سلک أحبابنا لا سیّما قرّة عینی الرّمدة ، وسرور نفسی الکَمِدَةِ علاء الملّة والدّین أحمد بن الصدر الإمام رئیس الأنام أقضی القضاة والحکّام مظهر الحقّ فی الأحکام عماد الملّة والدین مفضّل الکاشی بلّغهما الله آمالهما وضاعف فی العالمین إقبالهما أردت أن أشرحه شرحاً یفید طالبه ویفیض إلیه مطالبه بحیث لا أتخطّی من تحلیل لفظه خُطاً کثیرة ولا أتجاوز عن تنقیح معناه إلّا مسافة یسیرة ، والتزمت أن أکتب ألفاظ المتن بتمامها من أوّل کتبة الشرح إلی تمامها حتّی یکون کالزیادة للمتعلّمین علی التعریف ویغنیهم عن النسخ الّتی لعبت بها أیدی الجهلة بالتحریف وأرجو من الله تعالی أن یعیننی علی الإتمام ویجعله قائدی إلی دار السلام فإنّه المستعان وعلیه التکلان.

الکلمة علی الکلام لأنّها جزؤه کما عرفت ، والشیء إنّما یعرف بعد معرفة أجزائه.

فقوله : «الکلمة مفرد» تقدیره الکلمة لفظ موضوع مفرد فیخرج باللفظ غیره کالخطّ والعقد والنُصب والإشارة وبالموضوع المهمل ، کدیز وبیز ، وبالمفرد المرکّب کخمسة عشر ، وإنّما قلنا أنّ المهمل یخرج بقید الموضوع لأنّ الموضوع لا یکون إلّا لمعنی والمهمل لا معنی له وإنّما حذف قولنا لفظ موضوع لدلالة قوله مفرد علیه لأنّ المفرد لا یوصف به فی اصطلاح النحویّین إلّا اللفظ الموضوع.

قال : وهی إمّا «اسم» کرجل ، وإمّا «فعل» کَضَرَبَ وإمّا «حرف» کقَدْ.

أقول : یعنی أنّ أقسام الکلمة منحصرة فی هذه الثلاثة لأنّها إن دلّت بنفسها علی معنی غیر مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أعنی الماضی والحال والاستقبال فهی الاسم کرجل ، فإنّه یدلّ بنفسه علی ذات غیر مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وإن دلّت بنفسها علی معنی مقترن به فهی الفعل مثل : ضَرَبَ فإنّه یدلّ بنفسه علی ضرْب مقترن بزمان الماضی وإن لم تدلّ بنفسها علی معنی فهی الحرف کقَدْ ، فإنّه لا یدلّ علی معنی بنفسه بل بواسطة غیره نحو : قد قام.

قال : الکلام مؤلّف إمّا من اسمین اُسند أحدهما إلی الآخر نحو : زید قائم ، وإمّا من فعل واسم نحو : ضرب زید ، ویسمّی کلاماً وجملة.

أقول : لمّا بیّن الکلمة أراد أن یبیّن الکلام فقوله : «مؤلّف» احتراز عن

ص: 3

المفرد نحو : زید.

وقوله : «إمّا من اسمین وإمّا من فعل واسم» احتراز عن المؤلّف من فعلین نحو : ضَرَبَ ضَرَبَ أو من فعل وحرف نحو : قَدْ ضَرَبَ ، أو من حرفین نحو : قَدْ قَدْ ، أو من حرف واسم نحو : ما زید.

وقوله : «اُسند أحدهما إلی الآخر» احتراز عن المؤلّف من اسمین لم یسند أحدهما إلی الآخر نحو : غلامُ زیدٍ ، وخمسة عشر ، فإنّ کلّ ذلک لا یکون کلاماً.

وقوله : «إمّا من فعل واسم» تقدیره وإمّا من فعل واسم اُسند ذلک الفعل إلی ذلک الاسم وإنّما لم یذکره صریحاً لأنّ قوله اُسند أحدهما إلی الآخر یدلّ علی وجوب الإسناد بینهما والإسناد نسبة أحَد الجزءین الی الآخر لیفید المخاطب فادّةً تامّة یصحّ السکوت علیها.

وقوله : بُعَیْد هذا ، الاسم هو ما صحّ الحدیث عنه یدلّ علی أنّ الإسناد إنّما یکون من الفعل إلی الاسم فقوله : زید قائم مؤلّف من اسمین اُسند أحدهما وهو قائم إلی الآخر وهو زید ، وقوله : ضَرَبَ زید ، مؤلّف من فعل واسم اُسند الفعل الی الاسم وکلّ واحد منهما یسمّی کلاماً وجملة.

ظاهر ، وفی الاصطلاح هو ما صحّ الحدیث عنه یعنی یجوز أن یخبر عنه نحو : خَرَجَ موسی ، فإنّ موسی اسم قد اُخبر عنه بالخروج. «ودخله حرف الجرّ» یعنی یجوز أن یدخله حرف الجرّ نحو : مررت بعیسی فإنّ عیسی اسم قد دخله الباء وهو حرف الجرّ. «واُضیف» یعنی یجوز أن یضاف إلی غیره نحو : غلامک ، فلأنّ الغلام اسم اُضیف إلی الکاف. «وعرّف» یعنی یجوز أن یدخله الألف واللام نحو : الرجل. «ونُوِّن» یعنی یجوز أن یدخله التنوین نحو : زیدٌ. فجمیع هذه من خواصّ الاسم لا یوجد شیء منها فی الفعل ولا فی الحرف.

أمّا الإخبار عنه فلأنّ الفعل خبر دائماً ، فلا یخبر عنه ، والحرف لا یکون خبراً ولا مخبراً عنه.

وأمّا حرف الجرّ فلأنّ الجرّ علامة المخبر عنه ، وقد قلنا إنّ الفعل والحرف لا یخبر عنهما.

وأمّا الإضافة فلأنّ الغرض منها إمّا التعریف أو التخصیص أو التخفیف کما سیجیء والفعل والحرف لا یصلحان شیئاً من ذلک.

وأمّا الألف واللام فلأنّ الغرض من دخولهما تعریف المخبر عنه وقد ذکرنا أنّهما لا یخبر عنهما.

وأمّا التنوین فلأنّها علامة تمام مدخولها والفعل والحرف لا یتمّان إلّا بالغیر أمّا الفعل فبالفاعل وأمّا الحرف فبمتعلّقه.

قال : وأصنافه : «اسم الجنس ، والعلم ، والمعرب وتوابعه ، والمبنیّ ، والمثنّی ، والمجموع ، والمعرفة ، والنکرة ، والمذکّر ، والمؤنّث ، والمصغّر ، والمنسوب ، وأسماء العدد ، والأسماء المتّصلة بالأفعال».

أقول : الأصناف بمعنی الأقسام ، یعنی أنّ أقسام الاسم المذکورة فی هذا

ص: 5

الکتاب منحصرة فی خمسة عشر قسماً : الأوّل : اسم الجنس ، وهو ما یدلّ علی شیء غیر معیّن وما أشبهه کرجل.

والثانی : العلم ، وهو ما یدلّ علی شیء معیّن ولا یتناول غیره بوضع واحد کزید.

والثالث : المعرب ، وهو ما اختلف آخره باختلاف العوامل لفظاً کزید أو تقدیراً کسعدی.

والرابع : توابع المعرب ، وهی کلّ اسم ثان معرب بإعراب سابقه من جهة واحدة کالعالم فی زید العالم قائم.

والخامس : المبنیّ ، وهو الّذی سکون آخره وحرکته لا بعامل کَمَنْ ، وأین ، وحیث ، وهؤلاء.

والسادس : المثنّی ، وهو ما زید فی آخره ألف أو یاء مفتوح ما قبلها ونون مکسورة عوضاً عن الحرکة والتنوین نحو : جاءنی مُسلمَانِ ، ورأیت مُسْلِمَیْنِ ، ومررت بمسلمَینِ.

والسابع : المجموع ، وهو ما دلّ علی آحاد یدلّ علی أحدها واحده کزَیْدین ورجال وهندات.

والثامن : المعرفة ، وهی ما دلّ علی شیء معیّن نحو : أنا وأنت.

والتاسع : النکرة ، وهی ما یدلّ علی شیء غیر معیّن کغلام.

والعاشر : المذکّر ، وهو ما خلا آخره من تاء التأنیث وألفی المقصورة والممدودة کرجل.

والحادی عشر : المؤنّث ، وهو ما فی آخره احدیهنّ کمرأة وحبلی وحمراء.

والثانی عشر : المصغّر ، وهو ما ضمّ أوّله وفتح ثانیه وزید قبل ثالثه یاء

ص: 6

ساکنة کرُجَیْل.

والثالث عشر : المنسوب ، وهو ما لحق آخره یاء مشدّدة تدلّ علی نسبة شیء إلیه کبغدادیّ.

والرابع عشر : أسماء العدد ، وهی أسماء تعدّ بها الأشیاء کواحد واثنین وثلاثة.

والخامس عشر : الأسماء المتّصلة بالأفعال ، وهی أسماء فیها معنی الفعل کعَلیم وعِلْم وعالم ومَعْلُوم واعْلَم.

فهذه الخمسة عشر أصناف الاسم الّتی یذکر کلّ واحد من هذه المذکورة مَعَ ما یتعلّق به فی هذا الکتاب بالترتیب فی موضعه.

قال : والإعراب هو اختلاف آخر الکلمة باختلاف العوامل لفظاً أو تقدیراً ، واختلاف آخر الکلمة إمّا بالحرکات نحو : جاءنی زیدٌ ، ورأیت زیداً ، ومررت بزیدٍ ، وإمّا بالحروف وذلک فی الأسماء الستّة مضافة إلی غیر یاء المتکلّم وهی : «أبوه وأخوه وهنوه وحموها وفوه وذو مال» ، تقول : جاءنی أبوه ، ورأیت أباه ، ومررت بأبیه ، وکذلک البواقی.

أقول : لمّا بیّن المعرب أراد أن یبیّن ما بسببه یصیر المعرب معرباً أعنی الإعراب ، وهو اختلاف آخر الکلمة - اسماً کانت أو فعلاً - باختلاف العوامل فی أوّلها ، فاحترز بالآخر عن الأوّل والوسط فإنّ اختلافهما لا یسمّی إعراباً کرجل ورُجَیْل ورجال وباختلاف العوامل احترز عن اختلاف آخر لا بالعامل نحو : مَنْ ضَرَبَ ، ومَنْ الضارب ، ومَنْ ابنُک.

وإنّما اختصّ الإعراب باختلاف آخر الکلمة لأنّ اختلاف الأوّل والوسط دلیل علی وزن الکلمة ، فلا یصیر دلیلاً لشیء آخر ، واختلاف آخر الکلمة إمّا بالحرکات کاختلاف زید فی نحو : جاءنی زیدٌ ، ورأیت زیداً ، ومررت بزید ، وأمّا بالحروف وذلک فی أربعة مواضع : الموضع الأوّل : فی ستّة أسماء سَمّتها العرب بالأسماء الستّة إذا کانت مضافة إلی غیر یاء المتکلّم ، وتلک الأسماء : «أبوه وأخوه وهنوه وحموها وفوه وذو مال» فتقول فی بیان اختلافها بالحروف نحو : جاءنی أبوه ، ورأیت أباه ، ومررت بأبیه فآخر الأب یختلف لکن لا بالحرکات بل بالحروف أعنی الواو فی الرفع ، والألف فی النصب ، والیاء فی الجرّ ، وکذلک تقول فی البواقی نحو : أخوه أخاه أخیه ، وحموها حماها حمیها ، وهنوه هناه هنیه ، وفوه فاه فیه ، وذو مال ذا مال ذی مال وإنّما أُعربت هذه الأسماء بالحروف لأنّها ثقیلة بسبب تعدّد یقتضیه تحقّق معانیها إذ الأب - مثلاً - إنّما یتصوّر بعد تصوّر من له الإبن مَعَ أنّ أواخرها حروف تصلح أن تکون

ص: 10

علامة الإعراب فلم یزیدوا علیها الحرکة لئلّا یزداد الثقل علی الثقل.

وإنّما قال مضافة لأنّها إن کانت غیر مضافة یکون إعرابها بالحرکات لفظاً نحو : جاءنی أبٌ ، ورأیت أباً ومررت بأبٍ.

وإنّما قال إلی غیر یاء المتکلّم لأنّها إذا اُضیفت إلی یاء المتکلّم یکون اعرابها بالحرکات تقدیراً نحو : جاءنی أبی ، ورأیت أبی ، ومررت بأبی ، وفیها قیدان آخران : الأوّل : أن تکون مکبرّة لأنّها إن کانت مصغّرة یکون إعرابها بالحرکات لفظاً نحو : جاءنی اُبَیُّه ، ورأیت اُبَیَّه ، ومررت باُبِیِّهِ.

والثانی : أن تکون مفردة لأنّها إن کانت تثنیة یکون إعرابها بالحروف لکن لا بجمیعها بل ببعضها نحو : جاءنی أبوان ، ورأیت أبوین ، ومررت بأبوین ، وإذا کانت جمعاً یکون إعرابها إمّا ببعض الحروف وذلک إذا کانت جمع المصحّح نحو : جاءنی أبون ، ورأیت أبین ، ومررت بأبین وإمّا بتمام الحرکات وذلک إذا کانت جمع مکسّر نحو : جاءنی آباء ، ورأیت آباءً ومررت بآباءٍ.

قال : وفی «کلا» مضافاً إلی مضمر نحو جاءنی کلاهما ، ورأیت کلیهما ، ومررتُ بکلیهما.

أقول : لمّا ذکر الموضع الأوّل من المواضع الأربعة الّتی یکون فیها الإعراب بالحروف أراد أن یذکر الموضع الثانی وهو کلا للمذکّر وکذلک کلتا للمؤنّث فإنّهما إذا کانا مضافین إلی مضمر یکون إعرابهما ببعض الحروف أعنی بالألف فی حالة الرفع ، وبالیاء فی حالتی النصب والجرّ نحو : جاءنی الرجلان کلاهما والمرأتان کلتاهما ، ورأیت الرجلین کلیهما والمرأتین کلتیهما ، ومررت بالرجلین کلیهما وبالمرأتین کلتیهما.

ص: 11

وإنّما أعرب کلا وکلتا بالحروف لأنّهما یشابهان التثنیة من حیث المعنی واللفظ ، أمّا المعنی فظاهر ، وأمّا اللفظ فکما أنّ فی آخر التثنیة ألفا ونونا فی حالة الرفع ، ویاء ونوناً فی حالتی النصب والجرّ فکذلک کلا وکلتا إلّا أنّهما لمّا کانا دائمی الإضافة لم یظهر قطّ نونهما.

وإنّما قال مضافاً إلی مضمر لأنّهما إذا اُضیفا إلی المظهر یکون إعرابهما بالحرکات تقدیراً نحو : جاءنی کلا الرجلین وکلتا المرأتین ورأیت کلا الرجلین وکلتا المرأتین ومررت بکلا الرجلین وبکلتا المرأتین.

قال : وفی التثنیة والجمع المصحّح نحو : جاءنی مسلمان ومسلمون ، ورأیت مسلمَینِ ومسلمِینَ ، ومررت بمسلمَینِ ومسلمِینَ.

أقول : لمّا بیّن الموضع الثانی من المواضع الأربعة شرع فی بیان الموضع الثالث والرابع وهما التثنیة ، والجمع المصحّح ، فإنّ إعرابهما أیضاً بالحروف ، ولکن ببعضها أعنی بالألف فی رفع التثنیة ، وبالواو فی رفع الجمع ، وبالیاء فی نصبهما وجرّهما نحو : جاءنی مسلمان ومسلمون ، ورأیت مسلِمَیْنِ ومسلِمِیْنَ ، ومررت بمسلمَینِ ومسلمِینَ.

وإنّما اُعرب التثنیة والجمع المصحّح بالحروف لأنّهما فرعان للمفرد والإعراب بالحروف فرع الإعراب بالحرکات وقد اُعرب بعض المفردات بالحروف کالأسماء الستّة فلو لم یعربا بها للزم للفرع مزیّة علی الأصل.

وإنّما جعل إعرابهما ببعض الحروف لأنّ حروف الإعراب ثلاثة الألف ، والواو ، والیاء ، ومواضعها فی التثنیة والجمع ستّة رفعهما ونصبهما وجرّهما فیلزم التوزیع بالضرورة وإنّما اختصّ الألف برفع التثنیة ، والواو برفع الجمع لأنّ الألف فی تثنیة الأفعال والواو فی جمعها علامتان للمرفوع أعنی الفاعل نحو : ضَرَبا ویضربان واضربا وضربوا ویضربون واضربوا

ص: 12

فجعلتا فی تثنیة الأسماء وجمعها علامتین للرفع أیضاً کما فی الأفعال لیناسب الأسماء الأفعال وجعل الجرّ بالیاء فیهما لأنّهما اُختان ، وحمل النصب علی الجرّ لأنّهما أخوان ، ثمّ فتح ما قبل الیاء وکسر النون فی التثنیة ، وعکس فی الجمع للفرق بینهما.

وإنّما قیّد الجمع بالمصحّح احترازاً عن الجمع المکسّر فإنّ إعرابه لا یکون بالحروف وسنبیّن معنی المصحّح والمکسّر وقت بیانهما إن شاء الله تعالی.

قال : وما لا یظهر الإعراب فی لفظه قدّر فی محله کعصاً وسُعدی والقاضی فی حالتی الرفع والجرّ.

أقول : المعرب قسمان : قسم یظهر الإعراب فی اللفظ ، وقسم لا یظهر.

والمصنّف لمّا ذکر القسم الأوّل أراد أن یذکر الثانی ، فقال : وما لا یظهر الإعراب فی لفظه ، إلی آخره أی المعرب الّذی لا یظهر الإعراب فی لفظه قدّر فی محلّه أی یحکم بأنّ فیه إعراباً مقدّراً سواء کان آخره ألفاً منقلبة عن لام الفعل کعصاً فإنّ أصله عَصَوٌ قلبت الواو ألفا فصار عصا ، أو ألف التأنیث کسُعدی ، أو یاء ما قبلها مکسور کالقاضی فتقول : هذه عصاً ( بالتنوین ) وسُعدی والقاضی بالسکون ، ورأیت عصاً وسُعدی والقاضِیَ ( بالفتح ) ، ومررت بعصاً وسعدی والقاضی بسکون الیاء فلا یظهر الاعراب فی لفظ عصاً وسُعدی فی حالة النصب والرفع والجرّ لانّ آخرهما ألف وهی لا تقبل الحرکة ، وأمّا القاضی فلا یظهر إعرابه لفظاً فی الرفع والجرّ لثقل الضمّة والکسرة علی الیاء ، وأمّا النصب فیظهر لخفّته ولذلک قال فی حالتی الرفع والجرّ.

والحاصل أنّ المعرب إمّا أن یدخله الحرکات الثلاث لفظاً کزید أو تقدیراً کعصا ، وإمّا أن یدخله بعض الحرکات الثلاث لفظاً کأحمد أو

ص: 13

تقدیراً کسُعدی ، وإمّا أن یدخله الحرکات الثلاث بعضها لفظاً وبعضها تقدیراً کالقاضی ، وإمّا أن یدخله الحروف الثلاثة لفظاً کالأسماء الستّة أو تقدیراً وهو غیر موجود.

وأمّا أن یدخله بعض الحروف الثلاثة لفظاً کالتثنیة والجمع المصحّح وکلا أو تقدیراً وهو غیر موجود أیضاً.

وإمّا أن یدخله بعض الحروف الثلاثة بعضها لفظاً وبعضها تقدیراً کالجمع المصحّح المضاف إلی یاء المتکلّم نحو : مُسْلِمیّ فإنّ أصله مسلمون ثم اُضیف إلی یاء المتکلّم واجتمع الواو والیاء واُدغمت الواو فی الیاء وکسر ما قبل الیاء فصار مسلمِیّ فهذه عشرة أقسام قسمان منها منتفیان فی کلام العرب والباقیة قد عرفت أمثلتها.

قال : وأسباب منع الصرف تسعة : العلمیّة ، والتأنیث ، ووزن الفعل ، والوصف ، والعدل ، والجمع ، والترکیب ، والعجمة ، والألف والنون المضارعتان لألفی التأنیث.

أقول : الأصل فی الأسماء أن تکون منصرفة معربة بتمام الحرکات اللفظیة حتّی یدلّ کلّ حرکة منها علی ما هی دلیل علیه ، أعنی الرفع علی الفاعلیّة والنصب علی المفعولیّة والجرّ علی الإضافة.

والمصنّف لمّا ذکر ما یقتضی العدول عن الإعراب بالحرکات اللفظیة إلی الاعراب بالحرکات التقدیریّة أو بالحروف وذلک فی الأسماء الستّة وکلا والتثنیة والجمع المصحّح أراد أن یذکر ما یقتضی العدول عن الانصراف إلی عدم الانصراف ، أعنی أسباب منع الصرف.

کأحمر ، والعدل کعُمَر ، والجمع کمساجد ، والترکیب کبعلبک ، والعجمة کإبراهیم ، والالف والنون المضارعتان أی المشبّهتان لألفی التأنیث ، أعنی المقصُورة والممدودة نحو : حُبلی وحمراء کعِمْران.

قال : متی اجتمع فی الاسم سببان منها أو تکرّر واحد لم ینصرف إلّا ما کان علی ثلاثة أحرف ساکن الوَسَط کنوح ولوط ، فإنّ فیه أی فی ذلک الاسم الّذی کان علی ثلاثة أحرف ساکن الوسط مذهبین ، الصرف لخفّته ، وعدم الصرف لحصول السببین فیه.

أقول : لمّا عدّ أسباب منع الصرف أراد أن یذکر شرائطها فقال متی اجتمع فی الاسم سببان منها أی من الأسباب التسعة أو تکرّر واحد کالجمع وألفی التأنیث فإنّ کلّ واحد منها مکرّر بالحقیقة لم ینصرف ذلک الاسم أی یکون غیر منصرف فیمنع من الجرّ والتنوین إلّا ما کان علی ثلاثة أحرف ساکن الوَسَط کنوح ولوط ، فإنّ فی ذلک الاسم مذهبین.

أحدهما : الصرف لخفّته لأنّ الاسم إنّما یصیر غیر منصرف بسبب الثقل الحاصل من السببین والثلاثی الساکن الوسط فی غایة الخفّة فلا یؤثّر فیه ثقل السببین.

والمذهب الثانی : عدم الصرف لحصول السببین فیه وإنّما صارت الأسباب التسعة مانعة من الصرف لأنّ الاسم بسببها یشبه الفعل فی الفرعیّة کما ذکرنا فإنّ کلا من هذه الأسباب فرع للأصل ، ( العلمیّة فرع للتنکیر ) و ( التأنیث للتذکیر ) و ( وزن الفعل لوزن الاسم ) و ( الوصف للموصوف ) و ( العدل للمعدول عنه ) و ( الجمع للواحد ) و ( الترکیب للمفرد ) و ( العجمة للعربیّة ) و ( الألف والنون لمدخولهما ) وإنّما احتیج فی منع الصرف إلی السببین أو تکرّر واحد منها لئلّا یلزم منع الصرف

ص: 15

المخالف للأصل فی أکثر الأسماء فإنّ أکثر الأسماء مشابهة للفعل فی سبب واحد من تلک الأسباب ، وإنّما مثّل للثلاثی الّذی فیه مذهبان بنوح ولوط احترازاً من الثلاثی الساکن الوَسَط الّذی یکون فیه ثلاثة من الأسباب فإنّه لا ینصرف البتّة ک ( ماه ) و ( جُور ) إذ هما علمان لبلدتین وفیهما العجمة والتأنیث المعنوی.

ضربت زیداً وزید ضَرَبَ.

أقول : لمّا کان الصنف الثالث من أصناف الاسم وهو المعرب علی ثلاثة أقسام ، أعنی مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً ، وکان لکلّ قسم منها أفراد متعدّدة أراد المصنّف أن یذکر تلک الأفراد علی وجه یقتضیه الوضع ، فقدّم المرفوعات علی المنصوبات والمجرورات لأنّ المرفوعات أصل وهما فرعان إذ الکلام إنّما یتمّ بالمرفوع وحده دون المنصوب والمجرور ، فیقال : قام زیدٌ ، وزیدٌ قائم ، ولا یقال : زیداً ، أو بزیدٍ ، أو غلامُ زیدٍ.

والمرفوعات علی ضربین : أصل ، وملحق به.

والأصل هو الفاعل لأنّ عامله فعل حقیقیّ غالباً وعامل باقی المرفوعات لیس کذلک ، والفعل الحقیقی أصل فی العمل فمعموله أیضاً یکون أصلاً بالقیاس إلی معمول غیره ، وإنّما جعل الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً والمضاف إلیه مجروراً لأنّ الرفع أعنی الضم أثقل الحرکات والفاعل أقلّ المعمولات فأعطی الثقیل القلیل ، والنصب أعنی الفتحة أخفّ الحرکات والمفعول أکثر المعمولات فأعطی الخفیف الکثیر ، فبقی الجرّ أعنی الکسرة للمضاف إلیه ، أو تقول الکسرة لمّا لم تبلغ مرتبة الضمّة فی الثقل ، ولا مرتبة الفتحة فی الخفّة والمضاف إلیه لا یبلغ أیضاً مرتبة الفاعل فی القلّة ولا مرتبة المفعول فی الکثرة فتناسبا فأعطی الکسرة إیّاه ، والفاعل عند المصنّف اسم اُسند إلیه ما تقدّمه من فعل أو شبهه وهو علی نوعین : مظهر ، کضَرَبَ زید ، فإنّ زیداً اسم اُسند إلیه فعل مقدّم علیه وهو ضَرَبَ.

