عوالم الانسان و منازله: العقل العملی و قضایاه

اشارة

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان و نام پدیدآور:عوالم الانسان و منازله: العقل العملی و قضایاه/ حوار مع سماحه محمد السند؛ اعداد و تحقیق ابراهیم حسین البغدادی؛[برای موسسه محکمات الثقلین].

مشخصات نشر:تهران: موسسه الصادق للطباعه و النشر، 2017 م.= 1395.

مشخصات ظاهری:351 ص.

فروست:سلسله حوارات الفکریه؛ الجزءالاول.

شابک:200000 ریال 978-600-5215-53-3 :

یادداشت:عربی.

یادداشت:چاپ سوم.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:انسان (اسلام) -- پرسش ها و پاسخ ها

موضوع:Theological anthroplogy-- Islam -- Questions and answers

موضوع:انسان (اسلام) -- جنبه های قرآنی

موضوع:Theological anthropology -- Islam -- Qur'anic teaching

شناسه افزوده:بغدادی، ابراهیم

رده بندی کنگره:BP226/2/س87ع9 1395

رده بندی دیویی:297/466

شماره کتابشناسی ملی:4957268

ص :1

اشارة

ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

عوالم الانسان و منازله: العقل العملی و قضایاه

حوار مع سماحه محمد السند

اعداد و تحقیق ابراهیم حسین البغدادی

ص :4

ص :5

ص :6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام علی أشرف الأنبیاء والمرسلین محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین من الأولین والآخرین إلی یوم الدین.

وبعد...

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): إن الله تبارک وتعالی یبغض کل عالم بالدنیا وجاهل بالآخرة. إن الکثیر منا له إحاطة لابأس بها عن عالم الدنیا ولذائذها ومکائدها، فی حین نجهل الکثیر من العوالم التی مررنا بها - کعالم الأرواح وعالم الفطرة وعالم المیثاق وعالم الذر-، والتی سوف نمر بها - کعالم البرزخ إلی عالم القیامة -، بل کثیر من شؤون وخصائص عالم الدنیا قد لانعرف عنها شیء إلا الیسیر منها کعالم الروح والروحانیات، وعالم الجن والشیاطین وغیر ذلک کثیر.

ومن هنا توجد أسئلة کثیرة حول هذه العوالم وفلسفتها، فکل سؤال یدور فی ذهنک - عزیزی القاریء - سوف تجد الجواب فی طیات

ص:7

هذا الکتاب الذی بین یدیک، حیث تناول سماحة الأستاذ آیة الله الشیخ محمد السند (دام ظله) الأبعاد المختلفة والمتعددة لهذه العوالم.

ولا یخفی أن هذا الکتاب هو عبارة عن سلسلة حوار بثتها بعض الإذاعات والقنوات الإسلامیة مع سماحة الأستاذ (دام ظله)، حیث عالج فیها کل مایخص تلک العوالم والمنازل التی نمر بها من عالم الذر وما قبله إلی عالم القیامة وما بعدها، ولأهمیة هذا الموضوع أعددنا هذا الکتاب الذی بین یدیک، فقمنا بترتیب العناوین حسب تسلسل تلک العوالم التی یمر بها الإنسان وأجرینا علیها مایلی:-

أولاً: جعلنا فهرسة خاصة تناسب تسلسل تلک العوالم.

ثانیاً: بما أن کل حوار کانت الأسئلة فیه عامة فأرجعنا کل سؤال إلی موضوعه الخاص به.

ثالثاً: حذفنا المکرر من العبارات وکذلک أجرینا بعض التعدیلات علی صیاغة أغلب الأسئلة.

رابعاً: أرجعنا الآیات والروایات إلی مصادرها المعروفة.

خامساً: قام سماحة الأستاذ بتغییر وإضافة بعض الأجوبة.

سادساً: إتماماً للفائدة جعلنا فصل ثانی للکتاب وهو الحوار الذی أجراه بعض الأساتذة الأکادیمیین مع سماحته حول العقل العملی وقضایاه.

ص:8

وختاماً نسأل من الله عز وجل القبول بمحمد وآله الطیبین الطاهرین إنه نعم المولی ونعم النصیر.

15 رجب الأصب 1430

وفاة السیدة زینب بنت علی(علیهما السلام)

إبراهیم حسین البغدادی

النجف الأشرف

ص:9

ص:10

الفصل الأوَّل : عوالم الإنسان ومنازله

اشارة

ص:11

ص:12

حقیقة وجود روح الإنسان

المحاور: سماحة الشیخ لدینا سؤال فیما یرتبط بحیاة الانسان. هل إن حیاة الانسان تبدأ بولادته فی هذا العالم وتنتهی بمماته ام أن للأمر صورة أخری؟.

الشیخ السند: بسم الله الرحمن الرحیم والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطیبین الطاهرین وبعد فان الآیات القرآنیة تطالعنا بأن نشأة الإنسان قد مرت بمراحل سبقت مختلفة کما تشیر إلی ذلک روایات أهل البیت(علیهم السلام) فی ذیل هذه الآیات منها ما فی سورة الإنسان وهی سورة الدهر هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ

شَیْئاً مَذْکُوراً 1 فعن زرارة قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن قوله: لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً قال: کان شیئاً ولم یکن مذکور2.

ص:13

شَیْئاً مَذْکُوراً (1) فعن زرارة قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن قوله: لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً قال: کان شیئاً ولم یکن مذکور(2).

وعن سعید الحذاء عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: کان مذکوراً فی العلم ولم یکن مذکوراً فی الخلق(3).

فظاهر معنی الآیة أن الإنسان مر بمرحلة لم یکن شیئاً ثم کان شیئاً ولم یکن مذکورا ثم صار شیئاً مذکوراً، أو ما فی الآیات الأخری وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی... (4). فهناک آیات إذن تدلل علی أن الإنسان قبل نشأته من علقة ومضغة وعظام وکسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقا آخر کان له تقرر فی عالم الأصلاب وعالم ما قبل عالم الأصلاب عالم الذر کما هو التعبیر القرآنی وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ ویستفاد أیضا من بعض الآیات تقرر شیئیة الإنسان أو الفطرة واخذ میثاق الفطرة علیه: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ ، فإذا تشیر الآیات الکریمة إلی أن هناک عناوین نشئات سابقة للإنسان منها نشأة المیثاق ونشأة الفطرة ونشأة الذر ونشأة تقرر شیئیة الإنسان. فهذه نشئات تطالعنا بها الآیات الکریمة وفی ذیل هذه

ص:


1- (1) سورة الإنسان: الآیة 1.
2- (2) تفسیر نور الثقلین ج468 :5.
3- (3) المصدر السابق.
4- (4) سورة الأعراف: الآیة 172.

الآیات روایات أهل البیت(علیهم السلام) الوارثین علوم الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) وهی أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفی عام وهذا المفاد من الروایات فی الواقع ورد بطرق مستفیضة وکثیرة من طرق أهل البیت(علیهم السلام).

المحاور: طیب هذا فیما یرتبط بالنشآت السابقة حبذا لو یکون هنالک تعریف بالنشآت اللاحقة یعنی بهذه الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: أما بالنسبة إلی النشآت اللاحقة فتصفه الآیات الکریمة وهو ما بعد الموت: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (1)، وهناک عنوان نشأة البرزخ وهناک عنوان نشأة البعث والنشر والحشر والصراط والمیزان والحوض وتطایر الکتب والعقبات وعرصات یوم القیامة وهناک حالات متعددة تصفها الآیات الکریمة حول القیامة وان کانت هذه الآیات الواردة فی القیامة لیست کلها فی القیامة الکبری وان ظن ذلک المفسرون من الفریقین ولکن بحسب ما ینبه علیه أئمة أهل البیت(علیهم السلام) إن طائفة من آیات القیامة تشیر إلی القیامة الوسطی وهی المعبر عنها برجعة أهل البیت وکرتهم إلی الحکم فی دار الدنیا. ونستطیع أن نقول هو رقی عالم الدنیا وانتهائه إلی مستوی النشأة المتطورة.

المحاور: من الأسئلة التی تعرض بشأن قضیة عوالم الإنسان قبل

ص:15


1- (1) سورة المؤمنون: الآیة 100.

دار الدنیا، أنتم أشرتم سابقاً إلی وجود عوالم سابقة لهذا العالم وعوالم لاحقة أیضا له، فیما یرتبط بالنظرة الإجمالیة للعوالم السابقة، هل توجد رؤیة قرآنیة واضحة فیما یرتبط بإقرار عوالم وجودیة للإنسان قبل هذه الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: إن هناک جملة من الآیات تشیر إلی عدة من النشآت للذات الإنسانیة، والآیات الکریمة متعددة بحسب تعدد تلک النشآت، مثلاً فی سورة الإنسان وهی سورة الدهر: هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً ، فتثبت هذه الآیة الکریمة أن للإنسان شیئیة، وان شیئیته مرت بمرحلتین مرحلة کان شیئاً لم یکن مذکوراً ثم صار شیئاً وصار مذکوراً بل قبلهما مرحلة أنه لم یکن شیئاً أصلاً.

المحاور: الاستدلال بکلمة شیء یعنی انه لم یکن: هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً ، یعنی فی إثباته إنه کان شیئاً؟.

الشیخ السند: نعم لأن النفی إذا ورد علی نعت ومنعوت فإنما یرد علی الوصف لا علی الموصوف، فحینئذ هذا النفی الذی یکون مذکوراً فی مرحلة من المراحل.

المحاور: فی نفس الوقت إثبات لکونه کان شیئاً؟.

ص:16

الشیخ السند: کان شیئا ولم یکن مذکوراً ثم صار شیئاً مذکوراً وبل فی هذه الآیة دلالة أیضا علی مرتبة ثالثة، وهو أن الإنسان مَرَّ بمرحلة لم تتقرر شیئیته ثم تقررت.

المحاور: ما مقصود هذه العبارة؟.

الشیخ السند: المقصود إنه لم یکن شیئاً من الأساس.

المحاور: یعنی هنا إثبات لثلاث حالات، لم یکن شیئاً، ثم کان شیئاً، ثم کان شیئاً مذکوراً.

الشیخ السند: نعم لم تکن کینونته یطلق علیها شیئیة ثم أطلقت علیها شیئیته ثم إنها مذکورة، ولها ذکر ولها نعت توصف.

المحاور: جزاک الله خیراً.

الشیخ السند: فهذه الآیة علی أیة حال کما فی ظاهر القرآن، وأشارت إلی ذلک روایات أهل البیت(علیهم السلام) منها تشیر إلی عدة مراتب ومراحل مرت بها الذات الإنسانیة لکن بنحو الإجمال هذا الإجمال تفسره آیات أخری وفی آیة أخری تشیر إلی أن من نشأة الإنسانیة هی نشأة فطرة اخذ فیه المیثاق: فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْها لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ (1)، وهو إشارة إلی بحث الفطرة، وان هذه

ص:17


1- (1) سورة الروم: الآیة 30.

الفطرة فیها مواثیق وبأی معنی ونمط من تواجد المواثیق الإلهیة فیها، فهذا یتکفل شرحه جملة من الآیات وجملة من الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام)، ویمکن توضیح هذه النشأة أیضا - نشأت الفطرة - فی فطرة طینة الانسان طینة، ذات الانسان، وکذلک قوله تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنّا کُنّا عَنْ هذا غافِلِینَ (1)، فهذه الآیة کما فی الروایات تشیر إلی نشأة الذر بإعتبار أنه عبر عنها بذریة آدم، وإنه قد أخذت من ظهور الآباء فیعبر عنها بنشأة الذر وهی نشأة تتقدم علی عالمی الأصلاب والأرحام، وأیضاً هناک فی الآیات الکریمة کما فی سورة النور یشیر الباری تعالی إلی أن: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ (2)، یعنی نور المخلوق المضاف إلی الذات الآلهة إضافة خلقیة وتشریفیة لهذا النور: کَمِشْکاةٍ فِیها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ ثم تضیف الآیات فی هذه السورة فِی بُیُوتٍ یعنی هذه الأنوار الخمسة ومن بعد هذه الأنوار الخمسة مثلاً أنوار أخری، نور علی نور متعاقبة هذه (فی بیوت) أراد الله لها التعظیم ورفعة الشأن: أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ (3) وبعد ذلک تضیف الآیة

ص:18


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 172.
2- (2) سورة النور: الآیة 35.
3- (3) سورة النور: الآیة 35.

الثالثة من هذه السورة (رجال)، یعنی مما یدلل علی ترابط هذا النور الذی فی بیوت أن هذه البیوت هِیَ: رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ (1).

المحاور: عفواً یعنی هذا تقریب للإستدلال الذی تتفضلون به، یعنی هذا النور الآلهی کان فی عوالم سابقة، وکان فی عوالم أخری رجال.

الشیخ السند: نعم، لأن الآیة الکریمة عبرت أنها خلقة نوریة ولیست خلقة أرواح، ولا خلقة نفوس، ولا خلقة أبدان، خلقه أنوار ثم عبرت عن هذا النور إنَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ، یعنی أنه لو لا هذه الخلقة النوریة لم تکن للسموات والأرض ظهور، لأن النور یظهر المتنور فکأنما السموات لم تکن لتبدو وتبرز فی الوجود لولا ذلک النور، فإذن هذه الخلقة النوریة هی متقدمة سابقة علی خلقة السموات وهی خلقة الأنوار.

المحاور: بیّنتم أن النصوص الشرعیة دالة بوضوح علی أن ثمة عوالم ومنازل، إن صح التعبیر، سبق الحیاة الدنیویة للإنسان، یعنی للإنسان وجود ما، فی عوالم سابقة لحیاته الدنیا، وکذلک فی عوالم لاحقة إلی عوالم القیامة وغیرها.

فیما یرتبط بهذا الموضوع هل یمکن القول بأن للإنسان حقیقة

ص:19


1- (1) سورة النور: الآیة 37.

وجودیة غیر هذه الحقیقة البدنیة التی نعرفها.

الشیخ السند: نعم قد أطلقت الشرائع السماویة وبعثات الأنبیاء والأدیان السماویة إن صح هذا التعبیر بعد کون الدین واحداً، علی أن للإنسان حقیقة وراء بدنه وجسمه وقد اقر بذلک جملة من مدارس الحکماء والمتکلمین من الملل والنحل المختلفة، وحتی فی الفلسفات الغربیة تکاد تنقرض الآن النظریة المادیة البحتة وتبزغ فلسفات روحیة مفعمة ومرکزة عند عموم الدول الأوربیة والأمریکیتین وما یعرف بعلم الأثیر وعلم الروح وعلم الأرواح وباراسا یکلوجیة وماشابه ذلک من العلوم التی تختص بالهیبنوتیزم وبحوث الروح وتلک السفسطات المادیة سواء بالثوب القدیم عند الدهریین أو بالثوب الحدیث عند المادیین والدیالکتیکین آلت إلی الانقراض.

المحاور: الحقیقة، حقیقة الانسان فی بدنه أم فی روحه؟.

الشیخ السند: بالنسبة إلی حقیقة الانسان هی فی الواقع بتمام طبقات روحه ویشهد بذلک الوصف القرآنی عن الموت: اَللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها (1) والتوفی کما قیل اخذ من الأصل اللغوی بمعنی أخذ الشیء وفاءاً، أی تماماً مثل ما یقال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)،

ص:20


1- (1) سورة الزمر: الآیة 42.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 1.

یعنی أتموها فالوفاء وفاء لکل مفاد العقد وإتمامه، فعندما یقال بأنه قُلْ یَتَوَفّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ (1) أی أن ملک الموت یقبض تمام حقیقة الانسان مما یدلل ویشیر إلی أن حقیقة الانسان لیست فی هذا البدن الغلیظ الکثیف بل هی بلحاظ ماوراء هذا البدن الغلیظ المحسوس المادی من أبدان أخری لطیفة، وقوی روحیة أخری وفی الواقع ذات الانسان ذات طبقات وجودیة متعددة.

المحاور: یعنی العوالم - التی تشیرون إلیها - التنقل یکون هو للروح فی الواقع أو لهذه الحقیقة الوجودیة للإنسان یعنی الروح روح الانسان هی التی کانت فی عوالم الأرواح وعوالم الاظلة والذر وهی التی تنتقل إلی عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: نعم هناک من النصوص القرآنیة والنصوص الروائیة بجانب قراءة الحکماء لتلک النصوص، ما یدلل علی أن للإنسان کینونة سابقة وهی العلویة، وربما یصف القرآن الکریم عن الکینونة العقلیة حیث نشأة العقلیة بلفظ یعقلون، کما یشیر القرآن الکریم إلی نشأة الأنوار فسورة النور فی الواقع سمیت بهذه التسمیة لکون المحور الأصلی فیها إشارة إلی الخلقة النوریة للمخلوقات لجولة - من عوالمها السابقة - ، لثلة شریفة من المخلوقات بدأ نشأتها بالنشأة

ص:21


1- (1) سورة السجدة: الآیة 11.

النوریة.

المحاور: إذاً یمکن القول بأنه حقیقة وجودیة قد تکون اعم من الروح بل حتی اعم من الروح أو شیء آخر، أعلی مرتبة من الروح؟.

الشیخ السند: نعم فی الواقع الروح عنوان یشیر إلی بعض طبقات ذات الانسان و ما فوق تلک الطبقات یشار إلیها بالنشأة النوریة أو العقلیة أو ما شابه ذلک، وکذلک عنوان النفس وإن أطلق علی تمام ذات الإنسان، ولکن هذا بتوسع تسامحی فی الإستعمال وإلا فالنفس تشیر إلی طبقات دنیا سفلی من الذات، تنزل عن درجات وطبقات الروح.

المحاور: إذن هل یمکن القول بأن هذه الحقیقة الوجودیة - حقیقة الانسان الوجودیة - لا یمکن بحالة من الأحوال أن تکون سیرها فی عالم الدنیا وحده فقط ؟.

الشیخ السند: لا ریب أن هذه الطبقات الوجودیة من الإنسان لیست هی کلها محبوسة فی عالم المادة، وإنما المتواجد فی عالم المادة وعالم الدنیا هو بدن الإنسان وأما الطبقات الأخری من ذات الانسان فهی فی الواقع الآن وفی حال الحاضر هی متواجدة فی نشآت أخری بنحو تشرف علی بدن الانسان فی هذه النشأة.

المحاور: بینتم أن الرؤیة القرآنیة تؤکد من خلال مجموعة من

ص:22

الآیات الکریمة وجود عوالم أخری، کان فیها الإنسان أو للإنسان فیها وجود قبل الحیاة الدنیا وقبل هذه النشأة، کان لدنیا سؤال فیما یرتبط بمراتب هذه العوالم، هل للقرآن رؤیة فیما یرتبط بهذه القضیة؟ وهل أن لهذه العوالم مراتب معینة؟.

الشیخ السند: نعم کما مرت بنا الآیات فهی تشیر إلی تعدد تلک العوالم، وهناک آیات وان کانت هی فی سیاق العوالم اللاحقة ولکن بالقاعدة المأثورة عن روایات أهل البیت، وربما أیضا تستفاد من الآیة الکریمة وهی مبرهنة أن المنتهی یکون من حیث کان المبدأ، وتشیر آیات عدیدة إلی العوالم اللاحقة لان الأبرار مثلاً کتابهم فی علیین: کَلاّ إِنَّ کِتابَ الْأَبْرارِ لَفِی عِلِّیِّینَ وَ ما أَدْراکَ ما عِلِّیُّونَ کِتابٌ مَرْقُومٌ یَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (1) یشهده المقربون، والکتاب هذا: اِقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً (2) هو النفس وتشیر هذه الآیات إلی أن بعض النفوس نشأتها من علیین، أو کما فی جملة من روایات عنهم(علیهم السلام) فی توضیح مفاد ظهور هذه الآیة أن جملة من النفوس هی کتب إلهیة تحصی أعمال الانسان وهی من نشأة العلیین فیما إذا کان من الأبرار، أو من نشأة السجین فیما إذا کان من الأشقیاء.

المحاور: إذن معنی الکتاب هنا بمعنی النفس.

ص:23


1- (1) سورة المطففین: الآیة 18 - 21.
2- (2) سورة الإسراء: الآیة 14.

الشیخ السند: کما فی: اِقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً فجعل هناک صلة وطیدة بین الکتاب الذی یحصی کل شیء والنفس کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ یعنی ذات النفس هی محصیة لأعمال الانسان بالتالی یسجل فیها من الأثار. فعن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قوله اِقْرَأْ کِتابَکَ... قال: یذکر العبد جمیع ما عمل وما کتب علیه، حتی کأنه فعله تلک الساعة فلذلک: وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلاّ أَحْصاها (1).

المحاور: وکون هذا الکتاب فی علیین یعنی إشارة إلی عالم آخر تنزل منه هذا الکتاب وهذه النفس تنزلت من ذلک العالم إلی عالم الدنیا.

الشیخ السند: وکذلک، إذا کان المقربون یشهدون الکتاب، یعنی عندهم هیمنة وإشراف علی کتاب الأبرار، فی علیین، فنفوس المقربین من الواضح أنها من فوق العلیین کما تشیر إلی ذلک سورة المطففین وسور أخری قرآنیة. وفی روایات أهل البیت(علیهم السلام) إشارة إلی جملة من طوائف هذه الآیات وان هناک نشآت الطینة سواء طینة النفوس وطینة الأرواح أی الأجساد المتروّحة، أی المتلطفة المتشففة عن کثافة السماوات اللطیفة، أو یعنی منشأ نشوئها، وکذلک هن-اک طینة للأبدان أیضا، فهذه بالتالی عوالم سابقة أیضا عن الانسان، وتشیر لها الآیات

ص:24


1- (1) نور الثقلین ج144 :3.

الکریمة إجمالاً، وترتیب هذه العوالم هو بالاستفادة من روایات أهل البیت والأدلة العقلیة فنشأة الأنوار أو نشأة النور هی بدء النشآت، ویستفاد بعض الأحکام التی تبدیها الآیات الکریمة استدلالاً علی هذه المراتب، بأعتبار انه کان مثل نوره أو أن مثل نوره هو نور السموات والأرض أی فالنور سابق علی نشأة السموات والأرض، لأنه هو الذی یظهر ویبرز السموات والأرض أی وجودها، فکل ما یتأخر من نشأة الانسان عن السموات والأرض فهو متأخر عن نشأة النور، ومن هذه الآیة فی سورة النور نستفید أن نشأة النور کما أشارت وبینت الروایات الواردة فی نشأة النور أنها هی النشأة الأولی، ثم تأتی نشأة الأرواح وهی ما بعد نشأة الاظلة کما قد یعبر عنها، وهی ما بعد نشأة الأنوار ولکن قبل النفوس، وقد اشرنا إلی بعض الآیات الدالة علی ذلک والواضح أنها متأخرة عن نشأة السموات والأرض، فهی متأخرة عن نشأة النور.

المحاور: هذا الترتیب الذی ذکرتموه وأشرتم إلیه واضح إن التقدم والتأخر هنا لیس زمانی.

الشیخ السند: نعم، لأن الزمان هو بدوره وبنوبته متأخر فی النشأة، الزمان متأخر عن خلقة السموات والأرض.

المحاور: یعنی خاص بعالم الدنیا؟

الشیخ السند: نعم.

ص:25

المحاور: یعنی المحور أو الأمر الضابط هو التقدم والتأخر نسبة إلی الصدور عن مبدأ الخلق تبارک و تعالی؟.

الشیخ السند: نعم المحاور بهذا الاعتبار، وکذلک هو فی مسیرة المعاد تعاقب العوالم بلحاظ تعاقبها فی بدء الخلقة، سوف یکون أیضا تعاقبها فی انتهاء الخلقة.

المحاور: یعنی هذا فی الحقیقة هو تفسیر إجمالی، لقول: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ، یعنی إنا الأولی فیها إشارة إلی هذه العوالم السابقة، وراجعون فی مسار العوالم اللاحقة.

الشیخ السند: نعم، وترتیبً هذه النشآت تکاملاً فی التعاقب.

المحاور: ما هو سر التأکید فی آلایات الکریمة والأحادیث الشریفة علی وجود عوالم أخری للإنسان قبل مجیئه إلی عالم الدنیا، ثم ماذا تنفعنا معرفة هذه العوالم؟.

الشیخ السند: إن ترکیز المعرفة بالعوالم السابقة فی الحقیقة یعطی للإنسان بُعد من المعرفة، إنه لیس محتبساً ومقتصراً وجوده علی النشأة المادیة ودار الدنیا، وإنما هو متصل الأبعاد بعوالم أخری له وثیق الصلة والکین-ونة والکنه بتلک العوالم. فذاته وهویته إذن متوفرة علی تلک الأبعاد، ومن ثم یجب أن ینشد إلی تلک الأبعاد، فحینئذ تلک الأبعاد لابد أن یراعیها ویغذیها بما یناسبها من کمالاتها، کما ورد عن أمیر

ص:26

المؤمنین(علیه السلام):

«ولیکن من أبناء الآخرة فإنه منها قدم وإلیها ینقلب»(1)، فإذا أدرک ووعی وتنبه الإنسان إلی تلک الأبعاد التی هی فی هویته وذاته من ثم حینئذ سوف یکون عالی الهمة، عالی النظر، وسیع الأفق، وبالتالی سیحذو نحو کمالاته الأرفع، دون أن یرعی فی حبس الأرض کدابة البهیمة فی ظل النشأة المادیة، وهذا من مهام المعارف فی ذلک.

المحاور: هل یمکن القول بأن معرفة هذه الحقائق ومعرفة وجود الإنسان لا یقتصر علی العالم الدنیوی، حیث یمکن أن تبعث هذه المعرفة فیه حالة من المقاومة والتحصین من أن یشعر بأن الأمر یقتصر: إِنْ هِیَ إِلاّ حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِینَ (2)، یعنی عدم الشعور بالمعنی والهدف، وأن الوجود هو الحیاة الدنیویة وهذا الأمر تنفیه هذه المعرفة، معرفة بان له عوالم أخری قبل الدنیا و بعد الدنیا الحصر بالوجود المادی؟.

الشیخ السند: نعم غالب أو جل الأزمات التی تعانیها البشریة لاسیما الغرب ذوالطابع والفلسفة المادیة، الغرب بما یشمل حتی الشرق البعید عن النشأة الإسلامیة، یعیش أفراد مجتمعه غالب الأزمات والمشاکل النفسیة لاحتباس الرؤیا فی ضمن النشأة المادیة فَقَطْ.

ص:27


1- (1) شرح نهج البلاغة (154)، ج105 :9.
2- (2) سورة المؤمنون: الآیة 37.

والحیاة الأرضیة؟!. فمن ثم ما أن تنتابه وتعتوره مشکله مدلهمة مادیة فی المعیشة حتی تراه ینهار نفسیاً ویتحطم وتتبدد آماله، وهذا ما نراه لدیهم فی کثیر من المشاکل العقلیة والروحیة التی یعانون هم منها بخلاف الحالة الإسلامیة وبالذات الحالة الإیمانیة نری أن هناک ربیعاً روحیاً یعیشه المؤمنون والمسلمون وکل ذلک بسبب ما یتمتعون به من النظرة العالیة لأفق تلک النشآت التی یربیها فیهم القرآن الکریم والسنة النبویة وسنة أهل البیت.

المحاور: علی ضوء ما تفضلتم به یمکن القول بان معرفة هذه الحقائق فی الحقیقة تحصن الانسان مما عرف بتیار الفلسفات التشاؤمیة التی انتشرت فی القرون الأخیرة فی الغرب وأیضاً انتقلت بعض سیوله إلی العالم الشرقی؟.

الشیخ السند: نعم إن الإنسان یعیش کما هو مقرّر بالأمل وأما الإحتباس وإنسداد الطریق وانسداد الأفق وانسداد الحلول هو من ضیق النشأة المادیة نشأة التضاد التی لاقاها بسبب هبوطه إلی الأرض: اِهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (1). فنشأة التزاحم هی النشأة الأرضیة أما فسحة الروح وعوالم النشأة الآخرویة. فلا اصطکاک ولا تزاحم ولا تناقض ولا تدافع.

ص:28


1- (1) سورة البقرة: الآیة 36.

المحاور: هذه أیضا نقطة جمیلة أشرتم إلیها وهو أن التأثر بضغوطات الحیاة الدنیا هو بحد ذاته یسبب له حالة من الشعور بتفاهة وجوده مثلاً؟.

الشیخ السند: نعم، فإذا کان علی غفلة من بقیة أبعاد ودرجات وجوده فسوف یحصل لدیه نوع من الإحباط والحبط والهبوط والانهیار النفسی والذاتی.

المحاور: فی الواقع أنتم أجبتم أیضاً علی الشطر الآخر من السؤال وهو بماذا تنفعنا معرفة ذلک وأتضح أن معرفة هذه العوالم تحصن الانسان من هذا الأمر.

الشیخ السند: نعم، هی حالة أمن روحی وضمانة روحیة للسلامة الروحیة.

المحاور: وسر تأکید القرآن فی الشطر الأول من السؤال لهذه الثمار ثم ثمار أخری قد لا نعلمها؟

الشیخ السند: فی الواقع لا تقتصر علی الثمار من السعادة الدنیویة، بل ثمارها أشرف وأثمن فی منطق القرآن إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ، وکما فی قول وصی الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) علی بن أبی طالب(علیه السلام): « ولیکن من أبناء الآخرة فإنه منها قدم وإلیها ینقلب» .

ص:29

ص:30

عالم الذر

المحاور: بعد أن ذکرتم أن القرآن یصرّح أو یذکر بوضوح بأن للإنسان نشآت أخری قبل هذه نشأة الدنیا.

هنالک سؤال یتبادر کثیراً إلی الأذهان، وهو لماذا لا نتذکر نحن الآن؟. فعندما نسأل أی شخص هل تتذکر عالم الأنوار یقول لک لا. هل تتذکر عالم الذر یقول لا فما سر ذلک؟

الشیخ السند: إن التذکر أو النسیان، والعلم وعدم العلم فی الواقع یقع علی أنماط فی طبیعة مراتب روح الانسان وذات الانسان، وهذا النفس صادق لو أردنا التذکر بنحو الذاکرة التفصیلیة لما استودعناه من ذاکرة مشاهد وحوادث مرت علینا فی دار الدنیا.

المحاور: نعم التذکر لتلک العوالم لیس بهذا النمط التفصیلی ولا نجده من أنفسنا.

المحاور: لماذا لان القوانین تختلف؟

ص:31

الشیخ السند: نعم، نحن فی صدد الخوض فی ذلک، الآن مثلاً نحن ما مر بنا أمس، ما مر بنا فی الطفولة، ما مر بنا فی المراهقة، ما مر بنا فی ریعان الشباب، ما مر بنا فی الکهولة إلی أن یشیخ الانسان ربما یستطیع أن یستعرض ذلک تفصیلاً بأصواته بصوره المتحرکة المتمایزة فی ذاکرته بحسب قوة الحافظة والذاکرة وضعفها، لکن هذا باعتبار أن طبیعة تلقی الانسان لتلک المشاهد کانت بهذا النمط من التفاصیل، وأما لو تلقی الانسان معلومات لا بهذا النمط من الضخ والتعبئة والتزریق، مثلاً بعض الأحاسیس من الحب والبغض والنفرة وما شابه ذلک، طبیعة تذکر الانسان لها تختلف عن مایصدر من أفعال الجسم من المشاهد الحسیة، بینما المشاهد غیر الحسیة ذات نمط آخر فیه إبهام آخر وفیه أدغال فی الإجمال أکثر وما شابه ذلک، وبالتالی أنماط التذکر تختلف عند الانسان وهذا لابد أن نأخذ فیه بشیء من التفصیل وشرح البیان أن شاء الله، وجواب إجمالی آخر، أن الانسان یتعرض لنفس الموقف والحالة فیما بعد من عوالم بلحاظ هذا العالم الدنیوی وان هذا التذکر لیس بنحو تفصیلی کما یشیر إلیه القرآن الکریم، حتی فی عالم الآخرة عندما یبعث الناس یساءلون: کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ (1) مما یدلل علی أن الإنسان رغم مروره بعالم البرزخ وما لاقاه إما من روح وریحان أو - لاسامح الله - نزل من جحیم وما شابه

ص:32


1- (1) سورة الکهف: الآیة 19.

ذلک، ومع ذلک تراه إنه عندما یبعث یوم القیامة أو یبعث فی الرجعة لا یتذکر الانسان ما مرّ علیه، کما تشیر إلیه جملة من الآیات القرآنیة التی هی ما قبل نشأة المعاد نشأة الرجعة حسب ما أرشدنا إلی هذه الحقائق القرآنیة أهل البیت فی روایاتهم.

ص:33

ص:34

النسیان فی العوالم

المحاور: إذاً هذا الأمر لا یختص بعالم الدنیا فقط یعنی حتی فی القیامة هنالک قد یکون نسیان لما قبله من عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: بالضبط إن الإنسان عندما تمر به مرحلة انتقال من نشأة إلی نشآت أخری، فی النشآت الأخری یغیب عن محضره ومشهده تفاصیل ما مر به من مشاهد سابقة. فسبب ذلک أن نفسه تنشد إلی حاضرها الراهن فی تلک النشأة التی تبعث فیها، فبالتالی لا تکون علی إحاطة ویقظة ونباهة وتذکر تام لما مر بها فی نشآت سابقة، بل وهذا الحال نشاهده فی یومیاتنا نحن فی عالم المنام والرؤی، ربما نشاهد سیل من المعلومات، سیل من الأفکار، سیل من الأمور ومن المطالب، ولکن عندما نبعث فی الیقظة مستیقظین من النوم نشاهد إننا قد عشنا حالة من إجمال عما مر بنا سابقاً، مع أن تلک الأمور مرت علینا بنحو التفصیل ربما أُریناها واطلعنا وأشهدنا علیها، وربما إذا تمر علینا فی

ص:35

الیقظة نتذکر أن هذا الذی کنا نعهد من قبل وربما ننسی من أین عهدناه ومن أین شاهدناه، وربما یحصل لنا التذکر انه شاهدنا جملة من رؤی هی تنبئنا وتطلعنا علی الحدث قبل وقوعه فإذاً هذه حالات.

المحاور: عفواً یعنی هو فی الواقع نسیان لیس کاملاً، أصل الحقیقة تبقی موجودة فی النفس.

الشیخ السند: لا ریب، وإنما نمط التذکر یختلف.

المحاور: علماء الأخلاق وعلماء النفس یقولون بأن النسیان حتی فی هذه الحیاة الدنیا هو رحمة، رحمة للإنسان یعنی فیها آثار ایجابیة. فما هو تعلیقکم؟.

الشیخ السند: باعتبار أن القوة النازلة فی النفس تتصدع ویتوزع علیها التدبیر لوحاولت أن تلم بکل هذه المعلومات وهذه الأمور.

المحاور: إذن بالنسبة لنسیان ما فی العوالم السابقة فیها هذا الجانب من الفائدة أیضا؟.

الشیخ السند: فی الصفحة الحاضرة فی ذهن الانسان التی هی تدیر قواه وأعضاء بدنه وما شابه ذلک، یعنی لیست لها قابلیة للإلمام بشکل دفعی بالمعلومات الهائلة وعلی ضوئها تنظم عزائمها وإرادتها، فلابد من قوی أخری فی النفس تستودع، وتکون مستودعاً لتلک المعلومات وتزق إلی ما دونها من قوی النفس بما یناسب ویروی لها تدبیرها بشکل

ص:36

حکیم تام.

المحاور: هل یمکن القول فی عبارة جامعة، بأن لو لا هذا النسیان لما فی العوالم السابقة لأختلت حیاة الانسان فی هذا العالم؟.

الشیخ السند: نعم بالنسبة إلی التدبیر التفصیلی النازل فی الإنسان وأعود إلی توضیح التذکر بلحاظ المحور الأول، هناک مثلاً تطرح نظریات فی الحکمة هی فی الواقع أنواع من القراءة لروایات وآیات واردة فی الکتاب والسنة، وهی انه هل العلم حقیقته إکتساب أو استذکار؟ القرآن الکریم یشیر إلی ظاهرة وهی أن العلم تذکر، وان الأنبیاء بعثوا مذکرین. وفی نهج البلاغة أن هدف بعثة الأنبیاء هو « لیستأدوهم میثاق فطرته ویذکروهم منسی نعمته، ویحتجوا علیهم بالتبلیغ ویثیروا لهم دفائن العقول... »، ومن هنا یتضح أن العلم هو عبارة عن التذکر هذه النظریة أو هذه المقولة المعرفیة کیف یمکن تصورها؟.

أن المنطق الذی یطرحه القرآن الکریم والحقیقة المعرفیة فی جملة من الآیات والروایات الواردة عنهم(علیهم السلام) أن دور الأنبیاء أنهم یوقضون ویوجدون فی الانسان اهم علم بأهم معلوم وهو توحید الله والإیمان بالباری والإیمان بالمعاد والإیمان بالأنبیاء والمرسلین والأئمة وما شابه ذلک من العقائد الأصلیة وأرکان المعرفة، تشیر الآیات الکریمة إلی أن

ص:37

هذا هو نوع من التفکیر لیذکرهم منسیّ نعمته وخلقته ومیثاقه وشروطه التی شرطها علی الذوات الإنسانیة، هذا فی الواقع یمکن أن نتصوره ونلمسه کما عبر وذهب إلی ذلک جملة من الحکماء، منهم أفلاطون الحکیم أن الإنسان عندما یبحث عن دلیل معین أو یرید أن ینقب عن مجهول معین من المجهولات، یعبر فی علم المنطق حرکة الفکر من المجهول إلی المعلوم أو إلی المجهول ثم إلی المعلوم ثم مرة ثانیة إلی المجهول لیکشف النقاب عن الغموض وإجمال فی المجهول ویصیر معلوماً وبالتالی تکتشف النتیجة، المقصود انه لابد من مناسبة بین المجهول الذی یراد کشف النقاب عن ظلمانیة الجهل به لدی الإنسان حوله مع المعلوم إذا هناک رأس مال من المعلومات بتوسطها یستطیع الانسان أن یکشف النقاب عن المجهولات، وهذا یستدعی أن هناک مناسبة ذاتیة بین المجهولات والمعلومات، بالتعبیر طبعاً المنطقی یقال إنه أوسط واکبر واصغر وان الأوسط هو واسطة، مثلاً کل إنسان ناطق، وکل ناطق مدرک فکل إنسان مدرک، النتیجة وصلنا إلیها عبر توسط واسطة هی تخلق أو واجدة للمناسبة بین المجهول المعلوم، الواسطة مثلاً هی فی مثالنا الذی مربنا یکون الانسان ناطق فبالتالی هناک مناسبة لابُدَّ أنْ تکون ذاتیة ولیست هناک بینونة تامة بین المجهول والمعلوم وإلا لکان حرکة الفکر من المعلوم إلی المجهول، أو من المجهول إلی المعلوم فی حرکة الدورتین عبثاً، إذ لایتمکن من الوصول

ص:38

إلی أستنتاج النتیجة بعد فرض البینونة لیستنتج النتیجة وینقب ویفحص ویسیر ساعیاً لوصول النتیجة لکانت تلک حرکة سدی وعبث، فلابد إذاً من مناسبة ذاتیة، فالمناسبة الذاتیة تدلل علی أن کل المجهولات فی الواقع مکدسة بنحو علمی فی المعلومات الاولی مثلا من باب المثال.

المحاور: یعنی تقصدون البدیهیات؟

الشیخ السند: البدیهیات سواءاً کانت تصورات أو تصدیقیات مثلاً قضیة التناقض، نحن نستعمل التناقض واستحالة التناقض فی جملة الاستدلالات والتصدیقات الأولیة إلی نهایة التصدیقات المترامیة اللامتناهیة، مما یدلل علی أن هذه المعلومات ارتباطها بالتناقض ارتباط تکدیسی، وکبس معلوماتی، حاشد فی نفس معلومة القضیة الاولی وهی استحالة التناقض، أو مثلاً الشیء والموجود معنی بدیهی ومن بدیهی التصورات أن الشیء موجود، أو إذا کان موجوداً یعنی لیس معدوماً أنه موجود أو غیر موجود فنفس معنی الموجود کمعلومة وتصور بدیهی له مناسبة ذاتیه مع کل إفراد الموجود بعبارة أخری، اذاً بین أفراد المعلومات المجهولة فی التفاصیل وأفراد أفرادها و إلی مشجرات هرمیة لامتناهیة فی المعلومات، ترجع إلی أس مخروطی فی المعلومات تصوراً أو تصدیقاً تکون أفراد تلک المعلومة الاولی وبالتالی هی موجودة فی المعلومة الاولی بنحو مکدس فهذا هو نمط تفتق هذه المعلومات المحیرة من المعلومة الأولی الکلیة هو نوع من التذکر، إذن فبالتالی لو لم

ص:39

یکن یعلم الانسان بهذه المجهولات بنحو علم سابق ولو إجمالی لما استطاع أن یکتسب معرفة تفصیلیة جدیدة هذه المعرفة الجدیدة هی نوع من التذکر وهو التفتق لما کان یعلم به الانسان وهو نوع اکتساب بمعنی اکتساب للعلم بأحوال تفاصیل جزئیات التطبیقیة للمعلومة الکلیة التی لها طبقات من المصادیق فهو نوع من الأکتساب وهو نوع من التذکر، تذکر باعتبار نفس هذه المعلومة الموجودة وفی کبدها موجودة کل هذه الرکام من المعلومات للمجهولات ولکن الانسان لم یفتقها. إذن ذات الإنسانیة بحسب طبقات قواها ووجودها السابق هو بالتالی الذی أهلها لان تکتسب مثل هذه الکمالات العملیة أو العلمیة فی لاحق نشآتها.

المحاور: فیما یرتبط بالعوالم التی مر بها الوجود الإنسانی أن صح التعبیر قبل أن یصل أو یولد فی هذه الحیاة الدنیا، انتم بینتم مجموعة من الأدلة القرآنیة علی وجود هذه العوالم، وان الحیاة الدنیا لیس هی بدایة حیاة الانسان فی الواقع حسب الرؤیة القرآنیة.

سؤالنا هو عن الخصائص المشترکة والمشترکات بین هذه العوالم فیما یرتبط بوجود الانسان فیها؟.

الشیخ السند: یشیر القرآن الکریم إلی أن مرور الانسان بتلک العوالم وتنشأته فی تلک العوالم، لها کبیر التأثیر والدخالة والتأثیر فی

ص:40

خیارات الانسان المطروحة فی إرادته ومسیرته وعاقبته فی هذه الدار وهی دار الدنیا، فحیث یقول تعالی بالنسبة إلی عالم الذر: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی (1) إلی أن تتابع الآیة تفید أن هذا النوع من الأشهاد هو نوع من النمط الذی جری وحدث فی ذلک العالم، لأجل أن یحدث فی الانسان تذکرة ودعامة علمیة بنیویة مرکوزة فی فطرته وذاکرته وفی هویته العلمیة کی یتسلح بها ویتأهل بها للأمتحان التکلیفی وامتحان الإیمان فی هذه الدار.

المحاور: فیما یرتبط بهذه العلاقة یعنی هناک علاقة بین کل عالم والعوالم الأخری التی مر بها الانسان؟.

الشیخ السند: لاریب، فإن الآیات تشیر إلی أن هذه المعدات التی أوجدت وجهز بها ذات الانسان، هی مؤثرة شدیدة التأثیر فی استعداده لتقبل هذا الامتحان والنجاح والتغلب علی عقبات وشدائد ومکابدة الإمتحان فی دار الدنیا، ولاسیما إمتحان الإیمان والمعرفة والإدراک فمثلاً فی الآیة الأخری هَلْ أَتی عَلَی الْإِنْسانِ حِینٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ یَکُنْ شَیْئاً مَذْکُوراً تشیر إلی مراتب، إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِیهِ فقد ذکر المفسرون فی روایات أهل البیت إنه وشج علی فطر وغرائز وتلقینات

ص:41


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 172.

علمیه یدرکها أَمْشاجٍ نَبْتَلِیهِ فَجَعَلْناهُ سَمِیعاً بَصِیراً إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً (1) ثم تشیر إلی انه قبل مجیء الإنسان فی دار الدنیا قد اغرز وجهز فی ذاته بقوة إدراکیة ومعارف معینة یتأهل ویستعد بها بالخوض فی غمار الامتحان فی هذه الدار، ومن ثم ورد فی روایات الفریقین وبل فی الآیات الکریمة فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ (2) وکما یقول أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«وواتر إلیهم أنبیائه، لیستأدوهم میثاق فطرته، ویذکروهم منسی نعمته، ویحتجوا علیهم بالتبلیغ، ویثیروا لهم دفائن العقول، ویروهم آیات المقدرة،...»(3)إذاً خلقت الفطرة وأوثقت وجهزت وبنیت بمثل هذه الرسامیل العلمیة الإدراکیة الموجودة فی الفطرة الإدراکیة العقلیة والعلمیة لوجود الانسان.

المحاور: هل یمکن القول بإنه کما هنالک علاقة بین حیاة الانسان فی هذه الدنیا والعوالم السابقة، هنالک أیضاً علاقة بین حیاة الانسان فی هذه الدنیا والعوالم اللاحقة؟.

الشیخ السند: نعم کما یشیر المفاد القرآنی ورؤیة القرآن المنبهة والموجدة لهذا الفهم العلمی الحافل لدی البشریة، من أن هناک ترابطاً بین أعمال الإنسان وما سیأتی له فی العوالم اللاحقة وسوف یکون فی الحقیقة هناک

ص:42


1- (1) سورة الإنسان: الآیة 2-3.
2- (2) سورة الغاشیة: الآیة 21.
3- (3) نهج البلاغة ج74 :1.

ترابطا بین ما یاتی به الانسان ویتجسم من أعماله فی العوالم اللاحقة وبین ما غرز و جهز به الانسان وهیأ به فی العوالم السابقة وهذا العالم هناک أیضا ترابط طردی موجود لدی إدراک الذهن.

المحاور: بینتم فیما سبق کثیراً من الحقائق القرآنیة فیما یرتبط بعوالم قبل عالم الدنیا ووجود الانسان فی تلک العوالم، الآن سؤالنا عن عوالم أو عالم الذر بالخصوص وهو اقرب العوالم علی ما یبدو من بعض الآیات القرآنیة ما یفهم انه اقرب العوالم إلی عالم الدنیا ما هی خصائص هذا العالم أو ما هی الرؤیة القرآنیة فیما یرتبط بهذا العالم ووجود الانسان فیه؟.

الشیخ السند: الملحوظ من مفاد آیة الذر وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ قال أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی ، ملحوظ فیها أن الآیة الکریمة تشیر إلی أن هناک نشأة إدراکیة سابقة لذات وروح الانسان مرتبطة نحو ارتباط بعالم المادة، بعبارة أخری عالم الذر لیس هو عالم أرواح مجرد عن الأبدان وعن المادة ولا هو عالم مادة محض یعنی لیس هو کالعلقة، ولیس هو کالنطفة والمضغة واللحم: فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ویشار إلی أن هناک جنبتان فی نشأة عالم الذر، هی نشأة إدراکیة لأنه خوطبوا لما لهم من ذوات مدرکة وأجابوا لا لأن نمط الإجابة بأصوات وألفاظ أو نمط الإجابة هو فی الواقع بتجاوب إدراکی متناسب مع تلک النشأة الإدراکیة کما أن

ص:43

الانسان تمر به خواطر أو معانی فی مراتب عقلیة فی ذهنه فیتجاوب معها وینساق معها بما یتناسب مع تلک المرتبة فی قلبه وعقله وباطن روحه.

المقصود أن الآیة الکریمة فی عالم الذر تشیر إلی هذا التنوع والتعدد، وان هناک جنبتین فی عالم الذر جنبة إلی النشأة الإدراکیة وجنبة مرتبطة أیضا بنحو بعالم المادة لان التعبیر فی الآیة الکریمة (من ظهورهم) حیث قال تعالی: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ مما یدلل علی انه له جنبة اتصال ونحو اتصال بعالم المادة، فإذاً لیس هو عالماً ادراکیاً محضاً ولیس عالماً روحانیاً کما ورد فی الحدیث النبوی: «

خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفی عام»(1)ولا هو جانب إعدادی مادی محض کما فی سلسلة أخری من الآیات: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَکَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ (2)، وحینئذ یمکن تصویر تنشأة الانسان فی عالم المادة وتجسمه والفلاسفة الإسلامیین وحتی الأمامیة منهم لم یفض ولم یبلور هذا البحث عندهم إذ نظریة ملا صدرا رغم أنها من ارشد النظریات الرائدة الآن علی الصعی---د الفلسفی حیث أنها تؤمن أن روح الانسان جسمانیة الحدوث روحانیة البقاء، وإن الروح حادثة بحدوث خلق البدن بینما تشیر هذه الملفات الاعجازیة العلمیة

ص:44


1- (1) البحار، ج132 :58.
2- (2) سورة المؤمنون: الآیة 14.

الضخمة فی القرآن الکریم إلی أن تنشأة عالم الذر هی تنشأة برزخیة بین عالم الأرواح وقبل عالم الأبدان.

المحاور: هذه قضیة مهمة یعنی یقابل حیاة البرزخ أو عالم البرزخ بعد وفاة الانسان.

الشیخ السند: نعم کما فی قوس الصعود کما یقولون أو قوس النزول فی قوس المجیء ومسار المجیء إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ فمن حیث أفعال ومخلوقات الله تعالی فی بدأ مراحل وعوالم الصدور، توجد هناک نشأة فی الواقع هی شبیه للبرزخیة تمثل عالم الارتباط بین عالم الروح وعالم المادة وهذا نحو فی بدایة تعلق الروح بالمادة قبل مرحلة النطفة والعلقة والمضغة، وفی الحقیقة الحکیم ملا صدرا فضلاً عمن قبله من الحکماء لم یسلط الضوء إلا علی نشأة الجنین وکیفیة ارتباط الروح بالإنسان بمرحلة الأجنة وکینونته جنیناً فی بطون الأمهات والأرحام أما المراحل السابقة علی ذلک ففی نظریة ملا صدرا لیس هناک أی تسلیط للضوء علیها ولا أشارة لها وان کانت الأبحاث العلمیة الحدیثة الان تثبت أن الحیمن ونظام الوراثة والهندسة الوراثیة الموجودة فی الأصلاب فی الواقع لها سبقة زمانیة ممتدة بسبق وجود الانسان فی ظهر آدم أبو البشر.

المحاور: یعنی هی تقترب فی الواقع من منطوق الآیة الکریمة وإن

ص:45

الآیة القرآنیة لیست تسبق الفلاسفة فحسب فی هذه الحقیقة العلمیة بل تسبق أیضاً الأبحاث العلمیة الحدیثة؟.

الشیخ السند: نعم مفاد الآیة سابق علی نظریة الهندسة الوراثیة الحدیثة، التی کشف الآن عنها العلم الحدیث، حیث تبین أن النظام الوراثی أو أن الحیاة بدرجة من الحیاة الحیوانیة موجودة لدی کل نسل البشر من آدم(علیه السلام) إلی یوم القیامة.

المحاور: یعنی هذا أیضا مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ هذا التعبیر؟.

الشیخ السند: ففی الواقع علم الهندسة الوراثیة الآن یصب بشکل مرکز کمحاولة وکقراءة من القراءات الجاریة فی آیة خلق عالم الذر، مما یدلل علی أیة حال إن هذه النشأة والتنشأة لم یخض غورها الحکماء إلی یومنا هذا.

المحاور: أنتم فی الأسئلة السابقة بینتم خصوصیات عالم الذر والعوالم الأخری التی سبقت الوجود الإنسانی أی قبل الحیاة الدنیا، والسؤال هو: فیما یرتبط بعالم الذر إلا یمکن أن تکون آیة اخذ المیثاق تعبیراً رمزیاً عن أن فطرة الانسان خلقت بصورة بحیث تقر بالتوحید دون أن تعنی هذه الآیة الکریمة مرور الانسان بعالم آخر قبل عالم الدنیا؟

الشیخ السند: هذا التقریر فی الواقع أفاده العلامة الطباطبائی (رحمة

ص:46

الله علیه) فی تفسیر المیزان(1) فأوّل أو حمل معنی عالم الذر أو عالم المیثاق باعتبار إنهما عالمان بل لدینا إشارات فی الآیات والروایات إلی عوالم متعددة قبل نشأة عالم الدنیا فقرر وبین معنی تلک العوالم بمثل هذا الإطار وهو وإن کان فیه جهة من المتانة إلا أن ذلک لا ینفی بالتدبر والتعمق والتحلیل ما ورد فی الروایات فإذا کانت الفطرة مدرکة للتوحید فهذه الفطرة هی لیست مادیة، هذه الفطرة التی هی فی کنه کینونتها موجود جوهری مجرد وبالتالی هذه النشأة لیست کنشأة الأرحام والأصلاب بل نشأة علمیة، ومنه یعلم إن النشآت العلمیة لیست هی متأخرة عن النشأة المادیة بل لها فی مسیر بدأ الخلقة موقع متقدم، کما أن لها فی مسیر منتهی الخلقة مرتبة وموقع لا حق، وهذا لا ینفی وجود تقرر نحو من النشاة السابقة التی یؤکد علیها القرآن، وإنه لو لا غرز الله تعالی فی هویة وذات الانسان مثل هذه العلوم وهذه الإدراکات لما کان یصل إلی بصیص إبصار تلک المعارف وإلی عوالم الخلقة وتخلق عوالم الخلقة ووصولها إلی معدن العظمة وهو معرفة وإدراک الذات الأحادیة السرمدیة الآلهة.

المحاور: نعم بطبیعة الحال بما یستطیعه أو یتحمله الانسان، بإعتبار أن إدراک کنه الذات أمر محال، فیما یرتبط بجوابکم اعتقد أن العلامة السید الطباطبائی(رحمه الله) ذکر بان هناک حدود سبعة عشر روایة صحیحة السند، تصرح بوجود عالم الذر، ویمکن أن یثمن هذا الکلام انه عندما قال

ص:47


1- (1) تفسیر المیزان ج316 :8.

بهذا الرأی إنما قال نتیجة العوالم السابقة تکون بصورة بحیث جعلت فطرة الانسان مقرة بالتوحید؟.

الشیخ السند: إن تلک التنشئة العلمیة التی مربها وخاضها الإنسان فی تلک العوالم، هی التی تؤهله لان یدرک المعلومات فی هذه النشأة وهو ما یعرف بنظریة التذکر سواء فی لسان القرآن الکریم: إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ (1)وَ لَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّکِرٍ (2) حیث یؤکد بقوة القرآن الکریم فی نظریة المعرفة علی أنها، لها ارتباط بالتذکر، فمما یدلل علی أن مثل هذه المعلومات إذن مغروزة، مکدسة، مکبسة، فی ذات الإنسان بشکل رق تفتق بتوصل الفهم والإدراک وکذلک ما ورد فی الروایات، وبالتالی فإذا هذه الذات والهویة المجردة کان لها نحو من التنشئة السابقة.

المحاور: من أین جاء مصطلح عالم الذر وهو غیر مذکور فی الآیة الکریمة؟!، إذ هو مذکور فی الأحادیث الشریفة بهذا التعبیر؟.

الشیخ السند: هذه التسمیة لعالم الذر منشأها قرآنی وثم روائی: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ فالذریة الذر إنما سمیت الذریة بالذریة وان کانت الآن الحالة الاستعمالیة فی اللغة الأدبیة

ص:48


1- (1) سورة الغاشیة: الآیة 21-22.
2- (2) القمر: 17، 22، 32، 40.

العربیة هی بلحاظ الموالید والتنسیل، ولکن فی الاصطلاح نفس التعبیر بالذر (ذریتهم) هی الموالید، ولکن بصورة وبهیئة موجودات صغیرة هی کحالة الذر فی الهباء، فإذاً أطلق علی مادة أخری وأعضاء أخری کلمة الذریة فی أصل وضع معناها اللغوی وهو بلحاظ تلک النشاة وإنما توسع فی الإستعمال إلی الموالید من الأرحام والأصلاب، وإلا هی فی الحقیقة: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ یطلق بلحاظ الموجود الصغیر ذی الکینونة الصغیرة.

المحاور: الکینونة الصغیرة مقارنة بماذا؟.

الشیخ السند: الکینونة الموجودة فعلیة الآن کما ذکرنا هناک قراءة

محتملة بحسب ما فی علم نظام الوراثة أو الهندسة الوراثیة، من العلوم الحدیثة المنظورة الآن ولسنا نحمل مفاد الآیة بنحو التعیین والبت علیه ولکنه قراءة محتملة قد تذکر فی ذیل الآیة، ألا وهی إن هذه الجینات التی کانت فی صلب آدم کنا نحن کلنا بنحو جینة حیوانیة حیة بحیاة حیوانیة وکلنا کنا فی ظهر أبونا آدم، نحو الکروموسومات أو الجینات بنحو من الأنحاء.

المحاور: إذاً هی فی الواقع إشارة قد تکون إلی عالم الذر المقصود منها، وانه هناک کیفیات معینة من الوجود غیر الکیفیة المألوفة فی الحیاة الدنیا.

ص:49

الشیخ السند: هذا فی بعده المادی، وأما فی بعده الشعوری والإدراکی هناک نشأة وتعلق من الروح بتلک الجینات أو تلک الکروموسومات إن صح التعبیر أو ربما بعد وجودی مادی له بعد فی الصغر آخر کان له تعلق ببعد مجرد إدراکی، کما ثبت الآن علمیاً أن الجینات لها درجة من الإدراک والإحساس، ولسنا نحمل معنی الآیة بنحو البت علیه ولکن هذه القراءة علمیة فی العلوم الحدیثة إحتمال لمعنی الآیة، وأیا ما کان فالآیة تثبت إذن للإنسان من جهة بعد المادی وجود کینونی صغیر کالذر للهباء، ومن جهة التنشأة المجردة التی لها نحو إدراک وشعور کما مر أن هذه قراءة محتملة من علم الهندسة الوراثیة.

