سند الناسکین

اشارة

کتاب سند الناسکین

شارح:احمد ماحوزی

نویسنده:محمد سند

موضوع:حج و احکام و کیفیات آن

ناشر:دارالمحجه البیضاء

محل نشر: بیروت - لبنان

سال نشر: 1430 ه ق

ص :1

اشارة

سند الناسکین

شارح:احمد ماحوزی

نویسنده:محمد سند

ص :2

وجوب الحج

بسم الله الرحمن الرحیم

والصلاة والسلام علی محمدٍ وآله الطیبین الطاهرین ، واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین .

وبعد ...

فمتن هذا الکتاب خلاصة الأحکام الشرعیة التی توصل إلیها أستاذنا المحقق الفقیه آیة الله الشیخ محمد السند ، منتزعة من بحوثه التی ألقاها فی مناسک الحج والعمرة ، وحاشیته تعلیقة استدلالیة مختصرة مقتضبة مستفادة - فی الأعم الأغلب - من دروسه وإملاءاته دام ظله الشریف .

نسأل الله سبحانه وتعالی أن ینتفع بالمتن والحاشیة أهل الفضل والتحقیق .

والحمد لله رب العالمین .

أحمد الماحوزی

16 / شوال / 1429 ه

الماحوز

ص:3

ص:4

بسم الله الرحمن الرحیم

وجوب الحج

یجب الحج علی کل مکلف جامع للشرائط الآتیة ، ووجوبه ثابت بالکتاب والسنة القطعیة ، وهو رکن من أرکان الدین(1) ، ووجوبه من الضروریات ، وترکه مع الاعتراف بثبوته معصیة کبیرة(2) ، کما أن إنکار أصل الفریضة - إذا لم یکن مستنداً إلی شبهة - کفر .

قال اللّه تعالی فی کتابه المجید : وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ .

وروی الشیخ الکلینی بطریق معتبر عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « من مات ولم یحج حجة الإسلام ، ولم یمنعه من ذلک حاجة تجحف به ، أو مرض لا یطیق معه الحج ، أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیاً أو نصرانیاً » .

وهناک روایات کثیرة تدل علی وجوب الحج والإهتمام به لم نتعرض لها طلباً للاختصار .

ص:5


1- (1) لبناء الإسلام علیه کما فی عدة من الروایات ، ففی صحیحة زرارة عن الباقرعلیه السلام : بنی الإسلام علی خمس : علی الصلاة ، والزکاة ، والحج ، والصوم ، والولایة » ، لا بمعنی الحد الذی أخذ فی حقیقة الإسلام فإن ذلک مختص بالشهادتین والإقرار بالمعاد ، وإنما بمعنی أن الحج من أهم الواجبات الإلهیة .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک ، لکون ترک الواجبات الضروریة من الکبائر ، والحج من أهم الواجبات الإلهیة .

وفی ما ذکرناه من الآیة الکریمة والروایة کفایة للمراد .

واعلم أن الحج الواجب علی المکلف فی أصل الشرع إنما هو لمرة واحدة(1) ، ویسمی ذلک ب « حجة الإسلام » .مسألة 1 : وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوری(2) ، فتجب المبادرة إلیه فی سنة الاستطاعة ، وإن ترکه فیها عصیاناً أو لعذر وجب فی السنة الثانیة وهکذا ، ولا یبعد أن یکون التأخیر من الکبائر إذا کان استخفافاً

ص:6


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام قال : « ما کلف الله العباد إلا ما یطیقون ، إنما کلفهم فی الیوم واللیلة خمس صلوات وکلفهم من کل مأئتی درهم خمسة دراهم ، وکلفهم صیام شهر فی السنة ، وکلفهم حجة واحدة ، وهم یطیقون أکثر من ذلک » ، وأما ما فی عدة من الروایات المعتبرة من وجوب الحج علی أهل الجدة فی کل عام فهی مسوقة لبیان أن الحج واجب علی أهل الیسار دون غیرهم ، ولا نظر لها للمرة والتکرار بلحاظ الإفراد ، والشاهد علیه الروایات الکثیرة الدالة علی وجوبه مرة فی العمر .
2- (2) بقول علمائنا أجمع ، ولیس ثمّة خلاف یُعرف ، نعم کون هذا الوجوب شرعیاً - کما هو المشهور ، واختاره الماتن دام ظله - أو عقلیاً کما اختاره بعض الاعلام المعاصرین خلاف ، وتظهر الثمرة فی من ترک الحج فی سنة الاستطاعة ثم حج بعد ذلک ، فعلی الأول یکون عاصیاً ، وعلی الثانی متجریاً ، ویشهد للمشهور صحیحة معاویة وفیها « وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً قال علیه السلام : هذا لمن کان عنده مال وصحة وإن کان سوّفه للتجارة فلا یسعه ، وإن مات علی ذلک فقد ترک شریعة من شرائع الإسلام » وتسویف الحج غیر ترکه رأساً بل التسویف لغة بمعنی التأخیر والمطل ، فالتفصیل فی الروایة قاطع للشرکة .

بالحج(1) ، لا بمعنی قلة الاهتمام(2) .

مسألة 2 : إذا حصلت الاستطاعة وتوقف الإتیان بالحج علی مقدمات وتهیئة الوسائل ، وجبت المبادرة إلی تحصیلها(3) ، ولو تعددت الرفقة فإن وثق بالادراک مع التأخیر جاز له ذلک ، وإلّا وجب الخروج من دون تأخیر(4) .

مسألة 3 : إذا أمکنه الخروج مع الرفقة الأولی ولم یخرج معهم لوثوقه بالادراک مع التأخیر ولکن اتفق أنه لم یتمکن من المسیر ، أو أنه لم یدرک الحج بسبب التأخیر استقر علیه الحج(5) ، وإن کان معذوراً فی تأخیره .

ص:7


1- (1) تشهد له عدة من النصوص کالروایة التی عبّر عنها الصدوق قدس سره بالأصحیة وهو العارف بالرجال والروایات وقد رواها بعدة أسانید ، وفیها أن من الکبائر الاستخفاف بالحج .
2- (2) وما یفعله الکثیر ناشیء من قلة الاهتمام ، وهو لا یلازم الاستخفاف ، أو أنه من المصادیق الضعیفة له ، التی لا یمکن الجزم بکونها من الکبائر ، فقد عد الرضا علیه السلام فی الروایة السابقة الإسراف والتبذیر ولا یمکن الالتزام بأن کل مصادیقهما من الکبائر ، وذلک لأنه فی العناوین التشکیکیة ذات المصادیق غیر المتواطئة إذا کانت متعلقة بحکم إلزامی لا تکون کذلک فی کل مصادیقها المختلفة من حیث الشدة والضعف ، إلا مع قیام الدلیل .
3- (3) لکونها من مقدمات الواجب ، فلا بد من تحصیلها لإیجاده .
4- (4) إذ الضابطة هو الوثوق والاطمئنان بالوصول وإدراک الحج .
5- (5) لکون موضوع حکم استقرار الحج لیس هو خصوص الترک الاهمالی مع التمکن ، بل هو مطلق الترک ، ولکن إثبات ذلک فی غایة الصعوبة ، ولذا لو خرج مع الرفقة الأولی ولم یدرک الحج لم أجد من التزم باستقراره علیه ، فمطلق الترک - إذا لم یکن عن إهمالٍ وتسویفٍ غیر جائز وتسامحٍ - لا یوجب الاستقرار .

شرائط وجوب حجة الإسلام

الشرط الأول : البلوغ

فلا یجب علی غیر البالغ وإن کان مراهقاً ، ولو حج الصبی لم یجزئه عن حجة الإسلام(1) ، وإن کان حجه صحیحاً علی الأظهر(2) .

مسألة 4 : إذا خرج الصبی إلی الحج فبلغ قبل أن یحرم من المیقات ، وکان مستطیعاً ، فلا إشکال فی أن حجه حجة الإسلام ، وکذلک إذا أحرم فبلغ بعد إحرامه قبل المشعر فینقلب حجه إلی حجة الإسلام(3) .

ص:8


1- (1) بإجماع المسلمین قاطبة .
2- (2) لکون عبادات الصبی لا تخرج عن الشرعیة ، ولم یؤخذ البلوغ شرطاً فی تحققها ، کما أخذ ذلک فی الوجوب والتحریم ، وحدیث « رفع القلم عن الصبی » رفع للفعلیة التامة أوالتنجیز والمؤاخذة لا أصل المشروعیة .
3- (3) علی المشهور ، بل ادعی علیه الإجماع ، وتردد فیه المحقق فی الشرائع والعلامة فی المنتهی والتحریر ، ونفاه فی المفاتیح والحدائق ، وتمسک المشهور بصحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : مملوک أعتق یوم عرفة ، قال : إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج » بإلغاء خصوصیة العبد ، بشهادة الروایات المستفیضة - غیر المختصة بالعبد - الدالة علی أنه من أدرک المشعر فقد أدرک الحج ، فقولهم علیهم السلام « من أدرک المشعر فقد أدرک الحج » موسّع لأداء الواجب وهو موسع بالتبع للوجوب ، کما فی من أدرک رکعة من الوقت فقد أدرک الوقت ، ومنه تعرف وجه تمسک الأصحاب بهذه الروایة مع معلومیة حرمة القیاس عندهم ، وقاعدة « من أدرک أحد الموقفین » لا تختص بمن لم یحرم بل هی أعم إن لم نقرّب بأن من أحرم هو فردها الأکمل ، وهی تدل علی عدم ممانعة ما تلبّس به من إحرام عن أداء الواجب الذی تجدد وجوبه ، وأن طبیعة الحج المستحب المأتی ببعض أعماله تنطبق علی طبیعة الحج الواجب عند حدوث الوجوب قبل أحد الموقفین ، فتدبر .

مسألة 5 : إذا حج ندباً معتقداً بأنه غیر بالغ فبان بعد أداء الحج أنه کان بالغاً قبل المشعر أجزأه عن حجة الإسلام(1) .

مسألة 6 : یستحب للصبی الممیز أن یحج(2) ، ولا یشترط فی صحته إذن الولی(3) إلّاأن یکون عقوقاً .

ص:9


1- (1) لوحدة طبیعة الحج المندوب مع الواجب فیما إذا تحقق موضوع الوجوب قبل أحد الموقفین کما تشیر إلیه صحیحة معاویة وغیرها ، وإن لم نقبل فالمورد یکون من قبیل الاشتباه فی التطبیق .
2- (2) تمسکاً بإطلاقات وعمومات الأدلة ، وما ورد من الروایات الخاصة الدالة علی لزوم إعادة حجه بعد بلوغه الدالة بوضوح علی ارتکاز مشروعیة الحج للصبی واستحبابه إلا أنه لا یجتزأ به عن الواجب ، ومن المعلوم أن الحج الباطل لا مجال لإجزائه عن حجة الإسلام ، مع ما جاء فی بعض الروایات باستحباب الاحجاج بالصبیان .
3- (3) خلافاً للمشهور ، وذلک لأن مقتضی ولایة الأب علی الصبی فی أمواله وکافة أموره لیست علی وزان الشروط الوضعیة المأخوذة فی حقیقة الماهیات ، بل هی علی وزان الشرط التکلیفی لکون طاعة الوالدین عنواناً ثانویاً طارئاً ، مقدماً ملاکه علی المستحبات ، ووجوب الطاعة ههنا بالدرجة التی یلزم من عدمها العقوق لا مطلقاً ، فإن لم یکن ثمّة عقوق فیقع التزاحم بین العمل العبادی المستحب وبین إطاعتهما بالقدر المستحب ، فیقدم أقواهما ملاکاً .

مسألة 7 : یستحب للولی أن یحرم بالصبی غیر الممیز ، ذکراً کان أم انثی (1) ، وذلک بأن یلبسه ثوبی الإحرام ویأمره بالتلبیة ویلقنه إیاها إن کان قابلاً للتلقین ، وإلّا لبی عنه ، ویجنبه عمّا یجب علی المحرم الاجتناب عنه(2) ، ویجوز أن یؤخر الإحرام بالصبی الصغیر إلی أدنی الحل کفخ کما سیأتی فی المواقیت ، ویأمره بالاتیان بکل ما یتمکن منه من أفعال الحج ، وینوب عنه فیما لا یتمکن کالنیة فی کل الأعمال حتی الوضوء لو لم یعقلها(3) ، ویوضئه ویطوف به وینوی عنه ویسعی به بین الصفا والمروة ویقف به فی عرفات والمشعر ، ویأمره بالرمی إن قدر علیه ، وإلّا رمی عنه ، وکذلک صلاة الطواف ، ویحلق رأسه ، وکذلک بقیة الأعمال .

مسألة 8 : نفقة حج الصبی فی ما یزید علی نفقة الحضر علی الولی لا علی الصبی(4) ، نعم إذا کان حفظ الصبی متوقفاً علی السفر به ، جاز

ص:10


1- (1) تمسکاً بإطلاق الروایات ، وأن الإتیان بلفظ المذکر إنما هو من باب التغلیب کما هو واضح للعیان .
2- (2) کما هو صریح صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال : إذا حج الرجل بابنه وهو صغیر فإنه یأمره أن یلبی ویفرض الحج ، فإن لم یحسن التلبیة لبی عنه ... ویتقی علیهم ما یتقی علی المحرم من الثیاب والطیب » .
3- (3) یشهد له - علی الظاهر - الصحیحة السابقة ، إذ التلبیة من باب المثال لاالخصوصیة .
4- (4) بلا خلاف علی الظاهر ، وذلک لعدم الدلیل والمصلحة المالیة ، ورجوع الثواب إلیه لا یکفی فی جواز التصرف فی ماله ، نعم إذا کانت المصلحة - کما هو الحق فی الجملة - أعم من المالیة والدینیة یتوجه القول بجواز کونها من مال الصبی ، إلا أن یقال : أن الإحجاج بالصبی نظیر الأمر بإحجاج المؤمن أو نذر الحج له ، ومقتضاه تحمل کل نفقات الحج الواجبة والمستحبة .

الانفاق علیه من ماله(1) ، وکذا فیما إذا کان السفر مصلحة له .

مسألة 9 : ثمن هدی الصبی غیر الممیّز(2) علی الولی ، وکذلک کفارة صیده(3) ، وأما الکفارات التی تجب عند الاتیان بموجبها عمداً فالظاهر أنها لا تجب فی مال الصبی(4) ، لکن الأحوط ثبوتها علی الولی إن لم یکن الأقوی (5) ، أما الممیّز فکما تقدم فی المسألة السابقة من التفصیل(6) .

ص:11


1- (1) فی مؤونة أصل السفر ، لا الحج لو کانت زائدة ، لجواز عدم الإحجاج به .
2- (2) وقد أطلق المشهور بکون الهدی علی الولی سواء کان ممیزاً أم لا ، ووجه التقیید أن القدر المتیقن من الروایات هو فیما إذا کان ثمة إحجاج له ، وحج الصبی المستقل الممیز لا یقال له إحجاج أو حج به ، إلا أنه یمکن أن یقال : أن الاحجاج والحج بالصبی لا ربط له بالاستقلال وعدمه ، وإنما معنی الاحجاج والحج به أی تحمل نفقات حجه ، نعم قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة « ویتقی علیهم ما یتقی علی المحرم » فیها إشعار بکون موضوعها الصبی غیر الممیز ، وعلیه : فإذا أحرم الصبی الممیّز بلا إذن من الولی کان لهذا التقیید وجه .
3- (3) لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة « وإن قتل صیداً فعلی أبیه » .
4- (4) لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم « عمد الصبی وخطؤه واحد » ، کما یمکن أن یستشعر ذلک من قوله علیه السلام « وإن قتل صیداً فعلی أبیه » .
5- (5) لکونه المخاطب بالتروک ، وتقیید ذلک بما إذا کان بمنظر وتفریط منه ربمایکون له وجه ، فتدبر .
6- (6) بالنسبة لثمن الهدی وکفارة الصید ، وإلا فإن إطلاق قوله علیه السلام « عمد الصبی وخطؤه واحد » مانع من التفصیل ، فتدبر .

الشرط الثانی : العقل

فلا یجب الحج علی المجنون(1) وإن کان إدواریاً ، نعم إذا أفاق المجنون فی أشهر الحج وکان مستطیعاً ومتمکناً من الإتیان بأعمال الحج وجب علیه(2) ، وإن کان مجنوناً فی بقیة الأوقات ، ولو کان الإجهاد والمشقة یسبّب له الضعف والجنون لا سیّما مثل جهد سفر الحج وجب علیه الاستنابة للحج(3) ، أما لو طرأ علیه الجنون بعد الإحرام وأثناء الأعمال فحکمه کحکم الصبی فیُطاف ویصلی عنه ، ویسعی به بین الصفا والمروة ، ویوقف به ویرمی عنه ، وکل ما لا یتمکن منه من أفعال الحج یوقع به أو یناب عنه ، والظاهر إجزاء حجّه إذا کان طروء الجنون بعد الموقفین(4) ، وأما قبلهما فالأحوط الإعادة إذا بقیت الاستطاعة فی الأعوام القابلة .

الشرط الثالث : الحریّة

فلا یجب الحج علی المملوک(5) وإن کان مستطیعاً ومأذوناً من قبل

ص:12


1- (1) بإجماع الفقهاء قاطبة .
2- (2) لتحقق موضوع الوجوب .
3- (3) لأنه بحکم العاجز المستطیع ، وسیأتی أنه یجب علیه الاستنابة .
4- (4) لما قلناه سابقاً من أن قوله علیه السلام « من أدرک المشعر فقد أدرک الحج »موسّع لأداء الواجب وهو موسع بالتبع للوجوب ، کما فی من أدرک رکعة من الوقت فقد أدرک الوقت .
5- (5) بإجماع کافة المسلمین .

المولی ، ولو حج بإذن مولاه صحّ ولکن لا یجزیه عن حجّ الإسلام(1) ، فتجب علیه الإعادة إذا کان واجداً للشرائط بعد العتق .

مسألة 10 : إذا أتی المملوک المأذون من قبل مولاه فی الحج بما یوجب الکفارة فکفارته علی مولاه مطلقاً(2) ، وأما إذا لم یکن مأذوناً فهی علی العبد(3) .

مسألة 11 : إذا حج المملوک بإذن مولاه وانعتق قبل إدراک المشعر أجزأه عن حجة الإسلام(4) ، ولا فرق فی الحکم بالإجزاء بین أقسام الحج من الإفراد والقِران والتمتع إذا کان المأتی به مطلقاً لوظیفته الواجبة(5) .

مسألة 12 : إذا انعتق العبد قبل المشعر فی حج التمتع فهدیه علیه(6) ، وإن لم یتمکن فعلیه أن یصوم بدل الهدی علی ما یأتی ، وإن لم ینعتق

ص:13


1- (1) للنص والإجماع .
2- (2) فی کفارة الصید وغیره ، لصحیحة حریز عنه علیه السلام قال : « کل ماأصاب العبد وهو محرم فی إحرامه فهو علی السید إذا أذن له فی الإحرام » .
3- (3) لصحیحة ابن أبی نجران قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن عبد أصاب صیداً وهو محرم ، هل علی مولاه شیء من الفداء ؟ فقال : لا شیء علی مولاه » وإطلاقها مقید بالصحیحة السابقة .
4- (4) قولاً واحداً ، لصحیحة معاویة بن عمار قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : مملوک أعتق یوم عرفة ، قال : إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج » .
5- (5) لإطلاق الصحیحة السابقة .
6- (6) لأنه حر یتجه تکلیف الوجوب علیه بین الذبح والصیام عند العجز .

فمولاه بالخیار ، فإن شاء ذبح عنه وإن شاء أمره بالصیام(1) .

الشرط الرابع : الإستطاعة

وهی معتبرة فی التنجیز(2) ، أی فی عزیمة الحج ، لا أصل مشروعیة

ص:14


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة سعد بن أبی خلف : سألت أبا الحسن علیه السلام قلت : أمرت مملوکی أن یتمتع ، قال : إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فلیصم » ومثلها صحیحة جمیل ، نعم یستحب الذبح عنه .
2- (2) لا فی ملاک الفریضة ، وفاقاً للشهید فی الدروس وصاحب المدارک وکاشف اللثام والحدائق والمستند ، وخلافاً للأکثر - وقیل المشهور - من أخذ الاستطاعة قیداً فی الملاک ، والثمرة تظهر فی فروع عدة ، منها ما إذا تکلف المکلف الحج مع عدم الاستطاعة الشرعیة أنه لا یجزیه عن الفریضة علی القول بأنها قید للملاک ، والإجزاء علی القول بأنها من قیود التنجیز .والتحقیق أن یقال : أن الاستطاعة العقلیة قید الملاک والمشروعیة ، والاستطاعة الشرعیة - وهی الزاد والراحلة ... - قید التنجیز ، وذلک لطوائف من الروایات .منها : الروایات الدالة علی تشریع حجة الإسلام لمن أطاق المشی ، ففی صحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه دین أعلیه أن یحج ؟ قال : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة علی من أطاق المشی من المسلمین ولقد کان من حج مع النبی صلی الله علیه وآله مشاة ، ولقد مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله بکراع الغنیم فشکوا إلیه الجهد والعناء ، فقال : شدّوا أزرکم واستبطنوا ، ففعلوا ذلک فذهب عنهم » فلو کانت الاستطاعة الشرعیة قید الملاک والمشروعیة لکان حَجُّ أکثر من حَجَّ مع رسول الله صلی الله علیه وآله لا یجتزأ به عن حجة الإسلام .ومنها : الروایات التی تدل علی وجوب الاستنابة للمتمکن مالیاً غیر المتمکن بدنیاً أو سربیاً لصد أو حصر ، والذی یستفاد منها ثبوت حجة الإسلام فی الذمة بمجرد المکنة المالیة ، ولا ریب أن استنابة العاجز رخصة لا عزیمة فلو تکلف

____________________

ص:15

الفریضة .

ویعتبر فیها أمور :

الأول : السعة فی الوقت ، ومعنی ذلک وجود القدر الکافی من الوقت للذهاب إلی مکة والقیام بالأعمال الواجبة هناک ، وعلیه فلا یتنجز ولا یکون الحج عزیمة إذا کان حصول المال فی وقت لا یسع للذهاب والقیام بالأعمال الواجبة فیها(1) ، أو أنه یسع ذلک ولکن بمشقة شدیدة لا تتحمل عادة(2) .

وإذا کان طریق الحج من بلاده بأخذ النوبة فی تسجیل قوافل سفر الحج طوال مدّة قبل أشهر الحج أو طوال سنین ، کما هو الحال فی البلاد المکتظة سکانیاً ، فیجب علیه التحفظ علی المال عند توفّر النوبة وتهیئة

ص:16


1- (1) لعدم التکلیف بما لا یطاق .
2- (2) لقوله تعالی ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ .

المقدمات بالمال(1) ، أما لو لم یکن الحال کذلک بأن کان مفتوح الطریق فوقت التحفظ علی المال هو أوّل إبّان أشهر الحج(2) .

الثانی : صحة البدن وقوة الجسم وهو السلامة ، فلا یجب مباشرة علی مستطیع لا یتمکن من قطع المسافة لهرم أو مرض أو لعذر آخر(3) ، ولکن تجب علیه الاستنابة علی ما سیجیء تفصیله .

الثالث : تخلیة السرب(4) ، وهو الأمن ، وذلک بأن لا یکون خطراً علی النفس أو المال أو العرض ذهاباً وإیاباً وعند القیام بالأعمال .

مسألة 13 : إذا کان للحج طریقان أحدهما مأمون والآخر غیر مأمون لم یسقط وجوب الحج ، بل وجب الذهاب من الطریق المأمون وإن کان أبعد(5) .

ص:17


1- (1) فحالهم حال أهل الصین ومن ورائهم فی القرون السابقة ، فإن استطاعتهم المالیة وخروج قوافلهم ربما تکون متقدمة بسنین علی وقت أدائهم للحج .
2- (2) ولک أن تمثل ذلک بمکلفین من أهالی الصین وما ورائها - مثلا - أحدهما یستطیع السفر بالطائرة والآخر بالحافلة ، فإن وجوب التحفظ علی الاستطاعة ومبدئها الزمانی یختلف من شخص لآخر .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، تبعاً للنصوص ، ففی صحیحة الخثعمی قال : سأل حفص الکناسی أبا عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن قول الله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ما یعنی بذلک ؟ قال : « من کان صحیحاً فی بدنه مخلی سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن یستطیع الحج » .
4- (4) إجماعاً محققاً ومحکیاً ، وتقتضیه الآیة الکریمة ، والنصوص الکثیرة .
5- (5) لتحقق موضوع الحکم ، وعدم اختصاص الوجوب بأقرب الطرق .

مسألة 14 : إذا استلزم ذهابه إلی الحج تلف مال له فی بلده أو غیرها وکان المال مجحفاً بعموم وضعه المالی فلا یکون الحج علیه عزیمة(1) ، وکذلک لو استلزم ترک واجب أهم کإنقاذ غریق أو حریق تعیّن ترک الحج(2) ، ولو کان الواجب الآخر مساویاً له تخیّر بینهما ، وکذلک فیما لو توقف علی ارتکاب محرّم علی التفصیل المزبور .

مسألة 15 : إذا حج مع استلزام حجه ترک الواجب أو ارتکاب المحرم الأهم فیجزیه عن حجة الإسلام(3) مع توفر الشرائط المعتبرة فی وجوب الحج ، وإن کان عاصیاً لترک الواجب أو فعل الحرام من جهة أخری ، ولو کان ذلک فی أول سنة استطاعته .

مسألة 16 : إذا توقف سلوکه وطیه للطریق إلی مکة علی دفع ضریبة مالیة أو رسوم نقدیّة فإن کانت مجحفة بحاله المالی فتسقط عزیمة الحج(4) ، وکذا فی بقیة المقدمات الإداریة المتوقفة علی بذل المال فإن أخذ المال فی ذلک - إذا لم یکن مجحفاً - لا یعدم خلو السرب الذی هو الأمن والسلامة فی الطریق .

مسألة 17 : لو انحصر الطریق بالطریق المشوب بالخوف والذی هو

ص:18


1- (1) لقوله تعالی ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ .
2- (2) لاقتضاء قاعدة التزاحم تقدیم الأهم ، لا لکون عدم المانع الشرعی أخذقیداً فی موضوع الحج .
3- (3) لما تقدم فی التعلیقة السابقة من کون المورد من باب التزاحم ، فإن ترک الأهم وعصی جرت قاعدة الترتب .
4- (4) وذلک لعدم تحقق الاستطاعة المالیة فی صورة الإجحاف .

فی معرض الخطر المعتد به عرفاً تسقط عزیمة الحج ، ولو حج مع ذلک صحّ حجه لما مرّ من أن الاستطاعة شرط عزیمة للحج .

الرابع : الزاد والراحلة(1) ، وهی النفقة أی التمکن من صرفها لمؤنة سفره من الأکل والشرب وغیرهما ، وتهیئة وسیلة النقل لقطع المسافة وإن لم یکن المال ملک له فلا یشترط ملکیة أعیانها ، ویلزم فی قدر النفقة أن لا تقل بنحو یستوجب الحرج والمهانة .

مسألة 18 : یختص لزوم وجود الراحلة « وسیلة النقل » بصورة الحاجة إلیها(2) ، بخلاف ما إذا کان قادراً علی المشی من دون مشقة ولا

ص:19


1- (1) وبذلک فسّرت الاستطاعة فی الروایات .
2- (2) خلافاً للمشهور علی ما قیل ، من اعتبارها مطلقاً ، تمسکاً بإطلاق الروایات ، لکن ثمّة روایات قد أخذت السعة والیسار فی تفسیر الإستطاعة ، ففی معتبرة القصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سأله حفص الأعور وأنا أسمع عن قوله الله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ ... قال : « ذلک القوة فی المال والیسار ، قال : فإن کانوا موسرین فهم ممن یستطیع ؟ قال : نعم » ، وفی موثقة سماعة عن الرجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ولم یوص بها وهو موسر ؟ قال : « یحج عنه من صلب ماله ، لا یجوز غیر ذلک » ، وغیرهما من الروایات الصریحة فی أخذ الصحة والیسار المالی فی حد الاستطاعة ، ومنه یعرف أن الزاد والراحلة کسبب لحصول المکنة ، فإذا فرض عدم الراحلة مع إمکان الاتیان بالحج بیسر کان ممن تشمله الروایات .مضافاً إلی صریح صحیحة ابن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه دین أعلیه أن یحج ؟ قال : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة علی من أطاق المشی من المسلمین ، ولقد کان من حج مع النبی صلی الله علیه وآله مشاة » ، وحملها علی من استقر علیه الحج خلاف لظاهرها ، کما أن حملها علی التقیة فرع مخالفتها للنصوص ، وعدم وجوب الحج علی المدین لیس علی إطلاقه ، مع أنه لیس موضع الشاهد ، وإمکان التفکیک فی حجیة الخبر الواحد من حیث فقراته .

حرج ولا مهانة .

مسألة 19 : العبرة فی التمکن من النفقة هو وجود المکنة الفعلیة ، فلا یجب علی من کان قادراً علی تحصیل المکنة بالاکتساب ونحوه(1) .

مسألة 20 : الاستطاعة المعتبرة فی عزیمة الحج إنما هی الاستطاعة من مکانه لا من بلده(2) ، فإذا ذهب المکلف إلی بلد آخر کالمدینة مثلاً لغرض ما ، فاتفق له ما یمکن أن یحج به من النفقة وجب علیه الحج وإن لم یکن مستطیعاً من بلده .

مسألة 21 : غلاء أسعار المؤنة وأجرة النقل لا یُعدم الاستطاعة مع التمکن من القیمة ، وکذا إجحاف البائع علیه فی القیمة بأکثر من ثمن المثل ، أو إجحاف المشتری بأقل من ثمن المثل لو أراد بیع ما یملکه لحاجة النفقة(3) ، بخلاف ما لو کان الغلاء أو الاجحاف فی الموردین

ص:20


1- (1) لکون ذلک من مقدمات الوجوب وشرائطه التی لا یجب علی المکلف تحصیلها .
2- (2) تمسکاً بعمومات وإطلاقات الأدلة مع صدق الإستطاعة ، مؤیداً بصحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یمر مجتازاً - یرید الیمن أو غیرها من البلدان وطریقه بمکة - فیدرک الناس وهو یخرجون إلی الحج ، فیخرج معهم إلی المشاهد ، فیجزیه ذلک عن حجة الإسلام ؟ قال علیه السلام : نعم » .
3- (3) وذلک لأن الأحکام التی بطبعها ضرریة کالجهاد والزکاة والخمس والحج إنما یصح التمسک بقاعدة « لا ضرر » فیها بلحاظ الضرر الزائد علی طبیعتها وطبیعة کل مکلف بحسبه ، ورافعیة هذه القاعدة وبقیة العناوین الثانویة هی لب من باب التزاحم بین الملاکین ، فیجب ملاحظة درجة الضرر الطارئة مع درجة ملاک الحکم ، لا أنه بأی درجة طارئة یرفع الید عن الأحکام الأولیة التی هی بطبعها ضرریة ، وعلیه فالضرر المجحف هو الرافع لا مجرد زیادة السعر أو نقصانه .

یجحف بعموم حالته المالیّة(1) .

مسألة 22 : إنما یعتبر وجود نفقة الإیاب فی عزیمة الحج مع إرادة المکلف العود إلی وطنه ، وأما مع إرادة السکنی فی بلد آخر غیر وطنه فتعتبر نفقة العود إلیه إذا لم تزد علی نفقة العود إلی الوطن(2) .

نعم مع اضطراره إلی العود إلی البلد الآخر فتعتبر نفقة العود إلیه وإن زادت .

تنبیه : المدار فی تحقق الاستطاعة المالیة إنّما هو فی القَدَر بحسب أقلِّ مسمی السفر للحج کما یعرف فی هذه الأعصار بالالتحاق بحملات الحج ، ولیس اللازم أن یکون القَدَر بتمام مؤونة الرحلة الکاملة لحملات الحج ما لم یکن فی ذلک مهانة له .

الخامس : الرجوع إلی کفایة إما من مال أو ضیاع أو حرفة(3) ، أی

ص:21


1- (1) فتشمله صحیحة ذریح المحاربی عنه علیه السلام قال : « من مات ولم یحج حجة الإسلام ولم یمنع من ذلک حاجة تجحف به أو مرض لا یطیق فیه الحج أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیاً أو نصرانیاً » لا مطلق الإجحاف فی عملیة جزئیة .
2- (2) لتحقق الاستطاعة ، وعدم موضوعیة لنفقة العود .
3- (3) وهو اختیار أکثر المتقدمین ، وفی الروضة أنه المشهور بینهم ، ونقل فی الخلاف الإجماع علیه ، ووجه : عدم صدق الاستطاعة عرفاً مع عدم الرجوع إلی الکفایة ، ولنفی العسر والحرج ، ولدلالة بعض النصوص علیه .فعن أبی الربیع الشامی قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً فقال : ما یقول الناس ؟ قال : قلت له : الزاد والراحلة ، قال : قد سئل أبو جعفر علیه السلام عن هذا فقال : هلک الناس إذا ، لئن کان من کان له زاد وراحلة قدر ما یقوت عیاله ویستغنی به عن الناس ، ینطلق إلیهم فیسلبهم إیاه لقد هلکوا إذا ، فقیل له : فما السبیل ؟ قال : السعة فی المال إذا کان یحج ببعض ویبقی بعضاً لقوت عیاله ، ألیس قد فرض الله الزکاة فلم یجعلها علی من یملک مائتی درهم » ، والروایة حسب المذاق المعتدل حسنة فإن أبا الربیع الشامی هو خلید بن أوفی ذکره النجاشی والشیخ فی أصحابنا المصنفین ولم یقدحا فیه ، واحتج به الصدوق فی الفقیه ، وروی عنه الحسن بن محبوب وعبد الله بن سنان وهما من أصحاب الإجماع ، وهذه أمارات یستفاد منها المدح والستر ، وقوله علیه السلام « یستغنی به عن الناس » شامل للمقام ، إذا الرجوع مع عدم الکفایة احتیاج للناس .

التمکن بالفعل أو القوة من إعاشة نفسه وعیاله بعد الرجوع ، فلا یلزم بیع ما یحتاج إلیه فی ضروریات معاشه من الدار والثیاب والأثاث والمرکوب وغیر ذلک من مرافق عیشته اللائقة بحاله .

نعم لو کانت قیمة بعض تلک المرافق زادت مالیتها زیادة فاحشة عن شأنه أی تزید بقدر یعدّ ذلک القدر منه ذخیرة مالیة عرفاً عنده ، وکان بإمکانه استبداله بالأقلّ المناسب لشأنه ، لزمه التبدیل وصرف الزائد فی مؤونة الحج .

مسألة 23 : الأموال والأمتعة التی هی من مرافق معیشته إذا استغنی عنها وصارت ذخیرة مالیة له عرفاً یجب علیه بیعها لأداء فریضة الحج

ص:22

کما هو الحال فی بعض الوسائل التی تخرج عن حیّز استعماله الفعلی مدّة متطاولة(1) .

مسألة 24 : إذا کانت لدیه دار مملوکة وأخری یمکنه السکنی فیها من دون حرج کأن تکون موقوفة بوقف شخصی ، ولیست فی معرض الزوال عن یده ولا عن عیاله من ورثته ، تحققت الاستطاعة بقدرته علی بیع الدار المملوکة(2) ، وهکذا الحال فی بقیة مرافق معیشته الضروریة إذا وجد له بدلاً یستغنی عنه بحیث یعدُّ واجدتیه له ذخیرة عرفاً .

مسألة 25 : إذا کان عنده مقدار من المال یفی بمصاریف الحج وکان بحاجة إلی الزواج أو شراء دار لسکناه - أو غیر ذلک من حاجیات ومرافق المعیشة - حاجة ملحة لا یتسنی له سدّ خلتها أو لکونها ملحة فی العاجل لم یجب علیه الحج(3) ، وإلّا عزم علیه الحج .

مسألة 26 : إذا کان له دین فی ذمة شخص وکان مما یتمکن به لنفقة الحج وکان الدین حالاً والمدین باذلاً فتتحقق الاستطاعة حینئذٍ(4) ، وکذا لو کان المدین مماطلاً وأمکن استیفاؤه منه بلا کلفة ولا حرج أو کان

ص:23


1- (1) لتحقق موضوع الاستطاعة وعدم المنافی لها .
2- (2) ووجهه کالسابق .
3- (3) إذ الضابطة فی وجوب الحج عدم استلزامه الحرج المجحف بحقه ، کما هو صریح صحیحة ذریح المحاربی وفیها « من مات ولم یحج حجة الإسلام ولم یمنع من ذلک حاجة تجحف به أو مرض لا یطیق فیه الحج أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیاً أو نصرانیاً » .
4- (4) لکونه مستطیعاً عرفاً وشرعاً .

الدین مؤجلاً والمدین باذلاً عند طلب الدائن .

وهذا بخلاف ما لو کان المدین معسراً أو لم یکن اقتضاء الدین منه بسهولة .

نعم فی هذه الحالة لو أمکن بیع الدین من دون کلفة ولا اجحاف بحاله تحققت به الاستطاعة أیضاً .

مسألة 27 : تتحقق الاستطاعة لأصحاب الحرف والمهن الذین تؤمن ضرورات معیشتهم عن طریق تکسبهم لنفقتهم ونفقة عیالهم إذا حصل لهم فائض مالی من الإرث أو الهبة أو غیرهما وکان بقدر نفقة الحج(1) .

مسألة 28 : من کان ارتزاقه من الوجوه الشرعیة کالخمس والزکاة وغیرهما بنحو منتظم معتاد تتحقق الاستطاعة لدیه عند حصوله علی فائض مالی یفی بنفقة الحج ونفقة عیاله ، وکذلک کل من یحصل له فائض مالی مع تأمین مؤنة معیشته من غیر ذلک المال(2) .

مسألة 29 : یکفی فی الاستطاعة الملکیة المتزلزلة التی تستقر بالإنفاق والإتلاف أو کان واثقاً بعدم الفسخ أو الرجوع(3) ، ولو حصل الفسخ أو الرجوع فی الصورة الثانیة أجزأه الحج وإن انکشف بذلک عدم

ص:24


1- (1) ووجهه کالسابق .
2- (2) لعدم وجود مانع من حاجة تجحف به أو مرض لا یطیق فیه الحج أو سلطان یمنعه ، فیجب علیه الحج .
3- (3) نعم لو کانت الملکیة المتزلزلة مانعة من التصرفات لما تحققت الإستطاعة ،فالمقام أشبه بجواز رجوع الباذل ، فکما أن عدم لزوم البذل لا یمانع الاستطاعة ثبوتاً وإثباتاً ، فکذلک الأمر فی المقام .

الاستطاعة(1) .

مسألة 30 : لا یجب علی المستطیع أن یحج من مال الاستطاعة(2) فلو حج متسکعاً أو من مال آخر ولو غصباً أجزأه ، نعم لا یجزئه الساتر الغصبی فی الطواف وصلاته(3) ولا الهدی المغصوب(4) ، إلّاإذا اشتراهما بثمن فی الذمّة وإن أداه بالمغصوب(5) .

مسألة 31 : لا یجب علی المکلف تحصیل الاستطاعة بالاکتساب أو غیره(6) ، نعم لو وهبه أحد مالاً هبة مطلقة یستطیع به لزمه القبول(7) إن لم

ص:25


1- (1) لما تقدم من کون الإستطاعة من قیود التنجیز لا الملاک .
2- (2) لکونه قید وجوب لا واجب ، نعم قد یکون مقدمة عقلیة للواجب فیما إذاتوقف أداء الواجب علیه .
3- (3) لشرطیة الستر فی الطواف - علی ما سیأتی - فیستلزم إجتماع الأمر والنهی فیما إذا کان عالماً أو مقصراً ، أما لو قیل بعدم الشرطیة - وهو بعید - صح طوافه .
4- (4) لبطلان البیع وعدم دخول الهدی فی ملکه .
5- (5) لصحة البیع ودخوله فی ملکه ، وإن أثم بأداء الدین من المغصوب .
6- (6) خلافاً للنراقی فی المستند ، ومال إلیه العلامة فی التذکرة ، بتوجیه أن الزادوالراحلة إنما هی أسباب لتحقق الإستطاعة لا أنها أجزاء حدیة ، ولذلک لو تملّک الزاد والراحلة ولم یقدر علی التصرف بهما لبعدهما عن متناول یده لم تتحقق ، مضافاً إلی ما مر فی المسألة السابقة من عدم وجوب الحج بمال الاستطاعة ویکفی البدل ، إلا أن الحکم لا یدعو إلی إیجاد موضوعه ، وتحصیل شرط الوجوب غیر واجب .
7- (7) خلافاً للمشهور علی ما قیل ، ووجهه ما فی صحیحة الحلبی ، قال : ما السبیل ؟ فقال علیه السلام : أن یکون له ما یحج به » المفسر بمطلق الإختصاص العرفی الصادق فی المقام - لا الاختصاص الشرعی أو الملکی - ، إذ الایجاب مختص به لا بغیره ، والتملک التعلیقی مضاف إلیه لا لغیره ، وقبوله لیس محققاً للقدرة ، بل هو مجرد استفادة وانتفاعاً من هذه الفرصة المعروضة علیه .

یکن فیه غضاضة أو مهانة فتتحقق الاستطاعة بمجرد الایهاب من الواهب ، وهذا بخلاف ما لو طلب منه تأجیر نفسه للخدمة بما یکون به مستطیعاً وإن کانت الخدمة تناسب شأنه(1) ، ولو آجر نفسه للخدمة فی طریق الحج واستطاع بذلک عزم علیه الحج(2) .

مسألة 32 : إذا آجر نفسه للنیابة عن الغیر واستطاع بمال الإجارة ، قدم الحج النیابی إذا کان مقیداً بالسنة الحالیة ، أو لم یکن واثقاً بالتمکن بالحج النیابی لو أخره عن العام الحالی(3) ، وحینئذٍ إن بقیت الاستطاعة

ص:26


1- (1) لأن التمکین فی الإجارة تعلیقی متوقف علی تمکین الأجیر منافعه للمستأجر ، بخلاف الأمر فی الإیهاب فإنه فعلی لا یتوقف إلا علی انتفاع المکلف بالمال المعروض علیه کما قلنا .
2- (2) وأشکل علیه فی المستمسک بأن السعی لبیت الله الحرام من الواجبات النفسیة الضمنیة الارتباطیة ، فإذا کان مملوکاً للغیر فکیف یتقرب بما هو خارج ملکه ، وفیه : أن السعی لیس جزء من أعمال الحج وعلیه تدل الروایات الناصة علی تمامیة حج الجمال والأجیر مع أن سعیهم لبیت الله الحرام مملوک للغیر ، مضافاً إلی أن الأخبار البیانیة لم تذکر أن السعی للبیت جزء من الحج ، وعلی فرض کونه جزء من الأعمال وقوع الإجارة علیه لا ینافی التقرب به إلی الله تعالی ، وهذا کله فیما إذا وقعت الإجارة علی نفس السعی ، وأما إذا وقعت علی ما یقارن السعی أو یلازمه فلا مجال لتوهم الإشکال ، کمن استأجر لئن یطوف بغیره وهو لم یطف الواجب .
3- (3) قیل لأن الاستطاعة لیست صرف القدرة المالیة ، بل لا بد من عدم المزاحمة بواجب فعلی مطلق ، وقیل أن تقدیم وجوب الإجارة من قبیل الورود لأن المال إنما تملکه بالإجارة فیکون وجوب الحج متقدماً علی الإجارة لا فی عرضها کی یتحقق التزاحم ، والصحیح : أن المقام من تقدیم حق الناس علی حق الله عز وجل فی الحقوق التی لم یثبت أهمیتها بنحو لا یرفع الشارع الید عنها .

إلی السنة القادمة وجب علیه الحج وأما إن لم یکن الحج النیابی مقیداً بالسنة الحالیة وکان واثقاً من التمکن من إتیانه فی السنة القادمة تعین علیه تقدیم الحج عن نفسه .

مسألة 33 : إذا اقترض مالاً یفی بمصارف الحج وکان قادراً علی وفائه بعدُ بسعة الأجل المضروب لذلک الدین عزم علیه الحج(1) .

مسألة 34 : إذا کان عنده ما یفی بنفقات الحج وکان علیه دین یقدر علی وفائه بعد الحج عزم علیه الحج کما مرّ سواء کان الدین سابقاً علی حصول المال أو بعده(2) .

مسألة 35 : حکم الخمس والزکاة ومظالم العباد سواء کانت فی الذمة أو فی العین حکم الدین(3) فی منع الاستطاعة لو کان أداؤها یعدم القدرة

ص:27


1- (1) لعدم وجود التزاحم بین أداء الحج والدین ، فعن عبد الملک بن عتبة قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل علیه دین یستقرض ویحج ؟ قال : إن کان له وجه فی مال فلا بأس » وابن عتبة هو الهاشمی له کتاب ذکره الصدوق والشیخ فی الفهرست ولهما طریقان إلیه وهو غیر عبد الملک بن عتبة النخعی ، فنفی النجاشی فی أن یکون له کتاب فی غیر محله ، وهما - سیما الصدوق - أعلم منه بکتب الأصحاب ، واعتماد الصدوق علیه من أمارات المدح .
2- (2) ووجهه کالسابق .
3- (3) لکون وجوبها التکلیفی والوضعی فوری ، کما أنه لا فرق فی المقام بین الدین الشخصی والجهتی .

علی نفقة الحج .

مسألة 36 : إذا استقر علیه الحج وکان علیه خمس أو زکاة أو غیرهما من الحقوق الواجبة أو الدیون ولم یمکنه الجمع بینهما(1) ، فإن کانت الحقوق متعلقة بعین المال فیقدم أداءها علیه(2) ، وإن کانت فی الذّمة فیقدم الحج علیها(3) ، وإن لم یکن مستقراً ولم یتمکن من الجمع بینهما(4)مع سعة قدرته المالیة لهما فکذلک یقدم الحج(5) ، نعم لو کان العجز من جهة السعة المالیة رجعت إلی المسألة السابقة من تقدمها علی الحج .

مسألة 37 : إذا کان عنده مقدار من المال لا یعلم بوفائه بنفقة الحج فالأظهر أن علیه الفحص سواء کان الجهل بقدر المال أو بقدر ما یلزم بنفقة الحج(6) .

ص:28


1- (1) ولو بأن یحج ماشیاً متسکعاً .
2- (2) لعدم قدرته علی التصرف فیه .
3- (3) لعدة من الروایات المعتبرة ، الدالة علی تقدیم الحج علی الدین المحمولة علی هذه الصورة .
4- (4) کأن یکون عنده مال غائب أو حاضر عاجز عن التصرف فیه .
5- (5) لتحقق موضوعه کما هو واضح .
6- (6) قد اشتهر فی کلمات الأعلام عدم وجوب الفحص فی الشبهات الموضوعیة ، تمسکاً بإطلاق الأدلة واستصحاب العدم وأصالة الحل النافیة للتکلیف ، وکذا التمسک بالبراءة العقلیة إن عمّم موضوعها بما یشمل الشک فی التکلیف إذا کان بتقصیر المکلف ، لکن لا بد من التفصیل بین موضوعات الأحکام الإلزامیة المقیّدة بمقادیر معیّنة - بأی نوع من التقدیر کالعددی والوزنی وغیرها - وبین غیرها ، بلزوم الفحص فی الاولی قبل إجراء البراءة دون الثانیة ، سیما فی تلک الموضوعات ذات الأعراض المهمة أو التی لا یتبّن حال وجودها إلا بالفحص ولو بالاضافة إلی أغلب المکلفین .

مسألة 38 : لابدّ فی تحقق الاستطاعة التمکن من التصرف بالمال فلو کان له مال غائب أو حاضر عجز عن التصرّف فیه ولو بالواسطة والتوکیل ونحوه لم تتحقّق الاستطاعة(1) .

مسألة 39 : إذا حصل عنده ما یفی بمصارف الحج عزم علیه الحج إذا کان متمکناً من المسیر إلیه فی أوانه ولو فی العام القادم ، ولم یجز له التصرّف فیه بما یخرجه عن الاستطاعة مع کونه لا یتمکن من بدله(2) ، وتستقر عزیمة الحج فی ذمّته بذلک ، وکذا إن لم یحرز حین حصول النفقة التمکّن من المسیر ، وفی البلدان التی یکون المسیر منها بتسجیل «

ص:29


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی ومحمد بن مسلم وغیرهما « أن یکون له ما یحج به » فإن الاستعانة المستفادة من « الباء » ظاهرة فی الاستعانة والقدرة الفعلیة ، ومنه تعرف أن مجرد الملک لا یحقق الاستطاعة بل لا بد من القدرة علی التصرف فیه ، فهو استطاعة علی الاستطاعة ، وقدرة علی القدرة .
2- (2) قد قیل بجواز اتلاف الاستطاعة بعد فرض تحقق الوجوب ، لأن الحکم لایدعو إلی حفظ موضوعه ، ولکن الصحیح : أن موضوعات الاحکام علی أنحاء ، فقد یکون العنوان المأخوذ موضوعاً مأخوذاً حدوثاً وبقاءً ، وقد یکون مأخوذاً حدوثاً لا بقاءً ، والظاهر من الروایات أن الاستطاعة والتی هی موضوع الوجوب أخذت بقید الحدوث لا البقاء ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : « إذا قدر الرجل علی مایحجّ به ، ثم دفع ذلک ولیس له شغل یعذر به ، فقد ترک شریعة من شرائع الاسلام » فمن أتلف الاستطاعة بعد ذلک یقال له أنه قدر علی ما یحج به .

نوبة » قبل سنین یلزم علیه حفظ المال والتسجیل حینئذٍ(1) .

ولو تصرّف مع ذلک فیه ببیع أو هبة أو غیر ذلک من المعاوضات والایقاعات صحّ تصرّفه وإن أثم بتفویت المال(2) .

مسألة 40 : الظاهر أنّه لا یعتبر فی الزاد والراحلة ملکیتهما ، فلو کان عنده مال یجوز له التصرّف فیه وجب علیه الحج إذا کان وافیاً بنفقات الحج(3) مع وجدان سائر الشروط .

مسألة 41 : کما یعتبر فی عزیمة الحج وجود النفقة « الزاد والراحلة » ابتداءً کذلک یعتبر بقاؤها إلی ما یتوقّف علیها من أعمال(4) ، فلو تلف المال فی أثناء الأعمال ولم یضرّ بقدرته علی إتمام النسک لم یخل ذلک

ص:30


1- (1) وذلک لأن استطاعة کل شخص بحسبه ومکانه وزمانه ، فحج أهل الصین - سابقاً - ومن ورائهم کان بتقدم استطاعتهم والتحفظ علیها قبل خروج القوافل بسنین قبل الموسم ، مضافاً إلی عدم أخذ الزمان أو المکان قیداً فی الوجوب ، وإنما أخذ ذلک قیداً فی الواجب .
2- (2) لکون حرمة الاتلاف حرمة تکلیفیة لا تلازم الفساد الوضعی ، علی أن الحرمة تبعیة عقلیة لا نفسیة شرعیة فمال الاستطاعة مقدمة وجودیة ، وعلیه فلا یتأتی البحث هل أن النهی التکلیفی عن المعاملة یقتضی الفساد أم لا .
3- (3) وذلک لأن الاستطاعة إنما هی القدرة والمکنة الخاصة ، وما ذکر فی الروایات من الزاد والراحلة إنما هی أسباب لتحققها لا أنها هی أجزاء الاستطاعة حداً ، ولذا لو تملک الزاد والراحلة ولم یقدر علی التصرف لبعدها عن متناول یده لم تتحقق الاستطاعة ، وتتحقق بالبذل مع أنه لیس بملک ، فالمدار علی المسبب حصل الملک بالفعل أم لا .
4- (4) وهذا هو المستفاد من الأدلة ، والمسألة واضحة الدلیل .

بإجزاء حجته ولا بعزیمته(1) ، وأما لو تلف قبل التلبّس بالإحرام أو بعده قبل الأعمال فهو وإن أخلّ بعزیمة الحج ولکن لو أتمّ حجه أجزاه(2) .

ولو تلف ما به الکفایة من ماله فی بلده لم یخل بعزیمة الحج(3) ، ومثل تلف النفقة ما إذا حدث له دین قهری فی الأثناء کما فی الإتلاف خطأً ولم یتمکّن من تسدیده بعدُ عند المطالبة .

مسألة 42 : لو اعتقد کونه غیر واجد لبعض الشرائط أو أنه واجد لبعض الموانع فلم یحج ثم بان خلاف ذلک فیستقرّ علیه الحج حینئذٍ(4) ، وکذا لو کان غافلاً(5) - سواء کان ذلک عن قصور أو تقصیر - فیجب علیه الحج بعد ذلک ولو انتفت بعض الشرائط .

ص:31


1- (1) فیما إذا کان إتیان الحج وعدمه سیان عنده بعد تلف ماله .
2- (2) لما تقدم مرارا من کون الاستطاعة قیداً للتنجیز لا للملاک .
3- (3) لعدم إخلاله بالاستطاعة المعتبرة شرعاً ، سواء تلف ما به الکفایة فی أثناءالأعمال أو بعده ، وذلک لکون الاستطاعة والتی هی موضوع الوجوب أخذت بقید الفعلیة ، سیما إذا فرض أن إتیان الحج وعدمه واحد ، هذا کله لو کان أخذ الرجوع إلی الکفایة بدلالة الأدلة الخاصة ، أما لو کان ذلک مقتضی رفع الحرج فإجزاء الحج أوضح من أن یخفی .
4- (4) لعدم أخذ العلم بالحکم أو العلم بالموضوع وصفاً فی حقیقة الاستطاعة ،بل أخذ فیها عین واجدیة المال وتخلیة السرب والقدرة البدنیة ، واستقرار الحج علیه فلما تقدم : من أن سببه لیس هو خصوص الترک الإهمالی ، بل هو مطلق الترک ، وفیه تأمل .
5- (5) وهو من باب أولی .

مسألة 43 : تتحقّق الاستطاعة بالبذل أیضاً(1) ، ولو کانت النفقة اللّازمة متحقّقة بمجموع ما بذله أشخاص متعددون أو کان مقدار ما بذل إتماماً لما عنده(2) ، سواء کان البذل بإلتزام الباذل بعهدته الزاد والراحلة ونفقة العیال أو بإعطاء مال لیصرف فی الحج وکان وافیاً بمصارف الذهاب والإیاب ، وسواء کان بذل للعین أو النقد بنحو الإباحة أو التملیک(3) ، نعم فی التملیک المتزلزل والإباحة یعتبر الوثوق بعدم الفسخ ولو بتوسّط الإتلاف بالصرف .

مسألة 44 : یتحقّق البذل بالمال الموصی له لیحجّ به بعد موت الموصی وکذلک مال الوقف الموقوف علی من یحجّ أو المال المنذور ونحو ذلک مع بذل المتولّی أو الناذر لذلک .

مسألة 45 : لا یعتبر الرجوع إلی الکفایة فی الاستطاعة البذلیة فیما إذا کان لا یفترق حال ذهابه إلی الحج وترکه له فی کفایته وعدمها(4) ، نعم لو کان له مال لا یفی بمصارف الحج وبذل له ما یتمّم ذلک وجب علیه

ص:32


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام فی من عرض علیه الحج فاستحی ، قال : « هو ممن یستطیع » .
2- (2) تمسکاً بإطلاق الدلیل ، مع صدق عنوان العرض .
3- (3) لصدق العرض ، وعدم تقیید الاستطاعة بالملکیة ، بل یشمل مطلق الاختصاص .
4- (4) إذ الرجوع إلی الکفایة وإن کان من أجزاء الاستطاعة لکن فیما إذا کان لبقائه فی وطنه دخل فی إیجادها ، أما لو کان بقاؤه وذهابه سیان فلا دخالة لها فی الاستطاعة .

القبول فیعتبر حینئذٍ الرجوع إلی الکفایة .

مسألة 46 : إذا أعطی مالاً هبة علی أن یحجّ أو خیّره الواهب بین الحج وغیره أو لم یذکر له الحج أصلاً وجب علیه القبول(1) إذا لم یکن فی قبوله الهبة غضاضة أو مهانة أو حرج علیه عرفاً(2) ، وهذا الشرط لا یختصّ بالهبة بل ومطلق الاستطاعة البذلیة .

ص:33


1- (1) أما وجوبه فی الشقین الأولین فواضح ، لصدق العرض ، وهو غیر مشروطبعدم عرض غیره ، وما قیل من أن موضوع الوجوب هو البذل للحج ، والهبة مع التخییر بذل للجامع بین الحج وغیره والبذل للجامع لا یکون بذلاً للحج بشخصه ، فغیر وارد لکون إطلاقات العرض أعم .أما الشق الثالث فقد حکی التسالم بعدم القبول ، مع أن تعلیل نفی الوجوب مختلف فیه ، فعلل الکثیر بوجود المنة ، وعلل البعض بأن القبول تحقیق لمقدمة الوجوب ، ولا یخفی التباین بین التعلیلین ، فإن الأول تمسک بنفی الحرج المتضمن للاعتراف بتحقق القدرة ، بخلاف الثانی ، ومنه تعرف أن دعوی الاجماع التعبدی فی غیر محله ، هذا وقد ذکر کاشف اللثام أن المنة فی البذل غیر رافعة للتنجیز وتبعه بعض محققی العصر معمّما عدم مسقطیة المنّة لمورد الاستطاعة المالیة .ومهما کان الأمر فإن عنوان « له ما یحج به » الوارد فی صحیحة الحلبی ومحمد بن مسلم عنه علیه السلام فی قول الله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً قال : ما السبیل ؟ قال علیه السلام : أن یکون له ما یحج به ، قال : من عرض علیه ما یحج به فاستحیی من ذلک أهو ممن یستطیع إلیه سبیلا ؟ قال : نعم ! ما شأنه أن یستحی » صادق فی المقام .
2- (2) لأخذ عدم الحرج قیداً فی التنجیز .

مسألة 47 : لا یمنع الدین من الاستطاعة البذلیة(1) ، إلّاإذا کان الذهاب إلی الحج یمانع أداء الدین فی وقت المطالبة سواء کان الدین حالاً أو مؤجّلاً(2) .

مسألة 48 : إذا بذل مال لجماعة سواء کانوا اثنین أو أکثر لیحجّ أحدهم فإن سبق أحدهم بقبض المال المبذول سقطت العزیمة عن الآخرین(3) ، ولو ترک الجمیع مع تمکّن کل واحد منهم من القبض فاستقرار عزیمة الحج علی الجمیع لا یخلو من قوة(4) .

ص:34


1- (1) لکون الذهاب إلی الحج وعدمه سیان بالإضافة إلی الدین بعد فرض کونه مؤجلاً .
2- (2) فیکون المورد من باب التزاحم ، وقد تقدم .
3- (3) ولیس المقام من موارد الوجوب الکفائی کما فی بعض الکلمات ، حیث أن الغرض فیه وحدانی ولا خصوصیة فی الفاعل ، والمقام لیس الغرض فیه قائماً فی الفعل من دون خصوصیة الفاعل کما لا یخفی ، وإنما المورد مما اصطلح علیه أخیراً ب « التوارد » أی أن الموضوع الخارجی صالح لتحقیق أحد الحکمین ، سواء بالإضافة إلی شخص واحد أو إلی أشخاص .وهل یلزم علی کل واحد منهم المبادرة والسبقة أم لا ، ظاهر بعض الروایات الواردة فی أمثلة التوارد کالروایة الواردة فی المحدث بالأکبر والمیت والمحدث بالأصغر ، الموازنة والترجیح بین الأحکام المتوجهة إلی الإفراد المتغایرة وأنه یقدم الأهم منها ، مما یدل علی أن الحال فی ما لو لم یکن أهم هو التخییر لا المسابقة والمبادرة علی کل واحد منهم .
4- (4) وجه القوة عدم تخصص القدرة لأحدهم واستوائها بالنسبة إلیهم ، وصدق القدرة والعرض لکل واحد منهم ، إلا أن یقال لا معنی للحکم بوجود قدرات متعددة متعلقة بالبذل الواحد ومن ثم تعدد أحکام ، ولذا یلتزم فی موارد التوارد بالتخییر فی الجعل لا فی التنجیز ، نظیر ما ابتکره سید الفقهاء الخوئی قدس سره من الترتب فی الجعل المغایر للترتب فی التنجیز ، أی أن التخییر هنا فی أصل الوجوب ومن ثم لا یکون من موارد التعارض بل من « التوارد » وإذا لم یکن هناک مخصص فی البین لا یبعد التوصل بالقرعة لتعیین من استقر علیه الحج بناءً علی أنها لکل أمر مشکل مبهم وإن لم یکن متعیناً فی الواقع .

مسألة 49 : الواجب بالبذل هو وظیفة المبذول له لو کانت استطاعته من نفسه من تمتع أو إفراد ، فلو اشترط الباذل علیه أن یحجّ بغیر وظیفته لم یعزم علیه الحج(1) .

نعم لو بذل له للعمرة المفردة فقط فالأقوی عزیمته علیه(2) وإن کانت لا تجزیء عن التمتّع لو استطاع بعدُ ، وکذلک لا یلزم علی مَن حجّ حجّة الإسلام قبول البذل ، کما أنه یلزم القبول(3) علی مَن استقرّ علیه الحج سابقاً وأصبح معسراً ، وکذلک لو وجب علیه لنذر وشبهه ولم یتمکّن من أدائه(4) .

مسألة 50 : لو بذل له مال لیحجّ به فتلف المال أثناء الطریق أو بعد الإحرام فإن لم یعجزه ذلک عن أداء الأعمال لم تسقط عزیمة الحج(5) ،

ص:35


1- (1) لإنه فی ظرف تقیید الباذل لا إذن بإتیان الحج الواجب .
2- (2) لوجوب العمرة مرة واحدة فی العمر .
3- (3) لتحقق القدرة علی بالحج ، فیندرج تحت قوله علیه السلام « له ما یحج به » .
4- (4) ووجهه ما فی التعلیقة السابقة .
5- (5) لتحقق موضوعه .

وإن أعجزه ذلک فتسقط العزیمة(1) لکنه یجزه لو أتی بالأعمال(2) ، ولو تمکّن من الاستمرار بما عنده من المال لم تسقط عزیمة الحج أیضاً إلّا أن یکون التلف قبل التلبّس بالإحرام وکان الاستمرار یجحف بحاله عند الرجوع إلی بلده(3) .

مسألة 51 : لو وکله فی أن یقترض له ویحج به لم یعزم علیه الحج(4)إلّا أن یقترض(5) ، ولو قال له اقترض وحج وعلیّ دینک فلا یعزم علیه الحج إلّاأن یقترض ویثق بتعهده(6) .

مسألة 52 : الظاهر أن ثمن الهدی علی الباذل(7) ، فلو لم یبذله وبذل بقیة المصارف لم تسقط عزیمة الحج علی المبذول له ویکتفی بالصوم بدل الهدی إن لم یتمکن منه بماله(8) .

ص:36


1- (1) لاشتراط الاستطاعة فی وجوب الحج حدوثاً وبقاءً .
2- (2) لکون الاستطاعة کما مر مراراً من قیود التنجیز لا الملاک .
3- (3) ووجهه واضح وقد تقدم بیانه .
4- (4) لعدم وجوب الاقتراض تحصیلاً للاستطاعة .
5- (5) فإن اقترض تحقق الشرط ، وصدق عنوان عرض الحج .
6- (6) کأن یکون الباذل ذا اعتبار مالی معتد به .
7- (7) لأنه من نسک الحج ، وقد یقال : لیس علیه لأن له بدلاً ، وفیه أن البدل اضطراری لا تخییری .
8- (8) لشمول قوله تعالی فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ للمقام ، وصدق العرض علیه ، وتحقق الاستطاعة بالمال المملوک الذی لا یفی بثمن الهدی ، مضافاً إلی أن القدرة عندما تضاف للفعل فظاهرها الأعم من الفعل الاختیاری والاضطراری .

أما الکفارات فالظاهر أنها علی المبذول له دون الباذل(1) .

مسألة 53 : الحج عن نفسه مجزیء مطلقاً عن حجة الإسلام ، سواء استطاع من ماله ، أو من مال البذل ، أو تکلف الحج من دون استطاعة سابقة(2) .

مسألة 54 : یجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول بالإحرام أو بعده ما دام عین ما بذله باقیاً(3) ، أما لو تصرّف المبذول له تصرفاً ناقلاً فلا یمکنه الرجوع حینئذٍ ، ثم إنه فی موارد جواز الرجوع یضمن الباذل للمبذول له ما یصرفه لإتمام الحج مع فرض الرجوع بعد الإحرام ، وأما قبله فیضمن ما أنفقه(4) .

ص:37


1- (1) لأنها أحکام مترتبة علی ارتکاب محرمات الإحرام ، وهی لا ترتبط بمصاریف الحج ، وهو لیس ملجئاً إلی ارتکابها .
2- (2) أما الفرض الأول فلتحقق الاستطاعة الشرعیة ، وأما الثانی فلروایات البذل ، وأما الثالث فلکون الاستطاعة شرطاً للتنجیز لا للملاک .
3- (3) وذلک لعدم وجوب الوفاء فی الشروط الابتدائیة ، وجواز الرجوع بعدالإحرام لا ربط له بوجوب إتمام النسک علی المبذول له .
4- (4) لقاعدة الغرر ، وهی تؤول لباً إلی إقوائیة السبب من المباشر ، وقد ورد إمضاؤها فی باب التدلیس من کتاب النکاح من رجوع الزوج إلی المدلس معللا بقوله علیه السلام « کما غر الرجل وخدعه » ، ثم أن مادة الغرور أعم من الحیلة ونصب الخدعة ومن التسبب لوقوع الغیر فی الجهالة والخطر ، وانتفاع المبذول له لا یمنع من تطبیق القاعدة ، وذلک لعدم اشتراط عدم نفع المغرور فی قاعدة الغرر ، فمن قدم لغیره طعاماً فأکله کان ضامناً له .

مسألة 55 : لو أعطی شخص الخمس أو الزکاة للفقیر بشرط أن یحج لم یصحّ الشرط ولا یکون بذلاً للحجّ (1) ، نعم لو أعطی الزکاة من سهم سبیل اللّه لکی یحج بها عزم علیه الحج ولا یجوز له صرفها فی غیره(2) .

ص:38


1- (1) وذلک لأن المعطی لا ولایة له فی تعیین المصرف فی سائر العناوین سوی عنوان « سبیل الله » .
2- (2) باعتبار أن سهم سبیل الله یصرف فی کل مصلحة عامة أو خاصة کذلک ، ولا دلیل علی تخصیص هذا السهم بالمصلحة العامة کما فی بعض الکلمات ، وللمعطی - سواء کان المکلف أو الحاکم الشرعی - ولایة فی تعیین المصرف وفرده ومصداقه ، وأشکل علیه : بأن هذا القید - وهو صرف المال فی الحج - من الآثار والمعالیل المتأخرة والمترتبة علی تحقق الزکاة أو الخمس وتملک الفقیر ، فکیف یؤخذ قیداً مضیقاً للعلة ، إذ لا یعقل أن یکون المعلول قیداً لعلته ، وأجیب : بأن هذا التقیید لیس بنحو التعلیق أو التوصیف کی یأتی محذور الدور ، بل هو بنحو الحصة التوأمیة التی ذکرها المحقق العراقی فی مثل هذا النمط من القیود المتأخرة رتبة ، أو القید المشیر وهو ما ذکره المحقق الأصفهانی فی مثل هذه القیود ، أو من باب ضیق الملاک والغرض وهو حل المحقق النائینی .وفیه : أن هذه الحلول وإن کانت تامة فی موارد القیود المتأخرة إلا أنها تعالج محذور الدور أو الخلف أو التقدم والتأخر الرتبی ونحو ذلک ، ولا تعالج محذور أجنبیة القید أو الوصف فتبقی الطبیعة المتقدمة للمتقدم أو العلة علی إطلاقها الذاتی .وبعبارة أخری : حلول الأعلام إنما تتأتی فی تلک الموارد التی یکون فیها الغرض والملاک ضیقاً وبتبعه الملحوظ ذهناً حین الإنشاء بخلاف سنخ ما نحن فیه حیث أن الغرض فی باب الزکاة مطلق شرعاً ، فما أن تقصد الطبیعة تتحق ویکون قصد القید غیر مفید لنتیجة التقیید لفرض أجنبیته لا لفرض تأخره .ومنه تعرف عدم صحة الشرط ولغویته ، لکن وإن قلنا بأن الشرط لغواً إلا أنه عَرْضٌ للحج بالنظر العرفی ، وقد عرفت فیما تقدم عدم لزوم تخصیص البذل أو التملیک بعنوان الحج فی تحقق الاستطاعة .

مسألة 56 : إذا بذل له مال فحج به ثم انکشف انه کان مغصوباً أجزأه عن حجة الإسلام(1) ، وللمالک أن یرجع إلی الباذل أو إلی المبذول له(2) ، لکنه إذا رجع إلی المبذول له رجع هو إلی الباذل إن کان جاهلاً بالحال(3) ، وإلّا فلیس له الرجوع(4) .

مسألة 57 : إذا حج تطوعاً عن نفسه من دون استطاعة أجزأه عن حجة الإسلام(5) ، ولو حج عن غیره تبرعاً أو بإجارة لم یکفه عن حجة

ص:39


1- (1) أما علی المختار من کون الاستطاعة قیداً للتنجیز فواضح ، ویبقی ثمن الهدی فإن کان شراؤه بالکلی فی الذمة فلا إشکال ، وأما علی القول بکون الاستطاعة قیداً للملاک فقد یقرب صحة الحج : بأن حرمة الغصب الواقعیة غیر منجزة لجهل المبذول له ، فلا یکون المنع الشرعی بمنزلة المنع العقلی ، وکون المال مضموناً علی المبذول له لا ینافی تحقق الإستطاعة البذلیة ، وذلک لأن قرار الضمان علی الباذل فلا یکون التغریم والخسارة علی المبذول له .إلا أن الصحیح عدم تحقق الإستطاعة البذلیة لظهور أدلة البذل فی تمکین المال المباح واقعاً ، وکذا أدلة الإستطاعة العامة ظاهرها التمکن من المال المباح له التصرف فیه واقعاً ، فلیس الاستطاعة مطلق القدرة العقلیة کی یقال الحرمة الواقعیة غیر منجزة لاتستلزم العجز تکویناً ، وأنه لو سلم ذلک إلا أنه غیر الموضوع الشرعی .
2- (2) إذ تعاقب الأیدی یوجب ضمان الجمیع بلا فرق بین حالة العلم والجهل .
3- (3) لکون المبذول له مغروراً فیرجع إلی من غرّه .
4- (4) لعدم کونه مغروراً ، کما لا یخفی .
5- (5) لکون الإستطاعة - کما مر - قیداً للتنجیز لا الملاک .

الإسلام(1) ، فیعزم علیه الحج إذا استطاع بعد ذلک .

مسألة 58 : إذا اعتقد أنه غیر مستطیع فحج تطوعاً سواء قصد امتثال الأمر الفعلی أو الأمر الندبی ثم بَانَ أنه کان مستطیعاً أجزأه ذلک ، ولا یجب علیه الحج ثانیاً وکذلک یجزه لو لم یتبّین أنه مستطیع أو بَانَ أنه غیر مستطیع(2) .

مسألة 59 : لا یشترط أذن الزوج فی الحج إذا کانت الزوجة مستطیعة ولیس له منعها(3) ، أما فی الحج الواجب علیها بالنذر ونحوه فله منعها(4) ،

ص:40


1- (1) بلا خلاف ، ویمکن تحصیل الإجماع علیه ، وما فی بعض الروایات الصحیحة من أن « حج الصرورة یجزی عنه وعن من حج عنه » لم یعمل بها أحد .
2- (2) لما تقدم مراراً من أن الاستطاعة من قیود التنجیر لا الملاک .
3- (3) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة زرارة عن امرأة لها زوج وهی صرورة ولایأذن لها فی الحج ؟ قال علیه السلام : تحج و إن لم یأذن لها » .
4- (4) قد نسب للمشهور بأن إذن الزوج فی انعقاد نذر الزوجة وأخویه شرط ، وقیل بالمانعیة بمعنی أن له أن یحله بقاءاً ، وقیل أن ذلک من باب المزاحمة لحقوق الزوج فینحل النذر وأخویه لمرجوحیة المتعلق ، فلیس حینئذ فی المقام شرط زائد علی عدم مرجوحیة النذر .ویمکن استفادة الثالث من صحیحة ابن حازم عنه علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : « لا یمین للولد مع والده ولا للمملوک مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر معصیة ، ولا یمین فی قطیعة » فسیاق الصحیحة دال علی وحدة المعنی فی هذه الموارد الثلاثة ، وأنها من باب التمثیل لموارد مرجوحیة المتعلق حین یزاحم النذر والیمین مع حقوق الأب والسید والزوج ، وتخصیص حقوق الثلاثة - مع أن متعلق النذر لابد وأن لا یزاحم کل ذی حق - من باب کثرة الابتلاء وعظم حقوق الاب والسید والزوج علی بقیة ذوی الحقوق ، ومرجوحیة النذر فیما إذا زاحمه بعض الحقوق المندوبة للثلاثة فضلاً عن الواجبة ، بخلاف الأمر فی حقوق غیر الثلاثة فالمزاحمة محصورة بالحقوق الواجبة فتکون من مصادیق نذر المعصیة ویمین القطیعة .وإذا إذن لها فلا وجه للرجوع بعد تحقق الشرط علی الأول ، إذ ظاهر الأدلة اشتراطه حدوثاً ، وأما علی الثانی فهو بمنزلة إسقاط حق المنع ، وعلی الثالث فله أن یحل النذر بقاءاً وإن کان قد أذن سابقاً ، لتبدل وصف المتعلق إلی المرجوحیة بعد ممانعة الزوج ، هذا کله فیما إذا لم تحرم ، أما إذا أحرمت فلیس له المنع بعد الإذن ، لوجوب الإتمام بعد التلبس بالنسک .

ویشترط أذنه فی الحج المندوب(1) ، وفی الموسع قبل تضیقه(2) .

والمعتدة الرجعیة بحکم الزوجة(3) ، دون البائنة(4) والمعتدة بعدة

ص:41


1- (1) بلا خلاف ، وعلیه الإجماع ، ففی موثقة إسحاق أنه سأل الکاظم علیه السلام عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام فتقول لزوجها : أحجنی مرة أخری ، له أن یمنعها من ذلک ؟ قال : نعم ، ویقول لها : حقی علیک أعظم من حقک علیّ فی هذا » وذیلها شاهد علی ما تقدم فی التعلیقة السابقة من کون انحلال نذر الزوجة لمزاحمة حقوق الزوج لمتعلقه .
2- (2) لعموم اعتبار إذن الزوج ، خرج منه عدم اعتباره فی أصل الوجوب لا فی سائر الخصوصیات .
3- (3) لأنها زوجة فعلاً ، ففی موثقة معاویة عنه علیه السلام قال : المطلقة تحج فی عدتها إن طابت نفس زوجها » .
4- (4) لعدم کونها زوجة فلا سکن ولا نفقة لها .

الوفاة(1) یجب علیها الحج الواجب ویجوز لها المندوب .

مسألة 60 : لا یشترط فی عزیمة الحج علی المرأة ولا فی أدائه وجود المحرم لها إذا کانت آمنة علی نفسها(2) ، وکذا مع عدم الأمن إذا کانت متمکنة من استصحاب من تأمن معه(3) ولو بأجرة ، وإلّا لم یعزم الحج علیها .

مسألة 61 : إذا نذر أن یزور الحسین علیه السلام فی کل یوم عرفة أو فی سنة معینة واستطاع بعد ذلک عزم علیه الحج ولم یحنث علیه فی النذر بإتیان الحج وکذا کل نذر یزاحم الحج(4) .

ص:42


1- (1) لعدم وجود عصمة الزوج ، ولا یجب إقامتها فی بیتها کالرجعیة ، والسفر للحج والطاعة لا ینافی الحداد علی الزواج .
2- (2) نصاً إجماعاً ، ففی معتبرة أبی بصیر عنه علیه السلام : إن کانت مأمونة تحج مع أخیها المسلم » ، وفی صحیحة ابن عمار عن المرأة تحج بغیر ولی ، فقال علیه السلام : لا بأس ، وإن کان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن یحجوا بها ولیس لهم سعة فلا ینبغی لها أن تقعد ، ولا ینبغی لهم أن یمنعوها » .وأمنها علی نفسها تارة یفسر بتوفر القدرة علی السلوک مع الرفقة الآمنة فیکون قید وجوب ، وأخری یفسر بالفعل الذی یحصل معه الأمان فیکون مقدمة وجودیة لا شرطاً فی الوجوب ، وعلی المعنی الأول لا یکون فی المقام شرط زائد عن شرط تخلیة السرب بل یکون من قبیل التنبیه علی صغراه .
3- (3) لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة عن المرأة الحرة تخرج إلی مکة بغیرولی ، فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات » .
4- (4) وهل التدافع بین الحکمین ههنا للتزاحم أو الورود أو التوارد ، وضابطة الأول عدم إعدام کل منهما لموضوع الآخر ، والثانی إعدام أحدهما المعین للآخر ، والثالث إعدام أحدهما غیر المعین لموضوع الآخر ، ولمعرفة اندراج المسألة فی أی من هذه الاحتمالات لابد من تنقیح موضوع وجوب النذر ووجوب الحج ، فنقول : أما موضوع وجوب الحج - أو تنجیزیته - فلیس معلّقاً بالإضافة إلی امتثال واجب آخر ، بخلاف موضوع النذر فلا ریب فی أخذ رجحان العمل ذاتاً فیه ، وکذا - بشهادة موثقة زرارة - أخذ رجحان الفعل بالإضافة إلی غیره ، ففیها قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : « أی شیء لا نذر فی معصیة ؟ قال : کل ما لک فیه منفعة فی دین أو دنیا فلا حنث علیک فیه » وعلیه فتکون هذه الموثقة نصاً فیما نحن فیه ، أو أنها تعمه .وهل انحلال النذر للمزاحمة بمعنی عدم الوجوب وإن بقیت مشروعیة النذر ندباً بخلاف موارد نذر المعصیة فإنه لا مشروعیة للنذر من رأس ، أو أن معنی انحلال النذر وعدم الحنث هو خصوص نفی التنجیز لا نفی الوجوب ؟ ظاهر الروایات الثانی ، ولازمه أنه لو لم یأت بالفعل الأرجح یکون قد حنث فی النذر .

مسألة 62 : یجب علی المستطیع الحج مباشرة إذا کان متمکناً من ذلک ، ولا یجزیء عنه حج غیره تبرعاً أو بإجارة(1) .

مسألة 63 : من وجب علیه الحج أو العمرة سواء کان مستقراً علیه أو فی سنة استطاعته أو بالنذر أو بالافساد کما فی حج العقوبة ولم یتمکن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم أو لغیر ذلک ، أو کان إتیانه للحج بنفسه یشق علیه بحرج شدید ولم یرجَ تمکنه من الحج بعدُ من دون الحرج الشدید وجبت علیه الاستنابة(2) .

ص:43


1- (1) کما هو مقتضی الظهور الأولی من الأوامر المباشریة ، وهو ما یسمی بأصالة التعبد بالمعنی الثانی ، والمسألة من بدیهیات الفقه ، وذکرها إنما هو مقدمة تمهیدیة للمسألة الآتیة .
2- (2) یشهد له صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : إذا قدر الرجل علی ما یحج به ثم دفع ذلک ولیس له شغل یعذره به فقد ترک شریعة الإسلام ، وإن کان موسراً وحال بینه وبین الحج مرض أو حصر أو أمر یعذره الله فیه ، فإن علیه أن یحج عنه من ماله صرورة لا مال له ، ویقضی عن الرجل حجة الإسلام من جمیع ماله » .

وکذلک لو کان یرجو تمکنه ولکنه لا یرجو تجدد استطاعته المالیة بعد علی الأظهر ؛ وکذا من توفرت لدیه الاستطاعة المالیة ولم یسعه الأجل لأداء الحج فانه یقضی من ترکته(1) .

والحاصل إن مجرد الاستطاعة المالیة مع عدم القدرة البدنیة أو السربیة تحقق وجوب الاستنابة(2) ، ووجوب الاستنابة کوجوب الحج فوری(3) .

مسألة 64 : یجزیء حج النائب عن المنوب عنه وإن مات فی الأثناء أو بعدُ مع إستمرار العذر فی مطلق الحج الواجب(4) .

ص:44


1- (1) ووجه ما یأتی فی التعلیقة الآتیة .
2- (2) ولو لم یستقر علیه الحج ، وذلک لتقسیم قیود الإستطاعة إلی قسمین ،فالاستطاعة المالیة قیداً لأصل الوجوب ، أعم من المباشریة والنیابیة ، والاستطاعة السربیة والبدنیة قیداً للوجوب المباشری ، ویشهد له إطلاق عدة من الروایات منها صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : إن علیاً علیه السلام رأی شیخاً لم یحج قط ولم یطق الحج من کبره فأمره أن یجهز رجلاً فیحج عنه » وغیرها من الروایات ، کما یشهد له أیضاً إطلاق الروایات المتعددة فی لزوم الاستنابة عن المیت الذی لم یحج وکانت له ترکة .
3- (3) کما هو مقتضی القاعدة الأولیة فی الأوامر أو فی باب الحج ، وبما أن المبدل فوری ، فکذلک البدل .
4- (4) لعدم اختلال موضوع الحکم .

وأما لو اتفق ارتفاع العذر بعدُ فالأحوط أن یحج بنفسه مع التمکن(1) ، ولو ارتفع العذر بعد إحرام النائب لزم المنوب عنه المباشرة أیضاً(2) ، لکن یجب علی النائب اتمام النسک(3) .

مسألة 65 : إذا لم یتمکن المعذور من الاستنابة وجب القضاء عنه بعد موته سواء کان الحج مستقراً علیه أو لا کما مرّ فی مسألة : 63 .

مسألة 66 : من وجبت علیه الاستنابة وتبرع غیره عنه فی حیاته من دون أن یستأمر أو یستأذنه لم یجزه(4) بخلاف ما لو تبرع عنه بعد

ص:45


1- (1) علی المشهور ، بل فی المستند : من غیر خلاف صریح منهم أجده ، بل قیل : کاد أن یکون إجماعاً ، وعن التذکرة : أنه لا خلاف فیه بین علمائنا ، وذلک لأن موافقة الأمر الظاهری لا تقتضی الإجزاء ، وقوی سید العروة عدم الوجوب لأن ظاهر الأخبار : أن حج النائب هو الذی کان واجباً علی المنوب عنه ، فإذا أتی به فقد حصل ما کان واجباً علیه ، ولا دلیل علی وجوبه مرة أخری ، وبتعبیر آخر : ظاهر الروایات أن استنابة الموسر العاجز عن الحج هی وظیفة واقعیة لا ظاهریة حتی یقال أن الأمر الظاهری لا یقتضی الإجزاء ، ومنه تعرف وجه الإحتیاط ، والله العالم .
2- (2) وذلک لعدم الإطلاق فی الأدلة الشامل لهذا الفرض .
3- (3) حیث أن الإستنابة مشروعة مطلقاً ، سواء کانت عن الحج الواجب أو المندوب ، وانتفاء مشروعیة الاستنابة عن الحج الواجب لا یرفع مشروعیة مطلق طبیعی الإستنابة ، وحیث کانت مشروعة فتکون مشمولة لدلیل اتمام النسک بعد التلبس به .
4- (4) وذلک لما یأتی فی بحث الهدی من أن الواجب العبادی فی مورد النیابة لایکفی فی عبادیته نیّة النائب فحسب بل لا بد من نیّة المنوب عنه أیضاً وتقربه بالاستنابة ، مضافاً إلی أن توجه الوجوب الجامع بین المباشر والنیابة یقتضی إیقاعه عن اختیار وتسبب وهو ما یقال له بأن الأصل الأولی فی الأوامر هو التعبدیة .

مماته(1) .

مسألة 67 : یکفی فی الاستنابة أو الاستئجار أن یکون من المیقات وهو ما یعبر عنه بالحج « المیقاتی » ولا یجب أن یکون من البلد وهو ما یعبر عنه بالحج « البلدی »(2) .

ص:46


1- (1) لإطلاق النصوص الدال علی إجزاء التبرع عن المیت من دون تسبیب الورثة ، ففی صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل مات ولم یکن له مال ولم یحج حجة الإسلام ، فحج عنه بعض إخوانه ، هل یجزی ذلک عنه ، أو هل هی ناقصة ، قال : بل هی حجة تامة » ، وقوله « لم یکن له مال » أی حین الموت وکان الحج قد استقر علیه ، والقرائن علی ذلک ظاهرة وکثیرة .
2- (2) علی المشهور ، وعن الغنیة الإجماع علیه ، وعن الشیخ وابن ادریس وابن سعید والشهید الأول فی الدروس وجماعة الاستئجار عنه من البلد ، وربما یحتمل وجوبه من البلد مع سعة المال وإلا فمن المیقات .ومقتضی القاعدة وجوب الاستنابة من المیقات حیث أن الحج کواجب یبدأ من الإحرام من المیقات وأما ما قبل المیقات فلیس داخلاً فی ماهیة الحج لا شرطاً ولا جزءاً ، ولا دخالة لبلد المیت أو غیره فیه أصلا ، وهذا بیّن بعد ما وقّت رسول الله صلی الله علیه وآله المواقیت التی لا یجوز الإحرام بعدها ولا قبلها .ومقتضی الروایات کذلک ، ودعوی ظهور « یحج عنه » أو « یقضی عنه » فی الحج عن المیت من بلده وانصرافه إلی ذلک ، فی غیر محلها لأن مفاد القضاء ما هو إلا تفریغ الذمة عمّا اشتغلت به ، والزیادة علی ذلک یحتاج إلی مؤنة وعنایة ، وقد وردت النصوص فی إجزاء من وصل إلی المیقات لا بقصد الحج فبدی له أن یحج .وما فی بعض الروایات من التفصیل بین سعة المال فمن البلد وبین قلّته فمن حیث بلغ إن کان قبل المیقات ، إنما هی فی مورد الوصیة بالحج من البلد ، وعدم اختصاصها أیضاً بالحج الواجب ، بشهادة معتبرة زکریا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل مات وأوصی بحجة أیجوز أن یحج عنه من غیر البلد الذی مات فیه ، فقال : أما ما کان دون المیقات فلا بأس » ، وفی صحیحة حریز عن الصادق علیه السلام فی رجل أعطی رجلاً حجة یحج بها عنه من الکوفة فحج عنه من البصرة ، فقال : « لا بأس إن قضی جمیع المناسک ، فقد تم حجه » .

مسألة 68 : من وجب علیه الحج إذا مات بعد الإحرام فی الحرم أجزأه ذلک عما وجب علیه(1) ، سواء فی ذلک حج التمتع والقِران والإفراد(2) ، وسواء استقر علیه الحج أم لا(3) ، وسواء کان حجة الإسلام أو واجباً بالنذر أو الإفساد(4) ، بل الأظهر عمومه للعمرة المفردة أیضاً کما

ص:47


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، بل أدعی علیه الإجماع ، وتشهد له جملة من الروایات ، ففی صحیح ضریس عن أبی جعفر الباقر علیه السلام فی رجل خرج حاجاً حجة الإسلام فمات فی الطریق ، قال : إن مات فی الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن مات دون الحرم فلیقض عنه ولیه حجة الإسلام » ، وفی صحیحة برید قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل خرج حاجاً ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات فی الطریق ، قال : إن کان صرورة ثم مات فی الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام ، وإن کان مات وهو صرورة قبل أن یحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه فی حجة الإسلام ، فإن فضل من ذلک شیء فهو للورثة إن لم یکن علیه دین ، قلت : أرأیت إن کانت الحجة تطوعاً ثم مات فی الطریق قبل أن یحرم ، لمن یکون جمله ونفقته وما معه ؟ قال : یکون ما معه وما ترک للورثة ، إلا أن یکون علیه دین ، فیقضی عنه أو یکون أوصی بوصیة فینفذ ذلک لمن أوصی له ویجعل ذلک من ثلثه » .
2- (2) لإطلاق النصوص ، وتناول حجة الاسلام لکل أقسام الحج .
3- (3) تمسکاً باطلاق النصوص ، وعدم اختصاصها بمن استقر الحج علیه .
4- (4) لعله تمسکاً باطلاق موثقة إسحاق بن عمار قال : سألته عن الرجل یموت فیوصی بحجة فیعطی رجلاً دراهم یحج بها عنه فیموت قبل أن یحج ، ثم أعطی الدارهم غیره ، فقال علیه السلام : إن مات فی الطریق أو بمکة قبل أن یقضی مناسکه فإنه یجزی عن الأول » .

هو ظاهر بعض الروایات وإطلاقها - وهو المحکی عن المشهور - .

وعلی ذلک فلا فرق بینهما إذا کان موته قبل الشروع فی بقیة أعمال عمرة التمتع أو أثنائها أو بعد ما یتحلل منها(1) .

وأما لو مات قبل الإحرام أو دخول الحرم فقد مرّ لزوم القضاء لحجة الإسلام عنه سواء کان مستقراً علیه أو لم یستقر مع فرض الاستطاعة المالیة التی منها کفایة ورثته .

مسألة 69 : إذا أسلم الکافر المستطیع وجب علیه الحج(2) ، أما لو زالت استطاعته قبل إسلامه فلا تستقر علیه عزیمة الحج(3) .

مسألة 70 : المرتد یعزم علیه الحج ولو کانت استطاعته حال ارتداده(4) ، فإن تاب صحّ منه ولو کان ارتداداً فطریاً علی الأقوی (5) .

ص:48


1- (1) لإطلاق الروایات .
2- (2) لوجوب الحج علی المستطیع .
3- (3) لقوله صلی الله علیه وآله « الإسلام یجبُّ ما قبله » المنجبر بعمل القدماء ، وقد تمسک به الشیخ والعلامة وغیرهما فی موارد عدة مع عدم الإشارة إلی ضعفه ، والأمر سهل فإن السیرة القطعیة قائمة علی عدم مؤاخذة من أسلم بقضاء ما فات من الأعمال حتی فی مثل الزکاة والخمس .
4- (4) لأنه مکلف بالفروع .
5- (5) إذ أن عدم قبول توبته یختص بقتله وانفصال زوجته وإرث ماله ، أما إسلامه فیقبل ، وبتعبیر آخر : أن توبته تقبل بحسب الواقع لا بحسب الظاهر ، وصحة الأعمال إنما هی بحسب الواقع .

مسألة 71 : إذا حج المخالف ثم استبصر لا تجب علیه إعادة الحج إذا لم یکن قد أخل بما هو رکن عند الفریقین(1) .

مسألة 72 : إذا عزم علیه الحج أو العمرة مباشرة أو بالاستنابة وأهمل المکلف فی أدائه حتی زالت الاستطاعة وجب الإتیان به بأی وجه تمکن(2) ما لم یبلغ حدّ العسر والحرج الذی لا یطاق(3) ، وإذا مات وجب القضاء من ترکته(4) ،

ص:49


1- (1) علی المشهور شهرة عظیمة ، تمسکاً بالنصوص الصریحة ، ففی صحیحة ابن أذنیة قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام أسأله عن رجل حج ولا یدری ولا یعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله علیه بمعرفته والدینونة به ، أعلیه حجة الإسلام ؟ قال : « قد قضی فریضة الله عز وجل ، والحج أحبّ إلیّ » وما فی بعض النصوص من الإعادة فمحمولة علی الاستحباب ، کما هو مقتضی قوله علیه السلام « والحج أحبّ إلیّ » .
2- (2) علی المشهور ، بل قد حکی علیه الإجماع .
3- (3) لا الحرج الذی یطاق ، وإشکال بعض متأخری العصر علی الفوریة لو کانت حرجیة تمسکاً بعموم قاعدة الحرج ، وشمولها للموارد التی دلت علی حرمة التسویف فی الحج والتی استفید منها الفوریة ، غیر وارد ، للتأمل فی شمول القاعدة لموارد سوء الاختیار ، إذ أن المستفاد من قوله تعالی فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ تخصیص رفع الاضطرار بأن لا یکون باغ ولا عاد ، وسوء الاختیار من قبیل المعصیة .
4- (4) للنصوص الکثیرة الدالة علی أن من مات وقد استقر علیه الحج ولم یحج وجب القضاء عنه .

ویصحّ التبرع عنه بعد موته من دون أجرة(1) .

الوصیة بالحج

مسألة 73 : تجب الوصیة(2) علی من کانت علیه حجة الأسلام أو المنذورة أو عمرتهما وقرب منه الموت بنحو یستوثق من أدائها بعد موته ولو بأن یستشهد علیهما أیضاً سواء کان لدیه مال وترکة بعد موته أم لا .

وإذا مات تقضی حجة الإسلام والعمرة من أصل ترکته وإن لم یوصی بذلک أو أوصی بها ولم یقید بالثلث(3) ، وإن قیدها بالثلث فتخرج منه مقدمة علی سائر الوصایا وتتمم من الأصل إن لم یفِ الثلث بها(4) .

ص:50


1- (1) لما تقدم سابقاً ، تمسکاً بصحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل مات ولم یکن له مال ولم یحج حجة الإسلام فحج عنه بعض إخوانه ، هل یجزی ذلک عنه أو هل هی ناقصة ؟ قال : « بل هی حجة تامة » .
2- (2) لبقاء اشتغال ذمة المکلف بها حتی بعد الموت ، فلا بد من التسبیب فی تفریغ ذمته ولو بعد الموت عبر الوصیة .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک للنصوص ، ففی موثقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ولم یوص بها وهو موسر ، فقال : « یحج عنه من صلب ماله لا یجوز غیر ذلک » .
4- (4) یشهد له صحیحة معاویة قال : أوت إلیّ امرأة من أهل بیتی بمالها وأمرت أن یعتق عنها ویحج ویتصدق ، فلم یبلغ ذلک ، فسألت أبا حنیفة ، فقال : یجعل ذلک أثلاثاً ، ثلثاً فی الحج ، وثلثاً فی العتق ، وثلثاً فی الصدقة ، فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقلت له : إن امرأة من أهلی ماتت وأوصت إلیّ بثلث مالها ، وأمرت أن یعتق عنها ویحج عنها ویتصدق عنها ، فنظرت فیه فلم یبلغ ، فقال علیه السلام : « إبدأ بالحج فإنه فریضة من فرائض الله عز وجل ، واجعل ما بقی طائفة فی العتق وطائفة فی الصدقة » قال : فأخبرت أبا حنیفة بقول أبی عبد الله علیه السلام فرجع عن قوله ، وقال بقول أبی عبد الله علیه السلام .

وأما الحج والعمرة المنذورة فتخرج من أصل الترکة علی الأقوی والأظهر(1) ، والأحوط (2) إخراجها من الثلث وإن لم یفِ الثلث تتمم من

ص:51


1- (1) لکون مفاد النذر وضعی یترتب علیه حکم تکلیفی ، أی أن مفاد اللام هی لام إضافة الملکیة ، فالناذر ینشأ تملیک الفعل لله تعالی ، ومن ثمة یترتب علی إنشائه وجوب الوفاء به ، فلا یکون النذر حینئذ من الواجبات التکلیفیة البحتة ، وعلی ذلک یصح إطلاق الدین علی المنذور حقیقیة ، فیکون مشمولاً لقوله تعالی مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ ، هذا ! وقد قام الإجماع - علی ما قیل - أن الواجبات المالیة وإن کانت تکلیفیة تخرج من أصل الترکة .
2- (2) استحباباً ، لصحیحة ابن أبی یعفور قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام رجل نذر لله إن عافی ابنه من وجعه لیحجنه إلی بیت الله الحرام فعافی الله الابن ومات الأب ، فقال : الحجة علی الأب یؤدیها عنه بعض ولده ، قلت : هی واجبة علی ابنه الذی نذر فیه ؟ فقال : هی واجبة علی الأب من ثلثه ، أو یتطوع ابنه فیحج عن أبیه » ، ومثلها دلالة صحیحة ضریس وفیها « إن ترک مالاً یحج عنه حجة الإسلام من جمیع المال ، وأخرج من ثلثه ما یحج به رجلاً لنذره » وقد خدش فیهما باعراض المشهور عن العمل بهما ، لکن الخدشة غیر تامة لعدم التحقق من الأعراض ، إذ أن عبارة الجواهر عدم العلم بعمل الأصحاب فی موردهما ، بل قد ذهب جماعة من القدماء إلی إخراج نذر حج نفسه من الثلث ، وظاهرهم الأخذ بمفاد الروایتین ، بل قد صرحوا بالتمسک بهما .

سهم الکبار من الترکة .

مسألة 74 : من مات وعلیه عمرة أو حجة الإسلام أو بالنذر أو بالاستئجار وکان له عند شخص مال ودیعة أو عاریة أو إجارة أو دین بأی نحو واستراب فی أداء الورثة لها إن دفع المال إلیهم بنحو معتد به عرفاً وجب علیه أن یصرف المال فی الحج عن المیت سواء بأن یحج بنفسه أو یستأجر من یحج عنه(1) ، والأحوط أن یستأذن أولیاء المیت غیر الوارثین إن لم یکونوا موضع استرابة أیضاً ، وإلّا فیستأذن الحاکم(2) ، کما أن الأحوط أن یستأجر أحد الورثة لذلک إن أمکن ، ثم إن زاد المال علی أجرة الحج ردها إلی الورثة .

مسألة 75 : من مات وقد استقر علیه حجة الإسلام وکان علیه دین وخمس وزکاة وقصرت الترکة فإن أمکن الوفاء بالدیون والحج ولو بأن یحج عنه من قرب بأدنی الأجور تعین الوفاء بالجمیع(3) ، وإلّا فإن دار

ص:52


1- (1) یشهد له صحیح العجلی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل استودعنی مالاً وهلک ، ولیس لولده شیء ولم یحج حجة الإسلام ، قال : « حج عنه ، وما فضل فأعطهم » .
2- (2) لعموم ما ورد مستفیضاً من أن الإمام وارث من لا وارث له ، وما یمکن أن یستشعر من حمل الصحیحة السابقة علی القضیة الخارجیة .
3- (3) لصحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : قلت له : رجل یموت وعلیه خمسمائة درهم من الزکاة ، وعلیه حجة الإسلام ، وترک ثلاثمائة درهم فأوصی بحجة الإسلام وأن یقضی عنه دین الزکاة ، قال : « یحج عنه من أقرب ما یکون ویخرج البقیة فی الزکاة » .

الأمر بین الحج والخمس والزکاة فیقدم الحج ویصرف الباقی فیهما فیما إذا کانا فی الذمّة ، وأما لو کانا متعلقین بالعین لزم تقدیمهما(1) .

وأما لو قصرت الترکة عن الوفاء بالحج ودین الغرماء معاً فإن أمکن الجمع بالوفاء بالحج وببعض الدین بنحو یعتد به لزم التوزیع ، وإلّا فالأحوط تقدیم الحج(2) ، وکذلک لو وفی بالعمرة فقط .

مسألة 76 : لا یجوز لورثة المیت الذی علیه حجة الإسلام التصرف الناقل فی ترکته قبل الحج عنه أو استئجار من یوثق به فیما کانت مؤنة الحج مستغرقة للترکة(3) ، وأما مع زیادة الترکة علی المؤنة فیجوز

ص:53


1- (1) لسبق تعلقهما بالعین قبل الموت ، وإلا فالحج الواجب یتعلق بالعین بعد الموت لکونه بمنزلة الدین الذی یتعلق استیفاؤه بالعین ، فالمقام نظیر أحد الغرماء الذی یجد عین ماله فی ترکة المیت علی وجه .
2- (2) إذ لا خصوصیة للزکاة فی الروایة السابقة من بین الدیون المالیة ، واحتمال التفرقة بین الدیون الشرعیة ودیون الناس مندفع بأن الزکاة أیضاً حق للناس ، نعم قد قیل أن الروایة السابقة أعرض عنها الأصحاب کما فی الجواهر والعروة ، لکنه قابلة للدفع لما حکی عن ابن البراج من الإفتاء بمضمونها ، مع إمکان القول بعدم الإطلاع علی الروایة ، والإعراض فرض الإطلاع ، والشاهد علیه أن المحقق عنون المسألة ولم یتعرض للروایة وکذا العلامة فی المنتهی .ویدل علیه فی مطلق الدیون صحیحة برید قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل خرج حاجاً ومعه جمل له ونفقة وزاد ، فمات فی الطریق ، قال : « إن کان جعل جمله وزاده ونفقته وما معه فی حجة الإسلام فإن فضل من ذلک شیء فهو للورثة إن لم یکن علیه دین ... » .
3- (3) لکونه من أبرز مصادیق الدین ومقدم علیها کما مر ، والتصرف الناقل من الورثة فرع الملک ، والإرث إنما هو بعد الوصیة والدین ، کما هو نص قوله تعالی مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصِی بِها أَوْ دَیْنٍ ، ونص أمیر المؤمنین علیه السلام فی صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إن الدین قبل الوصیة ، ثم الوصیة علی أثر الدین ، ثم المیراث بعد الوصیة ، فإن أول القضاء کتاب الله » .

التصرف بما لا ینافی التحفظ علی مقدار مؤنة الحج(1) .

