إلی تجویز المجتهد الحی مخالفة المکلف لرأیه و هو کما تری. هذا مضافاً إلی احتمال أن یکون تجویز البقاء مخالفا لرأی المتقدمین، فیلزم حینئذٍ التفرد فی الفتوی المذکور کما حکی ذلک عن سیّدنا المحقّق البروجردی قدّس سرّه قبل عدوله إلی تجویز البقاء.

لأنّا نقول: أجاب عنه السیّد المحقّق الیثربی القاسانی بأنّه منقوض بتجویز المجتهد الحیّ الرجوع إلی الحیّ الأعلم و لو مع العلم بمخالفة رأی الأعلم معه، مع أنه تجویز

ص:670

المجتهد الحی مخالفة المکلف لرأیه. و أمّا احتمال أن یکون تجویز البقاء مخالفا لأقوال المتقدمین فقد حکی عن السیّد المحقّق البروجردی أنّه تتبع ذلک و لم یجد شیئا لذلک، فلذا عدل عن الاحتیاط إلی تجویز البقاء.

ثمّ لو لم نقل بقیام سیرة العقلاء علی ذلک أمکن استصحاب حجیة رأی المجتهد المیت بعد موته.

لایقال: إنّ العرف یری الموت انعدام الحیاة و معه لامجال للاستصحاب.

لأنّا نقول: إنّ العرف و إن کان یری ذلک بنظره البدوی، ولکن بعد استماع المعاد و الرجوع من القبر إلی البرزخ من أصحاب الشرایع انقلب نظره، فیری أنّ النفس و الروح القائم به الرأی باقٍ إلی ما بعد الموت، فإذا شک فی بقاء رأیه السابق أو تبدلّه برأی آخر یستصحب کما یستصحب بقاء رأی المجتهد الحیّ عند الشک فی انقلابه و تبدلّه بالآخر. و لو شک فی حجیة الرأی المذکور بعد ذلک یستصحب الحجیة.

و دعوی أنّ استصحاب بقاء الرأی غیر جار لعدم الشک فی زواله فإنّ کل إنسان یکشف عنه الأستار بعد الموت و یصیر خبیرا بالواقعیات و حقایق الأحکام، فإمّا أن یقطع بخلاف ما استنبطه فی حال حیاته أو یقطع بالوفاق. و علی کل حال قد زال الرأی السابق الذی وصل إلیه فی تلک الحال، لأنّه القطع بالوظیفة و الحکم الظاهری الذی یتطرق فیه احتمال الخلاف.

و أما ما وصل به حال الموت فهو القطع بالواقع و لایتطرق فیه احتمال الخلاف قط. فأین أحدهما بالآخر حتی یجوز الاستصحاب مندفعة بأنّا سلمنا أنّه بالموت یصیر قاطعا بالواقعیات و حقایق الأشیاء و الأحکام، ولکنّ قطعه هذا لیس حجة علی الأنام لخروجه عن طریق استنباط الحکم و تحصیل الوظیفة بالطرق المتعارفة

ص:671

الراجعة إلی إعمال النظر فی الأدلّة الشرعیة و لیس هو صفة قائمة بالنفس لیدعی زواله بالموت و کشف الأستار.

نعم، یمکن الاشکال بوجه آخر یحتاج توضیحه إلی التنبه علی مقدمة، و هی أنّ أدلّة الأصول و الأمارات إنما یثبت مؤدّاها فیما کان هناک أثر عملی أو غیره یترتب علیه، فالتعبّد بتصدیق العادل أو ظاهر الألفاظ إنّما یعقل فیما کان له أثر عملی فما لیس له أثر أصلا لایعقل التعبد فی مورده.

إذا عرفت ذلک لا أثر فی التعبد بها بالنسبة إلی المیت و لایشمله أدلّتها و لایقاس بالأحکام الّتی لیست محطا بعمل المجتهد کأحکام الحیض و نحوها، إذ تلک الأحکام و إن کانت کذلک إلّا أنّ الإفتاء بها بنفسه عمل المجتهد، فهذا الأثر کاف فی صحة التعبد و أین ذلک بما نحن فیه، فإنّ المیت کما لا عمل له بالأحکام کذلک لایتصور فی حقه الإفتاء کی یصح شمول أدلّتها له بلحاظ هذا الأثر.