ص:50

الحیاة قبل وبعد عالم الدنیا

المحاور: إشارة إلی ما تفضلتم به سابقاً من وجود عوالم أخری تسبق مجیء الانسان إلی عالم الدنیا، ووجود عوالم لاحقه أیضا إلی یوم القیامة، وما بعدها، والسؤال هو: کیف هی حیاة الانسان فی عوالم قبل الدنیا وکیف ستکون حیاته بعد هذا العالم إی عالم الدنیا؟.

الشیخ السند: إن الآیات الکریمة وکذلک الروایات تشیر إلی أن هناک نحو تطابق وتشابه وارتباط وثیق بین العوالم التی ستعقب هذا العالم، والعوالم التی سبق هذا العالم کما فی التعبیر القرآنی إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ وکما فیه تعبیر وارد فی الروایات: « ولیکن من أبناء الآخرة فإنه منها قدم وإلیها ینقلب »، مما یدلل علی إن قوس النزول أو قوس البدایة هو متطابق مع قوس النهایة أو قوس العود والمعاد والرجوع، وفی الحقیقة هناک أیضاً فوارق أن فی قوس النزول هناک نحو من الظهور، أو قد یطلق علیه بالفتق أی فتق ما کان رتقاً بخلاف قوس العود وقوس النهایة فنحو رتق ما قد فتق إی نحو ما تفتق من

ص:51

الکمالات بشکل بارز فی مبدأ النزول بالظهور، بخلافه علی ما کان فی النشآت السابقة بنحو مرکوز رتقی غریزی، ومن ثم سمیت الغرائز حتی العلمیة غریزة لأنها بشکل مغروز مکدس مکبس یفتق بتوسط التفاصیل وسعی الانسان إلی البحث والسیر قدماً، وبالتالی حینئذ تنقتق تلک العوالم لدیه.

المحاور: یعنی قبل أن یأتی الانسان إلی عالم الدنیا کانت له حیاة بالمعنی الذی نفهمه للحیاة؟.

الشیخ السند: نعم، حیاة یطلق علیها نمط من الحیاة تختلف عن الحیاة الظاهرة، ولکن لا تفتقد ولا تسلب عنها مطلق الشعور والإدراک ولکن شعور لاکما فی الشعور فی الحیاة الظاهرة ونستطیع أن نوصل فکرة حول ذلک بالأرتکاز المرکوز والتغریز فی الغریزة حتی العلمیة والفطریة فی الانسان، یمثل له بعض بالشعور الذی فی ذاکرة الانسان فی اللاوعی کما یقولون أو فی العقل الباطن، وبعبارة أخری أن الإنسان ربما یدرک قضیة ریاضیة هذه القاعدة الریاضیة الجمع والطرح أو القسمة أو ما شابه ذلک، یشاهد الانسان أن من خلال هذه القواعد الأولیة البسیطة الساذجة بشکل إجمالی ومبهم ومرکوز یستخرج الانسان نظریات غیر متناهیة فی عالم الریاضیات وفی العلوم الأخری، وفی الواقع تفتقت وانتشرت من أصول مجملة فهذا أصل المجمل فی طیاته وفی بطن ذاته موجودة تلک التفاصیل ولکن بنحو اللف، بنحو

ص:52

الشیء الملفوف وإنما یتنشر ویتفصل بعد ذلک بتوسط سیر الانسان الفکری والذهنی فی هذه النشأة الدنیویة، فالفارق فی الحیاة إذاً بین ما سبق فی قوس البدایة أو قوس النزول کما قد یعبر عنه مع قوس النهایة وقوس الصعود کما قد یقال ویسمی ویطلق علیه هو أن فی تلک النشأة کانت المعلومات موجودة بنحو الأجمال، وله نسبة من الإدراک والشعور ذات درجات وذات أنواع مختلفة فی کل العوالم، تلک الوجودات التی لدی الانسان التی لا یدرکها ولا یتذکرها بنحو التفصیل لأنها بطبیعتها مجملة وهی بطبیعتها مکدسة، مکبسة تتفصل و تتفتق لدیه تنتشر وتنفتح أکمامها لدیه فی هذه النشأة التی هی نشأة دار الدنیا والنشأة المادیة، ومن ثم سیشاهد تفاصیلها وبشکل أکثر تفصیلاً وأکثر تفتقاً وأکثر بیاناً فی عالم البرزخ الذی سیذهب إلیه ومایلیه من عوالم أخری من عالم الآخرة وعرصات یوم القیامة وما شابه ذلک.

المحاور: هل یمکن تمثیل ذلک مثلاً بطبیعة حیاة الإنسان وهو جنین فی بطن أمه وما بعد ذلک، فعندما یولد فالحیاة هی موجودة فی کلا الحالتین، ولکن طبیعة الإدراکات یعنی بغض النظر عن قضیة التفتق وقضیة الإجمال والتفصیل، لکن الأصل المشترک وجود الحیاة ووجود الإدراک فی کلا المرحلتین ؟.

الشیخ السند: نعم لأنه نستطیع أن نمثل بهذا البعد فی الجنین بان له روح وله إدراک، ولکن تلک لیست مفعلة کما یقال الآن لازالت

ص:53

مجمدة وأنشطتها لازالت لیس بتلک الحیویة الفاعلة، ولکن ما أن یولد تفعل تلک الأنشطة بشکل أکثر وأکثر وستتفعل أکثر وأکثر بحسب صراط الانسان الذی انتخبه والنجد الذی اختاره فی عالم البرزخ أکثر فأکثر، الآن حتی علماء الأثیر فی الغرب الذین هم علماء الروح والبارا سیکولوجی والتلیباثی والجلاء السمعی والهیبنوتیزم وغیرها من العلوم الروحیة التی لها الأن أکادیمیات وجامعات وکلیات معترف بها، وذات إنتاج ضخم یذکرون هذه النظریة علی صعید النظریة أو الفرضیة، أن لکل الأجسام الجامدة التی نراها نحن الآن أمامنا هی لها أرواح مضمرة یقولون.

طبعاً هذه النظریة بغض النظر عن إثباتها والبرهان علیها، هذه النظریة التی تبنوها فی النتائج حدیثة، فی الواقع نحو تفسیر لکیفیة شهادة الأشیاء المحیطة بنا علی ما نأتی به من أعمال، أن لها جنبه روحیة وإدراک روحی یتحمل إدراکا ما یشاهده ثم یدلی بتلک الشهادة یوم القیامة.

ص:54

قوس الصعود والنزول

المحاور: ما معنی قوسی الصعود والنزول اللذین ذکرتهما سابقاً؟.

الشیخ السند: هذا التعبیر عبر به الفلاسفة والحکماء عن مسار نشأة الخلقة، أن الأرواح أنزلت کی تتکامل فمرت بعوالم منها المیثاق والذر والأصلاب والأرحام إلی أن تصل إلی دار الدنیا وهی دار مکابدة ومحن وسباق وتحمل مشاق إلی أن یرتفع الانسان إلی حین دار البرزخ ثم الدار الآخرة والتی هی ألطف وأصفی من دار الدنیا وفیها من الطاقات ما لا یدرک فی الدنیا، فإذن العوالم السابقة والعوالم اللاحقة علی دار الدنیا هی عوالم فی الواقع علویة من حیث الکمال واللطافة والصفاء والنقاء، ومن ثم عبر الحکماء عن تلک العوالم فی طرف الصعود من جهة العوالم اللاحقة المتعاقبة أو من طرف النزول، وهو نزول من علو فی مقابل الصعود إلی علو، وبالتالی تعد دار الدنیا من انزل العوالم وما ورد فی الآیات الکریمة بأنه رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِینَ (1) أو

ص:55


1- (1) سورة التین: الآیة 5.

تعبیر فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِیلٌ (1) والتعبیرات العدیدة وما ورد أن الله لم ینظر إلی الدنیا طرفة عین لأنه لو کانت الدنیا عند الله تسوی جناح بعوضة لما سقی فیها کافر قطرة دماء مما یدلل علی أن نشأة الدار الدنیا من جهة الکمالات والنعم والحباوة والإقبال الإلهی هی من انزل العوالم.

المحاور: ولکن تبقی مزرعة للآخرة؟.

الشیخ السند: نعم من هذا الجانب وهذه النظرة هی علی أیة حال لها قیمتها.

المحاور: وتکون منطلق قوس الصعود؟.

الشیخ السند: نعم، وبالتالی تکون منشأ الخیرات والبرکات فیستعد الانسان ویعد ویتعبأ لما یستحق به الکمالات فی الآخرة.

المحاور: الذی یصعد وینزل ما هو؟ حقیقة الوجود الإنسانی؟.

الشیخ السند: نعم بأعتبار أن الانسان هو حقیقة وجودیة ذات طبقات وجودیة متعددة، فیرتبط ویمت إلی عوالم کما أن الانسان فی الآن الراهن فی نشأة وجوده فی دار الدنیا فی الواقع طبقة وجوده لیست واحدة متحدة، وإنما هی ذات طبقات ومن ثم له قوی مختلفة عاقلة ومتخیلة وواهمة وقلب وروح وکل قوة من هذه القوی هی ذات تعلق بنشأة ودار أخری.

ص:56


1- (1) سورة التوبة: الآیة 38.

فلسفة الروح

المحاور: الروح هی وجود مجرد فکیف یکون عیشها فی العوالم الآخرة قبل الدنیا وبعدها، ونحن نعلم بأنها تعیش فی عالم الدنیا بواسطة البدن. فکیف یکون عیشها فی العوالم الأخری؟.

الشیخ السند: طبعاً الروح هی مجرد ولکن طبقات الوجودیة للروح لیست علی نسق واحد من التجرد، مثلاً الطبقة الوجودیة لقوة العقل فی الروح تلک ربما یقرر فیها أنها تجرد تام عن المادة الغلیظة وأحکام المادة والجسم وما شابه ذلک، وأما درجة الوجودیة فی الروح هی فی الحس المشترک وقوة الحس المشترک والخیال، بل حتی الوهم فتلک ملحوظة فیها آثار المادة ولو المادة اللطیفة، ولتوضیح هذه الفکرة یمکن التمثیل بما یشاهده الانسان بالرؤیا فی المنام، فان الذی یشاهده الرائی للمنام یلاحظ أن هناک جسم لطیف ذوابعاد وعمق وطول وعرض وما شابه ذلک، وبقیة الحواس الخمسة فاعلة نشطة منشطة،

ص:57

وان کان هناک مادة لطیفة ولیست المادة غلیظة وهذا المشهود فی المنام من الجسم فی الرؤیا المنامیة یسمیه الفلاسفة بالحالة البرزخیة، نعم أن المعاد بضرورة المسلمین هو معاد جسمانی وان الجسم الذی بعث به الانسان فی الآخرة وفی عرصة یوم القیامة أو فی الجنة أو فی النار هل هو نفسه هذا الجسم الغلیظ أو جسم ألطف، أیاً ما کان فإن الانسان یبعث بجسم، وحسب البراهین العقلیة ضرورة الجسم ثابتة فی عود الانسان فی المعاد بلحاظ أن هناک القوة والحواس الخمس أیضا فاعلة نشطة مفعلة.

المحاور: هنالک خصوصیات للبدن الذی یعاد بعثه یختلف یعنی لا یهرم لا یعتریه النصب أو التعب أو المرض وغیر ذلک، أی هناک جسم أو بدن مناسب لذلک العالم.

الشیخ السند: هذه بالنسبة إلی أهل الجنة وأما بالنسبة إلی أهل النار فلهم أیضا جسم یناسب تلک النشأة النازلة بخلاف حال أهل الجنة.

المحاور: هل نقول هنالک نوع من البدن فی کل عالم یناسب ذلک العالم؟.

الشیخ السند: بلحاظ العوالم اللاحقة هکذا الأمر، البرزخ والآخرة ویوم القیامة.

ص:58

قاهریة الموت

المحاور: هناک عبارة فی دعاء الصباح لأمیر المؤمنین(علیه السلام): « فیامن توحد بالعز والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء » کیف یکون الموت قهراً للإنسان؟.

الشیخ السند: الموت احد حیثیاته هو انقطاع الروح عن البدن وعن سیطرتها وبالتالی منع استخدام الروح لقوی الجسم، والجسم هو نوع من الآلة والتدبیر الذی تستطیع توسطه الروح أن تدبر أعمالها فی عالم المادة، هذا الانقطاع وهذا الانفصال والانفصام هو نوع من سلب القوی والقدرات والهیمنة والسیطرة. حالة الموت التی هی نوع من المرارة أیضا ونوع من المخاض الذی تمر به الروح من عالم إلی عالم، فتدل علی مدی ضعف الانسان ومدی کونه تحت حیطة وهیمنة قوة فوق قوته وهی قوة الباری تعالی، وبالتالی تدل علی فقر وذل الانسان اتجاه قدرة یتعایش معها فطرة وارتکازاً من دون أن یلتفت إلیها التفاتاً تفصیلیاً.

المحاور: هل یمکن أن یقال بملاحظة المقابلة بین «فیامن توحد بالعز

ص:59

والبقاء» هنا عز وبقاء یقابله موت وفناء، فإن الانسان بطبیعته نازع إلی أن لا یموت إلی أن یبقی خالداً فی هذه الدنیا فیکون الموت قهراً له من هذا الجانب؟.

الشیخ السند: نعم هو تباعد عن الدنیا وانفصال عن البدن.

المحاور: بأعتبار انه یبین أن الحاکم فی هذا الوجود لیست إرادة الانسان أو ما یریده الإنسان هو اکبر من قوة اکبر هی التی تهیمن علیه؟.

الشیخ السند: نعم فبالتالی هو یشاهد نفسه کیف هو فی حالة ضعف وانحسار قوته وقدرة بدنه والتصرف بها فی الدنیا.

المحاور: الفناء المقصود هنا ما هو؟.

الشیخ السند: الفناء قد یتبادر منه الانعدام، لیس المقصود بالضرورة هو الفناء المطلق، وإنما المراد منه نوع من الزوال النسبی بأعتبار أن الروح عندما تترک تعلقاتها بالبدن فیکون نوع من الغروب، غروب الروح عن تصرفاتها فی البدن الدنیوی والنشأة الدنیویة وان کانت هی تنزح إلی مأوی آخر: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ .

المحاور: اذاً لیس هو الفناء المطلق أو العدم؟.

الشیخ السند: نعم لیس الفناء المطلق وإنما هو الانحسار والکینونة التی یکون فیها الانسان إلی عالم آخر وبالتالی فهو غروب وزوال واندثار.

ص:60

الموت وسکراته

المحاور: بأی عین یری المیت ملک الموت والأئمة(علیهم السلام) الذین یحضرونه عند الوفاة؟.

الشیخ السند: نعم هناک نوع من الإدراک بالعین البرزخیة التی هی فی البدن البرزخی، ولکن هذا لا ینافی أن هناک نحو تناسب مع البدن الدنیوی أیضا، الحالات المشاهدة والکشف التی تحصل لبعض الأفراد هو عندما یدرک بعین بدنه الدنیویة ولکن فی الحقیقة هو إدراکه بالعین المنامیة والبدن المثالی البرزخی.

المحاور: عفواً نوع إدراک أم لا؟ یعنی یشعر بالصورة التی یراها صورهم(علیهم السلام) أو صورة ملک الموت(علیه السلام) ولیس یشعر بوجوده فقط بل حتی یتعرف علی صورته، ولکن غایة الأمر

هی تلک العین البرزخیة یعنی لو سئل کیف شکل أو صورة ملک الموت مثلاً یجیب ویقول بتلک الکیفیة المعینة، هذا الأمر هل یستطیع أن یجیب عنه أم لا؟.

ص:61

الشیخ السند: نعم ملک الموت یتمثل لصورة برزخیة لنفس المیت هذه الصور البرزخیة، وهذا التمثل البرزخی وهذا الإدراک من المیت بجسمه وعینه البرزخیة لتلک الأمور والصور والتمثیلات البرزخیة لها نحو تعلق ومناسبة بالدار التی هو فیها وبالبدن الدنیوی الذی هو فیه، ففی الحقیقة هناک علاقة بین أرواحنا والعین البرزخیة والبدن الدنیوی، نحو علاقة ونحو ارتباط ونحو مناسبة، فکذلک الحال فی رؤیة وإدراک ملک الموت فی صورة معینة برزخیة لها ارتباط بهذا البدن الدنیوی الذی نحن فیه وبهذا الموضع ولکن شاهد أو تمثل ملک الموت بصورة معینة فی هذه الدار فلها علقة أیضا بهذه الدار وان کانت تلک الصورة التی تمثل بها ملک الموت هی صورة برزخیة، ولکن البرزخ له نحو علقة متعددة بمواضع عدیدة من هذه الدار وهذه المادة الغلیظة الدنیویة.

المحاور: إذن یمکن القول أن الارتباط موجود علی أیة حال بین البرزخ وهذه الحیاة الدنیا من خلال ما یقدمونه أهل المیت لمیتهم من صدقات وزیارات وما شاکل ذلک؟.

الشیخ السند: نعم بالطبع هناک ارتباط ونوع من التأثیر والتأثر بنوع من المناسبة والانسجام، وان کان عالمین أو من نمطین مختلفین تماماً عن بعضهما البعض، لکنه تماماً کحال الارتباط بین روحنا وبدننا البرزخی أو بین بدننا المنامی البرزخی الذی نراه، البدن الذی نراه فی

ص:62

المنام لیس یعادل البدن فی الیقظة، موجود ولکنه یرتبط مع هذا البدن.

المحاور: روایة إغراء الشیطان للإنسان بالکفر عند الاحتضار هی روایات صحیحة؟ وإذا صحت فکیف یُمکن الله تبارک وتعالی الشیطان من الانسان وهو علی حالة الضعف والتی قد یستجیب له الشیطان بحکم ضعفه فیخسر ما قدم من الأعمال الصالحة، إلا تقتضی الرحمة الإلهیة أن یمد الله تبارک وتعالی ید العون للمحتضر فی ساعات الضعف تلک؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة الروایات فی هذا المضمار مستفیضة وثابتة، ولکن هذا الافتتان والامتحان للمحتضر لیس عام وشامل لعموم المسلمین، وإنما هو افتتان وامتحان لتلک المجموعة من المؤمنین أو لذلک النمط من المؤمن أو المسلم الذی یمارس أعمال معینة تورث افتتانه وامتحانه بالشیطان ودعوته وإغراءه وتلبیسه علی المؤمن فی حالة الاحتضار فی حالة سوقه إلی عالم البرزخ، وإلا فهناک جملة من الأعمال الخیرة مذکورة فی الروایات وإذا مارسها الانسان یعصم ویؤمن ویحتصن ویحصن من تلک الفتنة وذلک الامتحان، فمثلاً منها دعاء العدیلة، إذا الانسان أدمن علی دعاء العدیلة فأنه یورث الحصن الحصین من ذلک الافتتان وهناک جملة من الأعمال مذکورة ذکرها الصدوق فی ثواب الأعمال، تورث الأمان من هذا الافتتان، وهناک أعمال سیئة قد تکون حتی مکروهة أو محرمة ینجم منها شدة الافتتان عند الموت

ص:63

بمکائد إبلیس ومکائد الشیطان، فهی إذن نتیجة أعمال الانسان السابقة وکما یشیر القران الکریم فی موارد وآیات عدیدة إلی أن العمل الصالح ینجم منه بیئة صالحة وحالات صالحة تساعده فی الرقی علی الصلاح أکثر فأکثر، والأعمال السیئة - لا سامح الله - هی تورث بیئة سیئة وتساعد علی انزلاق الانسان والهوی فی المهالک أکثر فأکثر، فمن ثم الانسان لا یستهین بالمعصیة مهما صغرت، ومهما قلت ولا یستهین بالحسنة مهما قلت ومهما صغرت لان الحسنة تورث الحسنة والسیئة تورث السیئة وهلم جراً، ولو أراد الانسان أن یورث هذه الحالة ربما لو أصاب الانسان ابتلاء شدید من قبیل امتحان فقد عزیز مثلاً، حالة إفلاس أو حالة خوف ورعب شدید أو مرض شدید المهم ابتلاء شدید یقض بمضجع الانسان، یشاهد الانسان بحسب درجة إیمانه ویقینه أن الوساوس وحالة التمرد الروحی ربما تبدأ عند الانسان تتفعل اتجاه الساحة الربویة والعیاذ بالله، وربما أساء السوء والإنکار وکفر النعمة مع الله عَزَّ وَجَلَّ، هذا شبیه بحالات الاحتضار، اذاً هو حالة شدة وشدائد یمر بهولها الانسان، حینها یضعف وتخور قوی الانسان وبالتالی فقط یبقی إیمانه ویقینه ومن ثم یجد الشیطان حینئذ فرصة ومجالاً واسعاً وفسحة للانقباض علی الانسان أن لم یکن قوی الإیمان، بأعتبار أن لو تخور قوی الانسان فحالة الاحتضار الشدیدة حالة الابتلاء الشدید حالة المرض، حالة فقد عزیز، إذا کانت رباط

ص:64

العلاقة مع الله تبارک وتعالی عنده قویة فبیقینه وإیمانه وحبه لباریه وتوکله علی باریه وحسن ظنه بباریه إذا کان قویاً جداً فلن یتمکن حینئذ الشیطان لا فی حالة الشدائد التی تمر به فی وسط العمر والحیاة، ولا فی حالة الاحتضار التی هی الشدة وشدائد شدیدة جداً لم یمر بها الانسان من قبل.

المحاور: یمکن أن یقال أن ما تفضلتم به یشیر إلی أن حالة الهجوم الشیطانی أو هذه التلبیسات عند الاحتضار لصدق الانسان بأرتباطه بالله تبارک وتعالی خلال حیاته الدنیویة جمعاء؟.

الشیخ السند: نعم بالضبط هکذا، امتحان لدرجة إیمان الانسان وبالتالی لدرجة إیمانه وحبه لباریه ومعرفته بباریه وتوکله علیه وحسن ظنه بباریه، حسن الظن یعکس مدی الحب وعلاقة المحبة بین العبد والباری وان کانت قویة والتوکل إذا کان قویاً یدل علی صدق معرفته بباریه ویقینه بجود الباری وکرم الباری، وبالتالی صفاته وصفات جمال الباری تبارک وتعالی، وأما إذا کان - لا سامح الله - یقین الانسان ومعرفته ضعیفة بالتالی یتقاعس عن حسن الظن والتوکل.

ص:65

ص:66

ماهیة الشیطان

المحاور: هناک من یسأل عن حقیقة الشیطان وکیف یحاول سلب الإیمان من الانسان عند موته، هل یتمثل له بصورة معینة أم ماذا؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة قد شرح القرآن الکریم أنواع أفاعیل وأفعال الشیطان والشیاطین بالنسبة للإنسان وفی عمومها کالأز والمس والوسوسة وماشابه ذلک، فهی تتخذ علی کلام ربما قد بیّنها القرآن الکریم إلی ثمانیة أو أکثر من الأفعال التی یمارسها الشیطان مع بنی آدم، وعموماً من اخطر ما یمارسه هو أیحائاته الجحوذیة والکفرانیة والتمردیة لأنعم الله والرضا بقضاء الله وقدره.

فیثیر السخط لدی الانسان - والعیاذ بالله - والنقمة وعدم الرضی وحالة الانزعاج عَنْ مقادیر الله عَزَّ وَجَلَّ وإثارة سوء الظن بالله عزوجل ومن هذا القبیل، یعنی بعبارة أوضح خلق علاقة فی العداوة بین الانسان وبین الباری تعالی عبر سلسلة من الخواطر وسلسلة من المعانی

ص:67

وسلسلة من مساوئ الظن وسلسلة من الیأس، ولذلک کما یعبر القرآن الکریم اَلشَّیْطانُ یَعِدُکُمُ الْفَقْرَ (1)، دائماً حالة التشاؤم وحالة الیأس وحالة الشر والترکیز بها والسخط، وبالتالی تثیر لدی الانسان السخط والنقمة وعدم الرضی بقضاء الله وقدره، وبالتالی یصبح لدی الانسان حالة تمرد وحالة رعونة اتجاه الباری بدل أن تکون حالة لیونة وحالة طوعانیة وخضوع وانقیاد، شبیه بما لو مرّ الانسان بحالة مرض عصیبة جداً ولا تظن حالة موت حالة مرض عصیبة أو ابتلاءات شدیدة جدا هنا تتزلزل أتزان والتزام النفس وربما تعرض علی نفسه خواطر شیطانیة شدیدة هی باعثة علی سوء الظن بالله عَزَّ وَجَلَّ والعیاذ بالله وبالتالی علی خراب العلاقة التی بین قلب الانسان وروحه وبین الباری تعالی.

المحاور: إنا أرید أن أقف عند هذه النقطة بالذات وما ذکرتموه من عبارة خواطر شیطانیة، یعنی هل یمکن القول أن حدیث النفس هی أفکار معینة تمر علی الذهن بحیث یکون منشأها الشیطان فی الواقع، یعنی الشیطان الذی یجری من بنی آدم أو من ابن آدم مجری الدم فی العروق کما وردت فی الأحادیث النبویة، هل المقصود هو هذا یعنی انه یوجد خواطر وأفکار معینة عند الانسان؟.

ص:68


1- (1) سورة البقرة: الآیة 268.

الشیخ السند: فی الحقیقة کثیر ما نسمیه خواطر وأفکار هی لیست معانی ولا أفکار، وإنما هی کلام أثیری نسمعه نحن بإذننا الحسیة من الشیطان.

المحاور: یعنی بالحس مثلما نسمع باقی الأصوات؟.

الشیخ السند: یعنی المقصود لیس کما نسمع الصوت بالأذن البدنیة الجسمانیة التی توصل ذلک إلی الأذن الحسیة التی هی الحس المشترک فی الروح، بل لا ریب أن بین الصوت الشدید فی الذبذبة الموجبة والصوت الخفیف موجباً هناک فارق، مثل ما لو کان الانسان یقرأ قراءته بالجهر غیر قراءته بالأخفات وغیر قراءته بالقلب فهذه قراءات لکن علی مستویات ودرجات متعددة.

المحاور: کذلک وسوسة الشیطان؟.

الشیخ السند: نعم، فی وساوس الشیطان صحیح لیس هو صوت وجهاز وذبذباب هوائیة وماشابه ذلک، ولکن هی أثیریة کما هو الحال فی الطاقة الخفیة فبالتالی ذلک الکلام والخواطر نحسبها نحن ربما خواطر أو أفکار أو معانی منبعثة من ذهننا أو من ذاکرتنا أو من تجاربنا العلمیة أو غیر العلمیة أو ما شابه ذلک، لکن هی فی الحقیقة مجرد کلام، معانیها فی أذهاننا وهو یرانا من حیث لا نراه ربما یری نقاط ضعف صفاتنا النفسانیة وماشابه ذلک، فمن ثم یحرک جوانب أو

ص:69

یضغط علی جانب ضعف صفاتنا فی قوانا النفسانیة وبالتالی تهیج تلک وتصبح حالة تمرد فی عموم مملکة النفس.

المحاور: إذن هذا قانون (یرانا من حیث لا نراه) وإنما یبث فینا بعض الأفکار والوساوس تصدق علی حالة العدیلة أو سلب الإیمان من الانسان عند الموت یعنی لا یتمثل للإنسان بصورة معینة؟.

الشیخ السند: قد یتمثل فهو یتخذ کما ذکرت أفعال من أنماط ثمانیة ذکرت فی القرآن الکریم.

فمنها: الهمز کما فی قوله تعالی: وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِکَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّیاطِینِ (1).

ومنها: النزول علی الأفاک (أی الکذاب المفتری) الآثم کما فی قوله تعالی: هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ تَنَزَّلُ عَلی کُلِّ أَفّاکٍ أَثِیمٍ (2).

ومنها: الاستهواء کما فی قوله تعالی: کَالَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیاطِینُ فِی الْأَرْضِ حَیْرانَ (3).

ومنها: النزع کما فی قوله تعالی: وَ إِمّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ (4).

ص:70


1- (1) سورة المؤمنون: الآیة 97.
2- (2) سورة الشعراء: الآیة 221- 222
3- (3) سورة الأنعام: الآیة 71
4- (4) سورة الاعراف: الآیة 200.

ومنها: المس کما فی قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ (1).

ومنها: الأز کما فی قوله تعالی: أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (2).

ومنها: الإلقاء کما فی قوله تَعَالَی: لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (3).

ومنها: الإیحاء کما فی قوله تعالی: وَ إِنَّ الشَّیاطِینَ لَیُوحُونَ إِلی أَوْلِیائِهِمْ لِیُجادِلُوکُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّکُمْ لَمُشْرِکُونَ (4).

وربما هی اکثرمن ذلک، فهو یتخذ إشکال وألوان مختلفة ولکن تصب فی النهایة إلی إثارة معانی وأفکار وإذعانات مغلوطة کاذبة تجاه علاقة العبد مع ربه فی زعزعتها وإثارة السخط والرعونة والعیاذ بالله تجاه الله.

ص:71


1- (1) سورة الاعراف: الآیة 201
2- (2) سورة مریم: الآیة 83.
3- (3) سورة الحج: الآیة 53.
4- (4) سورة الأنعام: الآیة 121.

ص:72

إذا مات أبن آدم

المحاور: فیما یرتبط بقضیة الحدیث «إذا مات ابن آدم قامت قیامته» ما معنی هذا الحدیث؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة إن هذا الحدیث یعطی أن مظاهر وآثار القیامة تبدأ لدی الانسان منذ مماته، حیث انه یلاقی شیئاً من جزاءه أن کانت حسنة فحسنة وان سیئة فسیئة - والعیاذ بالله - فیلاقی السوء فی ذلک، فبالتالی أثار القیامة والحساب تبدأ فی تداعیاتها علی الإنسان وحالاته منذ أن یموت، فکأنما یصفی حسابه أو یبدأ بإنجاز حسابه من ثم تظهر أثار ظلیة قد یعبر عنه فی المصطلحات العلمیة بأثار شفافة مرققة تبدأ من یوم موت الانسان، ففی الواقع الموت هو القیامة الصغری، فلذلک عبر فی النصوص الواردة عن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) عن القیامة بالقیامة الکبری مما یَدُلّ علی أن هناک قیامه وسطی وقیامة صغری وقیامه کبری، وهلم جری، کما ورد التعبیر عن ظهور الإمام المهدی(عج) وعند دولة الرجعة بأنها قیامة وسطی، وعن ظهور المهدی بأنها قیامة صغری وموت الانسان قیامة فردیة له وهلم جراً.

ص:73

ص:74

إلقاء النفس فی التهلکة

المحاور: ما هو حکم عدم مراعاة الاحتیاط فی أمور تسبب الموت أو قد تسبب الموت، مثل قیادة السیارة بسرعة عالیة، هل هی من مصادیق الانتحار أم أن لها علاقة معینة بقضیة القضاء والقدر؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة إلقاء الانسان نفسه فی التهلکة لا یخرج ذلک من نوع من الانتحار ولا منافاة بین کون الفعل اختیار من الانسان ومقدر فی القضاء والقدر، وکتابة الأمر فی القضاء والقدر لا یوجب کون ذلک الفعل جبریاً أو أن الانسان ملجأً علیه، لإن لا منافاة بین علم الله فی قضاءه وقدره وبین اختیاریة أفعال الانسان وصدورها عن اختیار وإساءة الاختیار وإساءة التعبیر ترجع اللائمة علی الانسان نفسه.

المحاور: یعنی عدم مراعاة الإحتیاط یصدق علیها نوع من إلقاء النفس فی التهلکة؟.

الشیخ السند: طبعاً الاحتیاط فی الأمور الخطیرة والهامة شأنه

ص:75

یکون بنحو العزیمة مع معرفة الانسان لحفظ نفسه ونفوس الآخرین فی نظم الحیاة المعاشیة فی جملة من الموارد الخطیرة، لا یمکن، فرضاً مثل قائد الطائرة هو أدنی زلة أو غفلة أو إهمال تختلف عن بقیة أعضاء المجتمع فی تصرفاته لأنه مرتهن بعمله حیاة مئات النفوس من رکاب الطائرة، کذلک فی الحقیقة کل من یتولی موقعاً فی النظام الاجتماعی سواء المهنی أو السیاسی أو الأمنی أو العسکری، زلته قد تذهب فیها أرواح وضحایا أبریاء کثیرین فمن ثم الیقظة والحیطة وشدة الحفاظ تشتد أکثر وأکثر.

ص:76

عالم البرزخ

المحاور: ما معنی ما ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام):

«والله ما أخاف علیکم إلا البرزخ وأما إذا صار الأمر إلینا فنحن أولی بکم»(1)، وقوله بان شفاعة أهل البیت(علیهم السلام) لا تشملهم فی هذا العالم؟.

الشیخ السند: عالم البرزخ وهو نص الآیة الکریمة: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (2)، عالم یبعث فیه بنی آدم من بعد مماتهم حیث تبعث أرواحهم فی أجسام ظلیة کما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) صور بلا مواد، یعنی بلا مواد غلیظة هی التی تتعلق بها أرواحهم فی دار الدنیا وکما ورد فی بعض الروایات التی رواها الفریقان عن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله):

«والذی بعثنی بالحق لتموتن کما تنامون، ولتبعثن کما تستیقظون وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار»(3).

ص:77


1- (1) نور الثقلین ج553 :3.
2- (2) سورة المؤمنون: الآیة 100.
3- (3) البحار ج47 :7، ح 31.

فبین الحدیث النبوی الشریف أن البرزخ نوع مسانخ ولون مقارب إلی الحالة المنامیة وفی بعض الروایات الأخری أن قوم بعض الأنبیاء سأل نبیهم عن البرزخ والآخرة وما یدعوهم إلیه فطلب من الله عزوجل أن یریهم آیة یتعرفوا بها علی الآخرة وما شابه ذلک فاحدث الله المنام للبشر رؤیا المنامیة لم تکن فی سابق عهد من أوائل خلیقة البشریة بعد ذلک استحدثت نتیجة طلب قوم ذلک النبی فیدلل الحدیث علی أن ما یراه الإنسان من حالات منامیة لاسیما الرؤی الصادقة هی تمثل طبیعة برزخیة أخرویة یستطیع الانسان من خلالها أن یتعرف علی شؤون عالم البرزخ بذلک، وأما مورد أن شفاعتهم(علیهم السلام) لا تنال المؤمنین فی البرزخ نعم فإن مضمون هذه الروایة وربما روایات متعددة بهذا المضمون وهذا أن کان فهو یمثل حالة غالبیة وقاعدة عامة، طبعاً لکل قاعدة لها خصوص واستثناءات ولکن ظاهر الحدیث أن الحالة الغالبة هی عدم نیل الشفاعة فی البرزخ، لذلک الانسان یجب أن یوقی نفسه عن الوقوع فی المعاصی والمخالفات وحینئذ التعاون والسیر فی صرامة التقوی والطاعة وما شابه ذلک فی أمور سبل الخیر، هناک روایات أخری تدلل علی انه نوع من الشفاعات تنال المؤمن فی البرزخ ولکن بسبب أعمال خاصة معینة، مثلاً لدینا روایات انه من صلی صلاة الرغائب فان تلک الصلاة تأتیه فی أول لیلة من لیالی القبر وتدفع عنه وحشة معینة من القبر أو انه لو صلی صلاة الوحشة للمیت

ص:78

فإنها تبعث إلیه فی ظل نوع من البهجة والسرور، ووردت أعمال خاصة وبسبب تلک الأعمال الخاصة لمن یأتی بها ینال نوع من التخفیف أو رفع نوع من العذاب عنه، مثلا حسن خلق المرء مع أهله وعیاله وأسرته فان هذا یوسع فی قبره ومن هذا القبیل ورد عن الجزاء البرزخی الکثیر من الأعمال، أما بنحو الغالب بغض النظر عن هذه الأعمال الخاصة التی أشرنا إلیها، هناک قاعدة غالبة عامة أن شفاعتهم(علیهم السلام) إنما تفعل وتعمل فی یوم القیامة عند الحساب فی الآخرة.

المحاور: هل یمکن القول بأن البرزخ فی الواقع هو أشبه ما یکون بمرحلة تطهیریة للمؤمنین، یعنی مثل ما ورد فی ما یرتبط فی سکرات الموت وشدة النزع انه فیه نوع من التطهیر للمؤمنین کذلک یکون البرزخ له هذه الخصوصیة؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة البرزخ هو علی طبقات ومراتب ومن ذوی درجات الإیمان من لهم أنشطة وأدوار یقومون بها وهم فی البرزخ، ففی جملة من الروایات أنه توکل لهم وظائف وأمور، والآن أکتشف فی العلوم الحدیثة الروحیة الأثیریة من خلال الاتصال مع جملة من أهل البرزخ عبر وسطاء روحیین کما هو عندهم، لذلک نظام وبرنامج ونتائج هم اقروا وأذعنوا بها أن جملة من الأموات من أهل الخیر والصلحاء وما شابه ذلک یکون لهم نوع من الرعایة مع الأحیاء عبر التخاطر والإلهام وما شابه ذلک، مما یدل علی أن هناک ادوار یقوم

ص:79

بها المیت فی البرزخ فی رعایة وتربیة وإدارة الشؤون بطریقة روحیة إلهامیة فی العقل الباطن للأحیاء.

المحاور: کیف یرتبط أهل البرزخ مع أهل دار الدنیا؟.

الشیخ السند: أصل ارتباط أهل البرزخ بأهل الدنیا قد وردت فیه روایات عدیدة دالة علی وجود مثل هذا الارتباط سواء عبر الرؤیا أو عبر ربما ألوان أخری من الارتباط.

المحاور: هل تقصدون رؤیة الأحیاء مثلا للأموات فی عالم الرؤیا؟.

الشیخ السند: نعم، رؤیا المنام بأعتبار نفس الرؤیة المنامیة بالنسبة إلی الحی هی حالة نمط من البرزخ فیتم الارتباط بین أهل الدنیا وأهل الآخرة من هذا الطریق، وکم هناک من شاهد صدق قد شهدته البشریة فی ذلک.

المحاور: عند جمیع الأقوام، یعنی لا یختص مثلاً بملة معینة أو أهل دین معین، من جمیع الأدیان من جمیع الملل یقرون بان الرؤیا هی حالة غیر عادیة من الارتباط مع الأموات؟.

الشیخ السند: نعم مع أهل البرزخ، وعلی ذلک فهناک ألوان أخری بالارتباطات حتی أثبتتها العلوم الروحیة الحدیثة، من قبیل الإلهام ومن قبیل التخاطر وما شابه ذلک، فهذه أمور کلها مسجلة الآن ومشاهدة ومجربة ومحسوسة، وأما قضیة تسلط الحی فی جذب وجلب روح

ص:80

المیت فهذا الأمر فی غالب من یدعی هذا الشأن، وهو من قبیل النصب والحیلة والشعوذة مع الجن والشیاطین والشعبذة، وإن کان هذا الارتباط ممکن وغیر منفی، وربما هناک نوع من المغنطة والجاذبیة الروحیة تقع بین الحی والمیت هذا ما لا یمکن نفیه، کیف وقد وردت الروایات المستفیضة فی زیارة أئمة أهل بیت الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) هم یسمعون کلامنا ویشهدون مقامنا ویردون سلامنا إلا أننا لا نسمع کلامهم بل فتح الله باب فهمنا بلذیذ مناجاتهم، فإذن هناک نوع من الارتباط فی هذه الموارد.

المحاور: حول شفاعة الأئمة(علیهم السلام) عند سکرات الموت وعند البرزخ ما المراد من الأحادیث الشریفة التی تقول وتخاطب المؤمنین: « والله ما أخاف علیکم إلا البرزخ، وأما إذا صار الأمر إلینا فنحن أولی بکم ». فما هو المراد من هذه الوصایا؟.

الشیخ السند: إن درجات الأعمال مختلفة، مثلاً العقائد والصفات الحسنة کما یقول بعض المحققین منهم المحقق الشاه آبادی ربما جزاءها یتجاوز حتی الجنة وبعض الصفات الحسنة أو لا سمح الله الردیئة جزاءها هو الجزاء الأخروی، وبعض الأعمال التی هی لم تصل بحد الصفات ولا بحد المعارف العقدیة والاعتقادات التی ترسخ قلب الانسان علیها الذی هی مجرد أعمال عابرة ومجموعة تراکمیة من الأعمال المعینة، هذه آثارها وجزاءها حسب جملة من الروایات وحسب النصوص

ص:81

الواردة جزاءها یکون برزخیاً، من ذلک یتضح ما ورد عنهم مستفیضاً أن شفاعتهم فی الآخرة وفی عرصات یوم القیامة، وان فی البرزخ ربما لا تمتد شفاعتهم أو لا یؤذن بأعمالها فی البرزخ بصورة عامة، وان کان لکل قاعدة عامة استثناءات وخصوصیات کما قد شوهد ذلک فی مشاهدات ومکاشفات مع أهل البرزخ من الموتی.

المحاور: إذن طریق الشفاعة لیس منقطعاً بالکامل فشفاعة أهل البیت حتی فی البرزخ؟.

الشیخ السند: بالضبط وإنما الحالة العامة والحالة الطبیعیة أن رحاب الأعمال ما لم تتکون صفات وقناعات قلبیة هو برزخی، وفی الواقع تلک الأعمال التی وقعت من المؤمنین مثلاً المحبین لأهل البیت إذا لم تکن فی الجادة الشرعیة فهی لیست مشایعة لأهل البیت، تلک الأعمال السیئة لم تصب فی مسار التشیع لان مشایعة المتشیع وهو الإمام أو الأئمة یتبعه فی کل قضیة، وبالتالی تلک الأعمال حیث لن تقع فی صراط الانقیاد والمتابعة للأئمة(علیهم السلام) بالتالی فهو خارج عن ولایتهم، فیلاقی الانسان جزاءه بخلاف ما أحبه واعتقده من آل البیت من صفاتهم الکریمة وبما تکونت له بسبب محبة وولایة ومعرفة أهل البیت(علیهم السلام) فهذا الاختلاف بین جزاء العقائد والصفات وبین الأعمال أیضا یفسرها البحث والمیزان العقلی، وهذا لیس بنحو عام، بل هناک حالات استثناء، وهی ربما فی الواقع ترجع إلی الأعمال والصفات

ص:82

الراجعة إلی مشایعة ومتابعة أهل البیت فتغلب تلک الصفات الحسنة والأعمال الحسنة تلک السیئات فی الأعمال وبالتالی ینال الشفاعة بالجملة أو بنحو استثناءها فی البرزخ.

المحاور: هل یمکن القول وما تفضلتم به أن حضور مودة أهل البیت(علیهم السلام) فی البرزخ، یکون فی الواقع هو نوع من الإعانة ومصداق الشفاعة فی البرزخ هو حضور الأعمال الحسنة التی قام بها تمثلاً بأهل البیت ومودة أهل البیت(علیهم السلام) تکون مرافقة له فی البرزخ؟.

الشیخ السند: نعم هذا نمط من ألوان الشفاعة، فعن أبی بصیر عن أحدهما(علیهما السلام) قال:

«إذا مات العبد المؤمن دخل معه فی قبره ستة صور، فیهن صورة أحسنهنّ وجهاً، وأبهاهنّ هیئة، وأطیبهنّ ریحاً، وأنظفهنّ صورة، فتقف صورة عن یمینه، وأخری عن یساره، وأخری بین یدیه، وأخری خلفه، وأخری عند رجله، وتقف التی هی أحسنهنّ فوق رأسه، فإن أتی عن یمینه منعته التی عن یمینه، ثم کذلک إلی أن یؤتی من الجهات الست.

قَالَ(علیه السلام): فتقول أحسنهنّ صورة: ومن أنتم جزاکم الله عنی خیراً؟

فتقول التی عن یمین العبد: أنا الصلاة، وتقول التی عن یساره: أنا الزکاة، وتقول التی بین یدیه: أنا الصیام، وتقول التی خلفه: أنا الحج

ص:83

والعمرة، وتقول التی عند رجلیه: أنا بِر من وصل إخوانه. ثم یقلن: من أنتِ، فأنت أحسننا وجهاً، وأطیبنا ریحاً، وأبهانا هیئة؟. فتقول: أنا الولایة لآل محمد (صلوات الله علیهم أجمعین )»(1).

فهذا احد الأنواع من الشفاعة والارتباط.

المحاور: ملاحظة أخیرة، هل یمکن القول أن المقصود من هذه الأحادیث - انه لا شفاعة فی البرزخ - حث المؤمنین علی أن یکتسبوا فی الدنیا ما یعینهم علی حیاة البرزخ؟.

الشیخ السند: لا ریب فی ذلک، لأنه فیه نوع من الحث وعدم التغریر، فقد روی عن الإمام الباقر(علیه السلام) وهو یوصی جابر بن بزید الجعفی: یا جابر بلّغ شیعتی منی السلام واعلمهم أنه لا قرابة بیننا وبین الله عَزَّ وَجَلَّ ولا یتقرب إلیه إلا بالطاعة، یا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولینا ومن عصی الله لم ینفعه حبنا)(2).

فَلابُدَّ منهما معاً جناحان، العمل والمودة، والمودة تدعو إلی العمل کما یسمی الشیعی شیعی لأنه شایع أهل البیت فی المعرفة والولایة والعمل، ولو انه خالف وعصی ربه فقد نبذ تشیعه وبالتالی فی عمله.

المحاور: علی ضوء ما تفضلتم به فی الأسئلة السابقة من وجود

ص:84


1- (1) البحار ج235 :6، ح 50.
2- (2) أمالی الشیخ: 446.

عوالم أخری سابقة لهذا العالم، وأشرتم إلی تسبیح المعصومین(علیهم السلام)، هل یمکن أن یحمل الخلق علی الخلق فی عالم الدنیا وفی الإمتحان قد یکون فی عوالم سابقة لهذا العالم؟.

الشیخ السند: نعم طبعاً یمکن أن یحمل، ولکن بأعتبار أن الخلق یطلق علی عالم الذر أیضا ویطلق علی نوع من العالم المادی المتقدم علی عالم الدنیا وربما یطلق علی عالم الأرواح بأعتبار عالم الأرواح لم یعبر عنه بالخلق إلا بالنوع العام کما فی قوله تعالی: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ (1) وعالم الأمر عالم إبداع کن فیکون.

المحاور: یعنی علی ضوء هذا الإبداع وعلی ضوء هذا التقسیم یمکن أن یکون الامتحان فی عالم الأمر؟.

الشیخ السند: قبل عالم الخلق، قابل لان یجد له تفسیراً ولکن ذلک التفسیر الأخر لابد من فرضه أیضا.

المحاور: فی الواقع هذه العبارة تبین سمو مقام الصدیقة الزهراء(علیها السلام) والمراد منه انه مقام أهلیة الصدیقة الزهراء للمقامات التی أعطیت لها من قبل الله تبارک وتعالی.

الشیخ السند: هذا فی الواقع هو بعینه منطلق لتفسیر العصمة أبداه الإمام المهدی(عج) والإمام الصادق(علیه السلام) فی دعاء الندبة، أن العصمة لیست

ص:85


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 54.

جبریة کسبیة ولیست تفویضیة بسببیة کما هی وهبیة اختیاریة، یعنی علی ضوء ما یعلم الله من استقامة اختبار الأصفیاء الأولیاء المنتجبین یهبهم تلک العصمة.

المحاور: البرزخ من اهم العوالم بین الدنیا والآخرة أن صح التعبیر، هل یحصل للإنسان تکامل وبلوغ مراتب أعلی خلال عیشه فی عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: نعم قد أشیر فی الروایات أن فی البرزخ نحو تکامل وغایة الأمر أن مسیر التکامل فی البرزخ لا یتصور انه نمط المسیر والحرکة فی أعمال وأفعال الانسان فی دار الدنیا، لا ریب انه یختلف من أنماط معینة، بعبارة أخری ربما نقول أن درجة نمط اختبار هناک یختلف حتی عن نمط الاختبار هاهنا الاختبار فی عالم الذر وعالم الأصلاب وعوالم سابقة وعوالم المیثاق تختلف عن نمط الاختبار فی هذا العالم وان کان...

المحاور: ما معنی الاختبار هنا فی عالم البرزخ والأحادیث صریحة بأن الانسان بعد موته ینقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جاریة أو علم ینتفع به أو ولد صالح یدعوا، فما معنی الاختبار هناک وعمله قد ینقطع، یعنی فی البرزخ لا یستطیع أن یقوم بعمل؟.

الشیخ السند: نعم فی هذا النمط من الاختبار فی دار الدنیا الذی

ص:86

یؤثر فی حسم مصیر الانسان، الاختیار هو النمط الحاسم لمصیر الانسان وهو فی دار الدنیا، ولکن هناک أنماط من ألوان أخری من الاختبار فی عالم البرزخ، هی فی الواقع استزادة لطریق المصیر الذی اختاره الانسان لا سیما فی جانب التکامل.

المحاور: من الانسان نفسه، أو من الذی یرتبط به، مثلاً عائلة المتوفی، أو عمل صالح کان قام به فی الدنیا وکانت أثاره مستمرة فی البرزخ؟.

الشیخ السند: هذا یؤکد أن هناک نمط من التکامل للإنسان، وانه حتی لو ذهب إلی تلک الدار فإنما أسسه من الأعمال السابقة، ویظل یرفده بالکمال والتکامل مما یدل علی وجود نمط التکامل، ورد أن المؤمنین فی قبورهم یعلّمون القرآن ویعلّمون العلوم وماشبه ذلک فیتکاملون عندما یحین وقت الجزاء بأعتبار أن الجزاء فی کل درجة بحسب معرفة الانسان لکل آیة من القرآن الکریم وغیرها من الروایات التی وردت.

المحاور: سؤال فرعی ولکن یبدو انه مهم وفی جنبة عملیة، وهی کیف یهیأ الانسان نفسه قبل الموت لمرحلة التکامل فی البرزخ، بحیث یکون ممن یستمر تکامله وقربه من الله تبارک وتعالی وهو فی عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: فی طلیعة ذلک المعرفة الحقة والتوسع فی المعرفة

ص:87

الحقة والإیمان، وثم من بعد ذلک تأتی النیة الصالحة نیة الخیر وهی:

«إنما الأعمال بالنیات»، فقمة الأعمال بالواقع هی فی النیة فإذا کانت النیة موجودة وان کانت لم تتوفر لدی الانسان إمکانیة انجاز تلک الأعمال، إلا أن هذه النیة بما لها من السعة وأنها تسع السموات والأرض هی تتکفل لان یعد الانسان نفسه أن یجود الله علیه بتلک الکمالات المنویة له وان لم یستطع أن ینجزها.

المحاور: یعنی نیة الخیر تکون مستمرة فی قلبه وینتقل بها إلی عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: نعم الأمر حساس، والخطب کبیر بالنسبة إلی النیة، صفات الانسان الردیئة - لاسامح الله - تحول دون أن ینوی الانسان نیة الخیر، مدی خطورة وعظمة وقیمة النیة، فی الواقع إنما یکترث بالعمل فی واقع النیة، صفاء النیة ونفاذ النیة واستقامة النیة، أمر عظیم یأتی من ناحیة النیة، بل بالنیة یستطیع الانسان أن ینوی کل الخیر، وحینئذ یتساءل ویأمل أن یرفد ویجاد علیه بکل الکمالات فی البرزخ بسبب مانواه من سعة تلک الخیرات ولکن من یوفق أن ینوی نیة جادة تتعلق بکل الخیر؟!. هذا یحتاج إلی صفاء الروح والقلب السلیم، فضائل الصفات فی النفس کی تتمکن النفس من النیة الجادة المتعلقة بکل الخیر وکل الخیرات.

ص:88

المحاور: وحسن النیة بالله تبارک وتعالی، یعنی أن یحسن الانسان ظنه بالله تبارک وتعالی، ویسأله أن یرزقه القرب وما یقربه إلیه فی الدنیا وفی البرزخ، والله علی کل شیء قدیر؟.

الشیخ السند: نعم هذه من فضائل صفاته التی تفتح الباب أمام تلک النیة الدافعة للخیر.

المحاور: الأرواح فی عالم القبر والبرزخ هل تتلاقی؟ و کیف یکون هذا التلاقی مع الروایات التی تصرح بأن الانسان یقبر وحیداً فی قبره؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة أن الإقبار وان کان هو بدایة الولوج فی عالم البرزخ تکون هذه الحالة واقعة، ولکن بخلاف مآل الحال فی المؤمنین کما یظهر من الآیات والروایات، فعن أمیر المؤمنین(علیه السلام):

«لو کشف لکم لرأیتم أرواح المؤمنین فی هذا الظهر حلقاً یتزاورون ویتحدثون، إن فی هذا الظهر روح کل مؤمن»(1)، والظهر هنا هو وادی السلام، وفی روایة أخری:

«لرأیتهم حلقاً حلقاً محتبین یتحادثون فقلت: أجسام أم أرواح، فقال: أرواح وما من مؤمن یموت فی بقعة من بقاع الأرض إلا قیل لروحه: ألحقی بوادی السلام وإنها لبقعة من

ص:89


1- (1) البحار ج242 :6، ح: 65.

جنة عدن»(1)حتی التعبیر الوارد فی الآیة الکریمة وَ یَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ (2) هذا دلیل علی حالة من الاجتماع.

المحاور: هذه خاصة بالمؤمنین أم عامة؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة یظهر من الآیات أن هذه الحالة أیضا فیما بین المجرمین أو مع الهاوین، التعبیر الوارد فی الآیة الکریمة اَلنّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْها غُدُوًّا وَ عَشِیًّا وَ یَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ (3)، فیظهر أن هناک حالة التقاء واجتماع، قد تکون هی الوحدة والوحشة، نوع من الجزاء والتعذیب قبال ما أتاه الانسان من بعض الأعمال، هذه الأعمال ملحوظة فی النص القرآنی أو النص الروائی ولکن کحالة ثابتة ودائمة لیس کذلک.

المحاور: یمکن أن تکون فی بدایة الموت مثلاً، أو بعد الموت مباشرة تحدث هناک وحشة؟.

الشیخ السند: نعم طبعاً هذا هو عموم طبیعة البرزخ لعموم طبیعة الفرد البشری، وإلا کما مر بنا سابقاً، أن بعض المؤمنین أو المتقین یتجاوزون هذه العقبات من دون أن یمروا بها، بأعتبار أنهم مروا علی عقبات امتحانیه فی دار الدنیا ففازوا فیها، فمن ثم لا یمررون بها فی

ص:90


1- (1) الکافی ج243 :3.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 170.
3- (3) سورة غافر: الآیة 46.

حالات الاحتضار أو السوق إلی عالم البرزخ.

المحاور: هناک سؤال قریب من هذا المعنی أن الروح تلازم القبر بعد الموت، یعنی تکون قریبة من المحل الذی دفن فیه البدن؟.

الشیخ السند: الملازمة بمعنی الکینونة والمرابضة والمرابطة الدائمة، أو انه لا تنتقل إلی مکان آخر، وهذا المعنی لیس یراد نعم یکون للروح علقة بمحل الدفن والجسم والمثوی فإن بعض الروایات تدل علی انه تنقل الأرواح کل یوم فی ساعات کذا وترجع إلی مثواها کذا، مما یدل علی انه نوع من العروج والهبوط موجود بلحاظ عالم البرزخ عالم أثیری خاص، لکن تکون للأرواح علقة وارتباط لمثاوی الأبدان.

المحاور: بالنسبة للروح وکونها مجردة، ما معنی هذا الانتقال، تعبیر العلقة قد یکون هو الکاشف عن هذا المعنی الذی تفضلتم به یعنی الروح متعلقة وغیر محکومة بقوانین المکان؟.

الشیخ السند: الروح حتی فی دار الدنیا هی فی عمدة عالی درجاتها مجردة عن المکان والزمان الدنیوی والبرزخی، ولکن مراتبها النازلة وقواها المتعلقة بالبدن الدنیوی تجعلها تشعر وتدرک أحکام المکان والزمان، وإلا فهی فی ذاتها قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی (1)، وکذلک فی عالم البرزخ بأعتبار البدن البرزخی ذو طول وعرض وعمق وشبه ذلک، وله زمانه الخاص وله أمکنته الخاصة التی تتناسب مع ذلک

ص:91

العالم، أجسام لطیفة لذلک العالم وان کانت الروح فی ذاتها ذات مراتب أعلی من ذلک.

المحاور: هل أن المیت یتذکر الأعمال التی قام بها فی الحیاة الدنیا، کیف ذلک وهی کثیرة؟.