مسألة 77 : من مات وعلیه حجة الإسلام ولم تکن ترکته وافیة بمصارفها - ولو بالصور الآتیة فی المسألة اللاحقة - وجب صرفها فی الدین أو الخمس أو الزکاة إن کان علیه شیء من ذلک(2) وإلّا فهی للورثة ، لکن ینبغی علیهم تتمیمها من مالهم لاستئجار الحج .

مسألة 78 : لا یجب الاستئجار من البلد عن المیت الذی علیه حجة الإسلام بل یکفی الاستئجار عنه من المیقات ، ولو من أقرب المواقیت إلی مکة ومع التعذر فدون المواقیت إلی مکة ولو أدنی الحل لکن مع مراعاة الأبعد فالأبعد من مکة مما یلی المواقیت البعیدة(3) ، وکذلک لو

ص:54


1- (1) بشهادة صحیحة البزنطی عن رجل یموت ویترک عیالاً وعلیه دین أینفق علیهم من ماله ؟ قال علیه السلام : « إن استیقن أن الذی علیه یحیط بجمیع المال فلا ینفق علیهم ، وإن لم یستیقن فلینفق علیهم من وسط المال » ، ومنه تعرف جواز التصرف فی ترکة المیت قبل أداء الدین فیما إذا کانت الترکة تزید علیه وأمکن التحفظ علی مقداره .
2- (2) لعدم وجود ما یحج به فیزول المانع من صرفها فی الدین والخمس والزکاة .
3- (3) راجع مسألة رقم : 67 .

قصر مال الوصیة بالحج المنذور ، والأحوط الأولی الاستئجار من البلد إذا وسع المال ، والزائد عن اجرة المیقات یحسب علی الورثة الکبار من الترکة .

مسألة 79 : تجب المبادرة بالحج عن المیت - الذی وجبت علیه حجة الإسلام أو نحوه مما مرّ فی سنة موته(1) ، سواء بالاستئجار أو غیره ولو لم یتمکن الإستئجار فیها إلّامن البلد لزم ذلک وتخرج تمام الکلفة من الأصل ، ولا یجوز التأخیر إلی السنة المقبلة وإن توفّر الاستئجار له من المیقات .

مسألة 80 : تجب المبادرة - کما مرّ - فی الحج عن المیت الذی أشتغلت ذمّته ولو بإستئجار ما یزید علی أکثر من أجرة المثل(2) مع توقفه علیه ویکون تمام الکلفة من أصل الترکة .

مسألة 81 : إذا أقر بعض الورثة أن المیت علیه حجة الإسلام أو

ص:55


1- (1) لبقاء المال فی ملک المیت ، ولا یجوز التصرف فیه حتی بابقائه للسنة القادمة ، مع ما ورد فی الروایات من التعبیر عن الحج بالدین والحق وأنه أولی بالقضاء ، والحکم فی الدیون والحقوق الفوریة ، مضافاً إلی أن الحج ماهیة جامعة بین المباشرة والإستنابة فأحکام کلا النحوین واحدة ، غایة الأمر أن الورثة یقومون مقام المیت فی الإستنابة ، ویدل علی ذلک بدلالة الإقتضاء ما دل علی تضمین الوصی إذا تمکن من الصرف فی وجه موضع الوصیة فلم یصرفه فیه ، فیضمن لإهماله وتقصیره .
2- (2) لفرض تحقق موضوع الوجوب ، ولا ضرر علی الوارث حتی یمکن تصورإعمال قاعدة نفی الضرر ، نعم لا نفع له ، وفرق بین الأمرین .

نحوها وأنکر ذلک بقیة الورثة فالواجب علی المقرّ دفع ما یخصّ حصته بالنسبة بعد التوزیع للحج عن المیت کما هو الحال فی الاقرار بالدین(1) ،

ص:56


1- (1) وهل مقتضی القاعدة فی مثل هذه الموارد أن المقر یجب علیه إعطاء تمام الدین من سهمه لأن المفروض أن الدین مقدم علی الإرث ، أم أن المقر إنما یلتزم بالنسبة ؟ الصحیح الثانی وهو ما اختاره المشهور ، ووجهه أن القسمة وإن کانت باطلة والدین والکلی فی المعین وإن کانا متقدمین علی الملکیة المشاعة إلا أن إنکار بقیة الورثة أو الشرکاء الذی هو بمنزلة التلف أو الغصب لیس عین التلف والغصب لأنهما ضرر وخسارة ترد علی المال بجملته فترد علی الملک المشاع دون الکلی فی المعین ، وهذا بخلاف إنکار المنکرین فإنه غصباً وتلفاً وضرراً وخسارة لا ترد علی المال بجملته ولا علی نسبة مقدار ما یملک المقر فی المال وإنما یرد هذا الضرر والغصب علی خصوص الدین أو علی إرث الوارث المقر له ، وهذا مما یشترک فیه الکلی فی المعین والکلی المشاع .وبعبارة أخری : أن مجموع المال وإن لم تقع فیه القسمة إلا أن مقدار مال المقر حیث أن المفروض ثبوته وعدم تعدی أحد علیه بخلاف مال المقر له فإن إنکار بقیة الشرکاء عدواناً علیه ، ولیس من الواجب علی المقر أن یتحمل الضرر المتوجه بالخصوص علی المقر له ، ولیس مقتضی بعدیة الإرث للدین هو تنزیل الضرر المتوجه للدین بخصوصه وتوجیهه إلی الإرث ، ولک أن تسمی ذلک الضرر المتوجه إلی المقر له بالتلف الحکمی .ویؤیده موثقة إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل مات فأقر ورثته لرجل بدین ، قال : « یلزم ذلک فی حصته » ، وخبر أبی البختری عن أبی جعفر علیه السلام قال : قضی علی علیه السلام فی رجل مات وترک ورثة فأقر أحد الورثة بدین علی أبیه ، أنه یلزمه ذلک فی حصته بقدر ما ورث ، ولا یکون ذلک فی ماله کله ، وإن أقر إثنان من الورثة ، وکانا عدلین أجیز ذلک علی الورثة ، وإن لم یکونا عدلین ألزما فی حصتهما بقدر ما ورثا ، وکذلک إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت ، إنما یلزمه فی حصته » ، وأبو البختری وإن کان ضعیفاً لکن له أحادیث عن الصادق علیه السلام کلها یوثق بها - کما قال الغضائری - وشاهده اعتماد الصدوق قدس سره علیه ، واحتمال أن المقصود من « ولا یکون ذلک فی ماله کله » أی عدم وجوب التتمیم من ماله الشخصی خلاف للظاهر ، والله العالم .

فإن لم یفِ ذلک بالحج فاللازم حفظه لرجاء إقرار الورثة أو وجدان المتبرع .

مسألة 82 : إذا تبرّع متبرّع بالحج عن المیت الذی علیه حجة الإسلام لم یجب علی الورثة إخراج اجرة للاستئجار من الترکة(1) ، نعم إذا أوصی المیت بإخراج حجة الإسلام من ثلثه لم یرجع بدل الاستئجار إلی الورثة بل یحج عنه ندباً(2) .

مسألة 83 : إذا أوصی المیت بالاستئجار عنه لحجة الإسلام من البلد تعین ذلک ولکن الزائد علی اجرة المیقات یخرج من الثلث(3) ، ولو أطلق فی الوصیة ولم یعین فلا یبعد الانصراف إلی البلدی أیضاً ، لا سیّما

ص:57


1- (1) لما تقدم سابقاً من جواز التبرع عن المیت وإن لم یأذن الورثة ، ومعه یسقط الواجب عنه ، فلا یکون الحج مانعاً من انتقال المال إلی الورثة ، فیشمله إطلاق « من ترک مالاً فلورثته » .
2- (2) لوجوب العمل بالوصیة ما لم تزد علی الثلث ، ومع تعذر الصرف فی الجهة التی عینها المیت تصرف فی الأقرب ثم الأقرب ، والأقرب للحج الواجب الحج المندوب دون التصدق .
3- (3) لکون الحج البلدی زائداً عمّا اشتغلت به ذمة المیت ، فلا یخرج أجرالزیادة من أصل المال .

إذا عین مقداراً یناسب الحج البلدی ، إلّاإذا کان هناک قرینة علی إرادة ما یشمل المیقاتی .

مسألة 84 : إذا أوصی بالحج البلدی فخالف الوصی أو الوارث واستأجر من المیقات برئت ذمة المیت بعمل الأجیر(1) ، ولا تبطل الإجارة وإن کانت الأجرة من مال المیت(2) ، نعم یأثم لمخالفة الوصیة ، کما أن الأظهر أن یصرف ما زاد علی المیقاتی من البلدیة فی وجوه الخیر علی المیت وإن أمکن الاعتمار به تعین(3) .

مسألة 85 : إذا أوصی بالحج البلدی من غیر بلده کما إذا أوصی أن یستأجر من النجف مثلاً وجب العمل بها ویخرج الزائد عن أجرة المیقاتیة من الثلث .

مسألة 86 : إذا أوصی بالاستئجار عنه لحجة الإسلام وعیّن الأجرة لزم العمل بها ، وتخرج من الأصل إن لم تزد علی اجرة المثل ، وإلّا کان الزائد من الثلث(4) .

مسألة 87 : إذا أوصی بالحج بمال معین وعلم الوصی أن المال

ص:58


1- (1) لانتفاء موضوع الوصیة .
2- (2) لکون الإجارة علی خصوص أعمال الحج وواجباته ، وهو الذی تعلقت به الوصیة ، أما الحج من البلد فشرط زائد ، مخالفته لا تستلزم بطلان الإجارة .
3- (3) لما تقدم : من أنه مع تعذر الصرف فی الجهة التی عینها المیت تصرف فی الأقرب ثم الأقرب .
4- (4) حیث أن تکلفة الحج الواجب یخرج من الأصل ، والزائد علی أجرة المثل یخرج من الثلث .

الموصی به فیه الخمس أو الزکاة وجب علیه إخراجه أولاً وصرف الباقی فی سبیل الحج(1) ، فإن لم یفِ الباقی بمصارفه لزم تتمیمه من أصل الترکة ، مع کون الموصی به حجة الإسلام وإلّا فیحج عنه من أدنی الحلّ (2) إن أمکن ، وإلّا فیعتمر ، وإلّا ففی وجوه الخیر .

مسألة 88 : ولی المیت والوصی ضامن لأُجرة الحج عن المیت فیما وجب بالوصیة وغیر الوصیة إذا أهمل وتلف المال(3) .

مسألة 89 : إذا علم استقرار الحج علی المیت وشک فی أدائه وجب القضاء عنه(4) إن لم یکن ظاهر حاله علی التقید بالطاعات(5) أو کان

ص:59


1- (1) قد تقدم الکلام فی مثل هذه المسألة .
2- (2) إن کان الواجب علیه حجة الإفراد أو القِران .
3- (3) تمسکاً بالقاعدة والروایات ، ففی صحیحة محمد بن مسلم عنه علیه السلام « الوصی الذی یوصی إلیه یکون ضامناً لما دفع إلیه إذا وجد ربه الذی أُمر بدفعه إلیه ، فإن لم یجد فلیس علیه ضمان » ، وفی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام فی رجل توفّی فأوصی إلی رجل وعلی الرجل المتوفی دین فعمد الذی أوصی إلیه فعزل الذی للغرماء فرفعه فی بیته ، وقسّم الذی بقی بین الورثة ، فیسرق الذی للغرماء من اللیل ممن یؤخذ ، قال علیه السلام : « هو ضامن حین عزله فی بیته یؤدی من ماله » ، وغیرهما من الروایات .
4- (4) استصحاباً لبقاء وجوب الحج فی ذمته .
5- (5) عملاً بسیرة المتشرعة الجاریة فی بعض الموارد علی البناء علی أصل العمل عند الشک فیه لا فی وصفه ، کما لو شُوهد جنازة محمولة أو یراد دفنها أو وضعها فی القبر فإنه یبنی علی مجیئهم بالعمل ، فمن ثمة یسقط وجوب المبادرة لإتیان الواجب الکفائی علی الناظر ، مضافاً إلی إمکان التمسک - فی الجملة - بظاهر حال المسلم الذی عرف بالتزامه فی أداء الواجبات ولم یظهر منه التهاون بأدائها .

الشک من غیر جهة فعله .

مسألة 90 : إنما تبرأ ذمة المیت بفعل الأجیر لا بمجرد الاستئجار(1) ، فلو علم إنه لم یأتِ بالحج وجب الاستئجار ثانیاً ویخرج من الأصل ، وتسترد الاُجرة من الأول إن کانت من مال المیت(2) .

مسألة 91 : إذا اختلفت قیمة الاُجرة بحسب الاُجَراء فإن کان المیت قد أوصی فیراعی ما یناسب شأنه ، نعم یشترط إذن الورثة مع کون ما أوصی به مندوباً فیما إذا زاد علی الثلث ، وإن کان أداءاً بالواجب الذی علی المیت من دون وصیة فیقتصر علی الأقل اجرة بنحو لا ینافی شأنه ، هذا کله مع سعة الترکة وإلّا فمع ضیقهما بحقوق الدیان وغیرها فقد مرّ أن یقتصر علی أدنی الواجب بل حتی من أدنی الحلّ (3) .

مسألة 92 : العبرة فی وجوب الاستئجار من البلد أو المیقات أحوط القولین من تقلید الوارث أو المیت أو اجتهادهما ، وکذا الاختلاف فی أصل وجوب الحج أو فی شرائط کیفیة الأداء ، فیلزم مراعاة ما یصحّ عندهما معاً(4) .

ص:60


1- (1) کما هو مقتضی القاعدة ، بعد کون ذمة المیت إنما تفرغ بأداء الأجیر خارجاًوبالنحو الصحیح .
2- (2) حفظاً لمال المیت والعمل بما أوصی به .
3- (3) فی خصوص حج الإفراد والقِران .
4- (4) قیل : أن المدار علی وظیفة المیت حیث أنه هو الذی اشتغلت ذمته واللازم تفریغها ، وقیل أن المدار علی وظیفة الوارث ، إذ أن تفریغ ذمة المیت تکلیف یخاطب به الوارث ولا یسقط عنه الخطاب إلا بأن یأتی بما هو صحیح عنده .وفصّل سید المشایخ الروحانی قدس سره من العمل بالجمع بکلا النظرین سواء کان من قبیل الأقل والأکثر أو المتباین الذی یقضی التکرار ، وذلک لأن إحراز الوارث وإن کان حجة فی حقه إلا أنه حیث لم یکن إحرازاً قطعیاً وجدانیاً بل کان ظناً تعبدیاً فلا قطع ببطلان إحراز المیت ، فلا معنی لإلغائه من رأس .والوجه فی ذلک : أن الموازین المنصوبة من قبل الشارع سواء فی باب القضاء أو الفتیا أو التقلید وإن لم یکن لها موضوعیة فی مقابل الواقع بل هی موازین وحجة وطریق له ، إلا أن الأخذ بها تام ما لم ینکشف الواقع بنحو القطع والعلم الوجدانی ، فصحة میزان الحجة عند الوراث لا تعارض صحة الحجیة عند المیت ، وبما أن تفریغ الذمة لا یراعی فیه الواقع بما هو هو بل بما هو محرز ، فلا بد من مراعاة کلا الإحرازین المختلفین إذا کان العمل الواحد مرتبط بشخصین .

مسألة 93 : یستحب لولیّ المیت أداء ما علی المیت من حجة الإسلام بل وغیرها مما قد وجب علیه(1) ، إن لم تکن له ترکة .

مسألة 94 : تخرج الوصیة بحجة الإسلام أو المنذورة علی الأظهر(2)

ص:61


1- (1) بل قیل بوجوب الحج علی الولی تمسکاً بإطلاق عدة من النصوص ، لکنها مقیدة بما دل علی أن الحج من مال المیت ، ففی صحیحة ابن أبی یعفور عمّن نذر الحج ومات ؟ قال علیه السلام : « الحجة علی الأب یؤدیها عنه بعض ولده ، قلت : هی واجبة علی ابنه الذی نذر فیه ، قال : هی واجبة علی الاب من ثلثه أو یتطوع ابنه فیحج عن أبیه » ، وفی الصحیح إلی عامر بن عمیرة فی من سأل : أن أبی مات ولم یحج ؟ قال علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه وآله قال : حج عنه فإن ذلک یجزی عنه » فیستشعر منها الندبیة وإن کانت فی صدد أصل المشروعیة ولکن لم یبیّن فیها الإلزام .
2- (2) راجع مسألة رقم : 73 .

من أصل الترکة إلّاأن یعین إخراجها من الثلث ، وأما غیرهما فیخرج من الثلث ، وکذا لو شک فی ذلک أخرج من الثلث .

مسألة 95 : إذا أوصی بالحج مطلقاً وعیّن شخصاً معیناً لزم العمل بالوصیة ، وإن لم یقبل إلّابأزید من أجرة المثل ما دامت لا تتجاوز الثلث ، وإلّا استئجر غیره باُجرة المثل(1) .

مسألة 96 : إذا أوصی بالحج وعین اجرة زهیدة فمع کون الموصی به حجة الإسلام أو المنذور لزم تتمیمها من أصل الترکة(2) إن توقف الاستئجار علی ذلک ، وإن کان الموصی به غیرهما فیتوخی الاستئجار له ولو من أدنی الحلّ أو العمرة المفردة(3) .

مسألة 97 : إذا باع داره بمبلغ واشترط علی المشتری أن یصرف الثمن فی الحج عنه - أطلقه أو قیده بعد موته - کان الثمن حینئذٍ من الترکة

ص:62


1- (1) لبطلان الوصیة من حیثیة التعیین ، إذ أن مقتضی القاعدة فی باب الوصایا والأوقاف والنذور والصدقات بلحاظ ظهور لفظ إیجابها وإنشائها أنه قائم علی تعدد المطلوب ، وتحلیله الصناعی راجع إلی التعلیق فی المتعلق لا إلی التعلیق فی الإنشاء أو المنشأ ، کما یمکن تخریجه أنه من الإنشاء بعنوان عام شرط فیه العنوان الخاص ، وکان المشروط والشرط بنحو تعدد المطلوب کما فی شراء العبد الکاتب ، ویعضده ما ورد فی الوصیة بالحج البلدی أنها عند قصور مال الترکة أو العجز ینتقل إلی الحج المیقاتی ، وما ورد فی نذر الحج ماشیاً حافیاً فإن عجز أجزأه راکباً ، وکمن أوصی بالحج فلم یف ماله به أنه یتصدق به ، وغیرها من الموارد .
2- (2) لأنها دین فتخرج من أصل الترکة .
3- (3) وإن لم یمکن فالتصدق عنه ، الأقرب ثم الأقرب کما مر بیانه .

ووجب صرفه فی الاُجرة مع کون الحجة واجبة وإن زادت الاُجرة عن المثل ما لم تزد عن الثلث ، وإن کانت الحجة مندوبة لزم الشرط أیضاً بمقدار ثلث الترکة .

نعم لو قید بسنة معینة من حیاته فلم یفِ المشتری بذلک حتی مات البائع فیملک الورثة الشرط بعد موته وهو الحج عنه کما یملکون حق الفسخ(1) ، فإن فسخوا کانت العین ترکة ومیراثاً کما إن لهم الإسقاط أو المصالحة ولا یکون الإشتراط المزبور وصیة .

ومع الفسخ أو الإسقاط أو المصالحة یجب علیهم الإستئجار للحج من أصل ماله إن کان واجباً دون المندوب .

مسألة 98 : إذا صالح داره علی أن یحج عنه بعد موته أو مطلقاً صح ولزم ، وکذا إذا ملکه داره بشرط أن یبیعها ویصرف ثمنها فی الحج عنه بعد موته أو مطلقاً ، فتخرج الدار عن ملک المصالح المشارط أو الواهب

ص:63


1- (1) وذلک لأن الشروط الضمنیة فی العقود تستلزم مفاداً تکلیفیاً ووضعیاً ،ولیس الوضعی خصوص حق خیار الفسخ عند تخلف الأداء بل إفادته أیضاً حقاً للمشروط له قابل للاسقاط ، وعلیه فعموم ما ترک المیت فلوارثه یکون شاملاً لحق الشرط فیما لو مات المشروط له فإن وارثه یقوم مقامه ، سواء کان متعلق الشرط نفعه راجع للمیت أو لغیره ، وعلیه فاشتراط المیت لنفسه علی المشروط علیه بأن یحج عنه شرطاً یفید حقاً وضعیاً للمیت یمکن له أن یتعاوض علی إسقاطه أو یضمن المشروط علیه إذا فوته ، ومن ثم ینتقل هذا الحق للورثة ، ولهم أن یسقطوه بالتعاوض علیه ، کما أن لهم فسخ العقد فیما إذا تخلف المشروط علیه عن أدائه .

ولا تحسب من الترکة وإن کان الحج ندبیاً ، ولا یشملها حکم الوصیة(1)لکن الشرط یکون من الترکة ، ویشمله حکم الوصیة إذا کان المشروط مطلق من جهة الزمان أو مقید بما بعد الموت کما مرّ علی التفصیل فی المسألة السابقة .

ویترتب علی ذلک فی صورة شمول حکم الوصیة للشرط منع الورثة عن التصرف خلاف الشرط بقدر الثلث .

مسألة 99 : لو مات الوصی ولم یعلم إنه استأجر للحج قبل موته وجب(2) علی ورثة الموصی الاستئجار من الترکة فیما إذا کان الموصی الحج الواجب ومن الثلث إذا کان غیره ، وإذا کان المال الذی قبضه الوصی موجوداً أخذ(3) ، وإن احتمل أن الوصی قد استأجر من ماله وتملک المقبوض بدلاً ، وأما إذا لم یکن المال المقبوض موجوداً فلا ضمان علی الوصی لأنه مستأمن .مسألة 100 : إذا تلف المال فی ید الوصی من دون تفریط لم یضمنه(4) ، وکذا مع الشک ، ووجب الاستئجار(5) من بقیة الترکة إذا کان

ص:64


1- (1) لخروج الدار بالصلح عن ملک المصالِح ، ودخولها فی ملک المصالَح .
2- (2) عملا باستصحاب عدم الاستیجار .
3- (3) لأصالة بقائه علی ملک المیت الموصی فیأخذه ورثة الموصی .
4- (4) لأن یده ید مأذونة مأمونة ، إلا أن یکون قد اشترط علیه الضمان فی صورة عدم التفریط أیضاً .
5- (5) لأن الحج بحکم الدین فلا تبرأ ذمة المیت ولا ینقطع تعلقه بالترکة باستئجار من یحج عنه .

الموصی به حجاً واجباً ومن بقیة الثلث إن کان غیره ، فإن کانت البقیة موزعة علی الورثة استرجع منهم بدل الإیجار بالنسبة ، وکذلک الحال إذا کان بتفریط من الوصی ولم یمکن أخذ الغرامة منه ، وکذا الحال لو استأجر أحد للحج ومات قبل الإتیان بالعمل ولم تسترجع الأجرة .

مسألة 101 : إذا تلف المال فی ید الوصی قبل الاستئجار ولم یعلم أن التلف کان عن تفریط لا یجوز تغریم الوصی(1) .

مسألة 102 : إذا أوصی بمال معین لغیر الحج الواجب واحتمل أنه زاد علی الثلث لم یجز صرف جمیعه(2) إلّابرضی ورثته ، وکذا الحال لو لم تکن الوصیة بعین مخصوصة فی مطلق الوصیة بالحج(3) .

فصل فی النیابة

اشارة

مسألة 103 : یعتبر فی النائب أمور :

الأول : البلوغ

فلا یجزی حج الصبی عن غیره فی الحج الواجب(4) ، نعم یصح فی

ص:65


1- (1) إذ لیس علی الأمین الإ الیمین .
2- (2) لأن الوصیة جائزة فی الثلث فقط ، والشک فی زیادتها علی الثلث شک فی صحتها ، فلا یکون موضوع جواز التصرف فی الجمیع محرزاً .
3- (3) لنفس ما تقدم .
4- (4) علی المشهور ، لا لما قیل من أن عبادة الصبی غیر شرعیة بل تمرینیة ، ولالدعوی انصراف أدلة النیابة عنه وعدم وجود إطلاق فی باب النیابة لأن غالبها مشتمل علی لفظ الرجل ، ولا لعدم الوثوق باتیانه بالعمل ، ولا کون حج الصبی عن نفسه لا یحتسب فیستلزم عدم صحة أدائه الواجب عن الغیر ، وإنما لکون عبادة الصبی وإن کانت شرعیة بالعمومات الأولیة إلا أن مقتضی رفع القلم عنه وأن عمده خطأ عدم الفعلیة التامة للحکم التکلیفی فی حقه ، وإن کانت بقیة مراحل الحکم السابقة متوفرة فی حقه کمرحلة الإنشائیة والفعلیة الناقصة ، ومن ثمة یکون فعله بمرتبة ناقصة فلا یجتزأ به عن أداء البالغین کما هو الحال فی صلاته علی المیت وغیرها من موارد الواجبات الکفائیة ، فإنها لا تسقط بفعله عن البالغین ، وهذا هو منشأ الإنصراف عنه فی أدلة النیابة فی الواجب دون المندوب .

الممیز إذا اضطرّ إلیه کما تصح نیابته فی الحج المندوب(1) بإذن الولی(2) .

الثانی : العقل

فلا یکتفی بنیابة المجنون سواء کان جنونه مطبقاً أو إدواریاً فی ظرف جنونه ، أما السفیه والأبله فلا بأس فی استنابته(3) .

الثالث : الإیمان

فلا عبرة بنیابة غیر المؤمن وإن أتی بالعمل علی طبق مذهبنا(4) .

ص:66


1- (1) لکون عبادته شرعیة ، فیشمله دلیل استحباب النیابة .
2- (2) باعتبار أن ذلک تصرف فی شأن مال مرتبط بالصبی فلا بد من إذن الولی ، بخلاف حج الصبی عن نفسه فإن لم یستلزم العقوق کما مر لا یشترط إذن الولی .
3- (3) فلأن السفیه محجور من التصرف فی أمواله ، وهذا لا ینافی صحة عباداته ، وأما الأبله فلیس من مصادیق الجنون ، وإنما قلة الذکاء والفطنة .
4- (4) والوجه فی ذلک أنّ الإیمان شرط فی صحّة العمل - کما هو الصحیح

______________

ص:67

الرابع :

أن لا یکون النائب مشغول الذمة بحج واجب علیه فی تمام النیابة إذا تنجز الوجوب علیه(1) ، ولا بأس باستنابته فیما إذا کان جاهلاً

ص:68


1- (1) تمسکاً بالاخبار المستفیضة ، ففی صحیحة الأعرج أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الصرورة أیحج عن المیت ؟ فقال : نعم ، إذا لم یجد الصرورة ما یحج به ، فإن کان له مال فلیس له ذلک حتی یحج من ماله ، وهو یجزی عن المیت کان له مال أو لم یکن له مال » .

بالوجوب أو غافلاً عنه ، وهذا الشرط شرط فی تنجز الوفاء بالإجارة علی الأجیر لا فی صحتها ولا فی صحة حج النائب فلو حج - والحالة هذه - برئت ذمة المنوب عنه(1) ، واستحق الأجرة المسماة(2) .

ص:69


1- (1) تشهد له صحیحة سعد بن أبی خلف قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل الصرورة یحج عن المیت قال : نعم ، إذا لم یجد الصرورة ما یحج به عن نفسه ، فإن کان له ما یحج به عن نفسه فلیس یجزیء عنه حتی یحج من ماله ، وهی تجزیء عن المیت إن کان للصرورة مال وإن لم یکن له مال » .
2- (2) لصحة الإجارة ، وما قیل من وجوه فی بطلانها قابل للخدشة ، وعمدتها : التضاد بین الأمر النفسی بالحج والأمر الإجاری بالنیابة ، ولا یمکن رفع هذا التضاد وتقیید هذا الامر الإجاری بنحو الترتیب ، لأن صحة الإجارة لا بد وأن تکون مطلقة غیر مقیّدة بتقدیر دون آخر ، وسواء قلنا بأن الحکم الوضعی منتزع من الحکم التکلیفی أو أن الوضعی متأخر رتبة عن التکلیفی والتکلیفی کموضوع له أو أن الوضعی متأخر إثباتاً عن التکلیفی لا ثبوتاً ، فثمة مضادة بین الحکم التکلیفی والوضعی ، ومنه یستلزم تقیید الصحة والحکم الوضعی بالتبع ، وحیث أن الصحة وجودها غیر قابل للتعلیق والتقیید فیستحیل فرض ثبوتها فتبطل الإجارة .وفیه : أنه لو سلمت تلک التقادیر فلا یلزم منها ذلک أیضاً ، حیث أن المضادة للحکم التکلیفی إنما هی فی مرتبة التنجیز ، ولا توجب انعدام الوجوب فضلاً عن الحکم الانشائی ، فالوضعی علی حاله مطلق فی مورد التزاحم ، ولیس یسری التعاند والتضاد فی التزاحم إلی الجعل - کما هو فی التعارض - والتکلیفی علی حاله ومن ثم الوضعی کذلک ، مع أن الصحیح أن الحکم الوضعی متأصل فی الجعل وتقدم رتبة علی الحکم التکلیفی ، مع تأخره إثباتاً کمدلول التزامی فی مفاد قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

مسألة 104 : یجب علی المنوب عنه إحراز فراغ ذمته بإحراز العمل الصحیح للنائب فلابدّ من معرفة النائب لأعمال الحج وأحکامه ولو بإرشاد غیره حین العمل ، ویکفی فی الإحراز الوثوق بالنائب وإن لم یکن عادلاً ، نعم لو کان موثوقاً به فی أصل إتیان العمل نیابةً عن المنوب عنه مع الغفلة عن حاله فی الصحة ثم شک بعد العمل فی إتیانه به علی الوجه الصحیح فلا یبعد البناء علی الصحة .

مسألة 105 : یشکل نیابة المملوک عن الحر ولو کان بإذن مولاه(1) .

مسألة 106 : تصح النیابة عن الصبی الممیز ، کما تصح عن المجنون(2) ، بل یجب استئجار من یحج به إذا کان جنونه إدواریاً مع علمه(3) بمصادفة جنونه أیام الحج ، وإن لم یمکن فاستئجار من یحج عنه ، کما یجب الاستئجار عنه إذا استقر علیه الحج أیام إفاقته ومات

ص:70


1- (1) خلافاً للمشهور بل قیل بعدم الخلاف ، وذلک لعدم الفعلیة التامة للحکم التکلیفی فی حقه ، وإن کانت بقیة مراحل الحکم السابقة متوفرة فی حقه کمرحلة الإنشائیة والفعلیة الناقصة ، ومن ثمة یکون فعله بمرتبة ناقصة فلا یجتزیء به ، کما هو حال الصبی .
2- (2) أما الصبی فلمشروعیة عبادته ، بل لا یبعد المشروعیة حتی فی غیر الممیزلما ثبت من جواز الحج به ، مما یدل علی قابلیة المحل للکمال وبالتالی للنیابة عنه ، ومن ذلک یتبین مشروعیة الحج عن المجنون .
3- (3) لما تقدم فی بحث الاستطاعة من أن المدار علی وجوب الاستنابة القدرة المالیة فقط ، والفرض تحقق الإفاقة بمقدار یؤدی الاستنابة الواجبة .

مجنوناً ، بل الأحوط إن لم یمکن أظهر الاستئجار عن المطبق إذا کان ملیاً .

مسألة 107 : لا تشترط المماثلة بین النائب والمنوب عنه فتصح نیابة الرجل عن المرأة وکذا العکس(1) .

مسألة 108 : لا بأس باستنابة الصرورة - رجلاً کان أو امرأة - عن الصرورة وغیره ، بل الأولی استنابته(2) ، إلا إذا لم یتقن مسائل الحج

ص:71


1- (1) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام الرجل یحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل ؟ قال : لا بأس » ، وفی صحیحة رفاعة عنه علیه السلام : تحج المرأة عن أخیها وعن أختها ، وعن أبیها » ، وستأتی تتمة فانتظر .
2- (2) وقد استظهر صاحب الجواهر کراهة استئجار واستنابة الصرورة عن الصرورة ولو رجلاً عن رجل ، ویمکن أن یتمسک له بصحیحة ابن حکیم قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام إنسان هلک ولم یحج ولم یوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة هل یجزی ذلک ، ویکون قضاء عنه ؟ ویکون الحج لمن حج ؟ ویؤجر من أحج عنه ؟ فقال : إن کان الحاج غیر صرورة أجزأ عنهما جمیعاً ، وأُجر الذی أحجه » وظاهرها المنع ، المحمول علی الاستحباب للروایات الدالة علی إجزاء حج النائب الصرورة الذی له مال فضلاً عن الذی لیس له مال ، إلا أن الاستدلال بها علی الکراهة غیر تام ، إذ أن محط سؤال الرواة : أن الصرورة إذا حج عن غیره هل تکفی عنه وعن المنوب عنه بالنسبة إلی حجة الإسلام أم لا ، وعلیه فالروایة لا تدل علی الکراهة لأن الإجزاء المنفی فیها بلحاظ النائب الصرورة عن التکلیف المتوجه إلیه عن نفسه .ومثلها روایة ابن عقبة قال : کتبت إلیه أساله عن رجل صرورة لم یحج قط حج عن صرورة لم یحج قط ، أیجزی کل واحد منهما تلک الحجة عن حجة الإسلام أو لا ؟ بین لی ذلک یاسیدی ؟ فکتب علیه السلام : لا یجزی ذلک » أی لا تجزی حجة الإسلام عنهما معاً ، فنفی الإجزاء بلحاظ ما علی النائب نفسه من تکلیف لا بلحاظ الإجزاء عن المنوب عنه .وأوضح منهما روایة بکر بن صالح قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام إن ابنی معی وقد أمرته أن یحج عن أمی أیجزی عنها حجة إلاسلام ؟ فکتب : لا ، وکان ابنه صرورة ، وکانت أمه صرورة » وقد حمله الشیخ فیما إذا کان للابن مال فلا یجوز أن یحج عنها إلا بعد أن یحج عن نفسه .وفی قبال هذه الروایات صحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یموت ولم یحج حجة إلاسلام ویترک مالاً ؟ قال : علیه أن یحج من ماله صرورة لا مال له » ومفادها وجوب استنابة الرجل الصرورة عن المیت الذی استقر علیه الحج ، ومثلها صحیحة ابن سنان فی وجوب استنابة الرجل الصرورة عن الحی العاجز ، المرفوع عن ظاهره لدلالة عدة من الروایات - منها صحیحة ابن حکیم المتقدمة - علی إجزاء نیابة غیر الصرورة ، ومنه تعرف أولویة أن یکون النائب صرورة لم یحج ، وتحمل الروایات المتقدمة علی الصرورة الذی لا یتقن مسائل الحج .

فیکره(1) ، وکذلک أیضاً یکره استنابة المرأة لا سیّما الصرورة إن لم تقوَ علی إتقان أعمال الحج(2) .

ص:72


1- (1) وعلیه تحمل الروایات الدالة علی عدم الإجزاء .
2- (2) قال الشیخ فی النهایة والمبسوط والتهذیب بعدم جواز نیابة المرأة الصرورة مطلقاً ، واختاره ابن البراج فی المهذب ، وفی الإستبصار بعدم ذلک عن الرجل فقط ، واشترط لحج المرأة عن الرجل أن تکون عارفة بالمناسک وقد حجت سابقاً ، وتمسک بروایة مصادف عن أبی عبد الله علیه السلام فی المرأة تحج عن الرجل الصرورة ، فقال : إن کانت قد حجت وکانت مسلمة فقیهة ، فربّ امرأة أفقه من

____________________

ص:73

مسألة 109 : یشترط فی المنوب عنه أن یکون ممن یصح منه التقرب فلا تصح النیابة عن الکافر(1) ، فلو مات الکافر مستطیعاً وکان الوارث

ص:74


1- (1) یظهر من الماتن دام ظلّه الشریف فی آخر هذه المسألة التفصیل بین ما إذاکانت النیابة عن الکافر بداعی صلة الرحم لتخفیف العقوبة عنه ، فتجوز ، وبین ما إذا کانت بداعی المودّة ، فلا تجوز .فلا إطلاق لکلامه دام ظلّه فی صدر المسألة : لا تصحّ النیابة عن الکافر ، أمّا الجواز فتمسّکاً بصحیحة ابن عبد ربه قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام أیحج الرجل عن الناصب ، فقال : لا ، قلت : فإن کان أبی ؟ قال : فإن کان أباک فنعم » ، وفی موثقة إسحاق بن عمار قال : سألته عن الرجل یحج فیجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب ببلد آخر ، فینقص ذلک من أجره ؟! قال : لا ، هی له ولصاحبه ، وله أجر سوی ذلک بما وصل ، قلت : وهو میت ، هل یدخل ذلک علیه ؟ قال : نعم ، حتی یکون مسخوطاً علیه فیغفر له ، أو یکون مضیقاً علیه فیوسع علیه ، فقلت : فیعلم هو فی مکانه أن عمل ذلک لحقه ؟ قال : نعم ، قلت : وإن کان ناصبیاً ینفعه ؟ قال : نعم ، یخفف عنه » ، وإطلاق معتبرة ابن مهزیار عنه علیه السلام : لا یحج عن الناصب ولا یحج به » المقیدة بالصحیحة الأولی .وأمّا عدم الجواز فللنهیّ عن المودّة فی قوله تعالی : لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ ، والابتداء بالإحسان من دون قصد عنوان آخر لا محالة ینطبق علیه عنوان المودّة والمحبّة .

مسلماً لم یجب الاستئجار عنه ، والناصب کالکافر ، لکن یجوز لقرابته المؤمن أن ینوب عنه بداعی صلة الرحم لتخفیف العقوبة عنه لا الموادة ، وکذلک حکم اهداء الثواب إلیه ، والأظهر عدم صحة النیابة عن المخالف(1) .

مسألة 110 : تصح النیابة عن الحیّ فی الحج المندوب تبرعاً کانت أو بإجارة(2) ، وتصح عنه فی الحج الواجب باستنابته إذا کان معذوراً عن مباشرته ولو بالاستعانة بالغیر(3) ، ولا تصح النیابة عن الحی فی غیر ذلک ، والنیابة عن المیت جائزة مطلقاً فی الواجب والمندوب تبرعاً أو إجارةً (4) .

مسألة 111 : یعتبر فی صحة النیابة قصد النیابة وتعین المنوب عنه بوجه من الوجوه وإن لم یکن باسمه(5) ، نعم یستحب التلفظ بالنیابة عن

ص:75


1- (1) لعدم صحة التقرب منه کما تقدم بیانه .
2- (2) بلا إشکال ولا خلاف ، تمسکاً بالنصوص المستفیضة .
3- (3) وقد تقدم الکلام عنه .
4- (4) وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة ابن حکیم قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنسان هلک ولم یحج ولم یوص بالحج ، فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة ، هل یجزی ذلک ویکون قضاء عنه ؟ ویکون الحج لمن حج ؟ ویؤجر من أحج عنه ؟فقال : « إن کان الحاج غیر صرورة أجزأ عنهما جمیعاً ، وأُجر الذی أحجه » .
5- (5) ففی صحیحة البزنطی قال : سأل رجل أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یحج عن الرجل یسمیه باسمه ، قال : « الله لا تخفی علیه خافیة » .

المنوب عنه باسمه فی جمیع الأعمال(1) .

مسألة 112 : تصح النیابة بالتبرع والإجارة والجعالة(2) والشرط فی ضمن العقد ونحو ذلک .

مسألة 113 : لا یجزی نیابة من کان معذوراً فی ترک بعض الأعمال ، أو فی عدم الإتیان بها علی الوجه الکامل ، وکذا لو تبرع المعذور وناب عن غیره فانه لا یحرز فراغ الذمة بعمله ، نعم لو طرأ علیه العذر والعجز فی الأثناء بعد تلبّسه بالنسک أجزأ عن المنوب عنه فیما لا یخل به أصل الحج(3) .

ص:76


1- (1) ففی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : قلت له : ما یجب علی الذی یحج عن الرجل ؟ قال : یسمیه فی المواطن والمواقف » المحمول علی الإستحباب المؤکد جمعاً بین الروایات ، ففی حسنة المثنی بن عبد السلام عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یحج عن الإنسان یذکره فی جمیع المواطن کلها ، قال : « إن شاء فعل ، و إن شاء لم یفعل ، الله یعلم أنه قد حج عنه ، ولکن یذکره عند الأضحیة إذا ذبحها » .
2- (2) وحکی الخلاف من بعض فی الجعالة ، ووجهه : التأمل فی حصول التسبیب للعمل فیما کانت النیابة عن الحی ، باعتبار أن الجعالة فیما إذا کانت بنحو العموم من دون توجیه الخطاب إلی أحد بخصوصه لیس فیها أمراً تَعَلَّق بخصوص العامل ، أو أن الجعالة وإن کانت خاصة إلا أنها بنحو التعلیق فلیس فیها أمراً منجزاً بالفعل ، ولکن لا یخفی ما فی کلا التقریبین ، فإن التسبب المطلوب فی الإستنابة یکفی فیه أدناه .
3- (3) وذلک لأن مقتضی القاعدة الأولیة هو لزوم الاستنابة فی العمل التام ، والمفروض قدرة المنوب عنه علی ذلک ، فلا تصل النبوة للاستنابة فی العمل الناقص وأما الإجزاء فی العذر الطاری فی الأثناء لعموم أدلة النیابة للمعذور فی الأثناء ، أی أن المعذور فی الأثناء یشرع له أن یستنیب فی بعض الأعمال وبضمیمة أن طرو العذر فی الأثناء بأقسامه المختلفة متعارف وقوعه فیکون مندرجاً فی عموم أدلة النیابة ، ثم أن هذا کله فی غیر موارد تبدل الموضوع إذ لیس هو من باب العذر والعمل الناقص .

کما لا بأس بنیابة من یرتکب تروک الإحرام غیر المفسد لأصل الحج لعذر أو غیره(1) ، وکذلک من یترک بعض الواجبات مما لا یضر ترکه متعمداً کأعمال أیام التشریق بمنی ، کما لا بأس بنیابة النساء أو غیرهن مما تجوز لهم الإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الفجر والرمی لیلاً للحج عن الرجل والمرأة(2) .

مسألة 114 : إذا مات النائب قبل أن یحرم لم تفرغ ذمة المنوب عنه فتجب الاستنابة عنه ثانیةً فیما کان واجباً علیه ، وکذا لو مات بعد الإحرام قبل دخول الحرم ، بخلاف لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم فان المقدار الذی أتی به یجزیء عنه(3) ، ولا فرق فی ذلک بین حجة الإسلام أو غیرها(4) ، ولا بین ما کانت النیابة بأجرة أو تبرع ، وإن کان الأحوط فی

ص:77


1- (1) إذ ارتکابها لا یوجب نقصاً فی الحج ، فهی تروک أجنبیة وخارجة عن أعمال الحج والعمرة .
2- (2) لعدم کون الإفاضة قبل طلوع الفجر حکماً اضطراریاً کی یکون الإضطرار مانعاً عن النیابة .
3- (3) علی المشهور ، والتفصیل فی النائب من دخول الحرم وعدمه هو کالتفصیل فی الأصل ، خلافاً لصاحب الحدائق القائل بالإجزاء مطلقاً بمجرد الإجارة .
4- (4) لإطلاق الروایات .

التبرع الإعادة(1) .

مسألة 115 : إذا مات الأجیر بعد الإحرام ودخول الحرم استحق تمام الأجرة(2) ، وإن مات قبل ذلک استحق من أجرة المثل بقدر ما أتی به من الأعمال .

مسألة 116 : إذا استأجر للحج البلدی ولم یعین الطریق کان الأجیر مخیراً فی ذلک ، والاطلاق فی الأجرة ینصرف إلی المتعارف فی ذلک البلد من الأجر للحج بحسب القیمة وغیرها ، فقد یقتضی ضم زیارة النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام ، مع الحج کما أنه قد یقتضی الإحرام من مسجد الشجرة ، فإذا عیّن شیئاً من ذلک لم یجز العدول إلی غیره ، فإن عدل وأتی بالأعمال بغیر ما عین فإن کان اعتبار الشیء المعین بنحو الشرطیة - کما هو الحال فی الأمور التی تکون بنحو الوصف والنعت العرفی للنسک ولا تستلزم تکلفة مالیة زائدة - استحق الأجیر تمام الأجرة وکان للمستأجر خیار الفسخ فلو فسخ استحق أجرة المثل ، وإن کان اعتبار الشیء المعین علی نحو الجزئیة کان للمستأجر الفسخ أیضاً فیما أتی به فإن لم یفسخ استحق الأجیر من الأجرة المسماة بنسبة ما یتقسط منها علی مقدار ما أتی به من عمل ویسقط بمقدار ما لم یأتِ به .

ص:78


1- (1) للتشکیک فی شمول إطلاق الروایات له ، إذ أن موردها الإجارة فتسریة الحکم للتبرع بحاجة إلی دلیل ، نعم إن أمکن التفصیل فی النائب تبعاً للتفصیل فی الأصیل أمکن التمسک بالإطلاق .
2- (2) إذ الارتکاز قائم فی الإجارة علی تفریغ ذمة المنوب عنه ، وبدخول الأجیرالحرم بعد إحرامه تفرغ ذمة المنوب عنه .

مسألة 117 : إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة فی سنة معینة ثم آجر نفسه عن شخص آخر فی تلک السنة مباشرةً صحت الاجارتان وثبت الخیار للأول إن لم یفِ ، وثبت الخیار للثانی مطلقاً(1) ، وأما مع اختلاف الاجارتین فی الزمان أو تقید أحدهما واطلاق الاُخری فتکونا لازمتین .

مسألة 118 : إذا آجر نفسه للحج فی سنة معینة فلا یجوز له التأخیر

ص:79


1- (1) والوجه فی ذلک أن التخصیص بالمباشرة أو بالوقوع فی وقت معین لایقتضی القیدیة فی متعلق الإجارة مطلقاً کما هو المعروف فی الکلمات ، بل ربما یقال أنه فی کثیر من الموارد من قبیل تعدد المطلوب بنحو الشرطیة أو الجزئیة بحسب عرف سوق الإجارات ، إذ لا یرون تفاوتاً مالیاً فی ذلک ، کما أنهم یبنون علی تحقق أصل الغرض المعاملی وإن لم یتحقق تمامه ، مضافاً إلی أن المدار فی القیدیة أو الشرطیة أو الجزئیة لیس بحسب الألفاظ التی جری علیها العقد ، ولا بحسب اعتبار المتعاقدین ، وإنما هی بحسب الأغراض أو المعاوضة فی تقسیط العوض ، ولو بحسب الغرض الشخصی - ولکن فی نظر نوع العقلاء والعرف - .ودعوی بطلان الإجارة الثانیة ولو کانتا من قبیل الشرطیة ، لأن الشرط فی الاجارة الأولی یوجب تعلق حق للمستأجر الأول فی الحصة الخاصة فی المنفعة ، فلا یستطیع الأجیر أن یتصرف فیها وینقلها للمستأجر الآخر ، فضغیف أیضاً ، لأنه وإن بنیا علی أن الشرط یوجب حقاً للمشروط له المتعلق بالحصة الخاصة ، إلا أن هذا الحق لا یزاحم الثانیة وإنما یزاحم الشرط فیها فیفسد الشرط ، وذلک لأن فرض الإجارة الثانیة هو أیضاً بنحو تعدد المطلوب ولیس متعلقها خصوص الحصة الخاصة ، فلا مزاحمة معها ، نعم هناک مضادة مع الشرط فیفسد ، فیکون للمستاجر الثانی خیار تخلف الشرط .

ولا التقدیم ، ولکن لو قدم أو أخّر برئت ذمة المنوب عنه ، وثبت خیار الفسخ للمستأجر ، فإن لم یفسخ استحق الأجرة المسماة ، وإن فسخ کان له أجرة المثل(1) .

مسألة 119 : إذا صُدّ الأجیر أو احصر فلم یتمکن من الإتیان بالأعمال کان حکمه حکم الحاج عن نفسه ، ویأتی بیان ذلک إن شاء اللّه تعالی ، وللمستأجر خیار الفسخ إذا کانت الاجارة مقیدة بتلک السنة(2) ، وأما مع الاطلاق فیبقی الحج فی ذمة الأجیر .

مسألة 120 : إذا أتی النائب بما یوجب الکفارة فهی من ماله ، سواء کانت النیابة بإجارة أو بتبرع(3) .

مسألة 121 : إذا استأجر للحج بأجرة معینة فقصرت الأجرة عن

ص:80


1- (1) ووجهه ما تقدم فی المسألة السابقة .
2- (2) وقد تقدم وجه عدم انفساخ الإجارة .
3- (3) وذلک لأن الإحرام والتحلل من أحکام الأداء والمؤدی ، لا من أحکام الماهیة کی تکون من أحکام المنوب عنه ، وقد قسم الأصولیون الأجزاء والشرائط إلی ماتؤخذ فی الماهیة بما هی هی ، وإلی ما یؤخذ فی المؤدی والآتی بالعمل ، وعبر عن ذلک أیضاً بشرائط الماهیة کالصلاة المغایرة لشرائط المصلی ، وعلی ذلک لو قضت المرأة الصلاة عن رجل میت لکان اللازم علیها التستر بستار المرأة فی الصلاة لا بستار الرجل والعکس کذلک .ومن ثَمّ النائب لا یستطیع الدخول فی الحرم إلا باحرام وفی ضمن نسک ولو عن آخر ، کما أنه لا یتحلل إلا باتیان النسک ولو عن غیره ، وحال الخطاب فی محرمات الإحرام کذلک ، فإنه المخاطب بها لا المنوب عنه إذ هو لیس فی حالة إحرام .

المصارف لم یجب علی المستأجر تتمیمها ، کما أنها إذا زادت عنها لم یکن له استرداد الزائد(1) ، بخلاف ما لو کان باستئمار منه للحج فانه یلزمه إتمام الناقص کما أن له استرداد الزائد .

مسألة 122 : إذا استأجره للحج الواجب أو المندوب فأفسد الأجیر حجه بالجماع قبل المشعر وجب علیه إتمامه ، فیجزی عن المنوب عنه ، وعلیه الحج من قابل وکفارة بدنة ، والظاهر أن للمستأجر خیار الفسخ(2) ، ویستحق الأجرة(3) علی التفصیل فی مسألة : (118) وإن لم یحجّ من

ص:81


1- (1) إذ أن المال الذی یعطیه المنوب عنه للنائب تارة فی عقد إجارة ولومعاطاتیة وحینئذ یملک المستأجر الحج فی ذمة الأجیر ، ویملک الأجیر الأجرة ، شأن بقیة المعاوضات ، سواء ناقصة کانت عن أجرة المثل والکلفة الواقعیة أو زائدة ، وأخری یعطی المال ویأذن له فی صَرْفِه نیابةً ، ومقتضی القاعدة حینئذ رد الزیادة ولزوم إتمام النقص علی المستأجر لتسبیبه لذلک .هذا هو مقتضی القاعدة وهو الذی تشیر إلیه روایة - حسنة - محمد بن عبد الله القمی فی رجل یعطی الحجة فیوسع علی نفسه ویفضل منها ، أیردها علیه ، قال علیه السلام : « لا هی له » ، وفی صحیحة برید العجلی قال : سألته عن رجل استودعنی مالاً وهلک ولیس لولیه شیء ، ولم یحج حجة الإسلام ؟ قال علیه السلام : « حج عنه ، وما فضل فأعطهم » المحمول علی الأذن الشرعی ، فیکون المال مأذوناً فیه للحج النیابی لا من باب الإجارة .
2- (2) لعدم التعاقد علی هذه الحجة التی فیها خلل ونقص والذی عبر عنه فی الروایات بالفساد لعظمه ، بخلاف ارتکاب بعض محرمات الإحرام فإنها مجرد خداش ؟
3- (3) لکون الحجة الثانیة کفارة وعقوبة ، کما سیأتی بیانه .

قابل لعذر أو غیره ، وتجری الأحکام المزبورة فی المتبرع وإن لم یستحق الأجرة .

مسألة 123 : الأجیر فی الحج یملک الأجرة بالعقد ، ولا یجب تسلیمها إلیه إلّابعد العمل(1) ، أو بعد مطالبة الأجیر قبل العمل لکون الغالب علی اشتراط ذلک له ، إلّاأن تکون قرینة خاصة مخالفة .

مسألة 124 : إذا آجر نفسه للحج فاللازم علیه أن یأتی بالحج مباشرة ولا یسوغ له استئجار غیره لإتیانه إلّامع إذن المستأجر(2) ، ولو خالف برئت ذمة المنوب عنه وکان للمستأجر خیار الفسخ(3) واستحق الأجرة

ص:82


1- (1) إذ أن ذلک هو مقتضی القاعدة فی العقود - فضلاً عن باب الإجارة وفضلاعن إجارة الحج - إذ کونه التقابض متقارناً ، أو أن أحد العوضین سابق علی الآخر لیس من مقتضی ذات الماهیة المعاوضیة ، بل من أحکامها والوفاء بها ، والإلزام بأصل التقابل متقارناً أو بتقدمٍ هو بمقتضی الشرطیة بین المتعاوضین ، سواء بالشرط الضمنی البنائی عند نوع العرف فی صنف ذلک العقد ، أو بالمشارطة الخاصة المصرح بها .
2- (2) مقتضی ماهیة العقد من حیث هی لا تقتضی المباشرة ، کما لا تقتضی التعجیل ، وإنما هما من مقتضیات التخصص فی متعلق العقد ، أو الإشتراط سواء المصرح به أو الضمنی المبنی علیه العقد ، وإطلاق الإجارة - فی المقام - یقتضی المباشرة لأنه إما أن یرجع إلی ظهور إسناد الفعل للأجیر فی الشرطیة ، أو إلی الشرط الضمنی المتبانی علیه عقلائیاً ما لم یصرح بالخلاف .
3- (3) لکون التقید بالمباشرة من تعدد المطلوب بحسب الأغراض المالیة ، فلوخالف کان للمستأجر فسخ الإجارة مع ضمان أجرة المثل ، وما فی روایة عثمان بن عیسی قال : قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول فی رجل یعطی الحجة فیدفعها إلی غیره ، قال : لا بأس » فلیست ظاهرة فی الحج النیابی ، بل تحتمل الحج البذلی ، أو احتمال العلم بالإذن ، أو عدم تعلق الغرض بالنائب الأول کما فی غیرها من الروایات ، أو أن الإعطاء من باب التوکیل وهو الظاهر .

علی التفصیل السابق ، نعم إذا کان متعلق الإجارة مطلق فی ذمة الأجیر ساغ له استئجار غیره .

مسألة 125 : إذا استأجر شخصاً لحج التمتع مع سعة الوقت واتفق أن ضاق الوقت فعدل الأجیر - فیما یسوغ العدول - من عمرة التمتع إلی حج الإفراد ثم أتی بعمرة بعدُ برئت ذمة المنوب عنه(1) ، وثبت للمستأجر خیار الفسخ إن کانت القیمة متفاوتة ، ویستحق الأجیر الأجرة علی التفصیل المتقدم .

مسألة 126 : لا بأس بنیابة شخص عن جماعة فی الحج المندوب أحیاءً أم أمواتاً أم متفرقین(2) ، وأما الواجب فلا یجوز نیابة الواحد عن ما

ص:83


1- (1) لإطلاق الروایات ، ففی صحیحة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یکون فی یوم عرفة ، وبینه وبین مکة ثلاثة أمیال وهو متمتع بالعمرة إلی الحج ؟ فقال : « یقطع التلبیة تلبیة المتعة ، ویهل بالحج بالتلبیة إذا صلی الفجر ویمضی إلی عرفات فیقف مع الناس ویقضی جمیع المناسک ، ویقیم بمکة حتی یعتمر عمرة المحرم ، ولا شیء علیه » ، ومثلها صحیحة الحلبی ، فالعدول إنما هو علاج لمن تلبس بنسک لا یقدر علی أدائه ، ودعوی انصراف هذه الروایات إلی من حج عن نفسه لا شاهد علیها .
2- (2) بل یستحب التطوع بالحج عن المؤمنین أحیاءً أو أمواتاً ، والروایات بذلک کادت أن تکون مستفیضة ، کصحیحة معاویة بن عمار قال : قلت للصادق علیه السلام : إن أبی قد حج ووالدتی قد حجت ، وإن أخوی قد حجا ، وقد أردت أن أدخلهم فی حجتی ، کأن قد أحببت أن یکونوا معی ؟ فقال : « اجعلهم معک ، فإن الله عز وجل جاعل لهم حجاً ولک حجاً ، ولک أجراً بصلتک إیاهم » ، وصحیحة هشام بن سالم عن الصادق علیه السلام قال : فی الرجل یشرک أباه وأخاه وقرابته فی حجه ، فقال : « إذاً یکتب لک حجاً مثل حجهم ، وتزداد أجراً بما وصلت » ، وصحیحة إسماعیل بن بزیع قال : سألت الرضا علیه السلام : کم أشرک فی حجتی ؟ قال : کم شئت » ، وقال علیه السلام : « لو اشرکْتَ ألفاً فی حجتک ، لکان لکل واحد حجة من غیر أن تنقص حجتک شیئاً » .وإشکال صاحب الجواهر علی دلالة هذه الروایات الشریفة باحتمال إرادة الاشتراک فی ثواب الحج الذی یأتی به عن نفسه لا نیابة عن جماعة ، خلافُ ظاهر - بل صریح - الروایات ، لجعل ظرف الإشراک فی الحج لا فی ثوابه ، فلیس أسئلة الرواة « کم أشرک فی ثواب حجتی » ، وإضافة الحج إلی نفسه لأجل کونه المباشر والآتی به ، وشاهده جوابه علیه السلام بقوله « جاعل لهم حجاً » و « یکتب لک حجاً مثل حجهم » فلو کان المقصود الإشراک فی الثواب لقاله علیه السلام « جاعل لهم ثواب حجة » کما عبّر ذلک علیه السلام فی حسنة صفوان الآتیة ، فلاحظ .

زاد عن واحد ولو أوقعه کذلک وقع ندباً عنهم ، إلّاإذا کان وجوبه بالنذر وأخویه وکان متعلق النذر مطلقاً فحینئذٍ یجوز أن یستأجر شخصاً واحداً للنیابة عنهما أو عنهم ، نعم یسوغ إهداء ثواب المندوب أو الواجب لشخص أو جماعة(1) .

ص:84


1- (1) ففی معتبر ابن المغیرة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام وأنا بالمدینة بعدما رجعت من مکة : إنی أردت أن أحج عن ابنتی ؟ قال : « فاجعل ذلک لها الآن » ، وفی حسنة صفوان الجمال قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه ابن المغیرة فقال : بأبی أنت وأمی ، لی ابنة قیمة لی علی کل شیء وهی عاتق ، فأجعل لها حجتی ؟ قال : « أما إنه یکون لها أجرها ویکون لک مثل ذلک ، ولا ینقص من أجرها شیء » .

مسألة 127 : لا بأس بنیابة جماعة فی عام واحد عن شخص واحد میت أو حیّ تبرعاً أو إجارة مندوباً أو واجباً متعدداً أو واحداً وإن کانت الزیادة ندبیة(1) .

مسألة 128 : الطواف مستحب فی نفسه(2) فتجوز النیابة فیه عن المیت ، وکذا عن الحی إذا کان غائباً من مکة أو حاضراً فیها ولم یتمکن من الطواف مباشرةً ، وإن کان لا یبعد الجواز مطلقاً(3) .

ص:85


1- (1) یدل علی المشروعیة - مضافاً لمقتضی القاعدة بعد مشروعیة النیابة - أن وحدة الظرف الزمانی لا توجد وحدة العمل بعد کون الأفعال متعددة من فاعلین متعددین ، فهو بمنزلة الحج المتعدد فی أعوام مختلفة ، کما هو الحال فی الصیام عن المیت لو قضی عنه جماعة فی یوم واحد ، ویشهد له أیضاً صحیحة الیقطینی قال : بعث إلیّ أبو الحسن الرضا علیه السلام رزم ثیاب و غلماناً وحجة لی وحجة لأخی موسی بن عبید ، وحجة لیونس بن عبد الرحمن ، وأمرنا أن نحج عنه ، فکانت بیننا مائة دینار أثلاثاً فیما بیننا .
2- (2) نصاً وإجماعاً .
3- (3) خلافاً للکثیر ، تمسکاً بصحیحة ابن عبد الخالق قال : کنت إلی جنب أبی عبد الله علیه السلام وعنده ابنه عبد الله أو ابنه الذی یلیه ، فقال له رجل : أصلحک الله یطوف الرجل عن الرجل وهو مقیم بمکة لیس به علة ؟ فقال : « لا ، لو کان ذلک یجوز لأمرت ابنی فلاناً فطاف عنی » ، وفی روایة ابن أبی نجرن عمن حدثه عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له الرجل یطوف عن الرجل وهما مقیمان بمکة ؟ قال : لا ، ولکن یطوف عن الرجل وهو غائب من مکة ، قال : قلت : وکم مقدار الغیبة ؟ قال : عشرة أمیال » ، فإطلاقهما شامل للواجب والمندوب ، فیخصص الإطلاق الوارد فی عموم النیابة عن الطواف ، إلا أن دعوی الانصراف للطواف الواجب غیر بعیدة ، وذلک لظهور العذر المأخوذ عدمه فی الروایات أو العلة المأخوذة عدمها فی العذریة عن إتیان الطواف الإلزامی الواجب ، مضافاً إلی أن باب المندوبات الظهور العام فیها مبنی علی تعدد المطلوب ، عدا ما یکون من الشرائط بین المندوب والواجب من الأمور الوضعیة التی لا تختص بالواجب .

مسألة 129 : لا بأس للنائب بعد فراغه من أعمال الحج النیابی أن یأتی بالعمرة المفردة عن نفسه أو عن غیره کما لا بأس أن یطوف عن نفسه أو عن غیره(1) .

ص:86


1- (1) وذلک لأن مقتضی الإجارة متعلق بالحج فقط ، أما ما قبل ذلک أو بعده مما قد یأتی به النائب عن نفسه أو عن غیر المنوب عنه فلا یکون متعلق الاستحقاق الإجاری ، مؤیداً بصحیحة صفوان عن یحیی الأزرق قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : الرجل یحج عن الرجل ، یصلح له أن یطوف عن أقاربه ؟ فقال : « إذا قضی مناسک الحج یصنع ما شاء » ، والأزرق هو یحیی بن عبد الرحمن الأزرق علی الظاهر ، وقد نسبه الصدوق قدس سره فی المشیخة فقال : یحیی بن حسان الأزرق ، وقال السید الخوئی قدس سره : ولا یصغی إلی ما احتمله بعضهم من کون النسخة فی المشیخة مغلوطة ، فعلیه یکون السند مردد بین الثقة وغیره ، قلت : لا یوجد فی الأسانید یحیی بن حسان الأزرق ، والشاهد علیه أن صفوان یروی عن یحیی بن عبد الرحمن الأزرق ، فکونهما واحد وإن کان - ربما یقال - بعید بحسن الظاهر ، لکنه قریب بملاحظة کتب الأخبار ، وعلیه فإما أن نقول بحصول التصحیف فی نسخة الفقیه أو أن « حسان » جد یحیی ، ونسبة الرواة إلی الجد دون الأب لیس بعزیز ، والمعنون فی کتاب الثقات لابن حبان العامی باسم یحیی بن حسان النخعی الکوفی أبو زکریا ، لیس هو الأزرق قطعاً لاختلاف الطبقة ، لأن الراوی عنه عمرو بن محمد الهمدانی شیخ ابن حبان المتوفی سنة 354 .

الحج المندوب

مسألة 130 : یستحب لفاقد الشرائط من البلوغ أو الاستطاعة أو غیرهما أن یحج مهما أمکن وکذا لمن أتی بحجة الإسلام ، نعم لو حج غیر المستطیع الواجد لبقیة الشرائط أجزأ عن حجة الإسلام کما مرَّ مفصلاً ، ویستحب تکراره بل تکراره فی کل سنة ، ویکره ترکه خمس سنین متوالیة(1) .

مسألة 131 : یستحب نیّة العود إلی الحج عند الخروج من مکة(2) ، ویکره بشدة نیة متارکة الحج وقد عدّ من بواتر العمر .

مسألة 132 : یستحب إحجاج من لا استطاعة له(3) ، کما یستحب الاستقراض للحج إذا کان واثقاً بالوفاء بعد ذلک(4) ، کما یستحب التهیئة

ص:87


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، للنصوص ، ففی صحیحة ذریح عنه علیه السلام قال : من مضت له خمس سنین فلم یفد إلی ربه وهو موسر إنه لمحروم » .
2- (2) ففی روایة الثقة عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من رجع من مکة وهو ینوی الحج من قابل زید فی عمره » .
3- (3) فعن الدیلمی مولی الرضا علیه السلام قال : سمعت الرضا علیه السلام یقول : « من حج بثلاثة من المؤمنین فقد اشتری نفسه من الله عز وجل بالثمن ، ولم یسأله من أین اکتسب ماله من حلال أو حرام » .
4- (4) یشهد له صحیحة ابن وهب عن غیر واحدٍ قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام إنی رجل ذو دین ، أفأتدین وأحج ، قال : « نعم ، هو أقضی للدین » ، وغیرها من النصوص .

للحج بالتوفیر له ولو قبل فترة طویلة ویستحب کثرة الإنفاق فی الحج لمن لا یجهده ذلک .

مسألة 133 : یجوز إعطاء الزکاة لمن لا یستطیع الحج لیحج بها(1) .

مسألة 134 : یشترط فی حج المرأة إذن الزوج إذا کان الحج مندوباً(2) ، وکذلک المعتدة بالعدة الرجعیة(3) ، ولا یعتبر ذلک فی البائنة(4) ، ویجوز للمعتدة عدة الوفاة أن تحج فی عدتها(5) .

أقسام العمرة

مسألة 135 : العمرة کالحج ، فقد تکون واجبة وقد تکون مندوبة وقد تکون مفردة وقد تکون متمتعاً بها .

ص:88


1- (1) ففی صحیحة ابن یقطین أنه قال لأبی الحسن الأول علیه السلام : یکون عندی المال من الزکاة أفأحج به موالی وأقاربی ؟قال : نعم ، لا بأس » .
2- (2) نصاً وإجماعاً .
3- (3) لأنها فی حکم الزوجة .
4- (4) لأنها لیست بزوجة .
5- (5) بلا خلاف یعرف ، وتشهد له النصوص ، ففی موثقة زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة التی یتوفی عنها زوجها ، أتحج ؟قال : نعم » وغیرها من الروایات .

مسألة 136 : تجب العمرة کالحج علی کل مستطیع واجد للشرائط (1) ، ووجوبها کوجوب الحج فوری(2) فمن استطاع لها - ولو لم یستطع للحج - وجبت علیه ، وإن کانت وظیفته حج التمتع ولم یکن مستطیعاً له ولکنه استطاع لها ، وعلیه فتجب علی الأجیر للحج بعد فراغه من عمل النیابة ، وأما من أتی بحج التمتع فلا یجب علیه الإتیان بالعمرة المفردة(3) .

ص:89


1- (1) بلا خلاف یعرف - علی ما قیل - ، وعمدة الدلیل النصوص ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال : العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج علی من استطاع إلیه سبیلا ، فإن الله عز وجل یقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ وإنما نزلت العمرة بالمدینة » .وفی صحیحة ابن أذینه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجل وَ لِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً یعنی به الحج دون العمرة ؟قال : لا ، ولکنه یعنی الحج والعمرة جمیعاً لأنهما مفروضان » .
2- (2) ونفی الخلاف فیه فی السرائر ، وعن التذکرة الإجماع علیه ، والدلیل علی الفوریة ما تقدم من أدلة حرمة تسویف الحج ، حیث أن الروایات ناظرة إلی آیة استطاعة الحج ، وآیة الاستطاعة شاملة لکل من الحج والعمرة - بشهادة النصوص - بنحو الاستغراق لا العموم المجموعی .
3- (3) ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال : العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج علی من استطاع لأن الله تعالی یقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ وإنما نزلت العمرة بالمدینة .قال : قلت له : فمن تمتع بالعمرة إلی الحج أیجزیء ذلک عنه ؟قال : نعم » ، وغیرها من الروایات .

مسألة 137 : یستحب الإتیان بالعمرة المفردة مکرراً ، ویجوز إتیانها فی کل یوم(1) ، ویتأکد الاستحباب بها فی کل عشرة أیام ، ویشتد فی کل شهر ، ویزداد شدة فی کل سنّة(2) .

ص:90


1- (1) مقتضی العمومات الأولیة فی المقام مشروعیة العمرة مطلقاً ، ففی صحیحة زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : الذی یلی الحج فی الفضل .قال : العمرة المفردة ، ثم یذهب حیث شاء » .وفی الصحیح إلی علی بن أسباط رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان علی بن الحسین علیه السلام یقول حجوا واعتمروا تصح أجسامکم وتتسع أرزاقکم ، ویصلح إیمانکم ، وتکفوا مؤنة الناس ومؤنة عیالاتکم » ، وغیرها من الروایات ، وهی وإن کانت فی صدد أصل المشروعیة إلا أن مقتضی بیان الأجر والثواب هو الحث والبعث نحو العمل ، ولم یقید بموضوع خاص ، والتقیید فی المقام المشکوک فیه قید الحکم أولا وبالذات وقید للماهیة بتبع ذلک ، لا أنه قید للماهیة بالأصالة کالطهارة فی الطواف .
2- (2) الأقوال المهمة فی المسألة ثلاثة :الأول : الفصل بین العمرتین بشهر هلالی .والثانی : الفصل بینهما بعشرة أیام .والثالث : عدم الفصل بینهما بشیء .ذهب إلی الأول الشیخ فی المبسوط وابن حمزة والحلبی والمحقق والعلامة فی النافع والمختلف ، وعلیه جملة من متأخری المتأخرین ، تمسکاً بعدة من النصوص المستفیضة ، کصحیحة ابن الحجاج عنه علیه السلام قال : « فی کتاب علی فی کل شهر عمرة » ومثلها صحیحة یونس ومعاویة وغیرهما .وإلی الثانی الشیخ فی أحد قولیه والإسکافی والقاضی والعلامة فی المنتهی والتذکرة والإرشاد و التحریر ، تمسکاً بمصححة البطائنی - التی رواها المحامدة الثلاثة - وفیها « ولکل شهر عمرة ؟قال فقلت : یکون أقل ؟فقال : فی کل عشرة أیام عمرة .ثم قال : وحقک لقد کان فی عامی هذه السنة ست عمر .قلت : ولم ذاک ؟قال : کنت مع محمد بن إبراهیم بالطائف ، فکان کلما دخل دخلت معه » .وإلی الثالث المرتضی فی الناصریات ونسبه إلی الأصحاب مؤذناً بدعوی الإجماع علیه وابن إدریس فی السرائر والدیلمی فی المراسم اختاره فی الجواهر وقواه فی العروة ، واستجوده النراقی فی المستند ، بدعوی أن روایات القول الأول

____________________

ص:91

ویجوز الإتیان بالمفردة بعد الفراغ من أعمال الحج فی أیام التشریق وإن کانت مکروهة(1) ، ولا یجوز الإتیان بالعمرة المفردة بین عمرة التمتع

ص:92


1- (1) یشهد له عدة من الروایات ، منها صحیحة معاویة قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل أفرد الحج هل له أن یعتمر بعد الحج ؟قال : نعم ، إذا أمکن الموسی من رأسه فحسن » ومثلها دلالة صحیحة ابن أبی عبد الله .ووجه الکراهة صحیحة معاویة بن عمار قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام عن رجل جاء حاجاً ففاته الحج ولم یکن طاف .قال : یقیم مع الناس حراماً أیام التشریق ولا عمرة فیها ، فإذا انقضت طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة وأحل ، وعلیه الحج من قابل یحرم من حیث أحرم » ، وقبالها صحیحة حریز قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن مفرد الحج فاته الموقفان ؟فقال له : إلی طلوع الشمس من یوم النحر ، فإن طلعت الشمس یوم النحر فلیس له حج ویجعلها عمرة وعلیه الحج من قابل .قلت : کیف یصنع ؟قال : یطوف بالبیت وبالصفا والمروة ، فإن شاء أقام بمکة وإن شاء أقام بمنی مع الناس ، وإن شاء ذهب حیث شاء لیس هو من الناس فی شیء » ، فمقتضی الجمع بینهما حمل صحیحة معاویة علی الکراهة .

والحج وإن أوقعت لغیر من أوقع الحج له(1) ، ولو فصل بطلت عمرة التمتع وانقلبت المفردة إلی عمرة تمتع إن أوقعت لمن أوقع الحج له(2) ، وإلّا کان اللازم إعادة عمرة التمتع .

مسألة 138 : کما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة کذلک تجب بالنذر أو الحلف أو العهد أو نحو ذلک(3) أو لدخول الحرم ومکة لکل شهر .

مسألة 139 : تشترک العمرة المفردة مع عمرة التمتع فی أعمالها وسیأتی بیان ذلک وتفترق عنها فی أمور :

ص:93


1- (1) لکون حج التمتع عملاً واحداً مرکباً من جزئین ، فالإتیان بالعمرة المفردة بین جزأیه یستلزم عدم اتصال الحج بالعمرة ، فیختل العمل الواحد المرکب .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة حماد بن عیسی : « من دخل مکة متمتعاً فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج ، فإن عرضت له حاجة إلی عسفان أو إلی الطائف أو إلی ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبیاً بالحج فلا یزال علی إحرامه ، فإن رجع إلی مکة رجع محرماً ولم یقرب البیت ، حتی یخرج مع الناس إلی منی علی إحرامه ، وإن شاء کان وجهه ذلک إلی منی .قال : قلت : فإن جهل فخرج إلی المدینة وإلی نحوها بغیر إحرام ثم رجع فی أبان الحج فی أشهر الحج یرید الحج أیدخلها محرماً أو بغیر إحرام ؟فقال : إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرماً .قلت : أی الإحرامین والمتعتین ؟ متعته الأولی أو الأخیرة ؟قال : الأخیرة هی عمرته ، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته » .
3- (3) کمن أفسد عمرته بالجماع علی ما یأتی .

1 - إن العمرة المفردة یجب لها طواف النساء ولا یجب ذلک لعمرة التمتع(1) .

2 - إن عمرة التمتع لا تقع إلّافی أشهر الحج وهی شوال ، وذو القعدة وذو الحجة ، وتصح العمرة المفردة فی جمیع الشهور(2) ، وأفضلها شهر رجب وبعده شهر رمضان .

3 - یلزم الخروج عن الإحرام فی عمرة التمتع بالتقصیر فقط ولو ارتکب الحلق أحل من إحرامه وأما الکفارة - فسیأتی التفصیل فیها - وهذا بخلاف التحلل عن إحرام للعمرة المفردة للرجال فإنه یسوغ کلاً من التقصیر والحلق والحلق أفضل(3) .

4 - یجب أن تقع عمرة التمتع والحج فی سنة واحدة علی ما یأتی بأن تتقدم عمرة التمتع علی الحج(4) ، بخلاف الحال فی العمرة المفردة فإنها یجب تأخرها عن حج الإفراد ویصح أن یقع الحج فی سنة والعمرة فی سنة اخری .

ص:94


1- (1) بلا خلاف یعرف فی ذلک ، تمسکاً بالنصوص .
2- (2) نصاً وإجماعاً ، فی صحیحة عمر بن یزید عنه علیه السلام قال : لیس یکون متعة إلا فی أشهر الحج » ..
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام : « المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفریضة وصلاة الرکعتین خلف المقام والسعی بین الصفا والمروة حلق أو قصر » .
4- (4) لقوله صلی الله علیه وآله - فی الحدیث المستفیض لدی الخاصة والعامة -بعد أن شبّک أصابعه بعضها إلی بعض : « دخلت العمرة فی الحج إلی یوم القیامة » .

5 - إن من جامع فی العمرة المفردة عالماً عامداً قبل الفراغ من السعی فسدت عمرته لا بمعنی البطلان بل بمعنی النقصان ووجب علیه إتمامها ووجبت علیه عمرة اخری عقوبة بأن یبقی فی مکة إلی الشهر القادم فیعیدها .

وأما من جامع فی عمرة التمتع فتفسد عمرته وحجه بمعنی النقصان أیضاً غایته یلزمه عمرة أخری کما مر فإن وقعت قبل الحج فهی متعته الموصولة(1) ، وإلّا فالأولی هی متعته .

مسألة 140 : یجوز الإحرام للعمرة المفردة من المواقیت البعیدة التی یحرم منها لعمرة التمتع - ویأتی بیانها ، وإذا کان المکلف من مکة وأراد الإتیان بالعمرة المفردة جاز له أن یحرم من أدنی الحلّ ، ولا یجب علیه الرجوع إلی المواقیت البعیدة ، والأولی أن یکون إحرامه من الحدیبیة أو الجعرانة أو التنعیم(2) .

مسألة 141 : تجب العمرة المفردة لمن أراد أن یدخل مکة أو الحرم فإنه لا یجوز الدخول فیهما إلّامحرماً(3) .

ص:95


1- (1) سیأتی الحدیث عنها .
2- (2) یشهد له صحیحة عمر بن یزید عنه علیه السلام قال : « من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة أو الحدیبیة أو ما أشبهها » .
3- (3) لبعض الروایات التی جعلت المدار علی کل من العنوانین « الحرم ومکة المکرمة » وجعل کل منهما سبباً للإحرام ، والنسبة بینهما من وجه نظیر ما فی تقصیر الصلاة « إذا خفیت الجدران فقصر ، وإذا خفی الأذان فقصر » من الجمع بینهما ب « أو » لا بالواو ، وحمل أحدهما علی الآخر بدعوی القطع أو الاستبعاد لا وجه له معتد به ، ففی صحیحة عاصم عنه علیه السلام : یدخل الحرم أحد إلا محرماً ؟ قال : لا ، إلا مریض أو مبطون » ، ویعضد التعدد بما فی ظاهر الروایات من أن وجوب الإحرام للحرم لأجل تعظیمه ، وما فی المعتمد من أن المراد من دخول الحرم هو دخول مکة لعدم الریب فی عدم وجوب الإحرام لمن کانت له حاجة فی الحرم ولم یرد النسک ، ودعوی أن القدسیة والمزیة والحرمة لمکة بخصوصها ، خلاف ظاهر النصوص ، وأن القدسیة والمزیة لمکة أولاً ثم للحرم ، وإلا ما وجه تسمیته بذلک .

ویستثنی من ذلک من یتکرر منه الدخول والخروج کالحطاب والحشاش ونحوهما من المضطر کالمریض والمبطون(1) ، وکذلک من دخل فی شهر کان قد أتی فیه بنسک(2) ، وأما الخارج من مکة بعد تحلله من عمرة التمتع وقبل الحج فسیأتی حکمه علی التفصیل ، والأحوط أن لا یخرج من مکة حتی یتم نسکه .مسألة 142 : من أتی بعمرة مفردة فی شوال أو ذی القعدة وبقی فی مکة إلی أوان الحج أو أتی بها فی ذی الحجة وإن لم یبقی فی مکة ثم قصد الحج کانت عمرته تمتعاً لکونها وصلت بالحج(3) ، ولا فرق ذلک

ص:96


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالروایات ، ففی صحیحة رفاعة عنه علیه السلام قال : « إن الحطابة والمجتلبة أتوا النبی صلی الله علیه وآله فسألوه ، فأذن لهم أن یدخلوا حلالاً » ، والحطابة والمجتلبة من باب المثال .
2- (2) لقوله علیه السلام فی بعض الروایات الصحیحة « إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام » ، والحکم اتفاقی .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة عمر بن یزید عنه علیه السلام قال : « من دخل مکة معتمراً مفرداً للعمرة فقضی عمرته ثم خرج کان ذلک له ، وإن أقام إلی أن یدرک الحج کانت عمرته متعة » .

بین الحج الواجب والمندوب(1) .

أقسام الحج

مسألة 143 : أقسام الحج ثلاثة : تمتع ، وقران ، وإفراد(2) .

والأوّل فرض تعیین لمن کان البُعد بین أهله ومکة أکثر من ستة عشر فرسخاً وهی ثمانیة وأربعین میلاً(3) وهی بالبرید أربعة أی مرحلتان وهی

ص:97


1- (1) لإطلاق الروایات ، وعدم الدلیل علی التخصیص .
2- (2) نصاً وإجماعاً ، ففی حسنة الصیقل عنه علیه السلام قال : « الحج عندنا علی ثلاثة أوجه ، حاج متمتع ، وحاج مفرد سائق للهدی ، وحاج مفرد للحج » .
3- (3) علی المشهور ، وقیل « أثنا عشر » میلاً من کل جانب اختاره جماعة منهم المحقق والعلامة والشهید الثانی ، وفی الجواهر أنه أقوی ، ویشهد للمشهور صحیحة زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام قول الله عز وجل فی کتابه ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ؟ قال : یعنی أهل مکة لیس علیهم متعة ، کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلاً ، ذات عرق وعسفان کما یدور حول مکة ، فهو ممن دخل فی هذه الآیة ، وکل من کان أهله وراء ذلک فعلیهم المتعة » ، وحملها غیر المشهور علی أنها تحدید للجهات الأربع بقرینة قوله علیه السلام « یدور حول مکة » ، وهو وجیه لولا قرینة قوله علیه السلام « عسفان وذات عرق » وعسفان تبعد ما یقارب من مرحلتین ، وفی الخرائط الحدیثة تبعد ما یقارب من ثمانین کیلو متراً علی الطریق الحدیث ، وکذلک ذات عرق فإنها میقات أهل العراق ، وهی تبعد مرحتلین من مکة المکرمة .

حدّ أدنی المواقیت البعیدة .

والآخران فرض تعیین لمن کان أهله حاضری المسجد الحرام إذا أتوا به من قرب(1) ، بأن یکون البعد بین أهله ومکة أقل من الحد المزبور .

وأما ذی الوطنین نائیاً وحاضراً فحکمه مع فرض غلبت أحدهما فهو للغالب(2) ،

ص:98


1- (1) علی المشهور ، ولا خلاف إلا من الشیخ فی المبسوط وابن سعید ،واستدلال الشیخ لوجهین : رجوع اسم الإشارة فی قوله تعالی ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ للهدی ، فیکون صدر الآیة عاماً للحاضر ، وکون التمتع فیه حقیقة الإفراد وزیادة ، وفیه : أن اسم الإشارة راجع لصدر الآیة وهو مشروعیة التمتع ، بشهادة الروایات ، ففی صحیحة الفضلاء عنه علیه السلام قال : لیس لأهل مکة ، ولا لأهل مر ، ولا لأهل سرف متعة ، وذلک لقول الله عز وجل ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وأما کون التمتع فیه حقیقة الإفراد وزیادة ، ففیه : أن التقسیم وإن کان عرضیاً لا تنویعاً فی الماهیة ، لکن التغایر العرضی لا یعنی عدم التباین فی الأغراض ، فقد یتعین فی ذمة المکلف صنف دون صنف آخر .نعم یجوز - علی المشهور - التمتع للحاضر إذا خرج ومر فی رجوعه بأحد المواقیت ، ففی صحیحة ابن حجاج وابن أعین أنهما سألا أبا الحسن موسی علیه السلام عن رجل من أهل مکة خرج إلی بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقیت التی وقت رسول الله صلی الله علیه وآله له أن یتمتع ؟ فقال : ما أزعم أن ذلک لیس له ، والإهلال بالحج أحب إلی » .
2- (2) یشهد له صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة ولا متعة له ، قال : فقلت لأبی جعفر علیه السلام : أرایت إن کان له أهل بالعراق وأهل بمکة ؟ فقال علیه السلام : فلینظر أیهما الغالب علیه فهو من أهله » .

ومع التساوی فالتفصیل الآتی فی المجاور(1) ، وأما من کان علی الحد

ص:99


1- (1) ذهب البعض إلی التخییر مطلقاً ، وآخر أحتاط ، وثالث - ککاشف اللثام وصاحب الجواهر والعروة - من التفصیل أی أن المدار علی وطن الإستطاعة فإن کان منهما فمخیر ، وإن کان من أحدهما فیتعین ، وبحسب صحیحة زرارة المتقدمة فقد یقال أن الظاهر من مفهوم الروایة هو التخییر مع عدم غلبة أحدهما فیتساوی ، والروایة أخص دلالة ومنطوقاً ومفهوماً من العموم اللفظی فی الآیات والروایات المطلقة لأنها خاصة بذی الوطنین .نعم قد یستفاد من الروایات الخاصة الواردة فی المجاورة - فی المسألة الآتیة - أن موضوعها هو ذو الوطنین ، إذ المقصود من المجاور هو ذو الوطن النائی الذی یتخذ من مکة وطناً لسنین قد تمتد وقد تتوسط عدداً ، إذ لا تختص إطلاقها علی من هجر وطنه الأصلی إذ الجوار فعل متشرعی عند المسلمین یتبرک به ، ومقتضی تلک الروایات أنه قبل السنتین هو بحکم النائی وبعد السنتین بحکم الحاضر ، وما یقال من وجود التعارض بین صحیحة زرارة وتلک الروایات فتحمل علی من لم یکن قصده التوطن کما اختاره جماعة من فقهاء العصر ، ففیه : أن مورد صحیحة زرارة هو نفس مورد روایات المجاورة ، حیث أن صدرها الذی ابتدأه الإمام علیه السلام فی حکم المجاورة بعد السنتین وقبلها ، ومن ثم سأل الراوی عن متعدد الأهل کشق من عموم الموضوع الذی افترضه الإمام علیه السلام فی صدر الروایة ، وهذا بنفسه دلیل وقرینة علی أن الروایات الآتیة لا تختص بغیر المتوطن ، بل تعم المقیم والقاصد المتوطن ، لا سیّما وأن لفظة الجوار والمجاورة فی عرف المتشرعة تطلق علی کل من أراد الإقامة أو التوطن فی أحد الأماکن المتبرکة .

المزبور فالأقوی إن وظیفته التمتع(1) .

مسألة 144 : لا یجزی فی الفریضة حج الإفراد أو القِران عمن وظیفته التمتع(2) ، کما لا یجز فی الفریضة التمتع عمن وظیفته الإفراد أو القِران إذا أتی به من أدنی الحلّ ، ویجزیه إذا أتی به من المواقیت البعیدة(3) ، نعم قد تنقلب وظیفة المتمتع إلی الإفراد کما یأتی .

وأما الحاضر فیسوغ له الإفراد والقِران من ترکها ویسوغ له الأقسام الثلاثة من بُعد ، وأما فی الندب فالنائی مخیراً بین الأقسام الثلاثة(4) .

مسألة 145 : إذا أقام النائی فی مکة أو الأماکن التی یکون البُعد بینها وبین مکة أقل من الحدّ المتقدم انتقل فرضه إلی حج الإفراد أو القِران بعد مضی موسمین للحج من إقامته أی فی الموسم الثالث(5) ، وأما قبل

ص:100


1- (1) کما هو مقتضی صدر صحیحة زرارة المتقدمة « کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلاً » ، ومصححة زرارة الأخری وفیها قال : سألته عن قول الله ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال : ذلک أهل مکة ، لیس لهم متعة ، ولا علیهم عمرة ، قال : قلت : فما حد ذلک ؟ قال : ثمانیة وأربعین میلاً من جمیع نواحی مکة ، دون عسفان ودون ذات عرق » .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک ، بل ادعی المحقق والعلامة الإجماع علیه .
3- (3) علی المشهور ، تمسکاً بصحیحة ابن الحجاج عن أبی عبد الله علیه السلام عن رجل من أهل مکة یخرج إلی بعض الأمصار ، ثم یرجع إلی مکة فیمر ببعض المواقیت ، أله أن یتمتع ؟ قال علیه السلام : ما أزعم أن ذلک لیس له ، والإهلال بالحج أحب إلیّ » .
4- (4) بلا خلاف فی ذلک ، والتمتع أفضل مطلقاً .
5- (5) وقد اختلف فی مقدار مدة الانقلاب ، فعن المشهور تقدیرها بتمام السنتین ، وعن الشیخ بثلاث سنوات ، وعن الصدوق فی المقنع التقدیر بسنة ، واستظهره الشهید وصاحب اللثام من الروایات ، وقواه فی الجواهر جمعاً بین الروایات ، وحملاً للسنتین علی الدخول فیها .وأما الروایات الواردة فثلاث طوائف : ما دل علی السنتین ، کصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة لا متعة له » ومثلها دلالة صحیحة ابن یزید ، وما دل علی السنة کمصححة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : من أقام بمکة سنة فهو بمنزلة أهل مکة » ، ومثلها مصححة ابن سنان ، وما کان مفادها ستة أشهر ، کصحیحة البختری عنه علیه السلام : إن کان مقامه بمکة أکثر من ستة أشهر فلا یتمتع ، وإن کان أقل من ستة أشهر فله أن یتمتع » .وقد جمع بین هذه الطوائف بأربعة وجوه : حمل الطائفة الثالثة علی ذی الوطنین ، وأن مقامه بمکة أکثر من کل سنة ، وعن المدارک بالجمع بینهما بالتخییر بعد الستة أشهر بخلاف ما بعد السنتین ، أو بحمل السنة علی من لا یقیم إلی سنتین ، بل یزید علی السنة فقط ، وحمل السنتین علی من تستمر إقامته إلی السنتین فزائد ، وفی المختلف حمل روایات السنة بمعنی إقامة سنة بعد سنة أخری ، وذلک لأن السؤال وقع عن القاطنین ، ولا یتحقق الاستیطان إلا بإقامة سنة کاملة .ولعل الأوجه فی الجمع هو ما ذکره کاشف اللثام من حمل السنة علی زمان یسع لمضی حجتین ، والسنتان تحمل علی الحجتین ، کما یقال : حج هذا العام وحج العام الماضی ، فتحسب الأعوام بحسب الحجة ، کما هو الحال فی شهور الحیض بمعنی مضی الحیض فی شهر ، لا بمعنی حساب مجموع الشهور عدداً ، کما فی حساب الشهر التلفیقی عدداً ، وحینئذ فالمدار علی مضی حجتین لا علی السنة عدداً بما هی هی ، أما روایات الستة أشهر فهی محمولة علی ذی الوطنیین وأن مکثه فی مکة أکثر من نصف السنة ، أی هو الغالب فیکون حکمه حکم المجاور بعد مضی الحجتین .

ذلک فیتعین علیه حج التمتع سواء تحققت الاستطاعة قبل اقامته فی مکة

ص:101

أو فی أثنائها أو بعد الاقامة فإن المدار علی وقت الاداء لا وقت الوجوب ، وسواء کانت إقامته بقصد المجاورة أعواماً أو بقصد التوطن أو بقصد غیرهما أو لا بقصد بأن طالت مدة بقائه اتفاقاً(1) .

مسألة 146 : إذا أقام فی مکة وأراد أن یحج حج التمتع ندباً أو فریضةً قبل انقلاب فرضه إلی حج الإفراد أو القِران فیجب علیه الخروج إلی أحد المواقیت البعیدة(2) ،

ص:102


1- (1) یشهد له إطلاق النصوص ، ففی صحیحة زرارة : « مَن أقام بمکّة سنتین فهو من أهل مکّة ولا متعة له » ، وفی صحیحة عمر بن یزید « المجاور بمکة یتمتع بالعمرة إلی الحج إلی سنتین فإذا جاوز سنتین کان قاطناً ولیس له أن یتمتع » ، ولیس فی المقام ما یستدل علی الخلاف إلا الأصل والإجماع المدعی ، أما الأول فإطلاق النصوص کاف فی رفعه ، وأما الثانی فإثباته دون خرط القتاد .ووجوت التمتع علیه قبل التوطن أو الإقامة لا یمنع من انقلاب حکمه لتغیر الموضوع ، ولیس هذا بغریب ، إذ الصلاة بالنسبة للحاضر تامة فإذا سافر بعد دخول الوقت انقلب الوجوب من التمام إلی التقصیر ، فالزوال شرط لوجوب أصل الصلاة ، أما کیفیة الإتیان فمرتهن بوقت الأداء ، والاستطاعة من هذا النمط فتدبر ، والمسألة ذات أربع صور ، والتفصیل تجده فی کتابنا « مجمع مناسک الحج » .
2- (2) لنصوص خاصّة کموثّقة سماعة بن مهران عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث قال : « وإن اعتمر فی شهر رمضان أو قبله وأقام إلی الحجّ فلیس بمتمتّع وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإنْ هو أحبّ أن یتمتّع فی أشهر الحجّ بالعمرة إلی الحجّ فلیخرج منها حتّی یجاوز ذات عرق أو یجاوز عسفان فیدخل متمتّعاً بالعمرة إلی الحجّ ، فإنْ هو أحبّ أن یفرد الحجّ فلیخرج إلی الجعرانة فیلبّی منها » .وعسفان لیست من المواقیت ، إلّاأنّها علی مرحلتین من مکّة ، أی: بقدر أقرب المواقیت لمکّة کذات عرق وقرن المنازل ویلملم . ومن لم یمرّ علی میقات یسوغ له الإحرام بمحاذاة أحدها وإن لم تکن محاذاة یمین أو یسار فیُحرم بقدر بُعد أقرب میقات إلی مکّة ؛ لأنّه معنی المحاذاة عندنا ومن ثمّ یسوغ لمن یذهب إلی مکّة عن طریق جدّة أن یُحرم منها ؛ لأنّها بقدر ذلک .وأمّا موثّقة سماعة عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « سألته عن المجاور ، أله أن یتمتّع بالعمرة إلی الحجّ ؟ قال : نعم ، یخرج إلی مهلّ أرضه فیلبّی ، إن شاء » . فهی محمولة علی الأفضلیّة علی أساس قواعد الجمع .وأمّا صحیحة الحلبیّ ، قال : « سألت أبا عبداللّه علیه السلام : لأهل مکّة أن یتمتّعوا ؟ فقال : لا ، لیس لأهل مکّة أن یتمتّعوا . قال : قلت : فالقاطنین بها ؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما یصنع أهل مکّة ، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن یتمتّعوا . قلت : من أین ؟ قال : یخرجون من الحرم . قلت : من أین یهلّون بالحجّ ؟ فقال : من مکّة نحواً ممّا یقول الناس » التی هی دالّة بظاهرها علی أنّ میقاتهم أدنی بالحلّ فهی محمولة علی الاضطرار .وحملُ الروایات المطلقة علی الاضطرار غیر عزیز ، لا سیّما فی باب الحجّ نظیر الروایات الواردة فی تأخیر الإحرام إلی الجحفة المحمولة علیه ، وکذلک الروایات المطلقة بتقدیم المتمتّع طوافه وسعیه علی الوقوف .

والأفضل أن یخرج إلی میقات أهل بلده ، وکذا حکم کل من کان فی مکة وأرادوا الإتیان بحج التمتع ولو ندباً ، وکذلک حکم أهل مکة إذا أرادو التمتع ندباً .

مسألة 147 : یتألف حج التمتع من نسکین یُسمّی أولهما بالعمرة والثانیة بالحج ، وقد یطلق حج التمتع علی الجزء الثانی منهما ، ویجب الإتیان بالعمرة فیه قبل الحج .

ص:103

مسألة 148 : تجب فی عمرة التمتع خمسة أمور :

الأمر الأول : الإحرام من أحد المواقیت وستعرف تفصیلها .

الأمر الثانی : الطواف حول البیت .

الأمر الثالث : صلاة الطواف .

الأمر الرابع : السعی بین الصفا والمروة .

الأمر الخامس : التقصیر ، وهو أخذ شیء من الشعر أو الأظفار فإذا أتی المکلف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه وحلّت له الأمور التی کانت قد حرمت علیه بسبب الإحرام .

مسألة 149 : یجب علی المکلف أن یتهیأ لأداء وظائف الحج فیما إذا قرب منه الیوم التاسع من ذی الحجة الحرام .

وواجبات الحج ثلاثة عشر وهی کما یلی :

(1) الإحرام من مکة علی تفصیل یأتی .

(2) الوقوف فی عرفات من أول الزوال إلی الغروب ویرخص التأخیر عنه بمقدار أداء الصلاتین جمعاً ومقدماتهما .

وتقع عرفات علی بُعد أربعة فراسخ من مکة من جهة الأبطح .

(3) الوقوف فی المزدلفة شطراً من لیلة العید إلی قبیل طلوع الشمس ، وتقع المزدلفة بین عرفات ومنی .

(4) رمی جمرة العقبة فی منی یوم العید .

(5) النحر أو الذبح فی منی یوم العید .

ص:104

(6) الحلق أو التقصیر فی منی . وبذلک یحل له ما حرّم علیه من جهة الإحرام ما عدا النساء والطیب والصید .

(7) طواف الزیارة بعد الرجوع من مکة .

(8) صلاة الطواف وهی واجبة وإن لم تکن من الأجزاء علی الأظهر .

(9) السعی بین الصفا والمروة ، وبذلک یحل الطیب أیضاً .

(10) طواف النساء وبذلک تحل النساء أیضاً .

(11) صلاة طواف النساء .

(12) المبیت فی منی لیلة الحادی عشر ولیلة الثانی عشر بل لیلة الثالث عشر فی بعض الصور کما سیأتی ، ولیس هو من الاجزاء وإنما یجب فی الحج .

(13) رمی الجمار الثلاث فی الیوم الحادی عشر والثانی عشر بل فی الیوم الثالث عشر أیضاً فیما إذا بات المکلف هناک .

مسألة 150 : یشترط فی حج التمتع أمور :

(1) النیة(1) ، بأن یقصد الاتیان بحج التمتع بعنوانه حین الإتیان

ص:105


1- (1) وتنظر فی وجوبها فی المسالک ، ومال إلیه فی المدارک موجهاً له أن لازمه الجمع بینها وبین نیة کل فعل ، وأن الأخبار خالیة عنها ، وعن الدروس أن المراد منها نیة الإحرام ، والصحیح کما سیأتی - فی بحث الإحرام - أن الإحرام لا ینعقد کما هو مفاد الروایات إلا بقصد النسک مع التلبیة ، فقصد النسک قصد ماهیة الصلاة الخاصة ، والتلبیة بمنزلة تکبیرة الإحرام ، والإحرام بمنزلة التحریم الحاصل من تکبیرة الافتتاح ، ومن ثمة تعرف أن نیة الإحرام لیست هی نیة التروک ، بل هی قصد التلبیة لعقد النسک الخاص بإخطار صورته مع لبس ثوبی الإحرام ، وسیأتی .

بأجزائه فلو نوی غیره أو تردد فی نیته لم یصح حجه .

(2) أن یکون مجموع العمرة والحج فی أشهر الحج(1) ، فلو أتی بجزء من العمرة قبل دخول شوال لم تصح العمرة .

(3) أن یکون الحج والعمرة فی سنة واحدة فلو أتی بالعمرة وأخّر الحج إلی السنة القادمة لم یصح التمتع(2) ، ولا فرق فی ذلک بین أن یقیم فی مکة إلی السنة القادمة أو أن یرجع إلی أهله ثم یعود إلیها ، کما لا فرق بین أن یحل من إحرامه بالتقصیر أو أن یبقی محرماً إلی السنة القادمة .

(4) أن یکون إحرام حجه من مکة ، عدا ما خرج منها من الحرم مع

ص:106


1- (1) نصاً وإجماعاً ، لقوله تعالی الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، والروایات المتواترة .
2- (2) علی المشهور ، بل لا خلاف یعلم کما فی الذحیرة ، وادعی الاتفاق علیه فی التذکرة ، وقد استدل بوجوه عدیدة غیر خالیة من النظر والتأمل ، لأن غایة ما تدل ارتباط العمرة بالحج هو احتباسه بها من دون دلالتها علی مبطلیة التفریق فی عامین ، والأولی فی المقام الاستدلال بما دل علی فوات الحج بفوات الموقفین ، ولو لمن اعتمر بعمرة التمتع ، مع أن اللازم بناء علی صحة وقوع العمرة فی عام والحج فی عام آخر هو احتباسه بالحج إلی العام ، أو الاستدلال بالروایات المصرحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس یوم الترویة أو عرفة أو غروبها أو لیلة عرفة ، والآمر بجعلها حینئذ حجة مفردة ، فما عن الشهید فی الدروس وتبعه صاحب الریاض من احتمال الإجزاء لو بقی علی إحرامه بالعمرة من غیر إتمام الأفعال إلی القابل تدفعه الروایات الآمرة بالعدول مطلقاً لحج الإفراد .

الاختیار(1) ، وأفضل مواضعه فی المسجد الحرام عند المقام أو الحجر ، وإذا لم یمکنه الإحرام من نفس مکة أحرم من أی موضع تمکن منه .