ومضمر ، وهو علی نوعین : بارز کضربتُ زیداً ، فإنّ التاء ضمیر بارز اُسند إلیه ضَرَبَ ، ومستتر کزید ضَرَبَ ، فإنّ فی ضَرَبَ ضمیراً مستتراً اُسند إلیه ضرب.

ص: 17

والمراد بشبه الفعل الأسماء المتّصلة بالأفعال ، أعنی المصدر واسم الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة وأفعل التفضیل نحو : زید ضارب غلامه عمراً ، فإنّ غلاماً اسم اُسند إلیه شبه الفعل وهو ضارب مقدّم علیه وسیجیء مباحث کلّ ذلک من قریب.

أقول : وحقّ الخبر أن یکون نکرة لأنّه محکوم به ، والمحکوم به ینبغی أن یکون نکرة لأنّه إن کان معرفة کان معلوماً للمخاطب فلا یکون فی الحکم فائدة ، وقد یجیئان یعنی المبتدأ وخبره معرفتین نحو : الله إلهنا ومحمّد نبیّنا ، فالمقدّم من الاسمین فی المثالین یکون مبتدأ والمؤخّر خبراً.

قال : والخبر علی نوعین : مفرد نحو : زید غلامک ، وجملة وهی علی أربعة أضرب : فعلیّة نحو : زید ذهب أبوه ، واسمیّة نحو : عمرو أخوه ذاهب ، وشرطیّة نحو : زید إن تکرمه یکرمک ، وظرفیّة نحو : خالد أمامَکَ وبِشر من الکرام.

أقول : الخبر علی نوعین : الأوّل : مفرد أی غیر جملة سواء کان مشتقّاً غیر مضاف نحو : زید ضارب ، أو مشتقّاً مضافاً نحو : زید ضاربک ، أو کان جامداً غیر مضاف نحو : زید غلام ، أو کان جامداً مضافاً نحو : زید غلامک.

والثانی جملة ، والجملة علی أربعة أضرب : فعلیّة أی یکون جزؤها الأوّل فعلاً نحو : زید ذهب أبوه ، فإنّ ذهب أبوه جملة فعلیّة خبر لزید.

واسمیّة أی یکون جزؤها الأوّل اسماً نحو : عمرو أخوه ذاهب ، فإنّ أخوه ذاهب جملة اسمیّة خبر لعمرو.

وشرطیّة أی یکون أوّلها حرف شرط نحو : زیدٌ إن تکرمه یکرمک ، فإنّ إن تکرمه یکرمک جملة شرطیّة خبر لزید.

وظرفیّة أی یکون أوّلها ظرفاً أو بمنزلة الظرف لفعل مقدّر نحو : خالدٌ أمامَکَ ، فإنّ أمامَکَ ظرف لفعل مقدّر وهو حصل ، والجملة خبر لخالد علی سبیل الحقیقة وظرف علی سبیل المجاز ، ونحو : بشر من الکرام ، فإنّ

ص: 19

من الکرام بمنزلة الظرف لفعل مقدّر وهو حَصَلَ أیضاً والجملة خبر لبشر.

قال : ولا بدّ فی الجملة من ضمیر یرجع إلی المبتدأ إلّا إذا کان معلوماً نحو : البرّ الکرّ بستّین درهماً.

أقول : ولا بدّ فی الجملة الواقعة خبراً للمبتدأ من ضمیر یرجع إلی المبتدأ کما مرّ فی الأمثلة المذکورة لأنّ الجملة مستقلّة بنفسها فلو لم یکن فیها ضمیر یربطها إلی المبتدأ لکانت أجنبیّة عنه إلّا إذا کان هذا الضمیر معلوماً من سیاق الکلام فإنّه حینئذٍ یحذف من اللفظ ویقدّر فی النیّة نحو : البرّ الکرّ بستّین درهماً ، فإنّ الکرّ بستّین درهماً جملة من المبتدأ والخبر وهی خبر للبرّ والضمیر محذوف والتقدیر البرّ الکرّ منه بستّین درهماً ، وإنّما حذف منه لدلالة سوق الکلام علیه فإنّ تقدیم البرّ علی الکرّ یدلّ علی أنّ الکرّ یکون من البرّ فیستغنی عن ذکره والکرّ نوع من المکیال.

قال : وقد یقدّم الخبر علی المبتدأ نحو : منطلقٌ زیدٌ.

أقول : حقّ المبتدأ أن یکون مقدّماً علی الخبر لأنّه محکوم علیه ، وحقّ المحکوم علیه التقدیم ، لکن قد یقدّم الخبر علی المبتدأ نحو : منطلقٌ زیدٌ ، فإنّ زیداً مبتدأ. ومنطلق خبره مقدّم علیه ، وإنّما جاز ذلک للتوسّع فی الکلام فإنّه ربّما یحتاج فی الوزن والقافیة والسجع إلی تقدیم بعض أجزاء الکلام علی بعض.

قال : ویجوز حذف أحدهما عند الدلالة قال الله تعالی : «فَصَبْرٌ جَمِیلٌ» (1)

ص: 20

أقول : الأصل فی المبتدأ والخبر هو الثبوت لأنّ الحذف خلاف الأصل لکن یجوز حذف أحدهما عند الدلالة أی إذا وجدت قرینة تدلّ علی ذلک المحذوف کما قال الله تعالی : «فَصَبْرٌ جَمِیلٌ» فإنّه إمّا خبر لمبتدأ محذوف والتقدیر أمری صبر جمیل ، أو مبتدأ لخبر محذوف والتقدیر فصبرٌ جمیلٌ أجمل ، والقرینة هاهنا وجود فصبر جمیل لأنّه یصلح أن یکون أحد جزئی الکلام فیدلّ علی أنّ الجزء الآخر محذوف یناسبه.

أقول : وحکم خبر الحروف المشبّهة بالفعل مثل حکم خبر المبتدأ فی کونه مفرداً مشتقّاً أو غیر مشتقّ مضافاً أو غیر مضاف نحو : إنّ زیداً ضاربٌ ، وإنّ زیداً ضاربُک ، وإنّ زیداً غلامٌ ، وإنّ زیداً غلامُک ، وفی کونه جملة فعلیّة نحو : إنّ زیداً ذهب أبوه ، واسمیّة نحو : إنّ عمراً أخوه ذاهب ، وشرطیّة نحو : إنّ زیداً إن تکرمه یکرمک ، وظرفیّة حقیقیّة نحو : إنّ خالداً أمامَکَ ، أو مجازیّة نحو إنّ بشراً من الکرام.

وفی کونه مستحقّاً للضمیر إذا کان جملة کما مرّ فی الأمثلة ، وفی کونه مستغنیاً عن ذکر ذلک الضمیر إذا کان معلوماً نحو : إنّ البرَّ الکرّ بستّین درهماً ، ومن کونه جائز الحذف عند الدلالة نحو : إنّ مالاً وإنّ ولداً أی إنّ لهم مالاً ، وإنّ لهم ولداً إلّا فی تقدیمه أی إلّا فی تقدیم خبر باب أنّ علی اسمه فإنّه غیر جائز وتقدیم خبر المبتدأ علی المبتدأ جائز لأنّ الحروف إنّما تعمل لمشابهتها الفعل کما سیجیء فیکون عملها فرعاً لعمل الفعل ومرفوع الفعل مقدّم علی منصوبه فلو قدّم مرفوع هذه الحروف أیضاً لم یبق الفرق بین عمل الأصل والفرع إلّا إذا کان الخبر ظرفاً فإنّه حینئذٍ یجوز تقدیمه علی الاسم لأنّ رفع الظرف لا یظهر فی اللفظ أو لأنّ فی الظروف اتّساعاً لکثرة وقوعها فی کلامهم لیس فی غیرها ، فتقول فی مثال ذلک : إنّ زیداً منطلقٌ ولا تقول : إنّ منطلق زیداً بتقدیم الخبر الغیر الظرف ، ولکن تقول : إنّ فی الدار زیداً بتقدیم الخبر الظرف.

فإنّ خبرها منصوب ، وقد یحذف خبر لا الّتی لنفی الجنس إذا دلّ علیه قرینة کقول العرب : لا بأس أی لا بأس علیک.

أی المشابه للمضاف نحو : یا خیراً من زید ، فإنّ خیراً لا یتمّ إلّا بمن زید کما أنّ المضاف لا یتمّ إلّا بالمضاف إلیه ، والنکرة أی غیر المعیّن نحو : یا راکباً ، فکلّ من هذه الثلاثة منصوب بفعل مضمر لا یجوز إظهاره لأنّ حرف النداء أعنی «یا» بدل منه ، ولا یجوز الجمع بین البدل والمبدل منه والتقدیر أدعو عبد الله وأدعو خیراً من زید وأدعو راکباً فحذف أدعو واُبدل منه یا.

قال : وأمّا المفرد المعرفة فمضموم فی اللفظ ومنصوب فی المعنی نحو : یا زَیْدُ ، ویا رَجُلُ.

أقول : المنادی إمّا مفرد معرفة ، أو غیر مفرد معرفة منصوب فی اللفظ کما مرّ ، وأمّا المفرد المعرفة فمضموم فی اللفظ ومنصوب فی المعنی نحو : یا زید فإنّ تقدیره أدعو زیداً أمّا لفظه فمبنیّ علی الضمّ وإنّما بنی هذا لأنّه یشبه کاف الخطاب فی أدعُوک من حیث الإفراد والتعریف وکاف أدعوک یشبه کاف ذاک من هاتین الجهتین وکاف ذاک حرف مبنیّ الأصل فمشابهه یکون مبنیّاً أیضاً ومشابه المشابه مشابه لذلک الشیء فیکون مبنیّاً أیضاً وإنّما بنی علی الحرکة فرقاً بین البناء اللازم والعارض وإنّما بُنیَ علی الضمّ لیخالف حرکة بنائه حرکة إعرابه فإنّ المنادی المعرب إمّا منصوب کما عرفت أو مجرور وذلک إذا دخل علیه لام الجرّ نحو : یا لزید ، ویسمّی هذه اللام لام الاستغاثة وهذا المنادی المنادی المستغاث.

وإنّما اُعرب المنادی المضاف والمضارع له والنکرة لانتفاء وجه الشبه أعنی الإفراد فی الأوّلین والتعریف فی الثالث ، وإنّما اُعرب المنادی المستغاث لأنّ إلغاء عمل حرف الجرّ غیر واقع فی کلام العرب.

* * *

ص: 25

قال : وفی الصفة المفردة الرفع والنصب نحو : یا زید الظریفُ ، والظریفَ ، وفی الصفة المضافة النصب لا غیر نحو : یا زیدُ صاحبَ عَمْروٍ.

أقول : صفة المنادی المفرد المعرفة إذا کانت مفردة أی غیر مضافةٍ یجوز فیها الرفع والنصب نحو : یا زید الظریفُ والظریفَ لأنّ المنادی المفرد المعرفة مبنیّ یشبه المعرب أمّا بناءه فظاهر وأمّا شبهه بالمعرب فلعروض حرکته کحرکة المعرب فباعتبار بنائه یجوز فی صفته النصب لأنّ صفة المبنیّ إنّما تتبعه فی المحلّ ومحلّه النصب کما ذکرنا وباعتبار شبهه بالمعرب یجوز فی الصفة الرفع لأنّ صفة المعرب إنّما تتبعه فی اللفظ ، وأمّا فی الصفة المضافة فإنّما یجوز النصب لا غیر نحو : یا زیدُ صاحبَ عمروٍ ، لأنّ المنادی المضاف مع قربه من حرف النداء لا یجوز فیه غیر النصب فصفته المضافة تکون کذلک بل هی بطریق أولی لبعدها منه.

قال : واذا وصف المنادی بابن نظر فیه فإن وقع بین العلمین فتح المنادی نحو : یا زیدَ بن عمروٍ ، وإلّا فضمّ نحو : یا زیدُ ابن أخی ، ویا رجلُ ابن زیدٍ.

أقول : إذا وصف المنادی بلفظ «ابن» نظر فیه فإن وقع الابن بین العلمین بأن یکون قبله وبعده علم فتح المنادی أی بنی المنادی علی الفتح اختیاراً مع جواز الضمّ فیه کقولک : یا زیدُ بن عمروٍ.

وان لم یقع بین العلمین فضمّ المنادی أی یبنی علی الضمّ وجوباً وذلک بأن لا یکون بعده علم نحو : یا زَیْدُ ابْنَ أخی ، أو لا یکون قبله علم نحو : یا رجلُ ابن زید ، أو لا یکون قبله ولا بعده علم نحو : یا رجلُ ابن أخی ، وإنّما لم یذکره المصنّف لأنّه یعلم ممّا ذکره لأنّ انتفاء العلمیّة فی أحد الطرفین إذا کان موجباً للضمّ ففی کلا الطرفین بالطریق الأولی ، وإنّما

ص: 26

فعلوه کذلک لأنّ وصف المنادی بابن بین العلمین کثیر فی کلام العرب ، والفتحة خفیفة والکثرة تستدعی الخفّة فلذلک قیّد الوصف بابن بین العلمین فإنّ الوصف بغیر ابن أو ابن غیر واقع بین العلمین غیر کثیر فی کلامهم وحکم ابنة کحکم ابن فی ذلک نحو : یا هِنْدَ ابْنة زید ، ویا هِنْدُ ابنة أخی ، ویا امرأةُ ابْنةَ زید ، ویا امرأةُ ابْنَة أخی.

قال : ولیس فی یا أیّها الرجل إلّا الرفع.

أقول : لمّا ذکر جواز الرفع والنصب فی صفة المنادی المفرد المعرفة إذا کانت مفردة أراد أن یذکر أنّ أیّا إذا وقع منادی یکون بخلاف ذلک فإنّ صفته وإن کانت مفردة لا یجوز فیها إلّا الرفع فلذلک قال : ولیس فی یا أیّها الرجل إلّا الرفع یعنی فی الرجل وذلک لأنّ المقصود بالنداء هاهنا هو الرجل إلّا أنّهم لمّا کرهوا الجمع بین حرفی التعریف أعنی اللام وحرف النداء فأتوا بلفظة أیّ لتفصل بینهما وجعلوها منادی ثمّ حملوا الرجل علیها والتزموا رفعه لیدلّ علی أنّه هو المقصود بالنداء.

قال : وقد یحذف حرف النداء عن العلم المضموم والمضاف کقوله تعالی : «یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَ-ذَا» (1) و «فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ» (2).

أقول : لمّا ذکر المنادی أراد أن یشیر إلی جواز حذف حرف النداء ثمّ مثّلَ بمثالین ، المثال الأوّل قوله تعالی : «یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَ-ذَا» والمثال الثانی قوله تعالی : «فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» فإنّ تقدیرهما یا یوسف ویا فاطر السماوات وإنّما جاز الحذف منهما لأنّ العلم المضموم کثیر

ص: 27

الاستعمال والمضاف قد طال بالإضافة فیناسبهما التخفیف ، وقد یحذف أیضاً من أیّ ومَنْ. کقول الخطیب : أیّها الناس ، وقول العباد : مَنْ لا یزالُ مُحسناً أحْسِنْ إلَیَّ ، والتقدیر یا أیّها الناس ، ویا مَنْ لا یزال والمراد بمَنْ ، هو الله تعالی.

قال : ومن خصائص المنادی ، الترخیم إذا کان علماً غیر مضاف وزائداً علی ثلاثة أحرف نحو : یا حارِ ویا اسمَ ویا عُثْم ویا مَنْصُ.

أقول : لمّا فرغ من ذکر المنادی أراد أن یذکر بعض خصائصه وقال : ومنها الترخیم ، وهو حذف فی آخر المنادی للتخفیف ، والمنادی إنّما یرخّم إذا کان علماً لأنّه لو لم یکن علماً لم یعلم أنّه حذف شیء منه أم لا ، ویشترط أن یکون غیر مضاف لأنّه لو کان مضافاً فإمّا أن یحذف فیه من آخر المضاف أو من آخر المضاف إلیه والأوّل باطل لأنّ تمام المضاف بالمضاف إلیه فهو کالوسط ، والثانی کذلک لأنّه لیس بآخر المنادی ویشترط أیضاً أن یکون زائداً علی ثلاثة أحرف لأنّ الثلاثی لو رخّم بقی علی حرفین وذلک غیر جائز ومثاله یا حار فی یا حارث ، ویا أسْمَ فی یا أسْماء ویا عُثْمَ فی یا عثمان ویا مَنْصُ فی یا منصور.

واعلم أنّ العلمیّة والزیادة علی ثلاثة أحرف إنّما یشترطان فی المنادی الّذی لا یکون فیه تاء التأنیث وأمّا إذا کان فیه تاء التأنیث فیجوز ترخیمه وإن لم یکن علماً ولا زائداً علی ثلاثة أحرف نحو : یا عاذل ویا ثُبَ فی یا عاذلة ویا ثُبَة ، وإنّما مُثّل بمثالین أحدهما غیر علم إلّا أنّه زائد علی ثلاثة أحرف ، والآخر غیر علم وغیر زائد علی ثلاثة أحرف ، فإنّ الثبة فی اللغة : الجماعة فیقال : یا ثُبَة أقْبِل باعتبار القوم ، وأقْبِلی باعتبار الجماعة ، ویعلم من قوله : غیر مضاف أنّ المرکّب الغیر الإضافی قد یرخّم ویقال :

ص: 28

یا بَعْل فی بعلبکّ ، ولا یرخّم المستغاث لأنّ تطویل الصوت فیه مطلوب والحذف ینافیه.

بمعنی مَعَ ولذلک یسمّی بالمفعول مَعَه نحو : ما صنعت وأباک ؟ أی مع أبیک ، وما شأنک وزیداً ؟ أی مع زید ، ولا بدّ للمفعول معه من عامل یعمل فیه وهو إمّا فعل کالمثال الأوّل أو معنی الفعل کالمثال الثانی فإنّ معنی ما شأنک وزیداً ؟ أی ما تصنع مع زید ؟ فلذلک مثّل بمثالین.

أقول : حقّ الحال أن تکون نکرة لأنّها لو کانت معرفة لالتَبَسَتْ بالصفة فی مثل : ضربت زیداً الراکب ، وحقّ ذی الحال أن یکون معرفة لأنّه لو کانت نکرة لالتبست بها أیضاً فی مثل : ضربت رجلاً راکباً.

وإن تقدّم الحال علی ذی الحال جاز تنکیر ذی الحال نحو : جاءنی راکباً رجل لعدم الالتباس حینئذٍ فإنّ الصفة لا تتقدّم علی الموصوف.

واعلم أنّه لا بدّ للحال من عامل وهو إمّا فعل کما مرّ أو شبه فعل نحو : زید ضارب عمراً قائماً ، أو معنی فعل نحو : هذا عمرو قائماً ، فإنّ معناه اُشیر عمراً قائماً. وقد یحذف العامل إذا دلّ علیه قرینة کقولک للمرتحل : راشداً مهدیّاً أی اذهب راشداً مهدیّاً.

نحو : عندی منوان سمناً ، أو بنون شبه الجمع نحو : عندی عشرون درهماً ، أو بالإضافة نحو : عندی ملؤه عَسَلاً أی ملء الإناء عَسَلاً ، فإنّ راقود ومنوین وعشرین وملؤه مبهمة تحتمل أشیاء مختلفة وخلّاً وعسلاً ودرهماً وسمناً یرفع ذلک الإبهام ویمیّز المقصود عن غیره ولا بدّ للتمییز من عامل یعمل فیه وهو إمّا فعل نحو : طاب ، وإمّا اسم نحو : عشرون.

والتمییز لا یتقدّم علی عامله الاسم بالاتّفاق لضعف الاسم فی العمل فلا یقال : درهماً عشرون ، وفی تقدیمه علی عامله الفعل خلاف فبعضهم جوّزه لقوّة الفعل فی العمل متمسّکاً بقول الشاعر :

أتهْجَرُ لَیْلی بِالفَراقِ حَبیبَها***وَما کادَ نفساً بالفراقِ تَطیبُ (1)

فإنّ نفساً قد تقدّم علی تطیب والمختار عدم الجواز لأنّ الفعل وإن کان قویّاً فی العَمَل لکنّ المانع من التقدیم علیه موجود وهو أنّ التمییز فی الحقیقة فاعل کما ذکرناه والفاعل لا یتقدّم علی الفعل والجواب عن البیت أنّ الروایة الفصیحة وما کاد نفسی علی أنّ نفسی اسم کاد وتطیب خبره.

«بما خلا» أو «لیس» أو «لا یکون» نحو : جاءنی القوم ما عدا زیداً ، أو ما خلا زیداً ، أو لیس زیداً ، أو لا یکون زیداً ، وذلک واجب النصب لأنّ هذه الکلمات أفعال اُضمر فواعلها والتقدیر ما عدا أو ما خلا أو لیس أو لا یکون بعضهم زیداً ، وإمّا «بغیر» و «سوی» و «سَواء» نحو : جاءنی القوم غیر زیدٍ ، وسوی زیدٍ ، وسواء زیدٍ ، وذلک واجب الجرّ لأنّه مضاف إلیه ، وإمّا «بحاشا» و «خلا» و «عدا» و «لا سیّما» نحو : جاءنی القوم حاشا زیداً ، وخلا زیداً ، وعدا زیداً ، ولا سیّما زیداً ، وهذا یجوز فیه أنواع الإعراب ، أمّا فی حاشا وعدا وخلا فالرفع علی الفاعلیّة بناء علی أنّها أفعال لازمة وما بعدها فواعلها ، والنصب علی المفعولیّة بناء علی أنّها قد استعملت متعدّیة یقال حاشاک وعداک وخلاک أی تجاوزک والجرّ بناء علی أنّها حروف الجرّ.

وأمّا فی لا سیّما فالرفع علی أنّه مرکّب من لا وسیّ وما. والسیّ بمعنی المثل وأصله سِوْی بسکون الواو فقلبت الواو یاء وادغمت فیه فیکون «ما» بمعنی شیء واُضیف إلیه سیّ ویکون زید مرفوعاً علی أنّه خبر مبتدأ محذوف والتقدیر جاءنی القوم لا مثل شیء هو زید ، والنصب علی أنّ لا سیّما کلمة واحدة بمعنی إلّا فما بعدها مستثنی ، والجرّ علی أنّ ما زائدة وسیّ مضاف إلی زید ، والأوّل أعنی المستثنی بإلّا إمّا متّصل وهو المخرج من المتعدّد بإلّا وإمّا منقطع وهو المذکور بعد إلّا غیر مخرج من المتعدّد ، والمتّصل إمّا مقدّم علی المستثنی منه أعنی ذلک المتعدّد أو مؤخّر عنه ، والمؤخّر إمّا بعد کلام موجب أی غیر منفیّ أو بعد کلام غیر موجب أی منفیّ فهذه أربعة أقسام : المستثنی المتّصل المؤخّر بعد کلام موجب ، والمستثنی المؤخّر بعد کلام منفیّ ، والمستثنی المتّصل المقدّم بعد المنفیّ ، والمستثنی المنقطع ، ثلاثة منها واجب النصب وواحد منها مختار رفعه فقوله والمستثنی عطف علی قوله والتمییز والتقدیر الملحق به سبعة أضرب : الحال والتمییز والمستثنی والمعنی أنّ المستثنی المتّصل المؤخّر بعد کلام موجب نحو : جاءنی القوم إلّا زیداً یجب نصب

ص: 33

فقوله بإلّا احتراز عن المستثنی بحاشا وغیرها ممّا یجوز فیه غیر النصب ، وقوله بعد کلام موجب احتراز عن القسم الثانی الّذی أشار إلیه بقوله أو بعد کلام غیر موجب نحو : ما جاءنی أحد إلّا زیداً ، ویجوز فیه الرفع والنصب ونبّه بقوله وإن کان الفصیح هو البدل علی جواز النصب فیه مع أنّ الفصیح هو الرفع علی البدلیّة من أحد.

وإنّما قلنا إنّ المعنی المستثنی المتّصل المؤخّر بعد کلام موجب یجب نصبه لدلالة قوله بعد هذا والمستثنی المقدّم والمستثنی المنقطع علی ذلک ، وإنّما لم یجز الرفع فی الأوّل علی البدلیّة لأنَّ المبدل منه فی حکم السقوط کما سیجیء فلو رفع الأوّل علی البدلیّة لصار تقدیره جاءنی إلّا زید فیلزم مجیء العالم سوی زید وذلک محال بخلاف الثانی فإنّه یستقیم ذلک فیه إذ تقدیره ما جاءنی إلّا زید والمعنی ما جاءنی من العالم سوی زید وذلک ممکن.

قال : والمستثنی المقدّم نحو : ما جاءنی إلّا زیداً أحد ، والمستثنی المنقطع نحو : ما جاءنی أحد إلّا حماراً.