الشیخ السند: بالنسبة إلی مشهد المیزان والحساب وتطایر الصحف وما شابه ذلک، فهذا یسیر علی الله عَزَّ وَجَلَّ للإنسان، وذاکرة أعماله المتمثلة فی قوة خیاله وذاکرته بل یشاهد بالتجربة الموارد الکثیرة التی تنتابهم وتطرأ علیهم بعض الحالات الروحیة الشدیدة والقویة، أو بعض من یمارس بعض الریاضات التی یقل فیها الأکل والشرب، ویکون هناک نوع من النزع والانشداد الروحی الشدید إلی أعماق الروح مما یسبب ذلک عود الذاکرة بذکریات ومشاهد حتی تعود إلی حالة الرضاع أو حتی تعود إلی حالة الحمل، بعض الأخوة الذی مارس أنواع من الطب المائی لمعالجة بدنه ولکن ما أن طرأت علیه حالات روحیة عجیبة تعجب هو منها، مارس انقطاع الأکل والشرب، وان التداوی بالماء یعرف حالیاً، واخذ یروج حتی فی معالجة الداء الخبیث وهو داء السرطان، مارسه هو فی بعده البدنی ولکن تلقائیاً أورث له حالات روحیة شفافة جداً، لم تکن لدیه فی الحسبان بحیث حتی عادت لدیه ذکریات لیست فقط الطفولة وفترة الرضاعة بل عادت إلیه الذکریات حتی وهو فی بطن أمه، کما یذکر ذلک علماء

ص:92

النفس والروح والحکماء والبحوث العقلیة، الروح ینطبع فیها المشاهد والصور بتوسط آلات الإحساس منذ أن تنفخ فی بدن الانسان وهو فی بطن أمه، بالتالی یستقطب الانسان فی أعماق روحه وذاکرته کل هذه الأمور وتظل قائمة وراهنة فی أعماق روحه، وان لم یکن یستطیع تذکرها بسبب انشداده إلی المعایشة الیومیة بالمحیط الذی یعیشه الانسان، فتقل قوته علی استرجاع اللوائح الروحیة التی فیها انطباع کل ما مر علیه منذ نفخ الروح فی بدنه، وإلا فأن الروح موجودة.

المحاور: هناک بعض الروایات تشیر إلی قضیة الإخفاء یعنی أن الله تبارک وتعالی یخفی عن المؤمنین الأمور التی تسیئهم وفیما یرتبط بعوائلهم، علی العکس بالنسبة للکافرین، لایخفی عنهم الأمور التی تکون مساوئ لهم، لکی تکون أیضا من مصادیق العذاب فی البرزخ أو التنعم. مثل هذه الروایات هل یفهم منها أن الأساس أو الأصل هو اطلاع أهل البرزخ علی أحوال أهل الدنیا وما یستثنی مثلاً بقید آخر؟.

الشیخ السند: الظاهر لیس الحال کذلک، لان عبر المشاهدات والروایات المذکورة فی جملة من الحوادث وجملة من الوقائع، یظهر أن الاطلاع بحسب درجات الموتی، یعنی بحسب درجته من القرب الإلهی وعلوه یمکن أن یطلع بشکل أکثر عن الأحیاء، شوهدت أمور وموارد کثیرة فی أمور حساسة بعض الأحیان فی الظواهر الاجتماعیة العامة قد لا یطلع علیها الموتی، وان کانوا من أهالی العلم والفضیلة أو

ص:93

من أصحاب الدرجات، هی فی الحقیقة أمور نسبیة.

المحاور: ولکن الأصل ثابت.

الشیخ السند: نعم أصل الاطلاع بنسبة وبحسب درجات الموتی.

المحاور: ذکرتم أن ثمة بدن برزخی، والسؤال: هل أن هذا البدن البرزخی یحتاج إلی نوع من التغذیة؟ هل یصیبه الهرم والشیخوخة ونظائر ذلک؟.

الشیخ السند: المذکور فی الآیات والروایات وکذلک هناک إشارات فی الآیات، انه هناک نوع من التغذیة فی البرزخ للبدن البرزخی، ونوع من المواد قد تعد کالطعام بالنسبة لذلک البدن، وبالتالی له قدرة محدودة وهو ذو قدرة وذو حد ثم تنزف المادة هناک فتحتاج إلی تجدید وما شابه ذلک، هذا کله یظهر من الروایات، فعن إبراهیم بن إسحاق الجازی قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام):

«أین أرواح المؤمنین؟ فقال: أرواح المؤمنین فی حجرات فی الجنة، یأکلون من طعامها، ویشربون من شرابها، ویتزاورون فیها، ویقولون: ربنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا»(1)، ویمکن أن یقرأ بقراءة عقلیة حکمیة أن الجسم البرزخی له مادة تناسبه وبالتالی تحتاج إلی نوع من التجدید ففی ذلک نفاذ وفی ذلک وفور وتمد بمدد، وعلی أیة حال هذا أمر

ص:94


1- (1) البحار ج235 :6، ح: 49.

ملحوظ بصراحة فی دلالات الآیات والروایات، وهو یقرأ بلغة حکمیة وعقلیة أن هناک مادة تختلف عن المادة الدنیویة وهی المادة البرزخیة للجسم البرزخی، فلها نوع من التکامل ونوع من الحرکة ونوع من الزیادة والنقصان، وإن کانت أحکامها تختلف عن مادة البدن الدنیوی حیث یعد ذلک الجسم صورة بلا مواد، فالمقصود هو بلا مواد غذائیة دنیویة ترابیة.

المحاور: وهذا لا یؤثر بأیة صورة علی تحقق استشعار الأذی للإنسان فی عالم البرزخ بأعتبار أنها روضة من ریاض الجنة للمؤمنین أو حفرة من حفر النیران یعنی مهما کانت الترکیبة فهذا الأمر متحقق؟.

الشیخ السند: بلا شک، أن الجسم البرزخی أدوی أیضا، یعنی له أدوات وهو بالتالی عبر تلک الأدوات ومن ثم التحسس والتلمس بأدوات الجسم البرزخی بنحو اشد من الجسم الدنیوی، وربما الواحد من أدوات وأعضاء الجسم البرزخی یمکن أن یتم بها الادراکات الخمس.

المحاور: کیف یعرف أهل البرزخ بعضهم بعضاً وقد تغیرت صورهم التی کانوا علیها فی الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: اختلاف صور أهل البرزخ عن صورهم وأجسامهم فی دار الدنیا لیس بصحیح، وقد وردت الروایات فی

ص:95

صور أهل البرزخ أنهم یبعثون فی صور ابدأنهم التی کانوا علیها فی دار الدنیا، فعن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال:

«إن الأرواح فی صفة الأجساد فی شجرة فی الجنة تعارف وتسائل فإذا قدمت الروح علی الأرواح یقول: دعوها فإنها قد أفلتت من هول عظیم ثم یسألونها ما فعل فلان وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: ترکته حیاً أرتجوه وإن قالت لهم: قد هلک قالوا: قد هوی هوی»(1). أو أن المؤمن یبعث بصورة اشد نورانیة مما کان علیها فی دار الدنیا بخلاف الکافر أو المنافق أو الفاسق فأنه یقتم لونه وتظلم روحه ویظلم جسمه، وهذا ما دعمته المشاهدات والرؤی التی تواترت من مشاهدة أهل البرزخ، وإنهم علی إی حال یشاهدون بنفس الصورة التی کانوا علیها، کما یقول الإمام الصادق(علیه السلام):

«... ولکن فی أبدان کأبدانهم»(2).

المحاور: هل أن الکافر یعذب فی عالم البرزخ والمؤمن ینعم،

«روضة من ریاض الجنة أو حفرة من حفر النیران»(3)فکیف یکون توجیه العدل الإلهی بالنسبة للکافر الذی مات قبل ألاف السنین والکافر الذی یموت قبیل یوم القیامة بقلیل، والمؤمن الذی یتوفی قبل ألاف السنین والذی یتوفی قبیل یوم القیامة والبعث کیف یمکن توجیه

ص:96


1- (1) الکافی ج244 :3.
2- (2) المصدر السابق.
3- (3) البحار ج205 :6.

هذه الحالة؟.

الشیخ السند: أن النعیم و العذاب لا یعتمد فی درجته علی المدة الزمنیة والکمیة، بل هناک دلالات فی الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة وأحادیث المعصومین من أهل بیته، أن الکیفیة أو الشدة والضعف هی أیضا من ضمن الدرجات المؤثرة فی نوعیة التنعیم والنعیم ونوعیة العذاب والتعذیب، وربما یکون متأخراً ولکنه سابق من حیث الرتبة، فی الدرجات، وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ (1) و ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ قَلِیلٌ مِنَ الْآخِرِینَ (2) وان کانوا آخرین زمناً ولکنهم سابقون رتبة یتنعمون بدرجات عالیة من حیث الکیف والموقعیة لا سیما وان البرزخ فی جنب الآخرة لیس إلا قطرة فی بحر قمقام.

المحاور: هل أن عامل الزمان فی عالم البرزخ مشابه لعامل الزمان فی عالم الدنیا؟.

الشیخ السند: باعتبار کون البرزخ نوع من الوجود الجسمانی اللطیف، فهناک له مقادیر وحرکات ومدة ومقداریة وعینیة تناسب مع تلک المادة اللطیفة الأثیریة، وبالتالی لها مقیاس وان کانت تلک المقادیر غیر منطبقة علی المادة الغلیظة. الآن فی عالم الدنیا هناک مقادیر ونسب

ص:97


1- (1) سورة الواقعة: الآیة 10.
2- (2) سورة الواقعة: الآیة 13- 14.

زمانیة مختلفة بشدة موجودة حتی فی الأجسام الفیزیائیة فی دار الدنیا، مثلاً حرکة النیترون والبروتون والمنظومة والذرة لها زمان معین، وشبه ذلک من حیث الصغر واللطافة تختلف من حیث الصغر واللطافة عن الأجسام الغلیظة والکبیرة مثل الکواکب والمجرات، بالتالی الأزمنة والمقادیر مقاییسها ونسبها تختلف اختلافاً شاسعاً بسبب لطافة وغلظة ونوعیة المادة بحسب کل نسبة فی العالم الجسمانی.

المحاور: هل أن عالم البرزخ وما یجری فیه یختص بالمسلمین أم یشمل غیرهم من الملل الأخری، سواء السابقین منهم أم المعاصرین؟

الشیخ السند: فی الحقیقة عالم البرزخ عالم لکل البشریة ینتقلون إلیه وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ ، فهذه مراحل لا تختص بالمسلمین ولا بالمؤمنین بل بعموم البشریة الطالح منهم والصالح، وتختلف الحالات لاریب.

المحاور: یعنی البرزخ وما یجری فیه سواء کان « روضة من ریاض الجنة أو حفرة من حفر النیران » یشمل حتی غیر المسلمین أیضا؟.

الشیخ السند: نعم، کما ورد فی الروایات أن المستضعف الذی لدیه قصور فکری فی المعرفة، المعرفة التی تبین ما هی عقیدة الحق وما هی رؤیته ذلک یلهی عنه فی الروایات، یلهی عنه إلی یوم القیامة حیث یمتحن حینئذ امتحاناً نهائیاً یسجل به مصیره یذهب به إلی الجنة أو یذهب به إلی النار، ولکن یلهی عنه یعنی لا یسجل علیه الحساب، وإنما

ص:98

یترک فی حسب بیئته البرزخیة وحسب ما أکتسبه من بصیرة الفطرة، أن کان فی الخیر یتنعم خیراً، وان فی الشر فیؤاخذ مقداراً من شروره التی ارتکبها بحسب إدراک فطرته، شرعته وشریعته هی حدود الیسیرة والقلیلة التی هی علی أیة حال استبصرها بتوسط فطرته، لان دین الإسلام هو دین الفطرة ینفلق من دائرة مرکزیة هی الفطرة ویتوسع بالإنسان إلی مدارات وآفاق أوسع. بل حتی الغربیون ربما استطاعوا أن یوثقوها بحسب تجاربهم الروحیة والوساطة الروحیة التی یستخدمونها فهم شاهدوا الکثیر من الشعوب الإنسانیة التی لیست ذا ذهنیة عن العقیدة والمنهاج، أنها تعیش حسب مکتسبات فطرتها الأولیة فی عالم البرزخ، وأما من عرف نهج ونجد الحق والخیر وطریق الشر فذلک یحاسب حساباً شدیداً، وبالتالی فمن محض إیمانه کفراً فذلک یحاسب لان بلغت درجته العقلیة الحد الذی یقام علیه فیصل التمییز والقضاء منذ موته.

المحاور: أشرتم فی طیات حدیثکم إلی أن قضیة العوالم الأخری یعنی عوالم قبل عالم الدنیا وعالم ما بعد عالم الدنیا أیضا هی عامة وتشمل جمیع البشر؟.

الشیخ السند: نعم کعالم الذر، أو عالم الأصلاب، أو عالم الأرحام، أو عالم الأنوار، أو عالم خلق الروح قبل البدن وکذلک عالم الآخرة لا یختص بالمسلمین ولا بالمؤمنین وإنما یشمل عموم الناس، غایة الأمر کما مر فی عالم البرزخ الحالات تختلف، طینة البشر والنشأة التی نشأت

ص:99

منها الروح تلک سواء نشأة مجردة أم نشأة بأی نوع نستطیع أن نسمیها، تختلف فیها حالات وأصناف وأنواع البشر أن کانوا مؤمنین، أو کانوا غیر مؤمنین ولکن عموماً یمرون بحالات مختلفة، نعم بالنسبة لبعض العوالم العلویة جداً نستطیع القول أن الأصفیاء المصطفون من الأنبیاء والمرسلین والأولیاء والأئمة الهادین المهدیین، أولئک کانوا فی عوالم أعلی لم یشارکهم فیها احد، هذا یمکن القول به، وکذلک یصلون فی المآل والمعاد إلی عوالم علیا أکثر لا یشارکهم فیها احد بهذا الاعتبار یصح الأختصاص وعدم التعمیم، ونستطیع أن نقول أن هنالک فوارق نظیر ما ورد أن جنة الجن دون جنة الإنس، وذلک لقصور المرتبة العقلیة عند مخلوق الجن عن مخلوق الإنس بهذا الاعتبار یمکن القول بأن مراتب المخلوقات فی الإنس أیضا هی نزولاً من عوالم علویة تختلف فی بعض تلک العوالم القصوی فی التعالی، ولا یکون هنالک اشتراک، وکذلک فی المعاد وله درجات ما وراء الجنة وما فوق الجنة من رضوان مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ وما یسبح فیه بعض الخواص من الأولیاء والأصفیاء فی بحور الجمال الإلهی والجلال الإلهی ونعم مختصة ببعض النفوس والأرواح دون کل الأرواح.

ص:100

عذاب القبر

المحاور: هل عذاب القبر، یحدث فی بدایة دخول الانسان عالم القبر فقط أم یبقی مستمراً إلی یوم یبعث؟.

الشیخ السند: عذاب القبر تارة یطلق ویعبر ویسمی عن مطلق حالة البرزخ، وتارة یراد بعذاب القبر مرحلة القبر إی مرحلة الموت الأولی، فمراحل الموت الاولی تسمی حالة القبر وعذاب القبر أن کان عذاباً أو نعیماً، ولکن بعد ذلک یطوی الانسان منازل أخری فی البرزخ، ففی الحقیقة نفس مرحلة القبر سواء من الضغطة أو عدم الضغطة وبدایة الإنس بهذا المنزل الجدید، أو کیفیة الموت، وکیفیة الوضع فی القبر کیفیة حمل الجنازة، کیفیة تعلق الروح فی بدایاتها، وکیف تنفصل الروح عن هذا التعلق وهو ثاوی فی التراب، هذه تسمی مراحل القبر الاولی، بنحو اخص، وأخری لمطلق فترة البرزخ یسمی عذاب القبر أو مراحل القبر أن عذاباً أو نعیماً، فمن هذه المراحل یراد من القبر مطلق البرزخ، فیجب التفکیک بین الاستعمالین، الآن نتناول المعنی الأخص وهو عذاب القبر فی هذه المراحل، فی الواقع هی المراحل الاولی والمنازل

ص:101

الاولی من ضغطة القبر أو هول المطلع أو هول الذهاب إلی القبر، هول تناول الآخرین لبدن الانسان وکیفیة تغسیله بحیث روی فی بعض الروایات عن سلمان الفارسی انه أراد أن یستطلع ما یجری علی الانسان بعد مفارقة الروح البدن فعلمه الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) ورداً وذکراً أن یذهب إلی المقبرة ویسأل فلان من الموتی، ومن مقطوعات تلک الحواریة التی جاءت بین المیت وسلمان الفارسی، هو أن المیت عندما یغسل بتوسط ذویه یشعر انه یغرق فی بحور المحیطات ثم یرفع من تلک حالة الغرق، اذاً أحوال مهولة بحسب موقعیة الإنسان ومنزله وإلا فأن هذه المراحل الاولی من القبر ربما بعض الصالحین لا یمرون بها ولا یذوقون شدتها، کما نقل عن الشیخ الاقا رضا الهمدانی، وهو من الفقهاء الکبار ومن تلامیذ المیرزا الکبیر، وکان یقطن سامراء المشرفة التی نعیش هذه الأیام فی عزاء وفاجعة کبری من جراء هذه الجریمة فی هتک هذا البیت الذی هو بیت من بیوت الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) وهذا الحرم من حرم الله عَزَّ وَجَلَّ، دفن الشیخ آقا رضا الهمدانی عند الضریح الشریف، هذه رؤیة من تلامذته بعدما مات بأشهر طویلة فسأله الرائی فی الرؤیة انه کیف وجدت الموت؟!. قال لم اشعر إلا أنی قد نمت واستیقظت من النوم فخوطبت بأن هذه مفاتیح لهذا القصر فأذهب وعش فیه، ویقول ذهبت وعشت فیه، وبعد مدة مدیدة عرفت أنی قد مت وان هذا قصر فی البرزخ، فنزع الروح وکیفیة الذهاب به، کل هذه المراحل لم یحس بها

ص:102

نظراً للامتحانات التی کابدها وهو فی حیاته، فقد نقل انه رغم فقاهته وتربیته لجیل مهم من رجال الدین الکبار والمراجع الذین تصدروا زعامة الفتیا والمرجعیة انه عاش فی فقر مدقع جداً وفی زهد عجیب، کان یعیش فی سامراء وعند جوار العسکریین(علیهما السلام) ولم یرزق من الذکور شیء وإنما رزق أربع أو خمس إناث، علی أیة حال کانت المعیشة ضیقة به وکان رغم ذلک برحابة خلقة وسعة صدره ومصابرته وإنتاجه العلمی الذی لا تزال الحوزات العلمیة ترفد من کتبه فی التحقیقات الرشیقة أو ماشابه ذلک فهو شدائد البرزخ مر بها وهو فی الدنیا ولا یعاود امتحانه بها فی أوائل ذهابه إلی البرزخ کما یقال فی علم المعرفة هو قد طواها وهو فی الدنیا، فهناک لاقی النعیم بمجرد نومة الموت.

ص:103

ص:104

التربة الحسینیة

المحاور: ما فائدة وضع التربة الحسینیة مع المیت وهل ینتفع بها الانسان وقد مات الجسد؟.

الشیخ السند: مما لا ریب فیه أن التربة الحسینیة هی حرز عظیم، وقد ورد فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) أنها یندب وضعها مع المیت وتوجب تقلیل العذاب علی المیت، وقد ورد ذلک أیضا فی العودین الخضروین من النخل عندما یضعوه مع المیت، وکما ورد فی ترطیب قبر المیت بالماء، فعن الإمام الصادق(علیه السلام) فی رش الماء علی القبر قال: « یتجافی عنه العذاب ما دام الندی فی التراب »(1)، فکیف بتربة سید الشهداء(علیه السلام).

المحاور: کأن السؤال هو أن البدن بأعتبار انه ذهبت عنه الروح ولا یشعر بالألم وإنما الألم والعذاب فی القبر والبرزخ متوجه إلی الروح ولیس إلی البدن، فالجسد لا روح فیه فما هو وجه انتفاع البدن بالذات

ص:105


1- (1) الکافی ج200 :3.

بالتربة الحسینیة وبترطیب القبر وما إلی ذلک؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة انفصال الروح عن البدن لیس انفصالاً کاملاً بل تظل هناک العلقة بین الروح والبدن وان کانت تلک العلقة لا تعم الحیاة بالبدن ولا الحیاة الدنیویة، ولکن هناک نوع من الارتباط بین الروح والبدن بل وحتی إذا تآکل البدن وبقیت تربته ورد فی الروایات أن الطینة تکون من مادة لطیفة وهی بمثابة الزبدة للبدن، وللإنسان نفسه تبقی تلک الطینة وهی مادة لطیفة جداً من المواد التی لا تکون مرئیة حتی بالعین المسلحة، ولکنها عبارة عن نتاج لهذا البدن وتلک تبقی فی القبر حتی بعد ذوبان البدن تراباً وصیرورته رفاتاً مع ذلک تبقی تلک الطینة مما یَدُلّ علی انه تبقی علقة باقیة مستمرة وان لم تکن حیاة دنیویة ولم تکن موجبة لدبوب الحیاة فی البدن ولکن علقة، ولذلک موضع قبر المیت مؤثر علی هواجس روح المیت و سرور خاطره وماشابه ذلک، وهذا ما یدلل أکثر ویؤکد علی نحو من العلاقة تظل بین هذا البدن الدنیوی أو ما یتحول ویصیر وبین الروح.

ص:106

وجعلنا من الماء

المحاور: قوله تعالی: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ (1) ذکرتم سابقا بان هنالک نوع من الحیاة للإنسان وفی العوالم الأخری فی عالم الذر وفی عالم الاظلة وفی عالم البرزخ والقیامة وما بعدها، فهل أن هذه الآیة تصدق علی جمیع هذه العوالم، وما هی حقیقة الماء والمقصود به فی هذه العوالم وخاصة فی عالم الدنیا؟

الشیخ السند: ظاهر الآیة عامة وظاهرها لیس مختصاً فی حیاة النشأة الدنیویة بل مطلق النشئات، ولکن الکلام یقع سواء فی النشأة الدنیویة أو النشئات الأخری، أن الماء هل المراد به هذا الماء الذی نشربه ونشاهده فی النشأة الدنیویة أو المراد به العلم أو المراد به ماهیة الأشیاء، کما نعلم فی اللغة العربیة أن الماء أصله أنه لیس عندنا فی اللغة العربیة همزة أصلیة، وإنما هی معتلة من الواو والیاء وألف فهو من موها من ماهیة الشیء أو هویة الشیء وما شابه ذلک، علی أیة حال هناک عدة تفسیرات فی لفظة الماء کما فی بعض الروایات.

ص:107


1- (1) سورة الأنبیاء: الآیة 30.

المحاور: هل ترتبط هذه التفسیرات بالماهیة من زوایا مختلفة؟.

الشیخ السند: بالماهیة أو بأسباب إفاضة الوجود، وبعض هذا الوجود الولایة عبرعنها بالماء فایضاً الماء بمعنی الولایة، وهذا مما یدلل علی الحیاة فی النشئآت المختلفة مارة عبر سلسلة. بعضهم فسرها بالوجود والإیجاد، نعم الماء الذی نشاهده الآن هو مظهر من مظاهر الماء الأصلی ولذلک ربما یقول قائل بان الماء أصلاً موضوع فی اللغة لیس لخصوص السائل الخاص الذی نشاهده بل لکل ما یقوّم الحیاة.

المحاور: هذا مستفادة من الآیة الکریمة أم أن هذا سابق لها؟.

الشیخ السند: بالحاضر العصر اللغوی وبالتالی الآیة واردة بالاستعمال بلحاظ المعنی الأصلی وروح المعنی لا بلحاظ المنسبق الحسی من لفظة الماء.

المحاور: إذن حقیقة الماء فی عالم الدنیا أیضاً تکون ذات مراتب ولیس فی ذات العوالم؟.

الشیخ السند: فی هذه النشأة وفی تلک النشئآت یعنی فی هذه النشأة لیس المراد علی التحدید الأصلی هو السائل الذی نشاهده انه دخیل فی هَذِهِ الحیاة، نعم قَدْ وَرَدَ فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) أنْ أصل الخلقة للعالم الجسمانی وَرَدَ کَمَا فی نهج البلاغة ابتداء حَتّی خلق السماوات هو من الماء، وأیضا فی الآیة الکریمة وَ کانَ عَرْشُهُ عَلَی الْماءِ (1) قبل أن یخلق السماوات والأرض، العرش کان علی الماء ففی الروایات

«إن

ص:108


1- (1) سورة هود: الآیة 7.

الرب تبارک وتعالی خلق الهواء، ثم خلق القلم فأمره أن یجری، فقال: یا رب بما أجری، فقال: بما هو کائن، ثم خلق الظلمة من الهواء، وخلق النور من الهواء وخلق الماء من الهواء، وخلق العقیم من الهواء، وهو الریح الشدید، وخلق النار من الهواء وخلق الخلق کلهم من هذه الستة، فسلط العقیم علی الماء فضربته، فأکثرت الموج والزبد وجعل یثور دخانه فی الهواء، فلما بلغ الوقت الذی أراده، قال للزبد: أجمد فجمد، فجعل الزبد أرضاً، وجعل الموج جبالاً رواسی للأرض، فلما أجمدها، قال للروح والقدرة سویا عرشی إلی السماء...»(1)، وخلق العرش من الهواء أن هذا السائل مظهر من مظاهر الماء الأصلی وإلا فالماء الأصلی هو علی أیة حال کَمَا وَرَدَ فی الروایات یشیر إلی ذلک الماء فی رؤیة الرائی فی المنام الذی یعبر بالعلم، أو مطلق الخیر أو العلم بالذات.

المحاور: یعنی هذا الأمر یصدق علی عالم البرزخ وعالم الذر أیضا؟.

الشیخ السند: نعم کل نشأة فیها حیاة جعل الماء منشأ إیجادها وان کان کثیر من المفسرین ربما قصروا لفظ الحیاة فی هذه الآیة وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ ءٍ حَیٍّ ، علی النشأة الدنیویة، ولکن ظاهر الآیة مطلق الحیاة لکل کائن حی کان وفی إی کینونة من النشئآت.

ص:109


1- (1) تفسیر القمی: 260

ص:110

قراءة سورة الفاتحة وإهداء الأعمال

المحاور: لماذا اختصت قراءة سورة الفاتحة بالخصوص فی مجالس العزاء وإهداء ثوابها للموتی؟.

الشیخ السند: سورة الفاتحة قد وردت فی القرآن الکریم أنها تعادل القرآن کله: وَ لَقَدْ آتَیْناکَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِی وَ الْقُرْآنَ الْعَظِیمَ (1) آیات من سورة الحمد ضمت الکتاب کله کما جاء فی الروایات فقراءتها بمثابة قراءة القرآن کله ولما فیها من تبرک والإشادة العظیمة من الشرع حیث ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام):

«لو قرأت الحمد علی میت سبعین مرة ثم ردت فیه الروح ما کان ذلک عجباً»(2)، لهذا فأن فضلها عظیم.

المحاور: بالطبع هذا لا یعنی انحصار الثواب فیها مثل استحباب سبع مرات سورة القدر عند قبر المیت ولا یعنی الحصر بها کما لها

ص:111


1- (1) سورة الحجر: الآیة 87.
2- (2) نور الثقلین ج1:

الأولویة دون الحصر؟.

الشیخ السند: نعم دون الحصر بل هناک ورد أن رسول الله(صلی الله علیه و آله)، قال:

«من مَرَّ علی المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدی عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطی من الأجر بعدد الأموات»(1).

المحاور: ما یقوم به الانسان من أعمال خیر یهدیها إلی الموتی من صالحی المؤمنین عموماً أو من أرحامه، هل یمکن أن تهدی هذه الأعمال لأکثر من شخص واحد، وهل تنفع هذه الأعمال فی رفع درجات الموتی المؤمنین أم أنها ترفع عنهم بعض العذاب أو تزید فی نعیمهم فقط؟.

الشیخ السند: نعم قد وردت النصوص الشرعیة الکثیرة عن النبی وأهل بیته(علیهم السلام) انه یسوغ إهداء الثواب لأکثر من میت ولو أهداها لجمیع المؤمنین الأولین والآخرین لصح ذلک.

المحاور: یعنی تصلهم بنسب متساویة؟.

الشیخ السند: هذا یعود طبعاً لفضل الله الکریم ونیة العامل فی عمله، بل انه قد ورد عما یزید فی ذلک فی النیابة فی الموارد المشروعة کالحج مثلاً لان إهداء الثواب تختلف صیغته الفقهیة والکلامیة عن النیابة، النیابة لیس فقط إهداء ثواب بل ذات العمل من الأصل یکون

ص:112


1- (1) نور الثقلین ج702 :5.

بنیة تنزیل صدوره عن المیت فورد انه فی الحج النیابی هو أن یستنیب عن میت أو اثنین أو ثلاثة أو أکثر أو عموم المؤمنین، أقول المؤمنین من محبی أهل البیت(علیهم السلام) فهذا اذاً سائغ، والحاصل أن النیابة فی العبادات أمر غیر إهداء الثواب وإهداء الثواب صیغته أسهل مؤونة واخف وطأة وسائغ لکل عدد، وتحضرنی لفتة من احد أهل المعنی یقول بین احد المؤمنین والمؤمن الآخر طلبة ودین من الحقوق الأخویة الذی کان الأخ الآخر مکبل بها هذا الأخ الآخر المدیون لتلک الحقوق التی ربما ما راعاها لأخیه المؤمن، کان یطوف فی البیت الحرام نیابة عن شیعة أمیر المؤمنین(علیه السلام) فسبحان الله هذا الأخ الآخر رأی فیما یری الرائی، انه هناک شخص نورانی مما یتصرف فی إرادته وفی قلبه من حیث لا یرید عفا عن ذلک الأخ المؤمن ولما رجع من سفر الحج اخبره بذلک قال له کنت حینها أطوف نیابة عن شیعة أمیر المؤمنین(علیه السلام).

المحاور: الشطر الآخر من السؤال رفع الدرجات یعنی أعمال الخیر یمکن أن ترفع درجات المؤمنین المتوفین أو تزید من نعیمهم فی عالم البرزخ؟.

الشیخ السند: هذه الحسنات شأنها شأن عمل المیت، لو کان عمل بها فی حیاته أن کانت له سیئات تمحوها وان لم تکن له سیئات فتزید من حسناته ودرجاته، وقد یکون کیفیة العمل بدرجة خالصة وراقیة مقبولة بشدة عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ فیکون تبدیل السیئات فی آن واحد

ص:113

تبدیلها حسنات ودرجات، وهذا یعتمد علی العمل ودرجة خلوصه. فعن ورام أبن أبی فراس فی کتابه، قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): إذا تصدق الرجل بنیة المیت، أمر الله جبرئیل أن یحمل إلی قبره ویقولون: السلام علیک یا ولی الله، هذه هدیة فلان بن فلان إلیک...(1).

وذکر أیضاً المرحوم المجلسی عن المرحوم الشهید الأول فی الذکری عن المرحوم الصدوق:

«... قال لأبی عبدالله: أیصلی عن المیت؟.

فقال(علیه السلام): نعم حتی إنه یکون فی ضیق فیوسع الله علیه ذلک الضیق، ثم یؤتی فیقال له: خفف عنک هذا الضیق بصلاة فلان أخیک...(2)

المحاور: وهل تستمر آثار هذه الأعمال إلی یوم القیامة؟.

الشیخ السند: هذا یرتبط طبعاً مع نمط العمل لابد یدخر له ومدی آثار الأعمال الصالحة تختلف عن بعضها البعض، والأعمال الصالحة آثارها فقط برزخیة ولیست أخرویة، وبعض آثارها فی عرصات یوم القیامة والصراط، وبعض آثارها فی الجنة، وبعض آثارها کما ذکر المحدث الشاه آبادی(رحمه الله) آثارها ما فوق الجنة، آثارها ورضوان من الله اکبر من الجنة.

ص:114


1- (1) وسائل الشیعة، ج656 :2، ح:9، سفینة البحار ج55 :2.
2- (2) بحار الأنوار، ج309 :88.

المحاور: هل المیت یعلم أو یسمع من یقرأ شیء من القرآن عند قبره، أم أن الأمر مرتهن بقضایا أخری؟.

الشیخ السند: یعنی عند زیارة الحی للمیت؟.

المحاور: نعم یعنی عند زیارة مقصودة أو غیر مقصودة، عند قبر المیت جماعة یتحدثون أو یقرأون شیئاً، المیت قهراً یسمع لکلامهم أو انه إذا کانوا متوجهین إلیه یسمعهم؟.

الشیخ السند: الذی یتبین من روایات أهل البیت(علیهم السلام) وروایات سید الأنبیاء أن بنسبة معینة هناک اطلاع من الموتی عندما یزورهم الأحیاء، فعن أسحق بن عمار عن أبی الحسن(علیه السلام) قال:

«قلت له: المؤمن یعلم بمن یزور قبره؟.

قال: نعم، ولا یزال مستأنساً به مادام عند قبره، فإذا قام وأنصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشه»(1).

أما أن الموتی یطلعون علی کل ما عند الأحیاء فأن کانوا فی قرب من مثاویهم وقبورهم أو بعد عنهم فهذا أمر آخر، ویشاهد من الروایات أنهم لا یطلعون علی کل شیء وهذا فی غیر المعصومین، فقد ذکر المرحوم المجلسی عن أسحق بن عمار:... عن أبی الحسن الأوَّل(علیه السلام) قال: سألته عن المیت هل یزور أهله؟.

ص:115


1- (1) الکافی ج228 :3، الحدیث: 4.

قال: نعم. فقلت: فی کم یزور؟.

قال(علیه السلام):

فی الجمعة، وفی الشهر، وفی السنة علی قدر منزلته(1). وفی بعض الروایات علی قدر فضائلهم(2).

أما فی جملة من أوساط الناس من الموتی، فالظاهر أنهم لا یتمکنون أو لا تجری سنة الله عَلَی أنْ یطلعوا علی ما عند الأحیاء، وتختلف بنسبة معینة مایطلعون علیه.

ص:116


1- (1) بحار الأنوار ج257 :6، الحدیث: 91.
2- (2) المصدر السابق، الحدیث 93.

زیارة المیت لإهله

المحاور: فی إی کیفیة یزور المیت أهله، علی أیة حال زیارات متبادلة وما یقصده هنا یزور أهله بأعتبار انه ورد فی بعض الأحادیث الشریفة انه یزورهم بهیئة طائر، فهل یرون هم هذا الطائر أم أن الأمر مجرد تشبیه؟.

الشیخ السند: أن التعبیر علی تقدیر وروده کطائر، المراد من ذلک وهو انه ببدنه البرزخی یحصل له نحو یتعلق بموضع أهله الذین هم فیه من بیتهم وماشابه ذلک، ولا یمنع من ذلک انه قد یتمثل لهم، إذ انه بأستطاعة أهل البرزخ أن یتمثلوا لأهل الدنیا، وهذا التمثل لیس من الضرورة أن یکون نوع من التکسب لمادة دنیویة، وإنما هو تمثل وارتباط بالعین البرزخیة التی الأحیاء یرون بها کما یقال انه کشف عن بصره لأنه فی الحقیقة للإنسان عین وأذن ولسان فی بدنه البرزخی، وهی التی یشاهد بها الرؤی المنامیة، هذه هی قد تکون مفاعلة فی

ص:117

الیقظة ویدرک بها الانسان مایجانسها من وجودات برزخیة، وموجودات برزخیة، وفی الحقیقة عندما لاینشغل الانسان بآلات حسه البدنی الدنیوی بل وینشد إلیها ویعزب عنها وهی ادراکاته التی هی بتوسط ذلک الجسم البرزخی، ومن ثم یستطیع أن یری بتلک العین فی حال الیقظة.

ص:118

عالم رؤیة المیت

المحاور: یسأل البعض إنه ارغب کثیراً أن أری والدی فی المنام فی رؤیا صادقة، وقد دعوت الله مراراً ولکنی لم أوفق لذلک رغم إنهما کانا من الصالحین فما هو سر ذلک؟

الشیخ السند: هناک بعض الروایات قد وردت ذکرها المحدث الشیخ عباس القمی(رحمه الله) فی مفاتیح الجنان: «عن الکفعمی فی المصباح والمحدث الفیض، فی خلاصة الأذکار، وجدت فی بعض کتب الإمامیة أن من أراد أن یری فی منامه أحد الأنبیاء وَالأئِمَّة(علیهم السلام) أو أحد الناس أو والدیه فلیقرأ: سورة الشمس واللیل والقدر وسورة الکافرون وسورة الإخلاص والمعوذتین، ثم یقرأ سورة الإخلاص مائة مرة، ویصلی علی النبی وآله مائة مرة، ولینم علی وضوء، وعلی جانبه الأیمن، فإنه یری فی المنام من شاء إن شاء الله، ویتکلم معه إن شاء الله، ما شاء، ووجدت فی نسخة أخری أنه یعمل ما ذکر سبع لیالی بعدما یدعو بهذا

ص:119

الدعاء:

« اللّهُمَ ّ أنْتَ الْحَیُّ الَّذِی لا یُوصَفُ وَ الْإیمانُ یُعْرَفُ مِنْهُ مِنْکَ بَدَتِ الْأشْیاءُ وَ إلَیْکَ تَعُودُ فَما أقْبَلَ مِنْها کُنْتَ مَلْجَأهُ وَ ما أدْبَرَ مِنْها لَمْ یَکُنْ لَهُ مَلْجَأً و لا مَنْجاً مِنْکَ إلّا إلَیْکَ فَأسْألُکَ بِلا إلهَ إلّا أنْتَ وَ أسْألُکَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِیمِ وَ بِحَقِ ّ حَبیبِکَ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ سَیِّدِ النَّبیِّینَ وَ بحَقِ ّ عَلّیٍ خَیْرِ الْوَصیِّینَ وَ بحَقِ ّ فاطِمَةَ سَیِّدَةِ نِساءِ الْعالَمینَ وَ بِحَقِ ّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ اللَّذَیْنِ جَعَلْتَهُما سَیِّدَیْ شَبابِ أهْلِ الْجَنَّةِ عَلَیْهِمْ السَّلامُ أنْ تُصَلِّیَ عَلی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أنْ تُریَنی مَیِّتی فی الْحالِ الَّتی هُوَ فِیها »(1). وَلابُدَّ من التنویه بنقطة یجدر الالتفات إلیها، وهی أن الرؤیا الصادقة فضلاً عن اقسام الرؤیا الأخری لیست یعول علیها کمنبع ومصدر شرعی یستند إلیه ولا حجة شرعیة، وإنما الرؤیا الصادقة کَمَا وَرَدَ فی الروایات دورها کمنبه إلی تطبیق نفس الموازین التی یتلقاها الانسان من الکتاب وسنة المعصومین، وعلی ضوء الکتاب وسنة النبی وأهل بیته یستهدی الانسان فی طریقه، والرؤیا تنبهه إلی بعض البیئات الموضوعیة التی ربما یکون غافل عنها سینتبه إلی آلیات وأدوات هی فی نفسها حجة شرعیة یلتفت إلی الموضوع المناسب والحجة المناسبة، فأن الرؤیا مؤداها فقط تنبیه وهذا لابُدَّ للأخوة المؤمنین أن یلتفتوا إلیه.

ص:120


1- (1) مفاتیح الجنان: 484 الباقیات الصالحات.

المحاور: یعنی هی مؤیدات فی الواقع ولیست أصول، یقول البعض تحدث لدی حالات هی أننی أتذکر وقوع بعض الحوادث أو رؤیة بعض الأشخاص، أننی قد رأیت ذلک الشخص أو تلک الواقعة فی أحلام نسیتها ولم أتذکرها إلا عندما رأیت مصادیقها فما تفسیر هذه الحالات؟.

الشیخ السند: نعم هذه تحدث للکثیر أن لم یکن اغلب الناس فأن روح الانسان لا سیما المؤمن تصاعد فی منامه، وکما ورد فی جملة من الروایات إلی جملة من السموات، وعلی أیة حال یری حینئذ ویفتح له أن یری جملة بعض ما قد قدر له أو قضی فی قضاء الله وقدره ومن ثم یذر فی ذاکرة الانسان وکما یعبر فی الثقافة الحدیثة بالعقل الباطن للإنسان، یزرق تلک المعلومة وبالتالی یزود بها الانسان لیکون علی استهداء ویقظة مما یجیء له من أمور، وهذا نوع من العنایة من الله عَزَّ وَجَلَّ.

المحاور: بالنسبة لنسیانها، فلابد أن هنالک حکمة ومصلحة فی نسیان هذه الرؤی وهذه الأحلام؟.

الشیخ السند: هذا بالاصطلاح العلمی العقلی لایقال له نسیان، إنما هو نسیان التفاصیل ولکن أصل المعلومة بنحو مدمج مطوی فی ذاکرة الانسان وفی عقل الانسان فی أعماق ذاکرته أو ما فی وراء

ص:121

الحواس التفصیلیة، قد یقال عنه فی العلوم الروحیة الحدیثة فی العقل الباطن أو الذاکرة الباطنة الآن الکثیر من الناس لدیهم ذکریات وعلوم وذاکرة علوم وذاکرة تجارب ومهنة وماشابه ذلک، لکنهم لا یستحضرون هذا الأمر بالتفصیل ولکنه عند الحاجة وعند الارتطام بالبیئات المختلفة فی الحیاة ینتزعون تلک المعلومات من باطن ذاکرتهم الإجمالیة بنحو مطوی اندماجی علمی فی ذاکرتهم العلمیة، ولکن المعلومات وجودها فی الواقع علی نمطین نمط اندماجی إجمالی وربما نمط تفصیلی.

ص:122

صورة المیت

المحاور: قضیة حشر الناس علی بعض صور الحیوانات کما ورد فی بعض الأحادیث النبویة، کیف ینسجم هذا مع المعاد الجسمانی الذی یفهم منه أن الله یعید نفس الإنسان بنفس حالته المفترض، فکیف یحشر علی صورة حیوان هی بلاشک صورته فی الحیاة الدنیا؟ و هل أن حشر الناس یکون فی مرحلة الشباب یعنی وهم فی عمر الشباب أم الشیخوخة؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة قد وردت روایات فی ذیل الآیة الکریمة وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (1) وغیرها من الآیات الأخری أن هناک أناس من العصاة والمذنبین یحشرون بصور قبیحة یحسن عندها صورة القردة والخنازیر، یعنی تکون أقبح من صور القردة(2) وقبائح الحیوانات، فی

ص:123


1- (1) سورة التکویر: الآیة 5.
2- (2) فقد روی عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): والذی نفسی بیده لیخرجنّ من أُمتی من قبورهم فی فی صورة القردة والخنازیر بمداهنتهم المعاصی، وکفّهم عن النهی، وهم یستطیعون، کنز العمال، ج83 :30، الحدیث: 5606.

الحقیقة هذه الصور هی نتیجة تجسم وتمثل أعمالهم کما فی بعض الروایات الواردة أن صورکم فی دار الدنیا لیست مثلاً باختیارکم ولکن صورکم فی الآخرة

هی بموجب قرار الأعمال التی یبدیها وینجزها الإنسان ومن ثم ورد عن رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«إن الله تبارک وتعالی لا ینظر إلی صورکم ولا إلی أموالکم ولکن ینظر إلی قلوبکم وأعمالکم»(1)، لان النوایا والأعمال هی صور الآخرة وهی ما سیکون علیه الإنسان من صور، إذن ما یحصده الإنسان من أشکال ومنازل ومقامات أخرویة هی نتائج أعماله التی یتبناها ویلتزمها ویخوض فیها.

أما بالنسبة للإشکالیة بأن لو حشر العصاة والمذنبین بصور ممسوخة أو ما شابه ذلک فکیف تکون وحدة شخصیة محفوظة. هناک الوحدة والتشابه بین شخصیتهم وهویتهم فی دار الدنیا ودار الآخرة، هذا الأمر لیس بکثیر عضال لأنه سواء فی جانب القبائح أو فی جانب المحاسن أن المطیعین والصالحین وأهل التقوی والیقین، ایضاً سوف یحشرون بصور جمیلة جداً غیر ما کانت علیه صورهم فی دار الدنیا الظاهریة، مثلاً المعروف أن لقمان الحکیم کان شدید السواد لأنه من الحبشة فقیل إنه کان عبداً أسود حبشیاً قبیح المنظر مشقوق الرجلین فی

ص:124


1- (1) میزان الحکمة ج6:2601، الحدیث: 16917.

زمن داود(علیه السلام) «وقیل له: ما أقبح وجهک؟! قال: تعیب علی النقش أو علی فاعل النقش»(1). وکان النبی داود(علیه السلام) یستأنس فی ندامته مع لقمان بنحو منقطع النظیر ولا یأنس بأحد من أهل زمانه کلقمان، المقصود أن لقمان کانت له تلک الموقعیة وکان بذلک الشکل، یوم القیامة سوف یحشر بصورة بهیة ومنظر رائق جمیل، وهذا لا یعنی التفاوت والتغایر والتباین فی شخصیته، لان کما حقق فی لسان الآیات والروایات والمباحث العقلیة أن هویة الإنسان بروحه وشخصیته بنفسه، لابصورة بدنه فقط، کما نشاهد ألان الصغیر عندما یکبر تتغیر شمائله من مراهقة إلی شباب إلی عنفوان الشباب إلی الکهولة إلی الشیخوخة إلی أرذل العمر ومع ذلک هو، هو والوحدة فی شخصیته وهویته منحفظة بتوسط روحه ونفسه ومن ثم الإنسان لو یشاهد من کان یافعاً صغیراً ویشاهده فی شیخوخته، أو أرذل العمر ویلمس منه هویته أو شخصیته فیقول نعم هذا فلان، کما التفت إخوة یوسف مع انه ترکوه صغیراً وشاهدوه کهلاً فقالوا انک لأنت یوسف.

المحاور: لکن بالنسبة للبدن یعنی الصورة هنا صورة ظاهریة، یعنی حقیقة البدن هو نفس البدن؟.

الشیخ السند: ما ورد فی الآیة الکریمة لا أُقْسِمُ بِیَوْمِ الْقِیامَةِ بَلی

ص:125


1- (1) البحار ج294 :13.

قادِرِینَ عَلی أَنْ نُسَوِّیَ بَنانَهُ المراد أن الباری تعالی لا یعجزه تسویة حتی البنان، لبیان القدرة الإلهیة فی الظرافة. والآن اکتشف علمیاً أن فی البنان أسرار کثیرة، فتحمل هویة الإنسان شخصیته الفسلجیة الروحیة أو ما شابه ذلک، ما فی الآیة الکریمة إشارة إلی سعة القدرة الإلهیة، لا أن الإنسان لن یکون له نوع من التغیرات والتحولات التی تجری علیه بسبب إعماله ونتائج إعماله، کما أن الفارق بین صور الحیوانات وصور الإنسان المتحیون هو أن ذلک إنسان قرد ولیس قرد محض.

المحاور: یعنی إنسان بصورة قرد؟.

الشیخ السند: یعنی صورة فیها بعد إنسانی ولکن للأسف تردی إلی أسفل السافلین فصار جنبة السبع أو القرد أو الخنزیریة فیه، فهو ترکیب تراکمی دمجی، من ثم کثیر من الممسوخین ممن وقع المسخ علیهم فی دار الدنیا فی الأمم السابقة، أهالیهم وعیالاتهم یلمسون منهم هویتهم، فی حین هم شاهدوهم فی الصورة الممسوخة، هذا یدل علی انه هناک امتزاج وترکیب بین الشخصیة الإنسانیة المتسفلة والصورة الممسوخة والمتردیة التی وصل إلیها ذلک الإنسان، کما هو الحال والعکس فی الصورة الإنسانیة المترقیة إلی الدرجات العالیة، یری تلک الهویة التی کانت علیها فی دار الدنیا من شخصیة روحه ونفسه ویری ما وصل إلیه من ترقی فی الصور والکمالات وما شابه ذلک.

ص:126

المحاور: یعنی یعرف لقمان ولکن بصورة بهیة. بالنسبة للشطر الثانی یحشرون شباب أم شیب اعتقد انه اتضح یعنی بصورة تتناسب مع أعمالهم فی الدنیا.

الشیخ السند: وإنما أهل الجنة شباب یدخلونها شباباً.

ص:127

ص:128

کن فیکون

المحاور: القرآن الکریم ینص بأن أهل الجنة لهم فیها ما تشتهی أنفسهم، فإذا أرادوا شیئاً حضر عندهم فوراً، فهل أن هذا الأمر یمکن أن یتحقق فی عالم الدنیا ایضاً طبق قانون عبدی اطعنی تکون مثلی أقول للشیء کن فیکون وتقول للشیء کن فیکون؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة هناک عدة تعالیم فی المعارف الواردة من القرآن الکریم وسنة أهل بیته تفیدان المؤمن إذا ارتقی فی درجاته من الکمال والإیمان یتصاعد إلی بعض الشؤون والحالات الأخرویة والجناویة کما ورد مثلاً هذا التعبیر النبوی «موتوا قبل أن تموتوا» ، مما یدل علی أن الإنسان یمکن أن یتجاوز الکثیر من المراحل ویتعایش مع الکثیر من النشآت اللاحقة وهو فی سیره وسلوکه مع رعایته تقواه وأعماله وخواطره وسلوکه، فإذا بلغ تلک المنازل حینئذ تکون له نوع من الشؤون والکرامات والحبوات والعطیات الإلهیة، طبعاً تلک العطیات

ص:129

لیس من الضروری أن تتجسم بمادة الدنیا، وقد یتعایش معها حتی وهی فی نشأتها فی عالمها یتعایش معها یدرکها یتذوقها ویشهدها وتکون مشهودةً له، وهو علی أیة حال فی ضمن قوة درجات روحیه وکمالاتها وبالتالی یتمکن من هذا المقام ولهم ما یشتهون.

المحاور: هذا فیما یرتبط فی داخل اطر عالم الدنیا یعنی تکون کن فیکون فی الجنة وفی عالم الآخرة أسمی مرتبة من عالم الدنیا.

الشیخ السند: هو بالطبع الحال کذلک لکن لیس المراد من وصول المؤمن أو المتقی أو أهل الیقین أو أهل الإخلاص إلی تلک الدرجات أن یوجد لهم مما یشاءون من مشیئة فی ظل المادة الدنیویة، لان طبیعة المادة الدنیویة لیست هی قابلة للکمالات الأخرویة، اذاً من غیر الممکن أن تتحقق تلک المشتهیات وتنجز وهی مادتها وظرفها ذلک الصفاء فی مادة الآخرة وجسمانیة عالم الآخرة إلا أن تعایش المؤمن الذی وصل إلی درجات عالیة کالمعصوم أن حقیقة مقامهم أنهم فی مشهدهم الکثیر من الشؤون من عالم الآخرة یخبرون عنها ولهم نوع تعایش معها.

ص:130

مقام المعصوم

المحاور: علی ذکرکم للمعصومین(علیهم السلام) هل أن أئمة أهل البیت(علیهم السلام) تتسع حیاتهم لتشمل منازل الدنیا ظاهراً والاطلاع علی منازل الدنیا والآخرة والبرزخ؟.

الشیخ السند: بالطبع أن المؤمن الذی راعی سلوک التقوی وسلوک الیقین وسلوک الإخلاص یصل إلی درجات من مشاهدات عدیدة لشؤون البرزخ، أو بعض شؤون البرزخ أو بعض شؤون الآخرة، فکیف بک بمقامات المعصومین، الحقیقة کل إنسان مؤمن حتی وان قلت درجة إیمانه وکل بشر وحتی أن انحرف به السبیل إلی سبیل الغی هو فی الحقیقة طبیعة جهاز مرکب من وجود الإنسان وبناء وجوده ذو طبقات وذو عوالم، شعر بذلک الإنسان أو غفل عنه، الإنسان بحسب جهازه الوجودی هو موجود ذو نشأت وفی آن واحد، وهو کما یعیش ویدبر معیشة دنیاه هو الآن فی حالة تعایش مع المقام والمنزل البرزخی

ص:131

الذی هو فیه، وکذلک هو فی مقام تعایش مع منزل الآخرة وان لم یشعر به فإذاً حالة التعایش الوجودی مع طبقات وجود الإنسان مع هذه العوالم أمر ثابت للکل وإنما الذی یختلف بین المعصومین ولایقاس بهم أحد وغیرهم، أو من هو دون المعصومین وغیرهم هو مشاهدة تلک العوالم وبالطبع إن المعصوم لما أوتی من علم لدنی وطهارة وصفاء فائق یشاهد مثل تلک العوالم فی مراتب أکثر وتستحضرنی روایة رواها الشیخ الصدوق بسنده عن أبی عبد الله بکر الأرجانی قال: صحبت أبا عبدالله(علیه السلام) فی طریق مکة من المدینة فنزل منزلاً یقال له عسفان، ثم مررنا بجبل أسود، علی یسار الطریق وحش، فقلت: یا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل؟ ما رأیت فی الطریق جبلاً مثله؟ فقال: یا ابن بکر أتدری أی جبلاً هذا؟ هذا جبل یقال له: الکمد وهو علی واد من أودیة جهنم فیه قتلة أبی الحسین(علیه السلام) استودعهم الله، یجری من تحته میاه جهنم من الغسلین والصدید والحمیم الآن وما یخرج من جهنم وما یخرج من طینة خبال وما یخرج من لظی وما یخرج من الحطمة وما یخرج من سقر وما یخرج من الجحیم وما یخرج من الهاویة وما یخرج من السعیر، وما مررت بهذا الجبل فی مسیری فوقفت إلا رأیتهما یستغیثان ویتضرعان وإنی لأنظر إلی قتلة أبی فأقول لهما: إن هؤلاء إنما فعلوا لما أسستما، لم ترحمونا إذ ولیتم، وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم علی حقنا، واستبدتم بالأمر دوننا، فلا یرحم الله من یرحمکما

ص:132

ذوقا وبال ما صنعتما وما الله بظلام للعبید»(1). فقالوا له وهل یمکنک العیش مع سماع ومشاهدة کل ذلک، فقال: إن لنا قلوب غیر قلوبکم ومسامع غیر مسامعکم.

ولو کانوا هم بما أوتوا من الله قابلیتهم محدودة کما هی الحال فی أرواحنا، لما استطاعوا أن ینبؤا عن آثار الأعمال وعن طریق الشریعة وعن طریق منهاج الأحکام وکیف أثارها الأخرویة، الحقیقة وراثة عن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) کما کان الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) یتحدث عن أثار وخواص

وعقبی ونتائج الأعمال فهو یشاهدها(صلی الله علیه و آله) ویشاهدها أیضاً أهل بیته وراثة علمیه منه، وکیف هی الآن تتجسد وتتولد منها نتائج فی البرزخ والآخرة وفی الصراط وفی عرصات العوالم الأخری.

ص:133


1- (1) ثواب الأعمال258- 259.

ص:134

تفسخ البدن

المحاور: هل یتأذی البدن من ضیق القبر ویشعر بالدیدان، وهل یشعر بتفسخه أم أن الأمر یرتبط بالروح، وما هو سر التأکید علی بعض الآداب المرتبطة بالقبر مثل رش الماء علیه ووضع جرائد أو جریدتین تحت بدن المتوفی ونظائر ذلک؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة وان عرف واشتهر عند الفلاسفة والحکماء والمتکلمین، أن الروح تنفصل عن البدن فی الموت وبالتالی تفترق عن البدن، ولکن ما تشیر إلیه جملة من النصوص القرآنیة والأحادیث النبویة وأحادیث أهل البیت(علیهم السلام) وکذلک ما تشیر إلیه جملة من المشاهدات والمکاشفات بل وفی العلوم الحدیثة فی الغرب انه لیس هناک انقطاع کامل بین الروح والبدن، بل هناک درجات من العلقة تبقی مستمرة بین الروح، أو کما یعبر مع الطینة الأصلیة فی البدن، وهذا البدن لا ریب انه تتوارد علیه التغییرات وتتبدل الخلایا

ص:135

ربما کل سبع سنین کما یثبتها العلم الحدیث، ولکن هناک أنواع من الطینة الأصلیة الباقیة، مادة طاقیة أو مادة لطیفة أثیریة یروق لبعض علماء الروح المحدثین التعبیر عنها بمادة الاکتوبلازم وهی مادة بیضاء بخاریة کما یعبر عنها فی الکثیر من المشاهدات، وفی العلم الحدیث یعبر عنها بمادة بیضاء بخاریة سواء کانت الطینة الأصلیة هی تلک أو غیرها وأیا ما کان فقد ورد فی الروایات أن طینة الإنسان الأصلیة فی بدنه الدنیوی تسیخ فی التراب ویبقی التراب حافظاً لها.

المحاور: تریدون أن تقولوا فی البدن یبقی شیئاً یشعر یعنی له شعور؟.

الشیخ السند: نعم، یبقی من البدن مادة یحتمل تطابقها مع مایذکر الآن فی العلوم الحدیثة ویعبرون عنها بأنها هی المادة الاکتوبلازمیة أو مادة طاقیة وسواء کانت هی هذه المادة أو ألطف منها فللروح تعلق بها ویتم لها شعور بالمادة الترابیة.

المحاور: یعنی تغیرت التسمیة بمعنی مادة لها شعور أی تشعر بما ینزل فی البدن؟.

الشیخ السند: کلا، المقصود أن هذه المادة تبقی آلة للروح من البدن وان الانفصال لا یکون کاملاً بین الروح والبدن وعلی بقاء العلقة والعلاقة بین الروح ومادة البدن وهنالک شواهد عدیدة فی

ص:136

الروایات المتواترة بین الروح ومثواها، تبقی تلک العلقة ومن ثم المیت عندما یزوره الزائر أو بعد مئات وآلاف السنین یشاهد من یزوره ویسمع ویحدث نوع من التلاقی، فعن إسحاق بن عمار عن أبی الحسن(علیه السلام) قال:

قلت له: المؤمن یعلم بمن یزور قبره؟ قال: نعم ولا یزال مستأنساً به ما دام عند قبره فإذا قام وأنصرف من قبره دخله من أنصرافه عن قبره وحشة»(1). ذلک مما یدل علی أن مثوی البدن وما فیه من الطینة الأصلیة للإنسان تبقی الروح ذات علقة حتی بعد صیرورة العظام رمیم وحتی بعد تفسخ وتبدد البدن إلی تراب، فی الحقیقة هنالک طینة أصلیة تبقی وتسوخ وتتفشی وتحتفظ بنوع من الکینونة، الکینونة الآن هذه الأجهزة الحدیثة لا تستطیع أن ترصدها لان هذه الأجهزة لا تستطیع أن ترصد أکثر الطاقات الدنیویة وهی من عالم الدنیا ومع ذلک لا تتمکن، مثلاً مادة الاکتوبلازم التی لانرید أن نجزم بأنها هی الطینة الأصلیة، إلی عقود وسنین قریبة لم یستطیعوا أن یرصدوها إلا بعد استحداث أجهزة جدیدة استطاعوا أن یرصدوا حتی ما فوق الأشعة البنفسجیة أو ما تحت الأشعة الحمراء وما شابه ذلک، فهناک سیل کبیر من مواد الطاقات الدنیویة فی عالم الدنیا، والکشف البشری لم یتوصل إلیها، إذا کان هذا بعد مضی حقب عدیدة من بعد موت الإنسان وتبدد أوصاله هکذا حالها فکیف بک والإنسان

ص:137


1- (1) الکافی، ج228 :3.