(5) أن یؤدی مجموع عمرته وحجه شخص واحد عن شخص واحد ، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن میت أو حی أحدهما لعمرته والآخر لحجه لم یصح ذلک ، وکذلک لو حج شخص وجعل عمرته عن واحد وحجه عن آخر لم یصح(2) ، نعم یصح إهداء ثواب عمرته

ص:107


1- (1) سیأتی الحدیث عنه فی المواقیت ، وأن الاحتیاط یقتضی الاقتصار علی مکة القدیمة .
2- (2) لارتباطیة العمرة بالحج کعمل واحد ، ومقتضی وحدة العمل وحدة تعلقه فی ذمة المنوب عنه سواء کان ندبیاً أو مفروضاً ، إذ الجزئیة منتزعة من تعلق الأمر الواحد المجموعی بمجموع العمل فمن ثم لا یکون الخطاب فی الأمر الندبی أو الوجوبی إلا بالمجموع ، وقد تأمل سید العروة فی هذا الشرط ، واستظهر صحة أن تکون العمرة عن شخص والحج عن شخص آخر من صحیحة محمد بن مسلم وفیها « سألته عن رجل یحج عن أبیه أیتمتع ؟ قال علیه السلام : « نعم المتعة له ، والحج عن أبیه » وهی غیر واضحة الدلالة ، إذ أن المراد من المتعة هو الإحلال والتلذذ لا أن المراد منها عمرة التمتع ، وکذا الأمر فی روایة ابن المغیرة عنه علیه السلام فی رجل تمتع عن أمه وأهل بحجه عن أبیه ؟ قال : إن ذبح فهو خیر له ، وإن لم یذبح فلیس علیه شیء ، لأنه إنما تمتع عن أمه ، وأهل بحجه عن أبیه » فجوابه علیه السلام بعدم لزوم الهدی علیه وتعلیله ذلک بأن الرجل قد قصد افتراق النسکین فیمن یقع عنه فحجه حجة مفردة ، ومن ثم فلا یجب علیه الهدی ، ووجه إطلاق التمتع علی العمرة لتقدمها علی الحج ، وهو إصطلاح کان معمولاً به عند العامة ، فعندهم کل حج تقدمته عمرة فهو تمتع نوی ذلک أم لا .

لشخص وإهداء ثواب حجه لآخر .

مسألة 151 : إذا فرغ المکلف من أعمال عمرة التمتع وجب علیه الإتیان بأعمال الحج وذمته مرتهنة به ولو کان الحج ندبیاً ، فلا یجوز له الخروج من مکة(1) ، إلّاأن تکون له حاجة ویطمئن بإدراکه لأعمال

ص:108


1- (1) علی المشهور ، وعن ابن إدریس والمحقق فی المعتبر والعلامة فی التحریر کراهة الخروج ، والحرمة المفروضة تکلیفیة ووضعیة ، والروایات علی طوائف أربع ، طائفة تنهی عن الخروج حتی یحج ، وأخری تجوّز الخروج للحاجة ، وثالثة تجوز الخروج للأماکن القریبة کالطائف وجدة ، ورابعة تشترط لصحة عمرة التمتع بأن تکون موصولة بالحج ، فمن خرج محلاً وعاد فی شهر آخر علیه إعادة العمرة .والظاهر کون حرمة الخروج - التکلیفیة - حکماً طریقیاً تحفظیاً لأداء وجوب الحج ، فیکون فی مورد الخوف وعدم العلم بالرجوع ، فمن علم بإدراک الحج لم یشمله عموم النهی عن الخروج الظاهر فی تعلقه بالخروج إلی الأماکن البعیدة التی یشک فی الرجوع للأعمال فی تلک الأزمنة التی کانت وسائل السیر فیها بطیئة ، فلا موضوعیة للخروج ، وهذا ما یمکن أن یستفاد من صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رجل قدم مکة متمتعاً فحل أیرجع ؟قال : « لا یرجع حتی یحرم بالحج ولا یجاوز الطائف وشبهها مخافة أن لا یدرک الحج ، فإن أحب أن یرجع إلی مکة رجع ، وإن خاف أن یفوته الحج مضی علی وجهه إلی عرفات » .مؤیداً بمرسل الصدوق عن الصادق علیه السلام : « إذا أراد المتمتع الخروج من مکة إلی بعض المواضع فلیس له ذلک ، لأنه مرتبط بالحج حتی یقضیه ، إلا أن یعلم أنه لا یفوته الحج ، وإن علم وخرج وعاد فی الشهر الذی خرج فیه دخل مکة محلاً ، وإن دخلها فی غیر ذلک الشهر دخلها محرماً » وهی نص فی المقام ، ومرسلات الصدوق قدس سره لا تقل خطراً عن مرسلات ابن أبی عمیر ، والروایة ذکرها فی کتابه الفقیه الذی صرح فی مستهله ، بأنه لم یقصد فیه قصد المصنفین فی إیراد جمیع ما رووه ، بل قصد فیه إیراد ما یفتی به ویحکم بصحته ویعتقد بأنه حجة فیما بینه وبین ربه تقدست أسماؤه .

الحج ، ولا یجب علیه فی هذه الحالة الإحرام قبل خروجه فیجوز خروجه محلاً ، إلّاأن یخشی تعذر رجوعه إلی مکة قبل خروجه إلی عرفة ، أو أن یکون رجوعه بعد دخول شهر آخر من أشهر الحج فیحرم بالحج ثم یخرج ، والظاهر إنه لا یجب علیه الرجوع إلی مکة بل له أن یذهب إلی عرفات(1) ، ومن تعذر علیه الحج بعد عمرة التمتع قبل إحرامه للحج فیجعل عمرته مفردة ویأتی بطواف النساء(2) .

مسألة 152 : حکم خروج المتمتع من مکة قبل إتمام عمرته حکم من فرغ منها الذی قد مرّ حکمه(3) ، بل الأحوط (4) أن لا یخرج أثناء الأعمال قبل إتمام الأعمال مطلقاً .

ص:109


1- (1) یشهد له ما فی ذیل الصحیحة المتقدمة ، وغیرها من الروایات .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالروایات الدالة علی أن من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة .
3- (3) لإطلاق بعض الروایات ، ففی مرفوعة أبان بن عثمان - وهو ممن أجمعت الطائفة علی تصحیح ما یصح عنه - عمّن أخبره عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المتمتع محتبس لا یخرج من مکة حتی یخرج إلی الحج إلا أن یأبق غلامه ، أو تضل راحتله ، فیخرج محرماً ، ولا یجاوز إلا علی قدر ما لا تفوته عرفة » ، کما أن الاحتباس بالحج لا یفرق فیه بین من أتم عمرته أو لم یتمها .
4- (4) لکونه العمرة تحیة للمسجد الحرام .

مسألة 153 : المحرم وضعاً من الخروج من مکة بعد الفراغ من عمرة التمتع إنما هو فیما إذا صدق علیه أنه خرج عن مدینة مکة بتوسعتها الحدیثة التی فی الحرم وکان رجوعه فی غیر الشهر الذی أحرم وأتی بالنسک فیه(1) ، أما المحرم تکلیفاً فهو فیما إذا کان خروجه من مکة إلی مناطق بعیدة یخاف فوت الحج أو من غیر حاجة وکان خروجه ورجوعه فی نفس الشهر .

ص:110


1- (1) یشهد له صحیحة حماد بن عیسی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : من دخل مکة متمتعاً فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج ، فإن عرضت له حاجة إلی عسفان أو إلی الطائف أو إلی ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبیاً بالحج ، فلا یزال علی إحرامه ، فإن رجع إلی مکة رجع محرماً ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی علی إحرامه ، و إن شاء وجهه ذلک إلی منی .قال : قلت : فإن جهل فخرج إلی المدینة أو إلی نحوها بغیر إحرام ، ثم رجع فی أبان الحج ، فی أشهر الحج یرید الحج ، فیدخلها محرماً أو بغیر إحرام ؟قال : إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرماً .قلت : فأی الإحرامین والمتعتین ، متعته الأولی أو الأخیرة ؟قال : الأخیرة هی عمرته ، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته .قلت : فما فرق بین المفردة وبین عمرة المتعة إذا دخل فی أشهر الحج ؟قال : أحرم بالعمرة وهو ینوی العمرة ، ثم أحل منها ولم یکن علیه دم ، ولم یکن محتبساً بها ، لأنه لا یکون ینوی الحج » .فیستفاد من هذه الصحیحة : أن حرمة الخروج تکلیفیة ووضعیة ، أما الأولی فهی طریقیة تحفظیة فی مورد الشک فی إدراک أعمال الحج لتصریحها بأن المتمتع محتبس بالحج ، وأما الحرمة الوضعیة فهی بمعنی اشتراط صحة عمرة التمتع بکونها موصولة بالحج ، کما أنها تدل علی أن المراد من الشهر فی الروایات هو الشهر الهلالی لا العددی سواء بلحاظ ظرف إتیان العمرة أو بلحاظ العود ، وأن الارتهان بالحج باق سواء قطع عمرة التمتع أو لم یقطعها عن الحج .

مسألة 154 : إذا خرج من مکة أو الحرم بعد الفراغ من أعمال العمرة من دون إحرام ففیه صورتان :

الأولی : أن یکون رجوعه فی الشهر الذی اعتمر فیه ففی هذه الصورة یلزمه الرجوع إلی مکة من غیر إحرام ثم یحرم منها ویخرج إلی عرفات .

الثانیة : أن یکون رجوعه بعد مضی شهر عمرته ، ففی هذه یلزمه الإحرام بالعمرة من المواقیت البعیدة للرجوع إلی مکة(1) .

مسألة 155 : من کان فرضه حج التمتع لم یجز له العدول إلی غیره من إفراد أو قران(2) ، إلّاأن یضیق وقته فإنه یعدل إلی الإفراد أو القِران سواء کان أحرم لعمرة التمتع أم لم یحرم ، ویأتی بالعمرة المفردة بعد الحج(3) .

وحدّ الضیق المسوغ لذلک خوف فوات الرکن من الوقوف الاختیاری لعرفات(4) ، وکذا الحج المندوب فیما إذا ضاق الوقت

ص:111


1- (1) تشهد له صحیحة حماد المتقدمة ، وغیرها من الروایات .
2- (2) وقد تقدم حکمه .
3- (3) بلا خلاف یعرف ، وتشهد له النصوص المستفیضة ، ففی صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جمیعاً ثم قدم مکة والناس بعرفات فخشی إن هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف ؟ قال : یدع العمرة فإذا أتم حجه صنع کما صنعت عائشة ولا هدی علیه » ، وغیرها من الروایات .
4- (4) وفی المسألة أقوال أنهاها سیّد العروة إلی سبعة ، وهی :

____________________

ص:112

____________________

ص:113

کذلک ، وقد قیل : أن حد الضیق فیه یوم الترویة ، وهو مشکل ، وإن کان لا یخلو من وجه .

مسألة 156 : إذا علم من وظیفته التمتع ضیق الوقت عن اتمام العمرة ، وادراک الحج قبل أن یدخل فی العمرة جاز له العدول من الأول(1) .

مسألة 157 : إذا حرم لعمرة التمتع فی سعة الوقت وأخر الطواف والسعی متعمداً إلی زمان لا یمکن الإتیان فیه بهما وإدراک الحج فعلیه العدول إلی الإفراد(2) ، ثم یأتی بالعمرة المفردة ، وأما حکم إفساد عمرة

ص:114


1- (1) والإشکال من جهة أن الروایات واردة فی من دخل الإحرام وضاق الوقت عن إتمام العمرة ، مرفوع من جهة أنها واردة مورد الغالب ، والشاهد علیه أن الحائض هی من أفراد المضطر الذی ضاق وقته ، غایة الأمر یأتی بعمرة مفردة بعد الحج .
2- (2) قد یقال ببطلان نسکه حینئذ لتفویته عمرة التمتع عمداً ولا تشمله الروایات فی العدول لاختصاصها بمن ضاق وقته عن العمرة اتفاقاً لا بسوء الاختیار ، لکن إطلاق الروایات شامل لموارد ما إذا أحرم وتأخر فی الطریق لقضاء بعض الحوائج من المرور علی ضیاع أو الذهاب إلی تجارة أو رعی بعض الدواب مما قد ورد التمثیل به فی العدید من الروایات الواردة فی حکم خروج المتمتع بعد إحلاله من عمرته ، ففی صحیحة علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل والمرأة یتمتعان بالعمرة إلی الحج ثم یدخلان مکة یوم عرفة ، کیف یصنعان ؟ قال : یجعلانها حجة مفردة ، وحد المتعة إلی یوم الترویة » فإطلاقها شامل لحالة الضیق الاضطراریة والعمدیة .ومما یعضد هذا الإطلاق ما ورد فیمن لبی عمداً قبل تقصیره فی عمرة التمتع أن نسکه ینتقل إلی حجة الإفراد ، ففی صحیحة أبی بصیر عنه علیه السلام قال : « المتمتع إذا طاف وسعی ثم لبی بالحج قبل أن یقصر فلیس له أن یقصر ولیس له متعة » ، وسیأتی مزید من البیان والتتمة له فی أول الطواف فانتظر .

التمتع سیأتی .

فصل فی حجّ الإفراد

وهو عمل مستقل فی نفسه عن العمرة ، وهو فرض أهل مکة ومن کان أهله دون ستة عشر فرسخاً منها مخیراً بینه وبین القِران ، کما یجب علیهم العمرة المفردة استقلالاً مع التمکن وإن لم تحصل لدیهم الاستطاعة للحج ومع تمکنهم منهما فی أشهر الحج یجب الإتیان بهما بتقدیم الحج وتأخیر العمرة(1) .

ص:115


1- (1) إنّ ظاهر ما ورد فی تشریع الإفراد للقریب قد ذکر فیه الإتیان بالعمرة بعد إتمام الحجّ ، ومن ذلک استفاد المشهور - کما نسب إلیهم العلّامة الطباطبائی وصاحب الریاض الاتّفاق علی ذلک - شریطة تأخّر عمرة الإفراد عن حجّه فی صحّة تلک العمرة ، بخلاف حجّ الإفراد لم یشترط فیه تعقّب العمرة له ، کما هو الحال فی صلاتی الظهر والعصر ، فلا یشترط فی صحّة الظهر تعقّب العصر لها .

مسألة 158 : یشترک حج الإفراد مع حج التمتع فی جمیع أعماله ، ویفترق عنه فی أمور :

أولاً : یعتبر اتصال العمرة بالحج فی حج التمتع ووقوعهما فی أشهر الحج من سنة واحدة - کما مرّ - ولا یعتبر ذلک فی حج الإفراد(1) .

ثانیاً : یجب النحر أو الذبح فی حج التمتع - کما مرّ - ولا یعتبر شیء من ذلک فی حج الإفراد(2) .

ثالثاً : لا یجوز تقدیم الطواف والسعی علی الوقوفین فی حج التمتع مع الاختیار(3) ، ویجوز ذلک فی حج الإفراد .

ص:116


1- (1) بلا خلاف فی ذلک .
2- (2) کسابقه .
3- (3) علی المشهور ، بل ادعی علیه الإجماع ، وحکی عن جملة من متأخری

____________________

ص:117

رابعاً : إن إحرام حج التمتع یکون بمکة وأما الإحرام فی حج الإفراد فهو من أحد المواقیت الآتیة ، وإن کانوا من أهل مکة(1) .

خامساً : یجب تقدیم عمرة التمتع علی حجه ، ویعتبر التأخیر فی حج الإفراد عند التمکن منهما فی أشهر الحج(2) .

سادساً : لا یجوز بعد إحرام حج التمتع الطواف مطلقاً علی الأظهر(3)

ص:118


1- (1) وسیأتی الکلام فیه .
2- (2) قد تقدم فی بدایة حج الإفراد فراجع .
3- (3) وفاقاً للشیخ وابن حمزة ، تمسکاً ببعض الروایات کصحیحة الحلبی قال :سألته عن رجل أتی المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أیطوف بالبیت ؟قال علیه السلام : ما لم یحرم » ، وصحیحة حماد وفیها « ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی علی إحرامه » .وبإزائهما موثقة إسحاق قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المتمتع إذا کان شیخاً کبیراً أو امرأة ... وسألته عن الرجل یحرم بالحج من مکة ثم یری البیت خالیاً فیطوف به قبل أن یخرج ، علیه شیء ؟قال : لا » .وروایة عبد الحمید بن سعید عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل أحرم یوم الترویة من عند المقام بالحج ، ثم طاف بالبیت بعد إحرامه وهو لا یری أن ذلک لا ینبغی ، أینقض طوافه بالبیت إحرامه ؟قال : لا ، ولکن یمضی علی إحرامه » .قلت : یمکن أن یقال أن کلتا الروایتین لیس فیهما ظهور علی الجواز ، بل لعلهما من أدلة عدم الجواز ، إذ السؤال فی کلیهما عن الحکم الوضعی بعد الفراغ عن الحکم التکلیفی ، فقوله علیه السلام فی الاولی « لا » راجع إلی « علیه شیء » بمعنی لیس علیه شیء من حیث الحکم الوضعی ، أما الثانیة فهی أوضح دلالة .هذا : وقد تقدم ذکر عدة من الروایات الصحیحة المجوزة لتقدیم الطواف الواجب والسعی علی الوقوفین فراجع .

ولو طاف وجب علیه التلبیة بعد ، ویجوز ذلک فی حج الإفراد .

مسألة 159 : إذا أحرم لحج الإفراد من المواقیت البعیدة جاز له أن یعدل إلی عمرة التمتع ، إلّاإذا لبی بعد السعی فلیس له العدول حینئذٍ إلی التمتع(1) .

مسألة 160 : إذا أحرم لحج الإفراد ودخل مکة جاز له أن یطوف

ص:119


1- (1) بلا خلاف فی ذلک فی أصل العدول ، تمسکاً بالنصوص ، ففی موثقة إسحاق بن عمار قال : قلت لأبی عبد الله : رجل یفرد الحج ، فیطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة ثم یبدو له أن یجعلها عمرة .قال : إن کان لبی بعدما سعی قبل أن یقصر فلا متعة له » .

بالبیت ندباً أو فریضة ولکن یجب علیه التلبیة بعد الفراغ من صلاة الطواف علی الأظهر(1) .

حج القِران

مسألة 161 : یتحد هذا النسک مع حج الإفراد فی جمیع الجهات غیر أن المکلف یصحب معه الهدی سواء وقت الإحرام أو بعده ویجب علیه ذبحه فی منی ، والإحرام فی هذا القسم من الحج ، کما یکون بالتلبیة یکون بالإشعار أو بالتقلید(2) ، وإذا أحرم لحج القِران لم یجز له العدول

ص:120


1- (1) وفاقا للشیخ فی المبسوط والخلاف والنهایة ، ویشهد له عدة من النصوص ، کصحیحة معاویة قال : سألته عن المفرد للحج هل یطوف بالبیت بعد طواف الفریضة ؟قال : نعم ما شاء ، ویجدد التلبیة بعد الرکعتین والقارن بتلک المنزلة ، یعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبیة » .وصحیحة ابن الحجاج قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أرید جوار مکة کیف أصنع إذا دخلت مکة ، أقیم إلی یوم الترویة لا أطوف بالبیت ؟ ... فقلت له : ألیس کل من طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة فقد أحل ؟قال : إنک تعقد بالتلبیة .ثم قال : کلما طفت طوافاً وصلیت رکعتین فاعقد بالتلبیة ... » .وثمة روایات قیل أنها معارضة وظهورها فی ذلک محل تأمل واضح .
2- (2) بلا خلاف بین الخاصة فی ذلک .ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال : یوجب الإحرام ثلاثة أشیاء : التلبیة والإشعار والتقلید ، فإذا فعل شیئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » .وفی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام : أیما رجل قرن بین الحج والعمرة فلا یصلح إلا أن یسوق الهدی قد أشعره وقلّده .قال : وإن لم یسق الهدی فلیجعها متعة » .ومعنی القِران عند العامة الجمع بین الحج والعمرة فی إحرام واحد ، أو أن یحرم للعمرة أولا ثم یدرج ویدخل الحج معها قبل رکعتی الطواف ، ولا یشترط فیه عندهم سیاق الهدی .

إلی حج التمتع .

مواقیت الإحرام

هی نقاط جغرافیة راسمة لحدود شرعیة محیطة بشکل مخمس أو مسدس یسمی بمنطقة المواقیت للإحرام منها ، فیجب أن یکون الإحرام من تلک الحدود ویسمی کل منها میقاتاً ، أی حداً جغرافیاً وهی تسعة :

الأول : ذو الحلیفة وهو وادی مسجد الشجرة(1) ، ویعرف ب « أبیار

ص:121


1- (1) الروایات فی تحدید میقات أهل المدینة علی خمس طوائف :الأولی ما دل علی أن المیقات هو ذو الحلیفة .والثانیة : أنه ذو الحلیفة وفسر بمسجد الشجرة .والثالثة : ذو الحلیفة وفسر بالشجرة .والرابعة : أنه الشجرة ، ولا ریب أن المقصود من الشجرة هو المسجد إذ من الواضح عدم کون المیقات نفس الشجرة .والخامسة : الإحرام من البیداء وهی أول مَیْلٍ باتجاه مکة المکرمة . وقد قیل فی مقام الجمع أن الطائفة الثانیة مفسرة للأولی أو حاکمة علیها ، بمعنی أن ذا الحلیفة اسم للمسجد خاصة ولیس بأعم منه ، أو هو أعم منه لکن التعبد ضیّق دائرته ، فتکون النتیجة أن المیقات هو خصوص المسجد ، إلا أن الصحیح کما فی المتن : أن المیقات هو الوادی بأکمله ، لا خصوص المسجد .

علی علیه السلام » ویطلق علیه « وادی محرَم » ، ویقع حالیاً فی ضواحی المدینة المنورة ، وهو میقات أهل المدینة ، وکل من أراد الحج عن طریق المدینة ، والأفضل الإحرام من مسجده المعروف بمسجد الشجرة ، ومراعاة المحاذاة إن أحرم من خارجه .

مسألة 162 : لا یجوز تأخیر الإحرام من مسجد الشجرة إلی الجحفة إذا اجتاز وادی ذی الحلیفة ودخل منطقة المواقیت(1) ، إلّالضرورة من

ص:122


1- (1) علی المشهور شهرة عظیمة کادت أن تکون إجماعاً ، وتدل علیه النصوص .ففی صحیحة أبی بکر الحضرمی قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إنی خرجت بأهلی ماشیاً فلم أهل حتی أتیت الجحفة وقد کنت شاکیاً ، فجعل أهل المدینة یسألون عنی ، فیقولون : لقیناه وعلیه ثیابه وهم لا یعلمون ، وقد رخص رسول الله صلی الله علیه وآله لمن کان مریضاً أو ضعیفاً أن یحرم من الجحفة » .وفی معتبرة أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : خصال عابها علیک أهل مکة .قال : وما هی ؟قلت : قالوا : أحرم من الجحفة ورسول اللّه صلی اللّه علیه وآله أحرم من الشجرة .قال : الجحفة أحد الوقتین ، فأخذت بأدناهما ، وکنت علیلاً » .ویظهر من بعض الروایات - ومنها معتبرة أبی بصیر المتقدمة - أن میقات أهل المدینة ذو الحلیفة والجحفة .ففی صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام من أین یحرم الرجل إذا جاوز الشجرة .فقال : من الجحفة ولا یجاوز الجحفة إلا محرماً » .وفی صحیحة علی بن جعفر عنه علیه السلام « وأهل المدینة من ذی الحلیفة والجحفة » .وفی صحیحة معاویة بن عمار أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل من أهل المدینة أحرم من الجحفة .فقال : لا بأس » .ومقتضی هذه الروایات التخییر مطلقاً بین الوقتین ، ولذا علل علیه السلام الجواز فی معتبرة أبی بصیر بکل من العلتین بنحو مستقبل ، وقرینة الاستقلال ترتیبه الجواز علی التعلیل الأول .

مرض أو ضعف أو غیرهما من الموانع .

الثانی : وادی العقیق : وهو میقات أهل العراق ونجد وکل من مر علیه من غیرهم ، وبدایة هذا المیقات من « المسلخ » ، ویتوسطه « غمرة » ، وآخره برید « أوطاس » الذی ینتهی ب « ذات عرق »(1) ،

ص:123


1- (1) الروایات فی المقام علی طوائف :الأولی : ما دل علی أن العقیق من المسلخ إلی ذات عرق ، ففی معتبرة أبی بصیر قال علیه السلام « حد العقیق أوله المسلخ وآخره ذات عرق » .والثانیة : ما دل علی کون المیقات بطن العقیق ، کصحیحة معاویة بن عمار وفیها « فإنه صلی الله علیه وآله وقت لأهل العراق ولم یکن یومئذ عراق ، بطن العقیق من قبل أهل العراق » ، وفی مرسل ابن فضال « أوطاس لیس من العقیق » وفی صحیحة معاویة الأخری « آخر العقیق برید أوطاس » .والثالثة : ما دل علی دخول « البعث » علی ما قیل ، کما فی صحیحة معاویة عنه علیه السلام « أول العقیق برید البعث ، وهو دون المسلخ بستة أمیال مما یلی العراق ، وبینه وبین غمرة أربعة وعشرون میلاً بریدان » .والرابعة : ما دل علی أفضلیة الإحرام من أول العقیق ، کما فی موثقة یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإحرام من أی العقیق أفضل أن أحرم ؟ فقال : من أوله أفضل .وقد توهم من الطائفة الثالثة إدخال « البعث » فی العقیق ، وهو غیر صحیح ، إذ فرق بین منطقة « البعث » ومنطقة « برید البعث » ، والداخل فی المیقات الثانی دون الأول ، ومن الواضح أن مقدار البرید شاملاً للمسلخ وما دونه بطرف غمرة لأن المسافة بین المسلخ والبعث ستة أمیال ، وهو نصف برید ، والمسلخ یتوسط بین البعث وغمرة ، فحینئذ ینطبق مفادها علی الروایات الدالة علی أن أول العقیق هو المسلخ ، وأما ما دل علی أن ذات عرق خارجة ، کالذی لسانه « آخر العقیق برید أوطاس » فلاینافی ذلک لأنه لم یأخذ أوطاس کحد ، بل أخذ البرید المضاف إلیه ، وما بین أوطاس وذات عرق هو بقدر البرید ، فیکون ذات عرق هی آخر العقیق ، بمعنی الحد ، والبرید المزبور آخره بمعنی الجزء الأخیر .وصحیحة الحمیری الآتیة لا تقاوم تظافر دلالة الروایات الأخری الدالة علی کون المسلخ أفضل ، وإنه کلما أخره قل الفضل حتی ینتهی به الأمر إلی ذات عرق .

والأفضل أن یحرم المکلف من « المسلخ » ثم الذی یلیه قبل أن یصل إلی ذات عرق فیما إذا لم یمنعه عن ذلک تقیة أو مرض .

مسألة 163 : یجوز الإحرام فی حال التقیة قبل ذات عرق سراً بأن ینزع ثیابه ویلبس ثوبی الإحرام ثم یعاود لبس ثیابه فإذا وصل إلی ذات عرق نزع ثیابه وإن لم یتمکن من نزع ثیابه حین أنشأ الإحرام أحرم فی ثیابه فإذا وصل إلی ذات عرق نزعها ولبس ثوبی الإحرام(1) ، ویفدی عن لبس المخیط علی الأحوط کما سیأتی .

الثالث : الجحفة : وهی میقات أهل الشام ومصر والمغرب وکل من یمر علیها من غیرهم إذا لم یحرم من المیقات السابق علیها لعذر(2) .

ص:124


1- (1) یشهد له مکاتبة الحمیری - وهی صحیحة السند - فیها : أنه کتب لصاحب الزمان علیه السلام یسأله عن الرجل یکون مع بعض هؤلاء ویکون متصلاً بهم یحج ویأخذ عن الجادة ، ولا یحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل یجوز لهذا الرجل أن یؤخر إحرامه إلی ذات عرق فیحرم معهم لما یخاف الشهرة أم لا یجوز إلا أن یحرم من المسلخ ؟فکتب إلیه فی الجواب : « یحرم من میقاته ثم یلبس ویلبی فی نفسه فإذا بلغ إلی میقاتهم أظهره » ، ولا یقع فی طریقها أحمد بن إبراهیم النوبختی ، وذلک لأن جواب الحسین بن روح کان بخطه لا بروایته ، والراوی عن الحسین بن روح هم أهل قم ، أی بنحو مستفیض ، وبقیة رجال السند من مراجع وأعلام الطائفة ، فالتوقف فی سنده وسوسة زائدة .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک .

الرابع : یلملم : وهو میقات أهل الیمن ، وکل من یمر من ذلک الطریق(1) ، ویلملم اسم لجبل والمراد به وادیه .

الخامس : قرن المنازل ، وهو میقات أهل الطائف وکل من یمر من ذلک الطریق ولا یختص بالمسجد فأی مکان یصدق علیه أنه من قرن المنازل جاز له الإحرام منه ، وهو وادی « السیل الکبیر»(2) ویمتد إلی

ص:125


1- (1) بإجماع سائر المسلمین .
2- (2) قد وقع الخلاف فی تعیین مکان المیقات فی قرن المنازل بین الهداالمسمی بوادی محرم ، ووادی السیل الکبیر ، وثمة شواهد وقرائن کثیرة تعیّن أن المیقات هو الثانی ، من هذه القرائن : أن الرسول صلی الله علیه وآله لما أراد أن یغزوا الطائف وکذا عند رجوعه منها سار من أوطاس فسلک نخلة الیمانیة ، ثم علی قرن ثم علی الملیح ، ثم علی بحرة الرغاء من لیّة ، وحینما خرج صلی الله علیه وآله من الطائف أخذ علی دحنا ، ثم علی قرن المنازل ثم علی نخلة حتی خرج إلی الجعرانة ، فقرن المنازل واقع بین النخلة الیمانیة والملیح ، وهذا ما صرح به بعض أهل الاختصاص ، قال الفاکهی : وقرن المنازل وهو میقات أهل نجد واقع فی النخلة الیمانیة ، وقال فی المصباح : ویقال نخلة بالإفراد أیضاً ، وهما نختلتان أحدهما النخلة الیمانیة بوادی یأخذ إلی قرن والطائف ، ومثله صرّح فی معجم البلدان ومعجم ما استعجم والمراصد فراجع ، والذی یقع بین النخلة الیمانیة والملیح هو السیل الکبیر لا وادی محرم ، قال عاتق البلادی - مؤرخ ولد فی البادیة ونزل مکة ودرس بمدارسها - : قرن المنازل وهو ما یعرف الیوم باسم السیل ، بلدة عامرة علی الطریق بین مکة والطائف المار بالنخلة الیمانیة ، وبها مر صلی الله علیه وآله فی غزوة الطائف ، ولا زال وادیها یسمی قرناً .ومنها : ثمة طریقان بین مکة والطائف قدیماً وحدیثاً ، طریق عبر قرن المنازل ، وطریق عبر الهدا ، وهذا ما صرح به الحربی عن محمد بن عبد المجید الصباح قال : إذا أردت أن تخرج من عرفة علی جبل یقال له کرا ، یظهر علی حرة کثیرة المنابت یقال لها : الهدة ، ومن الهدة إلی الطائف ، وله طریق آخر علی موضع یقال له : زیمة ، ینفرد من مشاش ، ثم قرن المنازل وهو الموضع الذی وقته رسول الله صلی الله علیه وآله لأهل نجد حین قال : « یهل أهل نجد من قرن » ثم قرن المنازل إلی الطائف .وغیرها من القرائن ، وهی کافیة للحصول علی الاطمئنان بأن السیل الکبیر هو قرن المنازل الذی وقته الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله ، إذ یکفی فی تعیین المیقات سؤال الأعراب المتواجدین فیه ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال : یجزیک إذا لم تعرف العقیق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلک .

« الهدی » کحد له فیجزیء الإحرام من کلا الموضعین(1) .

السادس : محاذاة أحد المواقیت البعیدة(2) ، والمراد بها هو الوقوف

ص:126


1- (1) کما أن موضع وادی محرم محاذی لوادی السیل الکبیر ، فبناءاً علی مسلک المشهور المنصور من صحة الإحرام من محاذاة سائر المواقیت ، یصح الإحرام من « الهدا » لمحاذاته للسیل الکبیر ، کما یتبین ذلک من الخرائط الدقیقة الجغرافیة الحدیثة .قال مساعد بن قاسم الفالح : قرن المنازل هو میقات لأهل نجد ، ویحرم منه الآن حجاج المشرق ، الذین یسلکون الطریق البری المعبد ، وقد اشتهر هذا المیقات الآن باسم السیل الکبیر ، ویتصل هذا الوادی بوادی محرم المسمی أیضاً قرناً ، والذی یمر به الطریق المسمی کرا المتجه إلی مکة .
2- (2) علی المشهور شهرة عظیمة ، تمسکاً بصحیحة ابن سنان وفیها « من أقام بالمدینة شهراً وهو یرید الحج ثم بدا له أن یخرج فی غیر طریق أهل المدینة الذی یأخذونه فلیکن إحرامه من مسیرة ستة أمیال فیکون حذاء الشجرة فی البیداء » ، ولیس لمسجد الشجرة خصوصیة ، إذ قوله علیه السلام « فیکون حذاء » تعلیلاً للأمر بالإحرام بکبری جواز المحاذاة ، وذلک لأن « الفاء » سواء کانت للتعلیل أو لترتیب غایة ، فإنما بعدها کبری لما قبلها ونتیجة ، والمعتاد فی الاستعمال أن تکون کلیة الکبری أوسع من الصغری ، وإلا لکان التعبیر من قبیل بیان مفاد الحد والماهیة ، بأن حذو الشجرة هو ستة أمیال ، مع أن الملموس ظاهر من الدلالة هو الأمر بالصغری أو النتیجة تعلیلاً بالکبری وهی المحاذاة الواقعة فی المقام علی محاذاة الشجرة .

علی نقاط محیط الشکل المرسوم بتوسط المواقیت البعیدة .

وبعبارة اخری : الوقوف علی محیط منطقة المواقیت التی ترسم بالخطوط الواصلة بین المواقیت البعیدة ، ویکفی فی ذلک المحیط الصدق العرفی ، دون المداقة العقلیة .

السابع : مکة ، وهی میقات حج التمتع ، وهی تشمل ما توسع منها مما یکون فی الحرم(1) .

ص:127


1- (1) قد حرر البحث أخیراً بالتردید بین کون العنوان المأخوذ کموضوع ، هل هو بنحو القضیة الخارجیة الشخصیة الجزئیة ، أو هو بنحو القضیة الحقیقیة ، فإن کان من قبیل الأول فلا محال یتعین أن المیقات مکة القدیمة ، کما هو الحال فی بقیة المشاعر کمنی وعرفات ومزدلفة ، وإن کان بالنحو الثانی فتتسع بحسب صدق العنوان ، کما هو الحال فی أحکام المسجد الحرام والمسجد النبوی خاصة ، ومع التردد فی أنها مأخوذة بأی نحو تصل النوبة إلی الأصل العملی من تعیین مکة القدیمة باعتبار أن ذلک هو القدر المتیقن .لکن الصحیح عدم وصول النوبة إلی الشک وکون مکة هی القدیمة ، والوجه فی ذلک : أن مکة حیث اتخذت میقاتاً ومقتضاه التوقیت المستلزم للتحدید والتعیین کما هو الشأن فی کل المواقیت والمشاعر کعرفات ومنی ومزدلفة ، ومن ثم یکون الحد هی مکة فی عهد النبی صلی الله علیه وآله لا فی عهد الأئمة علیهم السلام ، ویشهد

____________________

ص:128

____________________

ص:129

الثامن : المنزل الذی یسکنه المکلف ، وهو میقات من کان منزله دون المیقات إلی مکة ، فإنه یجوز له الإحرام من منزله ولا یلزم علیه الرجوع إلی المواقیت(1) ، إلّاأهل مکة کما سیأتی .

التاسع : أدنی الحل وهو حدود الحرم المرسومة بالمواضیع الشرعیة من الحدیبیة والجعرانة والتنعیم وغیرها ، نعم فی التنعیم ونحوه مما تجاوزته مکة الحدیثة الأحوط الإحرام مما بعد انتهاء مدینة مکة .

وهو میقات أهل مکة لحج الإفراد والقِران وکذا من کان بمکة وأرادهما ندباً(2) ، ومیقات للعمرة المفردة لمن کان بمکة سواء أکان بعد

ص:130


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام « من کان منزله دون الوقت إلی مکة فلیحرم من منزله » ، ومعتبرة مسمع « إذا کان منزله دون المیقات إلی مکة فلیحرم من دویرة أهله » ، ومعتبرة أبی سعید : عمن کان منزله دون الجحفة إلی مکة ، قال : یحرم منه » وغیرها من الروایات .
2- (2) خلافاً للمشهور علی ما قیل ، تمسکاً بإطلاق الروایات الدالة علی أن من کان منزله دون المیقات فمیقاته منزله ، ویشکل علیه : أن مقتضی التعبیر بمن کان دونهن إلی مکة - کما مر فی الروایات السابقة - الاقتصار علی من کان فیما بین الحدین فلا یشمل أهل مکة ، سیّما وأن احتمال مدخلیة کون الدویریة فی الحل مما هو دون المواقیت لا فی الحرم معتد به ، وعلیه فلا یمکن رفع الید عن ظهور الاستعمال فی البینیة ، أی من کان منزله بین المیقات ومکة المکرمة ، المؤید بما فی مرسل الصدوق عنه علیه السلام « من کان منزله دون المواقیت ما بینه وبین مکة ، فعلیه أن یحرم من منزله » .هذا ! وثمة روایات خاصة تدل علی أن أهل مکة میقاتهم أدنی الحل ، ففی صحیحة أبی الفضل الحناط قال : کنت مجاوراً بمکة فسألت أبا عبد الله علیه السلام : من أین أحرم بالحج ؟ فقال : « من حیث أحرم رسول الله صلی الله علیه وآله من الجعرانة » ، وفی حسنة إبراهیم بن میمون قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أصحابنا مجاورون بمکة وهم یسألونی لو قدمت علیهم ، کیف یصنعون ، قال : قل لهم : إذا کان هلال ذی الحجة فلیخرجوا إلی التنعیم فلیحرموا ولیطوفوا » ، وفی صحیحة ابن الحجاج قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أرید الجوار بمکة فکیف أصنع ؟ فقال : إذا رأیت الهلال هلال ذی الحجة فاخرج إلی الجعرانة فاحرم منها بالحج ... قال : إن سفیان فقیهکم أتانی ، فقال : ما یحملک علی أن تأمر أصحابک یأتون الجعرانة فیحرمون منها ، قلت : له : وقت من مواقیت رسول الله صلی الله علیه وآله ، فقال : وأی وقت من مواقیت رسول الله صلی الله علیه وآله هو ؟ فقلت : أحرم منها حین قسم غنائم حنین ومرجعه من الطائف ، فقال : إنما هذا شیء أخذته عن عبد الله بن عمر کان إذا رأی الهلال صاح بالحج ، فقلت : ألیس قد کان عندکم مرضیاً ، فقال : بلی ، ولکن أما علمت أن أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله أحرموا من المسجد ، فقلت : إن أولئک کانوا متمتعین فی أعناقهم الدماء ، وأن هؤلاء قطنوا مکة فصاروا کأنهم من أهل مکة ، وأهل مکة لا متعة لهم ، فأحببت أن یخرجوا إلی بعض المواقیت وأن یستغبوا به أیاماً ، فقال لی - وأنا أخبره أنها وقت من مواقیت رسول الله صلی الله علیه وآله - : یا أبا عبد الله ! فإنی أری لک أن لا تفعل . فضحکت وقلت : ولکنی أری لهم أن یفعلوا » ، وغیرها من الروایات المتحصل منها کون میقات أهل مکة أدنی الحل لا خصوص التنعیم أو الجعرانة .

حج القِران والإفراد أو لا(1) ، والأفضل أن یکون من المواضع الثلاثة ، ویستثنی من ذلک عمرة العقوبة فإنه یأتی بها من المواقیت البعیدة علی

ص:131


1- (1) بلا خلاف فی ذلک وتشهد له النصوص الکثیرة .

الأحوط إن لم یکن أظهر(1) .

أحکام المواقیت

مسألة 164 : لا یصح الإحرام قبل محیط منطقة المواقیت ولا بعده(2) ، ولا یکفی المرور علیه محرماً بل لابدّ من الإحرام من نفس

ص:132


1- (1) یشهد له صحیحة مسمع عنه علیه السلام فی الرجل یعتمر عمرة مفردة ثم یطوف بالبیت طواف الفریضة ثم یغشی أهله قبل أن یسعی بین الصفا والمروة ، قال : قد أفسد عمرته وعلیه بدنة ، وعلیه أن یقیم بمکة حتی یخرج الشهر الذی اعتمر فیه ثم یخرج إلی الوقت الذی وقته رسول الله صلی الله علیه وآله لأهله فیحرم منه ویعتمر » ، وفی صحیحة بریدة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشی أهله قبل أن یفرغ من طوافه وسعیه ، قال : علیه بدنة لفساد عمرته ، وعلیه أن یقیم إلی الشهر الآخر فیخرج الی بعض المواقیت ، فیحرم بعمرة » ومثلها دلالة معتبرة أحمد بن أبی علی ، واحتمال شمولها لأدنی الحل لکونه میقاتاً وقته النبی صلی الله علیه وآله للعمرة المفردة - کما هو صریح صحیحة ابن الحجاج المتقدمة - وإن کان لا یخلو من وجه لکن الأمر بالخروج إلی میقات أهله کما فی صحیحة مسمع یدفع هذا الاحتمال ، فتدبر .
2- (2) لدلالة النصوص علی عدم التعدی عنها إلی غیرها ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام : الإحرام من مواقیت خمسة وقتها رسول الله صلی الله علیه وآله لا ینبغی لحاج ولا معتمر أن یحرم قبلها ولا بعدها » ، وفی مصححة میسر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أحرم من العقیق وآخر من الکوفة أیهما أفضل ؟ فقال : یا میسر ! أتصلی العصر أربعاً أفضل أم تصلیها ستاً ؟! فقلت : أصلیها أربعاً أفضل ، قال : فکذلک سنة رسول الله صلی الله علیه وآله أفضل من غیرها » ، وفی صحیحته الأخری قال علیه السلام : أیسرک أن صلیت الظهر أربعاً فی السفر ؟ قلت : لا ، قال : فهو والله ذاک » .ومفاد الروایات الحکم الوضعی ، أی شرطیة تلک المواضع وحدودها فی صحة الإحرام ، ولذا مثل علیه السلام بأنه الصلاة أربعاً فی السفر .

المیقات ، نعم ینعقد الإحرام إذا مر علی المواقیت أو محاذٍ بها ملبیاً بقصد النسک وإن غفل ولم یلتفت إلی وقتیة الموضع(1) ، ویستثنی من ذلک موارد منها :

1 - أن ینذر الإحرام قبل محیط منطقة المواقیت أو یعاهد اللّه علی ذلک فإنه یصح ولا یلزمه التجدید فی المیقات أو محاذیه(2) ؛ ویجوز له

ص:133


1- (1) إذ أن ذلک یُعدّ بمنزلة عقد الإحرام فیها ، فإن الإحرام وإن کان قصدیاً إلا أن شرطیة الموضع توصلیة .
2- (2) علی المشهور ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة الحلبی قال : سألت أباعبد الله علیه السلام عن رجل جعل لله علیه شکراً أن یحرم من الکوفة ، فقال : فلیحرم من الکوفة ولیف لله بما قال » ، وفی موثقة أبی بصیر عنه علیه السلام قال : لو أن عبداً أنعم الله علیه نعمة أو ابتلاه ببلیة فعافاه من تلک البلیة فجعل علی نفسه أن یحرم بخراسان کان علیه أن یتم » ، وعن أبی حمزة البطائنی أنه کتب إلی أبی عبد الله علیه السلام یسأله عن الرجل جعل لله علیه أن یحرم من الکوفة ؟ قال : یحرم من الکوفة » .هذا وقد وقع الکلام فی تخریج مفاد هذه الروایات علی مقتضی القاعدة من جهة أخذ رجحان متعلق النذر فی موضوع صحته فکیف یوجد النذر موضوع نفسه ، وأجیب : إما بالتزام تخصیص هذا الشرط فی مورد الإحرام قبل المیقات أو الصوم فی السفر ، بمعنی عدم اشتراط الرجحان الذاتی وکفایة الرجحان الآتی من انشاء النذر لا من صحة النذر ، وإلا لعاد الدور ، أو بالالتزام بتخصیص حرمة الإحرام قبل المیقات والصوم فی السفر فی مورد انشاء النذر .

الذهاب إلی مکة من طریقٍ یحاذی المواقیت بأن یمرّ بالمحیط الواصل بین نقاط المواقیت ، ولا فرق فی ذلک بین الحج الواجب والمندوب والعمرة المفردة(1) ، نعم إذا کان إحرامه للحج فلابدّ من أن یکون إحرامه فی أشهر الحج کما تقدم .

2 - إذا قصد العمرة المفردة فی رجب وخشی عدم إدراکها - إذا أخر الإحرام إلی المیقات - جاز له الإحرام قبل المیقات أو محاذیه وتحسب له عمرة رجب وإن أتی ببقیة الأعمال فی شعبان(2) ، ولا فرق فی ذلک بین العمرة الواجبة والمندوبة(3) ، ویأتی بقیة الموارد فی المسائل الآتیة .

ص:134


1- (1) لإطلاق الروایات .
2- (2) بلا خلاف یعرف ، وتشهد له معتبرة إسحاق بن عمار قال : سألت أباإبراهیم علیه السلام عن الرجل یجیء معتمراً ینوی عمرة رجب فیدخل علیه الهلال قبل أن یبلغ العقیق ، فیحرم قبل الوقت ویجعلها لرجب أم یؤخر الإحرام إلی العقیق ویجعلها لشعبان ؟ قال : یحرم قبل الوقت لرجب فإن لرجب فضلاً ، وهو الذی نوی » ، وفی صحیحة معاویة بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : لیس ینبغی أن یحرم دون الوقت الذی وقت رسول الله صلی الله علیه وآله ، إلا أن یخاف فوت الشهر فی العمرة » ومقتضها إطلاق هذه الصحیحة شمول الحکم لغیر شهر رجب أیضاً ، لکن قوله علیه السلام فی معتبرة إسحاق « فإن لرجب فضلاً » وتنصیص الأصحاب علی رجب ، شاهد علی الاختصاص .
3- (3) لإطلاق الروایات .

مسألة 165 : یجب علی المکلف الیقین بوصوله إلی المیقات أو محاذیه مما یقع علی محیط منطقة المواقیت والإحرام منه ، أو یکون ذلک عن اطمئنان أو حجة شرعیة ، ولا یجوز له الإحرام عند الشک فی الوصول إلی المیقات(1) ، لکن یکفی الاحتیاط والیقین الإجمالی بأن ینوی الإحرام ویظل ملبیاً طیلة مروره بالمواضع المحتملة(2) .

مسألة 166 : لو نذر الإحرام قبل المیقات وخالف وأحرم من المیقات لم یبطل إحرامه(3) ، ووجب علیه کفارة مخالفة النذر إذا کان متعمداً غیر معذور(4) .

مسألة 167 : لا یجوز لمن أراد الحج أو عمرة التمتع بل المفردة علی الأظهر أو دخول مکة أو الحرم أن یتجاوز المیقات اختیاراً إلّامحرماً(5) ،

ص:135


1- (1) لأن الأصل عدم الوصول ، وعدم جواز الإحرام قبل المیقات وبعده .
2- (2) لما تقدم ذکره من أن الإحرام وإن کان قصدیاً إلا أن شرطیة الموضع توصلیة .
3- (3) لوجود المقتضی ، وعدم وجود المانع .
4- (4) لحنثه بالنذر .
5- (5) بلا خلاف یعرف ، ففی صحیحة معاویة « لا تجاوزها إلا وأنت محرم »والحکم أعم من الحرمة الوضعیة والتکلیفیة ، أما الوضعیة فواضح لعدم صحة الإحرام من غیر المیقات ، وأما التکلیفیة فقد استشکل فیها بأن ظاهر الروایات هو المفاد الوضعی - کما هو المطرد فی لسان بیان الماهیات والشرائط والاجزاء - ولکن یمکن أن یقرب المفاد التکلیفی بأنه یجب لدخول مکة المکرمة والحرم النسک ، وهو لا یصح إلا بالإحرام الذی لا یصح إلا من المواقیت البعیدة النائیة ، فکما أن النسک واجب فشرطه وشرط شرطه واجب ، ویتبین من ذلک اختصاص المفاد التکلیفی بتأخیر الإحرام عن المواقیت دون ما قبلها فإنه فساد وضعی محض .

حتی إذا کان أمامه میقات آخر علی الأظهر(1) ، فلو تجاوزه وجب العود إلیه مع الإمکان ، نعم إذا لم یکن المسافر قاصداً لما ذکر لکن لما وصل حدود الحرم أراد أن یأتی بعمرة مفردة جاز له الإحرام من أدنی الحل(2) .

مسألة 168 : إذا ترک المکلف الإحرام من المیقات عن علم وعمد حتی تجاوزه فعلیه الرجوع إلی المیقات والإحرام منه(3) ، فإن لم یتمکن من ذلک فعلیه الرجوع بقدر ما أمکن باتجاه المیقات(4) ، فإن لم یتمکن

ص:136


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر « فلیس لأحد أن یعدو من هذه المواقیت إلی غیرها » .
2- (2) لکونه میقات للعمرة المفردة مطلقاً ، لمن کان فی مکة المکرمة ولمن مر علی المواقیت البعیدة ولم یحرم منها ، وإلیه ذهب النراقی وصاحب الجواهر ، تمسکاً بصحیحة ابن الحجاج المتقدمة والتی فیها « أن رسول الله صلی الله علیه وآله أحرم منها - الجعرانة - حینما قسّم غنائم حنین ومرجعه من الطائف » حیث أن عمرة رسول الله صلی الله علیه وآله من الجعرانه مع أنه کان فی حنین قرب الطائف محاذیاً لقرن المنازل ولذات عرق ، وفیها « إن أولئک کانوا متمتعین فی أعناقهم الدماء » تعلیلاً للاحرام من المواقیت البعیدة ومقتضاه تقوم ماهیة حج التمتع بالإحرام من المواقیت البعیدة واختصاصه بذلک دون بقیة النسک من العمرة المفردة وحج الإفراد والقِران .
3- (3) تحصیلاً للشرط .
4- (4) ویدل علیه ما یأتی من صحیحة معاویة فی الحائض ، وتخصیصها بالحائض خلاف الظاهر ، فإنها من باب عموم من ترک الإحرام من المیقات ، ومفهوم مصححة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رجل ترک الإحرام حتی انتهی إلی الحرم فأحرم قبل أن یدخله ، فقال : إن فعل ذلک جاهلاً فلیبن من مکانه لیقضی ، فإن ذلک یجزئه إن شاء الله ، وإن رجع إلی المیقات الذی یحرم منه أهل بلده فإنه أفضل » .

إلّا من أدنی الحل جاز له الإحرام منه ، وإن لم یتمکن منه أیضاً لزمه الإحرام من الحرم وإلّا فمن مکة ، فمع ضیق الوقت والاضطرار یصح الإحرام دون المیقات علی التفصیل المتقدم(1) ، وإن أثم بترک الإحرام

ص:137


1- (1) خلافاً للمشهور - علی ما قیل - أو الأکثر من بطلان إحرامه وحجه ، وذهب کاشف اللثام والنراقی إلی صحة تجدید الإحرام من أدنی الحل أو من موضعه عند التعذر وإن بطل الإحرام السابق ، بل احتمل ذلک من اطلاق عبارة المبسوط والمصباح ومختصره ، لصحیحة الحلبی وفیها « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ترک الإحرام حتی دخل الحرم ، فقال : یرجع إلی میقات أهل بلاده الذی یحرمون منه فیحرم ، فإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه ، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج » حیث أن إطلاق « ترک » شامل للعامد ، بل قد یقال إن اسناد « ترک » للفاعل ظاهر فی صدور الفعل عن إرادة واختیار وعمد ، وقد یؤید هذا الإطلاق بصحیحة صفوان وفیها « إن رسول الله صلی الله علیه وآله وقت المواقیت لأهلها ومن أتی علیها من غیر أهلها ، وفیها رخصة لمن کانت به علة ، فلا تجاوز المیقات إلا من علة » بناءً علی شمول العلة لمطلق العذر حتی وإن کان بسوء الاختیار .وأشکل علیه صاحب الجواهر بالتمسک بعموم الروایات الناهیة عن التعدی عن المواقیت فلا یرفع الید عنها بعد استفاضتها وتواترها ، وأن مقتضی حمل الترک من المسلم علی الصحة وهو عدم کونه عمدیاً .وفیه : أن التمسک باطلاق البدلیة للعامد لا ینافی الأدلة الأولیة لأن مقتضاها الإثم وفساد المرکب برتبته الأولیة ، وأما اطلاق دلیل البدل للعامد فنظیر اطلاق بدلیه التمیم عند ضیق الوقت للعامد ، ونظیر إطلاق إدراک رکعة من الصلاة فی الوقت عن وقوع الصلاة بتمامها فی الوقت للعامد ، ونظیر اطلاق النصف الثانی من اللیل بدلاً عن النصف الأول فی صلاة العشاء للعامد ، وغیرها من موارد اطلاقات أدلة الأبدال الاضطراریة .

من المیقات .

نعم قد ینسب إلی المشهور لزوم إعادة الحج الواجب من قابل وهو الأحوط الأولی (1) .

مسألة 169 : إذا ترک الإحرام عن نسیان أو إغماء أو ما شاکل ذلک أو عن جهل بالحکم أو بالمیقات فالحکم علی التفصیل المتقدم فی المسألة السابقة(2) ، وفی حکم تارک الإحرام من أحرم قبل المیقات أو بعده ولو کان عن جهل أو نسیان .

مسألة 170 : إذا ترکت الحائض الإحرام من المیقات لجهلها بالحکم

ص:138


1- (1) والاحتیاط حسن علی کل .
2- (2) تشهد له صحیحة الحلبی المتقدمة وصحیحة ابن سنان عن رجل مر علی الوقت الذی یحرم منه الناس فنسی أو جهل فلم یحرم حتی أتی مکة ، فقال علیه السلام « یخرج من الحرم ویجزیه ذلک » .نعم فی خصوص وجوب الرجوع بقدر ما أمکن باتجاه المیقات إشکال لدلالة مصححة علی بن جعفر المتقدمة علی جواز الإحرام من أدنی الحل » وقد قیل أنها محمولة علی المشقة فی العود إلی المیقات ، وهو خلاف الظاهر ، فیمکن الالتزام بکون العامد یجب علیه الرجوع إلی المیقات أو ما أمکنه باتجاهه تمسکاً بمفهوم هذه المصححة ، وأما الجاهل والناسی فیکفیه الإحرام من مکانه قبل دخوله الحرم ، ویحمل ما فی صحیحة معاویة من قوله علیه السلام « فإن لم یکن علیها وقت فلترجع إلی ما قدرت علیه بعدما تخرج من الحرم » علی الاستحباب ، مؤیداً بإطلاق الروایات الدالة علی کفایة خروجه من الحرم .

وتجاوزت المیقات فیأتی فیها التفصیل المتقدم فی المسألتین السابقتین(1) .

مسألة 171 : إذا جامع فی العمرة عالماً عامداً قبل الفراغ من السعی فسدت عمرته بمعنی حصول الخدش والنقصان فیجب علیه اتمامها کما یجب علیه اعادتها عقوبة فی الشهر القادم ، فیبقی فی مکة إلی أن یؤدیها هذا فی المفردة ، وأما فی عمرة التمتع فالحکم کذلک غایته أن المعادة إن کانت قبل الحج فتکون هی المتعة الموصولة به ، وإلّا فمتعته هی الأولی (2) .

مسألة 172 : ذهب المشهور إلی صحة العمرة فیما إذا ترک الإحرام نسیاناً أو جهلاً حتی أتی بجمیع الأعمال ، وهذا القول هو الأظهر(3) ، نعم

ص:139


1- (1) ففی صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة کانت مع قوم فطمثت فأرسلت إلیهم فسألتهم ؟ فقالوا : ما ندری أعلیک إحرام أم لا وأنت حائض فترکوها حتی دخلت الحرم ، فقال علیه السلام : إن کان علیها مهلة فترجع إلی الوقت فلتحرم منه ، فإن لم یکن علیها وقت فلترجع إلی ما قدرت علیه بعد أن تخرج من الحرم بقدر ما لا یفوتها » .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة حماد بن عیسی المتقدمة : « إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرماً ، قلت : أی الإحرامین والمتعتین ؟ متعته الأولی أو الأخیرة ؟ قال : الأخیرة هی عمرته ، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته » .
3- (3) خلافاً لجماعة من الأعاظم ، تمسکاً بالصحیح عن جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیهما السلام : فی رجل نسی أن یحرم أو یجهل وقد شهد المناسک کلها وطاف وسعی ، قال : تجزیه نیته إن کان قد نوی ذلک ، فقد تم حجه وإن لم یهل » وقوله علیه السلام « فقد تم حجه » تفریعاً علی إجزاء النیة فتشمل الروایة حج الإفراد والتمتع وکذا العمرة المفردة ، إذ أن عمرة التمتع من حیث الشرائط والأجزاء هی عمرة مفردة ، غایة الأمر أنها منشأة بعنوان التمتع ، والإشکال فی سند الروایة من حیث الإرسال غیر تام ، فإن جمیل من أصحاب الإجماع والراوی عنه کذلک وهو ابن أبی عمیر ، والتعبیر « ببعض أصحابنا » لیس علی حذو التعابیر الاخری فی ألفاظ الارسال ، بل فیه شهادة علی أن الراوی من الامامیة ، بل من خلال تتبع الموارد التی یطلق فیها جمیل لهذا التعبیر یظهر منه إرادة خصیصی الأصحاب ، فقد تکرر منه هذا التعبیر کثیراً وفی بعض الموارد بقرینة روایات أخری صرح فیها الراوی فظهر أنه من الأجلاء الکبار ، فالطریق لا یقل عن الروایة الحسنة بل یزید لعمل المشهور بها .

الاحتیاط بالاعادة أولی فیما إذا تمکن منها بالنحو الذی قد مرّ .

مسألة 173 : قد تقدم أن النائی یجب علیه الإحرام لعمرته من حدود منطقة المواقیت المرسومة بالخط الواصل بمواضع المواقیت الخمسة ، وحیث إن هذا الحد والخط لتلک المنطقة یمرّ بجدة - عدی المقدار المستحدث منها شرقاً باتجاه مکة الذی یقل عن مرحلتین - فیسوغ لأغلب الحجاج الذین یردون مطار جدة ابتداءً ویقصدون تقدیم أعمال نسک مکة المکرمة علی زیارة المدینة المنورة أن یحرموا من مطارها أو من بعض أحیائها کما یسوغ لهم التوجه إلی الجحفة أو المواقیت الأخری (1) .

ص:140


1- (1) ذهب جماعة من أعلام العصر إلی منع کون جدة محاذیة للجحفة أو یلملم ، بدعوی أنها قبل المواقیت ، وذهب البعض الآخر أنها خلف المواقیت ودونهم باتجاه مکة ، وثالث إلی منع المحاذاة مع هذا البعد بین الجحفة ویلملم وجدة

____________________

ص:141

____________________

ص:142

____________________

ص:143

____________________

ص:144

مسألة 174 : المتمع یجب علیه أن یحرم لحجه من مکة کما مرّ ، فلو أحرم من غیرها لم یصح إحرامه وإن دخل مکة محرماً(1) ، بل وجب الاستئناف من مکة مع الإمکان ، وإلّا ففی مکانه(2) .

هذا فی غیر العالم العامد وأما فیه فیشکل الاجتزاء بالإحرام من مکانه(3) .

مسألة 175 : إذا ترک المتمتع الإحرام للحج بمکة وجب علیه العود

ص:145


1- (1) لاشتراط الإحرام من مکة المکرمة ، والمشروط عدم عند عدم شرطه .
2- (2) لصحیحة علی بن جعفر علیه السلام عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی الإحرام بالحج فذکر وهو بعرفات فما حاله ، قال : یقول : اللهم علی کتابک وسنة نبیک صلی الله علیه وآله ، فقد تم حجه ، فإن جهل أنی حرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده إن کان قضی مناسکه کلها فقد تم حجه » ، وراجع ما تقدم فی المسألة : 168 ، 169 .
3- (3) للقصور فی المقتضی ، بخلاف الأمر فیما إذا تجاوز سائر المواقیت بلا إحرام عمداً فإن إطلاق صحیحة الحلبی المتقدمة - فی المسألة : 168 - شامل له ، مع إمکان القول بإلغاء الخصوصیة .

مع الإمکان ، وإلّا أحرم فی مکانه ، ولو کان فی عرفات وصح حجه ، سواء کان ناسیاً أو جاهلاً بالحکم أو بالموضوع قاصراً أو مقصراً(1) ، نعم الشاک الملتفت بحکم العالم العامد .

مسألة 176 : لو نسی إحرام الحج ولم یذکر حتی أتی بجمیع أعماله صح حجه ، وکذلک الجاهل(2) .

کیفیة الإحرام

ینشأ فرض الحج بالتلفظ بالنیة ، لکنه لا یکون لازماً إلّابالتلبیة أو الإشعار أو التقلید(3) .

ص:146


1- (1) لصحیحة علی بن جعفر المتقدمة .
2- (2) لصحیحة علی بن جعفر المتقدمة أیضاً .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک .وقد اختلف الاعلام فی حقیقة الإحرام ، فمنهم من جعله عبارة عن الکف عن التروک وتوطین النفس علی ترکها ، فجعله نظیر الصیام فعلاً تکوینیاً ، وبعض ذهب إلی أنه أمر اعتباری انشائی یلتزم به المکلف ویتسبب إلیه بالتلبیة ، غایة الأمر أنه یترتب علیه الأحکام التکلیفیة من حرمة التروک ، وهو خیرة الماتن دام ظله ، وثالث جمع بین الأمرین إما مطلقاً أو فی خصوص النساء والاستمناء لفساد الحج بارتکابهما فلا بد من توطین النفس علی ترکهما .کما قد اختلف فی الإحرام هل هو جزء للنسک أو شرط فیه ، وعلی الأول یبطل ببطلان الحج ، وعلی الثانی لا یبطل ، لکن یمکن القول بالبطلان حتی علی الثانی ،

____________________

ص:147

واجبات الإحرام ثلاثة أمور :

الأمر الأول : النیة ، وهی قصد کل من نسک الحج أو العمرة وقصد الإحرام متقرباً بذلک إلی اللّه تعالی ، ویکفی فی قصد النسک قصد عنوانها إجمالاً علی أن یأتی بتفاصیلها معتمداً علی مدرک یتبین منه تفاصیل الاجزاء کقول مرشد ثقة أو رسالة عملیة معتمدة ونحو ذلک ،

ص:148

کما یکفی فی قصد الإحرام عنوانه الانشاء الذی یترتب علیه تحریم التروک .

ویعتبر فی النیة أمور :

1 - القربة ، کما هو مقرّر لها من شرائط فی عموم العبادات .

2 - أن تکون مقارنة للتلبیة فی الموضع الذی یصح فیه عقد الإحرام .

3 - تعیین الإحرام أنه للعمرة أو للحج ، وأن الحج تمتع أو قران أو إفراد ، وأنه لنفسه أو لغیره .

وأنه حجة الاسلام أو الحج النذری أو الواجب عقوبة بالافساد أو الندبی ، نعم یکفی لوقوعه لنفسه عدم قصد النیابة عن غیره ، وکذا یکفی لوقوعه عن حجة الاسلام قصد طبیعة الحج بل ولو قصد الندبیة إذا لم یکن علیه فی ذمته واجب آخر ، وکذا الحال فی الحج النذری .

ولو نوی الإحرام من غیر تعیین بأن أبهم النسک بنحو الإجمال أو التردید(1) ، صحّ منه التعیین بعد ذلک قبل الأعمال .

مسألة 177 : لا یعتبر فی صحة النیة التلفظ ، لکن یستحب ذلک بالصورة الآتیة کما لا یعتبر الإخطار بالبال تفصیلاً ، بل یکفی وجودها بنحو مضمر علی نحو الداعی بحیث یلتفت إلیها إجمالاً وارتکازاً کما فی سائر العبادات .

مسألة 178 : لا تعتبر فی صحة الإحرام العزم علی ترک محرماته

ص:149


1- (1) کإهلال أمیر المؤمنین علیه السلام وعدم تعیینه نوعیة النسک ، وإنما قال : إهلالاً کإهلال رسول الله صلی الله علیه وآله .

- حدوثاً وبقاءاً - إذ هو لیس إلّاالقصد بهذا العنوان کحالة انشائیة تترتب علیها تحریم جملة من الأمور نظیر التزام التحریم فی النذر أو العهد ولیست بنیة فعل تکوینی ، فیصح الإحرام حتی مع العزم علی ارتکابها مخالفة أو اضطراراً ولو کان ذلک العزم علی الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة أو قبل الفراغ من السعی فی العمرة فضلاً عمّا لو عزم علی الترک حین الإحرام ثم عرضت له نیة ذلک بعد تحقق الإحرام(1) .

الأمر الثانی : التلبیة ، وصورتها أن یقول : « لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک »(2) والأحوط إضافة هذه الجملة : « إن الحمد والنعمة

ص:150


1- (1) ذکرنا فی « مجمع مناسک الحج » أن التروک غیر دخیلة فی حقیقة الإحرام ، بل هی أحکام مترتبة علیه فلا تؤخذ فی حقیقته ، فهو لیس کالصوم المتقوم بالتروک الخاصة ، وقلنا هناک : أن المسألة ذات صور .الأولی : هل أن « قصد ترک المحرمات » شرطاً فی صحة الإحرام أم لا ، بمعنی هل یکفی قصد النسک - عمرة مفردة ، تمتع ، حج مفرد ، تمتع - فقط أم لا بد من قصد ترک المحرمات ، وعلی القول بالإشتراط فهل هو حدوثاً واستدامة أم لا .والثانیة : مع فرض عدم کون ذلک شرطاً ، فهل أن قصد ضده وهو ارتکاب المحرمات مانعاً من صحة الإحرام أم لا ؟ وعلی فرض کونه مانعاً فهل هو مطلقاً بالنسبة لکل المحرمات أو بعضها .
2- (2) تشهد له صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : التلبیة أن تقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمدَ والنعمة لک والملک لا شریک لک لبیک ، لبیک ذا المعارج لبیک ... واعلم أنه لا بد من التلبیات الأربع التی کُنَّ فی أول الکلام وهی الفریضة ، وهی التوحید ، وبها لبی المرسلون ، وأکثر من ذی المعارج فإن رسول الله صلی الله علیه وآله کان یکثر منها » .

لک والملک ، لا شریک لک » ، والأولی إضافة لبیک بعد ذلک(1) ، ویجوز إضافة « لک » بعد لفظة الملک .

مسألة 179 : یجب الاتیان بالتلبیة بالعربیة الصحیحة کتکبیرة الإحرام والقراءة فی الصلاة ولو بنحو التلقین من شخص آخر حین العمل ، ومع العجز عن ذلک یکتفی بالملحون(2) ، ولو عجز عنه أیضاً فالأحوط أن یأتی بما یتیسر له وبمرادفها وترجمتها والاستنابة فی ذلک(3) .

ص:151


1- (1) للصحیحة السابقة .
2- (2) لکون الکلام الملحون غیر خارج عن عموم أدوات الإنشاء العرفیة و العقلائیة ، والتلبیة صیغة إنشاء لفرض الحج والنسک ، فمن ثم لا وجه للترجمة مع القدرة علی الملحون فضلاً عن الإلزام بها ، کما یشهد له معتبرة مسعدة بن صدقة - والتی رواها الحمیری فی قرب الإسناد وعلی بن جعفر فی کتابه - قال : سمعت جعفر بن محمد یقول : إنک قد تری المحرم من العجم لا یراد منه ما یراد من العالم الفصیح ، وکذلک الأخرس فی القراءة فی الصلاة والتشهد وما أشبه ذلک ، فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا یراد منه ما یراد من العاقل المتکلم الفصیح ... » والمحرم من لا یقدر علی القراءة الصحیحة کقول العرب : ناقة محرمة الظهر ، إذا لم تذلل ، وتؤیدها معتبرة السکونی فی الأخرس وصحیحة زرارة فی الصبی الآتیتان .
3- (3) قلت : صریح روایة یاسین الضریر - التی رواها الکلینی والشیخ - عن حریز عن زرارة : « أن رجلاً قدم حاجاً لا یحسن أن یلبی ، فاستفتی له أبو عبد الله علیه السلام ، فأمر له أن یلبی عنه » هو الاستنابة ، لکنها ضعیفة سنداً عند جماعة من الأعلام لعدم توثیق یاسین ، إلا أن تلقی المشهور روایته فی تحدید المطاف بالقبول والعمل بها وکونه من مشیخة الصدوق المعتمدین وذکر النجاشی والطوسی له فی أصحابنا المصنفین ، وعدم القدح فیه أصلاً ، قرائن یستفاد منها حسن حاله .

مسألة 180 : الأخرس یحرک لسانه کهیئة المتکلم ویشیر إلی التلبیة بأصبعه(1) .

مسألة 181 : الصبی یلبی بنفسه سواء کان ممیز أو غیر ممیز فإن لم یحسن أن یلبی یلبی عنه(2) ، والأحوط فی غیر الممیز أن یحرم به ولیه ویلبی عنه .

مسألة 182 : نُسب للمشهور أنه لا ینعقد إحرام حج التمتع وعمرته وحج الإفراد والعمرة المفردة إلّابالتلبیة ، ولو قیل بانعقاده بالإشعار أو التقلید أیضاً فله وجه(3) فیما عدا عمرة التمتع(4) ، والأحوط الاقتصار علی التلبیة .

ص:152


1- (1) لموثقة السکونی عنه علیه السلام قال : تلبیة الأخرس وتشهده وقراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه وإشارته بإصبعه » .
2- (2) ففی صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام : « إذا حج الرجل بابنه وهوصغیر ، فإنه یأمره أن یلبی ویفرض الحج ، فإن لم یحسن أن یلبی لبوا عنه » .
3- (3) کما هو ظاهر الروایات ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال : « یوجب الإحرام ثلاثة أشیاء التلبیة والإشعار والتقلید ، فإذا فعل شیئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » ومثلها صحیحة عمر بن یزید .
4- (4) لما قیل أن سیاق الهدی فی عمرة التمتع یقلبها إلی حج قران ، کما ورد فی أن رسول الله صلی الله علیه وآله حیث ساق الهدی لم یَتَأَتّ منه التمتع ، وفیه : أن رسول الله صلی الله علیه وآله إنما أنشأ الحج بالإشعار وسیاق الهدی فمن ثم لا یتحلل حتی یبلغ الهدی محله وهو منی ، بخلاف ما لو أنشأ عمرة التمتع بالإشعار أو التقلید فإنه لا یحتبس بالهدی والسیاق إلی یوم النحر بمنی إذ هو قد أشعره للعمرة لا للحج فبلوغه محله هو مکة .

وأمَّا إحرام حج القِران فیتحقق بکل من الأمور الثلاثة(1) .

والإشعار مختص بالبُدن ، والتقلید مشترک بین البُدن وغیرها من أنواع الهدی ، والأولی الجمع بین الاشعار والتقلید فی البُدن والأحوط (2)التلبیة للقارن وإن عقد إحرامه بالاشعار أو التقلید .

والإشعار : هو الادماء بشق الجلد أو الطعن فی أحد جانبی السنام وتلطیخها بالدم علامة علی الهدی ، والأحوط اختیار الجانب الأیمن .

والتقلید : هو أن یعلق فی رقبة الهدی نعلاً والأولی أن یکون خِلقاً قد صلی فیها ، ویجزیء تعلیق العلامة المتخذة کالخیط والسیر کما یجزی التجلیل : وهو ستر الهدی بثوب ونحوه علامة علی الهدی .

مسألة 183 : لا یشترط الطهارة عن الحدث الأصغر والأکبر فی صحة الإحرام ، فیصح الإحرام من الجنب والحائض والنفساء وغیرهم(3) .

مسألة 184 : التلبیة أو الاشعار أو التقلید بمنزلة تکبیرة الإحرام فی الصلاة ، فلا یلزم الإحرام إلّابها ، فلو نوی الإحرام وتلفظ بالنیة ولبس الثوبین وفرض الحج أو العمرة فقد عقد وصحّ الإحرام منه ، ولو ارتکب شیء من المحرمات انفسخ إحرامه ولم یأثم ولیس علیه کفارة(4) .

ص:153


1- (1) وفاقاً للأکثر ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام « الإشعار والتقلید بمنزلة التلبیة » .
2- (2) خروجاً عن خلاف المرتضی وابن ادریس من عدم انعقاده إلا بالتلبیة .
3- (3) کما هو مقتضی النصوص الکثیرة الصریحة .
4- (4) للروایات الدالة علی أن له أن یفسخ الإحرام ما لم یلب ، بل عبّر فی بعضها « بالنقض ما لم یلب » ، ففی صحیحة ابن الحجاج عنه علیه السلام فی الرجل یقع علی أهله بعدما عقد الإحرام ولم یلب ؟ قال : لیس علیه شیء » ومثلها صحیحة البختری .

مسألة 185 : الأفضل لمن حج عن طریق المدینة تأخیر الجهر بالتلبیة إلی البیداء ، ولمن حج عن طریق آخر تأخیره إلی أن یمشی قلیلاً(1) ، ولمن حج من مکة تأخیره إلی الرقطاء(2) ، وإن کان القول بتأخیر أصل التلبیة إلی ذلک وجه محتمل(3) ، والبیداء بین مکة والمدینة عند أول مَیْل « الانعطاف » عن یسار الخارج من ذی الحُلیفة نحو مکة(4) ، والرقطاء موضع یسمی مدعی قبیل مسجد الجن « سوق اللیل » دون الردم .

مسألة 186 : یستحب الاکثار من التلبیة ورفع الصوت بها وتکرارها بقدر المستطاع کلما رکب وکلما نزل وکلما هبط وادیاً أو علی مرتفعاً أو لقی راکباً وبالأسحار وفی أدبار الصلوات .

ویجب لمن اعتمر عمرة التمتع قطع التلبیة عند مشاهدة موضع بیوت

ص:154


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة هشام : « وإن شئت لبّیت من موضعک ،والفضل أن تمشی قلیلاً ثم تلبی » .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة الفضلاء : « فإن شئت لبیت خلف المقام ،وأفضل ذلک أن تمضی حتی تأتی الرقطاء وتلبی قبل أن تصیر إلی الأبطح » .
3- (3) للروایات الدالة علی تأخیر التلبیة الواجبة إلی البیداء ، وفی قبالها روایات دالة علی جواز الإتیان بالتلبیة فی المسجد والجهر بها فی البیداء ، ففی صحیحة عبد الله بن سنان أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام : هل یجوز للمتمتع بالعمرة إلی الحج أن یظهر التلبیة فی مسجد الشجرة ؟ فقال : نعم ، إنما لبی النبی صلی الله علیه وآله فی البیداء لأن الناس لم یعرفوا التلبیة ، فأحب أن یعلمهم کیف التلبیة » .
4- (4) لا کما فی کثیر من الکلمات علی بعد مِیل من ذی الحلیفة .

مکة القدیمة(1) ، وحدّه لمن جاء من أعلی مکة عقبة المدنیین ، وهی بالقرب من مقبرة المعلی ولمن جاء من أسفلها عقبة ذی طوی ، والأولی قطعها حین دخول الحرم(2) .

ویجب علی من اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا کان إحرامه من المواقیت البعیدة(3) ، وعند مشاهدة الکعبة إذا کان إحرامه من أدنی الحل(4) ، والأولی له قطعها عند مشاهدة المسجد الحرام بل عند مشاهدة موضع بیوت مکة ، وعلی من حج بأی نوع من أقسام الحج قطعها عند الزوال من یوم عرفة(5) .

ص:155


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : إذا دخلت مکة وأنت متمتع فنظرت إلی بیوت مکة فاقطع التلبیة ، وحد بیوت مکة التی کانت قبل الیوم عقبة المدنیین ، فإن الناس قد أحدثوا بمکة ما لم یکن ، فاقطع التلبیة ، وعلیک بالتکبیر والتهلیل والتحمید والثناء علی الله عز وجل بما استطعت » .وتوقف بعض الأعاظم ، ولعله لصحیحة زرارة قال : سألته علیه السلام أین یمسک المتمتع عن التلبیة ؟ فقال : إذا دخل البیوت ، بیوت مکة لا بیوت الأبطح » .
2- (2) تمسکاً بما فی صحیحة عمر بن یزید وفیها « حین تضع الأبل أخفافها فی الحرم » ، وفی صحیحة معاویة « وإن کنت معتمراً فاقطع التلبیة إذا دخلت الحرم » ومثلها صحیحة زرارة وغیرها ، ویمکن أن یحمل علی الفضیلة جمعاً بین الروایات ، وأن حد القطع حین دخول بیوت مکة القدیمة .
3- (3) علی المشهور ، للروایات المتقدمة .
4- (4) تمسکاً بالروایات ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : « من اعتمرمن التنعیم فلا یقطع التلبیة حتی ینظر إلی المسجد » .
5- (5) نصاً وإجماعاً .

مسألة 187 : إذا شک بعد لبس الثوبین فی أنه أتی بالتلبیة أم لا بنی علی العدم(1) ما لم یدخل فی عمل مترتب علی الإحرام(2) ، وإذا شک بعد الاتیان بالتلبیة أنه أتی بها صحیحة أم لا بنی علی الصحة(3) .

الأمر الثالث : لبس ثوب الإحرام بعد التجرد عما یجب علی المحرم اجتنابه .

وینبغی أن یتزر بواحد ویرتدی بآخر ، ولا یعتبر فی لبسهما ، کیفیة خاصة(4) ، ما لم تکن الکیفیة بنحو لبس الثیاب کاللف علی الاعضاء ، ویکره التوشح أو اتخاذ الهیئة غیر المألوفة .

مسألة 188 : لبس ثوبی الإحرام واجب تکلیفی عند الإحرام بلحاظ الاجتناب عن الثیاب « المخیط » لستر العورة(5) ، لا بلحاظ عقد الإحرام(6) ، فضلاً عن أن یکون شرطاً فی صحته .

مسألة 189 : الأحوط (7) فی الإزار أن یکون ساتراً من السرة إلی

ص:156


1- (1) لأصالته .
2- (2) لقاعدة التجاوز .
3- (3) لقاعدة الفراغ .
4- (4) لقول الحجة علیه السلام کما فی مکاتبة الحمیری : « والأحب إلینا والأفضل لکل أحد شده علی السبیل المألوفة المعروفة للناس جمیعاً » .
5- (5) إذ هو المستفاد من الروایات ، ولا یستفاد منها أنه واجب تعبدی مستقل ظرفه الإحرام ، أو واجب شرطی .
6- (6) لعدم استفادة ذلک جزماً من الروایات .
7- (7) وجزم به عدة من الاعاظم ، ولا دلیل علیه ظاهراً إلا دعوی أن ذلک مسمی الصدق العرفی فی الإتزار والإرتداء ، فتأمل .

الرکبة ، وفی الرداء أن یکون ساتراً للمنکبین وجملةٍ من الظهر .

والوجوب فی لبس الثوبین - الذی قد مرّ - یلزم أن یکون قبل النیة والتلبیة(1) ، ولو قدمهما علیه لم یبطل الإحرام(2) ، وإن کان الأولی إعادتهما مع مراعاة عدم لبس المخیط فی الإحرام .

مسألة 190 : لو أحرم فی قمیص جاهلاً أو ناسیاً نزعه وصح إحرامه ، بل الأظهر صحة إحرامه حتی فیما إذا أحرم فیه عالماً عامداً(3) ، وکذا إذا

ص:157


1- (1) کما هو ظاهر الروایات ، ولا ریب فی لزوم التجرد قبل التلبیة لکی لا یقع فی محذور مخالفة تروک الإحرام .
2- (2) لعدم شرطیة اللبس للاحرام .
3- (3) علی المشهور ، تمسکاً بصحیحة معاویة وغیره عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل أحرم وعلیه قمیصه ، فقال : ینزعه ولا یشقه ، وإن کان لبسه بعدما أحرم شقه وأخرجه مما یلی رجلیه » .وقد یستدل للاعادة تارة بصحیحة عبد الصمد حیث قید عدم الاعادة بالجهل المقتضی لثبوتها لاحترازیة القیود ، وکذا ما فی مصححة معاویة « إن لبست ثوباً فی احرامک لا یصلح لک لبسه فلب واعد غسلک ، وإن لبست قمیصاً فشقه واخرجه من تحت قدیمک » حیث أمر فیها بالاعادة والتلبیة ، وأخری : بأن نیة الإحرام هی عبارة عن العزم علی ترک المحرمات وعدم ارتکابها .وکلا الوجهین محل تأمل : أما الأول : فلعدم دلالة الصحیحتین علی الاعادة فی العمد ، وفرض صحیحة معاویة لیس لبس المخیط حال الإحرام بل المراد لبسه وهو محرم ، ومن ثم فصل بین لبس الثوب ولبس القمیص .وأما الثانی : فلکون الإحرام عبارة عن قصد انشائی باستعمال التلبیة لا انشاء الإحرام ، والارادة الجدیة لانشاء الإحرام المعبر عنها بالتزام التروک أیضاً لا ینافیها ارادة عدم الالتزام عملاً ، لأنها عبارة عن ارادة البناء علی التحریم ، والفرق بینهما عین الفرق بین الموافقة العملیة والموافقة الالتزامیة .نعم لو لبسه ناسیاً قبل الإحرام نزعه ، وإن لبسه بعد الإحرام کذلک أو عامداً قبل الإحرام شقه وأخرجه مما یلی رجلیه أو بنحو لا یستلزم تغطیة الرأس .

لبسه بعد الإحرام ولکن یلزم علیه فی الصورتین الأخیرتین إخراجه من غیر رأسه کأن یخرجه من تحته ولو بشقّه .

مسألة 191 : لا بأس بالزیادة علی الثوبین فی ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغیر ذلک(1) ، بعد توفر شروط ثوبی الإحرام .

مسألة 192 : یعتبر فی ثیاب المحرم نفس الشروط المعتبرة فی لباس المصلی(2) ، فیلزم أن لا تکون من الحریر الخالص(3) ، ولا من أجزاء ما لا یؤکل لحمه ، ولا من المذهب ، ویلزم طهارتها کذلک ، نعم لا بأس

ص:158


1- (1) لصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یرتدی الثوبین ؟ قال : نعم ، والثلاثة ، إن شاء ، یتقی بها البرد والحر » وغیرها .
2- (2) بلا خلاف ظاهر ، ففی صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : « کل ثوب تصلی فیه فلا بأس أن تحرم فیه » ، وفی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : سألته عن المحرم یصیب ثوبه النجاسة ، قال : لا یلبسه حتی یغسله وإحرامه تام » .
3- (3) ففی صحیحة أبی بصیر : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الخمیصة سداها ابریسم ولحمتها من غزل ؟ قال : لا بأس بأن یحرم فیها ، إنما یکره الخالص منه » .

بتنجسها بنجاسة معفو عنها فی الصلاة(1) .

مسألة 193 : یلزم فی الإزار أن یکون ساتراً للبشرة غیر حاک عنها(2) ، والأحوط اعتبار ذلک فی الرداء أیضاً(3) .

مسألة 194 : الأولی فی ثیاب المحرم أن تکون من المنسوج لا من الجلد والملبّد(4) .

مسألة 195 : یختص وجوب لبس الإزار والرداء بالرجال دون النساء فیجوز لهن أن یحرمن فی ألبستهن العادیة علی أن تکون واجدة للشرائط المتقدمة(5) ، والأولی أن یخصصن ثیاباً للاحرام(6) .

ص:159


1- (1) لصحة الصلاة بالنجاسة المعفو عنها .
2- (2) تمسکاً بصحیحة حریز المتقدمة ، وغایة ما تدل علی ما قیل أن کل ثوب یصلی فیه یصح الإحرام فیه ، ولیس لها دلالة علی أن کل ما لا یصلی فیه لا یحرم فیه ، بل هی ساکتة عن هذه الحکم ، فتأمل .
3- (3) لدعوی ظهور التثنیة للثوب فی مجانستهما ، فتأمل .
4- (4) تمسکاً بظهور لفظ الثوب فی المنسوج وعدم صدقه علی الجلد والملبد ونحوهما ، هذا بناءً علی حمل الأمر بلبسهما علی التأسیس ، وأما علی المختار من کونه تجنباً عن المخیط مع ستر العورة فالظاهر الجواز .
5- (5) تمسکاً بالروایات ، ففی مصححة النضر عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المحرمة أی شیء تلبس من الثیاب ، قال : تلبس الثیاب کلها إلا المصبوغ » فلم یتعرض علیه السلام للبس الثوبین ، ومثلها صحیحة العیص بن القاسم الآتیة .
6- (6) وشاهده موثقة یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض ترید الإحرام ، قال : تغتسل وتستثفر وتحتشی بالکرسف ولبس ثوباً دون ثیاب إحرامها » وفی نسخة التهذیب - ولعلها هی الأصح - « دون ثیابها لإحرامها » ، وروایة زید الشحام عنه علیه السلام فی إحرام المرأة الحائض قال : تغتسل وتحتشی بالکرسف وتلبس ثیاب الإحرام وتحرم ، فإذا کان اللیل خلعتها ولبست ثیابها الأخری حتی تطهر » ، وفی صحیحة معاویة « وتصنع کما تصنع المحرمة » فالظاهر من هذه الروایات الإشارة للثوبین الرداء والإزار حیث خصص للاحرام ثیاباً دون ثیابها العادیة ، وهو وإن احتمل ارادة الثوب المعد للاحرام الواجد لشرائط التروک بأن لا یکون من الحریر المحض ونحوه ، إلا أن الإضافة للعنوان لا یمکن انکار ظهورها فی ذلک ، لکن هیئة الثوبین لا ریب أنها مختلفة عن ثیاب الرجل بأن تکون مخیطة ونحوه ، وإلا لم یحصل الستر ، ومنه یظهر أن الرداء والإزار فی المرأة له هیئة تختلف عن الرجل .

مسألة 196 : الأظهر حرمة لبس المرأة الثیاب المصنوعة بتمامها من الحریر وهی محرمة(1) .

ص:160


1- (1) حکی عن المفید فی أحکام النساء وابن ادریس وأکثر المتأخرین إلی الجواز ، وعن المفید فی المقنعة والشیخ وابن الجنید والشهید المنع ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروایات ، ففی صحیحة العیص قال علیه السلام « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفازین » ، وفی موثقة إسماعیل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة ، هل یصلح لها أن تلبس ثوباً حریراً وهی محرمة ؟ قال : لا ، ولها أن تلبسه فی غیر إحرامها » ، وفی موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرمة تلبس الحریر ؟ فقال : لا یصلح أن تلبس حریراً محضاً لا خلط فیه ، فأما الخز والعلم فی الثوب فلا بأس أن تلبسه وهی محرمة ، وإن مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بیدها من الشمس ، وتلبس الخز ، أما إنهم یقولون : إن فی الخز حریراً ، وإنما یکره المبهم » ، وفی صحیحة الحلبی « لا بأس أن تحرم المرأة فی الذهب والخز ، ولیس یکره إلا الحریر الخالص » وغیرها .وفی قبالها صحیحة یعقوب بن شعیب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام المرأة تلبس القمیص تزره علیها ، وتلبس الحریر والخز والدیباج ؟ فقال : نعم ، لا بأس به » ، وهی قابلة للتقید بغیر المبهم ، ففی خبر أبی عیینة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته ما یحل للمرأة أن تلبس وهی محرمة ؟ فقال : الثیاب کلها ما خلا القفازین والبرقع والحریر ، قلت : أتلبس الخز ؟ قال : نعم ، قلت : فإن سداه ابریسم وهو حریر ، قال : ما لم یکن حریراً خالصاً فلا بأس به » .

مسألة 197 : إذا تنجس أحد الثوبین أو کلاهما بعد التلبس بالإحرام فالأظهر المبادرة إلی التبدیل أو التطهر(1) .

والأحوط مراعاة ذلک فی البدن وکذا فیما لا یأکل لحمه(2) .

مسألة 198 : لا تجب الاستدامة فی لباس الإحرام ، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غیر ضرورة(3) ، کما لا بأس بتبدیله علی أن یکون البدل واجداً للشرائط .

ص:161


1- (1) مر أنه یشترط طهارة ثوبی الإحرام عند عقده ، وهل یشترط ذلک استدامة کما هو ابتداءً ؟ مقتضی ظهور جملة من النصوص اشتراط ذلک ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : سألته عن المحرم یقارن بین ثیابه التی أحرم فیها وبین غیرها ؟ قال : نعم إذا کانت طاهرة » ، وفی صحیحة الأخری قال : سألته عن المحرم یصیب ثوبه الجنابة ؟ قال : لا یلبسه حتی یغسله ، وإحرامه تام » ، ودعوی أن قوله علیه السلام « لا یلبسه » ظاهر فی أنه لم یتحقق اللبس بعد ، باطلة ، لاستعمال مثل هذه الصیغة فی الرفع والدفع ، ومع اشتراط الطهارة استدامة لابد من المبادرة العرفیة للتطهیر أو التبدیل .
2- (2) لظهور النصوص فی اعتبار ذلک حدوثاً وبقاءاً ، فتأمل .
3- (3) لعدم کونه شرطاً فی الإحرام ، وجوبه لیس زائداً علی وجوب ستر العورة .

تروک الإحرام

اشارة

قلنا فی ما سبق : إن الإحرام یتحقق بفرضه وانشائه والتلفظ بنیته لکنه لا یلزم إلّابالتلبیة أو الأشعار أو التقلید وإن تحقق منه الإحرام ، فإذا أحرم المکلف بها حرمت علیه أمور ، وهی خمسة وعشرون کما یلی :

1 - الصید البری ، 2 - مجامعة النساء ، 3 - تقبیل النساء ، 4 - لمس المرأة ، 5 - النظر إلی المرأة ، 6 - الأستمناء ، 7 - عقد النکاح ، 8 - استعمال الطیب ، 9 - لبس المخیط للرجال ، 10 - التکحل ، 11 - النظر فی المرآة ، 12 - لبس الخف والجورب للرجال ، 13 - الکذب والسبّ ، 14 - المجادلة ، 15 - قتل القمل ونحوه من الحشرات التی تکون علی جسد الأنسان ، 16 - التزیین ، 17 - الأدّهان ، 18 - إزالة الشعر من البدن ، 19 - ستر الرأس للرجال ، وهکذا الأرتماس فی الماء حتی علی النساء ، 20 - ستر الوجه للنساء ، 21 - التظلیل للرجال ، 22 - إخراج الدم من البدن 23 - التقلیم ، 24 - قلع السن ، 25 - حمل السلاح .

1 - الصید البری

اشارة

مسألة 199 : لا یجوز للمحرم سواء کان فی الحل أو الحرم صید الحیوان البرّی أو قتله أو إیذائه ، سواء کان محلل الأکل أم لم یکن بل

ص:162

وإن تأهل بعد صیده ، ولا یجوز ذلک فی الحرم مطلقاً وإن کان محلّاً(1) .

مسألة 200 : کما یحرم علی المحرم صید الحیوان البری وإیذائه یحرم علیه إعانة الغیر بذلک ولو بالأشارة ولا فرق فی حرمة الأعانة بین أن یکون محرماً أو محلّاً(2) .

مسألة 201 : لا یجوز للمحرم إمساک الصید البرّی والاحتفاظ به وإن کان الأصطیاد له قبل إحرامه أو اصطاده غیره فی الحل أو الحرم(3) ، ولا یجوز له أکل لحم الصید وإن کان الصائد محلّاً(4) ، ولا یحرم الصید الذی صاده أو ذبحه المحرم فی الحل علی المحل لکن علی المحرم فداؤه(5) ،

ص:163


1- (1) بلا خلاف فی کلا الشقین ، للنصوص المستفیضة .
2- (2) ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام « لا تدلن علیه محلاً ولا محرماً فیصطاده ، ولا تشر إلیه فیستحل من أجلک فإن فیه فداء لمن تعمد » ، وغیرها من الروایات .
3- (3) وکأن الحکم متسالم علیه بین الخاصة ، بل والعامة أیضاً ، وتشهد له بعض النصوص ، ففی الصحیح إلی ابن أبی عمیر عن أبی سعید المکاری عنه علیه السلام قال : لا یحرم أحد ومعه شیء من الصید حتی یخرجه من مکة » .
4- (4) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة عمر بن یزید عنه علیه السلام « ولا تأکل مماصاده غیرک » .
5- (5) لصحیحة منصور بن حازم قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل اصاب صیداً وهو محرم ، آکل منه وأنا حلال ؟ قال : أنا کنت فاعلاً ، قلت : رجل أصاب مالاً حراماً ؟ فقال : لیس هذا مثل هذا یرحمک الله ، إن ذلک علیه » وفی صحیحته الأخری قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أصاب من صید أصابه محرم وهو حلال ، قال : فلیأکل منه الحلال ، ولیس علیه شیء ، إنما الفداء علی المحرم » ومثلهما صحیحة حریز ومعاویة ، وفی قباله موثقة إسحاق عنه علیه السلام قال : إن علیاً علیه السلام کان یقول : إذا ذبح المحرم الصید فی غیر الحرم فهو میتة لا یأکله محل و محرم » ، وقد جمع بینهما بأن موردها فی القتل بالصید ومورد الموثق فی ذبح الصید ، والجمود علی ألفاظ الروایات یقتضی ذلک ، وجمع بینهما أیضاً بحمل الروایات المجوز علی وقوع التذکیة بید المحل ووقوع الإمساک بید المحرم ، ویحتمله بدوا صحیحة منصور الثانیة ، قلت : والامر مشکل والاحتیاط طریق النجاة ، وجزم الماتن دام ظله غریب ، نعم موافقة الموثقة للعامة ، وقوله علیه السلام فی صحیحة منصور « أنا کنت فاعلاً » من إسناد الفعل إلی ذاته علیه السلام قبال أئمة العامة قرائن یمکن الجزم من خلالها بالحکم ، فتدبر .

والأحوط أن یتصدق به علی مسکین(1) ، ولا یحل ما اصطید أو ذبح فی الحرم من محل أو محرم(2) ، وإن لم یکن میتة وعلیه فداؤه(3) ، وکذلک لو

ص:164


1- (1) لصحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : « المحرم إذا قتل الصید فعلیه جزاؤه ، وتصدق بالصید علی مسکین » .
2- (2) ففی صحیحة منصور بن حازم عنه علیه السلام - فی الحمام - : وإذا دخل الحرم حیاً ثم ذبح فی الحرم فلا یأکله لأنه ذبح بعدما دخل مأمنه » .
3- (3) لسکوت الروایات عن میتة المذبوح وأن عمدة حکمه الفداء والکفارة ، وفی کثیر من فروض تلک الروایات قد فرض حصول الأکل من الصید ، فکان من المناسب التنبیه علی میتته ونجاسته ونحو ذلک ، ویعضده إطلاق روایات المضطر إلی الصید أو المیتة الشاملة لکل من المحل والمحرم فی الحرم ، کما فی موثقة یونس قال : سألت أبا عبد الله عن المضطر إلی میتة وهو یجد الصید ، قال : یأکل الصید ، قلت : إن الله عز وجل قد أحل له المیتة إذا اضطر إلیها ولم یحل له الصید ؟! قال : أتأکل من مالک أحب إلیک أم المیتة ؟ قلت : من مالی ، قال : هو مالک ، لأن علیک فداؤه ، قلت : فإن لم یکن عندی مال ؟ قال : تقضیه إذا رجعت إلی مالک » ، فالتعلیلُ الوارد فی روایات المضطر بثبوت الفداء الموجب لملکیة الصید بغض النظر عن الاضطرار ، دالٌ علی المالیة وعدم میتیته ، أما موثقة إسحاق الدالة علی المیتة فقد عرفت موافقتها للعامة .

اصطید فی الحرم وذبح فی الحل ، والجراد ملحق بالحیوان البری فیحرم صیده وامساکه وأکله(1) .

مسألة 202 : الحکم المذکور إنما یختص بالحیوان البری وأما صید البحر کالسمک فلا بأس به(2) ، والمراد بصید البحر ما یعیش فیه فقط أو ما یفرخ فیه ، وأما ما یعیش فی البر والبحر کلیهما إن کان یفرخ فی البر فملحق بالبری وإلّا فبحری ، هذا فی غیر الطائر فهی بریة مطلقاً(3) ، ویجب اجتناب صید ما یشک فی کونه بریاً فی الحل أو الحرم علی الأظهر ، وکذا ما یشک فی کونه أهلیاً(4) .

ص:165


1- (1) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : مر علی صلوات الله وسلامه علیه علی قوم یأکلون جراداً وهم محرمون ، فقال : سبحان الله ، وأنتم محرمون ! فقالوا : إنما هو من صید البحر ، فقال : ارمسوه فی الماء إذن » .
2- (2) نصاً وإجماعاً ، قال تعالی أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَکُمْ وَ لِلسَّیّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً .
3- (3) لقوله علیه السلام فی صحیحة الطیار : لا یأکل المحرم طیر الماء » .
4- (4) الشک تارة فی الشبهة الحکمیة ، وأخری فی الموضوعیة ، والحکمیة أیضاً تارة فی المتولد بین البری والبحری ، أو البری والأهلی ، وثالثة الشک فی اندراج نوعه فی البری ، ثم إن کلتا الشبهتین تارة فی الحل ، وأخری فی الحرم ، فقد یقرر التمسک بعموم حرمة الصید کما فی الآیة والروایات ، وغایة ما خرج عنها صید البحر ، بضمیمة تنقیح العدم الأزلی لعدم الخاص ، إلا أنه یشکل علیه بأن ذلک تام فی غیر المخصص المنوّع ، أی الذی یبقی نوعاً واحداً تحت العام ، کما هو الحال فی عمومات النکاح بعد خروج المنقطع عنها .وقد یقرر العموم بالصیغة الواردة فی صحیحة معاویة « ثم اتقی قتل الدواب کلها إلا الأفعی والعقرب والفأرة » أو بعموم قوله تعالی وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً فیما اذا کان فی الحرم .

مسألة 203 : فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحیوانات البریة والبحریة والأهلیة وبیضها تابعة للأصول فی حکمها(1) .

مسألة 204 : لا یجوز للمحرم قتل السباع والدواب إلّافیما إذا خیف منها علی النفس أو کان أهلیاً وکذا إذا آذت حمام الحرم(2) ، والأحوط فی قتل السباع کالأسد وغیره الکفارة بکبش فیما لم یجز قتله(3) .

ص:166


1- (1) ففی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : فی قیمة الحمام درهم ، وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیضة ربع درهم » ، وأشکل بأن ثبوت الکفارة أعم من الحرمة ، وفیه : أن الظهور الأولی لمفاد ومقتضی الکفارة هو الحرمة .
2- (2) ففی صحیحة حریز عنه علیه السلام : کل ما یخاف المحرم علی نفسه من السباع والحیات وغیرها فلیقتلها ، وإن لم یردک فلا ترده » .
3- (3) وفاقاً لابن بابویه والشیخ فی الخلاف والنهایة ، وابن حمزة وجامع الشرائع ، تمسکاً بروایة - معتبرة - المکاری ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام رجل قتل أسداً فی حرم ، قال : علیه کبش یذبحه » ، وما فی الشرائع والنافع من کون الروایة ضعیفة غریب جداً فإن رجالها ثقات بما فیهم المکاری وإن کان واقفیاً ، ووجه التعمیم من الشیخ فی الخلاف وإن خص الکفارة فی المبسوط بالأسد کون لفظة الأسد تستعمل فی مطلق السبع المشابه کالنمر والفهد ونحوهما من السباع المفترسة دون الذئب والثعلب وما شبهها ، وذهب الأکثر علی عدم الفدیة مطلقاً لصحیحة حریز عن أبی عبد الله علیه السلام : کلما یخاف المحرم من السباع والحیات وغیرهما ، فلیقتله وإن لم یردک فلا ترده » وهی لا تعارض الروایة السابقة لإمکان التخصیص ، مع أن صحیحة حریز لا نظر لها لوجوب الکفارة ، ولا تنافی القول بوجوبها فیما إذا لم تکن السباع مؤذیة ، نعم یمکن القول بکون المعتبرة موردها فی قتل الأسد فی الحرم لا حالة الإحرام ، ومنه تعرف وجه الاحتیاط .

مسألة 205 : یجوز للمحرم أن یقتل الأفعی والأسود الغدر ، وکل حیة سوء ، والعقرب والفأرة(1) ، وکل حیوان خیف منه علی النفس(2) ، ولا کفارة فی قتل شیء من ذلک(3) .

مسألة 206 : لا بأس للمحرم أن یرمی الغراب العادی والحدأة(4) ، ولا کفارة لو أصابهما الرامی وقتلهما(5) .

ص:167


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة الحسین بن أبی العلاء عنه علیه السلام قال : یقتل المحرم الأسود الغدر والأفعی والعقرب والفأرة ، فإن رسول الله صلی الله علیه وآله سماها الفاسقة والفویسقة ، ویقذف الغراب ، واقتل کل واحد منهن یریدک » ، وغیرها من الروایات .
2- (2) یشهد له ذیل صحیحة الحسین بن أبی العلاء ، وصحیحة معاویة وفیها : « کل شیء أرادک فاقتله » .
3- (3) لعدم الدلیل .
4- (4) تمسکاً بالروایات .
5- (5) لعدم الدلیل علیها .

کفارات الصید

مسألة 207 : فی قتل النعامة بدنة ، وفی قتل بقرة الوحش بقرة ، وفی قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة ، وفی قتل الظبی والأرنب شاة(1) ، وکذلک فی الثعلب علی الأظهر(2) .