أللّهمّ إلّا أن یقال: یکفی فی جواز التعبد بالرأی ترتب الأثر العملی و لو للمقلد بعد موت المجتهد. و علیه فالإفتاء الذی صدر من المجتهد حال حیاته و إن لم یکن له أثر بالنسبة إلی المیت إلّا أن التعبد بإفتائه الصادر قبل موته یترتب علیه الأثر العملی و هو جواز أخذ المقلد لفتوی المیت بعد موته، فلایقاس المقام بما لا أثر له حتی لایعقل التعبد فی مورده. فالأقوی جریان استصحاب حجیة فتوی المیت لو أغمضنا النظر عن جریان السیرة العقلائیة.

فتحصّل: ممّا تقدم أنّ التقلید الابتدائی عن المیت لیس بجائز و إن أمکن دعوی قیام السیرة العقلائیة علی جوازه، و ذلک لدعوی قیام الإجماع علیه. نعم، لو أدرک المکلف أو الممیز زمان مجتهد أعلم و لم یقلد عنه فی زمان حیاته أمکن القول بجواز التقلید الابتدائی عنه بعد موته بل یجب علیه ذلک، لأنّ الملاک فی تقلید

ص:672

الأعلم هو الأصوبیة و هو یقتضی تعیّنه. و بعد الموت نشک فی مانعیة الموت و أصالة عدم المانع تعین التقلید عن المیت الأعلم. و لافرق فی ذلک بین أن یکون معلوم الأصوبیة أو مظنونها أو محتملها. هذا کله بالنسبة إلی التقلید الابتدائی عن المیت.

و أما البقاء علی تقلید المیت فهو جائز لقیام السیرة العقلائیة علیه و عدم إحراز الإجماع علی خلافه. هذا إذا کان المیت مساویا مع الأحیاء. و إذا کان المیت أعلم أو کان قوله موافقا لأعلم من الأموات أو انحصر احتمال الأعلمیه فیه وجب البقاء، لأنّه أصوب عند العقلاء، کما أنّه إذا کان الحی أعلم أو انحصر احتمال الأعلمیة فیه أو کان قوله موافقا لقول أعلم من الأموات وجب العدول عن المیت إلی الحی. و ذلک لبناء العقلاء علی اختیار الأصوب. و هو یقدم علی الإطلاق الدال علی التخییر من جهة أنّ البناء أمر ارتکازی و لایردع الأمر الارتکازی بالإطلاق، بل اللازم فی ذلک هو التصریح بذلک و هو مفقود.

الفصل الثالث عشر: فی شرائط المرجعیة
اشارة

و قد اشترط الأصحاب امورا فیمن یرجع إلیه فی التقلید:

منها: البلوغ و منعه بعض و استدلّ له بالسیرة العقلائیة علی جواز الرجوع إلی غیر البالغ فلایشترط البلوغ. و فیه أنّه لایحرز قیام السیرة العقلائیة علی الرجوع إلی غیر البالغ لأخذ الفتوی، کما أنّ شمول الإطلاقات للصبی غیر معلوم بعد اختصاص الإرجاعات بالرجال و البالغین. و علی فرض وجود الإطلاقات یکفی لتقییدها صحیحة محمد بن مسلم عمد الصبی و خطأه واحد بدعوی أنّه یدلّ علی أنّ آراء الصبی مسلوبة الأثر.

أللّهمّ إلّا أن یخصص ذلک بباب الدیة کما یشهد له قوله علیه السّلام فی خبر إسحاق بن عمار عمد الصبیان خطأ یحمل علی العاقلة. هذا مضافاً إلی أنّ مع اختصاصه. بذلک

ص:673

الباب لایلزم الاستخدام فی رجوع الضمیر فی قوله علیه السّلام یحمل علی العاقلة؛ إلّا أن یقال إنّ الجملة المذکورة عامة و تطبیقها فی بعض الروایات علی الدیة، و تحمل العاقلة لایوجب تخصص الجملة بذلک الباب فی سائر الأخبار فتأمل. فتحصّل أنّ القدر المتیقن هو اختصاص جواز الرجوع فی التقلید بالبالغین دون غیرهم، و علیه فمقتضی الاحتیاط هو اعتبار البلوغ.