فی بدایة حالة موته وبعد نزع روحه بدقائق أو ساعات، لا ریب أن تکون العلقة وطیدة موجودة.

المحاور: یعنی یکون لرش الماء تأثیر ونفترض تربة سید الشهداء علی البدن نفسه؟.

الشیخ السند: نعم. لکل هذا تأثیر وحتی وضعیة البدن وکیف یکون کل ذلک مؤثر حتی مراعاة کیفیة الدفن وکیفیة الغسل.

نعم فی بیان کیفیة علاقة الروح بعد الموت بالبدن وذات العلاقة، مثلاً قوله(علیه السلام): «کما تنامون تموتون وکما تستیقظون تبعثون» ، وکما فی الآیة الکریمة اَللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها وَ الَّتِی لَمْ تَمُتْ فِی مَنامِها فالمنام حالة من الوفاة، یستطیع الإنسان أن یتلمس فی الحالة المنامیة وبقیة البدن من کیفیة وضع البدن علی أی جانب، ربما هناک مثلاً ضیق فی الموضع الذی طرح الإنسان بدنه فیه رغم أن الروح فی حالة منام، ولکن یشاهد هذا الضیق ینعکس علی الروح نفسها أو ربما یشاهد ثقل معین شدید جداً وکالکابوس الروحی فی حالة المنام أو الرؤیة مثلاً من وقوع شیء ثقیل علی البدن، أو الطعام الثقیل أو ربما کان الإنسان فی حالة برودة فی بدنه، أو حالة حرارة، بعبارة أخری الحالات التی تطرأ علی البدن تنعکس تلقائیاً علی الروح سلباً أو ایجاباً ومن ثم وصلت توصیات کثیرة فی آداب الاحتضار وآداب حمل المیت وآداب تغسیله

ص:138

وآداب دفنه ومراحل هذه الأمور، ورد فی الروایات انه لا یوضع ثقل علی بطن المیت أثناء الاحتضار ولا أثناء التغسیل لان هذا یجهد المیت، وهذا شبیه النائم لو وضع علیه شیء ثقیل وربما یشاهد کابوس بالنسبة له وأیضا ورد فی الروایات انه فی حالة الاحتضار لا یلمس بدن المیت لان من لمس أعضاء المحتضر کأنه أعان علیه لأنه یوجب نوع من الشدة بأعتبار نزع الروح هی حالة من الشدة فإذا وجد شیء من الشدة أو المؤثر الخارجی الضاغط ستکون شدته علی المیت أکثر.

المحاور: هل هذه الأمور المستحبة تبقی جاریة إلی یوم القیامة، کرش الماء علی القبر وزیارة المیت وما یصیب المیت من الوحشة والإیناس، أم تختص بالفترة الأولی التی تلی الوفاة؟.

الشیخ السند: هناک جملة من الروایات تقول أن جملة من هذه الحالات تبقی، وان الموتی یأنّون ویعانون مع کون أبدانهم رمیمة فی تلک القبور ولکنهم یتأذون فیما لو جعلت مزبلة قریبة من قبورهم حتی ولو بعد طوال سنین، أو مثلاً جعل کنیفاً وبالوعة من القاذورات قریبة من مثاویهم، بأعتبار الکرامة للقبور والمأوی مؤثر ولا سیما إذا کانوا من الأولیاء والخلص الذین تبقی أبدانهم طریة کما شوهد ذلک فی جملة أو مراراً فی الصلحاء.

المحاور: حتی الذین لم تبقی أبدانهم کما أشرتم فی الأسئلة السابقة إلی

ص:139

بقاء نوع من الطینة؟.

الشیخ السند: نعم الطینة الأصلیة التی تسوخ فی التراب وان لم تشاهد فی الحس تبقی للروح مرتبة من الشعور بتلک الطینة لدینا، فمن آداب تجهیز المیت عندما یغسل مثلاً لا یدخل الماء فی منخریه أو أذنیه فأن ذلک یوجب الصمم فی المیت مما یدل علی انه تبقی آلیة البدن لبعض أنشطة الروح علی حالها فی الأیام الأولی من الموت، وقد ورد عن الإمام أبی عبدالله(علیه السلام):

«لا تفدح میتک بالقبر ولکن ضعه أسفل منه بذراعین أو ثلاثة ودعه یأخذ أهبته»(1). فأنه مقبل علی بیت جدید وهول عظیم فهذا نوع من التهیئة النفسیة فهذه أمور کما لو أراد السامع أن یتمثل انه کان فی حالة منامیة ویشاهد بدنه فی بعض الحالات المنامیة فکیف یؤخذ به إلی مکان، فالروح وان کانت هی فی موضع ولکن من بعد تشاهد ما یجری علی البدن.

ص:140


1- (1) الکافی ج191 :3.

الجن

المحاور: ذکرنا مجموعة من العوالم والمنازل التی یمر بها الإنسان فی مسیرته الوجودیة. فهل الجن ایضاً یمرون بهذه العوالم وهل المرور بها مرتبط بشأن التکلیف أم لا لکی یشمل المخلوقات الأخری غیر الجن والإنس؟.

الشیخ السند: هناک من النصوص الدینیة والقرآنیة والنبویة ما یدلل علی أن الجن لاریب یمرون بمراحل یمر بها الإنس، غایة الأمر انه ورد فی بعض الروایات أن جنة الجن هی دون جنة الإنس، لأنه الطبیعة العقلیة المتکاملة عند الإنس ترتفع علی الجن، ومن ثم فأن جنة الإنس تعلو جنة الجن، مما یدلل أن الجن أیضاً لدیهم عالم برزخ، لدیهم حیاة وممات، لدیهم محاسبة لدیهم تلک النشأة البرزخیة بنمط آخر، ولدیهم ایضاً الأشیاء الأخرویة وسیبعثون والمراحل شاملة ایضاً للجن سَنَفْرُغُ لَکُمْ أَیُّهَ الثَّقَلانِ (1) هذه التعابیر القرآنیة واردة کثیراً وَ ما

ص:141


1- (1) سورة الرحمن: الآیة 31.

خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ (1) هذا یدلل علی وحدة الشریعة والتکلیف، والشریعة والتکلیف هی عبارة عن صورة فی دار الدنیا بمنظومة تشریعیة وحقیقتها تکوینیة یمر بها کلا الثقلین، هذا بالنسبة إلی الجن وهناک من الشواهد الکثیرة علی هذا المطلب فی خضم النصوص القرآنیة، وأما بالنسبة إلی بقیة الکائنات فأیضاً یستشعر من بقیة النصوص أن لها حالة برزخیة ولها نوع من الحالة الأخرویة ایضاً، وورد فی نصوص أهل البیت انه لا یدخل الجنة من الحیوانات إلا أربع، ناقة صالح، والذئب الذی قتل فی قصة یوسف، والخروف الذی ذبح فداء عن إسماعیل وکلب أصحاب الکهف أو حمارة بلعم بن باعورا، مما یدلل علی أن جنة الإنس لا یدخلها سائر الحیوانات مما یدلل علی أن الحیوانات لها نوع من النشأة الأخرویة هی دون الإنس ودون الجن، لکنها نوع من النشأة، والبحوث الحکمیة تتشاهد مع تلک النصوص الوحیانیة.

ص:142


1- (1) الذاریات: 56.

عالم الروحانیات

المحاور: ما هو علم الروحانیات، هل هذا العلم متداول وصحیح وکیف یمکن الحصول علیه؟.

الشیخ السند: هذا الاصطلاح وهو علم الروحانیات قد یطلق علی علوم عدیدة، منها علم العرفان، ومنها علم الفلسفة، وعلوم المعارف، وربما یطلق علی بعض العلوم ما قد تسمی بالعلوم الغریبة، ربما علم التسخیر وعلم الطلسمات وعلم الجفر عموماً العلوم التی تبحث حول القضایا الأثیریة منه علم محرم کالسحر وبعض أقسام التسخیر، فهذه کما یقال لفظة أو اسم واصطلاح لعلوم عدی---دة ولا یطلق علی علم واحد.

المحاور: حبذا لو تبینون یعنی الصحیح منها والذی لا أشکال فیه والنافع منه ولو علی نحو الإجمال.

الشیخ السند: منها علوم محرمة مثل علم السحر وعلم العزائم،

ص:143

وبعض أقسام الطلسمات وبعض أقسام علم النیرنجات والشعبذة. هذه علوم یطلق علیها اسم الروحانیات ولکن قد ذکر الفقهاء قائمة بأسمائها المحرمة، ویطلق علیها فی الواقع علم الروحانیات یعنی ما یرتبط بعالم ماوراء المادة مما تتدخل فیه الأمور الروحیة سواء روحیات الجن أو روحیات الملائکة أو روحیات الإنس هذه مصطلحات عامة ما وراء علم المادة ومنها ما هو ربما مکروه مثل علم الرمل أو راجح مثل علم الجفر ومشابه ذلک ومنه ما هو راجح بالإجمال وتعلمه لأجل کسب المعارف الشرعیة مثل الفلسفة الصحیحة وعلم العرفان الصحیح المطابق للمعارف الدینیة وشبه ذلک وهذه ایضاً من علم الروحانیات بأعتبار فیها ذکر نظم وبرامج مرتبطة بعالم الروح وعالم ماوراء المادة.

المحاور: بالنسبة للعلوم التی أشرتم إلی تحریم الفقهاء لها، هل أن لهذه العلوم أثار حقیقیة أم أنها مجرد أوهام مثل بعض العلوم الغریبة أو بعض علم السحر وغیره؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة هذه العلوم لا یمکن أن یقال أنها أوهام مجردة، بل فی هذه العلوم الوهم والخیال نفسه له تأثیرات تکوینیة، وبعبارة أخری یشیر إلی ذلک القرآن الکریم إلی تأثیر السحر ما یُفَرِّقُونَ بِهِ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ (1). وفی الحقیقة هی تسویلات الوهم

ص:144


1- (1) سورة البقرة: الآیة 102.

وتخیلات الوهم وبدورها لها تأثیرات علی المتوهم وعلی طرف المتوهم، فبالتالی لها تأثیرات فی النفوس وان لم تکن تأثیراتها فی المادة وبالتالی فی المادة عبر النفوس فأقل ما یمکن أن یقال فیها ذلک، ولکن لها تأثیرات ربما علی إعاقة الأشخاص ایضاً عبر الوهم والتخیل والإرهاب والخوف والقلق والشؤم والیأس، وما هی من حالات السقوط وحالات الانزلاق والانحدار وما شابه ذلک. هذه کلها تشاهد فی تلک العلوم وآثارها وأن کان یراد منها حالات ایجابیة، ولکن تظل هذه العلوم محرمة حتی فی سیاق الغایات الایجابیة لأنه طریق محرم فلا تسوغ شرعاًً.

المحاور: الأقسام التی ذکرتموها من علوم الروحانیات التی یکون نفعها مضمون وضررها مأمون، ما هی هذه العلوم؟.

الشیخ السند: طبعاً عموم علوم المعارف والعقائد، من معارف القرآن ومعارف الحدیث الشریف سواء بلغة عرفانیة أو بلغة فلسفیة أو لغة کلامیة أو بلغة أدبیة، هذه کلها تصب فی صقل أفاق الروح سواء من الجانب العملی أو من جانب بعد الإدراک للعوالم والمعارف، ولا ریب أن هذه تستوسع الروح أفقا وسعة وتصعد بها درجة مضافاً إلی برنامج تهذیب السلوکیات وما شابه ذلک من البرنامج العملی، هذا ایضاً یصقل الروح والأخلاق کلها ترتبط بالروح، فبالحقیقة التعرف علی قضایا الروح أمر بالغ الثمرة وبالغ النتیجة، وحتی أن العلوم الغریبة أو ما یصطلح علیه بالعلوم الغریبة أی غیر المتداولة وغیر

ص:145

المأنوسة، مقصود المحلل منها مثل علم الجفر بأقسامه، وعلم الرمل، وعلم الحروف، علم المعانی، علم الحساب والاشتقاقات المختلفة هذه کلها تفید الإنسان، افرض الأطلاع علی علم التخاطر الروحی والسمعی والبصری وعلم الأثیر والوقوف علیها لا ریب أنه یوجب اطلاع السعة للإنسان واقل ما فیها أن توقی الإنسان من الانغرار والانزلاق أمام أهل الحیل والنصب والدجل فی القضایا الروحیة، فالأطلاع علیها یکوّن لدی الإنسان بصیرة ممیزة فاصلة بین ما هو کرامة حق وبین ما هو دجل وحیل ونصب وما شابه ذلک، نحن نشاهد القرآن الکریم یسطر لنا بعض الأمثلة أن عفریتاً من الشیطان یستطیع أن یأتی بعرش بلقیس من الیمن إلی فلسطین ملک النبی سلیمان علی نبینا وآله السلام فی ظرف زمانی بمدة یستغرق الجلوس فی مجلس حسب ما هو مضمون الآیة: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِکَ (1).

فمثل هذه الأمور مثلاً یمکن أن یأتی بها قوی غیر خیرة، فإطلاع الإنسان عموماً علی مثل هذه الأمور یزیده بصیرة ویزیده تمییزاً بین ماهو صحیح وصدق وما هو خطأ وکذب، وما هو الخیر وما هو الشر.

ص:146


1- (1) سورة النمل: الآیة 39.

عالم الأرواح

المحاور: بالنسبة إلی تحضیر أرواح الموتی هل هو أمر ممکن حقاً، والإجابات التی تعطیها الأرواح عند تحضیرها هل هی إجابات صحیحة یعتمد علیها أم لا؟.

الشیخ السند: غالب من یدعی تحضیر الأرواح والقدرة علی تحضیر الأرواح - حسب بعض التجارب وحسب بعض المتضلعین من أهل المعنی والعلم - هو من تحضیر الجن والمحضر یحسب انه احضر أرواح المؤمنین وربما یحضر من الجن من یعلم الصغیرة والکبیرة عن المیت، وبالتالی یظن المستمع الجالس فی تلک الجلسة التی یتم فیها التحضیر أن إجابات ذلک المجیب ربما دقیقة وصحیحة، وبالتالی فهی صادرة من روح المتوفاة لأنها تفید کل الخصائص الخفیة للمتوفی، ولیس هناک عامل جسمی وحسی یجزم به وان کان بعض متضلعی أهل المعنی یصر علی صدقیته فی بعض الموارد نظیر ما یحکیه العلامة الطباطبائی لبعض تلامیذه من أساتذتنا، أن أخاه السید حسن

ص:147

رحمة الله علیه کانت لدیة القدرة علی تحضیر الأرواح أو الارتباط بأرواح العظماء من العلماء ومشابه ذلک.

علی أیة حال هذا لیس ممتنعاً، والارتباط بأرواح الموتی یثبته علماء الغرب ایضاً بأنه عبر التخاطر ونوع من الارتباط الموجی بالذبذبات الشفافة الروحیة بین روح الحی وروح المیت، وهذا لیس مستنکراً وقابلا" للتصویر نظیر ما نقرأه نحن فی زیارة الرسول وزیارة أهل بیته، «وانک حجبت عن سمعی کلامهم وفتحت باب فهمی بلذیذ مناجاتهم» (1) فهناک نوع من الارتباط بین أرواح الأحیاء وأرواح الموتی ولکن من هو الذی یستطیع أن یحضر ویرتبط، هذا هو أمر آخر وکثیرون من أهل النصب والحیل والدجل وکثیر ممن یدعون أنهم احضروا الموتی ویکون قد احضر الجن.

المحاور: یعنی الذی یحضر یحتاج إلی قوة روحیة معینة؟.

الشیخ السند: لا ریب فی ذلک، الروح المحضرة ایضاً لابد وان تکون لها درجة وماشابه ذلک، والحضور نوع من الصلاحیة لروح المیت والمکنة لا تعطی لکل احد ومن ثم هذه الإمکانیة من الارتباط بأهل البرزخ لاریب أنها لا تعطی إلا لذوی القدم الراسخ من أهل التقوی والیقین، وأما أحاد الناس ممن هم فی سلوک اعتیادی والتزام دینی هابط فلاریب انه لیست لدیة القدرة والمکنة علی تحضیر الأرواح

ص:148


1- (1) المصباح للکفعمی: 605.

وإنما هو تحضیر جن.

المحاور: یعنی هنا یکون هو مسخر للجن من حیث لا یشعر؟.

الشیخ السند: قد لا یکون لدیه اطلاع والتفات، إلا أن الجن المحضر ربما یکون قرین المیت مما یعرف خفایا کثیرة عن المیت ویجیب بإجابات دقیقة ومتقنة أو علی إتصال بالقرین، وهذا المقدار لا یدل علی أن الذی حضر هو روح المیت وإنما هو قرینه من الجن بل بعض الجن ممن لدیهم قدرات تکوینیة أخری قد یطلعون علی ما یطلع علیه القرین وبالتالی یخبرون به.

المحاور: بالنسبة لتحضیر الأرواح هل هو أمر نترکه فی بقعة الإمکان، یعنی هو أمر ممکن لا ننفیه أم لا؟ فإنه یوجد هناک من یثبته یعنی إمکانیة أن تستحضر روح انتقلت من هذه الدار إلی الدار الآخرة تعیش فی البرزخ نستحضرها ونحاورها هذا المدعی لدی الذین یحضرون الأرواح.

الشیخ السند: نعم المقصود من حضور لیس هی تنشأها نشأة دنیویة وإنما نوع من ارتباطها بأهل الحیاة فی هذه النشأة فی موضع معین وما شابه ذلک.

المحاور: إذا توفرت شرائط الصدق ولما یبعث علی الاطمئنان بشخص الذی یحضر الأرواح فهل تکون الأجوبة التی یحصل علیها من الأرواح تکون لها نوع من المصداقیة أو یمکن الاطمئنان إلیها؟.

ص:149

الشیخ السند: فی الحقیقة أن هذا الارتباط هذه القناة لیس فیها حجیة بتاتاً بل أن نفس المیت علی أیة حال مهما تصاعد شانه لیس یعنی الأرتباط به ایضاً هو ذو موقعیة بحیث یؤخذ بأقواله وإن کان المیت فی البرزخ ومهما وصل فی مقامات العدالة والتقوی فإنها تغایر الحجیةً.

المحاور: ولکن تکشف له أشیاء قد لا تکشف للأحیاء؟.

الشیخ السند: لکن لیس فی مدالیل کلامه وفیما یدلی به حجیة بقول مطلق، وإنما هو نوع من البشائر والنذارة، ولا یعول علیه کحجیة، بل أن الأرتباط الروحی فی الرؤیا ونحوها بالمعصوم مع انه معصوم هذا الأرتباط لایعول علیه کحجیة لان ارتباط غیر المعصوم به عبر قناة الرؤیا وعبر قناة المشاهدة، تلک القناة باعتبارنا نحن غیر معصومین ولا طریقة تلقینا تلقی المعصومین فلا یعول علیها وإنما یکون قیمتها، قیمة منبه ومبشر ومنذر، وعلی أیة حال هذا منبه إلی نفس مالدی الإنسان من إدراک عن الواقع من حقیقة یتعامل ویلمس ویتعاطی معه بما له من حدود وحقیقة.

المحاور: یعنی هی تورث الیقین ولکن استناداً إلی أمور أخری؟.

الشیخ السند: یرجع للموازین العامة التی یستند إلیها الإنسان فی کل أموره من الکتاب والسنة والعقل وما شابه ذلک.

ص:150

العمل والجزاء

المحاور: نعرف من الأحادیث الشریفة أن الدنیا هی وحدها دار العمل فما معنی ما ورد فی بعض الأحادیث الشریفة من أن أرواح المعصومین الأربعة عشر کانت تسبح لله عَزَّ وَجَلَّ فی عالم الاظلة ألیس هذا التسبیح من العمل الذی یترتب علیه الأجر؟.

الشیخ السند: ما ذکرته من أن قد ورد فی الآیات والروایات أن دار الدنیا هی التی یترتب علیها الجزاء وتحدث من خلالها الأعمال ظاهر الأدلة خلاف ذلک.

المحاور: کیف نتعامل مع الحدیث الیوم عمل بلا جزاء وغدا جزاء ب-لا عمل هذا المضمون مروی عن أمیر المؤمنین(علیه السلام).

الشیخ السند: نعم ولکن هذا المضمون لایفید الحصر، یعنی الیوم عمل بلا جزاء وغدا جزاء بلا عمل، وان ما قبل لیس هناک عمل ولم یترتب علیه اثر، بل هناک مفادات عدیدة من طوائف الأحادیث، أن

ص:151

سید الأنبیاء إنما فاق بقیة الرسل لأنه أول الأنبیاء إجابة فی عالم المیثاق، أو فی عالم الذر، حیث نصت الآیة الکریمة علی إمتحان الله تعالی للخلیقة: أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی (1). فبحسب السبق والتقدم فی الإجابة رتبت تلک المقامات یعنی بعبارة أخری جزاء تلک العوالم ترتبت المقامات فی دار الدنیا یعنی جزاء عالم المیثاق أو عالم الذر والعوالم السابقة، کما أن التأثیرات فی عالم الأصلاب والأرحام تأثیراتها وجزاء آتها نشاهدها تتحقق فی عالم الدنیا، مثلاً صلاح الأبویین من صلاح الجینات الوراثیة ومن صلاح البیتوتة وما شابه ذلک، نلاحظ آثارها أن کان یصح إطلاق الجزاء علیها مترتبة فی دار الدنیا، فإذاً لیس من الشیء المحتم أن الجزاء محصور علی العمل فی دار الدنیا.

المحاور: باعتبار أن هذا الذی تتفضلون به لعله خلاف الرأی الشائع، حبذا لو یکون توضیح لهذا الجانب فی یوم القیامة عندما یقال جزاء بلا عمل یعنی أی عمل مقصود؟.

الشیخ السند: نعم فی الحقیقة انه حتی هذه القضیة العمومیة من أن غدا جزاء بلا عمل هذا بالقیاس والإضافة إلی سنخ العمل الأختیاری فی الدنیا وإلا فإن هناک نحو من التکامل حتی فی البرزخ، بل فی العالم الأخروی کذلک الذی تفیده الأدلة.

ص:152


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 172.

المحاور: یعنی فی البرزخ یتکامل الإنسان أیضاً؟.

الشیخ السند: نعم یتکامل وهناک نوع من السیر والمسیر التکاملی یشهده البشر فی البرزخ، مثل أن بعض النفوس التی تدخل جهنم إذا ارعوت عن عنادها ولجاجها یفرج عنها وتخلص من جهنم، بخلاف التی تلج وتعاند وتوغل فی العناد مع الباری تعالی فتلک أنواع الخلود وما شابه ذلک، مما یدلل علی أن العمل المنفی فی الآخرة هو العمل باختیار وسیع بالنمط الذی ههنا بحریة واختیار فی دار الدنیا، ولکن الذی یظهر مجموع الأدلة أن دائرة الخیار والاختیار فی البرزخ أو فی الآخرة تضیق بحسب موجبات ضاغطة من نتائج الأعمال فی دار الدنیا یعنی بعبارة أخری الخیار فی عالم المیثاق السابق لعالم الدنیا أو عالم الذر کان الخیار بشکل وسیع أکثر عما هو بحسب دار الدنیا، وهذا الأختلاف فی دائرة الأختیار یشاهد فی مسیرة الوجود وانتقال الطبیعة الإنسانیة من عالم إلی عالم آخر کلما تنتقل من عالم إلی عالم آخر تکون محکومة بتأثیرات وأحوال سابقة فی تلک العوالم، فبالتالی یضیق الخیار والاختیار، فیتصف حینئذ ویحمل عنوان جزاء بلا عمل علی هذا المعنی أی العمل الذی له أفق من الاختیار والخیار، بحیث یستطیع الإنسان أن یتحکم بسهولة فی سکان نجد الخیر أو نجد الشر وأما فی المسیر التکاملی وان للخیار والاختیار نحو من التأثیر فنشاهد بعض حالات الأختیار فی بعض الأدلة وان کان هناک طائفة کثیرة من الأدلة

ص:153

تدل علی أن أولئک الذین جنوا أعمال سیئة تلجأهم تلک الملکات الرذیلة والقبیحة والسیئة علی أعمال السوء فی الآخرة وتسلب منهم اختیار الفضیلة وخیار الخیرة، نظیر الحالة فی إبلیس مثل قوله تعالی: إِلاّ إِبْلِیسَ أَبی أَنْ یَکُونَ مَعَ السّاجِدِینَ قالَ یا إِبْلِیسُ ما لَکَ أَلاّ تَکُونَ مَعَ السّاجِدِینَ قالَ لَمْ أَکُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (1). وغیرها من الموارد، هذا ملحوظ فی العدید من الدلالات ولکن جملة من الآیات أو الروایات یظهر منها أن مقدار من مسیر التکامل والسیر التکاملی یمکن أن یلمح فی الآخرة وفی البرزخ.

ص:154


1- (1) سورة الحجر: الآیة 30

تکرار العذاب

المحاور: ما هی الحکمة من تکرار العذاب فی البرزخ وفی الآخرة، إلا یخالف تکرار العذاب هذا العدل الإلهی؟.

الشیخ السند: أصل العذاب واستمراره فی البرزخ أو فی الآخرة حقیقته ترجع إلی الخلود فی العذاب، وهذه مسألة اعتقادیة محتدمة بین البحوث العلمیة العدیدة، وملخص الإجابة عن بعض الشبهات والتساؤلات فیها أن الله عَزَّ وَجَلَّ أنزه من أن یتشفی أو یظلم عباده، ومن رأفته ورحمته بعباده انه یصون أفعاله التکوینیة فی العوالم المختلفة من التشفی وتبرید الغلیل فإن هذه صفات النفوس المخلوقة، بل العذاب هو نحو دواء للمخلوق کما تشیر إلیه الروایات فی الأخلاق الکریمة، مثلاً قوله تعالی: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلی أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ (1)، لان کفر المخلوق بالخالق هو من

ص:155


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 42.

مهاوی الدرکات التی یعیش فیها المخلوق، لأن إعراضه عن الباری وإقباله علی ذاته التی هی منبع الفقر والعدم یوجب التناقض الوجودی للمخلوق، ومن ثم من اجل أن یستکمل هذا المخلوق ولان یرتبط بمصدر الفیض ومصدر البرکات فلابد أن یتلقی نحواً من الکی لقلع الرعونة والطغیان الذی هو أنحباس علی النقص، وهذا المقدار من الإنکسار والذل القهری للمعاند والجاحد بالعذاب یبعد طغیانه الذی هو حبس له علی ذاته الفقیرة إلی الخضوع والتوجه إلی منبع الفیض لیتمکن من الأستفاضة، فمن ثم کان العذاب شفاء وعلاج للمعاند ولو کان قهریاً، وحالة الانقطاع عن مصدر الخیر وهو التکبر والتمرد والجرأة والعصیان والطغیان، فبالتالی هذا العذاب نحو دواء وکی ویتحقق المخلوق بحالة العبودیة ویرتبط بمرکز الخیر ومنبع البرکات ومن ثمة ورد فی دعاء أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی دعاء کمیل: « وان تخلد فیها المعاندین »(1) یعنی أن الخلود فی الدار الآخرة فی جهنم مخصوص للمعاندین لماذا؟ لان المعاند بحالة مرضیة واعوجاج فی ذاته لتمرده وطغیانه، وهذا یبعده عن مرکز الخیر والخیرات والبرکات وهو الله عَزَّ وَجَلَّ ومن ثم هذا العذاب یکسر جنوح وطغیان وتکبر المعاند وبالتالی یجعله مستفیضاً للفیض الإلهی وإلا لو أبقی وبقی علی العناد لأزداد إنعداماً وتناقصاً وعذاباً وألماً ناشئاً من تناقصه وهو عذاب أشد.

ص:156


1- (1) مفاتیح الجنان: 135.

المحاور: فیتحول فی الواقع هو إلی نار بحیث أصبح وجوده نار.

الشیخ السند: هذه الحالة فی بدنه الأخروی یؤدی إلی أن روحه ترعوی وتنصاع وتطوع وتنقاد إلی رب العزة والانقیاد اکبر کمال، والمعاند لا سبیل لإیصاله إلی الکمال إلا بأخلائه عن تکبره وطغیانه بأن یطوّع إلی طاعة رب العزة. فهذا العذاب فی حین کونه عذاباً هو رحمة ورأفة من الله عَزَّ وَجَلَّ وحکمة لأجل أن یبقی هذا المخلوق فی حالة تکامل ویکون دوماً فی حالة أستفاضة، وان کان بعض الذوات أعاذنا الله وأجارنا الله وجمیع المسلمین من ذلک، بعض الذوات قد قضی علیها العناد بحیث أن العناد عاد وصار طبعاً جوهریاً وهو علی درجات، والتقصیر علی درجات والمخالفة والعصیان علی درجات، وإذا دخل منطقة العناد فذلک داء دهیاء وربما یشتد هذا العناد بحیث لا ینفک عن المخلوق وهی إعماله طبعاً کما یشیر إلی ذلک قوله تعالی: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (1) فبعض الذوات هکذا تبقی یکتب لها طریق الکمال وبقاء کمالها بأن تعذب کی یطرد الخبث الموجود فی تلک الذوات وتطوع وتنقاد لرب العالمین، هذا بالنسبة للخلود فی النار ویفهم من ذلک الکلام فی البرزخ وانه یمتد فی الآخرة فیما یعالج ویطهر المیت یستمر عذابه فی الآخرة إلی أن یطهر.

ص:157


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 28.

المحاور: یعنی لیس تکراراً للعذاب؟.

الشیخ السند: لا. لأنه استمرار فی عملیة التطهیر، مثلاً نشاهد فی تطهیر وتنظیف الملابس وغیرها تحتاج إلی المرات والکرات فی عملیة التنظیف کی یقلل من الوسخ والأدران الموجود فیها.

المحاور: آذن هل یمکن للعذاب البرزخی أن یکون سبباً لسقوط بعض العذاب الأخروی لبعض الذنوب؟.

الشیخ السند: نعم بالضبط هکذا، وإلا سیبقی فی أدران الذنوب وأوساخها ویحتاج إلی تطهیر فی الآخرة.

المحاور: وحتی فی ساعات الاحتضار بعض الروای--ات تشیر إلی هذا المعنی.

الشیخ السند: وبعض تکفّر ذنوبه بالشدة التی یلاقیها فی ساعة الاحتضار من دون حاجة إلی عذاب البرزخ، وبعضهم قد یتطهر بها ویبتلی فی دار الدنیا قبل الاحتضار، فأنواع الذنوب وأوساخ الذنوب وأدران الذنوب أعاذنا الله وجمیع المؤمنین والمسلمین منها مختلفة الشدة ومتفاوتة.

ص:158

التائب وغفران الذنب

المحاور: هل أن مغفرة الذنب تشمل إزالة الآثار التکوینیة للذنب کما هو الحال فی شرب الخمر مثلاً - والعیاذ بالله - تزول آثاره التکوینیة بمغفرة الله تبارک وتعالی أم لا؟.

الشیخ السند: إزالة التوبة للآثار التکوینیة للذنب یظهر من الأدلة والآیات أنها بحسب درجة التوبة ودرجة الاستقامة علی التوبة ودرجة التعالی فی الکمال بعد ذلک علی حسب درجة التوبة، کما لدینا...

المحاور: حبذا لو تکون الإجابة من خلال مثال توضیحی فی صدق التوبة، هل المقصود منها التوبة النصوح أم أن التائب یطلب من الله تبارک وتعالی أن یزیل أثار ذنوبه السابقة أم شیء آخر؟.

الشیخ السند: التوبة هی من الرجوع والرجوع إلی الباری تعالی علی مدارج ودرجات من القرب والبعد، وربما التائب یستغفر ویندم ویقلع عن ما ارتکبه من ذنب وهذا المقدار أدنی شرائط صحة التوبة،

ص:159

وربما یمضی التائب قدماً متعالیاً فی درجات الخیر وأضداد المعصیة التی کان علیها فلا ریب أن هذه التوبة رجوع اشد إلی درجة قریبة أعلی من ذلک وهلم جراً.

المحاور: فی هذه الحالة تکون للتائب أثار أکثر من مجرد رفع العقاب الأخروی عنه؟.

الشیخ السند: نعم.

المحاور: یعنی یکون رفع العقاب إلی جانب العقاب الأخروی إزالة الآثار التکوینیة بأعتبار أن بعض الذنوب لها آثار تکوینیة فی الآخرة؟.

الشیخ السند: نعم إلا فی بعض الآثار للمعصیة کما ورد فی الحدیث النبوی: «من ارتکب کبیرة فارقه عقل لا یرجع ابداً» ، حتی بعد التوبة حتی بعد الآخرة، یعنی شعبة من شعب العقل تفارقه ولا ترجع إلیه ابداً، وهذا حرمان. وفی الآیة الکریمة أشارة إلی مثل هذا الاختلاف فی الآثار إلی قدرة وقوة التوبة علی التغییر رغم ذلک تشیر الآیة الکریمة أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ کَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْیاهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما یَحْکُمُونَ (1). مما یدلل علی أن ارتکاب المعاصی والسیئات ولو یستغفر الإنسان ویتوب ینجو بالتالی من سوء العاقبة وینجو من العذاب والعقوبة، إلا أنه لا ریب أن امتیازات المتقی

ص:160


1- (1) سورة الجاثیة: الآیة 21.

الموقن والمحافظ علی الاستقامة وغیر الملوث نفسه ولو بدرجة من الذنب لا ریب انه یکون أوفر حظاً فی الآخرة وفی الدنیا من العاصی التائب....

المحاور: ولکن یبقی الباب مفتوحاً، یعنی التائب من الذنب کمن لاذنب له؟.

الشیخ السند: طبعاً التائب ینتشل نفسه من الحضیض وینتشل نفسه من الهوان وما شابه ذلک، ویرتقی ولکن لا ریب أن الاستقامة والمحافظة والحیطة تلک أکثر تعالیاً من التوبة.

المحاور: فما معنی إبدال الله تبارک وتعالی سیئات التائبین إلی حسنات وهل یمکن القول بأن هذه مرتبة عالیة من مراتب إزالة الأثار التکوینیة للذنوب؟.

الشیخ السند: نعم، هذا لطف الهی عظیم وربما تفسیره فی الجانب والبعد الفلسفی والمعنوی یحتاج إلی مؤونة واقتدار، وربما یقرب مفاد هذه الآیة ما فی بعض الروایات بأن أصحاب الجنة یرون مواضعهم فی النار لو عصوا، وأهل النار بحسب درکاتهم یرون مواضعهم فی الجنة لو کانوا قد أطاعوا ومن الواضح أن کل من توغل شدة فی الدرکات لو کان قد عصی کان قد تعالی سمواً فی الدرجات. وبعبارة أخری أن الملکات والقدرات فی المخلوق یمکن

ص:161

أن یوظفها فی طریق الخیر ویمک-ن أن یوظفها فی طریق الشر، فبالتالی تلک الملکات إذا فرض تحلی الإنسان بها ثم وظفها فی طریق الخیر، کما إذا افترضنا أن عالماً فی الذرة النوویة ولکنه یوظف هذا العلم الخطیر فی سفک دماء الشعوب وما شابه ذلک فهذه درجة شدیدة من الشر فی آثار عمله ولکن لو بدل اتجاه عمله إلی نفع البشریة وفی الموارد السلمیة، الصحة والبیئة الزراعیة وتولید الطاقة الکهربائیة فنفس الملکة التی کانت فی طریق الشر تکون متلأ لئة نورانیة فی جانب الخیر، اذاً الملکة بما لها من صفات عملیة وعلمیة وکما لو افترضنا ضابط جیش کان فی دولة الجور والظلم ولکن بعد ذلک تحول إلی ضابط فی دولة الحق وسبل السلام واستفاد من تلک المهارة التی لدیه.

المحاور: فهذا نوع من اللطف الخاص والهدایة الخاصة؟.

الشیخ السند: نعم یستطیع أن یوظف ملکاته فی طریق الخیر وتتبدل من سیئات إلی حسنات.

ص:162

إذا الوحوش حشرت

المحاور: إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ هل یمکن الاستفادة منها، ایضاً أن لهم مراتب من القیامة؟.

الشیخ السند: ورد تأویل الوحوش فی الآیة الکریمة أن المراد منها بنی الإنس، لان الإنسان إذا توحش صار أوحش من الوحوش، علی أیة حال هذا لا ینافی الظاهر ایضاً بإرادة کل من المعنی التأویلی والمعنی الظاهر، ویستفاد من البحوث الحدیثة فی العلوم الروحیة کالتنویم المغناطیسی واستحضار الأرواح للموتی یذکرون مئات الحکایات عن الأرواح التی یحضرونها وما شابه ذلک، عن نشأة البرزخ أن الحیوانات هناک لهم نوع من التواجد بخلاف ما کانت علیه فی دار الدنیا.

ورد فی الروایات: «أن یوم القیامة یقام العدل حتی انه یقتص للعجماء من القرناء» ، فیقتص من الدابة التی لها قرون إذا اعتدت علی دابة لیس لها قرون.

المحاور: إن المرور بالقیامة والبعث مرتبط بالتکلیف فهل یمکن أن

ص:163

یفهم أن هنالک درجة ومرتبة من التکلیف بالنسبة إلی الحیوانات؟.

الشیخ السند: نوع من تلقی الدین التکوینی، الکونی الواحد لکل المخلوقات موجود ولکن بأی درجة، نلاحظ مثلاً حدیث الهدهد مع سلیمان أو ما یقرره الهدهد لا الشریعة فإنها خاصة بالثقلین الإنس والجن...

المحاور: یکون سلیمان معذب الهدهد وإذا کان الهدهد لیس له خیار آخر، أو مکره علی ما قام به مثلاً إذا کان علی فرض الإساءة فلا یکون من العدل تعذیبه، إذن لابد أن هناک درجة من الاختیار بحیث إذا کان عمله خاطئ یکون مستحقاً للتعذیب؟.

الشیخ السند: الآن البحوث العلمیة أثبتت أن الحیوانات لها درجة من الإرادة والشعور ودرجة من الصفات الإنسانیة کلها تدلل علی أن لها مرتبة من الإدراک وما شابه ذلک: وَ إِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلاّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ (1) فلها درجة من الرجوع والأوبة إلی الله سبحانه وتعالی کما کان لها نحواً من الانطلاقة من المبدأ، فأن قاعدة: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ (2) لیس خاصاً بالإنس بل لکل الکائنات وهی آئبة راجعة إلی ربها، إلیه مصیر کل شیء والیه یرجع الأمر کله.

ص:164


1- (1) سورة الأسراء: الآیة 44.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 156.

الخلود فی الجنة أو فی النار

المحاور: کیف یمکن أن نفهم خلود الإنسان فی الجنة أو فی النار مع کون الله تَبَارَکَ وَتَعَالَی هو الأول والآخر؟.

الشیخ السند: أولیة الباری تعالی وآخریته لا تنافی الخلود فی جانب البقاء، الکثیر منا یتصور أن أولیة الله واخریته أمر یتصرم کما فی الزمان، أو یتجدد کما فی قطاعات الزمان، وهذا تصور خاطئ عن صفات الله، فأن أولیة الله لم تزل ولا تزال صفة قائمة وثابتة له کما أن آخریة الله لیست صفة ستحدث له تعالی وإنما آخریته هی له فی عین حین ما کانت أولیته ثابتة له.

المحاور: عفواً المطلب دقیق جدا لو تزیدونه توضیحاً.

الشیخ السند: آخریة الله عَزَّ وَجَلَّ لیست من قبیل المراحل الزمانیة التی تحدث بعد تصرم وبعد انقضاء ومضی فترات زمنیة سابقة فتحدث فترات زمنیة لاحقة، فآخریة القطعة الزمانیة آخر الشهر

ص:165

السنوی تحدث بعد مضی الأشهر الأولی من السنة، وآخر أیام الأسبوع یحدث بعد مضی الأیام الأولی من الأسبوع، وهکذا فی الآخریة فالزمان اذاً متجدد الحدوث ولم یکن موجوداً وإنما یوجد فیما بعد وهذا بخلاف صفاته تعالی سواء (الأول) و (الآخر).

المحاور: لو أردت توضیح الأمر من خلال السؤال التالی بأن الله تَبَارَکَ وَتَعَالَی کان الأول ولایزال الأول فماذا یعنی الآن؟ هل یکون المعنی المتبادر انه کان الأول فهمناها انه کان ولم یکن شیء ولکن ولازال کما کان یعنی الآن هو الأول کیف الآن هو الأول.

الشیخ السند: هذا ما سأصل إلیه ولکن أحببت أن أبین أن الأولیة فی الزمان فی العادة تتصرم وتنقضی وتمضی وتنعدم ولکن هذه الصفة فی الباری تعالی لیس الحال فیها کذلک، وإنما هی دائمة وباقیة، وکذلک آخریتة تعالی لیست کأخریة الزمان تنوجد بعد ما لم تکن فأولیته تعالی فی حین آخریته وآخریته فی حین أولیته کانت ولا تزال ولاتزول، آذن معنی الأولیة والآخریة فیه تعالی تتخذ معنی ورسماً بمعنی آخر یختلف عن الأولیة والآخریة فی الزمان والأمور التدریجیة الموجودة داخل نطاق الزمان، معنی أولیته تعالی انه مبدأ إیجاد وفیض الأمور وآخریته انه منتهی غایة کمالات الأمور، فالباری تعالی هو مصدر ومبدأ ومقوم لکل موجود وکائن ومخلوق فی کل حین کان ولا یزال ولا یزول هذا معنی الأول وآخریته هی أن کماله هو منتهی وغایة کل

ص:166

کمال وکل مقصد، وهذا نوع من معانی الخلوص والإخلاص ونوع من معانی المعاد ایضاً، أی أن کماله هو منتهی الکمال وقدرته هی منتهی القدرات ودرجات القدرة ودرجات الکمال، والتعبیر بالدرجة من باب المسامحة وضیق التعبیر ولایتناهی فی علو الدرجات، وهذا العلو والانتهاء والفوقیة فوق کل الکمالات، کانت اذاً ولا تزال ولا تزول، آذن آخریته فی حین أولیته واولیته فی حین آخریته، ولا یتنافی ذلک مع الخلود فی الجنة والخلود فی النار، لان هذا الخلود لا یعنی أن الجنة هی منتهی الکمال بل هناک فوق کمال الجنة. کمالات أخری مخلوقة حتی من قبیل الغمس فی بحور وسرادقات الربوبیة وبحور سبحات الجلالة وما شابه ذلک فکیف مقام الذات الإلهیة فلیس خلود الجنة یعنی آخریتها، وأنها تحیط بآخریة الباری تعالی، لان الأخ السائل فهم من آخریة الباری آخریة زمانیة، ولیست کذلک وإنما هی آخریة منتهی لا تناهی الکمال.

المحاور: هذا المعنی الذی تفضلتم به نتلمسه فی: إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ؟.

الشیخ السند: بالضبط إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ المبدأ الأولیة وراجعون الاخریة.

المحاور: آذن هنا الأولیة والآخریة مبدأ الخلق ومنتهی کمالات

ص:167

الخلق. وبالنسبة للخلود هنا هل هو زمانی؟.

الشیخ السند: الجنة وان کانت جسمانیة ولکن لیست جسمانیة دنیویة وزمان دنیوی، بأعتبار أن لکل موجود جسمانی له تقدیر من الأمر فهناک خلود وبقاء أمدی، ولکن أمده هو حساب الأمد فیه یختلف عن حساب الدنیا.

المحاور: وهل یشتمل علی کلا البعدین، البعد والکمال الأخروی بالنسبة للإنسان وهکذا بالنسبة للبدن أو البعد الروحی والبعد البدنی هل یمکن تصوره هکذا؟.

الشیخ السند: کما أن هناک کمالات بدنیة تفوق کمالات بدن الدنیا فهناک کمالات روحیة ینالها المؤمن ولها أبعاد تختلف عن أبعاد البدن، ولکن تقدیر وحدة المدة والفترة فی الجنة وفی عالم الآخرة تختلف فی وحدتها التقدیریة والحسابیة عن وحدة القیاس الزمنی فی الدنیا.

المحاور: هذا القیاس الزمنی آذن هو خاص بعالم الدنیا، والعوالم الأخری لها قیاسات أخری.

الشیخ السند: نظیر التعبیر فی قوله تعالی: وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ (1).

ص:168


1- (1) سورة الحج: الآیة 47.

المحاور: إن الله تَبَارَکَ وَتَعَالَی یعلم کثیراً من خلقه سیعصونه ویستحقون بذلک الشقاء والخلود فی النار، فلماذا خلقهم وهو الرؤوف الرحیم والغنی عن عذابهم؟.

الشیخ السند: لابد أن نعلم أن خلقة الأشقیاء کإبلیس وغیره من حزبه المتمردین الظالمین لیس هو نقمة علیهم، ولیس شقاءً لهم فی کونهم أشقیاء، بل هو عین الحکمة والخیر والنفع، سواء بالنسبة لهم أو بالنسبة إلی نظام الخلقة، أما بالنسبة للآخرین فالامتحان الذی یقع فیه الآخرون عندما یبتلون بالأشقیاء یکون امتحان تکامل لهم ورقی الدرجات وعالی المقامات.

المحاور: یعنی من خلال الابتلاء بهؤلاء الأشقیاء والصبر علی أذاهم وغیر ذلک یحصلون علی مراتب من الثواب؟.

الشیخ السند: نعم وربما یستفید من بعض الأحادیث عنهم(علیهم السلام) وهذا استظهار من بعض أهل المعرفة، حیث استظهر من بعض الأحادیث أن خلق الشیاطین هو نوع من الحراسة للملکوت عن أن ینفذ فیه القلوب الإنسانیة غیر الطاهرة، القلب غیر الطاهر بعین بصیرته لا یستطیع أن ینفذ إلی الملکوت إلا إذا کان طاهراً، ولو کان غیر طاهر یبتلی إذا بمشاغبة الشیاطین وحیلولتهم دون نفوذه الملکوت، فهذا نوع من الحراسة للمنازل والعوالم الطاهرة ونوع من التربیة والامتحان، هذا

ص:169

کمثال والأمثلة کثیرة، هذا بالنسبة للآخرین. وأما بالنسبة إلیهم فلابد أن نعلم أن أصل الوجود خیر ورحمة کبیرة حتی الوجود فی الخلود بالنار فی أصل وجوده رحمة، لان العذاب فی الحقیقة نوع من المداواة للمتکبر والجاحد توجب هذه الحالة - حالة العذاب - ارعوائه بنحو مستدام أو فی حال العذاب أرعوائه إلی الباری تعالی والی عبودیته وخضوعه للباری تعالی.

المحاور: کیف یکون الوجود بحد ذاته خیراً وهو قد یؤدی إلی العذاب؟.

الشیخ السند: لان العذاب حالة طارئة لأصل الوجود. وبعبارة أخری وجود المخلوق بحالة معرفته بربه وفی حالة خضوعه لربه لا ریب أن هذا الوجود نوع من الکمال والرحمة، وان کانت مصحوبة بزمجرة عذاب.

المحاور: هل یمکن تشبیه الأمر؟.

الشیخ السند: کمثل المریض الذی یداوی فی أثناء عملیة جراحیة وان کانت هی أذیة له ولکن هی نوع من الانجاء له.

المحاور: ومتفق هو أفضل من أن یموت.

الشیخ السند: نعم أفضل من أن یموت ویعدم ویباد، الحقیقة الخلود فی العذاب أصعب موضع ومن الإشکال الذی هو جدل

ص:170

معرفی قدیم فی العلوم المختلفة، الخلود فی العذاب هو نفس العذاب سواء بدأه أو استمراره وخلوده إذا أذعنا أن نفس العذاب بدأًًً أو خلوداً هو نوع من الإخضاع الربانی للمتمرد الجاهل بمعرفة ربه لکی یعرف ویخضع إلی ربه، غایة الأمر أن هذا لا یخضع إلی الکمال إلا بإضافة العذاب علیه آن فآن، العذاب وان کان مراً لکن معرفة الله أحلی وأکمل، فلا یتمنی العدم المطلق والشاهد علی ذلک أن مرارة العذاب إنما هو بسبب خوف الزوال، زوال الکمال، زوال الراحة، زوال الطمأنینة، نفس الزوال مخیف اذاً من یفیض علیه أصل الوجود فهذا عین الرحمة غایة الأمر أن قسماً من الخلق کالجن والإنس بعض منهم لا یصل إلی الکمال والخضوع لمعرفة ربه وهی اکبر الکمالات أکبرمن کمال راحة البطن، وراحة الشهوة وراحة ونعومة الحریر، معرفة الرب لا ریب أنها کمال کبیر، هذا الکمال لا یصل إلیه شطر من نمط من الخلقة إلا عبر العذاب.

المحاور: هل یمکن القول أن من الظلم أن لا یخلق الله تَبَارَکَ وَتَعَالَی أو لا ینقل من العدم إلی الوجود من هو مستعد للوجود، ویمکن أن یکون وجوده مفتاح الوصول إلی الکمال؟.

الشیخ السند: لا ریب أن الوجود والرحمة الإلهیة الواسعة هی تفیض الوجود وهی الوجود والرحمة علی کل قابل ومستعد.

ص:171

المحاور: یعنی السؤال والأعتراض هو کأنه أستناداً إلی الرحمة الإلهیة للاعتقاد بأنه لم یکن المفروض أن یخلقهم، فی حین یمکن أن تکون الرحمة والرأفة الإلهیة والغنی هو سبب لخلقهم بأعتبارهم مستعدین للوجود والوجود بحد ذاته خیر یمکن أن یوصل إلی مقامات.

الشیخ السند: حتی الوجود فی العذاب هو رحمة وقد غفل عن التدبر فیه والنظر حتی کبار العرفاء الذین ربما استشکلوا فی خلود العذاب، فأبن سینا وأبن عربی أو غیرهما لم یتفطنوا إلی وجه الرحمة فی الخلود فی العذاب، انه بتوسط العذاب تتحقق معرفة المتمرد لربه، فأذاً المعرفة التی هی کمال کبیر واصل وجوده الذی هو علیه رحمة وهو فیض الهی وجودی هذا هو یتحقق فی الحقیقة فی نفس حال العذاب، اذاً هذا کمال، عذاب باطنه الرحمة.

المحاور: التمتع بنعیم الجنة أو العیاذ بالله - التعذب بالنار، هل یکون للروح فقط أم للجسد؟.

الشیخ السند: عندما یعبر بعذاب الروح وعذاب الجسد المراد أن العذاب من العوارض والفوادح التی تطرأ علی البدن وعلی الروح، ولکن المدرک للعذاب ومرکز الإدراک هو الروح، ولذلک عندما یقال عذاب روحی ولیس عذاب البدن تارة یراد من ذلک أن البدن لا یدرک العذاب وإنما الروح هی التی تدرک العذاب الذی یحل بالبدن،

ص:172

والآلام والفوادح التی تحل بالبدن، فهذا صحیح أن مرکز الإدراک هو الروح، وأخری یراد انه عذاب روحی ولیس ببدنی وکأنه لا یجری شیء علی البدن ولا یتوسط البدن، وتعیش الروح فی حالة احتباس معنوی فهذا حصر للعذاب بالعذاب الروحی وهذا غیر صحیح.

المحاور: بالنسبة للتمتع بالجنة کذلک؟.

الشیخ السند: کذلک بالنسبة للتمتع بالجنة هناک تمتعین، تمتع بتوسط البدن وتمتع مباشر للروح.

المحاور: وإذا اعترض معترض وقال أن کل الموجودات لها مرتبة من الشعور والبدن هو من هذه الموجودات، یعنی الجانب المادی أو الجسدی من الإنسان، هل أن هذه المرتبة الشعوریة لها ما یناسبها من التمتع والعذاب للبدن؟.

الشیخ السند: وجود الشعور فی المادة الجسمانیة محل اختلاف عند الحکماء والفلاسفة حتی أن ملا صدرا مذهبه فی کتبه متذبذب علی کلا القولین فلو بنی علی تصویر الشعور فی المادة الجسمانیة أو شبه ذلک فبالتالی التصویر الموجود یرجع إلی أن هذا البدن ولکل بدن ولکل مادة جانب تجردی هو یدرک به فیرجع إلی الروح.

المحاور: إذا کان من جزاء المؤمن فی الجنة الحور العین فما هو حال المؤمنة؟ هل لها جزاء مماثل أم توجد فروقات فی أنواع المتع فی الجنة

ص:173

بسبب نوع الجنس؟.

الشیخ السند: الوارد لدینا فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) هو أن المؤمن یعطی هناک أربع نسوة من المؤمنات ویکون من نصیب المؤمنة المؤمن فلکل مؤمن أربع نسوة حتی أن الرسول(صلی الله علیه و آله) زوجاته الأربع فی الجنة کما ورد فی روایات أهل البیت خدیجة بنت خویلد ومریم بنت عمران وآسیة بنت مزاحم وکلثم أخت النبی موسی. إلا علی بن أبی طالب بأعتبار انه یکفی بفاطمة الزهراء سلام الله علیها. وقد روی عنهم أن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال:

«إن الله زوجنی فی الجنة مریم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسی»(1).

لمحاور: ولکن الاعتراض أیضاً یرد بإعتبار إن التعدد هو من خصوصیات عالم الدنیا لضرورات اقتضتها نشأة الدنیا، هذا التعدد ما هو حکمته فی الآخرة؟.

الشیخ السند: هناک نوع من التوازن لان هذا البعد هو بعد جسمانی ولیس بعد روحی معرفی، وإلا فی البعد الروحی والمعرفی هناک استواء بین الرجل والمرأة.

المحاور: هذه نقطة مهمة لو تزیدوها توضیحاً؟.

الشیخ السند: یعنی فی الجانب الروحی والمعنوی هناک موازاة

ص:174


1- (1) الفیض القدیر فی شرح الجامع الصغیر، ج30 :2.

یعنی حسب رقی الروح ومرتبتها الکمالیة تکون لها متع متناسبة معها سواء کانت الروح ذکر أم أنثی، لکن هذا الأمر یرتبط بالجانب البدنی وبعد جسمانی محض لیس یکترث به کثیراً، کثیر خطب مما یثیر صخبه. الفکر الغربی بسبب رسوخه فی الجانب المادی الشهوی البدنی والذی یجعل من ذلک اکبر دعامة یقاس بها الشرف ویقاس بها مقام الإنسان، والحال أن مقام الإنسان فی علمه وعقله وشرفه وشخصیة الإنسان فی الدرجات العلیا من الروح لا بالدرجات النازلة فی ذات الإنسان، الدرجات النازلة فی ذات الإنسان لا یفترض بها أن تکون میزاناً أساسیاً فی قیمته وتقویمه، کأن نقول أن الإنسان کم مرة یقضی وطره فی جانب البطن، هذه لیست قیمة الإنسان بأعالی درجاته لا بأسافله، کما ورد فی الحدیث النبوی عند الفریقین: «إنما قیمة المرء بعقله ومنطقه وقلبه لا بکبکبه وذبذبه» یعنی الفرج والبطن. ولا یقاس المساواة والموازنة بین الجنسین بالجانب السفلی فی الأنثی والذکر وإنما بالجانب العقلی.

المحاور: المقصود التکامل الروحی؟.

الشیخ السند: ومن ثم لاینظر للمرأة فی دین الإسلام ولا سیما فی مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) وشخصیتها من جانب بدنها أوالبیئة التی تفسح لجسد المرأة أن تخوضه أولا، إن کانت تخوض هذا المجال أو ذاک المجال، إنما المجال هو فی جانب الشخصیة والعلم والعقل

ص:175

والمعنویة وهذه الأبواب علی السواء مفتوحة لکل من الصنفین.

المحاور: السؤال عن مضمون الآیات الکریمة التی تصف أن النار محیطة بالکافرین، هل أن هذا الأمر یکون فی عالم الدنیا ایضاً أم یختص بالعوالم ، وما معنی إحاطتهم إذا کانت إحاطة فی الدنیا ایضاً هل أنهم یتعذبون بالنار فعلاً بالحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة مصب السؤال یمکن أن یصاغ بهذه الطریقة، إحاطة نار جهنم الأخرویة بالکافرین أو بالعصاة هل هی متزامنة وهم فی نشأة دار الدنیا أم لا وإلا فنار جهنم لیس لها هنا بروز وظهور کامل، نعم بنحو متزامن یمکن أن یکون صحیحاً وعلی أی تقدیر یجب أن نلتفت إلی أن الإنسان بطبیعته موجود فی نشأت متعددة بنحو متزامن، نحن الآن فی تواجدنا فی دار الدنیا لنا نوع من التواجد والعیش فی البرزخ والآن وکما لنا تواجد عیش وحیاة فی الدنیا وفی البرزخ لنا ایضاً تواجد وعیش ومعیشة فی الدار الآخرة، طبعاً لا نلتفت إلی تلک الطبقات من وجودنا ووجود ذاتنا وطبقات الروح المتعلقة بتلک العوالم، لا نستشعرها بشکل تفصیلی وبشکل واعی ولکن بشکل إجمالی، وربما بشکل یعبر عنه فی التعبیر الحدیث بالشعور فی اللاوعی اذاً الإنسان هو موجود ومبنی وجوده ذوطبقات ففی حین جزء منه وطبقة منه تعیش وتتواجد فی دار الدنیا جزء من أرواحنا وذواتنا متعلقة بالبرزخ وثالث منا متعلق ایضاً بطبقة أخری بالآخرة

ص:176

فبالتالی اذاً تعلقنا بأغصان شجرة الطوبی فی الجنة أو - لا سامح الله - بأغصان شجرة الزقوم وهی نار جهنم تتحقق هذه الارتباطات وهذه العلائم بین أرواحنا وذواتنا، فی هذا الآن الذی نعیشه فی الدنیا ولکن بلحاظ تلک الطبقة الوجودیة من وجودنا المتعلق بتلک النشأة والمعیشة وذلک العالم، فبالتالی محیطة الآن ولکن بطبقة وجودنا الذی یتعایش مع ذلک العالم.