مسألة 208 : من أصاب شیئاً من الصید فإن کان فداؤه بدنة ولم یجدها فعلیه إطعام ستین مسکیناً لکل مسکین مُدّ ، فإن لم یقدر صام

ص:168


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : فی النعامة بدنة ، وفی حمار الوحش بقرة ، وفی الظبی شاة ، وفی البقرة بقرة » ، وفی صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الأرنب یصیبه المحرم ؟ قال : شاة هَدْیاً بالِغَ الْکَعْبَةِ » .
2- (2) بلا خلاف فیه ، بل ظاهر الغنیة الاجماع علیه ، تمسکاً بصحیحة البزنطی عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن محرم أصاب أرنباً أو ثعلباً ، فقال : فی الأرنب دم شاة » ، ولا ینافی تخصیص الأرنب بالشاة ، لمعلومیة التساوی بینهما ، بل لعل الثعلب أولی بالشاة .وفی مصححة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قتل ثعلباً ؟ قال : علیه دم ، قلت : فأرنباً ؟ قال : مثل ما فی الثعلب » واشتمال المصححة علی ابن أبی حمزة البطائنی لا یضر إذ قد أجمعت الطائفة کما قال الشیخ علی العمل بروایاته ، وقد قاطعة الأصحاب بعد وقفه ، والراوی عنه البزنطی الذی قد أجمعت الطائفة علی تصحیح ما یصح عنه ، فالتوقف فی السند وسوسة .

ثمانیة عشر یوماً ، وإن کان فداؤه بقرة ولم یجدها فلیطعم ثلاثین مسکیناً ، فإن لم یقدر صام تسعة أیام وإن کان فداؤه شاة ولم یجدها فلیطعم عشرة مساکین ، فإن لم یقدر صام ثلاثة أیام(1) .

مسألة 209 : إذا قتل المحرم حمامة ونحوها فی خارج الحرم فعلیه شاة ، وفی فرخها حمل أو جدی وکذلک فی کسر البیض المشتمل علی فرخ یتحرک ، وفی کسر بیضها المشتمل علی فرخ لم یتحرک درهم(2) ، وفی بیضها غیر المشتمل علی فرخ نصف درهم(3) ، وإذا قتلها المحل فی الحرم فعلیه درهم(4) ، وفی فرخها نصف درهم ، وفی بیضها ربع

ص:169


1- (1) تمسکاً بالروایات ، ففی صحیحة علی بن جعفر قال : سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما علیه ؟ قال علیه السلام : علیه بدنة ، فإن لم یجد فلیتصدق علی ستین مسکیناً ، فإن لم یجد فلیصم ثمانیة عشر یوماً » قال : وسألته عن محرم أصاب بقرة ما علیه ؟ قال : علیه بقرة ، فإن لم یجد فلیتصدق علی ثلاثین مسکیناً ، فإن لم یجد فلیصم تسعة أیام » ، قال : وسألته عن محرم أصاب ظبیاً ما علیه ؟ قال : علیه شاة ، فإن لم یجد فلیتصدق علی عشرة مساکین ، فإن لم یجد فلیصم ثلاثة أیام » .
2- (2) یشهد له صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : المحرم إذا أصاب حمامة ففیها شاة ، وإن قتل فراخه ففیه حمل ، وإن وطیء البیض فعلیه درهم » .
3- (3) تمسکاً بصحیحة إبراهیم بن عمر وابن خالد قالا : قلنا لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أغلق بابه علی طائر ؟ فقال : إن کان أغلق الباب بعد ما أحرم فعلیه شاة ، وإن علیه لکل طائر شاة ، ولکل فرخ حملاً ، وإن لم یکن تحرک فدرهم ، وللبیض نصف درهم »
4- (4) یشهد له صحیحة صفوان عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : من أصاب طیراً فی الحرم وهو محل فعلیه القیمة ، والقیمة درهم یشتری علفاً لحمام الحرم » .

درهم(1) . وإذا قتلها المحرم فی الحرم فعلیه الجمع بین الکفارتین(2) ، وکذلک فی قتل الفرخ وکسر البیض .

مسألة 210 : فی قتل القطاة والحَجَل والدُرّاج ونظیرها حَمْل قد فطم من اللبن وأکل من الشجر(3) ، وفی العصفور والقُبّرة والصعوة مُدّ من

ص:170


1- (1) ففی صحیحة ابن الحجاج عنه علیه السلام قال : فی قیمة الحمام درهم ،وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیضة ربع درهم » .
2- (2) ففی صحیحة الحلبی عن الصادق علیه السلام قال : إن قتل المحرم حمامة فی الحرم فعلیه شاة وثمن الحمامة درهم ، أو شبهه یتصدق به ، أو یطعمه حمام مکة ، فإن قتلها فی الحرم ولیس بمحرم فعلیه ثمنها » .
3- (3) ففی صحیحة سلیمان بن خالد عن الصادق علیه السلام قال : وجدنا فی کتاب علی : فی القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن وأکل من الشجرة » ، وفی صحیحة الأخری عن أبی جعفر علیه السلام قال : فی کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام : من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظیرهن فعلیه دم » ، وتوقف فی سندها السید الخوئی قدس سره ، باعتبار وقوع محمد بن عبد الحمید بن سالم العطار وهو لم یوثق ، ذکره النجاشی فقال : « محمد بن عبد الحمید بن سالم العطار أبو جعفر - روی عبد الحمید عن أبی الحسن موسی علیه السلام - وکان ثقة من أصحابنا الکوفیین ، له کتاب النوادر » قال : فالتوثیق راجع إلی الأب لا الإبن ، کما هو مقتضی وصله ، قلت : لکن قول النجاشی « له کتاب » قرینة علی أن التوثیق راجع إلیه ، فقوله روی عبد الحمید عبارة معترضة ، وبه ینحل الإشکال ، إذ الضمیر فی قوله « وکان ثقة » وقوله « له کتاب » راجع لواحد ، وإلا یلزم التفکیک الرکیک ، وروایات الأب قلیلة بخلاف الإبن .

الطعام(1) ، والأحوط الأولی فیها حمل فطیم(2) ، وفی قتل جرادة واحدة تمرة(3) ، وفی أکثر من واحدة کف من الطعام ، وفی الکثیر شاة(4) .

مسألة 211 : فی قتل الیربوع والقنفُذ والضب وما أشبهها جدی(5) ، وفی قتل العظایة کف من الطعام(6) .

مسألة 212 : فی قتل الزنبور متعمداً إطعام شیء من الطعام وإذا کان القتل دفعاً لایذائه فلاشیء علیه(7) .

ص:171


1- (1) ففی معتبرة صفوان عن بعض أصحابنا عن الصادق علیه السلام فی القنبرة و العصفور والصعوة یقتلهم المحرم ، قال : علیه مد من طعام لکل واحد » .
2- (2) لاحتمال شمولها لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن خالد المتقدمة « أو نظیرهن » .
3- (3) ففی صحیحة زرارة عنه علیه السلام فی محرم قتل جرادة ؟ قال : یطعم تمرة ، وتمرة خیر من جرادة » .
4- (4) یشهد له صحیحة محمد بن مسلم عنه علیه السلام ، قال : سألته عن محرم قتل جراداً ؟ قال : کف من طعام ، وإن کان أکثر فعلیه دم شاة » .
5- (5) تمسکاً بصحیحة مسمع عنه علیه السلام قال : فی الیربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعلیه جدی ، والجدی خیر منه ، وإنما جعل هذا لکی ینکل عن فعل غیره من الصید » .
6- (6) ویشهد له صحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام عن محرم قتل عظایة ؟ قال : کف من طعام » .
7- (7) یدل علیه صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : سألته عن محرم قتل زنبوراً ؟ قال : إن کان خطأً فلیس علیه شیء ، قلت : لا بل متعمداً ؟ قال : یطعم شیئاً من طعام ، قلت : إن أرادنی ؟ قال : إن أرادک فاقتله » .

مسألة 213 : یجب علی المحرم أن ینحرف عن الجادة إذا کان فیها الجراد فإن لم یتمکن فلا بأس بقتلها(1) .

مسألة 214 : لو اشترک جماعة محرمون فی قتل صید فعلی کل واحد منهم کفارة مستقلة(2) .

مسألة 125 : کفارة أکل الصید ککفارة الصید نفسه علی الأظهر فلو صاده المحرم وأکله فعلیه کفارتان(3) .

مسألة 216 : من کان معه صید ودخل الحرم وجب علیه إرساله فإن لم یرسله حتی مات لزمته القیمة(4) ، بل الحکم کذلک بعد إحرامه وإن لم

ص:172


1- (1) ففی صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : علی المحرم أن یتنکّب الجراد إذا کان علی طریقه ، فإن لم یجد بداً فقتل فلا بأس » ، وفی صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال : المحرم یتنکّب الجراد إذا کان علی الطریق ، فإن لم یجد بداً فقتل فلا شیء علیه » .
2- (2) للروایات المتعددة ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : إذا اجتمع قوم علی صید وهم محرمون فی صیده أو أکلوا منه ، فعلی کل واحد منهم قیمته » ، وفی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام عن قوم اشتروا ظبیاً فأکلوا منه جمیعاً وهم حرم ما علیهم ؟ قال : علی کل من أکل منهم فداء صید ، کل إنسان منهم علی حدته فداء صید کاملاً » .
3- (3) تدل علیه صحیحة علی بن جعفر السابقة ، وغیرها من النصوص .
4- (4) ففی موثقة بکیر قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل أصاب ظبیاًفأدخله الحرم فمات الظبی فی الحرم ؟ فقال : إن کان حین أدخله خلی سبیله فلا شیء علیه ، وإن کان أمسکه حتی مات فعلیه الفداء » .

یدخل الحرم علی الأحوط (1) .

مسألة 217 : لا فرق فی وجوب الکفارة فی قتل الصید وأکله بین العمد والسهو والجهل(2) .

مسألة 218 : تتکرر الکفارة بتکرر الصید جهلاً أو نسیاناً أو خطأً(3) ، وکذلک فی العمد إذا کان الصید من المحل فی الحرم(4) ، أو من المحرم مع تعدد الإحرام ، وأما إذا تکرر الصید عمداً من المحرم فی إحرام واحد لم تعدد الکفارة(5) .

2 - مجامعة النساء

مسألة 219 : یحرم علی المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع قبل التقصیر ، وأثناء العمرة المفردة وأثناء الحج وبعدهما قبل الأتیان بطواف

ص:173


1- (1) لأنه اتلاف فی الصید فیندرج فی أصابة الصید .
2- (2) تبعاً للروایات ، ومنها تعرف الفرق بینه وبین سائر الکفارات .
3- (3) تمسکاً بالروایات ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام فی المحرم یصیب الصید ، قال : علیه الکفارة فی کل ما أصاب » .
4- (4) لکون الروایات الدالة علی عدم التعدد فی الجزاء فی المحرم لا المحل .
5- (5) ولکن ینتقم الله منه ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : المحرم إذا قتل الصید فعلیه جزاؤه ویتصدق بالصید علی مسکین ، فإن عاد فقتل صیداً آخر لم یکن علیه جزاؤه ، وینتقم الله منه ، والنقمة فی الآخرة » .

النساء(1) - لا صلاته -(2) .

مسألة 220 : إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً سواء کان بعد السعی أو قبله لم تفسد عمرته(3) ، ووجبت علیه الکفارة وهی جزور ومع العجز عنه بقرة ومع العجز عنها شاة(4) ، فإن کان قبل

ص:174


1- (1) نصاً وإجماعاً ، والنصوص بذلک مستفیضة بل متواترة .
2- (2) لکون امتداد الحرمة إلی صلاة الطواف مبنی علی جزئیة الصلاة فی الأعمال ، وهو خلاف المشهور ، ویشهد له معتبرة أبی بصیر عنه علیه السلام فی رجل نسی طواف النساء ، قال : إذا زاد علی النصف وخرج ناسیاً أمر من یطوف عنه ، وله أن یقرب النساء إذا زاد علی النصف » .
3- (3) خلافاً للمشهور ، بل قیل بعدم الخلاف ، والظاهر من کلام المشهور عدم فساد النسک بمعنی البطلان بشهادة ما ذکروه فی مسألة من أفسد نسکه بالجماع ثم أحصر کان علیه بدنة للافساد ودم للاحصار ، مما یدل علی أنه لا یخرج من إحرامه بالجماع بل یبقی علیه ، ولا یتحلل إلا بالمضی وإتمام النسک ، قال فی الغنیة : « ولیس للمخالف أن یقول إن الحج قد فسد بالوطیء الأول ، والثانی لم یفسده فلا یجب به کفارة ، لأنه وإن فسد بالاول فحرمته باقیة بدلیل وجوب المضی فیه ، فتعلقت الکفارة بالمستأنف منه » ، وشهادة الروایات الدالة علی الفصل بین العمرتین ، الدال علی أن لفظة الفساد بمعنی النقصان لا البطلان ، فتدبر .
4- (4) علی المشهور ، والروایات علی ثلاث طوائف : ففی صحیحة معاویة أنه ینحر جزوراً ، وفی صحیحة الحلبی علیه جزور أو بقرة ، وفی صحیحة ابن مسکان علیه دم شاة ، ومقتضی الجمع بینها إما التخییر والحمل علی الأفضلیة ، وإما ماذهب إلیه المشهور بالترتیب بین الموسر ومتوسط الحال والفقیر استئناساً بالروایات الواردة فی بعض أحکام النظر ، ولصحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام - فی حدیث - : فمن رفث فعلیه بدنة ینحرها ، وإن لم یجد فشاة » ، والذی یساعد علیه الاعتبار الأول ، إلا أن مخالفة المشهور مشکل فلا یترک الاحتیاط .

السعی وجب علیه - أیضاً - قضاء عمرته فی الشهر اللاحق عقوبةً ، ولا یخرج من مکة حتی یؤدیها(1) .

مسألة 221 : إذا جامع المحرم للحج امرأته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت علیه الکفارة والأتمام واعادة الحج من العام القابل ، سواء کان الحج فرضاً أو نفلاً(2) ، بل الأقوی ثبوت الکفارة لو وطأ غیر امرأته أیضاً(3) ، کما أن الأحوط - إن لم یکن أظهر(4) - إعادة

ص:175


1- (1) یشهد لذلک صحیحة برید قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشی أهله قبل أن یفرغ من طوافه وسعیه ، قال : علیه بدنة لفساد عمرته ، وعلیه أن یقیم إلی الشهر الآخر فیخرج إلی بعض المواقیت فیحرم بعمرة » ومثلها دلالة صحیحة مسمع ، وهما وإن کان موردهما العمرة المفردة فعمرة التمتع هی أیضاً عمرة مفردة أدخلت فی الحج ، فمن ثم اعتبر فیها کل ما اعتبر فی المفردة إلا ما أخرجه الدلیل کسقوط طواف النساء ونحو ذلک .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالنصوص .
3- (3) لظهور أخذ المرأة والأهل من باب الغلبة ، ویؤیده أخذ مطلق الرفث فی الآیة القِرانیة فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ ، وفی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام « فمن رفث فعلیه بدنة ینحرها وإن لم یجد فشاة » ، ولذا قال فی الانتصار : ومما ظن انفراد الإمامیة به القول بأن المحرم إذا تلوط بغلام أو أتی بهیمة أو أتی امرأة فی دبرها فسد حجه وعلیه بدنة ، وأن ذلک جاری مجری الوطأ فی القبل ، ونظیره فی الخلاف والتذکرة ، قلت : مذهب المالکیة والشافعیة والحنابلة بطلان الحج باتیان البهیمة ، ولم یخالف فی ذلک سوی الحنفیة .
4- (4) لعدم اختصاص ثبوت الاتیان بالحج من قابل بجماع الزوجة بل یعم الزنا ، لظهور أخذ المرأة والأهل فی الروایات من باب الغلبة ، ووجه التوقف بدواً التنصیص فی الروایات بالاتیان بالحج من قابل فی خصوص الزوجة ، بخلاف الأمر فی ثبوت الکفارة فإن إطلاق صحیحة علی بن جعفر المتقدمة شامل لغیر الزوجة أیضاً .

الحج من قابل أیضاً لو کان قبل الوقوف ، وحکم المرأة إذا کانت محرمة وعالمة بالحال ومطاوعة له علی الجماع حکم الرجل(1) .

ولو کانت المرأة مکرهة علی الجماع لم یفسد حجها وتجب علی الزوج المکرِه کفارتان ، والأحوط (2) ثبوت الکفارة علی الموطوء غیر امرأته إذا کان مطاوعاً .

وکفارة الوطیء بدنة مع الیسر ومع العجز عنها شاة(3) .

ویجب أن لا یخلو الرجل والمرأة فی حجتهما(4) ، وفی المعادة إلی أن یرجعا إلی منی وإلی نفس المحل الذی وقع فیه الجماع(5) ، والأحوط

ص:176


1- (1) بلا خلاف ، تمسکاً بصحیحة معاویة قال : سألته علیه السلام عن رجل محرم واقع أهله فیما دون الفرج ، قال : علیه بدنة ولیس علیه الحج من قابل ، وإن کانت المرأة تابعته علی الجماع فعلیها مثل ما علیه ، وإن استکرهها فعلیه بدنتان ، وعلیه الحج من قابل » ، وفی بعض النسخ « وعلیهما الحج من قابل » المحمول علی ما إذا کانت مطاوعة له ، بشهادة صحیحة سلیمان بن خالد ، وفیها « وإن کانت المرأة لم تعن بشهوة واستکرهها فلیس علیها شیء » .
2- (2) بل الأظهر ، ومستنده ما تقدم ، من أخذ الزوجة والاهل من باب الغلبة .
3- (3) لصحیحة علی بن جعفر المتقدمة .
4- (4) والحکم محل وفاق ، تمسکاً بصحیحة سلیمان بن خالد وفیها « ویفرق بینهما حتی یفرغان من المناسک ، وحتی یرجعا إلی المکان الذی أصابا فیه ما أصابا » .
5- (5) والروایات علی طوائف ، الأولی : ما دلت علی أن منتهی التفریق هو المحل الذی أصابا فیه الجماع ، کصحیحة معاویة وزرارة والحلبی ، الثانیة : ما دلت علی أن منتهاه بلوغ الهدی محله ، کصحیحة معاویة الأخری ، والثالثة : ما دلت علی أن منتهاه مکة المکرمة کروایة أبن أبی حمزة ، وقد جمع بینهما بحمل الحد الزائد علی الاستحباب ، وأن اللازم بلوغ الهدی محله ، وفیه - وإن کان متیناً - أن محل الإصابة لیس من الضروری أن یکون متأخراً عن منی ، إذ قد یکون قبل منی ، کما لو کان فی المزدلفة ، فبین الحدین عموم وخصوص من وجه ، وقیل : بأن صحیحة الحلبی وفیها « یفرق بینهما حتی ینفر الناس ویرجعا إلی المکان الذی أصابا منه ما أصابا ، قال : قلت : أرأیت إن أخذا فی غیر ذلک الطریق إلی أرض أخری یجتمعان ؟ قال : نعم » أخص بالنسبة إلی کل من الطائفتین فیخصص الطائفة الثانیة وتنقلب النسبة بینهما وبین الأولی والنتجیة التفصیل بینما إذا وقع الجماع قبل منی فیکون هو المنتهی ، وما إذا وقع بعدها فیکون المنتهی منی ، وبالتالی سیکون المدار علی أقصی الحدین ، وهو موافق للاحتیاط ، إلا أن الکلام فی کون صحیحة الحلبی أخص فإن ذکر الإصابة بعد النفر لا یستلزم تأخر موضع الإصابة عن منی لیدل علی أن موضع الإصابة کان قبل منی من ناحیة مکة ، نعم الروایة دالة علی لزوم تحقق القیدین فتکون النتیجة مفادها لزوم أقصی الحدین ، فتکون نسبتها مع الطائفتین نسبة الخصوص المطلق إن لوحظت النسبة بین الأدلة بلحاظ المحمول أیضاً لا الموضوع فقط .وقد یقال أن الغایة حیث أنها سبب الحلیة والنسبة بینهما من وجه فمقتضی القاعدة الجمع بینهما ب « أو » کما فی حد الترخص فی التقصیر ، إلا أن هذا وإن کان مقتضی القاعدة فی الجمع بین الأسباب الورادة علی مسبب واحد ، لکن خصوص صحیحة الحلبی دالة علی أن الجمع بینهما جمع واوٍ .

استمرار الفصل إلی الفراغ من تمام أعمال الحج .

مسألة 222 : إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة ولو لیلاً فإن کان ذلک قبل طواف النساء وجبت علیه الکفارة

ص:177

علی النحو المتقدم(1) ، ولکن لا تجب علیه الأعادة(2) ، وکذلک إذا کان جماعه قبل اتمام النصف من طواف النساء ، وأما إذا کان بعده فلا کفارة علیه أیضاً(3) .

مسألة 223 : من جامع امرأته عالماً عامداً فی العمرة المفردة وجبت علیه الکفارة علی النحو المتقدم ، ولا تفسد عمرته سواء کان الجماع بعد السعی أو قبله وعلیه اتمامه ، ووجب علیه أن یقیم بمکة إلی شهر آخر إذا کان الجماع قبل السعی ثم یخرج إلی أحد المواقیت ویحرم منه للعمرة المعادة(4) .

ص:178


1- (1) تمسکاً بصحیحة معاویة والعیص صحیحة ابن جعفر المتقدمة وغیرها .
2- (2) لعدم الدلیل علیها ، مضافاً إلی تقیید النصوص المتضمنة للإعادة بالجماع قبل المزدلفة ، والظاهر منها تقیید الإعادة بقبلیة المزدلفة ، فلو وقع الجماع فی المزدلفة ولو لیلاً فلا یفسد حجه ولا إعادة علیه ، لعدم شمول النصوص له وتقیدها بقبل أن یأتی المزدلفة .
3- (3) تمسکاً بصحیحة حمران عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل کان علیه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن یبدره ، فخرج إلی منزله ، فانقض ثم غشی جاریته ، قال : یغتسل ثم یرجع فیطون بالبیت طوافین تمام ما کان قد بقی علیه من طوافه ، ویستغفر الله ولا یعود ، وإن کان قد طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشی فقد أفسد حجه وعلیه بدنة ویغتسل ، ثم یعود فیطون أسبوعاً » وقوله « فقد فسد حجه » لیس بمعنی البطلان وإنما بمعنی النقصان ، کما قد ورد فی معتبرة أبی بصیر أن من لم یکفر ببدنة فقد أفسد حجه ، ولیس إفساد الحج بترک البدنة موجب لإعادة الحج من قابل .
4- (4) وقد تقدم الکلام عنه فی عمرة التمتع .

مسألة 224 : المحل إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الکفارة علی زوجته وعلی الرجل أن یغرمها(1) ، والکفارة بدنة .

ص:179


1- (1) المقطوع فی کلام الأصحاب أن المحل إذا جامع أمته المحرمة بإذنه علیه بدنة أو بقرة أو شاة ، تمسکاً بموثقة ابن عمار قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : أخبرنی عن رجل محل وقع علی أمة له محرمة ؟ قال : موسراً أو معسراً ؟ قلت : أجبنی فیهما ، قال : هو أمرها أو لم یأمرها أو أحرمت من قبل نفسها ؟ قلت : أجبنی فیهما ، فقال : إن کان موسراً وکان عالماً أنه لا ینبغی له وکان هو الذی أمرها بالإحرام فعلیه بدنة ، وإن شاء بقرة وإن شاء شاة ، وإن لم یکن أمرها بالإحرام فلا شیء علیه موسراً کان أو معسراً ، وإن کان أمرها وهو معسر فعلیه دم شاة أو صیام » وحیث أنها فی خصوص الأمة فإسراء الحکم إلی الزوجة الحرة لعل فیه شائبة الإشکال ، إلا أن یقطع بعدم الخصوصیة ، بالنسبة للکفارة ، ولعله کذلک لصحیحة معاویة عن أبی عبد الله علیه السلام - فی حدیث - قال : سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هی ، قال : علیه دم یهریقه من عنده » فإذا کانت القبلة کذلک ففی الجماع من باب أولی .ویدل علی خصوص المقام صحیحة أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أحل من إحرامه ولم تحل امرأته فوقع علیها ، قال : علیها بدنة یغرمها زوجها » ، وقد جعلها السید الخوئی قدس سره فی خصوص المحرم الذی أحل من إحرامه ، ولعل فیه تأمل لعدم الخصوصیة بشهادة الموثقة السابقة ، وکونها فی الأمة لا یمنع التمسک بها فی ثبوت الکفارة إذ لا خصوصیة من هذه الجهة ، نعم ما ذهب إلیه هو وجه الجمع بین موثقة عمار وصحیحة ضریس عن رجل أمر جاریته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم یکن هو أحرم ، فغشیها بعدما أحرمت ، قال : یأمرها فتغتسل ، ثم تحرم ولا شیء علیه » .وهل الکفارة علی المرأة ویغرمها الزوج ، أم هی علی الزوج ابتداءً ، صریح الصحیحة الأول والموثقة الثانی ، ولعل الوجه فیه تحمّل السید کفارات الإحرام عن عبده وأمته ، فتدبر .

مسألة 225 : إذا جامع المحرم امرأته جهلاً أو نسیاناً صحت عمرته وحجه ، ولا تجب علیه الکفارة(1) ، وهذا الحکم یجری فی بقیة المحرمات الآتیة التی توجب الکفارة ، بمعنی أن ارتکاب أیّ عمل محرم علی المحرم لا یوجب الکفارة إذا کان صدوره منه ناشئاً عن جهل أو نسیان(2) ، ویستثنی من ذلک موارد :

1 - ما إذا نسی الطواف فی النسک وواقع أهله ، أو نسی شیئاً من السعی فی عمرة التمتع فأحل لاعتقاده الفراغ من السعی ، وما إذا أتی أهله بعد السعی وقبل التقصیر جاهلاً بالحکم .

2 - من أمرّ یده علی رأسه أو لحیته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان .

3 - ما إذا دهن عن جهل ، ویأتی جمیع ذلک فی محالّها .

ص:180


1- (1) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة زرارة قال : سألته عن محرم غشی امرأته وهی محرمة ، فقال : إن کانا جاهلین استغفرا ربهما ومضیا علی حجهما ولیس علیهما شیء » ، وغیرها من النصوص .
2- (2) قال فی المدارک : إنه مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفاً ، وفی الذخیرة : أنه المعروف من مذهبهم ، وفی الریاض : لا خلاف فیه مطلقاً ، وتدل علیه الروایات الکثیرة ، ففی صحیحة زرارة عنه علیه السلام قال : من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ینبغی له لبسه أو أکل طعاماً لا ینبغی له أکله وهو محرم ، ففعل ذلک ناسیاً أو جاهلاً فلیس علیه شیء ، ومن فعله متعمداً فعلیه دم شاة » .

3 - تقبیل النساء

مسألة 226 : لا یجوز للمحرم تقبیل زوجته عن شهوة ، فلو قبلها وخرج منه المنی فعلیة کفارة بدنة أو جزور(1) ، وکذلک إذا لم یخرج منه المنی علی الأحوط إن لم یکن أقوی(2) ، وأما إذا لم یکن التقبیل عن

ص:181


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة مسمع : یا أبا سیار إن حال المحرم ضیقة ،إن قبّل امرأته علی غیر شهوة وهو محرم فعلیه دم شاة ، وإن قبّل امرأته علی شهوة فأمنی فعلیه جزور ویستغفر الله » .
2- (2) واختاره المفید فی المقنعة والمرتضی والشیخ فی النهایة والمبسوطو التهذیب والمحقق فی الشرائع ، ویشهد له صحیحة الحلبی قال : المحرم یضع یده بشهوة ؟ قال : یهریق دم شاة ، قلت : فإن قبّل ؟ قال : هذا أشد ینحر بدنة » ، وأشکل بالتعارض بینها وبین صحیحة مسمع حیث قُیدت الکفارة بالتقبیل بشهوة مع الإمناء بینما أطلق ذلک فی صحیح الحلبی ، فهل یحمل المطلق علی المقید أم یعمل بکل منهما ؟ والصحیح عدم التدافع بین المدلولین من رأس ، ولو سلم فلا یحمل المطلق علی المقید .أما عدم التدافع فلأن صحیح مسمع لم یتعرض للتقبیل کسبب للکفارة بل إنما هو متعرض للاستمناء والذی سیأتی أنه موجب للبدنة حیث أن الاستمناء هو الإقدام علی فعل شهوی لا یأمن فیه بعدم الإنزال ، وذکر التقبیل فی الصحیح المزبور من باب تداخل الأسباب .وأما عدم حمل المطلق علی المقید لو سلم التدافع فلإن المطلق البدلی یحمل علی المقید لا المطلق الاستغراقی .مؤیداً بما عن البطائنی عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل قبّل امرأته وهو محرم ؟ قال : علیه بدنة وإن لم ینزل ، ولیس له أن یأکل منها » ، وأشکل علیها بضعف سندها بسهل بن زیاد والبطائنی وهو قابل للدفع فإن سهلاً لا ینزل حدیثه عن الحسن ، وأما البطائنی فقد نقل الطوسی الإجماع علی العمل بروایاته .

شهوة فکفارته شاة(1) .

مسألة 227 : إذا قبّل الرجل بعد طواف النساء امرأته فعلیه أن یکفر بدم شاة إن لم تکن المرأة مطاوعة له(2) ، وإلّا فالکفارة علیها أیضاً(3) .

4 - مس النساء

مسألة 228 : لا یجوز للمحرم أن یمس زوجته عن شهوة ، فإن فعل

ص:182


1- (1) کما هو صریح صحیحة مسمع .
2- (2) تشهد له صحیحة معاویة المتقدمة فی المسألة : 224 ، وحسنة زرارة أنه سأل أبا جعفر علیه السلام عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هی قال : علیه دم یهریقه من عنده » ، ولم یتعرض الأصحاب لمضمون الروایتین مما یشعر بإعراضهم عنهما ، واعراضهم جمیعاً یخدش فی حجیة الروایة ، إلا أنه قد عمل بمضمونها المفید فی المقنعة قال : « إذا قبل المحرم امرأته وقد طاف طواف النساء وهی لم تطف ، فعلیها دم تهریقه إن کانت آثرت ذلک منه ، وإن کان أکرهها غرم عنها ذلک » وبه قال سلار فی ا لمراسم ، واختاره العلامة فی التذکرة ، فما فی الجواهر من قوله : « ولم یحضرنی أحد عمل به علی جهة الوجوب » ، جوابه ما تقدم .
3- (3) إثبات الکفارة علی الرجل المحل مع مطاوعة المرأة فیه إشکال ، نعم فی بعض النصوص أنها إن کانت مطاوعة فعلیها الکفارة ، فتکون الروایات الذاکرة للرجل من باب أن ابتداء الفعل غالباً ما یکون منه ، لا التخصیص به دون المرأة .

ذلک لزمه کفارة شاة ، وکذلک المحرمة ، فإذا لم یکن المس عن شهوة فلا شیء علیه(1) .

ص:183


1- (1) تمسکاً بالروایات ، کصحیحة مسمع المتقدمة ، وفی صحیحة الحلبی قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم یضع یده علی أمرأته ، قال : لا بأس ، قلت : فینزلها من المحلم ویضمها إلیه ، قال : لا بأس ، قلت : فإن أراد أن ینزلها من المحمل فلما ضمّها له أدرکته الشهوة ، قال : لیس علیه شیء إلا أن یکون طلب ذلک » .وهل تختص هذه الحرمة بالرجل أو تعم المرأة سواء فی صورة مطاوعتها وتلذذها بمس الرجل لها أو صدور الفعل منها ؟ قد یقرب الحرمة بما فی صحیحة ابن الحجاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یعبث بأهله وهو محرم حتی یمنی من غیر جماع ، أو یفعل ذلک فی شهر رمضان ماذا علیهما ؟ قال : علیهما جمیعاً الکفارة مثل ما علی الذی یجامع » وظاهر تثنیة الضمیر عوده علی الرجل وأهله ، وإن احتمل عوده علی الرجل فی الصورتین : المحرم والصائم ، إلا أن التعبیر ب « جمیعاً » قرینة علی المعیة بین الرجل والمرأة ، لا سیما أنه لو أرید ثبوت الکفارة فی الصورتین لکان الأولی التعبیر « علیه الکفارة فیهما » وعلی هذا التقریب فالروایة مطلقة من حیث إمناء المرأة وعدمه ، وإن کان فی الغالب امناء المرأة قبل الرجل .وفی روایة الأصم قال : حججت وجماعة من أصحابنا وکانت معنا امرأة ، فلما قدمنا مکة جاءنا رجل من أصحابنا فقال : یا هؤلاء قد بلیت ! قالوا : بماذا ؟ قال : شکزتُ بهذه المرأة ، فسألوا أبا عبد الله علیه السلام ، فقال : علیه بدنة ، فقالت المرأة : اسألوا لی أبا عبد الله علیه السلام فإنی قد اشتهیت ، فسألناه : فقال : علیها بدنة » ، والشکز هو الجماع من وراء الثیاب کما فی لسان العرب وإن ذکر فی القاموس والمحیط أنه الجماع ، وذکر فی اللسان أیضاً عن أبی الهیثم أن الشکاز هو الذی ینزل قبل أن یجامع ، لا سیما وأن تعبیر السؤال عن المرأة قد نص فیه مجرد الاشتهاء والتلذذ ، مضافاً إلی أن ذکر اختصاص الرجل فی الروایات من باب التغلیب وابتداء الفعل منه ، فالقول بعموم الحرمة لا یخلو من قوة ، وهو مطابق للاحتیاط .

5 - النظر إلی المرأة وملاعبتها

مسألة 229 : إذا لاعب المحرم إمرأته حتی أمنی لزمته کفارة بدنة(1) ، وإذا نظر إلی امرأة أجنبیة عن شهوة أو غیر شهوة فأمنی وجبت علیه الکفارة ، وهی بدنة أو جزور علی الموسر وبقرة علی المتوسط وشاة علی الفقیر(2) ، وأما إذا نظر إلیها ولو عن شهوة ولم یمن فهو وإن کان مرتکباً لمحرم إلّاأنه لا کفارة علیه(3) .

مسألة 230 : إذا نظر المحرم إلی زوجته عن شهوة فأمنی وجبت علیه الکفارة وهی بدنة أو جزور وأما إذا نظر إلیها بشهوة ولم یمن أو نظر إلیها بغیر شهوة فأمنی فلا کفارة علیه(4) .

ص:184


1- (1) تمسکاً بالروایات ، منها صحیحة ابن الحجاج المتقدمة .
2- (2) یشهد له صحیحة أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام عن رجل محرم نظر إلی ساق امرأة فأمنی ؟ فقال : إن کان موسراً فعلیه بدنة ، وإن کان وسطاً فعلیه بقرة ، وإن کان فقیراً فعلیه شاة » .
3- (3) یدل علیه صحیحة الحلبی قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم ینظر إلی امرأته وهی محرمة ، قال : لا بأس » وهی بإطلاقها تشمل ما إذا نظر إلیها بشهوة ، إن لم تکن منصرفة إلیه لعدم حرمة النظر للزوجة حال الإحرام ، مضافاً إلی أنه لا دلیل علی الحرمة .
4- (4) تمسکاً بصحیحة الحلبی المتقدمة فی المسألة : 228 .

مسألة 231 : الأظهر حرمة مطلق استمتاع المحرم بزوجته فی غیر ما مرّ(1) وإن لم تلزمه الکفارة إلّابالأمناء والمسّ الذی تقدم حکمه ونحوه(2) .

6 - الاستمناء

مسألة 232 : إذا عبث المحرم بذکره فأمنی فحکمه حکم الجماع(3) ،

ص:185


1- (1) کالتلذذ والإصغاء والاستماع للصوت وکذا الشم فی بعض الموارد ، أوالنظر إلی خیال الظل ، أو الصورة الفوتوغرافیة ونحوها .
2- (2) لما ورد فی حکمة تحریم محرمات الإحرام أنه لترک اللذة والرفث ، ویشهد لذلک ما ورد فی صحیحة معاویة فی دعاء الشرط والإحرام عنه علیه السلام : ... أحرم لک شعری وبشری ولحمی ودمی وعظامی ومخی وعصبی من النساء والثیاب والطیب ... » ، ونفی الکفارة فی مثل هذه الموارد فی الروایات لا یدل علی نفی الحرمة ، وهذا واضح .
3- (3) لا خلاف فی حرمة الاستمناء ، کما لا خلاف فی ایجابه للکفارة وهی بدنة ،وانما وقع الخلاف فی إفساد الحج والعمرة إن وقع قبل الوقوف أو السعی ، ووجوب إعادة النسک .ویدل علی فساد الحج ووجوب الإعادة ، موثقة إسحاق بن عمار عنه علیه السلام قال : ما تقول فی محرم عبث بذکره فأمنی ؟ قال : أری علیه مثل ما أری علی من أتی أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل » ، ولا تعارضها صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل محرم وقع علی أهله فیما دون الفرج ، قال : علیه بدنة ولیس علیه الحج من قابل » لعدم التعبیر فیها بلفظ « واقع » بصیغة فاعل لیکون ظاهراً فی الإمناء والوقاع .

وکذلک مطلق الأستمناء علی الأحوط (1) ، وعلیه فلو وقع ذلک فی احرام الحج قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت الکفارة ولزم اتمامه وإعادته فی العام القادم کما إنه لو فعل ذلک فی عمرته مطلقاً قبل الفراغ من السعی لزمه الأتمام والأعادة علی ما تقدم ، وکفارة الأستمناء کفارة الجماع .

7 - عقد النکاح

مسألة 233 : یحرم علی المحرم عقد النکاح لنفسه أو لغیره سواء کان ذلک الغیر محرماً أم محلاً وسواء کان النکاح دائماً أم منقطعاً(2) ، وکذلک

ص:186


1- (1) وهو الذی یدل علیه مقتضی الجمع بین الروایات والظاهر منها عدم التفصیل بین أفراد الامناء ، نعم قد یقال بعدم ثبوت الکفارة لمطلق مصادیق الإمناء ، استناداً للنصوص ، ففی موثقة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یسمع کلام امرأة من خلف حائط وهو محرم ، فتشاهی حتی أنزل ، قال : لیس علیه شیء » ، وفی موثقة سماعة عنه علیه السلام فی المحرم تنعت له المرأة الجمیلة الخلقة فیمنی ، قال : لیس علیه شیء » ، وفی روایة عنه علیه السلام فی محرم استمع علی رجل یجامع أهله فأمنی ، قال : لیس علیه شیء » ، وفیه : أن الاستمناء غیر الإمناء ، ومورد الروایات المتقدمة الإمناء لا الاستمناء ، فتدبر .
2- (2) بلا خلاف أصلا ، بل أدعی علیه الإجماع ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة ابن سنان عنه علیه السلام : لیس للمحرم أن یتزوج ولا یزوج ، فإن تزوج أو زوج محلاً فتزیجه باطل » .

یحرم علی المحل العقد للمحرم(1) ، ویفسد العقد فی جمیع هذه الصور .

مسألة 234 : إذا عُقد لمحرم علی امرأة فدخل بها وکان العاقد والزوج عالمین بتحریم العقد فی هذا الحال فعلی کل منهما کفارة بدنة وکذلک علی المرأة إن کانت عالمة بالحال وإن کان العاقد والمرأة محلّین(2) ، والأحوط ثبوت الکفارة إذا کانت المرأة محرمة وإن کان العاقد والزوج محلّین مع العلم والدخول(3) .

مسألة 235 : المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد والشهادة علیه وهو الأحوط إن لم یکن أقوی(4) ، وذهب بعضهم إلی حرمة أداء

ص:187


1- (1) یشهد له موثقة سماعة عنه علیه السلام قال : لا ینبغی للرجل الحلال أن یزوج محرماً وهو یعلم أنه لا یحل له ، قلت : فإن فعل فدخل بها المحرم ؟ قال : إن کانا عالمین فإن علی کل واحد منهما بدنة ، وعلی المرأة إن کانت محرمة بدنة ، وإن لم تکن محرمة فلا شیء علیها إلا أن تکون قد علمت أن الذی تزوجه محرم ، فإن کانت علمت ثم تزوجته فعلیها بدنة » ، وقوله « لا ینبغی » المراد به التحریم ، بشهادة وجوب الکفارة .
2- (2) تشهد له موثقة سماعة المتقدمة .
3- (3) تمسکاً بموثقة سماعة الدالة علی ثبوت الکفارة علی الأطراف الثلاثة .
4- (4) قال فی الجواهر : بلا خلاف محقق أجده فیه ، بل فی المدارک نسبته إلی قطع الأصحاب ، بل عن الغنیة الاجماع علیه ، بل عن الخلاف دعواه صریحاً ، ومستنده مرسلة ابن أبی شجرة عمن ذکره عن أبی عبد الله علیه السلام فی المحرم یشهد علی نکاح محلّین ، قال : لا یشهد » ، ومرسل الحسن بن علی بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله علیه السلام قال : المحرم لا ینکح ولا ینکح ولا یشهد ولا یخطب ، فإن نکح فنکاحه باطل » ، وقال فی الخلاف : دلیلنا إجماع الفرقة وطریقة الإحتیاط ، ووری عن النبی صلی الله علیه وآله أنه قال : لا ینکح المحرم ، ولا ینکح ، ولا یشهد » ، قلت : و قد رواه مسلم ومالک وأبو داود والنسائی وابن حنبل من العامة ، وذهب مالک والشافعی وبعض الحنابلة إلی جوازه علی کراهة . والصحیح ما فی المتن تمسکاً بمرسلة ابن فضال ، وإرسالها لا یضر بعد کون الارسال بلفظ بعض أصحابنا الذی لا یقصر عن درجة الحسن وکون المرسل ابن فضال والراوی عنه شیخ القمیین الأشعری ووجود الروایة فی الکافی الشریف والتهذیب .

الشهادة علی العقد السابق أیضاً ولکن دلیله غیر ظاهر .

مسألة 236 : الأحوط أن لا یتعرض المحرم لخطبة النساء(1) ، نعم لا بأس بالرجوع إلی المطلقة الرجعیة وبشراء الأماء وإن کان شراؤها بقصد الأستمتاع ، والأحوط (2) أن لا یقصد بشرائه الأستمتاع حال الإحرام ، والأظهر جواز تحلیل أمته وکذا قبوله التحلیل .

8 - استعمال الطیب

مسألة 237 : یحرم شتی استعمالات الطیب بکافة أنواعه سواء کان طیباً بذاته کالزعفران والعود والمسک والورس والعنبر والکافور أو کان مستخلصاً ومتخذاً من شیء آخر کدهن الورد ودهن الریاحین

ص:188


1- (1) یشهد له مرسل ابن فضال والنبوی المتقدمان ، ووجه التوقف حمل المشهور الحکم علی الکراهة ، فالاحتیاط لا یترک .
2- (2) استحباباً .

والعطورات الحدیثة ونحوها ، وسواء کان طیباً للثیاب والبدن أو للطعام والشراب ، بالشم أو اللمس أو الأدهان أو اللطخ والدلک بالبدن أو الثیاب أو بالبخور أو السعوط أو التقطیر أو الأحتقان أو الأکل أو الشرب أو غیرها من الأنحاء التی تعد استعمالاً فی العرف ، وکذلک یحرم شم النباتات ونحوها ذات الرائحة الطیبة کالورود والریاحین والیاسمین والریحان الفارسی ونحوها(1) ، التی تنبت لأجل رائحتها أو یعتاد

ص:189


1- (1) وفاقاً للأکثر ، تمسکاً بالنصوص الکثیرة الناهیة عن التلذذ بالرائحة الطیبة ،کصحیحة معاویة وفیها « ولا تمسک شیئاً من الطیب وأنت محرم ، ولا من الدهن ، وأمسک علی أنفک من الریح الطیبة ، ولا تمسک علیه من الریح المنتنة ، فإنه لا ینبغی للمحرم أن یتلذذ بریح طیبة » ، وفی صحیحة حریز « ولا یمس المحرم شیئاً من الطیب ولا الریحان ولا یتلذذ به » وفی صحیحة هشام « لا بأس بالریح الطیبة فیما بین الصفا والمروة من ریح العطارین ولا یمسک علی أنفه » وفی صحیحة الحلبی ومحمد بن مسلم « المحرم یمسک علی أنفه من الریح الطیبة ، ولا یمسک أنفه من الریح الخبیثة » .والقول الآخر تخصیص الحرمة بأربعة ، وهی : المسک والعنبر والزعفران والورس ، وقول ثالث : بإضافة الکافور والعود .وعمدة مستمسکهم تکملة صحیحة معاویة المتقدمة « واتق الطیب فی زادک ، فمن ابتلی بشیء من ذلک فلیعد غسله ولیتصدق بصدقة بقدر ما صنع ، وإنما یحرم علیک من الطیب أربعة أشیاء : المسک والعنبر والورس والزعفران ، غیر أنه یکره للمحرم الإدهان الطیبة إلا المضطر إلی الزیت أو شبهه یتداوی به » وهی صریحة فی أن المحرم من الطیب أربعة : وقوله علیه السلام « غیر أنه یکره » هی الکراهة الاصطلاحیة للمقابلة بینهما وبین الحرمة .وصحیحة ابن أبی یعفور عنه علیه السلام « الطیب : المسک والعنبر والزعفران والعود » .إلا أنهما غیر کافیتین لتقیید مطلقات الأخبار لکثرتها ، والحصر فی الأربعة إنما هو حرمة الاستعمال مطلقاً ، أکلاً وشماً وصبغاً وبخوراً ، أما فی بقیة الأمور التی لها رائحة طیبة - کالأدهان الطیبة - فلیس المحرم فیها إلا الشم والتلذذ برائحتها .والشاهد : أن الإمام علیه السلام بعد أن أسس ضابطة کلیة « لا ینبغی للمحرم أن یتلذذ بریح طیبة » والریح الطیبة أعم من الطیب - المسک والعنبر والورس والزعفران - والالتذاذ بها لا یکون الإ عبر الشم ، ذکر حکماً آخر مرتبطاً بالطیب - الأربعة - فقال : « واتق الطیب فی زادک » ، فقوله علیه السلام « إنما یکره علیک ... » من حیث الأکل لا من حیث الشم .وقد ذکر الماتن دام ظله فی بحثه أن الحصر إضافیاً ، وساق شواهد کثیرة منها ما ذکرناه ، ومنها حرمة سد الأنف من الروائح الکریهة ، فإنه یدعم عموم حرمة شم الطیب مطلقاً بمقتضی المقابلة ، وانتقاض الحصر فی الأربعة بالعود والکافور ، فالحصر مع مجیئه بعنوان الأربعة آب عن التخصیص ، فلیس هو الإ إضافیاً للتفرقة بین ما هو بذاته وما هو بالاتخاذ ، ومنها التعلیل للنهی عن الشم للریح الطیبة بأنه لا ینبغی للمحرم أن یتلذذ بریح طیبة ، وهذا التعلیل یفید العموم ، مضافاً إلی المغایرة بین الشم وسائر أنواع استعمال الطیب فی الکفارة ، ومنها أن العمومات الناهیة عن الطیب بحد من الاستفاضة والتواتر مع کون لسانها من التشدد بمکان مما یوجب إباؤها عن التخصیص أو الحکومة کما اعترف به غیر واحد ... .

استخلاص الطیب منها بخلاف ما لا تنبت لأجل ذلک ولا یعتاد استخلاص الطیب منها .

فهذه أقسام ثلاثة :

ص:190

فالأول : یحرم مطلق استعمالاته .

والثانی : لا یحرم إلّاشمه فقط .

والثالث : لا یحرم شمه ولا استعماله ، ویندرج فی هذا القسم ما یتخذ لتطیب فضاء الدور والأمکنة کبیوت الخلاء مثل الأذخر والقیصوم والشیح ونحوها من النباتات البرّیة التی لم تتخذ لطیب البدن أو الأکل ، وکذا المواد المصنعة لأجل ذهاب الروائح النتنة من الکنیف ونحوه والسدر والخطمی والحناء .

مسألة 238 : لا بأس بأکل الفواکه والخضروات الطیبة الرائحة کالتفاح والسفرجل والأترج والأشبنت والنعناع ، لکن یکره شمها فینبغی الامساک عن شمها حین الأکل وهو الأحوط (1) .

ص:191


1- (1) لموثقة الساباطی قال : سألته عن المحرم یأکل الأترج ؟ قال : نعم ، قلت : له رائحة طیبة ، قال : الأترج لیس من الطیب » وکونها لیس من الطیب لا یعنی جواز شمها بل لا بد من إمساک الأنف عند الأکل ، والامام علیه السلام قد أقر إرتکاز الراوی علی أن مطلق الرائحة فیها بأس ، وإنما یجوز أکلها لأنها لیس من مصادیق الطیب الأربعة أو الستة التی یجب اجتنابها مطلقاً .ویشهد له ما تقدم من روایات کثیرة والتی بعمومها تدل علی حرمة أن یتلذذ المحرم بالرائحة الطیبة ، وخصوص مرسل ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن التفاح والأترج وما طاب ریحه ؟ فقال : یمسک علی أنفه ویأکله » وظاهر السؤال فیها عن شم رائحة هذه الفواکه بینما فی الموثقة عن الأکل ، وإرسالها لا یضر لکون المرسل ابن أبی عمیر الذی ساوت الطائفة بین مرسلاته ومسنداته ، وکون الإرسال بلفظ بعض أصحابنا ، وأصحابه لا غبار علیهم .

مسألة 239 : لا یجب علی المحرم أن یمسک علی أنفه من الرائحة الطیبة حال سعیه بین الصفا والمروة إذا کان هناک من یبیع العطور(1) ، ولکن علیه أن یمسک علی أنفه من الرائحة الطیبة - من القسمین الأولین المذکورین فی مسألة 237 - فی غیر هذا الحال ، ولا بأس بشم خلوق الکعبة وهو نوع خاص من العطر(2) .

مسألة 240 : إذا استعمل المحرم متعمداً شیئاً من الطیب من القسم الأول - ما هو طیب بذاته - فعلیه کفارة شاة(3) وإن کان مضطراً(4) ،

ص:192


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة هشام : لا بأس بالریح الطیبة فی ما بین الصفاوالمروة من ریح العطارین ولا یمسک علی أنفه » .
2- (2) ففی صحیحة ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن خلوق الکعبة یصیب ثوب المحرم ؟ قال : لا بأس ، ولا یغسله فإنه طهور » .
3- (3) لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : من أکل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فیه طیب فعلیه دم » ، وقوله فی صحیحته الأخری « من لبس ثوباً لا ینبغی له لبسه أو أکل طعاماً لا ینبغی له أکله وهو محرم ففعل ذلک ناسیاً أو جاهلاً فلیس علیه شیء ومن فعله متعمداً فعلیه دم شاة » ، وفی صحیحة معاویة فی محرم کانت به قرحة فداواها بدهن البنفسج ، قال : إن کان فعله بجهالة فعلیه طعام مسکین ، وإن کان تعمد فعلیه دم شاة یهریقه » وفی قبالها معتبرة ابن هارون وفیها « إنی أکلت خبیصاً فیه زعفران حتی شعبت وأنا محرم ، قال : إن فرغت من مناسکک وأردت الخروج من مکة فابتع بدرهم تمراً فتصدق به ، فیکون کفارة لذلک ، ولما دخل فی إحرامک مما لا تعلم » وموردها الجاهل کما هو ظاهر ذیلها ، ویستشعر من ذیلها استحباب ذلک لا وجوبه .وهل تثبت الکفارة فی شم الروائح الطیبة مطلقاً ، الظاهر العدم لعدم الدلیل الواضح ، نعم قد یقال باستحباب التصدق أو وجوبه کما هو ظاهر صحیحة معاویة .
4- (4) لخروج الجهل والنسیان - کما تقدم فی الروایات - دون الإضطرار .

وینبغی التکفیر لشم الرائحة الطیبة من القسم الثانی - ما ینبت للطیب - بالتصدق بقدر ما صنع من الطعام أو بقدر شبعه(1) ، وکذلک إذا استعمل ما هو طیب بذاته من غیر عمد .

والکفارة تتکرر بحسب أنواع الأصناف وکذا تتعدد بحسب المجالس(2) .

مسألة 241 : یحرم علی المحرم أن یمسک علی أنفه من الروائح الکریهة(3) ، نعم لا بأس بالأسراع فی المشی للتخلص من ذلک(4) .

9 - لبس المخیط للرجال

مسألة 242 : یحرم علی المحرم أن یلبس(5) القمیص والقباء

ص:193


1- (1) وقد تقدم وجهه .
2- (2) لأن الأصل فی تعدد الأسباب تعدد المسببات ، إلا أن یدل الدلیل علی خلافه ، وهو لَیْسٌ ، وإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة « أو لبس ثوباً لا ینبغی له لبسه أو أکل طعاماً لا ینبغی له أکله وهو محرم ففعل ذلک ناسیاً أو جاهلاً فلیس علیه شیء ، ومن فعله متعمداً فعلیه دم شاة » شامل للمقام مع تعدد الجنس أو المجالس ، وفی صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المحرم إذا احتاج إلی ضروب من الثیاب ، قال : علیه لکل صنف منها فداء » .
3- (3) لصحیحة معاویة المتقدمة وغیرها .
4- (4) لکون المنهی عنه فی النصوص هو خصوص إمساک الأنف لا غیر .
5- (5) لم یرد فی الروایات ترک لبس المخیط بعنوانه ، وإنما ورد النهی عن لبس أمور خاصة کالسراویل والمدرعة والقمیص ، فلیس ثمة دلیل علی حرمة لبس المخیط مطلقاً حتی لو کان قلیلاً ، بل إطلاق بعض الاخبار شامل لجواز لبس المخیط فی الجملة ، ففی صحیحة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عما یکره للمحرم أن یلبسه ؟ فقال : یلبس کل ثوب إلا ثوباً یتدرعه » .نعم ظهور بعض الأخبار حرمة المخیط کالتی وردت فی السؤال عن الهمیان ، بجوازه لحفظ النقود لأن فیه حجته ، مضافاً إلی الاجماع المطبق للمتقدمین الکاشف عن السیرة العملیة من زمن المعصومین علیهم السلام ، والمتیقن منه ما إذا کانت الخیاطة مقومة للباس .

والسروال والثوب المزرور مع شد أزراره والدرع(1) - وهو کل ثوب یمکن أن تدخل فیه الیدان - وکذا کل ثوب مفصل وإن لم یکن مخیطاً کالملبّد الذی تستعمله الرعاة والمنسوج(2) ، ویستثنی من ذلک « الهمیان » وهو ما یوضع فیه النقود خاصة للاحتفاظ بها ویشدّ علی الظهر أو البطن(3) ، فإنّ لبسه جائز وإن کان من المخیط ، وکذلک لا بأس بالتحزم بالحزام المخیط الذی یستعمله المبتلی بالفتق لمنع نزول الأمعاء

ص:194


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام « لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلا أن تنکسه ، ولا ثوباً تدرعه ، ولا سراویل ، إلا أن لا یکون لک إزار ، ولا خفین إلا أن لا یکون لک نعل » .
2- (2) لإطلاق الروایات والکلمات .
3- (3) تشهد له النصوص ، ففی صحیحة یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یصّر الدارهم فی ثوبه ، قال : نعم ، ویلبس المنطقة والهمیان » ، وفی صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یشد علی بطنه المنطقة التی فیها نفقته ؟ قال : یستوثق منها فإنها تمام حجه » .

فی الانثیین(1) ، ویجوز للمحرم أن یغطی بدنه - ما عدا الرأس - باللحاف ونحوه من المخیط حالة الاضطجاع للنوم وغیره(2) .

مسألة 243 : لا یعقد الأزار والرداء فی عنقه(3) ، بل لا یعقده مطلقاً بنحو یغیر هیئتهما ، وکذا الغرز بالأبرة أو المشقص وغیرهما بالنحو المغیر للهیئة(4) ، نعم یجوز العقد فی المئزر لصرّ النفقة أو لقصر الثوب

ص:195


1- (1) إذ التحفظ علی صحته لا تقل أهمیة من التحفظ علی أمواله ، إذ بدونها لایتمکن من أداء المناسک .
2- (2) اذ المحرم هو لبس بعض الثیاب الخاصة لا التغطیة والافتراش والتحلف ، لعدم صدق اللبس علیها .
3- (3) تمسکاً بظاهر بعض النصوص ، ففی صحیحة الأعرج أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یعقد ازاره فی عنقه ، قال : لا » وفی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : المحرم لا یصلح له أن یعقد ازاره علی رقبته ولکن یثنیه علی عنقه ولا یعقده » ، وقد یستظهر من الصحیحة إرادة عنق البدن بقرینة اقترانه بالرقبة ، ولکن قد یقال بأن لفظة « الازار » حیث أنها تطلق تکون فی مقابل الرداء ، وإن کان الإزار یستعمل کما فی روایات کفن المیت فیما یغطی تمام البدن ، إلا أنه إذا قوبل بالرداء فیراد به المئزر ، والمعروف فی کلمات أعلام العصر إرجاع ضمیر العنق إلی المحرم ، فمن ثم فسروا الإزار بالرداء فمنعوا عقد الرداء فی الرقبة أو مطلقاً ، وأجازوا عقد المئزر .
4- (4) یشهد له مکاتبة الفقیه الحمیری عن صاحب الزمان علیه السلام أنه کتب إلیه یسأله عن المحرم یجوز أن یشد المئز من خلفه علی عنقه بالطول ویرفع طرفیه إلی حقویه ، ویجمعهما فی خاصرته ، ویعقدهما ، ویخرج الطرفین الأخیرین من بین رجلیه ویرفعهما إلی خاصرته ، ویشد طرفیه إلی ورکیه ، فیکون مثل السراویل یستر ما هناک ، فإن المئزر الأول کنا نتزر به إذا رکب الرجل جمله یکشف ما هناک ، وهذا أستر ، فأجاب علیه السلام : جائز أن یتزر الإنسان کیف شاء إذا لم یحدث فی المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة تخرجه به عن حد المئزر ، وغرزه غرزاً ، ولم یعقده ولم یشد بعضه ببعض ، وإذا غطی سرته ورکبته کلاهما فإن السنة المجمع علیها بغیر خلاف تغطیة السرة والرکبتین ، والأحب إلینا والأفضل لکل أحد شده علی السبیل المألوفة المعروفة للناس جمیعاً ، إن شاء الله » ، وسأله : هل یجوز أن یشد علیه مکان العقد تکة ؟ فأجاب : « لا یجوز شد المئزر بشیء سواه من تکة أو غیرها » .

ونحوها من الحاجات ، ویجوز شد المنطقة والهمیان علی المئزر وکذا العمامة(1) ، وإن کان الأحوط ترکه لا سیما الأخیر(2) .

مسألة 244 : یجوز للنساء لبس المخیط مطلقاً عدا الحریر الخالص والقفّازین : وهو لباس خاص یلبس للیدین(3) .

مسألة 245 : إذا لبس المحرم متعمداً شیئاً مما حرم لبسه علیه فکفارته شاة(4) ، وکذلک إذا کان مضطراً فی غیر الساتر والتقیة وهو

ص:196


1- (1) ففی صحیحة عمران الحلبی عنه علیه السلام قال : المحرم یشد علی بطنه العمامة ، وإن شاء یعصبها علی موضع الإزار ، ولا یرفعها إلی صدره » .
2- (2) لاحتیاط صاحب الجواهر قدس سره .
3- (3) بلا خلاف أصلا ، وتشهد له جملة من النصوص ، ففی صحیحة العیص عنه علیه السلام « المرأة المحرم تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفازین » .
4- (4) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة زرارة « أو لبس ثوباً لا ینبغی له لبسه أو أکل طعاماً لا ینبغی له أکله وهو محرم ففعل ذلک ناسیاً أو جاهلاً فلیس علیه شیء ، ومن فعله متعمداً فعلیه دم شاة » .

الأحوط فیهما أیضاً(1) ، وتتعدد الکفارة بحسب ضروب الثیاب .

10 - الاکتحال

مسألة 246 : الاکتحال علی صور :

1 - أن یکون بکحل یعدّ زینة عرفاً کالکحل الأسود أو غیره وهذا حرام(2) ، وتلزمه کفارة شاة علی الأحوط الأولی(3) ، ویسوغ مع

ص:197


1- (1) ووجه الاحتیاط دعوی الإجماع بقسمیه علیه کما فی الجواهر ، وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المحرم إذا احتاج إلی ضروب الثیاب یلبسها ، قال علیه السلام : علیه لکل صنف منها فداء » فهی بإطلاقها تشمل المضطر وغیره ، إلا أنه لا بد من رفع الید عن إطلاقها بحدیث الرفع المشهور ، إلا أن یقال أنه یرفع المؤاخذة دون الکفارة ، فتدبر ، ومقتضی المقابلة فی صحیحة زرارة المتقدمة ثبوتها للاضطرار .نعم یمکن أن یستظهر من روایات لبس السراویل لمن لم یتیسر له الإزار عدم الکفارة علی المضطر ، إلا أن یناقش بأنها فی صدد بیان الحکم التکلیفی لا الوضعی .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة حریز : لا تکتحل المرأة المحرمة بالسواد ،إن السواد زینة » ، وفی صحیحة معاویة قال علیه السلام : « لا یکتحل الرجل والمرأة المحرمان إلا من علة » وغیرها من النصوص .
3- (3) لقصور المقتضی ، بل لعدم الدلیل ، نعم قوله علیه السلام فی حسنة علی بن جعفر : « لکل شیء خرجت - جرحت - من حجک فعلیه فیه دم تهریقه حیث شئت » والروایة ضعیفة سنداً وفق المبانی الرجالیة المتأخرة لعدم التوثیق الصریح لعبد الله بن الحسن الراوی عن ابن جعفر ، مضافاً إلی اختلاف فی النسخة المفضی إلی اختلاف الدلالة .

الاضطرار إلیه(1) .

2 - أن یکون بکحل لا یعدّ زینة عرفاً کما فی بعض الکحل غیر الأسود لکنه یقصد به الزینة فالأحوط الاجتناب عنه(2) ، والأولی التکفیر أیضاً .

3 - أن یکون بکحل لا یعدّ زینة ولا یقصد به الزینة فلا بأس به ولا کفارة علیه(3) .

11 - النظر فی المرآة

مسألة 247 : یحرم علی المحرم النظر فی المرآة للزینة(4) ، وکفارته شاة علی الأحوط الأولی(5) ، وأما النظر فیها لغرض آخر غیر الزینة کالنظر

ص:198


1- (1) بلا خلاف أصلا ، وتشهد له النصوص .
2- (2) لحرمة الزینة ، فقصدها موجباً لتعنون الفعل بالزینة ، وإن لم یکن واقعاًزینة ، فتأمل .
3- (3) نصاً وإجماعاً ، وتدل علیه النصوص .
4- (4) وفاقاً للصدوق والشیخ وأبی الصلاح وابنی ادریس وسعید ، بل الأکثر ،لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة : « لا ینظر المحرم فی المرآة لزینة » ، وعن الجمل والعقود والوسیلة والمهذب والغنیة أنه مکروه ، ویرده النصوص الظاهرة ، ولا مسوغ واضح لحمل النهی علی الکراهة .
5- (5) لعدم الدلیل ، سوی حسنة ابن جعفر المتقدمة .

لعلاج الجروح أو نظر السائق لرؤیة ما خلفه فلا بأس به(1) .

ویستحب لمن نظر فیها للزینة تجدید التلبیة(2) ، وکذلک الحکم فی سائر الأجسام الشفافة أو الصقیلة الأخری التی تعکس الصورة بمثابة المرآة(3) ، بخلاف ما کان عکسه ضعیفاً کالماء الصافی ونحوه وإن کان الأولی اجتنابه(4) ، وأما لبس النظارة فلا بأس به للرجل أو المرأة إذا لم یکن للزینة .

ص:199


1- (1) لکون المستفاد من بعض النصوص حرمة النظر فیها إذا کان بقصد الزینة ، نعم فی بعضها الآخر التعلیل بأنه زینة ، ففی صحیحة حماد عنه علیه السلام قال : « لا تنظر فی المرآة وأنت محرم فإنه من الزینة » ومثلها صحیحة حریز ، لکن قرینة صحیحة معاویة أن علة النهی هو ما کان للزینة إذ لیس النظر للمرآة بما هو هو من الزینة ، مضافاً إلی لغویة القید لو کان الحکم ثابتاً لمطلق النظر للمرآة ، فلکی نفر من اللغویة لابد من الإلتزام بأن التقیید یدل علی عدم ثبوت الحکم لمطلق النظر ، قاله السید الخوئی قدس سره ، ولعل فیه نظر ، والله العالم .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة : « فإن نظر فلیلب » المحمول علی الاستحباب لتسالم الأصحاب علیه ، لا لما أفاده بعض الاعلام من عدم کون النظر إلی المرآة مانعاً من صحة الإحرام ، إذ الالتزام بذلک لا ینافی عدم الوجوب فی المقام تعبداً .
3- (3) إذ لا خصوصیة للمرآة بما هی هی وإنما هی للعلة ، فمع تحققها یتحقق الحکم .
4- (4) إن تحققت العلة تحقق الحکم ، ولا ربط للمرآة أو ما یماثلها ، وصفائهاوعدمه .

12 - لبس الخف والجورب

مسألة 248 : یحرم علی الرجل المحرم لبس الخف والجورب والشمشک(1) ونحوها من ألبسة القدم(2) ، سواء کان ساتراً لتمام ظهر القدم أو لا(3) ، وکفّارة ذلک شاة(4) ، ولا بأس بلبسهما للنساء(5) ، وإذا لم یتیسّر للمحرم نعلٌ أو شبهه ودعت الضرورة إلی لبس الخف فلیخرقه من الأعلی (6) ،

ص:200


1- (1) الشمشک : المشایة البغدادیة ، وقیل هو نوع من الخف .
2- (2) وبه قطع الأصحاب ، بل فی الغنیة نفی الخلاف فیه ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام : « وأی محرم هلکت نعلاه فلم یکن له نعلان فله أن یلبس الخفین إذا اضطر إلی ذلک ، والجوربین یلبسهما إذا اضطر إلی لبسهما » .
3- (3) تمسکاً بإطلاق الروایات ، والأمر فی بعض الروایات بشق ظهر القدم إذااضطر إلی لبسه .
4- (4) إذ ظاهر الروایات أن حرمة لبس الجوربین والخفین من أمثلة ومصادیق لبس الثیاب والمخیط ، کما مال إلیه صاحب الحدائق ، ویشهد له صحیحة العیص وفیها « المرأة تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفازین » فإذا صدق علی القفازین الثیاب فالظاهر صدقه علی الخف والجورب ، وعلیه فتشمله صحیحة زرارة المتقدمة « من لبس ثوباً لا ینبغی له لبسه وهو محرم ففعل ذلک ناسیاً أو جاهلاً فلا شیء علیه ومن فعله متعمداً فعلیه دم » .
5- (5) لصحیحة العیص المتقدمة وغیرها .
6- (6) وفاقاً للشیخ فی المبسوط وابنی حمزة وسعید فی الوسیلة والجامع والعلامة فی المختلف والشهیدان فی الدروس والمسالک والکرکی وغیرهم ، وخلافاً لابن ادریس والمحقق فی الشرائع ، ویشهد للماتن دام ظله مصححة أبی بصیر وفیها « له أن یلبس الخفین إن اضطر إلی ذلک ، ولیشقه عن ظهر القدم » ، وصحیحة محمد بن مسلم فی المحرم یلبس الخف إذا لم یکن له نعل ، قال : نعم ولکن یشق ظهر القدم » ، وحرمة لبس ما یستر ظهر القدم بلا ضرورة ، ولا ضرورة إذا أمکن الشق ، وتوقف فی کلا الروایتین سنداً ، أما الأولی فلوجود البطائنی ، وأما الثانیة فلضعف سند الصدوق إلی کتاب محمد بن مسلم ، وقد صرَّح الشیخ فی العدة عمل الطائفة بروایات البطائنی ، سیما وأن الأصحاب قاطعوه بعد وقفه ، وطریق الصدوق إلی محمد بن مسلم یمر عبر البرقی عن أبیه عن العلاء بن زرین عنه ، وفیه ابن وحفید البرقی وهما لم یوثقا ، لکن یمکن تصحیح السند عن طریق تبدیل الإسناد ، فإن للشیخ فی الفهرست والمشیخة عدة طرق إلی جمیع کتب وروایات البرقی ، ومن عمدتها ما یمر عبر الصدوق واستاذه ابن الولید ، فکتب وروایات البرقی لم ینفرد بها ابنه وحفیده بها ، بل یرویها عنه کما فی الفهرست الجلیل السعد آبادی والحمیری وسعد القمی والحسن بن حمزة وابن بطة ، فلا یتوقف فی سند الصدوق إلی محمد بن مسلم إلا من قلّ بحثه .کما أن حمل الروایتن علی التقیة لیس فی محله ، إذ الحمل علیها فرع اختلاف الأخبار ، ولیس هو من الإسراف المحرم بل هو من قبیل وجوب شق القمیص فی ظرف الإحرام به .

ولا بأس بستر تمام ظهر القدم من دون لبس(1) .

13 - الفسوق

مسألة 249 : وهو الکذب والسب والمفاخرة ، والأولان محرّمان فی

ص:201


1- (1) إذ المحرم هو اللبس خاصة .

جمیع الأحوال لکن حرمتهما مؤکدة حال الأحرام(1) ، والمفاخرة المحرمة هی أظهار الفخر من حیث الحسب أو النسب أو بقیة الصفات لأثبات فضیلة مع استلزامه أو کون الداعی الحط من شأن الآخرین ، وهذا محرم فی نفسه ، وکذلک ما کان تکبراً وإن لم یستلزم اهانة الغیر ،

ص:202


1- (1) لقوله تعالی فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ المفسر فی النصوص بالکذب والسب والمفاخرة .وقد وقع الکلام فی المراد من الفسوق ، فعن الصدوق فی المقنع والمفید والشیخ فی النهایة والمبسوط وابن إدریس ویحیی بن سعید وأبی الصلاح أنه الکذب خاصة ، وعن جمل العلم والعمل والعلامة فی المختلف والدروس إنه الکذب والسباب ، وعن جمل العقود وابن زهرة وابن براج والکیدری وأبی المجد الحلبی أنه الکذب علی الله ورسوله صلی الله علیه وآله أو أحد الائمة علیهم السلام ، وعن الشیخ فی التبیان أن الأولی حمله علی جمیع المعاصی التی نهی المحرم عنها ، وتابعه الراوندی فی فقه القران ، وعن بعض أنه الکذب والسباب والمفاخرة ، وعن المفید أن الکذب مفسد للاحرام .والروایات علی ألسن ، منها : ما فسر بالکذب والسباب والکلام القبیح ، کصحیحة معاویة ، ومنها : ما فسر بالکذب والمفاخرة کصحیحة علی بن جعفر ، ومنها : ما خص الفسوق بالکذب ، کروایة زید الشحام ، فمحصل الروایات ثلاثة عناوین : الکذب والسباب والمفاخرة والکلام القبیح ، والثالث یرجع إلی الأولین ، لأن المفاخرة إن کانت بصفة غیر موجودة فهو یرجع إلی الکذب ، وإن کانت بصفة موجودة فإما أن یراد الحط من الآخرین واهانتهم فهو سباب ، وإلا فلا دلیل علی حرمة المفاخرة فی نفسها ، نعم یتوجه القول بأن المفاخرة عندما ترد من جهة التکبر هی أعم من الإیذاء للغیر ، وقد تکون صوریة کالتکبر علی المتکبر ، أو إظهاراً لنعم الله تعالی أو ما شابه ذلک من المفاخر الصوریة غیر الحقیقیة .

وإن اشتد کان من الکبائر وهو محرم مؤکد علی المحرم ، بخلاف ما إذا لم یکن فی البین إهانة ولا تکبر بغرض الدواعی المباحة أو الراجحة(1) .

14 - الجدال

مسألة 250 : یحرم الجدال علی المُحرم(2) ، وهو ما کان مشتملاً علی الحلف باللّه تعالی أو أحد أسمائه الحسنی ، سواء بالعربیّة أم بغیرها(3) فی مقام الإخبار لإثبات أمر أو نفیه ، سواء کان صادقاً أم غیر صادق ، وإن لم یکرر ولا یختص بلفظ « بلی » ولفظ « لا »(4) . وعلی ذلک لا تحرم یمین

ص:203


1- (1) ولم یتعرض الماتن دام ظله الشریف إلی إلی کفارة الفسوق ، والروایات متعارضة ، بعضها یدل علی أن کفارته بقرة کصحیحة سلیمان بن خالد عنه علیه السلام قال : « وفی السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج » وإلیه ذهب یحیی بن سعید فی جامع الشرائع ، وبعضها یدل علی التصدق ، کصحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : « وکفارة الفسوق یتصدق به إذا فعله وهو محرم » ، وبعضها یدل علی أن کفارته الاستغفار ، ففی صحیحة الحلبی قال : أرأیت من ابتلی بالفسوق ما علیه ؟ قال علیه السلام : « لم یجعل الله له حداً ، یستغفر ویلبی » ، ومقتضی الجمع بینها حمل صحیحة ابن خالد وعلی بن جعفر علی الاستحباب لصراحة صحیحة الحلبی علی عدم الوجوب ، والله العالم .
2- (2) کما هو صریح الآیة المتقدمة .
3- (3) لعدم الخصوصیة والموضوعیة ، ولشمول الحلف والإیمان بما ذکر .
4- (4) لعدم تغیر العنوان المأخوذ فی الدلیل ، وصدق الجدال والحلف والیمین .

المناشدة ، أو یمین التکریم ، أو یمین التعهّد ، وکذلک الحلف بغیر اللّه حتی فی مقام الإخبار(1) ، والأحوط ترک الخصومة الشدیدة وإن لم تتضمن الحلف(2) .

مسألة 251 : یستثنی من حرمة الجدال أمران :

الأول : أن یکون ذلک لضرورة تقتضیه من إحقاق حقّ أو إبطال باطل(3) .

الثانی : أن لا یقصد بذلک الحلف کما مرّ فی یمین المناشدة والتکریم والعهد وغیرها ، فیقصد به أمراً آخر کالحثّ أو إظهار المحبة والتعظیم ونحو ذلک ، کقول القائل واللّه لا تفعل ذلک(4) .

ص:204


1- (1) لخروج ذلک عن الموضوع المأخوذ فی لسان الأدلة ، وشهادة صحیحة أبی بصیر الآتیة .
2- (2) لما یظهر من بعض الروایات من حرمة مطلق الجدال ولو لم یکن حلفاً ، کما فی صحیحة معاویة « إذا أحرمت فعلیک بتقوی الله وذکر الله وقلة الکلام إلا بخیر ، فإن تمام الحج أن یحفظ المرء لسانه إلا من خیر کما قال تعالی فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ » ، وعلیه فالخصومة الشدیدة من دون حلف حرمتها لا یخلو من وجه ، فالاحتیاط فی ذلک لازم ، سیما وأن ذکر الفسوق فی سیاق الجدال من باب واحد وهو التنازع .
3- (3) کما هو مقتضی القاعدة من ارتفاع الأحکام الأولیة حین الضرورة .
4- (4) لخروجه عن موضوع الحرمة ، ویشهد له أیضاً صحیحة أبی بصیر قال : سألته عن المحرم یرید أن یعمل العمل فیقول له صاحبه : والله لا تعمله ، فیقول : والله لأعمله ، فیحالفه مراراً ، یلزم ما یلزم الجدال ؟ قال : « لا ، إنما أراد بهذا إکرام أخیه ، إنما کان ذلک ما کان لله عز وجل فیه معصیة » .

مسألة 252 : لا کفارة علی المجادل فیما إذا کان صادقاً فی قوله ولکنّه یستغفر ربّه ، هذا فیما إذا لم یتجاوز حلفه المرّة الثانیة ، وإلّا کان علیه کفّارة شاة(1) ، وأما إذا کان الجدال عن کذب فعلیه کفّارة شاة علی المرّة الأولی ، وبقرة للمرة الثانیة إن لم یکفّر عن الأولی منهما قبل وقوع الثانیة ، وجزور للمرة الثالثة فما فوق إن لم یکفّر عن الإثنتین قبل وقوع الثالثة(2) ، والکفارة لا تتعدد ما لم یتخلل وقوع التکفیر قبل ذلک(3) .

ص:205


1- (1) علی المشهور ، بل لا خلاف فیه ، تمسکاً بالروایات ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : فمن ابتلی بالجدال ما علیه ؟ قال : « إذا جادل فوق مرتین فعلی المصیب دم یهریقه ، وعلی المخطیء بقرة » ، فالجدال یتحقق بالمرة والمرتین ، نعم تحقق الکفارة فی الیمین الصادقة لا بد من تکرارها ثلاث مرات ، مضافاً إلی صدق الجدال علی المرة الواحدة شرعاً وعرفاً ، فتحمل هذه الصحیحة ومثلها موثقة أبی بصیر علی الجدال التی تترتب علیه الکفارة .
2- (2) علی المشهور ، بل قیل بعدم الخلاف المعتد به ، وقال فی الجواهر : أن استفادة ذلک کله مما وصل إلیها من النصوص إشکال ، قلت : والامر کما قال ، نعم فی الفقه الرضوی : « وإذا جادلت ثلاثاً وأنت صادق فعلیک دم شاة ، وإن جادلت مرة وأنت کاذب فعلیک دم شاة ، وإن جادلت مرتین کاذباً فعلیک دم بقرة ، وإن جادلت ثلاثاً وأنت کاذب فعلیک بدنة » ، وفی صحیحة أبی بصیر عنه علیه السلام « إذا جادل الرجل وهو محرم فکذب متعمداً فعلیه جزور » المحمول فیما إذا حلف ثلاثاً ، أو علی الاستحباب .
3- (3) علی المشهور ، وذهب جماعة إلی أن المسبب قابل للتکرار ، فیتعدد کلما تکرر السبب من دون تدخل ولا سقوط ، کفر أو لم یکفر ، واستقربه صاحب الجواهر ، والظاهر من الروایات أن کفارة الجدال هو عدم التعدد ما لم تتخلل الکفارة ، وذلک لظهور العدد فی الوحدة الکمیة اللابشرط ، لا البشرط ، أی من باب بیان الحدود ، الحد فما فوق ، وقد عبر بصریح هذا العنوان فی بعض الروایات ، إذ أن موضوع الکفارة الأشد قد یکون الماهیة المجموعیة ، أی مجموع الثلاثة والأربعة ، وقد یکون الماهیة الفردیة الخاصة وهی ثالث المجموعة ، وقد یکون الماهیة بنحو صرف الوجود ، فعلی الأول یتصادق موضوع الکفارة الأشد مع الأقل ، وعلی الثانی لا تصادق إلا أنه لا یصدق علی الرابع والخامس ، بل السادس والتاسع ، لکونه ثالث کل مجموعة ، فهو من حیث الزیادة یتفق مع الوجه الأول ویختلفان مع الوجه الثالث ، لصدقه علی الرابع والخامس والسادس ، وهکذا ، وظاهر لسان صحیحة الحلبی ومحمد بن مسلم هو الوجه الثالث ، ومقتضاه ثبوت البقرة أو الجزور فی کل رتبة تزید فی العدد ، فإن قوله علیه السلام « فوق مرتین » نحو صرف الوجود أو « من زاد علی مرتین » .

15 - قتل هوام الجسد

مسألة 253 : لا یجوز للمحرم قتل هوام البدن کالقمل(1) وغیره ممّا یتولد فی الجسد ویتکاثر فیه(2) ، ولا إلقاؤه من جسده أو جسد دابّته(3) ،

ص:206


1- (1) بلا خلاف فیه ، للنصوص المتعددة .
2- (2) لقوله علیه السلام فی الصحیحة الآتیة تعلیلاً لحرمة إلقاء القملة « فإنها من جسده » .
3- (3) تبعاً لجماعة منهم الشیخ فی النهایة والکرکی فی الجامع والهندی فی کشف اللثام ، وفی الریاض اتفاق الأصحاب ظاهراً علی حرمته ، ونفی عنه الخلاف فی الغنیة ، ومستنده جملة من الروایات ، ففی صحیحة معاویة قال علیه السلام : « المحرم یلقی عنه الدواب کلها إلا القملة فإنها من جسده ، وإن أراد أن یحول قملة من مکان إلی مکان فلا یضره » وغیرها من الصحاح .وفی قبالها روایة مرة مولی خالد قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یلقی القملة ، فقال ألقوها أبعدها الله غیر محمودة ولا مفقودة » ومرة وإن لم یوثق إلا أن الراوی عنه صفوان الذی أجمعت الطائفة علی تصحیح مایصح عنه ، مضافاً إلی تأییدها بمعتبرة أبی الجارود قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حککت رأسی وأنا محرم فوقعت قملة ؟ قال : لا بأس ، قلت : أی شیء تجعل علیّ فیها ؟ قال : وما أجعل علیک فی قملة ، لیس علیک فیها شیء » ، فقوله « أی شیء تجعل علیّ فیها » لعله ظاهر فی کون ذلک عن علم وتعمد ، نعم هی متعرضة لنفی الکفارة ، وکأن الامام علیه السلام أقر ارتکاز الراوی من مفروغیة حرمة الإلقاء ، فلا تکون مؤیدة ، فالقول بالحرمة هو المتعین ، والله العالم .

ولا بأس بنقله من مکان إلی مکان آخر(1) ، وإذا فعل ذلک فیکفّر بکفٍ من الطعام للفقیر(2) .

أما البق والبرغوث وأمثالهما فیجوز قتلهما إن حصلت الأذیة منهما ،

ص:207


1- (1) لدلالة الصحیحة السابقة علیه .
2- (2) تشهد له صحیحة ابن مسلم عنه علیه السلام قال : سألته عن المحرم ینزع القملة عن جسده فیلقها ؟ قال : یطعم مکانها طعاماً » ومثلها صحیحة ابن أبی العلاء وحماد بن عیسی ، وفی موثقة الحلبی قال : حککت رأسی وأنا محرم فوقع فیه قملات فأردت ردهن فنهانی ، وقال : تصدق بکف من طعام » وحملت هذه الروایات علی الاستحباب جمعاً بینها وبین صحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی محرم قتل قملة ؟ قال : لا شیء علیه فی القملة ولا ینبغی أن یتعمد قتلها » ، ولعل نفی الکفارة هنا بمعناها الاصطلاحی - وهو الدم - لا مطلقاً .

ویجوز دفعهما(1) .

16 - التزین

مسألة 254 : یحرم التزین علی المحرم سواء بالتختم أو بغیره(2) ، کأن یلبس خاتماً یعد من الزینة عرفاً(3) ، لا ما یعدّ من الآداب والسنن الشرعیة

ص:208


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل : سألت أبا عبد الله علیه السلام : عن المحرم یقتل البقة والبرغوث إذا آذاه ، قال : نعم » ومثلها صحیحة زرارة ، ومفهومها الحرمة مع عدم الإیذاء ، ومنطوقها استثناء الجواز فی الصورة المزبورة .وفی حسنة زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبق فی الحرم » وهی مطلقة وظاهر الجواز فیها بلحاظ المحل فی الحرم .
2- (2) لجملة من النصوص المعلل للنهی عن لبس الخاتم والاکتحال والنظر فی المرآة أنها زینة .
3- (3) وهو المشهور شهرة عظیمة ، وتشهد له روایة - صحیحة - صالح بن السندی عن ابن محبوب عن ابن وئاب عن مسمع عنه علیه السلام - فی حدیث - قال : وسألته أیلبس المحرم الخاتم ؟ قال : لا یلبسه للزینة » وصالح وإن لم یوثق ، إلا أن الشیخ روی جمیع کتب وروایات ابن محبوب بعدة أسانید منها الصحیح ، فیمکن تبدیل الإسناد والتخلص من الإشکال ، علی أن صالح بن السندی معتمد علیه کما قال الوحید البهبهانی قدس سره باعتبار أن القمیین قالوا : أن کتب یونس کلها مقبولة صحیحة ، سوی ما رواه محمد بن عیسی عنه ، وهذا ینادی بأن روایات اسماعیل بن مرار وصالح بن السندی کلها مقبولة صحیحة لأنها یکثران الروایة عنه غایة الإکثار ، بل روایاته کلها مرویة عنهما وعن محمد بن عیسی إلا ما شذ .

مجرّداً(1) ، نعم فی الصورة الأخیرة لو لبسه بقصد الزینة فالأحوط عدم لبسه کما مرّ فی الکحل ، وکفّارة التزیّن شاةٌ علی الأحوط الأولی (2) .

مسألة 255 : یحرم علی المحرم إستعمال الحناء فیما إذا عدّ زینة خارجاً وإن لم یقصد به التزین(3) ، نعم لا بأس به إذا لم یکن زینة ، کما إذا کان لعلاج ونحوه(4) .

مسألة 256 : یحرم علی المرأة المحرمة لبس الحلی للزینة(5) ، ویستثنی من ذلک ما کانت تعتاد لبسه قبل إحرامها ولکنها لا تظهره للرجال غیر المحارم(6) ، والأحوط عدم إظهاره للمحارم الذین یقلّ

ص:209


1- (1) لخروجها عن موضوع الزینة .
2- (2) لعدم الدلیل إلا حسنة ابن جعفر عنه علیه السلام قال : لکل شیء خرجت - جرحت - فی حجک فعلیک فیه دم تهریقه حیث شئت » بناءً علی قراءة - جرحت - .
3- (3) إذ المراد بالزینة بحسب الوضع النوعی لا بحسب القصد الداعی .
4- (4) تشهد له بعض النصوص ، ففی صحیحة ابن سنان قال : سألته عن الحناء ، فقال : إن المحرم لیمسه ویداوی به بعیره ، وما هو بطیب ، وما به بأس » .
5- (5) لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم « المحرمة تلبس الحلی کله ، إلا حلیاً مشهور للزینة » .
6- (6) ففی صحیحة ابن الحجاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة یکون علیها الحلی والخلخال والمسکة والقرطان من الذهب والورق تحرم فیه وهو علیها وقد کانت تلبسه فی بیتها قبل حجها ، أتنزعه إذا أحرمت أو تترکه علی حاله ؟ قال : تحرم فیه ، وتلبسه من غیر أن تظهره للرجال فی مرکبها ومسیرها » والمنصرف - علی ما قیل - من الرجال هم الأجانب .نعم قصد التزین به لزوجها ممنوع لمصححة ابن سوید عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المرأة المحرمة ، أی شیء تلبس من الثیاب ؟ قال : تلبس الثیاب کلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازین ، ولا حلیاً تتزین به لزوجها » وقد جعلها السید الخوئی قدس سره مؤیداً لشمول الرجال - فی صحیحة الحجاج - للزوج والمحارم ، وردها بضعف سندها بسهل ، مع أنها أجنبیة عن الصحیحة السابقة ، إذ هذه فی مورد التزیّن وتلک متعلقها الاظهار ، وفرق بین المادتین ، فما أفاده الماتن دام ظله الشریف - فی بحثه - من جواز أن تلبس المرأة الحلی المعتاد ویحرم علیها أن تظهره للاجانب ، ولا تلبس حلیاً تتزین به لزوجها ، وهو الحلی الذی یحدث زینة ظاهرة غیر الحلی المعتاد ، کالحلی الذی یلبس فی الأعراس والأعیاد والمناسبات ، وجیه .

الاختلاط بهم .

17 - الإدهان

مسألة 257 : لا یجوز للمحرم الإدهان ولو کان بما لیست فیه رائحة طیّبة(1) ، ولا یدّهن قبل الإحرام بما یبقی أثره بنحو بیّن(2) ، ویستثنی من

ص:210


1- (1) لم یحک الخلاف فیه إلا من ابن أبی عقیل والمقنعة والکافی والمراسم ،ویدل علیه صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : لا تمس شیئاً من الطیب وأنت محرم ولا من الدهن » ، وفی صحیحة الحلبی « وادهن بما شئت من الدهن حین ترید أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل » ، فمع صراحة النصوص لا مجال للقول بالکراهة المستفادة من بعض الأخبار ظاهراً ، والقابلة للحمل علی الإضطرار أو قبل الإحرام وبعد الغسل أو قبله ، أو التقیة .
2- (2) ففی صحیحة الفضلاء عنه علیه السلام أنه سئل عن الطیب عند الإحرام والدهن ؟ فقال : کان علی علیه السلام لا یزید عن السلیخة » وسلیخة البان نوع من العطر متکون من قشرة شجر ودهن التمر ثمر البان ، ومثلها صحیحة الحسین بن أبی العلاء ، المفصلة بین الدهن بسلیخة البان وبین الدهن بالغالیة وما فیه مسک وعنبر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل المحرم یدهن بعد الغسل ؟ قال : نعم ، فادّهنا عنده بسلیخة بان ، وذکر أن أباه کان یدهن بعدما یغتسل للإحرام ، وأنه یدهن بالدهن ما لم یکن غالیة أو دهناً فیه مسک أو عنبر » وهذا تفصیل بین ما یبقی أثره وما لا یبقی کما لا یخفی .

ذلک ما کان لضرورة وعلاج ممّا کان غیر مطیّب(1) ، نعم لو إضطرّ إلی خصوص ما کان مطیباً جاز أیضاً لکن یتجنب شمّه .

مسألة 258 : کفارة الإدهان بالدهن المطیب شاة إذا کان عن علم وعمد(2) ، وإذا کان عن جهل فإطعام فقیر .

ص:211


1- (1) ففی صحیحة هشام عنه علیه السلام قال : إذا خرج بالمحرم الخراج أوالدّمل فلیبطه ولیداوه بسمن أو زیت » ، وفی صحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن محرم تشقق یداه ؟ قال : یدهنهما بزیت أو سمن أو إهالة » .
2- (2) ففی صحیحة معاویة فی محرم کانت به قرحة فداواها بدهن بنفسخ ، قال : إن کان فعله بجهالة فعلیه طعام مسکین ، وإن کان تعمد فعلیه دم شاة یهریقة » وقد توقف جماعة من الأعلام فیها وعلی رأسهم سید الفقهاء الخوئی قدس سره وعدة من أعاظم تلامذته ، باعتبار أن عمار لم یسند الروایة للمعصوم علیه السلام ، وصرّح السید الخوئی قدس سره بأن الجزم بأن معاویة لا یفتی إلا بما سمعه من الإمام ولا یخبر إلا عنه عهدتها علی مدعیها ، لاحتمال اجتهاده ، أو أنه سمع ممن ینقل عن الإمام علیه السلام ولم تثبت وثاقته عندنا ، وأضاف : وعمل المشهور لو قلنا بجبره للخبر الضعیف لا ینجع إذا لم یعلم أنه روایة حتی تجبر .قلت : والنفس لا تمیل إلی ما أفاده قدس سره ، وإذا أردت الشاهد فعلیک بسبر روایات معاویة التی أخرجها فی کتابه « الحج » ورواها عنه أصحاب الکتب الأربعة وغیرهم ، سیما وأن الراوی عنه ابن أبی عمیر المعروف بشدة التثبت والضبط والاجتناب عن روایة غیر المعصوم ، مع أن الأصحاب یعتمدون فتاوی علی بن بابویه کنصوص روایة إذا أعوزتهم النصوص لکون فتاوی القدماء فی الغالب متون روایات .

18 - إزالة الشعر عن البدن

مسألة 259 : لا یجوز للمحرم أن یزیل الشعر عن بدنه أو بدن غیره المحرم أو المحل(1) ، وتستثنی من ذلک حالات الضرورة کأن یتکاثر القمل علی بدن المحرم فیتأذی بذلک(2) ، وکما إذا أوجبت کثرة الشعر صداعاً ، وکأن یکون الشعرُ نابتاً فی أجفان العین فیتأذی بذلک ، وغیرها من الضرورات المستوجبة إزالته(3) .

نعم ما ینفصل من شعر الجسد من غیر قصد حین الوضوء أو

ص:212


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : لا بأس أن یحتجم المحرم ما لم یحلق أو یقطع الشعر » ، وفی صحیحة معاویة قال علیه السلام « لا یأخذ المحرم من شعر الحلال » .
2- (2) تمسکاً بقوله تعالی فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ، وهی وإن کانت واردة فی المحصر لکن لا خصوصیة له علی الظاهر .
3- (3) یشهد له ذیل الصحیحة الآتیة .

الإغتسال فلا بأس به(1) .

مسألة 260 : إذا حلق أو أخذ المحرم شعر رأسه ولو بالاطلاء أو الحفّ ونحوهما من دون ضرورة فکفارته شاة(2) .

وإذا حلقه لضرورة فکفارته شاة ، أو صوم ثلاثة أیام ، أو إطعام ستة مساکین لکل واحد مدّان من الطعام(3) .

وإذا نتف أو أخذ المحرم شعر عانته أو ابطیه أو ما علی بقیة بدنه فکفارته شاة(4) ، وکذا إذا نتف أو أخذ أحد إبطیه علی الأحوط وإن کان الاکتفاء بإطعام ثلاثة مساکین لا یخلو من وجه(5) .

ص:213


1- (1) یدل علیه صحیحة هیثم قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یرید اسباغ الوضوء فتسقط من لحیته الشعرة أو الشعرتان ، فقال : لیس بشیء ما جعل علیکم فی الدین من حرج » وذیلها یستفاد منه التعمیم .
2- (2) ومستنده صحیحة زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ناسیاً أو جاهلاً فلیس علیه شیء ، ومن فعله متعمداً فعلیه شاة » .
3- (3) لقوله تعالی فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ .
4- (4) علی المشهور ، تمسکاً بصحیحة حریز ، وفیها « إذا نتف الرجل ابطیه بعدالإحرام فعلیه دم » .
5- (5) یشهد له مفهوم صحیحة حریز المتقدمة ، وروایة - حسنة - ابن جبلة فی محرم نتف إبطه قال : یطعم ثلاثة مساکین » ، نعم فی صحیحة زرارة بروایة الصدوق رواه « إبطه » بغیر تثنیة ، وفی أحد طرق الشیخ رواه بالتثنیة ، والتفصیل هو المتعین بین الإبط والابطین لکون المدار علی العضو الکامل ، والإبطین یعدان بمثابة عضو واحد ، وإن کان قد یقرب صدق الحلق أو نتف الابط بما هو ماهیة انبساطیة بالإبط الواحد ، فیتجه ما ذهب إلیه بعض متأخری المتأخرین من التخییر بین الشاة والإطعام .

وإذا نتف شیئاً من شعر لحیته وغیرها فعلیه أن یطعم مسکیناً بکف من الطعام(1) ، ولا کفارة فی حلق المحرم رأس غیره محرماً کان أم محلاً(2) ، والأحوط فی سقوط بعض الشعر التصدق بکف من الطعام .

مسألة 261 : لا بأس بحک المحرم رأسه ما لم یسقط الشعر عن رأسه وما لم یدمه ، وکذلک البدن ، وإذا أمرّ المحرم یده علی رأسه أو لحیته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان فلیتصدق بکف من طعام(3) ، وأما إذا کان

ص:214


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : إذا نتف المحرم من شعر لحیته وغیرها شیئاً فعلیه أن یطعم مسکناً فی یده » .
2- (2) لعدم الدلیل .
3- (3) تشهد له صحیحة منصور عنه علیه السلام فی المحرم إذا مس لحیته فوقع منها شعرة ، قال : یطعم کفاً من طعام أو کفین » المحمولة علی الاستحباب لمصححة المفضل بن عمر قال : دخل النباجی علی أبی عبد الله علیه السلام فقال : ما تقول فی محرم مس لحیته فسقط منها شعرتان ، فقال علیه السلام : لو مسست لحیتی فسقط منها عشر شعرات ما کان علیّ شیء » ، وحسنة المفضل بن صالح عن لیث المرادی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یتناول لحیته وهو محرم یعبث بها فینتف منها الطاقات بیقین فی یده خطاءاً أو عمداً ، قال : لا یضره » .وقد نوقش فی کلا الروایتین سنداً ودلالة :أما الأول : فلوجود المفضل بن عمر فی الأولی والمفضل بن صالح فی الثانیة ، وکلاهما ضعیف .وفیه : أن تضعیف المفضل بن عمر من أکبر المجازفات الناشیء من ضعف التتبع وتقلید الرجال ، ولذا اختار سید الفقهاء الخوئی وثاقته ، وأما ابن صالح فقد نسب تضعیفه النجاشی إلی مجهول ، ولعله ابن الغضائری وتضعیفه کعدمه ، مضافاً إلی أن منشأ التضعیف هو الغلو المزعوم لدی جمهور القمیین فی حق الائمة علیه السلام والذی هو الیوم من أبجد عقائد الامامیة ، وقد روی عنه أکثر من ثلاثین نفراً من الثقات والاجلاء منهم أصحاب الإجماع ، بل روی عن العامة ووثقه بعضهم کابن حبان وضعفه آخرون لروایته ابلاغ جابر الانصاری سلام رسول الله صلی الله علیه وآله للامام الباقر علیه السلام ولحدیث سفینة نوح .وأما الثانی : فلنفی الکفارة المتعارفة وهی الدم فی الأولی وعدم قصد النتف ، وعدم صراحة « لا یضره » علی عدم الکفارة فی الثانیة .

فی الوضوء ونحوه فلا شیء علیه(1) .

19 - ستر الرأس للرجال

مسألة 262 : لا یجوز للرجل المحرم ستر رأسه(2) وهو ما یقابل الوجه - ویشمل الأذنین(3) - ولو جزءً منه ، بأی نوع من الساتر ولو بمثل

ص:215


1- (1) لصحیحة الهیثم قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یرید إسباغ الوضوء فتسقط من لحیته الشعرة أو الشعرتان ؟ فقال : لیس بشیء ، ما جعل علیکم فی الدین من حرج » .
2- (2) نصاً وإجماعاً .
3- (3) تشهد له صحیحة الحجاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المحرم یجد البرد فی أذنیه ، یغطیهما ؟ قال : لا » ، وفی روایة سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن المحرم یصیب أذنه الریح فیخاف أن یمرض هل یصلح له أن یسد اذنیه بالقطن ؟ قال : نعم ، لا بأس بذلک إذا خاف ذلک ، وإلا فلا » .

الطین أو بحمل شیء علی الرأس(1) ، نعم لا بأس بمثل حبل القربة مع الحاجة(2) ، وکذلک تعصیبه بالمندیل ونحوه للضرورة کالصداع(3) ، والأحوط ترک تغطیة الرأس عند المنام(4) .

ص:216


1- (1) قال فی الجواهر : بلا خلاف أجده فیه ، وفی التذکرة نسبته إلی علمائنا ،وتوقف فی المدارک ، وصرّح بأن دلیله غیر واضح ، لأن المنهی عنه فی الروایات المعتبرة تخمیر الرأس ووضع القناع علیه والستر بالثوب ، لا مطلق الستر ، وفیه : إن قوله علیه السلام فی صحیحة ابن میمون : « إحرام المرأة فی وجهها وإحرام الرجل فی رأسه » وجوب کشف الرأس والوجه وحرمة تغطیتهما ، فإذا صدق التغطیة بالطین والحشیش وما أشبه شمله النهی .
2- (2) تشهد له صحیحة محمد بن مسلم عنه علیه السلام عن المحرم یضع عصام القربة علی رأسه إذا استسقی ؟ فقال : نعم » ، قال السید الخوئی قدس سره : ومن الغریب ما فی الجواهر والحدائق من توصیف الخبر بالصحیح خصوصاً من الحدائق مع تدقیقه فی إسناد الروایات ، ولعلهما وصفا الخبر بالصحة لجلالة محمد بن مسلم وروایة الصدوق عنه ، وغفلا عن أن طریق الصدوق إلی محمد بن مسلم ضعیف لوجود علی بن أحمد بن عبد الله البرقی عن أبیه أحمد بن عبد الله وهما مما لم یوثقا ، قلت : لیس ثمة غرابة ، وقد تقدم جوابه ، راجع مسألة : 248 .
3- (3) لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن وهب : لا بأس بأن یعصب المحرم رأسه من الصداع » .
4- (4) ففی صحیحة زرارة عنه علیه السلام قال : قلت له : المحرم یؤذیه الذباب حین یرید النوم ، یغطی وجهه ؟ قال : نعم ، ولا یخمّر رأسه ، والمرأة لا بأس أن تغطی وجهها کله عند النوم » ، وفی صحیحته الأخری عن أحدهما فی المحرم قال : له أن یغطی رأسه ووجهه إذا أراد أن ینام » وحملت علی الإضطرار ، والوجه فیه ظهور صحیحته الاولی بقوة فی الحرمة فی حالة النوم بعد المقابلة مع المرأة ، وصرّح النراقی أن صحیحته الثانیة شاذة مطروحة ، وبمخالفتها للعمل عن حیز الحجیة خارجة أو حملها علی حال الضرورة .

مسألة 263 : یجوز ستر الرأس ببعض البدن کالید والأولی ترکه(1) .

مسألة 264 : لا یجوز للمحرم الارتماس - أی رمس رأسه - فی الماء ولو خلط مع غیره(2) ، وکذلک فی غیر الماء علی الأحوط (3) ، والظاهر عدم الفرق فی ذلک بین الرجل والمرأة(4) .