أقول : هذا هو القسم الثالث والرابع ، ولا یجوز فیهما البدل أمّا فی الأوّل فلعدم جواز تقدّم البدل علی المبدل منه وأمّا فی الثانی فلعدم الجنسیّة بین أحد وحمار ، وإنّما أتی بمثالین فی النفی لیعلم أنّ امتناع البدل فی موجبهما بالطریق الأولی لأنّه إذا کان تقدّم المستثنی وانقطاعه مانعین من البدلیّة مَعَ النفی الّذی هو شرطها فمع الإیجاب یکون بطریق أولی.

قال : وحکم غیر کحکم الاسم الواقع بعد إلّا تقول : جاءنی القوم غیر زید وما جاءنی أحد غیرَ زید وغیرُ زید.

أقول : قد عرفت أنّ المستثنی بغیر واجب الجرّ وأمّا نفس غیر فحکمه حکم الاسم

ص: 34

الواقع بعد إلّا ففی کلّ موضع کان المستثنی بإلّا واجب النصب یکون غیر واجب النصب أیضاً وحیثما کان جائز النصب یکون غیر کذلک فتقول : جاءنی القوم غیر زید ( بالنصب ) کما قلت : جاءنی القوم إلّا زیداً ، وتقول : ما جاءنی أحد غیرَ زید وغیرُ زید ( بالنصب والرفع ) کما قلت : ما جاءنی أحد إلّا زیداً وإلّا زیدٌ ، وتقول : ما جاءنی غیر زید أحد ( بالنصب ) کما قلت : ما جاءنی إلّا زیداً أحد ، وتقول : ما جاءنی أحد غیر حمار ( بالنصب ) أیضاً کما قلت : ما جاءنی أحد إلّا حماراً.

للمضاف نحو : خیر فی لا خیراً منک عندنا ، وإنّما اُلحق بالمفعول لأنّ لا بمعنی أنفی فما بعدها فی معنی المفعول.

قال : وأمّا المفرد فمفتوح نحو : لا غلام لک عندنا.

أقول : اسم لا لنفی الجنس إنّما یکون منصوباً إذا کان مضافاً أو مضارعاً له کما مرّ ، وأمّا المفرد أعنی غیر المضاف والمضارع له فمفتوح أی یجب أن یبنی علی الفتح نحو : لا غلام لک. أمّا البناء فلأنّه جواب عن سؤال مقدّر کأنّ سائلاً قال : هل من غلام لی عندک ؟ فقیل فی جوابه : لا غلام لک عندنا ، وکان من الواجب أن یقال : لا من غلام لک عندنا ، بزیادة مِنْ لیطابق السؤال الجواب لکنّهم حذفوها من الواجب بقرینة السؤال فتضمّنها الجواب واحتاج إلیها وأشبه بذلک الحرف وأمّا البناء علی الحرکة فللفرق بین البناء اللازم والعارض ، وأمّا البناء علی الفتح فلخفّة الفتحة ، وقد یحذف اسم لا إذا کان معلوماً نحو : لا عَلَیْک أی لا بأس علیک.

قال : وإذا تقدّم الخبر أو انتقض النفی بإلّا فالرفع لازم نحو : ما منطلقٌ زیدٌ ، وما زیدٌ إلّا منطلقٌ.

أقول : إذا تقدّم خبر ( ما ولا ) علی اسمهما أو انتقض نفیهما بإلّا - بأن یقع خبرهما بعد إلّا - بطل عملهما فالرفع لازم نحو : ما منطلقٌ زیدٌ ، وما زیدٌ إلّا منطلقٌ ، ولا یجوز نصب منطلق لأنّ ( ما ولا ) إنّما عملتا لمشابهتهما بلیس من جهة النفی فیبطل عملهما بتقدیم الخبر علی الاسم لضعفهما فی العمل وکذا بانتقاض نفیهما بإلّا لانتفاء وجه الشبه بینهما وبین لیس حینئذٍ وکذلک یبطل عمل «ما» بزیادة «إن» معها نحو : ما إن زید منطلق لضعفها فی العمل بالفاصلة.

فضّة ، وثوبُ قطنٍ أی ثوب من قطن وقد تکون بمعنی «فی» وذلک إذا کان المضاف إلیه ظرف المضاف نحو : ضرب الیوم أی ضرب فی الیوم ، وکقوله تعالی : «بَلْ مَکْرُ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ» (1) أی مکر فی اللیل والنهار ، ولم یتعرّض لها لقلّتها.

قال : ولفظیّة وهی إضافة اسم الفاعل إلی معموله نحو : ضارب زید ، أو الصفة المشبّهة إلی فاعلها ، کقولک : حَسَن الوجه.

أقول : یعنی بالمعمول المفعول الّذی لو لم یکن مجروراً بالإضافة لکان منصوباً علی المفعولیّة وذلک إنّما یکون إذا کان اسم الفاعل عاملاً بأن یکون بمعنی الحال أو الاستقبال نحو : زید ضارب عمرو الآن أو غداً ، فإنّ عمراً هاهنا لو لم یکن مجروراً بالإضافة لکان منصوباً علی المفعولیّة ، وأمّا إذا لم یکن عاملاً بأن کان بمعنی الماضی نحو : زید ضارب عمرو أمْس فلا یکون الإضافة حینئذٍ لفظیّة بل معنویّة لأنّ اسم الفاعل لا یعمل النصب إذا کان بمعنی الماضی کما سیجیء ، ومن الإضافة اللفظیّة اضافة اسم المفعول إلی معموله نحو : زید معمور الدار ، ذکره المصنّف فی المفصّل.

قال : ولا بدّ فی المعنویّة من تجرید المضاف عن التعریف.

أقول : ولا بدّ من أن یکون المضاف فی الإضافة المعنویّة نکرة لأنّ الغرض منها إمّا تعریف المضاف وذلک إذا کان المضاف إلیه معرفة أو تخصیصه وذلک إذا کان المضاف إلیه نکرة ، فالمضاف إذا کان معرفة فأمّا یضاف إلی معرفة أو إلی نکرة فالأوّل یستلزم اجتماع التعریفین : التعریف الذاتی

ص: 38

والمکتسب من المضاف إلیه ، والثانی یستلزم تخصیص الأخصّ بالأعمّ وهو محال فلا یقال : الغلام زید ، ولا الغلام رجل ، ولا الخاتم فضّة ، ولا الضرب الیوم.

والکوفیّون جوّزوا ذلک فی أسماء العدد نحو : الثلاثة الأثواب ، والخمسة الدراهم ، وهو ضعیف لخروجه عن القیاس واستعمال الفصحاء.

قال : وتقول فی اللفظیّة الضاربا زید ، والضاربو زید ، والضارب الرجل ، ولا یجوز الضارب زید.

أقول : لمّا شرط تجرید المضاف عن التعریف فی الإضافة المعنویّة أراد أن یذکر أنّه لا یشترط فی اللفظیّة لأنّ الغرض منها التخفیف وهو یحصل مَعَ تعریف المضاف وتنکیره ، فتقول : الضاربا زید ، والضاربو زید ، لحصول التخفیف فیهما بحذف النون وتقول أیضاً : الضارب الرجل ، لأنّه یشبه قولنا : الحَسَن الوجه من حیث أنّ المضاف فی الصورتین صفة معرّفة باللام والمضاف إلیه أیضاً معرّف باللام ، ولا یجوز أن یقال : الضارب زید لانتفاء هذه المشابهة مَع عدم التخفیف ، وإنّما یجوز الحَسَن الوجه لأنّ أصله الحَسَن وَجْهِهِ فحذف الضمیر وجیء باللام ففیه نوع خفّة لأنّ الضمیر اسم والألف واللام حرف ولا شکّ أنّ الحرف أخفّ من الاسم.

قال : والمعنویّة تعرّف کلّ مضاف إلی معرفة إلّا نحو : «غیر» و «مثل» و «شبه» تقول : مررت برجل غیرِک ومثلِک وشِبْهِک.

أقول : الإضافة المعنویّة تجعل کلّ مضاف إلی المعرفة معرفة نحو : غلام زید ، فإنّ الغلام قبل الإضافة نکرة عامّة وبعدها یصیر معرفة خاصّة إلّا نحو : غیر ومثل وشبه من الأسماء الّتی توغّلت فی الإبهام فإنّها لا تصیر معرفة

ص: 39

بالإضافة إلی المعرفة لأنّها لا تختصّ بسببها فإنّک تقول : جاءنی رجل غیر زید ، ولم یعلم أن من هو غیر زید أیّ رجل من الرجال والدلیل علی أنّ هذه الأسماء لا تصیر معرفة بالإضافة إلی المعرفة أنّها تقع صفة للنکرة مَعَ وجود هذه الإضافة فإنّک تقول : مررت برجل غیرک ومثلک وشبهک.

قال : وقد یحذف المضاف ویقام المضاف إلیه مقامه کما فی قوله تعالی : «وَاسْأَلِ الْقَرْیَةَ» (1).

أقول : یجوز أن یحذف المضاف ویقام المضاف إلیه مقامه أی یعرب بإعرابه إذا دلّ علیه قرینة کما فی الآیة فإنّ قوله تعالی : «وَاسْأَلِ الْقَرْیَةَ» یدلّ علی أنّ المضاف محذوف والتقدیر وَاسْئل أهلَ القریة لأنّ السؤال من القریة غیر معقول وأمّا إذا لم یدلّ علیه قرینة فلا یجوز حذفه فلا یقال : رأیت هنداً ، إذا کان المراد غلام هند.

ضَرَبَنی إلّا أنْتَ أنْتَ ، ومررت بک أنْتَ.

والمعنویّ إنّما یکون بألفاظ مخصوصة وهی : النفس ، والعین ، وکلا ، وکلتا ، وکلّ ، وأجمع ، وأکتع ، وأبتع ، وأبصع. فالأوّلان أعنی النفس والعین إنّما یؤکّد بهما المفرد والمثنّی والمجموع من المذکّر والمؤنّث ویمیّز بین نوع ونوع آخر باختلاف صیغتهما وضمیرهما نحو : جاءنی زید نفسه وعینه ، وهند نفسها وعینها ، والزیدان أنفسهما وأعینهما ، والهندان أنفسهما وأعینهما ، والزیدون أنفسهم وأعینهم ، والهندات أنفسهنّ وأعینهنّ.

وإنّما جمعت الصیغة فی المثنّی لأنّها مضافة إلی ضمیر التثنیة والمثنّی إذا اُضیف إلی مثله یجوز أن یجمع للأمن عن اللبس کقوله تعالی : «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُکُمَا» (1).

والثالث والرابع أعنی کلا وکلتا ، لا یؤکّد بهما إلّا المثنّی فیقال : جاءنی الرجلان کلاهما والمرأتان کلتاهما.

والبواقی إنّما یؤکّد بها غیر المثنّی أعنی المفرد والمجموع من المذکّر والمؤنّث ، ویمیّز فی کلّ باختلاف الضمیر نحو : اشتریت العبد کلّه والجاریة کلّها ، وجاءنی القوم کلّهم والنسوة کلّهنّ ، وفی البواقی باختلاف الصیغة نحو : اشتریت العبد أجمع أکتع أبتع أبصع ، والجاریة جمعاء کتعاء بتعاء بصعاء ، وجاءنی القوم أجمعون أکتعون أبتعون أبصعون ، والنسوة جُمَع کُتعِ بُتَع بُصَعْ ، وإنّما لم یذکر المصنّف التأکید اللفظیّ لأنّ التأکید الحقیقی هُو المعنویّ ، وإنّما ذکر من الفاظ المعنویّ بعضها للاختصار واکتفی بالنفس عن العین لاشتراکهما فی جمیع الأحکام وبکلا عن کلتا لاشتراکهما فی تأکید التثنیة وذکر کُلّاً لاختصاصه باختلاف الضمیر من بین أخواته

ص: 41

واکتفی بأجمعین عن بقیّة الألفاظ لاشتراکهما فی جمیع الأحکام وقوله : لا یؤکّد به النکرات ، یعنی بالتأکید المعنویّ لأنّ البحث فیه وسببه أنّ هذه الألفاظ معرفة فلو وقعت تأکیداً للنکرة لتناقض الکلام إذ المؤکَّد حینئذٍ یقتضی العموم والمؤکِّد الخصوص.

واعلم أنّ أکتع وأبتع وأبصع کلّها بمعنی أجمع ، وأنّها لا تذکر بدون أجمع إلّا علی ضعف ، ولا تقدّم علیه وفائدة التأکید أمن المتکلّم عن فوات مقصُوده ، أمّا فی اللفظیّ فلأنّه إذا قال : جاءنی زیدٌ مثلاً فربّما لا یسمعه المخاطب أوّل مرّةٍ فیفوت مقصوده فإذا اُکّد أمن عن ذلک ، وأمّا فی المعنویّ فلأنّه إذا قال : مررت بزید مثلاً فربّما بتوهّم السامع أنّه إنّما مرّ بمنزله ، وقال مررت بزید مجازاً ، فإذا أکّده بنفسه یعلم أنّه أراد الحقیقة لا المجاز ویحصل المقصود به.

قال : وتوصیف النکرات بالجمل نحو : مررت برجل وجهه حَسَنٌ ، ورأیت رجلاً أعجبنی کَرَمهُ.

أقول : یجوز وصف النکرة بالجملة الاسمیة نحو : مررت برجلٍ وجهه حَسَنٌ فإنّ وجهه حَسَنٌ مبتدأ وخبر صفة لرجل ، أو الفعلیّة نحو : رأیت رجلاً أعجبنی کرمه ، فإنّ أعجبنی کرمه فعل وفاعل ومفعول صفة لرجل ، أو الشرطیة نحو : أو الشرطیة نحو : مررت برجل إن قام أبوه قمتُ ، أو الظرفیّة نحو : مررت برجل فی الدار أبُوه ، ویشترط أن یکون الجملة خبریّة أی محتملة للصدق والکذب لأنّ الصفة فی الحقیقة خبر عن الموصوف وإنّما لم یتعرّض المصنّف لذلک اعتماداً علی المثال ولا یجوز وصف المعارف بالجمل لأنّ الجملة نکرة والصفة یجب أن تکون موافقة للموصوف فی التعریف والتنکیر ولا بدّ فی الجملة الواقعة صفة من ضمیر یرجع إلی الموصوف کهاء وجهه وکرمه.

قال : والصفة توافق الموصوف فی إعرابه وإفراده وتثنیته وجمعه وتعریفه وتنکیره وتذکیره وتأنیثه.

أقول : الصفة إمّا فعل الموصوف أو فعل مسبّبه ، والثانی سیجیء ، والأوّل یجب أن یوافق الموصوف فی عشرة أشیاء وهی الّتی ذکرت فی الکتاب أی إذا وجد شیء منها فی الموصوف یجب أن یوجد فی الصفة أیضاً ، وهذه العشرة بعضها ممکن الاجتماع وبعضها غیر ممکن الاجتماع أمّا الثانی فکالإعراب الثلاثة فإنّه لا یمکن أن یجتمع بعضه مع البعض الآخر ، وکالإفراد والتثنیة والجمع فإنّه لا یمکن أیضاً أن یجتمع بعض هذه الثلاثة مع البعض الآخر ، وکالتعریف والتنکیر والتذکیر والتأنیث فإنّه لا یمکن أیضاً أن یوجد إلّا واحد من المتقابلین. وأمّا الأوّل أعنی ممکن الاجتماع

ص: 43

فینتهی إلی أربعة ، واحد من الإعراب الثلاثة وواحد من الإفراد والتثنیة والجمع ، وواحد من التعریف والتنکیر ، وواحد من التذکیر والتأنیث نحو : جاءنی رجلٌ عالمٌ فإنّ الصفة والموصوف متوافقان فی أربعة أشیاء من العشرة : الإعراب والتنکیر والإفراد والتذکیر ، وإذا قیل : رأیت رجلاً ، أو مررت برجل ، فالواجب عالماً أو عالمٍ ، وإذا قیل : رجلان أو رجالٍ فالواجب عالمان أو عالمون ، وإذا قیل : الرجل فالواجب العالم ، وإذا قیل : امرأة فالواجب عالمة وعلی هذا القیاس.

قال : ویوصف الشیء بفعل ما هو من مسبّبه نحو : مررت برجل منیع جاره ورحب فِناؤه ومؤدّب خدّامه.

أقول : هذا هو القسم الثانی من قسمی الصفة أعنی صفة الشیء بفعل مسبّبه أی یوصف الشیء بفعل شیء آخر یکون ذلک الشیء أعنی الشیء الثانی حاصلاً بسبب الشیء الأوّل نحو : مررت برجل منیع جاره أی مانع جاره ، ورحب أی واسع فناؤه ، ومؤدّب خدّامه فإنّ المنع والوسعة والتأدیب لیس شیء منها فعلا لرجل وإنّما هی أفعال جاره وفناؤه وخدّامه إلّا أنّ الجار والفناء والخدّام لمّا کانت متعلّقة به مضافة إلی ضمیره صار کلّ من الثلاثة مسبّباً له لأنّه إذا تعلّق شیء بشیء فالمتعلّق به یکون سبباً للمتعلّق ولذلک لا یقال : مررت برجل منیع جارک لانتفاء التعلّق الحاصل بالإضافة فلمّا کان کذلک نزّل فعل المتعلّق بمنزلة فعل المتعلّق به وجُعِل وصفا له فهو فی اللفظ صفة المتعلّق به وفی المعنی صفة للمتعلّق ولذلک وجب أن یوافق الموصوف اللفظیّ وهو المتعلّق به فی الأحکام اللفظیّة أعنی الخمسة الاُول من العشرة وهی : الرفع والنصب والجرّ والتنکیر والتعریف دون الأحکام المعنویّة أعنی الخمسة الباقیة وهی :

ص: 44

الإفراد والتثنیة والجمع والتذکیر والتأنیث فإنّه توافق فیها الموصوف المعنویّ وهو المتعلّق فیقال : جاءنی رجُل حسن غلامه ، ورأیت رَجلاً حسناً غلامه ، ومررت برجل حسن غلامه ، وجاءنی الرجل الحَسَن غلامه ، ورأیت الرجل الحسن غلامه ، ومررت بالرجل الحَسَن غلامه ، فیوافق الوصف أعنی حَسَناً والحَسَن الموصوف اللفظیّ أعنی رجُلاً والرجل فی الإعراب الثلاثة والتعریف والتنکیر ، ولا یوافقه فی الإفراد والتثنیة والجمع والتذکیر والتأنیث بل یعتبر حکمه فی ذلک بالقیاس إلی ما بعده فیکون حکمه کحکم الفعل مع فاعله لأنّ ما بعده فاعله فإن کان ما بعده مقتضیاً للإفراد أو التثنیة أو الجمع أو التذکیر أو التأنیث فعل به ذلک نحو : مررت برجل حَسَنةٍ جاریته ، ونحو : مررت برجلین حسنة جاریتهما ، ومررت برجالٍ حَسَنةٍ جاریتهم مثلاً کما سیتحقّق إن شاء الله تعالی.

وفائدة البدل رفع اللبس فإنّک إذا قلت : ضربت زیداً مثلاً یحتمل أنّک ضربت رأسه أو غیر رأسه ، وإذا ذکرت رأسه رفعت اللبس ، وتحقیقه أن یذکر اسم أوّلاً ثمّ یذکر اسم آخر ویجعل الأوّل فی حکم الساقط لیحصل البیان الّذی لا یحصل بدون ذلک ، ویجب أن یکون فی بدل البعض والاشتمال ضمیر یرجع إلی المبدل منه لیرتبطا معاً کما عرفت فی المثال.

قال : وتبدل النکرة من المعرفة وعلی العکس ویشترط فی النکرة المبدلة من المعرفة أن تکون موصوفة.

أقول : یجوز أن یبدل النکرة من المعرفة والمعرفة من النکرة فالبدل والمبدل منه إذاً یکونان علی أربعة أقسام لأنّهما إمّا أن یکونا معرفتین نحو : رأیت زیداً أخاک أو نکرتین نحو : رأیت رجلاً أخاً لک أو یکون البدل معرفة والمبدل منه نکرة نحو : رأیت رجلاً أخاک أو علی العکس نحو قوله تعالی : «بِالنَّاصِیَةِ نَاصِیَةٍ کَاذِبَةٍ» (1) ویشترط فی هذا القسم أعنی فی النکرة المبدلة من المعرفة أن تکون موصوفة مثل ناصیة فإنّها وصِفَت بکاذبة وذلک لأنّ الأصل فی الکلام هو البدل فلو کان نکرة غیر موصوفة والمبدل منه معرفة لکان للفرع مزیّة علی الأصل. ویبدل أیضاً الظاهر من الضمیر وعلی العکس فیحصل بحسب ذلک أربعة أقسام اُخر وأنا أذکر أمثلة بدل الکلّ من الکلّ کما فی أقسام المعرفة والنکرة فعلیک باستخراج أمثلة سائر الأبدال فالظاهر من الظاهر قد عرفت والضمیر من الضمیر نحو : زید ضربته إیّاه ، والظاهر من الضمیر نحو : زید ضربته أخاک ، وعکسه نحو : ضربت زیداً إیّاه.

ص: 46

اللغة المثبت ، ویسمّی المبنیّ المصطلح مبنیّاً لثباته علی حالة واحدة مَعَ اختلاف عامله.

قال : وسبب بنائه مناسبة غیر المتمکّن.

أقول : سبب بناء المبنیّ مناسبته لغیر المتمکّن أعنی الحرف والماضی والأمر بالصیغة نحو : «صَهْ ، واُفّ ، ورُوَیْد» فإنّ صَهْ یناسب الحرف کَقَدْ من حیث الصیغة ، واُفّ یناسب الماضی من حیث المعنی لأنّ معناه تضجّرت ، وروید یناسب الأمرَ من جهة المعنی أیضاً لأنّه بمعنی أمهل.

قال : فمنه المضمرات وهی علی ضربین : متّصل نحو : أخوک ، وضَرَبک ، ومَرَّ بِکَ وداره ، وثوبی ، وثوبنا ، وضَرَبا ، وضَرَبُوا ، وضَرَبْنَ ، وضَرَبْتُ ، وضَرَبْنا ، وکذلک المستکن فی زید ضَرَبَ ، وأفعل ، ونفعل ، وتفعل ، ویفعل. ومنفصل نحو : هو ، وهی ، وأنا ، وأنت ، ونحن ، وإیّاک.

أقول : بعض المبنیّ المضمرات ، وبنیت لمناسبة بعضها الحرف فی الصیغة فحمل الباقی علیه ، والمُضمرات علی ضربین : ضرب متّصل ، أعنی الّذی لا یمکن أن یتلفّظ به وحده ، وهو إمّا مجرور بالإضافة مخاطب نحو : أخوک ، أخوکما ، أخوکم ، أخوکِ ، أخوکما ، أخوکنّ. وإمّا منصوب مخاطب نحو : ضَرَبَکَ ، وضَرَبَکُما ، ضَرَبَکُمْ ، ضَرَبَکِ ، ضَرَبَکُما ، ضَرَبَکُنّ. أو غائب نحو : ضَرَبَه ، ضَرَبَهُما ، ضَرَبَهُمْ ، ضَرَبها ، ضَرَبَهُما ، ضَرَبَهُنَّ. أو متکلّم نحو : ضَرَبَنی ، ضَرَبَنا. وإمّا مجرور بحرف الجرّ مخاطب نحو : مَرَّ بِکَ ، مَرَّ بکما ، مرَّ بکُمْ ، مَرَّ بِکِ ، مَرَّ بکُما ، مَرَّ بکُنَّ. أو غائب نحو : بِهِ ، بِهِما ، بِهِم ، بها ، بِهِما ، بِهِنَّ. أو متکلّم نحو : بی بِنا.

ص: 48

وإمّا مجرور بالإضافة غائب نحو : دارُهُ ، دارهُما ، دارهم ، دارها ، دارهما ، دارهنّ. وإمّا مجرور بالإضافة متکلّم نحو : ثوبی ، ثوبنا. وإمّا مرفوع بارز متّصل نحو : ضَرَبا ، ضَرَبُوا ، ضَرَبَتا ، ضَرَبْنَ ، ضَرَبْتَ ، ضَرَبْتُما ، ضَرَبْتُمْ ، ضَرَبْتِ ، ضَرَبْتُما ، ضَرَبْتُنَّ ، ضَرَبْتُ ، ضَرَبْنا.

وکذلک المستکن أی المستتر فإنّه أیضاً متّصل کهو فی زید ضَرَبَ ، وأنا فی أفعل ، ونحن فی نفعل ، وأنت فی تفعل إذا کان مخاطباً ، وهی فیه إذا کان غائبة ، وهو فی یفعل.

وضرب منفصل أعنی الّذی یمکن أن یتلفّظ به وحده نحو : هُوَ ، هُما ، هُم ، هِیَ ، هُما ، هُنّ ، أنت ، أنتما ، أنتم ، أنتِ ، أنتما ، أنتنّ ، أنا ، نحن ، إیّاک ، إیّاکما ، إیّاکم ، إیّاکِ ، إیّاکُما ، إیّاکُنَّ ، إیّای ، إیّانا ، إیّاهُ ، إیّاهما ، إیّاهم ، إیّاها ، إیّاهما ، إیّاهُنّ.

قال : ومنه أسماء الإشارة نحو : ذا ، وتا ، وتی ، وته ، وذی ، وذهی ، وذه ، واُولاء.