المحاور: بأعتبار أن الفکرة دقیقة بعض الشیء اذاً من خلال مثال تمثیلی یعنی کحال الذی مثلاً لا یشعر بالبرد رغم أن البرد یصیبه لحالة معینة أو غفلة معینة لشرود الذهن مثلاً وهو لا یشعر ولا شک أن البرد یؤثر فیه ولکن نتیجة لشرود ذهنه إلی مکان آخر هو لا یشعر بالبرد؟.

الشیخ السند: نعم هذا المثال ذکروه وذکر من اجل أن الإنسان شرد ذهنه وتمرکزت حواسه إلی جانب معین یفقد الشعور والحواس بجانب آخر، کما فی شدة الفرح أو فی شدة الحزن فی هذه الحالات تستقطب حواس الإنسان وتمرکزها فی جانب معین وینقطع إحساس الإنسان ببدنه فی جوانب أخری.

المحاور: یعنی بأعتبار أن الحیاة الدنیا هی بطبیعتها شادة تشد الإنسان ومظاهر الدنیا ومظاهر لذائذها هل یمکن الاستفادة من هذا المعنی؟.

ص:177

الشیخ السند: نعم هذا مثال تقریبی للحواس، أما لو أردنا أن نمثل مثالاً أعمق لکیفیة تواجد الإنسان لنشآت معاً، ولنأخذ مثال النائم، النائم یری عوالم وشؤون فی رؤیاه عظیمة ومهولة ثم لما یستیقظ یسائله من حوالیه، أین کنت، وماذا رأیت، وماذا انتابک، وماذا طرأ علیک، هو یحس انه کان فی عوالم وعالم ونشأة کبیرة جداً وربما رأی من الحقائق ما تتحقق مستقبلیاً وهم لا یعرفون انه نفذ إلی عالم آخر ورجع إلی بدنه، هذا التلاحم والتواصل بین العوالم فی أنبوبة وجود الإنسان فی طبقة ونافذة وبوابة ودهلیز، وهذه البئر العمیقة من روح وذات الإنسان تمثل وتجسد علائق ونشآت متعددة، غایة الأمر لا یرکز ولا ینشد إلیها لانشداده وانشغاله لهذه النشأة وإلا فهی موجودة أما بالنسبة إلی آثار إحاطة جهنم أو إحاطة الجنة....

فقد ذکرت جملة من الآثار فی الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة من العلقة التی تتسبب لها الذنوب والأعمال السیئة، وبالتالی الارتباط والاتصال والوصال بشجرة الزقوم، منها سلب البصیرة الفطریة التی هی من أثمن الودائع التی خلقها الله وأودعها فی فطرة الإنسان ومنها ازدیاد قوة الغرائز المهیجة الضاغطة علی قوة العاقلة وقوی حکمة الإنسان وبالتالی تکون تلک القوی أمیرة وقوی الخیر للإنسان أسیرة، ومن تلک الأمور ایضاً التی ذکرت فی الآیة الکریمة إذا استتمت إحاطة الذنوب استتمت إحاطة النار، بقلب الإنسان وذات الإنسان

ص:178

وبالتالی یستوجب النقمة والطرد من الرحمة وبالتالی ثُمَّ کانَ عاقِبَةَ الَّذِینَ أَساؤُا السُّوای أَنْ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللّهِ (1). یصل إلی مراتب أسوأ أکثر فأکثر ویستوجب نزول کثیر من النقمات الإلهیة تتبع بعضها البعض ویتمادی به الأمر إلی الطامات والکبائر.

المحاور: هناک أکثر من آیة تتحدث عن ربط الخلود فی النار والجنة بما دامت السموات والأرض إلا ما شاء الله والسؤال عن هذا الاستثناء هل یفهم منه انه یعفو الله عن الکافر فیخرجه وینهی حالة الخلود. ثم ما معنی هذا الاستثناء بالنسبة للمؤمن؟.

الشیخ السند: ربط نشأة الجنة ونشأة النار بدوام السموات بأعتبار انه ورد فی جملة من الروایات عند الفریقین أن الجنة لها تکوین فی عالم السموات وکل سماء برحاب مادونها تسع مادونها وزیادة بلا حدود وبلا مقایسة، کما ورد أن السماء الأولی بجنب سعة السماء الثانیة کحلقة حدیدیة صغیرة ملقاة فی صحراء مفازه لا یدرک منتهی افقها الإشارة إلی أن هناک تضاعف فی المساحة والحجم والمقدار، وهذا التفاوت فی نسبة المقدار والحجم فی الحلقة والصحراء المترامیة الآفاق بین کل سماء وأخری وربما یعبر بعض أصحاب المعرفة أن المراد من کل سماء وسماء أخری فی حین العلو، العلو هو یعنی النشأة والنشاءات تعتبر تلک

ص:179


1- (1) سورة الروم: الآیة 10.

النشأة ألطف وأوسع واشد قوه وطاقة، وکثیر ما یعبر عنها علماء الروح الجدد المحدثین بأن هناک نوع من العوالم الأثیریة الألطف والألطف والأشد قوة والأشد مساحة والأشد سعة، اذاً هذه عوالم سبعة السموات السبع والارضین السبع فی حین نسبتها لبعضها البعض هائلة جداً غیر میسرة للقیاس إلا أن هناک نسبة معینة قد تکون تعلقیة جغرافیة فیما بینها ایضاً ولکن هی عوالم سبعة متلطفة فی بعضها البعض أو قل فی أعماق الوجود لکل منها فی البعض الأخر.

المحاور: هل بعضها یکون باطناً للبعض الآخر فی حالة الظاهر والباطن؟.

الشیخ السند: إذا أردنا أن نخفف کلمة الباطن فی اللغة العصریة نقول أثیری نافذ فی الموجود الأغلظ ونفوذه ذوسعة ومساحة ولایمکن عدها فی الحسبان المقایس بالوجود الغلیظ الأصغر اذاً السموات السبع ایضاً هی عوالم أثیریة ألطف فألطف داخله فی بعضها البعض تزداد سعة، والآن الأبحاث الفیزیاویة الناعمة الظریفة فی الأجسام الناعمة الظریفة یمکن أن تصغر مئات المرات، أو أن تبرز أن المواد مختلفة والطاقات مختلفة وأحکامها الفیزیائیة مختلفة عن بعضها البعض، فیشاهد من دلالة الآیات أن الجنة کائن فی السموات فوق السماء السابعة أو برحاب فیها مع اختلاف جنات عن جنة الفردوس والجنان مختلفة طبقات وعوالم، اذاً فهی مرتبطة بنشأة السموات من

ص:180

هذه الجهة، کما أن فی جملة من الروایات أن نشأة جهنم مرتبطة بالسموات والارضین الدونیة بأعتبارها عوالم النزول وان کان نشأة جهنم ایضاً من حیث الطاقة واشتدادها اشد من المراتب للکائن الأرضی بفارق هائل، کما ورد انه قدرة النار فی البرزخ لا یتحملها دار نشأة الأرض فکیف بنار الآخرة فالربط بین الجنة والنار ونشأة السموات والأرض هذا ربط واضح بأعتبار البیئة والارتباط البیئی، أما الاستثناء فی إلا (ما شاء الله) فالحقیقة أن کل تقدیر وقضاء قد جف القلم بتقدیره وإمضاءه هذا لا یعنی سلب قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ هذا هو فلسفة البداء عند أهل البیت(علیهم السلام) انه لا یحکم علی الله شیء، ففی حین هو قضی وقدر ودبر وابرم إلا أن ذلک لا یعنی سلب قدرة الله فیما قد قضاه ودبره لأنه هو قادر فیما یقدره بأقدر مما تکون فی القدر والقضاء بالتالی لم تزل الإرادة الإلهیة فوق کل شأن، وکل قضاء ابرم وقدر حتم فهنا تأتی اذاً المشیئة، المشیئة فی الحقیقة عالم من عوالم الخلقة الإلهیة تحیط بإبرام القضاء وحتم القدر وما شابه ذلک، من ثم المشیئة تحیط بکل شیء إلا ما شاء الله للشیء والأشیاء غیر الکائنة أیضاً ولذلک ترتیب العوالم هی شاء وعلم وقضی وأراد وقدر تأتی عوالم القضاء والقدر والتقدیر فیما بعد هیمنة عالم المشیئة، عالم المشیئة الإلهیة عالم مهیمن محیط بالعوالم الأخری وبالتالی هو یمثل مدی القدرة الإلهیة والمشیئة الإلهیة التی تحیط بکل شیء وهی قاهرة لکل شیء.

ص:181

ص:182

معراج النبی صلی الله علیه وآله وسلم

المحاور: السؤال عن حدیث المعراج معراج النبی الأکرم(صلی الله علیه و آله) ومن انه رأی طبقات من المنعمین ومن المعذبین فی الجنة والنار، فمن هؤلاء، وکیف رآهم، وهل کانوا صور حقیقیة، وهل أنها أمور رمزیة تشیر إلی مستقبل الإنسان عندما یصل إلی الجنة وکیف یکون ذلک معذبون أو منعمون؟.

الشیخ السند: المعراج کما ورد بذلک بنص القرآن الکریم فی سورة النجم وسورة الإسراء، وورد فی روایات الفریقین ایضاً أن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) عرج بجسده وروحه إلی دار الآخرة، ودخل الجنة وشاهد کثیر من مشاهد الآخرة وفی مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) أن الجنة والنار الأخرویة هما فی الآن الراهن مخلوقتان.

المحاور: الأخرویة مقابل أی شیء؟.

الشیخ السند: مقابل النشأة البرزخیة ومقابل نشأة دار الدنیا.

المحاور: الجنة والنار التی یکون فیهما خلود للمؤمنین وللکافرین

ص:183

کلتاهما مخلوقتان؟.

الشیخ السند: دار الآخرة لیس عالم سیخلق وان کان انتقال أهل الدنیا إلی دار الآخرة یحتاج إلی قیام القیامة علیهم، وأما نفس دار الآخرة فلیس موجود حادث فی الآتی، ومن ثم ورد فی خطبة الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) فی شهر شعبان(1) وغیره أن أهل الحسنات والطاعات الآن یتعلقون بشجرة طوبی وان أهل المعاصی والسیئات الآن یتعلقون بشجرة الزقوم.

المحاور: وان أبواب الجنان مفتحة... وأبواب النیران مغلقة.(2).

الشیخ السند: نعم هذا بالنسبة إلی أوصاف شهر رمضان، وأیضا ورد حول ذلک فی المنافق انه مات عن عمر یناهز الثمانین عاماً أو السبعین فلما مات سمع النبی هدّة وهی سقوطه فی قعر جهنم وأمثال هذه الروایات کثیرة جداً نقرأ، نظیر ذلک الأنصاری الشاب الذی فتح الله بصیرة قلبه فرأی أهل الجنة یتنعمون وأهل النار یعذبون وان منهم أراد أن یکشف من صحابة النبی عن أهل الجنة وأهل النار ونص الروایة عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: أستقبل رسول الله(صلی الله علیه و آله) حارثة بن مالک بن النعمان فقال له: کیف أنت یا حارثة؟ فقال: یارسول الله أصبحت مؤمناً حقاً، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله) یاحارثة لکل شی حقیقة، فما حقیقة

ص:184


1- (1) مفاتیح الجنان:161. دار التعارف، 1414 ه- - 1995 م.
2- (2) المصدر السابق: 174.

قولک؟ قال: یارسول الله عزفت نفسی عن الدنیا، وأسهرت لیلی، وأظمأت هو أجری، وکأنی أنظر إلی عرش ربی وقد وضع للحساب، وکأنی أنظر إلی أهل الجنة یتزاورون فی الجنة، وکأنی أسمع عواء أهل النار فی النار، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): عبد نور الله قلبه للإیمان فأثبت، فقال: یارسول الله أدعوا الله لی أن یرزقنی الشهادة، فقال: اللهم أرزق حارث الشهادة، فلم یلبث إلا أیاماً حتی بعث رسول الله سریة فبعثه فیها، فقاتل فقتل سبعة أو ثمانیة ثم قتل(1).

المحاور: علامة المتقین...

الشیخ السند: اذاً روایات عدیدة موجودة فی حدیث الفریقین کلها دالة ومدللة علی أن الجنة والنار الآن الراهن مخلوقتان، وان الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) عرج به إلی دار الآخرة بل إلی ما فوق الجنة والنار وما شاهد من آیات ربه الکبری.

المحاور: السؤال الآخر هو أن القیامة الکبری لم تقم بعد فمن الذین رآهم وأی صور رآهم فیها؟.

الشیخ السند: طبعاً لانحسب أن أهل الجنة وأهل النار هم الطبیعة البشریة فی الدورة التی نحن فیها فقط، بل هناک قبل خلقة آدم أبو البشر وبنیه کانت خلقة مخلوقات سابقة وقد یعبر عنها فی روایات أهل

ص:185


1- (1) المحاسن للبرقی ج165 :1 باب الیقین والصبر فی الدین، تفسیر الرازی ج123 :1.

البیت بأن قبل أدمکم ألف ألف آدم، فعن أبی حمزة الثمالی قال: سمعت علی أبن الحسین(علیه السلام) یقول: «إن الله خلق محمداً وعلیاً والطیبین من نور عظمته، وأقامهم أشباً قبل المخلوقات ثم قال: أتظن أن الله لم یخلق خلقاً سواکم؟ بلی والله لقد خلق الله ألف ألف آدم وألف آلف عالم، وأنت والله فی آخر تلک العوالم »(1). فأهل الجنة وأهل النار دورات خلقیة کانت لله عَزَّ وَجَلَّ من قبل. ثم إن ما ذکر فی روایات المعراج من أن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) شاهد من أمته أو من الأمم السابقة فهذا یبین کیفیة تجسیم الأعمال.

المحاور: یعنی یکون الإنسان وهو علی الحیاة الدنیا معذب بالنار؟.

الشیخ السند: ولکن لا یشعر بالعذاب نظیر الإنسان الذی لو أصیب بجرح وکسر ولکنه فی خضم حرارة حدیث أو حرب محتدمة فلا یشعر بالجروح وأذی الجروح، وبعد أن یعود إلی حواسه والی ترکیز التفاته یبدأ یشعر بالألم والجرح وشدته فهذا مایحدث إلی طبقات الذات الوجودیة للإنسان المرتبطة بنشآت عوالم أخری إلا أن الإنسان منشد ترکیزه علی بدنه الدنیاوی فقط.

المحاور: یعنی یخرج من حالة الغفلة وسکرة الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: کما تشیر إلی ذلک الآیة الکریمة: فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ

ص:186


1- (1) البحار ج25 :25.

فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ (1)، فیدل علی أن الأمور کانت من قبل لکن الإنسان لا یشعر بها، وبالتالی کما مر بنا أن الإنسان وجوده ذو طبقات وجودیة کما أن بدنه الدنیوی الآن ونشأته الدنیویة إلا أن طبقات ذاته من روحه وقلبه هی متعلقة بنشآت متجانسة متناسبة فی اللطافة والرقة مع تلک الوجودات، وبالتالی له تعلق بتلک العوالم وله مباشرة وله ملابسة بنحو من الأنحاء وله تدبیر.

ص:187


1- (1) سورة ق: الآیة 23.

ص:188

المرور علی الصراط

المحاور: ماهی قضیة المرور علی الصراط یوم القیامة. وما هی حکمة المرور علی الصراط یوم القیامة، وهل أن الإنسان مرهون بعمله الذی عمله فی الحیاة الدنیا، فما حکمة التعرض لاحتمال السقوط هنا أو هناک یوم القیامة إذا سار علی الصراط بصورة غیر صحیحة؟.

الشیخ السند: أن الصراط فی الحقیقة هو تجسم وتمثل لنهج اعتقادات وأعمال الإنسان وان الإنسان فی کل عمل یزاوله یخطو لیس خطوة للموت فقط فی الواقع بل یخطو إما لسبیل الجنة أو النار: إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَ إِمّا کَفُوراً (1)وَ هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ (2) فالنجد اذاً « آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطریق »(3)، ونصوص فی القرآن وفی سنة الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) وأهل بیته الکثیرة الدالة علی أن الإنسان لیس

ص:189


1- (1) سورة الإنسان: الآیة 3.
2- (2) سورة البلد: الآیة 10.
3- (3) تاریخ دمشق لأبن عساکر، ج 401 :24.

فی حالة حیاته فی دار الدنیا یعیش ضمن مسار وحرکة بدنیة، بل هو فی الواقع فی ضمن مسار وحرکة روحیة وأجسام أخری من عوالم أخری یدیرها ویدبرها الإنسان وهو فی حالة طی منازل فی تلک العوالم وان لم یشعر بهذا لکنه فی حالة طی المسافات من تلک العوالم وبعد الممات أو عند قیام القیامة الکبری یشاهد حینئذ ما قد طواه ویشاهد مشاهدات أخری لنهج أعتقاداته فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ هی کلها تجسمات وتمثلات لما قد طواه فمن ثم کل عمل صالح وکل عقیدة صالحة یوجب رفعة تلک الدرجات وذلک العمل، والإیمان یسبب اختلاف لأفراد البشر فی کیفیة طیهم لذلک الصراط. فقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال:

«الناس یمرون علی الصراط طبقات والصراط أدق من الشعر ومن حد السیف، فمنهم من یمر مثل البرق، ومنهم من یمر مثل عدو الفرس، ومنهم من یمر حبواً، ومنهم من یمر مشیاً، ومنهم من یمر متعلقاً قد تأخذ النار منه شیئاً وتترک شیئاً»(1)هذه کلها فی الواقع ترسم خط بیانی متجسم بما قد أنجزه الإنسان وطواه فیتمثل له حینئذ، والصراط هو الجسر الرابط بین النشآت السابقة من دار الدنیا والبرزخ والآخرة وینشأ ویرتبط من متن روح الإنسان وذاته وجسده جسر وجودی رابط بین ذات الإنسان والعوالم ولامحال، ومن الضروری واقعیته وحقیقته وکونیته ولابد أن یشاهده الإنسان،

ص:190


1- (1) البحار ج64 :8.

ولاطفرة فی انتقال الإنسان من عالم الدنیا إلی عالم البرزخ، ومن عالم البرزخ إلی عالم الآخرة، إذ لاطفرة فی معادلات الوجود وسنن الله عَزَّ وَجَلَّ وهی مدارج وأسباب ومسببات، والصراط اذاً ضرورة واقعیة وحکمیة وفلسفیة ودالة علی وجود الارتباط الوجودی بین ذات الإنسان وما یکتسبه من أعماله وعقائده ومعارفه، تربطه وتطوی به المنازل فی تلک النشآت.

المحاور: یعنی هنالک ارتباط بین السیر علی الصراط وعمل الإنسان فی هذه الدنیا إذا کان عمله جیداً یمشی بسرعة ولا یقع فی شفیر النار نتیجة لعمله هذا صحیح؟.

الشیخ السند: نعم الصراط یمثلونه بنفس المسافة فی تعبیر ملا صدرا فی تفسیره العقلی، المسافة التی یطویها الإنسان فی حرکته الذاتیة التکاملیة، هذه المسافة هی نفسها الصراط، لتکامل الإنسان فی ذاته إما لنجد الخیر أو لنجد الشر والعیاذ بالله، فالصراط عبارة عن مسافة فهل یمکن أن یتصور الإنسان انه یتکامل من دون مسافة تطویها النفس فی حرکة التکامل وفی هذه الأبعاد.

المحاور: إذن یمکن أن نقول أن المشی علی الصراط هو قراءة من الله للإنسان لما عمله ولما سار به؟.

الشیخ السند: لطیه منازل خیر ومنازل شر ولنسبة السرعة فی طیه وفی القوة والضعف وهلم جراً.

ص:191

ص:192

الحوض والصحابة

المحاور: هناک سؤال بشأن الحدیث الذی روی عن طریق الفریقین علی ما یبدو، وهو حدیث الحوض،

«عن أنس بن مالک أن النبی قال: لیردن علی الحوض رجال ممن صاحبنی حتی رأیتهم ورفعوا ألی أختلجوا دونی فلأقولن أی رب أصحابی أصحابی، فلیقالن لی إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک»(1)، والسؤال کیف تنسجم (إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک) مع کونه(علیه السلام) شاهداً علی أعمال الأمة حتی بعد وفاته ولا یختصر الأمر بحضوره، هذه عقیدتنا فیه خاصة انه الشهید علی الشهداء من الأولین والآخرین یعنی الشهداء علی أعمال الأمة فکیف یحل هذا التعارض الظاهری؟.

الشیخ السند: أضیف إلی هذا التساؤل أن المنشأ الآخر للتساؤل هو أن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) کان قد أخبر عما یجری بعده فی أحادیث الفریقین، هذا الحدیث نفسه إخبار من النبی قبل وفاته فأذن هُوَ(صلی الله علیه و آله) یخبر عما هو آت.

المحاور: یعنی هذا الإخبار یمکن أن یکون عامل لحمل هذه

ص:193


1- (1) صحیح مسلم ج7:70، باب إثبات حوض نبینا(صلی الله علیه و آله) وصفاته.

العبارة لغیر المعنی الظاهر، یعنی عبارة ماذا أحدثوا بعدک.

الشیخ السند: نعم اقصد أن هذا الحدیث النبوی الذی یطلعنا وینبئنا ویعلمنا بمشهد عظیم من یوم القیامة من الذی اخبرنا به، هو الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله)(صلی الله علیه و آله) قبل وفاته، فکان یعلم بما یجری حتی انه قد روی مسلم فی کتاب الفتن أن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) بمشهد من المسلمین قد ذکر لهم معظم الفتن الخطیرة إلی یوم القیامة، وحفظها حذیفة، فإذن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) عالم بذلک قبل الوقوع فکیف مع الوقوع، وکیف بعد الوقوع، اذاً هذا التساؤل من النبی تساؤل التقریر أو سحب التقریر من الطرف الآخر للاستنکار والتعجب، ولیکن نوع من المداواة لهم انه کیف انتم مع هذه الصحبة للنبی(صلی الله علیه و آله) وهذا الجهد الذی قدمه سید الأنبیاء لکم من التربیة ومن التعلیم، ومع ذلک خالفتم أمره وأحدثتم ما أحدثتم فی الدین وما شابه ذلک.

المحاور: عفواً، الآن جاء فی ذهنی الخطاب القرآنی لعیسی فی سورة المائدة، هل یمکن أن یکون هذا من هذا النمط؟.

الشیخ السند: نعم أنا کنت فی صدد ذکره ایضاً أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِی وَ أُمِّی إِلهَیْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ (1) علی أیة حال هذا سؤال العارف من باب الاستنکار أو ماشابه ذلک من الدواعی الأخری وهناک موارد أخری موجودة.

ص:194


1- (1) سورة المائدة: الآیة 116.

الرجعة

المحاور: کیف نفسر عقیدتنا، عقیدة مدرسة أهل البیت(علیهم السلام) فی الرجعة، والرجعة تکون عودة من البرزخ إلی عالم الدنیا مع أن المنطق القرآنی یصرح برفض قول القائل: لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ (1) أی من البرزخ إلی الدنیا فکیف نجمع بین هذه العقیدة - عقیدة الرجعة - وإحیاء الأموات فی هذا العالم وبین هذه الآیة الکریمة؟.

الشیخ السند: فی الحقیقة هذه الآیة: کَلاّ إِنَّها کَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها (2) لیست خاصة بالبرزخ، بل هی واردة فی من یعذب یوم القیامة لأنه لا یرجع إلی دار الدنیا کی یصلح ما کان قد فسد منه، لأنه لما قال تعالی: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (3) فالحکمة اقتضت إذن أن یلاقی جزاءه إلی

ص:195


1- (1) سورة المؤمنون: الآیة 99- 100.
2- (2) سورة المؤمنون: الآیة 100.
3- (3) سورة الأنعام: الآیة 28.

أن یتطهر أن کان له قابلیة التطهیر، وإلا والعیاذ بالله یخلد فی دار جهنم. معانی هذه الآیة مخصوصة بمن یدخلون النار، نار الآخرة فی دار الآخرة ولیست لها أی ارتباط بعالم البرزخ.

المحاور: یعنی هی فی مورد الحساب کأنه ما بعد البرزخ؟.

الشیخ السند: نعم، ما بعد البرزخ لما یلاقی العذاب والأهوال فیتندم عما صدر منه، مع أن...

المحاور: مع أن فی البرزخ ایضاً هناک عذاب، البرزخ حفرة من حفر النیران أو هو روضة من ریاض الجنة؟.

الشیخ السند: لا ننفی ذلک ولکن سیاق الآیة ظاهر فی الدار الآخرة، ولو فرض سیاق الآیة فی أهل البرزخ فلا تنافی ایضاً، لان ما ورد فی الآیات والروایات من أن فی دار الرجعة تکاملاً ولکن لیس الاختیار یبقی کما هو علیه فی دار الرجعة.

المحاور: یعنی له أحکام خاصة بعالم الدنیا؟.

الشیخ السند: کما یظهر من الآیات والروایات أن دار الرجعة حیث تکون هی فی منتهی مطاف نشأة دار الدنیا تتسم حینئذ ببعض الأحکام البرزخیة وبعض الأحکام الدنیویة...

المحاور: یعنی عالم بین بین...؟

ص:196

الشیخ السند: یعنی هی من نشأة دار الدنیا ولکن تکاد تکون مشرفة علی الآخرة ومشرفة علی دار البرزخ ومن ثم ورد فی زیارة آل یاسین زیارة الحجة(عج) تأویل هذه الآیة انه ترفع التوبة وما شابه ذلک لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (1). مما یدلل علی أن کثیراً من الآیات یقرأها المسلمون ویظنون انها مرتبطة بدار الآخرة بینما هی مرتبطة بعالم الرجعة التی هی من مشارف منتهی دار الدنیا. وعلی أی تقدیر لو کان بین هذه الآیة تصادم وآیات الرجعة لکان هناک تصادم بین جملة من الآیات التی دلت علی أن هناک من ماتوا وارجعوا إلی دار الدنیا کعزرا أَوْ کَالَّذِی مَرَّ عَلی قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلی عُرُوشِها قالَ أَنّی یُحْیِی هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (2) وکذلک: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ (3). وموارد عدیدة أخری مما یدلل علی انه لیس هناک تنافی بین مضمون الآیة وحکم الرجعة، لو افترض أن هذه الآیة واردة فی حال البرزخ، لان فی الرجعة یتکامل أهل الإیمان فی إیمانهم ویتکامل الأشرار - والعیاذ بالله - فی جحودهم وعنادهم.

المحاور: هذا الذی تفضلتم به هل یمکن أن یستفاد من حدیث

ص:197


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 158.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 259.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 243.

الإمام الصادق(علیه السلام) أیام الله ثلاث یوم ظهور قائمنا ویوم الرجعة ویوم القیامة یعنی کأن هنالک یوم الرجعة یتمایز بأحکامه عن یوم ظهور الصاحب(عج) وکذلک یوم القیامة؟.

الشیخ السند: نعم فیما ورد من روایات الفریقین حول أحکام دار الدنیا فی ظل دولة ظهور الإمام المهدی(عج)، یدلل علی انه أحکام الطبیعة فی الدنیا تأخذ أبعاد لم تعهدها البشریة من قبل. مثلاً أنهم یزرعون صباحاً ویحصدون عصراً وإنهم یسافرون فی الکواکب وطبقات الجو وما شابه ذلک ما یدل علی أن تطور ومدنیة البشریة تأخذ أحکاما لم تکن تعهدها من قبل، ومن ثم عرف وتشیر إلیه روایات أهل البیت(علیهم السلام) أن القیامة الصغری بظهور المهدی(عج) والرجعة القیامة الوسطی والآخرة هی القیامة الکبری ومن ثم کان التقیید للقیامة والتعبیر بالقیامة الکبری فی تعبیر کثیر من علماء المسلمین له منشأ روائی توصف بالقیامة الکبری، وورد ایضاً فی الروایات من الفریقین انه: «إذا مات ابن آدم قامت قیامته» مما یدلل أن الموت لیس قیامة کبری، لکنه نوع من القیامة الأخری فمن ثم کثیر من آیات القیامة یحسبها المفسرون الذین لا یروون ولا ینتهلون من علوم أهل البیت(علیهم السلام) یحسبون أن تلک الآیات فی القیامة واردة فی القیامة الکبری وقد تکون واردة فی القیامة الصغری وهی ظهور الحجة والقیامة الوسطی وهی الرجعة غیر القیامة الکبری والتی هی دار الآخرة.

ص:198

المحاور: هل الرجعة ثابتة؟.

الشیخ السند: أن عقیدة الرجعة عقیدة فی مدرسة أهل البیت أصیلة متأصلة من الآیات القرآنیة الکریمة ومن الروایات المتواترة عن أهل بیت العصمة(علیهم السلام)، حتی أن المرحوم العلامة المجلسی صاحب البحار وصف العقیدة والاعتقاد بالرجعة فی مدرسة أهل البیت بأنها ضرورة فی هذه المدرسة وفی مذهب أهل البیت، والحر العاملی عنده کتاب فی الرجعة جمع فیه من روایات الرجعة مایصل إلی ستمائة ونیف، وقد ألف الکثیر من علماء الإمامیة فی هذا الباب وربما هذا فرید من نوعه فی الأمور العقائدیة أن تجتمع الروایات بمثل هذا العدد المتکاثر، ولا نشاهد فی کل زیارة ودعاء وارد مأثور عن أهل البیت(علیهم السلام) إلا وفیه إشارة إلی الرجعة بألفاظ متنوعة ومتعددة وإشارات کثیرة، هذا أمر بات واضحاً بحسب الآیات القرآنیة والروایات الکثیرة الواردة.

المحاور: طیب فما هو المراد من الرجعة؟.

الشیخ السند: لإکمال الجواب عن الشق الأول من السؤال لا بأس بذکر هذا المطلب، وهو أن أربعة من علماءنا المتأخرین من حکماء الامامیة الاثنی عشریة کالعلامة الطباطبائی، والمرحوم الشیخ محمد الشاه آبادی، والحکیم السید أبو الحسن رفیعی، وآخرون بعد من

ص:199

متأخری علماء الامامیة قد ذهبوا إلی أن الأدلة العقلیة متوافرة علی إثبات الرجعة، وقد تنبهوا لها من بیانات الروایات والآیات وکتبوا فی ذلک رسائل قیمة وبینة. وقد أفاض فی ذلک العلامة الطباطبائی فی کتاب المیزان(1) فی بیان ضرورة الرجعة بأدلة عقلیة متینة لطیفة، فلا تقتصر الرجعة علی الأدلة النقلیة بل عقلیة أیضاً ولم یعهد ذلک سابقاً.

المحاور: باعتبار أن الأدلة النقلیة کتب عنها ولکن الأدلة العقلیة لم تذکر حبذا لو تبینوا لنا ملخص الدلیل العقلی، یعنی کیف یستدل عقلیاً علی قضیة غیبیة تعنی الانتقال من عالم إلی آخر؟.

الشیخ السند: فی تأریخ مسألة الرجعة قدیماً ما کان هناک تنبه والتفات إلی وجود الأدلة والبراهین العقلیة علیها، کما هو الحال فی المعاد الجسمانی حیث کان یثبت بالأدلة النقلیة فقط أو العقلیة الممتزجة بالبراهین النقلیة ولکن بعد قرون من سنین التفت الحکیم الملا صدرا (رحمة الله علیه) إلی إشارات فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) وفی الآیات تدلل علی البرهان العقلی علی المعاد الجسمانی، الحال کذلک فی عقیدة الرجعة علی هذا المنوال، فان هناک جملة من الإشارات فی الآیات الکریمة وفی الروایات لیست هی تشیر إلی عقیدة الرجعة فقط بل تبین المعطیات والمقدمات العقلیة ربما تکون خفیة، ولکن إذا تبصر والتفت إلیها یتنبه

ص:200


1- (1) المیزان ج108 :2.

الإنسان بالتالی إلی ضرورة الرجعة، ومن تلک الأدلة التی ساقوها هؤلاء الحکماء من علماء الامامیة، أن الإنسان بالموت لا یصل إلی منتهی کماله الذی طینته البدنیة أو الروحیة قابلة لان تصل إلیه، فکثیراً ما نشاهد مثلاً الموت الاخترامی، وکثیراً ما نشاهد معوقات البیئة معوقات الحالة الاجتماعیة والحالة السیاسیة معوقات الحالة الأسریة، أقدار کثیرة مما تکون معوقة لأحد الأفراد أو لجملة من الأفراد من البشر، ربما تکون مفتوحة فی مساحات واسعة لأفراد أخر فبالتالی کل طبیعة بشریة لیس من الحتمی انها قد وصلت إلی الکمال الممکن المنشود، وبطبیعة التزاوج الجوهری والتکوینی بین الروح والبدن هذه العلقة بین الروح والبدن فی الواقع لا یکاد یقع انفصال تام کما یتخیل لدینا عن حقیقة الموت إنه انفصال العلقة بشکل جذری وبشکل بائن وابدی بین الروح والبدن، فی الآونة الأخیرة تشهد الکثیر من التجارب عند علماء الأثیر فضلاً عما تشیر إلیه الآیات والروایات أن الروح تبقی لها نوع علقة فی البدن ولو بالطینة الأصلیة للبدن.

المحاور: قلتم إن هنالک أدلة نقلیة قرآنیة وروائیة، والروائیة متواترة تربوا علی المئات من الأحادیث وَرَدَتْ فی مضمون قضیة الرجعة إضافة إلی ذلک الدلیل العقلی الذی قدمتم له مقدمة هی أن هنالک حالة من عدم وصول الإنسان المستعد إلی الکمال المقدر له بسبب عوامل خارجیة فی الحیاة الدنیویة الأولی، کیف یستدل بهذه المقدمة

ص:201

علی الرجعة بدلیل عقلی؟.

الشیخ السند: هذه المقدمة من کون النفوس ذات کمال بما لها من وجودات برزخیة أو أخرویة أو ما شابه ذلک لها کمالات ممکنة مقدرة منشودة، وإذا قررنا هذه المقدمة بضمیمة مقدمة ثانیة أخری إلا وهی أن الأرواح والنفوس لیست علقتها مع الأبدان تنقطع بنحو بات مفارق فاصل ابدی بل فی الحقیقة تبقی لها مع البدن والطینة الأصلیة کثیر من العلائق وهناک کثیر من قنوات الارتباط بین الروح والبدن والشواهد علی ذلک أکثر مما أن نستعرضها فی هذا المقام ونستقصیها فی هذه العجالة، سواء النقلیة أو العقلیة حتی بات الآن واضحاً عند علماء الأثیر وعلماء البراسکلوجیة وغیرها من العلوم الغربیة الحدیثة الروحیة، أن هناک ارتباط شدید کثیر یبقی بین الروح وبین البدن بل وبین مثوی البدن، فالرجعة أمر هام یجب أن ننبه علیه، وهناک فارق شاسع بین عقیدة الرجعة وبین عقیدة التناسخ لان عقیدة التناسخ هو ذهاب الروح من بدن بتمامها إلی بدن أخر جدید فی مولود جدید وطفل جدید، سواء من نسل الإنسان أو من المخلوقات الأخری، بینما عقیدة الرجعة تنص علی أن الروح ترجع إلی نفس البدن الذی قد انفصلت عنه جزئیاً أو انفصلت عنه وبات رمیماً ورماداً، اذاً هناک فارق بونی شاسع بین عقیدة الرجعة وعقیدة التناسخ وربما کثیر من لا یحسن أن یقف علی حقائق الأمور سواء من الفرق أو المذاهب

ص:202

الأخری قد اختلط علیها الأمر بین التناسخ وبین عقیدة الرجعة، فان عقیدة الرجعة عقیدة حقانیة وإلا لکان المعاد الجسمانی ایضاً تناسخ والحال أن المعاد الجسمانی بضرورة المسلمین وبداهة المعرفة عند المسلمین لیس تناسخاً، لماذا ؟ لان کل روح تبقی فی بدنها المخصص لها سابقاً، کذلک الحال فی الرجعة لذلک قد ربما یستوحی من بعض روایات أهل البیت(علیهم السلام) أو الآیات الکریمة أن الرجعة قیامة صغری أو قیامة وسطی بخلاف القیامة الکبری ومن ثم تقیید القیامة بالقیامة الکبری یدلل علی أن هناک قیامة وسطی وقیامة صغری وانه نوع من المعاد ولیس المعاد المصطلح الأخروی وهو القیامة الکبری، وإنما هناک نوع من عودة الأرواح إلی أجسادها السابقة الخاصة المختصة المخصصة بها فبالتالی أن هناک فرق مع التناسخ، هذه المقدمة الثانیة تقریرها لابد منه.

المقدمة الثالثة التی یجب أن یلتفت إلیها. أن حکمة الله جرت ببراهین مذکورة فی محلها ومقررة انه لا یخلق الموجودات بنحو لا تصل إلی غایاتها وإلا لکان هذا نقض للحکمة، ونقض للغایة، ونقض لهدف الخلقة، وسنة الخلقة، والحال أن الله عَزَّ وَجَلَّ غالب علی أمره، فإذن لابد أن یصل کل موجود إلی غایته المنشودة له، إذا تمت تلک المقدمات الثلاث یتضح ویبیت واضحاً انه لابد من عودة الأرواح إلی الأجساد حتی فی نشأت دار الدنیا، وهناک نوع من المغایرة لعود

ص:203

الأرواح إلی أجسادها فی دار الدنیا عند عودها إلی أجسادها فی الدار الآخرة ولکن علی أی تقدیر هذا العود لأجل أن تستکمل الروح النشآت وتلک المراحل.

المحاور: یعنی مراتب الکمال ما قدر لها من کمال فإن هذا یکون من لوازم لطف الله تبارک وتعالی؟.

الشیخ السند: نعم وقد ضرب لذلک أمثلة کثیرة: أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ خَرَجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْیاهُمْ ، وکذلک ضرب أمثلة فی سورة البقرة ویقع فی هذه الأمة ما قد وقع فی الأمم السابقة کما یقول رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«یکون فی هذه الأمة مثل ما یکون فی الأمم السابقة، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(1)، وکذلک عزیر حیث: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (2)، فهذه کلها موارد لیست هی من معاد القیامة الکبری ولا من التناسخ وإنما هی من موارد الرجعة ولو الرجعة فی الأمم السابقة وستقع الرجعة فی هذه الأمة.

ص:204


1- (1) الأعتقادات فی دین الإمامیة للصدوق:62.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 259.

امتحان السیدة الزهراء علیها السلام

المحاور: فی زیارة الصدیقة الزهراء(علیها السلام) المنقولة فی کتاب مفاتیح الجنان ضمن زیارات المعصومین(علیهم السلام)، هذه العبارة «السلام علیک یا ممتحنة امتحنک الذی خلقک قبل أن یخلقک فوجدک لما أمتحنک صابرة» (1)، کیف یمکن أن یمتحن الإنسان قبل وجوده؟.

الشیخ السند: الامتحان یتم فی أصعدة متعددة هناک امتحان الهی یتم فی مقام العلم کما یعبر الحکماء، أی أن الامتحان یتم من العالم بنفس المعلومة قبل أن تنوجد المعلومة خارج نطاق العلم، ولذلک مثالاً یتضح به الأمر مثلاً، ربما الزارع یرید أن یزرع بذوراً أو نمطاً من الزرع فی أرضیة صالحة حینئذ یصب هذا الزارع معلوماته حول أنواع وأنماط الزرع ضمن عالم المعلومات الذی یختزنه فی ذهنه فحینئذ یقلب الموازنة یمنة ویسری ویفاضل بین أنواع البذور وأنواع الزرع، وأیها الصالح ومنها الطالح مع أن تلک البذور لم تستحصل فی الخارج وفی عین التربة إلا أن من خلال ما یمتلکه من معلومات وعلم یوازن

ص:205


1- (1) مفاتیح الجنان: 317، زیارة فاطمة الزهراء(علیها السلام).

ویقارن ویمتحن ویقدم ویؤخر فی ضمن موازنة علمیة دقیقة، هذا ما یقال عنه امتحان علمی وهذا یمارسه کل عالم وفی کل نطاق وکل معلومات قبل أن یقدم علی أی فعل، من الضروری من یمتلک علم، العالم یمارس مثل هذا الامتحان وهذه الموازنة ومثل هذا الاصطفاء، هذا قد یقال عنه فی لسان الوحی والروایات یعبر عنه بالاصطفاء فی مقام العلم أو قد یعبر عنه بالانتجاب کما ورد عنه فی خطبة الصدیقة عندما کانت تنعی سید الأنبیاء أبیها صلی الله علیهما حیث قالت: « أختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن أجتباه وأصطفاه قبل أن بعثه »(1). ذلک فالانتجاب الإلهی والاصطفاء الإلهی یصب فی نفس مصب معنی الامتحان، ویتم فی صعید العلم الإلهی اذاً الامتحان یکون فی الصعید العلمی لان الله سبحانه وتعالی عالم بکل المغیبات وبکل المستقبلیات ویرسم نظامه، وسننه، وارداته، وأنواع مشیئته، وقضاءه، وقدره علی ذلک العلم النافذ الغیبی الذی لا یحد ولا ینتهی وبالتالی یتم الامتحان والانتجاب والاصطفاء أولاً فی صعید العلم: «فیا ممتحنة امتحنک الذی خلقک قبل أن یخلقک فوجدک لما امتحنک صابرة» . فضمن هذا العلم علم الله بالمستقبلیات ومغیبات الأمور وتداعیات الذوات المختلفة، کل ذات طبیعتها وتداعیاتها ومقتضیاتها وسیرتها هی حاضرة فی علم الباری بالمستقبل، فوجد الزهراء صابرة لما امتحنه بها.

ص:206


1- (1) الأحتجاج: ج120 :1.

رؤیة آل البیت علیهم السلام یوم القیامة

المحاور: هل نحن نری أهل البیت(علیهم السلام) فی یوم القیامة. وهل یمکن أن یراهم کل البشر أم أن رؤیتهم محجوبة عنا ومختصة بأشخاص معینین؟.

الشیخ السند: الظاهر هناک جملة من الروایات تقول أن رؤیتهم لیست میسرة للجمیع بل غیر میسرة لجمیع أهل الجنة، یعنی من یوفق لدخول الجنة وینجو من النار لیست رؤیته میسرة لهم کلهم بل الرؤیة میسرة لبعض الناجین من أهل الجنة نتیجة خصائص بعض الأعمال الحسنة الصالحة یوفقون لرؤیتهم، لذلک عندنا فی بعض الأعمال من عملها وفق لرؤیة الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) فی عرصات یوم القیامة، وفی بعض الأدعیة الدعاء بأنه اللهم وفقنی لرؤیته والحشر معه والکون معه وما شابه ذلک.

المحاور: فی دعاء الإمام الصادق(علیه السلام) المعروف فی یوم عرفة (اللَّهُمَّ إنی

ص:207

آمنت بمحمد(صلی الله علیه و آله) ولم أره فلا تحرمنی فی القیامة رؤیته) ، یعنی دعاء بطلب الرؤیة؟.

الشیخ السند: ایضاً هناک بعض الأعمال لرؤیة سید الشهداء(علیه السلام) فی بعض الروایات، انه من عمل ذلک العمل وهو نوع من العبادات والطاعات الخاصة وفق لرؤیة وجه الحسین(علیه السلام) فی المحشر، فمما یدلل علی أن رؤیتهم(علیهم السلام) لیست میسرة للکل، وهذا ایضاً مأثور فی أهل البرزخ، الکثیر من المؤمنین الصالحین والعلماء الذین رؤوا فی المنام وهم من أهل الصلاح والتقی وما شابه ذلک، وسئلوا عن رؤیتهم لأهل البیت الکثیر منهم یذکرون بأنهم لم یوفقوا لرؤیتهم(علیهم السلام) غیر من وصل إلی مرتبة خاصة فی الإیمان ومرتبة خاصة من العلم والطاعة وان رؤیتهم تحتاج إلی طی مثلاً منازل معینة فی البرزخ، أو طی مساحات وهذا أمر أستفیض مکاشفته عن أهل الصلاح والإیمان والتقوی من المؤمنین انتقلوا إلی تلک الدار ورؤوا فی رؤی صادقة.

المحاور: ماذا بشأن الروایات التی تتحدث عن یوم المحشر فإنه قد روی عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام) قال: یخرج أهل ولایتنا یوم القیامة من قبورهم مشرقة وجوههم، مستورة عوراتهم، آمنة روعاتهم، قد خرجت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد، یخاف الناس ولا یخافون، ویحزن الناس ولا یحزنون، وقد أعطوا الأمن والأمان وأنقطعت عنهم الأحزان، حتی یحملوا علی نوق بیض لها

ص:208

أجنحة، علیهم نعال من ذهب شرکها(1) النور، حتی یقعدون فی ظل عرش الرحمن علی منبر من نور، بین أیدیهم مائدة یأکلون علیها حتی یفرغ الناس من الحساب(2)

الشیخ السند: هذه حق وصحیحة ولکن لا تعنی رؤیتهم للمعصومین(علیهم السلام) بنحو الوضوح والقرب والتفصیل وبمستوی واحد.

المحاور: یعنی بالنسبة إلی ما أشرتم إلیه الرؤیة فی منازلهم أومجاورتهم فی منازلهم وهذه رؤیة عامة؟.

الشیخ السند: حتی هذه الرؤیة العامة فی الحقیقة لیست رؤیة واضحة بالنسبة إلی الرائی، ربما رؤیة عن بعد ورؤیة یعلم بوجودهم مثلاً.

المحاور: یعنی لا یستفاد منها القرب؟.

الشیخ السند: لا یستفاد منها القرب ولا التفصیل ولا علی استواء درجة فی التفصیل والوضوح، بمعنی انه یعلم انه فی هذا الاتجاه فی هذا الجمع هناک اشخاصهم(علیهم السلام)، لا یوفق بان یری بنحو تفصیل أو بنحو وضوح.

المحاور: بالنسبة للروایات التی تتحدث عن حضورهم یعنی رؤیة

ص:209


1- (1) الشُرُک: جمع شراک وهو سیر النعل علی وجهها توثق به الرجل (تاج العروس - شرک - 149 :7، مجمع البحرین - شرک - 276 :5).
2- (2) قرب الإسناد: 101، حدیث: 341.

المحتضر لهم تکون مسرة؟.

الشیخ السند: قد استفاضت الروایات فی ذلک وقد استفاض النقل عن المؤمنین الموتی وغیرهم فی الرؤی التی حصلت معهم وذکروا أنهم شاهدوا عند الاحتضار ماهو المنقول فی روایة أهل البیت(علیهم السلام) بشکل عام.

المحاور: العنصر الأساس هل یمکن أن یکون انها تکون راحة ومسرة للمؤمن وسبب للأذی والعذاب بالنسبة للکافر کما یستفاد من بعض الروایات؟.

الشیخ السند: نعم وقد أوثر ونقل کثیراً عن موتی مؤمنین صالحین من أهل العلم، أو أهل التقوی، أو أهل الخیر، أن طبیعة عمل الإنسان توجب أن یوفق لرؤیة خاصة لبعض المعصومین عند الاحتضار تعتمد علی طبیعة عمله وطبیعة نمط توجهه.

المحاور: أخیرا هل یمکن أن یقال بان صدق المحبة لهم (سلام الله علیهم) هی العامل الأساسی الذی یوفق للرؤیة، یعنی المحبة والمودة إذا کانت صادقة لهم(علیهم السلام)؟.

الشیخ السند: المحبة الشدیدة والتولی لهم وما شابه ذلک هی تجر المحب والمؤمن لمشایعتهم فی العمل ولمشایعتهم فی الموقف ولمشایعتهم فی الاعتقاد أن المحب لمن أحب مطیع، علی أیة حال فرق بین المحب وبین المشایع الذی یشایع آخر ویکون شیعیاً له.

ص:210

معرفة آل محمد علیهم السلام

المحاور: ما حکم الذین یموتون ولم یعرفوا أهل البیت(علیهم السلام) لعجزهم وعیشهم فی مناطق نائیة عن المناطق الإسلامیة سواء کان فی التاریخ المعاصر أو فی القرون السابقة، ولماذا یحرمون من المراتب العالیة التی تثمرها معرفة محمد وآل مُحمَّد(علیهم السلام)؟.

الشیخ السند: أن الحساب والنتائج لا تحسم بمجرد ما یستغرقه الإنسان فی عمره فی هذه الدنیا بل هناک البرزخ لا سیما بالنسبة إلی المستضعفین الذین استضعفوا فکریاً عن مصادر المعرفة وما شابه ذلک، ستفتح لهم هناک سبل وفرص للمعرفة والامتحانات، جملة منهم ربما یرجع فی الرجعة وهی مرحلة أخری وشوط أخر من الحیاة الدنیا وبالتالی هناک شوط أخیر ومرحلة أخری فی یوم القیامة للذین لم تسنح وتصل إلیهم تلک الفرص للاطلاع علی تلک المعارف وتلک المصادر، هناک یقام لهم مجال وفرصة أخری، موجودة فی الروایات

ص:211

بالنسبة إلی مثل أطفال الملل الأخری التی لم تتعرف علی الإسلام ونبی الإسلام وأهل بیته أو ماشابه ذلک ممن هم فی درجة متدنیة من الاطلاع والمعرفة، نعم یبصرون وتفتح لهم جملة من أبواب المعرفة ویمتحنون من خلال ذلک.

المحاور: إلا یتعارض ما تفضلتم به مع کون الدنیا هی دار التکلیف، یعنی کیف یکون الأمر إذا تعرض علیهم معرفة وولایة محمد وآل محمد فی عوالم لیست فیها تکلیف یعنی لیس فیها إمکانیة القبول أو الرفض؟.

الشیخ السند: بالنسبة إلی الرجعة هی من دار الدنیا ولیست من البرزخ ولا من دار الآخرة، إما التکامل فی البرزخ فالذی یظهر من الآیات والروایات أن هنا عمل بلا حساب وهناک حساب بلا عمل، لیس یعنی ذلک أن لیس هناک تکامل، بل الذی یظهر من الآیات والروایات أن الذی قد حصل محصلة معینة من العمل والعلم یضاعف له عمله وعلمه ولعل هذه المضاعفة للعلم والعمل بالتکامل فی البرزخ، لمن کانت لدیه نوع من الحصیلة البسیطة الخیرة بکامل من أفضال الله وإنعامه، هناک تفتق وتتکامل وبالتالی فی البرزخ أو قبل الحسم النهائی یوم القیامة ولعل هذا یدخل فی ما ذکر فی الوعد الإلهی من مضاعفة الحسنات ومضاعفة الإجزال لمن هو خیر، اذاً حینئذ التکامل البرزخی، أو التکامل فی عرصات مراحل یوم القیامة غیر

ص:212

منفی فی الآیات والروایات، والذی هو منفی هو أن کما یقال المعرفة هنا المشاهدة هناک، یعنی البذرة لابد أن تزرع وتحرث ها هنا ولکن سقیها وریعها وریها لیس من البعید أن یستفاد من الآیات والروایات فی کثیر من النصوص، أن هناک نوع من التکامل لهذه البذور التی أنشأت هنا تتحقق ثمة ها هناک.

المحاور: یفهم من کلامکم انه لا حرمان لأحد من ثمار معرفة محمد وآل محمد وولایتهم(علیهم السلام) یعنی لا من الأولین ولا من الآخرین؟.

الشیخ السند: إما بالنسبة للأولین فها هو القرآن یفصح بأن الأنبیاء بعثوا بالبشارة بنبوة النبی وأهل بیته فی الأمم السابقة کما فی سورة آل عمران: وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِیثاقَ النَّبِیِّینَ لَما آتَیْتُکُمْ مِنْ کِتابٍ وَ حِکْمَةٍ ثُمَّ جاءَکُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَکُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلی ذلِکُمْ إِصْرِی قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَکُمْ مِنَ الشّاهِدِینَ (1)، أو غیرها من الآیات، کلها دالة علی الأمور الأصلیة العقدیة والاعتقادیة التی تطرح فی الأمم السابقة، والأنبیاء بعد توحید الله لم یکونوا یؤصّلون نبوة أنفسهم کأصل ثانی فی عقائد تلک البعثات السابقة بل کان یؤصلون نبوة سید الأنبیاء وولایة أهل بیته ثم تأتی بعد ذلک فی الرتبة ذکر نبوتهم وهذا ما تفیده جملة من الآیات والروایات مما یمکن

ص:213


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 81.

الاستشهاد بها علی ذلک، بل کان نهج وسنة الأنبیاء فی الأمم السابقة علی تأصیل إبلاغ وترسیخ التوسل بالنبی وتعلیم أسماء النبی وأهل بیته، حتی أن الیهود هاجروا من الشام ومن بلاد الرغد ومن العیش الرفیه إلی جدب الحجاز ووعورة العیش، لأنهم کانوا یستفتحون علی الذین کفروا بمجیء الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) کم تشیر الآیات.

ص:214

میزان الأعمال

المحاور: أن الأعمال توزن یوم القیامة والوزن هل یکون أعمال المعصومین(علیهم السلام) تقارن بأعمال غیر المعصومین وتأخذ الرتبة بما یتناسب مع أعمال المعصومین؟.

الشیخ السند: نعم ورد أنهم هم الموازین القسط التی تقام یوم القیامة وتنصب وتوزن أعمال الناس وسائر البشر علیها، والمیزان هو الشیء الذی یوزن به الشیء وکل شیء یناسبه میزان معین، مثلاً من باب المثال نری أن الدرجة الحراریة لا توزن بمکیال الأثقال وإنما توزن بذلک الزئبق الخاص الذی یقدر درجة ارتفاعها وهبوط الحرارة، وکذلک مثلاً نبضات القلب ودرجة ضغط الدم یوزن بجهاز آخر وبآلیة أخری، مثلاً میزان الضوء کذلک میزان شدة الریاح وقوتها کل بما یناسبه، کذلک میزانً أعمال الإنسان، صفات الإنسان، ذوات الإنسان، ربما یظن الظان أن المیزان فقط میزان الأعمال، بل هناک میزان

ص:215

للصفات ایضاً، وهناک ایضاً میزان للذوات.

المحاور: هل المیزان یعنی ظهور حقیقة أعمال الإنسان فی الحیاة الأخری أو فی یوم القیامة؟.

الشیخ السند: ما یظهر من حقیقة أعمال الإنسان وصفاته وعقائده هو بسبب أنها توزن بأعمال أو صفات أو ذوات أخری معصومة.

المحاور: حتی العقائد؟.

الشیخ السند: نعم حتی العقائد، فإن میزان العقائد من ابلغ واهم واخطر الموازین یفوق بقیة الموازین، فإن میزان الصفات ومیزان الأعمال لا یکون لها فی جنبة میزان عقائد الموازین خطب کبیر، هو ذلک المیزان المهم والاهم، ولربما یبین أهل المعارف انه مثلاً البرهان میزان وهذا میزان فی الإدراک والعلم الحصولی وفی التمثل الدنیوی وإلا ففی دار الآخرة تظهر التمثلات للموازین العقائدیة بنحو أمور أخری کثیرة، وقدً رویت بعض الروایات فی میزان الأمور من أعمال وصفات وعقائد بنورانیة روح الإنسان ونفسیته، وفی القرآن الکریم بین بعض هذه الإشارات والحالات والمشاهدات، هذه نوع من العلامات المیزانیة لبیان بعض الصفات أو بعض العقائد أو ما شابه ذلک، أو فی علامة الکفر وتردی القلب فی العقائد أن یختم علی القلب أو یکون علیه وقر أو یکون سداً أمام بصیرة القلب وما شابه ذلک،

ص:216

فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ (1)، فی الواقع هناک علامات وموازین متعددة فی الجوانب العقائدیة استعرضتها کثیر من الآیات وسوف تتمثل ظهوراً فی دار الآخرة.

المحاور: وکلها تقارن وتوزن مقارنة بعقائد المعصومین(علیهم السلام)؟.

الشیخ السند: نعم. بالتالی تعرف انه الدرجات العشرة من الإیمان باعتبار ما للمعصوم من درجات عالیة، فبالتالی یقایس ویقارن بالمیزان إلیه، ومن ثم مثلاً یقال من فی الدرجة العاشرة أو الثامنة أو التاسعة أو الأولی، وما فوق درجات الإیمان تأتی درجات الیقین وما فوق درجات الیقین وبعدها، ثم درجات الإحسان، هذه الدرجات وهذه المقامات التی شرحت بعض الشیء فی بدء خلقة النبی وأهل بیته (صلوات الله علیهم)، وهذه تعاود التمثل والظهور فی الدار الآخرة ولربما - لا سامح الله - الإنسان لا یکون له نصیباً من بحور من الکمالات العقائدیة فی المقامات المختلفة وربما یکون له بعض الدرجات فی مقام من المقامات، إما بقیة المقامات والذی شاهد صحیفة أعماله القلبیة أی صحیفة قلبه، أو صفاته، أو أعماله، وبالذات صحیفة قلبه إذا کانت خلواً من المقامات العالیة فی العقائد وإنما له نصیب من بعض الدرجات من أحد المقامات، إذ للمعرفة مقاطع

ص:217


1- (1) سورة الحج: الآیة 46.