ص:217


1- (1) لجواز حک الرأس ، ومسح الرأس فی الوضوء ، مضافاً إلی صحیحة معاویة عنه علیه السلام « لا بأس أن یضع المحرم ذراعه علی وجهه من حر الشمس ولا بأس أن یستر بعض جسده ببعض » الدالة علی أن الساتر الممنوع ما کان بأمر خارجی .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولا ترتمس فی ماء تدخل فیه رأسک » ، وفی صحیحة یعقوب بن شعیب « لا یرتمس المحرم فی الماء ولا الصائم » ، ومثلها صحیحة حریز .
3- (3) قد یقال : أن الروایات المتقدمة واردة مورد الغالب ، فلا خصوصیة للماء ، وفیه ما قاله سید الفقهاء الخوئی : مقتضی الجمود علی ظواهر النصوص أن لهذا العنوان مدخلاً فی تعلق الحکم وله خصوصیة فیه ، ولا قرینة علی رفع الید عن هذا الظهور عدا ما یتوهم من أنه لا فرق بین المطلق والمضاف سوی إضافة شیء إلی الماء ، وهذا لا یستوجب فرقاً فیما هو مناط المنع عن الرمس والغمس من إمکان الدخول فی الجوف وإن کان بینهما فرق فی إزالة الحدث والخبث ، وفیه ما لا یخفی فإن الأحکام تعبدیة ومناطاتها لا تنالها عقولنا الناقصة ، ومن الجائز أن تکون للماء خصوصیة فی هذا الحکم کما فی الإزالة ، فالظاهر اختصاص الحکم بالمطلق ولا یکاد یشمل المضاف فضلاً عن سایر المایعات .
4- (4) فبقرینة السیاق مع الصائم ، حیث أن النهی شامل للمرأة والرجل ، وإنه عنوان برأسه ، فادراجه فی ستر الرأس لا وجه له ، وإن کان هناک عموم فی الستر .

مسألة 265 : إذا ستر المحرم رأسه فکفارته شاة علی الأحوط (1) ، دون موارد جواز الستر المتقدمة .

20 - ستر الوجه للنساء

مسألة 266 : لا یجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب(2) ،

ص:218


1- (1) علی ما هو المقطوع به بین الأصحاب ، کما فی المدارک والذخیرة ، بل بلاخلاف کما فی المنتهی والتذکرة ، وصرح فی الحدائق أن الأصحاب ذکروا الحکم ولم ینقلوا علیه دلیلاً ، وکأن مستندهم الإجماع ، فالمقام یقتضی الاحتیاط خوفاً من مخالفة المجمع علیه بین الفقهاء .نعم فی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : « المحرم إذا غطی رأسه فلیطعم مسکیناً فی یده » هکذا فی الوسائل ، وفی نسخ التهذیب المطبوعة بلفظ « وجهه » ، وفی الخلاف قال : أن من حمل علی رأسه مکتلاً أو غیره لزمه الفداء ، وبه قال الشافعی ، وقال أبو حنیفة : لا یلزمه ، وبه قال عطاء ، قال : ودلینا عموم ما روی فیمن غطی رأسه أن علیه الفدیة ، ولم یفصلوا ، قلت : وهو یعطی وجود خبر ، وقد یستشعر من ذیل صحیحة حریز وجوب الفدیة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم غطی رأسه ناسیاً ، قال : یلقی القناع عن رأسه ویلبی ، ولا شیء علیه » ، ولعل مستند الأصحاب أن تغطیة الرأس من مصادیق التظلیل ، والشاهد علیه صحیحة حفص وهشام عنه علیه السلام قال : إنه یکره للمحرم أن یجوز ثوبه أنفه من أسفل ، وقال : اضح لمن أحرمت له .
2- (2) نصاً وإجماعاً .

أو غیرهما بأی ساتر کان(1) ولو بعض وجهها بل اللازم علیها إسفار الوجه(2) ، نعم یجوز لها أن تغطی وجهها حال النوم(3) ، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس فی الصلاة وترفعه عند الفراغ منها(4) .

مسألة 267 : للمرأة إسدال ما علی رأسها من الخمار أو نحوه من ثوبها إلی ما یحاذی أنفها أو ذقنها بحسب حاجتها فی الاحتجاب من الأجنبی(5) ،

ص:219


1- (1) وهو الظاهر من الروایات لعدم الخصوصیة للبرقع ونحوه ، وقوله علیه السلام « إحرام المرأة فی وجهها » کما فی صحیحة ابن میمون خیر شاهد علی التعمیم ، وکذا الأمر بالإسفار فی صحیحة الحلبی وقوله « إنک إن تنقبت لم یتغیر لونک » ، وقوله علیه السلام فی موثقة سماعة أنه سأله عن المحرمة ، فقال : إن مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بیدها من الشمس » ، وغیرها من النصوص ، إلا أن یقال بأن روایات إسدال الثوب إلی الأنف أو النحر مؤیدة لاختصاص النهی فی الأمور المذکورة ، والله العالم .
2- (2) ذکرنا فی « مجمع مناسک الحج » أن النصوص الواردة فی المقام متعرضة للنهی عن النقاب والبرقع وما أشبه ذلک ، مما له شأنیة تغطیة المساحة الکبری من الوجه ، أما تغطیة الوجه فی الجملة ولو کان یسیراً فهذا لا یمکن الجزم باستفادته من الروایات ، ولعل روایات جواز إسدال الثوب إلی طرف الأنف والذقن مؤید - بل شاهدة - لذلک ، والله العالم .
3- (3) تشهد لها صحیحة زرارة المتقدمة .
4- (4) بل مطلقاً لما ذکرنا آنفاً ، ولا تصل النوبة للتزاحم .
5- (5) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة زرارة عنه علیه السلام قال : إن المرأة المحرمة تسدل ثوبها إلی نحرها » ، وقیده بعض الأعلام بالرکوب ، لصحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : « تسدل المرأة الثوب علی وجهها من أعلاها إلی النحر إذا کانت راکبة » ، لکن الظاهر أن الاسدال لمکان الاجنبی .

لکنها تجافیه عن وجهها(1) .

مسألة 268 : کفارة ستر الوجه شاة علی الأحوط (2) .

21 - التظلیل للرجال

مسألة 269 : لا یجوز للرجل المحرم التظلیل حال مسیره وحرکته بشیء یتحرک معه کالمظلة والظلال وسقف المحمل أو السیارة أو الطائرة

ص:220


1- (1) إذ أن المحصل من الروایات أن مسمی اسفار الوجه لا بد منه ، وإن اجتمع مع الاسدال ، وذلک حین تجافیه عن وجهها ، إذ الفرض أنه اسدال الثوب مما لا یمکن الابصار معه إلا بإبعاده بالید عن بشرة الوجه کی یحصل الإبصار بذلک ، وهذا هو عمدة الفارق بین البرقع والتنقب مع اسدال الثوب حیث أن فی الأولین لا یتوقف الإبصار علی تجافیهما بخلاف الثوب المسدول من الأعلی ، والمدار وإن لم یکن علی الإبصار إلا أن التقیید به وکون الثوب من أعلی هو من أجل اضطرار المرأة حینئذ لا بعاده عن سطح الوجه وبالتالی حصول الإسفار للوجه فی الجملة ، فما یستخدم فی هذه الأیام من الغطاء المسمی « بالبوشیة » مشمولاً للمنع فی الادلة .
2- (2) لعدم الدلیل سوی ذهاب الشیخ کما فی المسألة السابقة ، وعن الحلبی أن لکل یوم شاة مع الاختیار وإلا شاة للجمیع ، وخبر - حسنة - علی بن جعفر المتقدمة بناءاً علی نسخة « جرحت » .

ونحوها(1) ، بخلاف الشیء الثابت کالجبل والجدار والشجر ونحو ذلک فیجوز السیر فی ظلها وکذلک السحابة المانعة عن أشعة الشمس(2) ، ولا فرق فی الحرمة بین الراکب والراجل کما لا فرق بین التظلیل فوق الرأس وما علی أحد الجوانب مما کان بحذاء الصدر والرأس(3) ، ویستثنی من ذلک للراجل الاستظلال بظل المحمل والسیارة ونحوها حال المسیر لا بمثل المظلة الیدویة ونحوها(4) ، کما یجوز للمحرم مطلقاً التستر من الشمس ونحوها بیدیه .

مسألة 270 : المراد من الاستظلال التستر بالظِلال وما یکنَّ ویحجر عن البروز فی الفضاء والسماء سواء کان نهاراً أم لیلاً وسواء کان الجو بارداً أو حاراً أو ممطراً أو مع الریح ونحو ذلک أم لا ، وسواء کان التظلیل مؤثراً أو لم یکن کما لو کان السحاب کثیفاً یجلل الشمس(5) .

ص:221


1- (1) بلا خلاف فی ذلک بین الخاصة ، وإلیه ذهب مالک واحدی الروایات عن أحمد بن حنبل من العامة ، وتمسک فقهاء العامة بروایة روتها امرأة واردة بعد إحلاله صلی الله علیه وآله من إحرامه ، فاشتبه الحال علیهم .
2- (2) لکون المنهی عنه فی الروایات هو الظل الذی یحدثه المحرم أو الذی یتحرک بحرکته .
3- (3) لإطلاق الروایات الآمرة بالإضحاء والناهیة عن التستر .
4- (4) بلا خلاف ، تمسکاً بصحیحة ابن بزیع قال : کتبت إلی الرضا علیه السلام هل یجوز للمحرم أن یمشی تحت ظل المحمل ؟ فکتب : نعم » .
5- (5) إذ عندنا فی لسان الأدلة عنوانان : الإضحاء والتظلیل ، وقد یقال أن الأمر یدور حول شرطیة الأول ومانعیة الثانی ، أو کون الأول من واجباته والثانی من محرماته ، لا سبیل للاول أصلا لعدم فساد الإحرام بالاخلال بالاضحاء أوتحقق

____________________

ص:222

____________________

ص:223

مسألة 271 : التظلیل المحرم إنما هو حال الرکوب والسیر من مکان إلی آخر سواء فی طریق السفر أو داخل مکة والمشاعر ، وکذلک لو کان انتقاله فی الأمکنة راجلاً بالمظلة ونحوها من الساتر المتحرک ، وأما إذا نزل فی الأمکنة والمواضع فیجوز له الاستظلال بالظلال الثابتة کالجدران

ص:224

والجسور والخباء ونحوها(1) ، وبالظلال المتحرکة الجانبیة للراجل ولو ظللت رأسه کالسیر فی ظل السیارة الجانبی والمحمل ونحوهما(2) .

مسألة 272 : لا بأس بالتظلیل للنساء والأطفال ، وکذلک للرجال عند الضرورة والخوف من الحر أو البرد أو غیرهما(3) .

مسألة 273 : کفارة التظلیل شاة ، لکل إحرام نسک سواء ارتکبه اختیاراً أم اضطراراً(4) ، والأولی والأحوط التکفیر عن کل یوم بمد

ص:225


1- (1) بلا خلاف أصلا ، والنصوص فیه مستفیضة .
2- (2) تمسکاً بصحیحة ابن بزیع قال : کتبت إلی الرضا علیه السلام هل یجوز للمحرم أن یمشی تحت ظل المحمل ؟ فکتب : نعم » .
3- (3) نصاً وإجماعاً فی کلا الفرضین .
4- (4) ففی صحیحة أبی علی بن راشد قال : قلت له علیه السلام : جعلت فداک إنه یشتد علیّ کشف الظلال فی الإحرام لأنی محرور یشتد علیّ حر الشمس ، فقال : ظلل وأرق دماً ، فقلت له : دماً أو دمین ؟ قال : للعمرة ، قلت : إنا نحرم بالعمرة وندخل مکة فنحل ونحرم بالحج ، قال : فأرق دمین » ، وهی صریحة فی أن لکل احرام کفارة واحدة ، وتعبیر بعض الأعلام عنها بالموثقة فی غیر محله ، إذ أن أبا علی من العظماء ، ویکفیه فخراً قوله المعصوم فیه « عاش سعیداً ومات شهیداً » ولم ینسب إلی الوقف ، والراوی عنه هو محمد بن عیسی بن عبید الجلیل ، وتضعیف الشیخ له مبنی علی استثنائه من نوادر الحکمة ، وهو غیر تام ، وقد وثقه النجاشی بقوله : جلیل فی أصحابنا ثقة کثیر الروایة حسن التصانیف ، وکان الفضل یثنی علیه ویمدحه ویمیل إلیه ، ویقول : لیس فی أقرانه مثله ، انتهی ، وقد اعتمد الصدوق علیه وارتضاه ولم یسمع کلام استاذه ابن الولید فیه ، بل صرح النجاشی بأن الأصحاب ینکرون قول ابن الولید فیه ، ویقولون : من مثل أبی جعفر محمد بن عیسی .

أیضاً(1) .

22 - إخراج الدم من البدن

لا یجوز للمحرم إخراج الدم من جسده سواء بالفصد أو الحجامة أو قلع الضرس أو الحک أو غیرها(2) ، إلّاإذا اضطر إلی ذلک ولو لدفع

ص:226


1- (1) لمصححة أبی بصیر قال : سألته : الرجل یضرب علیه الظلال وهو محرم ؟ قال : نعم إذا کانت به شقیقة ، ویتصدق بمد لکل یوم » .
2- (2) علی المشهور ، وتشهد له جملة من الروایات ، کالتی تنهی عن الحجامة والحک إذا کان مؤدیاً إلی الادماء ، ولا خصوصیة للعناوین المأخوذة فیها سیما بعد قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة قال : سألته عن المحرم کیف یحک رأسه ؟ قال : بأظافیره ما لم یدم أو یقطع الشعر » ، وقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی قال : سألته عن المحرم یحتجم قال : لا ، إلا أن لا یجد بداً فیحتجم ، ولا یحلق مکان المحاجم » ، وفی صحیحة زرارة « إلا أن یخاف علی نفسه أن لا یستطیع الصلاة » ، ولا یخفی أن لسانها هو الحرمة لا بإطلاق النهی فقط بل من جهة حصر الاستثناء بالخوف والضرورة ، ومثلها روایة حسن الصیقل وقد تضمنت خوف التلف أو إیذاء الدم ، وغیرها من الروایات .وقد حملها الشیخ فی الخلاف والمحقق علی الکراهة - وقوّاها بعض أعاظم المعاصرین - بقرینة صحیحة حریز وفیها « لا بأس أن یحتجم المحرم ما لم یحلق أو یقطع الشعر » وهی محمولة علی صورة الحاجة أو الاضطرار لکثرة الروایات الدالة علی الحرمة وإن کان الظهور الأولی لنفی البأس هو بیان للحکم الأولی ، أو علی التقیة لاجماع العامة علی جواز الادماء ، کما أنها أخص من المدعی .فالصحیح ما علیه الماتن دام ظله تبعاً للمشهور من حرمة الادماء ، إلا أنه یسوغ ارتکابه بأدنی اضطرار وهذا محصل أدلة الجواز ، کما یمکن القول بکراهة الحجامة خاصة توفیقاً بین النصوص ، ولقوله علیه السلام فی الصحیحة الآتیة فی السواک « هو من السنة » وهی لا تقل فائدة وحثاً من الشارع عنه .

الأذیة(1) ، ویجوز له الاستیاک وإن أدمی لکنه یراعی عدم وقوعه(2) ، وکفارة إخراج الدم لغیر ضرورة شاة علی الأحوط الأولی(3) .

23 - تقلیم الظفر

لا یجوز للمحرم تقلیم ظفره ولا ازالته ولو بعضه إلّاأن یؤذیه بقاؤه ویتضرر منه کما إذا انفصل بعض ظفره وتألم من بقاء الباقی فیجوز له

ص:227


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، وتشهد له النصوص الکثیرة .
2- (2) تدل علیه صحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام فی المحرم یستاک ؟ قال : نعم ، قلت : فإن أدمی یستاک ؟ قال : نعم ، هو من السنة » ، وفی قبالها صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یستاک ؟ قال : نعم ولا یدمی » المحمولة علی الکراهة لکون الأولی نصاً فی الجواز والثانیة ظاهرة فی الحرمة .
3- (3) لعدم الدلیل علی الکفارة من النصوص ، وحکی الشهید عن بعض أصحاب المناسک أن کفارته شاة ، ولعله لحسنة ابن جعفر بناء علی نسخة « جرحت» ، ونقل عن الحلبی أن کفارة حک الجسم حتی یدمی اطعام مسکین ، ووجه ما ورد من عموم ثبوت التصدق لاجتراح التروک ولو عن غفلة ، وأن الادماء لا یخرج حکمه عن الکراهة فیساوی موراد الغفلة فی التروک المحرمة .

حینئذٍ ویکفر عن کل ظفر بقبضة من الطعام(1) .

مسألة 274 : کفارة تقلیم کل ظفر مد من الطعام من الید أو الرجل ، وإذا بلغت العشرة فی الیدین أو العشرة فی الرجلین فالکفارة شاة واحدة ، وتتعدد بتعدد عشرة الیدین والرجلین إلّاإذا کان تقلیمها جمیعاً فی مجلس واحد(2) .

مسألة 275 : إذا أفتی شخص لمحرم بأن أخبره بجواز تقلیم أظافیره فقلّمها وأدمی فتجب علی المفتی الکفارة علی الأحوط (3) .

ص:228


1- (1) بلا خلاف ، ففی صحیحة معاویة قال : سألته عن الرجل المحرم تطول أظافیره ؟ قال : لا یقص شیئاً منها إن استطاع ، فإن کانت تؤذیه فلیقصها ولیطعم مکان کل ظفر قبضة من طعام » .
2- (2) علی المشهور ، بل الاجماع علیه کما فی الخلاف والمنتهی والغنیة ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قص ظفراً من أظافیره وهو محرم ؟ قال : علیه فی کل ظفر قیمة مد من طعام حتی یبلغ عشرة ، فإن قلم أصابع یدیه کلها فعلیه دم شاة ، قلت : فإن قلم أظافیر یدیه ورجلیه جمیعاً ؟ فقال : إن کان فعل ذلک فی مجلس واحد فعلیه دم ، وإن کان فعله متفرقاً فی مجلسین ، فعلیه دمان » .
3- (3) کما هو المشهور ، استناداً لروایة اسحاق الصیرفی قال : قلت لأبی إبراهیم : إن رجلاً أحرم فقلم أظفاره ، فکانت له اصبع علیلة ، فترک ظفرها لم یقصه ، فأفتاه رجل بعدما أحرم فقصه فأدماه ؟ فقال : علی الذی افتی شاة » ، وهی ضعیفة سنداً مع عمل المشهور بها ، وفی موثقة اسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل نسی أن یقلم أظفاره عند إحرامه ؟ قال : یدعها ، قلت : فإن رجلاً من أصحابنا أفتاه بأن یقلم اظفاره ویعید إحرامه ففعل ، قال : علیه دم یهریقه » والضمیر یحتمل عوده للرجل المفتی ، فإن السؤال الثانی فی الروایة انصب علیه ، کما یحتمل عوده للمحرم ، لکونه أقرب مرجع یعود علیه الضمیر المستتر فی « ففعل » ، وعلی الاحتمال الثانی فثبوت الکفارة ندبی ، وعلی الاحتمال الأول فتثبت الکفارة علی المفتی ، لا من باب عموم « کل مفت ضامن » الوارد فی صحیحة ابن الحجاج ، وإنما عقوبة له ، وقد استشکل الماتن دام ظله فی ثبوت الکفارة علی الاحتمال الأول لما ورد من أن الجاهل لا کفارة علیه ، وفیه : أنه علی الاحتمال الأول یکون محور الکلام المفتی لا الجاهل ، وقد یستأنس للمقام بثبوت الکفارة علی الزوج فی ما لو أکره زوجته علی الجماع فی الإحرام والصیام والحیض .

24 - قلع الضرس

مسألة 276 : ذهب جمع من الفقهاء إلی حرمة قلع الضرس علی المحرم وإن لم یخرج به الدم ، وأوجبوا له کفارة شاة ، وهو لا یخلو من اشکال(1) .

ص:229


1- (1) قاله الشیخ فی النهایة والحلبی فی الکافی وابن سعید فی الجامع والعلامة فی القواعد ، استناداً إلی ما راواه الشیخ عن محمد بن عیسی عن عدة من أصحابنا ، عن رجل من أهل خراسان : إن مسألة وقعت فی الموسم لم یکن عند موالیه فیها شیء : محرم قلع ضرسه ، فکتب - علیه السلام - : یهریق دماً » ، قال فی الحدائق : « إنه مع ارساله أن المکتوب إلیه غیر معلوم ، والاستناد إلی ما هذا شأنه وإثبات حکم شرعی به مشکل » ، قلت : فی نسخ التهذیب أن المکتوب إلیه هو المعصوم علیه السلام ، إذ فیها « فکتب علیه السلام » ، ومنه تعرف أن الروایة قابلة للاعتماد سیما وأن الراوین عن الخراسانی جماعة من الاصحاب ، نعم یحتمل أنه قد أدمی ، کما هو الغالب ، ویکون الدم لأجله ، وفی روایة الصیقل أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یؤذیه ضرسه أیقلعه ؟ قال : نعم ، لا بأس به » وفیها إشعار بالحزازة فی غیر الضرورة ، وقد یدعی أن قلع الضرس من التفث فهو نحو تقصیر فی أثناء الإحرام ، فالجزم بالجواز محل تأمل .

25 - حمل السلاح

مسألة 277 : لا یجوز للمحرم حمل السلاح کالسیف والبندقیة والرشاش وغیرها من الأسلحة بنحو یصدق علیه أنه مسلّح عرفاً(1) ، وکذلک علی الأحوط الألبسة العسکریة الحربیة(2) .مسألة 278 : لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم یعدّ مسلحاً بذلک(3) .

مسألة 279 : یجوز حمل السلاح عند الاضطرار والخوف علی

ص:230


1- (1) علی المشهور ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : المحرم إذا خاف العدو یلبس السلاح ، فلا کفارة علیه » ، وفی صحیحة ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام : أیحمل السلاح المحرم ؟ فقال : إذا خاف المحرم عدواً أو سرقاً فلیلبس السلاح » .
2- (2) لإمکان أن یقرب صدق عنوان التسلح علی التهیؤ للحرب مطلقاً بآلآته ولوازمه ، لا سیما وأن معنی اللبس یساعده .
3- (3) لأن المنهی عنه فی الروایات عنوان لبس السلاح أو المقارب له ، وأما اقتنائه والاحتفاظ به فی متاعة فغیر مشمول ، إلا بتوسع استعمال الحمل لذلک .

النفس(1) .

مسألة 280 : کفارة حمل السلاح شاة علی الأحوط (2) .

إلی هنا انتهت الأمور التی تحرم علی المحرم

أحکام الحرم المکی

وهی تعم المحرم والمحل :

الأول : حرمة من دخله وإن کان متصفاً بما یهدر الحرمة(3) .

الثانی : حرمة الصید البری وکذلک التعرض له بالتنفیر والأذیة(4)ونحو ذلک فالمراد من الحرمة کونه آمناً .

الثالث : قلع ما نبت فی الحرم أو قطعه من شجر أو زرع أو عشب وغیره(5) ، ویستثنی من ذلک :

ص:231


1- (1) لما تقدم من النصوص .
2- (2) لمفهوم صحیحة الحلبی المتقدمة ، إلا أنه نسب إلی جل الأصحاب عدم الکفارة ، نعم إذا صدق علی التسلح اللبس شمله صحیحة زرارة المتقدمة « أن من لبس ثوباً لا ینبغی له علیه شاة » .
3- (3) تمسکاً باطلاق قوله تعالی وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً .
4- (4) نصاً وإجماعاً .
5- (5) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة حریز عن أبی عبد الله علیه السلام فی حدیث قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : ألا إن الله قد حرم مکة یوم خلق السماوات والأرض ، فهی حرام بحرام الله إلی یوم القیامة ، لا یُنفر صیدها ، ولا یعضد شجرها ، ولا یختلی خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد » فقال العباس : یا رسول الله إلا الأذخر فإنه للقبر والبیوت ؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله : إلا الأذخر » .

1 - ما یقطع أو یتلف عند المشی فی النحو المتعارف(1) .

2 - ما تأکله الدواب(2) .

3 - الاذخر وهو نبت(3) .

4 - النخل وشجر الفواکه(4) .

5 - الأشجار أو الأعشاب وما ینبت فی الدار والملک بعد تملکها سواء نبت بیده أو لا ، بخلاف الشجرة التی کانت سابقة علی تملکه للدار والملک(5) .

ص:232


1- (1) لعدم الردع منه مع کثرة الابتلاء به ، مما یوجب انصراف النصوص عنه .
2- (2) لقوله علیه لاسلام فی صحیحة الحلبی « یخلّی عن البعیر فی الحرم یأکل ما شاء » ، وفی صحیحة ابن حمران قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النبت الذی فی أرض الحرم أینزع ؟ فقال : أما شیء تأکله الابل فلیس به بأس أن تنزعه » .
3- (3) یدل علیه ما فی صحیحة حریز المتقدمة ، وغیرها .
4- (4) تمسکاً بموثقة سلیمان بن خالد عنه علیه السلام قال : لا ینزع من شجر مکة إلا النخل وشجر الفاکهة » .
5- (5) تشهد له النصوص ، ففی روایة حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقلع الشجرة من مضربه أو داره فی الحرم ؟ فقال : إن کانت الشجرة لم تزل قبل أن یبنی الدار أو یتخذ المضرب فلیس له أن یقلعها ، وإن کانت طریة علیه فله قلعها » ، وفی مصححته الأخری « إن بنی المنزل والشجرة فیه فلیس له أن یقلعها ، وإن کانت نبتت فی منزله وهو له فلیقلعها » ، وفی صحیحة حریز قال : کل شیء نبت فی الحرم فهو حرام علی الناس أجمعین ، إلا ما أنبته أنت أو غرسته » .

الرابع : حرمة دخول الحرم إلّامحرماً وقد تقدم فی فصل المواقیت .

ویلحق عند جماعة بحرم مکة حرم المدینة فی حرمة الصید والشجر والنبات وهو أحوط إن لم یکن أظهر(1) ، وحدّه « عائر » و« وعیر » الجبلان المحیطان بالمدینة المنورة .

مسألة 281 : یکفی فی حرمة الشجر والنبات أن یکون فرعه فی الحرم(2) .

مسألة 282 : کفارة قلع الشجرة الکبیرة بقرة والصغیرة شاة(3)

ص:233


1- (1) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : مکة حرم الله حرمها إبراهیم علیه السلام ، وإن المدینة حرمی ما بین لابتیها حرم ، لا یعضد شجرها ، وهو ما بین ظل عائر إلی ظل وعیر ، ولیس صیدها کصید مکة ، یؤکل هذا ولا یؤکل ذلک ، وهو برید » .
2- (2) یشهد له صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شجرة أصلها فی الحرم وفرعها فی الحل ، فقال : حرم فرعها لمکان أصلها ، قال : قلت : فإن أصلها فی الحل وفرعها فی الحرم ؟ قال : حرم أصلها لمکان فرعها » .
3- (3) علی المشهور ، بل ادعی علیه الإجماع ، خلافاً لابن ادریس وظاهر الشرائع و النافع واستوجهه فی المدارک ، ومستند المشهور فی التفصیل مرسلة موسی بن القاسم قال : روی أصحابنا عن أحدهما علیهما السلام إنه قال : إذا کان فی دار الرجل شجرة من شجرة الحرم لم تنزع ، فإن نزعها کفر بذبح بقرة یتصدق بلحمه علی المساکین » المحمولة علی الکبیرة ، وکون الشجرة فی ملکه لا یعنی جواز قلعها إذا لم یکن هو الغارس لها کما هو ظاهر صحیحة حریز المتقدمة ، ودعوی بعض الأساطین عدم دلالتها علی الوجوب ، یدفعه ظاهر قوله علیه السلام « کفر » ، وارسالها لا یضر إذ لیس المرسل عنه واحد ، کما هو ظاهر لفظ « أصحابنا » ، والروایة لا تدل علی تفصیل الماتن دام ظله ، نعم ذکره الشیخ فی المبسوط والخلاف ، وکذا ابن حمزة ، وعن ابن البراج البقرة مطلقاً ، وعن ابن الجنید القیمة مطلقاً .

والأبعاض القیمة(1) ، ولا کفارة فی قلع الأعشاب وقطعها(2) .

محل ذبح الکفارة ومورد مصرفها

مسألة 283 : محل ذبح کفارة الصید فی العمرة مکة وفی الحج منی(3) ، نعم یجب إتخاذ الهدی وتعیین فداء الصید فی المکان الذی أصابه فیه .

ومحل ذبح الکفارة غیر الصید فی العمرة یُتخیر بین مکة ومنی فیما لو تعقبت بالحج وإلّا ففی مکة خاصة ، وفی الحج منی .

مسألة 284 : إذا لم یذبح الکفارة فی مکة أو منی - لعذر أو بدونه -

ص:234


1- (1) وذلک لصحیحة سلیمان عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یقطع من الأراک بمکة ؟ قال : علیه ثمنه یتصدق به ، ولا ینزع من شجر مکة إلا النخل وشجر الفواکه » .
2- (2) لعدم الدلیل .
3- (3) تشهد له صحیحة ابن سنان عنه علیه السلام قال : من وجب علیه فداء صیدأصابه وهو محرم فإن کان حاجاً نحر هدیه الذی یجب علیه بمنی ، وإن کان معتمراً نحره بمکة قبال الکعبة » .

حتی رجع فیذبحها حیث یشاء إن کانت کفارة غیر الصید(1) ، وکذلک کفارة الصید إن لم یتمکن منها فی الحرم حتی رجع(2) .

مصرف الکفارة

الکفارات الواجبة فی الإحرام یتصدق بها علی الفقیر والمسکین المؤمن(3) وإلّا فالمستضعف(4) ، ولا یأکل من وجبت علیه منها ، ولو

ص:235


1- (1) تمسکاً بموثقة اسحاق عنه علیه السلام قال : قلت له : الرجل یخرج من حجته شیئاً یلزمه من دم ، یجزیه أن یذبحه إذا رجع إلی أهله ؟ فقال : نعم ، وقال - فیما أعلم - یتصدق به » ، وحسنة علی بن جعفر عنه علیه السلام : لکل شیء خرجت - جرحت - من حجک فعلیک دم تهریقه حیث شئت » .والمحصل من الروایات تعین کفارة الصید فی العمرة بمکة ، وکفارة الصید للحج بمنی ، وأما کفارة غیر الصید فیتخیر بین مکة ومنی فی العمرة فیما لو تعقبت بالحج ، وإلا ففی مکة ، وتتعین منی فی کفارات الحج ، ثم إن هذا التعین عبارة عن وجوب الفوریة التکلیفیة ، فلو عصی أو غفل أو أخر فیجوز التکفیر والذبح حیث شاء فی کفارة غیر الصید ، وأما کفارة الصید فیجزیه فی غیر الحرم إن لم یتمکن فی الحرم ، ففی موثقة یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المضطر إلی میتة وهو یجد الصید ؟ قال : یأکل الصید وعلیه فداءه ، قلت : فإن لم یکن عندی ؟ قال : تقضیه إذا رجعت إلی مالک » .
2- (2) تدل علیه موثقة یونس بن یعقوب المتقدمة .
3- (3) کما هو صریح جملة من النصوص .
4- (4) مع عدم وجود المؤمن المسکین الفقیر ، لقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن بلال « لا تعطی الصدقة والزکاة إلا لأصحابک » ومقابلة الصدقة للزکاة صریحة فی إرادة عموم الصدقات الواجبة غیر الزکاة ، فیشمل الهدی الواجب ، سواء لهدی حج التمتع أو للتحلل أو الکفارات .

ارتکب ذلک کان ضامناً لقیمة المأکول یتصدق بها علی الفقراء(1) .

ص:236


1- (1) وجزم السید الخوئی قدس سره وبعض أعاظم تلامذته بجواز الأکل قلیلاً ، استناداً لجملة من النصوص ، منها موثقة إسحاق قال : قلت لأبی إبراهیم الرجل یخرج من حجته ما یجب علیه الدم ولا یهریقه حتی یرجع إلی أهله ، قال : یهریقه فی أهله ویأکل منه الشیء » .ومصححة الکاهلی عنه علیه السلام قال : یؤکل من الهدی کله مضموناً کان أو غیر مضمون » ، وصحیحة عبد الملک القمی عنه علیه السلام قال : یؤکل من کل هدی نذراً کان أو جزاء » .وصحیحة ابن بشیر عنه علیه السلام قال : سألته عن البدن التی تکون جزاء الإیمان والنساء ولغیره ، یؤکل منها ؟ قال : نعم ، یؤکل من کل البدن » .وفی قبالها روایات تدل علی عدم الجواز ، کصحیحة أبی بصیر قال : سألته عن رجل أهدی هدیاً فانکسر ، فقال : إن کان مضموناً فعلیه فداؤه ، قلت : أیأکل منه فقال : لا ، إنما هو للمساکین ، فإن لم یکن مضموناً فلیس علیه شیء ، قلت : أیأکل منه ؟ قال : یأکل منه » .وصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فداء الصید یأکل من لحمه ، فقال : یأکل من اضحیته ویتصدق بالفداء » .وموثقة عبد الرحمن قال : سألته علیه السلام عن الهدی ما یؤکل منه ؟ قال : کل هدی من نقصان الحج فلا تأکل منه وکل هدی من تمام الحج فکل » .وروایة البختری عن الباقر علیه السلام قال : إن علی بن أبی طالب کان یقول : لا یأکل المحرم من الفدیة ولا من الکفارات ولا جزاء الصید ، ویأکل مما سوی ذلک » .قال الماتن دام ظله : وحمل الروایات الثانیة علی الکراهة جمعاً بینهما وبین ما دل علی الجواز غیر متجه ، لما عرفت من ظهور الروایات الأولی بقوة وصراحتها علی الحرمة ، وأن الضمان الوضعی فرع الحرمة ، فحمل الروایات المجوزة علی التقیة کما صنع المشهور متجه .

الطواف

اشارة

الطواف هو الواجب الثانی فی عمرة التمتع وهو رکن فی الجملة(1) ، وتفسد عمرة التمتع بترکه عمداً سواء أکان عالماً بالحکم أو جاهلاً به مع التفاته لجهله - بأن یکون شاکاً -(2) ، بخلاف ما لو کان ترکه غیر عمدی

ص:237


1- (1) بلا خلاف فی ذلک .
2- (2) وقد أدعی الاجماع علی البطلان مع الترک عمداً وإن کان عن جهالة ،تمسکاً - مضافاً إلی أنه مقضی القاعدة فی الإجزاء والشرائط مع إطلاقها الشامل لحالة العلم والجهل والعمد والغفلة - بصحیحة علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل جهل أن یطوف بالبیت طواف الفریضة .قال : إن کان علی وجه الجهالة فی الحج أعاد ، وعلیه بدنة » .ومصححة علی بن أبی حمزة قال : سئل عن رجل جهل أن یطوف بالبیت حتی رجع إلی أهله ؟قال : إذا کان علی وجه الجهالة أعاد الحج وعلیه بدنة » .ورواها الصدوق بلفظ « رجل سهی أن یطوف » ، وقد أشکل علی دلالتها المحقق الأردبیلی وحمل الإعادة علی اعادة الطواف لا الحج ، ومال إلیه فی الحدائق ، وأن عمدة الدلیل فی العامد فی إعادة الحج هو الإجماع فلم یلتزم بإعادة الحج فی غیر العامد ، وتمسک بنفی البدنة والإعادة بدلیل الرفع .

کما لو أتی به فاسداً بسبب الجهل بالحکم وشرائط الصحة أو الجهل بالموضوع وتحقق شرائطه بنحو لا یلتفت إلی جهله کالناسی والغافل ، فیجب علیه تدارکه بعد الالتفات وتصح عمرته(1) .

ویتحقق الترک بالتأخیر إلی زمانٍ لا یمکنه ادراک الوقوف بعرفات(2) .

ص:238


1- (1) وذلک لأن صحیحة ابن یقطین فی الجهل بالحکم مع تعمد ترک الموضوع ، ولیس فی الجهل فی الموضوع ، وکذلک روایة ابن أبی حمزة - بروایة الشیخ - ، مضافاً إلی أن صحیحة ابن یقطین بدرجة الظهور لا الصراحة ، لأن الإعادة تستعمل فی الخلل فی العبادات بقضاء الجزء المتروک بلحاظ أن محله قد فات .والحاصل : أن إطلاقات أدلة جزئیة الطواف وإن اقتضت الرکنیة ، إلا أن المقابلة بین ما ورد فی الروایتین وبین الروایات الدالة علی صحة حج الناسی للطواف ولزوم الإتیان بالطواف یمکن أن یستفاد منه عموم صحة الحج لتارک الطواف عن غیر عمد ، لنسیان أو غفلة أو جهل بالموضوع أو جهل بتحقق الشرائط خارجاً .وظاهر کلمات المشهور ناصة علی إعادة الحج فی العامد ، حتی أنه قد استظهر من تقییدهم بالعامد خصوص العالم ، واحتیج فی تعدیه إلی الجاهل بالتمسک بروایة ابن یقطین المتقدمة ، ولا یظهر من کلماتهم بطلان النسک بالترک غیر العمدی وإن کان بسبب الجهل بالموضوع ، کجهله بوجود الحاجب علی أعضاء الوضوء فطاف بغیر طهارة ، ولذا قال الشیخ فی الخلاف : لو طاف علی غیر وضوء وعاد إلی بلده ، رجع وأعاد الطواف مع الإمکان ، فإن لم یمکنه استناب من یطوف عنه - إلی أن قال - دلیلنا : اجماع الفرقة وأخبارهم وطریقة الإحتیاط .
2- (2) راجع المسألة : 155 .

ثم فی صورة الترک العمدی المفسد لعمرة التمتع الأقوی أن إحرامه ینقلب إلی حج الإفراد ثم یأتی بعمرة مفردة بعد(1) ، والأظهر اجتزاؤه بذلک وإن کان مقصراً آثماً(2) لا سیّما إذا کان الحج ندبیاً ، والأحوط فیما

ص:239


1- (1) وذهب عدة من أعاظم العصر إلی بطلان إحرام عمرته ، وذلک لأن الإحرام- فی نظرهم - لیس من قبیل السبب والمسبب ، وأنه معنی اعتباری یتوصل إلیه بالتلبیة ویقارن النسک ، کما فی الطهارة المسببة عن الوضوء ، وهو الذی ذهب إلیه المشهور ، وإنما هو فعل من أفعال النسک ، کتکبیرة الإحرام جزء من أجزاء الصلاة وتبطل لعدم تعقبها ببقیة الإجزاء وفوات المحل ، ومن ثم التزموا ببطلان احرام عمرة التمتع مع عدم الإتیان بأعمالها إلی الزوال من یوم عرفة حیث یفوت محل التدارک ، وکذلک بطلان احرام الحج لفوات الموقفین أو بقیة أعمال الحج فیما لو انقضی شهر ذی الحجة ، بخلاف العمرة المفردة حیث لا یفوت محلها ولو بتمادی الوقت فیبقی علی الإحرام .
2- (2) قد یقال ببطلان نسکه حینئذ لتفویته عمرة التمتع عمداً ولا تشمله الروایات الواردة فی العدول لاختصاصها بمن ضاق وقته عن العمرة اتفاقاً لا بسوء الاختیار ، والصحیح أن روایات العدول مطلقة ، ففی صحیحة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یکون فی یوم عرفة ، وبینه وبین مکة ثلاثة أمیال وهو متمتع بالعمرة إلی الحج ؟ فقال : یقطع التلبیة تلبیة المتعة ، ویهل بالحج بالتلبیة إذا صلی الفجر ویمضی إلی عرفات مع الناس ویقضی جمیع المناسک ویقیم بمکة حتی یعتمر عمرة المحرم ولا شیء علیه » فهی شاملة لموارد ما إذا أحرم وتأخر فی الطریق لقضاء بعض الحوائج من المرور علی ضیاع أو الذهاب إلی تجارة أو بعض المعادن أو رعی بعض الدواب مما قد ورد التمثیل به فی العدید من الروایات ، فدعوی انصراف الروایات عن من أخّر الطواف عمداً فی غیر محله ، بل الإطلاق محکم ویکون المقام نظیر الأبدال الاضطراریة فی الأبواب الأخری الشاملة لما إذا فوّت الواجب الاختیاری بسوء الاختیار .ومما یعضد هذا الإطلاق ما ورد فیمن لبّی عمداً قبل تقصیره فی عمرة التمتع أن نسکه ینقلب إلی الإفراد ، وکذلک الحال فی الجاهل دون الناسی کما ذهب إلیه جماعة ونسب إلی الأشهر کما فی الدروس والمسالک ، وعن الروضة والمسالک واحتمال المدارک أنه یجتزیء به عن الفرض لو کان الحج واجباً ، واختاره النراقی فی المستند ، تمسکاً بمصححة العلاء بن الفضیل قال : سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن یقصر ؟ قال : بطلت متعته ، هی حجة » ، وصحیحة أبی بصیر وفیها « المتمتع إذا طاف وسعی ثم لبی بالحج قبل أن یقصر فلیس له أن یقصر ولیس له متعة » .والخلاصة : أن تفویت عمرة التمتع لمن فرضه التمتع - أعم من أن یکون دخل فی احرام العمرة أو لم یدخل وأعم من کون التفویت بترک العمرة أو افسادها - تنقلب وظیفته إلی حج الإفراد وإن أثم فی صورة التقصیر ، ویتبعها بعمرة مفردة ویجتزیء بذلک عن الفرض ، نعم فی صورة افساد عمرة التمتع یظهر من غیر واحد وجوب الحج علیه من قابل إما کعقوبة أو إعادة .ویتبین من ذلک : أن النائی والحاضر - إن لم یکونا نائبین - مشروعیة أنواع النسک لهما ، غایة الأمر أن النائی یتعین علیه فی الرتبة الأولی التمتع ، فإن عجز عنها تنتقل وظیفته إلی الإفراد ، أما الحاضر فیتعین علیه الإفراد ، بمعنی عدم لزوم التمتع علیه ، فلو تمتع صح منه ذلک ، شریطة أن یعقد إحرامه من المواقیت البعیدة .

إذا کان واجب الاعادة(1) ، ثم لو فوت الموقفین فإن کان حجه ندبیاً یتحلل بعمرة مفردة ، والأحوط له الحج من قابل کفارة عن ما ارتکبه ، وإن کان الحج واجباً فیتحلل بالعمرة المفردة وعلیه الحج من قابل .

ص:240


1- (1) خروجاً عن موضع الخلاف .

شرائط الطواف

ویعتبر فی الطواف أمور :

الأول : النیة(1) ، بأن یقصد عنوان الطواف من النسک المعین بداعی القربة ، فلا یجزیء مجرد الدوران من دون القصد المزبور .

الثانی : الطهارة من الحدثین الأکبر والأصغر ، فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسیاناً لم یصحّ طوافه(2) .

ص:241


1- (1) وهی تارة بمعنی الفعل القصدی ، وأخری بمعنی کونه قربیاً ، واعتبار الثانی لا محالة دال علی الأول .والأول یقع علی معانٍ أیضاً : فتارة یراد منه الإنشاء والاعتبار ، وأخری مجرد الالتفات والصدور عن إرادة اختیاریة ، والمراد ههنا هو قصد العنوان ، لأن الحرکة حول الکعبة قد تقع بغرض آخر کالتفرج أو المرور أو العبور للطرف الآخر ، ونحوها ، فلا یصدق علیه طواف بالبیت ، لا سیما وقد ضمّن الطواف بالبیت معنی اللواذ والاستعاذة به تعالی والالتجاء إلیه ، وکل هذه المعانی والعناوین انشائیة ودواعی وأغراض تعنون الأفعال الخارجیة .
2- (2) بلا خلاف یعرف ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علیه السلام قال « لا بأس أن یقضی المناسک کلها علی غیر وضوء إلا الطواف بالبیت ، والوضوء أفضل » ، وفی صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما علیهما السلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهور .قال : یتوضأ ویعید طوافه ، وإن کان تطوعاً توضأ وصلی رکعتین » .

مسألة 285 : إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة صور :

الأولی : أن یکون ذلک قبل تمام الشوط الرابع ففی هذه الصورة یبطل طوافه وتلزم إعادته بعد الطهارة ، سواء کان حدثه قبل النصف أو بعد النصف وقبل تمام الأربعة ، وذلک لفساد الشوط الرابع لاخلاله بالموالاة فیه(1) .

ص:242


1- (1) المشهور والمقطوع به من کلام الأصحاب کما فی المدارک بل وعن ظاهر المنتهی الإجماع علیه : أن من أحدث قبل تجاوز النصف فعلیه الاستئناف ، وإن کان بعده تطهر وأتم الباقی ، تمسکاً بالنصوص ، کصحیحة جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیهما السلام فی الرجل یحدث فی طواف الفریضة وقد طاف بعضه ؟قال : یخرج ویتوضأ ، فإن کان جاز النصف بنی علی طوافه ، وإن کان أقل من النصف أعاد الطواف » وإرسالها لایضر لکون المرسل جمیل والإرسال بلفظ بعض أصحابنا واعتماد المشهور علیها فإهمالها مطلقاً فیه مجازفة ، ومثلها فی الدلالة صحیحة حمران فی الجماع بعد النصف ، وحسنة أبی بصیر وروایة الحلال فی الحائض بعده .وخلاصة ما أفاده الماتن دام ظله الشریف فی بحثه : أنه قد یقال : أن الأصل عدم مانعیة أو ناقضیة الحدث ، إذ أن شرطیة الطهارة غایة ما تقتضیه هو لزوم اتصاف الإجزاء بالطهارة لا لزوم اتصاف الأکوان المتخللة بالطهارة ، لکن الصحیح أن مقتضی القاعدة وإن کان أصالة عدم اعتبار الشرط المشکوک أو المانع أو الناقض المشکوک ، إلا أن مقتضی أخذ العدد فی ماهیة المرکبات کما فی الطواف والصلاة یقتضی اعتبار الهیئة الاتصالیة لأن تقید الماهیة المرکبة بالعدد موجب لظهور الکم فی الأتصال .نعم غایة ذلک هو اعتبار الموالاة العرفیة وقاطعیة الفصل الطویل زماناً أو الفصل البعید مکاناً ، ولک أن تقول أن الهیئة الاتصالیة هی الموجبة لاجتماع عدد الأشواط فی طواف متمایز عن طواف آخر ، وإلا لاختلطت أجزاء المجموعات ، فالاتصال کالخیط الواصل بین أجزاء الخرز .أما القواطع التعبدیة المشکوکة فلا بد من إقامة الدلیل علیها ، وعلی ذلک فلو لم یدل الدلیل علی قاطعیة المشکوک کما لو فرض ذلک فی الحدث لکان غایة ما یلزم هو تجدید الطهارة فی المطاف ثم البناء علی ما سبق بعد توفر الموالاة العرفیة .ومفاد صحیحة جمیل ناقضیة الحدث للأکوان المتخللة بین الأجزاء فقط ، - کما هو الحال فی الصلاة - واعتبار الموالاة ، ولا مباینة بین المفادین بل لا ملازمة .فالاتصال هو لحاظ الهیئة الاجتماعیة أی صورة العمل کوحدة مجموعیة قابلة للانمحاء والانقطاع والانتقاض ، وبذلک یکون مفاد الروایة مفادان :أحدهما : اعتبار القاطع التعبدی .الثانی : اعتبار الموالاة ، مفروغاً عنها فی الرتبة السابقة ، وهی قابلیة الانقطاع بالقاطع العرفی کالخروج عن المطاف والابتعاد کثیراً ، أو بالقاطع التعبدی کالحدث وغیره ، وعلیه فمن أحدث بعد النصف وقبل الأربعة بطل شوطه الرابع من رأس لأنه یعتبر تحقق الموالاة فی الشوط الواحد ، فیکون حاله کمن أتی بثلاثة أشواط فقط .

الثانیة : أن یکون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع ومن دون اختیاره أو بسبب الحرج والحاجة فالأظهر فی هذه الصورة أن یقطع طوافه ویتطهّر ویتمه من حیث قطعه(1) عدداً لا موضعاً(2) .

ص:243


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، وتشهد له الروایات .
2- (2) لاعتبار تحقق الموالاة فی الشوط الواحد کما تقدم عن الماتن دام ظله ، ولعل ما یستفاد من بعض الروایات ، والله العالم .

الثالثة : أن یکون الحدث بعد تمام الشوط الرابع مع صدور الحدث باختیار من دون مشقة وحاجة فالأظهر الإعادة(1) ، والأحوط إتمامه مع الصلاة ثم الإعادة(2) .

مسألة 286 : إذا شک فی الطهارة قبل الشروع فی الطواف أو قبل إتمام الشوط الرابع فإن کانت الحالة السابقة هی الطهارة بنی علیها وأتی بالأشواط (3) ، وإن لم یعلم الحالة السابقة فیجب الطهارة والطواف من رأس ابتداءً(4) ، وإن کان شکه بعد تمام الأربعة فإن کانت الحالة السابقة هی الطهارة أتم بقیة الأشواط أیضاً ، وإن لم یعلم الحالة السابقة جدد الطهارة وأتم ما بقی(5) .

مسألة 287 : إذا شک فی الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم یعتنِ

ص:244


1- (1) لاعتبار الموالاة ، غایة الأمر رفع الید عن ذلک بالنصوص الدالة علی کفایة الموالاة للنصف الأول وموردها منصرف إلی موراد العذر الداعی الراجح لا الاختیار الاقتراحی العبطی .
2- (2) لاحتمال شمول الروایات للحدث بکل حالاته ، بل ربما یقال أنه هو الظاهر من صحیحة جمیل المتقدمة ، فراجع .
3- (3) کما هو مقتضی قاعدة الإستصحاب .
4- (4) إذ لا بد من إحراز الطهارة لصحة الطواف .
5- (5) هذا بناءاً علی أن المستفاد من الروایات أن الطواف مرکب من عملین ، الأول : الأشواط الأربعة الاُوَل .والثانی : الثلاثة الاُخر ، أو مرکب من سبعة أشواط بعددها ، فعلیه تجری قاعدة الفراغ ، ولعل استفادة ذلک فی غایة الصعوبة ، والله العالم .

بالشک(1) وإن کانت الإعادة أحوط ، ولکن تجب الطهارة لصلاة الطواف(2) .

نعم لو علم بالحدث الأکبر قبل الطواف ثم غفل وطاف ثم احتمل أنه قد اغتسل فإن أحدث بالأصغر قبل أن یغتسل لصلاة الطواف فإن اللازم علیه أن یغتسل ویتوضّأ ویصلّی صلاة الطواف ویعید الطواف مرة أخری مراعاة للعلم الإجمالی(3) .

مسألة 288 : إذا لم یتمکن المکلف من الوضوء أو یأس منه فی الوقت المتسع للطواف یتیمم ویأتی بالطواف(4) ، وإذا لم یتمکن من التیمم فی الوقت المزبور أیضاً لزمته الاستنابة للطواف(5) ، والأحوط

ص:245


1- (1) لقاعدة الفراغ ، بعد استیقانه بالإتیان بسبعة أشواط .
2- (2) لاشتراط إحراز الطهارة یقیناً .
3- (3) فإن استصحاب الجنابة وإن لم یعارض قاعدة الفراغ فی الطواف السابق ، إلا أنه یعارضها بلحاظ صلاة الطواف ، فإنه یقتضی الاکتفاء بالغسل من دون وضوء فیتولد علم إجمالی إما بالبطلان للطواف السابق إن کان جنباً أو بطلان صلاته إن کان محدثاً بالأصغر فیجب علیه فی خصوص هذه الصورة إعادة الطواف بعد الغسل والوضوء .
4- (4) لعموم أدلة التیمم بدلاً عن الوضوء لما هو مشروط بالطهارة .
5- (5) لأنه فاقد الطهورین ، فلیس لدیه ما یستبیح الطواف ، فتصل النوبة لمشروعیة الاستنابة للطواف ، وقد یتوهم أن الطواف به مقدم علی الطواف عنه ، وفیه : أن الطواف به إن وجد الطهارة ، ولا یتوهم مشروعیة الطواف به وإن لم یکن واجداً للطهارة لما ورد فی الطواف بالمریضة التی لا تعقل والمغمی علیه أنه یطاف بهما ، وذلک لأن المغمی علیه والتی لا تعقل یمکن إیقاع الطهارة فیهما کالصبی ، نعم الاحتیاط الاستحبابی لا ضیر فیه .

الأولی أن یضم إلی ذلک طوافه بنفسه .

مسألة 289 : یجب علی الحائض والنفساء بل مطلق المحدث بالأکبر أو ذی الحدث الذی لا یرتفع إلّابالغسل أن یغتسل للطواف ، ومع تعذر الاغتسال أو الیأس منه یجب الطواف مع التیمم(1) ، والأحوط الأولی ضم

ص:246


1- (1) وقد استشکل العلامة فی مشروعیة التیمم وصحة الطواف من جهة حرمة اللبث فی المسجد الحرام للمحدث بالاکبر ، وقد یقرب إشکاله قدس سره بالدور : أن مشروعیة التیمم متوقفة علی الأمر بالطواف ، والأمر بالطواف متوقف علی عدم حرمة اللبث فی المسجد ، وارتفاع الحرمة متوقف علی مشروعیة التیمم ، فدار توقف الشیء علی نفسه .وجوابه : أن الأمر بالطواف مباشر لیس متوقف علی عدم حرمة اللبث ، بل غایة الأمر هو تزاحم الأمر مع حرمة اللبث ولو فی ضمن اجتماع الأمر والنهی وهو التزاحم الملاکی لا التزاحم الامتثالی ، علی ذلک فغایة تقدیم الحرمة لیس هو انعدام فعلیة الأمر بل سقوط تنجیزیة وعزیمیة الحکم ، ففعلیة وجوب الطواف علی حالها وهی المسوغة للتیمم ، فحینئذ یترتب علیه جمیع آثار الطهارة المائیة التی منها استباحة للمسجد الحرام .وقد أجاب صاحب الجواهر بالنقض أو الاستشهاد بجواز الطواف للمستحاضة الکثیرة أو المتوسطة بالطهارة المائیة مع کونها ناقصة غیر رافعة للحدث الأکبر وإنما هی مبیحة ، وقد یتأمل فیه باعتبار أن الطهارة المائیة للمستحاضة غیر مقید بالعجز أو بالأمر بالطواف ، ولکن یندفع بأن الطهارة المائیة الناقصة للمستحاضة لیست مطلوباً نفسیاً بنحو الندب النفسی المتعلق بالوضوء والغسل التامین ، فمشروعیة الناقص منه آتیة بالأمر بالطواف أیضاً فحالها حال التیمم ، والحاصل أن الأمر بالطواف مباشرةً وإن کان له بدل هو النیابة فی الطواف المقید بالعجز عن الطواف مباشرةً إلا أن الطواف مباشرة وهو المبدل لم تقید مشروعیته بالقدرة ، کما هو وتیرة عموم الأبدال الاضطراریة ، فإن تقید البدل بالعجز لا یتقضی تقید المبدل بالقدرة ، ومن ثم کان الأمر بالوضوء غیر مقید بالقدرة ووجدان الماء ، وأن تقیید الامر بالتیمم بعدم وجوان الماء والعجز عن الوضوء ، وفیما نحن فیه الأمر بالطواف مباشرة مطلق غیر مقید بالقدرة ، وإن تقیدت مشروعیة النیابة فی الطواف بالعجز عن الطواف مباشرة .

الاستنابة نعم لو تعذر التیمم أیضاً وجبت الاستنابة(1) .

مسألة 290 : إذا حاضت المرأة القاصدة لعمرة التمتع ففی المسألة صور :

الأولی : أن یکون الحیض قبل الإحرام أو حال الإحرام :

فإن وسع الوقت لأداء أعمالها أحرمت بعمرة التمتع وصبرت إلی أن تطهر وتغتسل وتأتی بالنسک .

وإن لم یسع الوقت فتحج بالإفراد وتأتی بأعماله ثم تحرم بعمرة مفردة ، إلّاأن تطهر فجأةً بحیث تتمکن فیه من أعمال عمرة التمتع فتعدل بنیتها إلیها وتأتی بها .

ولو کانت شاکة فی الضیق والسعة فانها تنوی التمتع فإن تبین الضیق وکان الحیض قبل الإحرام فتفرد وإن کان بعد فسیأتی فی الصورة الثانیة .

ص:247


1- (1) لدعوی : أن الطواف مباشرة له بدلان :الأول : الطواف بالطهارة الترابیة .والثانی : الاستنابة بالطهارة المائیة ، أو لاحتمال عدم إباحة دخول المحدث بالأکبر بتوسط التیمم ، وأما إن لم یستطع التیمم کالمجروح والمتنجس أعضائه فیتعین علیه الاستنابة .

الصورة الثانیة : أن یکون حیضها بعد الإحرام وقبل الطواف فأن وسع الوقت فتصبر حتی تطهر وتأتی بالأعمال ، وإن لم یسع الوقت وضاق فتتخیر بین العدول إلی حج الإفراد والإتیان بنسکه ثم بعمرة مفردة ، وبین البقاء علی عمرة التمتع فیما کان الحج مندوباً علی الأقوی ، وأما فیما کان حجة الاسلام فالأحوط إن لم یکن أظهر تعین إتیانها لأعمال عمرة التمتع ، فتأتی بأعمالها من السعی والتقصیر من دون طواف ثم تحرم للحج وتأتی بأعماله وبعد الفراغ منها تطوف طواف العمرة قبل طواف الحج ، هذا فیما إذا کانت متمکنة من الطواف لطهرها وأما لو کانت تعلم بعدم طهرها بعد أعمال الحج مدة بقاء رفقتها تعین الاستنابة للطواف قبل السعی لعمرة التمتع ثم تأتی هی بالسعی والتقصیر(1) .

ص:248


1- (1) ومحصل الاقوال : تعیین الإفراد مطلقا وهو المنسوب للمشهور ، وتعیین التمتع مطلقاً ، والتخییر مطلقاً ، والتفصیل بتعین الإفراد قبل الإحرام أو تعین المتعة بعده ، والخامس یرجع إلی الثانی ، إلا أن الثانی تقضی طواف العمرة بعدُ ، وفی الخامس تستنیب له حینها .ومنشأ الخلاف الروایات ، وهی علی طوائف :الأولی : ما دل علی العدول مطلقاً .والثانیة : ما دل علی العدول للإفراد لمن حاضت قبل الإحرام .والثالثة : ما دلی علی العدول لمن حاضت بعد الإحرام .والرابعة : ما دل علی بقاء متعة المرأة لمن حاضت بعد الإحرام .وأقرب الوجوه فی الجمع بینها ینطبق علی التفصیل بتعین العدول فی الحائض قبل الإحرام ، وبالتخییر فیها بعده کما اختاره المجلسی الاول واستجوده فی الحدائق وجماعة من أعلام العصر .

مسألة 291 : إذا حاضت المحرمة أثناء طوافها فالمشهور(1) - وهو الأظهر - علی أن طروء الحیض إذا کان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها ، وکانت وظیفتها - ما مرّ سابقاً - وإذا کان بعده صح ما أتت به ووجب علیها إتمامه عدداً « من الحجر الأسود » بعد الطهر والاغتسال ولا تعتد بالشوط الذی حدث فی أثنائه الحیض ولم یتم(2) .

هذا فیما إذا وسع الوقت وإلّا سعت وقصرت وأحرمت للحج ولزمها الإتیان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منی وقبل طواف الحج إن کانت تتمکن من ذلک وإلّا استنابة قبل السعی والتقصیر .

مسألة 292 : إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتیان بصلاة الطواف صحّ طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها ، وإن ضاق الوقت سعت وقصرت وقضت الصلاة قبل طواف الحج(3) .

ص:249


1- (1) الظاهر أن مذهب المشهور التفصیل بین ما قبل النصف وما بعده .
2- (2) أن للمسألة ثلاث صور :الأولی : حاضت قبل النصف ، والثانیة : حاضت بعد النصف وقبل الأربعة ، والثالثة : حاضت بعد الأربعة ، وله فرضان .الأول : أن تطهر قبل الموقف بعرفة .والثانی : أن یستمر حیضها إلی ما بعد الموقف .
3- (3) تمسکاً بموثقة زرارة قال : سألته عن المرأة طافت بالبیت قبل أن تصلی الرکعتین ؟ قال علیه السلام : لیس علیها إذا طهرت إلا الرکعتین وقد قضت الطواف » ، وصحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة طافت بالبیت ثم حاضت قبل أن تسعی ؟ قال : تسعی » ، وفی صحیحته الأخری « فإذا طهرت فلتسع بین الصفا والمروة » ، وهی محمولة علی من ترجو زوال الحیض قبل فوات وقت المتعة فإنه یستحب لها تأخیر السعی لتفعله علی طهارة ، وعلیه فلا تصل النوبة للتعارض کما أشار إلیه الماتن دام ظله الشریف .

مسألة 293 : إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحیض ولم تدر أنه کان قبل الطواف أو الصلاة أو فی أثنائهما أو أنه حدث بعد الصلاة بنت علی صحة الطواف والصلاة(1) ، وإذا علمت أن حدوثه کان قبل الصلاة أو بعد الأربعة الأشواط وضاق الوقت سعت وقصرت وأخرت بقیة الأشواط أو الصلاة إلی أن تطهر وقد تمت عمرتها .

مسألة 294 : إذا أحرمت المرأة لعمرة التمتع وکانت متمکنة من أعمالها ولکنها أخرتها مع علمها بطروء الحیض عند التأخیر فحکمها حکم من أفسد العمرة وقد تقدم فی أول الطواف ، وإلّا فحکمها حکم من فاجأها الحیض .

مسألة 295 : الطواف المندوب لا تعتبر فیه الطهارة عن الحدث الأصغر(2) ، وأما الطهارة عن الحدث الأکبر ففی عدم اعتبارها إشکال(3) ،

ص:250


1- (1) لقاعدة الفراغ ، ولا یشترط فیها حین العمل الالتفات المرکب إلی ما یعتبرفیه - کما قال السید الخوئی قدس سره - فیکفی الارتکاز ، والشاهد علیه أن الإنسان إذا التفت إلی قراءته علی نحو الالتفات المرکب لعله یقع فی الخطأ ، أما إذا قرأها ارتکازاً فإن کان تعلمه للسورة صحیحاً فالاشتباه والخطأ نادر التحقق ، والتجربة هی الشاهد ، وإن لم تقبل فیکفی استصحاب عدم حدوث الحیض والطهارة حال العمل .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة عبید بن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : لا بأس أن یطوف الرجل النافلة علی غیر وضوء ثم یتوضیء ویصلی » .
3- (3) وفی کشف اللثام حکی عن التهذیب صحة طواف النافلة للجنب ناسیاً لعدم حرمة لبثه بسبب الغفلة .

ولکن صلاته لا تصح إلّاعن طهارة .

مسألة 296 : المعذور یکتفی بطهارته العذریة کالمجبور والمسلوس(1) ، أما المبطون فإن قوی علی الطواف ولم یخش تلوث المسجد منه فیطوف ، وإلّا یطاف به ، وإلّا فیستنیب للطواف(2) ، وإن کان الأحوط الأولی أن یجمع الطواف بنفسه والاستنابة .

وأما المستحاضة فإن کانت قلیلة فتتوضیء لکل من الصلاة والطواف ، وإن کانت متوسطة فتغتسل غسلاً واحد لهما وتتوضیء لکل منهما ، وإن کانت کثیرة فتغتسل وتتوضیء لکل منهما(3) .

ص:251


1- (1) لقیام الطهارة البدلیة عن الاضطرار والعذر مقام الاختیاریة .
2- (2) ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : المبطون والکسیر یطاف عنهماویرمی عنهما » .وفی صحیحة الأخری « المبطون یرمی ویطاف عنه ویصلی عنه » .وفی صحیحة الخثعمی عنه علیه السلام قال : أمر رسول الله صلی الله علیه وآله أن یطاف عن المبطون والکسیر » ، وهی - کما تری - مطلقة ولم تقید الاستنابة بالعجز ، لکن عطف المبطون علی الکسیر فیه إشعار أن ذلک فی ظرف العجز کالرمی ، مضافاً إلی أن جهة العجز فی المبطون قد تتصور من جهة تلویث المسجد الحرام ، والله العالم .
3- (3) إذ أن مقتضی القاعدة فیما یشترط فیه الطهارة هو استباحته بالطهارة العذریة سواء کانت مائیة أو ترابیة ، وقد ورد فی المستحاضة ما یدل علی ذلک ، ففی موثقة ابن أبی عبد الله قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المستحاضة یطؤها زوجها ، وهل تطوف بالبیت ... قال : تصلی کل صلاتین بغسل واحد ، وکل شیء استحلت به الصلاة فلیأتها زوجها ولتطف بالبیت » ، والمراد منها - کما هو مقتضی القاعدة - أن المستحاضة سواء القلیلة أو المتوسطة أو الکبیرة کما تستحل الصلاة بالوضوء أو الغسل فکذلک لا بد لها من إیقاع ذلک لأجل الطواف ، لأن المستحاضة دائم الحدث کالمبطون والمسلوس ، فلا بد لها - فی اسباحة أحد الغایات الواجبة المشروطة بالطهارة - من ایقاعه لکل غایة ، ولا تکتفی بإیقاعه لغایة عن إیقاعه لغایة أخری ، لأن الطهارة حکمیة ولیست حقیقیة ، فمع استمرار الحدث تنتقض الطهارة وغایة ما حصل التعبد الحکمی بوجودها هی لأجل الغایة التی وقعت لأجلها ، فمن ثم توقع المتوسطة غسلاً واحداً لکل من الطواف والصلاة ، کما استفید ذلک من ما ورد لمجموع صلاتها الیومیة مع ابقاء وضوء لکل غایة ، والکثیرة توقع غسلاً لکل غایة کما استفید ذلک من ما ورد من تکرارها الغسل لکل صلاة ، والاکتفاء بغسل واحد لکلا الصلاتین إنما هو بقدر أدائهما مع کونهما من فردی جنس غایة واحدة ، بخلاف الطواف والصلاة فإن مدتهما أکثر من کونهما فردی غایتین مختلفتین ، وکل هذا مطابق لمقتضی الاحتیاط .

الثالث : من الأمور المعتبرة فی الطواف :

الطهارة من الخبث(1) ، فلا یصح الطواف مع نجاسة البدن أو

ص:252


1- (1) ومنع شرطیتها بعض الأعلام المعاصرین ، وتوقف صاحب الحدائق فی أصل وجوب ازالة النجاسة عن الثوب والبدن فی الطواف لتعارض حسنة - مصححة - یونس ، وفیه : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یری فی ثوبه الدم وهو فی الطواف ؟قال : ینظر الموضع الذی رأی فیه الدم فیعرفه ، ثم یخرج ویغسله ، ثم یعود فی طوافه » مع مرسلة البزنطی عن بعض أصحابه قال : قلت له : رجل فی ثوبه دم من ما لا یجوز الصلاة فی مثله فطاف فی ثوبه ؟فقال : أجزأ الطواف فیه ، ثم ینزعه ویصلی فی ثوب طاهر » .ولکن : یمکن حمل الحدیث علی الجهل بالنجاسة أو بحکمها ، فهو من أدلة المانعیة لتقریر الإمام علیه السلام له ، فتکون طهارة الثوب والبدن شرط ذکری یختص بحالة العلم والتذکر لا مطلقاً ، أو أن الجهل بالحکم فی هذا المورد فی خصوص الحج مرفوع عن المکلف ، وقد حملها الشیخ علی من طاف ناسیاً ، ولا داعی للتوقف فیها لإرسالها إذ أن المرسل البزنطی والارسال بلفظ بعض أصحابه .کما أن النقاش فی مانعیة النجاسة الخبثیة فی الطواف بضعف سند الروایات الدالة علی ذلک فی غیر محله ، إذ روایة یونس لیس فیها من یتوقف فیه إلا الحکم بن مسکین ، وهو وإن لم یوثق لکن روایة بعض الأجلاء عنه - کابن أبی عمیر والبزنطی وابن فضال وابن محبوب وغیرهم من العظماء - أمارة علی حسنه ، وقد ذکره النجاشی فی أصحابنا المصنفین ولم یقدح فیه ، مع أن دأبه القدح أو المدح ، وعده ابن عقدة فی أصحاب الصادق علیه السلام وهو أربعة آلاف وقد وثقوا جمیعاً ، واعتمد علیه الصدوق فی الفقیه وأفتی بمضون روایاته کما وقع فی عدة من طرقه إلی أصحاب المصنفات ، وهو لم ینفرد بالروایة عن یونس بل تابعة فی روایة الشیخ محسن بن أحمد وهو وإن لم یوثق لکن روی عنه ابن أبی عمیر وذکره الشیخ والنجاشی فی أصحابنا المصنفین .أقول : ویمکن تصحیح السند عن طریق تبدیل الإسناد ، فإن یونس بن یعقوب له کتاب الحج وقد رواه الصدوق عن الحکم عنه ، ورواه الشیخ عن محسن بن أحمد عنه .ورواه النجاشی عن أحمد بن محمد بن الصلت عن ابن عقدة عن محمد بن المفضل الأشعری عن ابن فضال عن یونس ، فکتاب یونس من مرویات ابن عقدة ، وقد روی الشیخ جمیع کتب وروایات ابن عقدة عن ابن الصلت ، وهو من المشایخ المشترکة بین الشیخ والنجاشی ، وهو وان لم یذکر فی کتب الخاصة فقد ذکره العامة وقال عنه الخطیب البغدادی : « کتبت عنه وکان صدوقاً صالحاً » .فیمکن استحصال عدة طرق للشیخ إلی کتاب یونس حسب التتبع ، طریق ذکره فی الفهرست وسنده حسن - بل صحیح علی الأصح - عن ابن أبی عمیر عنه ، ومن هذا الطریق یتفرع طریقان عن طریق تبدیل الإسناد ، إذ أن الشیخ یروی جمیع روایات وکتب الأشعری وابن أبی عمیر ، وآخر طریق الصدوق ، فإن الشیخ یروی جمیع کتبه وروایاته ، وثالث طریق النجاشی لکون ابن الصلت شیخ مشترک بینهما ، والشیخ روی عنه جمیع کتب وروایات ابن عقدة ، وبما أن ابن عقدة یروی الکتاب عن ابن فضال ، فیتفرع طریق آخر للشیخ أیضاً ، إذ روی جمیع کتب وروایات ابن فضال ، ومن یتتبع التهذیبین لعله یجد طرقاً أخری ومتعددة ، مضافاً إلی أن الکتاب من الکتب المشهور التی علیها المعول وإلیها المرجح .وقد نقل الصدوق الروایة من کتابه مباشرة .ورواها الشیخ من روایات الشیخ الثقة محمد بن أحمد بن یحیی صاحب النوادر ولم یستثن منها .ورواه ثقة الإسلام الکلینی قدس سره عن ابن فضال عنه وهو الاسناد المتکرر فی حج الکافی ، فالتوقف فی الطریق إلیه کاشف عن عدم التتبع والفحص الکافی .

ص:253

اللباس ، ویعفی عن النجاسة المعفو عنها فی الصلاة وکذا ما لا تتم الصلاة فیه(1) ، نعم الأحوط (2) عدم حمل المتنجس مما تتم الصلاة فیه حال الطواف .

مسألة 297 : لا بأس بدم القروح والجروح قبل برئها ولا تجب إزالته عن الثوب والبدن فی الطواف(3) ، وکذا الحال فی کل نجاسة اضطراریة .

مسألة 298 : إذا لم یعلم بنجاسة بدنه أو ثیابه ثم علم بها بعد الفراغ

ص:254


1- (1) یدل علیه ما فی مرسلة البزنطی .
2- (2) استحباباً ، لما قد یستشعر من صحیحة حریز « کل ثوب تصلی فیه فلا بأس أن تحرم فیه » ، ولکن موردها الملبوس فلا اطلاق فی الادلة لشمول المحمول .
3- (3) لقاعدة ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ .

من الطواف صح طوافه ، فلا حاجة إلی إعادته(1) ، وکذلک تصح صلاة الطواف إذا لم یعلم بالنجاسة إلی أن فرغ منها(2) .

مسألة 299 : إذا نسی نجاسة بدنه أو ثیابه ثم تذکرها بعد طوافه أعاد طوافه علی الأحوط إن لم یکن أظهر(3) ، وإذا تذکرها بعد صلاة الطواف أعادها .

مسألة 300 : إذا لم یعلم بنجاسة بدنه أو ثیابه وعلم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة علیه أثناء الطواف فأن استطاع استبداله أو نزعه بما لا یخل بالستر المعتبر فی الطواف وهو فی موضعه من المطاف أتم طوافه بعد ذلک ، وإن لم یمکنه ذلک وکان بعد إتمام الشوط الرابع من الطواف قطع طوافه ثم أتی بما بقی من أشواط الطواف من الحجر الأسود ، وإن کان قبل إتمام الرابع قطع طوافه وأزال النجاسة ثم یعید الطواف من رأس(4) .

ص:255


1- (1) لکون طهارة اللباس والبدن من الشرائط العلمیة ، فالنجاسة مانعة فی ظرف العلم بها لا مطلقاً ، ولمصححة یونس ومرسلة البزنطی المتقدمتان .
2- (2) للقاعدة الشریفة : « لا تعاد الصلاة » .
3- (3) لتطابق الشرطیة فی ساتر الصلاة مع ساتر الطواف ، وهو یقتضی الإعادة ،وبعبارة أخری : مصححة یونس ومرسلة البزنطی دالتان علی اعتبار شرطیة الطهارة ، غایة الأمر قد دلتا علی التقید بما عدی الجهل ، وقد یقرب عدم الإطلاق فی دلالتهما إلا فی صورة العلم والعمد ، وعلی أی تقدیر فالاحتیاط لازم ، وأما صلاة الطواف فالإعادة لما دل علی إعادة ناسی النجاسة .
4- (4) ظاهر مصححة یونس اطلاق الصحة بالخروج من المطاف لتدارک طهارة الثوب ، ثم البناء علی ما تقدم من طوافه ، إلا أن الصحیح عدم الإطلاق فیها لأنها لیست فی صدد بیان الصحة وعدمها من جهة الموالاة ، بل هی فی صدد بیان الصحة من جهة ما مضی من الجهل بالنجاسة والارشاد إلی تدارک الشرط فیما یأتی ، وعلیه فلا یرفع الید عن کبری الموالاة والتفصیل بین ما قبل الأربعة وما بعده ، هکذا قال الماتن دام ظله فی بحثه ، والنفس لا تمیل إلیه .

الرابع : الختان للرجال(1) ، والأظهر اعتباره فی الصبی مطلقاً ، ممیزاً کان أو لا ، أحرم بنفسه أو أحرم به ولیّه(2) .

مسألة 301 : إذا طاف المحرم غیر مختون بالغاً کان أو صبیاً فلا یجتزی بطوافه ویجری فیه ماله من الأحکام الآتیة ، فلابدّ من إعادة مختوناً وإلّا کان تارکاً(3) .

مسألة 302 : إذا استطاع المکلف وهو غیر مختون فإن أمکنه الختان والحج فی سنة الاستطاعة وجب ذلک ، وإلّا أستناب لطوافه ، وضم إلیه طوافه بنفسه علی الأحوط ، کما أن الأحوط فی صلاة الطواف أن یأتی

ص:256


1- (1) کما هو المقطوع من کلام الأصحاب ، وعن الحلبی أنه اجماع آل محمد ،وتدل علیه جملة من النصوص ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام « الأغلف لا یطوف بالبیت ، ولا بأس أن تطوف المرأة » .
2- (2) وهو ظاهر جملة من المتقدمین والمتأخرین ، نعم عن الشهید فی الدروس التقیید بالرجل ، وخالف فی أصل الوجوب ابن ادریس والسبزواری وقواه النراقی فی المستند ، وصحیحة معاویة المتقدمة صادق علی مطلق الذکر ، فالممیز وغیره مصداقاً للاغلف بدلیل المقابلة بینه وبین المرأة ، ویمکن أن یقال أن موردها فی من یطوف بنفسه .نعم الاحتیاط لا یخلو من قوة لاحتمال شمول النصوص له .
3- (3) کما هو مقتضی الشرطیة .

کلا منهما بها .(1)

الخامس : ستر العورة حال الطواف علی الأظهر(2) ، ویعتبر فی الساتر

ص:257


1- (1) قال الماتن دام ظله : تعرض السید الخوئی قدس سره لصورتین ، الاولی : ان لم یمکنه الختان فی سنة الاستطاعة و حکم بوجوه تاخیره الی السنة القادمة لعدم تحقق الاستطاعة علی افعال الحج بعد عدم دلیل علی مشروعیة النیابة فی الطواف عنه و هو لایخلو من نظر و منع ، لعموم مشروعیة النیابة فی الطواف لغیر القادر کفاقد الطهورین ، هذا مع ان التاخیر الی السنة القادمة قدیفوت الاستطاعة عرفا ، مضافا الی عدم الفرق مع الصورة الثانیة - وهی فیما اذا لم یمکنه الختان اصلا لضرر أو حرج - فان دلیل النیابة فی هذه الصورة هو بنفسه دلیلا لمشروعیة النیابة فی الصورة الاولی . قلت : لکن فی مصححة ابراهیم ابن میمون - التی رواها المشایخ الثلاثة - عنه (علیه السلام) فی الرجل یسلم فیرید ان یحج وقد حضر الحج ، ایحج أو یختتن ؟ قال : لا یحج حتی یختتن ، وابراهیم ابن میمون اعتمد علیه الصدوق فی الفقیه و روی عنه اعاظم الرواة و فضلاء اصحاب الصادق (علیه السلام) وذکره العامة و وثقوه . وموثقة حنان قال : سالت اباعبدالله (علیه السلام) عن نصرانی اسلم و حضر الحج ولم یکن اختتن ، ایحج قبل ان یختتن ؟ قال : لا ، ولکن یبدأ بالسنة فقوله علیه السلام فی المصححة« لایحج ، حتی یختتن » صراحة فی عدم صحة الحج بدون الاختتان وان ضاق وقته ، ولم یتعرض لها الماتن دام ظله، و کأنه غفل عنها.
2- (2) لحسنة - أو صحیحة - المحمد بن الفضیل عن الرضا علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه وآله أمرنی عن الله أن لا یطوف بالبیت عریان ولا یقرب المسجد مشرک بعد هذا العام » .ومحمد بن الفضیل هو محمد بن القاسم بن الفضیل الراوی عن أبی الصباح الکنانی .وقوله علیه السلام « لا یطوف بالبیت عریان » مما تواتر عن طریق الخاصة والعامة ، فالتوقف فی السند علیل ساذج .وأما دلالة فإن النهی عن التطوف بالبیت عریاناً یمکن أن یقال أنه نهیاً تکلیفیاً فلا یفید الشرطیة والمانعیة ، إلا أن احتمال افادته ذلک لا یخلو من قوة ، فهو من قبیل استفادة شرطیة الستر فی الصلاة من النصوص الناهیة عن التعری ، ولیس الستر هنا بأعم من الستر فی الصلاة - کما قد تومی إلیه بعض الکلمات - بل النهی عن التعری لمکان العورة .ومنه یظهر التأمل فی ما أفاده السید الخوئی قدس سره من العراء وستر العورة عموم من وجه .

الاباحة وجمیع شرائط لباس المصلی .

واجبات الطواف

تعتبر فی الطواف أمور سبعة :

الأول والثانی : الابتداء من الحجر الأسود والانتهاء عنده فی کل شوط (1) ، بحیث تتحقق المحاذاة عرفاً ، وهی تتسع کلما ابتعد عن الحجر الأسود وتضیق کلما اقترب منه بنحو المثلث الذی رأسه عند الحجر الأسود وقاعدته جدار المسجد ، إلّاأن اللازم علیه مع تعدد نقاط المحاذاة أن یختم من النقطة التی ابتدأ منها ، والأولی فی الابتداء مراعاة أول نقاط المحاذاة ، کما أن الأولی فی الانتهاء استیعاب آخر نقاط المحاذاة .

ص:258


1- (1) بلا خلاف فی ذلک ، وهو مأخوذ عن المسلمین یداً بید ، وتدل علیه جملة من الروایات ، ففی صحیحة معاویة بن عمار عنه علی السلام قال : من اختصر فی الحجر ، فلیعد طوافه من الحجر الأسود إلی الحجر الأسود » .

الثالث : جعل الکعبة علی یساره فی جمیع أحوال الطواف بأن یکون مشیه فی المطاف حول الکعبة ماشیاً إلی الأمام والکعبة علی یساره(1) ، فلا یکون مشیه علی أحد جانبیه مستقبلاً الکعبة أو مستدبراً لهما ، فلو خطی بعض الخطوات بنحو الحرکة الجانبیة مستقبلاً أو مستدبراً أعاد ذلک المقدار ، ولا حاجة للمداقة فی ذلک بل یکفی الصدق العرفی .

الرابع : إدخال حجر إسماعیل فی المطاف فی ضمن ما یطوف به بأن یطوف حول الحجر فلا یخرجه بأن یتوسط ما بینه وبین الکعبة ، ولو فعل ذلک أعاد ذلک الشوط (2) .

الخامس : أن لا یدخل الطائف الکعبة فی أثناء طوافه ، ولا یجتاز علی الصفة التی فی أطرافها المسماة بشاذروان(3) .

السادس : أن یطوف بالبیت سبع مرات متوالیات عرفاً(4) ، ولا یجزیء الأقل من السبع ، ویبطل الطواف بالزیادة علی السبع عمداً کما سیأتی ، کما لا یجزیء الفصل المزیل للموالاة إلّافی موارد تقدم بعضها ویأتی بقیتها .

مسألة 303 : اعتبر المشهور فی الطواف أن یکون بین الکعبة ومقام إبراهیم علیه السلام ویقدر هذا الفاصل بستة وعشرین ذراعاً ونصف ذراع ، وبما

ص:259


1- (1) للسیرة القطعیة بین المسلمین ، وتشهد له النصوص .
2- (2) نصاً واجماعاً .
3- (3) لأنها من البیت ، فیلزم أن تکون داخلة فی المطاف ، وهی أساس البیت قدیماً بعد بنائه .
4- (4) نصاً وإجماعاً بین کافة المسلمین .

أن حجر إسماعیل داخل فی المطاف فمحل الطواف والمطاف عند وسط الحجر لا یتجاوز ستة أذرع ونصف ذراع ، ولکن الظاهر کفایة الطواف فی الزائد علی هذا المقدار مع اتصال الصفوف ، ولا سیّما لمن لا یقدر علی الطواف فی الحد المذکور أو أنه حرج علیه ، وإن کان الأولی الطواف فی الحد المزبور(1) .

الخروج عن المطاف إلی الداخل أو الخارج

مسألة 304 : إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الکعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة إذا کان قبل إتمام أربعة أشواط أو بعد الأربعة إن کان لغیر حاجة علی الأظهر ، وإن کان بعد الأربعة ولحاجة ولو من قبیل اغتنام

ص:260


1- (1) تشهد له صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف خلف المقام .قال : ما أحب ذلک ، وما أری به بأسا ، فلا تفعله ، إلا أن لا تجد منه بداً » ، وقد فصل بعض الأعاظم - وهو السید الگلبیگانی قدس سره - بین اتصال الصفوف وبین خلو المطاف ، فیجوز خلف المقام فی الأول دون الثانی ، وکأن وجهه أن الطواف فی الصورة الثانیة لا یکون بالبیت بالدقة بل طوافاً بحریم البیت أو بموضع المسجد القدیم ونحو ذلک ، بخلافه فی الصورة الأولی فإنه بالاتصال یکون السیل والمجموع البشری طائفاً بالبیت ، لا سیما مع صدق المسجد الحرام علی التوسعة الجدیدة .قلت : وإطلاق النص یدفعه ،والله العالم

الفرصة فیعید خصوص الشوط الذی قطعه بالدخول(1) .

مسألة 305 : إذا مشی فی طوافه علی الصفة المسماة بالشاذروان بطل ذلک المقدار من الشوط فیلزم إعادة ذلک المقدار إن بقیت موالاة الشوط (2) وإلّا فیعید الشوط من رأس .

مسألة 306 : إذا أختصر الطائف حجر إسماعیل فی طوافه بدخوله

ص:261


1- (1) ذهب المشهور إلی التفصیل بین ما قبل النصف وما بعده ، للزوم الموالاة فی النصف الأول دون الثانی ، فالقاطع والناقض إنما یزیل الهیئة الإتصالیة المعتبرة فی النصف الأول ، وحیث لا تعتبر فی النصف الثانی فلا مجال ولا مورد لاعتبار القاطع والناقض فیه ، ومنه تعرف أنه لا مجال للتمسک باطلاق صحیحة حفص بن البختری عنه علیه السلام فیمن کان یطوف بالبیت فیعرض له دخول الکعبة ، فدخلها .قال : یستقبل طوافه » .وأما صحیحة الحلبی قال : سألته عن رجل طاف بالبیت ثلاثة أشواط ثم وجد من البیت خلوة فدخله کیف یصنع .قال : یعید طوافه وخالف السنة » .ومثلها الصحیح إلی ابن مسکان ، فلا تدل علی حکم التجاوز عن النصف بل هی ساکتة عنه ، وتحمل صحیحة حفص علی ما إذا جاء بثلاثة أشواط أو أقل ، بشهادة الروایات المفصل بین ما بعد النصف وقبله ، فما عن بعض الأعلام من أن تفصیل المشهور بین الاصحاب بین ما إذا کان الدخول فی البیت بعد تجاوز النصف وما إذا کان قبله لا أصل ، غریب .بل یمکن أن یقال أن المقصود من « یستقبل طوافه » أی شوطه ، بشهادة کراهة التعبیر عن الطوفة الواحدة حول الکعبة - عند بعض العامة - بالشوط .
2- (2) لکون الشاذروان عند الأکثر جزءً من الکعبة ، أو علی الأقل الشک فی ذلک ، فلو طاف بعض الشوط سائراً علیه لما تحقق الطواف بالبیت فی تمام الشوط ، فلا بد من إعادة ذلک المقدار .

فیه بطل الشوط الذی وقع ذلک فیه وعلیه أن یعیده(1) ، وإن کان ذلک عن جهل ونسیان(2) ، وکذا التسلق علی حائطه علی الأحوط (3) .

مسألة 307 : إذا قطع الطائف طوافه کأن یخرج من المطاف للخارج قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافه ولزمه الإعادة ، وإن قطعه بعد تمام الأربعة لعذر أو حاجة وداعی راجح بنی علی ما تقدم وأتم ما بقی علیه من عدد الأشواط من الحجر الأسود(4) .

ص:262


1- (1) علی المشهور ، تمسکاً بصحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : قلت له :رجل طاف بالبیت فاختصر شوطاً واحداً فی الحجر .قال : یعید ذلک الشوط » .وما فی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : من اختصر فی الحجر الطواف ، فلیعد طوافه من الحجر الأسود إلی الحجر الاسود » .فبقرینة بقیة الروایات وصحیحة الحلبی المتقدمة یکون المراد من قوله « فلیعد طوافه » أی شوطه ، ولعل ذیل النص فیه إیماء لذلک ، مضافاً إلی ما تقدم من کراهة بعض العامة من تسمیة الطواف حول الکعبة بالشوط والشوطین والأشواط .
2- (2) لإطلاق الروایات .
3- (3) إذا الصعود علیه فی حکم الاختصار ، إلا أن یقال أن المنهی عنه هو اختصاره بالدخول فیه وبالتسلق لا یصدق الدخول .
4- (4) فالخروج قبل النصف یوجب بطلان الطواف لاعتبار الموالاة ، مهما کان منشأ الخروج ، وأما إذا کان بعد النصف من دون غرض راجح فیبقی هذا الفرض - وجوب الموالاة - تحت مقتضی القاعدة الأولیة ، ولم یظهر لنا من کلمات الأصحاب أنهم یصححون الطواف مع الخروج من دون داعی راجح أو فرض عقلائی بمجرد الإرادة الاقتراحیة عبطاً .ففی صحیحة جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیهما السلام قال فی الرجل یطوف ثم تعرض له الحاجة .قال : لا بأس أن یذهب فی حاجته أو حاجة غیره ویقطع الطواف ، وإن أراد أن یستریح ویقعد فلا بأس بذلک ، فإذا رجع بنی علی طوافه وإن کان نافلة بنی علی الشوط والشوطین ، وإن کان طواف فریضة ثم خرج فی حاجة مع رجل لم یبن ، ولا فی حاجة نفسه » .وهذه الصحیحة دالة علی عموم جواز القطع فی النصف الثانی لمطلق الغرض العقلائی أو الشرعی دون القطع الاقتراحی ، وقوله علیه السلام « وإن کان طواف فریضة ... لم یبن » یعنی ما جاز له فی طواف النافلة ، وهذا غیر منافٍ للروایات المفصلة بین ما قبل النصف وبعده .وفی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : إذا طاف الرجل بالبیت ثلاثة أشواط ثم اشتکی أعاد الطواف - یعنی طواف الفریضة - » .وفی موثقة إسحاق عن أبی الحسن علیه السلام فی رجل طاف طواف الفریضة ثم اعتل علة لا یقدر معها علی اتمام الطواف .قال : إن کان طاف أربعة أشواط أمر من یطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه ..».وفی روایة أبی الفرج قال : طفت مع أبی عبد الله علیه السلام خمسة أشواط ثم قلت : إنی أرید أن أعود مریضاً .فقال : أحفظ مکانک ثم اذهب فعده ، ثم ارجع فأتم طوافک » ، وفی صحیحة صفوان الجمال قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یأتی أخاه وهو فی الطواف ؟ فقال : یخرج معه فی حاجته ثم یرجع ویبنی علی طوافه » وإطلاقها مقید بالروایات المتقدمة ، وبصحیحة أبان بن تغلب عنه علیه السلام فی رجل طاف شوط أو شوطین ثم خرج مع رجل فی حاجته ، قال : إن کان نافلة بنی علیه ، وإن کان طواف فریضة لم یبن » .

هذا کله فی طواف الفریضة أما فی طواف النافلة فیجوز له البناء علی ما تقدم مطلقاً(1) .

مسألة 308 : إذا أحدث أثناء طوافه جاز له أن یخرج ویتطهر ثم یرجع ویتم طوافه إذا کان قد أتم أربعة أشواط وإلّا أعاد ، وکذلک

ص:263


1- (1) تمسکاً بصحیحة جمیل وصحیحة أبان بن تغلب ، وغیرهما .

الخروج لإزالة النجاسة عن ثیابه أو بدنه إذا استلزم الخروج عن المطاف ، وکذلک إذا حاضت المرأة أثناء الطواف ویجب قطعه والخروج من مسجد الحرام فوراً کما مرّ فی شرائط الطواف .

مسألة 309 : إذا قطع الطائف طوافه وخرج عن المطاف لصداع أو ألم ومرض أو لقضاء حاجة نفسه وکان ذلک قبل اتمام الشوط الرابع بطل طوافه ولزمته الإعادة ، وإن کان بعد الشوط الرابع بنی علی ما أتی وأتم ما بقی من عدد الأشواط من الحجر الأسود(1) بعد زوال العذر ، وإلّا فیستنیب لما بقی من أشواط .

مسألة 310 : یجوز للطائف أن یخرج من المطاف لعیادة مریض أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنین أو لداعی راجح ، ولکن تلزمه الإعادة إذا لم یستتم أربعة أشواط ، وإلّا بنی علی ما أتی به وأتم ما بقی من عدد الأشواط من الحجر الأسود(2) .

مسألة 311 : یجوز الجلوس أثناء الطواف للاستراحة(3) ، ولابدّ أن یکون مقداره لا یفوت الموالاة العرفیة إذا کان قبل تمام الأربعة أشواط

ص:264


1- (1) لما بنی علیه الماتن دام ظله من اعتبار الموالاة فی الشوط الواحد ، فإن أجزاء الشوط الواحد هی هیئة اتصالیة أیضاً ینحفظ بها وحدة الشوط .
2- (2) تدل علیه بعض الروایات المتقدمة .
3- (3) ففی صحیحة علی بن رئاب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یعی فی الطواف له أن یستریح ؟ قال : نعم یستریح ثم یقوم فیبنی علی طوافه فی فریضة أو غیرها ، ویفعل ذلک فی سعیه وجمیع مناسکه » ومثلها صحیحة ابن أبی یعفور .

وإلّا بطل طوافه ولزمه الإعادة(1) .

النقصان فی الطواف

مسألة 312 : إذا نقص من طوافه عمداً فأن فاتت الموالاة إما بالخروج من المطاف أو بالفاصل الزمنی الکثیر فحکمه حکم من قطع الطواف الذی تقدم تفصیله(2) ، ولو قطع طوافه لدرک وقت الفضیلة للفریضة أو لدرک صلاة الجماعة أو لإتیان النافلة عند ضیق وقتها أتم عدد أشواط طوافه من الحجر مطلقاً بعد الفراغ من الصلاة إن لم یخرج من المطاف(3) .

ص:265


1- (1) لما مر من التفصیل فی صحیحة جمیل ، وهی مقیّدة لإطلاق صحیحة علی بن رئاب المتقدمة ، أو أنها محمولة علی أن تکون الاستراحة غیر مخلة بالموالاة وبعدم حصول الفاصل الزمانی المخل .
2- (2) فراجع ، وثمة بحث فی المقام : هل أن نیة القطع أو القاطع موجبة للبطلان أم لا ؟ الصحیح عدم الإبطال بهما کالصلاة خلافاً للصوم ، وذلک لعدم کون الآنات المتخللة من أجزاء العمل فیها ، وإن کانت من أجزاء الهیئة الاتصالیة ، إلا أنها حیث لم تکن من أجزاء الصلاة فلیست بقصدیة ، بخلاف آنات الصوم ، نعم لو نوی القطع فی الأثناء عند الشروع بنحو یؤول إلی تغیر صورة الصلاة المقصودة فیشکل الصحة من جهة عدم قصد الصلاة والطواف المطلوبین ، وأما إذا لم یؤول إلی تغیر صورتی الصلاة والطواف فی أفق القصد فلا موجب للخلل فی الصحة .
3- (3) تشهد له صحیحة هشام عنه علیه السلام فی رجل کان فی طواف الفریضة فأدرکته صلاة فریضة ، قال : یقطع الطواف ویصلی الفریضة ، ثم یعود فیتم ما بقی علیه من طوافه » ، ومثلها صحیحة ابن سنان ، وصحیحة ابن الحجاج فی صلاة النافلة .

مسألة 313 : إذا نقص من طوافه سهواً فإن تذکره قبل فوات الموالاة ولم یخرج بعد من المطاف أتی بالباقی وصحّ طوافه .

وأما إذا کان تذکره بعد فوات الموالاة أو بعد خروجه من المطاف فإن کان ما أتی به تمام الأربعة أشواط أتی بباقی عدد الأشواط من الحجر وصحّ طوافه ، وإن لم یتمکن من إتیان الناقص بنفسه کأن رجع إلی بلده أستناب غیره(1) .

وأما إن کان ما أتی به أقل من تمام الأربعة بأن کان ما نسی زائداً علی الثلاثة ولو بجزء من الشوط الرابع لزمته إعادة الطواف من رأس(2) ، ولو

ص:266


1- (1) تمسکاً بصحیحة الحسن بن عطیة قال : سأله سلیمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبیت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله علیه السلام : وکیف طاف ستة أشواط ؟ قال : استقبل الحجر وقال الله أکبر وعقد واحداً ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : یطوف شوطاً ، فقال سلیمان : فإنه فاته ذلک حتی أتی أهله ، فقال : یأمر من یطوف عنه » ، وفی موثقة اسحاق قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل طاف بالبیت ثم خرج إلی الصفا ، فطاف بین الصفا والمروة ، فبینما هو یطوف إذ ذکر أنه قد ترک بعض طوافه بالبیت ؟ قال : یرجع إلی البیت فیتم طوافه ، ثم یرجع إلی الصفا والمروة فیتم ما بقی » .
2- (2) وفصّل المشهور بین ما قبل النصف وبعده ، ویظهر من إطلاق موثقة اسحاق المتقدمة جواز البناء علی ما سبق ، إلا أنها مقیدة بما دل علی اعتبار الموالاة فی النصف الأول فی طواف الفریضة ، کما تقدم .

علم بالنقص ولم یعلم مقداره أعاد الطواف من الرأس(1) .

الزیادة فی الطواف

للزیادة فی الطواف عن علم وعمد خمس صور :

الأولی : أن لا یقصد الطائف جزئیة الزائد للطواف الذی بیده ولا لطواف آخر أی لا بعنوان الطواف ففی هذه الصورة لا یبطل الطواف بالزیادة(2) .

الثانیة : أن یقصد حین شروعه فی الطواف أو فی أثنائه الإتیان بالزائد علی أن یکون جزءاً من طوافه الذی بیده فیزید ، وفی هذه الصورة یبطل ویلزمه الإعادة(3) ، وأما إذا قصد ذلک ولم یأتی بالزائد ففیه

ص:267


1- (1) إفراغاً للذمة .
2- (2) إذ لا تحقق للزیادة حقیقة ، وإن کان فی الصورة الخارجیة هو دور زائد ، وذلک لأن المرکبات الاعتباریة إنما تتألف أجزاؤها بتوسط قصد تضمینها فی ماهیة واحدة ، وإلا فلا ربط بینها بدون ذلک ، ومن ثمَّ لا تتحقق الزیادة فیها إلا بقصد التضمین ، أی الجزئیة .
3- (3) کما هو المشهور والمعروف من مذهب الأصحاب ، ویشهد له صحیحة عبد الله بن محمد عن أبی الحسن علیه السلام قال : الطواف المفروض إذا زدت علیه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت علیها ، فعلیک الإعادة ، وکذلک السعی » ، وهی صریحة علی المطلوب ، وهی وإن کانت مطلقة لکنها مقیدة بالروایات المخصصة لها بما عدا السهو والغفلة فی الموضوع ، وقد أشکل علیها بضعف السند حیث أن عبد الله بن محمد مردد بین ثلاثة ، وهم : الحجال الثقة ، والحضینی الثقة ، وعبد الله بن محمد بن علی بن العباس بن هارون التمیمی الرازی الذی له نسخة عن الرضا علیه السلام ولم یوثق ، والصحیح عدم الاشتراک ، لانصراف الاسم فی دیدن المحدثین والرجالیین إلی المشهور فی الطبقة ، والأخیر نزر الروایة ، بل قیل إنه لم یعثر علی مورد لروایة له ، نعم له بعض الروایات فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام رواها عنه الصدوق فی الخصال .واستدل علیه أیضاً بالروایات الواردة فی إبطال الطواف بالشک ، وجعلها صاحب الحدائق مؤیدة ، وذکر فی وجه التأیید وعدم الاستدلال : أنها مسوقة لبیان بطلان المضی فی الطواف مع الشک لا لإحتمال الزیادة عند الشک ، والصحیح أنها تدل علی المطلوب ، وذلک لأن شرطیة الحفظ والیقین المأخوذة فی الطواف أو الصلاة إنما أخذت بنحو الیقین الموضوعی علی نحو الطریقیة ، أی : أنه وإن کان شرطاً موضوعیاً فی الصحة إلا أن الملحوظ فیه جهة احرازه لعدد الطواف ، فغایته حصر العدد کی لا تحصل النقیصة والزیادة .

أشکال(1) .

الثالثة : أن یأتی بالزائد علی أن یکون جزءاً من طوافه الذی فرغ منه متصلاً به بمعنی أن یکون قصد الجزئیة بعد فراغه من الطواف ، والأظهر فی هذه الصورة أیضاً البطلان(2) .

ص:268


1- (1) للخلل فی قصد القربة کما لو کان عالماً بحرمة ومبطلیة القِران وقصدها قبل إتمامه للطواف الأول ، فتأمل .
2- (2) وذلک لعدم حصول الفراغ بمجرد تمام العمل ، إذ الموالاة باقیة ما دام هو فی المطاف ولم یأت بالصلاة ، ومن ثم لا تجری قاعدة الفراغ لو شک فی العدد ثمة ، بخلاف ما لو خرج عن المطاف أو کان فی صلاة الطواف ، فالحاصل أن الکون فی المطاف یبقی موالاة الطواف علی حالها ، فیکون قابلاً لإلحاق الزیادة به ، فتشمله أدلة إبطال الزیادة .

الرابعة : أن یقصد جزئیة الزائد لطواف آخر ، والزیادة فی هذه الصورة وإن لم تکن متحققة حقیقة إلّاأن الأظهر فیها بطلان الطواف الأول(1) ، وذلک من جهة مانعیة القِران بین الطوافین عن صحة الطواف الأول خاصة فیما إذا کان فریضة ، سواء کان الطواف الثانی فریضة أو نافلة .

الخامسة : أن یقصد جزئیة الزائد لطواف آخر ولا یتم الطواف الثانی من باب الاتفاق ، والأظهر البطلان لعموم القِران المبطل ولو للشوط الواحد .

نعم لو لم یتم الشوط الأول من الطواف الثانی فلا زیادة ولا بطلان إلّا أنه قد یبطل الطواف الأول للخلل فی قصد القربة کما لو کان عالماً بحرمة ومبطلیة القِران وقصدها قبل إتمامه للطواف الأول .

مسألة 314 : إذا زاد فی طوافه سهواً أو جهلاً فأن کان الزائد أقل من شوط قطعه وصح طوافه(2) ، وإن کان شوطاً واحداً أو أکثر فعلیه أن یترک

ص:269


1- (1) علی المشهور ، إذ الروایات فی المقام علی ثلاث طوائف ، الأولی : جوازالقِران مطلقاً ، والثانیة : عدم الجواز مطلقاً ، والثالثة : التفصیل بین الفریضة والنافلة ، فتکون هذه الأخیرة حاکمة علی الأولتین .إلا أن الکلام فی استفادة الحکم الوضعی من القِران إذ قد یکون محرماً تکلیفاً فقط ، ولذا قال فی الریاض : إنا لم نقف علی نص ولا فتوی علی البطلان ، والنهی عن العبادة غایة ما یلزم بطلان الطواف الثانی .
2- (2) ففی روایة أبی کهمس قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی فطاف ثمانیة أشواط ؟ قال : إن ذکر قبل أن یبلغ الرکن فلیقطعه » .