أقول : وبعض المبنیّ أسماء الإشارة نحو : ذا للمفرد المذکّر العاقل وغیره ، وذان وذین لمثنّاه فی الرفع وغیره ، وتا وتی وته وذی وذهی وذه للمفرد المؤنّث العاقلة وغیرها ، وتان وتین لمثنّاها فی الرفع وغیره ، ولا یثنّی غیر ذا وتا. واُولاء بالمدّ والقصر لجمعهما ، وإنّما بنیت أسماء الإشارة لمناسبتها بالحروف إمّا من جهة الاحتیاج إلی مشار إلیه وذلک فی الجمیع وإمّا من جهة أنّ وضع بعضها وضع الحروف فحمل الباقی علیه.

قال : ویلحق بأوائلها حرف التنبیه نحو : هذا ، وهاتا ، وهذه ، وهؤلاء. ویتّصل بأواخرها کاف الخطاب نحو : ذاک ، وتاک ، واُولئک.

ص: 49

أقول : ویلحق بأوائل أسماء الإشارة حرف التنبیه أعنی هاء التنبیه لتنبیه المخاطب لئلّا یفوت غرض المتکلّم نحو : هذا ، وهذان ، وهذین ، وهاتا ، وهاتان ، وهاتین ، وهاتی ، وهاته ، وهذی ، وهذه ، وهؤلاء. ویتّصل بأواخر أسماء الإشارة کاف الخطاب لیعلم أنّ المخاطب أیّ جنس من المذکّر والمؤنّث والمفرد وغیره نحو : ذاک ، ذاکما ، ذاکم ، ذاکِ ، ذاکما ، ذاکنّ ، وکذلک ذانک ، وذینک ، وتاک ، تاکما ، تاکم ، تاکِ ، تاکما ، تاکنّ ، وتانک ، وتینک ، واُولئک ، وإذا قیل ذاک فیکون الإشارة والخطاب کلاهما إلی المفرد المذکّر ، وإذا قیل ذانک تصیر الإشارة إلی تثنیة المذکّر والخطاب بحاله إلی مفرد مذکّر ، وإذا قیل ذاکما ینعکس ، وإذا قیل تاک تکون الإشارة إلی المفرد المؤنّث والخطاب إلی المفرد المذکّر ، وإذا قیل ذاکِ ( یکسر الکاف ) ینعکس ، وإذا عرفت ذلک فقس الباقی علیه ، ویقال ذا للقریب ، وذاک للمتوسّط ، وذلک للبعید.

قال : ومنه الموصولات نحو : الّذی ، واللّذان ، واللّذَیْن ، والّذین ، والّتی ، واللّتان ، واللّتینِ ، واللاتی ، واللات ، واللائی ، واللاء ، واللای ، واللواتی ، ومن ، وما ، وأیّ ، وأیّة.

أقول : وبعض المبنیّ الموصولات نحو : الّذی للمفرد المذکّر عاقلاً وغیره ، وتثنیته اللذان فی الرفع واللذینِ فی النصب والجرّ ، وجمعه الّذین فی الأحوال الثلاثة ، والّتی للمفرد المؤنّث عاقلة أو غیرها وتثنیتها اللتان واللتَیْنِ ، وجمعها اللاتی بالیاء الساکنة بعد التاء ، واللاتِ بالتاء المکسورة ، واللائی بالیاء الساکنة بعد الهمزة المکسورة ، واللاءِ بالهمزة المکسورة ، واللای بالیاء المکسورة ، واللواتی بالواو المفتوحة والألف الساکنة والتاء المکسورة

ص: 50

وبعدها یاء ساکنة ، و «ما» بمعنی الّذی أو الّتی غیر عاقل غالباً ، و «من» بمعنی الّذی أو الّتی أو الّذین أو اللاتی عاقلاً غالباً ، و «أی» للمفرد المذکّر ، و «أیّة» للمفرد المؤنّث.

وإنّما بنیت الموصولات لاحتیاجها إلی الصلة کما سیجیء ، ومن الموصولات «ذو» بمعنی الّذی أو الّتی فی لغة طیّ کقولهم : جاءنی ذو قام وقامتْ ، و «ذا» بعد ما الاستفهامیّة بمعنی الّذی أو الّتی نحو : ماذا صَنَعْتَ ؟ أی أیّ شیء الّذی صَنَعْتَ ؟ أو أیّ شیء الّتی صَنَعْتَ ؟ ومنها الألف واللام فی اسم الفاعل والمفعول نحو : «الزَّانِیَةُ وَالزَّانِی» (1) أی الّتی زَنَتْ ، والّذی زَنی ، والمصنّف لم یذکر هذه الثلاثة اقتصاراً علی ما هو أکثر استعمالاً.

قال : والموصول ما لا بدّ له من جملة تقع صلة له ومن ضمیر یعود إلیه نحو : جاءنی الّذی أبوه منطلق ، أو ذهب أخوه ومَنْ عَرَفْته وما طَلَبْتَه.

أقول : الموصول اسم لا بدّ له من جملة تقع تلک الجملة صلة لذلک الاسم وتلک الجملة إمّا اسمیّة کأبوه منطلق فی نحو : جاءنی الّذی أبوه منطلق. وإمّا فعلیّة کذهب أخوه فی نحو : جاءنی الّذی ذَهَبَ أخوه ، وکعرفته فی من عرفته ، وکطلبته فی ما طلبته. وإنّما احتاجت الموصولات إلی الصلة لأنّها مبهمة فی أصل وضعها ولذلک سمّیت مبهمات فلا بدّ لها من جملة توضحها وسمّیت تلک الجملة صلة لاتّصالها بالموصولات.

وسمّیت الموصولات موصولات لاتّصال الصلة بها وصلة الألف واللام لا تکون إلّا اسم الفاعل أو اسم المفعول کما مرّ ، ولا بدّ فی الصلة من

ص: 51

ضمیر یعود إلی الموصول لیربط الصلة بالموصول ویسمّی عائداً کما عرفت ، وقد یحذف إذا کان معلوماً کقوله تعالی : «اللَّ-هُ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن یَشَاءُ» (1) أی یَشاءُهُ.

قال : ومنه أسماء الأفعال ، کرُوَیْدَ زیداً ، و «هَلُمَّ شُهَدَاءَکُمُ» (2) وحَیَّهَل الثرید ، وهیهات ذاک ، وشتّان ما بینهما ، واُفّ ، وصَهْ ، ومَهْ ، ودونک ، وعلیک.

أقول : وبعض المبنیّ أسماء الأفعال أی أسماء بمعنی الأفعال وهی کثیرة والمصنّف لم یذکر إلّا المشهورة منها وذلک إمّا بمعنی الأمر أو الماضی أو المضارع. والّذی بمعنی الأمر إمّا متعدّ أو لازم. والمتعدّی إمّا مفرد أو مرکب. والمرکّب إمّا آخره کاف الخطاب أو غیرها. والّذی آخره کاف الخطاب إمّا أوّله اسم أو حرف. والّذی آخره غیر کاف الخطاب إمّا حذف منه شیء بالترکیب أو لا. واللازم إمّا اشتقّ منه فعل أو لا. والّذی بمعنی الماضی إمّا جُوّز فی آخره غیر الفتح أو لا. والّذی بمعنی المضارع لفظة واحدة فهذه عشرة أقسام : الأوّل : المتعدّی المفرد الّذی بمعنی الأمر کَرُوَیْد زیداً أی أمهله.

الثانی : المتعدّی المرکّب الّذی حذف منه شیء بمعنی الأمر وآخره غیر کاف الخطاب کهَلُمَّ شهَدَآءَکُم أی قرّبوهم فإنّه مرکّب من هاء التنبیه بعد حذف ألفها مع لُمَّ.

الثالث : المتعدّی المرکّب بلا حذف شیء منه الّذی بمعنی الأمر وآخره غیر کاف الخطاب کحَیّهل الثرید أی إئته فإنّه مرکّب من حیّ وهل.

ص: 52

الرابع : الّذی بمعنی الماضی مع جواز غیر الفتح فی آخره کهیهات ذاک أی بَعُد فإنّه یجوز فی تائه الحرکات الثلاث.

الخامس : الّذی بمعنی الماضی بلا جواز غیر الفتح فی آخره کشتّان ما بینهما أی افترقا فإنّه لا یجوز فی نونه غیر الفتح.

السادس : الّذی بمعنی المضارع کاُفّ أی أتضجّر.

السابع : اللازم الّذی بمعنی الأمر مع اشتقاق الفعل منه کمَهْ أی اکفف فإنّه یقال مَهْمَهْتُ به أی زجرته.

الثامن : اللازم الّذی بمعنی الأمر بلا اشتقاق الفعل منه کصَهْ أی اسکت.

التاسع : المتعدّی بمعنی الأمر المرکّب الّذی آخره الکاف وأوّله اسم کدُونک زیداً أی خذه.

العاشر : المتعدّی بمعنی الأمر المرکّب الّذی آخره الکاف وأوّله حرف کعلیک زیداً أی الزمه ، وإنّما بنیت أسماء الأفعال لأنّ وضع بعضها وضع الحرف فحمل الباقی علیه.

قال : ومنه بعض الظروف نحو : إذ ، وإذا ، ومتی ، وإیّان ، وقبل ، وبعد.

أقول : وبعض المبنیّ بعض الظروف ، وإنّما قیّد بالبعض لأنّ أکثر الظروف مُعربة فمن المبنی ما ذکره المصنّف وذلک نحو : «إذ» وهی للزمان الماضی ویقع بعدها الجملتان نحو : اجْلِسْ إذ جَلَسَ زید ، وإذ زید جالس ، وإنّما بنیت لأنّ وضعها وضع الحروف.

و «إذا» وهی للمستقبل ولا یقع بعدها إلّا الجملة الفعلیّة علی مذهب

ص: 53

المصنّف کقوله تعالی : «وَاللَّیْلِ إِذَا یَغْشَی» (1) وبنیت لاحتیاجها إلی الجملة الّتی تضاف إلیها.

و «متی» وهی إمّا للاستفهام نحو : متی القتال ؟ أو للشرط نحو : مَتی تَأتِنی اُکرمک. وبنیت لتضمّنها معنی همزة الاستفهام أو إن الشرطیّة.

و «أیّان» وهی للاستفهام نحو قوله تعالی : «أَیَّانَ یَوْمُ الدِّینِ» (2) وبنیت لتضمّنها معنی همزة الاستفهام والجهات الستّ أعنی قبل ، وبعد ، وفوق ، وتحت ، ویمین ، ویسار ، وما فی معناها من نحو : قدّام ، وخلف ، ووراء ، وأعلی ، وأسفل ، وأمام ، وهی لا تخلو من أن تکون مضافة أو مقطُوعة عن الإضافة فإن کانت مُضافة کانت معربة إمّا منصوبة نحو : جئتک قبل زید ، أو مجرورة نحو : جئتک من قبل زید. وإن کانت مقطوعة عن الإضافة فلا تخلو من أن یکون المضاف إلیه منویّاً أو منسیّاً فإن کان منسیّاً کانت معربة أیضاً کقول الشاعر :

فَساغَ لِی الشراب وَکُنْتُ قَبْلاً***أکادُ أغُصُّ بِالْماء الفراتِ (3)

وإن کان منویّاً کانت مبنیّة علی الضمّ کقوله تعالی : «لِلَّ-هِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ» (4) أی مِن قبل غلبة الفارس علی الروم ، ومن بعد غلبة الروم علی الفارس. فأمّا البناء فلاحتیاجها إلی المضاف إلیه المنویّ ، وأمّا الحرکة فللفرق بین البناء اللازم والعارض ، وأمّا الضمّ فلیخالف حرکتها البنائیّة حرکتها الإعرابیّة ، ومنه ما لم یذکره المصنّف وذلک نحو : الآن ،

ص: 54

وحیث ، ولمّا ، وأمسِ ، وقطّ ، وعوض ، ومنذ ، ومذ ، وکیف ، وأنّی ، وأیْنَ ، ولَدی ، وکَمْ ، وعِنْد.

قال : ومنه المرکّبات نحو : عِنْدی خمسة عشر ، وَآتیک صَباح ومَساءَ ، وهُوَ جاری بَیْتَ بَیْتَ ، ووقعُوا فی حَیْصَ بَیْصَ.

أقول : وبعض المبنیّ المرکّبات ، وهی کلّ اسم مُرکّب من کلمتین لیس بینهما نسبة ، والمرکّبات کثیرة لکن المصنّف لم یذکر إلّا أربعة أمثلة ، وهی : خمسة عشر ، وصباح ومَساء ، وبَیْتَ بَیْتَ ، وحَیْصَ بَیْصَ ، والأصل فیها خمسة وعشر ، وکلّ صباح ومَساء ، وبیت إلی بیت أی ملاصقاً ، ووقعوا فی حَیْص وبَیْص أی فتنة شدیدة فحذف منها ما حذف ثمّ بنی الجزءان من الجمیع أمّا الأوّل : فلکونه بمنزلة أوّل الکلمة ، وأمّا الثانی : فلتضمّنه معنی الحرف المحذوف ، وإنّما بنی علی الحرکة لما مرّ من الفرق بین البناء اللازم والعارض وبنیا علی الفتح للخفّة.

واعلم أن الأعداد المرکّبة أعنی أحَد عشر إلی تسعة عشر کلّها کخمسة عشر فی بناء الجزأین إلّا اثنی عشر فإنّه أوّله معرب لشبهه بالمضاف فی حذف النون.

قال : ومنه الکنایات نحو : کَم مالک ؟ وعندی کذا درهماً ، وکان من الأمر کَیْتَ کَیْتَ.

أقول : وبعض المبنیّ الکنایات وهی هنا ألفاظ مُبهمة یعبّر بها عن أشیاء مفسّرة «فکم» لا یکون من الکنایات علی هذا الوجه لأنّها لیست کذلک لکن لمّا کانت مثل «کذا» فی العدد أجریت مجراها وإنّما بنیت کم لأنّ وضعها وضع الحروف ، وبنیت کذا لأنّ أصلها ذا فزیدت الکاف علیه

ص: 55

فصار کذا ، وبنیت کیت لأنّها کنایة عن الجملة المبنیّة.

واعلم أنّ کم إمّا استفهامیّة أو خبریّة وعلی کلا التقدیرین لا بدّ لها من ممیّز فممیّز الاستفهامیّة منصوب مفرد نحو : کم درهماً مالک ؟ وممیّز الخبریّة مجرور مفرد أو مجموع نحو : کم رجلٍ أو رجالٍ ضَرَبْتُ. وقد یحذف الممیّز إذا کان معلوماً کما مرّ فی الکتاب. وأصل کیت کیّت بتشدید الیاء فخفّفت ثمّ حذفت وکذلک ذیت ذیت ومعناهما بالفارسیّة چنین چنین ولا یستعملان إلّا مکرّرتین ویجوز فی تائهما الحَرَکات الثلاث.

قال : وما فی آخره ألف مقصورة إن کان ثلاثیّاً یردّ إلی أصله نحو : عَصَوان ورَحَیانِ.

أقول : الاسم الّذی فی آخره ألف مقصورة إن کان ثلاثیّاً یجب أن یردّ عند التثنیة إلی أصله بقلب ألفه واواً إن کان واوّیاً أو یاءً إن کان یائیّاً وذلک لأنّه یجتمع عند التثنیة ألفان ولا یمکن حذف إحداهما لأنّه حینئذٍ یلتبس المثنّی بالمفرد عند الإضافة نحو : عَصا زید ، فیجب أن یتحرّک إحداهما والتحریک إنّما یمکن بعد القلب بحرف یقبل الحرکة فإذا کان المقلوب ذا أصل یکون القلب به أولی.

قال : ولیس فیما یجاوز الثلاثی إلّا الیاء نحو : أعشیانِ وحُبْلیانِ وحُباریان مُصْطَفَیان.

أقول : لیس فی کلّ اسم مقصُور یَزید علی الثلاثی إذا اُرید أن یثنّی إلّا الیاء أی یجب أن یقلب ألفه یاء لأنَّها أخفّ من الواو ومزید الثلاثی ثقیل سواءً کانت ألفه فی الأصل واواً أو یاء نحو : أعشیان فی أعشی ، - وهو الّذی لا یبصر باللیل ویبصر بالنهار - ومُصْطفیان فی مصطفی وهو اسم مفعول من الاصطفاء أو للتأنیث نحو : حُبلیانِ فی حُبلی - وهی الحاملة - أو لتکثیر الکلمة نحو : حُباریانِ فی حُباری وهو طائر یقال له بالفارسیّة جرد.

قال : وإن کان فی آخر الممدود ألف التأنیث کحمراء قلتُ حمراوان.

أقول : أمّا القلب فلئلّا یکون علامة التأنیث فی وسط الکلمة وأمّا الواو فلئلّا یجتمع یاءان ما قبلهما ألف فی النصب والجرّ نحو : رأیتُ حَمرایین ، ومررت بحمرایین ، والحمراء تأنیث الأحمر.

* * *

ص: 57

قال : وتقول فی کساء وقرّاء وحِرباء کساءان وقرّاءان وحرباءان.

أقول : إذا کانت همزة الممدودة بدلاً من حرف أصلیّ أو أصلیّة أو للإلحاق تکون ثابتة عند التثنیة فتقول فی کساء : کساءانِ ، وکذلک البواقی. وأصل کساء کساوٍ اُبدلت الواو بالهمزة فصار کساء وهو بالفارسی گلیم ، والقرّاء جمع القارئ وهمزته أصلیّة والحرباء دویبة تدور مع الشمس ، وهمزته للإلحاق بحملاق وهو باطن الجفن.

واعلم أنّ اللفظ الّذی یراد أن یجمع جمع المذکّر السالم إمّا أن یکون اسماً أو صفة فإن کان اسماً فشرطه أن یکون مذکّراً علماً عالماً فلا یقال : هندون لانتفاء التذکیر ، ولا رجلون لانتفاء العلمیّة ، ولا أعْوَجُون فی أعوج ، وهو علم فرس لانتفاء العالمیّة ، وإن کان صفة فشرطه أن یکون مذکّراً عالماً فلا یقال : مسلمون فی مسلمة لانتفاءِ الذکوریّة ولا کمیتون فی کُمَیْت لانتفاء العالمیّة.

قال : أو ألف وتاء فی المؤنّث وتکون مضمومة فی الرفع ومکسُورة فی النصب والجرّ کمسلمات وهندات.

أقول : لمّا ذکر المصحّح من الجمع المذکّر أراد أن یذکره من الجمع المؤنّث فقال : أو ألف وتاء أی المصحّح اسم لحقت آخره ألف وتاء فی جمع المؤنّث وتکون تلک التاء مضمومة فی الرفع ومکسورة فی النصب والجرّ کمسلمات فی الصفة وهنداتٍ فی الاسم ، وإنّما کانت التاء مکسورة فی النصب والجرّ لأنّ جمع المؤنّث فرع لجمع المذکّر ، وقد عرفت أنّ النصب فی الجمع المذکّر محمول علی الجرّ فلو لم یحمل فی الجمع المؤنّث للزم للفرع مزیّة علی الأصل.

قال : ومکسّر وهو ما یتکسّر فیه بناء الواحد کرجال وأفراس ویعمّ ذوی العلم وغیرهم.

أقول : لمّا بین الجمع المصحّح شرع فی المکسّر فقوله : ومکسّر ، عطف علی قوله : مصحّح ، أی المجموع إمّا مصحّح کما مرّ أو مکسّر وهو الّذی یتکسّر أی یتغیّر فیه بناء الواحد فیه کرجال فی رجل وأفراس فی فرس ، فإنّ بناء رجل وفرس قد تغیّر فی الجمع ویعمّ جمع المکسّر ذوی العلم وغیر ذوی العلم ولذلک مثّل بمثالین.

ص: 59

قال : والمذکّر والمؤنّث من المصحّح یسوّی فیهما بین لفظی الجرّ والنصب ، تقول : رأیت المسلمین والمسلمات ، ومررت بالمسلمین والمسلمات.

أقول : یسوّی مبنیّ للمفعول من التسویة ، والقائم مقامه فاعله فیهما وبین ظرف له والمعنی یجعل فی المذکّر والمؤنّث لفظ النصب مساویاً للجرّ ، وهذا الکلام تکرار لأنّ التسویة فی المذکّر قد علمت فی أوّل الکتاب وفی المؤنّث قبیل هذا.

قال : والجمع المصحّح مذکّره ومؤنّثه للقلّة ، وما کان من المکسّر علی وزن أفعل وأفعال وأفعلة وفِعلة فهو جمع قلّة وما عدا ذلک جمع کثرة.

أقول : الجمع إمّا جمع قلّة أو جمع کثرة. وجمع القلّة ما یطلق علی العشرة فما دونها من غیر قرینة ویطلق علی ما فوق العشرة مَعَ القرینة. وجمع الکثرة بخلاف ذلک. والجمع المصحّح مذکّره ومؤنّثه للقلّة ، وما یکون من الجمع المکسّر علی وزن أفعل کأفلس وأفعال کأفراس وأفعلة کاغلمة وفعلة کغلمة جمع قلّة أیضاً ، وما عدا المذکور من الجموع جمع الکثرة فیقال فی جمع القلّة : عندی أفْلس من غیر قرینة إذا کان المراد عشرة فما دونها ، وعندی اثنا عشر أفلس مع قرینة وهی اثنا عشر مثلاً إذا کان المراد ما فوق العشرة ویقال فی جمع الکثرة علی خلاف ذلک نحو : عندی رجال من غیر قرینة إذا کان المراد ما فوق العشرة ، وعندی ثلاثة رجال مثلاً إذا کان المراد ما دونها.

قال : وما جُمِعَ بالألف والتاء عن فعلة صحیحة العین فالاسم منه متحرّک العین نحو : تمرات والصفة مبقات العین علی سکونها نحو : ضخمات ، وأمّا معتلّها فعلی السکون کبیضات وجوزات.

أقول : اللفظ الّذی یجمع بالألف والتاء ممّا هو علی وزن فعلة مع صحّة عین

ص: 60

الفعل فالاسم منه متحرّک العین أی یتحرّک عین فعله فی الجمع نحو : تمرات ( بفتح المیم ) فی تمرة ، والصفة مبقات العین أی یبقی عین فعلها علی السکون نحو : ضَخْمات ( بسکون الخاء ) فی ضخْمة وهی الغلیظة وذلک للفرق بین الاسم والصفة ولم یفعل بالعکس لأنّ الصفة ثقیلة لکثرة الاستعمال وهی بالسکون أولی وأمّا معتلّ العین من فعلة فعلی السکون أی یبقی عین فعله علی السکون فی وقت الجمع وإن کان اسماً واویّاً کان أو یائیّاً کبیضات فی بیضة ، وجوزات فی جوزة وذلک للفرق بین المصحّح والمعتلّ ولم یفعل بالعکس لأنّ الخفّة بالمعتلّ أولی.

قال : وفواعل یجمع علیه فاعل اسماً نحو : کواهل أو صفة إذا کان بمعنی فاعلة نحو : حوائض وطوالق ، وفاعلة اسماً أو صفة نحو : کواثب وضوارب وقد شذّ نحو : فوارس.

أقول : وزن فواعل إنّما یجمع علیه کلّ کلمة تکون علی وزن فاعل إذا کان اسماً نحو : کواهل فی کاهل - وهو ما بین الکتفین - أو صفة إذا کان ذلک الفاعل بمعنی فاعلة نحو : حوائض وطوالق فی حائض وطالق إذا کانتا بمعنی حائضة وطالقة. ویجمع أیضاً علی وزن الفواعل کلّ کلمة تکون علی وزن فاعلة سواء کانت اسماً نحو : کواثب فی کاثبة - وهی ما یقع علیه ید الفارس من عنق الفرس - أو صفة نحو : ضوارب فی ضاربة ، وقد شذّ نحو : فوارس فی جمع فارس لأنّ فاعل الصفة إذا لم یکن بمعنی فاعلة فالقیاس أن یجمع علی وزن فُعَّل أو فُعّال أو فَعَلَة کَجُهَّل وجُهّال وجَهَلَة ، وإنّما قال : نحو فوارس لأنّه قد جاء غیر هذا اللفظ مثل هوالک فی هالک ونواکس فی ناکس وهو الّذی یخفض رأسه.

* * *

ص: 61

قال : ویجمع الجمع نحو : أکالب وأساور وأناعیم وَرجالات وجمالات.

أقول : قد یجمع الجمع للمبالغة والتکثیر نحو : أکالب فی أکلب جمع الکلب وأساور فی أسْورة جمع سوار وهو ما تضع المرأة فی یدها من الحلیّ ، وأناعیم فی أنعام جمع نعم وهو ما یرعی من الحیوان ورجالات فی رجال جمع رجل وجمالات فی جمال جمع جمل وهو المذکّر من الإبل.

واعلم أنّ الفرق بین الجمع وجمع الجمع أنّ الجمع إنّما یدلّ علی آحاد کلّ واحد منها یکون فرداً من ذلک الجنس وجمع الجمع یدلّ علی جموع کلّ واحد منها یشتمل علی أفراد من ذلک الجنس فالجموع فی جمع الجمع بمنزلة الآحاد فی الجمع فإذا قیل : أکلب فالمراد أفراد الکلب فإذا قیل : أکالب فالمراد جموع من الکلب ولذلک قیل أنّ جمع الجمع لا یطلق علی أقلّ من تسعة من أفراده کما أنّ الجمع لا یطلق علی أقلّ من ثلاثة.