ومنها: العقل، و لا إشکال فی اعتباره فی حال الاستنباط، إذ الموضوع فی أدلّة التقلید هو الفقیه و المستنبط و مما لایصدقان علی المجنون و أیضاً لاسیرة علی الرجوع إلی المجنون و لاکلام فیه.

و إنما الکلام فی أنه هل یشترط بقاء العقل فی حجیة رأی المجتهد أو لا یشترط و یجوز العمل برأی من کان عاقلا ثمّ صار مجنونا؟

یمکن أن یقال: إنّ السیرة ثابتة علی اعتبار العقل عند الاستنباط. و أمّا لو استنبط فی حال عقله ثمّ صار مجنونا عند إظهار رأیه توسط غیره جاز الأخذ برأیه الصادر عنه فی حال عقله و لو لم یبق عاقلا.

وفیه: أنه کذلک لو أخذ العامی الفتوی منه فی حال وجود الشرائط ثمّ صار مجنونا، و أمّا إذا استنبط فی حال وجود الشرائط و منها العقل ثمّ صار مجنونا قبل الأخذ یشکل الرجوع إلیه لظهور أدلّة جواز التقلید فی لزوم صدق عنوان الفقیه و العالم حال الأخذ و التقلید و صدقهما قبل الأخذ لایکفی.

و دعوی أنّ المقام نظیر ما مرّ فی بقاء التقلید عن المیت من عدم اشتراط الحیاة فی حجیة الفتوی بحسب البقاء، فکما أنّ البقاء لایشترط فی جواز البقاء علی تقلید المیت، فکذلک لایشترط بقاء العقل فی جواز بقاء التقلید.

ص:674

مندفعة بأنّ التنظیر لایخلو عن الإشکال، فإنّ محل الکلام لیس المفروض المذکور، بل محل الکلام هو ما إذا استنبط حال عقله ثمّ صار مجنونا عند الإظهار، ففی هذه الصورة قلنا لایجوز تقلیده حین جنونه لأن الحکم بجواز التقلید عن الفقیه و المستنبط ظاهر فی وجود الشرائط حین إرادة التقلید مع أنّ حین التقلید لیس المجتهد المذکور واجداً للشرائط.

ومنها: الإیمان، و یدلّ علیه مقبولة عمر بن حنظلة حیث ورد فیها ینظران من کان منکم ممن قد روی حدیثنا و نظر فی حلالنا و حرامنا و عرف أحکامنا، الحدیث لظهور قوله علیه السّلام «منکم» فی اعتبار الإیمان. و حسنة أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمال إیّاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعمل شیئا، الحدیث. فإنّ قوله ولکن انظروا إلی رجل منکم الحدیث یدلّ علی اعتبار الایمان.

و دعوی اختصاصهما بباب الترافع مندفعة بأنّ التأمل یعطی عدم اختصاص المنع بخصوص التحاکم، إذ الظّاهر عدم الفرق بین الإفتاء و إنشاء الحکم فی عدم جواز الرجوع إلی غیر الشیعة و صدر الروایتین یکون فی مقام المنع عن الرجوع إلی العامة مطلقاً. هذا مع قطع النظر عن مؤیدات اخری، فتحصّل أنّ الإیمان معتبر تعبداً فی المجتهد، فإذا کان الإیمان معتبرا تعبداً فالإسلام أیضاً معتبر، إذ لاإیمان بدون الإسلام کما هو واضح.

ومنها العدالة

ینبغی أوّلا تحریر محل النزاع، فنقول: قد یکون فقد هذه الصفة موجبا لعدم اطمئنان المقلد بالکسر بأنّ من یرید تقلیده بذل الوسع و تحمل المشقة اللازمة فی

ص:675

الاستنباط أو یکون الفقد المذکور موجبا لعدم اطمینانه بصدق من یرید تقلیده فی إخباره بفتواه. و الموردان المذکوران خارجان عن محل النزاع، إذ تقدم أن اللازم إحراز هذین الأمرین بالاطمئنان و لایجوز التقلید ما لم یطمئن ببذل الوسع و بصدق إخباره.