الطواف الأول ویبنی علی الزائد ویتمه ویجعله طوافاً کاملاً بقصد الفریضة(1) ، فالقِران مبطل للطواف السابق ولو عن سهو وغفلة .

الشک فی عدد الأشواط

مسألة 315 : إذا شک فی عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف والتجاوز من محله لم یعتن بالشک کما إذا کان شکه بعد دخوله فی صلاة الطواف أو خروجه من المطاف أو بعد فاصل زمنی طویل(2) .

مسألة 316 : إذا تیقن بالسبعة وشک فی الزائد کما إذا احتمل أن یکون الشوط الأخیر هو الثامن لم یعتن بالشک وصح طوافه(3) ، إلّاأن

ص:270


1- (1) علی المشهور ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة أبی أیوب ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیث ثمانیة أشواط طواف الفریضة ؟ قال : فلیضف إلیها ستاً ، ثم یصلی أربع رکعات » ، وغیرها من الروایات المتعددة .وهل الأول هو الفریضة أم الثانی ، الصحیح الثانی ، تمسکاً بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إن علیاً علیه السلام طاف طواف الفریضة ثمانیة فترک سبعة وبنی علی واحد وأضاف إلیه ستاً ، ثم صلی رکعتین خلف المقام ثم خرج إلی الصفا والمروة فلما فرغ من السعی بینهما رجع فصلی الرکعتین اللتین ترک فی المقام الأول » فهو علیه السلام ترک الأول عن الاعتداد به فریضة .
2- (2) لقاعدة الفراغ الشریفة .
3- (3) تشهد له صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیت طواف الفریضة فلم یدر أسبعة طاف أم ثمانیة ؟ فقال : أما السبعة فقد استیقن ، وإنما وقع همّه علی الثامن ، فلیصل رکعتین » .

یکون شکه هذا قبل تمام الشوط الأخیر ، فأن الأظهر حینئذٍ بطلان الطواف(1) .

مسألة 317 : إذا شک فی عدد الأشواط شکاً مستقراً کما إذا شک بین السادس والسابع أو بین الخامس والسادس أو بین الأعداد السابقة بطل طوافه ، وکذلک إذا شک فی الزیادة والنقصان معاً کما إذا شک فی أن شوطه الذی أتمه هو السادس أو الثامن .

مسألة 318 : إذا شک بین السادس أو السابع أو بین بقیة أعداد الطواف ولم یعتن بالشک جهلاً منه بالحکم وأتم طوافه فلا یبطل نسکه وحجه ولو فات زمان التدارک إلّاأنه یجب علیه قضاء الطواف(2) .

ص:271


1- (1) کما هو ظاهر صحیحة الحلبی المتقدمة ، فمع عدم القطع بالسبعة لا مجال للصحة ، وصریح صحیحة إسماعیل بن مرار عن یونس عن سماعة عن أبی بصیر قال : قلت له رجل طاف بالبیت طواف الفریضة فلم یدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانیة ؟ قال : یعید طوافه حتی یحفظ » وابن مرار وإن لم یوثق صریحاً لکن یمکن استفادة ذلک من قول ابن الولید قدس سره : إن کتب یونس بن عبد الرحمن التی هی بالروایات کلها صحیحة معتمد علیها إلا ما ینفرد به ابن عیسی ، وابن مرار من رواة کتب وروایات یونس کلها کما فی الفهرست ، مضافاً إلی أن الشیخ یروی کل روایات یونس وکتبه بعدة طرق .وما ورد من روایات قد یستشعر منها عدم مبطلیة الشک للطواف ، فمحمولة علی التقیة .
2- (2) تمسکاً بالروایات التی قد استشعر منها بعض الاعلام عدم مبطلیة الشک ، ففی صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیت فلم یدر ستة طاف أو سبعة طواف الفریضة ؟ قال : فلیعد طوافه ، قیل : إنه خرج وفاته ذلک ، قال : لیس علیه شیء » أی لیس علیه إعادة الحج لا الاتیان بالطواف .

مسألة 319 : یجوز للطائف أن یتکل علی إحصاء صاحبه فی حفظ عدد أشواطه إذا کان صاحبه علی إطمئنان من عددها(1) .

مسألة 320 : إذا شک فی الطواف المندوب یبنی علی الأقل وصح طوافه(2) .

مسألة 321 : إذا ترک الطواف فی عمرة التمتع عمداً مع العلم بالحکم أو مع الجهل به والْتفاته لجهله ولم یتدارک ذلک قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته وانقلب إحرامه إلی حج الإفراد علی الأقوی ، وعلیه أن یأتی بالعمرة المفردة بعد الحج ، والأولی إعادة الحج .

وإذا ترک الطواف فی الحج متعمداً ولم یتدارکه بطل حجه ولزمه الإعادة من قابل ، وإذا کان من جهة الجهل بالحکم مع إلتفاته لزمته کفارة بدنة(3) .

ص:272


1- (1) ففی صحیحة الأعرج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف أیکتفی الرجل بإحصاء صاحبه ؟ فقال : نعم » وفی الصحیح إلی الهذیل عنه علیه السلام فی الرجل یتکل علی عدد صاحبته فی الطواف أیجزیه عنها وعن الصبی ؟ فقال : نعم ، ألا تری أنک تأتم بالامام إذا صلیت خلفه ، فهو مثله » .
2- (2) لجملة من النصوص .
3- (3) تقدم الکلام حوله فی بدایة الطواف .

مسألة 322 : إذا ترک الطواف بغیر عمد نسیاناً أو جهلاً ونحوهما وجب تدارکه بعد الالتفات وإن کان الْتفاته بعد فوات محله قضاه وصحّ حجه(1) ، والأحوط إعادة السعی(2) ، وإن لم یتمکن من قضاءه بنفسه وجبت علیه الاستنابة عنه کما إذا رجع إلی بلده(3) .

مسألة 323 : إذا نسی الطواف حتی رجع إلی بلده وواقع أهله لزمه بعث هدی إلی منی إن کان المنسی طواف الحج ، وإلی مکة إن کان المنسی طواف العمرة(4) ، ویکفی فی الهدی أن یکون شاة(5) .

مسألة 324 : إذا نسی الطواف وتذکره فی زمان یمکنه القضاء بنفسه قضاه وإن کان قد أحل من إحرامه من دون حاجة إلی تجدید الإحرام(6) ، نعم إذا کان ذلک بعد خروجه من مکة ومضی الشهر الهلالی لنسکه لزمه

ص:273


1- (1) ففی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی طواف الفریضة حتی قدم بلاده وواقع النساء کیف یصنع ؟ قال : یبعث بهدی إن کان ترکه فی حج بعث فی حج ، وإن کان ترکه فی عمرة بعث به فی عمرة ، ووکل من یطوف عنه ما ترک من طوافه » ، وغیرها من الروایات .
2- (2) وقد نسب للأکثر عدم وجوب الاعادة لاختصاص النصوص بما إذا کان فی الوقت ، إلا أن صحیحة منصور بن حازم وفیها : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بین الصفا والمروة قبل أن یطوف بالبیت ؟ قال : یطوف بالبیت ثم یعود إلی الصفا والمروة فیطوف بینهما » تدل بإطلاقها علی وجوب إعادة السعی .
3- (3) کما هو صریح صحیحة علی بن جعفر المتقدمة .
4- (4) وتشهد له صحیحة علی بن جعفر المتقدمة .
5- (5) لشمول الدم والهدی له .
6- (6) لعدم الدلیل علی وجوبه .

الإحرام لدخول مکة(1) .

مسألة 325 : لا یحل لناسی الطواف ما کان حله متوقفاً علیه حتی یقضیه بنفسه أو بنائبه(2) .مسألة 326 : إذا لم یتمکن من الطواف بنفسه لعذر لمرض وأشباه ذلک فیجب الاستعانة بالغیر فی الطواف ولو بأن یطوف به الغیر حملاً أو بوسیلة ما ، وإذا لم یتمکن من ذلک أیضاً وجبت علیه أستنابة الغیر لیطوف عنه ولو لم یقدر علی ذلک أیضاً کالمغمی علیه والمجنون الادواری قام ولیه أو غیره بالطواف به وإن لم یمکن ذلک طیف عنه(3) .

ص:274


1- (1) کما تقدم بیانه .
2- (2) کما هو مقتضی الاستصحاب ، بل إطلاق جملة من النصوص .
3- (3) المرتبة الأولی للنسک أن یأتی به المکلف بنفسه ، والثانیة : أن یأتی به مباشرة بمعونة غیره عند العجز ، والثالثة : أن یوقع الفعل فیه إن عجز عن المرتبتین الأولتین ، کما هو الحال فی المغمی علیه والصبی الذی لا یدرک ولا یمیز ، وهذه المرتبة هی نحوٍ من النیابة إلا أن النائب لا یوقع الفعل النیابی فی بدن النائب نفسه ، بل یوقع الفعل فی بدن المنوب عنه ، فالنیة والإیجاد هی من النائب ، والرابعة : أن یؤتی بالفعل نیابة عن المکلف .فیدل علی المرتبة الرابعة صحیحة حریز عنه علیه السلام قال : المریض المغلوب والمغمی علیه یرمی عنه ویطاف عنه » ، وعلی المرتبة الثالثة صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : إذا کانت المرأة مریضة لا تعقل فلیحرم عنها ویتقی علیها ما یتقی علی المحرم ، ویطاف بها أو یطاف عنها ویرمی عنها » ، وفی موثقة إسحاق قال : قلت : المریض المغلوب یطاف عنه ؟ قال : لا ، ولکن یطاف به » ، وعلی المرتبة الثانیة صحیحة صفوان قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل المریض یقدم مکة فلا یستطیع أن یطوف بالبیت ولا بین الصفا والمروة ؟ قال : یطاف به محمولاً یخط الأرض برجلیه حتی تمس الأرض قدمیه فی الطواف ، ثم یوقف به أصل الصفا والمروة إذا کان معتلاً » .

وکذلک الحال بالنسبة إلی صلاة الطواف فیأتی بها مع التمکن أو الاستعانة ویستنیب مع عدمه ، نعم الأحوط فیما لو استنیب فی الطواف وتمکن المنوب عنه من الصلاة الجمع بإتیان کل منهما بها .

وقد تقدم حکم الحائض والنفساء فی شرائط الطواف .

صلاة الطواف

وهی الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ، وهی رکعتان یؤتی بهما عقیب الطواف ، وصورتها کصلاة الصبح ولکنه مخیر فی قراءتها بین الجهر والاخفات ، ویجب الأتیان بها عند مقام إبراهیم علیه السلام قریباً منه(1) ، والأظهر لزوم الاتیان بها خلف المقام(2) ، فإن لم یتمکن فمن

ص:275


1- (1) لقوله تعالی وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی وظاهرها الصلاة فی المقام أو عنده ، لأن معنی اتخاذه مصلی أی مکاناً للصلاة سواء کانت « من » بیانیة أو اتصالیة أو ابتدائیة نشویة ، فهی تقارب عنوان العندیة .
2- (2) لجملة من النصوص المستفیضة ، ففی صحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال : قلت للرضا علیه السلام : أصلی رکعتین طواف الفریضة خلف المقام هو الساعة أو حیث کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله ؟ قال : حیث هو الساعة » ، وفی صحیحة معاویة عن الصادق علیه السلام قال : إذا فرغت من طوافک فأت مقام إبراهیم علیه السلام فصلی رکعتین واجعله إماماً ... » ، وغیرها من الروایات التی تضمنت التعبیر بخلف المقام ، والظاهر المنسبق منه هو الوراء القریب ، وفی جملة أخری من الروایات التعبیر ب « عند المقام » والنسبة بین هذا اللسان والسابق هی من وجه ، إذ الثانی یشمل الجانبین دون الوراء البعید علی تقدیر شمول اللسان الأول له ، وإلا فتکون النسبة أعم مطلقاً ، واللسان الثالث فیها « اجعله إماماً » وهو ظاهر فی مفاد اللسان الأول ، وعلی قراءة « أماماً » فهو ظاهر فی مطلق الحیال والموازاة فی جهة القبلة ولو من بعد ، والأرجح هو الکسر لکونه تفسیراً للآیة فی الروایة ، وهو الأنسب بخلاف الفتح ، وفی صحیحة الحسین بن عثمان قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یصلی رکعتی طواف الفریضة بحیال المقام قریباً من ظلال المسجد لکثرة الناس » وهو ظاهر فی الاختصاص بالاضطرار .فعندنا عمومات علی درجات ، الأول : عنوان عند المقام ، والثانی : عنوان خلفه أو إماماً ، والثالث : الحیال والموازات عند الإضطرار .ومقتضی تقیید التعبیر الأول بالثانی هو تعین الخلف ، وهو یتسع بالمقدار الصادق عرفاً إلی أذرع ونحوه ، لأن الخلف من مادة خلف ویخلف وخلیفة وما یأتی تلو الشیء ، نعم لو أضیف إلی المساحات الکبیرة یتسع بخلاف ما لو کانت إضافته إلی المساحات المتوسطة أو الصغیرة ، مضافاً إلی ورود التعبیر فی الروایات بالأمر بإتیان المقام وکذلک مفاد الآیة حیث أن الخلف بیان له وتحدید وأنه معنی العندیة ، ومقتضی القاعدة حین تعذر الخلف هو سقوطه وبقاء إطلاق الدرجة الأولی من العموم « عند المقام » فیتعین الجانبان بنحو لا یتقدم علیه ، إذا الخاص وهو العموم من الدرجة الثانیة إنما یقید العموم من الدرجة الأولی فی فرض القدرة ، لا إطلاق له فی فرض العجز ، مضافاً إلی القطع بعدم سقوط صلاة الطواف علی کل حال مع تعذرها خلف المقام ومع تعذرهما یرجع إلی العموم الثالث .

الجانبین متأخر عنه قلیلاً ، فإن لم یتمکن أیضاً فیصلی حیال المقام من

ص:276

بُعد بحیث یکون أمامه ویتسع الحیال کل ما ابتعد المصلی عن المقام کمثلث رأسه عند المقام وقاعدته عند جدران المسجد کما مرّ فی بدء الطواف فی محاذاة الحجر الأسود ، ومع تعذر ذلک فیتوخی الأقرب فالأقرب .

هذا فی طواف الفریضة ، وأما فی الطواف المستحب فیجوز الاتیان بصلاته فی أی موضع من المسجد اختیاراً(1) .

مسألة 327 : من ترک صلاة الطواف عامداً عالماً لم یبطل حجه وإن أثم لتأخیرها وترک الفوریة ویبقی علیه وجوب أداءها فوراً ففوراً(2) .

ص:277


1- (1) ففی حسنة زرارة عن أحدهما علیهما السلام قال : لا ینبغی أن تصلی رکعتی طواف الفریضة إلا عند مقام إبراهیم علیه السلام ، وأما التطوع فحیث شئت من المسجد » .
2- (2) قد وقع الکلام : هل أن رکعتی الطواف من أجزاء النسک ، أم أنها لازم مترتب علی الطواف کترتب الکفارة علی سببها ، وعلی الأول فهل هی رکن یبطل النسک بترکها عمداً أو بالجهل التقصیری أم لا ؟نسب للمشهور الثانی ، بل حکی فی الخلاف عن قوم من أصحابنا أنهما غیر واجبتین ، وفی المسالک : أن التارک عمداً لهما کالناسی ، وأن الاصحاب لم یتعرضوا لذکر الترک العمدی ، والذی یقتضیه الأصل أنه یجب علیه العود مع الامکان ، ومع التعذر یصلیهما حیث أمکن ، وفی الریاض : أنه لا وجه لبطلان النسک ببطلانهما لأنها لیستا من أرکان الحج ، وحکی عن والده الإشکال فی صحة النسک ، ومال هو لذلک أیضاً ، وألحق المیرزا النائینی فی مناسکه العامد بالناسی .واستدل للأول بالاخبار البیانیة الواردة فی بیان واجبات العمرة والحج ، حیث تضمنت التعبیر « طاف ثم صلی ثم سعی » الدالة لمکان التعبیر بثم علی الترتیب .

____________________

ص:278

مسألة 328 : الأظهر وجوب المبادرة إلی الصلاة بعد الطواف بمعنی أن لا یؤخرها ویفصل بین الطواف والصلاة عرفاً(1) .

ص:279


1- (1) لجملة من النصوص ، ففی صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل طاف طواف الفریضة وفرغ من طوافه حین غربت الشمس ؟ قال : وجبت علیه تلک الساعة الرکعتان ، فلیصلهما قبل المغرب » ، وفی صحیحة ابن حازم عنه علیه السلام « ولا تؤخرها ساعة ، إذا طفت فصل » ، وفی قبالها صحیحة ابن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الذی یطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو فی وقت الصلاة أیصلی رکعات الطواف نافلة کانت أو فریضة ؟ قال : لا » فیمکن حمل الطائفة الأولی علی نفی الکراهة بإتیان الصلاة فی الاوقات المکروهة ، إذا التزم جماعة من العامة بکراهة ذلک ، ویؤیده عدم تعرض القدماء من الاصحاب لوجوب المبادرة ، وصحیحة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یطوف الطواف الواجب بعد العصر أیصلی الرکعتین حین یفرغ من طوافه ؟ فقال : نعم ، أما بلغک قول رسول الله صلی الله علیه وآله : یا بنی عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » ، ومثلها موثقة إسحاق بن عمار ، وظاهرهما أن الفوریة لدفع توهم الحظر عند العامة فی أوقات الصلاة المحظورة ، وهذا مما یخدش فی استظهار لزوم الفوریة .وفی صحیحة معاویة عنه علیه السلام : إذا فرغت من طوافک فائت مقام إبراهیم فصل رکعتین ... وهاتان الرکعتان هما الفریضة لیس یکره لک أن تصلیهما فی أی الساعات شئت ، عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرها ساعة تطوف وتفرغ فصلیهما » ، ودلالتها کما تقدم لتعرضه علیه السلام لدفع توهم الحظر فیکون الأمر وارداً هذا المورد ، لکن ذیلها شاهد بالفوریة ، لتأکیده النهی عن التأخیر بعد ما دفع توهم الحظر فی صدر الجواب ، ولذا قوی الماتن دام ظله الشریف البناء علی الفوریة - ولعل فیه بعض التأمل - وهی تکلیفیة لا وضعیة کما قد اختاره بعض الاعاظم المعاصرین .

مسألة 329 : إذا نسی صلاة الطواف وذکرها بعد السعی أتی بها ولا تجب إعادة السعی بعدها(1) ، وإذا ذکرها فی أثناء السعی فان کان بعد اتمام الشوط الرابع قطع سعیه عند اتمام أحد الأشواط وأتی بالصلاة ثم یتم ما بقی ، ولو قطع أثناء الأشواط الأخیرة وأتی بالصلاة إستأنف خصوص الشوط المقطوع وأتم ما بعد وإذا تذکر قبل إتمام الأربعة أتمها ثم أتی بالصلاة وأتم بقیة السعی ، ولو قطع سعیه قبل تمام الأربعة

ص:280


1- (1) لدلالة جملة من الروایات علیه .

إستأنف السعی من رأس(1) .

وإذا ذکرها بعد خروجه من مکة لزمه الرجوع والاتیان بها فی المحل مع عدم المشقة ، وإلّا أتی بها فی الحرم(2) ، والأحوط له أن یستنیب من یصلها خلف المقام(3) ، وإن لم یتمکن فیکفی الاستنابة ، فإن لم یتمکن

ص:281


1- (1) مقتضی إطلاق الروایات الاتیان بالصلاة ثم البناء علی السعی حیث قطعه سواء کان قبل النصف أو بعده ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام فی رجل طاف طواف الفریضة ، ونسی الرکعتین حتی طاف بین الصفا والمروة ثم ذکر ؟ قال : یعلم ذلک المکان ثم یعود فیصلی الرکعیتن ، ثم یعود إلی مکانه » ، بل فی بعض الروایات الرخص فی إتمام السعی ثم الرجوع إلی المقام والاتیان بالرکعتین ، وصرّح الماتن دام ظله بأن الروایات وإن کانت مصححة للبناء مطلقاً لما أتی به لو قطعه للصلاة ، ولکن لا بد من رفع الید عن إطلاقها لکبری شرطیة الموالاة فی الطواف والسعی فی النصف الأول ، وهو بمقدار أربعة أشواط ، وإطلاق عبائر الأصحاب فی المقام محمول علی هذا التفصیل ، قلت : هذا الحمل ربما فیه تسامح ، والشاهد علیه إطلاق صحیحة معاویة قال : رجل طاف بالکعبة ثم خرج فطاف بین الصفا والمروة ، فینما هو یطوف إذ ذکر أنه قد ترک من طوافه بالبیت ؟ قال علیه السلام : یرجع إلی البیت فیتم طوافه ، ثم یرجع إلی الصفا والمروة فیتم ما بقی » ولا مقید لها بالنسبة لما أتی به من السعی ، بخلاف الطواف ، وراجع مسألة 335 .
2- (2) تمسکاً بصحیحة أبی بصیر : إن کان ارتحل فإنی لا أشق علیه ولا آمره أن یرجع ولکن یصلی حیث یذکر » ، وفی معتبرة ابن سدیر قال : زرت فنسیت رکعتی الطواف ، فأتیت أبا عبد الله علیه السلام وهو بقرن الثعالب ، فسألته ، فقال : صل فی مکانک » .
3- (3) لروایة ابن مسکان قال : حدثنی من سأله عن الرجل ینسی رکعتی طواف الفریضة حتی یخرج ، فقال : یوکل » ، وفی صحیحة عمر بن یزید عنه علیه السلام قال : من نسی أن یصلی رکعتی طواف الفریضة حتی خرج من مکة فعلیه أن یقضی ، أو یقضی عنه ولیه » ، لکن یستفاد من صحیحة معاویة عن رجل نسی الرکعتین خلف مقام إبراهیم علیه السلام ، فلم یذکر حتی ارتحل من مکة ، قال علیه السلام : فلیصلهما حیث ذکر ، وإن ذکرهما وهو فی البلاد فلا یبرح حتی یقضیهما » قضائها فی کل مکان وعدم وصول النوبة للاستنابة ، نعم الأحوط استحباباً الاستنابة والقضاء معاً .

من الاستنابة أیضاً أتی بها حیث تذکر .

وحکم التارک لصلاة الطواف جهلاً حکم الناسی سواء کان قاصراً أو مقصراً(1) .

مسألة 330 : إذا نسی الطواف حتی مات وجب علی الولیّ قضاؤها(2) .مسألة 331 : من کان فی قراءته لحن فإن کان عاجزاً عن الصحیح فیکتفی بقراءته الملحونة علی ما فصّل فی باب الصلاة من القراءة(3) ، وإن کان متمکناً فاللازم علیه التعلم ، فأن ضاق الوقت فیأتی بالقراءة

ص:282


1- (1) لإطلاق صحیحة جمیل عن أحدهما علیهما السلام : إن الجاهل فی ترک الرکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام بمنزلة الناسی .
2- (2) تمسکاً بصحیحة عمر بن یزید المتقدمة .
3- (3) إذ وظیفته لا تزید علی ذلک لعدم القدرة ، مضافاً إلی موثقة مسعدة بن صدقة قال : سمعت الصادق علیه السلام یقول : إنک لا تری من المحرم من العجم لا یراد منه ما یراد من العالم الفصیح ، وکذلک الأخرس فی القراءة فی الصلاة والتشهد وما أشبه ذلک ، فهذا بمنزلة العجم ، والمحرم لا یراد منه ما یراد من العاقل المتکلم والفصیح ... » ، والمراد من المحرم من العجم من لا یستطیع القراءة علی وجهها ولا یفصح بها لعدم تعود لسانه .

کالتفصیل السابق ، والأحوط الاستنابة أیضاً(1) .

مسألة 332 : من کان جاهلاً باللحن فی قراءته وکان معذوراً فی جهله أو غافلاً صحت صلاته ولا حاجة إلی الاعادة حتی إذا علم بذلک بعد الصلاة(2) ، وأما إذا کان ملتفتاً إلی جهله فاللازم علیه إعادتها بعد التصحیح(3) ، ویجری علیه حکم تارک صلاة الطواف من لزوم قضاءها مع فوت الوقت .

السعی

وهو الرابع من واجبات عمرة التمتع ، وهی أیضاً تفسد بترکه عمداً عالماً کان بالحکم أو شاکاً فیه أو فی الموضوع ، بخلاف ما لو کان ترکه

ص:283


1- (1) للعلم بأن الواجب الذی علیه أحدهما ، وأما الصلاة جماعة فالظاهر أنها غیر مشروعة ، ودعوی مشروعیتها فی العجز دون التمکن غریبة جداً غیر معهودة فی أبواب الصلوات الواجبة ، نعم لو بنی علی عمومات مشروعیة الجماعة إلا ما أخرجه الدلیل لاتجه الاحتمال ، إلا أن السیرة القائمة علی عدم الجماعة فیها ولم یشر فی روایة قط إلی ذلک وهذا یقتضی عدم المشروعیة .
2- (2) کما هو مقتضی قاعدة لا تعاد الشریفة .
3- (3) ولا تجری قاعدة لا تعاد ، کما بنی علی ذلک المحقق الخراسانی والمیزرامحمد تقی الشیرازی ، لکن ما دل علی مؤاخذة المقصر یصلح لتقیید الإطلاق ، فلا تجری لا تعاد .

عن غفلة جهل بالحکم أو بالموضوع(1) ، وشرائطه کالناسی فیجب علیه التدارک کما سیأتی .

ویعتبر فیه قصد القربة ، ولا یعتبر فیه ستر العورة(2) ، ولا الطهارة من الحدث أو الخبث ، ویستحب الطهارة وهو الأولی فیه(3) .

مسألة 333 : محل السعی إنما هو بعد الطواف وکذا یجب تقدیم صلاته لفوریتها ، فلو قدّمه علی الطواف لزمته الاعادة بعدهما(4) ، نعم قد تقدم حکم من نسی الطواف وتدارکه بعد السعی .

وقد تقدم حکم من نسی الطواف أو سهی عن بعضه وتذکره بعد سعیه أو فی أثناءه(5) .

مسألة 334 : یعتبر فی السعی النیة(6) ، بأن یأتی به عن العمرة إن کان

ص:284


1- (1) وقد مر الکلام فی الطواف ، فراجع .
2- (2) لعدم الدلیل علیه .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : لا بأس أن یقضی المناسک کلها علی غیر وضوء ، إلا الطواف فان فیه الصلاة ، والوضوء أفضل » .
4- (4) نصاً وإجماعاً .
5- (5) مسألة (313 و 322) .
6- (6) ویعتبر فی النیة أمران مقومان - کما هو الحال فی بقیة أبواب العبادات - ،أحدهما : المعنی والمقصود ، إذ الأفعال العبادیة عناوین قصدیة فلا ینطبق العنوان علی الحرکات الخارجیة إلا بقصد العنوان ، وثانیهما : الداعی ، أی الداعی القربی ، علی أن الأفعال العبادیة طراً عبادیتها ذاتیة لتضمنها الإضافة الذاتیة کما هو الحال فی الرکوع والسجود ، وهذا هو الحال فی السعی ، حیث أن السعی المقصود والمنوی هو عنوان السعی الذی هو جزء النسک وهو الحج : أی القصد إلی بیت الله الحرام ، والمسمی بها هو من شعائر الله حیث تعددت حیثیات الإضافة فیه ، نعم لو نوی بداعی الأمر أو غیرها من الدواعی القربیة تأکدت العبادیة .

فی العمرة ، وعن الحج إن کان فی الحج ، قاصداً به القربة إلی اللّه تعالی .

مسألة 335 : یبدأ بالسعی من الصفا متوجهاً إلی المروة(1) ، ویتحقق ذلک بالصاق عقبه بالصفا وملامسة مقدمّه للمروة ؛ وذلک یعد شوطاً واحداً ثم یبدأ الشوط الثانی من المروة بالنحو المتقدم ، راجعاً إلی الصفا فیکون الإیاب شوطاً ثان . وهکذا یکرر إلی أن یتم السعی فی الشوط السابع بالمروة .

والأظهر اعتبار الموالاة فی السعی(2) ، لا سیّما فی اجزاء الشوط

ص:285


1- (1) باجماع المسلمین ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : ابدؤا بما بدأ الله به ، من اتیان الصفا ، فإن الله عز وجل یقول إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ » .
2- (2) وبه قال المفید والحلبیون والشهید الأول ، وبعض متأخری المتأخرین کصاحب الریاض وغیره ، وخلافاً للأکثر بل المشهور ، وفی المستند ادعی الاجماع علی ذلک ، ویدل علیه موثقة ابن فضال قال : سأل محمد بن علی أبا الحسن علیه السلام فقال : له سعیت شوطاً واحداً ثم طلع الفجر ؟ فقال : صل ثم عد فأتم سعیک » ، ومثلها صحیحة معاویة وغیرها من الروایات ، مضافاً إلی روایات جواز الاستراحة .واستدل الماتن دام ظله بموثقة إسحاق عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل طاف طواف الفریضة ثم اعتل علة لا یقدر معها علی اتمام الطواف ؟ فقال : إن کان طاف أربعة أشواط أمر من یطوع عنه ثلاثة أشواط ، فقد تم طوافه ، وإن کان طاف ثلاثة أشواط ولا یقدر علی الطواف فإن هذا مما غلب الله علیه فلا بأس بأن یؤخر الطواف یوماً ویومین فإن خلته العلة عاد فطاف اسبوعاً ، وإن طالت علته أمر من یطوف عنه اسبوعاً ویصلی هو رکعتین ویسعی عنه وقد خرج من أحرامه ، وکذلک یفعل فی السعی والرمی » وذیلها صریح علی المطلوب ، ولا یتوهم أن التشبیه فی ذیل الروایة هو بلحاظ الحکم الثانی فی الروایة وقد ذکر الذیل متصلاً به ، وهو جواز الاستنابة عند العجز ، وذلک لأن فی الحکم المزبور قد نص علی الاستنابة فی السعی کالطواف فلا معنی لتکرار التسویة بینهما مرة أخری ، وکأنها لم تذکر ، فلا محال هی بلحاظ الموالاة التی سأل عنها الراوی والتی کان معظم الجواب عنها .وبصحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال : إذا حاضت المرأة وهی فی الطواف وبین الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلّمت ذلک الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقیة طوافها من الموضع الذی علمته ، فإن هی قطعت طوافها فی أقل من النصف فعلیها أن تستأنف الطواف من أوله » .وأجاب علی روایات المشهور بأن لا إطلاق لها للنصف الأول ، باعتبار أن صحیحة معاویة لیس فیها خروجه عن المسعی للصلاة ، بل هی محتملة الصلاة فیه لا سیما بقرینة ذیلها حیث ذکر أن المسجد علی حافة المسعی ، أی أنه لا یبتعد عنه کثیراً لتقطع الموالاة ، وکذلک موثقة ابن فضال حیث أن القطع بمقدار صلاة الصبح سیما وأنه أتی بهما علی المسعی .

الواحد ، نعم یجوز القطع فیه بعد إتمام الأربعة لغرض راجح کما تقدم فی الطواف .

مسألة 336 : لو بدأ بالمروة قبل الصفا ألغی ما فی یدیه واستأنف السعی من الأول(1) ، والاولی أن یفصل بینهما بمدة زمنیة .

ص:286


1- (1) علی المشهور ، وإن کانت بعض الروایات متدافعة ومتعاکسه ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : من بدأ بالمروة قبل الصفا فلیطرح ما سعی ، ویبدأ بالصفا قبل المروة » ، وفی معتبرة البطائنی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا ؟ قال : یعید ، ألا تری أنه لو بدأ بشماله قبل یمینه فی الوضوء أراه أن یعید الوضوء » ، ومثلها حسنة علی الصائغ وفیها « ألا تری أنه لو بدأ بشماله قبل یمینه کان علیه أن یبدأ بیمینه ثم یعید علی شماله » .

مسألة 337 : لا یعتبر فی السعی المشی راجلاً فیجوز السعی راکباً علی حیوان أو علی وسیلة نقل یستقل فی تحریکها أو علی متن أنسان أو بتحریک الآخر فی صورة الاضطرار ، وإن کان المشی أفضل(1) کما سیأتی فی آداب السعی .

مسألة 338 : یعتبر فی السعی أن یکون ذهابه وإیابه فیما بین الصفا والمروة من الطریق المتعارف فلا یجزیء الذهاب أو الإیاب من المسجد الحرام أو من طریق مبتعد جداً(2) ، نعم لا یعتبر أن یکون ذهابه وإیابه بالخط المستقیم(3) ، أما السعی من الطابق العلوی فالأحوط عدم الاجتزاء به وإن کان له وجه(4) .

ص:287


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة « والمشی أفضل » .
2- (2) إذ لا یصدق مع الخروج عن المسعی أنه سعی بین الصفا والمروة .
3- (3) إذ یکفی الصدق أنه سعی بین الصفا والمروة .
4- (4) لصدق السعی ، إذ أن الصفا کما فی معجم البلدان مکان مرتفع من جبل أبی قبیس .هذا : وقد قامت السلطات فی الحرم المکی بتوسعة المسعی إلی ما یقرب من 20 متراً إضافة إلی عرضه السابق ، فیکون سعته ذهاباً وإیاباً 40 متراً ، علی أن یکون المسعی السابق للآتی من المروة إلی الصفا ، ویکون المسعی الجدید للذاهب إلی المروة ، فوقع الکلام فی صحة السعی فی هذه المسافة المستحدثة .

____________________

ص:288

____________________

ص:289

____________________

ص:290

____________________

ص:291

____________________

ص:292

مسألة 339 : یجب استقبال المروة عند الذهاب إلیها کما یجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إلیه ، فلو استدبر المروة عند الذهاب إلیها أو مشی مائلاً علی الجنب وکذا عند الإیاب من المروة إلی الصفا لم یجزئه ذلک(1) ، ولا بأس بالالتفات إلی الیمین أو الیسار بالرأس أو بعض الجسد(2) .

مسألة 340 : یجوز الجلوس علی الصفا أو علی المروة للاستراحة بنحو لا یضر بالموالاة فی الأشواط الأربعة الأولی ویجوز فیما بینهما للجهد بنحو لا یخل بموالاة الشوط الواحد بعد کونها أشد اعتباراً منها

ص:293


1- (1) وذلک للزوم صدق السعی إلیه ، ومع الاستدبار أو الحرکة الجانبیة لا یصدق ذلک العنوان .
2- (2) لعدم إضراره لعنوان الاستقبال .

فیما بین الأشواط (1) .

وقد مرّ أنه یسوغ قطع السعی بعد إتمام الأربعة لغرض راجح کقضاء حاجة مؤمن أو حاجته العاجلة .

أحکام السعی

تقدم أن السعی من أرکان الحج فی الجملة فلو ترکه عمداً عالماً بالحکم أو شاکاً فیه وفی الموضوع إلی زمان لا یمکنه التدارک قبل الوقوف بعرفات بطلت متعة الحج وانقلب إلی حج الإفراد ویأتی بعمرة مفردة بعده(2) .

مسألة 341 : لو ترک السعی نسیاناً أو غفلة بالحکم أو بالموضوع وشرائطه أتی به حیث ما ذکره(3) ، وإن کان تذکره بعد فراغه من أعمال

ص:294


1- (1) ففی صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یطوف بین الصفا والمروة أیستریح ؟ قال : نعم إن شاء جلس علی الصفا والمروة وبینهما فلیجلس » ، وفی صحیحة معاویة أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدخل فی السعی بین الصفا والمروة ، یجلس علیهما ؟ قال : أولیس هو ذا یسعی علی الدواب » ومراده علیه السلام من الجواب دفع ما توهمه الراوی من منافاة أصل عنوان الجلوس ولو یسیراً لعنوان السعی ، حیث أن عنوان السعی منطو فیه الحرکة البدنیة .
2- (2) وقد مر بیانه فی أول الطواف ، فراجع .
3- (3) ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : قلت له : رجل نسی السعی بین الصفا والمروة ؟ قال : یعید السعی ، قلت : فإنه خرج ؟ قال : یرجع فیعید السعی ، إن هذا لیس کرمی الجمار ، إن الرمی سنة ، والسعی بین الصفا والمروة فریضة » ، وقد تقدم فی الطواف ترک ذلک غفلة بالحکم أو بالموضوع وشرائطه ، فراجع .

الحج فإن لم یتمکن منه مباشرة أو کان حرجاً أو مشقة علیه لزمته الاستنابة(1) ویصح حجه فی کلتا الصورتین .

مسألة 342 : من لم یتمکن من السعی بنفسه ولو بالاتکاء والاستعانة بغیره وجب علیه أن یسعی به ولو بحمله علی متن إنسان أو عربة یقودها غیره ونحو ذلک ، فإن لم یتمکن من ذلک أیضاً استناب غیره للسعی عنه فإن لم یتمکن من الاستنابة کالمغمی علیه فیسعی عنه ولیه أو غیره(2) .

مسألة 343 : یجوز تأخیر السعی عن الطواف بمقدار تزول فیه المشقة والحرج کشدة الحرّ والتعب(3) ، ولا یجوز تأخیره بفاصل یوم إلّا

ص:295


1- (1) ففی صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال : سألته عن رجل نسی أن یطوف بین الصفا والمروة ؟ قال : یطاف عنه » ومثلها روایة الشحام ، وإطلاق الصحیحة الاولی محمول علی عدم القدرة علی السعی بنفسه ، لکون القاعدة فی التعبدیات هو المباشرة ، فالنیابة بدل اضطراری لاسیما فی الحج .
2- (2) إذ کما تقدم : أن اللازم فی المرتبة الأولی مباشرة العمل بنفسه ، وفی المرتبة الثانیة بأن یستعین بالآخرین ، وفی المرتبة الثالثة بالاستنابة ، وفی المرتبة الرابعة بأن یوقع العمل فیه .
3- (3) یجوز تأخیر السعی لعذر إلی اللیل کما هو المشهور ، أو إلی الغد کما هوخیرة المحقق ، ففی صحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یقدم مکة وقد اشتد علیه الحر فیطوف بالکعبة ویؤخر السعی إلی أن یبرد ؟ فقال : لا بأس به ، وربما فعلته ، قال : وربما یؤخر السعی إلی اللیل » ، وفی صحیحة محمد بن مسلم قال : سألته عن رجل طاف بالبیت فأعی أیوخر الطواف بین الصفا والمروة إلی غد ؟ قال : لا » .

من ضرورة .

مسألة 344 : حکم الزیادة فی السعی حکم الزیادة فی الطواف فیبطل السعی إن کان عن علم وعمد کما تقدم فی الطواف(1) ، بخلاف ما إذا کانت جهلاً أو سهواً فلا یبطل(2) .

مسألة 345 : إذا زاد فی سعیه خطأ أو جهلاً صحّ سعیه ، والأولی له إذا کان الزائد شوطاً کاملاً - بأن أتی بثمانیة أشواط - أن یتمه ویضیف له ستة أشواط فیکون سعیاً آخر ینتهی إلی الصفا ، وإن زاد شوطین أی أتی بتسعة فالأولی له أن یطرح الثمانیة ویبنی علی الواحد ویضیف إلیه ستة أشواط وینتهی إلی المروة(3) ، وهذا هو الأحوط فی الصورة الأولی .

مسألة 346 : إذا نقص من أشواط السعی عامداً عالماً أو شاکاً ملتفتاً ولم یتدارکه إلی زمان الوقف بعرفات فسدت متعته وانقلب حجه إلی الإفراد وعلیه عمرة مفردة بعد الحج .

وأما إذا کان النقص نسیاناً أو غفلة أو جهلاً بالحکم أو بالموضوع وشرائطه فإن کان بعد الشوط الرابع وجب علیه تدارک الباقی متی ما

ص:296


1- (1) وتشهد له النصوص .
2- (2) ففی صحیحة جمیل قال : حججنا ونحن صرورة فسعینا بین الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً ؟ فسألت أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک ؟ فقال : لا بأس سبعة لک ، وسبعة تطرح » .
3- (3) تسمکاً بصحیحة ابن مسلم عنه علیه السلام : إذا استیقن أنه سعی ثمانیة أضاف إلیها ستاً » .

تذکر والتفت ولو بعد الفراغ من أعمال الحج ، وإن لم یتمکن بنفسه استناب ، وأما إن کان النقص قبل إتمام الأربعة أشواط فاللازم علیه بعد التذکر والالتفات أن یأتی بالسعی سبعة أشواط بنفسه وإلّا فیستنیب ، وإن علم أنه نقص وشک فی مقدار النقص فاللازم علیه الاعادة .

مسألة 347 : إذا نقص شیئاً من السعی فی عمرة التمتع فأحل وقارب أهله لاعتقاده الفراغ من السعی فالأحوط لزوم التکفیر عن ذلک ببقرة(1) ، ویلزم إتمام السعی علی النحو الذی مرّ .

ص:297


1- (1) لصحیحة ابن یسار قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل متمتع سعی بین الصفا والمروة ستة أشواط ، ثم رجع إلی منزله وهو یری أنه قد فرغ منه وقلم أظافره وأحل ، ثم ذکر أنه سعی ستة أشواط ؟ فقال لی : یحفظ أنه قد سعی ستة أشواط ، فإن کان یحفظ أنه قد سعی ستة أشواط فلیعد ولیتم شوطاً ولیرق دماً ، فقلت : دم ماذا ؟ قال : بقرة » وهی مخصصة للعمومات الدالة علی أن الناسی لا شیء علیه فی غیر الصید ، ولاتنافیها مصححة ابن مسکان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بین الصفا والمروة ستة أشواط وهو یظن أنه سبعة ، فذکر بعد ما أحل وواقع النساء إنه إنما طاف ستة أشواط ؟ قال : علیه بقرة یذبحها ویطوف شوطاً آخر » اذ الفرض من سؤال الراوی ، نعم لو کان من الإمام علیه السلام لأمکن القول باعتبار الأمرین معاً فتقید إطلاق صحیحة ابن یسار بما إذا أحل وجامع ، وقد طرح الشیخ والقاضی کلا النصین وقالا : أنه لا شی علیه ، وتوقف فی العمل به فی الشرائع ، والإشکال یرد علی الروایتین من جهة ثبوت الکفارة علی الناسی ، وعلی الأولی بأن کفارة تقلیم مجموع الأظفار أو الحلق وغیره شاة لا بقرة فی صورة العمد ، ویمکن الاجابة علیه : بأن نسی الشوط الواحد من السعی له خصوصیة واضحة .

الشک فی السعی

لا اعتبار بالشک فی عدد أشواط السعی بعد التقصیر(1) ، أو بعد خروجه من المسعی بانیاً علی الفراغ(2) ، وإن کان الشک قبل ذلک بطل سعیه عدا ما یأتی من بعض الصور .

مسألة 348 : إذا شک وتمحض شکه فی الزیادة صحّ سعیه ولا اعتبار بشکه(3) ، وأما إذا دار بین الزیادة أو النقیصة أو تمحض فی النقیصة فیبطل سعیه وعلیه الاستئناف من رأس(4) .

ومثال الأول : لو شک وهو علی المروة فی أن شوطه الأخیر هو السابع أو التاسع ، وکذا لو شک وهو علی المروة بین السبعة والحادی

ص:298


1- (1) تمسکاً بقاعدة الفراغ المبارکة .
2- (2) لکون الفراغ فی القاعدة هو البنائی ، وهو ما یطلق علیه فی بعض الکلمات الاعتقادی ، وإلا فالفراغ الحقیقی لا تحقق له بالعمل المترتب ، سواء کان مستقلاً کالتعقیبات للصلاة ، أو جزء ، فإنه فی الأول لا مضی للعمل المشکوک بعد عدم أخذه شرطاً متأخراً فیه ، وفی الثانی لا مضی أیضاً ما لم یدخل فی رکن أو فیما یمتنع تدارک المشکوک معه ، وعلیه فبعد تحقق عنوان الفراغ عرفاً وذلک بعد عدم التشاغل بالعمل المشکوک والبناء علی إتمامه - وکون العمل وحدته اعتباریة یکون تحقق الفراغ منه کذلک اعتباریاً لا حقیقة - فتجری القاعدة .
3- (3) لما مر من أن الزیادة إن لم تکن عمدیة فلا تضر ولا تبطل .
4- (4) لشمول الروایات لکلا الفرضین .

عشر ، وکذا لو شک وهو علی الصفا بین الثمانیة أو العشرة .

ومثال الثانی : لو شک وهو علی المروة بین السابع والثامن ، أو شک وهو علی الصفا بین الثامن أو التاسع ، وکذا لو شک وهو متجه إلی المروة بین السابع والتاسع قبل أن یصل إلی المروة .

مسألة 349 : الشک فی عدد الاشواط من السعی حکم الشک فی عدد الأشواط من الطواف فإذا شک فی عددها بطل سعیه .

التقصیر

وهو الواجب الخامس فی عمرة التمتع ، ویعتبر فیه قصد القربة أیضاً ، ویتحقق بقص شعر الرأس أو اللحیة أو الحاجبین أو تقلیم الأظافر أو حلق بعض أطراف الرأس(1) ، وکذا إطلاء العانة والإبطین أو حلقهما

ص:299


1- (1) علی المشهور ، إن لم یکن إجماعاً ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام :ثم قصر من رأسک من جوانبه ولحیتک وخذ من شاربک وقلّم أظفارک وابقی منها لحجک ، فإذا فعلت ذلک فقد أحللت من کل شیء یحل منه المحرم وأحرمت منه » ، وظاهرها البدوی لزوم الجمع بینها ، وفی صحیحة ابن سنان قال : سمعته یقول : طواف المتمتع أن یطوف بالکعبة ویسعی بین الصفا والمروة ویقصر من شعره فإذا فعل ذلک فقد أحل » وإطلاق التقصیر فیها قرینة علی التخییر فی الصحیحة السابقة ، وفی صحیحة جمیل وحفص عنه علیه السلام فی محرم یقصر من بعض ولا یقصر من بعض ؟ قال : یجزیه » وهی ناصة علی التخییر بین الأربعة حیث أن عنوان البعض یقتضی البعضیة .

أو نتفهما(1) .

مسألة 350 : یتعین التقصیر فی إحلال عمرة التمتع(2) ، ویحرم علیه الحلق ، وإذا حلق فالأقوی الاجتزاء به وإن أثم بذلک لو کان عامداً ویلزمه التکفیر بشاة فی صورة العلم والعمد فیما کان فی شهر ذی القعدة وذی الحجة الحرام(3) ، والأظهر ثبوتها لو أرتکب الحلق بعد التحلل بالتقصیر أیضاً(4) .

مسألة 351 : إذا جامع بعد السعی وقبل التقصیر جاهلاً بالحکم فلا کفارة علیه علی الأظهر بخلاف العامد کما تقدم فی التروک(5) .

ص:300


1- (1) وذلک لتعدد العناوین المذکورة فی النصوص کقرض الأظفار والاخذ من الشعر وتقصیره ، وهذا التعدد یفید أن المراد من التقصیر هو مطلق الإزالة لزوائد الشعر والظفر التی کانت محرمة بالإحرام ، فیتحقق الواجب بمثل النتف والإطلاء والأخذ من شعر الحاجب أو حلق شعر العانة والإبطین .
2- (2) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام : لیس فی المتعة إلاالتقصیر » .
3- (3) ففی صحیحة جمیل عنه علیه السلام عن متمتع حلق رأسه بمکة ، قال : إن کان جاهلاً فلیس علیه شیء ، إن تعمد ذلک فی أول شهور الحج بثلاثین یوماً فلیس علیه شیء ، إن تعمد بعد الثلاثین یوماً التی یوفر فیها الشعر للحج فإن علیه دم یهریقه » .
4- (4) تمسکاً بإطلاق الصحیحة المتقدمة .
5- (5) کما هو مقتضی صحیحة معاویة الدهنی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع وقع علی أهله ولم یقصر ، قال : ینحر جزوراً وقد خشیت أن یکون قد ثلم حجه إن کان عالماً ، وإن کان جاهلاً فلا شیء علیه » .ودعوی السید الخوئی قدس سره أن هناک اختلافاً فی النسخ بزعم أن الکلینی رواها فی موردین : مورد بلفظ « لم یزر » ومورد آخر بلفظ « لم یقصر » وکذلک رواها الشیخ عن الکلینی بکلا اللفظین ، وحیث أنا لا نعلم أیهما الصادر عن الإمام فلا یمکن الاستدلال بها .لیست بصحیحة : اذ کتاب معاویة هو مجموعة من الأسئلة طرحها علی الإمام علیه السلام ، فتارة سأله فیمن لم یقصر فی العمرة وجامع واخری فیمن لم یزر وجامع ، ولذا ذکر الشیخ والکلینی الروایة فی بابین ، ولم کان ثمة اختلاف فی النسخ لأشارا لیه ، مضافاً إلی أن الصدوق رواها من کتاب معاویة بلفظ « ولم یقصر » قال : وسأله معاویة عن رجل متمتع وقع علی امرأته ولم یقصر ؟ قال : ینحر جزوراً وقد خشیت أن یکون قد ثلم حجه إن کان عالماً ، وإن کان جاهلاً فلا شیء علیه ، وقال : وقلت له : متمتع قرض من أظفاره بأسنانه وأخذ من شهر بمشقص ، فقال : لا بأس به لیس کل أحد یجد جلماً » ورواها الشیخ أیضاً من کتاب صفوان عن معاویة بحذف الذیل بنفس اللفظة ، فلا بد من المصیر إلی القول بتعدد الروایة ، أو سقوط روایة الکلینی فقط عن الحجة لأنها منشأ الاختلاف .أما صحیحة الحلبی قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک إنه لما قضیت نسکی للعمرة أتیت أهلی ولم أقصر ؟ قال : علیک بدنة ، قلت : إنی لما آتیتها قرضت بعض شعرها بأسنانیها ؟ فقال : رحمها الله کانت أفقه منک ، علیک بدنة ، ولیس علیها شیء » فقوله علیه السلام « رحمها الله کانت أفقه منک » لیس بالضرورة أن الحلبی کان جاهلاً بالمسألة ، ومع التسلیم فهی ظاهرة فی الکفارة وصحیحة معاویة ناصة بعدمها ، فیقدم النص علی الظاهر ، مضافاً إلی اعراض المشهور عنها فیما إذا کانت تستوجب الکفارة فی حالة الجهل ، فتدبر .

مسألة 352 : یحرم التقصیر قبل الفراغ من السعی ، فلو فعله عالماً

ص:301

عامداً لزمته الکفارة(1) .

مسألة 353 : لا یجب المبادرة إلی التقصیر بعد السعی(2) ، فیجوز فعله فی أی محل شاء سواء کان فی السعی أو فی منزله أو غیرهما(3) .

مسألة 354 : إذا ترک التقصیر عمداً فأحرم ولبی للحج بطلت متعته وانقلب حجه إلی الإفراد واحتسب ما أتی به من الطوافین لحجه ویأتی بعمرة مفردة بعده(4) ، والأولی إعادة الحج فی السنة القادمة(5) .

مسألة 355 : إذا ترک التقصیر نسیاناً فأحرم ولبی للحج صحت عمرته ومتعته(6) ، ویستحب له التکفیر بشاة(7) .

ص:302


1- (1) لعدم الأمر به قبل موضعه ، فهو منهی عنه مندرج فی تروک الإحرام وترتب الکفارة علیه .
2- (2) لعدم الدلیل علیه .
3- (3) وهو المستفاد من صحیحة الحلبی المتقدمة ، والظاهر کونه فی الحرم فلا یجوز له الخروج قبل التقصیر فإن خرج ولم یتمکن جاز له التقصیر حیث کان ، هذا فی الحج أما فی العمرة فلا یجوز له الخروج .
4- (4) ففی موثقة أبی بصیر عنه علیه السلام قال : المتمع إذا طاف وسعی ثم لبی بالحج قبل أن یقصر ، فلیس له أن یقصر ، ولیس له متعة » ، وفی موثقة العلاء بن الفضیل قال : سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن یقصر ؟ قال : بطلت متعته هی حجة مبتولة » ، وفی اسنادها محمد بن سنان ، وهو ثقة وعدل علی الصحیح .
5- (5) خروجاً عن مخالفة الروضة والمسالک .
6- (6) تمسکاً بعدة من النصوص ، ففی صحیحة الدهنی عنه علیه السلام قال : سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسی أن یقصر حتی دخل فی الحج ، قال : یستغفر ولا شیء علیه وقد تمت عمرته » ، ومثلها دلالة صحیحة ابن سنان وغیرها .
7- (7) خروجاً عن خلاف من أوجب ، ولموثقة اسحاق قال : قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : الرجل یتمتع فینسی أن یقصر حتی یهل بالحج ؟ فقال : علیه دم یهریقه » .

مسألة 356 : إذا قصّر المحرم فی عمرة التمتع حلّ له جمیع ما کان یحرم علیه من جهة إحرامه عدا الحلق فی شهر ذی القعدة وذی الحجة(1) ، بل الأحوط کذلک فیما لو تحلل من عمرته فی شهر شوال .

مسألة 357 : لا یجب طواف النساء فی عمرة التمتع(2) .

ص:303


1- (1) وذهب المشهور إلی جوازه بعد التقصیر واستحباب التوفیر ، والظاهر من صحیحة جمیل حرمته قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام متمتع حلق رأسه بمکة ، قال : إن کان جاهلاً فلیس علیه شیء ، وإن تعمد ذلک فی أول شهور الحج بثلاثین یوماً فلیس علیه شیء ، وإن تعمد ذلک بعد ثلاثین التی یوفر فیها الشعر للحج ، فإن علیه دماً یهریقه » وقد أعرض المشهور عن العمل بها مما یشعر بعدم حجیتها ، ولعل الحلق کان قبل التقصیر ، إلا أن التفصیل بین کون الحلق أول شهور الحج أو فی وسطه له دلالة واضحة علی الشمول لما قبل وما بعد التقصیر فتدبر .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة صفوان : إنما طواف النساء بعد الرجوع من منی » .

واجبات الحج

اشارة

تقدم مجملاً فی مسألة 149 أن واجبات الحج ثلاثة عشر وأما تفصیلها :

الأول : الإحرام وأفضل أوقاته یوم الترویة ، ویجوز التقدیم علیه بعد التحلل من عمرة التمتع مطلقاً ، ولا سیّما بالنسبة إلی الشیخ الکبیر والمریض إذا خافا من الزحام ، فیحرمان ویخرجان قبل خروج الناس ، وتقدم جواز الخروج من مکة محرماً بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة فی أی وقت کان .

مسألة 358 : کما لا یجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصیر لا یجوز للحاج أن یحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحج(1) ، نعم لا مانع منه بعد اتمام النسک قبل طواف النساء(2) ، وإن کان الأولی عدم الإحرام

ص:304


1- (1) لبطلان ادخال نسک فی نسک ، إذ أن اقحام النسک فی النسک أو العمل العبادی فی الآخر یوجب محو الصورة المعهودة المقررة فی الأدلة الشرعیة ، مضافاً إلی أن ظاهر الأدلة هو الاهلال بالحج بعد التقصیر المحلل لإحرام العمرة ، والاهلال بالعمرة بعد الفراغ من الحج ، والروایات الدالة علی ضرورة الفصل بین العمرتین شاهدة علی ذلک أیضاً ، وکذا قوله تعالی وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فالأمر بالاتمام مقتضاه عدم قطع النسک بنسک آخر بل مواصلة أجزائه بما لها من هیئة اتصالیة مجموعیة .
2- (2) للخلاف الموجود فی کون طواف النساء من نسک الحج أو واجب مستقل متفرع علی الإحرام ، وسیأتی .

قبل إتیانه(1) .

مسألة 359 : یتضیق تکلیفاً وقت الإحرام فیما إذا استلزم تأخیره فوات الوقوف بعرفات یوم عرفة ، واللازم مراعاة تمام الوقوف الاختیاری ، وإلّا فما استطاع منه ولو المسمی ، ولکن یصحّ الإحرام وضعاً إلی أن یدرک أحد الموقفین بنحو یصحّ حجه کما سیأتی تفصیله لمن لم یتمکن من إدراکهما معاً .

مسألة 360 : یتحد إحرام الحج وإحرام العمرة فی کیفیة واجباته ومحرماته(2) ، والاختلاف بینهما إنما هو فی النیة فقط .

مسألة 361 : یجب الإحرام لحج التمتع من مکة من أی موضع شاء ما لم یخرج عن حدّ الحرم(3) ، ویستحب له الإحرام من المسجد الحرام فی مقام إبراهیم أو حجر إسماعیل .

مسألة 362 : من ترک الإحرام نسیاناً أو جهلاً منه بالحکم إلی أن خرج من مکة ثم تذکر أو علم بالحکم وجب علیه الرجوع للاحرام من مکة ما لم یخف فوت ما هو تمام الواجب من الوقوف الاختیاری ، وإلّا فلیرجع باتجاه مکة بقدر ما یمکن ولا أقل من إیقاع الإحرام فی الحرم لا سیما وأن حدوده علی مشارف عرفة ، ولو لم یتمکن من ذلک أیضاً أحرم من

ص:305


1- (1) لاحتمال کونه من نسک الحج .
2- (2) تمسکاً بإطلاقات الأدلة .
3- (3) وقد تقدم الکلام فیه فی المواقیت ، فراجع .

الموضع الذی هو فیه(1) .

أما لو تذکر أو علم بالحکم بعد الوقوف بعرفات فیجب علیه القول :

« اللهم علی کتابک وسنة نبیک »(2) ، والأحوط الإتیان بالتلبیة وعقد الإحرام رجاءاً ، ولو لم یتذکر أو لم یعلم بالحکم إلی أن فرغ من الحج صح حجه .

مسألة 363 : من ترک الإحرام عالماً عامداً حتی فاته تمام الوقوف الإختیاری بعرفات ولکنه أدرک المسمی صحّ حجه وإن أثم ، ولو ضایقه الوقت لإدراک الرکن من الوقوف بعرفات فلا یبعّد الاکتفاء بالإحرام من مکانه الاضطراری لادراک مسمی الوقوف(3) ، وأما لو استمر ترکه إلی أن فات مسمی الوقوف بعرفات فقد فسد حجه ، والأحوط له أن یأتی بالوقوف الاضطراری لعرفات فیما لو کان واجباً ، والأحوط له أیضاً أن یأتی به من قابل .

مسألة 364 : لا یسوغ للمتمتع أن یطوف طوافاً مندوباً بعد إحرام الحج إلّالعلة(4) ،

ص:306


1- (1) وقد تقدم الإشارة إلیه فی أحکام المواقیت فراجع .
2- (2) تشهد له صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی الإحرام فی الحج فذکر وهو بعرفات ، ما حاله ؟ قال : یقول : « اللهم علی کتابک وسنة نبیک صلی الله علیه وآله » فقد تم احرامه ، فإن جهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده إن کان قضی مناسکه کلها فقد تم حجه » .
3- (3) وقد مر الکلام فیه فی أحکام المواقیت فراجع .
4- (4) علی المشهور ، وقد استظهر فی الحدائق الکراهیة ، والروایات الواردة فی المقام علی ألسن ، منها ما دل علی الجواز کموثقة إسحاق قال : سألته عن الرجل یحرم بالحج من مکة ثم یری البیت خالیاً فیطوف به قبل أن یخرج ، علیه شیء ؟ فقال : لا » ، ومنها ما دل علی المنع ، کصحیحة الحلبی قال : سألته عن رجل أتی المسجدالحرام وقد أزمع بالحج أیطوف بالبیت قال : نعم ، ما لم یحرم » ، ومصححة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام قال : وأن یکون الحج والعمرة واجبین جمیعاً فلا تعطل العمرة وتبطل ولا یکون الحج مفرداً من العمرة ویکون بینهما فصل وتمییز ، وأن لا یکون الطواف بالبیت محضوراً لأن المحرم إذا طاف بالبیت أحل ، إلا لعلة فلولا التمتع لم یکن للحاج أن یطوف لأنه إن طاف أحل وفسد إحرامه ویخرج منه قبل أداء الحج » ، وصحیحة حماد وفیها « لم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی علی إحرامه » ، ومنها ما دل علی الکراهیة ، ففی حسنة عبد الحمید بن سعید عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل أحرم یوم الترویة من عند المقام بالحج ثم طاف بالبیت بعد إحرامه وهو لا یری أن ذلک لا ینبغی ، أینقض طوافه بالبیت إحرامه ؟ فقال : لا ، ولکن یمضی علی إحرامه » ، والصحیح ما علیه صاحب الحدائق من کراهة ذلک ، وقوله الرضا علیه السلام فی المصححة « لأن المحرم إذا طاف بالبیت أحل » لا یمکن أن یحمل علی انتقاض إحرامه مطلقاً ، بشهادة سائر النصوص ، کما یمکن حمل هذه الروایات علی الطواف المستحب الذی لا ربط له بالنسک .

فلو طاف جدد التلبیة بعد الطواف علی الأظهر(1) .

ص:307


1- (1) لبعض الروایات الدالة علی ذلک ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : سألته عن المفرد للحج هل یطوف بالبیت بعد طواف الفریضة قال : نعم ، ما شاء ویجدد التلبیة بعد الرکعتین ، والقارن بتلک المنزلة ، یعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبیة » ومثلها دلالة صحیحة ابن الحجاج وحسنة ابن میمون ، ومفاد هذه الروایات أن الطواف یوجب الاحلال فلا بد من عقده بالتلبیة ، فکأن وجه المنع هو ایجابه للاحلال ، وهذا مبتنی علی ارتباطه بالنسک ، وإن لم یؤت به بنیة التضمین والجزئیة ، إلا أنه لمکان المشابهة یحدث الارتباط ، هکذا أفاد الماتن دام ظله الشریف ، مع أن الروایات أخص من المدعی ، ولیس المقصود من الإحلال فی الروایات ما هو المتبادر ، فهو شبیه الروایات الدالة علی التلبیة حین النظر فی المرآة ، نعم الالتزام بوجوب ذلک تعبداً له وجه .

الوقوف بعرفات

الثانی من واجبات حج التمتع : الوقوف بعرفات بقصد القربة .

والمراد بالوقوف هو الحضور والکون بعرفات من دون فرق بین أن یکون راکباً أو راجلاً ساکناً أو متحرکاً .

مسألة 365 : حدّ عرفات من بطن عرنة وثویة ونمرة إلی ذی المجاز ومن المأزمین إلی أقصی الموقف ، وهذه حدود عرفات وهی خارجة عن الموقف .

مسألة 366 : لا یقف علی جبل الرحمة الکائن فی وسط وادی عرفات ، إلّاعند الضرورة(1) ، لکن یستحب الوقوف فی السفح علی

ص:308


1- (1) یشهد له موثقة سماعة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا ضاقت عرفة کیف یصنعون ؟ قال : یرتفعون إلی الجبل » فظاهرها عدم إجزاء الوقوف فوق الجبل اختیاراً ، حیث أن الوقوف فوقه قد ذکر فی سیاق المواقف الاضطراریة لمنی وللمزدلفة وهما وادی محسر والمأزمین ، لکن ظاهر موثقة إسحاق الآتیة کراهة ذلک ، والتبعیض فی الاستظهار بین فقرات الحدیث الواحد غیر عزیز فی الفقه .

میسرة الجبل(1) .

مسألة 367 : یعتبر فی الوقوف أن یکون عن قصد واختیار(2) ، ویکفی فی تحققهما المسمی فی أول الوقت ، فلو نام أو غشی علیه بعد ذلک لم یخل فی تحقق الوقوف(3) ، وکذا لو تحقق المسمی فی بعض الوقت فقد تحقق منه الرکن ، ولو نام فی تمام الوقت وقد سبقت منه النیة بعد کون مجیئه إلی عرفات لذلک فللصحة وجه وإن کان الأحوط أن ینوی مسمی الوقوف بعد الغروب .

وأما المغشی علیه والمجنون ونحوهما فیجزیء أن ینوی عنهما(4) ، والأحوط نیتهما للوقوف بعد الغروب لو أفاقا ، أما السکران فالأقوی عدم الاجتزاء(5) .

ص:309


1- (1) ففی موثقة إسحاق قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إلیک أم علی الأرض ؟ فقال : علی الأرض » ، وفی صحیحة معاویة عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قف فی میسرة الجبل ، فإن رسول الله صلی الله علیه وآله وقف فی میسرة الجبل » .
2- (2) لعدم تأتی العبادة إلا به .
3- (3) لاعتبار مقارنة النیة لأول وقت الوجوب .
4- (4) للروایات الدالة علی الطواف بالمغمی علیه والمجنون والمریض والتی یستفاد منها النیابة عنهم فی مجمل أعمال الحج ومنها الموقفین ، وفی الصحیح إلی جمیل بن دراج عن بعض أصابنا عن أحدهما علیهما السلام : فی مریض أغمی علیه فلم یعقل حتی أتی الموقف ( الوقف ) فقال : یحرم عنه رجل .
5- (5) لعدم الدلیل علیه .

مسألة 368 : حد ووقت الوقوف الاختیاری بعرفات من زوال یوم التاسع من ذی الحجة إلی الغروب ، ویسوغ تأخیره عن الزوال بمقدار أداء الظهرین جمعاً(1) ، والوقوف فی تمام هذا الوقت وإن کان واجباً یأثم المکلف بترکه إلّاأنه لیس من الأرکان ، فلو ترک الوقوف فی مقدار من هذا الوقت لا یفسد حجه(2) ، أما لو ترک الوقوف رأساً باختیاره فالأحوط (3) أن یأتی بمسمی الوقوف لیلاً وبقیة أعمال الحج وأن یأتی بالطوافین والسعی بنیة عما فی الذمّة ، ولو کان حجه واجباً فالأحوط إعادته من قابل .

مسألة 369 : من لم یدرک الوقوف الاختیاری « الوقوف فی النهار » لنسیان أو لجهل دون الشک أو لغیرهما من الأعذار لزمه الوقوف الاضطراری « الوقوف برهة من لیلة العید » وصح حجه ، فإن ترکه متعمداً فالأحوط أن یأتی بالوقوف الاختیاری للمشعر وبقیة الأعمال ویأتی

ص:310


1- (1) بل الأظهر جواز تأخیره بأکثر من ذلک قلیلاً ، للنصوص الحاکیة عن فعل رسول الله صلی الله علیه وآله ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : إن رسول الله صلی الله علیه وآله أقام بالمدینة عشر سنین لم یحج ، ثم أنزل الله علیه وَ أَذِّنْ فِی النّاسِ ... ... فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلی الله علیه وآله ومعه قریش وقد اغتسل وقطع التلبیة حتی وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلی الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتین ، ثم مضی الی الموقف فوقف به » .
2- (2) نصاً وإجماعاً .
3- (3) لما قیل بأن الاطلاقات لإدراک اضطراری عرفة واختیاری المشعر قد یقال بشمولها للعامد والعالم ، إلا أنه یمنع الاطلاق علی المشهور بلزوم لغویة الأوامر الأولیة .

بالطوافین والسعی بنیة عما فی الذمة(1) ، وفیما لو کان حجه واجباً فالأحوط إعادة الحج من قابل ، وقد تقدم أن لزوم الوقوف الاضطراری هو الأحوط مطلقاً لمن ترک متعمداً الوقوف الاختیاری .

مسألة 370 : تحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً ، لکنها لا تفسد الحج بل توجب کفارة بدنة بنحرها فی منی فإن لم یتمکن منها صام ثمانیة عشر یوماً(2) ، والأحوط المبادرة وعدم التوانی فی أداءها نعم لو رجع إلی عرفات قبل الغروب بعدما أفاض فلا شیء علیه والشاک بحکم المتعمد(3) .

وأما لو أفاض من عرفات نسیاناً أو جهلاً ، فیجب علیه العود إلی عرفات بعد التفاته والتمکن فإن لم یرجع فعلیه الکفارة علی الأحوط (4) .

ص:311


1- (1) لإطلاق الروایات الشاملة للعالم والعامد ، ففی صحیحة ابن الفضیل قال :سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحد الذی إذا أدرکه الرجل أدرک الحج ؟ فقال : إذا أتی جمع والناس فی المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرک الحج ، ولا عمرة له ، وإن لم یأت جمعاً حتی تطلع الشمس فهی عمرة مفردة ولا حج له ، فإن شاء أقام ، وإن شاء رجع وعلیه الحج من قابل » .
2- (2) ففی صحیحة ضریس عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغیب الشمس ، قال : علیه بدنة ینحرها یوم النحر ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوماً بمکة أو فی الطریق أو فی أهله » .
3- (3) لعدم صدق الإفاضة حینئذ قبل الغروب .
4- (4) وجه الاحتیاط أن موضوع الکفارة فی النصوص الإفاضة العمدیة ، وبإطلاقها قد تکون شاملة للمقام ، وهو لا یخلو من قوة .

مسألة 371 : إذا ثبت الهلال عند قاضی الجمهور وحکم علی طبقه ولم یثبت عند الشیعة ففیه صورتان :

الأولی : ما إذا أمکن مطابقة الحکم للواقع فحینئذٍ یکون مثبتاً للهلال وترتب علیه آثار ثبوت الهلال فی أفعال الحج من الوقوف معهم وأعمال منی یوم النحر وبقیة المناسک ویجزی ذلک أداءاً للحج .

والاقتصار علی الوقوف بحسب مقتضی الأمارات الأولیّة المقررة غیر مجزیء ومحرماً إذا کان مخالفاً للتقیة لا سیّما مع عدم الأمن علی النفس . ومن ثم یشکل الاحتیاط بالجمع .

الثانیة : ما إذا فرض العلم بالخلاف ، وهذه الصورة نادرة أو قلیلة الوقوع جداً إذ الغالب الشک حتی لو فرض الاختلاف بلیلتین مع فرض عدم الاستهلال فی اللیلة الثانیة أو حصول الموانع من الغیم ونحوه لا سیّما إذا کان ابتداء تولده فی اللیلة الأولی هو من أفق الحجاز ، ولا سیّما بناءاً علی عدم اشتراط اتحاد الأفق فی ثبوت الهلال فحینئذٍ لا یتحقق القطع بمخالفتهم للواقع .

وعلی هذا لو فرض وقوع العلم کما لو کان القمر فی المحاق وأحرز ذلک بالعین المسلحة فللاجتزاء بالوقوف معهم وجه قوی للتقیة(1) ،

ص:312


1- (1) تمسکاً بموثقة أبی الجارود قال : إنا شککنا سنة فی عام من تلک ا لأعوام فی الأضحی ، فلما دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وکان بعض أصحابنا یضحی ، فقال : الفطر یوم یفطر الناس ، والأضحی یوم یضحی الناس ، والصوم یوم صوم الناس » ، ففیها تنزیل فطر العامة وضحاهم منزلة الفطر والأضحی الواقعیین ، وهو یعم صورتی الشک أو العلم بالخلاف ، غایة الأمر قد ثبت عدم سقوط وجوب الصوم

____________________

ص:313

والأحوط مع التمکن الجمع فی کل الأعمال ولو بضم الوقوف الاضطراری فی مزدلفة .

الوقوف فی المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حج التمتع ، ویعتبر فیه قصد القربة ، والمزدلفة اسم للوادی وسمی بجمع والمشعر الحرام ، وحدّه من الشرق من المأزمین(1) إلی الجبل(2) وهو حده من الشمال إلی وادی محسّر والحیاض وهو حدها من الغرب(3) ، وهذه کلها حدود ولیست بموقف إلّا عند الزحام وضیق الوقت ، فیرتفعون إلی المأزمین(4) .

ص:314


1- (1) المأزمان : جبلان بینهما مضیق یؤدی إلی عرفات .
2- (2) الجبل : هو جبل مزدلفة وهو ثبیر النصع .
3- (3) ففی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال للحکم بن عتیبة : ماحد المزدلفة ؟ فسکت ، فقال أبو جعفر علیه السلام : حدها ما بین المأزمین إلی الجبل إلی حیاض محسر » ، وفی صحیحة معاویة ، قال : حد المشعر الحرام من المأزمین إلی الحیاض إلی وادی محسر ، وإنما سمیت المزدلفة لأنهم ازدلفوا إلیها من عرفات » .
4- (4) یشهد له موثقة سماعة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا کثر الناس بجمع وضاقت علیهم کیف یصنعون ؟ قال : یرتفعون إلی المأزمین ، قلت : فإذا کانوا بالموقف وکثروا وضاق علیهم کیف یصنعون ؟ فقال : یرتفعون إلی الجبل ، وقفْ فی میسرة الجبل فإن رسول الله صلی الله علیه وآله وقف بعرفات ... » .وهذه الموثقة تقتضی خروج حدود الموقف عن مزدلفة ، وأن ما جاورها مواقف مکانیة اضطراریة ، بل لا یبعد استفادة قاعدة فی المشاعر والمناسک : أن الأعمال الموقتة بالمشاعر والمناسک إذا ضاق الحال فیها فإنه یجزیء الأقرب فالأقرب ، وذیلها شاهد علی التعمیم ، کما قد یستدل علی هذه القاعدة بما ورد فی مواقیت الإحرام من إجزاء الأقرب فالأقرب عند العجز عنها بسبب ضیق الوقت أو غیره .

مسألة 372 : إذا أفاض الحاج من عرفات فعلیه المبیت والوقوف لیلة العید فی المزدلفة(1) إلی قبیل طلوع الشمس(2) .

مسألة 373 : الرکن من الوقوف بمزدلفة هو المسمی والشطر ما بین أول اللیل إلی طلوع الشمس(3) ، فإذا وقف مقداراً من ذلک ولم یقف

ص:315


1- (1) وهو الذی یقتضیه الإجتزاء بالوقوف اللیلی کموقف اضطراری لذوی الأعذار ، بل والإجتزاء به لمن تعمد الإفاضة قبل طلوع الفجر وإن ثبتت علیه الکفارة .
2- (2) ففی موثقة اسحاق قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام أی ساعة أحب إلیک أن أفیض من جمع ؟ قال : قبل أن تطلع الشمس بقلیل ، فهو أحب الساعات إلیّ ، قلت : فإن مکثنا حتی تطلع ؟ قال : لا بأس » ، وفی صحیحة معاویة عنه علیه السلام : ثم أفض حیث یشرق لک ثبیر ، وتری الإبل مواضع أخفافها » .
3- (3) علی المشهور ، واختار الشیخ فی الخلاف وابن ادریس أن الرکن ما بین الطلوعین للمختار العالم ، وتمسک المشهور بصحیحة مسمع عنه علیه السلام فی رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن یفیض الناس ، قال : إن کان جاهلاً فلا شیء علیه ، وإن کان أفاض قبل طلوع الفجر فعلیه شاة » ، واشکل علی دلالتها فی الحدائق : بأن المقابلة لیست بین الجاهل وغیره ، بل بین الإفاضة قبل طلوع الفجر وبعده قبل طلوع الشمس فی الجاهل ، لا بین الجاهل والعامد ، وفیه : أن المفروض فی الشرطیة الأولی ذکر الجاهل کشرط فلا بد أن یعطف مفاد الشرطیة الثانیة علیها ، مضافاً إلی أن اثبات الکفارة مع الجهل خلاف المعهود من عذریة الجهل فی أبواب الحج فی جملة من الروایات فی الجاهل الذی أفاض من المزدلفة ولم یقف أو یبت بها ، کصحیحة الخثعمی عنه علیه السلام فی رجل لم یقف بالمزدلفة ولم یبت بها حتی أتی منی ؟ قال : ألم یر الناس ؟! ألم یذکر منی حین دخلها ؟! قلت : فإنه جهل ذلک ، قال : یرجع ، قلت : إن ذلک قد فاته ، قال : لا بأس » .

الباقی ولو متعمداً صحّ حجّه وإن ارتکب محرماً ، وعلیه کفارة شاة(1) وإن أفاض قبل طلوع الفجر ، وإن کان مستخفاً ومتهاوناً فعلیه بدنة علی الأحوط .

والأحوط لمن ترک الرکن أیضاً أن یقف الوقوف الاضطراری الآتی(2) وبقیة الأعمال ویأتی بالطوافین بنیة ما فی الذمة ، والأحوط

ص:316


1- (1) علی المشهور ، وهو الصحیح جمعاً بین صحیحة مسمع المتقدمة ،وصحیحة علی بن رئاب وفیها « من أفاض مع الناس من عرفات فلم یلبث معهم بجمع ومضی إلی منی متعمداً أو مستخفاً فعلیه بدنة » ، وقد یجمع بینهما بالتفصیل بین ذی الیسار وغیره ، کما مر نظیره فی جملة من الکفارات ، أو یجمع بینها بالاقتصار علی البدنة علی المستخف والمتعمد جرأة وتهاوناً ، بخلاف ما لو کان متعمداً لداعی لا یعذر فیه ، وهذا التفصیل أحوط .
2- (2) وظاهر إطلاق المشهور عدمه ، وقد یستظهر من صحیحة الخثعمی المتقدمة وجوب الرجوع لإطلاق الأمر فیها حیث قال علیه السلام « رجع ، قلت : إن ذلک قد فاته ، قال : لا بأس » لکن الظاهر إرادة الوقوف الاختیاری وإلا فان الوقوف اللیلی مقدماً علی الوقوف النهاری عند الدوران بینهما .

الإعادة فیما إذا کان الحج واجباً .

مسألة 374 : یستثنی من وجوب استیعاب الوقوف النساء والصبیان والخائف والضعفاء وذوی العذر کالشیوخ والمرضی ومن یتولی شؤونهم غیر المتمکن من الرجوع ، فیجوز لهؤلاء الاکتفاء بالوقوف فی المزدلفة لیلة العید والافاضة منها إلی منی قبل طلوع الفجر(1) ، والأولی افاضتهم بعد زوال اللیل بساعة(2) .

ص:317


1- (1) نصاً وإجماعاً ، ففی صحیحة الأعرج قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام :جعلت فداک معنا نساء فأفیض بهن بلیل ؟ فقال : نعم ، ترید أن تصنع کما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله ، قلت : نعم ، قال : أفض بهن بلیل ، ولا تفض بهن حتی تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتی تأتی الجمرة العظمی فیرمین الجمرة ، فإن لم یکن علیهن ذبح فیأخذن من شعورهن ویقصرن من أظفارهن ویمضین إلی مکة فی وجوههن ویطفن بالبیت ویسعین بین الصفا والمروة ، ثم یرجعن إلی البیت ویطفن اسبوعاً ثم یرجعن إلی منی وقد فرغن من حجهن » .
2- (2) لصحیحة أبی بصیر قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : لا بأس بأن یقدم النساء إذا زال اللیل فیقفن عند المشعر ساعة ، ثم ینطلق بهن إلی منی فیرمین الجمرة » ، وهی محمولة علی الاستحباب بشهادة النصوص الأخری وتحقق الرکن من المرور لیلاً .وهل یجوز للنساء إذا أفضن من المزدلفة لیلاً ورمین جمرة العقبة الذبح ؟ ظاهر بعض الروایات جوازه لیلاً ، کصحیحة الأعرج الثانیة وفیها « وأمر من کان منهن علیها هدی أن ترمی ولا تبرح حتی تذبح ، ومن لم یکن علیها منهن هدی أن تمضی إلی مکة حتی تزور » ، وصحیحة أبی بصیر عنه علیه السلام قال : رخص رسول الله صلی الله علیه وآله للنساء الضعفاء أن یفیضوا من جمع بلیل وأن یرموا الجمرة بلیل ، فإذا

____________________

ص:318

مسألة 375 : من وقف فی المزدلفة لیلة العید وأفاض منها قبل طلوع الفجر جهلاً بالحکم أو بالموضوع صح حجه ، ولا کفارة علیه بخلاف العامد فأن علیه الکفارة وإن صحّ حجه أیضاً(1) .

مسألة 376 : من لم یقف الوقوف الاختیاری « المبیت فی اللیل والوقوف ما بین الطلوعین » نسیاناً أو لعذر أجزأه الوقوف الاضطراری « الوقوف قلیلاً ما بین طلوع الشمس إلی الزوال من یوم العید »(2) ولو ترکه عمداً فسد حجه ، وقد مرّ أن من ترک الوقوف الاختیاری عمداً فالأحوط لزوم إتیانه بالوقوف الاضطراری وبقیة الأعمال ، والأحوط إعادته للحج من قابل فیما إذا کان الحج واجباً .

إدراک الوقوفین أو أحدهما

تقدم أن کلاً من الوقوفین « الوقوف فی عرفات والوقوف فی

ص:319


1- (1) تمسکاً بصحیحة مسمع المتقدمة .
2- (2) ففی صحیحة جمیل عن أبی عبد الله علیه السلام قال : من أدرک المشعرالحرام یوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرک الحج » ، وغیرها من الروایات .

المزدلفة » ینقسم إلی قسمین : اختیاری واضطراری ، فإذا أدرک المکلف الاختیاری الوقوفین کلیهما فهو ، وإلّا فضابطة الصحة فیها اجمالاً هو أدراک المشعر ولو الاضطراری منه ، فههنا صور :

الأولی : أن لا یدرک شیئاً من الوقوفین الاختیاری منهما والاضطراری أصلاً ، ففی هذه الصورة یبطل حجه ویجب علیه التحلل بعمرة مفردة من إحرام الحج(1) ، ویجب علیه الحج فی السنة القادمة فیما إذا کان الحج واجباً ولم یکن فوتهما بسبب قصور الوقت فی نفسه أو کان الحج مستقراً فی ذمته .الثانیة : أن یدرک الوقوف الاختیاری فی عرفات والاضطراری فی المزدلفة فیصح حجه(2) ، ولو دار الأمر عنده بین هذه الصورة وبین ادراک اختیاری المزدلفة قدم اختیاری المزدلفة علی هذه الصورة الثانیة .

الثالثة : أن یدرک الوقوف الاضطراری فی عرفات والاختیاری فی المزدلفة ففی هذه الصورة یصحّ حجه(3) .

ص:320


1- (1) نصاً وإجماعاً .
2- (2) بلا خلاف فیه ، وفی الجواهر الإجماع علیه بقسمیه ، وتدل علیه النصوص ، ففی صحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی رجل أفاض من عرفات إلی منی ؟ قال : فلیرجع فلیأت جمعاً فیقف بها ، وإن کان الناس قد أفاضوا من جمع » ، وغیرها من الروایات .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، ففی صحیحة العطار عنه علیه السلام : إذا أدرک الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ، فأقبل من عرفات ولم یدرک الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فلیقف قلیلاً بالمشعر الحارام ولیلحق الناس بمنی ولا شیء علیه » .

الرابعة : أن یدرک الوقوف الاضطراری فی کل من عرفات والمزدلفة ، والأظهر فی هذه الصورة صحة حجه(1) ، وإن کان الأحوط (2)الإعادة بالتفصیل الذی مرّ فی الصورة الأولی .

الخامسة : أن یدرک الوقوف الاختیاری فی المزدلفة فقط ، ففی هذه الصورة یصح حجه أیضاً(3) .

السادسة : أن یدرک الوقوف الاضطراری فی المزدلفة فقط ، ففی هذه الصورة الأظهر والأقوی الصحة(4) ، وإن کان الأحوط لا سیّما فی

ص:321


1- (1) وفاقاً للأکثر بل المشهور ، وخلافاً للشیخ فی النهایة والمبسوط ، واختاره فی النافع للمعتبرة المستفیضة المتضمنة أن من لم یدرک الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من یوم النحر فلا حج له فإنها شاملة للفرض ، بل ولمن أدرک اختیاری عرفة أیضاً ، وفیه : أنها ظاهرة فیمن لم یدرک إلا المشعر الاضطراری ، ومعارضة بالمعتبرة المستفیضة المتضمنة أن من أدرک المشعر قبل الزوال من یوم النحر فقد أدرک الحج .
2- (2) خروجاً عن خلاف من تردد أو حکم بالبطلان .
3- (3) بلا خلاف فی ذلک ، وتدل علیه جملة من النصوص ، منها صحیحة معاویة وفیها « إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج » .
4- (4) وبه قال الصدوق وابن الجنید ، وهو الظاهر من کلام السید والحلبی ،واختاره فی الروضة والمدارک ، خلافاً للمشهور .والروایات علی طوائف :الأولی : ما دل علی الصحة ، کصحیحة ابن المغیرة قال : جاءنا رجل بمنی ، فقال : إنی لم أدرک الناس بالموقفین جمیعاً ... فدخل إسحاق علی أبی الحسن فسأله عن ذلک ، فقال : إذا أدرک مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس یوم النحر فقد أدرک الحج » ، ومثلها من حیث الصراحة موثقة الفضل بن یونس ، وفی صحیحة جمیل عنه

____________________

ص:322

الإفراد والقِران أن یأتی ببقیة الأعمال ویقصد بالطوافین نیّة عما فی الذمة ، وأن یعید الحج فیما کان واجباً .

السابعة : أن یدرک الوقوف الاختیاری فی عرفات فقط من دون أن یمرّ بالمزدلفة لا لیلاً ولا نهاراً إلی الزوال ، والأظهر فی هذه الصورة البطلان(1) ، فیقلب حجه إلی العمرة المفردة ، نعم قد مرّ أنه إذا وقف فی المزدلفة أو مرّ بها لیلة العید وأفاض منها قبل الفجر صح حجه وإن أمکنه

ص:323


1- (1) واختاره فی المنتهی وتبعه المدارک والمفاتیح من المتأخرین ، وتردد فیه العلامة فی التذکرة ، والمنسوب إلی المشهور الصحة ، بل فی الذخیرة والکفایة أنه المعروف بین الأصحاب ، وفی المسالک والتنقیح نفی الخلاف فیه ، وهو ظاهر المختلف والدروس ، تمسکاً بصحیحة معاویة عنه علیه السلام فی مملوک اعتق یوم عرفة ، قال : إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج ، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ویتم حجه ویستأنف حجة الإسلام فیما بعد » ودلالتها صریحة بل نص فی إجزاء أحد الموقفین ، ولا خصوصیة للعبد ، إذ قوله علیه السلام « إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج » حکم کلی أحد موارده العبد المعتوق لیلة عرفة .أما قوله فی حسنة الحلبی « إذا فاتتک المزدلفة فقد فاتک الحج » فهو قابل للتقید ، أو الحمل عی أن الحاج إذا قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج ، بخلاف ما إذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لا یفوت بفواته ، فهی فی مقام تحدید آخر ما یمکن أن یدرک بها الحج ، فما علیه المشهور هو المعتمد ، والله العالم .

الرجوع إلی المزدلفة وجب ذلک وقد مرّ أن العامد إذا أفاض قبل الفجر ولم یرجع فعلیه الکفارة .

الثامنة : أن یدرک الوقوف الاضطراری فی عرفات فقط (1) ، ففی هذه الصورة یبطل حجه فیقلبه إلی العمرة المفردة .

منی وواجباتها

اشارة

إذا أفاض المکلف من المزدلفة وجب علیه الرجوع إلی منی لأداء الأعمال الواجبة هناک ، وهی کما نذکرها تفصیلاً ثلاثة :

الأول : رمی جمرة العقبة

(2)

ص:324


1- (1) بلا خلاف فیه ، وفی الدورس أنه غیر مجز قولاً واحداً ، وذلک لعدم الدلیل عی الصحة .
2- (2) الجمرة کما فی لسان العرب : واحدة جمرات المناسک ، وهی ثلاث جمرات یرمین بالجمار ، والجمرة الحصاة والتجمیر رمی الجمار ، وأما موضع الجمار بمنی فسمی جمرة لأنها ترمی بالجمار ، وفی « مجمع البحرین » مجتمع الحصی بمنی ، فکل کومة من الحصی جمرة ، والجمع جمرات .ویمکن الاستشهاد لکون الجمرة هی الجسم أو البناء الموجود دون مجرد الموضع بأمور :الأول : ما فی جملة من الروایات أن سنة الرمی من آدم وإبراهیم علیهما السلام هی رمی شیء ، وهو ابلیس فی ذلک الموضع لا الموضع نفسه .الثانی : ما فی بعض الروایات من کون جمرة العقبة لها وجه وعلو وکذا بقیة الجمار ، ففی صحیحة معاویة « خذ حصی الجمار ثم أئت الجمرة القصوی التی عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها » .الثالث : ما فی روایة أبی غسان عنه علیه السلام « الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حیطان » وهی صریحة فی کون الجمار أجسام فی مواضع کأجزاء جبلیة أو أجزاء من الجبل مثل الصفا والمروة .الرابع : اقتضاء عنوان الرمی لوجود جسم مرمی لأن الأرض المستویة لا یقال عنها أنها رمیت ، بل یقال : ألقی الحصاة بالموضع المزبور ، أو یقال رمی بالحصاة فی الموضع المزبور ، بتضمین الرمی معنی الالقاء ، وأما التعبیر المتکرر الوارد فی الروایات « رمی الجمرات » فالترکیب هذا لایستعمل ولا ینطبق إلا علی أصابة جسم فی الموضع ، وهناک بون شاسع بین الإلقاء وبین التهدیف والإصابة . الخامس : ما فی جملة کلمات العامة ، مما یظهر منها التسلیم بوجود جسم أو بناء فی الموضع ، وإن بنی جملة منهم علی إجزاء رمی الموضع دون البناء . وغیرها من الشواهد .

وهو الرابع من واجبات الحج : رمی جمرة العقبة یوم النحر ، ویعتبر فیه أمور :

1 - نیّة القربة .

2 - أن یکون الرمی بسبع حصیات ، فلا یجزیء الأقل من ذلک کما لا یجزئ رمی غیرها من الأجسام .

3 - أن یکون رمی الحصیات واحدة بعد واحدة بمعنی أنه لو رمی اثنین أو أکثر مرة واحدة حسبت رمیة واحدة لحصیة واحدة .

4 - أن تصل الحصیات إلی الجمرة .

ص:325

5 - أن یکون وصولها إلی الجمرة بسبب الرمی ، فلا یجزی وضعها علیها(1) ، والظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمی فلاقت الحصاة فی طریقها شیئاً ثم أصابت الجمرة ، وکذا لو لاقت الحصاة جسماً صلباً فطفرت منه أو ارتدت کذلک فأصابت الجمرة(2) ، إلّاإذا أوجب الجسم التحریک والایصال إلی الجمرة کما لو کان الجسم متحرکاً وما کانت حرکة الحصیة لتصل لولاه(3) ، والحاصل أن القصور فی التهدیف غیر مانع ما دام الرمی فی جهة الجمرة ، بخلاف القصور فی قوة الحرکة .

6 - أن یکون الرمی بین طلوع الشمس وغروبها(4) ، ویجزیء للنساء أن یرمین باللیل « لیلة العید »(5) ، وکذا لسائر من رخص لهم الافاضة من المشعر فی اللیل إن شق علیهم الرمی نهاراً(6) ، لکن یجب علیهم تأخیر الذبح والنحر إلی یومه(7) ، وکذا التقصیر أو الحلق لیومه إلّاأن تخاف النساء الحیض أو غیر ذلک من الأعذار ، وکذلک من رخص لهم إذا کان

ص:326


1- (1) نصاً وإجماعاً وسیرة فی کل ما تقدم .
2- (2) تمسکاً بصحیحة معاویة وفیها « وإن أصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت علی الجمار أجزأک » .
3- (3) لقصور دلالة صحیحة معاویة المتقدمة له .
4- (4) نصاً وإجماعاً .
5- (5) سواء شق علیهم الرمی نهاراً أم لا .
6- (6) ویشهد له أن النبی صلی الله علیه وآله - کما فی صحیحة معاویة - عجل ضعفاء بنی هاشم باللیل وأمرهم أن لا یرموا الجمرة جمرة العقبة حتی تطلع الشمس .
7- (7) راجع مسألة : 374 .

لهم عذر کالخائف علی نفسه من العدو فانهم یوکّلون من یذبح عنهم فیقصرون ویأتون بأعمال مکة ، نعم للخائف ونحوه من ذوی الأعذار إن لم یجدوا من یوکل فی الذبح أن یذبحوا لیلاً .

مسألة 377 : إذا شک فی الاصابة وعدمها بنی علی العدم(1) ، إلّاأن یدخل فی واجب آخر مترتب علیه أو کان الشک بعد دخول اللیل .

مسألة 378 : یعتبر فی الحصیات أمران :

1 - أن تکون من الحرم ، والأفضل أخذها من المشعر(2) .

2 - أن تکون أبکاراً(3) ، بمعنی أنها لم تکن قد استعملت فی الرمی قبل ذلک .

ویستحب فیها أن تکون ملونة ، ومنقطة ، ورخوة ، وأن یکون حجمها بمقدار أنملة ، وأن یکون الرامی راجلاً ، وعلی طهارة(4) .

ص:327


1- (1) لاستصحاب العدم وأصالة الاشتغال .
2- (2) لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة « حصی الجمار إن أخذته من الحرم أجزأک ، وإن أخذته من غیر الحرم لم یجزئک » ، وفی صحیحة معاویة « خذ حصی الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلک بمنی أجزأک » .
3- (3) بلا خلاف وأدعی علیه الإجماع ، وتدل علیه عدة من النصوص ، ففی مرسلة حریز عمن أخبره عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته من أین ینبغی أخذ حصی الجمار ؟ قال : لا تأخذ من موضعین : من خارج الحرم ، ومن حصی الجمار ، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم » ، وفی حسنة عبد الأعلی عنه علیه السلام « لا تأخذ من حصی الجمار » وزاد علیه الصدوق « الذی قد رمی » .
4- (4) کل ذلک تبعاً لجملة من النصوص .

مسألة 379 : یجزی رمی المقدار الزائد علی الجمرة فی الارتفاع ، بل وکذا فی العرض(1) ، إذا لم یکن فاحشاً جداً .

مسألة 380 : إذا لم یرم یوم العید نسیاناً أو جهلاً منه بالحکم أو لمانع آخر لزمه التدارک إلی الیوم الثالث عشر حیثما ارتفع المانع(2) ، ولو ارتفع

ص:328


1- (1) لشهادة النصوص بذلک ، ففی صحیحة علی بن جعفر قال : سألته عن رمی الجمار لِمَ جعلت ؟ قال علیه السلام : لأن إبلیس اللعین کان یترائی لإبراهیم فی موضع الجمار فرجمه إبراهیم فجرت السنة بذلک » ، فمقتضی إطلاق التنزیل منزلة ترائی ابلیس فی ذلک الموضع شمول الرمی للمقدار الزائد من الجمرات ، وبعبارة أخری : أن الظاهر من الصحیحة أن السنة وعنوان المأمور به هو رمی شیء فی ذلک الموضع تتنزیلاً لرمی ابلیس ، وقوله علیه السلام « فجرت السنة بذلک » أی کون المأمور به رمی شیء ، فنزل منزلت إبلیس المترائی للانبیاء علیهم السلام .وفی صحیحة معاویة عنه علیه السلام : إن أول من رمی الجمار آدم علیه السلام ، قال : اتی جبرئیل إبراهیم علیه السلام فقال : ارمی یا إبراهیم ، فرمی جمرة العقبة ، وذلک أن الشیطان تمثل له عندها » وبما أن طول آدم علیه السلام کما فی الصحیح إلی الحسن بن محبوب عن مقاتل سبعون ذراعاً ، أو ستون کما فی روایة أخری فیستفاد أن المناسب لطول آدم هو جواز رمی الموضع بهذا الطول ، ولا یتوهم أن ذلک خاص بشریعة الأنبیاء السابقین لما مر فی صححیة ابن جعفر من قوله علیه السلام « فجرت السنة بذلک » أی إشارة إلی استمرار الهیئة الصادرة من الأنبیاء علیهم السلام فی شریعتنا ، مضافاً إلی جواز الرمی راکباً .
2- (2) تشهد له صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ما قولک فی أمرأة جهلت أن ترمی الجمار حتی نفرت إلی مکة ؟ قال : فلترجع ولترم الجمار ، کما کانت ترمی ، والرجل کذلک » ومقتضی إطلاقها وجوب الرجوع للرمی وإن کان بعد أیام التشریق ، وذهب المشهور - بل لم ینقل الخلاف - من وجوب الرجوع ما دامت لم تنقض أیام التشریق ، تمسکاً بحسنة عمر بن یزید عن أبی عبد الله علیه السلام قال : من أغفل رمی الجمار أو بعضها حتی تمضی أیام التشریق فعلیه أن یرمیها من قابل ، فإن لم یحج رمی عنه ولیه ، فإن لم یکن له ولی استعان برجل من المسلمین یرمی عنه ، فإنه لا یکون رمی الجمار إلا فی أیام التشریق » ، وتوقف بعض الأعلام فیها لوجود محمد بن عمر بن یزید وهو لم یوثق صریحاً ، لکن یمکن اعتبار حاله لانه من أصحابنا المصنفین ، وقد ذکره الشیخ والنجاشی مع عدم طعن الأخیر فیه وهو من أمارات الحسن ، مع امکان تصحیح الروایة عن طریق تبدیل الإسناد فإن هذه الروایة مرویة من کتب عمر بن یزید ولم ینفرد محمد بن عمر عن ابن عذافر فی روایتها بل رواها عنه أیضاً ابن أبی عمیر وصفوان وغیرهما .

المانع فی اللیل لزمه الرمی فی نهاره(1) إذا لم یکن ممن رخص له الرمی لیلاً کما سیأتی ذلک فی رمی الجمار ، ولو ارتفع بعد الیوم الثالث عشر فالأقوی لزوم القضاء من قابل وإن تحلل من إحرامه مطلقاً(2) ، والأحوط استحباباً(3) أن یرجع إلی منی ویرمی ، ولو ارتفع المانع بعد خروجه من مکة لم یجب علیه الرجوع لکن یلزمه القضاء من قابل(4) .

ص:329


1- (1) لقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل قال : قلت له : إلی متی یکون رمی الجمار ؟ فقال : من ارتفاع النهار إلی غروب الشمس » .
2- (2) بشهادة حسنة عمر بن یزید .
3- (3) وبه قال جملة من أعلام العصر ، ولعله تمسکاً بإطلاق صحیحة معاویة المتقدمة .
4- (4) تمسکاً بصحیحة ابن عمار وفیها « فإن نسیها حتی أتی مکة ، قال : یرجع فیرمی متفرقاً ، یفصل بین کل رمیتن بساعة ، قلت : فإن نسی أو جهل حتی فاته وخرج ، قال : لیس علیه أن یعید » .

مسألة 381 : إذا لم یرم یوم العید نسیاناً أو جهلاً فعلم أو تذکر بعد الطواف فتدارکه لم تجب علیه إعادة الطواف(1) ، وإن کانت الإعادة أولی(2) ، وکذا لو ترک الرمی لعذر واستمر به العذر حتی طاف .

وأما لو کان الترک مع العلم والعمد فالأحوط إعادته بعد تدارک الرمی(3) .

2 - الذبح أو النحر فی منی

اشارة

وهو الخامس من واجبات حج التمتع ، ویعتبر فیه قصد القربة ، وعدم تقدمه علی نهار یوم العید(4) ، إلّاللخائف أو النساء إذا خفن الحیض ونحوهن من ذوی العذر فی تقدیم الطواف إن لم یتمکنوا من التوکیل لأجل الذبح نهاراً(5) .

ص:330


1- (1) لعدم الأمر به فی النصوص ، مع ما سیأتی من أن الترتیب بین أعمال منی ومکة أن الأقوی صحة الطواف مع النسیان والجهل والغفلة .
2- (2) رعایة للترتیب ، وخروجاً عن الخلاف .
3- (3) سیأتی الکلام عنه ، فانتظر .
4- (4) کما هو ظاهر الروایات ، والظاهر عدم الخلاف فیه .
5- (5) لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : لا بأس أن یرمی الخائف باللیل ویضحی ویفیض باللیل » ، وفی صحیحة الأعرج قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک معنا نساء فأفیض بهن بلیل ؟ فقال : نعم ، ترید أن تصنع کما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله ، قلت : نعم ، قال : أفض بهن بلیل ، ولا تفض بهن حتی تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتی تأتی الجمرة العظمی فیرمین الجمرة ، فإن لم یکن علیهن ذبح فیأخذن من شعورهن ویقصرن من أظفارهن ویمضین إلی مکة فی وجوههن ویطفن بالبیت ویسعین بین الصفا والمروة ، ثم یرجعن إلی البیت ویطفن اسبوعاً ثم یرجعن إلی منی وقد فرغن من حجهن » ، وراجع مسألة : 374 .