ومقامات ومنازل ذاتیة، وکمال الذات فضلاً عن الصفات والأعمال إنما تعرف بما للمعصوم من مقامات وکمالات وبالتالی یقایس ویوزن ویحدد نصیب کل من الصالحین، أو المتقین، أو أهل الیقین، أو أهل الإحسان، أو أهل الصدق، أو الصدیقین، أو أهل الحکمة، وغیرهم من المقامات بما عند المعصومین من کمالات فهناک جنان وجنات الکمالات الذاتیة من العقائد، وهناک واقعیة مترامیة الکمال والسعة فی الواقع لدیهم(علیهم السلام) یقارن ویقایس ویوزن بقیة الواقعیات المحدودة إلیها وبالتالی تکون تلک الواقعیة بما لها من وسع، وذات عرض عریض، وذات درجات متفاوتة طولاً، نعم یمکن بتوسطها اکتشاف ما للآخرین من نصیب وما لهم - والعیاذ بالله - من خسران.

ص:218

القیامة وأقسامها

المحاور: لماذا عبر عن یوم القیامة بالساعة، یعنی ماهو معنی هذا التعبیر؟.

الشیخ السند: ذکر عدة تفسیرات لکلمة الساعة، منها مافی اللغة العربیة وفی اللغات الأخری أیضاً یطلق علی الوقت بالغ الخطورة والهیبة والعظمة، انه یقال حانت الساعة الفلانیة یعنی لأجل بیان هولها وخطورتها یحسب لحلول ووقوع ذلک الوقت حساب، أو تلک اللحظة أو ذلک الحدث لما له من هیبة وکما لمح فی القرآن الکریم انها ثقلت فی السموات والأرض، فمن ثم: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ (1)، الشاهد أن ثقل الساعة فی تلک الدار: یَوْمَ نَطْوِی السَّماءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ (2)، فما یحدث فیها من أهوال مما یدل علی عظمة

ص:219


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 72.
2- (2) سورة الأنبیاء: الآیة 104.

وخطورة تلک الساعة فبهذا اللحاظ.

المحاور: هل یمکن أن یستفاد من هذا التعبیر أن لها موعد معین، باعتبار أن الساعة فیها هذا التعبیر یعنی فی حالة التوقیت، هل یفهم أن هذا یتضمن هذا المعنی وان لها اجل معین وان لها وقت معین؟.

الشیخ السند: اجل لکن لیس الأجل خارجاً من بطن النشأة الدنیویة ومن ثم لا یمکن أن تکون الدنیا هی توقت لنفسها والمفروض أنها تتقوض فلابد أن یکون التوقیت بحسب عوالم أخری من خارجها یمکن تصویرها وإلا فتصویر نهایة الشیء بلحاظ نفسه وهو یتقوض ویزول من نفسه من قبیل فرض المتناقضین العدم والوجود.

المحاور: یعنی لیس الأمر أن نفترض مسیرة الکائن الحی مثلاً ما بین الصبا إلی الشباب والی الشیخوخة؟.

الشیخ السند: من باب المثال، لو أردنا أن نضع توقیت شمسی إلی نفس تبدد الشمس والقمر أی معنی یکون لذلک، فلو قلنا ثلاثمائة سنة سوف تنتهی عندها تتقوض الشمس ففی هذا المقال نحو من المسامحة، لان ما بعد ذلک ماذا سیکون؟ هل هناک توقیت شمسی أو غیره، فإذا کیف یسمی بتوقیت شمسی، والتوقیت للشیء لابد أن یکون بلحاظ ما قبل وما بعد الشیء، وإما إذا کان یتقوض مع نفس الشیء فلا یکون موقتا له بل لابد أن یوقت بما یحیط به.

ص:220

المحاور: العلم بالساعة لماذا وصفها القرآن قیام القیامة بأنها تکون کلمح البصر یعنی هل فیها إشارة للسرعة؟.

الشیخ السند: ربما فیها إشارة إلی هیمنة أحکام العوالم الأخری علی هذا العالم من باب إحاطة الملکوت بالملک، أو من باب انها تزف الموجودات المادیة إلی تکامل بنشأة ملکوتیة، قد فسرها بعضهم وربما ملا صدرا فی الأسفار یتبنی هذا التفسیر انه کلمح البصر تعبیر کنائی یراد منه ما هو اقل من لمح البصر ولو کان یفهم المخاطب ذلک لربما عبر له بأقل من لمح البصر.

المحاور: هل یمکن أن یشار فیها إلی معنی انه هناک أحکام وقوانین أخری تختلف، مثل یوم کقوله تعالی: وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ (1)، هذا المضمون القرآنی عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ یعنی هناک قوانین أخری غیر هذه القوانین التی نألفها؟.

الشیخ السند: شیء مؤکد أننا نشاهد فی عالم المثال الذی ربما نلمسه بعض الشیء فی الرؤیا والأحلام، نشاهد أحکام تکوینیة فی ذلک العالم تختلف تماماً عن دار الدنیا.

المحاور: ما معنی القیامة الصغری والقیامة الکبری؟.

الشیخ السند: ورد فی الحدیث الشریف: « إذا مات أبن أدم قامت

ص:221


1- (1) سورة الحج: الآیة 47.

قیامته ». وهذا التعبیر یشیر إلی أطلاق القیامة علی الموت فلا محالة هذه القیامة هی دون الیوم الموعود للقیامة فتکون کبری، فعبرعن الموت بالقیامة الصغری وعن القیامة المعهود بالقیامة الکبری، وأیضا یستشف من تعابیر بعض الروایات أن ظهور الحجة نوع من القیامة الصغری، ورجعة الأئمة نوع من القیامة الوسطی وأن ذلک مراد من جملة من ألفاظ الآیات فی السور، ومن ثم تمهید للقیامة الکبری.

المحاور: ماهو المعیار فی هذه التقسیمات، هل هناک نقاط اشتراک بین موت الإنسان مثلاً فتقوم قیامته والقیامة الکبری؟.

الشیخ السند: هناک اشتراک موجود فی البین من جهة اختلاف أحکام تکوینیة لنفس النشأة الدنیویة والأرضیة، کأن تزحف فی مسیرها الوجودی إلی تغیر نوع الأحوال والإحکام، وتقترب من أحکام الآخرة والساعة.

المحاور: مثال توضیحی علی ذلک یعنی مثلاً إذا توفی الإنسان؟.

الشیخ السند: مثلاً إذا توفی الإنسان من الواضح انه یشاهد أحکام البرزخ وهی أحکام تختلف عن أحکام دار الدنیا.

المحاور: مثلاً کشف الحقائق یوم القیامة: یَوْمَ تُبْلَی السَّرائِرُ (1)، وعندما یموت الإنسان مثلاً : فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ (2)؟.

ص:222


1- (1) سورة الطارق: الآیة 9.
2- (2) سورة ق: الآیة 22.

الشیخ السند: نعم هذه احدها وغیر ذلک من الأحکام تتبدد إلی الإنسان أن هناک نوع من الشفافیة ولیس هناک نوع من الخفاء والغموض وما شابه ذلک، وکل هذه المراحل مما تسیر فی أتجاه قریب من نشأة الآخرة بل قد ورد فی روایات أهل البیت(علیهم السلام) أن الحساب والمحاسبة تقع فی الرجعة، وإما القیامة الکبری ففریق یزف إلی الجنة وفریق یزف إلی النار، وإما الحساب فیقع فی الرجعة.

المحاور: یعنی مرتبة من مراتب الحساب أم کل الحساب؟.

الشیخ السند: الظاهر انه عمدة الحساب، وفی عدة روایات وردت عن أهل البیت(علیهم السلام)، أن فی کثیر من الآیات التی یحسبها جمهور المذاهب أو المسلمین انها من آیات القیامة هی فی الواقع آیات الرجعة.

المحاور: یعنی لظهور بعض الأحکام فیها؟.

الشیخ السند: نعم لظهور بعض الأحکام التی تختلف مثلاً، وقد ورد لدینا عند ظهور الحجة والرجعة انه: یَوْمَ یَأْتِی بَعْضُ آیاتِ رَبِّکَ لا یَنْفَعُ نَفْساً إِیمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمانِها خَیْراً (1)، فالرجعة فیها نوع ونمط من الأحکام وان کان یبقی نحو من الاختیار، وجزء من تدوین حساب، وجزء من التکامل أو لاسامح الله التسافل، لکن تختلف الأحکام فیها عن أحکام دار الدنیا.

ص:223


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 158.

المحاور: یقول بعض الأشخاص أنا جئت إلی الدنیا بغیر اختیاری، أو بغیر اختیار منی، ولا أرید البقاء فیها، فلماذا یعذبنی الله یوم القیامة إذا خرجت منها منتحراً بماذا نرد علی هذا القول؟.

الشیخ السند: الذی یظهر من الآیات أن مجیء الإنسان إلی دار الدنیا لیس عادماً للاختیار تماماً، بل له نصیب من الإرادة والرغبة فی ذلک، کما تشیر إلیه الآیات کقوله تعالی: إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً (1)، فمن ذلک یظهر أن هناک نوع من الاختیار ربما یتسائل البعض انه کیف حصل الاختیار، الحقیقة أن الاختیار لیس کما نتصور عبارة عن موقف تفصیلی وبین خیارات متعددة تعرض علی الإنسان ویسیر فی أحدها، نحن نلاحظ من باب المثال جملة من السلوکیات تصدر منا حین صدورها ربما یقل ترکیز الاختیار أو الوعی اتجاه تلک الأبعاد، ولکن هناک حلقات وسلسلة مقدمات متباعدة سابقة، هذه المقدمات والسلسلة من المعطیات الإعدادیة أنجزها الإنسان بیده وتعاقبت تلو البعض بیده ومن ثم أنتجت ذلک السلوک المعین، و من باب المثال یصدر من الإنسان حسد بشکل تلقائی عفوی، کأنما لا إرادی، أو یصدر منه غضب أو یصدر منه نزوة شهویة، أو نوع من الحدة المعینة فی جانب من الجوانب أوالنزعات

ص:224


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 72.

المختلفة، ویظن الإنسان انه صدرت منه بضعف أو قلة إرادة، وهذا وان کان ظاهر الحال لکن الحقیقة أن صدور مثل هذه الأفعال من الإنسان إنما نجم وتولد وحصل نتیجة سلسلة بعیدة وسابقة من جملة من السلوکیات وجملة من الصفات، وبالتالی یترتب علیها هذا المطلب، إذن مسألة الاختیار لیست منحصرة فقط فی فرض طریقین أمام الإنسان وان ینتخب احدهما ویرجح احدهما علی الأخر، بل هناک سلسلة من الأفعال الاختیاریة، والحالات الاختیاریة نتیجة مقدمات وأفعال بعیدة وکثیرة جداً وبالتالی هذه لا تخرج عن الاختیار بالمرة بل هناک نمط من الاختیار یستغرب منه السامعون ولکن هو فی الحقیقة نوع من الاختیار، وهو نفس الرغبة عن علم وإدراک وشوق، وهذه الحالة بالتالی هی نوع من الاختیار، علم الله برغبة ذات معینة مخلوقة وتطلعها نحو اتجاه معین وهو فی الحقیقة نوع من الاختیار لذلک المرغوب.

المحاور: یعنی هذا ما یعبر عنه بأنه إفاضة الوجود علی من هو مستعد دون الوجود؟.

الشیخ السند: نعم بالضبط، نوع من الاختیار، وفی الحقیقة نفس هذا السؤال یتضمن فی ذاته نوع من الرغبة فی الدنیا، لان هؤلاء الذین ینتحرون سبب انتحارهم هو شدة الامتحان أو المحاولة للوصول إلی حالة الأمن والسکینة والطمأنینة والرغد فی عیش آمن، فی رغد مستقر

ص:225

أو ماشابه ذلک، هذه الرغبة اتجاه الجنة وهی الدار الآخرة، هذه الرغبة للآخرة إنما یمکن الوصول إلیها عبر ماذا؟ عبر دار الدنیا، وهذه رغبة فی الدنیا بطریق غیر مباشر بطریق الإعداد والمقدمة لان الوصول إلی ذلک لا یتم إلا بهذه، وإلا فالإنسان لا یرغب فی العدم المطلق بأن یکون بتاتاً فان بالمرة، وإنما یرغب أن ینتقل إلی مکان آخر، هؤلاء المنتحرون فی الواقع عندهم نزوع روحی لأنهم یرون فی الروح الراحة والطمأنینة والسکینة والإقبال علی الباطن وعوالم الباطن، نوع من السکینة والطمأنینة ویظنون بأن الوصول إلی ذلک عبر التخلص القسری والانتحاری من دار الدنیا وهم یخطئون فی ذلک فی الواقع، المنتحر لا یرید أن یعدم نفسه بمعنی الزوال وأن لایوجد بالمرة، وإنما یرید أن یذهب بمثل الغوص فی حالة منامیة، فی حالة استغراقیة فی أعمال الروح، هذا هو فی الواقع غایته والمنتهی الذی یریده ولکنه یخطأ فی الأسلوب والوسیلة والآلة.

المحاور: یعنی هو بالتالی یطلب الحیاة؟.

الشیخ السند: نعم یطلب الحیاة الأکمل، والحیاة الأکمل لا یمکن أن تمر إلا عبر الإعداد وهذه رغبة فی الدنیا ولکن بطریقة التقدیم بمقدمة، طریق الإعداد وطریق الاستلزام.

ص:226

النفخ فی الصور

المحاور: ما هو النفخ فی الصور وما علاقته بالنفخة الأولی: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی (1)؟

الشیخ السند: هناک نفختان کما ذکرت فی الآیات والروایات، النفخة الأولی نفخة إماتة وصعق من السماوات والأرض إلا من شاء ربک، والنفخة الثانیة هی نفخة إحیاء الأموات وبعثهم أی بعث الأرواح فی الأجساد الذی یقوم به اسرافیل، فالنفخ هو عبارة عن نوع من الإحیاء وإحیاء الموتی وبعث الأرواح إلی یوم المعاد وهو ما یسمی بالبعث، فالنفخ هو إحیاء للأرواح وإحیاء للأجساد ببعث الأرواح فیها، یتقارب فی الحقیقة مع حالة ما فی: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی ، إذ هناک ایضاً نوع من إیجاد الروح فی البدن کما أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد وکل فی الإماتة عزرائیل(علیه السلام) کذلک وکل فی الإحیاء، إحیاء الأرواح ونفخ الأرواح اسرافیل، وهذا التوکیل طبعاً لیس کما قد یظن نوع من عزلة

ص:227


1- (1) الحجر: 29، ص: 72.

الباری تعالی عن فعله وإنما هو توکیل بلا العزلة لان فعله تعالی داخل فی تلک الأفعال لا بالممازجة، متمیزعنها لا بالمزایلة والمباینة بل هو عز وجل یجری هذا الفعل علی ید اسرافیل من النفخ والإحیاء کما یجری هذا الفعل الأخر والإماتة علی ید عزرائیل، وکما قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): « أما ملک الموت فإن الله یوکله بخاصة من یشاء من خلقه، ویوکل رسله من الملائکة خاصة بمن یشاء من خلقه، والملائکة الذین سماهم الله عز ذکره وکلّهم بخاصة من یشاء من خلقه، إنه تبارک وتعالی یدبر الأمور کیف یشاء... »(1)، فاسناد هذا الفعل إلی اسرافیل لا ینافی إسناده بنحو أتم إلی الله عَزَّ وَجَلَّ، کما ورد فی القرآن الکریم:

اَللّهُ یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِها (2). وأیضا اسند الموت إلی عزرائیل: قُلْ یَتَوَفّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ (3). وکذلک اسند إلی الملائکة: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا یُفَرِّطُونَ (4). فهذه الاسنادات لیست متضاربة ولا متخالفة وإنما هی حقیقیة فی طول بعضها البعض، لان فعلهم حیث کان بأمره تعالی وبأقداره لهم فکان فعلهم فعله، بل هُوَ فی الحقیقة فعله تعالی یجریه علی یدهم.

ص:228


1- (1) سورة التوحید: الآیة 262.
2- (2) سورة الزمر: الآیة 42.
3- (3) سورة السجدة: الآیة 32.
4- (4) سورة الأنعام: الآیة 61.

المحاور: أن النفخ فی الآیة الشریفة: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی . کانت بالنسبة لشخص واحد وهو آدم(علیه السلام) نفخ الله تبارک وتعالی فیه من روحه، کیف الحال بالنسبة للنفخ فی الصور، والنفخ فی الصور لا یتعلق بشخص واحد بل فی جمیع الخلائق من الأولین والآخرین، فکیف یکون هذا الأمر ممکناً مثلاً فی دفعة واحدة أو بنفخة واحدة یتحقق کل ذلک؟.

الشیخ السند: أن یقال: وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی . أو: یُنْفَخُ فِی الصُّورِ (1). وإحیاء جمیع الأرواح لان هذه القدرة لا تعی الله أن یقدرها الملک اسرافیل کما هو الحال الملک عزرائیل فان قبض الأرواح قد تم فی الآن الواحد فی اللحظة الواحدة لالآف والملایین فی الحروب فبالتالی کما مکن الله عزرائیل، من قبض روح أو عشرات الأرواح، أو المئات أو الآلاف أو الملایین یمکّنهم من قبض الأرواح فی فجأة واحدة لما أوتوا من قدرة اقدرها الله عَزَّ وَجَلَّ، وهذه القدرة بالأصح هی قدرة الله یجریها علی یدی عزرائیل ومن ثم تسند أولا حقیقة إلی الله ومن ثم تسند إلی عزرائیل الملک الذی هو موکل کقابل یقبل هذه القدرة من الله عَزَّ وَجَلَّ فتجری علی یده ، کذلک الحال فی اسرافی---ل إذ اق-دره الله عَزَّ وَجَلَّ أن ینفخ فی روح واحدة أوأرواح، ففی الواقع تلک القدرة لیست تعیی الساحة الإلهیة أن یقدرها بشکل واسع

ص:229


1- (1) سورة النبأ: الآیة 18.

وشمولی لکل الأرواح، سواء أرواح الإنس أو الجن أو الحیوانات أو النباتات کل الأرواح بمقدرة من الله عَزَّ وَجَلَّ، ونفخ الروح فی الحدوث لیس هو بأصعب من استمرار حیاة الأرواح فی الأبدان، وهناک حالة نفخ مستمرة فیها لان الروح قائمة وجودها وإیجادها بالله تعالی، فبالتالی هذه الحیاة للأرواح المتزامنة لبعضها البعض هو نوع من النفخ المستمر وبالتالی هو نوع من الإحیاء ولکن فی مرحلة الاستمرار لجمیع الأرواح، فلا غرابةً موجودة فی البین بعدما نشاهد الأرواح الآن حیة وفی حالة حیاة وهی فی الواقع معتمدة وقائمة علی نفخ الله وإیجاد الله یجریه علی ید اسرافیل.

ص:230

الجنة والنار موجودتان

المحاور: ما هی حقیقة عقیدة أهل البیت(علیهم السلام) فی الجنة والنار، هل هما موجودتان أو ستوجدان فیما بعد، وما هی آثار الاعتقاد بذلک؟.

الشیخ السند: قد ورد فی جملة من الروایات عنهم(علیهم السلام) أن الجنة والنار مخلوقتان الآن بالفعل وکانتا مخلوقتین، فالمعاد صیرورة إلیهما فی یوم المحشر ویدل علی ذلک جملة من الشواهد القرآنیة وجملة من الشواهد الروائیة التی رواها الفریقان. ففی حدیث نبوی أن الْنَّبِیّ(صلی الله علیه و آله) فی یوم ما سمع المسلمون فی مسجد الرسول هدّة وصوت فسألوا النبی ما هذه، فقال انها جمرة من نار کانت أسقطت من شرف جهنم ثمانین عاماً حتی وصلت إلی قاع جهنم ثم اخبر المسلمین أن رأس من رؤوس المنافقین وکان یبلغ من ذلک العمر کان قد هلک ومات، وکذلک فی الخطبة النبویة الشهیرة المعروفة لشهر رمضان، وأیضاً فی خطبته(علیه السلام) فی شهر شعبان حیث قَالَ(علیه السلام):

«فمن تطوع لله بصلاة فی

ص:231

هذا الیوم فقد تعلق منه بغصن، ومن صام فی هذا الیوم تعلق منه بغصن... والذی بعثنی بالحق نبیاً إن المتعلقین بأغصان شجرة طوبی ترفعهم تلک الأغصان إلی الجنة، ثم رفع رسول الله(صلی الله علیه و آله) طرفه إلی السماء ملیاً وجعل یضحک ویستبشر ثم خفض طرفه إلی الأرض فجعل یقطب ویعبس ثم أقبل علی أصحابه فقال... ثم نظرت إلی الأرض فوالذی بعثنی بالحق نبیاً رأیت شجرة الزقوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلقین بها إلی الجحیم...»(1). مما یشیر إلی أن الجنة والنار موجودتان بالفعل.

المحاور: فیما یرتبط بالخطبة الشعبانیة أن أبواب النیران مغلقة فی شهر رمضان هذا المضمون الإغلاق؟.

الشیخ السند: نفس التعبیر القرآنی فی سورة ق فَکَشَفْنا عَنْکَ غِطاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ (2) یشیر إلی أن ما یشاهده الإنسان فی المشهد الأخروی موجود منذ السابق وإنما کان فی غطاء عن الإنسان، وهذه الآیة عامة حول مشاهد الآخرة وکذلک: (إنما هی أعمالکم ترد إلیکم)(3)، من نظریة تجسم الأعمال إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی

ص:232


1- (1) مفاتیح الجنان: 161 - 163.
2- (2) سورة ق: الآیة 22.
3- (3) التوحید: 50، للمفضل بن عمر الجعفی.

ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً (1) وتعبیرات أخری: أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ (2)، هذه المضامین موجودة فی الآیات الکریمة کلها شواهد تدلل علی أن هناک ارتباط حی فعلی بین الأعمال فی نشأة دار الدنیا وما یترتب علی ذلک فی الآخرة حین صدور الفعل، کقول رسول الله(صلی الله علیه و آله):

«من قال (لا آله إلا الله) غرست له شجرة فی الجنة من یاقوته حمراء منبتها فی مسک...»(3)، والروایات الکثیرة الواردة عند الفریقین کلها شواهد علی الوجود الفعلی للجنة والنار، وثمرة مثل هذه العقیدة أن الإنسان یکون علی ارتباط حی وواعز من نفسه یردعه عن الغوایة وإتباع الهوی ویرشده وینبهه ویحفزه إلی داعی الاستقامة کما أن الصراط والهدی والطریق السوی المستقیم یدلل علی ذلک، وأیضاً روایات المعراج وهی روایات عند الفریقین، والروایة الأخری التی رواها الفریقان من مرور النبی علی الشاب الأنصاری التی مرت سابقاً(4).

المحاور: اذاً الروایات فی هذا المجال کثیرة وثمرة الاعتقاد انها تجعل الإنسان فی حالة معایشة للجنة والنار وهو فی حیاته الدنیا؟.

ص:233


1- (1) سورة النساء: الآیة 10.
2- (2) سورة الحجرات: الآیة 12.
3- (3) المحاسن للبرقی ج30 :1.
4- (4) مرت الإشارة إلیها فی الصفحة (119).

الشیخ السند: بالضبط کذلک.

المحاور: أین مکان الجنة والنار الآن، وکیف تکون فی عرض السماوات والأرض؟.

الشیخ السند: من روایات المعراج لا سیما الواردة عن أهل البیت(علیهم السلام) یستشف أن جنات عدن وجنة الفردوس وغیرها من الجنان التی ذکرت اسمها فی القرآن الکریم وکذلک ومن الآیات الکریمة ایضاً یستشف ذلک انها دون سِدْرَةِ الْمُنْتَهی ، عند السماء السابعة وما فوقها.

المحاور: یعنی مراتب کل الجنان حسب مراتبها؟.

الشیخ السند: نعم کل جنان حسب مراتبها إلی أن تصل إلی ما دون سِدْرَةِ الْمُنْتَهی ، کَمَا فِی الآیة الکریمة عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوی (1).

المحاور: هذه أعلی مراتب الجنان؟.

الشیخ السند: نعم أعلی المراتب، وبعد ذلک جنان معنویة کجنة بحور الأسماء والصفات والذات، أو سرادقات الحجب النوریة تلک جنان أخری: فِی مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِیکٍ مُقْتَدِرٍ (2). وهذه أعلی ورضوان من الله اکبر، فلا ریب أن ما فوق السماوات السبع من الثری أو من البحر، أو من التراب حسب التسمیات التی وردت من عوالم هی فوق السماوات السبع، کَمَا وَرَدَتْ الروایات، لأجل تقریب المعنی

ص:234


1- (1) سورة النجم: الآیة 15.
2- (2) سورة القمر: الآیة 55.

للذهن کل عالم یکون العالم الذی دونه کحلقة فی فلات مترامیة الأطراف فی الأفق، هذه الحلقة الصغیرة من حدید لو ألقیتها أنت فی بحر البریة هل تشاهد شیئاً، لیس هناک نسبة ولا قیاس، کما أن قیاس حجم الکرة الأرضیة مع السماء التی لا یعلمون أین مداها السماء الدنیا السماء الأولی لا یعلمون بالدقة کم هی النسبة حسب الآلیات والعلوم والحسابات الحدیثة وهل یمکن أن تحاسب، فکذلک الحال بین السماء الأولی والثانیة، الثانیة والثالثة إلی أن نصل فی السابعة، ثم السابعة والثری: لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّری (1)، فالثری أو البحر من عوالم أخری عدیدة فلا ریب أن تلک العوالم شاسعة جداً فی الخلقة الإلهیة، واسعة لا یمکن أن یقاس بها حتی السماء السابعة.

المحاور: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ (2) العرض ما المقصود منه؟.

الشیخ السند: المقصود من العرض هو السعة.

المحاور: هنالک سؤال کثیر ما یتردد أحیانا انه إذا کانت الجنة عرضها السماوات والأرض أین تقع النار؟ اعتقد أنه من خلال إجابتکم اتضح أن المقصود هنا هو الإشارة إلی السعة؟.

الشیخ السند: طبعاً هذا بالنسبة للجنان، وإما بالنسبة إلی النار، فقد ورد فی روایة أهل البیت وهم أدری بما فی البیت(علیهم السلام) إشارة إلی أن النار

ص:235


1- (1) سورة طه: الآیة 6.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 133.

تقع فی وادی فی السماء السادسة أو فی الأرض السادسة.

المحاور: الضعة - والعیاذ بالله - مقابل السمو، یعنی فی الأرضین السبع؟.

الشیخ السند: نعم ولکن هی کل سماء مقعرها سماء ومحدبها ارض لما فوقها.

المحاور: یعنی نظام تکوینی کامل فی کل سماء؟.

الشیخ السند: نعم فیه علو وهذا تقریب للذهن، وقد ورد فی حدیث الرضا(علیه السلام) ورد ذلک فی تفسیر القمی وتفسیر العیاشی، حتی الآن الأبحاث الحدیثة الروحیة وما وراء الطبیعة التی یجریها الغرب یکادون یصلون إلی مثل هذا التصور وان کان اقتباساً من مصادر إسلامیة.

المحاور: هنا السؤال عن مکان الجنة والنار ففی الحقیقة هو غیر المکان الذی نألفه ونحن فی الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: من الواضح أنه لیس هو علی النشأة الأرضیة وان کان للنار الأخرویة مظاهر فی دار الدنیا کبرهوت، وللجنة وادی السلام فی النجف الاشرف، کمظاهر أو کتعلقات لتلک النشأة الأخرویة بالنشأة الدنیویة یعنی الإشارة إلی ولایة أئمة الحق ومقابل ولایة أئمة الظلال.

ص:236

الشفاعة

المحاور: فیما یرتبط بقضیة الشفاعة کأن البعض یستفید من الأحادیث الشریفة الواردة فی الشفاعة بأنها تکون لرسول الله(صلی الله علیه و آله) وسلم فی أعلی مراتبها، والمقام المحمود لباقی المؤمنین بمراتب یوم القیامة، إلا یوجد شفاعة فی الحیاة الدنیا؟.

الشیخ السند: قد نصت الآیات العدیدة علی أن الشفاعة هی مبتدئة وحاصلة فی دار الدنیا بل وقبل دار الدنیا من العوالم السابقة، وجملة من الآیات دلت علی ذلک مثلاً الآیة الکریمة: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِیماً (1)، اشترطت الآیة لتوبة المؤمنین فی أول شرط هو لجوءهم واستغاثتهم وتوسلهم بالنبی(صلی الله علیه و آله) فإذا التجأوا إلی حضرة النبی حینئذ یتأهلوا لان یستغفروا الله فلم تقل الآیة ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم

ص:237


1- (1) سورة النساء: الآیة 64.

استغفر الله أولاً بل قالت الآیة: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ ، فی البدأ المجیء إلی النبی والاستشفاع بالنبی والتوسل به واستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، وبعد ذلک أیضاً اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ، أی لابد علاوة علی توسلهم واستشفاعهم للنبی ثم استغفارهم لله وتأهلهم للدعاء ولتوبة الله ولذکر الله، بعد ذلک لابد من إمضاء النبی، هذه الأوبة والتوبة منهم وتشفعه کی یقبل الله توبتهم اذاً هذه آیة ناصة علی أن شفاعة النبی کانت فی حیاته وفی حیاة المؤمنین وهی باقیة علی أیة حال، وکذلک الحال من تعبیر الآیة فی سورة المنافقین: وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ تَعالَوْا یَسْتَغْفِرْ لَکُمْ رَسُولُ اللّهِ (1)، جعلت الآیة من علامة المنافقین أنهم: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَیْتَهُمْ یَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (2)، تبین الآیة أن الصد عن التوسل إلی النبی والاستشفاع بالنبی من صفات المنافقین، إذا قیل لهم تعالوا التجأوا إلی النبی هذا هو رحمة للعالمین کما وصفته الآیة الکریمة فیصدون عن رحمة الله، یریدون أن یکونوا من أهل نقمة الله ومن أهل غضب وسخط الله، یجحدون ویأبون التوسل ویأبون الاستشفاع بالنبی، اذاً الآیة تدل علی أن العبادة والأوبة إلی الله من أصولها الاستشفاع بالنبی.

المحاور: عموماً افهم من کلامکم أن مفهوم الشفاعة فیه بعض اللبس

ص:238


1- (1) سورة المنافقون: الآیة 5.
2- (2) سورة المنافقون: الآیة 5.

یعنی الشفاعة لیست محصورة بالاستشفاع إلی الله تبارک وتعالی لمغفرة بعض الذنوب فی یوم القیامة لکی ینتقل الإنسان من النار إلی الجنة، أو قبل أن یدخل النار لیدخل الجنة وهو مستحق لشیء من النار، أو لشیء من الجنة، مفهوم الشفاعة هو المعونة النبویة أو معونة أولیاء الله تعالی والحصول علیها فی أی وقت، فی الدنیا والآخرة؟.

الشیخ السند: نعم کونهم واسطة ووسیلة لإنجاح السؤال وإنجاح المأمول، أن المؤمنین والمسلمین أحوج لغفران الذنوب وهم فی دار التکلیف ودار الدنیا، لأنه إذا أحاطت بهم ذنوبهم وأحاطت بهم خطیئتهم سوف یؤدی بهم إلی الهلاک الدائم فهم هاهنا بحاجة وضرورة لکی یتطهروا، ومن ثم حثت هاتان الآیتان علی الاستشفاع والتوسل بالنبی وان تتبع توبتهم بشفاعة النبی. وجعلت الإباء والاستکبار هو صفة لمن یجحد التوسل ولا یؤمن به ولا یؤمن بوسیلة سید الأنبیاء، وعبرت عنه هذه الآیتان کالتعبیر الذی ورد عن إبلیس أبی واستکبر حیث صد عن الاستشفاع بآدم والتوسل به والتوجه به إلی الله تعالی فالوسیلة والاستشفاع اذاً فی دار الدنیا.

المحاور: المعنی مترادف بین التوسل والاستشفاع؟.

الشیخ السند: نعم التوسل جعل الشیء وسیلة یطلق علی نفس معنی الاستشفاع.

ص:239

المحاور: هذا لا یفرق فی حیاة النبی أو فی وفاته؟.

الشیخ السند: طبعاً أخبرتنا الآیات الکریمة وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (1)، إذن الرسول(صلی الله علیه و آله) یری العمل حین وقوعه کما أسندت الرؤیة فی الآیة الکریمة إلی الله تعالی، ومن الواضح أن رؤیة الأعمال - والعیاذ بالله - لیست یوم القیامة، لا ریب أن هناک متواتر الآیات الکریمة الدالة علی أن النبی شاهِداً وَ مُبَشِّراً (2).

ص:240


1- (1) سورة التوبة: الآیة 187.
2- (2) سورة الأحزاب: الآیة 45.

الفصل الثانی : قضایا العقل العملی

اشارة

ص:241

ص:242

قضایا العقل العملی

المحاور: إذا ما وضعنا العقل العملی - بما هو دراسة للسلوک والاجتماع الإنسانی وتنظیم شؤون المجتمع - فی مقابل العلوم الإنسانیة فی صیغتها الحدیثة المستقلة عن حضن الفلسفة، فهل من فاعلیة الیوم لهذا العقل فی قراءة المجتمع ومتغیراته وناسه وعلاقاته وظواهره؟.

الشیخ السند: نعم، یُعرف دور موقعیة العقل إذا عرفنا الرابطة العضویة الدنیویة الموجودة بین العلوم وترتیبها، مثال ذلک أن علم القانون له أمومة علی العلوم النظمیة، فرضاً علم السیاسة أو علم الاقتصاد أو علم المال أو الإدارة، فهذه کلها علوم، ولکن علم القانون له إشراف وهیمنة علیها، لدینا مثلاً القانون الإداری وقانون العمل والقانون السیاسی والاقتصادی والمدنی والجنائی، ولکن بحث القانون والتقنین یشرف علی هذه العلوم التی تتدخل فی النظام الاجتماعی السیاسی، أما علوم العمران والریاضیات وما شابه ذلک فهی آلیات

ص:243

تتعامل مع المادة، لکنها توظَّف فی العلوم التجریبیة.

إنَّ لدینا علوم عرفانیة وأخری تجریبیة، فما هو الفرق بینها؟ العلوم الإنسانیة هی علوم اجتماعیة، سواء کانت لکل مجموعة وحدة کوحدة المسافة ووحدة المکیال، الوحدة فی النظام الاجتماعی أیضاً الأسرة أو الفرد، العلوم التی تبحث عن النظام الاجتماعی بما فیه الوحدة أو المجموعة، تسمی علوم إنسانیة، فی المقابل العلوم التجریبیة کالفیزیاء والکیمیاء والریاضیات والهندسة والأحیاء، هذه العلوم لا ترتبط بالنظام الاجتماعی الإنسانی، إنها ترتبط بنفس الکون کظاهرة مادیة، أما العلوم الإنسانیة فهی توظف العلوم التجریبیة لخدمة النظام الاجتماعی.

إذاً العلاقة بین هذین العلمین صارت واضحة، وبالطبع هناک ترابط عضوی بین العلوم الإنسانیة مع بعضها بعضاً، وبین العلوم التجریبیة مع بعضها بعضاً وهلم جرا. یوجد أیضاً علم الدین والمعرفة الدینیة، وهذه بالطبع تختلف عن العلوم التجریبیة والعلوم الإنسانیة ولها باب آخر، وقد یعتبرها البعض فرع من العلوم الإنسانیة، ولکن الکثیر من العلماء یفصلها عن العلوم الإنسانیة. هذا یسمَّی تقسیم المعرفة البشریة، تجریبیة وإنسانیة، فما هی العلوم التجریبیة؟

آلیة وظیفیة لتسخیر المادة لخدمة حاجیات الإنسان. فی العلوم

ص:244

الإنسانیة علم القانون له أمومة وإشراف، إنه بالطبع علم واسع، علی ماذا؟ علی بقیة العلوم الإنسانیة، وفق ذلک کله تأتی فلسفة الأخلاق أو الآداب، وبعد فلسفة الأخلاق والآداب تأتی الرؤیة الکونیة الاعتقادیة. إن هذا الترتیب متعارف علیه بین کل المدارس البشریة، سواء کانت شیوعیة أو اشتراکیة أو لا دینیة أو علمانیة.

ص:245

ص:246

دور العقل العملی والنظری

إن العقل العملی له دور أساسی فی الرؤیة الاعتقادیة وفی تکوین العلوم الاجتماعیة، والأخلاق الفردیة والأخلاق المؤسساتیة والإداریة والسیاسیة، ودوره بنیوی، ولیس للعقل العملی فقط دور، إن للعقل النظری أیضاً دوراً، إن دور العقل النظری یأتی فی بناء الأخلاق وفی بناء الحقوق وفی بناء أرضیة القانون. العقل العملی یعلمنا کیف ندخل فی القانون، وهو یمسک بخیوط مباحث الحقوق ومباحث القانون والأخلاق، وبالتالی یدخل بمنهج ومیزان ومعادلات.

إن أی قضیة علمیة فیها طرفان، موضوع ومحمول، بتعبیر آخر حکم وموضوع، موضوع معیَّن وتحکم علیه بشیء، سواء کان حکم قانونی أو حقوقی أو أخلاقی أو مالی مصرفی. هذه الأحکام تبدو مثل الشجرة تبدأ من أسس، مثل الدستور وانشعاباته، طبیعة نظم العلوم ونظم القوانین هکذا.

ص:247

عندما تأخذ برأس الهرم، فسوف تلاحظ دائماً أن هذه الانشعابات تراعی فیها الأسس. عمل المحاکم الدستوریة ما هو؟ هو أن تعرض القوانین البرلمانیة علی المواد الدستوریة، لتری إن کان بها مخالفة أو لا، لأنها هی المؤهلة من أجل مراعاة حفظ المواد الدستوریة فی هذه الانشعابات.

عندما نأتی للوزارات، فما الذی تفعله الوزارات؟ الوزارات أیضاً تعمل لها قاعدة تشریعیة، فوزارة العمل لها قانون، قانون غیر القانون النیابی، وزارة الداخلیة لها أیضاً قوانین، هذه تسمَّی تشریعات وزاریة، وهی تستمدها من التشریعات البرلمانیة، ولیس لها الحق أن تذهب إلی مواد خارج المواد الدستوریة، لأنهم سوف یخطئونها ویدینونها.

العلوم کذلک سواء کانت سیاسیة أو اقتصادیة أو غیرها، تنشعب أیضاً إلی قوانین، وکل حسب المدرسة التی ینتمی إلیها، رأسمالیة کانت أو غیرها.

ص:248

النخبة مدعوون للمشارکة فی القراءات الدینیة

الثابت الدینی وهذا حوله جدل کبیر، من الخطأ الإفراط فی التغیُّر، ومن الخطأ أیضاً الإفراط فی الثبات، فالثابت له دوره وله موقعه، والمتغیر له دوره وله موقعه، فکیف نلحظ الثابت وکیف نلحظ المتغیر؟. ومن یحدِّد الثابت ومن یحدِّد المتغیر؟.

إن الدین الإسلامی لا یقول لک لا تأتی فی الموضوعة البیئیة فی العلوم الإنسانیة أو الموضوعة التی فی العلوم التجریبیة باختصاصیین ونخبویین، ولکن الأخوة أصحاب النخب فی هذه التخصصات یقولون لنا: لم لا تسمحون لنا بالمشارکة فی القراءات الدینیة؟، أنا أقول لهم علی العکس، أنتم مدعوون للقراءات الدینیة، ولکن أین؟، أین دوری أنا المتخصص الحوزوی؟، وأنت المتخصص فی حقل آخر أین دورک؟ لا بدَّ من وجود منهجیة علمیة موزونة.

ص:249

الآن الاقتصادی مثلاً موضوعه فی الاقتصاد، أنا تخصصی فی فقه الشریعة، وبالطبع لن أذهب إلی مفردات الاقتصاد، قد أذهب إلی علم الاقتصاد أو غیره من العلوم الحدیثة، من باب الهوایة أو لزیادة الاطلاع وما شابه ذلک، ولا بأس بذلک. إن قصدی إن علم الشریعة وجزئیاته لیست فی علم الاقتصاد، إذن ما هو دور علم الاقتصاد وما هو دور علم الفقه؟ ما هو دور علم السیاسة وما هو دور العلوم الدینیة؟ ما هو دور

علم القانون وما هو دور العلوم الدینیة؟ کل الموضوعات الاقتصادیة والسیاسیة والإحصائیة وکل علوم الاجتماع، هی نشاط جید للعالم الدینی، ولکن أین دور هذا وأین دور ذاک؟.

ص:250

مهمة إصدار الحکم

لدینا طبیب له علمه، ولدینا باحث یبحث فی علم النفس ولدیه نظریات وإحصائیات وغیرها، کل هذا جید، وغیرهم. لا ینبغی أن یخسر العالم الدینی هؤلاء، ولا هم یخسرون العالم الدینی، کیف؟.

لا بدَّ من الوفاق ومنهجة العمل، لقد تراکمت بحوث کثیرة، سیکولوجیا الاجتماع وعلم النفس الاجتماعی. قبل سبع سنوات کانت هناک أربعة علوم فی مجال علم النفس الاجتماعی، والآن زادت هذه العلوم، فأین دورها؟ دورها فی الموضوعة، أما فی الحکم أو فی التوصیات أو فی القالب الشرعی، فیأتی دور الهرمیة التی بیناها فی تلفیق المجالین معاً، بمعنی أن تکون هناک مزاوجة بینهما فی نفس القضیة العلمیة، لا أن الشرعی یترک مطلبه أو الاقتصادی یترک مطلبه، بل المزاوجة فی نفس القضیة العلمیة لأن کل موضوع له حکم، فهذه یجب أن تتم بین الفریقین، ولیس من فریق واحد، لأن هذه الموضوعة لها اختصاصیوها، وهم أصحاب النخبة فی العلوم، أما الحکم الشرعی والرؤیة الشرعیة فمن اختصاص من هم فی المجال

ص:251

الشرعی.

حینئذ المزاوجة فی العمل تؤدی إلی نضج وبلورة المعلومة التی شارکت فیها العلوم الإنسانیة وشارکت فیها العلوم الشرعیة، کیف یمکن للفقیه أن یُشرک اللغوی فی الموضوعات؟ دوره یأتی فی العلاقة بین اللفظ والمعنی، أین دور النخبة أیضاً فی الموضوعات والعلوم المختلفة؟ فی تحدید ماهیات أو معانی الأشیاء، المعانی، حقیقة المعدة مثلاً فی الطب، حقیقة بدن الإنسان، حقیقة النفس، حقیقة الظاهرة الاجتماعیة...إلخ، فهذه غیر مرتبطة بالألفاظ، هنا لا بدَّ للفقیه أن یعتبر أن هناک نفوذاً وإمضاء لآراء النخبة، ولکن أین منطقتهم؟. فی الموضوعة. فکما یعبِّر الفقهاء: قول اللغوی حجَّة، وقول أهل النخب والتخصصات حجة أیضاً، أو « قول أهل الخبرة فیما هم فیه خبرة حجَّة »، أما أن یکون قول المهندس مثلاً فی الطب حجَّة، فهذا غیر صحیح، وکذلک قول الفقهاء فیما هم فیه خبرة - وهو الفقه- حجَّة، حینئذ المعلومة التی تترکب من

موضوعة تخصصیة ومن حکم ورؤیة دینیة یصیر فیه-ا مزیج من خبرتین.

ص:252

عهد مالک الأشتر وکوفی عنان

أتذکر أننی قلت إن أهل الخبرة والمتخصصین ینادوننا: لم لا تسمحون لنا بالمشارکة فی القراءة الدینیة؟. إننی أقول بالعکس إنها مفتوحة، ولکن أین؟. فی المجال الذی هم فیه، کما نحن فی المجال الذی نحن فیه. نریدهم أن یستقرئوا النظام الاقتصادی فی الإسلام ما هو؟. النظام السیاسی فی الإسلام ما هو؟. النظام الحقوقی فی الإسلام ما هو؟. النظام الاجتماعی فی الإسلام ما هو؟. ما هی رؤیة الإسلام فی النظام القضائی؟. وما شاء الله من التخصصات، النظام الإداری فی الإسلام ما هو؟.

قلت لأحد الأخوة حتی کوفی عنان الذی هو مسیحی، ولیست له صلة بعلی ابن أبی طالب، قال قبل ثلاث سنوات عبارة قد سمعتها وتابعتها فی وکالات الأنباء وهی: قول علی ابن أبی طالب: «یا مالک إن الناس إما أخ لک فی الدین أو نظیر لک فی الخلق»، هذه یجب أن تعلَّق علی کل المنظمات، وهی عبارة یجب أن تنشدها البشریة، وبعد أشهر اقترح، اقترح بإصرار أن تکون هناک مداولة قانونیة حول کتاب

ص:253

الإمام علی إلی مالک الأشتر. اللجنة القانونیة فی الأمم المتحدة، بعد مدارسات طویلة، طرحت هل هذا یرشح للتصویت أم لا، وقد مرت علیه مراحل ثم رُشِّح للتصویت، وصوتت علیه الدول بأنه أحد مصادر التشریع الدولی، والآن اعتبر رسمیاً عهد علی ابن أبی طالب لمالک الأشتر وعهود أخری أیضاً فی نهج البلاغة.

إن للإمام علی شرحاً طویلاً فی النظام الإداری والنظام السیاسی والنظام العسکری وغیره، کوفی عنان بحکم إنه قانونی وحقوقی، شمَّ أن لدی الإمام علی نظام حقوقی وقانونی فی ذاک العهد عجیب، ترکع له البشریة، فی تعبیر الأئِمَّة(علیهم السلام): «لو علم الناس محاسن کلامنا لاتبعونا»، کل طبیب مدعو لأن ینشر معارف أهل البیت فی الطب، یوجد فی حوزة النجف الأشرف سبع مجلدات لطبیب عراقی فی شرح حدیث للإمام الصادق فی الطب، حدیث واحد فقط ! هذه مشارکة فی القراءة الدینیة، لماذا؟ لأن تخصصه فی الطب، الاقتصادی أیضاً مدعو لأن یأتینا ویشارک فی القراءة الدینیة، وکذلک العالم فی المجال الاجتماعی والنفسی وغیرهم.

باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر هو عبارة عن باب فی علم الاجتماع، وللفقیه أن یشارک أیضاً فی آلیة هذه القراءة فیتناول الموضوعة من الزاویة الدینیة، وهنا تصبح حینئذٍ المشارکة (عقل جمعی) و (علم جمعی)، أما الاستبداد والاستفراد فهو خطأ کأن یقول التخصصی

ص:254

نحن فقط ولا غیرنا، فهذا استبداد وخطأ، کلٍ وتخصصه، ولکن قد یکون هناک من له کفاءات متعددة، فیمکن أن یکون فقیهاً واقتصادیاً وأدیباًً وشاعراً، فهذا موجود، نحن لا نتحدث هنا عن الشخص بل عن الخبرة، إذن لا یوجد فی الواقع صدام، وإنما توجد عنونة ومنهجة وتبویب.

المحاور: سنؤجل الآن موضوع المشارکة، مشارکة الفقیه وعلماء التخصصات الأخری فی إدارة المجتمع وفهمه، فذلک موضوع إشکالی کبیر، ولا یمکن أن یکون مقترح شکل المشارکة الذی تفضلت به والذی هو أشبه بالمحاصصة السیاسیة، مقنعاً لأهل النخبة خصوصاً النخبة التی تشتغل فی علوم الخطاب ونظریات النقد والتأویل. بودی أن أسألک عن تفسیرک للرواج الذی أخذ ینتشر فی السنوات الأخیرة للموضوعات المتعلقة بقضایا العقل العملی، کنظریة الاعتباریات عند السید الطباطبائی التی حاول فیها تفسیر طبیعة قضایا العقل العملی..

الشیخ السند: إنه قبل الطباطبائی والإصفهانی أستاذه، بل وقبل الإصفهانی لدینا علم الأصول الفقهی، وأنا لا أقول ذلک من أجل المبالغة، ولا لأجل التطبیل والدعایة، ابن الشیخ الوحید الخراسانی وهو أحد المراجع، متخصص فی علم القانون، ویوجد غیره وغیره، حتی السید علوی البروجردی دُعی فی الجامعات الأمریکیة للمشارکة فی

ص:255

محاضرات وندوات علمیة، وکثیر کثیر غیره، الآن أصول الفقه، ما هی أصول الفقه؟ هی أصول القراءة القانونیة، أنا لی تسمیة أکادیمیة هی أن أصول الفقه هو (فقه القانون) أو (أصول القراءة القانونیة)، وهذه قد نمت ولله الحمد فی الحوزة بشکل جبار، یقولون صار بها تضخم وتکدُّس بسبب تراکم الجهود بشکل متطور، إن أصول الفقه فی الواقع والکثیر من البحوث التی أنجزت فیه خدمت جملة من النظریات فی القانون.

الطباطبائی استفاد من تراث علم الأصول، أنا أصطلح علی علم أصول الفقه بأنه (منطق منهجة للمعرفة البشریة)، بالطبع مع ملاحظة اختلاف مشارب المدارس المنطقیة، فهناک المنطق الریاضی، والمنطق الاجتماعی، والمنطق النفسی، والمنطق الأرسطی الیونانی، وغیرها من المدارس الکثیرة الخاصة بکل نوع من أنواع المعرفة البشریة سواء

فی العلوم الإنسانیة أو التجریبیة، أصول الفقه أیضاً منهجة منطقیة،فی العلوم الإنسانیة أو التجریبیة، أصول الفقه أیضاً منهجة منطقیة، لکن لماذا؟. منهجة منطقیة للمعرفة الدینیة، فهل السید الطباطبائی هو من بدأ بذلک کما تفضلتم؟ لا، هو تراکم جهود وصلت إلی ما وصلنا إلیه.

المحاور: إن تساؤلی هوعن فاعلیة (العقل العملی) الآن، أی الفعل الذی یقدِّمه إلی (المعرفة الحدیثة) التی تعمل علی....

ص:256

الشیخ السند: (المعرفة الحدیثة) فی أی علم؟.

المحاور: (المعرفة الحدیثة) کما تبدو فی ممارسة علم النفس والاجتماع والمنطق والریاضیات، کلها الآن تستقی...

الشیخ السند: یجب أن لا نخلط بین العلوم الإنسانیة وهرمها والعلوم التجریبیة، فتلک لها وادٍ وهذه لها وادٍ آخر.

المحاور: نعم هذا صحیح، ولکنها تخضع لنظام معرفی معیَّن تتبادل من خلاله الحوار والتأثیر والتعاون..

الشیخ السند: هذه تبحث فی نفس نظام المعرفة، هذا الترتیب الذی ذکرته لیس حوزویاً، هذا ترتیب بشری، والکل الآن یقر به، الذی هو نظام العلوم الإنسانیة، قد بینت لک هیمنة العقل العملی، إننی لا أتحدث عن هیمنة العقل العملی من زاویة الرؤیة الشیعیة، حتی الرؤیة الأشعریة والمادیة والفرویدیة أو الکانتیة أو الهیجلیة. إن موقع العقل العملی موجود من أی مدرسة استقیت العقل العملی، هذا موقعیته بعبارة أخری أسِّیة أی لها أصالة فی رأس الهرم، لسنا نحن الذین نقول بذلک، فأی مقنن مثلاً لا بدَّ أن یبحث فی فلسفة الأخلاق، فهذا ترابط منطقی فطری فی الإنسانیة، الإنسان الفرد أو المجموعة، أما أن تأخذ العقل العملی فی نظریة هیجل أو فروید أو غیرها من الأسماء، المهم هذه موقعیته، لا یمکن لقانونی أن یتنکر لبحث فلسفة الأخلاق ثم یبحث فی القانون، لا یمکنه ذلک.

ص:257

المحاور: إننا نتحدَّث عن العقل العملی فی صیاغته الحوزویة، هذه الصیاغة لها أفق فهم مختلف عن أفق فهم العلوم الإنسانیة کما بلورتها التجربة الغربیة، ولا یمکنک تحت تسمیة (العقل العملی) أن تدرج تجارب وآفاق مختلفة فی تصور موحَّد انطلاقاً من رؤیة فلسفیة لا تضع فی اعتبارها البعد التاریخی والحضاری فی تشکل هذه العلوم.....

الشیخ السند: إنَّ للعقل العملی أمومة، هذه الأمومة لیست مختصة بالمدارس الحوزویة، بل کل المدارس. من أجل أن یکون البحث علمیاً ولیس خطابیاً، لو سألنا ما هو تأثیر العلوم التجریبیة علی العلوم الإنسانیة، فهذا بحثه یختلف، یوجد بحث عن دور المنطق فی العلوم التجریبیة ودور للمنطق فی العلوم الإنسانیة، ذاک بحث آخر، ما هو الدور الأمومی للعقل العملی علی العلوم؟. سواء علی الفلسفة المادیة أو الفلسفة الإلهیة أو الیونانیة أو الإسلامیة أو غیرها، لا یمکن بالطبع لأی باحث فی العلوم الإنسانیة أو فی العلوم التجریبیة إلا أن یمشی علی منهج منطقی معین، حتی الریاضیات لها منطق ومنهج وفلسفة.

توجد علوم تجریبیة وتوجد علوم إنسانیة وتوجد نظریة للمعرفة، هذه الوصایة للعقل العملی علی العلوم الإنسانیة، لیست هی خاصة برؤیة الحوزة أو بالرؤیة الدینیة، بحث العقل العملی یوجد عند الیونانیین وفی جمیع الفلسفات. إن فلسفة الأخلاق مادة أساسیة فی علم الحقوق، سواء کان فی القانون الشیوعی أو الاشتراکی أو غیره،

ص:258

وهذا غیر مختص بالحوزة..

إن هیمنة (العقل العملی) وأبوته، وأمومته، وأسِّیته، لبقیة العلوم الإنسانیة، لا ریب فیها، لأن هذا أحد الأسس ولا أقول الأساس الوحید.

المحاور: دعنا نعید السؤال بشکل آخر. (العلوم) ضمن التصوُّر الحوزوی المنبثق من(العقل العملی) إذا وضعناها قبال ما تقدِّمه الآن العلوم الإنسانیة التی بلورتها الجامعات الغربیة کعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأنثر و بولوجیا وعلم التاریخ وعلم السیاسة. فکیف یمکننا المقارنة بینها؟.

الشیخ السند: إن الدور فی الواقع هو نفس الفکرة التی ذکرتها لکم فی سؤال سابق، الآن انظر إلی فلاسفة الغرب، ما هی موقعیتهم من الحکمة العملیة؟ ما هی موقعیتهم مع علم النفس الغربی ومع علم الاجتماع؟. علوم النفس وعلوم الاجتماع الموجودة فی الدول الغربیة، دورها هو بالضبط الشرح الذی مرَّ علینا، دورهم فی توضیح موضوعة الاجتماع وموضوعة النفس، وإحصاءات میدانیة وتجارب ونظریات وقوانین، هذه کلها تدخل فی ماذا؟. فی الموضوعة الاجتماعیة، أو فی الموضوعة النفسیة، نفسیة الفرد أو الأسرة وما شابه ذلک.

یأتی بعد ذلک فیلسوف الحکمة العملیة ویعطی منهجة ونظریة فی المعرفة تحکم بأن هذا الباحث فی علم النفس هل نتائجه خاطئة أم

ص:259

صحیحة، ویأتی المقنن القانونی ویستفید منهما ویحدِّد إن کانت هذه الموضوعات فی القانون ممنوعة أو غیر ممنوعة. المقنن الإنکلیزی قبل أن یسن قانون معیَّن علی ضوء النتائج التی قدمها له باحث النفس الاجتماعی، لدیه فلسفة أخلاقیة.

أتذکر أنی تابعتُ برنامجاً له رواج فی القناة الإیرانیة، حول فلاسفة الإنکلیز الموجودین الآن، کان أربعین حلقة، وقد طبعت فی کتاب، والبرنامج هو عبارة عن فیلسوف یجری حوارات مع الفلاسفة الإنکلیز الذین یبحثون فی الإدراک ونظریة المعرفة، لماذا؟. لکی یقدِّموا أسساً بعدها، لهذا المقنن الإنکلیزی لیصبح لدیه مثل النتاج فی صیغة نظریات فی فلسفة الآداب والأخلاق وما شابه ذلک من الأمور التی یستند إلیها المقنن.

المقنن لا بدَّ أن ینتخب مدرسة فلسفیة، تضع فی ضوء فلسفة أخلاقیة أسساً واضحة وعامة، مثلاً هنا الفضیلة الکذائیة هی الأهم، وهنا هل هذه فضیلة أم رذیلة، لا بدَّ أن تکون لدیه رؤیة معینة، حینئذٍ یأتی ویستعین بالعلوم الأخری فی الموضوعات، یأخذ کذا موضوعة ویؤسس علی ضوئها حکماً یهدف إلی إیصال المجتمع البریطانی إلیه. إذن ترتیب حلقات العلوم هو ترتیب عضوی بنیوی، لکل واحد فیه دور، انظر مثلاً إلی الاشتراکیة الشیوعیة عندما نشأت، أول ما نشأت لا بدَّ وأن لها رؤیة کونیة، تسمَّی عقائدیة، ثم فلسفة أخلاقیة، وعندما

ص:260

ینتهی من الفلسفة الأخلاقیة یأتی إلی البحث القانونی، ینتهی من البحث القانونی یأتی إلی النظام السیاسی، النظام الاقتصادی، النظام القانونی، القضاء، هذه هی الطبیعة التی خلقها الله تعالی فی الإنسان، الإنسان الفرد أو الانسان المجموع، أول ما یبدأ، یبدأ بالرؤیة الکونیة ثم الآداب والأخلاق وهکذا..