و قد تقدم أنّ قوله علیه السّلام و أمّا من کان من الفقهاء الخ بملاحظة صدره و ذیله اخذ طریقا إلی إحراز أنّه غیر مقصر فی إعمال طریقة الاستنباط و غیر متعمد للکذب. و علیه فمثل الموردین المذکورین خارج عن محل الکلام. و لامجال للتشکیک فی اعتبار الأوصاف من باب الطریقیة إلی إحراز هذین الأمرین.

و إنما الکلام فی اعتبار الأوصاف علی نحو الموضوعیة کی یکون لازمه عدم الاعتبار بقول من یرید تقلیده و لو مع الاطمینان بأنه لم یقصر فی إعمال القواعد الدخیلة فی الاستنباط و أنه لایتعمد بالکذب ما لم یکن مؤمنا بالغا عادلا.

و یکون لازمه أیضاً عدم الاعتبار بقوله لو استنبط فی حال الاستقامة و العدالة و أخبر بفتواه ثمّ صار عند العمل کافرا فاجرا، أو یکون لازمه الاعتبار به لو استنبط فی حال عدم الإیمان و الفسق ثمّ صار مؤمنا عادلا عند العمل. و کیف کان فهذا هو محل الکلام، و علی هذا فینبغی التأمل فی کلماتهم هل اشترطوا الاُمور علی نحو الطریقیة أو علی نحو الموضوعیة.

و بالجملة المستفاد من کلماتهم أنّ کلا من احتمال التعمد بالکذب و احتمال الخطاء معتنی به فی خبر الفاسق و غیر معتنی به فی خبر العادل، و لذا تراهم یرمون کثیرا من الأخبار الّتی رواها الثقات من أهل العقائد الفاسدة بالضعف. و لیس ذلک إلّا لأنّهم فهموا من الآیة الشریفة اعتبار العدالة بنفسها لا اعتبار الوثاقة کی یرجع إلی بناء العقلاء علی الأخذ بخبر کل ثقة. نعم، تصدی جملة من متأخر المتأخرین

ص:676

لإثبات أنّ الآیة ناظرة إلی اعتبار العدالة فی عدم الاعتبار بتعمد الکذب فرجع إلی اعتبار الوثاقة و یکون من الأدلّة المستفاد منها إمضاء طریقة العقلاء.

و هکذا اعتبارهم العدالة فی الشاهد إنما یکون علی النحو المذکور، فإنّهم لایکتفون بشهادة الثقتین ما لم یکونا عدلین.

و ذلک یشعر بأنّ اعتبارهم للعدالة لیس لإحراز صدق الشاهد، و لذا تری أنّ السیّد قدّس سرّه أشکل فی العروة فی الاکتفاء بعدل واحد، و هذا ظاهر فی أنّ المعتبر العدالة لا الوثاقة. و إنما الإشکال فی کفایة العدل الواحد أو عدم الاکتفاء إلّا بإثنین.

ثمّ إنّه یستدلّ علی اعتبار العدالة باُمور منها الاجماع، و یرد علیه أنّه لایکشف به قول الإمام مع احتمال استنادهم فی ذلک إلی أمر آخر.

و اجیب عنه بأنّه لایضر ذلک لو اتصل الإجماع إلی زمان المعصوم علیه السّلام، فإن سکوت الإمام یکون حینئذٍ فی حکم تقریره لذلک.

و منها: أنّه یمکن تأیید المطلب بما ثبت من اشتراط العدالة فی إمام الجماعة، فإنّ من البعید اعتبارها فیه و عدم اعتبارها فی المفتی مع أنّ مقام الإفتاء أرفع من مقام الائتمام.

هذا مضافاً إلی أنّ المرتکز فی أذهان المتشرعة هو عدم رضایة الشارع بزعامة من لاعقل له و لا إیمان و لاعدالة، بل لایرضی بزعامة کل من له منقصة له عن المکانة و الوقار لأنّ المرجعیة فی التقلید من أعظم المناصب الإلهیة بعد الولایة، و کیف یرضی الشارع الحکیم أن یتصدی لمثلها من لاقیمة له لدی العقلاء و الشیعة المراجعین إلیه.