ویجب الاتیان به بعد الرمی(1) ، ولو قدمه علی الرمی جهلاً أو نسیاناً

ص:331


1- (1) وقد وقع الکلام فی لزومه تکلیفاً ووضعاً ، ذهب الشیخ فی الخلاف وأبوالصلاح فی الکافی وابن أبی عقیل وابن ادریس إلی استحباب الترتیب بین أعمال منی الثلاثة ، وقربه العلامة فی المختلف ، تمسکاً بصحیحة ابن سنان قال : سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن یضحی ، قال : لا بأس ولیس علیه شیء ولا یعودن » ، وموثقة الساباطی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حلق قبل أن یذبح قال : یذبح ویعید الموسی ، لان الله تعالی یقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ .والصحیح وجوب الترتیب تبعاً للأکثر للآیة ، وهی غیر مختصة بالإحصار بشهادة موثقة الساباطی السابقة وفی صدرها قال : سألته عن الرجل برأسه قروح ولا یقدر علی الحلق ، قال : إن کان قد حج قبلها فلیجز شعره ، وإن کان لم یحج فلا بد له من الحلق » ، ولعدة من النصوص کصحیحة معاویة عنه علیه السلام : إذا رمیت الجمرة فاشتر هدیک » ، وصحیحة الأعرج المتقدمة ، وصحیحة ابن یزید وفیها « إذا ذبحت أضحیتک فاحلق رأسک » .ومصححة جمیل عنه علیه السلام قال : تبدأ بمنی بالذبح قبل الحلق ، وفی العقیقة بالحلق قبل الذبح » وهو صریح علی المطلوب ، وقد رواها الکلینی والشیخ عن محمد بن أحمد الأشعری الثقة صاحب النوادر عن موسی بن جعفر البغدادی ، وهو لم یوثق صریحاً ، وله کتاب النوادر رواه عنه النجاشی بسندین والطوسی بسند ولم یقدحا فیه ، وهو من علامات الحسن ، کما یمکن استفادة وثاقته من عدم استثناء ابن الولید له فیمن استثنی من رجال النوادر ، مضافاً إلی روایة جماعة من الأجلاء عنه ، فالتوقف فیه مطلقاً تقلید وعجز رجالی .وفی صحیحة أبی بصیر عنه علیه السلام قال : إذا اشتریت أضحیتک وقمطتها فی جانب رحلک فقد بلغ الهدی محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق » ، مضافاً إلی اشعار بعض الروایات التی وردت فیمن ساق هدیاً فی عمرة فعلیه أن یحلق قبل أن ینحر أو یذبح .نعم أقصی ما یستفاد من هذه النصوص هو الحکم التکلیفی لا الوضعی ، وهو مفاد صحیحة ابن سنان المتقدمة ، وعلیه فلا تنافی بین الروایات کما لا یخفی .

صحّ (1) ، ولا تجب الإعادة بل وکذا لو کان عمداً وإن أثم(2) ، وإن کان الأحوط الإعادة .

ویجب أن یکون الذبح والنحر بمنی (3) ، وإن لم یتمکن ذلک لکثرة الحجیج وضیق منی عن ذبحهم فیها فیسوغ الذبح فی وادی محسّر(4) ، أو

ص:332


1- (1) بلا خلاف فی ذلک وتشهد له النصوص .
2- (2) لما تقدم فی آخر التعلیقة السابقة من کون الحکم تکلیفیاً محض ، وفی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام فی رجل زار البیت قبل أن یحلق ، فقال : إن کان زار البیت قبل أن یحلق وهو عالم إن ذلک لا یبنغی له فإن علیه دم شاة » فلم یأمره علیه السلام بالإعادة بل بخصوص الکفارة .
3- (3) نصاً وإجماعاً .
4- (4) ویشهد له موثقة سماعة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا کثر الناس بمنی وضاقت علیهم کیف یصنعون ؟ فقال : یرتفعون إلی وادی محسر ، قلت : فإذا کثروا بجمع وضاقت علیهم کیف یصنعون ؟ فقال : یرتفعون إلی المأزمین ، قلت : فإذا کانوا بالموقف وکثروا وضاق علیهم کیف یصنعون ؟ فقال : یرتفعون إلی الجبل ... » فسیاقها دال علی الاجتزاء بوادی محسر بدیلاً عن منی عند الضیق فی الأعمال الواجبة التی أخذ الکون فی منی قیداً فیها ، کالذبح والحلق والتقصیر والمبیت ، کما أخذ المشعر قیداً فی الوقوف ، وأخذت عرفات قیداً فی الوقوف الأول ، وظاهرها أیضاً أن الضیق عذر لإتیان الواجبات المقیدة بمنی أن یأتی بها فی غیرها .

غیره ممّا یکون فی الحرم(1) ، مع مراعاة الأقرب فالأقرب بحسب التمکن وعدم القدرة طیلة أیام التشریق .

مسألة 382 : یجب تکلیفاً أن یکون الذبح أو النحر یوم العید ، وإلّا فقبل انقضاء أیام التشریق(2) ، ولو أخره لعذر أو لغیر عذر فیصح فی تمام

ص:333


1- (1) تمسکاً بقاعدة الحرج - بالمعنی الثانی الذی تقدم فی الوقوف بعرفة - سیمابلحاظ مجموع الحجیج من المؤمنین إذ لو أرید الالتزام بالتأخیر لکافة الشیعة أو شریحة کبیرة منهم لأوجب وقوعهم فی الضیق الشدید والعنت البالغ لا سیما مع اعواز الهدی بعد أیام التشریق ، فضلاً عن تأخیره إلی آخر ذی الحجة .کما یمکن التمسک بعمومات التقیة وأدلة الإضطرار بلحاظ مجموع الشعیة - أی الاضطرار النوعی - بل هو فی الآحاد کذلک .کما یمکن تأیید ذلک بأن المقام من الدوران بین قیدین ، قید المکان وهو منی وقید الزمان ، لتقیّد الذبح وأعمال مکة وعدم تأخیرها عن أیام التشریق - وإن کان قیداً تکلیفیاً کما هو الصحیح ووفاقاً للمشهور - ولذا ذهب الشیخ الطوسی إلی کون الذبح بعد أیام التشریق قضاءاً .کما یدعم المقام ما ورد فی عدة من النصوص من أن مصرف الهدی یجب أن یکون فی الحرم ، فإن فقد فیجوز التصدق به خارجاً ، ولذا جرت فتوی أعلام العصر علی إجزاء مطلق الحرم والاحتیاط استحباباً بأن یکون الأقرب فالأقرب إلی منی ، ویمکن الاستئناس للأقربیة بما مر من موثقة سماعة فی وادی محسر ، إنه لبیان الأقرب فالأقرب إلی منی .
2- (2) لقوله تعالی وَ یَذْکُرُوا اسْمَ اللّهِ فِی أَیّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ وهی دالة إجمالاً علی أن الذبح یقع فی أیام معلومات ، وهی کما فی الروایات یوم النحر وأیام التشریق .وفی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن الأضحی کم هو بمنی ؟ فقال : أربعة أیام » ، وفی صحیحة أبی بصیر عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن رجل تمتع فلم یجد ما یهدی ، حتی إذا کان یوم النفر وجد ثمن شاة أیذبح أو یصوم ؟ قال : بل یصوم ، فإن أیام الذبح قد مضت » .

ذی الحجة ، ولو تذکره أو علم بعد الطواف لم یجب إعادة الطواف بعد تدارک الذبح(1) ، وأما لو أخر الذبح عن علم وعمد بغیر عذر فالأحوط إعادة الطواف(2) .

ص:334


1- (1) یشهد له صحیحة معاویة عمّن نسی أن یذبح حتی زار البیت ثم ذبح ، فقال علیه السلام : لا بأس قد أجزأ عنه » .
2- (2) قد وقع الکلام فی حکم الترتیب بین أعمال منی ومکة ، وهل أنه تکلیفی وضعی أو تکلفی محض ، والذی یظهر من صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام فی رجل زار البیت قبل أن یحلق ، فقال : إن کان زار البیت قبل أن یحلق وهو عالم أن ذلک لا ینبغی له ، فإن علیه دم شاة » هو الحرمة التکلیفیة ، إذ أنه علیه السلام لم یأمره بالإعادة وإنما أمره بالکفارة ، ولذا تحمل الروایات التی ظاهر الإعادة علی الاستحباب ، نعم لا یقال أن صحیحة جمیل عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یزور البیت قبل أن یحلق ؟ قال : لا ینبغی إلا أن یکون ناسیاً ، ثم قال إن رسول الله صلی الله علیه وآله أتاه أناس یوم النحر ، فقال بعضهم : یا رسول الله إنی حلقت قبل أن أذبح ، وقال : بعضهم : حلق قبل أن أرمی ، فلم یترکوا شیئاً کان ینبغی أن یؤخروه إلا قدموه » تدل علی لزوم الترتیب فی العامد اجمالاً وهو أعم من الوضعی والتکلیفی وهو الظهور الأولی فی المرکبات ، کما لا یعارضه ما فی صحیح محمد بن مسلم من نفی الإعادة ، لأنه بالإطلاق والتصریح مقدم علی الإطلاق .وذلک لکون ما ذکر إنما یتم لو کان صدر صحیحة جمیل وابن مسلم فی رتبة واحدة ، إلا أنه لیس کذلک ، حیث أن قوله علیه السلام « لا ینبغی » فی صحیحة جمیل هو بلحاظ الدلالة الأولیة فی المرکبات الدالة علی تقدیر الجعل الأولی ، أما نفی الإعادة بالاطلاق فی صحیحة ابن مسلم فهو فی مقام الخلل ، فیتقدم علی الظهور الأولی فی المرکبات ، مضافاً إلی ما تقدم من أن صحیحة جمیل ومثلها البزنطی دالتان علی أن نسق الشرطیة فی أعمال منی هو عین نسق الشرطیة بینها وبین أعمال مکة ، وقد تقدم أن صحیحة ابن سنان وفیها « سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن یضحی ؟ قال : لا بأس ، ولیس علیه شیء ولا یعودن » دالة أن الشرطیة تکلیفیة لا وضعیة فی العامد أیضاً .

مسألة 383 : لا یجزیء هدی واحد إلّاعن شخص واحد فی الواجب(1) .

ص:335


1- (1) عند الاختیار ، أما عند الضرورة والعجز فثمة خلاف ، فعن النهایة والمبسوط والجمل وموضع من الخلاف والمقنعة بالإجزاء وبه قال ابن بابویه وابن البراج وسلار ، وعن ابن ادریس أن علیه الصوم عند العجز ، وفی الجواهر نسب إلی المشهور عدم الإجزاء عندالضرورة ، والروایات علی طوائف :الاولی : ما کان لسان التفریق بین منی وغیره منی ، والتفریق قد یکون ظاهراً فیها بین الواجب والمستحب أو بین المستحب بمنی وغیرها .والثانیة : ما کان لسان التفرقة بین الواجب صریحاً والأضحیة المستحبة ، کصحیحة الحلبی قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النفر وتجزیهم البقرة قال : أما فی الهدی الواجب فلا ، وأما فی الاضحی فنعم » .والثالثة : ما فصل فیها بین حالة الضرورة والعجز وحالة الاختیار کصحیحة ابن الحجاج قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن قوم غلت علیهم الأضاحی وهو متمتعون وهم مترافقون ولیسوا بأهل بیت واحد وقد اجتمعوا فی مسیرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن یذبحوا بقرة ؟ قال : لا أحب ذلک إلا من ضرورة » ، وقریب منها صحیحة حمران وفیها « عزت البدن سنة بمنی حتی بلغت البدنة مائة دینار فسئل أبو جعفر علیه السلام فقال : اشترکوا فیها ... » .والرابعة : ما فصلت بین خوان واحد أو بیت واحد ، کصحیحة معاویة وفیها « تجزی البقرة عن خمسة بمنی إذا کانوا أهل خوان واحد » ، وفی صحیحة أبی بصیر وفیها « من أهل بیت واحد ومن غیرهم » .والمحکم هو دلالة الطائفة الثانیة الذی قوبل فیه بین الواجب والمستحب بعنوان الهدی المقابل للأضحیة ، ومنه یعلم أن ما فی جملة من الطوائف الأخری الوارد فیها عنوان الأضحیة لا صلة لها بالهدی الواجب .والشاهد علیه ما فی صحیحة حمران المتقدمة حیث فرض فیها عزة البدن وغلائها ، ومن المعلوم أن الهدی الواجب مخیر بین الشاة والبقر والبدن ولا یتعین علیه الأخیر ، فوصول النوبة إلی بدل البدن الاضطرای یتوقف علی امتناع خصلتی التخییر ، وما فی بعض الروایات من التفصیل بین البدن والبقر وهو یناسب الندب لا الهدی الواجب ، کما أن الطوائف مطلقة من حیث الموضوع فلو سلم شمولها للهدی الواجب فإنها مقیدة بصحیحة الحلبی ، وغیرها من الشواهد یجدها المتتبع .

مسألة 384 : یجب أن یکون الهدی من الإبل أو البقر أو الغنم ثنیاً(1) ، وهی صفة نمو یمر بها الحیوان من سقوط أسنان ثنایاه الحلیبیة وخروج ثنایا الکبر ، والغالب ما ذهب إلیه الفقهاء من کون ذلک فی الإبل ما أکمل السنة الخامسة ودخل فی السادسة ، وفی البقر والمعز ما دخل الثانیة(2) ،

ص:336


1- (1) ففی صحیحة العیص عنه علیه السلام قال : عن علی علیه السلام أنه کان یقول : الثنیة من الإبل ، والثنیة من البقر ، والثنیة من المعز ، والجذعة من الضأن » .
2- (2) وذهب أهل اللغة إلی أن الثنیة من البقر والمعز ما أکمل الثانیة ودخل فی الثالثة ، ومعنی الثنی ما یلقی أسنانه الحلیبیة ، فتخرج له أسنان فی المقدم أکبر حجماً من التی سقطت .

نعم لو کان متولداً من هرمین لربما تأخر إلی دخول الثالثة(1) ، ویجزیء من الضأن الجدع وهو ما أسقط أسنانه وقدر أن ینزو ، وهو ما أکمل الشهر السابع والثامن بحسب سنی والدیه من الشباب والهرم والمدار علی عنوان الجدع .

ولو تبیّن له بعد الذبح فی الهدی أنه لم یبلغ السن المعتبر فیه لم یجزئه ذلک ولزمته الإعادة(2) .

ویعتبر فی الهدی أن یکون تام الأعضاء ، فلا یجزیء الأعور ، والأعرج ، والمقطوع أذنه ، والمکسور قرنه الداخل(3) ، ونحو ذلک .

والأظهر عدم کفایة الخصی أیضاً(4) ، ویعتبر فیه أن لا یکون مهزولاً

ص:337


1- (1) ومنه تعرف وجه الجمع بین الثنیة لدی الفقهاء وأصحاب اللغة .
2- (2) لعدم الدلیل علی الإجزاء .
3- (3) ففی صحیحة علی بن جعفر أنه سأل أخاه عن الرجل یشتری الأضحیة عوراء فلا یعلم إلا بعد شرائها ، هل تجزی عنه ؟ قال : نعم ، إلا أن یکون هدیاً واجباً فإنه لا یجوز أن یکون ناقصاً » ، وفی صحیحة جمیل عنه علیه السلام أنه قال فی المقطوع القرن أو المکسور القرن « إذا کان القرن الداخل صحیحاً فلا بأس ، وإن کان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً » .
4- (4) تشهد له صحیحة ابن الحجاج قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل یشتری الهدی ، فلما ذبحه إذا هو خصی مجبوب ، ولم یکن یعلم أن الخصی لا یجزی فی الهدی ، هل یجزیه أم یعیده ؟ قال : لا یجزیه إلا أن یکون لا قوة به علیه » ، وفی صحیحة ابن مسلم عنه علیه السلام قال : سألته أیضحی بالخصی ؟ قال : لا » .

عرفاً(1) ، والأحوط الأولی أن لا یکون مریضاً(2) ، ولا موجوءاً(3) ، ولا مرضوض الخصیتین(4) ، ولا کبیراً لا مخ له(5) ، ولا یجتزی بالجرب المفسد للحم علی الأقوی (6) ، وکذا المرض الذی یکون بتلک الدرجة .

ولا بأس بأن یکون مشقوق الأذن أو مثقوبها ما لم یکن لمرض أو لعیب آخر(7) ، وإن کان الأحوط اعتبار سلامته منهما ، والأحوط الأولی

ص:338


1- (1) ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : إذا اشتری الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمینة فقد أجزأت ، وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزی عنه » ، ومن مصادیق الهزال مالم یکن علی کلیته شحم کما فی حسنة الفضیل ، والمرجع هو العرف .
2- (2) باتفاق العلماء کما فی المنتهی .
3- (3) تشهد له صحیحة ابن مسلم « الفحل من الضأن خیر من الموجوء ، والموجوء خیر من النعجة ، والنعجة خیر من المعز » ، والموجوء : رض عروق البیضتین حتی تنفضخا من غیر اخراج ، فیکون شبیهاً بالخصاء .
4- (4) وجه عدم الاشتراط مصححة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النعجة أحب إلیک أم الماعز ؟ قال : إن کان الماعز ذکراً فهو أحب إلیّ ، وإن کان الماعز انثی فالنعجة أحب إلیّ ، قلت : الخصی أحب إلیک أم النعجة ؟ قال : المرضوض أحب إلیّ من النعجة وإن کان خصیاً فالنعجة » .
5- (5) نقل العلامة فی المنتهی الاتفاق علیه .
6- (6) ووجه واضح .
7- (7) ففی الصحیح عن البزنطی باسناد له عن أحدهما علیهما السلام قال : سئل عن الأضاحی إذا کانت مشقوقة أو مثقوبة بسمة ؟ فقال : ما لم یکن منها مقطوعاً فلا بأس » .

أن لا یکون الهدی فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته(1) ، نعم إذا لم یکن صنفه کذلک فالأحوط وجوباً عدم الاجتزاء به .

مسألة 385 : إذا اشتری هدیاً معتقداً سلامته فبان معیباً بعد نقد ثمنه لم یجزئه(2) ، نعم لو لم یکن قادراً علی الإعادة أجزأه ولو لم یتمکن من الرد ولکن کان قادراً علی ابتیاع غیره فالأحوط لزوم ذلک ، وکذا الحال بعد الذبح ، إلّاالهزال کما سیأتی .

مسألة 386 : ما ذکرناه من شروط الهدی إنما هی فی فرض التمکن منه ، فإن لم یتمکن من الواجد للشرائط أجزأه الفاقد وما تیسر له من الهدی(3) .

ص:339


1- (1) علی المشهور .
2- (2) علی المشهور ، وذهب الشیخ إلی الاجزاء بعد نقد الثمن تمسکاً بصحیحة معاویة وفیها « إن کان نقد ثمنه فقد أجزأه عنه ، وإن کان لم یکن نقد ثمنه رده واشتری غیره » ومثلها صحیحة الحلبی ، وفی صحیحة علی بن جعفر عن الرجل یشتری الأضحیة عوراء فلا یعلم إلا بعد شرائها ، هل تجزی عنه ؟ قال : نعم ، إلا أن یکون هدیاً واجباً فإنه لا یجوز أن یکون ناقصاً » ، وهی محمولة علی عدم نقد الثمن ، وتحمل صحیحة معاویة علی ما إذا لم یکن قادراً علی الإعادة ، فتأمل ، والله العالم .
3- (3) تمسکاً بقوله تعالی فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ، وبصحیحة معاویة عنه علیه السلام : ثم اشتر هدیک إن کان من البدن أو من البقر ، وإلا فاجعله کبشاً سمیناً فحلاً ، فإن لم تجد کبشاً سمیناً فحلاً فموجأ من الضأن ، فإن لم تجد فتیساً ، فإن لم تجد فما تیسر علیک ، وعظم شعائر الله » ، وفاقد الصفات لا ینتقل حکمه إلی الصیام إذ موضوعه فقد الهدی مطلقاً کما هو ظاهر الآیة ، والله العالم .

مسألة 387 : إذا ذبح الهدی بزعم أنه سمین فبان مهزولاً فقد أجزأه ولا یحتاج إلی الإعادة(1) .

مسألة 388 : إذا ذبح ثم شک فی أنه کان واجداً للشرائط حکم بصحته وکذا إذا شک بعد الذبح أنه کان بمنی أو مکان آخر(2) ، وإذا شک فی أصل الذبح فإن کان الشک بعد الحلق والتقصیر لم یعتن بشکه(3) ، وإلّا لزم الإتیان به(4) ، وإذا شک فی هزال الهدی فذبحه رجاء سمنه ثم ظهر سمنه أجزأه ذلک(5) .

مسألة 389 : إذا اشتری هدیاً سلیماً فمرض بعد ما اشتراه أو أصابه کسر أو عیب لم یجزأه وعلیه إبداله بصحیح(6) ، إلّاإذا کان قد ساق

ص:340


1- (1) یشهد له صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : وإن اشتری أضحیة وهو ینوی أنها سمینة فخرجت مهزولة أجزت عنه ، وإن نواها مهزولة فخرجت سمینة أجزأت عنه ، وإن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه » ومثلها صحیحة منصور وفیها « وهو یری أنه مهزول » .
2- (2) لقاعدة الفراغ .
3- (3) لقاعدة التجاوز والفراغ .
4- (4) إذ الأصل العدم .
5- (5) تدل علیه صحیحة ابن مسلم المتقدمة .
6- (6) بل یجزیه ، تمسکاً بصحیحة معاویة قال : سألته عن رجل أهدی هدیاً وهوسمین فأصابه مرض وانفقأت عینه فانکسر فبلغ المنحر وهو حی ، قال : یذبحه وقد أجزأ عنه » ، ولا تعارضها صحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الهدی الذی یقلد أو یشعر أو یعطب ، قال : إن کان تطوعاً فلیس علیه غیره ، وإن کان جزاءً أو نذراً فعلیه بدله » ، إذ هی أجنبیة عن المورد ، وکذا صحیحة معاویة الأخری وفیها « سألته عن رجل أهدی هدیاً فانکسرت ، فقال : إن کانت مضمونة فعلیه مکانها ، والمضمونة ما کان نذراً أو جزاءً أو یمیناً وله أن یأکل منها ، فإن لم یکن مضموناً فلیس علیه شیء » ، بل إطلاقها معاضد لصحیحته الأولی ، وإطلاق أدلة شروط الهدی مقیدة بصحیحته الأولی .

الهدی وأشعره وقلّده فی خارج منی وبلغ به المنحر أو لم یکن قادراً علی الإعادة ، والأحوط الإعادة أیضاً فیما إذا اشتراه فی منی وعینه هدیاً ثم عاب ونقص قبل الذبح ، أما الهدی السابق المبدل فإن کان قد أشعره أو قلده فیتعین علیه ذبحه أیضاً وإلّا فهو من ماله وإن کان الأفضل ذبحه ثم الذی أشعر إذا لم یتمکن إیصاله إلی المنحر باعه وتصدق بثمنه .

ویستحب التعریف بالهدی أی سوقه بعرفة کما یستحب إشعاره عند ذلک .

مسألة 390 : لو اشتری هدیاً فضلّ اشتری مکانه هدیاً آخر وکذا إن ضلّ فی منی علی الأحوط (1) ، فإن وجد الأول قبل ذبح الثانی وجب ذبح الأول إن کان قد أشعره وکذا الثانی إن أشعره أیضاً وإلّا تعین علیه ذبح ما

ص:341


1- (1) إذ مجرد الشراء لا یوجب سقوط المأمور به ، ویشهد له صحیحة ابن الحجاج قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجل اشتری هدیاً لمتعته فأتی به منزله فربطه ثم انحل فهلک ، فهل یجزئه أو یعید ؟ قال : لا یجزیه ، إلا أن لا یکون لا قوة به علیه » ، وأما صحیحة معاویة قال : سألته علیه السلام عن رجل اشتری أضحیته فماتت أو سرقت قبل أن یذبحها ؟ قال : لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم یشتر فلیس علیه شیء » فموردها الأضحیة المستحبة ، إلا أن یقال بأن قوله علیه السلام « فلیس علیه شیء » مشعر بأنه الهدی الواجب ، فتدبر .

أشعر منهما وإلّا تخیر بینهما(1) .

مسألة 391 : لو وجد أحد هدیاً ضالاً عرّفه إلی الیوم الثانی عشر ، فإن لم یجد صاحبه ذبحه فی عصر الیوم الثانی عشر عن صاحبه ویکون مجزیاً عن صاحبه(2) .

مسألة 392 : من لم یجد الهدی وتمکن من ثمنه ولو بعد أیام التشریق أودع ثمنه عند ثقة لیشتری به هدیاً ویذبحه عنه إلی آخر ذی الحجة فإن مضی الشهر لا یذبحه إلّافی السنة القادمة(3) .

ص:342


1- (1) ففی مصححة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل اشتری کبشاً فهلک منه ، قال : یشتری مکانه آخر ، قلت : فإن کان اشتری مکانه آخر ثم وجد الأول ؟ قال : إن کانا جمیعاً قائمین فلیذبح الأول ولیبع الأخیر ، وإن شاء ذبحه ، وإن کان قد ذبح الأخیر ذبح الأول معه » .
2- (2) ففی صحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : إذا وجد الرجل هدیاً ضالاً فلیعرفه یوم النحر والثانی والثالث ، ثم لیذبحها عن صاحبها عشیة الثالث » .
3- (3) علی المشهور ، بل ادعی علیه الاجماع ، تمسکاً بصحیحة حریز عنه علیه السلام فی متمتع یجد الثمن ولا یجد الغنم ؟ قال : یخلف الثمن عند بعض أهل مکة ویأمر من یشتری له ویذبح عنه وهو یجزی عنه ، فإن مضی ذو الحجة أخر ذلک إلی قابل من ذی الحجة » ، وذهب ابن ادریس إلی انتقال فرضه إلی الصیام ، تمسکاً بإطلاق الآیة الکریمة فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ ، وفیه أن الصحیحة المتقدمة مفسرة وشارحة لمعنی الوجدان وأنه أعم من وجدان العین والثمن ، فلا تنافی أصلا ، فلیس النص مقیداً للآیة کما فی بعض الکلمات حتی یکون الاستدلال متفرعاً علی جواز تقیید أو تخصیص القِران بخبر الواحد ، مضافاً إلی أنه فی الأعم الأغلب عدم الوجدان لا لعدم الهدی بل لعدم التمکن ، فیکون هو المصداق الأتم والأغلب للایة ، فتدبر .

مسألة 393 : إذا لم یتمکن من الهدی ولا من ثمنه صام بدلاً عنه ، عشرة أیام ثلاثة فی الحج وسبعة إذا رجع إلی بلده(1) ، ویجب علیه تقدیم صیام الثلاثة قبل یوم النحر فی التسعة أیام الأولی من شهر ذی الحجة بعد تلبسه بعمرة التمتع ، هذا إذا کان یائساً من تجدد القدرة علی الهدی(2) ، وأمّا لو کان یرجو تجدد القدرة فیؤخر الصیام إلی حین الیأس(3) ، ولو فاته التعجیل فی التسعة فیأتی بها یوم النفر ویومین بعده ولو فی الطریق أو فی بلده بحیث لا یفوته شهر ذی الحجة .

ویعتبر فی الثلاثة التوالی والتتابع(4) ، کما أن الأحوط ذلک أیضاً فی

ص:343


1- (1) لقوله تعالی فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ، وقد تقدم أن عدم الوجدان فرده الغالب لدی الحجاج هو عدم الثمن ، فمن لم یجد أی لم یجد الثمن ، ودعوی أنه منصرف إلیه لا مجازفة فیها ، وأسئلة الرواة فی من لم یجد الهدی أی لم یجد ثمن الهدی .
2- (2) یشهد له موثقة زرارة عن أحدهما أنه قال : من لم یجد هدیاً وأحب أن یقدم الثلاثة الأیام فی أول العشرة فلا بأس » .
3- (3) یشهد له صحیحة الکرخی قال : قلت للرضا علیه السلام المتمتع یقدم ولیس معه هدی أیصوم ما لم یجب علیه ؟ قال : یصبر إلی یوم النحر ، فإن لم یصبر فهو ممن لا یجد » .
4- (4) تمسکاً بصحیحة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع لایجد الهدی ؟ قال : یصوم قبل الترویة ویوم الترویة ویوم عرفة ، قلت : فإنه قدم یوم الترویة ؟ قال : یصوم ثلاثة أیام بعد التشریق ، قلت : لم یقم علیه جماله ، قال : یصوم یوم الحصبة وبعده یومین ، قلت : وما الحصبة ؟ قال : یوم نفره ، قلت : یصوم وهو مسافر ؟ قال : نعم ، ألیس وهو فی عرفة مسافر ، إنا أهل البیت نقول ذلک لقول الله عز وجل فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ یقول فی ذی الحجة » ، وذیلها ظاهر فی لزوم وقوع الثلاثة فی ذی الحجة ولو فی الطریق ، کما أنها ناصة علی لزوم التتابع ، وعلی المنع عن الصوم أیام التشریق .

السبعة(1) ، ولا یسوغ الصیام فی أیام التشریق بمنی إلّایوم النفر لمن فاته الصیام کما مرّ(2) .

وإن لم یرجع إلی بلده وأقام بمکة فعلیه أن یصبر حتی یرجع أصاحبه إلی بلدهم أو یمضی شهر ذو الحجة ثم یصوم بعد ذلک(3) .

مسألة 394 : المکلف الذی وجب علیه صوم ثلاثة أیام فی الحج إذا لم یصم حتی انقضی الیوم السابع فإن تمکن أن یصومها متتابعة بعد أیام التشریق أخرها إلی ذلک وإلّا فصام الثامن والتاسع ویوم النفر ، ومن لم یصم الثلاثة قبل یوم النحر فالأقوی لزوم صیامها بمکة وإلّا ففی الطریق أو عند وصوله إلی أهله بحیث لا یفوته شهر ذی الحجة(4) ، والأفضل أن لا یجمع بین الثلاثة والسبعة(5) ، فإن لم یصم الثلاثة حتی أهل هلال

ص:344


1- (1) لصحیحة ابن جعفر الدالة علی ذلک المحمولة علی الأفضلیة أو اعراض الأصحاب عنها .
2- (2) تدل علیه صحیحة رفاعة المتقدمة .
3- (3) تدل علیه جملة من النصوص .
4- (4) راجع صحیحة رفاعة المتقدمة .
5- (5) لقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر « لا یجمع بین السبعة والثلاثة جمیعاً » .

محرم سقط الصوم وتعین الهدی للسنة القادمة(1) .

مسألة 395 : من لم یتمکن من الهدی ولا من ثمنه وصام ثلاثة أیام فی الحج ثم تمکن منه أجزأه(2) ، وإن کان الأفضل أن یذبح فیکون ما صامه نافلةٌ .

مسألة 396 : إذا لم یتمکن من الهدی باستقلاله وتمکن من الشرکة فیه مع الغیر فالأفضل أن یشترک فی شراء الهدی مع الغیر وإن لم یجزیء عن الصوم بل لابدّ منه(3) .

مسألة 397 : إذا أعطی الهدی أو ثمنه أحداً فوکّله فی الذبح عنه ثم شک فی أنه ذبحه أم لا بنی علی عدمه(4) ، نعم إذا کان ثقة وأخبره بذبحه اکتفی به(5) .

مسألة 398 : الأقوی اعتبار الشرائط التی مرّ ذکرها فی الهدی فیما

ص:345


1- (1) تمسکاً بصحیحة منصور عنه علیه السلام قال : من لم یصم فی ذی الحجة حتی یهل هلال المحرم ، فعلیه دم شاة ، ولیس له صوم ، ویذبحه بمنی » .
2- (2) تمسکاً بروایة حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع صام ثلاثة أیام فی الحج ثم أصاب هدیاً یوم خرج من منی ؟ قال : أجزأه صیامه » ، ویعضدها صحیحة أبی بصیر عن أحدهما قال : سألته عن رجل تمتع فلم یجد ما یهدی حتی إذا کان یوم النحر وجد ثمن شاة أیذبح أو یصوم ؟ قال : بل یصوم ، فإن أیام الذبح قد مضت » .
3- (3) وقد تقدم الکلام فی الاشتراک فی الهدی .
4- (4) لقاعدة الاشتغال .
5- (5) لحجیة قول الثقة فی الموضوعات .

یذبح کفارة وکذا النذر وما یکون واجباً(1) .

مسألة 399 : الذبح الواجب هدیاً أو کفارة لا تعتبر المباشرة فیه ، بل یجوز ذلک بالاستنابة فی حال الاختیار أیضاً ، ولابدّ أن یکون الذابح مسلماً بل مؤمناً لکونه فعلاً نیابیاً عبادیاً(2) ، وأن تکون النیّة مستمرة

ص:346


1- (1) یشهد له إطلاق صحیحة محمد بن مسلم قال : وسألته عن الهدی یقلد أو یشعر ثم یعطب ، قال علیه السلام : إن کان تطوعاً فلیس علیه غیره ، وإن کان جزاءً أو نذراً فعلیه بدله » والعطب أعم من الهلاک ، ویشهد له صحیحة معاویة قال : سألته عن رجل أهدی هدیاً فانکسرت ؟ فقال : إن کانت مضمونة فعلیه مکانها ، والمضمون ما کان نذراً أو جزاءاً أو یمیناً ، وله أن یأکل منها ، فإن لم یکن مضموناً فلیس علیه شیء » .
2- (2) إن الأفعال منها ما یکون توصلیاً فی نفسه ، وأخری عبادیاً فی ذاته وعنوانه ،وکل منهما قد یؤخذ فی ضمن مرکب آخر عبادی ، فأما الفعل الذی فی نفسه توصلی فلا یشترط فی المباشر الموجد له أن یأتی به بنحو العبادیة ، کما یمکن للمکلف به أن یوجده تارة بالمباشرة وأخری بالتسبیب مما کان یقبل التسبیب ، غایة الأمر إذا أخذ جزءاً من مرکب عبادی فلا بد للمکلف أن ینوی القربة فی تسبیبه لإیقاع الفعل دون المباشرة ، وهذا نظیر الحلق والتقصیر فإنهما فی نفسهما عنوانان توصلیان فلا یشترط فی المباشر الموجد لهما أن یأتی بهما بنحو عبادی ، نعم المکلف بهما لا بد من أن یقصد التقرب فی التسبیب کإیقاعهما .وأما الفعل الذی فی نفسه عبادة کالطواف والصلاة والسعی والرمی والصیام فلا بد للمباشر أن ینوی القربة ، مضافاً إلی نیّة المکلف المسبب لإیقاعه فلا یکفی فی العاجز عن الطواف وعن صلاته أن ینوی القربة فی تسبیبه بل لا بد من نیة المباشر أیضاً .وبعبارة أخری : أن فی الأفعال العبادیة لا یکفی فیه المنوب عنه بمجرده بل لا بد من نیابة المباشر عن المکلف ، أی أن یوقع العبادة لا عن نفسه بل عن المنوب عنه .إذا اتضح ذلک فالمدار فی المقام هو حول عبادیة الذبح فی نفسه أو عدمها ، فمن بنی علی أنها صرف تذکیة وهی أمر توصلی یمکن إیجاده بالتسبیب وینوی المکلف من جهة جزئیته فی الحج ، ومن بنی علی کونه نسکاً عبادیاً فی نفسه فلا بد أن یأتی به المباشر بنحو العبادیة ، أی یأتی بالنیة ویقصد النیابة عن المنوب عنه .ویدل علی عبادیة الذبح فی نفسه إطلاق الشعیرة علیه فی آیات الحج ، وأن تعظیمه من تعظیم حرمات الله تعالی ، حیث قال ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَی الْقُلُوبِ ، لَکُمْ فِیها مَنافِعُ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ ، وَ لِکُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَکاً لِیَذْکُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ ... فبینت الآیات أن الهدی والذبح بذاته نسک وشعیرة یذکر اسم الله عندها ، کیف لا والأضحیة والاضحاء بنفسه قربان کما أطلق ذلک علی ذبح الهدی فی القرآن الکریم وفی الشرائع السابقة ، ویطلق علی الأضاحی القرابین کما فی قوله تعالی وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ فالإضحاء عبادة وقربان .ویدل علی ذلک - أیضاً - ما فی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : لا یذبح لک الیهودی ولا النصرانی أضحیتک فإن کانت امرأةً فلتذبح لنفسها ولتستقبل القبلة ، وتقول : وجهت وجهی للذی فطر السماوات والأرض حنیفاً مسلماً ، اللهم منک ولک » وهی دالة علی أن الذبح یتوجه به إلی الله تعالی کعبادة وقربان فی نفسه ، وبالتعبیر « اللهم منک ولک » قاض بإضافته الذاتیة إلیه تعالی ، والنهی عن ذبح الیهودی والنصرانی لعله اشارة إلی « القوم » لأنه لا تصح العبادة إلا من مؤمن ، وغیرها من الروایات .

بحسب الداعی والعزم من صاحب الهدی إلی الذبح ، کما یشترط نیّة الذابح أیضاً .

ص:347

مصرف الهدی

یجب التصدق بالهدی علی الفقیر المؤمن وأن لا یقل ذلک عن ثلث الهدی(1) ، ویجوز ویندب أن یهدی ثلثه إلی المؤمنین وأن یأکل من

ص:348


1- (1) إن ظاهر الأمر فی قوله تعالی فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ هو الوجوب ، إلا أنه فی المقام حیث ورد الأمر بالأکل والإهداء فی مورد الحظر فلا یتم ظهوره فی الوجوب بل مجرد الاستحباب .وبیان ذلک : أن الهدی صدقة وحکمها حرمة الرجوع فیها أو التصرف ، وبالتالی حرمة الأکل منها والإهداء وتکون جمیعها للفقراء ، فلو ورد الأمر بالأکل منها والإهداء فیکون داعی استعمال الأمر هو لنسخ الحرمة .لا یقال أن نسخ الحرمة کما ینسخ بالجواز ینسخ بالوجوب فلا یدفع ظهور الأمر فی الوجوب .وذلک لأن النسخ وإن کان یتم بأحد الأمرین إلا أن وجود الحرمة المنسوخة - وهو الحظر - قبل مجیء الأمر یضعف الظهور فی الوجوب ، فالحظر قرینة علی أصل النسخ ولازمه الاعم الجواز ، وأما الوجوب فهو لازم أخص .نعم التثلیث دال علی أنه لا یجوز التصرف بالهدی بأکله کله أو إهدائه کذلک ، کما أنه دال علی جواز أکل الثلثین ولا إهدائهما کذلک .فمقتضی القاعدة هو وجوب التصدق بالهدی ، خرج منه الثلث للأکل والآخر للإهداء ، فلا یجوز التصرف فی مجموعها بتصرف واحد من قبیل الإهداء والأکل .وهذا بخلاف التصدق فإنه بمقتضی القاعدة فیکون ظاهر فی الوجوب ولا قرینة صارفة عن ذلک ، فثلث الهدی عزیمة والباقی رخصة ، وعلی ذلک فإن لم یهد ولم یأکل فلا یسوغ له الاتلاف نظراً لکونها صدقة ، ومقتضی القاعدة فیها إعطاء الفقیر فإذا لم یرتکب الرخصة فلا یجوز له الاتلاف بل یجب علیه التصدق .

الثلث الباقی ، ولا یعتبر المباشرة فی اعطاء الفقیر بل یجوز اعطاؤه إلی وکیله وإن کان الوکیل هو صاحب الهدی ، ویتصرف الوکیل بحسب إجازة موکله ولو بأن یعرض عنه والأحوط أیضاً إعطاء القیمة للفقراء(1) ، ویجوز إخراج لحم الهدی والأضاحی من منی(2) .

مسألة 400 : لا یعتبر الإفراز فی ثلث الصدقة ولا فی ثلث الهدی بل یعتبر فیها الإقباض ، فلو أقبض ثلثه صدقة مشاعاً وثلث الهدی مشاعاً وأکل منه شیئاً أجزأه ذلک(3) .

مسألة 401 : یجوز لقابض الصدقة أو الهدی أن یتصرف فیما قبضه کیفما شاء ، وفی تملیکه غیر المؤمن أو غیر المسلم اشکال(4) إلّامع

ص:349


1- (1) لکون الوکالة صوریة فالاحتیاط هو بالتصدق بقیمة ثلث الذبیحة فی محل التلف لا محل الأداء ، وإن کان لعدم الضمان وجه لعدم التفریط من المکلف .
2- (2) تدل علیه جملة من النصوص ففی صحیحة ابن مسلم عنه علیه السلام قال : سألته عن اخراج لحوم الأضاحی من منی ، فقال : کنا نقول : لا یخرج منها بشیء لحاجة الناس إلیه ، فأما الیوم فقد کثر الناس فلا بأس بإخراجه » .
3- (3) لتحقق أداء الواجب بکل من الحصة المعینة والمشاعة ، بل حتی الکلی فی المعین أیضاً .
4- (4) لاشتراط الإیمان کما هو مطرد فی الصدقات الواجبة ، للتعلیل الوارد فی باب الزکاة أنه لیس لهم إلا التراب ، وإلا الحجر ، وأنها تطرح فی البحر ولا تعطی لهم ، وما ورد من فعل السجاد علیه السلام من اطعام الحروریة فقد حمله الشیخ علی الندب ، والأولی حمله علی الضرورة تألیفاً ومداراة .

فرض عدم المستحق منهما .

مسألة 402 : إذا ذبح الهدی فسرق أو أخذه متغلب علیه قهراً قبل التصدق والإهداء فلا ضمان علی صاحب الهدی ، نعم لو أتلفه باختیاره ولو بإعطائه إلی غیر أهله ، فالأحوط إن لم یکن أقوی ضمان الکل قیمة أو مثلاً مع التفریط (1) .

3 - الحلق والتقصیر

وهو الواجب السادس من واجبات الحج ، ویعتبر فیه قصد القربة ، وعدم تقدمه علی نهار یوم العید إلّافی موارد العذر کالخائف والنساء إذا خفن الحیض لیلة النحر بعد الرمی ، ویجب تکلیفاً تأخیره عن الرمی

ص:350


1- (1) أما مع عدم التفریط فلا ضمان ، کما هو مقتضی القاعدة وتدل علیه جملة من النصوص الواردة فی هلاک وسرقة الهدی قبل ذبحه من التفصیل بین التفریط وغیره ، وهی وإن کانت غیر ما نحن فیه إلا أنها دالة اجمالاً علی سببیة التفریط للضمان ، وعدمه لعدمه ، مع أنها قد استثنت الهدی المضمون مع عدم الضمان ، ثم إن مقدار الضمان فی صورة التفریط هو جمیع الذبیحة .لا یقال : ان الترخیص فی أکل الثلث یستلزم عدم الضمان ، إما لأنه تملیک للثلث أو ترخیص فی الإتلاف .فإنه یقال : إن مقتضی القاعدة - کما مر - کونه ملک بیت الله الحرام ومصرفه الفقراء ، غایة الأمر قد أذن الشارع فی تصرف خاص دون مطلق التصرف ، فهو نظیر ما لو أذن صاحب الدار لضیفه من أکل الطعام فقام الضیف وأتلفه بغیر الأکل .

والذبح ولو قدمه علیهما نسیاناً أو جهلاً أجزأه وکذا العمد وإن أثم(1) ، وإن کان الأحوط الإعادة .

مسألة 403 : لا یجوز الحلق للنساء بل یتعین علیهن التقصیر(2) .

مسألة 404 : یتخیر الرجل بین الحلق والتقصیر ، والحلق أفضل ، ومن لبّد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل ، أو عقص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفه فیجب علیه اختیار الحلق علی الأظهر ، وکذا الحال فی الصرورة(3) ، وعلی ذلک فلا یسوغ للمتمتع فی عمرة التمتع التلبّد والعقص علی الأحوط .

مسألة 405 : الأفضل هو اختیار الحلق وإن علم أن الحلّاق یجرح

ص:351


1- (1) راجع مستهل الذبح والنحر .
2- (2) نصاً وإجماعاً .
3- (3) وفاقاً لجماعة من أعاظم القدماء ، تمسکاً بمصححة أبی بصیر عن رجل جهل أن یقصر من شعره أو یحلق حتی ارتحل من منی ، قال : فلیرجع إلی منی حتی یحلق رأسه بها أو یقصر ، وعلی الصرورة أن یحلق » ، وفی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : ینبغی للصرورة أن یحلق وإن کان قد حج فإن شاء قصر وإن شاء حلق ، وإذا لبد شعره أو عقصه فإن علیه الحلق ولیس له التقصیر » ، وفی روایة أبی سعد عنه علیه السلام قال : یجب الحلق علی ثلاثة نفر : رجل لبد ، ورجل حج بدءاً لم یحج قبلها ، ورجل عقص رأسه » وفی موثقة الساباطی قال : سألته عن رجل برأسه قروح لا یقدر علی الحلق ؟ قال : إن کان قد حج قبلها فلیجز شعره ، وإن کان لم یحج فلابد له من الحلق » .وخلافاً للأکثر ، استضعافاً لنصوص التعیین سنداً ودلالة ، لکن یمکن دعوی استفاضة النصوص فی تعیّن الحلق وصراحة بعضها دلالة کما لا یخفی .

رأسه(1) فضلاً عما کان الحلق متعیناً علیه کالصرورة .

مسألة 406 : الخنثی المشکل یجب علیه التقصیر إذا لم یکن ملبداً أو صرورة أو معقوصاً وإلّا جمع بین التقصیر والحلق ، ویقدم التقصیر علی الحلق ، ویمکن له أن یکتفی بالحلق مع نیته الجمع احتیاطاً .

مسألة 407 : إذا حلق المحرم أو قصّر حلّ له جمیع ما حرم علیه الإحرام ، ما عدا الاستمتاع بالنساء(2) - دون العقد وتوابعه(3) - وکذا

ص:352


1- (1) لإن الإدماء فی الحلق هو الغالب المعتاد ولو بالمقدار الیسیر فتشمله الأوامر بالحلق ویستفاد منه التزاماً تسویغ ذلک عند ارتکاب المحلل ، وهو المستفاد من موثقة الساباطی المتقدمة .
2- (2) أعم من الجماع وغیره ، لصحیحة معاویة « إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من کل شیء أحرم منه إلا النساء والطیب » فیتناول سائر الاستمتاعات ، وإلیه ذهب السید الخوئی فی فترة ثم بعد ذلک استظهر اختصاص التحریم بالجماع ، تمکساً بصحیحة الفضلاء وفیها « فقد أحلت من کل شیء یحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت طوافاً آخر حل لها فراش زوجها » والفراش کنایة عن الجماع خاصة .والصحیح حرمة سائر الاستمتاعات تمسکاً بصحیحة معاویة الأخری قال : سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هی ؟ قال : علیه دم یهریقه من عنده » فلو کان المحرم بعد الحلق أو التقصیر هو خصوص الجماع لما کان وجه للکفارة ، وإنما وجبت الکفارة علی الزوج لکونه مکرهاً لها والفعل فعله ، والتسبیب لفعل الحرام وإن کان حراماً لکنه لا یلازم الحکم الوضعی ووجوب الکفارة .مضافاً إلی أن عنوان الفراش صالح للکنایة عن الاستمناء والتفخیذ ، ولذا التزم الفقهاء بتعمیم قاعدة الفراش لإراقة الماء علی الفرج أو دخوله فیه من دون وطی .
3- (3) لکون المتبادر من الابتعاد عن النساء خصوص الاستمتاع بهن .

الطیب والصید(1) .

مسألة 408 : إذا لم یقصّر ولم یحلق نسیاناً أو جهلاً منه بالحکم إلی أن خرج من منی رجع وقصر أو حلق فیها(2) ، فإن تعذر وتعسر علیه قصر أو حلق فی مکانه وبعث بشعر رأسه إلی منی إن أمکن ذلک علی الأحوط (3) ، وکذا لو تعمد التقصیر أو الحلق فی غیر منی صحّ وإن

ص:353


1- (1) أما بالنسبة للنساء والطیب فمجمع علیه ، وأما الصید ففی الدروس عن العلامة : إن عدم التحلل من الصید إلا بطواف النساء مذهب علمائنا ، ولعله لصحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام من نفر النفر الأول متی یحل له الصید ؟ قال : إن زالت الشمس من الیوم الثالث » ، وصحیحة حماد عنه علیه السلام قال : إذا أصاب المحرم الصید فلیس له أن ینفر فی النفر الأول ، ومن نفر فی النفر الأول فلیس له أن یصیب الصید حتی ینفر الناس » ، وحمل الصید علی الحرمی خلاف ظاهر النصوص ، وقوله تعالی وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا لا ینافی النصوص إذ هی مبینة علی أن الاحلال المطلق هو بعد النفر الثانی ، إلا أن یقال باعراض الأصحاب عنها ، ویدفعه دعوی العلامة أنه مذهب علمائنا ، والله العالم .
2- (2) تمسکاً بصحیحة مسمع عنه علیه السلام فی رجل نسی أن یحلق رأسه ویقصر حتی نفر ؟ قال : یحلق فی الطریق أو أی مکان » ، وإطلاقها مقید بحالة عدم التمکن من العود إلی منی لصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یقصر من شعره أو یحلق حتی ارتحل من منی ، قال : یرجع إلی منی حتی یقصر شعره بها حلقاً کان أو تقصیراً » وإن کان یمکن أن یحمل علی الأفضلیة لجملة من النصوص کمصححة أبی بصیر عنه علیه السلام فی رجل زار البیت ولم یحلق رأسه ، قال : یحلق بمکة ویحمل شعره إلی منی ، ولیس علیه شیء » .
3- (3) لمصححة أبی بصیر المتقدمة ، وصحیحته الثالثة عنه علیه السلام قال :لیس له أن یلقی شعره إلا بمنی » ، وفی صحیحة البختری عنه علیه السلام فی الرجل یحلق رأسه بمکة ؟ قال : یرد الشعر إلی منی » ، إلا أنه فی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : کان علی بن الحسین علیهما السلام یدفن شعره فی فسطاطه بمنی ، ویقول : کان یستحبون ذلک ، وقال : فکان أبو عبد الله علیه السلام یکره أن یخرج الشعر من منی ، ویقول : من أخرجه فعلیه أن یرده » ، وفی صحیحة أخری لأبی بصیر عنه علیه السلام : ما یعجبنی أن یلقی شعره إلا بمنی » ، لا سیما وأن الدفن المأمور به عقب الإلقاء بمنی فعل ندبی بالاتفاق ، مؤیداً بالإطلاق فی صحیح مسمع المتقدم بالحلق فی الطریق من دون رد الشعر ، ومنه تعرف وجه احتیاط الماتن دام ظله .

أثم(1) .

مسألة 409 : إذا لم یقصّر ولم یحلق نسیاناً أو جهلاً فذکره ، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج وتدارکه لم تجب علیه إعادة الطواف علی الأظهر(2) ، وکذا لو تعمد ذلک ویلزم بکفارة دم .

ص:354


1- (1) لإطلاق مصححة أبی بصیر عنه علیه السلام فی رجل زار البیت ولم یحلق رأسه ، قال : یحلق بمکة ویحمل شعره إلی منی ، ولیس علیه شیء » وإطلاقها یشمل من تعمد ترک الحلق فی منی .
2- (2) لصحیحة ابن حمران قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل زار البیت قبل أن یحلق ؟ قال : لا ینبغی إلا أن یکون ناسیاً ، ثم قال : إن رسول الله صلی الله علیه وآله أتاه أناس یوم النحر ، فقال بعضهم : یا رسول الله ذبحت قبل أن أرمی ، وقال بعضهم : ذبحت قبل أن أحلق ، فلم یترکوا شیئاً أخروه وکان ینبغی أن یقدموه ، ولا شیئاً قدمون کان ینبغی أن یؤخروه إلا قال : لا حرج » ، ومثلها فی الذیل صحیحة جمیل وهما ظاهرتان الدلالة علی عدم وجوب الإعادة ، أما صحیحة ابن یقطین عنه علیه السلام فی المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتی زارت البیت فطافت وسعت من اللیل ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلک ؟ قال : لا بأس به یقصر ویطوف بالحج ثم یطوف للزیارة ثم قد حل من کل شیء » فإطلاقها مقید بصحیحة ابن حمران وجمیل ، أو الحمل علی الأفضلیة .أما الجاهل فلعدم الخصوصیة للناسی ، مضافاً إلی اشتراک الجاهل والناسی فی معظم أحکام الحج کما لا یخفی علی المتتبع .

وإن کان الإعادة أفضل بل أحوط (1) وکذا السعی لا سیّما فی العامد أو الذی لم یخرج من مکة .

طواف الحج وصلاته والسعی

الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحج : الطواف وصلاته والسعی ، وکیفیتها وشرائطها هی نفس الکیفیة والشرائط التی ذکرناها فی طواف العمرة وصلاته وسعیها .

مسألة 410 : یجب تأخیر الطواف عن الحلق أو التقصیر فی حج التمتع ، فلو قدمه عالماً عامداً فالأفضل بل الاولی إعادته بعد الحلق أو التقصیر نعم تلزمه الکفارة وهی شاة(2) .

مسألة 411 : الأحوط عدم تأخیر طواف الحج عن یوم الحادی عشر(3) ،

ص:355


1- (1) خروجاً عن الاجماع المدعی فی المقام ، من وجوب الإعادة علی الناسی والجاهل ، کما هو ظاهر اطلاق صحیحة ابن یقطین .
2- (2) تمسکاً بصحیحة ابن مسلم المتقدمة فی المسألة السابقة .
3- (3) علی المشهور ، وذهب جماعة إلی جواز تأخیره إلی آخر ذی الحجة حملا لروایات النهی علی الکراهة ، فثمة صحیحتان علی جواز التأخیر ، ففی صحیحة ابن سنان عنه علیه السلام قال : لا بأس أن یؤخر زیارة البیت إلی یوم النفر ، إنما یستحب تعجیل ذلک مخافة الأحداث والمعاریض » ، والتعلیل قرینة علی ندبیة التعجیل ، وفی موثقة إسحاق قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن زیارة البیت تؤخر إلی یوم الثالث ؟ قال : تعجیلها أحب إلیّ ، ولیس به بأس إن أخرها » .

والأقوی عدم جواز تأخیره عن أیام التشریق تکلیفاً(1) وإن صحّ وأثم إن أخره إلی آخر ذی الحجة ، والفوریة باقیة علی حالها بعد أیام التشریق .مسألة 412 : لا یجوز فی حج التمتع تقدیم طواف الحج وصلاته والسعی علی الوقوفین(2) ، بخلاف المفرد فیجوز له ذلک ما عدا طواف النساء ، ویستثنی من عدم التقدیم الشیخ الکبیر والمرأة التی تخاف الحیض ونحوهم من المعذور فیجوز لهم تقدیم الطواف وصلاته وکذا السعی علی الوقوفین(3) .

ص:356


1- (1) إذ الحکم التکلیفی هو المستفاد من الروایات ، فیصح ولو أخره عمداً إلی آخر ذی الحجة .
2- (2) تقدم الکلام فی المسألة : 158 .
3- (3) وتشهد له النصوص ، فراجع ، وهل یجوز للمعذورین تقدیم طواف النساء ، ظاهر صحیحة ابن یقطین الجواز وفیها : لا بأس بتعجیل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج یوم الترویة قبل خروجه إلی منی ، وکذلک من خاف من أمراً لایتهیأ له الانصراف إلی مکة أن یطوف ویودع البیت ثم یمر کما هو من منی إذا کان خائفاً » ، وقد حملت هذه الصحیحة علی ما إذا لم یتمکن من طواف النساء بعد ذلک ، کما هو ظاهر ذیلها ، مؤیداً بما فی مصححة البطائنی المجوز لتقدیم الحائض طواف الحج وسیعه وفیها « ألیس قد بقی طواف النساء ؟ قال : بلی ، یبقی علیها منسک واحد أهون علیها من أن تبقی علیها المناسک کلها مخالفة الحدثان » .

مسألة 413 : یجوز للخائف علی نفسه من دخول مکة أن یقدم الطواف وصلاته والسعی علی الوقوفین بل لا بأس بتقدیمه طواف النساء أیضاً مع اضطراره فیمضی بعد أعمال منی إلی حیث أراد .

ویعم هذا الحکم مطلق ذوی الأعذار مع فرض شمول العذر لطواف النساء(1) .

مسألة 414 : من طرأ علیه العذر فلم یتمکن من الطواف کالمرأة التی رأت الحیض أو النفاس ولم یتیسر لها المکث فی مکة لتطوف بعد طهرها لزمتها الاستنابة للطواف ثم السعی بنفسها بعد طواف النائب .

مسألة 415 : إذا طاف المتمتع وصلی وسعی حلّ له الطیب ، وبقی علیه من المحرمات النساء ، بل الصید أیضاً علی الأقوی(2) ، والظاهر جواز العقد له بعد الحلق أو التقصیر ویبقی علیه حرمة مطلق الاستمتاعات بالنساء .

مسألة 416 : من کان یجوز له تقدیم الطواف والسعی إذا قدمهما علی الوقوفین لا یحل له الطیب حتی یأتی بمناسک منی من الرمی والذبح والحلق أو التقصیر(3) .

ص:357


1- (1) والشاهد علیه صحیحة ابن یقطین المتقدمة .
2- (2) وقد تقدم فراجع .
3- (3) إذ الحل متوقف علی الطواف والسعی فی ظرف کونهما بعد الوقوفین لا قبلها ، وبکلمة جامعة هو متوقف علی الوقوفین وأعمال یوم النحر أیضاً .

طواف النساء

الواجب العاشر والحادی عشر من واجبات الحج : طواف النساء وصلاته ، وهما وإن کانا من الواجبات إلّاإنهما لیسا من نسک الحج(1) ،

ص:358


1- (1) والظاهر کونه من واجبات الحج خلافاً للماتن دام ظله وعدة من الأعاظم ،والشاهد علیه صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : علی المتمتع بالعمرة إلی الحج ثلاثة أطواف بالبیت ، وسعیان بین الصفا والمروة ... وعلیه للحج طوافان وسعی ... » فقوله علیه السلام « للحج طوافان » صریح فی الجزئیة کما لا یخفی .وصحیحته الأخری وفیها : فإذا فعلت ذلک فقد أحللت من کل شیء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع البیت وطف أسبوعاً آخر ثم تصلی رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام ثم قد أحللت من کل شیء وفرغت من حجک کله وکل شیء أحرمت منه » ودلالتها کالسابقة ، ففراغه من حجه یکون بفراغه من طواف النساء ، وهذا کالصریح علی الجزئیة ، ودعوی بعض الأعاظم من کون طواف النساء مخرج عن الحج لا أنه جزء له نظیر السلام علی بعض الأقوال من عدم کونه جزءاً للصلاة ، یدفعها قوله علیه السلام « من حجک کله » فلو کان طواف النساء مخرج عن الحج لقال علیه السلام « وفرغت من حجک » ولا داعی للتأکید بقوله « کله » الذی هو کالصریح علی جزئیة طواف النساء .وذیل مصححة البطائنی فی تقدیم طواف الحج وسعیه وتأخیر طواف النساء ، وفیها « یبقی علیها منسک واحد أهون علیها من أن یبقی علیها المناسک کلها مخافة الحدثان » فطواف النساء من مناسک الحج ، والمناسک أعمال عبادیة مرتبطة بالحج وجزء منه .ویدل علی المطلوب التعبیر عن طواف النساء فی بعض النصوص بالفریضة ، ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی طواف النساء حتی یرجع إلی أهله ؟ قال لا تحل له النساء حتی یزور البیت ، فإن هو مات فلیقض عنه ولیه أو غیره ، فأما ما دام حیاً فلا یصلح أن یقضی عنه ، وإن نسی الجمار فلیسا بسواء ، إن الرمی سنة والطواف فریضة » ، ومثلها صحیحة علی بن جعفر وابن یقطین ومصححة البطائنی فیمن نسی طواف الفریضة والمقصود منه طواف النساء ، فطواف النساء علی غرار طواف الحج والعمرة والسعی والوقوف بالمشعر الحرام .أما قوله علیه السلام فی صحیحتی معاویة والحلبی « وطواف بعد الحج وهو طواف النساء » أی بعد ما هو محقق لرکنیة الحج ، إذ یتم الحج بدونه - فی بعض الحالات - کما هو صریح صحیحة الخزار « لا یقیم علیها جمالها ولا تستطیع أن تتخلف عن أصحابها تمضی وقد تم حجها » علی أن معنی « الحج » الزیارة ، وسمی الحج بالحج لأن الحاج یأتی قبل الوقوف بعرفة إلی البیت ثم یعود إلیه لطواف الزیارة ثم ینصرف إلی منی ثم یقصده لطواف الوداع ، أو أن یکون قوله علیه السلام « بعد الحج » أی الحج الأکبر وهو أعمال یوم النحر ، فتدبر .وکونه لا یقدح فی صحة الحج لا یدل بالضرورة علی أنه خارج عن أجزائه ، فالرمی والذی هو - کما فی صحیحة معاویة - سنة ترکه لا یوجب الخلل فی صحة الحج ، مضافاً إلی أن التخلص من لزوازم الإحرام مطلقاً لا یتحقق إلا بطواف النساء ، مع أن الإحرام إنما هو للحج أو العمرة ، فتأمل فی هذا الأخیر .

فترکهما ولو عمداً لا یوجب فساد الحج وإن أثم بتأخیره عن ذی الحجة .

مسألة 417 : کما یجب طواف النساء علی الرجال یجب علی النساء ، فلو ترکه الرجل حرمت علیه النساء ، ولو ترکته المرأة حرّم علیها الرجال(1) ، والنائب فی الحج عن الغیر یأتی بطواف النساء بنیة الأمر

ص:359


1- (1) بلا خلاف فی ذلک للنصوص ، ففی صحیحة ابن یقطین قال : سألت أباالحسن علیه السلام عن الخصیان والمرأة الکبیرة أعلیهم طواف النساء ؟ قال : نعم ، علیهم الطواف کلهم » .

المتوجه إلیه فی الواقع علی الأحوط (1) ، کما هو الحال فی صلاة طواف العمرة والحج ، وفی أعمال منی فی أیام التشریق من المبیت والرمی والنفر .

مسألة 418 : طواف النساء وصلاته کطواف الحج وصلاته فی الکیفیة والشرائط .

ص:360


1- (1) فإن قیل أن طواف النساء من نسک الحج فلا بد أن یأتی به النائب نیابة عن المنوب عنه ، وإن قیل أنه خارج عن ماهیة الحج والعمرة - کما هو اختیار الماتن دام ظله - فربما کان الواجب أن یأتی به عن نفسه .وبیان ذلک : أن من الأجزاء والشرائط ما هو جزء الماهیة ومنه ما هو من شرائط وأجزاء الأداء ، کما فی الساتر للمصلی النائب لوکان المنوب عنه مخالفاً له من حیث الجنس ، وکذا الحال فی الجهر والإخفات ، لا سیما وأن تروک الإحرام المخاطب بها هو النائب لا المنوب عنه ، فلو ارتکب بعض التروک کانت الکفارة علیه لا علی المنوب عنه .وقد یقرر أن طواف النساء وإن کان من أحکام الأداء إلا أنه لا ینافی تعلقه بالماهیة کما فی جهر النائب الرجل عن المرأة المیّتة المنوب عنها ، وعلی أی حال فهذا التردید فی طواف النساء قد وقع فی صلاة طواف العمرة والحج أیضاً حیث أن مبنی المشهور علی خروج الصلاة عن ماهیة النسک وإنما هی واجب مسبب عن الطواف ، وکذا الکلام یقع فی أعمال أیام التشریق من المبیت والرمی ، وطریق الإحتیاط لا یتوقف علی التکرار بل یکتفی بنیة المطلوب فی الواقع ، أی یقصد النائب امتثال الأمر المتوجه إلیه سواء کان هذا الأمر أمراً نیابیاً أو أمراً بالأصالة عن نفسه .

مسألة 419 : من لم یتمکن من طواف النساء بإستقلاله ولو بأن یرکب وسیلة لمانع من مرض وغیره استعان بغیره فیطوف ولو حملاً أو بوسیلة وإن لم یتمکن من ذلک أیضاً وجب علیه استنابة الغیر لیطوف عنه ، ولو لم یقدر علی الاستنابة کالمغمی علیه والمجنون الادواری قام ولیه أو غیره بالطواف به بعد أن یوقع الوضوء فیه وینویه عنه مع نیة الطواف به علی الأحوط ، وإلّا فیطوف عنه .

وکذا فی صلاة الطواف ، والأحوط فی ما إذا استناب فی الطواف ویتمکن من الصلاة الجمع بإتیان کل من النائب والمنوب عنه بها .

مسألة 420 : من ترک طواف النساء سواء أکان متعمداً مع العلم بالحکم أو الجهل به أو کان نسیاناً حرمت علیه النساء إلی أن یتدارکه ، ومع تعذر المباشرة أو تعسرها جاز له الاستنابة(1) ، والأحوط فی العامد المباشرة إلّامع العجز العقلی فیستنیب فإذا طاف النائب عنه حلت له النساء ، فإذا مات قبل تدارکه فیجب القضاء من ترکته إن کان من حجة الاسلام وإلّا فالأحوط قضاء الولی عنه .

مسألة 421 : لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی ، فإن قدمه وکان عن علم وعمد لزمته إعادته بعد السعی ، وإن کان عن جهل أو نسیان فالأظهر الاجزاء(2) ،

ص:361


1- (1) لمشروعیة النیابة فی الطواف مع العجز عنه .
2- (2) ففی موثقة سماعة عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن یسعی بین الصفا والمروة ؟قال : لا یضره یطوف بین الصفا والمروة وقد فرغ من حجه » وإطلاقها یشمل العالم والعامد والجاهل والناسی ، إلا أنها مقیدة بالجاهل والناسی لوجوب الترتیب وعدم تأتی القربة والتقرب للعامد العالم ، نعم یمکن أن یستشعر من مرسل أحمد بن محمد عمّن ذکره قال : قلت لابی الحسن علیه السلام : جعلت فداک متمتع زار البیت فطاف طواف الحج ، ثم طاف طواف النساء ، ثم سعی .قال : لا یکون السعی إلا من قبل طواف النساء .فقلت : أفعلیه شیء .فقال : لا یکون السعی إلا قبل طواف النساء » شمول الإجزاء للعالم إذ لو کان علیه شیء لبیَّنه علیه السلام ، وعلیه فوجوب الاتیان بالسعی قبل طواف النساء حکم تکلیفی لا وضعی .کما یدل علی الإجزاء بالنسبة للجاهل والناسی صحیحة جمیل وابن حمران والتی فیها « فلم یترکوا شیئاً کان ینبغی أن یؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج » ، ودعوی بعض الأعلام اختصاص ذلک بمناسک الحج بمنی ، فی غایة الضعف ، إذ أن صحیحة جمیل السؤال حول من زار البیت قبل أن یحلق ، فأجابه الامام علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه وآله أتاه أناس ... » فیمکن من خلالها استحصال قاعدة کلیة فی أعمال الحج والعمرة من إجزاء الاخلال بالترتیب الناشیء عن الجهل والنسیان إلا ما قال الدلیل علی خلافه .

وإن کان الأفضل والأحوط الإعادة(1) .

مسألة 422 : من قدم طواف النساء علی الوقوفین لعذر لم تحل له النساء حتی یأتی بمناسک منی من الرمی والذبح والحلق أو التقصیر .

مسألة 423 : إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها ، جاز لها ترک طواف النساء والخروج مع القافلة ، ویجب حینئذٍ أن تستنیب

ص:362


1- (1) رعایة للترتیب .

لطوافها وصلاتها علی الأظهر(1) ، وکذلک لو حاضت بعد النصف فانها تستنیب لبقیة الطواف وصلاته .

مسألة 424 : نسیان الصلاة فی طواف النساء کنسیان الصلاة فی طواف الحج ، وقد تقدم حکمه فی مسألة 329 .

مسألة 425 : إذا طاف المتمتع طواف النساء وصلی صلاته حلت له النساء ، وإذا طافت المرأة وصلت صلاته حل لها الرجال ، فتبقی حرمة الصید إلی الظهر من الیوم الثالث عشر علی الأحوط الاولی ، وأما قلع الشجر وما ینبت فی الحرم وکذلک الصید فی الحرم فقد ذکرنا « فی آخر التروک » أن حرمتها تعم المحرم والمحل وغیرهما من أحکام الحرم .

المبیت فی منی

الواجب الثانی عشر من الواجبات فی الحج .

المبیت بمنی لیلة الحادی عشر والثانی عشر ، ویعتبر فیه قصد

ص:363


1- (1) وهو خلاف ظاهر صحیحة الخزاز قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام إذ دخل علیه رجل فقال : أصلحک الله إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء ، فأبی الجمال أن یقیم علیها .قال : فأطرق وهو یقول : لا تستطیع أن تتخلف عن أصحابها ، ولا یقیم علیها جمالها ، تمضی فقد تم حجها » .وصحیحة ابن یسار عن أبی جعفر علیه السلام قال : إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أکثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت » ، إلا أن مشروعیة الاستنابة فی طواف النساء وغیره ، وأولویّة الاحتیاط سیما فی الفروج ، یقتضی الاحتیاط .

القربة ، فإذا خرج الحاج إلی مکة یوم العید لأداء فریضة الطواف والسعی وجب علیه الرجوع لیبیت فی منی ، ومن لم یجتنب الصید فی إحرامه فعلیه المبیت لیلة الثالث عشر أیضاً(1) ، وکذا من أتی النساء علی الأقوی(2) ، والأحوط الأولی کذلک فی کل من ارتکب ما یوجب الکفارة لا سیما الفسوق والجدال(3) ، وتجوز لغیرهما الافاضة من منی بعد ظهر الیوم الثانی عشر ، ولکن إذا بقی فی منی إلی أن دخل اللیل وجب علیه المبیت لیلة الثالث عشر أیضاً(4) .مسألة 426 : إذا تهیأ للخروج وتحرک من مکانه ولم یمکنه الخروج من حدود منی قبل الغروب للزحام وغیره وجب علیه المبیت(5) ، وإن لم

ص:364


1- (1) نصاً وإجماعاً .
2- (2) تمسکاً بروایة محمد بن المستنیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال : من أتی النساء فی إحرامه لم یکن له أن ینفر فی النفر الاول » وهی ضعیفة بابن المستنیر إذ أنه لم یوثق ، بل لم یذکر فی المعاجم الرجالیة ، إلا إذا کان المقصود منه سلام بن المستنیر - وهو کذلک - فهو من أصحاب السجاد والباقر والصادق علیهم السلام ، وعن الوحید البهبهانی : أنه من خواص الشیعة ، والحکم مجمع علیه بین العلماء کافة کما فی المنتهی والمدارک ، والراوی عنه هو الحسن بن محبوب .
3- (3) تمسکاً بروایة - کالحسنة - سلام بن المستنیر عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : لمن اتقی الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله علیه فی إحرامه » .
4- (4) بلا خلاف فی ذلک ، تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : من تعجل فی یومین فلا ینفر حتی تزول الشمس ، فإن أدرکه المساء بات ولم ینفر » .
5- (5) لعموم وجوب المبیت لمن أدرکه المساء وهو بمنی .

یتمکن أو کان حرجیاً جاز له الخروج ، وعلیه دم شاة علی الأحوط إن لم یکن أقوی (1) .

مسألة 427 : یجب أن یکون مقام الحاج فی منی علاوة علی المبیت وإن لم یلزم الاستیعاب لکن بحیث تکون مرکز اقامته فیها(2) ، ویجب علیه المبیت فی النصف الأول ولکن یجوز له أن یخرج بعد دخول اللیل ویرجع بحیث یدرک النصف الثانی عدا موارد العذر(3) ، والأولی لمن

ص:365


1- (1) سیأتی فی ما بعد .
2- (2) یشهد له مرسل ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عنه علیه السلام قال :أتدری لم جعل المقام ثلاثاً بمنی ؟ قال : قلت لأی شیء جعلت ، أو لماذا جعلت ؟ قال : من أدرک شیء بمنی فقد أدرک الحج » ، وصحیحة معاویة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام عن رجل جاء حاجاً ففاته الحج ولم یکن طاف ، قال : یقیم مع الناس حراماً أیام التشریق ولا عمرة فیها ، فإذا نقضت طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة » وغیرها من الروایات .ومنها یظهر أن تحدید المبیت والنفر هو بیان لحدود الإقامة شرعاً ، وعلی ذلک یشکل ما یفعله جملة من الحجیج حیث یکون إقامتهم ورحلهم بمکة ویقتصرون علی التواجد والکون فی منی بقدر نصف اللیل ، والنهار بمقدار الرمی وفی الیوم الثانی عشر علی الکون قبل الزوال بمقدار الرمی ثم یخرجون بعد الزوال ، وقد استشکل غیر واحد من الأعلام فی الخروج من منی نهاراً یوم الثانی عشر قبل الزوال وإن عاد قبله وخرج بعد الزوال ، بتقریب صدق النفر علی خروجه قبل الزوال .
3- (3) تشهد له صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : لا تبت لیالی التشریق إلابمنی ، فإن بت فی غیرها فعلیک دم ، فإن خرجت أول اللیل فلا ینتصف اللیل إلا وأنت فی منی ، إلا أن یکون شغلک نسکک ، أو قد خرجت من مکة ، وإن خرجت بعد نصف اللیل فلا یضرک أن تصبح فی غیرها » .

بات النصف الأول أن لا یدخل مکة قبل طلوع الفجر .

مسألة 428 : یستثنی ممن یجب علیه المبیت بمنی عدّة طوائف :

1 - المعذور ، کالمریض والممرّض ومن خاف علی نفسه أو ماله من المبیت بمنی وغیرهم من ذوی الأعذار کالراعی وغیره(1) .

2 - من إشتغل بالعبادة فی مکة تمام لیلته أو تمام الباقی من لیلته إذا خرج من منی بعد دخول اللیل(2) ، ما عدا الحوائج الضروریة کالأکل والشرب ونحوهما .

3 - من طاف بالبیت وبقی فی عبادته ثم خرج من مکة الفعلیة علی الأظهر(3) ، فیجوز له أن یبیت فی الطریق دون أن یصل إلی منی ، ویجوز

ص:366


1- (1) بلا خلاف بین الأصحاب کما صرح بذلک صاحب الجواهر ، لنفی العسر والحرج والضرر .
2- (2) تشهد له عدة من النصوص ، ففی صحیحة معاویة قال : سألته عن الرجل زار عشاءً فلم یزل فی طوافه ودعائه وفی السعی بین الصفا والمروة حتی یطلع الفجر ؟ قال : لیس علیه شیء کان فی طاعة الله » وغیرها من النصوص وکلها تشیر علی أن العبادة هی الاشتغال بالنسک الواجب ، نعم یمکن أن یستفاد من التعلیل فی ذیل الصحیحة السابقة « کان فی طاعة الله » شمولها لکل عبادة ، فتدبر .
3- (3) بل مکة القدیمة علی الأظهر ، لعدة من النصوص ، ففی صحیحة ابن إسماعیل عن أبی الحسن علیه السلام فی الرجل یزور فینام دون منی ، فقال : إذا جاز عقبة المدنیین فلا بأس أن ینام » ، وفی صحیحة ابن دراج عنه علیه السلام قال : من زار فنام فی الطریق فإن بات بمکة فعلیه دم ، وإن کان قد خرج منها فلیس علیه شیء وإن أصبح دون منی » ، وصحیحة ابن الحکم عنه علیه السلام قال : إذا زار الحاج من منی فخرج من مکة فجاوز بیوت مکة فنام ثم أصبح قبل أن یأتی منی فلا شیء علیه » ، وراجع صحیحة معاویة المتقدمة ، وکلها تدل علی جواز ذلک فیما کان بعد الزیارة ، والقدر المتیقن منها أداء المناسک المفروضة ، وإن کان اللفظ یتناول مطلق الزیارة للبیت حتی وإن کان للنظر إلیه .

لهؤلاء التأخیر فی الرجوع إلی منی إلی إدراک الرمی فی النهار .

مسألة 429 : من ترک المبیت بمنی فعلیه کفارة شاة عن کل لیلة(1) ، سواء کان عامداً أو ناسیاً أو جاهلاً بالحکم أو معذوراً عن المبیت(2) ، نعم لا کفارة علی الطائفة الثانیة والثالثة ممن تقدم(3) .

مسألة 430 : من أفاض من منی ثم رجع إلیها بعد دخول اللیل فی اللیلة الثالثة عشر لحاجة لم یجب علیه المبیت بها(4) ، بخلاف ما إذا رجع قبل فدخل علیه فإن الأحوط وجوبه علیه(5) .

ص:367


1- (1) نصاً وإجماعاً .
2- (2) لإطلاق أدلة الکفارة فی المقام ، وغایة أدلة العسر والحرج رفع الحکم التکلیفی دون الوضعی .
3- (3) علی ما یستفاد من النصوص .
4- (4) لعدم الدلیل ، بل ثمة دلیل علی العدم ، ففی صحیحة الحلبی عنه علیه السلام قال : من تعجل فی یومین فلا ینفر حتی تزول الشمس ، فإن أدرکه المساء بات ولم ینفر » ومثلها دلالة صحیحة معاویة .
5- (5) کما هو مقتضی إطلاق الصحیحة السابقة ، مع دعوی إنصرافها فی من لم ینفر بَعْدُ .

رمی الجمار

الثالث عشر من الواجبات الحج ، رمی الجمرات الثلاث : الاولی ، والوسطی ، وجمرة العقبة(1) ، ویجب الرمی فی الیوم الحادی عشر والثانی عشر ، وإذا بات لیلة الثالث عشر فی منی وجب الرمی فی الیوم الثالث عشر أیضاً علی الأقوی والأظهر(2) ، ویعتبر فی رمی الجمرات

ص:368


1- (1) بلا خلاف کما فی السرائر ، وفی المنتهی لا نعلم فیه خلافاً ، وعن الخلاف الاجماع علی وجوب الترتیب بین رمی الجمار الثلاث ، ووجوب القضاء ، وعده فی التبیان من المسنونات أی ما ثبت بالسنة ، نعم ظاهر التهذیبین الاستحباب ، وهو شاذ لا یلتفت إلیه للنصوص المستفیضة .والعجب من بعض الأعلام المعاصرین استظهر عدم کون الرمی من واجبات الحج وأجزائه ، بل هو واجب مستقل کالمبیت بمنی أیضاً ، بدعوی وقوعه بعد طواف النساء وهو بعد الحج فما بعده یکون خارجاً عن حقیقة الحج ، مضافاً إلی عدم بطلان الحج بترکه عمداً وهو مشعر بعدم الجزئیة ، وقد تقدم أن طواف النساء جزء من الحج ومناسکه فراجع ، مضافاً إلی قوله علیه السلام فی صحیحة ابن أذینة قال : سألته عن قول الله تعالی الْحَجِّ الْأَکْبَرِ ؟ قال : الحج الأکبر الوقوف بعرفة ورمی الجمار » وکونه جزءاً لا یلازم بطلان الحج بترکه عمداً ، لکثرة الأحکام المخالفة للقواعد فی الحج والعمرة .
2- (2) إجماعاً کما عن بعض ، ودلیله غیر واضح إلا ما یظهر من صحیحة معاویة فی کیفیة حج الرسول صلی الله علیه وآله وفیها « وزار البیت ورجع إلی منی وأقام بها حتی کان الیوم الثالث من آخر أیام التشریق ثم رمی الجمار ونفر » وفعله صلی الله علیه وآله مجمل لا یدل علی الوجوب خاصة ، إلا أن صحیحته الاخری وفیها « إذا أردت أن تنفر فی یومین فلیس لک أن تنفر حتی تزول الشمس ، وإن تأخرت إلی آخر أیام التشریق وهو یوم النفر الأخیر فلا علیک أی ساعة نفرت ورمیت قبل الزوال أو بعده » ، وفی نسخ الکافی بلا زیادة « ورمیت » ورواها الشیخ عنه بالزیادة ، کما أن أن الصدوق رواها من کتاب معاویة بزیادة اللفظة المزبورة ، وهذا ما یجلعنا نجزم بثبوتها ، وزیادتها لا توجب الاخلال بالروایة وعدم المناسبة کما فی بعض الکلمات .

المباشرة ، فلا تجوز الاستنابة اختیاراً .

مسألة 431 : یجب الابتداء برمی الجمرة الاولی ، ثم الجمرة الوسطی ، ثم جمرة العقبة ، ولو خالف وجب الرجوع إلی ما یحصل به الترتیب ولو کانت المخالفة عن جهل أو نسیان(1) ، نعم إذا نسی أو جهل فرمی جمرة بعد أن رمی سابقتها أربع حصیات أجزأ إکمالها سبعاً ، ولا یجب علیه إعادة رمی اللاحقة(2) .

مسألة 432 : ما ذکرناه من واجبات رمی جمرة العقبة فی « واجبات منی یوم العید » یعمّ رمی الجمرات الثلاثة کلها .

مسألة 433 : یجب أن یکون رمی الجمرات فی النهار(3) ، ویستثنی

ص:369


1- (1) کما هو مقتضی القاعدة ، مضافاً إلی الروایات الناصة علی ذلک .
2- (2) تشهد له صحیحة معاویة عنه علیه السلام فی رجل رمی الجمرة الأولی بثلاث والثانیة بسبع والثالثة بسبع ، قال : یعید ویرمیهن جمیعاً بسبع سبع ، قلت : فإن رمی الأولی أربع والثانیة بثلاث والثالثة بسبع ، قال : یرمی الاولی بثلاثة والثانیة بسبع ویرمی جمرة العقبة بسبع ، قلت : فإنه رمی الجمرة الاولی بأربع والثانیة بأربع والثالثة بسبع ، قال : یعید فیرمی الأولی بثلاث والثانیة بثلاث ولا یعید علی الثالثة » .
3- (3) لمجموعة من الروایات ، ففی صحیحة صفوان بن مهران قال : سمعت أباعبد الله علیه السلام یقول : إرم الجمار ما بین طلوع الشمس إلی غروبها » .

من ذلک العبد والراعی والمدیون الذی یخاف أن یقبض علیه وکل من یخاف علی نفسه أو عرضه أو ماله(1) ، ویشتمل مطلق ذوی الأعذار کالشیخ والنساء والصبیان والضعفاء الذین یخافون علی أنفسهم من کثرة الزحام(2) ، فیجوز لهؤلاء الرمی لیلة ذلک النهار وکذا قضاء ما فاته ، ولکن لا یجوز لغیر المضطر والخائف من المکث أن ینفر لیلة الثانیة عشر بعد الرمی حتی تزول الشمس من یومه(3) .

مسألة 434 : من نسی أو جهل أو تعمد ترک الرمی فی الیوم الحادی عشر وجب علیه قضاؤه فی الثانی عشر ، وکذا من ترکه فی الثانی عشر قضاه فی الیوم الثالث عشر(4) ، ویستحب التفریق بین الأداء والقضاء

ص:370


1- (1) تمسکاً بالنصوص ، ففی صحیحة ابن مسلم عنه علیه السلام فی الخائف أنه لا بأس بأن یرمی الجمار باللیل ویضحی باللیل ویفیض باللیل » ، وفی موثقة سماعة عنه علیه السلام : أنه کره رمی الجمار باللیل ورخص للعبد و الراعی فی رمی الجمار لیلاً » ، وفی صحیحة أبی بصیر قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الذی ینبغی له أن یرمی بلیل من هو ؟ قال : الحاطبة والمملوک الذی لا یملک من أمره شیئاً والخائف والمدین والمریض الذی لا یستطیع أن یرمی یحمل إلی الجمار فإن قدر علی أن یرمی ، وإلا فارم عنه وهو حاضر » .
2- (2) کما هو ظاهر تعدد العناوین فی الروایات الکاشف عن عدم الاختصاص بالأمثلة المذکورة .
3- (3) لعدم المقتضی .
4- (4) ففی صحیحة ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أفاض من جمع حتی انتهی إلی منی فعرض له عارض فلم یرم حتی غابت الشمس ، قال : یرمی إذا أصبح مرتین ، مرة لما فاته ، والأخری لیومه الذی یصبح فیه ، ولیفرق بینهما ، یکون أحدهما بکرة وهی للأمس ، والاخری عند زوال الشمس » .

وأقله ساعة أو أن یکون القضاء أول النهار والأداء عند الزوال(1) .

نعم یلزم تقدیم مجموع القضاء علی الأداء(2) ، وهذا الترتیب شرط عند الالتفات(3) .

مسألة 435 : من نسی أو جهل أو تعمد ترک الرمی فذکره فی مکة وجب علیه أن یرجع إلی منی ویرمی فیها(4) ، وإذا کان المتروک یومین أو ثلاثة فالأفضل والأحوط أن یفصل بین مجموع کلاً منها بما تقدم ، واللازم مراعاة الترتیب بین السابق واللاحق ، وإذا ذکره بعد خروجه من مکة لم یجب علیه الرجوع إذا کان حرجیاً وکذا إذا انقضت أیام التشریق بل یقضیه فی العام القابل بنفسه أو بنائبه علی الأقوی کما مرّ فی قضاء

ص:371


1- (1) ففی صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : قلت رجل نسی الجمار حتی أتی مکة ، قال : یرجع فیرمیها یفصل بین کل رمیتین بساعة ... » ، ومنه یعرف أن الفصل بنصف یوم مستحب .
2- (2) وهو المستفاد من النصوص .
3- (3) لقصور الأدلة عن شمولها للغفلة والنسیان ، فمن نسی رمی یوم النحر وتذکره فی الیوم الثانی عشر فإنه لا یجب علیه أعادة ما أتی به فی الیوم الحادی عشر .
4- (4) ففی صحیحة معاویة قال : ما تقول فی امرأة جهلت أن ترمی الجمار حتی نفرت إلی مکة ؟ قال علیه السلام : فلترجع فلترم الجمار کما کانت ترمی ، والرجل کذلک » ، وفی صحیحته الأخری قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام رجل نسی رمی الجمار ، قال ؟ یرجع فیرمیها ، قلت : فإنه نسیها حتی أتی مکة ، قال : یرجع فیرمی متفرقاً یفصل بین کل رمیتین بساعة ، قلت : فإنه نسی حتی فاته وخرج ، قال : لیس علیه أن یعید » .

یوم النحر(1) .مسألة 436 : المعذور کالمریض الذی لا یرجی ارتفاع عذره إلی المغرب ، یستنیب غیره(2) ، والأفضل إن لم یکن أحوط أن یحضر عند الجمار ویشهد الرمی(3) ، ولو اتفق زوال عذره قبل غروب الشمس ، ومن لم یکن قادراً علی الاستنابة یرمی عنه ولیه أو غیره کما فی المغمی

ص:372


1- (1) ففی حسنة عمر بن یزید عنه علیه السلام قال : من أغفل رمی الجمار أو بعضها حتی تمضی أیام التشریق فعلیه أن یرمیها من قابل ، فإن لم یحج رمی عنه ولیه ، فإن لم یکن له ولی یستعان برجل من المسلمین یرمی عنه ، فإنه لا یکون رمی الجمار إلا أیام التشریق » وفی سندها محمد بن عمر بن یزید ، لم یوثق صریحاً وقد ذکره الشیخ والنجاشی فی أصحابنا المصنفین مع عدم طعن الأخیر وهو من أمارات المدح ، مع امکان تصحیح الروایة عن طریق تبدیل الإسناد فإن هذه الروایة مرویة من کتب عمر بن یزید ولم ینفرد محمد بن عمر عن ابن عذافر فی روایتها بل رواها عنه أیضاً ابن أبی عمیر وصفوان وغیرهما .
2- (2) بلا خلاف أصلا ، وتشهد له النصوص ، ففی صحیحة معاویة وابن الحجاج عنه علیه السلام قال : الکسیر والمبطون یرمی عنهما » ، وفی موثقة إسحاق أنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن المریض ترمی عنه الجمار ؟ قال : نعم ، یحمل إلی الجمرة ویرمی عنه ، قلت : لا یطیق ذلک ، قال : یترک فی منزله ویرمی عنه » ، وفی صحیحة حریز قال : سألته عن الرجل یطاف به ویرمی عنه ؟ فقال : نعم إذا کان لا یستطیع » .
3- (3) تمسکاً بصحیحة أبی بصیر قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الذی ینبغی له أن یرمی بلیل من هو ؟ قال : الحاطبة والمملوک الذی لا یملک من أمره شیئاً والخائف والمدین والمریض الذی لا یستطیع أن یرمی یحمل إلی الجمار فإن قدر علی أن یرمی ، وإلا فارم عنه وهو حاضر » .

علیه أو المجنون الادواری .

مسألة 437 : لا یبطل الحج بترک الرمی ولو کان متعمداً(1) ، ویجب قضاء الرمی بنفسه أو بنائبه فی العام القابل علی الأقوی(2) .

أحکام المصدود والمحصور

مسألة 438 : المصدود هو الممنوع من قبل ظالم ونحوه عن الحج أو العمرة بعد تلبسه بإحرامهما .

والمحصور هو الممنوع عنهما بعد تلبسه أیضاً بسبب مرض أو نحو ، ویشترکان فی الأحکام الآتیة إلّافیما به التحلّل ، فإن المحصور یزید علی المصدود بطواف النساء فی موارد .

والضابطة أن أحکام الصدّ والحصر تعم الممنوع بأی مانع ولا تختص بالعدو والمرض کما أن الضابط فی الفرق بینهما ان الأول هو ما إذا کان بسبب راجع إلی فعل شخص وأما الثانی فیما إذا کان المنع لغیر ذلک .

مسألة 439 : المصدود أو المحصور عن العمرة یبعث بالهدی - وإن اشترط فی عقد الإحرام - أو بثمنه إن کان ممنوعاً عن الطواف والسعی معاً وإلّا لو کان ممنوعاً عن إحداهما فالأقوی الاستنابة فیه وإتمام

ص:373


1- (1) بلا خلاف فی ذلک .
2- (2) لحسنة عمر بن یزید المتقدمة .

الأعمال بنفسه(1) .

وأما الأول فیبعث إلی مکة فی العمرة ، وإلی منی فی الحج ویواعد أن یذبحهُ أو ینحرهُ فی وقت معین فإذا جاء الوقت تحلل فی مکانه بالتقصیر أو الحلق عدا المحصور فانه لا یتحلل من النساء إلّابطوافه ولو استنابة(2) ، ولا یغنیه عنه طواف النساء فی عمرة أخری أو نسک آخر

ص:374


1- (1) قد فرق أعاظم الطائفة بین المصدود والمحصور ، فالأول یذبح حیث صد والثانی یبعث بهدیه إلی مکة أو منی ، تمسکاً بالروایات ففی موثقة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : المصدود یذبح حیث صد ، ویرجع صاحبه فیأتی النساء » ، وفی صحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدی ، فقال : یواعد أصحابه میعاداً ، فإن کان فی حج فمحل الهدی یوم النحر ، وإذا کان یوم النحر فلیقصر من رأسه ، ولا یجب علیه الحلق حتی یقضی مناسکه ، وإن کان عمرة فلینتظر مقدار دخول أصحابه مکة والساعة التی یعدهم فیها ، فإذا کانت تلک الساعة قصر واحل » ومثلها دلالة موثقة زرعة .واختار الماتن عدم الفرق بین المحصور والمصدود من حیث الذبح ، تمسکاً بقوله تعالی وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ بتقریب أن الاحصار لغة مطلق المنع وإن ذکر بعض اللغویین أنه خاص بمنع المرض من الاتمام نظیر قوله تعالی الَّذِینَ أُحْصِرُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ ، وَحَمَلَ الروایات المفرقة بین المصدود والمحصور فی بعث الهدی علی أن الغالب فی الصد عدم التمکن من بعث الهدی ، بخلاف المحصور .
2- (2) تشهد له صحیحة معاویة عنه علیه السلام قال : المحصور غیر المصدود ،وقال : المحصور هو المریض والمصدود هو الذی یرده المشرکون کما ردوا رسول الله صلی الله علیه وآله لیس من مرض ، والمصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء » وفی صحیحته الاخری فی حصر الحسین علیه السلام قال : أرأیت حین بریء من وجعه قبل أن یخرج إلی العمرة حلت له النساء ؟ قال : لا تحل له النساء حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة ، قلت : فما بال رسول الله صلی الله علیه وآله حین رجع من الحدیبیة حلت له النساء ولم یطف بالبیت ؟! قال : لیسا سواء ، کان النبی صلی الله علیه وآله مصدوداً والحسین محصوراً » .

بإحرام جدید ، وإن تعذر علیه ذلک جاز له أن یذبح أو ینحر فی مکانه کما هو الغالب فی المصدود ، ویتحلل بضم التقصیر أو الحلق أیضاً(1) ،

ص:375


1- (1) تبعاً للشهیدین فی الدروس والروضة والمسالک ، جمعاً بین الأخبار ، ففی روایة حمران عن أبی جعفر علیه السلام قال : إن رسول الله صلی الله علیه وآله حین صد بالحدیبیة قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها ولم یجب علیه الحلق حتی یقضی المناسک ، فأما المحصور فإنما یکون علیه التقصیر » ، وفی صحیحة رفاعة عنه علیه السلام قال : خرج الحسین علیه السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتی انتهی إلی السقیا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مکانه » ، وفی موثقة الفضل بن یونس قال : سألته عن رجل عرض له السلطان فأخذه ظلماً یوم عرفة قبل أن یعرف ، فبعث به إلی مکة فحبسه ، فلما کان یوم النحر خلی سبیله کیف یصنع ؟ فقال : یلحق فیقف بجمع ، ثم ینصرف إلی منی فیرمی ویذبح ویحلق ولا شیء علیه ، قلت : فان خلی عنه یوم النفر کیف یصنع ؟ قال : هذا مصدود عن الحج إن کان دخل متمتعاً بالعمرة إلی الحج فلیطف بالبیت اسبوعاً ، ثم یسعی اسبوعاً ، ویحلق رأسه ویذبح شاة ، فإن کان مفرداً للحج فلیس علیه ذبح ولا شیء علیه » .وعن الشیخ فی النهایة وظاهر الشرائع و النافع بل المنسوب للأکثر کما فی الریاض عدم توقف التحلل علیهما أصلاً قصوراً فی مقتضی الأدلة .

والأفضل والأولی اختیار الحلق إذا کان قد ساق معه الهدی(1) .

مسألة 440 : المصدود أو المحصور عن الحج له صور عدة :

الاولی : إن کان ممنوعاً عن الموقفین أو المشعر خاصة فوظیفته کما تقدم إن لم یتمکن من أداء العمرة المفردة بعد الموقفین ولا قبلهما علی الأقوی(2) .

الثانیة : إن کان ممنوعاً عن الطواف والسعی قبل الموقفین کما فی عمرة التمتع فینقلب إحرامه إلی حج الإفراد(3) .

الثالثة : وإن کان ممنوعاً عن الطواف والسعی بعد الموقفین فیستنیب

ص:376


1- (1) لصحیحة ابن سنان المرویة فی تفسیر علی بن إبراهیم وفیها « وقال قوم لم یسوقوا البدن : یا رسول الله ، والمقصرین ؟ لأن من لم یسق هدیاً لم یجب علیه الحلق ، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله ثانیاً : رحم الله المحلقین الذین لم یسوقوا الهدی قالوا : یا رسول الله والمقصرین ، فقال : رحم الله المقصرین » ، المحمولة علی تأکد الاستحباب لمن ساق الهدی .
2- (2) کما هو مقتضی موثقة الفضل المتقدمة ، فإنها ظاهرة علی التبدل إلی العمرة المفردة إذ الطواف والسعی والحلق من أعمالها ، ووجوب الذبح لا لکونه عمرة مفردة حتی یشکل بعدم القائل وإنما تطبیقاً لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة « المصدود یذبح حیث صد » ، وقد ادعی الاجماع واتفاق الأصحاب کما فی الجواهر علی أنه بالخیار بین التحلل بالذبح أو البقاء علی الإحرام حتی یفوت الموقفان ویتحلل بعمرة مفردة .
3- (3) لعدم فوات النسک بذلک ، فتشمله النصوص الدالة علی أن من ضاق وقته عن عمرة التمتع انقلب إحرامه إلی حج الإفراد .

ویأتی ببقیة الأعمال(1) ، والأحوط فی صلاة الطواف أن یصلی کل من النائب والمنوب عنه ، وإن لم یتمکن من الاستنابة ولا المباشرة إلی آخر ذی الحجة فیذبح الهدی فی محله ویتحلل بالتقصیر أو الحلق(2) ، والأحوط إتیانه بأعمال منی وتدارکه للطوافین ولو بالاستنابة بعد ذی الحجة .

الرابعة : وإن کان ممنوعاً عن أعمال منی فیستنیب للرمی والذبح ثم یحلق أو یقصر ویتحلل(3) ، والأحوط أن یبعث بشعره إلی منی ویتم ما بقی ، وإن لم یتمکن عن الاستنابة فیذبح فی مواضع الحرم وإلّا فیودع الثمن عند من یذبح عنه ثم یحلق أو یقصر فی مکانه ویتم ما بقی علیه من المناسک ویتحلل وإن بقی علیه الرمی قضاه فی السنة القادمة(4) .

مسألة 441 : المصدود أو المحصور عن الحج الواجب لا یسقط عنه

ص:377


1- (1) إذ لیس المدار علی صدق عنوان الصد أو الحصر بل لا بد من فرض ایجابه لفوات النسک ، ومع فرض البدل لا یتحقق هذا الشرط کما هو الحال فی التمکن من الاستنابة ، ودعوی أن أدلة الاستنابة لا تشمل مثل هذا الفرض وهو المصدود والمحصور لا یخفی ضعفها إذ المحصور بالمرض من أفراد المریض الوارد فیه النص بخصوصه ، والفرق بینه وبین المصدود مع وحدة الأدلة تحکم .
2- (2) لصدق الصد حینئذ .
3- (3) لتحقق العذر ومعه فعلیه الاستنابة .
4- (4) ولا یصدق علیه الصد لأنه متمکن من بدل الهدی ، إما الذبح فی غیر منی من مواضع الحرم ، وإلا فالصوم ، أو إیداع الثمن عند ثقة ، وأما التقصیر فقد ثبت جوازه فی غیر منی عند التعذر ، وأما الرمی فیستفاد مما ورد من قضائه لمن ترکه بغیر عمد عدم رکنیته للحج ، ولذا من ترکه عمداً قضاه فی أیام التشریق .

الحج بعمرة التحلل ولا بالهدی المزبور علی التفصیل المتقدم بل یجب علیه الإتیان به فی القابل إذا بقیت الاستطاعة أو کان الحج مستقراً فی ذمته(1) .

مسألة 442 : إذا صد عن الرجوع إلی منی للمبیت ورمی الجمار فقد تم حجه ویستنیب للرمی إن أمکنه فی سنته وإلّا ففی القابل علی الأقوی ولا یجری علیه حکم المصدود(2) .

مسألة 443 : من تعذر علیه المضی فی حجه لمانع من الموانع غیر الصد من عدو وغیر الحصر بمرض فالأظهر أنه یندرج فی الصد والحصر أیضاً(3) ، فإن کان سبب المنع من شخص فیندرج فی الأول وإلّا فیما لو کان لا من شخص فیندرج فی الثانی ، وأما المشتبه بینهما فالأحوط إلحاقه بالمحصور(4) ، والأولی ضم عمرة مفردة ولو استنابة .

مسألة 444 : لا فرق فی الهدی المذکور بین أن یکون بدنه أو بقرة أو شاة ولو لم یتمکن منه صام عشرة أیام(5) ، والأحوط ثمانیة عشر یوماً(6) .

ص:378


1- (1) إذ مقتضی أدلة الصد هو التحلل لا الإجزاء والاکتفاء والبدلیة .
2- (2) بلا خلاف فی ذلک .
3- (3) لإطلاقات الأدلة وعموماتها .
4- (4) وإلحاقه بالمصدود تمکساً بالآیة له وجه بعد أصالة عدم عنوان المخصص وأحوط منه البقاء علی الإحرام إلی أن یتحلل بعمرة ولو بالاستنابة مع الذبح .
5- (5) ففی صحیحة معاویة فی المحصور ولم یسق الهدی ، قال علیه السلام : ینسک ویرجع ، قیل : فإن لم یجد هدیاً ؟ قال : یصوم » ، وکونها عشرة کهدی التمتع .
6- (6) لما فی کتاب المشیخة لابن محبوب عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبی عبد الله علیه السلام رجل خرج معتمراً فاعتل فی بعض الطریق وهو محرم قال : ینحر بدنة ویحلق رأسه ، ویرجع إلی رحله ولا یقرب النساء ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوماً .

مسألة 445 : من أفسد حجه أو عمرته ثم صدّ أو أحصر فالظاهر جریان حکمهما علیه وإن لزمته کفارة الافساد زائداً علی الهدی(1) .

مسألة 446 : من ساق هدیاً معه ثم صدّ أو أحصر کفاه ذبح ما ساقه ولا یجب علیه هدیاً آخر(2) .

مسألة 447 : إذا صد أو أحصر وبعث بهدیه وبعد ذلک ارتفع المنع أو خف المرض فإن ظن أو احتمل ادراک الحج وجب علیه الالتحاق(3) ، وحینئذٍ فأن أدرک الموقفین أو الوقوف بالمشعر خاصة فقد أدرک الحج وإن انقلب حجه إفراداً ، ولو لم یدرک ذلک فینقلب حجه إلی العمرة المفردة سواء ذبح عنه أو لم یذبح .

مسألة 448 : إذا أحصر أو صد الرجل بعث بهدیه ثم آذاه رأسه قبل

ص:379


1- (1) لاطلاق دلیل سببیة کل منهما .
2- (2) تمسکاً بصحیحة رفاعة عنه علیه السلام قال : سألته عن رجل ساق الهدی ثم أحصر ، قال : یبعث بهدیه » .
3- (3) لوجوب اتمام النسک ، والفرض أنه متمکن ، مضافاً إلی ظهور صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إن أحصر الرجل بعث بهدیه ، فإذا أفاق ووجد فی نفسه خفة فلیمض إن ظن أنه یدرک الناس ، فإن قدم مکة قبل أن ینحر الهدی فلیقم علی إحرامه حتی یفرغ من جمیع المناسک ، ولینحر هدیه ، ولا شیء علیه ، وإن قدم مکة وقد نحر هدیه فإن علیه الحج من قابل والعمرة » .

أن یبلغ الهدی محله جاز أن یفدی بذبح شاة فی محله أو یصوم ثلاثة أیام أو یطعم ستة مساکین لکل مسکین مدان(1) ، ویحلق ولا یتحلل حتی یبلغ الهدی محله ویمر الموسی علی رأسه أو یقصر .

مسألة 449 : یستحب عند عقد الإحرام أن یشترط علی ربه تعالی أن یحلّه حیث حبسه وإن کان تحلله لا یتوقف علی ذلک فانه یحل عند الحبس اشترط أم لا(2) .