المحاور: الفلسفات غیر الأیدیولوجیة أو الأکثر تحرراً من هذه الأیدیولوجیات، لا تحکمها هذه التصورات الهرمیة بهذا الشکل الصارم.....

الشیخ السند: لا یمکن أبداً، خذ الرأسمالیة المادیة البحتة، الطاغیة، انظر إلی کتاباتهم فی القانون، لا بدَّ أن یبدأ من فلسفة من أجل أن یؤسس مفهومه للحقوق، هو یقول: أخلاق، فضیلة أو أخلاق رذیلة، لا بدَّ أن یبنی له رؤیة لکی یوجد حقائق، ماذا یقول؟. مصالح وعدم مصالح، لا بدَّ أن یبدأ بالرؤیة الکونیة ثم الآداب والأخلاق ثم النظام الحقوقی ثم النظام القانونی، هذا ترتیب ریاضی عضوی لا یمکن فکه، هذه درجات تکوینیة سواء کنت أؤمن بالمیتافیزیقا أو لا أؤمن، الجهاز الوجودی هکذا طبیعته الهرمیة. لدینا فلاسفة مادیون، هم بأنفسهم ینظرون لأجل الأخلاق المادیة، الآن قد یقول قائل: ما الذی یمنع من زواج الرجل بالرجل؟. یحاولون أن یفلسفونها ویقننونها، یقولون إنه بحاجة لأن یشبع رغباته، لماذا؟. لأن الفرد مطلق فی حقوقه، والفضیلة

ص:261

فی أن یشبع الرغبات، فلا بدَّ من أن یفلسف ویعلل، إذاً لا یوجد مفر من هذا الجانب.

المحاور: ولکن فی فلسفة العلوم التی تقرأ الإنسان وتحاول فهمه، وفهم مسیرته وسلوکه وتاریخه، تبقی لهذه العلوم درجة من الاستقلالیة، فهی لا تخضع بالضرورة إلی هذا التصوُّر الهرمی، بل إنَّ هذا التصوُّر الهرمی هو أحد موضوعاتها التی تعمل علی قراءتها ونقدها؟.

الشیخ السند: نعم، طبعاً بحث المعرفة علی أی مشرب، سواء کان مادیاً أو میتافیزیقیاً أو غیر میتافیزیقی، جنسی أو فرویدی أو غیره، إن البحث فی المعرفة یهیمن بالطبع علی العلوم الإنسانیة، ویهیمن علی العلوم التجریبیة، حتی الریاضیات لها فلسفة، تنظم تحت الفلسفة العامة. من یقول لک إن اثنین زائد اثنین یساوی أربعة؟. هذا تلقین قد لقنوک إیاه واقتنعت به، اثنان زائد اثنین لعله یساوی خمسة! مجموع زوایا المثلث قد لا تکون مائة وثمانین. هذه البدیهیات تُناقش الآن، هل هی صحیحة أم خطأ، إن نظریة المعرفة تهیمن ولها جبروت حتی علی الریاضیات والجبر والهندسة والفلک.

ص:262

فرضیة تکوین الذرة

هل تعلم أن تکوین الذرة من بروتون ونیترون وإلکترون، لیست حقیقة إنما نظریة، إنها فرضیة ولحد الآن لا یعلمون هل أن الذرة هی بروتون ونیترون وإلکترون، أم أن هذه فرضیة خاطئة، لقد جاء نابغة إیرانی من طهران عمره أربعة وثلاثون عاماً، من جامعة هارفارد، قال إن هذه الفرضیة خاطئة، الذرة رغم إنکم عملتم منها الانفجار النووی والقنابل النوویة. هذا الشاب کان مقدم فی الجامعة من أجل الماجستیر، فمُنح رتبة بروفیسور، لقد أحضروه إلی إیران وأجروا معه مقابلات، هذا النابغة قال: نحن لا یوجد لدینا بروتون، نیترون، إلکترون، ما لدینا هو (خیوط طاقیة)، قیل له من أین أتیت أنت بهذا، قال: هذه أیضاً فرضیة لکنها أقرب إلی الواقع من تلک، جاء عالم إنکلیزی وأکمل هذه الخیوط الطاقیة بشیء آخر، فما الذی حدث؟. کانوا یعتقدون أن الجسم له أربعة أبعاد، ولکن وفق نظریة هذا الإنکلیزی أصبح للجسم عشرة أبعاد، قیل له ما تأثیر هذا علی علوم الفیزیاء والفلک والأحیاء والکیمیاء والطاقة والذرة وعلوم الفضاء

ص:263

وغیرها، قال: أتوقع بعد کم عقد من السنین یصبح تفجُّر فی العلوم، نحن نتعامل مع ظواهر صحیحة بُنیت علی فرضیات خاطئة.

إن موقعیة نظام المعرفة، وأنا لا أتحدَّث عن أیة مدرسة منطقیة او فلسفیة هی الصحیحة، إن کلامی حسب السؤال، ما هو موقعیة نظام المعرفة والفلسفة علی العلوم الأخری؟. نقول إن له الأمومة، سواء أردت أن تتخذ مدرسة فی الفلسفة الإنسانیة أو الفلسفة الهندیة أو الفلسفة الفارسیة القدیمة أو المصریة أو غیرها، سواء کانت فلسفات حدیثة أو قدیمة، المهم أن نظام المعرفة هو الذی یتحکَّم فیها ویهیمن علیها. قضیة ترتیب العلوم هذه لیس ترتیباً یتنازع فیه اثنان من الأکادیمیین فی أی بقعة من الأرض، أما أن أختار أی مدرسة؟. فذاک بحث آخر.

إن إحدی مشکلات العلمانیة الغربیة فی تلقی المسلمین لها، تکمن فی أنها تأتی وتخلط لنا الأوراق، مع احترامی للعلمانیین العرب، أنا أقول إنهم لیسوا بکفاءة العلمانیین الإیرانیین، ما هو السبب؟. السبب هو أن الفلسفة فی إیران قویة جداً، والعلمانیون الإیرانیون أکفأ فی فهم النظریات الغربیة العلمانیة من نصر حامد أبو زید ومن الجابری والأنصاری وغیرهم، مع احترامی لهم، ولکنهم لیسوا ذوی تضلع قوی فی البحوث الفلسفیة، وتظهر هذه المشکلة فی کیفیة أخذ القراءات أو النظریات التی یطرحونها ویُسوِّقها، وأنا لا أرید أن أفنِّد

ص:264

أو أصحِّح.

المرحوم الشیخ عبد الکریم الزنجانی، لا أدری إن کنتم سمعتم به أم لا، أستاذ السید الخوئی، لقد سافر إلی مصر بنیة التقریب بین المذاهب، حتی أن طه حسین قد قبَّل یده فی المؤتمر الإسلامی فی فلسطین، وقال هذه أول مرة أقبِّل یداً، إعجاباً بها، الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء فی النجف، أیضاً قام بهذه الخطوات، لکنه لم ینجح فی تقارب الأنظار والرؤی. لقد تفاعل الشعب المصری والأردنی والشامی مع الشیخ عبد الکریم الزنجانی، حتی إنه خطب فی المسجد الأموی خطبة مجلجلة، ولم یصعد هذا المنبر من شیعة أهل البیت إلا الشیخ عبد الکریم الزنجانی. قال له الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء: أنا ذهبت ولم أنجح هذا النجاح الذی حققته أنت، وأنت لست عربیاً وأنا عربی ! قال له: لأنک ذهبت وسابقتهم بالأدب، وإن کان لدیک باع فی الأدب، ولکن مصر هی أم الأدب. أنا ذهبتُ لهم بعلم الفلسفة والمنطق ولیس لدیهم باع فیه.

للعلامة الطباطبائی عبارة لطیفة یقول فیها: أنا أتعجب من الشیخ محمد حسین آل کاشف الغطاء، قالوا له: لماذا؟ قال: لأن هذا عربی ویحب الفلسفة وأنا لا أری عربیاً یحب الفلسفة ! لیس مقصودی الأفراط فی هذا التقییم، ولکن الباع الفلسفی مؤثر فی هذا البحث بغض النظر عن الفلسفة المتبناة.

ص:265

المحاور: رغم تعدُّد مدارس العقل العملی، یبقی الرجوع للمنطق الأرسطی، إطاراً مشترکاً بینها، یرجع إلیه العلماء فی الحوزات الدینیة، ویتصوَّرون علی أساسه أیضاً المعرفة وبنیتها. هذا المنطق الأرسطی تعرَّض فی العصر الحدیث إلی النقد وقد تمَّ تجاوزه فی أمور کثیرة جداً، أما (العقل العملی) فیبدو أنه ما زال وفیاً لهذا المنطق ویدور فی فلک هیمنته..

الشیخ السند: أما بالنسبة لاعتماد الحوزة علی المنطق الأرسطی، فأقول لک لا، إن لدیها عدة مدارس متکاملة، مدرسة التفکیک لا تعتمد علی المنطق الأرسطی، بل هی تناقشه وتفنده، مدرسة أخری أیضاً کلامیة تنتقد، هناک قواعد علم الکلام المستقلة عن المنطق الأرسطی، ولدی الشیعة مدارس منطقیة أصلحت المنطق الأرسطی، أما أن یکون فی المنطق الأرسطی بنود ما زالت تستصحها الحوزة فهذا صحیح، أما أن تکون المدرسة المنطقیة الأمثل، فلا.

ولأضرب لک مثالاً مقولة الإمام علی: (حُب الشیء یعمی ویصم)، هذه قاعدة عملیة لا نجدها فی المنطق الأرسطی، ولا یعطیها أی دور فی الاستنتاج الفکری للإنسان، لکن أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول: نعم إن لها دوراً. (حُب الشیء یعمی ویصم) أی یعنی أنه یجعلک لا تری الحقیقة. من تعابیر أمیر المؤمنین أیضاً الموجودة فی نهج البلاغة، إن طهارة النفس تؤثر فی استنتاج الإنسان، وکدارة النفس أیضاً.

ص:266

توجد بنود کثیرة فی المنطق مارسها المتکلمون، ولکن لماذا یختلف المتکلمون عن الفلاسفة؟. لأن المتکلمین یتقیدون ببنود الشریعة للمنهج الذی تطرحه الشریعة، هم یحاولون بلورة المنهج الذی تطرحه الشریعة، ومن جانب آخر عندهم الجهة العقلیة قویة.

المعرفة الدینیة بالذات محکومة بقوة بمدارس عدیدة لا تخضع للمنطق الأرسطی فقط، إنها تستصوب من المنطق الأرسطی ما تراه صواباً، وأضافت إلیه الکثیر من المدارس، کالمنطق الاجتماعی مثلاً، والذی یسمَّی فی لغة القرآن بالظاهرة الاجتماعیة، من المعروف: إِنَّ اللّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (1)، هذه ظاهرة اجتماعیة یطرحها القرآن ویطرح منطقها و نتائجها وما شابه ذلک. کیف اقتنعت هذه الأمة؟. أو لمَ لمْ تقتنع؟ ولمَ صارت لدیها هذه الرؤیة ولیست تلک، فهذا علم اجتماعی موجود فی القرآن الکریم، وموجود فی أحادیث الرسول(صلی الله علیه و آله) وموجود فی نهج البلاغة أیضاً وفی روایات الأئمة، کالمنطق النفسی أیضاً موجود فیها، هذه المدارس المنطقیة الحدیثة الموجودة بشکل بوادر تأسیس أو ربما واصلوا فیها مسیرات، هذه موجودة فی بحوث الفقه وإن لم تکن باللغة الحدیثة..

المحاور: موجودة کآراء؟.

ص:267


1- (1) سورة الرعد: الآیة 11.

الشیخ السند: لا، لیس کآراء فقط، بل کبحوث ومنهجیة، لکن المشکلة الموجودة بین الحوزة وبین الشارع العام المتغیِّر هو اللغة، ولیس المقصود قواعد اللغة النحویة، من باب المثال مثلاً کلمة (لعن)، بدأت نظرة فلسفیة جدیدة أو نظرة اجتماعیة تقول ما هذا اللعن وهذه الأحقاد!؟. وفی القرآن موجودة کلمة لعن، ولکن لو أتینا بهذه الکلمة للغة الحدیثة، فسوف یکون لدینا تصوُّر آخر لها، وهذه مشکلة منهجیة مهمة أطرحها فی القراءات الدینیة، خذ کلمة (إدانة)، (شجب)، رئیس الوزراء الیابانی فی أول یوم وفی أول شهر من هذه السنة المیلادیة، ذهب لزیارة قبور جنرالات الجیش الیابانی فی الحرب العالمیة الأولی، ضجَّت الصین ووزارة الخارجیة وحدثت مظاهرات، ما القصة؟. کان ذلک اعتراض علی زیارة الرئیس الیابانی لقبور جنرالات الیابان، کوریا أیضاً والتی هی فی الفلک الأمریکی وفی حلف مع الیابان، حدثت فیها ضجة واعتراضات رسمیة علی هذه الزیارة، العام الماضی تکرر نفس الحدث أیضاً. الصین وکوریا الجنوبیة تعترضان علی هذه الزیارة لأنهم یرون أن هؤلاء ارتکبوا جرائم سفک دماء بشعة فی حق شعب کوریا الجنوبیة، ولأنهم یحملون رؤی وأفکاراً عرقیة، وعندما یقوم الرئیس بزیارتهم فإنه یتضامن معهم، فی حین أن علیه أن یدین مدرسة وفکر هؤلاء الجنرالات لا أن یتضامن معهم، ما معنی یشجب؟. ما معنی یستنکر؟. ما معنی یدین؟. هی تعنی (لعن).

ص:268

إذاً الأزمة التی أراها فی إیصال الرؤیة الدینیة إلی الشارع العصری هی أزمة جسر (اللغة)، وإذا کان بإمکاننا بناء هذه اللغة، فیمکن حینئذٍ إیصال الکثیر من التنظیرات والبلورات والرؤی والأطر فی العلوم المختلفة.

المحاور: فی نقد المنطق، هل تبلور شیء نظری یعید قراءة هذا المنطق من جدید أو یعید نقده؟.

الشیخ السند: من باب المثال والنموذج أذکر مدرسة التفکیک..

المحاور: وإن کانت تقوم علی نفی المنطق کله..

الشیخ السند: لا، لا، هنا تنفی شیء آخر. محمد أمین الاستربادی فی کتابه الفوائد المدنیة، لدیه نقاشات لطیفة وبارعة للفلسفة الیونانیة وللمنطق، وکذلک الشیخ جواد الآملی والشیخ مصباح الیزدی، لقد لاحظوا إشکالات علی المنطق الأرسطی.

المحاور: أود أن ننتقل فی هذا الجزء الثانی من الحوار إلی موضوع قراءة العقل العملی للمجتمع وفق ممارسة الحوزة، وهنا أود أن نتطرق إلی قراءة العقل العملی للمجتمع والإنسان والنصوص. من المعروف أن العقل العملی یهتم بما ینبغی وما لا ینبغی فی المجتمع، ما ینبغی وما لا ینبغی کما یقول أکثرهم ینتمی إلی أحکام المشهورات، وهی أحکام یصفها بعضهم بأنها قضایا کاذبة...

الشیخ السند: فرقٌ بین (الکاذبة) و (التکوینیة). الاعتباریة، لا

ص:269

وراء لها وراء الاعتبار، هذه النظریة أخطئها أنا، ومذهب الإمامیة یخطئها، وإن کان بعض رواد الإمامیة یتبناها..

المحاور: سنتعرَّض إلی نظریة الاعتبارات، خصوصاً عند السید الطباطبائی، لکن نرید أن نتعرَّف علی وجهات نظرکم فی البدایة، فی ما یدور من نظریات فی هذا المبحث، تتعلق بطبیعة القضایا من حیث یقینها ونسبیتها أو کما یقال اعتباریتها وتکوینها.

الشیخ السند: فی الواقع الاهتمام بهذا المبحث هو وراء قصة تألیفی لکتاب (العقل العملی). لقد قرأت کثیراً فی فلسفات الیونان والفلسفات الغربیة الحدیثة، لقد کانت تشغلنی أثناء دراستی لما یسمَّی بمقدمات السطوح، النظریة التی یطرحها الفیلسوف القدیر الأصفهانی أستاذ العلامة الطباطبائی، هذه النظریة لا تتوافق مع ثوابت متکلمی أهل البیت من أنَّ الکثیر من الأدلة النظریة ترافقها، وتعاضدها، وتنضم إلیها، إضافة إلی أدلة من العقل العملی. کنت أتساءل: کیف نبنی رؤی کونیة علی أمور اعتباریة !؟. إذن یصبح هذا الاستدلال کله ترفاً؟.

هذه (الرؤیة الاعتباریة) کنت أستبعدها، والحلول التی یطرحها المرحوم الأصفهانی، مع أنها اعتبار إلا أنه لا یقول إنها عملیة کاذبة، حتی الأشعریة السنة أیضاً لا یقولون إنها کاذبة، وعندما تأتی إلی الفلسفة الغربیة لا تقول إنها کاذبة، تقول هذا شیء آخر، تقول هذا

ص:270

اعتبار، فرضیة، الاعتبار الأدبی أو القانونی هو فرضیة تنظم أفعال الفرد أو الأسرة أو المجتمع، هذه الفرضیة یقولون لیس لها ظاهرة کونیة محسوسة مثل لون، جسم، مادة، طاقة، إنها فرضیة ونحن مضطرون إلیها، لأن المجتمع لا یمکنه بدونها أن ینتظم أو أن یُدار، وعلم الإدارة هو دم المجتمع ودم النظام الاجتماعی، فرضیات بمعنی اعتبارات أدبیة،

أی (لازم) و (غیر لازم)، وهی تنظم المجتمع فی کل حقوله وکل مؤسساته، حتی فلاسفة الغرب الآن أو المحدثین أو القدماء والأشعریة السنة وبعض الإمامیة، لا یقولون إن هذه النظریة الاعتباریة کاذبة، ولکن یقولون لیست تکوینیة، وعندما یقولون لیست تکوینیة فهم یعنون أنها اعتباریة.

ص:271

ص:272

مصدر الاعتبار

طیِّب اعتباریة ولکن من أین أتت؟. قالوا بتوافق وتراضی الأکثر أو الکل، وحقیقتها تنشأ من الحاجة إلی النظام الاجتماعی، لأجل وصول کل فرد فی المجتمع إلی کماله وإلی تلبیة حاجاته، لکی لا یحصل تصادم، وهم یعبِّرون عن ذلک بأنه توجد حقائق تثمر فوائد، وتوجد حقائق هی التی دعت إلیها، ولکن هو ما حقیقته نفسه؟. إن حقیقته أنه (اعتبار)، أی لیست له أیة صلة بالتکوینی، إنه فرضیة، مثل الذرة مثلاً فی العلوم التجریبیة، یقولون إن ترکیب الذرة من إلکترون وبروتون ونیترون لیس حقیقة علمیة، ولحد الآن لا یستطیع العلم أن یدلی فی ذلک، فقط هی ظواهر، رغم أنه وصل إلی الانشطار النووی، لقد توصل العلم إلی أن هذا الشیء الضئیل یمتلک طاقة، وهذه کلها تسمَّی ظواهر، شیء ولکن لا نعرف هذا الشئ ما هو، ولکن بحسب ظواهره أستطیع أن أتصرَّف فیه إلی حدٍ ما، فأستخرج منه طاقة، ولکنه هو ماذا؟. یبقی فرضیة، إلی أن جاءت فرضیة أخری للعالم النابغة

ص:273

الإیرانی الذی سبق أن ذکرته، یقول إن هذا الشیء لیس ذرة ولکن خطوط طاقیة وأکملَ هذه النظریة عالم إنکلیزی.

إذَنْ یوجد فرق فی نظام المعرفة حتی فی العلوم التجریبیة بین (الفرضیة) و (الحقیقة)، هذا ما أرادوا أن یقولوه، إن هذا الاعتبار صحیح إنه لیس تکوینیاً، فلا نخدع أنفسنا، هو فرضیة ولکن الحاجة التکوینیة تدعو إلیه، وهو یثمر فوائد وکمالات ونمو وتطوُّر تکوینی.

طبعاً هذه النظریة لا تقرها مدرسة أهل البیت، ربما فقط من عشرة إلی عشرین بالمئة من علماء الإمامیة یتبنّون هذه النظریة، ولکن مع خلاف آخر مع الفلاسفة، هذا الاعتبار الذی یبرمجه الخالق أکفأ فی البرمجة من البشر، لأنه محیط بأسراره، أما أصحاب المذهب القانونی الأنکلوسکسونی فیقولون إن البشر بحکم التجربة یکتسبون قوانین أکثر، لذلک فی إنکلترا فی القضاء وفی القانون، لا یوجد لدیهم قانون مدوَّن، إنهم یسمونه (تجارب قانونیة مدوَّنة)، والقاضی أو البرلمان أو المحکمة الدستوریة، لها الحق أن تستفید من أی تجارب قانونیة بشریة موثقة، وتسن بناءً علیها قوانینها، لذلک فی نظریتهم وقانونهم الأنکلوسکسونی، یقولون إننا لا نؤمن بقانون مدوَّن، ولکن القانون الفرنسی قانون مدوَّن، قد تطرأ علیه تغییرات بحکم التجربة هذا بحث آخر، لکنه لا بدَّ أن ینطلق من أصول قانونیة ثابتة، وتوجد مدارس قانونیة أخری عدیدة، لا أرید أن أدخل فیها لکی لا تضیع

ص:274

أصل الفکرة.

إذن الجمیع یؤمن بالحاجة إلی الفرضیة القانونیة، فإذا لم یکن هناک نظام فی المجتمع البشری، فسوف یصبح مجتمع غابی حیوانی، والفرق بین الإسلامیین وبین الغربیین اللذین یؤمنون بهذه النظریة، هو أن الغربیین یرون أن الحُسن والقبح وأحکام العقل هی اعتباریة وفرضیات لا حقائق تکوینیة. الإسلامیون القائلون بالاعتبار یقولون إن الأکفأ الذی ینظم هذا الاعتبار هو الله عَزَّ وَجَلَّ، والله عَزَّ وَجَلَّ له بُنیة من النظم القانونیة الاعتباریة الفرضیة والعقلیة والإلهیة، هذه فرضیات ثابتة، ویوجد جانب متغیِّر فی التطبیقات، فیصبح الرأس هو البُنیة کما فی المخروط والقاعدة هی الشجرة، البُنیة الأصلیة الله عز وجلّ یأتی بها، ولها درجات من الثوابت، وللنبی وَالأئِمَّة(علیهم السلام) أیضاً أدوار فی التشریع، ثم یأتی بعدها دور الاجتهاد ودور التطبیق وهلم جرا، ودور التفریع والمشجرات المنظومیة القانونیة.

هذه هی نظریة القائلین بنظریة الاعتبار فیما ینبغی وما لا ینبغی، وهذا هو الفارق بشکل موجز بین الاسلامیین والغربیین، توجد بینهم مشترکات واختلافات، لکن لا یعبِّرون عنها أنها کاذبة نعم قد تکون خاطئة إذا أثبتت التجربة ذلک کما یقول الغربیون.

ص:275

ص:276

تمویه ابن سیناء

أما المدرسة الإمامیة وهی مدرسة أهل البیت فتقول: قضایا العقل العملی تکوینیة، وأستطیع أن أقول إن تسعین بالمائة من علماء أهل البیت، من مفسرین ومحدِّثین یقولون إنها تکوینیة. لقد توصلت من خلال بحثی إن ابن سیناء مع الأسف کان له ریادة فی هذا التمویه الفنی أو التلبیس بشکل مقصود أو غیر مقصود بحسن نیة أو بسوء نیة. وقد جعل یوهم الرعیل الذی بعده من الفلاسفة الإسلامیین: أن الفلسفات الیونانیة کلها تتبنی النظریة الاعتباریة فی الحسن والقبح. ولکن من خلال تنقیبی فی فلسفة أرسطو وأفلاطون والفارابی والفلسفات الهندیة والفهلویة والمصریة، وجدتها کلها تقول إنها ظاهرة تکوینیة فی بنیتها الأصلیة الأولی، ولیست اعتباریة، نعم قد تختلف فی تفریعاتها التی یواصلها العقلاء بعد ذلک، هذا شیء آخر، ولکن متکلمی الشیعة سدوا هذه الثغرة، واستمرت مسیرة الفرضیة الاعتباریة بعد ابن سیناء وأخذت فی التجذر إلی زمن الکمبانی الذی اعتبر الکل

ص:277

اعتباریات ولیس لها أی نسبة فی التکوینی والعلامة الطباطبائی زاد التشدد ف--ی هذا الاتجاه.

أعود لابن سیناء، إن الفحص الذی أجریته خلال أربع صیفیات، أوقفنی علی ابن سیناء، لأن له الریادة، لقد قام بتمویه، جعل یوهم البعض من رعیل الفلاسفة الإسلامیین أن الحُسن والقُبح فی(العقل العملی) عند الفلسفة الیونانیة هی فرضیة اعتباریة، ولعل نسبة یسیرة منه تکوینیة، أما النسبة الکبیرة منه فاعتباریة، فصرت أبحث وأبحث فی کتب ابن سیناء، فی الشفاء والإشارات والنجاة وغیرها، وهذه موسوعات کتب یُفترض منها أن تفسِّر وتترجم الفلسفة الیونانیة، لذلک ذهبت إلیها، لقد کان فی ذاک الوقت أرسطو وأفلاطون وفیثاغورث. هؤلاء جمیعهم یقولون خلاف ما أوهم به ابن سیناء وکذلک الفلسفة الهندیة، نفس النظریة لدیهم، یقولون إنه ظاهرة تکوینیة فی بنیته الأصلیة والأولی وأصلیته، إن کانت توجد تفریعات اعتباریة قد یواصلها العقلاء فذاک بحث آخر، أما نفس العقل وحکم العقل فلا بدَّ أن یکون تکوینیاً، والأمر کذلک بالنسبة للفلسفة الفهلویة، وفلسفة المصریین الإسکندرانیة.

وهذا خلاف ما قال ابن سیناء حتی إننی قلت من باب اللطیفة إلی المشایخ فی الحوزة ممن لهم الریادة فی الفلسفة والمنطق وغیره، قلت لهم: لدیَّ موقف یوم القیامة مع ابن سیناء، لماذا عمل هذا العمل؟

ص:278

لأنه لو لم یفعل هذا، لکانت مسیرة (الحکمة العملیة) مختلفة.

ابن سیناء نابغة، بدون شک، لکنی وجدت أن البراهین تقول لا، وجدت أن الفارابی لدیه براهین وأرسطو لدیه براهین وسقراط لدی---ه براهین، الهنود کذلک لدیهم براهین، والقرآن قبل والسنة النبویة، کلها تذهب فی اتجاه یخالف اعتباریات ابن سیناء.

ص:279

ص:280

مغالطة الأشعری

بدأت أتساءل کیف أن أدلة الکمبانی وأدلة ابن سیناء لیس فیها صوابیة؟. رجعت إلی خلاف المعتزلة والأشاعرة، وجدت أن أبا الحسن علی بن إسماعیل بن إسحاق الأشعری البصری (ت 326ه-) لدیه مغالطة أو لنسمِّیها تمویه خاطئ أراد به أن یحمی نظریته، الشیعة یقولون أن الحُسْن حَسَن لا یتغیَّر، والقُبْح قبیح لا یتغیَّر، هذه ثوابت تکوینیة، الله لا یضع أحکامه جزافاً ولا یجوز تقدیم المفضول علی الفاضل، کما فی السقیفة، الأشاعرة اعتمدوا ما قدَّمه الشارع لتمییز الحُسن والقبح، فلا یوجد حَسَن ثابت، ولا یوجد تکوین ثابت، فهذه کلها اعتبارات، وما یفعله الله یصبح حسناً وما لا یفعله یصبح قبیحاً، بالطبع نحن نقول إن الله فوق کل شیء ولا یُسأل عما یفعل، ولکن ماذا تقول النظریة الإمامیة؟ تقول إن منظومة الذات الإلهیة وأفعالها مرسومة علی حکمة، ومع أنه لا قانون یحکم الله، إلا أن الله یقنِّن القوانین التکوینیة وفق حکمة لا کما تفعل الدکتاتوریات.

ص:281

الثوابت التکوینیة هی تجلٍّ وإفاضة من نفس قوانین الذات الإلهیة، یوجد للذات الإلهیة نظام ربوبی، سنن ذاتیة فی الذات الإلهیة. ماذا قال أبو الحَسَن الأشعری فی قبال قول الشیعة بالکمال والنقص؟.

قال إن الذم والمدح أمور وضعیة، أی یضعها البشر کما یضعها الله، فالحَسَن یعنی المدح، والقبح یعنی الذم، هذه أمور فرضیة ولیست ظواهر تکوینیة، الظواهر التکوینیة فقط الکمال والنقص، وفرقٌ بین المفهومین، هذه اللعبة العلمیة انطلت علی ابن سیناء، وانطلت علی أبی الحسن الأشعری، لأنه لم یفککها بشکل دقیق، علی الأقل فی فهمی ورؤیتی أنا إلیه، کما انطلت علی أجیال علمیة کثیرة إلی أن جاء شخص فی کتابه (العقل العملی) وقال شیء قد قاله أیضاً علماء الشیعة، إلا أنهم لم یبلوروها بشکل دقیق، جاء هذا الشخص وقال إن هذا المدح والذم تکوینیان.

قلت هل یجوز أن یذم شخص ما بکمال !؟ لا یمکن، هذا ذمٌ کاذب، هل یجوز أن یمدح شخص بنقص !؟ هذا مدحٌ کاذبٌ أو خاطئ، إن المدح فی أصل ثوابته لا یکون إلا بکمال، والذم فی أصل ثوابته لا یکون إلا بنقص، إلا أن یمسخ الإنسان فطرته وذاته وهذا شیء آخر، ولکن، هل من الممکن أن یستحب الانسان شیئاً غیر الکمال؟.

ص:282

الکمال والنقص

قد یحصل ذلک نتیجة جهل أو تربیة فاسدة أو علوم فاسدة أو خاطئة، أو إعلام مزیَّف، فیستحب النقص، ویعتقد أنه کمال، ولکن ما هو دافعه للشیء؟. إنه یستحبه ویستهویه، دافعه أن هذا الشیء هو کمال، هل من الممکن أن ینفر الإنسان ویتبرأ أو أن یسخر من الکمال؟.

لا، هذا خطأ، قد یسخر من النقص، والقرآن یطرح هذه النظریة فی سورة الحجرات، أن السخریة بالخیریة والخیریة بالتقوی لا بشیء آخر، استهزاء، سخریة، قبح، ذم، نِفرة، هذه کلها أفعال تبرِّی، وهی أفعال ذات مراتب تقوم بها النفس، أنا أقول أن هذه الأفعال تندرج فی خانة القبح، المجتمع یستحب ویستحسن فعل معیَّن، فإذا کان هذا الفعل خطأ، فإن استحسان المجتمع إلیه خطأ، وقد غُرِّر بالمجتمع فاستحسن هذه الظاهرة الخطأ نتیجة تربیة خاطئة أو إعلام مُسیَّس، وقد یستحب المجتمع ظاهرة معینة تؤدی إلی الإجرام، کالإفراط فی

ص:283

الغریزة الجنسیة الذی یؤدی إلی الإجرام، والجریمة إذا انتشرت فی المجتمع تهدد النظام الاجتماعی والحقوق الفردیة والأسریة وغیرها، فیغرر بالمجتمع فیتصوَّر أن الإفراط فی الغریزة الجنسیة کمال وهو أقصی السعادة.

إذن لا یمکن للإنسان أن یستحسن ویستحب ویمیل إلی شیء مع علمه بأنه ناقص، قد یغلف له ویُغسل العقل الإنسانی أو الإسلامی أو العقل العربی، بغسیل ثقافی فتُزرع فیه معانٍ ناقصة، لکنه یعتقد أنها کمال، لقد حاولتُ أن أثبت هذا فی أخلاق الاجتماع، فالذم لا یفترق عن النقص، ولا یفترق المدح عن الکمال، کما ادَّعی أبو الحسن الأشعری، وتابعه علیه ابن سیناء والکثیر من فلاسفة المسلمین، وخالفهم متکلمو الشیعة بنباهة ویقظة وذکاء، وقد ظلوا علی هذا قبل أبی الحسن الأشعری وبعده، وقبل ابن سیناء وبعده، بتشدُّد وبقناعة تامَّة.

ص:284

النفرة والانجذاب

صحیح أن النفس تقوم بأفعال: النِفرة والانجذاب والتبرِّی والسخریة والتبجیل والإهانة، ولکن النفس تقوم بها بارتباط مع ظواهر تکوینیة، تنشد الکمال فتنجذب إلیه، أو تدرک نقصٍ فتنفر منه، نقص فردی أو أسری.

لا مدح ولا حمد ولا تمجید ولا ثناء ونحوها إلا بالکمال والنفع، ولا ذم ولا قدح ولا تعییب إلا بالنقص والضرر والفساد. وأن الملاءمة والمنافرة من لوازم الشیء بلحاظ کونه کمالاً بشیء آخر أو نقصاً له.

تعتقد الدولة مثلاً أن سیاسة نقدیة معینة هو الذی یحقق العدالة، لأنه لا یسبب تضخماً ولا یؤدی إلی سرقة الدولة وظلم المحرومین، وینجذب إلیه خبراء ونخبة، ثم یتبیَّن بعد عشر سنوات أنها سیاسة فاشلة، لقد ظنوا أن هذا النظام المصرفی هو العادل، ثم تبیَّن أنه هو الذی یزید الفاصل بین الطبقات المحرومة والطبقات الثریة، ویؤدی

ص:285

إلی عدم العدالة فی الثروة ویؤدی إلی الاستبداد والاحتکار.

فی کتابی (العقل العملی) قلت یوجد فی عقل الإنسان قوتان قوة العقل النظری وهی تحدد فقط الموجود وغیر الموجود، والموجب والسالب أی أنها محکومة بنعم ولا. وفیه قوة أکثر حیویة ونشاط، وهی ما نسمِّیه العقل العملی، لقد وجدتُ فی بحثی أن هاتین القوتین تدرکان شیئاً واحداً، وبینهما تعاون وتعاضد.

لکن یمتاز العقل العملی بالتفاعل، والحیویة، والتناغم، والانجذاب. العقل العملی هو هکذا لذلک للعقل العملی خاصیة تجعله ینجذب حتی إلی الله بخلاف العقل النظری، لذلک تجد أن الفرق بین الفلاسفة والأنبیاء، أن الفلاسفة ینظِّرون فقط، ولا یغیِّرون شیئاً فی المجتمعات، أما الأنبیاء فإنهم یجسِّدون الکمال النظری، ویجعلون المجتمعات تتفاعل، لذلک الله عند الأنبیاء یختلف عن الله عند الفلاسفة، الله عند الفلاسفة ذات مجمَّدة فی الثلاجة، بینما الله عند الأنبیاء حیوی متداخل مع حرکات وسکنات الشعوب والأفراد والأسر والذکور والإناث، الله حیوی حاضر موجود، بمعنی فاعلیته فی البشر ونشاطه فی البشر.

المحاور: هل الخلافات بین الذین یقولون بالاعتبار وأولئک یقولون بالتکوین خلافات لا تتجاوز المسائل النظریة ومماحکاتها التجریدیة أم أنها خلافات تمس نظرتهم إلی المجتمع وإلی العلوم والعقیدة والإنسان

ص:286

ورؤیتهم للحیاة؟.

الشیخ السند: لا، هذه الخلافات ترتَّب علیها خلافات عملیة شاسعة، مدرسة الأشعریین تقول لا یوجد ثوابت فی ما وراء الاعتبار الإلهی أی الفرضیة الإلهیة، ما وراءها قوانین أخری، هذه لا یوجد بها شیء ثابت، ما یفرضه الفقیه أو المجتهد أو الحاکم هو الصح، وهم ما یسمَّوْن بالمصوِّبة، ما یفعله السلطان باعتباره ظل الله فی الأرض صحیح، وبالتالی من الخطأ أن نعارض بنی أمیة وخلفاءهم فی المجال السیاسی وفی المجال الحقوقی وفی مجال العدالة.

بحسب بحوثهم لن نحتاج إلی إمام معصوم، من بعد النبی لسنا بحاجة إلی تغطیة من السماء فی التقنین لمستجدات الحیاة، الأشعریة یقولون لا نحتاج، إنهم لا یحتاجون، لأن سنتهم فی الجماعة، والجماعة بحسب رأیهم لا تخطئ، هذا افتراق حتی عن الشوری، انظر إلی ما هو مطروح الآن، ستجد أن بینه وبینهم بون شاسع، الدیمقراطیة الغربیة الآن، مطروحة، ونظریة الشوری السنیة مطروحة، وافتراقها عن النظریة الشیعیة الاثنی عشریة، هو أنهم یقولون أن ما انتخبه الکل أو الأکثر هو الصحیح أو بحسب القدیم ما انتخبه من یسمُّونهم بأهل الحل والعقد والسنة والجماعة هو الصحیح وهو السلیم، وهذه هی الحریة والدیمقراطیة والشوری والعدالة وهلم جرا، الشیعة تقول: لا، تقول إن العدالة غیر مرتبطة بالآراء ولیست مرتبطة بالإدراک البشری،

ص:287

العدالة ظاهرة تکوینیة، إن أردتم عدالة قضائیة أو مالیة أو مصرفیة أو إعلانیة أو قانونیة أو حقوقیة أو سیاسیة أو أمنیة أو أسریة أو فردیة أو سلوکیة غیرها، فهذه کلها لها سنن تکوینیة، وهذا البرنامج التکوینی من الله عز وجل وهو لا یخطئ، نعم یوجد ثابت ومتغیِّر، ولکن هذه السنن التکوینیة ثابت لا یتغیَّر، وإن کانت تواکب وتحیط بالمتغیِّر، مثل المعادلات الثابتة فی العلوم وهی تحیط بکل المتغیرات، قد تفترض العلوم نظریة خاطئة، ولکنها إذا تحولت من فرضیة إلی حقیقة تصبح ثابتة، تصبح السنن الفیزیائیة ثابتة فی الکون، سواء کانت فلکیة أو فضائیة أو ریاضیة، ولکن فی ظل متغیرات مختلفة.

الشیعة الإمامیة تقول إن هذه العدالة التی ترونها فی ظل الأطوار المتغیِّرة هی عدالة تکوینیة وسننها ثابتة، من هو المعصوم؟.

المعصوم هو نخبة بشریة، والله هو خالق هذا الکون بعظمته، والله حتماً لأجل کماله وجلاله وبداعته ولطافته وحنانه، بعث (انترنت) فی حالة اتصال دائم مع البشریة، قال لهم هل تریدون أن تکونوا علی اتصال دائم معی؟. لا توجد نظریة ودیانة وملة فی البشریة فی یومنا هذا، تقول الإنترنت الإلهی موجود.

لقد توصلت البشریة إلی تطور عجیب فی الإدارة البشریة، ما هی الإدارة؟. هی القیادة، ما هی القیادة؟. هی الإمامة، الشیعة قبل أربعة عشر قرناً یؤمنون بأن الخفاء هو سرّ القوة وسرّ إدارة المجتمعات

ص:288

البشریة وسرّ الأمن البشری والمالی والاقتصادی وغیره، نحن نقول إن الإنترنت الإلهی ما زال هو الذی یقود البشریة.

المحاور: وماذا عن الخلاف داخل النطاق الشیعی نفسه بین من یقولون بالاعتبار ومن یقولون بالتکوین؟ .

الشیخ السند: فی المدرسة الإمامیة، نتج خلاف، ولکن لیس بحجم الخلاف الذی نتج بین الإمامیة وسنة الجماعة، توجد بیننا وبین السنة مشترکات فطریة کثیرة، ولکن یوجد خلاف بیننا وبینهم، ویوجد بیننا وبین الغرب مشترکات بشریة کثیرة، وقد تکون بعض هذه المشترکات الفطریة بیننا وبینهم أکثر مما هی بیننا وبین بعض المذاهب الأخری.

إن المساحة بین من قال بالاعتبار، فی مسار الإمامیة، وبین من لم یقل به، لیست بتلک الشساعة، لأن تجمعهم أصول المذهب الشیعی العقلیة والاعتقادیة الوحیانیة، وبالتالی ظلوا ولا زالوا فی المسار الشیعی المشترک، ومع ذلک صارت فروقات منها أن العلامة الطباطبائی رحمة الله علیه والمرحوم الإصفهانی، نظرا إلی بعض الثوابت التی یعتقد الشیعة أنها ثوابت، فی الجانب العرفی وفی الجانب التقنینی، نظرة اعتباریة، قالا قد لا تکون هناک بنیة تکوینیة واستبعداها، وهی تظل فی منطقة المتغیِّر، بینما إذا قلنا إن العقل یدرکها، فهذه حتماً تکوینیة وهی من منطقة الثابت لا المتغیِّر.

ص:289

ص:290

خلاف الطباطبائی

توجد بعض بقاع المتغیِّر، وبعض بقاع الثابت بین العلامة الطباطبائی والإصفهانی وبقیة علماء الشیعة، فی بعض المواضع، مثلاً الغیرة المتعلقة بالحیاة الزوجیة عند العلاَّمة الطباطبائی لیست فطریة، لدینا أن (الغیرة) فطریة، وهی ترجع إلی الحُسن والقبح، والغیرة المقننة وضمن حدود، هی فطرة إلهیة شریفة وغریزة أودعها الله فی البشر.

العلامة الطباطبائی یقول لا، یقول إن الغیرة لیس بالضرورة فی جملة بنودها أن تکون من الثابت، بینما نقول نحن خلاف ذلک، لأن العقل یدرکها، خذ مثلاً نکاح الأخوات أو نکاح الأمهات، هذه من الثابت، تحریم الفواحش بعبارة أخری خط ثابت فی کل الشرائع السماویة، لأن الدین واحد، والذی اختلف هو الشرائع، ومن ضمن أرکان الدین تحریم الفواحش و تحریم الربا، أصول المنکرات فی کل الحقول فی النظام الاجتماعی ثابتة وغیر متغیرة، هی من الثابت التکوینی

ص:291

وبالتالی من الثابت التشریعی، وما هو من المتغیرات التکوینیة ولیس من أصول المنکرات یرتبط بتفاصیل وحلقات مترامیة بعیدة عن المرکز.

إذاً أصول المنکرات تدرکها الفطرة البشریة، هذه من الثوابت التکوینیة، ولیست من المتغیرات التکوینیة، وهی یدرکها العقل أیضاً وبالتالی هی من الثوابت الشرعیة.

یوجد خلاف آخر أیضاً بین الصف الشیعی، المتکلمون یرون أن العقل العملی یبرهن علی التوحید، المتکلمون الشیعة یقیمون - وهذا یدل علی نبوغهم العظیم - دلیل الحُسن والقبح حتی علی ظواهر تکوینیة لا علاقة لها بالإنسان ولا بالنظام الاجتماعی ولا بالنشأة الدنیویة، حتی علی أصل التوحید وبجدارة، حتی أرسطو فی الفلسفة الیونانیة یقیم نفس الشیء خلافاً لما یدَّعیه ابن سیناء وینسبه إلیهم، حتی الفارابی من فلاسفة المسلمین، إنهم یقیمون أدلة علی التوحید والمعاد بالعقل النظری، والمعاد ظاهرة لیست مرتبطة بالنظام الاجتماعی أصلاً، إنها ظاهرة کونیة فی عالم آخر وفی نشأة أخری، العقل نفسه رادار جعله الله قادراً علی أن یکتشف أن هناک نشأة تسمَّی (معاد)، بینما العلاَّمة الطباطبائی لا یعتبر هذا دلیل للمعاد، یعتبر أن العقل النظری هو یقیم دلیل المعاد والتوحید، بینما بقیة متکلمی الشیعة یقولون إن العقل العملی أیضاً بدیل ولا نقول أنه یلغی العقل النظری.

ص:292

أیضاً من البحوث الأخری أن العقل العملی لیست حجیته ذاتیة عند العلامة، فی قراءة النص الدینی وفی بعض الموارد، بینما عند المتکلمین أن العقل العملی هو من الحجج، کما الکتاب وسنة المعصومین، الإجماع عند الشیعة لیس له دور، الدور للمعصوم، نحن إجماعنا شخص واحد وهو الذی له إنترنت مع الغیب، هذا الإنترنت الذی یعمل دائماً معه هو حجَّة، أما البقیة الذین لیس لدیهم إنترنت، فقد تتقطع ذبذباتهم أو قد توصل، وقد تأتیهم أمواج من المعسکر المعادی أو أمواج نفسانیة، فلدینا القرآن والسنة والعقل النظری والعملی الذی هو حجَّة عند العلامة الطباطبائی، ولکن فی مجالات ضیقة.

العلامة الطباطبائی والکمبانی والإصفهانی لدیهم افتراق عن ابن سیناء، وهو أنهم لا یقولون بالمشهورات بینما ابن سیناء یقول بها، وإن کان ابن سیناء فی بعض کتبه یوافق العلامة الطباطبائی والإصفهانی، فیقول إن بعض هذه الفرضیات قد توافق علیها النظام البشری ولا یمکن أن یتوافق علی غیرها، فیقول إن بعضها تکوینیة أو ثابتة.

المحاور: کأنک ببنائک لقضایا العقل العملی علی التکوینات، تُنظِّر العقل العملی، أی تجعله عقلاً نظریاً یقوم أیضاً علی الضروریات والبدهیات التی لا یختلف تکوینها بین البشر کما یختلفون فی الاعتباریات، وإذا کان الأمر کذلک فما الداعی إلی أن نتکلم عن العق-ل العملی

ص:293

والعقل النظری؟.

الشیخ السند: النظریة التی أطرحها لیست هی رجوع العقل العملی إلی العقل النظری، لأن قوة العقل النظری تختلف عن قوة العقل العملی، هم قالوا إن (العقل العملی هو ما ینبغی وما لا ینبغی)، أنا لا أرید أن أفسِّر العقل العملی الذی هو ما ینبغی وما لا ینبغی کما فسروه هم، أصحاب نظریة الاعتبار.

والتفسیر الذی أتبناه، وهو تفسیر متکلمی الشیعة الإمامیة والفلسفة الیونانیة والهندیة والفهلویة القدیمة والاسکندرانیة وغیرها، هذا هو التفسیر الصحیح، هم یفسرون العقل العملی بما ینبغی وما لا ینبغی کمفهوم، فإذا کان ما ینبغی وما لا ینبغی کمفهوم، فوجود المفهوم ولا وجوده یدرکه العقل النظری، العقل العملی لأنه عملیٌ حیویٌ عمال، لذلک العلامة الطباطبائی وابن سیناء والکمبانی، فی أصول الفقه للمظفر یشرح نظریة الطباطبائی والکمبانی بشکل مفصل یروْن أن الفرق بین العقل النظری والعقل العملی فقط مجازی، شیء واحد، تارة یدرک وجود ولا وجود، ثابت أو عدم، موجب وسالب، وتارة یدرک ما ینبغی وما لا ینبغی، صار إذن قوة واحده، إذن المدرک هو قوة واحدة، ولذلک هم یعترفون بهذا الشیء، لأن هذا التفسیر للعقل العملی یعود إلی قوة واحدة، بینما أصحاب العقل العملی وهو القوة الأخری، یقولون العقل العملی لیس قوة واحدة (مع العقل

ص:294

النظری)، ولیس فقط الاختلاف بلحاظ المدرک والمعلومة، لا، هنا قوتان فی الإنسان، وهذا من الجهاز المعقد المذهل فی النفس التی رکَّبها الله، هذه النفس البشریة تارة لدیها فقط رادار یدرک، فیحدِّد لک أن هناک طائرة موجودة، أو یقول لک لیس هناک طائرة موجودة، أو یحدِّد لک وجود عدو یهاجم أو لا یهاجم، إنه یدرک هذا، قد یقول لک قائل إن هناک جیشاً یتقدَّم، وعلیک أن تقوم، فأدرکت وجود الجیش وأدرکت أنه ینبغی علیک أن تقوم، ولکن من الذی یحرِّک ویعبئ ویحمِّس؟. هذا القائد الذی یقول لک قم وعبئ وحمِّل، هل فقط یقول لک لا علیک أنت فقط أدرک، أما أن تقوم بعمل فلا.

ص:295

ص:296

العقل العملی حیاة

ما هی فائدة هذا التجرید النظری الذی یقتصر فقط علی الإدراک؟. هذا موت!! ولیس حیاة ! فکیف یکون ذلک !؟ نحن نقول هذا لا یمکن، الخلقة البشریة لا بدَّ أن یکون فیها معبئ وهادی یقود وینظم ویدیر ویدبِّر، ونظریات التوحید الیهودیة والمسیحیة، تقول التوحید فقط بدون برنامج عملی وبدون معبئ منظم ومدیر ومنظم، لا یکفی. إذاً دور العقل العملی هو جذب ونفرة، إنه یبرمج کل معلومة فی النفس، یقول لک انفر إذاً عن القوة المحرکة، نقول لا یمکن أن یکون هو فقط رادار یدرک، لا بدَّ أن یأتی إلی معلومات الإدارة، فتدار عملاً، أما أن یکون فقط برج مراقبة فیخبرنی بوجود طائرة دون أن یرسل أیة معلومات تتعلق بها، کأن یبرمج موعد هبوط هذه وموعد إقلاع تلک ! فهذا غیر ممکن لأن به جانب میِّت، لا بدَّ من إدراک القضیة وتنظیمها، ولیس إدراکها فقط.

ص:297

العقل العملی یفوق العقل النظری، بل إن العقل النظری من جنوده، ومن جنوده أیضاً المخیلة والحواس، إن جهاز الإدراک عند الإنسان کله جنود وآلات تحت ید زعیم آخر.

نحن نقول نبوة بدون إمامة لا یمکن، نبوة بدون إمامة تعنی مشروع نظری بدون إدارة، أحضر لی مقنناً ومدبِّراً، لا یمکن أن یبعث الله لی مقنناً دون أن یبعث لی مدبِّراً، المدبِّر هو الذی یقود القافلة: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ (1)، تعنی هذه، إنه یبعث ببرنامج کامل لسنة کاملة: تَنَزَّلُ الْمَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ (2)، أی البرنامج الاقتصادی والمالی وإحصائیات الأموات والأحیاء والموالید والمرضی کلها عنده، وکل شیء یخطر علی بالک عنده، بل وهذه المدینة والبلاد والقارات کلها عنده، کیف تفاعلت القارات مع بعضها بعضاً فی النظام الاقتصادی والعسکری والأمنی والسیاسی والمعلوماتی وفی التأثیرات الاجتماعیة؟. کل هذه الأمور تأتی جمیعها أولٍ بأول فی لیلة القدر - کَمَا فی روایات الفریقین - کسیاسة للدولة الخفیة التی یدیرها، فعنده سیاسة وتخطیط وأفراد سریین یسمُّونهم أبدالاً وأوتاداً وسیاحاً ونقباء، فلدیه برنامج وخط واضح یسیر علیه.

إذاً العقل العملی علی هذا التعریف عقلٌ نشط وحیوی، وهو

ص:298


1- (1) سورة الفاتحة: الآیة 6.
2- (2) سورة القدر: الآیة 4.

الذی فیه ظواهر عملیة وسلوکیة، إنَّ الإدراک وحده لیس حیاة، علمٌ مع قدرة یصبح حیاة، أما علم بدون قدرة فکأنه نصف حیاة، کأن نصفه میت ونصفه حیّ، والعقل العملی الذی تقول به الشیعة الإمامیة والفلاسفة القدماء، قوة لیس فقط تدرک، الإمامیة تقول إن هذه الحیاة التی نراها فی نفس الانسان تابعة لقوتین، تری الإنسان یتفاعل مع المحیط والبیئة والناس الذین من حوله، ویتفاعل مع الطیور والجماد والنبات والفضاء وغیره من الأمور التی تحیط به، أین مصدرها هذه الأمور کلها؟ إذا کانت هی مجرَّد معلومات، فإنها لا تفسّر هذه الظاهرة، إذاً توجد قوة مؤثرة عمَّالة تارة ینجذب إلیها الإنسان وتارة ینفر، وتارة تتولی وتارة تتبرأ.

ص:299

ص:300

تولی الحسن والجمال

التولی والتبرؤ ماذا یعنی؟. یعنی أنک یجب أن تتضامن مع الحَسَن والجمیل والکامل، فمن لدیه مبدأ عدالة وهو کمال، یجب أن تتضام--ن معه وتتولاه، لا تغتر بثقافات تصب فی هدم العدالة البشریة، یجب أن تتبرأ منها، هذه لیست أحقاداً عندنا، عندما تربی هویتک ونفسک وجیلک علی القدوات التی تحمل مشعل العدالة، ولیس علی القدوات التی تحمل مشعل الظلم والعدوان، فإنک تتبع المنطق الصحیح، فهذا جبر وهذا مفروض علی البشریة، ولیس للبشریة مفرٌ منه، والسنن التکوینیة هی هکذا وسنة التاریخ.

لا توجد طبقات محرومة وطبقات مترفة کما تقول الدیالکتیکیة، بالطبع هذا خطأ، إذ لا یوجد دیالکتیک، توجد إرادة، إن إرادة الشعوب تحطِّم کل هذه الکیانات الظالمة، جاءنا الدیالکتیک أم لا، نحن نقول إن إرادتنا موجودة، النظریة الشیعیة دائماً متحرِّرة وحیویة،

ص:301

والإمامة سبب ذلک، إنها برنامج حیوی متکامل یعطی دائماً الحیاة والأمل، إنَّ الشیعة تعتقد بأن الإمام لا یصدر عنه نقص، وإذا أصابه نقص فإنها لا تعتقد بإمامته.

إذن العقل العملی الذی تؤمن به الشیعة یفترق عن العقل النظری، وهو یستخدم المعلومات الصحیحة ثمَّ یبرمجها برمجة عملیة، إما إذا لم یستخدم هذه المعلومات، فإنها تصبح میتة أو مجمَّدة، إنها تشبه جامعات بدون إداریین، مثل جامعات بدون تطبیقات فی النظام الاجتماعی والنظام السیاسی.

المحاور: العقل العملی إذاً هو عقلٌ منفذ کما یبدو من طرحک..

الشیخ السند: لیس فقط منفذ، إنه أکثر من منفذ، قد یدرک العقل النظری کمال أو یظن أنه کمال، لکن العقل العملی بفطرته یقول إننی أنفر منه، یقول له (العقل العملی یقول للعقل النظری) هل الذی أدرکته کمال؟ هل هذا النظام السیاسی هو الذی یمثل الکمال؟. عقلی العملی هو الذی یرشدنی، إذا کان عقلی النظری لم یرشدنی ولم یدرک، عقلی العملی یقول لی إن الطائفیة قد تکرست أکثر مثلاً بهذا النظام الذی یری فیه العقل النظری الکمال.

المحاور: العقل العملی إذن یدرک ویرشِّد العقل النظری نتیجة لتجاربه فی الحیاة...

ص:302

الشیخ السند: لیس علی أساس التجربة السابقة تنفر من هذا النظام أو ذاک، ولکن بسبب أنه أدرک النقص، حدث النقص فأدرکه، هناک رکنان، دعامتان، دعامة الموضوعة ودعامة الحکم، یجب ألا یحدث خلط بین الحکم والموضوعة.

قد یقینیات العقل النظری النظریة، توغل فی النظریة فیخطئ، ولا یدرک أنه أخطأ، ولکن من الذی یدرک أنه أخطا؟. إنه العقل العملی، هنا العقل العملی لیس بسبب أنه صارت لدیه تجربة ال- (1973) فأدرک قبح المیثاق وسوئه، العقل العملی کما أدرک سوأة ال- (73) الآن أیضاً یدرک سوأة المیثاق، لأنه وقع النقص والظلم والتفرقة الطائفیة، أدرک وقوعها، نِفرة العقل من الظلم والتمییز الطائفی، لم تتولَّد من ال-(73) ولم تتولَّد من (2001)، وإنما وقع الظلم وتحقَّقت الموضوعة، العقل من قبل ذلک مُجهز بفطرة إلهیة تنفر من الظلم والتمییز الطائفی.

إذاً العقل العملی قد یدرک قضایا لا یلتفت إلیها العقل النظری، خطاب العقل العملی ولغته تعرفها کل طبقات المجتمع، تعرفها أکثر مما تعرف العقل النظری، مثلاً تأتی لأحدهم بنظریة تتعلق بالبیئة، وتقول له یجب المحافظة علی البیئة، وتأتی له بأسمدة مصنعة وتقول له إنها أفضل من تلک القدیمة، أو تقول له إن الطب الحدیث هو الصحیح، والطب القدیم تترکه برمته، وطب الأعشاب غیر صحیح،

ص:303

وبعد أن تقتنع البشریة بهذا، تکتشف أن الضغط قد زاد، والدمار قد زاد، فینفر الإنسان منه، هذه هی حیویة العقل العملی، إنه عقل عجیب، لقد زوَّد الله کل فرد بشری به، حتی ولو لم یکن لدیه علوم، منذ اللحظة التی یری فیها ظواهر موضوعیة موجودة، یبدأ راداره بالعمل، فیقول هذا خطأ لا تذهب الیه، فیأمر الإنسان حینئذٍ بالابتعاد عن الخطأ، للنبی(صلی الله علیه و آله) حدیث لطیف، وإن کان هذا الحدیث لیس بقاعدة عامة، ولکن إجمالاً فی أصل الفکرة، یسأل رسول الله: ما هو الإثم؟. فیجیب: ما انشرح له صدرک خیر. فی وجدانک - بالطبع وجدانک غیر المغلوط وغیر المزرق وغیر الذی حدث له غسیل - یقصد الرسول الفطرة السلیمة، فی الإثم یحدث لک انقباض فی ضمیرک الوجدانی، هذا الوجدان هذا الذی یسمَّی القضاء الإلهی، هو العقل العملی.