ومنها الرجولیة

یدلّ علی اعتبارها أنّ الإفتاء و الزعامة یحتاج إلی اجتماع امور من الأمانة و الشجاعة و التدبیر و الصلابة و عدم الخوف و التزلزل و عدم غلبة الرأفة و الانعطاف

ص:677

و غیر ذلک من الاُمور الّتی فقدان بعضها یوجب الوهن و الفساد. هذا مضافاً إلی دلالة معتبرة أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمال قال: قال أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام: إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فإنّی قد جعلته قاضیا.

و ذلک لتخصیصها بالرجل منکم یعلم شیئا من قضایانا. و دعوی أنّ ذکر الرجل باعتبار الغلبة فی ذلک الزمان لعدم وجود من یعلم من قضایاهم من النسوان مندفعة بأنّ القید الغالبی إنما لایمنع عن الأخذ بالإطلاق إذا کان فی البین إطلاق یعم مورد القید و عدمه. ولکن لیس فی أدلّة نفوذ القضاء إطلاق یعم النساء بعد ارتکاز أنّ الشارع لایرضی بإمامة المرأة للرجال فی صلاتهم، فکیف یحتمل تجویزه کونها مفتیة للناس أو قاضیة بینهم.

ومنها: عدم کونه متولدا من الزنا و الدلیل له هو أنّ تصدیه لمقام المرجعیة و الإفتاء یوجب المهانة للمذهب و الشارع لیس براض لذلک.

ومنها: الحریّة ولکن لادلیل له، لأن العبد ربّما یکون أرقی رتبة من غیره حتی یکون ولیّا من أولیائه تعالی کما روی ذلک فی حق بعض غلمان الإمام السجاد علیه السّلام.

ومنها: أن لایکون مقبلا علی الدنیا. و لایذهب علیک أنّ ظاهر من اشترط ذلک أنّه أراد أمراً زائدا علی اشتراط العدالة و استدلّ له بروایة الاحتجاج عن تفسیر الإمام العسکری علیه السّلام: فأمّا من کان من الفقهاء صائنا لنفسه و حافظا لدینه مخالفا علی هواه مطیعا لأمر مولاه فللعوام أن یقلدوه.

أورد علیه مضافاً إلی ضعف الروایة أنّها قاصرة الدلالة علی المدعی، فإنه لامساغ للأخذ بظاهرها و إطلاقها، حیث إنّ لازمه عدم جواز الرجوع إلی من

ص:678

ارتکب أمراً مباحا شرعیاً لهواه، إذ لایصدق معه أنّه مخالف لهواه لأنه لم یخالف هواه فی المباح حتی فی المباحات، و من المتصف بذلک غیر المعصومین علیهم السّلام.

و هذا أمر لایحتمل اتصاف غیرهم علیهم السّلام به ولو وجد کان فی غایة الندرة. و بالجملة إن ارید بالروایة ظاهرها أو إطلاقها لم یوجد لها مصداق، و إن ارید بها المخالفة للهوی فی الموارد الّتی نهی الشارع عنها دون المباحات فهی لیست إلّا العدالة.

والحمدللّه تعالی أوّلا و آخراً علی اتمام هذا الکتاب و انجازه بعونه سبحانه و و قد وقع الفراغ فی 11 من جمادی الاولی من سنة 1430 بعد الهجرة علی هاجرها الصلوات و السلام.

و انا العبد السیّد محسن بن مهدی الخرّازی الطهرانی الساکن فی بلدة قم حرم الأئمة الأطهار صلوات الله علیهم أجمعین.