التخصیص مثل : غلام رجل. وقیّد بقوله : إضافة حقیقیّة أی معنویّة لأنّ الإضافة اللفظیّة لا تفید التعریف بل توجب التخفیف کما مرّت.

وقال : النکرة ما شاع فی اُمّته نحو : جاءنی رجل ، ورکبت فرساً ، وقد عرفت معناها أیضاً ، وشاع أی انتشر فی اُمّته أی فی أفراده ، فإنّ رجلاً وفرساً منتشر شامل لکلّ واحد من أفراد الرجال والأفراس علی البدلیّة وإنّما مثّل بمثالین لأنّ أحدهما من ذوی العلم والثانی من غیره.

أقول : التأنیث الحقیقیّ أقوی من التأنیث الغیر الحقیقیّ لوجود معنی التأنیث فیه بخلاف الغیر الحقیقیّ فإنّه إنّما یقال له التأنیث لوجود علامة التأنیث فی لفظه ولأجل أنّ الحقیقیّ أقوی امتنع أن یقال : جاء هند بتذکیر الفعل المسند إلی هند الّتی هی المؤنّث الحقیقیّ لأنّ المطابقة بین الفعل والفاعل المؤنّث الحقیقیّ فی التأنیث واجب ، وجاز فی غیر الحقیقی نحو : طلع الشمس لضعف تأنیثه.

فإن فصل بین الفعل والفاعل المؤنّث بشیء جاز ترک التاء فی الحقیقیّ نحو : جاء الیوم هند لضعفه بالفاصلة مع أنّ عدم الترک أولی ، وحسن الترک فی غیر الحقیقی نحو : طلع الیوم الشمس لزیادة ضعفه مع أنّ عدم الترک جائز.

قال : هذا إذا اُسند الفعل إلی ظاهر الاسم المؤنّث أمّا إذا اُسند إلی ضمیره تعیّن إلحاق العلامة نحو : الشمس طلعت.

أقول : جواز ترک التاء فی الفعل المسند إلی المؤنّث إنّما هو إذا اُسند ذلک الفعل إلی ظاهر ذلک الاسم المؤنّث. وأمّا إذا اُسند الفعل إلی ضمیر الاسم المؤنّث تعیّن إلحاق العلامة - أی التاء - بفعله سواء کان مؤنّثاً حقیقیّاً أو غیر حقیقیّ ، وذلک لأنّه لو لم یلحق التاء لتوهّم أنّ الفاعل مذکّر یجیء من بعد نحو : الشمس طَلَعَتْ ، فلا یجوز الشمس طلع کما مرّ. وإذا لم یجز فی غیر الحقیقیّ ففی الحقیقیّ أولی ولذلک اقتصر فی المثال علی غیر الحقیقیّ.

قال : والتاء تقدّر فی بعض الأسماء نحو : أرض ونعل بدلیل اُریضة ونُعیلة.

أقول : تاء التأنیث قد تکون مقدّرة فی بعض الأسماء المؤنّثة نحو : أرض ونعل ، فإنّ التاء فیهما مقدّرة بدلیل تصغیرهما علی اُریضة ونُعیلة فإنّ التاء

ص: 64

الّتی تظهر فی المصغّر تدلّ علی أنّ المکبّر مؤنّث وهذا الدلیل إنّما یکون فی الثلاثی لا فی الرباعی ، ومن الدلائل المشترکة بینه وبین غیره تأنیث الفعل کقوله تعالی : «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا» (1) و «وَبُرِّزَتِ الْجَحِیمُ» (2) والصفة کقوله تعالی : «فِیهَا عَیْنٌ جَارِیَةٌ» (3) و «وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ» (4) والإشارة کقوله تعالی : «هَ-ذِهِ النَّارُ الَّتِی» (5) و «قُلْ هَ-ذِهِ سَبِیلِی» (6) والإضمار کقوله تعالی : «وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا» (7) و «وَالسَّمَاءَ بَنَیْنَاهَا» (8) والخبر کقوله تعالی : «یَدُ اللَّ-هِ مَغْلُولَةٌ» (9) و «إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ» (10) والحال کقوله تعالی : «وَلِسُلَیْمَانَ الرِّیحَ عَاصِفَةً» (11) وقولنا : سقتنا السماء ممطرة.

قال : وممّا یستوی فیه المذکّر والمؤنّث فعول وفعیل بمعنی مفعول نحو : حلوب وقتیل وبغیّ وجریح.

أقول : من الأسماء الّتی یستوی فیه المذکّر والمؤنّث فعول کحَلوب وبغیّ فإنّه یقال رجل حلوب وبغیّ أی حالب وباغٍ بمعنی زانٍ وامرأة حلوب وبغیّ أی حالبة وباغیة بمعنی زانیة. وأصل بغیّ بغوی قلبت الواو یاءً واُدغمت الیاء فی الیاء وکسر ما قبلها. وفعیل بمعنی مفعول کقتیل وجریح فإنّه یقال رجل قتیل وجریح أی مقتول ومجروح ، وامرأة قتیل وجریح أی مقتولة ومجروحة ، وإنّما قال فی الفعیل بمعنی المفعول لأنّه إذا کان بمعنی الفاعل یجب إلحاق التاء فی المؤنّث نحو : امرأة قتیلة وجریحة أی قاتلة وجارحة ،

ص: 65

وإنّما قلنا أنّ قوله بمعنی المفعول قید فی الفعیل لا قید فی الفعول لأنّ مذهب المصنّف أنّ فعولاً لا یکون إلّا بمعنی الفاعل وهو الحقّ.

قال : وتأنیث الجموع غیر حقیقیّ ولذلک قیل : فعل الرجال ، وجاء المسلمات ومضی الأیّام.

أقول : النحویّون اصطلحوا أنّ کلّ جمع مؤنّث إلّا جمع المذکّر السالم أمّا تأنیث غیره فلأنّه فی معنی الجماعة فإنّ قولنا : الرجال والمسلمات والأیّام بمعنی جماعة الرجال ، وجماعة المسلمات ، وجماعة الأیّام ، وأمّا تذکیره فلسلامة بناء المفرد فیه فقال : تأنیث الجموع غیر حقیقیّ لأنّ الجماعة لیست ممّا فی إزائها مذکّر من الحیوان ولأجل أنّ تأنیث الجموع غیر حقیقیّ قیل : فعل الرجال ، وجاء المسلمات ، ومضی الأیّام بترک التاء فی الأفعال المسندة إلی هذه الجموع. وإنّما مثّل بثلاثة أمثلة لیعلم أنّ تأنیث الجموع غیر حقیقیّ سواء کان مفردها مؤنّثاً حقیقیاً أو مذکّراً حقیقیّاً أو غیر حقیقیّ.

قال : وتقول فی الضمیر : الرجال فعلوا وفَعَلت ، والمسلمات جئنَ وجاءت والأیّام مَضَیْن ومَضَتْ.

أقول : لمّا بیّن حکم الفعل المسند إلی ظاهر الجموع أراد أن یبیّن حکم الأفعال المسندة إلی ضمیرها فقال : وتقول إلی آخره یعنی الضمیر إذا کان لجمع المذکّر العاقل یجوز أن یؤتی به جمعاً مذکّراً علی الأصل نحو : الرجال فعلُوا أو مفرداً مؤنّثاً لکونه فی معنی الجماعة نحو : الرجال فَعَلَت ، وإذا کان لجمع المؤنّث العاقل یجوز أن یؤتی به جمعاً مؤنّثاً علی الأصل نحو : المسلمات جئن أو مفرداً مؤنّثاً لکونها بمعنی الجماعة نحو : المسلمات

ص: 66

جاءت ، وکذلک إذا کان لجمع المذکّر الغیر العاقل نحو : الأیّام مضین ومَضَت.

قال : ونحو : النخل والتمر ممّا یفرق بینه وبین واحده بالتاء یذکّر ویؤنّث.

أقول : أسماء الأجناس إذا اُطلقت واُرید بها الجنس فلا یدخلها التاء وإذا اُطلقت واُرید بها واحد من ذلک الجنس یدخلها التاء فأراد أن یشیر إلی حکم ذلک الجنس فی التذکیر والتأنیث فقال : ونحو النخل والتمر من أسماء الأجناس الّتی یفرق بین جنسها وبین الواحد من جنسها بالتاء یذکّر ویؤنّث فإنّ النخل والتمر إنّما یقال للجنس والنخلة والتمرة للواحد منه ویجوز فی الصفة الّتی للجنس التذکیر والتأنیث أمّا التذکیر فلأنّ اللفظ مذکّر وأمّا التأنیث فلأنّهما بمعنی جماعة النخل وجماعة التمر وقد ورد فی القرآن والأمثلة قال الله تعالی : «کَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِیَةٍ» (1) و «أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ» (2) ویقال : تمر طیّب وتمرٌ طیّبة.

وفتح الراء اسم لطائر وإنّما خصّت الزیادة بحرف اللین لکونها أخفّ من غیره وبالیاء لکونها أخفّ من الواو ، وإنّما لم یزد الألف مع أنّها أخفّ من الیاء لأنّها زیدت فی الجمع المکسّر الّذی بینه وبین المصغّر مؤاخاة بحیث یتغیّر بناء الواحد فیهما کرجال ورجیل فإنّ التکسیر والتصغیر متناسبان فی التغییر ، وإنّما لم یفعل بالعکس لأنّ الألف أخفّ وجمع التکسیر أثقل ، وإنّما زیدت الیاء ثالثة لأنّها إن کانت فی الأوّل یلتبس بالمضارع وبین الأوّل وبین الثانی یلزم تحریکها وفی الآخرة یلتبس بیاء الإضافة فلمّا تعیّنت فی الثلاثی حمل الباقی علیه ، وإنّما کانت ساکنة لئلّا تنقلب ألفاً.

قال : وأمثلته فُعَیْل کفُلَیْس وفُعَیْعِلْ کدُرَیهِم وفُعَیعیل کدُنَیْنیر.

أقول : أمثلة المصغّر فعیل فی الثلاثی المجرّد کفُلَیْس فی فلس ، وفُعَیْعِل فی الرباعی بلا مدّ کدُرَیْهم فی درهم ، وفُعَیْعیل فی الخماسی مع مدّة کدنینیر فی دینار فإنّ أصله دِنْنارٌ بنونین قلبت الاُولی یاء فردّ فی التصغیر إلی أصله وقلبت ألفه یاء لکسرة ما قبلها.

قال : وقالوا : اُجَیْمال وحُمیراء وسکیران وحُبَیْلی للمحافظة علی الألفات.

أقول : کأنّه جواب عن سؤال مقدّر وتقدیره أن یقال لِمَ لمْ یکسر ما بعد یاء التصغیر فی الأمثلة المذکورة حتی ینقلب ألفاتها یاء لکسرة ما قبلها کما فی دینار جوابه أنّهم قالوا : اُجَیْمال إلی آخره علی خلاف القیاس محافظة لألفاتها فإنّها لو انقلبت یاء انتفت معانیها المقصودة أعنی الجمعیّة فی اُجَیْمال ، والتأنیث فی حمیراء وحُبَیْلی والتذکیر فی سُکیران.

قال : وتقول فی میزان وباب وناب وعصاً مویزین وبُوَیْب ونُیَیْب وعُصَیَّة ،

ص: 68

وفی عدة وُعید ، وفی ید یُدَیَّة ، وفی سَهْ سُتَیْهَة ترجع إلی الأصل.

أقول : کلّ اسم غیّر من أصله بالقلب أو الحذف یجب أن یرجع إلی الأصل عند التصغیر إن لم یبق ما یقتضی تغییره ، أمّا القلب فتقول فی تصغیر میزان مُوَیْزین بردّ یائه إلی الواو ، وفی تصغیر باب وناب بُوَیْب ونُیَیْب بردّ ألفهما إلی الواو والیاء ، وفی تصغیر عصاً عُصَیَّة بردّ ألفها إلی الواو ثمّ قلبها یاء وإدغامها فی یاء التصغیر لأنّ أصل میزان مِوْزان من الوزن قلبت واوه یاء لسکونها وانکسار ما قبلها ، وأصل باب وناب وعصاً بَوَب ونَیَب وعَصَوٌ قلبت الواو والیاء ألفاً لتحرّکهما وانفتاح ما قبلهما فلمّا زال فی التصغیر ما یقتضی هذه التغییرات وجب أن یرجع کلّ واحد من المغیّرات إلی أصله ، والناب سنّ من الأسنان.

وأمّا الحذف فتقول فی تصغیر عدة وعَیْداً بردّ واوه الّتی حذفت وعوّضت عنها التاء ، وفی تصغیر ید یُدیّة بردّ لامه المحذوفة وإدغامها فی یاء التصغیر ، وفی تصغیر سهٍ سُتَیْهة بردّ عینه المحذوفة لأنّ أصل عِدة وعِدْ فنقلت کسرة فائه إلی العین وحذفت الفاء للتخفیف ثمّ عوّضت التاء عنها. وأصل ید یَدَی علی وزن فَعَل حذفت لامه علی خلاف القیاس ، وأصل سَهْ سَتَه وهو الْإسْت حذفت عَیْنه علی خلاف القیاس فلمّا زال مقتضی الحذف وجب ردّ المحذوف إلی أصله ، وإنّما مثّل بثلاثة أمثلة لیعلم أنّ ردّ المحذوف واجب سواء کان فاءً أو عیناً أو لاماً ، وإنّما حذف تاء عدة فی التصغیر لئلّا یجتمع العوض والمعوّض عنه فإنّها عوض من الواو کما مرّ ، وإنّما أتی بالتاء فی عصیّة ویدیّة وسُتَیْهة لأنّها مقدّرة فیها فیجب أن تظهر فی التصغیر کما سیجیء بُعیَد هذا.

قال : وتاء التأنیث المقدّرة فی الثلاثی تثبت فی التصغیر إلّا ما شذّ من نحو :

ص: 69

عُرَیْب وعُرَیس ، ولا تثبت فی الرباعیّ کقولک : عُقَیْربٌ إلّا ما شذّ من نحو : قُدَیدیمةٌ ووُرَیئة.

أقول : لا فرق فی ذلک بین المؤنّث الحقیقی وغیره فتقول : هُنَیْدة فی هند ، والشمیسة فی الشمس ، وذلک لأنّ التصغیر کالصفة فکما أنّه یجب تأنیث صفة المؤنّث نحو : هند الملیحة ، والشمس المضیئة فکذا یجب تأنیث مصغّره ، والعُرَیْب تصغیر العرب ، والعریس تصغیر العرس بکسر العین وهی امرأة الرجل وکان قیاسهما عُرَیبَة وعُرَیْسة. وإنّما لا تثبت فی الرباعی لطوله سواء کان حقیقیّاً کَزُیَیْنِبْ فی زَیْنب أو غیره کعُقریب فی عقرب ، والقدیدیمة تصغیر قدّام والوریئة تصغیر وراء.

قال : وجمع القلّة یحقّر علی بنائه نحو : اُکیلب واُجَیْمال ، وجَمع الکثرة یُردّ إلی واحده ثم یُصغّر ثمّ یجمع جمع السلامة نحو : شویعرون ومُسَیْجدات فی شعراء ومساجد أو إلی جمع قلّته إن وجد نحو : غلیمة فی غلمان وإن شئت قلت غلیّمون.

أقول : لمّا تناسب التصغیر والقلّة جاز أن یحقّر أی یصغّر جمع القلّة علی بنائه نحو : اُکیلیب فی أکلب واُجیمال فی أجمال واُغیلمة فی اغلمة وغلیمة فی غلمة ، ولمّا لم یکن الکثرة والتصغیر متناسبین وجب أن یردّ جمع الکثرة فی التحقیر إمّا إلی واحده إذا لم یوجد له جمع قلّة ویجب أن یجمع بعد التصغیر بالواو والنون أو بالألف والتاء علی ما یقتضیه القیاس لیصیر جمع السلامة کالعوض من جمع الکثرة نحو : شُوَیْعرُونَ فی شعراء فإنّه ردّ إلی شاعر ثمّ صغّر علی شُوَیْعر ثمّ جُمع ، ونحو : مسیجدات فی مساجد فإنّه ردّ إلی مَسجد ثمّ صغّر ثمّ جمع. وإمّا إلی جمع قلّة إن وجد له جمع قلّة نحو : غلیمة فی غلمان فإنّه ردّ إلی غلمة ثمّ صغّر ویجوز أن یردّ هذا أیضاً إلی

ص: 70

واحده کالّذی لیس له جمع قلّة وأشار إلی ذلک بقوله : وإن شئت قلت غلیّمون ، أی وإن شئت قلت غلیّمون فی غلمان بردّه إلی غلام وتصغیره ثمّ جمعه جمع السلامة والحاصل أنّ جمع الکثرة إن لم یوجد له جمع قلّة یجب ردّه إلی الواحد ثمّ جمعه جمع السلامة وإن وجد یجوز الردّ إلی جمع القلّة من غیر تغییر آخر أو إلی الواحد ثمّ جمعه جمع السلامة.

قال : وتحقیر الترخیم وهو أن یحذف منه زوائد الاسم نحو : زهیر وحُرَیْث فی أزهر وحارث.

أقول : ومن التحقیر نوع یسمّی تحقیر الترخیم وهو أن یحذف زوائد الاسم ثمّ یصغّر نحو : زهیر فی أزهر بحذف الهمزة ، وحریث فی حارث بحذف الألف.

قال : وتقول فی ذا وتا ذَیّا وتَیّا ، وفی الّذی والّتی اللَّذیّا واللَّتیّا.

أقول : لمّا خالفت الأسماء الغیر المتمکّنة الأسماء المتمکّنة ناسَبَ أن تصغّر علی خلاف تصغیرها فیبقی أوائلها علی الفتح ویزاد قبل آخرها یاء وبعده ألف وتقلب ألفاتها یاء وتدغم وذلک فی المفرد فتقول فی ذاوتا ذَیّا وتیّا بتشدید الیاء لأنّه إذا زیدت قبل الآخر یاء وبعده ألف یجتمع ألفان فتقلب الاُولی یاء وتدغم ، وتقول فی الّذی والّتی اللَّذَیّا واللَّتیّا بتشدید الیاء أیضاً لأنّه إذا زیدت قبل الآخر یاء وبعده ألف یجتمع یاءان فتدغم.

حادث کالتثنیة والجمع فلا بدّ لها من علامة تدلّ علیها وإنّما تعیّنت الیاء لأنّها من حروف اللین ، وإنّما لم یزد الواو لأنّ الیاء أخفّ من الواو ، وإنّما لم یزد الألف مَعَ أنّها أخفّ من الیاء لأنّ النسبة فی معنی الإضافة فإنّ قولنا : رجل بغدادیّ فی معنی رجل مضاف إلی بغداد والیاء قد تقع مضافاً إلیها نحو : غلامی ، وإنّما شدّدت الیاء لئلّا یلتبس بیاء الإضافة وإنّما خصّوا بالآخر قیاساً علی یاء الإضافة ، والألف واللّام فی الملحق بمعنی الّذی وهو عبارة عن الاسم فیکون بمنزلة الجنس أی الاسم الّذی اُلحق بآخره یاء ، وبقوله اُلحق بآخره یاء یخرج ما لم یلحق بآخره شیء أو اُلحق غیر الیاء کرجل ورجلان ، وبقوله مشدّدة یخرج نحو : غلامی ، وبقوله للنسبة إلیه یخرج نحو : کرسیّ وفائدة النسبة فائدة الصفة.

قال : وحقّه أن یحذف منه تاء التأنیث ونون التثنیة والجمع کبصریّ وزیدیّ وقنّسریّ.

أقول : وحقّ المنسوب أن یحذف من المنسوب إلیه تاء التأنیث إن کانت فیه نحو : بصریّ فی بصرة لئلّا یقع علامة التأنیث فی الوَسَط ، وأن یحذف زیادة التثنیة والجمع نحو : زیدیّ فی زیدان وزیدین وزیدون لئلّا یلزم إعرابان فی اسم واحد أحَدهما الإعراب بالحروف والآخر بالحرکة ، وکذا قنّسریّ بتشدید النون فی قنّسرین لأنّ نونه مشابه لنون الجمع اسم بلدة بالشام.

قال : وأن یقال فی نحو : نمر ودئل نمریّ ودئلیّ.

أقول : وحقّ المنسوب أن یقال فی نحو : نمر ودئل بکسر العین اسم لقبیلتین نمریّ ودئلیّ بفتح العین لئلّا یجتمع کسرتان مع الیاءین.

ص: 72

قال : وفی حنیفة حنفیّ.

أقول : وحقّ المنسوب أن یقال فی نحو : حنیفة ممّا هو علی وزن فعیلة مَعَ صحّة العین واللام وعدم التضعیف حنفیّ أی یحذف تاؤه کما مرّ ثمّ یحذف یاؤه للفرق بینه وبین فعیل نحو : کریمیّ فی کریم ولم یعکس لأنّ المؤنّث لثقله أولی بالحذف وحینئذٍ یصیر علی وزن نَمِر فیفتح ثانیه ولا یحذف من المعتلّ العین نحو : طویلیّ فی طویلة ، ولا من المضاعف نحو : شدیدیّ فی شدیدة ، وأمّا معتلّ اللام فیجیء عقیب هذا.

قال : وفی نحو : غنیّة وضریّة واُمیّة ، غَنَویّ وضَرَویّ واُمَویّ.

أقول : وحقّ المنسوب أن یقال فی فعیلة بفتح الفاء نحو : غنیّة وضریّة اسم قریة ، وفعیلة بضمّها نحو : اُمیّة اسم قبیلة من المعتلّ اللام غنویّ وضرویّ واُمَویّ أی یحذف تاؤه ثمّ یاؤه الاُولی ثمّ تقلب الیاء الأخیرة واواً لئلّا یجتمع ثلاث یاءات ثمّ یفتح ثانیه إن لم یکن مفتوحاً ویکسر الواو مناسبة للیاء.

قال : وفیما آخره ألف ثالثة أو رابعة منقلبة عن واو کعصاً وأعشی عَصَوِیّ وأعْشَویّ.

أقول : وحقّ المنسوب فی اسم آخره ألف ثالثة أو رابعة منقلبة عن واو کعصا وأعشی ، أو یاء کرحی وأعمی ، عَصَوِیّ وأعشویّ ورحویّ وأعمویّ تقلب الألف واواً لالتقاء الساکنین ولا تقلب یاء لئلّا یجتمع الیاءات.

قال : وفی الزائدة الرابعة القلب والحذف کحبلیّ وحبلویّ فی حُبْلی.

أقول : وحقّ المنسوب فی الألف الزائدة الرابعة القلب والحذف مثل حبلی ،

ص: 73

أمّا الحذف فقیاساً علی تاء التأنیث کحبلیّ ، وأمّا القلب فقیاساً علی أعشی کحبلویّ.

قال : وفی الخامسة الحذف لا غیر کحباریّ فی حباری.

أقول : وحقّ المنسوب فی الألف الخامسة الحذف لا غیر یعنی لا یجوز القلب للاستثقال کحباریّ فی حُباری ویعلم من ذلک أولویّة وجوب الحذف فی السادسة نحو : قبعثریّ فی قبعثری وهو الإبل القویّ.

قال : وفیما آخره یاء ثالثة کعم عمویّ وفی الرابعة کقاض قاضیّ وقاضویّ ، والحذف أفصح ، وفی الخامسة الحذف لا غیر کمشتریّ فی مشتری.

أقول : وحقّ المنسوب فی الاسم الّذی آخره یاء ثالثة کعم بمعنی جاهل واصله عمی أعلّ إعلال قاض عَمَوِیّ أی القلب بالواو لاجتماع الیاءات وفی الرابعة کقاض قاضیّ أی الحذف وقاضویّ أی القلب ، والحذف أفصح لثقل الرباعی ، وفی الیاء الخامسة مشتریّ فی مشتری أی الحذف لا غیر لزیادة الثقل ویعلم من ذلک أولویّة وجوب الحذف فی السادسة کمستسقیّ فی مستَسقی.

قال : وفی المنصرف من الممدود کسائیّ وحربائیّ وفی غیر المنصرف من الممدود حمراویّ وزکریّاویّ.

أقول : وحقّ المنسوب فی الممدود المنصرف أی الّذی همزته بدل من الأصل نحو : کساء أو للإلحاق نحو : حرباء کسائیّ وحربائی أی بإثبات الهمزة ویعلم منه أنّ إثبات الهمزة الأصلیّة بالطریق الأولی نحو : قرّائیّ فی قرّاء

ص: 74

وحقّ المنسوب فی الممدود الغیر المنصرف أی الّذی همزته للتأنیث نحو : حمراء وزکریّاء حمراویّ وزکریّاویّ أی القلب بالواو ، أمّا القلب فلأنّ الحذف یخلّ مع التأنیث والإثبات یستلزم کون علامة التأنیث فی الوَسَط وأمّا الواو فلئلّا یجتمع الیاءات وزکریّاء وإن کان أعجمیّاً لکنّه اُجری مجری العربی.

قال : وإذا نسب إلی الجمع ردّ إلی واحده کفرضیّ وصحفیّ فی الفرائض والصحائف.