المحاور: لکن البشریة فی مسیرتها دائماً تُخطئ کمالها التکوینی. أرید أن نتحدَّث عن أهمیة التجربة بمعناها التاریخی بالنسبة للإنسان، إن مقولات العقل العملی والعقل النظری ستبقی حبیسة الافتراضات النظریة التجریدیة المتعالیة المعتصمة بنصوصها وقبلیاتها، إن لم تُدخل فی اعتبارها التجربة التاریخیة التی یخوضها الإنسان. إن البشریة تخطئ

وتجرِّب وتصحح، حتی غدت الحقیقة عند بعض الفلاسفة خطأ مصحح. کیف تفهمون التجربة فی ضوء فهمکم للعقل النظری؟.

ص:304

الشیخ السند: فی الواقع إن مذهب أهل البیت، وأرید هنا أن أتحدَّث شخصیاً عن نفسی، کلما أتأمل وأتدبر وأَجْبَهُ مذهبَ أهل البیت بتساؤلات عنیفة، أری أن هذا المذهب یجید الحلول ویعجزنی، فأعظم وأکبر له رؤیته، مذهب أهل البیت یقول صحیح أنه توجد وصایة من السماء، وصایة إداریة فی السیاسة أو فی العسکر أو فی غیره، لکن لیس معنی ذلک أن التجربة لا تتحرک، لا تعنی هذه الوصایة أن حیویة البشر وإرادتهم واختیارهم لا تتحرَّک، لذلک أنا ذکرت فی العام الماضی أو الذی قبله فی محرَّم فی معرض حدیثی عن نظام الحکم فی الإسلام، بنود هذا النظام ونظریته وأسسه وکل ما یتعلق به، هناک أوضحت أن المراقبة الشعبیة فی مذهب أهل البیت، حتی لحکومة الرسول، مطلوبة ویقرُّها مذهب أهل البیت، بل یوجبها، رغم أن الرسول معصوم، نعم الرسول معصوم وقانونه معصوم، ولکن جهازه من قائد الجیش أو الفرقة أو القاضی أو غیرهم، هؤلاء غیر معصومین، فهل أصبحوا (فیتو) أو طبقة اشتراکیة أو شیوعیة تعد بتحقق أنشودة الاشتراک وشیوع الثروات بین البشر !؟ بالطبع لا، لا بدَّ أن یبقی البشر مراقبین.

ص:305

ص:306

المرأة والرقابة العامة

المؤمنون والمؤمنات یجب أن یکون لهم دور فی الرقابة العامة، حتی المرأة یجب أن یکون لها دور فی الرقابة العامة: وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ (1) هم (الناس أو البشر) لیسوا أولیاء من السماء فی أن ینصِّبوا القائد، ذاک یأتی فیه: وَ رَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ یَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ (2)، إنَّ الله هو الذی یخلق ما یشاء ویختار: إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ (3)، لقد حدَّدت هذه الآیة من هو القائد، وشجرة هذا المعصوم الذی له انترنت مع الغیب وهو (قیادته) التحکم فی سلوکیاته من الله، ومع ذلک آلیات مراقبة الأمة موجودة، لکن کل زمن له آلیاته فی المراقبة، من آلیات المراقبة الإعلام والهیئة القضائیة

ص:307


1- (1) سورة التوبة: الآیة 71.
2- (2) سورة القصص: الآیة 68.
3- (3) سورة المائدة: الآیة 55.

الناظرة، آلیات المراقبة لم یحددها الإسلام، لقد جاءت امرأة إلی الإمام علی، واشتکت له والیه علی إحدی المناطق، وأعطته شواهد بأنه ظلم، وعاث فی بیت المال، وسرق هیئة التأمین وصندوق التقاعد، فأمر الإمام أن اعزلوه، لکن لم یعوض الناس من بیت المال، بل من عند من أخذها، یقول الإمام علی بن أبی طالب: «والله لو وجدت هذه الأموال قد نُکح وزوِّج بها لاسترددتها کلها» ، إذاً حیویة المجتمع لا بدَّ أن تدوم، الله عَزَّ وَجَلَّ یقول عن النبی: ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی*وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی (1)، ولکن الله یأرشد المسیرة ویجعل للمجتمع من الناس ومن أهل الخبرة والنخب مشارکة حیَّة وفاعلة فی النظام الاجتماعی السیاسی، حتی فی حکومة الرسول(صلی الله علیه و آله) یأمر الرسول بأمر وهو أن یشاورهم، والمشورة فی منطق الشیعة، لا بدَّ أن تکون مبنیة علی رأی علمی مبنی علی النخب العلمیة، یقول الرسول للنخب العلمیة أشیروا علیَّ: من سیکون قائد العسکر، وعندما یقول أشیروا علیّ، فهذا لا یعنی أنه لا یعرف من هو الأصلح، وإنما لکی یتعلَّم الناس منه ألا یستبدوا برأیهم، لأنهم لیسوا مثله، وهو یرید أن یربی جمیع الکوادر الإداریة علی هذا، إن کنتَ مالک الأشتر فلست بعلی ابن أبی طالب، وإن کنتَ حُذیفة فلست بالرسول(صلی الله علیه و آله)، هل ستقول أنا مثل الرسول: ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَ ما غَوی . فلا بدَّ إذاً من أن تستشیر وتفعل

ص:308


1- (1) سورة النجم: الآیة 2.

النخبة لکی تشارک، هذه هی الفائدة من نظریة نظام الحکم وإدارة الحیاة عند الشیعة الإمامیة حتی فی ظل المعصوم، انظر إلی حیویة الشیعة فی إیران، لقد خالف شریعتمداری والروحانی وغیرهما، والکلبیکانی لدیه انتقاد، وکذلک المرعشی لدیه انتقاد، قد یختلفون فی الانتقاد بین حساس وساخن، کلهم لدیهم تداول وأخذ وعطاء، لأن لیس لدیهم نظریة أن السلطان ظل الله فی الأرض کما هی نظریة الأخوة السنة، مقصودی أن أعود إلی نفس النظریة المجدولة المبوبة ضمن المعادلات فی النظریة الشیعیة، التجربة لا بدَّ منها، لأن الجهاز غیر معصوم فی عهد المعصوم، فما بالک فی عهد الفقیه یکون ذلک.

ص:309

ص:310

ولایة الفقیه

إن الولایة والصلاحیة المفوضة والمخوَّلة للفقیه، خمسة وتسعین أو تسعة وتسعین بالمئة من علماء الشیعة لا یروْنها عین ولایة المعصوم، حتی السید الخمینی(رحمه الله) یقول فی کتابه (تحریر الوسیلة) وإلی أن توفی، أن الجهاد الابتدائی حقٌ للمعصوم فقط، لماذا؟. لنفسِّر أولاً معنی الجهاد الابتدائی، بمعنی رئیس النظام العالمی الموحد، ألا ینادی به جورج بوش ویقول أنا رئیسه؟!! صحیح نحن نظام عالمی موحد والعولمة لا بدَّ منها، والتی هی مرحلة متطوِّرة عن (الناتو) وعن الأمم المتحدة، والتی هی عولمة فی النظام السیاسی، نحن نؤمن بها، ولکننا نقول لا یصلح لها إلا من یمتلک عصمة أو برامج علمیة هائلة، وثوابت وضمانات سلوکیة هائلة، فإذا وُجد شخص لدیه ضمانات سلوکیة هائلة، وکل لیلة قدر ترد علیه ملفات ومعلومات هائلة، حینئذٍ نؤمن بأن هذا هو قائد النظام العالمی الموحَّد، ونؤمن بأن لدیه حق (الفیتو)، أما أن تعطی (الفیتو) لفرنسا وغیرها ! (الفیتو) ظاهرة بشریة، ولکن

ص:311

هذه الظاهرة البشریة من صلاحیة من؟ نحن نقول أن صلاحیتها مرتبطة فقط مع من لدیه منبع علمی وکنز وبنک معلومات لا ینضب، ومع ضمانات سلوکیة، هذا یصبح (الفیتو) لدیه صحیح، ویصبح رئیس النظام العالمی الموحد صحیح، أما لغیره وإن کان فقیهاً فلا، صحیح أن للفقیه صلاحیات معیَّنة مفوضة ویقیم الحکومة الإسلامیة، وأن ما لا یُدرک کله لا یُترک کله، المعصوم الآن فی حالة خفاء، فی حالة الغیبة مقابل الظهور، ولیس مقابل الحضور، نحن لا نقول الغیبة مقابل الحضور، بل نقول الغیبة مقابل الظهور، بمعنی أنه موجود، هذا جهاز مخابراتی سرِّی یعجِّز المخابرات البشریة، إنه یتحکَّم لیس فقط فی الطائفة الشیعیة ولیس فقط فی الأمة الإسلامیة، إنه یتحکم فی البشریة کلها، فلا یترک الثقافات الهدَّامة للبشریة ولا یترک مرض سارس ولا تلوُّث البیئة ولا یترک الأزرار النوویة تنطلق، هذا لدیه مفاصل فی الأنظمة البشریة یشتغلون معه، ومن جنسیات مختلفة، یربطهم ببعضهم رابط التوحید، ولدیه نظریات فی إدارة الأعمال لا یتوصل إلیها لا مرکز التدریب ولا هارفارد ولا غیرهم. إذاً التجربة مفتوحة فی النظریة الشیعیة، وهذه حیویة الکائن المختار البشری، إنها مفتوحة فی حین أن وصایة السماء موجودة.

المحاور: کیف تعامل العقل العملی مع العلوم الخاصة بقراءة النصوص وقراءة المجتمع؟

ص:312

الشیخ السند: العقل النظری فی دائرة البدیهیات والضروریات، هو مورد وفاق عند الإمامیة سواء الإخباریین أو الأصولیین، فهو حجَّة عندهم، أما فی الدائرة الثانیة فهو محل کلام بینهم، الدائرة البدیهیة إذاً أو الدائرة الضروریة أو کما یسمِّیها بعضهم الدائرة الیقینیة حجَّة، وحیث یکون العقل حجَّة فی مذهب الإمامیة، حینئذٍ شأنه شأن باقی الحجج یتدخل فی قراءة النص، لأن النص الدینی فی أدواته الأولیة فیه موازین وقواعد تتحدَّد وفق علوم اللغة والأدب والنحو والبلاغة وفقه اللغة واشتقاقاتها وعلوم أخری عدیدة، بعد ذلک یتحدَّد نوع من المعنی أو المعانی الاستعمالیة للدلالة، ثمَّ ینحو القارئ للنص وهو الفقیه أو الأدیب المتخصِّص الذی لدیه خبرة فی هذه العلوم، ینحو نحو المعنی التفهیمی،المعنی التفهیمی الذی یقال له معنی من الدرجة الثانیة، هذا تتدخل فیه عناصر زائلة للمعنی الاستعمالی، المعنی الاستعمالی یعتبر قریب من المعنی الابتدائی وإن کانت تتدخل فیه عناصر ترتیبیة من علوم لغة وفقه، إلا أن المعنی التفهیمی تتدخل فیه علوم أخری، کأصول الفقه وعلم الاجتماع والحدیث والتاریخ والدرایة، هذه توقفنا علی قرائن معینة فی بیئة صدور النص وما شابه ذلک، هذه تجد لها عملاً وأثراً فی الدلالة فی تحدید المعنی التفهیمی.

ص:313

ص:314

المعنی الجدی

ثمَّ هناک معنی ثالث وهو الأهم، نعبِّر عنه بالمعنی الجدِّی أو المعنی القانونی فی قراءة النص، فی النصوص الدینیة التی فی دائرة الفروع، (یقال لها) تقنین، أما النصوص الدینیة التی تتحدَّث فی المعارف الکونیة والعوالم وما شابه، هذه أیضاً تجد مسارها فی المعنی الجدِّی لکن لها آلیات وأدوات أخری سنتعرض لها، وکذلک النصوص الدینیة حول قواعد علم الأخلاق الأسری أو الفردی أو العلوم الأخری التی فی النص الدینی.

المهم أن الوصول من المعنی التفهیمی إلی المعنی الثالث وهو الجدِّی، تتدخل فیه علوم متعدِّدة فی المعارف والعوالم والظواهر الکونیة وما شابه، وتتدخل فیه حجِّیة العقل العملی أو العقل النظری، وتتدخل ضروریات وبدیهیات الکتاب وضروریات وبدیهیات سنة المعصومین، أی أن محکم الکتاب ومحکم سنة المعصومین، تتدخل فی

ص:315

قراءة النص، کذلک محکمات العقل النظری والعملی فی البدیهیات أو الضروریات، أیضاً لها دور فی قراءة النص الدینی، وقد یکون لها دور حتی فی المعنی التفهیمی، هذا بالنسبة لقراءة النص الدینی.

أما دور العقل العملی فی العلوم الإنسانیة، فلیس مختصاً بالمدرسة الإسلامیة والفلسفة الإسلامیة، بل إن تأثیره فی کل الفلسفات البشریة جمعاء، ومن أی ملة أو نحلة سواء کانت مادیة أو غیر مادیة، سماویة أو غیر سماویة، هذه کلها تضع العقل العملی فی رأس الهرم لانطلاقة البشر فی العلوم الإنسانیة، باعتبار أن العقل العملی یکون البنیة وهو یتدخل فی الرؤیة الکونیة وبالتالی یتدخل فی الآداب والأخلاق، التی تکون بمنزلة فلسفة الحقوق، یتدخل فی بُنیة الحقوق، وبعد بُنیة الحقوق یأتی دور علم القانون والعلوم الأخری کعلم الاجتماع وعلم النفس بالطبع، إذاً هو یحتل الصدارة البنیویة فی رأس الهرم کما مر، أما دور العقل العملی فی العلوم التجریبیة، فهو یتدخل ویتحکَّم فی النظام المعرفی الذی یتحکم فی العلوم التجریبیة أو فی العلوم الإنسانیة، وهذا دور آخر له فی العلوم الإنسانیة.

ص:316

منطق النص الدینی

لقد سبق أن ذکرت أن المنهج المنطقی الذی یطرحه القرآن الکریم والذی یطرحه أمیر المؤمنین فی نهج البلاغة، وبصفة عامة المناهج المنطقیة التی یستعرضها النص الدینی، لا تقتصر کما اقتصر المنطق الأرسطی علی الجانب الفکری، لأن المنطق الأرسطی اقتصر علی بعض القوی وإدراکات العقل، بینما المناهج المنطقیة التی یستعرضها النص الدینی تتعرض حتی لمنهجیة القوی العملیة، وتتعرض إلی الحالة الصحیة فی سائر قوی النفس، فإذا کانت صحیحة وسالمة، فإنه من الممکن أن تستنتج آراء صائبة، وأما الحالات الأخری التی تنتاب قوی النفس سواء کانت القوی الإدراکیة أو القوی النفسیة، وحتی العوامل البیئیة التی یستعرضها القرآن وسنة المعصومین، والتی هی خارج النفس وقواها فلها نوع من التأثیر فی کیفیة استنتاج الإنسان.

توجد موازیین معیَّنة، تجعل الفرد یسلم من تأثیر الجو البیئی فی

ص:317

کیفیة الاستنتاج، مثلاً: (حبُّ الشیء یُعمی ویُصمّ)، کذلک: (بغض الشیء یُعمی ویُصمّ)، فالبیئة والرذیلة تؤثر فی استنتاج الإنسان، البیئة الطاهرة بالعکس سوف تؤثر فی صوابیة استنتاج الإنسان، هذه الأمور حددتها المناهج المنطقیة التی طرحها القرآن والسنة المعصومة، وهی تجعل الإنسان یستعصم من التأثیر السلبی للبیئة، وبالتالی ترسم نوعاً من المنهج المعرفی، وهذه سوف یکون لها تأثیر علی العلوم الإنسانیة.

المحاور: علوم العقل العملی لها أیضاً فلسفة، لکن ما الدور الذی یلعبه العقل النظری فی فلسفة هذه العلوم؟.

الشیخ السند: هذا الترتیب الذی تفضلتم به، هو فی الواقع رأی ابن سیناء، ورأی السید الطباطبائی وجملة من الفلاسفة الشیعة وغیر الشیعة أیضاً، ولکن الرأی الآخر الذی هو رأی الفارابی والفلسفة الیونانیة القدیمة ورأی متکلمی الإمامیة، یذهب إلی أنَّه لیست موقعیة العقل النظری فوقیة بالنسبة للعقل العملی، العقل العملی فی عرض العقل النظری وبینهما خدمات متبادلة، شأنه شأن بقیة قوی النفس التی یوجد بینها خدمات، بقیة قوی النفس سواء کانت الإدراکیة أو العملیة، وإن کانت فی الطبیعة الأولیة أو السلیمة تکون تحت تأثیر سلطان أو تأثیر العقل العملی والعقل النظری، ولکن المقصود هو کیف أن هذه القوی الإدراکیة أو العملیة النافذة فی بعضها بعضاً، تتکافل وتتخادم وتتناغم مع بعضها، وفلاسفة الفلسفة الیونانیة القدیمة،

ص:318

یروْن أنهما فی عرض بعض، بل لی تحقیقات زائدة والتی کنت قد واصلتها إلی حین صدور کتابی (العقل العملی)، ووجدت شواهد الوحیانیة المنسوبة إلی الوحیّ وهی النص الدینی، وجدتُ أن للعقل العملی دور الأمومة والأصالة حتی علی العقل النظری، العقل النظری هو من خوادم العقل العملی، ولیس أن العقل العملی دون أو فی عرض أو فی رتبة العقل النظری، لأن العقل العملی إذا تلطَّف وصارت فیه نوع من الشفافیة، یصل فی درجات الرقی إلی تسمیة أخری، وهی تسمیة القلب فی القرآن الکریم، والقلب توجد له مراتب أربع کشف عنها القرآن هی: القلب والخفی والأخفی والسِّر، وهی مراتب فی روح الإنسان وهی فی الواقع مراتب رُقی للعقل العملی، هذه المراتب فوق العقل النظری.

ویشیر إلی ذلک حدیث الإمام الکاظم (سلام الله علیه)، عندما یذکر لهشام ابن الحکم، جنود العقل وجنود الجهل، لأن ما یقابل العقل العملی هو الجهل، وما یقابل العقل النظری هو العلم، لأن الجهل والجهالة شیء قبل العقل العملی، أما یقابل العقل النظری فقد یُقال هو العلم وعدم العلم مثلاً، کالأمیة وما شابه ذلک، أما الجهالة فتقابل العقل العملی، المهم أنه جعل فی ذلک الحدیث أعلی العلم أو القوة الإدراکیة کالعقل النظری، جعلها من خوادم وجنود العقل العملی، ولا ریب أن للعقل النظری دور کبیر سواء فی العلوم الإنسانیة أو

ص:319

التجریبیة أو فی النظام المعرفی، لأنه الآلة الکبیرة جداً المهمة م-ن آلات النفس، ویحتل نوعاً من الدور البنیوی.

المحاور: إذا کانت للعقل العملی هذه السیادة، وثبت أن العقل النظری هو الخادم له، فهل تعنی هذه الخدمة فی معنی من معانیها، انتصار العلوم التطبیقیة علی الفلسفة النظریة المشغولة بأبعادها التجریدیة والعلل الأولی؟.

الشیخ السند: نعم فی الواقع الفلسفة التی روَّج لها ابن سیناء بالتحدید، والفلسفة التی تأثرت بالمسلک الأشعری فی الحکمة العملیة وابتعدت عن مسلک الإمامیة، نعم إن ما حوته جاف ونظری فقط، بینما متکلمو الإمامیة حاولوا أن یبقوا داخل الحکمة العملیة فی العلوم کالذی کان علیه الفارابی والفلسفة الیونانیة والهندیة والفهلویة القدیمة أو الإسکندرانیة أو الفلسفات البشریة الأخری، فهناک دور للحکمة العملیة وکما نشاهده فی الوحی ضمن الدراسات المختلفة فی الدیانات السماویة، لاحظ أن هذه الحکمة العملیة والعقل العملی لهما دور..

المحاور: ولکن کیف یکون التوسط بین العقل العملی والعقل النظری؟.

الشیخ السند: العقل العملی قد یکتسب معلومة کما یذکر ابن سیناء، ولکنها معلومة بتوسط العقل النظری لا بتوسط آلیاته الخاصة

ص:320

به، مثلاً للعقل العملی قوی خادمة أخری، مثل الإحساس العاطفی وقوة الضجر أو قوة البغض، هذه القوی العدیدة التی هی فی فریق القوی العملیة لها آلیات الإدراک المرتبطة بالحواس الخمس، ولکن لا تصل المعلومة بسرعة إلی العقل العملی، فی عُرف إدراکاته المیدانیة التی فیها مسح تطبیقی، لکن یستطیع عن طریق العقل النظری أن یدرکها، وبالتالی یستخدمها کمعلومة، لأن النظری یدرک فقط ثبوتها أو لا ثبوتها، ووجودها أو عدم وجودها، لکنه لا یتفاعل معها، ولکن إذا أخذها إلی جو العقل العملی، حینئذٍ العقل العملی یتفاعل معها ویرسم نوع من البرنامج الإداری النفسانی، فإما أن ینفر منها أو ینجذب إلیها أو یدعو إلیها أو یدعو إلی إزالتها، العقل النظری أیضاً له خوادم، القوة المخیِّلة وقوة الوهم، الوهم بمعنی أن بعض المعلومات, کحبک إلی شخص ما, لا یستطیع الحس ولا یستطیع الخیال أن یدرکها ولکن تدرکها القوة الواهمة ویوصل الوهم آثارها (آثار علاقة الحب) یعنی ثبوتها أو لا ثبوتها أما القوی العملیة الأخری فتتفاعل معها، وهناک القوة المفکِّرة والمتصرِّفة وقوی أخری عدیدة، یوجد فریق من القوی الإدراکیة تحت سیطرة وتحت صلاحیة نفوذ العقل النظری.

العقل النظری له فریق یخدمه من قوی النفس، والعقل العملی له فریق یخدمه، هاتان القوَّتان زوِّد الله بهما الإنسان لکی یدرک المعلومات - سبحان الله - لأجل تحصیل نوع من الصوابیة فی إدراکات الإنسان،

ص:321

فقد تکون القوة العملیة فی الإنسان مبتلاة بحالة مرض إدراکی من الحب أو البغض أو غیره، وهذا یوجب نوع من الخلخلة فی کیفیة إدراک العقل العملی، ولکن طبیعة العقل النظری غیر عاطفیة، وهو غیر عملی ولا یتأثر بالهواجس النفسانیة، فهو جاف وجادّ جداً، إنما یدرک المعلومة الثابتة أو غیر الثابتة، ویدرک أنها موجودة أو غیر موجودة.

المحاور: تصوُّرک لوجود قوی للنفس هو التصوُّر السائد فی الفلسفة منذ أرسطو. إن وجود تصوُّر لقوی للنفس بینها مشاغبات وتعاون وتخادم وتنافر، تعد بمثابة فرضیات مجازیة، وهی فرضیات تقوم علی تصوُّرات تماماً کما تفضلت أنت وعرضت علینا التصوُّرات الموجودة حول الذرة وکیفیة عملها، فقد تصوَّرها بعضهم مرکَبة من إلکترون وبروتون ونیترون، بینما تصوَّرها آخرون بأنها خیوط متشابکة. إن جدل هذه التصوُّرات للذرة تعرَّض للکثیر من الانتقالات والتحوُّلات. فهل تعرضت التصوُّرات الموجودة حول العقل العملی والعقل النظری لانتقالات وتحوُّلات مهمة بحیث نستطیع أن نقول إننا الآن أمام فتح جدید أو أمام فلسفة جدیدة أو أمام نظریة جدیدة أو أمام عقل عملی جدید أم أن هذا التصوُّر بقت کما هو هی ثابتة علی مدی التاریخ؟.

الشیخ السند: فی الواقع إنه فی حالة توسُّع، العلوم التجریبیة مثلاً ما زالت تتوسع فی اکتشاف الذرة، ولا ریب أنَّ علم معرفة النفس لا

ص:322

یقف عند الحدود التی ذکرتها المدارس الفلسفیة، فی الفلسفة الإسلامیة والفلسفة بشکل عام، هناک توسع فی مباحث النفس بشکل شاسع جداً، حتی فی العلوم الإنسانیة الآن، التی تعتمد علی الاستبیانات وعلی الإحصائیات العدیدة، فی علم النفس الاجتماعی وفی علم النفس الفردی، وفی الظواهر العدیدة، علماء الروح فی الغرب لدیهم جامعات وأکادیمیات منذ أکثر من قرن، وهذه تقوم بدراسة تأثیر العلم الروحی، حتی البرزخ یُقرُّون به وبوجود نشأة أخری ألطف للأمواج وللمادة الفیزیائیة، هذه الجامعات والأکادیمیات أسست فی الدول الغربیة منذ العشرینات میلادیة، البارسیکولوجی، علم تأثیرات النفس عن بعد لدیهم آلیات عدیدة، الجلاء البصری، الجلاء السمعی، التخاطر.

العلم البشری لا یقف عند حدّ، إنه فی حالة توسُّع واستصواب، قد تکون بعض النظریات التی أقیمت علیها براهین، الآن تظهر براهین أعمق تثبت أن تلک النظریة التی کان یُنظر إلیها علی أنها حقیقة علمیة هی فرضیة، وهذه شأنها شأن العلوم التجریبیة، لأنه قد تکون هناک قناعة نحو قاعدة علمیة علی أنها حقیقة علمیة ثمَّ تأتی شواهد وظواهر تکوینیة، یتبیَّن للعلماء أن تلک القناعة لیست حقیقة علمیة، بل لقد کانت فرضیة وحسبوها حقیقة علمیة.

الشیخ السند: نعم إنها فی حالة توسُّع، لکن لستُ مع الإفراط فی

ص:323

ذلک لدرجة أن نعتبر ما تتوصل إلیه سراب، ستکون أنت فی ضیاع وبالتالی فی یأس، لا أرید أن أقول إنه خطأ، لکن لا إفراط ولا تفریط کما یُقال، لا إفراط فی التشکیک فی الاحتمال وعدم الجدوائیة، لأننا لن نصل إلی الحقیقة فی یوم ما، أو لیس بأیدینا ولا بحوزتنا أی رأس مالٍ من الحقائق، لأن الإفراط فی ذلک یؤدی إلی تثبیط الظاهرة البشریة فی المجالات العلمیة المختلفة من العلوم الإنسانیة والعلوم الأخری، وهذا بالطبع منهاج خاطئ، ولکن لا إفراط (فی النسبیة) ولا تفریط، بأن نقول إن کل المسائل حقائق، هذا تعصب وإفراط، بل علی الإنسان أن یستقرئ، وهو لدیه حوزة ومجموعة وحصیلة من الحقائق، شأنه شأن العلوم الإنسانیة والتجریبیة والنظام المعرفی وغیرها من العلوم، لکی ینطلق منها، وبالتالی علیه أن یؤسس علیها أموراً أخری. هناک ظواهر (تکوینیة) یلمسها، لا یستطیع القول: ما لم أدرکه بالحس لست أدرکه، بل یتوسع ویتعمق أکثر ولا بأس بأن أشیر إلی ظاهرة جیدة فی النظام المعرفی.

ص:324

نمطا التطور

یوجد فی التطوُّر نمطان، سواء فی العلوم التجریبیة أو غیرها، هناک نمطان للمواصلة العلمیة والتطوُّر نمطٌ من التطوُّر یکتشف خطأ ما سبق، ونمطٌ من التطوُّر لا أنه یکتشف خطأ ما سبق، بل هو إدراک أعمق لما سبق، ما سبق کان سطحی وهو ینزل أعمق من السطح، ثم تتواصل هذه القافلة إلی درجة أعمق فأعمق، فیُشاهد أن الذی کان سابقاً هو ظواهر کونیة صحیحة ولکن سطحیة وقشریة، قشریة لیس بمعنی أنها لیست حقائق بل بمعنی أنها حقیقة لم تکتمل، خذ مثلاً فی علم الجبر والریاضیات والهندسة والهندسة الفراغیة وهندسة الفضاء، إن المعادلات فی الریاضیات، والجبر، والهندسة والهندسة الفراغیة وهندسة الفضاء، تمکن العلماء من إرجاعها إلی تسع معادلات، ه--ذه المعادلات، یقولون إن البحث الحثیث لم یستطع أن یقرأ ما وراء هذه المعادلات التسع، ولو استطاع البشر أن یقرأ ما وراء هذه المعادلات التسع، لاکتشفنا أسرار الطبیعة وکنوز الطبیعة بشکل

ص:325

هائل جداً، لکن للأسف هم یقولون لم تتوصل القدرة البشریة لقراءة ما ورائها.

فی علوم المعرفة الآن الذی ینکفئ علی ما سبق ولا یتقبل ما یأتی، فهذا یصعب علیه أن یتطور، وابن آدم إذا بلغ سن الأربعین یقف عقله إلا من تجربة، إذن التجربة رافد علمی للإنسان، ومواصلة العلوم وتطوُّرها رافد علمی لا یمکن أن یُقال بأنه یقف، بالعکس هذه هی فطرة الله.

إذاً، هناک ظاهرتان، ظاهرة الوصول إلی قناعة خطأ ما سبق فی جملة من المسائل، ولکن هناک ظاهرة أکبر وهی تعمیق ما سبق، فی علوم الریاضیات مثلاً نظریات عدیدة کنظریة الاحتمال والنظریة النسبیة والرسم الهندسی للأعداد، وکیف هی العلاقة بین الأعداد فی بعضها بعضاً، مثلاً بین أعداد المجموعة، کانوا یتحدثون سابقاً عن العدد الفرد فی الریاضیات، ولکنهم الآن یتحدثون عن الأسرة العددیة ودورها فی التأثیر والذی یکون أکثر من تأثیر العدد الفرد، فیتوصلون إلی الکثیر والعدید من البرامج والبحوث اللطیفة فی الریاضیات، هذه البحوث الجدیدة فی الریاضیات أو الفیزیاء أو الأحیاء، لیست کلها تفنِّد أصل النظریات القدیمة، بل إنها عمَّقتها، فنَّدت بعضها وعمَّقت بعضها الآخر، فصارت النظریة القدیمة تعمق، وأداؤها لم یکن کاذباً ولکنه سطحی محدود، بینما النظریة

ص:326

الجدیدة تتناول مدی ومداراً أوسع جداً وأعمق.

المحاور: لکی نواصل هذا المبحث، حبذا لو ننظر إلی تاریخ العلوم وعلاقتها بالعقل العملی، إذا کان ما یأتی الآن بمثابة توسعة وتعمیق...

الشیخ السند: لست أرید أن أقول أنه کله توسعة وتعمیق، شطرٌ منه توسعة وتعمیق وشطر منه تفنید، ولا ریب فی ذلک، ولکن الذی أرید أن أقوله أن شطراً کبیراً منه توسعة وتعمیق، وشطرٌ منه تفنید..

المحاور: لماذا هذه الممانعة الدینیة فی تقبُّل ما تطرحه العلوم الإنسانیة لقراءة النص والمجتمع والإنسان؟.

الشیخ السند: لست أشارکک فی أن هناک ممانعة و لقد طرحتُ هذا فی سلسلة أبحاث ألقیتها علی الأخوة المستمعین (بحوث النص والتأویل ومدارس المعرفة)، هذه البحوث فی الواقع فی جانب منها تخدم وتؤید مذهب أهل البیت، کیف ذلک؟ تُرمی المدرسة الإمامیة بأنها مدرسة باطنیة، وأن رأس کل الفرق الباطنیة فی الإسلام من صوفیة وغیرها،

هی ولیدة التشیع، وهذه حقیقة، ولکنهم یعتبرونها وقیعة وتقریع، بینما هی فی الواقع لیست مذمَّة، بل هی مِدحة، الآن علوم القراءات الألسنیة قد انفتحت علیها الحوزة فی هذا الجانب، لا أرید أن أشیر الآن إلی شخص ألف أو شخص باء، توجد مشارب مختلفة

ص:327

واتجاهات مختلفة، ولکن بشکل عام، توجد مساحة واسعة فی الحوزة منفتحة علی هذه العلوم، وتری أنها تخدم وتفید فی بعض أطروحاتها المدرسة الإمامیة.

لقد کانت المذاهب الإسلامیة الأخری علی مدی أربعة عشر قرناً، توجِّه أسهم الهجوم علی المذهب الإمامی، لأنه یتوغَّل فی قراءة النص ویتعدد وینوِّع قراءة النص، ویستخدم آلیات متنوعة ولا یقف عند حدّ، وهذا خراب للدین وهدم للدین، یقولون إن ما تعلمته الصوفیة فی قراءة النص من التشیع وهی بذلک تهدم الدین، انظر إلی ما یُقال عن ابن عربی وغیره من الصوفیة اللذین تأثروا بنهج الأئمة ونهج الشیعة، هذه حقیقة لا نأباها، لقد ولدوا من بیئة شیعیة فی طریقة التفکیر والمعرفة.

ص:328

کنوز القرآن والقراءات الحدیثة

إن الشریعة فیها کنوز، والقرآن الذی نزل من ربِّ السماء له کنوز لا تقف عند حدّ، فی هذا الجانب العلوم تثبت ببراهین سواء فی القراءات الألسنیة أو الهرمونطیقیة أو فی التعددیة (البولی ریالیزم) أو فی العلمنة، هذه کلها تثبت فی جانب منها، النظریة الإمامیة وتفنِّد النظریات الأخری، التی تعتنقها المذاهب الإسلامیة الأخری، أو أتباع الشرائع السماویة الأخری، طبعاً الشرائع السماویة الأخری التی نعتبرها فی منظورنا محرَّفة.

أما الجانب السلبی والمؤاخذة التی تؤخذ أو التی توجهها الحوزة، أو الإصحاح الذی توجهه الحوزة فی القراءات الألسنیة هو أنه لا بدَّ من ضبط هذه القراءة وتوزینها وأرشدتها بموازین، لا ریب بأن هناک قراءات، وهذا هو معنی التأویل ومعنی قراءة النص ومعنی التعمق ومعنی استجلاء القرآن فی کل عصر وزمان، وهذا هو معنی مواکبة

ص:329

الشریعة لمتغیرات الزمان، ولکن الکلام فی أننا لا بدَّ أن نمشی علی موازیین.

مثلما أن هناک جانب متغیِّر، فلا بدَّ أیضاً من جانب ثابت، أما المتغیِّر المطلق فإنه یؤدی إلی السفسطة، والثابت المطلق بلا متغیِّر أیضاً یؤدی إلی الموت وعدم الحرکة والسکون. إذاً یجب أن یکون إلی جانب الثبات الجانب المتغیِّر.

الفقهاء لا یمکن لهم أن یفهموا المعرفة الدینیة بدون الطبقات الأخری النخبویة، لأن الدین هو تفاعل بین نشآت مختلفة وعلوم مختلفة وموضوعات مختلفة، قد یوجد فقیه وهو عالم اجتماع أو هو عالم فیزیاء، وقد یکون فیزیائی وله دوره فی الفقه، إذاً لیس الکلام فی الشخص بل فی العلوم نفسها، أصحاب هذه العلوم لیسوا معصومین، بالتالی فهم یحتاجون إلی بعضهم بعضاً، وهذا هو العلم الجمعی والعقل الجمعی .

ص:330

توزع الحقیقة

الآن ما هی الدرجة التی وصلت إلیها الحضارة والمدنیة البشریة؟. إنَّ أرشد مسیرة هو العلم الجمعی، حضارة المعلومات والاقتصاد والارتباطات ماذا تعنی؟. التعددیة ماذا تعنی؟. تعنی توزُّع الحقیقة، وهذا فی نطاق غیر المعصوم صحیح ویفنِّد الاستبداد فی کل طرقه، فتکون المشارکة جماعیة مع حفظ الرتب، فکما أن البُنیة لا تُفنِّد الفروع والفروع لا تُفنِّد البُنیة، فإن المتخصص لا یمکنه أن یفند غیر المتخصص، إذاً لا بدَّ أن یحتاج البعض إلی بعضهم الآخر، ولا بدَّ أن تکون المسیرة جماعیة مع وجود الرتب مترتبة فی حلقات.

إن نظریة الشوری السنیة أو الشوری فی الدیمقراطیة الغربیة تختلف عن النظریة الشیعیة یقال: الشوری من (شور) ومشاورة أی أنها بنک معلومات لا تحکیم إرادة، بینما فی نظریة الشوری بالمعنی الذی یطرحه مذهب أهل السنة، أو حتی فی الدیمقراطیة الغربیة،

ص:331

تقول إن الأکثریة إذا أرادت فتجبر لأنها تکون هی الصواب، وهی الحق وخلافها خلاف الحق، بینم---ا فی النظریة الشیعیة تقول الشوری أی شاور، وسمِّیَ المشتری مشتریاً لأنه یختبر المبیع، والاستشارة لیس فیها فرض المُشیر علی المستشیر، ولکن فیها تفتح آفاق وتبادل معلومات فیها شعار الحضارة الحدیثة، الذی نادت به النظریة الشیعیة قبل أربعة عشر قرناً، لا تسجن نفسک فی أفق رؤیة معیَّنة، فما دمت غیر معصوم، افتح الرؤیة علی القنوات المعلوماتیة لکی تضخُّ إلیک وأنت تضخُّ إلیها، فتتکون حینئذٍ بیئة ونظم معلوماتیة ضخمة فی العلم الجمعی.

المحاور: وکیف تکون نهایة القرار، أی یتخذ القرار النهائی وفق النظریة الشیعیة کما سمَّیتها؟.

الشیخ السند: نهایة القرار تتخذ بحسب نفس ترتیب العلوم مع بعضها بعضاً فی بنیتها، ولکن لا أحد یتفرَّد بالقرار حتی لو اتخذه ذو موقعیة علمیة، مثلاً المحکمة الدستوریة لها موقعیة فی رأس الهرم علی أجهزة الدولة المختلفة، لکن حیث إن المحکمة الدستوریة غیر معصومة، فلا یعنی أن تتفرَّد بالقرار، إذا کان البحث مرتبطاً بالبیئة مثلاً، فلا بدَّ أن تحکِّم ذوی الخبرة فی البیئة، فیصبح تزاوج فی استصدار الحکم وإن کانت موقعیة القانون موجودة فی رأس الهرم، الآن حتی القضاء تخصصی، قضاء فی التجارة، قضاء فی الطب، وقضاء

ص:332

فی الزراعة وغیرها، وهذا هو العقل الجمعی أو العلم الجمعی، مع حفظ الرتب وهی لا تعنی التفرد والاستبداد، لماذا؟. لأن طبیعة غیر المعصوم هی هکذا. بل حتی حکومة الأنبیاء والمعصومین کما مرَّ بنا، والتی یکون فیها المعصوم فی رأس الهرم، ولا تعوزه معلومة فی العلوم المختلفة حسب عقیدة العصمة، ومع ذلک لا بدَّ من مشارکة کل الطبقات، وهذه هی حیویة النظریة الشیعیة الإمامیة، إنها لیست کالنظریة الکنائسیة ولا کنظریات المذاهب السنیة الأخری.

فی حکومة المعصوم لأهل الخبرة دورهم، لا لحاجة المعصوم لهم، بل لحاجة نفس المجتمع البشری لهم، ولحاجة الدولة لهم، لأن لیس کل أعضاء الدولة معصومین، فقط الرأس معصوم، الأجهزة، الوزارات، الدواوین کلها غیر معصومة، وبالتالی أولئک فی کیفیة استصدار القرارات لا بدَّ أن تتحکَّم النخبة، والمعصوم لا یشرف علی کل صغیرة وکبیرة بل یشرف علی المسار العام، لذلک لا بدَّ أن تتحکَّم النخبة.

المحاور: ولکن فی النهایة، ألا تقول النظریة الإمامیة، أننا بحاجة إلی رعایة من سلطة علیاً؟.

الشیخ السند: فی الأمور التی یصل إلیها الهدی البشری لا، أما فی الأمور التی تبقی نظریة ومجهولة فی الهدی البشری، فالرعایة تکون

ص:333

لرب السماء.

المحاور: دعنا نناقش هذا الموضوع الآن بأسئلة عملیة، لنأخذ التجربة الإیرانیة باعتبارها ممثلة للتصوُّر الشیعی الإمامی..

الشیخ السند: هل تقصد أحد التصوُّرات؟.

المحاور: نعم، أقصد تصوُّر ولایة الفقیه، کیف تنظر أنت إلی هذه التجربة من خلال المنظور الذی تحدَّثت عنه الآن؟.

الشیخ السند: ما حدث فی إیران لیس إلا نوع من التجربة، ولا یمثل تمام النظریة الشیعیة، کما یعبِّر السید(رحمه الله) أن هذه جمهوریة ولیست حکومة إسلامیة، ولا زلنا فی الطریق إن شاء الله إلی الحکومة الإسلامیة، بل إن قناعات الإمام نفسه تذهب إلی أن المدینة المثالیة التی تنشدها البشریة، لا تتحقق إلا علی ید معصوم، ولکن تحققها علی ید المعصوم لا یعنی عدم انبراء الکفاءات البشریة المختلفة فی رسم التجارب التطبیقیة لإرساء العدالة. لا یمکن إذن تحمیل النظریة الإسلامیة أو النظریة الشیعیة لکل من أقام التجربة الموجودة فی إیران، لأنها لیست إلا تجربة، وهی محاولة ومثابرة لکیفیة التطبیق، ومع هذا التطبیق والتجربة توجد لها رؤی معاصرة فی حوزة قم أو النجف أو غیرها، تتفاعل معها وهی ترتئی أن تُرشِّد التجربة بنحو آخر، وهذه هی التی یسمِّیها الغرب معارضات وما شابه، هذه فی الواقع نوع من التعددیة

ص:334

فی الرؤیة لکیفیة أرشدة التجربة بشکل أکثر وأکثر.

إننا لسنا ننفی کل إیجابیات الدیمقراطیة، والعلمنة کذلک لا ننفی إیجابیاتها، فلا بدَّ من الاستفادة من الإیجابیات التی فی الدیمقراطیة والعلمنة، فهناک آلیات متطوِّرة فی مراقبة الشعب فی استصدار القرارات، هذا من الأمور التی یؤمن بها مذهب أهل البیت بقوة، أصلاً جهاد سید الشهداء فی هذا المطلب، لکی یحیی فی الأمة المراقبة علی الجهاز الحاکم، وأحد أهداف أهل البیت أن النخبة وعموم طبقات شرائح المجتمع لا تقف متفرجة علی الحاکم، هذا مصیرها، بل لا بدَّ أن تقف وقفة المشارک الفاعل المراقب فی کل صغیرة وکبیرة.

ص:335

ص:336

الفیتو والمعصوم

لذلک ذکرتُ أنه حتی فی النظریة الشیعیة وفی حکومة النبی وحکومة المعصومین، حتی فی رؤیتها للمعصوم، لیس المعصوم کما نتصوَّر أنه فیتو الأمم المتحدة، رغم أن (الفیتو) فی بعض منطقه له أهمیته، لا بدَّ أن یصیر القرار للفیتو أحیاناً، قضیة (الفیتو) لیست هی نظریة إمامیة فقط، هی لغة موجودة حتی فی القانون الحدیث، ویحتاج إلیها البشر إلی درجة معینة، مثلاً إذا کان القرار نظریاً ولم تستطع النخب أن تبتّ فیه، لأن المسیرة العلمیة لم تستطع أن تصل إلیه ، یصل الأمر إلی حسم الأعقل فوق العقلاء والأعلم فوق العلماء والأکثر خبرة فوق ذوی الخبرة، لأنه من غیر الممکن جعل الأمر فی مداولة الجمیع، لأنه لو کان الأمر بیناً وواضحاً فلیس للأعلم أن یخالفه، حتی فی البدیهیات العلمیة فی مذهب أهل البیت ممتنع للإمام أن یخالفها،

ص:337

ولو خالفها لما کانت له الحجِّیة - والعیاذ بالله - وهو لا یدخل فی ذلک، وکما فی مخاطبة الإمام الصادق(علیه السلام) لأحد الغلاة، یقول: « لو أمرناهم بعبادتنا لکان لازم علیهم فی عقولهم أن یأبوا علینا ذَلِکَ »، أی لا یطیعوننا، یقول: «وکیف بنا ونحن نأمرهم بأن یعبدوا الله ویوحدوه ».

لقد ذکرتُ أن تسلسل الحجج مبدؤه العقل، ثم الوحی، الوحی یخاطب عقل الإنسان، وإن کان الوحی فوق العقل یعنی أنه یرشده، یعنی بدایة الانطلاقة للإنسان من العقل، فلا یمکن تشطیب دور العقل ودور التغذیة العقلیة حتی فی مسیرة الوحی، هناک فی بعض المذاهب الإسلامیة تشطیب دور العقل، لذلک یقولون عن مدرسة أهل البیت أنها عقلیة مفرطة، نعم لا بدَّ من وجود الدور العقلی فیها، حتی فی الوحی وحتی فی ولایة المعصوم، ما دام الوحی یخاطب العقل فلا بدَّ أن یکون فی نطاق العقل، والوحی یغذی العقل فی مخاطبته له، وهذا إذن نوع من المشارکة فی الحکم وفی الرؤیة، وحق المناقضة موجود فی منطق نظریة أهل البیت(علیهم السلام).

المحاور: کیف هو موقفک من مفهوم العلمنة للوحی فی علاقته بالعقل، أی أن نجعل العقل یسبق الوحی؟.

الشیخ السند: الخطاب الإسلامی الشیعی فی جانب کبیر منه، مثلاً العلاَّمة الطباطبائی استفاد من الکثیر من العلوم الحدیثة لأجل البرهنة

ص:338

وتوسعة المعرفة الإلهیة، ونری مدارس عدیدة فی الحوزات العلمیة منفتحة علی الجانب الإیجابی من هذه العلوم، إن إلغاء دور العلوم الحدیثة یعنی عدم الاستفادة من الآلیات الحدیثة التی تصل إلی البشر، وهذا یعنی انکفاء مطلق، ولا یعنی هذا أن یکون هناک انفتاح مطلق بحیث أقبل دون میزان، إن لعقلی دوراً فی النقد والتقییم، فأنا أقبل العلوم الحدیثة شریطة أن أزنها بمیزان علمی، أو أوجد علی الأقل لها نظام میزان، نظام معرفة علمی، وإن شاء الله الحالة الوسطیة هی الکفیلة بالنمو والتلاقح البشری، إن الانفتاح علی الحدیث والحداثة والحداثویین فیه الکثیر من الإیجابیات، وکذلک الاحتفاظ بالتقلید فیه أیضاً إیجابیات کثیرة، حتی فی العلوم التجریبیة یوجد تقلید فی أمور قدیمة معهودة، حتی فی علوم الریاضیات والفیزیاء والکیمیاء والعلوم الإنسانیة وغیرها، فهناک تراث سابق فی کل العلوم فی المعرفة البشریة وفی المعرفة الدینیة، وهناک انفتاح وآلیات حدیثة، ولکن الآلیات الحدیثة لا تعنی أننا لا نقیِّم ولا نؤسس موازین ونناغمها ونقارنها بالموازین السابقة ونؤرشدها.

المحاور: ألیست المشکلة أننا باسم الموازیین وباسم المعاییر نمارس أشد أدوار انغلاقنا واستبدادنا وترجعنا وعدم قدرتنا أو جسارتنا علی أن ننفتح علی هذه العلوم وعلی هذا العصر؟.

الشیخ السند: هو کما تفضلتم بهذه الملحوظة، إنها کعالم الریاضیات

ص:339

الذی یغار علی الریاضیات القدیمة فیأبی الریاضیات الحدیثة، أو کالطبیب الذی لدیه حمیة علی الطب القدیم، فیغار علی الطب الحدیث. أنا أجد أن هذا من باب: « لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض »، ولهدِّمت إنجازات البشریة فی التطوُّر، فالذی یتشدَّد فی التقلید أو فیما سبق هو فی مقابل من ینفتح بإفراط علی الحدیث وعلی ما هو متغیِّر وما هو إنجاز جدید، بلا أن یتزن فی کیفیة التلقِّی، إن تشدُّد هذا الطرف، وتشدُّد الطرف المقابل له، یخلق حالة وسطیة موزونة.

المحاور: لکن ألا تری أن الخطاب الاجتماعی الدینی الذی یُلقی فی المسجد وفی المأتم وفی الملتقیات الإلکترونیة، یخلق تجاذباً حادَّاً فی المجتمع بحساسیته المفرطة من کل ما هو جدید؟. وطالما یمثل خطاب رجل الدین مرجعیة أحادیة فی المجتمع، فکیف یمکن أن نؤسس لخطاب یحتضن کل هذه التنوعات والتجاذبات المختلفة؟.

الشیخ السند: فی الواقع هناک عدة توصیات، أولاً لا بدَّ من تحکیم جو الحوار والتفاهم والبحث العلمی، ولکن بعض الخطابات من هنا وهناک، کأنما وهی فی طور البحث تتبنی وتقصف مبنی معیَّن، وهذا هو الذی یسبب إثارة الهیجان النفسی، لنفرض أن هناک نظریة حدیثة أرید أن أتبناها، وطبیعة الإنسان إنه یحب أن ینفتح ویطَّلع علی الجدید، وهذا أمرٌ إیجابی، لکن السلبیة تکمن فیما إذا تبنَّیتُ هذه النظریة وحاولت أن أسفِّه وأهاجم کل ما هو سابق وکل ما هو تقلیدی وما

ص:340

شابه، بدلاً من أن یکون هناک بحث ومعرکة علمیة، تصبح المعرکة نفسیة، فالمطلوب من کل باحث فی أی جانب ومن أی فئة أن یعتمد خطاباً غیر مثیر، وکثیراً ما تحدث هنا فی الشرق إثارات لبعضنا بعضاً، بسبب أن الخطاب المستخدم مثیر للجانب النفسی بدل الجانب العلمی.

إثارة الجانب العلمی شیء وإثارة الجانب النفسی شیء آخر، مثلاً عندما أتبنی نظریة وأعتبر النظریة الأخری سفیهة وبلیدة وأستخدم ألفاظاً نفسیة تسبب إثارة. أو کما یحدث فی بعض البحوث النظریة، حیث یکون الباحث ما زال فی طور البحث، ویطرح ما لدیه بشکل تبنِّی نهائی وبشکل ترویجی لها، وقد یکون فی قرارة نفسه یعلم أنه ما زال فی صدد البحث، وقد یطرحها علی الشارع العام الذی یسیر علی نظام معیَّن، فإذا لم تحصل هذه النظریة علی تصویب علمی من الأطراف المختلفة، لا یمکن أن تعتمد، وتتخذ کمنهاج سلوکی.

فرضاً توجد نظریة طبیة فی کیفیة العلاج قد توصَّل لها أحد الأطباء، ویرید هذا الطبیب أن یعمِّم نظریته ویمارسها فی بلدٍ معیَّن، دون تصویب ومصادقة وزارة الصحة العالمیة واللجان الطبیة الدولیة، لا ریب أنه سوف تُرفع علیه شکوی فی محکمة لاهای لو طبَّق نظریته دون أن یحصل علی موافقة بذلک، إن من حقه أن یبتکر ویجدِّد ولکن یجب أن یمر ما توصل إلیه عبر القنوات الرسمیة، لکی توافق علی تطبیق ما توَّصل إلیه، ولا بدَّ لهذه القنوات الرسمیة أن تنفتح علی

ص:341

النظریات الجدیدة، هذه القنوات والروافد للإدراک عندما تتلقی معلومة، فلا بدَّ أن ترسلها إلی الأجهزة المختصة من أجل التصدیق والاعتراف، أما أن هذه الإدراکات ترید أن تمرِّر هذه المعلومات إلی القوی العاملة فی النظام العام دون أن تمر بالقوی الرسمیة التی بیدها الاعتراف، فهذا یخلق حالة بلبلة وتموُّج بین روافد المعلومات، وتکون النتیجة بالتالی أن یُحرم المجتمع من طاقات بعضه بعضاً، لذلک من أجل توازن العملیة وکما هو موجود فی العالم فی الطب والهندسة وغیرها من العلوم، یوجد النادی العلمی الخاص والبحث العلمی، وقل ما شئت ولیس علیک أی تقیید، وأنت حرٌّ فی طرح کل ما ترید، أما إن کنتُ أرید أن أوصلها إلی الشارع العام العالمی وأطبقها فی بلد من البلدان، فهنا یأتی دور المحکمة، لتقول لی أن لیس لی الحق فی ذلک، إلا بعد أن یصادق علیها بإنها نظریة صائبة ثم تطبق.

المحاور: إننی أتحدَّث عما له علاقة بالدین والإسلام والتشیع والإنسان والمجتمع، وبکل هذه المفاهیم التی تعیشها الناس وتسمعها وتدخل فیها وتعیش بها وعلیها..

الشیخ السند: توجد کلمة بدیعة لأمیر المؤمنین(علیه السلام)یقول فیها:

«حیاة العلم بالبحث والنقد »، وهذه کلمة خالدة موجودة فی نهج البلاغة، فالبحث والنقد لا بدَّ منهما، ولکن مشکلتنا نحن بین

ص:342

بعضنا بعضاً، بین الأندیة والنخب المختلفة. إن الطریقة المنهجیة لممارسة البحث والنقد، نمارسها بطریقة نفسانیة بدلاً من أن نجعلها علمیة، لنفترض أن هناک نظریة فیزیائیة معینة...

المحاور: أمثلة الفیزیاء والکیمیاء هی مسائل لسنا مبتلین بها...

الشیخ السند: بل إننا مبتلون بها، یبدو أن الفکرة التی کنت أرید أن أوصلها ما زالت غیر واضحة، الذی أردت قوله هو أنه فی البحث والنقد یجب اعتماد الخطاب الذی لیس فیه إثارة وعاصفة نفسانیة، السخریة مثلاً فی أی خطاب ومن أی باحث استهزاء یهیج الطرف الآخر، والقرآن یوصی بعدمها، أما عندما أطرح تساؤلاً بجفاف علمی دون لغة عاطفیة، فأنا أنتج بحثاً آخر، أنا لا أرید أن أوجِّه اللائمة علی الطرف الآخر، لقد قلت حتی التشدُّد فی عدم الاطلاع یوجب عدم حیویة الشریعة، ویوجب عدم خلود الشریعة، ویوجب الإقرار بأن الشریعة لا تواکب الحیاة.

فی الشعائر الحسینیة توجد نفس هذه الجدلیة، هل ننفتح علی الآلیات الحدیثة أو نرفضها مطلقاً؟. هل ننفتح علی الخطاب السیاسی فی الروادید أم لا؟. أنا ذکرت نظریة ثالثة إننی أحاول أن أمتص إیجابیات النظریتین وأترک سلبیاتهما وأکوِّن منهما نظریة ثالثة، وهذه مطروحة منذ القدیم فی الحوزة، لأن نظریات الآلیات الحدیثة تختلف

ص:343

فی کل عصر، نظریة التقلید تقول إن لدینا هویة أصیلة، والآلیات تکون کالظرف یُعبأ فیه المعنی، هی جسور لأداء معنی، والمعنی الأصیل غیر موجود فیها وبالتالی یتکوَّن لنا معنی لیس هو المطلوب، فتضییع حقائق المعانی التی نهدف إلیها، لکن هذا التحفظ من التقلیدی له مبرراته ولکن له سلبیاته أیضاً، و ذاک الانفتاح المطلق کما ینادی البعض بأن نلغی کل الشعارات القدیمة ونستخدم شعارات حسینیة جدیدة، هذا إفراط وتفریط.

الطب القدیم: سوف أضرب مثالاً قد وصلت إلیه البشریة حالیاً، وهو موضوع الطب القدیم فی الشرق الأوسط، فیما عدی إیران وپاکستان والدول الآسیویة والهند، فإن الجمیع رفض الطب القدیم الذی یعتمد الأعشاب والمساج وغیرها. یوجد أربعون نوعاً من الطب القدیم والحدیث، أما الطب الحدیث ولأغراض تجاریة ماذا صنع فی الشرق الأوسط ولا سیما فی الدول العربیة؟. لقد حارب الطب القدیم من أجل أن یروِّج لتجارة الطب الحدیث، والآن فهمت البشریة أن الطب القدیم جدیر بالاهتمام، الصین مائة بالمائة أدویتها طبیعیة، ولا یوجد لدیها حتی بنسبة واحد بالمئة أدویة صناعیة، کندا لدیها أربعون بالمائة إن لم یکن ستون من الأدویة الطبیعیة، لقد التفتوا فی مؤتمر طبی فی أمریکا إلی (الطب الأم (و (المستشفی الأمثل) وهو المزاوجة بین الطب الحدیث والطب القدیم.

ص:344

لقد توصلوا إلی أن المستشفی النموذجی - وقد تابعتُ ذلک متابعة حثیثة - هو الذی یمازج بین الطب الحدیث والطب القدیم، ویکون فی المستشفی النموذجی هیئة تتکون من الأنواع الأربعین للطب القدیم، حتی فی النظام الاقتصادی الآن یبحثون فی نفس المطلب، البعض یدعو لنسف النظام الاقتصادی القدیم الذی منه النظام الزراعی، ألیس هذا خطراً وخطأ؟!! وعدم الانفتاح علی هذه الأنظمة الاقتصادیة أو المالیة الحدیثة أیضاً خطأ، إذاً السلامة الآن فی ماذا؟ هی فی أرشدة الحدیث بالتقلیدی وأرشدة التقلیدی بالحدیث.

ص:345

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.