ص:679

ص:680

فهرس الموضوعات

الظهّورات اللفظیّة 5

الأمر الأوّل: 6

الأمر الثّانی: 9

الأمر الثالث: 12

الطّائفة الاُولی: 15

الطّائفة الثّانیة: 15

الطّائفة الثّالثة: 15

التنبیهات: 17

حجیّة قول اللغویین 19

الإجماع 23

الأمر الأوّل: 23

الأمر الثانی: 24

الأمر الثالث: 24

ص:681

الأمر الرابع: 29

الأمر الخامس: 30

التنبیهات 31

الشهرة 39

العرف 45

المقام الأوّل: 45

المقام الثانی: 45

المقام الثالث: 46

المقام الرابع: 46

المقام الخامس: 47

السیرة القطعیّة العقلائیّة 51

السیرة المتشرعة 53

الخبر الواحد 55

الجهة الأولی: 55

أدلّة المانعین: 55

الطائفة الثانیة: 57

الطائفة الرابعة: 57

أدلّة المثبتین 58

الوجه الأوّل: 58

ص:682

الوجه الثانی: 62

مانعیة التّعلیل عن انعقاد المفهوم 63

الوجه الأوّل: 67

الوجه الثانی: 67

الوجه الثالث: 69

الطائفة الأولی: 77

الطائفة الثانیة: 80

الطائفة الثالثة: 81

الطائفة الرابعة: 83

التنبیهات: 89

التنبیه الأوّل: 89

التنبیه الثانی: 90

التنبیه الثالث: 91

التنبیه الرابع: 92

التنبیه الخامس: 93

التنبیه السادس: 95

التنبیه السابع: 97

التنبیه الثامن: 100

التنبیه التاسع: 102

ص:683

التنبیه العاشر: 104

الظّن المطلق 105

المقام الأوّل: 105

کلام حول حقّ الطّاعة 106

المقام الثانی: 110

ملاحظات حول دلیل الانسداد 111

التنبیهات: 116

التنبیه الأوّل: 116

التنبیه الثانی: 119

التنبیه الثالث: 120

التنبیه الرابع: 120

التنبیه الخامس: 121

التنبیه السادس: 122

فی الاُصول العملیة 127

المقام الأوّل: 128

أقسام الشکّ فی التکلیف 128

أصالة البراءة 129

أدلّة القائلین بالبراءة فی الشکّ فی التکلیف 129

حدیث رفع ما لایعلمون 131

ص:684

الأمر الأوّل: 132

الأمر الثانی: 132

الأمر الثالث: 132

تنبیهات حدیث الرفع 134

التنبیه الأوّل: 134

التنبیه الثانی: 135

التنبیه الثاث: 137

التنبیه الرابع: 137

التنبیه الخامس: 138

التنبیه السادس: 139

التنبیه السابع: 141

التنبیه الثامن: 142

التنبیه التاسع: 143

حدیث الحجب 145

حدیث السعة 153

حدیث الحلّیة 161

التنبیه 184

حدیث إحدی الجهالتین أهون 185

حدیث کلّ شیء مطلق 189

ص:685

حدیث أیّ رجل رکب أمراً بجهالة 191

الاستدلال بالإجماع 193

الاستدلال بالسیرة 195

الاستدلال بالاستصحاب 197

الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلابیان 201

أدلّة القائلین بالاحتیاط فی الشکّ فی التکلیف 209

و أمّا العقل فتقریره بوجهین 217

الوجه الأوّل: 217

الوجه الثانی: 218

الوجه الثالث: 218

الوجه الرابع: 221

التنبیهات: 222

التنبیه الأوّل 222

التنبیه الثانی 226

التنبیه الثالث 227

و هو محل تأمل لعدم القطع بالمناط 232

التنبیه الرابع 233

التنبیه الخامس 236

التنبیه السادس 237

ص:686

التنبیه السابع 237

التنبیه الثامن 239

الفصل الثانی: فی أصالة التخییر 243

الفصل الثالث: فی أصالة الاشتغال 259

حکم جریان الأمارات فی أطراف المعلوم بالإجمال 272

تنبیهات 273

أورد علیه مناقشات 302

فی جریان البراءة الشرعیة 306

دوران الأمر بین الأقل و الأکثر فی الأجزاء التحلیلیة 308

بقی شیء: 312

تنبیهات المقام الثانی 315

إمکان الخطاب للناسی و عدمه 318