أقول : الفرضیّ الماهر فی الفرائض والصحفیّ کثیر النظر فی الصحف وهما منسوبان إلی فرائض وصحائف بعد أن یردّ الی فریضة وصحیفة وفُعِل بهما ما فعل بحنیفة.

أصلاً هو أولی برعایة هذه المطابقة وإذا روعیت فیه ففی المؤنّث لا یمکن وإلّا لم یبق فرق بینهما.

قال : والممیّز مجرور ومنصوب ، فالمجرور مفرد وهو ممیّز المائة والألف ، ومجموع وهو ممیّز الثلاثة إلی العشرة نحو : مائة درهم وألف دینار وثلاثة أثواب وعشرة غلمة وقد شذّ نحو : ثلاثمائة وأربعمائة.

أقول : العدد لابهامه لا بدّ له من ممیّز یمتاز به المعدود من غیره وتقسیمه مع الأمثلة ظاهر ، وإنّما یجوز الجرّ لإضافة العدد إلیه وإنّما یکون فی المائة وتثنیتها والألف وتثنیته وجمعه مفرداً لاستغنائه عن الجمع ، وإنّما یکون فی الثلاثة إلی العشرة مجموعاً لیطابق العدد المعدود ، وأمّا الشذوذ فی ثلاثمائة وأربعمائة إلی تسعمائة فلأنّ مائة مفرد وقد وقعت ممیّز الثلاثة إلی تسعة وقد قلنا أنّ ممیّز ذلک یجب أن یکون جمعاً فالقیاس أن یقال ثلاث مئات أو مئین إلی تسع مئات أو مئین.

قال : والمنصوب ممیّز أحد عشر إلی تسعة وتسعین ولا یکون إلّا مفرداً.

أقول : أمّا النصب فلامتناع إضافة المرکّب لأنّه یمتنع أن یصیر ثلاثة أشیاء کشیء واحد ، وأمّا الإفراد فلاستغنائه عن الجمع ومثاله : عندی أحد عشر درهماً وعشرون دیناراً وتسعة وتسعون ثوباً.

قال : وممیّز العشرة فما دونها حقّه أن یکون جمع قلّة نحو : عشرة أفْلُسٍ ، إلّا إذا أعْوز نحو : ثلاثة شُسوع.

أقول : معناه ظاهر وسببه أنّ العدد لمّا کان من مرتبة الآحاد الّتی هی أقلّ مراتب العدد جعل ممیّزه ما یطابقه فی القلّة إلّا إذا أعوز أی : فُقِد جمع

ص: 76

القلّة بأن لا یکون من ذلک الممیّز مسموعاً من العرب فیؤتی بجمع الکثرة نحو : ثلاثة شُسوع فإنّه لم یسمع عن العرب جمع القلّة من الشسع وهو زمام النعل.

قال : وتقول فی تأنیث الأعداد المرکّبة : إحدی عشرة ، واثنتا عشرة وثلاث عشرة إلی تسع عشرة یؤنّث الأوّل.

أقول : یعنی بالأعداد المرکّبة ما یترکّب من الآحاد والعشرة أعنی إحدی عشرة إلی تسع عشرة فتقول فی تأنیثها : إحدی عشرة واثنتا عشرة وثلاث عشرة إلی تسع عشرة امرأة أمّا تأنیث إحدی واثنتا فقیاساً علی حالة الإفراد ، وأمّا تأنیث ثلاث إلی تسع فکذلک أیضاً ، وأمّا إدخال التاء فی عشرة مع ثلاث إلی تسع فلأنّ إسقاطها حالة الإفراد إنّما کان للّبس بالمذکّر ولا لبس حالة الترکیب لحصول الفرق بالجزء الأوّل ، وأمّا إدخالها فیها مع إحدی واثنتا فلإجراء الباب علی نهج واحد فقوله : یؤنّث الأوّل ، معناه أنّ الجزء الأوّل من إحدی عشرة واثنتا عشرة وثلاث عشرة إلی تسع عشرة یؤتی به علی ما هو القیاس فی المؤنّث أی بإدخال الألف والتاء فی إحدی واثنتا وبإسقاط التاء فی ثلاث إلی تسع فی المؤنّث إذ الإسقاط فیه دلیل التأنیث.

قال : وتسکن الشین من عشرة أو تکسرها.

أقول : الإسکان حجازیّة وذلک لئلّا یلزم توالی أربع حرکات والکسرة تمیمیّة وذلک لئلّا یتولی أکثر من ثلاث فتحات فی کلمة واحدة.

ویعمل عمل فعله نحو : عجبت من ضرب زیدٌ عمرواً ، ومن ضرب عمراً زیدٌ.

أقول : لمّا فرغ من الصنف الرابع عشر شرع فی الصنف الخامس عشر الّذی هو آخر أقسام الاسم أعنی الأسماء المتصلة بالأفعال. فمنها المصدر وهو الاسم الّذی یشتقّ منه الفعل ، فقوله : الاسم ، شامل لجمیع الأسماء ، وبقوله : یشتقّ منه الفعل ، یخرج غیره ، ویعمل المصدر عمل فعله الّذی یشتقّ منه سواء کان بمعنی الماضی أو الحال أو الاستقبال نحو : عجبتُ من ضَرْب زیدٌ عمراً أمسِ أو الآن أو غداً برفع زید علی الفاعلیّة وبنصب عمراً علی المفعولیّة ، کما فی عجبت من أن ضَرَبَ أو یَضْرِبُ الآن أو غداً زیدٌ عمراً ، وإن شئت قدّمت المفعول علی الفاعل نحو : عجبت من ضرب عمراً زیدٌ.

قال : ویضاف إلی الفاعل فیبقی المفعول منصوباً نحو : عجبت من ضَرْب زیدٍ عمراً ، وإلی المفعول فیبقی الفاعل مرفوعاً نحو : عجبت من ضرب عمرو زیدٌ.

أقول : إنّما جوّزت الإضافة للتخفیف وهذه إضافة معنویّة بمعنی اللام بدلیل قولهم : عجبت من قیامک الحَسَن فإنّ الحَسَن صفة للقیام مع أنّه معرفة.

قال : ولا یتقدّم علیه معموله.

أقول : المراد بالمعمول المفعول وسببه أنّ المصدر مقدّر بأن مع الفعل فکما لا یتقدّم معمُول ما بَعد أن عَلَیْها فکذلک لا یتقدّم ما بعد المصدر علیه فلا یقال : زیداً ضَرْبُک خَیْرٌ له ، کما لا یقال : زیداً أنْ تَضْرب خیر له.

* * *

ص: 78

أقول : ومن الأسماء المتّصلة بالأفعال اسم المفعول وهو المشتقّ من یفعل لمن وقع علیه الفعل ، ویعمل عمل یُفعَل من فعله أی عمل المضارع المبنیّ للمفعول المشتقّ من مصدره نحو : زید مضروب غلامه ، وسبب ذلک کما مرّ فی اسم الفاعل ویشترط هاهنا ما یشترط هنالک.

لذات موصوفة بزیادة الفضل علی غیرها ولا یعمل أفعل التفضیل فی ظاهر الاسم لضعف عمله فإنّه لا فعل بمعناه بخلاف باقی المشتقّات فلا یقال : مررت برجل أفضل منه أبوه ( بفتح أفضل ) حتّی یکون مجروراً صفة لرجل وأبوه فاعله ، بل برفعه حتّی یکون أبوه مبتدأ وأفضل خبره ومنه متعلّقاً به والجملة صفة لرجل.

قال : ویلزمه التنکیر مع «مِنْ» فإذا فارقته فالتعریف باللام أو الإضافة نحو : زید الأفضل ، وأفضل الرجال.

أقول : یلزم أفعل التفضیل التنکیر مع «مِنْ» أی إذا استعمل مع «مِنْ» لا یجوز أن یکون مضافاً أو معرّفاً باللام فإذا فارقت «مِنْ» عن أفعل التفضیل فیلزمه التعریف إمّا باللام أو الإضافة نحو : زید الأفضل ، وزید أفضل الرجال ، والحاصل أنّ أفعل التفضیل یجب أن یکون مستعملاً مع أحد الاُمور الثلاثة أعنی «مِنْ واللام والإضافة» لأنّه لا بدّ له من مفضّل علیه وذکر المفضّل علیه لا یمکن إلّا بأحد هذه الطرق فلا یجوز الجمع بین اثنین منها نحو : زید الأفضل من عمرو ، ولا ترک الجمیع نحو : زید أفضل ، إلّا إذا علم کقول المکبّر : الله أکبر أی من کلّ شیء ، وفی کلامه نظر لأنّه یوهم أنّ أفعَل التفضیل إذا لم یکن مع «مِنْ» یلزم أن یکون مضافاً إلی المعرفة أو معرّفاً باللام ولیس کذلک إذ یجوز أن یکون مضافاً إلی نکرة نحو : مررت بأفضل رجال ویمکن أن یجاب عنه بأنّ إضافة أفضل إلی رجال تفید التخصیص وهو نوع من التعریف.

قال : وما دام منکّراً استوی فیه الذکور والإناث والمفرد والاثنان والجمع.

أقول : وما دام أفعل التفضیل منکّراً أی مستعملاً مع «مِنْ» استوی فیه

ص: 81

الذکور والإناث والمفرد والاثنان والجمع نحو : زید أفضل من عمروٍ ، والزیدان أفضل من عمروٍ ، والزیدون أفضل من عمروٍ ، وهند أجْمل مِن دعْدٍ ، والهندان أجمل من دَعْدٍ ، والهندات أجْمل من دَعْدٍ ، وذلک لأنّ أفعل التفضیل یشبه أفعل التعجّب فی اللفظ والمعنی أعنی المبالغة ، ولذلک لا یبنی إلّا ممّا یبنی منه أفعل التعجّب أعنی ثلاثیّاً مجرّداً لیس بلون ولا عیب وأفعل التعجّب لا یثنّی ولا یجمع ولا یؤنّث لأنّه فعل فکذلک ما یشبهه.

قال : فإذا عرّف باللام انّث وثنّی وجمع.

أقول : إذا عرّف أفعل التفضیل باللام اُنّث وثنّی وجمع نحو : زید الأفضل ، والزیدان الأفضلان ، والزیدون الأفضلون ، وهند الفضلی ، والهندان الفضلیان والهندات الفضلیات ، وذلک لأنّه یخرج بسَبَب اللام عن شبه الفعل لأنّها من خواصّ الأسماء فلا جرم یدخله علامة التثنیة والجمع والتأنیث.

قال : وإذا اُضیف ساغ فیه الأمران.

أقول : إذا اُضیف أفعل التفضیل جاز فیه الأمران أی التسویة بین المذکّر والمؤنّث والمفرد وغیره ، وعدم التسویة ، ویعبّر عن الأمرین بالمطابقة وعدم المطابقة نحو : زید أفضل الناس ، والزیدان أفضل الناس وأفضلا الناس ، والزیدون أفضل الناس وأفضلوا الناس ، وهند أفضل النساء وفضلی النساء ، والهندان أفضل النساء وفضلیا النساء ، والهندات أفضل النساء وفضلیات النساء ، أمّا المطابقة فلضعف شبهه بالفعل لدخول الإضافة ، وأمّا عدمها فلشبهه بالّذی مع «مِنْ» فی ذکر المفضّل علیه صریحاً.

ص: 82

صنفاً وستعرف کلّ واحد فی موضعه.

الأربع من الیاء نحو : یفعل ، أو التاء نحو : تفعل ، أو الهمزة نحو : أفعل ، أو النون نحو : نفعل ، ویسمّی هذه الحروف حروف المضارعة أی المشابهة لأنّ الفعل بسببها یشبه الاسم کما سیجیء ولذلک سمّی مضارعاً. وإنّما اختصّت الزیادة بهذه الحروف لأنّ بعضها من حروف اللین وهو الیاء ، وبعضها قریب المخرج منها وهی الهمزة فإنّها قریب المخرج من الألف ، وبعضها تبدل منها وهی التاء لأنّها تبدل من الواو نحو : تراث فی وراث بمعنی المیراث ، وبعضها یشبهها فی سهولة التلفّظ وهی النون فإنّ غنّتها تشبه حرف اللین.

واعلم أنّ الاعتقاب والتعاقب بین الشیئین أی یجیء أحدهما عقیب الآخر فمعناهما فی الحروف أن لا یجوز خلوّ الکلمة عن جمیعها ، ولا یوجد أکثر من واحد فیها والزوائد الأربع کذلک فإنّ المضارع لا یجوز أن یخلو عنها ولا أن یجتمع فیه أکثر من واحد منها.

قال : ویشترک فیه الحاضر والمستقبل إلّا إذا دخله اللام أو سوف.

أقول : یشترک فی المضارع الحاضر والمستقبل أی یصلح کلیهما نحو : یفعل زید ، فإنّه یحتمل أن یفعل الآن أو غداً إلّا إذا دخل المضارع لام الابتداء فإنّه حینئذٍ یختصّ بالحاضر نحو : زید لَیقُومُ أی الآن ، أو دخله سوف فإنّه حینئذٍ یختصّ بالمستقبل نحو : زید سوف یقوم ، أی غداً ، ونحوه ، وکذا إذا دخله السین نحو : زید سَیَقوم ، وإنّما لم یذکرها استغناء باُختها عنها ، وهذا المعنی أعنی العموم والخصوص هو الّذی یضارع به المضارع أی یشبه الاسم فإنّ الاسم أیضاً یحتمل العموم والخصوص کرجل والرجل.

قال : ویعرب بالرفع والنصب والجزم.

ص: 85

أقول : إنّما اُعرب المضارع لأنّه مشابه الاسم کما مرّ ، وإنّما دخل فیه الجزم لیکون عوضاً عن الجرّ فی الأسماء.

قال : وارتفاعه بمعنی وهو وقوعه موقع الاسم نحو : زید یضرب.

أقول : ارتفاع المضارع بأمر معنویّ وهو وقوع المضارع فی موقع الاسم نحو : زید یضرب ، فإنّه فی معنی زید ضارب ، فوقوع یضرب فی موقع ضارب عامل فیه وهو أمر معنویّ.

قال : وانتصابه باربعة أحرف نحو : أنْ یَخْرُجَ ، ولَنْ یَضْرِبَ ، وکَیْ یُکْرِمَ ، وإذَنْ یَذْهبَ.

أقول : انتصاب المضارع بأربعة أحرف :

الأوّل : «أنْ» وهی لا تخلو من أن یکون قبلها فعل علم أو ظنّ أو غیرهما فإن کان غیرهما یکون ناصبة نحو : اُریدُ أنْ یَخْرُجَ زید ، وإن کان فعل العلم فلیست بناصبة بل مخفّفة من المثقّلة نحو : عَلِمْتُ أنْ سَیَقُومُ زَیْد برفع یقوم وزیادة السین للفرق بینه وبین أن الناصبة ، وإن کان فعل الظنّ جاز الوجهان نحو : ظننتُ أن یقومَ ( بالنصب ) وأن سَیَقُومُ ( بالرفع ).

والثانی : «لَنْ» نحو : لَنْ یَضْرِبَ زَیْدٌ ، ومعنی لَنْ نفی الاستقبال ولهذا لا یستعمل إلّا مع الفعل المستقبل.

والثالث : «کَیْ» نحو : جِئتُ کَیْ یُکْرمَنی زید.

والرابع : «إذنْ» وهی إنّما تنصب بشرطین : الأوّل : أن لا یکون ما بعدها معتمداً علی ما قبلها أی لا یکون بینهما تعلّق ، والثانی : أن یکون مدخولها مستقبلاً نحو : إذَنْ یَذْهَبَ ، فإن فقد الشرطان أو أحدهما لا تنصب ، أمّا انتفاء الأوّل فنحو قولک لمن قال : آتیک أنَا إذَنْ اُکْرِمُکَ ، فإنّ اُکرمک

ص: 86

متعلّق بما قبله لأنّه خبره. وأمّا انتفاء الثانی فنحو قولِک لِمَن حَدَّثک : إذَنْ أظُنّکَ کاذباً ، فإنّه للحال. وأمّا انتفاؤهما فنحو قولک له : أنا إذنْ أظُنّک کاذباً.

قال : وینصب بإضمار «أنْ» بعد خمسة أحرف وهی : حتّی ، واللام ، وأو بمعنی إلی أن ، وواو الجمع ، والفاء فی جواب الأشیاء الستّة : الأمر والنهی والنفی والاستفهام والتمنّی والعرض ، نحو : سِرْتُ حتّی أدْخُلَها ، وجئتُکَ لِتُکْرِمَنی ، وَلألَزمنَّکَ أو تُعْطِیَنی حقّی ، وَلا تأکل السَّمَکَ وتَشْربَ اللَّبَن ، وائتنی فَاُکْرِمَکَ ، «وَلا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی» (1) ، وما تأتینا فَتُحَدِّثَنا ، وَهَلْ أسْألُکَ فَتُجیبَنی ولَیْتَنی عِنْدَکَ فَأفُوزَ ، وَألا تَنْزِلُ بِنا فَتُصیبَ خیراً مِنّا.

أقول : وینصب المضارع بإضمار «أنْ» بعد الحروف المذکورة أمّا بعد حتّی واللام فلأنّهما حرفا جرّ فیجب أن یضمر أنْ بعدهما حتّی یصیر ما بعدهما فی تأویل الاسم فإنّ حرف الجرّ لا یدخل علی الأفعال ، وأمّا بعد أو فلأنّها بمعنی حرف الجرّ أیضاً أعنی إلی ، والتقدیر سِرْتُ حتّی أنْ أدخلها ولِأنْ تُکْرمَنی وَإلی أن تُعِطینی حَقّی أی سِرْتُ حَتّی دخولی إیّاها ، ولإکرامِکَ إیّایّ ، وإلَی إعْطائِکَ حَقّی.

وأمّا بعد الواو والفاء فلأنّ ما قبلهما فی غیر النفی إنشاء وما بعدهما إخبار وعطف الإخبار علی الإنشاء غیر مناسب فیجب أن یؤوّل ما قبلهما بما هو فی معناه وحینئذٍ یصیر المعطوف علیه بالضرورة اسماً کما سیتحقّق عنْد بیان معنی الأمثلة فیلزم أن یجعل المعطوف أعنی المضارع أیضاً فی تأویل

ص: 87

الاسم وذلک لا یمکن إلّا باضمار أنْ ، وأمّا فی النفی فلحمله علی النهی لأنّهما أخوان من حیث إنّهما یدلّان علی ترک الفعل فالتقدیر وأن تشرب اللبن ، فأن اُکرمک ، فأنْ یحلّ ، فأنْ تحدّثنا ، فأن تجیبَنی ، فأنْ أفُوزَ ، فأن تصیبَ ، والمعنی لا یکن منک أکل السَّمک وشرب اللبن ، ولیکن إتیان منک فإکرام منّی ، ولا یکن طغیان منکم فحلول غضب منّی ، ولم یکن منک إتیان فحدیث منّی أی لو تأتینا فتحدّثنا ولمّا لم تأتنا فکیف تحدّثنا ، وهل یکون سؤال منّی فإجابة منک ، ولیت لی عندک حصولاً ففوزاً ، وألا نزول لک بنا فإصابة خیر منّا.

واعلم أنّ النصب بإضمار «أنْ» بعد الواو والفاء مشروط بشرطین : أحدهما مشترک ، والآخر مختصّ. أمّا المشترک فهو أن یکون قبل الواو والفاء أحد الاُمور الستّة المذکورة فی الکتاب. وأمّا المختصّ بالواو فالجمعیّة بین ما قبلها وما بعدها.

وأمّا المختصّ بالفاء فسببیّة ما قبلها لما بعدها والمصنّف خلط أمثلة الواو والفاء اعتماداً علی فهم المتعلّم فإنّ کلّ مثال للواو یجوز أن یقرأ بالفاء وبالعکس.

واعلم أنّ هذه المواضع تستدعی زیادة تحقیق لکن هذا المختصر لا یسع ذلک.

قال : وانجزامه بخمسة أحرف نحو : لم یخرجْ ، ولمّا یَحْضُرْ ، ولْیَضْرِبْ ، ولا تَفْعَلْ ، وإنْ تُکْرِمْنی اُکرِمْکَ. وبتسعة أسماء متضمّنة معنی «إنْ» وهی : مَن وما وأیّ وأیْنَ وأنّی ومَتی وحَیْثُما وإذْ ما ومَهْما نحو : مَنْ یُکْرِمْنی اُکرِمْهُ وعلیه فقس.

أقول : انجزام المضارع إمّا بالحروف أو بالأسماء.

ص: 88

والحروف الجازمة خمسة ، أربعة منها تجزم فعلاً واحداً وهی : لم ولمّا ولام الأمر ولاء الناهیّة ، وواحدة تجزم فعلین وهی إن الشرطیّة.

والأسماء الجازمة هی التسعة المذکورة ، وهی إنّما تَجْزم فعلین لأنّها متضمّنة معنی إنْ ، فإنّ قولنا : مَنْ یکرمْنی اُکرِمْه فی معنی إنْ یکرمْنی هو اُکرمْهُ أنَا فتجزم فعلین کما تجزم إنْ ، والمذکورة من الأمثلة ظاهرة والبواقی : ما تَصْنَعْ أصْنَعْ وأیّاً تَضْرِبْ أضْرِبْ ، وأیْنَ تَکُنْ أکُنْ ، وأنّی تَجْلِسْ أجْلِسْ ، ومَتی تَقْعُدْ أقْعُدْ ، وحَیْثُما تَذْهَبْ أذْهَبْ ، وإذْ ما تَفْعَل أفْعَلْ ، وَمَهما تَضْحَکْ أضْحَکْ ، وأصل مهما «ما» زیدت علیه ما للتأکید فصار «ماما» ثمّ اُبدلت الألف هاءً لتحسین اللفظ.

قال : وینجزم بِإنْ مضمرة فی جواب الأشیاء الستّة الّتی تجاب بالفاء إلّا النفی نحو : ائتِنی اُکْرِمْکَ ، وعلیه فقس.

أقول : وینجزم المضارع أیضاً بإنْ الشرطیّة حال کونها مضمرة فی جواب الأشیاء الستّة الّتی یجیء فی جوابها الفاء أعنی الأمر والنهی والنفی والاستفهام والتمنّی والعرض إلّا النفی منها فإنّ إنْ لا تضمر بعده والأمثلة نحو : ائتنی اُکرمْک أی ائتنی فإنّک إنْ تأتنی اُکرمْک ، ولا تکفر تدخل الجنّة أی لا تکفر فإنّک إنْ لا تکفر تدخل الجنّة ، وأینَ بَیْتُکَ أزُرْکَ أی أین بیتک فإنّی إنْ أعرف بیتک أزرک ، ولیتَ لی مالاً اُنفِقْه أی لیت لی مالاً فإنّی إنْ یَحْصُل لی مال اُنْفِقْهُ ، وألا تنزل بنا تُصِبْ خیراً أی ألا تنزل فإنّک إنْ تنزل بنا تُصِبْ خیراً. وإنّما اُضمرت «إنْ» بعد المذکورات لأنّ کلّا منها یدلّ علی أنّ الجزء الثانی مشروط بالجزء الأوّل فیدلّ علی أنّ هنا شرطاً مقدّراً بخلاف النفی فإنّ مدخوله قطعیّ فلا یدلّ علی تعلیق ما بعده بشیء فلا یصیر دلیلاً علی تقدیر الشرط.

ص: 89

قال : ویلحقه بعد ألف الضمیر وواوه وَیائه نون عوضاً عن الرفع فی المفرد نحو : یضربان ویضربون وتضربین ، وذلک فی الرفع دون النصب والجزم.

أقول : یلحق المضارع بعد ألف الضمیر وواوه ویائه نون عوضاً عن الحرکة فی المفرد وتکون مکسورة فی التثنیة ، ومفتوحة فی الجمع قیاساً علی تثنیة الأسماء وجمعها ، ولحوق النون إنّما یکون فی الرفع ویحذف فی النصب والجزم أمّا فی الجزم فلکونها عوضاً عمّا یحذف فیه أعنی الحرکة ، وأمّا فی النصب فللحمل علی الجزم فإنّ الجزم فی الأفعال بمنزلة الجرّ فی الأسماء فکما أنّ النصب محمول علی الجرّ فی الأسماء کذلک حمل علی ما هو بدل الجرّ فی الأفعال.

فإنّ الهمزة حینئذٍ تضمّ کما عرفت ، کلّ ذلک فی التصریف ویکون متضمّناً معنی افْعَلْ نحو : ضَعْ فإنّ معناه افعلْ الوضع ، وضارب أی افعلْ المضاربة ، ودحرجْ أی افعلْ الدحرجة ، واضربْ أی افعلْ الضرب ، ولذلک خصّ المثال بافعلْ.

الْقُرآنَ ، فإنّ عَلِمَ بمعنی عَرَفَ متعدٍّ إلی مفعول واحد وبالتشدید صار متعدّیاً إلی اثنین ، وقد یکون متعدّیاً إلی اثنین فیجعل متعدّیاً إلی ثلاثة نحو : أعلمتُ زیداً عمراً فاضلاً ، فإنّ عَلِمَ المتعدّی إلی مفعولین قد صار بالهمزة متعدّیاً إلی ثلاثة.

یکرم ، ویسند فعل ما لم یسمّ فاعله إلی المفعول به سواء کان بلا واسطة نحو : ضرِبَ زید ، أو مع واسطة نحو : مُرَّ بعمروٍ ، إلّا إذا کان ذلک المفعول به المفعول الثانی فی باب علمت أی فی أفعال القلوب فإنّه لا یسند إلیه فلا یقال فی علمت زیداً فاضلاً ، علم فاضل زیداً ، لأنّ المفعول الثانی فی أفعال القلوب مسند إلی الأوّل فلو أقیم مقام الفاعل لصار مسنداً إلیه والشیء الواحد لا یکون مسنداً ومسنداً إلیه فی حالة واحدة. ویعلم من ذلک أنّه لا یجوز أیضاً إسناده إلی المفعول الثالث فی باب أعلمت لأنّه فی الحقیقة هو الثانی فی باب علمت وإنّما قیّد بالثانی لأنّه یجوز أن یسند إلی الأوّل فی باب علمت وإلیه وإلی الثانی فی باب أعلمت لأنّ الأوّل فی باب علمت والثانی فی باب أعلمت مسنداً إلیهما.

وإذا اُقیما مقام الفاعل یکونان مسنداً إلیهما أیضاً والأوّل فی أعلمت لیس بمسند ولا مسند إلیه وإذا اُقیم مقام الفاعل یصیر مسنداً إلیه ولا امتناع فی شیء من ذلک وإنّما قیّد الثانی بباب علمت احترازاً من الثانی فی غیره ممّا لا یکون مفعوله الثانی عبارة عن الأوّل نحو : أعطیت زیداً درهماً ، فإنّه یجوز أن یقال : اُعطی درهم زیداً واُعطی زید درهماً لأنّ مفعولی أعطیت لیسا بمبتدأ وخبر فلا یکون ثانیهما مسنداً إلی الأوّل فلا یلزم محذور لکن المفعول الأوّل أولی من الثانی لأنّ الأوّل آخذ أعنی زیداً والثانی مأخوذ أعنی درهماً. ویسند أیضاً إلی المصدر نحو : سیرَ سَیْرٌ شَدیدٌ ، وإنّما وصف المصدر لیعلم أنّه لا یجوز إقامة المصدر التأکیدی مقام الفاعل من غیر وصف إذ لا فائدة فی ذلک لأنّ الفعل یدلّ وحده علی ما یدلّ علیه المصدر التأکیدی وحذف الفاعل وإقامة المفعول مقامه ینبغی أن یفید فائدة متجدّدة ویسند أیضاً إلی الظرفین أعنی ظرف الزمان نحو : سیرَ یَوْم کذا ، وظرف المکان نحو : سیر فرسخان.

ص: 93

واعلم أنّه لا یجوز إقامة المفعول له والمفعول معه مقام الفاعل وأنّه إذا وجد المفعول به فی الکلام لا یجوز أیضاً أن یقام غیره مقام الفاعل.

وزید مقیم ظننت. والتعلیق نحو : علمت لزید منطلق ، وأزید عندک أم عمرو ؟ وأیّهم فی الدار ؟ وما زید بمنطلق.

أقول : ومن شأن أفعال القلوب أی ومن خصائصها جواز الإلغاء وهو إبطال علاقة المفعولیّة لفظاً ومعنیً بینها وبین مفعولیها حال کون تلک الأفعال متوسّطة بین المفعولین نحو : زید ظننت مقیم ، أو متأخّرة عنهما نحو : زید مقیم ظننت ، وذلک لأنّ هذه الأفعال بتقدّم أحد مفعولیها أو کلیهما علیها یضعف عملها مع أنّ مفعولَیْها کلام تامّ بدون عملها فیهما وبذلک یحصل ما هو الغرض منها فیجوز الإلغاء لذلک والإعمال لکونها أفعالاً والأفعال لقوّة عملها لا یمنع من العمل بتقدّم معمولیها علیها ومن شأنها أیضاً التعلیق وهو إبطال علاقة المفعولیّة بینها وبین مفعولیها لفظاً لا معنیً وذلک إذا وقعت قبل لام الابتداء نحو : علمت لزید منطلق أو قبل حرف الاستفهام نحو : علمت أزید عندک أم عمرو ، أو قبل اسم الاستفهام نحو : علمت أیّهم فی الدار ، أو قبل حرف النفی نحو : علمت ما زید بمنطلق ، وإنّما یبطل التعلیق اللفظی قبل هذه الکلمات لأنّها تستحقّ صدر الکلام فلو أعملت هذه الأفعال فیما بعدها لبطلت صدارتها ولم یبطل التعلیق المعنوی لأنّ هذه الأفعال واقعة علی ما بعد هذه الکلمات فی المعنی.

ترفع المبتدأ ویسمّی اسمها وتنصب الخبر ویسمّی خبرها کما تقدّم ، وإنّما سمّیت الأفعال الناقصة ناقصة لنقصانها عن سائر الأفعال فإنّها لا تتمّ کلاماً مَعَ فاعلها بل تحتاج إلی الخبر نحو : کان زیدٌ قائماً ، فإنّ کان تدلّ علی تقریر الفاعل أعنی زیداً علی صفة وهی القیام.

قال : وکان تکون ناقصة وتامّة نحو : کان الأمر أی وقع ، وزائدة نحو : ما کان أحْسَنَ زیداً ، ومضمراً فیها ضمیر الشأن نحو : کان زیدٌ منطلقٌ أی الشأن.

أقول : لمّا عدّ الأفعال الناقصة شرع فی بیان معانیها ولم یبیّن غیر معنی کان لأنّه أصل الباب ولهذا سمّی المرفوع فی هذا الباب اسم کان والمنصوب خبر کان.

وکان علی أربعة أضرب : لأنّها تکون ناقصة أی تدلّ علی ثبوت خبرها لاسمها فی الزمان الماضی إمّا دائماً نحو : کان الله قادراً ، وإمّا منقطعاً نحو : کان الفقیر ذا مالٍ.

وتامّة أی غیر محتاجة إلی الخبر : کان الأمر.

وزائدة أی غیر محتاج إلیها نحو : ما کان أحْسَنَ زیداً ، ومضمراً فیها ضمیر الشأن نحو : کان زیدٌ مُنْطَلِقٌ ، فإنّ اسم کان هذه ضمیر یعود إلی الشأن وزید مبتدأ ومنطلق خبره والجملة خبر کان والتقدیر کان الشأن زید منطلق ، وهذا القسم من أقسام الناقصة أیضاً إلّا أنّها مختصّة بکون اسمها ضمیر الشأن وخبرها جملة.

وصار للانتقال من حال إلی حال إمّا بحسب العوارض نحو : صار زیدٌ غنیّاً أو بحسب الذات نحو : صار الطینُ خَزَفاً.

وأصبح وأضحی وظلّ وبات وأمْسی للدلالة علی اقتران مضمون الجملة

ص: 96

بأوقاتها الخاصّة أعنی الصباح والمساء والضحی والظلول والبیتوتة نحو : أصبح زیدٌ مکرّراً ، المعنی اقتران تکریر زید بالصباح وکذا الباقی.

وما زال وما بَرَحَ وما فتئ وما انفکّ للدلالة علی استمرار ثبوت خبرها لفاعلها من زمان صلح الفاعل لقبول ذلک الخبر نحو : ما زال زیدٌ أمیراً ، بمعنی ثبوت امارته من زمان صلح الفاعل لقبولها إلی حین هذا القول.

وما دام لتوقیت أمر بمدّة ثبوت خبرها لاسمها نحو : اجلس ما دام زیدٌ جالساً ، فإنّ جلوس المخاطب مؤقّت بمدّة ثبوت جلوس زید.

ولیس لنفی الحال.

قال : ویجوز تقدیم خبرها علی اسمها وعلیها إلّا ما فی أوّله «ما» فإنّه لا یتقدّم علیه معموله ولکن یتقدّم علی اسمه فقط.

أقول : یجوز تقدیم خبر الأفعال الناقصة علی اسمها نحو : کان منطلقاً زیدٌ ، وعلی أنفسها نحو : منطلقاً کان زیدٌ ، وذلک لقوّة عملها لأنّها أفعال إلّا ما فی أوّله «ما» من هذه الأفعال فإنّه لا یتقدّم علیه معموله ولکن یتقدّم علی اسمه فحسب فلا یقال : أمیراً ما زال زیدٌ ، بل إنّما یقال : ما زال أمیراً زیدٌ ، وذلک لأنّ «ما» یقتضی صدر الکلام فلو قدّم الخبر علیها لبطلت صدارتها.

المقاربة ، وهی أفعال وضعت لدنوّ الخبر رجاءً أو حصولاً أو أخذاً فیه وهذه هی الأربعة المذکورة فی الکتاب ، واُلْحِقَ بها أخَذَ ، وجَعَلَ ، وطَفِقَ. عملها کعمل کان أی ترفع الاسم وتنصب الخبر لکن خبر عسی یجب أن یکون فعلاً مضارعاً دخل علیه «أنْ» لأنّ عسی لمقاربة الاستقبال ، وأنْ ممّا یختصّ به المضارع المشترک بین الاستقبال والحال بالاستقبال ، ویکون عسی حینئذٍ بمعنی قارَبَ والخبر فی تأویل المصدر نحو : عسی زَیدٌ أنْ یَخْرجَ أی قارب زید الخروج وقد یقع «أنْ» مع الفعل المضارع فاعلاً لعسی ویقتصر حینئذٍ علیه فلا یذکر لها خبر إذ لا یحتاج إلی الخبر بل یکون بمعنی قرب نحو : عسی أنْ یَخْرُجَ زیدٌ أی قَرُبَ خروجه.

قال : وخبر البواقی الفعل المضارع بغیر أنْ نحو : کاد زیدٌ یَخْرجُ.

أقول : هذا ظاهر وهنا زیادة فی بعض النسخ ونسخة الأصل ما کتبناه ولا مزید علیها ، وحاصل تلک الزیادة أنّه یجوز تشبیه کاد بعسی فی دخول أنْ علی خبرها نحو : کاد زیدٌ أنْ یخرجَ ، وفی وقوع أنْ مع الفعل المضارع فاعلاً لها نحو : کادَ أنْ یخرُجَ زیدٌ. ویجوز أیضاً تشبیه عسی بکادَ فی جواز حذف أنْ مِنْ خبرها نحو : عسی زیدٌ یخرجُ. وإنّ کَرَبَ علی وزن نَصَرَ ، وأوْشَکَ مثل کاد فی الاستعمال نحو : کَرَبَ زید یفعل ، وأوشک زید یقول.

واعلم أنَّ أخَذَ ، وجَعَلَ ، وطَفِقَ مثل کاد فی الاستعمال فیقال : أخَذَ وجَعَلَ وطَفِقَ زیدٌ یقُولُ.

زیدٌ ، وبئستِ المرأةُ دَعْدٌ.

أقول : لمّا فرغ من الصنف التاسع شرع فی الصنف العاشر أعنی فعلی المدح والذمّ. وفعل المدح والذمّ ما وضع لإنشاء مدح أو ذمّ والأصل فیه نعم وبئس ، والدلیل علی فعلیّتهما لحوق تاء التأنیث الساکنة بهما نحو : نِعمَتْ وبئسَتْ والباقی واضِح.

قال : وحقّ الأوّل التعریف بلام الجنس وقد یضمر ویفسّر بنکرة منصوبة نحو : نعم رجلاً زیدٌ.

أقول : وحقّ فاعل فعلی المدح والذمّ إذا کان مظهراً أن یکون معرّفاً بلام الجنس لکونهما موضوعین للمدح والذمّ العامّین ولام الجنس یفید العموم ، وقد یضمر فاعلهما ویفسّر بنکرة منصوبة ، وإنّما یجب التفسیر لئلّا یبقی مبهماً ، وإنّما یفسّر بالنکرة لأنّ الغرض یحصل بها فلو عرّفت لبقی التعریف ضائعاً.

واعلم أنّ المضاف إلی المعرّف بلام الجنس کالمعرّف نحو : نعم صاحبُ المالِ زیدٌ.

قال : وقد یحذف المخصوص نحو قوله تعالی : «فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ».

أقول : الحذف إنّما یجوز إذا دلّ علیه قرینة کما فی الآیة فإنّه لمّا قال : «وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ» (1) علم أنّ التقدیر فنعم الماهِدُونَ نحنُ.

قال : وحبّذا یجری مجری نعم ، فیقال : حبّذا الرجل زید ، وحَبَّذا رَجُلاً

ص: 99

زیدٌ ، وساءَ یجری مجری بِئس.

أقول : حَبَّ أصله حَبُبَ بضمّ العین فادغم ثمّ رکّب مع فاعله وهو ذا للتخفیف فصارا کالکلمة الواحدة ومعناه صار محبوباً جدّاً وإنّما لم یجعله من أفعال المدح بل جعله جاریاً مجری نعم لامتیازه باُمور : منها : أنّ فاعله لا یکون إلّا ذا لأنّ الغرض أعنی الإبهام فی المدح یحصل به فإنّه من المبهمات.

ومنها : أنّه لا یثنّی ولا یجمع ولا یؤنّث لأنّه کالمثل والأمثال لا تتغیّر.

ومنها : أنّه لا یجب ذکر التفسیر بعد إضمار فاعله بل یجوز أن یقال : حبّذا رجلاً زیدٌ ، وحبّذا زیدٌ بخلاف نِعْمَ فإنّه یجب ذلک التفسیر فیه لأنّ الفاعل فی حبّذا مذکور وفی نِعْمَ مستتر فجعل ذکر التمییز فی نِعْمَ کالبدل عنه وهذا الاستعمال أعنی حبّذا الرجل زید إنّما هو عند من لم یجعل «ذا» فاعلاً له بناء علی أنّه صار کالجزء منه بالترکیب فخرج عن الفاعلیّة ، وأمّا من یجعل «ذا» فاعلاً له فلا یأتی بعده فاعلاً بلفظ الرجل لأنّ الفاعل لا یکون إلّا واحداً.

وساءَ یجری مجری بئس نحو : ساءَ الرجل زید ، وساء مثلاً القوم ، وإنّما لم یجعله من أفعال الذمّ لأنّه ربّما یستعمل من غیر استعمال بئس فیقال فی الخبر : ساءنی فلان بمعنی نقیض سرّنی بخلاف بئس فإنّه لا یستعمل إلّا فی الإنشاء.

التعجب وهما : فعلان موضوعان لإنشاء التعجب أحدهما علی مثال «ما أفعله» نحو : ما أحْسَنَ زیداً ، والثانی علی مثال «أفعل به» نحو : أحْسِن بزید ، ومعناهما أنّ زیداً أحْسَنُ جدّاً. وإنّما لا یبنیان إلّا من الثلاثی المجرّد لأنّ هذین البناءین لا یمکن من غیره وإنّما یجب أن لا یکون بمعنی افعلّ وافعالّ أی لا یکون من الألوان والعیوب لأنّ أفعل التعجب یشبه أفعل التفضیل فی المبالغة وقد عرفت أنّ أفعل التفضیل لا یبنی من الألوان والعیوب.

قال : ویتوصّل إلی التعجب فیما وراء ذلک بأشدّ ونحو ذلک فیقال : ما أشَدَّ دَحْرَجَتَهُ ، وما أکثر استخراجه ، وما أبلغ سواده ، وما أقْبَحَ عِوَرَهُ.

أقول : إذا اُرید بناء التعجب فیما وراء ذلک أی الثلاثی المجرّد الّذی لیس بمعنی افعلّ وافعالّ أی فی الثلاثی المزید أو فی غیر الثلاثی أو فی الثلاثی المجرّد اللونیّ والعیبیّ یتوصّل «بأشدّ» ونحوه ، أی یجعل ذلک وسیلة إلیه بأن یبنی التعجب منه ویجعل ذلک المزید أو اللون أو غیرهما مفعولاً له فإنّه یفید حینئذٍ ما کان یفیده التعجب المبنیّ من نفس ذلک المزید أو اللونیّ أو غیرهما فیقال فی غیر الثلاثی : ما أشَدَّ دَحْرَجَتَه ، وفی اللونیّ : ما أبْلَغَ سَوادَهُ ، وفی العیبیّ : ما أقبح عِوَرَهُ ، وفی المزید : ما أکثر استخراجه ، وإن شئت قلت : أشدد بدحرجته ، وأبلغ بسواده ، وأقبح بعوره ، وأکثر باستخراجه ، والمعنی علی ما کان فی ما أحْسَنَ زیداً ونحو : أشدّ ، أبلغ وأقبح وأتمّ وأکثر وأکمل.

قال : و «ما» فی ما أفعل زیداً مبتدأ وأفعل خبره.

أقول : هذا مذهب سیبویه وعند الأخفش «ما» مبتدأ بمعنی الّذی وأفعل

ص: 101

صلة والخبر محذوف والتقدیر الّذی أحْسَنَ زیداً شیء ، وأمّا أحْسِنْ بزید فعند سیبویه أصله أحسن زید أی صار ذا حُسْنٍ ، فأحْسَنَ فعل ماض ، وزید فاعله نقل عن صیغة الإخبار إلی الإنشاء وزیدت الباء فی فاعله کما فی «کَفَی بِاللَّ-هِ» (1) وعند الأخفش أمر وفاعله مستتر والمأمور کلّ واحد بأن یجعل زید أحْسَنَ والباء زائدة فی المفعول کما فی قوله تعالی : «وَلَا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ» (2).

المذکورة فی هذا الکتاب ثلاثة وعشرون وستعرف کلّ واحد فی موضعه.

انتهاء أکلی عند الرأس ، ولا یجب أن یکون الرأس مأکولاً أیضاً بخلاف ما إذا قلت : أکَلْتُ السَّمَکَةَ حتّی رأسها ، فالمعنی یکون انتهاء أکلی بالرأس فیجب أن یکون الرأس مأکولاً أیضاً.

والرابع : فی و هی للوعاءِ أی للظرفیّة نحو اَلمالُ فِی الکیس.

والخامس : الباء و هی للإلصاق فی الأصل نحو : مررت بزید أی التصق مروری بمکان قریب من مکانِ زید. وباء القَسم فی نحو أقْسَمْتُ باللهِ من هذا القبیل إذ المعنی التصق قَسَمی بلفظ الله.

وقد تستعمل للاستعانة نحو : کَتَبْتُ بالقَلَمِ أی باستعانة القلم.

وللمصاحبة أی بمعنی مع نحو : اشَتَریْتُ الْفَرَسَ بسرجه ولجامِهِ أی معهما.

وللتعدیة نحو : ذَهَبْتُ بِزَیْدٍ أی أذْهَبْتُهُ.

وللظرفیّة نحو : جَلَسْتُ بالمسجد أی فی المسجد.

وقد تکون زائدة نحو : «کَفَی بِاللَّ-هِ شَهِیدًا» (1) أی کفی الله.

والسادس : اللام وهی للاختصاص نحو : الجلّ للفَرَس أی مختّص به.

وقد تکون للتعلیل أی بمعنی « کی » نحو : جئتک لتکرمنی یعنی کی تکرمنی.

وقد تکون زائدة کما فی قوله تعالی : «رَدِفَ لَکُم» (2) أی ردفکم.

والسابع : رُبّ وهی للتقلیل أی تدلّ علی تقلیل نوع من جنس نحو : رُبَّ رجلٍ کریم لقیته ، المعنی أنّ الرجال الکرام الّذین لقیتهم وإن کانوا کثیرین لکنّهم بالقیاس إلی الّذین ما لقیتهم قلیلُون.

ویختصّ رُبَّ بالنکرات أی لا تدخل علی المعارف لأنّ ما هو الغرض

ص: 104

منها أعنی الدلالة علی تقلیل نوع من جنس یحصل بدون التعریف فلو عرّف مدخولها لکان التعریف ضائعاً ، ویجب أن تکون النکرة الّتی دخلت علیها ربّ موصوفة کما ذکرناه لیجعل الوصف ذلک الجنس النکرة نوعاً فیحصل الغرض ، وقد تلحق «ما» بربّ فتمنعها عن العمل وتسمّی ما الکافّة وحینئذٍ یجوز أن یدخل علی الأفعال نحو : ربّما قام زید.

والثامن ، والتاسع : واو القسم وتاؤه نحو : وَاللهِ وتَاللهِ لَأفْعَلَنَّ کذا.

واعلم أنّ الأصل فی القَسَم الباء والواو تبدل منها عند حذف الفعل فقولنا : واللهِ فی معنی أقسمت بالله والتاء تبدل من الواو فی تالله خاصّة فالباء لأصالتها تدخل علی المظهر والمضمر نحو : بالله وبک لأفعلنّ ، والواو لا تدخل إلّا علی المظهر لنقصانها عن الباء فلا یقال : وَکَ لأفعلنّ کذا ، والتاء لا تدخل علی المظهر إلّا علی لفظ الله لنقصانها عن الواو.

والعاشر : علی وهی للاستعلاء نحو : زید علی السطح أی مُستَعْلٍ علیه.

والحادی عشر : عن وهی للمجاوزة نحو : رمیت السَّهمَ عن القوسِ أی جعلته مجاوزاً عنه.

والثانی عشر : الکاف وهی للتشبیه نحو : الّذی کزید أخوک أی الّذی شبّه بزیدٍ أخوک.

وقد تکون زائدة کقوله تعالی : «لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ» (1) أی لیس شیء مثله.

والثالث عشر ، والرابع عشر : مُذْ ومُنْذ وهما للابتداء فی الزمان ، وقد عرفت معنی الابتداء نحو : ما رأیتُهُ مُذْ یومِ الجمعةِ أی ابتداء زمان انتفاء رؤیتی یوم الجمعة.

ص: 105

والخامس عشر ، والسادس عشر ، والسابع عشر : حاشا وعدا وخلا ، وهی للاستثناء أی بمعنی إلّا نحو : جاءنی القوم حاشا زیدٍ أی إلّا زیداً. وقد مرّ ذلک فی المستثنی.

واعلم أنّ حروف الجرّ قد تحذف وینصب مدخولها ویقال إنّه منصوب علی نزع الخافض أو علی المفعولیّة کقوله تعالی : «وَاخْتَارَ مُوسَی قَوْمَهُ» (1) أی من قومه.

أقول : إنّ المکسورة وأنّ المفتوحة کلاهما تدخلان علی الجملة الاسمیّة أعنی المبتدأ والخبر ، والفرق بینهما أنّ مدخول المکسورة باق کما کان جملة قبل دخولها ، ومدخول المفتوحة یصیر بدخولها فی تأویل المفرد ، فاکسر الهمزة فی مظانّ الجمل یعنی فی کلّ موضع یکون مظنّة للجمل أی یظنّ أن یقع فیه الجملة نحو : إنّ زیداً منطلقٌ ، فإنّه کلامٌ ابتدائیّ فیکون زیدٌ منطلقٌ فی موضع الجملة ، وافتحها فی مظانّ المفرد نحو : علمت أنّک خارج ، فإنّ أنک خارج فی تأویل المفرد لأنّه مفعول علمت وموضع المفعول موضع المفرد وهنا بحث ذکره یورث التطویل.

واعلم أنّ المظانّ جمع المظنّة ومظنّة الشیء الموضع الّذی یظنّ کونه فیه.

قال : وإذا عطفت علی اسم إنّ المکسورة بعد ذکر الخبر جاز فی المعطوف الرفع والنصب نحو : إنّ زیداً منطلقٌ وبشراً أو بشرٌ علی اللفظ أو المحلّ وکذلک لکن إذا عطفت دون غیرهما.

أقول : وإنّما جاز الحمل علی المحلّ لأنّ إنّ المکسورة لا یغیّر معنی الجملة عمّا کان علیه کما عرفت فالاسم فیها مرفوع المحلّ علی الابتدائیّة کما کان قبل دخولها بخلاف المفتوحة فإنّها تغیّر معنی الجملة ولذلک قیّد العطف بالمکسورة ، وإنّما اشترط بعد ذکر الخبر لأنّه لا یجوز أن یقال : إنّ زیداً وبشرٌ منطلقان ، لأنّه یلزم منه توارد العاملین أعنی إنّ والتجرّد علی معمول واحد وهو منطلقان ، لأنّه من حیث کونه خبراً لإنّ یکون العامل فیه إنّ ومن حیث کونه خبراً لبشر یکون العامل فیه التجرّد ولکنّ مثل إنّ فی العطف دون غیرها لأنّها لا تغیّر معنی الجملة کأنّ بخلاف سائر أخواتها.

قال : ویبطل عملها الکفّ والتخفیف ویُهیّئها للدخول علی القبیلتین نحو :

ص: 107

إنّما زید منطلق ، وإنّما ذَهَبَ عمرو ، وإنْ زیدٌ لکریمٌ ، وإنْ کان زیدٌ لکریماً ، وبلغنی أنّما زید مُنْطَلِقٌ ، وإنّما ذَهَبَ عَمْرو ، وبلغنی أنّ زیداً أخوک ، وبلغنی أن قد ضَرَبَ زید ، ولکن أخوک قائم ، ولکن خَرَجَ بکر ، وکَأنْ ثَدْیاهُ حُقّانِ ، وکَأن قد کانَ کذا.