الاستدلال بالاستصحاب للصحة 324

مفاد قاعدة لاتعاد 331

مقتضی القواعد الفقهیة 338

حدیث المیسور لایترک بالمعسور 340

حدیث ما لایدرک کلّه لایترک کلّه 343

جریان قاعدة المیسور مع تعذر الشرط 345

فرعان: 347

ص:687

خاتمة فی شرائط الاُصول 350

استحقاق العقاب عند ترک الفحص و حصول المخالفة 355

حکم الصحة أو فساد عمل الجاهل بلا فحص و تعلّم 358

الإجهار فی موضع الإخفات و بالعکس 360

شرطان آخران لجریان البراءة: 361

قاعدة لاضرر و لاضرار 365

مسلک من حمل النفی علی النهی السلطانی 382

مسلک من فصّل بین لاضرر و لاضرار فی المفاد 387

تفصیل آخر: 390

تنبیهات: 391

فی الاستصحاب 407

الأمر الأوّل: فی تعریفه 407

حقیقة غیر معقول 408

الأمر الثانی: فی أرکان الاستصحاب 408

الأمر الثالث: 410

الأمر الرابع: فی جریان استصحاب حال العقل أی حکمه و عدمه 410

الأمر الخامس: فی أدلّة حجیة الاستصحاب و هی متعددة 413

وهم و دفع 424

التنبیهات: 431

ص:688

شبهة عبائیة 466

الفرق بین الأمارات و الأصول 489

موارد الاستثناء 492

و یقع الکلام أوّلا فی مجهولی التاریخ فنقول 506

توجیه عدم جریان الاستصحاب 509

بقی شیء فی مجهولی التاریخ 512

تتمة الاستصحاب 529

الحکومة: 532

الورود: 533

خاتمة 535

أما الأول فقد یقع الکلام بالنسبة إلیه فی أمرین: 535

تعارض الاستصحابین 537

إذا کان مسببین عن أمر ثالث 540

تذنیب 542

فی التعادل و التراجیح 547

لاتعارض بین الأصول و الأمارات 549

وجه تقدیم الأمارات علی الأصول 550

لاتعارض بین الأمارات بعضها مع بعض 551

لاتعارض بین النصّ و الظاهر 551

ص:689

مورد التعارض بین الأخبار 552

المعیار فی الحکومة 553

هنا إشکالات أخری 557

تنبیه 570

سند الحدیث 581

فقه الحدیث 581

وهنا جملة أخری من الاشکالات: 583

تنبیهات: 590

بقی شیء 593

تبصرة 594

و قد استدلّ علی الأوّل بفقرات من الروایات: 599

بقی شیء 606

تنبیه 609

بقی شیء 612

تبصرة فی الشبهات المصداقیة و المفهومیة 615

الخاتمة فی الاجتهاد و التقلید 623

الفصل الأول: فی تعریف الاجتهاد 623

هنا مناقشات: 624

الفصل الثانی: فی جواز تقلید المتمکن من الاستنباط و عدمه 624

ص:690

الفصل الثالث: فی تقسیم الاجتهاد إلی مطلق و متجزیء 626

الفصل الرابع: فی الأحکام المترتبة علی الاجتهاد المطلق و هی متعددة: 628

بقی شیء فی جواز توکیل العامی للقضاء 632

الفصل الخامس: فی الأحکام المترتبة علی المجتهد المتجزّی 636

الفصل السادس: فی مبادی الاجتهاد و مقدماته 638

الفصل السابع: فی التخطئة و التصویب 640

و حاصله أنّ تصور السببیة علی وجوه: 641

الفصل الثامن: فی تبدل رأی المجتهد 642

تحریر محل النزاع و صوره 643

أحدها: حدیث الرفع 646

تقریب الاستدلال بالسیرة 649

تقریب الاستدلال بنفی العسر و الحرج 650

حکم المقلدین بعد تبدل رأی المجتهدین 652

الفصل التاسع: فی تعریف التقلید 654

الفصل العاشر: فی أدلة جواز التقلید 655

ومنها سیرة العقلاء 657

بقی شیء 664

الفصل الحادی عشر: 665

الفصل الثانی عشر: فی جواز تقلید المیت و عدمه 669

ص:691

الفصل الثالث عشر: فی شرائط المرجعیة 673

ومنها العدالة 675

ومنها الرجولیة 677

فهرس الموضوعات 681

ص:692

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.