أقول : یبطل عمل الحروف المشبّهة الکفّ أی اتصال ما الکافّة بها ، وذلک عامّ فی الجمیع وکذلک یبطل عملها التخفیف وذلک فیما یخفّف منها أعنی الأربعة الّتی فی أواخرها النون ویهیّئ الکفّ والتخفیف هذه الحروف للدخول علی القبیلتین أی الأسماء والأفعال لأنّ اختصاصها بالأسماء إنّما کان لأجل العَمَل فإنّ العامل یجب أن یکون مختصّاً بقبیلة ما یعمل فیه والأمثلة ظاهرة وقوله کَأنْ ثَدْیاهُ حُقّانِ ، أوّله :

وَنَحْرٍ مُشْرِقِ اللَّوْنِ*** کَأن ثَدْیاهُ حُقّانِ (1)

قال : والفعل الّذی یدخل علیه إن المخفّفة یجب أن یکون ممّا یدخل علی المبتدأ والخبر نحو : إن کان زیدٌ لکریماً ، وإن ظننته لقائماً ، واللام لازمة لخبرها.

أقول : إنّما وجب أن یکون ذلک الفعل من دواخل المبتدأ والخبر کالأفعال الناقصة وأفعال القلوب لأنّ أصل هذه الحروف أن تدخل علی المبتدأ والخبر فلمّا عرض لها «ما» أزال اختصاصها بالأسماء وهیّئها للدخول علی الأفعال وجب أن یکون ذلک الفعل من دواخل المبتدأ والخبر لیوفی علیها مقتضاها ولئلّا یلزم العدول عن الأصل من کل وجه وإنّما لزمت الّلام فی

ص: 108

خبرها للفرق بینها وبین إنْ النافیة.

قال : ولا بدّ لأنْ المخفّفة من أحد الحروف الأربعة وهی : قد ، وسوف ، والسین ، وحرف النفی نحو : عَلِمْتُ أنْ قد خَرَجَ زید ، وأنْ سَوفَ یخرج ، وأنْ سَیَخْرُج ، وأنْ لَمْ یَخْرُجْ زید.

أقول : إنّما لا بدّ للمخفّفة من أحد الحروف الأربعة إذا کانت داخلة علی الأفعال وذلک للفرق بینها وبین أنْ الناصبة ولم یعکس لأنّ الزیادة بالمحذوف أولی.

البغال لانتفاء الجزئیّة.

قال : وأوْ وإمّا لأحد الشیئین أو الأشیاء وهما تقعان فی الخبر والأمر والاستفهام.

أقول : خامس حروف العطف وسادسها : أو وإمّا وهما للدلالة علی ثبوت الحکم لواحد من الشیئین إذا کان المعطوف متّحداً نحو : جاءنی زیدٌ أو عمروٌ وجاءنی إمّا زید وإمّا عمرو أی جاءَ أحدهما أو لواحدٍ من الأشیاء إذا کان متکثّراً نحو : جاءنی زیدٌ أو عمروٌ أو بکرٌ أو خالدٌ ، وجاءنی إمّا زیدٌ وإمّا عمروٌ وإمّا بکرٌ أی جاء أحدهم.

ویقع أو وإمّا فی الخبر کما مرّ وفی الأمر نحو : جالس الحَسَن أو ابن سیرینَ ، وخُذْ إمّا درهماً وإمّا دیناراً ، وفی الاستفهام نحو : ألَقیْتَ عبد اللهِ أو أخاه ؟ وأضَرَبْتَ إمّا عبد الله وإمّا أخاهُ ؟ قال : وأم نحوهما غیر أنّها لا تقع إلّا فی الاستفهام متّصلة وتقع فیه وفی الخبر منقطعة نحو : أزَیْدٌ عندک أمْ عَمرو ؟ وإنّها لإبل أمْ شاة.

أقول : سابع حروف العطف : أمْ وهِیَ مثل أو وإمّا فی الدلالة علی ثبوت الحکم لأحد الشیئین أو الأشیاء لکنّها لا تقع إلّا فی الاستفهام حال کونها متّصلة وتقع فیه وفی الخبر حال کونها منقطعة یعنی أنّ أمْ علی ضَرْبین : متّصلة ، ومنقطعة.

والمتّصلة : هی الّتی تقع بعد استفهام یلیه مثل ما یلی أم من المفرد نحو : أزَیْد عِنْدک أم عمرو ؟ أو الجملة نحو : أضَرَبْتَ زیداً أمْ ضَرَبْتَ عَمْراً ؟ والمُنقطعة : هی الّتی تقع إمّا بعد غیر الاستفهام نحو : إنّها لإبل أم

ص: 110

شاة ، أو بعد استفهام لا یلیه مثل ما یلی أمْ نحو : أرَأیتَ زیداً أمْ عَمْراً ؟ وهی فی معنی بل والهمزة ، فإنّ قولنا : أم شاة وأم عمرو ومعناه بل أهی شاة ؟ وبل أرأیت عمراً. والهاء فی إنّها للجثّة کَأنّ القائل رأی جثّة وظنّها إبلاً فأخبر علی ما ظنّه ثمّ تیقّنَ أنّها لیست بإبل وتردّد فی أنّها شاة أمْ لا فاسْتانف سُؤالاً فقال أم شاة أی بل أهِیَ شاة. والفرق بین أمْ وأو أنّ السؤال بأو إنّما یکون إذا لم یتحقّق ثبوت الحکم لواحد من المعطوف والمعطوف علیه نحو : أزید عندک أو عمرو ؟ فإنّه إنّما یصحّ إذا لم یعلم کون ثبوت أحدهما عند المخاطب معلوماً وأمّا أم فإنّ السؤال بها إنّما یکون إذا کان ثبوت الحکم معلوماً لأحدهما عند المخاطب ویکون الغرض عن السؤال التعیین نحو : أزَیْد عندَک أم عمرو ؟ فإنّه إنّما یصحّ إذا کان کون أحدهما عند المخاطب معلوماً لا بعینه ، ویکون الغرض من السؤال التعیین ، ولذلک یکون جواب أو «بلا أو بنعم» لحصول الغرض بذلک ، ولا یکون جواب أمْ إلّا بالتعیین ، والفرق بینهما وبین إمّا أنّ إمّا یجب أن یتقدّمها إمّا اُخری نحو : جاءنی إمّا زید وإمّا عمرو بخلافهما.

قال : ولا لنفی ما وَجَبَ للأوّل عن الثانی نحو : جاءنی زیدٌ لا عمروٌ. وبَلْ للإضراب عن الأوّل منفیّا کان أو مُوجباً نحو : جاءنی زید بل عمرو ، وما جاءنی بکر بل خالد. ولکن للاستدراک وهی فی عطف الجمل نظیرة بل ، وفی عطف المفردات نقیضة لا.

أقول : ثامن حروف العطف وتاسعها وعاشرها : لا ، وبَلْ ، ولکِنْ ، وهذه الثلاثة مشترکة فی الدلالة علی ثبوت الحکم لواحد من المعطوف والمعطوف علیه علی التعیین ، ویفترق کلّ واحد من الآخرین بخاصّة.

فلا تدلّ علی نفی ما وجب للأوّل عن الثانی نحو : جاءنی زید

ص: 111

لا عمرو ، فقد نفیت المجیء الثابت لزید عن عمرو.

وبلْ للإضراب أی لِلْإعراض عن الکلام الأوّل منفیّاً کان ذلک الکلام أو موجباً أمّا الموجب نحو : جاءنی زید بل عمرو ، والمعنی بل جاءنی عمرو وما جاءنی زید فأعرضت عن الکلام الأوّل لکونه غلطاً. وأمّا المنفی نحو : ما جاءنی بکر بل خالد وهذا یحتمل الوجهین : الأوّل : أن یکون المعنی بل ما جاءنی خالد وجاءنی بکر ، وحینئذٍ یکون الإضراب عن الفعل مع حرف النفی.

والثانی : أن یکون معنی بل جاءنی خالد وما جاءنی بکر ، وحینئذٍ یکون الإضراب عن الفعل دون الحرف النفی فقول المصنّف : وبل للإضراب یکون صحیحاً.

ولکِنْ للاستدراک ، والاستدراک دفع توهّم نشأ من کلام تقدّم علی لکن وهی فی عطف الجمل نظیرة بل فی الاستدراک فقط فإنّ بَلْ مع أنّها تفید الإضراب تفید الاستدراک أیضاً نحو : ما جاءنی زید لکن عمرو جاء ، وجاءنی زید لکن عمرو لم یجیء ، وفی عطف المفردات نقیضة لا ، یعنی لا یعطف بها مفرد علی مفرد إلّا إذا کان قبلها نفی فحینئذٍ تکون نقیضة لا نحو : ما جاءنی زید لکن بکر أی لکن بکر جاءنی فقد أثبتّ للثانی ما نفیتَ عن الأوّل علی عکس لا وإنّما لا یعطف بها المفرد علی المفرد إلّا فیما کان قبلها نفی لیعلم المغایرة بین ما قبلها وما بعدها فإنّها یجب أن تقع بین الکلامین المتغایرین.

المضارع نحو : ما یفعل الآن أو الجملة الاسمیّة نحو : ما زید منطلقاً ، أو لنفی الماضی القریب من الحال نحو : ما فعل زیدٌ. وإنْ ( بکسر الهمزة وسکون النون ) نظیرة ما فی نفی الحال فقط وتدخل فی الماضی والمضارع والجملة الاسمیّة نحو : إنْ قام زیدٌ ، وإن یقوم زیدٌ ، وإنْ زیدٌ منطلقٌ.

قال : ولا لنفی المستقبل والماضی بشرط التکریر ونفی الأمر والدعاء نحو : لا یَفعل زید ، وقوله تعالی : «فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّی» (1) وقد لا یتکرّر نحو : لا فَعَلَ ، ولا تَفْعَل ، ویسمّی النهی ، ولا رعاک الله ویسمّی الدعاء.

أقول : قوله : ویسمّی النهی ، معناه أنّ المثال المذکور أعنی لا تفعل یسمّی نهیاً إذ نفی الأمر نهی ، وقوله : لا فَعَلَ ، مثال لنفی الماضی بلا تکریر ، وقد جاء فی الشعر أیضاً نحو : أیُّ أمر سَیّئٍ لا فَعَلَه ، والباقی ظاهر.

قال : ولا لنفی العامّ نحو : لا رَجُلَ فی الدار ولا امرأة ولغیر العامّ نحو : لا رجلَ فیها ولا امرأة ، ولا زید فیها ولا عمرو.

أقول : وقد یجیء لا لنفی العامّ أی لتدلّ علی نفی جنس مدخولها وهی التی تسمّی لا لنفی الجنس ولا تدخل إلّا علی النکرة ، وقد یجیء لا لنفی غیر العامّ أی لتدلّ علی نفی فرد من أفراد جنس مدخولها ، وقد تدخل علی المعرفة والنکرة والأمثلة ظاهرة.

قال : ولَمْ ولمّا لنفی المضارع ، وقلب معناه إلی معنی الماضی ، وفی لمّا توقّع وانتظار.

ص: 113

أقول : إذا قلت لَمْ یَضْرِبْ زَیْدٌ ، ولمّا یَضْرِبْ زَیْد کان معناهما : ما ضَرَبَ زیدٌ ، والفرق بینهما أنّ فی لَمّا توقّعا وانتظاراً أی أنّها إنّما تنفی فعلاً یتوقّع وقوعه وینتظر بخلاف لم.

قال : ولَنْ نظیرة لا فی نفی المستقبل ولکن علی التأکید.

أقول : إذا أردت نفی المستقبل مطلقاً قلت لا أضرب مثلاً ، وإذا أردت نفیه مع التأکید قلت : لَنْ أضْرِبَ مثلاً ، وفی بعض النسخ التأبید بدل قوله والتأکید.

واعلم أنّ مذهب الخلیل أنّ أصل لَنْ لا أنْ فَخُفّفت بحذف الهمزة والألف ، ومذهب الفرّاء أنّ نونها مبدلة من الألف وأصلها عنده لا فأبدلت الألف نوناً فصار لَنْ ، ومذهب سیبویه وهو الأصحّ أنّها حرف برأسها.

وإنّما اختصّت الثلاث بالبعید لأنّ المنادی البعید والمنزّل بمنزلته یحتاج إلی تصویت أبلغ ممّا یحتاج إلیه القریب والتصویت فی هذه الثلاث أبلغ منه فی الأخیرتین. وخصّت أی والهمزة للقریب کمن بین یدیک لأنّ رفع الصوت فی ندائه لا یکون مطلوباً وهما خالیتان عن رفع الصوت. وبعض یثلّث القسمة فیقول : یا أعمّ الحروف ویستعمل للبعید والمتوسّط والقریب ، وأیا وهَیا للبعید ، وأیْ والهمزة للقریب ، ووا للمندوب خاصّة وقد تقدّم معنی المندوب ، وإنّما ذکر المصنّف وافی حروف النداء لاشتراکهما فی افادة التخصیص ، ولهذا ذکر المندوب فی باب المنادی.

أقول : مثاله أن یقال : ما قام زیدٌ ، أو قام زیدٌ ، فیقال : أجل أو جیر.

قال : وإی مختصّة بالقسم فیقال : ای والله.

أقول : معناه أنّ إی لا تستعمل إلّا مع القسم مثل أن یقال : أقام زید ؟ فیقال : إی والله.

من الکلام الداخلة هی علیه.

قلت هلّا تقرأ القرآن ؟ یکون المراد حثّ المخاطب علی القراءة ، وسبب التسمیة بحروف التحضیض ظاهرٌ.

قال : ولولا ولو ما تکونان أیضاً لامتناع الشیء لوجود غیره فتختصّان بالاسم نحو : لولا عَلِیٌّ لَهَلَکَ عُمَر.

أقول : معناه لکن ما هلک عمر لأنّ عَلیّاً ( علیه الصلاة والسلام ) کان موجوداً فلولا هنا لامتناع هلاک عمر لوجود علیّ ( علیه السلام ).

قیل : سبب هذا القول أنّ عمر أمَر برجم الحامل فقال له علیّ ( علیه السلام ) : إن کانت الاُمّ أذْنَبَتْ فما ذنب الجنین ؟ فقال عمر هذا ، وقیل : إنّ سائلاً دخل علی النبی ( صلّی الله علیه وآله وسلّم ) وأنشد بَیْتاً فقال النبی ( صلّی الله علیه وآله وسلم ) لعمر : اقطع لسانه فأذهبه عمر لیقطع لسانه فلقیه علیّ ( علیه السلام ) فقال له : ما ترید بهذا الرجل ؟ فقال : أقطع لسانه ، فقال علیّ ( علیه السلام ) : أحْسِنْ إلیه فإنّ الإحسان یقطع اللسان ، فرجعا إلی النبی ( صلّی الله علیه وآله وسلم ) فقالا له : أیّ شیء تعنی بالقطع یا رسول الله ؟ فقال : الإحسان ، فقال عمر ذلک.

أقول : سمّیت حروف الاستقبال لأنّها تخصّ المضارع المشترک بین الحال والاستقبال ، بالاستقبال.

أذْهَبُ أنَا مَعَهُ. ومثال لو نحو : لَو خَرَجَ زَیْدٌ أخْرُج مَعَهُ ، فإنّ المعنی لو خَرَجَ هو خَرَجْتُ أنَا مَعَهُ.

قال : ویجیء فعلا الشرط والجزاء مضارعین أو ماضیین أو أحدهما ماضیاً والآخر مضارعاً فإن کان الأوّل ماضیاً والآخر مضارعاً جاز رفعه وجزمه نحو : إن ضَرَبْتَنی أضْرِبْکَ.

أقول : للشرط والجزاء أربعة أحوال لأنّهما إمّا أن یکونا مضارعین نحو : إنْ تَضْرِبْ أضْرِبْکَ فالجزم واجب فیهما.

وإمّا أن یکونا ماضیین نحو : إنْ ضَرَبْتَ ضَرَبْتُ ولا جزم فیهما.

وإمّا أن یکون الجزاء ماضیاً والشرط مضارعاً نحو : إنْ تضربْ ضَرَبْتُ وحینئذٍ یجب الجزم فی الشرط ویمتنع فی الجزاء.

وإمّا أن یکونا بالعکس نحو : إنْ ضَرَبْتَنی أضْرِبْکَ ویمتنع حینئذٍ الجزم فی الشرط ویجوز فی الجزاء الجزم علی القیاس والرفع لأنّ حرف الشرط لمّا لم یعمل فی الشرط مع قربه منه ففی الجزاء مَعَ البعد بالطریق الأولی.

قال : وتدخل الفاء فی الجزاء إذا لم یکن مستقبلاً أو ماضیاً فی معناه نحو : إنْ جئْتَنی فَأنْتَ مُکْرَمٌ ، وإنْ تُکْرِمْنی الیَوْمَ فَقَدْ أکْرَمْتُکَ أمْسِ.

أقول : قوله : وتدخل الفاء فی الجزاء معناه أنّه یجب أن تدخل الفاء فی الجزاء بشرطین ، وذلک مثل الجملة الاسمیّة والماضی الصریح ، وکذا حکم الأمر والنهی نحو : إنْ أتاکَ زَیْدٌ فَأکْرِمْهُ ، وإنْ ضَرَبَکَ عَمرو فلا تکرمه ، وإنّما یجب دخول الفاء فی هذه المواضع لامتناع تأثیر حرف الشرط فی الجزاء إذا کان واحداً من هذه الأربعة فیجب دخول الفاء لیربطه بالشرط وإنّما قال : إذا لم یکن مستقبلاً أو ماضیاً فی معناه ، لأنّه

ص: 120

إذا کان مستقبلاً بأن یکون مضارعاً مثبتاً أو منفیّاً ب- (لا) یجوز الوجهان.

وإذا کان ماضیاً فی معناه یمتنع دخول الفاء ، وإنّما قیّدنا جواز الوجهین فی المضارع المنفی بکونه منفیّاً بلا لأنّه إذا کان منفیّاً بلَنْ مثلاً یجب الفاء کقوله تعالی : «وَمَن یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلَامِ دِینًا فَلَن یُقْبَلَ مِنْهُ» (1).

واعلم أنّه قد یقام «إذا» مقام الفاء کقوله تعالی : «وَإِن تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذَا هُمْ یَقْنَطُونَ» (2) أی فهم یقنطون ، وتحقیق ذلک أنّ إذا هذه للمفاجأة فهی فی معنی فاجأتُ فالجزاء حینئذٍ فی الحقیقة فعل ماضٍ وإذا کان کذلک لم یحتجّ إلی الربط والتقدیر فإن تُصِبْهم سیّئةٌ فاجأت زمان قنوطهم.

قال : وتزاد علیها ما للتأکید ولها صدر الکلام ولا تدخل إلّا علی الفعل.

أقول : مثال ذلک قوله تعالی : «فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُم مِّنِّی هُدًی» (3). وسبب صدارتها ما ذکرنا فی الاستفهام. ولا تدخل إلّا علی الفعل لأنّ الشرط یجب أن یکون فعلاً فإن کان ملفوظاً فذاک وإلّا فیجب أن یقدّر کقوله تعالی : «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِکِینَ اسْتَجَارَکَ فَأَجِرْهُ» (4) و «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِکُونَ» (5) فإنّ التقدیر وإنِ استجارک أحَد وقُلْ لَو تَمْلِکُونَ أنْتُمْ.

قال : وإذَنْ جواب وجزاء ، وعملها فی فعل مستقبل غیر معتمدٍ علی ما قبلها وتلغیها إذا کان الفعل حالاً کقولک لمن یحدّثک : إذَنْ أظنّک کاذباً ، أو معتمداً علی ما قبلها نحو أنا إذَنْ أَکْرمُکَ.

ص: 121

أقول : من نواصب الفعل المضارع إذن وهی جواب وجزاء أی تقع فی کلام من یجیب متکلّماً ویخبره بجزائه علی فعله الّذی دلّ علیه کلامه کقولک لمن قال : أنا آتیک ، إذَنْ أَکرمُکَ ، فإنّ قولک : إذن أکرمک جواب لقائل أنا آتیک. ودلیل علی جزاء فعله أعنی إکرامک إیّاهُ ، وباقی الکلام علی إذن قد قرّرنا عند تقریر نواصب الفعل المضارع لمّا کان ألیق هناکَ.

أحدهما منشأ المعانی والآخر مظهرها.

وإمّا للعهد نحو : فعل الرجل کذا ، أی الرجل المعهود.

والهمزة قبلها عند سیبویه للوصل ولذلک تسقط فی الدرج ، وقال الخلیل : إنّ الهمزة واللام تفیدان معاً التعریف ، فالهمزة قطعیّة ، والسقوط للدرج إنّما هو للخفّة فإنّها کثیرة الاستعمال.

قال : ولام القسم : نحو : واللهِ لأفعلنّ کذا ، والموطّئة له فی نحو : والله لئن أکرمتنی لأکرمتک.

أقول : لام القسم هی الّتی تدخل علی جوابه واللام الموطّئة له هی الّتی تدخل علی حرف شرط تقدّمه قسم لفظاً کما فی الکتاب ، أو تقدیراً کما فی قوله تعالی : «لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا یَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» (1) فإنّ التقدیر واللهِ لئن اُخرجوا. وسمّیت الموطّئة لهُ أی المهیّئة من قولهم : وطّأته أی هیّئة لتهیئتها الجواب للقسم فی دلالتها علی أنّه له لا للشرط.

قال : ولام جواب لو ولولا : ویجوز حذفها.

أقول : مثاله قوله تعالی : «لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّ-هُ لَفَسَدَتَا» (2) و «فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّ-هِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ لَکُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِینَ» (3) وهی بمنزلة الفاء فی جواب إن لیربط بالشرط. ویجوز حذفها إذا علمت کقوله تعالی : «لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا» (4) أی لجعلناه.

قال : ولام الأمر تسکن عند واو العطف وفائه.

ص: 123

أقول : مثاله قوله تعالی : «فَلْیَسْتَجِیبُوا لِی وَلْیُؤْمِنُوا بِی» (1).

قال : ولام الابتداء فی نحو : لَزَیْدٌ قائمٌ ، وإنّه لَیَذْهَبُ.

أقول : فائدتها تأکید مضمون الجملة الّتی دخلت علیها وتلک الجملة إمّا اسمیّة نحو : لَزیدٌ قائمٌ ، وإمّا فعلیة وفعلها مضارع نحو : إنّه لَیَذْهَبُ.

مذکور فی التصریف وقد شرحناها فی شرحه.

أقِلّی اللَّوْمَ عاذِلُ والْعِتابا***فَقُولی إنْ أصَبْتُ لَقَدْ أصابا (1)

والمعنی یا عاذلة أقلّی لَومی وعتابی وصوّبینی فیما أفعل.

وشین الوقف وسینها : شین معجمة عند بنی تمیم وسین مهملة عند بکر تلحق کاف المؤنّث فی الوقف نحو : أکْرمْتکِش ، ومَرَرت بکِس معجمة أو مهملة ویسمّی شین الکشکشة أو سینها.

وعن معاویة - مسکنها هاویة - أنّه قال یوماً : من أفصح الناس ؟ فقام رجل من الفصحاء وقال : قوم تباعدوا عن فراتیّة العراق ، وتیامنوا عن کشکشة بنی تمیم ، وتیاسروا عن کسکسة بکر ، لیست فیهم غمغمةٌ قُضاعة ، ولا طمطمانیّة حمیر ، فقال معاویة : من هم ؟ قال : قومک ، فالکشکشة والکسکسة إلحاق الشین أو السین بکاف المؤنّث ، وبکر وقضاعة بالقاف المضمومة ، وحمیر ثلاث قبائل والفراتیّة بضمّ الفاء وتشدید الیاء لغة أهل العراق ، والغَمْغَمة علی وزن زلزلة عدم تبیّن الکلام ، وَالطمطمانیّة بضمّ الطاءین ، وتشدید الیاء تشبیه الکلام بکلام العجم.

وحُروف الإنکار زیادة تلحق آخر الکلمة فی الاستفهام کقولک لمن قال : قَدِمَ زیدٌ ، أزَیْدُنیه ، بضمّ الدال وکسر النون وسکون الیاء والهاء منکراً لقدومه إذا کان قلیل السفر ، وبخلاف قدومه إذا کان کثیر السفر. وکقولک لمن قال : غلبنی الأمیر ، الأمیروُه. بمدّ الهمزة وضمّ الراء وسکون الهاء مستهزءًا به ، ومنکراً لتعجّبه من أن یغلبه الأمیر.

وحروف التذکیر مدّة تزاد علی آخر کلّ کلمة یقف المتکلّم علیها لیتذکّر ما یتکلّم به بعدها مثل أن یقول الرجل فی قال ویقول ، ومن العام

ص: 126

قالا ویقولوا ، ومن العامی إذا تذکّر ولم یرد أن یقطع کلامه.

والآن حان أن یقطع کلامنا علی ثالث الأبواب إذ وفّقنا الله تعالی لإنجاز ما وَعَدَنا صدر الکتاب والمؤمّل ممّن یعثر علی خلل فیه أن یصلحه بکرمه ویعصمنی عن لومه فیه فإنّی بأرض ، التالیف فیها کإیجاد الممتنع بالذات والتصنیف لا یوجد إلّا طیف منه فی السنات وذلک لأنّه شان أسّس علی الاستعداد وأنّی یتیسّر الترقّی فیه إلّا (1) لمن ابتلی بشرّ صحبة الأضداد عَصَمَنا الله تعالی من شرورهم وردّ الله إلیهم بلطفه کید نحورهم.

ص: 127