ص:380


1- (1) لقوله تعالی فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ، وفی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إذا أحصر الرجل فبعث بهدیه ثم آذاه رأسه قبل أن ینحر فحلق رأسه فإنه یذبح فی المکان الذی أحصر فیه أو یصوم أو یطعم ستة مساکین » وفی طریق الشیخ والکلینی زیادة « والصوم ثلاث أیام والصدقة نصف صاع لکل مسکین » ، ونصف الصاع مدان .
2- (2) وفی الانتصار والسرائر والجامع والتحریر والتذکرة بسقوط الهدی مع الإشتراط تمسکاً بصحیحة ذریح عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج وأحصر بعدما أحرم ، کیف یصنع ؟ قال : فقال : أو اشترط علی ربه قبل أن یحرم أن یحله الله عند عارض عرض له من أمر الله ؟ فقلت : بل اشترط ذلک ، قال : فلیرجع إلی أهله حلالا لا إحرام علیه ، إن الله أحق من وفی بما اشترط علیه ، قلت : أفعلیه الحج من قابل ؟ قال : لا » ، فهی دالة علی التحلل بمجرد الاحصار بلا تعرض للهدی ، إذ لو کان واجباً لذکره علیه السلام لکونه فی مقام البیان .وفی صحیحة البزنطی قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن محرم انکسرت ساقه ، أی شیء یکون حاله ؟ وأی شی علیه ؟ قال : هو حلال من کل شیء ، فقلت : ومن النساء والثیاب والطیب ؟ فقال : نعم من جمیع ما یحرم علی المحرم ، قال : أما بلغک قول أبی عبد الله علیه السلام : حلنی حیث حبستنی لقدرک الذی قدرت علیّ ، قلت : أصلحک الله ماتقول فی الحج ؟ قال : لا بد أن یحج من قابل » .ویؤیدهما ما ورد فی جملة من الصحاح فی کتاب الاعتکاف من وجوب الاتمام إذا اعتکف یومین إلا إذا اشترط علی ربه فله أن یفسخ ، کصحیحة محمد بن مسلم وأبی ولاد الحناط ، وفی صحیحة أبی بصیر عنه علیه السلام « وینبغی للمعتکف إذا اعتکف أن یشترط کما یشترط الذی یحرم » ، وفی صحیحة ابن یزید عنه علیه السلام قال : واشترط علی ربک فی اعتکافک کما تشترط فی إحرامک أن یحلک من اعتکافک عند عارض إن عرض لک من علة تتنزل بک من أمر الله تعالی » .وقیل : أن فائدة الاشتراط جواز التحلل من غیر تربص إلی أن یبلغ الهدی محله ، وهو ظاهر المحقق فی الشرائع وصریحه فی النافع ، ویدفع قوله علیه السلام « فلیرجع إلی أهله لا إحرام علیه » .وقیل : أن فائدته سقوط الحج عنه فی العام القابل ، وهو المحکی عن الشیخ فی التهذیب ، لذیل الصحیحة المتقدمة ، وتقابها عدة من الصحاح فلا بد من رفع الید عن ذیلها .وقیل : أن الفائدة ادراک الثواب بذکره فی عقد الإحرام ، وهو الذی یظهر من الشهید فی المسالک ، وذهب الشیخ وابن الجنید والعلامة فی المختلف والمنتهی إلی عدم سقوط الهدی ، تمسکاً باطلاق قوله تعالی فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ، وفیه : أنه مقید بصحیحتی ذریح والبزنطی .

إلی هنا فرغنا من واجبات الحج فلنشرع الآن فی آدابه وقد ورد فی الروایات وذکر الفقهاء من الآداب ما لا تسعه هذه الرسالة فنقتصر علی یسیر منها .

ص:381

مستحبات الإحرام

یستحب فی الإحرام امور :

1 - تنظیف الجسد ، وتقلیم الأظفار ، وأخذ الشارب ، وإزالة الشعر من الابطین والعانة ، کل ذلک قبل الإحرام .

2 - توفیر شعر الرأس ، واللحیة من أول ذی القعدة لمن أراد الحج ، وقبل شهر واحد لمن أراد العمرة المفردة والقول بحرمة الحلق لمن أراد الحج فی ذی القعدة فضلاً عند ذی الحجة فضلاً عمّا لو کان الحج واجباً هو الأحوط إن لم یکن أقوی .3 - الغسل للاحرام فی المیقات ، ویصح من الحائض والنفساء أیضاً علی الأظهر ، وإذا خاف عوز الماء فی المیقات قدّمه علیه ، فإن وجد الماء فی المیقات أعاده ، وإذا اغتسل ثم أحدث بالأصغر أو أکل أو لبس ما یحرم أعاد غسله ، ویجزئ الغسل نهاراً إلی آخر اللیلة الآتیة ، ویجزئ الغسل لیلاً إلی آخر النهار الآتی .

4 - أن یدعو عند الغسل علی ما ذکره الصدوق ویقول :

«بسم اللّه وباللّه ، الّلهُمَّ اجعَلْه لی نوراً وطَهوراً وحِرْزاً وأمْناً من کُلِّ خَوفٍ وشِفاءً مِن کُلِّ داءٍ وسُقم ، اللّهمَّ طهِّرْنی وطهِّرْ قلبی واشرَح لی صَدْری ، وأجْرِ علی لسانی مَحبَّتک ومِدحَتَک والثناءَ عَلَیکَ ، فإنَّهُ لا قوَّةَ لی إلّابک ، وقد عَلِمْتُ أنّ قِوام دینی التسلیمُ لکَ ، والاتِّباعُ لِسُنَّةِ نبیِّک

ص:382

صلواتُک علیهِ وآله » .

5 - أن یدعو عند لبس ثوبی الإحرام ویقول : «الحمدُ للّه الَّذی رَزَقنی ما اواری به عَورَتی واُؤدّی فیه فَرْضی ، وأعبُدُ فیه ربِّی ، وأنتهی فیه إلی ما أمَرَنی ، الحمْد للّه الّذی قَصَدتُهُ فَبَلَّغَنی ، وأردْتُهُ فأعاننی وقَبِلَنی ولمْ یقطَعْ بی ، ووَجْهَهُ أردتُ فسلَّمَنی فهو حِصْنی وکَهْفی وحِرْزی ، وظَهری ومَلاذی ، ورجائی ومَنْجای وذُخْری وعُدَّتی فی شِدَّتی ورَخائی» .

6 - أن یکون ثوباه للاحرام من القطن .

7 - أن یکون إحرامه بعد فریضة الظهر ، وإلّا فبعد فریضة اخری ، وإلّا فبعد رکعتین أو أربع أو ست رکعات من النوافل والست أفضل .

والأولی إذا أحرم فی وقت فریضة أن یجمع بین نوافل الإحرام بتقدیمها ثم یأتی بالفریضة ثم یحرم عقبها ثم انه یقرأ فی النافلة فی الرکعة الأولی الفاتحة وسورة التوحید ، وفی الثانیة الفاتحة وسورة الجحد ، فإذا فرغ حمد اللّه وأثنی علیه ، وصلّی علی النبی وآله ثم یقول :

« أللَّهُمَّ إنی أسألُکَ أنْ تجْعَلَنی ممَّن استَجابَ لَکَ ، وآمَنَ بوَعدِکَ ، واتَّبَعَ أمْرَکَ فإنّی عَبْدُکَ وفی قبضَتِکَ ، لا اوقی إلّاما وقَیْتَ ، ولا آخُذَ إلّا ما أعطَیْتَ ، وقَد ذکرْتَ الحجَّ ، فأسألُکَ أن تَعْزِمَ لی علیهِ علی کتابک وسُنَّةِ نبیِّکَ صلّی اللّه علیه وآله ، وتُقوِّیَنی علی ما ضعُفْتُ عنه ، وتُسلَّم مِنِّی مناسِکی فی یُسرٍ منکَ وعافیةٍ ، واجْعَلنی من وَفْدکَ الَّذین رَضیتَ وارتَضیتَ وسمَّیْتَ وکَتَبْت ، أللّهُمَّ إنِّی خَرَجتُ مِن شُقَّةٍ بَعیدَةٍ وأنْفَقتُ مالی ابْتغاءَ مَرْضاتِکَ ، اللَهُمَّ فتَمّم لی حَجّی وعُمرتی ، اللّهُمَّ إنّی اریدُ التمتّع بالعُمْرةِ إلی الحَجِّ علی کتابِکَ وسنَّةِ نبِیّکَ صلّی اللّه علیه وآله ، فإن

ص:383

عَرَضَ لی عارضٌ یَحبسُنی ، فحُلَّنی حیثُ حَبسْتَنی لِقَدَرِکَ الّذی قدَّرْتَ علیَّ ، أللّهُمَّ إنْ لم تَکُنْ حَجَّةٌ فَعمرةٌ ، أحرَم لَکَ شَعری وبَشَری ولَحْمی ودَمی ، وعِظامی ومُخّی وعَصَبی من النِّساء والثِّیابِ والطِّیب ، أبتغی بذلک وجْهَکَ والدّارَ الآخرةَ » .

8 - التلفظ بنیّة الإحرام قبل التلبیة .

9 - رفع الصوت بالتلبیة للرجال .

10 - أن یقول فی تلبیته :

« لَبَّیکَ ذا المعارجِ لبَّیک لبّیکَ داعِیاً إلی دارِ السّلامِ لبَّیک ، لبّیکَ غفّارَ الذُنوبِ لبّیک ، لبّیکَ أهلَ التلبیةِ لبّیک ، لبّیک ذا الجلالِ والاکرام لبّیکَ ، لبَّیکَ تُبدِئُ والمعادُ إلیکَ لبّیکَ ، لبّیکَ تَستغنی ویُفتَقَرُ إلیکَ لبّیک ، لبّیک مَرهوباً ومَرغوباً إلیکَ لبّیک . لبّیکَ إلهَ الحق لبّیک لبّیک ذا النَّعْماءِ والفضْلِ الحسنِ الجمیلِ لبَّیک ، لبّیکَ کشّافَ الکُرَبِ العظامِ لبّیکَ ، لبّیکَ عبدُک وابنُ عبدَیکَ لبّیکَ ، لبّیکَ یا کریمُ لبّیک » .

ثم یقول :

« لبّیکَ أتقرّبُ إلیک بمحمّدٍ وآل محمّدٍ لبّیک ، لبّیکَ بحجّةٍ أو عُمرةٍ لبّیکَ ، لبّیکَ وهذه عُمرةُ متعة إلی الحج لبّیکَ ، لبّیکَ تلبیةً تمامُها وبلاغُها علیک » .

11 - تکرار التلبیة حال الإحرام ، فی وقت الیقظة من النوم ، وبعد کل صلاة ، وعند الرکوب علی البعیر والنزول منها ، وعند کلّ علوّ وهبوط ، وعند ملاقاة الراکب ، وفی الأسحار یستحب إکثارها ولو کان جنباً أو

ص:384

حائضاً ، ولا یقطعها فی عمرة التمتّع إلی أن یشاهد بیوت مکة وفی حج التمتع إلی زوال یوم عرفة .

مکروهات الإحرام

یکره فی الإحرام امور :

1 - الإحرام فی ثوب أسود ، بل الأحوط ترک ذلک ، والأفضل الإحرام فی ثوب أبیض .

2 - النوم علی الفراش أو الوسادة اللتان لم تذهب رائحة الطیب تماماً .

3 - الإحرام فی الثیاب الوسخة ، ولو وسخت حال الإحرام فالأولی أن لا یغسلها ما دام محرماً ، ولا بأس بتبدیلها ، لکن الراجح أن یدخل مکّة بالثوبین الذین أحرم فیهما .

4 - الإحرام فی الثیاب المشبعة بالحمرة وکذا ما یوجب الشهرة .

5 - استعمال الحناء قبل الإحرام إذا کان أثره باقیاً إلی وقت الإحرام .

6 - دخول الحمام ، والأولی بل الأحوط أن لا یدلک المحرم جسده .

7 - تلبیة من ینادیه ، بل الأحوط ترک ذلک .

8 - یکره له الاحتباء .

9 - یکره الخروج من الحرمین بعد ارتفاع النهار قبل أن یصلی الظهرین .

ص:385

دخول الحرم ومستحباته

یستحب فی دخول الحرم امور :

1 - النزول من المرکوب عند وصوله الحرم ، والاغتسال لدخوله .

2 - خلع نعلیه عند دخوله الحرم ، وأخذهما بیدیه تواضعاً وخشوعاً للّه سبحانه ، والمشی حافیاً .

3 - أن یدعو بهذا الدّعاء عند دخول الحرم :

« اللَّهُمَّ إنّکَ قُلتَ فی کتابِکَ ، وقولُکَ الحقّ ، وأذِّنْ فی النّاسِ بالحجِّ یأتُوکَ رِجالاً وعلی کلِّ ضامرٍ یأتینَ مِنْ کلِّ فَجٍّ عمیقٍ ، اللّهُمَّ إنّی أرجو أنْ أکُونَ ممّنْ أجابَ دعوتَک ، قَد جئتُ من شُقَّةٍ بَعیدةٍ وفجٍّ عَمیقٍ ، سامعاً لندائِک ومُستجیباً لَک ، مُطیعاً لأمرِک ، وکلُّ ذلک بفضْلِک عَلیَّ وإحسانِک إلیَّ ، فَلَکَ الحَمْدُ علی ما وَفَقْتَنی لَهُ أبتغی بذلک الزُّلفةَ عِنْدَک ، والقُربةَ إلیک والمنزلةَ لدَیک ، والمغْفِرةَ لذُنوبی ، والتَّوْبةَ علیَّ منها بمنِّکَ ، أللهُمَّ صلِّ علی مُحمدٍ وآل محمَّد وحرِّم بدَنی علی النّارِ وآمِنّی مِن عذابِک بِرَحمتِکَ یا أرحَمَ الراحمین » .

4 - أن یمضغ شیئاً من الإذخر عند دخوله الحرم .

آداب دخول مکة المکرمة والمسجد الحرام

یستحب لمن أراد أن یدخل مکة المکرمة أن یغتسل قبل دخولها ،

ص:386

وأن یدخلها بسکینة وقار ، وأن یمشی حافیاً بل یستحب المشی بتواضع طیلة بقاءه فی مکة وکذا فی لبسه بأن لا یلبس الألبسة الفاخرة ویستحب لمن جاء من طریق المدینة أن یدخل من أعلاها ویخرج من أسفلها ، ویستحب أن یکون حال دخول المسجد حافیاً علی سکینة ووقار وخشوع ، وأن یکون دخوله من باب بنی شیبة ، وهذا الباب وإن جهل فعلاً من جهة توسعة المسجد إلّاأنه قال بعضهم إنه کان بازاء باب السلام ویمکن مراجعة الکتب المؤلفة فی خرائط المسجد الحرام فی ذلک ، فالأولی الدخول من باب السلام ، ثم یأتی مستقیماً إلی أن یتجاوز الأسطوانات ، ویستحب أن یقف علی باب المسجد ویقول :

« السّلام علیکَ أیّها النّبیُ ورَحمَةُ اللّه وبرکاتهُ ،بسم اللّه وباللّهِ ، وَمِن اللّه وما شاءَ اللّهُ ، السّلامُ عَلی أنبیاءِ اللّهِ ورُسُلِه ، والسّلامُ علی رَسُولِ اللّه والسّلامُ علی إبراهیمَ خَلیلِ اللّهِ ، والحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالمین » .

ثم یدخل المسجد متوجهاً إلی الکعبة رافعاً یدیه إلی السماء ویقول :

« اللَّهُمَّ إنِّی أسألُکَ فی مَقامی هذا ، فی أوّلِ مناسِکی أن تَقبَلَ تَوبَتی وأن تَجاوَزَ عن خَطیئَتی وتَضَعَ عنِّی وِزْری ، الحمْد للّه الَّذی بَلَّغَنی بَیتَهُ الحرامَ ، اللّهُمَّ إنِّی اشهِدُکَ أنَّ هذا بیتُکَ الحرامُ الّذی جعلتَهُ مَثابةً للناسِ وأمْناً مُبارکاً وهُدیً للعالمین ، اللّهُمَّ إنِّی عَبْدُکَ والبلدُ بلدُک والبیتُ بیتُکَ ، جئتُ أطلبُ رَحْمَتَکَ ، وأؤُمّ طاعَتَکَ ، مُطیعاً لأمرک ، راضیاً ، بقَدرک ، أسألکَ مسألةَ الفقیرِ إلیک ، الخائفِ لعُقُوبتِک ، اللّهُمَّ افتَحْ لی أبوابَ رَحمتِکَ ، واسْتعمِلنی بطاعتِک ومَرْضاتِک » .

وفی روایة أخری یقف علی باب المسجد ویقول :

ص:387

«بسمِ اللّهِ وباللّه ، ومِن اللّهِ وَإلیَ اللّهِ وما شاء اللّه ، وعلی ملَّةِ رسولِ اللّه ، صلّی اللّه علیه وآله ، وخیرُ الأسماء للّه، والحَمْدُ للّه، والسّلامُ علی رسُول اللّهِ ، صلّی اللّه علیه وآله ، السّلام علی محمّدٍ بن عبد اللّه ، السلام علیک أیّها النَّبی ورحمة اللّه وبرکاتُه ، السّلامُ علی أنبیاءِ اللّه ورسله ، السّلامُ علی إبراهیمَ خَلیلِ الرَّحمنِ ، السّلامُ علی المُرْسَلینَ . والحَمْدُ للّهِ ربِّ العالمینَ ، السّلامُ علینا وعلی عبادٍ اللّهِ الصّالحینَ ، اللّهُمَّ صلِّ علی محمَّدٍ وآل محمد ، وبارِکْ علی محمّدٍ وآل محمّد ، وارحَمْ محمَّداً وآلَ محمَّدٍ ، کما صلَّیْتَ وبارَکتَ وتَرَحَّمتَ علی إبراهیم وآلِ إبراهیمَ إنَّکَ حَمیدٌ مَجید ، اللَّهُمَّ صلّ علی مُحمَّد وآل مُحمَّد عبْدِک ورسولِک ، واللّهُمَّ صلِّ علی إبراهیمَ خلیلِکَ ، وعلی أنبیائِکَ ورُسُلِکَ ، وسَلِّمْ عَلَیهِم ، وسُلامُ علی المرْسَلین ، والحَمْدُ للّه ربِّ العالمینَ ، اللّهُمَّ افْتحْ لی أبوابَ رَحمَتِکَ وَاسْتَعْمِلْنی فی طاعَتِکَ وَمَرْضاتِکَ واحْفَظْنی بِحِفْظِ الإیمان أبَداً ما أبْقَیْتَنی جَلَّ ثَناءُ وَجْهِک ، الحمدُ للّهِ الّذی جَعْلَنی مِن وَفْدهِ وَزُوّارِه ، وَاجْعَلنی مِمّن یَعْمُرُ مَساجِدَهُ وَاجْعَلنی مِمّن یُناجیهِ ، اللَّهُمَّ إنّی عَبْدُکَ ، وَزائِرُکَ فی بَیْتِکَ وَعَلی کُلِّ مأتیٍّ حقٌ لِمَن أتاهُ وَزارَهُ ، وأنتَ خَیْرُ مأتیٍّ وأکرَمُ مَزورٍ ، فَأسألُکَ یا اللّهُ یا رَحْمنُ وبأنّکَ أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ ، وَحْدَکَ لا شَریکَ لَکَ ، وبِأنّکَ واحِدٌ أحَدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَد ، وَلَمْ یکُنْ لک کُفواً أحَدٌ ، وأنّ محمَّداً عَبدُکَ ورَسُولُکَ صلّی اللّه عَلیهِ وعلی أهْلِ بیتِه ، یا جوادُ یا کریم یا ماجِدُ یا جبّارُ یا کریمُ ، أسألُک أن تجْعَلَ تُحْفَتَکَ إیَّایَ بزیارتی إیَّاکَ أوَّلَ شیءٍ تُعطینی فَکاکَ رَقَبتی مِنَ النَّار » .

ثم یقول ثلاثاً :

ص:388

« اللّهم فُکَّ رَقَبتَی مِن النَّار» .

ثم یقول :

« وأوسِعْ علیَّ مِن رِزْقِکَ الحَلالِ الطیِّبِ ، وادرأ عنّی شرَّ شیاطینِ الإنسِ والجنِّ ، وشرَّ فَسَقَةِ العربِ والعجَمِ » .

ویستحبّ عندما یحاذی الحجر الأسود أن یقول :

« أشْهَدُ أنْ لا إله إلّااللّهُ وَحْدَهُ لا شَریکَ لَهُ ، وأشهدُ أنّ محمَّداً عَبْدُهُ ورسولُه آمنْتُ باللّه ، وکَفَرْتُ بالطاغوتِ وباللّات والعُزّی وبعبادةِ الشیطانِ وبعبادةِ کلِّ نِدٍّ یُدعی من دُونِ اللّهِ » .

ثم یذهب إلی الحجر الأسود ویستلمه ویقول :

« الحَمْدُ للّهِ الَّذی هدانا لهذا وما کُنّا لِنَهتَدیَ لولا أنْ هَدانا اللّهُ ، سُبْحانَ اللّه والحمد للّهِ ولا إلهَ إلّااللّه واللّه أکبرُ ، أکبرُ مِنْ خَلقهِ ، أکبرُ ممّن أخشی وأحذَرُ ولا إله إلّااللّه وحدهُ لا شریکَ له ، له المُلکُ ولهُ الحَمْد ، یحیی ویُمیتُ ، ویُمیتُ ویُحیی ، بیدِهِ الخَیْرُ ، وهوَ علی کلِّ شیءٍ قدیر » .

ویصلی علی محمد وآل محمد ، ویسلم علی الأنبیاء کما کان یصلی ویسلم عند دخوله المسجد الحرام ، ثم یقول :

« إنّی اؤمِنُ بوعدِکَ واُوفی بعهدِک » .

وفی روایة صحیحة عن أبی عبداللّه علیه السلام : «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع یدیک ، واحمد اللّه وأثن علیه ، وصلّ علی النبی ، واسأل اللّه أن یتقبل منک ، ثم استلم الحجر وقبّله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بیدک ، فإن لم تستطع أن تستلمه بیدک فأشر إلیه وقل :

ص:389

« اللَّهُمَّ أمانتی أدَّیتُها ، ومیثاقی تعاهَدتُهُ لتشهَدَ لی بالمُوافاة ، اللّهُمَّ تصدیقاً بکتابکَ ، وعلی سُنَّةِ نبیَّک أشْهَدُ أن لا إله إلّااللّهُ وَحْدَهُ لا شَریکَ لَهُ ، وأنّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ، آمنتُ باللّهِ وکَفَرتُ بِالجِبْتِ والطّاغوتِ باللّاتِ والعُزّی ، وعِبادَةِ الشَّیْطانِ وعبادةِ کلِ ّ نِدٍّ یُدعی مِن دونِ اللّه تَعالی » .

فإن لم تستطع أن تقول هذا فبعضه ، وقل :

« اللَّهُمَّ إلیْکَ بَسَطْتُ یَدی ، وَفیما عِنْدَکَ عَظُمَتْ رَغْبَتی فَاقْبَلْ سَبْحَتی ، وَاغْفِرْ لی وَارْحَمْنی ، اللَّهُمَّ إنّی أعُوذُ بِکَ مِنَ الکُفْرِ وَالفَقْرِ وَمَواقِفِ الخِزْیِ فی الدُّنیا وَالآخِرة » .

آداب الطواف

یستحب فی الطواف عدم الاسراع وعدم البط ء بل التوسط .

روی معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال تقول فی الطواف :

« اللَّهُمَّ إنّی أسألکَ بِاسْمِکَ الّذی یُمْشی بِهِ عَلی ظَلل الماءِ کما یُمشی بِه عَلی جَدَدِ الأرض ، وأسألُکَ بِاسْمِکَ الّذی یَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُکَ ، وأسألُک بِاسْمِکَ الّذی تَهْتَزّ لَهُ أقدامُ مَلائکتِکَ ، وأسألُکَ باسْمِکَ الَّذی دَعاکَ بِهِ مُوسی مِن جانِبِ الطّور فَاسْتَجَبْتَ لَهُ وألقَیتَ علیهِ محبَّة مِنْکَ ، وأسْألُکَ بِاسمِکَ الّذی غَفَرْتَ بِهِ لُمحمّدٍ ما تَقدّمِ مِن ذَنْبِهِ وَما تأخّرَ ، وأتمَمْتَ عَلَیْهِ نِعْمَتَکَ أنْ تَفْعَلَ بی کذا وکذا» ما أحببت من الدعاء وهذا

ص:390

الدعاء مسنون فی کل شوط .

وکلّ ما انتهیت إلی باب الکعبة فصلّ علی محمّد وآل محمّد .

وکذا یستحب فی أشواط الطواف : « اللّهمّ إنّی إلیکَ فقیرٌ ، وإنّی خائِفٌ مُسْتَجیرٌ ، فَلا تُغَیِّر جِسْمی ، وَلا تُبَدِّل اسْمی » .

وأکثر من سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّااللّه واللّه أکبر ولا حول ولا قوة إلّاباللّه لا إله إلّااللّه وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد ویحیی ویمیت وهو حی لا یموت بیده الخیر وهو علی کل شیء قدیر ، ولا تقرأ القرآن فی الطواف . ومن قال فی طوافه عشر مرات : « أشهد أن لا إله إلّا اللّه أحداً فرداً صمداً لم یلد ولم یولد ولم یکن له کفواً أحد لم یتخذ صاحبةً ولا ولداً » کتب اللّه له خمسة وأربعین حسنة وکذا یستحب أن یصلی علی النبی وآله فی کل شوط .

وإذا انتهیت إلی باب البیت فصلی علی محمد وآله ، وتقول عند باب البیت : « سائلک مسکینک بباب عبیدک بفنائک فقیرک نزل بساحتک تفضل علیه بجنتک » .

وتقول أیضاً :

« اللهم إن البیت بیتک والحرم حرمک وهذا مقام العائذ بک من النار » .

وإذا انتهیت إلی الرکن العراقی :

« اللهمّ إنی أعوذ بک من الشک والشرک والشقاق والنفاق ودرک الشقاء ومخافة العداء وسوء المنقلب وأعوذ بک من الفقر والفاقة

ص:391

والحرمان والمنی والفتق وغلب الدین آمنت بک وبرسولک وولیک رضیت باللّه رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد وآله نبیاً صلی الله علیه و آله و سلم وبعلی علیه السلام ولیاً وإماماً وبالمؤمنین إخواناً » .

وتقول أیضاً : «اللهم واعتق رقبتی من النار وإدرء عنی شر فسقة العرب والعجم ، وأظلنی تحت ظل عرشک واصرف عنی شر کل ذی شر وشر فسقة الجن والانس ، ویقال هذا الدعاء عند المیزاب » .

وإذا بلغت الحجر قبل أن یبلغ المیزاب یرفع رأسه ویقول : « اللهم أدخلنی الجنة برحمتک - وهو ینظر إلی المیزاب کما کان علی بن الحسین علیهما السلام یفعل وأجرنی برحمتک من النار وعافنی من السقم ووسّع علیَّ من الرزق الحلال وإدرء عنی شر فسقة الجن والانس ، وشر فسقة العرب والعجم » .

وإذا بلغت الرکن الشامی فقل : « اللهم اجعله حجة مقبولة وذنباً مغفوراً وسعیاً مشکوراً وعملاً متقبلاً ، تقبل منی کما تقبلت من إبراهیم خلیلک ، وموسی کلیمک ، وعیسی روحک ، ومحمد صلی الله علیه و آله و سلم حبیبک .

وإذا تجاوز الرکن یقول : « یاذا المنّ والطول والجود والکرم إن عملی ضعیف فضاعفه لی وتقبله منی إنک أنت السمیع العلیم » .

وإذا انتهیت إلی المستجار (المتعوّذ) وهو دبر الکعبة الذی بجنب الرکن الیمانی بقلیل تقول فی الشوط السابع بعد أن تبسط یدیک علی الأرض والصق خدک وبطنک علی البیت إن أمکن : « اللهم بیت بیتک والعبد عبدک وهذا مقام العائذ بک من النار » .

ثم اقرر لربک بما عملت من الذنوب وتقول أیضاً :

ص:392

« اللهم من قبلک الروح والفرج والعافیة اللهم إن عملی ضعیف فضاعفه لی وإغفر لی ما اطلعت علیه منی وخفی علی خلقک » .

وتقول عند استلام الرکن أو الاشارة إلیه إن لم یمکن : « اللهم تب علیّ حتی أتوب واعصمنی حتی لا أعود » .

کما أنه یقول : « یااللّه یاولی العافیة وخالق العافیة ورازق العافیة والمنعم بالعافیة والمنان بالعافیة والمتفضل بالعافیة علیّ وعلی جمیع خلقک یارحمن الدنیا والآخرة ورحیمهما صلِّ علی محمد وآل محمد وارزقنا العافیة ودوام العافیة وتمام العافیة وشکر العافیة فی الدنیا والآخرة یاأرحم الراحمین » .

وعند الرکن الیمانی أیضاً یستحب رفع الرأس والقول : « الحمد للّه الذی شرّفک وعظمک والحمد للّه الذی بعث محمداً نبیاً وجعل علیاً إماماً ، اللهمّ اهد له خیار خلقک وجنبه شرار خلقک » ، فإن الرکن الیمانی من أعظم المواضع حرمة ویصعد الدعاء حتی یلصق بالعرش .

کما یستحب عنده الاشارة إلی زاویة المسجد مقابلة والقول : اصلی علیک یارسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم .

وإذا تجاوز الرکن الیمانی : « اللهم آتنا فی الدنیا حسنة وفی الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » فأن هناک ملکاً یقول آمین .

کما روی عنهم علیهم السلام .

ویستحب عند الملتزم قبیل المستجار عند الرکن الیمانی أن یقول کما قال علی بن الحسین علیه السلام : «اللهم إن عندی أفواجاً من الذنوب

ص:393

وأفواجاً من خطایا وعندک أفواج من الرحمة وأفواج من المغفرة یا من استجاب لابغض خلقه إلیه إذ قال : أَنْظِرْنِی إِلی یَوْمِ یُبْعَثُونَ استجب لی وافعل بی کذا وکذا » .

وعموماً یستحب الدعاء عند المستجار فی کل شوط وقریب الرکن الیمانی لا سیّما فی الشوط السابع .

وتقول فیما بین الرکن الیمانی والحجر الأسود :

« ربّنا آتِنا فی الدُنیا حَسَنةً وفی الآخرةِ حسَنَةً وقِنا عذابَ النّار » .

وعندما یختم بالحجر الأسود یقول مستقبلاً للحجر الأسود إن أمکن :

« اللهم قنعنی بما رزقتنی وبارک لی فمیا آتیتنی » .

ویستحب للطائف فی کل شوط أن یستلم الأرکان کلها لا سیّما الرکن الیمانی والحجر الأسود .

آداب صلاة الطواف

یستحب فی صلاة الطواف أن یقرأ بعد الفاتحة سورة التوحید فی الرکعة الأولی ، وسورة الجحد فی الرکعة الثانیة ، فإذا فرغ من صلاته حمد اللّه وأثنی علیه وصلّی علی محمد وآل محمد ، وطلب من اللّه تعالی أن یتقبل منه .

یستحب أن یدعو بعد الرکعتین « الحمد للّه بمحامده کلها علی نعمائه کلها حتی ینتهی الحمد إلی ما یحب ربی ویرضی اللّهمّ صلِّ علی محمد

ص:394

وآل محمد وتقبل منی وطهّر قلبی وزکی عملی » ، ثم لیجتهد فی الدعاء .

ویستحب أیضاً أن یقول : « اللّهمّ ارحم بطوعیتی إیاک وطوعیتی رسولک صلی الله علیه و آله و سلم اللّهمّ جنبنی أن أتعدی حدودک واجعلنی ممن یحبک ویحب رسولک وملائکتک وعبادک الصالحین » .

وعن الصادق علیه السلام أنه سجد بعد رکعتی الطواف وقال فی سجوده :

« سَجَد وَجْهی لکَ تَعبّداً ورِقّاً ، لا إله إلّاأنتَ حَقّاً حَقّاً ، الأوّلُ قَبلَ کُلِّ شیء ، والآخِرُ بَعْدَ کلِّ شیء وَهَا أنَا ذا بَیْنَ یَدیْکَ ، ناصیَتی بِیَدِکَ ، واغفِر لی إنّه لا یغفِرْ الذَّنبَ العظیمَ غیرُکَ ، فاغْفِر لی ، فإنِّی مُقرّ بِذُنُوبی عَلی نفسی ولا یَدفَعُ الذَّنْبَ العَظیمَ غیرُک » .

وکان علی بن الحسین علیه السلام یقول فی السجود بعدهما : « یاکریم مسکینک بفنائک ، یاکریم فقیرک بفنائک ، زائرک حقیرک ببابک یاکریم » .

وأیضاً کان یقول : « عبیدک بفنائک سائلک بفنائک یسألک ما لم یقدر علیه غیرک » .

ویستحب إذا فرغ من الرکعتین أن یأتی الحجر الأسود ویقبله ویستلمه وإلّا فلیشر إلیه .

ویستحب أن یشرب من ماء زمزم قبل أن یخرج إلی الصفا ویقول :

« اللّهمَّ اجْعَلهُ عِلماً نافِعاً ، ورِزقاً واسعاً وشفاءً مِنْ کلِّ داءٍ وسُقم » .

ویستحب مؤکداً للصرورة دخول الکعبة وهو مستحب لغیره أیضاً بعد الغسل .

وإن أمکنه أتی زمزم بعد صلاة الطواف وأخذ منه ذنوباً أو ذنوبین ،

ص:395

فیشرب منه ویصب الماء علی رأسه وظهره وبطنه ، ویقول :

« اللّهُمّ اجْعَلهُ عِلماً نافِعاً ، ورِزقاً واسعاً وشفاءً مِن کُلّ داءٍ وسُقم » .

ثمّ یأتی الحجر الأسود فیخرج منه إلی الصفا .

آداب السعی

یستحب الخروج إلی الصفا من الباب الذی یقابل الحجر الأسود مع سکینة ووقار ، فإذا صعد علی الصفا نظر إلی الکعبة ، ویتوجه إلی الرکن الذی فیه الحجر الأسود ، ویحمد اللّه ویثنی علیه ویتذکر آلاء اللّه ونعمه ثم یقول : «اللّه أکبر» سبع مرات ، «الحمد للّه» سبع مرات ، «لا إله إلّااللّه» سبع مرات ، ویقول ثلاث مرات :

« لا إله إلّااللّهُ وحْدَهُ لا شریکَ لَهُ ، لَهُ المُلکُ ولَهُ الحَمْدُ ، یُحْیی ویُمیتُ وَهُوَ حیّ لا یَموت ، بِیَدِهِ الخَیر وَهُوَ علی کلّ شیء قَدیر » .

ثم یصلی علی محمد وآل محمد ، ثم یقول ثلاث مرات :

« اللّه أکبرُ علی ما هَدانا ، والحَمْدُ للّهِ علی ما أولانا ، والحمدُ للّهِ الحیِّ القَیّومِ ، والحَمْدُ للّهِ الحَیِّ الدَّائِم » .

ثم یقول : ثلاث مرّات :

« أشهدُ أن لا إله إلّااللّه ، وأشهدُ أنّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه ، لا نعْبُدُ إلّا إیَّاه ، مُخْلِصینَ لهُ الدِّین ، وَلو کَرِهَ المُشْرِکینَ » .

ثم یقول ثلاث مرّات :

ص:396

« اللَّهمَّ إنّی أسْألُکَ العَفْوَ والعافِیَةَ والیَقین فی الدّنْیا والآخِرة » .

ثمّ یقول : «اللّه أکبر» مائة مرة ، «لا إله إلّااللّه» مائة مرّة ، «الحمد للّه» مائة مرّة ، «سبحان اللّه» مائة مرّة .

ثم یقول :

« لا إله إلّااللّه وَحْدَهُ ، أنجزَ وعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وغَلَبَ الأحزابَ وحْدَهُ ، فَلَهُ المُلْکُ ولَهُ الحَمْدُ ، وحْدَه وحْدَهُ ، اللَّهمَّ بارِکْ لی فی الموتِ وفیما بَعدَ الموت ، اللَّهم إنّی أعُوذُ بِکَ من ظُلمَةِ القَبْرِ ووحْشَتِهِ ، اللّهمَّ أظِلَّنی فی ظِلِّ عَرْشِکَ یوْمَ لا ظِلَّ إلّاظِلُّکَ » .

ویستودع اللّه دینه ونفسه وأهله کثیراً ، فیقول : « أستَودِعُ اللّهَ الرَّحمنَ الرَّحیمَ الَّذی لا تَضیعُ ودائعهُ دینی ونفْسی وأهلی ، اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنی علی کِتابِکَ وسُنَّةِ نبیِّک ، وتوفَّنی علی مِلَّتِهِ ، وأعِذْنی من الفِتنَة » .

ثم یقول : «اللّه أکبر» ثلاث مرات ، ثم یعیدها مرتین ، ثم یکبّر واحدة ثم یعیدها ، فإن لم یستطع هذا فبعضه .

وکان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم یقف علی الصفا بقدر ما یقرأ سورة البقرة مترسلاً .

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه إذا صعد الصفا استقبل الکعبة ، ثم یرفع یدیه ، ثم یقول :

« اللَّهُمَّ اغْفِرْ لی کُلّ ذَنْبٍ أذْنَبتُهُ قَطّ ، فإنْ عُدْتُ فُعُدْ علیَّ بالمَغْفِرَةِ ، فإنَّک أنتَ الغَفُورُ الرَّحیم ، اللَّهُمَّ افْعَل بی ما أنت أهْلهُ ، فإنَّکَ إنْ تَفْعَلْ بی ما أنتَ أهلُه تَرحمْنی ، وإن تعذِّبْنی فأنْت غنیٌّ عَنْ عذابی ، وأنا محتاجٌ

ص:397

إلی رَحْمَتِکَ ، فیامَن أنا محتاجٌ إلی رَحْمتِه ارْحَمْنی ، اللّهم لا تفْعلْ بی ما أنا أهْلُهُ فإنّک إن تفعل بی ما أنا أهلُهُ تعذِّبْنی ولمْ تظلِمنی ، أصْبَحتُ أتَّقی عدْلَک ولا أخافُ جَورَکَ ، فیا مَن هُوَ عَدلٌ لا یجورُ ارْحمنی » .

ویستحب الدعاء علی الصفا أو المروة « اللهم إنی أسألک حسن الظن بک علی کل حال وصدق النیة فی التوکل علیک » .

وعن أبی عبد اللّه علیه السلام إن أردت أن یکثر مالک فأکثر من الوقوف علی الصفا ویستحب أن یسعی ماشیاً وأن یمشی مع سکینة ووقار ثم تنحدر إلی المسعی وقل : « اللهم إنی أعوذ بک من عذاب القبر وفتنته وغربته ووحشته وظلمته وضیقه وضنکه اللهم اظلنی فی ظل عرشک یوم لا ظل إلّا ظلک » .

ویدعو أیضاً وهو کاشف عن ظهره : « یاربّ العفو ویامن یأمر بالعفو ویامن هو أولی بالعفو ویامن یثیب علی العفو العفو العفو العفو یاجواد یاکریم یاقریب یابعید اردد علیّ نعمتک واستعملنی بطاعتک ومرضاتک » .

حتی یأتی محل المنارة الأولی فیهرول ویدعو «بسم اللّه واللّه أکبر وصلی علی محمد وآله » .

ویقول أیضاً : « اللهم اغفر وارحم واغفر عمّا تعلم إنک أنت الأعز الأکرم » إلی محل المنارة الأُخری فإذا جاوزها یقول : « یا ذا المنّ والفضل والکرم والنعماء والجود اغفر لی ذنوبی إنه لا یغفر الذنوب إلّا أنت » .

ویقول أیضاً : « اللهم إنی أسألک من خیر الآخرة والأولی وأعوذ بک

ص:398

من شر الآخرة والاُولی » .

وتقول أیضاً : « یاذا المنّ والطول والکرم والنعماء والجود صلی علی محمد وآل محمد واغفر لی ذنوبی إنه لا یغفر الذنوب إلّاأنت یا کریم » .

ثم یمشی مع سکینة ووقار حتی یصعد علی المروة فیصنع علیها کما صنع علی الصفا ، ویرجع من المروة إلی الصفا علی هذا النهج أیضاً ، وإذا کان راکباً أسرع فیما بین المنارتین فینبغی أن یجدّ فی البکاء ویدعو اللّه کثیراً ، ولا هرولة علی النساء .

ویستحب أن یکون آخر دعائک کل ما مررت علی الصفا إستعملنی بسنة نبیک صلی الله علیه و آله و سلم وتوفنی علی ملته وأعذنا من مضلّات الفتن ولیکن آخر دعاءه کل ما مرّ علی المروة « اختم لی اللهم بخیر واجعل عاقبتی علی خیر اللهم فقنی من الذنوب واعصمنی فیما بقی من عمری حتی لا أعود بعدها أبداً إنک أنت العاصم المانع » .

وکل ما نزلت من الصفا وأنت متجهاً إلی المروة فادعوا « اللهم استعملنا بطاعتک وأحینا علی سنة نبیک صلی الله علیه و آله و سلم وتوفنا علی ملة رسولک ، وأعذنا من مضلّات الفتن » .

آداب الإحرام للحجّ

ما تقدم من الآداب فی إحرام العمرة یجری فی إحرام الحج أیضاً ، فإذا کان یوم الترویة اغتسل ولبس ثوبی ودخل المسجد حافیاً بسکینة

ص:399

والوقار ثم یصلی رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام أو فی الحجر ثم یقعد حتی تزول الشمس ویصلی المکتوبة ثم یقول مثل ما قال فی احرام العمرة ثم یمضی وعلیه السکینة والوقار فإذا انتهی إلی الرقطاء دون الردم « قبیل مسجد الجن عند سوق اللیل » لبی ، فإذا أحرم للحج وخرج من مکة یلبّی فی طریقه غیر رافع صوته ، حتی إذا أشرف علی الأبطح رفع صوته بالتلبیة ، فإذا توجه إلی منی قال :

« اللّهُمَّ إیّاکَ أرجُو ، وإیّاکَ أدعو ، فَبَلِّغْنی أملی ، وأصْلِحْ لی عَملی » .

ثم یذهب إلی منی بسکینة ووقار مشتغلاً بذکر اللّه سبحانه ، فإذا وصل إلیها قال :

« الحَمْدُ للّهِ الّذی أقْدَمَنیها صالِحاً فی عافیة ، وبلَّغَنی هذا المکان » .

ثم یقول :

« اللَّهُمَّ هذه مِنی ، وهذه مما مَننْتَ به علَینا مِن المَناسِکِ ، فأسألکَ أنْ تَمُنَّ علیّ بما مَنَنْتَ به علی أنبیائِکَ ، فإنَّما أنا عَبدُک وفی قَبضَتِک » .

وأکثر الصلاة علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم .

ویستحب له المبیت فی منی لیلة عرفة ، یقضیها فی طاعة اللّه تبارک وتعالی ، والأفضل أن تکون عباداته ولا سیما صلواته فی مسجد الخَیف ، فإذا صلی الفجر عقّب إلی طلوع الشمس ثم یذهب إلی عرفات ، ولا بأس بخروجه من منی بعد طلوع الفجر ، والأولی بل الأحوط أن لایتجاوز وادی محسّر قبل طلوع الشمس ویکره خروجه منها قبل الفجر ، وذهب بعضهم إلی عدم جوازه إلّالضرورة ، کمرض أو

ص:400

خوف من الزحام ، فإذا توجه إلی عرفات قال :

« أللَّهُمَّ إلَیْکَ صَمَدتُ ، وإیّاکُ اعتَمَدتُ وَوَجْهَکَ أرَدْتُ ، فأسألکَ أنْ تُبارکَ لی فی رحلَتی وأن تَقْضیَ لی حاجتی ، وأن تجْعلَنی ممَّنْ تُباهی به الیومَ مَنْ هو أفْضَلُ منِّی » .

وتقول :

« اللهم وعلیک توکلت أسألک أن تغفر لی ذنوبی وتعطینی سؤلی وتقضی لی حاجتی وتبارک لی فی جسدی وأن تجعلنی ممن تباهی به من هو أفضل منی وتوجهنی للخیر أینما توجهت » ثم یلبّی إلی أن یصل إلی عرفات .

آداب الوقوف بعرفات

یستحب فی الوقوف بعرفات أمور ، وهی کثیرة نذکر بعضها ، منها :

1 - الطهارة حال الوقوف .

2 - الغسل عند الزوال .

3 - تفریغ النفس للدعاء والتوجه إلی اللّه .

4 - الوقوف بسفح الجبل فی میسرته .

5 - الجمع بین صلاتی الظهرین بأذان وإقامتین .

6 - مد الیدین حالة الدعاء .

ص:401

7 - مائة رکعة بحیث یقرأ فی کل رکعة بعد الحمد التوحید ویختم صلاته بآیة الکرسی .

8 - استیعاب الوقت بالدعاء ولو بتکراره کما یستحب تحمید اللّه وتسبیحه وتکبیره وتهلیله بعدد ما ورد فی القرآن الکریم فی ذلک .

9 - ینبغی حسن الظن باللّه تعالی فی الاستجابة والتوبة فقد روی « إن أعظم أهل عرفات جرماً من ینصرف وهو یظن أنه لم یغفر له » .

10 - أن یشرک فی دعاءه اخوانه المؤمنین .

11 - أن یکرر یا رب یا رب یا رب بکثرة بعد قراءة دعاء الامام الحسین علیه السلام .

12 - أن یأتی بالدعاء المأثور وینبغی أن یقدم قبله التکبیرة مائة والحمد مائة مرة والتسبیح والتهلیل وقراءة قل هو اللّه أحد کل واحدة مائة مرة ویستحب الزیادة علی ذلک ثم یقرأ سورة القدر مائة مرة وآیة الکرسی والصلاة علی النبی وآله مائة مرة فی کل واحدة ویستحب ذلک أول مجیئه للموقف بعد صلاة الظهرین ثم یشرع فی الدعاء فمن ذلک دعاء الحسین علیه السلام ، ودعاء ولده الامام زین العابدین علیه السلام .

ومنه ما فی صحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّما تعجل الصلاة وتجمع بینهما لتفرغ نفسک للدعاء ، فإنه یوم دعاء ومسألة ، ثم تأتی الموقف وعلیک السکینة والوقار ، فاحمد اللّه وهلّله ومجّده وأثن علیه ، وکبّره مائة مرّة ، واحمده مائة مرة ، وسبّحه مائة مرّة ، واقرأ قل هو اللّه أحد مائة مرّة ، وتخیر لنفسک من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه یوم دعاء ومسألة وتعوّذ باللّه من الشیطان فإن الشیطان لن

ص:402

یذهلک فی موطن قطّ أحبّ إلیه من أن یذهلک فی ذلک الموطن ، وإیّاک أن تشتغل بالنظر إلی الناس ، وأقبل قبل نفسک ، ولیکن فیما تقول : اللّهم إنّی عبدُک فلا تجعلْنی مِن أخْیبِ وَفدِک ، وارحم مَسیری إلیک مِنَ الفَج العمیق .

ولیکن فیما تقول :

« اللَّهمَّ ربَّ المشاعِرِ کلَّها فَکَّ رَقَبتی مِن النَّار ، وَأَوسِعْ عَلیَّ مِن رِزْقِکَ الحَلال ، وادْرَأ عَنِّی شَرَّ فَسَقَةِ الجِنّ والانس » .

وتقول : « اللَّهُمَّ لا تمکُرْ بی ولا تخْدَعْنی ولا تَسْتَدْرِجْنی » .

وتقول : « اللَّهُمَّ إنِّی أَسألُکَ بِحَوْلِکَ وَجُودِکَ وکَرَمِکَ ومَنِّکَ وفَضْلِکَ یا أسمَعَ السَّامِعِینَ وَیا أبصَرَ النَّاظِرِینَ وَیا أسرَعَ الحَاسِبِینَ ویا أرحَمَ الرَّاحِمینَ أنْ تُصلِّیَ علی محمّدٍ وآلِ محمَّدٍ ، وأن تفعَلَ بی کذا وکذا » ، وتذکر حوائجک .

ولیکن فیما تقول وأنت رافع رأسک إلی السماء : « اللَّهمَّ حاجتی إلَیْکَ الَّتی إنْ أعطَیتَنیها لمْ یَضَرَّنی ما مَنَعْتَنی ، والَّتی إن مَنَعتَنیها لمْ یَنْفَعْنی ما أعطَیْتَنی ، أسألُکَ خلاصَ رقَبَتی مِنَ النَّار » .

ولیکن فیما تقول : « اللَّهُمَّ إنِّی عَبْدُکَ ومِلْکُ یدِکَ ، ناصِیَتی بیَدِکَ وأجَلی بِعلمِک ، أسألک أن توفِّقَنی لِما یُرضیکَ عنِّی وأن تَسلَّمَ منِّی مَناسکی الَّتی أریْتَها خلیلَک إبراهیم صلواتک علیه ودلَلتَ عَلَیْها نبیَّک محمّداً صلّی اللّه علیه وآله » .

ولیکن فیما تقول : « أللّهُمَّ اجْعَلنی ممّنْ رَضیتَ عَمَلَهُ وأطَلْت عُمْرَهُ

ص:403

وأحییْتَهُ بَعْدَ المَوْتِ حَیاةً طیِّبة » .

ومن الأدعیة المأثورة ما علّمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه وآله علیاً علیه السلام علی ما رواه معاویة ابن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : فتقول :

« لا إله إلّااللّه وَحْدَهُ لا شرَیکَ لَه لهُ المُلْکُ ولَهُ الحَمْدُ ، یُحیی ویُمیتُ ویُمیتُ ویُحیی ، وَهُو حیٌّ لا یَموتُ ، بیدهِ الخَیْرُ وَهُو علی کلِّ شیءٍ قَدیرٍ ، اللَّهُمَّ لَکَ الحَمْدُ أنت کما تَقُول ، وخیر ما یَقولُ القائلون ، اللَّهُمَّ لَکَ صلاتی ودینی ومَحیایَ ومماتی ، ولکَ تُراثی وبکَ حَوْلی ومِنْکَ قوَّتی ، اللَّهُمَّ إنِّی أعوذُ بکَ من الفَقْر ومِنْ وسواسِ الصَّدرِ ومِنْ شَتاتِ الأمرِ وَمِنْ عذابِ النّارِ ومِنْ عَذابِ القبر ، اللَّهُمَّ إنِّی أسألکَ مِنْ خیر ما تأتی به الرِّیاحُ ، وأعُوذُ بکَ مِنْ شرِّ ما تأتی بِهِ الرِّیاحُ ، وأسألکَ خیرَ اللَّیلِ وخیرَ النَّهار » .

ومن الأدعیة المأثورة ما رواه السید ابن طاوس عن الرضا علیه السلام « اللهم کما سترت علیّ ما لم أعلم فاغفر لی ما تعلم وکما وسعنی علمک فلیسعنی عفوک وکما بدأتنی بالاحسان فأتم نعمتک بالغفران وکما أکرمتنی بمعرفتک فاشفعها بمغفرتک وکما عرفتنی وحدانیتک فأکرمنی بطاعتک وکما عصمتنی مما لم أکن أعتصم منه إلّابعصمتک فاغفر لی ما لو شئت لعصمتنی منه یا أجود یا کریم یا ذا الجلال والاکرام » .

ومن الأدعیة أیضاً « اللهم اجعل فی قلبی نوراً وفی سمعی وبصری نوراً ولحمی ودمی وعظامی وعروقی ومفاصلی ومقعدی ومقامی ومدخلی وفرجی نوراً واعظم لی نوراً یا رب یوم ألقاک انک علی کل شیء قدیر » .

ص:404

ومن تلک الأدعیة ما رواه عبد اللّه بن میمون ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وقف بعرفات ، فلما همت الشمس أن تغیب قبل أن یندفع ، قال :

« اللّهُمَّ إنِّی أعُوذُ بِکَ مِنْ الفَقْرِ ، ومِنْ تَشتُتِ الأمرِ ، ومِنْ شَرِّ ما یحدثُ باللیل والنَّهار ، أمْسی ظُلمی مُستَجیراً بعفوِک ، وأمْسی خَوفی مُستجیراً بأمانِک ، وأمْسی ذلِّی مسْتجیراً بِعِزِّکَ ، وأمْسی وجهی الفانی مُستجیراً بوجْهک الباقی ، یا خَیْرَ مَنْ سُئِل ، ویا أجْودَ مَن أعْطی جَلِّلْنی برحْمَتِکَ ، وألْبِسنی عافیتَک ، واصْرِفْ عنِّی شرَّ جمیع خلقک » .

وروی أبو بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا غربت الشمس یوم عرفة فقل :

« اللَّهُمَّ لا تجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدٍ مِن هذا المَوْقِف ، وارْزُقنیهِ مِنْ قابِل أبداً ما أبقَیْتَنی ، واقْلِبْنی الیَومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لی مرحوماً مَغْفُوراً لی ، بأفْضَلِ ما یَنْقَلِبُ بِهِ الیَوْمَ أحَدٌ مِن وَفْدِک وحُجاج بیْتِکَ الحرام ، واجْعَلنی الیَوْمَ مِنْ أکْرَمِ وَفْدک عَلیک ، واعْطِنی أفضَلَ ما أعْطَیْتَ أحَداً مِنْهُم مِنَ الخَیْرِ والبَرکةِ والرَّحمَةٍ والرِّضْوانِ والمَغفِرَة ، وبارِک لی فیما أرْجَِعُ إلیه مِنْ أهلٍ أو مالٍ أو قَلیلٍ أو کَثیرٍ ، وبارِک لَهُمْ فیّ » .

آداب الوقوف بالمزدلفة

یستحب فی الوقوف بمزدلفة أُمور ، وهی کثیرة نذکر بعضها :

1 - الافاضة من عرفات علی سکینة ووقار مستغفراً فإذا انتهی إلی

ص:405

الکثیب الأحمر عن یمین الطریق یقول :

« اللَّهُمَّ ارْحَمْ مَوْقِفی ، وزِدْ فی عَمَلی ، وسَلِّم لی دینی وتَقبَّل مناسِکی » .

2 - الاقتصاد فی السیر .

3 - تأخیر العشائین إلی المزدلفة ، والجمع بینهما بأذان وإقامتین وإن ذهب ثلث اللیل .

4 - نزول بطن الوادی عن یمین الطریق قریباً من المشعر ، ویستحب للصرورة وِط ء المشعر برجله .

5 - إحیاء تلک اللیلة بالعبادة والدعاء بالمأثور وغیره ، ومن المأثور أن یقول :

« اللَّهُمَّ هذه جَمْع ، اللَّهُمَّ إنِّی أسألُک أنْ تَجْمَعَ لی فیها جوامعَ الخَیرِ ، اللَّهُمَّ لا تؤْیسنی مِنَ الخَیْرِ الَّذی سألْتُکَ أن تجْمَعَهُ لی فی قَلبی ، وأطْلبُ إلَیْکَ أنْ تُعرِّفَنی ما عَرَّفْتَ أولیاءک ، فی مَنْزلی هذا ، وأنْ تَقِیَنی جوامِعَ الشَّر » .

6 - أن یصبح علی طهر ، فیصلی الغداة ویحمد اللّه عزّ وجلّ ویثنی علیه ، ویذکر من آلائه وبلائه ما قدر علیه ، ویصلی علی النبی صلی الله علیه و آله ثم یقول :

« اللهم ربّ المشعر الحرام ورب الرکن والمقام ورب الحجر الأسود وزمزم ورب الأیام المعلومات فکّ رقبتی من النار ووسع علی من رزقک الحلال وادرأ عنی شرّ فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم ،

ص:406

اللهم أنت خیر مطلوب إلیه وخیر مدعوّ وخیر مسؤول ولکل وافد جائزة فاجعل جائزتی فی موطنی هذا أن تقیلنی عثرتی ، وتقبل معذرتی وتجاوز عن خطیئتی واجعل من الدنیا زادی وتقلبنی مفلحاً منجحاً مستجاباً لی بأفضل ما یرجع أحد من وفدک وحجاج بیتک الحرام » .

وادعو اللّه عزّوجلّ کثیراً لنفسک ولوالدیک وولدک وأهلک ومالک واخوانک المؤمنین والمؤمنات .

واعترف للّه تعالی بذنوبک سبع مرات واسئله التوبة سبع مرات .

7 - التقاط حصی الجمار من المزدلفة ، وعددها سبعون .

8 - الافاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بقلیل أی عند مشارف طلوعها ذاکراً داعیاً علی سکینة ووقار .

9 - السعی « السیرالسریع » إذا مر بوادی محسِّر وقدر للسعی مائة خطوة ، ویقول : « اللَّهُمَّ سَلِّمْ لی عَهدی ، واقْبَلْ توبَتی ، وأجِبْ دَعْوتی ، واخلُفْنی بخَیْرٍ فی من ترکت بعدی » وإن کان راکباً فلیقل عند الاجتیاز « ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنک أنت الأعز الأکرم واهدنا للتی هی أقوم » .

آداب رمی الجمرات

یستحب فی رمی الجمرات أُمور منها :

1 - یستحب المشی إلی الجمار .

ص:407

2 - أن یکون علی طهارة حال الرمی .

3 - أن یقول إذا أخذ الحصیات بیده :

« اللَّهُمَّ هؤلاء حَصیاتی فأحصِهِنَّ لی وارْفَعْهُنَّ فی عمَلی » .

4 - أن یقول عند کل رمیة :

« اللّهُ أکبر ، اللَّهُمَّ ادْحَرْ عَنِّی الشَّیطان ، اللَّهُمَّ تَصدیقاً بِکِتابِکَ ، وعلی سُنَّةِ نبیِّکَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجّاً مَبروراً وعملاً مَقبولاً وسَعیاً مَشکوراً وذَنباً مغفوراً » .

5 - أن یقف الرامی علی بعد من جمرة العقبة بعشر خطوات ، أو خمس عشرة خطوة .

6 - أن یقف عند الجمرتین بعد الرمی داعیاً بحیث یجعل الجمرة علی یسار الطریق وهو مستقبل القبلة فیحمد الله ویثنی علیه ویصلی علی محمد وآله صلی الله علیه و آله ویکبر سبع تکبیرات ویقف مقدار ما یقرأ مائة آیة أو مائة وخمسین آیة ثم یتوجه إلی الجمرة الوسطی حال کونه داعیاً ثم یفعل کما فعل فی الجمرة الأولی بعد الرمی ولکنه یتقدم أمامهما ویقف علی یسارها مستقبل القبلة ولا یقف عند جمرة العقبة بل یرمی وینصرف .

7 - أن یرمی جمرة العقبة متوجهاً إلیها مستدبر القبلة ، ویرمی الجمرتین الأولی والوسطی مستقبل القبلة .

8 - أن یضع الحصاة علی إبهامه ، ویدفعها بظفر السبابة .

9 - أن یقول إذا رجع إلی منی :

ص:408

« أللَّهُمَّ بِکَ وَثِقْتُ ، وعَلَیْکَ توکَّلْتُ ، فنِعْمَ الربُّ ونِعمَ المولی ونِعمَ النَّصیر » .

آداب الهدی

یستحب فی الهدی أُمور منها :

1 - أن یکون بدنة ومع العجز فبقرة ، ومع العجز عنها أیضاً فکبشاً .

2 - أن یکون سمیناً أملح أقرن ذو ذنب .

3 - التعریف بعرفة ویجزی تعریف البائع به .

4 - أن یقول عند الذبح أو النحر :

« وجَّهْتُ وَجْهیَ لِلَّذی فَطَرَ السَّماواتِ والأرض حَنیفاً مُسْلِماً وما أنا مِنَ المُشْرکینَ ، إنَّ صلاتی ونُسُکی ومَحْیایَ ومَماتی للّهِ ربِّ العالمین ، لا شَریکَ لَهُ وبِذلک امِرتُ وأنا مِنَ المسلمین اللهم إن هذا منک وبک ، ولک وإلیک ،بسم اللّه الرحمن الرحیم اللّه أکبر اللهم تقبّل منی کما تقبّلت من إبراهیم خلیلک وموسی کلیمک ، ومحمد حبیبک صلی اللّه علیهم » ثم أمر السکین علیها ، ولا تنخعها حتی تموت .

5 - أن یباشر الذبح بنفسه ، فإن لم یتمکن فلیضع السکین بیده ، ویقبض الذابح علی یده ، ولا بأس بأن یضع یده علی ید الذابح ، فإن لم یمکن فلیقم قائماً علی الذبح مستقبل القبلة ویکبر .

6 - یکره أن یعطی الجزار من جلود الهدی وجلالها وقلائدها شیئاً

ص:409

بل یتصدق بها .

آداب الحلق

1 - یستحب فی الحلق أن یستقبل القبلة وأن یبدأ بالطرف الأیمن من الناحیة ویحلق من العظمین النابتین بحذاء الاذنین من الصدغین وأن یقول حین الحلق : « اللّهم اعطنی بکل شعرة نوراً یوم القیامة » .

2 - أن یدفن شعره فی خیمته فی منی .

3 - أن یأخذ من لحیته وشاربه ویقلِّم أظافیره بعد الحلق .

آداب طواف الحج والسعی

ما ذکرناه من الآداب فی طواف العمرة وصلاته والسعی فیها یجری هنا أیضاً ، ویستحب الاتیان بالطواف یوم العید ، فإذا قام علی باب المسجد یقول :

« اللَّهُمَّ أعِنِّی علی نُسُکِکَ وسَلِّمْنی لَهُ وسَلِّمْهُ لی ، أسألُکَ مَسْألَةَ العلیل الذَّلیل المُعْتَرف بِذَنبه أن تغْفِرَ لی ذُنُوبی ، وأن ترجِعَنی بحاجتی ، اللَّهُمَّ إنِّی عبْدُک والبَلدُ بَلَدُک والبَیتُ بَیتُک ، جِئتُ أطلبُ رَحْمَتک وأؤُمُّ طاعتَک ، مُتَّبِعاً لأمْرک راضیاً بِقَدَرِکَ أسألکَ مسألةَ المُضْطَرِّ إلیک ، المُطیعِ لأمرِک ، المُشْفِقِ مِنْ عَذابِک ، الخائفِ لعُقُوبَتِکَ أنْ تُبَلِّغنی عفوَک

ص:410

وتُجیرَنی مِنَ النَّارِ برحمتک » .

ثم یأتی الحجر الأسود فیستلمه ویقبّله ، فإن لم یستطع استلم بیده وقبَّلها ، وإن لم یستطع من ذلک أیضاً استقبل الحجر وکبّر وقال کما قال حین طاف بالبیت یوم قدم مکة ، فی آداب الطواف ویستحب أن یبقی علی ثوبی الإحرام ولا یلبس ثیابه المخیطة حتی یطوف ویسعی ویطوف طواف النساء أیضاً .

آداب منی

یستحب المقام بمنی أیام التشریق وعدم الخروج منها ولو کان الخروج للطواف المندوب بل یکره المبیت فی النصف الآخر فی غیرها .

ویستحب ذکر اللّه فیها کثیر کما یستحب التکبیر فیها بعد خمس عشرة صلاة أولها ظهر یوم النحر ، وبعد عشر صلوات فی سائر الأمصار ، والأولی فی کیفیة التکبیر أن یقول :

« اللّهُ أکبرُ اللّهُ أکبرُ ، لا إله إلّااللّهُ واللّهُ أکبرُ ، اللّهُ أکبرُ وللّه الحَمْدُ ، اللّه أکبرُ علی ما هدانا ، اللّهُ أکبرُ علی ما رَزَقَنا مِنْ بَهیمةِ الأنعامِ ، والحمْدُ للّهِ علی ما أبلانا » .

ویستحب أن یصلی فرائضه ونوافله فی مسجد الخیف ، روی أبو حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « من صلّی فی مسجد الخیف بمنی مائة رکعة قبل أن یخرج منه عدلت عبادة سبعین عاماً ، ومن سبّح اللّه

ص:411

فیه مائة تسبیحة کتب له کأجر عتق رقبة ، ومن هلل اللّه فیه مائة تهلیلة عدلت أجر إحیاء نسمة ، ومن حمد اللّه فیه مائة تحمیدة عدلت أجر خراج العراقین یتصدق به فی سبیل اللّه عزّوجلّ » .

ویستحب التحصیب وهو النزول بالبطحاء قلیلاً بعد النفر الثانی وهی ما بین منی والمعلی ، وذلک بأن یستلقی فیه علی القفاء قلیلاً .

آداب مکة المعظمة

یستحب فیها أُمور منها :

1 - الاکثار من ذکر اللّه وقراءة القرآن .

2 - وقد مر جملة من مستحبات فی آداب دخول مکة المکرمة فلاحظ کما ان هذه الآداب هنا لیست خاصة بما بعد النسک بل هی مستحبة منذ دخوله إلی خروجه .

3 - ختم القرآن فیها .

4 - الشرب من ماء زمزم ثم یقول :

« اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشِفاءً من کلّ داءٍ وسُقم » ، ثم یقول : «بسمِ اللّه ، الحَمْدُ للّه، الشُکْرُ للّه» .

5 - الاکثار من النظر إلی الکعبة .

6 - الطواف حول الکعبة عشر اطوفه : ثلاثة فی أول اللیل ، وثلاثة فی آخره ، وطوافان بعد الفجر ، وطوافان بعد الظهر .

ص:412

7 - أن یطوف أیام إقامته فی مکة ثلاثمائة وستین طوافاً ، فإن لم یتمکن فاثنین وخمسین طوافاً فإن لم یتمکن أتی بما قدر علیه .

8 - دخول الکعبة للصرورة بل مطلقاً کما مرّ ویستحب له أن یغتسل قبل دخوله وأن یقول عند دخوله :

« اللهم إنّک قلت : وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ، فآمنی من عذاب النار » .

ثم یصلی رکعتین بین الاسطوانتین علی الرخامة الحمراء ، یقرأ بعد الفاتحة فی الرکعة الأولی سورة حم السجدة ، وفی الثانیة بعد الفاتحة خمساً وخمسین آیة .

9 - أن یصلی فی کل زاویة من زوایا البیت ، وبعد الصلاة یقول :

« اللَّهُمَّ مَنْ تَهَیَّأ أوْ تَعَبَّأ أوْ أعَدَّ أوْ اسْتَعَدَّ لِوفادةٍ إلی مخلُوقٍ رَجاءَ رِفْدِه وجائزَتَهِ ونَوافِلِهِ وفواضِلِه ، فإلیکَ یا سیدی تَهیئَتِی وتَعبِئَتی وإعدادی واسْتِعدادی رَجاءَ رِفْدِکَ ونوافِلِک وجائزتِک ، فلا تُخَیِّب الیومَ رَجائی ، یا مَنْ لا یَخیبُ عَلَیهِ سائِلٌ ، ولا یَنْقُصُهُ نائلٌ فإنِّی لمْ آتِکَ الیومَ بِعَمَلٍ صالحٍ قَدَّمْتُهُ ، ولا شَفاعةِ مَخلُوقٍ رَجَوْتُه ، ولکنِّی أتَیْتُکَ مُقِرّاً بالظُلمِ والإساءَةِ علی نَفْسی ، فإنَّهُ لا حُجّةَ لی ولا عُذْر ، فأسألُکَ یا مَنْ هُوَ کذلک أنْ تصلَیَ علی محمّد وآله ، وتُعطیَنی مَسألتی وتُقیلَنی عَثْرتی وتَقْلِبَنی برَغبَتی ، ولا ترُدَّنی مجبوهاً ممنُوعاً ولا خائباً ، یا عَظیمُ یا عَظیمُ یا عَظیمُ أرْجوکَ للعظیم ، أسألک یا عظیمُ أن تَغْفِرَ لی الذَّنبَ العظیمَ لا إله إلّا أنت » .

ویستحب التکبیر ثلاثاً عند خروجه من الکعبة وأن یقول :

ص:413

« اللَّهمَّ لا تجْهِدْ بلائنا ، ربَّنا ولا تُشمِت بِنا أعداءنا ، فانَّکَ أنْتَ الضَّارُّ النَّافع » .

ثم ینزل ویستقبل الکعبة ، ویجعل الدرجات علی جانبه الأیسر ، ویصلّی رکعتین عند الدرجات .

طواف الوداع

یستحب لمن أراد الخروج من مکة أن یطوف الوداع ، وأن یستلم الحجر الأسود والرکن الیمانی فی کل شوط ، وأن یأتی بما تقدم فی آداب الطواف من المستحبات عند الوصول إلی المستجار ، وأن یدعو اللّه بما شاء ، ثم یستلم الحجر الأسود ، ویلصق بطنه بالبیت ، ویضع إحدی یدیه علی الحجر والأخری نحو الباب ، ثم یحمد اللّه ویثنی علیه ، ویصلی علی النبی وآله ویستحب له أن یسجد قبیل خروجه سائلاً اللّه أن یتقبل منه کما یستحب له قبیل الخروج أن یلتزم الملتزم کاشفاً عن بطنه .

ثم یقول : « اللهم صلِّ علی محمد عبدک ورسولک ونبیک وأمینک وحبیبک ونجیبکَ وخِیَرتِک مِن خلقِکَ ، اللَّهُمَّ کما بلَّغَ رِسالاتِکَ ، وجاهدَ فی سبیلِک ، وصَدَعَ بأمْرکَ ، وأوذی فیک وفی جَنْبِکَ ، وعَبَدَکَ حتی أتاهُ الیقینُ ، اللَّهُمَّ اقْلِبْنی مُفلِحاً مُنْجِحاً مُسْتجاباً لی بأفْضلِ ما یرجِع به أحدٌ مِنْ وَفْدِکَ مِنَ المِغْفِرة والبرکة والرِّضوانِ والعافیة مما یسعنی أن أطلب ، أن تعطینی مثل الذی أعطیته أفضل من عبدک تزیدنی علیه ، اللهم إن أمتنی فاغفر لی وإن أحییتنی فارزقنیه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد

ص:414

من بیتک ، اللهم إنی عبدک ابن عبدک وابن أمتک ، وقد حملتنی علی دابتک ، وسیرتنی فی بلادک حتی أدخلتنی حرمک وأمنک ، وقد کان فی حسن ظنی بک أن تغفر لی ذنوبی ، فإن کنت قد غفرت لی ذنوبی فازدد عنی رضاً ، وقربنی إلیک زلفی ولا تباعدنی ، وإن کنت لم تغفر لی فمن الآن فاغفر لی قبل أن تنأی عن بیتک داری ، وهذا أوان انصرافی إن کنت أذنت لی غیر راغب عنک ولا عن بیتک ، ولا مستبدل بک ولا به ، اللهم احفظنی من بین یدی ومن خلفی وعن یمینی وعن شمالی حتی تبلغنی أهلی واکفنی مؤونة عبادک وعیالی ، فإنّک ولی ذلک من خلقک ومنی » .

ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج فقل : « آئبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون إلی ربنا راغبون إلی رابنا راجعون » .

ویستحب له الخروج من باب الحناطین ، ویقع قبال الرکن الشامی ، ویطلب من اللّه التوفیق لرجوعه مرة أخری .

ویقول : « اللهم إنی أنقلب علی أن لا إله إلّااللّه » .

ویستحب أن یشتری عند الخروج مقدار درهم من التمر ویتصدق به علی الفقراء .

زیارة الرسول الأعظم

یستحب للحاج استحباباً مؤکداً أن یکون رجوعه من طریق المدینة المنورة ، لیزور الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله والصدیقة الطاهرة سلام اللّه علیها ،

ص:415

وأئمة البقیع سلام اللّه علیهم أجمعین ، وللمدینة حرم حدّه عائر إلی وعیر ، وهما جبلان یکتنفان المدینة من المشرق والمغرب ، وذهب بعض الفقهاء إلی أن الإحرام وإن کان لا یجب فیه إلّاأنه لا یجوز قطع شجره ولا سیما الرطب منه إلّاما استثنی مما تقدم فی حرم مکة ، کما أنه لا یجوز صید ما بین الحرتین منه ، وهو أحوط إن لم یکن أظهر .

وکیفیة زیارة الرسول صلی الله علیه و آله أن یقول :

« السَّلامُ علی رسُولِ اللّهِ السَّلامُ عَلَیکَ یا حَبیبَ اللّه ، السَّلامُ عَلَیکَ یا صِفوَةَ اللّه ، السَّلامُ عَلَیکَ یا أمینَ اللّه ، أشْهَدُ أنَّکَ قَد نَصَحْتَ لأُمَّتِکَ ، وَجاهَدْتَ فی سَبیلِ اللّهِ ، وعَبَدْتَهُ حَتی أتاکَ الیَقینُ ، فَجَزاکَ اللّهُ أفضلَ ما جَزی نبیّاً عَن أُمَّتِهِ ، اللَّهُمَّ صلِّ علی مُحمّدٍ وآل محمَّد أفْضَلَ ما صَلَّیت علی إبراهیم وآلِ إبراهیم إنَّکَ حَمیدٌ مجیدٌ » .

زیارة فاطمة

« یَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَکِ اللَّهُ الَّذِی خَلَقَکِ قَبْلَ أَنْ یَخْلُقَکِ فَوَجَدَکِ لِمَا امْتَحَنَکِ صَابِرَةً وَزَعَمْنَا أَنَّا لَکِ أَوْلِیَاءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِکُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوکِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَأَتَانَا بِهِ وَصِیُّهُ فَإِنَّا نَسْأَلُکِ إِنْ کُنَّا صَدَّقْنَاکِ إِلَّا أَلْحَقْتِنَا بِتَصْدِیقِنَا لَهُمَا «بِالبُشْرَی خ ل» لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرْنَا بِوِلاَیَتِکِ » .

ص:416

زیارة أئمة البقیع

« السَّلامُ عَلَی أَوْلِیَاءِ اللَّهِ وَأَصْفِیَائِهِ ، السَّلامُ عَلَی أُمَنَاءِ اللَّهِ وَأَحِبَّائِهِ ، السَّلامُ عَلَی أَنْصَارِ اللَّهِ وَخُلَفَائِهِ ، السَّلامُ عَلَی مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی مَسْاکِنِ ذِکْرِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی مُظَاهِرِی أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْیِهِ ، السَّلامُ عَلَی الدُّعَاةِ إِلَی اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی المُسْتَقِرِّینَ فِی مَرَضَاةِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی المُخْلِصِینَ فِی طَاعَةِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی الأَدِلّاءِ عَلَی اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَی الَّذِینَ مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالَی اللَّهَ ، وَمَن عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَی اللَّهَ ، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللَّهَ ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ جَهِلَ اللَّهَ ، وَمَنْ اعْتَصَمَ بِهِمْ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ ، وَمَنْ تَخَلّی مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلّی مِنَ اللَّهِ ، أُشْهِدُ اللَّهَ أنِّی سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ ، مُؤمِنٌ بِسِرِّکُمْ وَعَلَانِیَتِکُمْ ، مُفَوِّضٌ فِی ذَلِکَ کُلِّهِ إِلَیْکُمْ ، لَعَنَ اللَّهُ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ وَأبْرَأُ إِلَی اللَّهِ مِنْهُمْ وَصَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ » .

والحمد للّه أولاً وآخراً .

ص:417

دعاء الإمام الحسین علیه السلام یوم عرفة

« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَیْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ ، وَلَا لِعَطَائِهِ مَانِعٌ ، وَلَا کَصُنْعِهِ صُنْعُ صَانِعٍ ، وَهُوَ الْجَوَادُ الْوَاسِعُ فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَدَائِعَ ، وَأَتْقَنَ بِحِکْمَتِهِ الصَّنَائِعَ ، لاَ تَخْفَی عَلَیْهِ الطَّلاَئِعُ ، وَلَا تَضِیعُ عِنْدَهُ الْوَدَائِعُ جَازِی کُلِّ صَانِعٍ ، وَرَائِشُ کُلِّ قَانِعٍ ، وَرَاحِمُ کُلِّ ضَارِعٍ ، وَمُنْزِلُ الْمَنَافِعِ وَالْکِتَابِ الْجَامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ لِلدَّعَوَاتِ سَامِعٌ وَلِلْکُرُبَاتِ دَافِعٌ وَلِلدَّرَجَاتِ رَافِعٌ ، وَلِلْجَبَابِرَةِ قَامِعٌ ، فَلَا إِلَهَ غَیْرُهُ وَلَا شَیْ ءَ یَعْدِلُهُ ، وَلَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ ، وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ ، وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّی أَرْغَبُ إِلَیْکَ . وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِیَّةِ لَکَ مُقِرّاً بِأَنَّکَ رَبِّی ، وَأَنَّ إِلَیْکَ مَرَدِّی ، ابْتَدَأْتَنِی بِنِعْمَتِکَ قَبْلَ أَنْ أَکُونَ شَیْئاً مَذْکُوراً ، وَخَلَقْتَنِی مِنَ التُّرَابِ ثُمَّ أَسْکَنْتَنِی الأَصْلاَبَ ، آمِناً لِرَیْبِ الْمَنُونِ وَاخْتِلَافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِینَ ، فَلَمْ أَزَلْ ظَاعِناً مِنْ صُلْبٍ إِلَی رَحِمٍ فِی تَقَادُمٍ مِنَ الأَیَّامِ الْمَاضِیَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِیَةِ ، لَمْ تُخْرِجْنِی لِرَأْفَتِکَ بِی وَلُطْفِکَ لِی ، وَإِحْسَانِکَ إِلَیَّ فِی دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الْکُفْرِ ، الَّذِینَ نَقَضُوا عَهْدَکَ وَکَذَّبُوا رُسُلَکَ ، لَکِنَّکَ أَخْرَجْتَنِی لِلَّذِی سَبَقَ لِی مِنَ الْهُدَی الَّذِی لَهُ یَسَّرْتَنِی ، وَفِیهِ أَنْشَأْتَنِی ، وَمِنْ قَبْلِ ذَلِکَ رَؤُفْتَ بِی ، بِجَمِیلِ صُنْعِکَ وَسَوَابِغِ نِعَمِکَ ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِی مِنْ مَنِیٍّ یُمْنَی ، وَأَسْکَنْتَنِی فِی ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ، بَیْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ ، لَمْ تُشْهِدْنِی

ص:418

خَلْقِی ، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَیَّ شَیْئاً مِنْ أَمْرِی ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنِی لِلَّذِی سَبَقَ لِی مِنَ الْهُدَی إِلَی الدُّنْیَا تَامّاً سَوِیّاً ، وَحَفِظْتَنِی فِی الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِیّاً ، وَرَزَقْتَنِی مِنَ الْغِذَاءِ لَبَناً مَرِیّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَیَّ قُلُوبَ الْحَوَاضِنِ ، وَکَفَّلْتَنِی الأُمَّهَاتِ الرَّوَاحِمَ وَکَلَأْتَنِی مِنْ طَوَارِقِ الْجَانِّ ، وَسَلَّمْتَنِی مِنَ الزِّیَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، فَتَعَالَیْتَ یَا رَحِیمُ یَا رَحْمَانُ ، حَتَّی إِذَا اسْتَهْلَلْتُ نَاطِقاً بِالْکَلاَمِ ، أَتْمَمْتَ عَلَیَّ سَوَابِغَ الإِنْعَامِ ، وَرَبَّیْتَنِی زَائِداً فِی کُلِّ عَامٍ ، حَتَّی إِذَا اکْتَمَلَتْ فِطْرَتِی ، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِی ، أَوْجَبْتَ عَلَیَّ حُجَّتَکَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِی مَعْرِفَتَکَ ، وَرَوَّعْتَنِی بِعَجَائِبِ حِکْمَتِکَ ، وَأَیْقَظْتَنِی لِمَا ذَرَأْتَ فِی سَمَائِکَ وَأَرْضِکَ مِنْ بَدَائِعِ خَلْقِکَ ، وَنَبَّهْتَنِی لِشُکْرِکَ وَذِکْرِکَ ، وَأَوْجَبْتَ عَلَیَّ طَاعَتَکَ وَعِبَادَتَکَ ، وَفَهَّمْتَنِی مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُکَ وَیَسَّرْتَ لِی تَقَبُّلَ مَرْضَاتِکَ ، وَمَنَنْتَ عَلَیَّ فِی جَمِیعِ ذَلِکَ بِعَوْنِکَ وَلُطْفِکَ ، ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِی مِنْ خَیْرِ الثَّرَی لَمْ تَرْضَ لِی یَا إِلَهِی نِعْمَةً دُونَ أُخْرَی ، وَرَزَقْتَنِی مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ وَصُنُوفِ الرِّیَاشِ ، بِمَنِّکَ الْعَظِیمِ الأَعْظَمِ عَلَیَّ ، وَإِحْسَانِکَ الْقَدِیمِ إِلَیَّ ، حَتَّی إِذَا أَتْمَمْتَ عَلَیَّ جَمِیعَ النِّعَمِ وَصَرَفْتَ عَنِّی کُلَّ النِّقَمِ لَمْ یَمْنَعْکَ جَهْلِی وَجُرْأَتِی عَلَیْکَ أَنْ دَلَلْتَنِی إِلَی مَا یُقَرِّبُنِی إِلَیْکَ ، وَوَفَّقْتَنِی لِمَا یُزْلِفُنِی لَدَیْکَ ، فَإِنْ دَعَوْتُکَ أَجَبْتَنِی وَإِنْ سَأَلْتُکَ أَعْطَیْتَنِی ، وَإِنْ أَطَعْتُکَ شَکَرْتَنِی ، وَإِنْ شَکَرْتُکَ زِدْتَنِی ، کُلُّ ذَلِکَ إِکْمَالٌ ِلأَنْعُمِکَ عَلَیَّ ، وَإِحْسَانِکَ إِلَیَّ ، فَسُبْحَانَکَ سُبْحَانَکَ مِنْ مُبْدِئٍ مُعِیدٍ حَمِیدٍ مَجِیدٍ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُکَ ، وَعَظُمَتْ آلاَؤُکَ ، فَأَیَّ نِعَمِکَ یَا إِلَهِی أُحْصِی عَدَداً وَذِکْراً ، أَمْ أَیُّ عَطَایَاکَ

ص:419

أَقُومُ بِهَا شُکْراً ، وَهِیَ یَا رَبِّ أَکْثَرُ مِنْ أَنْ یُحْصِیَهَا الْعَادُّونَ ، أَوْ یَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحَافِظُونَ ، ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّی اللَّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أَکْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِی مِنَ الْعَافِیَةِ وَالسَّرَّاءِ ، وَأَنَا أَشْهَدُ یَا إِلَهِی بِحَقِیقَةِ إِیمَانِی ، وَعَقْدِ عَزَمَاتِ یَقِینِی ، وَخَالِصِ صَرِیحِ تَوْحِیدِی ، وَبَاطِنِ مَکْنُونِ ضَمِیرِی ، وَعَلاَئِقِ مَجَارِی نُورِ بَصَرِی ، وَأَسَارِیرِ صَفْحَةِ جَبِینِی ، وَخُرْقِ مَسَارِبِ نَفْسِی ، وَخَذَارِیفِ مَارِنِ عِرْنِینِی وَمَسَارِبِ سِمَاخِ سَمْعِی ، وَمَا ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَیْهِ شَفَتَایَ ، وَحَرَکَاتِ لَفْظِ لِسَانِی ، وَمَغْرَزِ حَنَکِ فَمِی وَفَکِّی ، وَمَنَابِتِ أَضْرَاسِی ، وَمَسَاغِ مَطْعَمِی وَمَشْرَبِی ، وَحِمَالَةِ أُمِّ رَأْسِی ، وَبَلُوعِ فَارِغِ حَبَائِلِ عُنُقِی ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَیْهِ تَامُورُ صَدْرِی ، وَحَمَائِلِ حَبْلِ وَتِینِی وَنِیَاطِ حِجَابِ قَلْبِی ، وَأَفْلاَذِ حَوَاشِی کَبِدِی ، وَمَا حَوَتْهُ شَرَاسِیفُ أَضْلاَعِی ، وَحِقَاقُ مَفَاصِلِی ، وَقَبْضُ عَوَامِلِی وَأَطْرَافُ أَنَامِلِی وَلَحْمِی وَدَمِی وَشَعْرِی وَبَشَرِی وَعَصَبِی وَقَصَبِی وَعِظَامِی وَمُخِّی وَعُرُوقِی ، وَجَمِیعُ جَوَارِحِی ، وَمَا انْتَسَجَ عَلَی ذَلِکَ أَیَّامَ رِضَاعِی ، وَمَا أَقَلَّتِ الأَرْضُ مِنِّی ، وَنَوْمِی وَیَقَظَتِی وَسُکُونِی ، وَحَرَکَاتِ رُکُوعِی وَسُجُودِی أَنْ لَوْ حَاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَی الأَعْصَارِ وَالأَحْقَابِ ، لَوْ عُمِّرْتُهَا أَنْ أُؤَدِّیَ شُکْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِکَ ، مَا اسْتَطَعْتُ ذَلِکَ إِلَّا بِمَنِّکَ ، الْمُوجَبِ عَلَیَّ بِهِ شُکْرُکَ أَبَداً جَدِیداً وَثَنَاءً طَارِفاً عَتِیداً ، أَجَلْ ، وَلَوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْعَادُّونَ مِنْ أَنَامِکَ ، أَنْ نُحْصِیَ مَدَی إِنْعَامِکَ سَالِفِهِ وَآنِفِهِ مَا حَصَرْنَاهُ عَدَداً وَلَا أَحْصَیْنَاهُ أَمَداً ، هَیْهَاتَ أَنَّی ذَلِکَ وَأَنْتَ الْمُخْبِرُ فِی کِتَابِکَ النَّاطِقِ ، وَالنَّبَإِ

ص:420

الصَّادِقِ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَاتُحْصُوهَا ، صَدَقَ کِتَابُکَ اللَّهُمَّ وَإِنْبَاؤُکَ ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِیَاؤُکَ وَرُسُلُکَ ، مَا أَنْزَلْتَ عَلَیْهِمْ مِنْ وَحْیِکَ ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِینِکَ ، غَیْرَ أَنِّی یَا إِلَهِی أَشْهَدُ بِجَهْدِی وَجِدِّی ، وَمَبْلَغِ طَاعَتِی وَوُسْعِی ، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً فَیَکُونَ مَوْرُوثاً ، وَلَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی مُلْکِهِ فَیُضَادَّهُ فِیمَا ابْتَدَعَ ، وَلَا وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِّ فَیُرْفِدَهُ فِیمَا صَنَعَ ، فَسُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا وَتَفَطَّرَتَا ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِی لَمْ یَلِدْ وَلَمْ یُولَدْ ، وَلَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً یُعَادِلُ حَمْدَ مَلاَئِکَتِهِ الْمُقَرَّبِینَ ، وَأَنْبِیَائِهِ الْمُرْسَلِینَ ، وَصَلَّی اللَّهُ عَلَی خِیَرَتِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِیِّینَ وَآلِهِ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ الْمُخْلَصِینَ وَسَلَّمَ» .

ثم اندفع فی المسألة والدعاء وقال وعیناه تنهمر بالدموع :

«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِی أَخْشَاکَ کَأَنِّی أَرَاکَ ، وَأَسْعِدْنِی بِتَقْوَاکَ ، وَلَا تُشْقِنِی بِمَعْصِیَتِکَ وَخِرْ لِی فِی قَضَائِکَ وَبَارِکْ لِی فِی قَدَرِکَ ، حَتَّی لَاأُحِبَّ تَعْجِیلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِیرَ مَا عَجَّلْتَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنَایَ فِی نَفْسِی ، وَالْیَقِینَ فِی قَلْبِی ، وَالإِخْلاَصَ فِی عَمَلِی ، وَالنُّورَ فِی بَصَرِی ، وَالْبَصِیرَةَ فِی دِینِی ، وَمَتِّعْنِی بِجَوَارِحِی ، وَاجْعَلْ سَمْعِی وَبَصَرِی الْوَارِثَیْنِ مِنِّی ، وَانْصُرْنِی عَلَی مَنْ ظَلَمَنِی ، وَأَرِنِی فِیهِ ثَارِی وَمَآرِبِی ، وَأَقِرَّ بِذَلِکَ عَیْنِی اللَّهُمَّ اکْشِفْ کُرْبَتِی وَاسْتُرْ عَوْرَتِی ، وَاغْفِرْ لِی خَطِیئَتِی ، وَاخْسَأْ شَیْطَانِی ، وَفُکَّ رِهَانِی ، وَاجْعَلْ لِی یَا إِلَهِی الدَّرَجَةَ الْعُلْیَا فِی الآْخِرَةِ وَالأُولَی ،

ص:421

اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ کَمَا خَلَقْتَنِی فَجَعَلْتَنِی سَمِیعاً بَصِیراً ، وَلَکَ الْحَمْدُ کَمَا خَلَقْتَنِی فَجَعَلْتَنِی خَلْقاً سَوِیّاً رَحْمَةً بِی ، وَقَدْ کُنْتَ عَنْ خَلْقِی غَنِیّاً ، رَبِّ بِمَا بَرَأْتَنِی فَعَدَّلْتَ فِطْرَتِی ، رَبِّ بِمَا أَنْشَأْتَنِی فَأَحْسَنْتَ صُورَتِی ، رَبِّ بِمَا أَحْسَنْتَ إِلَیَّ وَفِی نَفْسِی عَافَیْتَنِی ، رَبِّ بِمَا کَلَأْتَنِی وَوَفَّقْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَیَّ فَهَدَیْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَوْلَیْتَنِی وَمِنْ کُلِّ خَیْرٍ أَعْطَیْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَطْعَمْتَنِی وَسَقَیْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَغْنَیْتَنِی وَأَقْنَیْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَعَنْتَنِی وَأَعْزَزْتَنِی ، رَبِّ بِمَا أَلْبَسْتَنِی مِنْ سِتْرِکَ الصَّافِی ، وَیَسَّرْتَ لِی مِنْ صُنْعِکَ الْکَافِی ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَعِنِّی عَلَی بَوَائِقِ الدُّهُورِ وَصُرُوفِ اللَّیَالِی وَالأَیَّامِ ، وَنَجِّنِی مِنْ أَهْوَالِ الدُّنْیَا وَکُرُبَاتِ الآْخِرَةِ ، وَاکْفِنِی شَرَّ مَا یَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِی الأَرْضِ ، اللَّهُمَّ مَا أَخَافُ فَاکْفِنِی ، وَمَا أَحْذَرُ فَقِنِی ، وَفِی نَفْسِی وَدِینِی فَاحْرُسْنِی ، وَفِی سَفَرِی فَاحْفَظْنِی ، وَفِی أَهْلِی وَمَالِی فَاخْلُفْنِی ، وَفِیمَا رَزَقْتَنِی فَبَارِکْ لِی ، وَفِی نَفْسِی فَذَلِّلْنِی ، وَفِی أَعْیُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِی ، وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فَسَلِّمْنِی ، وَبِذُنُوبِی فَلَا تَفْضَحْنِی ، وَبِسَرِیرَتِی فَلَا تُخْزِنِی ، وَبِعَمَلِی فَلَا تَبْتَلِنِی ، وَنِعَمَکَ فَلَا تَسْلُبْنِی ، وَإِلَی غَیْرِکَ فَلَا تَکِلْنِی ، إِلَهِی إِلَی مَنْ تَکِلُنِی إِلَی قَرِیبٍ فَیَقْطَعُنِی ، أَمْ إِلَی بَعِیدٍ فَیَتَجَهَّمُنِی ، أَمْ إِلَی الْمُسْتَضْعَفِینَ لِی ، وَأَنْتَ رَبِّی وَمَلِیکُ أَمْرِی ، أَشْکُو إِلَیْکَ غُرْبَتِی وَبُعْدَ دَارِی ، وَهَوَانِی عَلَی مَنْ مَلَّکْتَهُ أَمْرِی إِلَهِی فَلَا تُحْلِلْ عَلَیَّ غَضَبَکَ ، فَإِنْ لَمْ تَکُنْ غَضِبْتَ عَلَیَّ فَلَا أُبَالِی سِوَاکَ ، سُبْحَانَکَ غَیْرَ أَنَّ عَافِیَتَکَ أَوْسَعُ لِی ، فَأَسْأَلُکَ یَا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِکَ

ص:422

الَّذِی أَشْرَقَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ، وَکُشِفَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الأَوَّلِینَ وَالآْخِرِینَ ، أَنْ لَاتُمِیتَنِی عَلَی غَضَبِکَ وَلَا تُنْزِلَ بِی سَخَطَکَ ، لَکَ الْعُتْبَی لَکَ الْعُتْبَی حَتَّی تَرْضَی قَبْلَ ذَلِکَ ، لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ، وَالْبَیْتِ الْعَتِیقِ ، الَّذِی أَحْلَلْتَهُ الْبَرَکَةَ ، وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمْناً ، یَا مَنْ عَفَا عَنْ عَظِیمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ ، یَا مَنْ أَسْبَغَ النَّعْمَاءَ بِفَضْلِهِ ، یَا مَنْ أَعْطَی الْجَزِیلَ بِکَرَمِهِ ، یَا عُدَّتِی فِی شِدَّتِی ، یَا صَاحِبِی فِی وَحْدَتِی ، یَا غِیَاثِی فِی کُرْبَتِی ، یَا وَلِیِّی فِی نِعْمَتِی ، یَا إِلَهِی وَإِلَهَ آبَائِی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَرَبَّ جَبْرَئِیلَ وَمِیکَائِیلَ وَإِسْرَافِیلَ ، وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِیِّینَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبِینَ ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِیلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ ، وَمُنَزِّلَ کهیعص وَطه وَیس وَالْقُرْآنِ الْحَکِیمِ ، أَنْتَ کَهْفِی حِینَ تُعْیِینِی الْمَذَاهِبُ فِی سَعَتِهَا ، وَتَضِیقُ بِیَ الأَرْضُ بِرُحْبِهَا ، وَلَوْلَا رَحْمَتُکَ لَکُنْتُ مِنَ الْهَالِکِینَ ، وَأَنْتَ مُقِیلُ عَثْرَتِی ، وَلَوْلَا سَتْرُکَ إِیَّایَ لَکُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِینَ ، وَأَنْتَ مُؤَیِّدِی بِالنَّصْرِ عَلَی أَعْدَائِی ، وَلَوْلَا نَصْرُکَ إِیَّایَ لَکُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِینَ یَا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ ، فَأَوْلِیَاؤُهُ بِعِزِّهِ یَعْتَزُّونَ ، یَا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوکُ نِیرَ الْمَذَلَّةِ عَلَی أَعْنَاقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَوَاتِهِ خَائِفُونَ ، یَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ ، وَغَیْبَ مَا تَأْتِیَ بِهِ الأَزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ یَا مَنْ لَایَعْلَمُ کَیْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ ، یَا مَنْ لَایَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا هُوَ ، یَا مَنْ لَایَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ ، یَا مَنْ کَبَسَ الأَرْضَ عَلَی الْمَاءِ ، وَسَدَّ الْهَوَاءَ بِالسَّمَاءِ ، یَا مَنْ لَهُ أَکْرَمُ الأَسْمَاءِ ، یَا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذِی لَایَنْقَطِعُ أَبَداً ، یَا

ص:423

مُقَیِّضَ الرَّکْبِ لِیُوسُفَ فِی الْبَلَدِ الْقَفْرِ وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ ، وَجَاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبُودِیَّةِ مَلِکاً ، یَا رَادَّهُ عَلَی یَعْقُوبَ بَعْدَ أَنِ ابْیَضَّتْ عَیْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ ، یَا کَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَی عَنْ أَیُّوبَ ، وَیَا مُمْسِکَ یَدَیْ إِبْرَاهِیمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ کِبَرِ سِنِّهِ وَفَنَاءِ عُمُرِهِ ، یَا مَنِ اسْتَجَابَ لِزَکَرِیَّا فَوَهَبَ لَهُ یَحْیَی ، وَلَمْ یَدَعْهُ فَرْداً وَحِیداً ، یَا مَنْ أَخْرَجَ یُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ ، یَا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِی إِسْرَائِیلَ فَأَنْجَاهُمْ ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقِینَ ، یَا مَنْ أَرْسَلَ الرِّیَاحَ مُبَشِّرَاتٍ بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ ، یَا مَنْ لَمْ یَعْجَلْ عَلَی مَنْ عَصَاهُ مِنْ خَلْقِهِ ، یَا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ وَقَدْ غَدَوْا فِی نِعْمَتِهِ یَأْکُلُونَ رِزْقَهُ وَیَعْبُدُونَ غَیْرَهُ ، وَقَدْ حَادُّوهُ وَنَادُّوهُ وَکَذَّبُوا رُسُلَهُ ، یَا اللَّهُ یَا اللَّهُ یَا بَدِیءُ ، یَا بَدِیعاً لَانِدَّ لَکَ ، یَا دَائِماً لَانَفَادَ لَکَ ، یَا حَیّاً حِینَ لَاحَیَّ ، یَا مُحْیِیَ الْمَوْتَی ، یَا مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَی کُلِّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ ، یَا مَنْ قَلَّ لَهُ شُکْرِی فَلَمْ یَحْرِمْنِی ، وَعَظُمَتْ خَطِیئَتِی فَلَمْ یَفْضَحْنِی ، وَرَآنِی عَلَی الْمَعَاصِی فَلَمْ یَشْهَرْنِی یَا مَنْ حَفِظَنِی فِی صِغَرِی ، یَا مَنْ رَزَقَنِی فِی کِبَرِی ، یَا مَنْ أَیَادِیهِ عِنْدِی لَاتُحْصَی وَنِعَمُهُ لَاتُجَازَی ، یَا مَنْ عَارَضَنِی بِالْخَیْرِ وَالإِحْسَانِ وَعَارَضْتُهُ بِالإِسَاءَةِ وَالْعِصْیَانِ ، یَا مَنْ هَدَانِی لِلإِیمَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُکْرَ الاِمْتِنَانِ ، یَا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِیضاً فَشَفَانِی ، وَعُرْیَاناً فَکَسَانِی ، وَجَائِعاً فَأَشْبَعَنِی ، وَعَطْشَاناً فَأَرْوَانِی ، وَذَلِیلاً فَأَعَزَّنِی ، وَجَاهِلاً فَعَرَّفَنِی ، وَوَحِیداً فَکَثَّرَنِی ، وَغَائِباً فَرَدَّنِی ، وَمُقِلاًّ فَأَغْنَانِی وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِی ، وَغَنِیّاً فَلَمْ یَسْلُبْنِی ، وَأَمْسَکْتُ عَنْ جَمِیعِ ذَلِکَ

ص:424

فَابْتَدَأَنِی فَلَکَ الْحَمْدُ وَالشُّکْرُ یَا مَنْ أَقَالَ عَثْرَتِی وَنَفَّسَ کُرْبَتِی وَأَجَابَ دَعْوَتِی وَسَتَرَ عَوْرَتِی وَغَفَرَ ذُنُوبِی وَبَلَّغَنِی طَلِبَتِی وَنَصَرَنِی عَلَی عَدُوِّی ، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَکَ وَمِنَنَکَ وَکَرَائِمَ مِنَحِکَ لَاأُحْصِیهَا ، یَا مَوْلاَیَ ، أَنْتَ الَّذِی مَنَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَنْعَمْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَحْسَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَجْمَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَفْضَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَکْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِی رَزَقْتَ ، أَنْتَ الَّذِی وَفَّقْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَعْطَیْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَغْنَیْتَ ، أَنْتَ الَّذِی أَقْنَیْتَ أَنْتَ الَّذِی آوَیْتَ ، أَنْتَ الَّذِی کَفَیْتَ ، أَنْتَ الَّذِی هَدَیْتَ أَنْتَ الَّذِی عَصَمْتَ أَنْتَ الَّذِی سَتَرْتَ أَنْتَ الَّذِی غَفَرْتَ أَنْتَ الَّذِی أَقَلْتَ أَنْتَ الَّذِی مَکَّنْتَ أَنْتَ الَّذِی أَعْزَزْتَ أَنْتَ الَّذِی أَعَنْتَ أَنْتَ الَّذِی عَضَدْتَ أَنْتَ الَّذِی أَیَّدْتَ أَنْتَ الَّذِی نَصَرْتَ أَنْتَ الَّذِی شَفَیْتَ أَنْتَ الَّذِی عَافَیْتَ أَنْتَ الَّذِی أَکْرَمْتَ تَبَارَکْتَ وَتَعَالَیْتَ فَلَکَ الْحَمْدُ دَائِماً وَلَکَ الشُّکْرُ وَاصِباً أَبَداً ثُمَّ أَنَا یَا إِلَهِی الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِی فَاغْفِرْهَا لِی أَنَا الَّذِی أَسَأْتُ أَنَا الَّذِی أَخْطَأْتُ أَنَا الَّذِی هَمَمْتُ أَنَا الَّذِی جَهِلْتُ أَنَا الَّذِی غَفَلْتُ أَنَا الَّذِی سَهَوْتُ أَنَا الَّذِی اعْتَمَدْتُ أَنَا الَّذِی تَعَمَّدْتُ أَنَا الَّذِی وَعَدْتُ وَأَنَا الَّذِی أَخْلَفْتُ أَنَا الَّذِی نَکَثْتُ أَنَا الَّذِی أَقْرَرْتُ أَنَا الَّذِی اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِکَ عَلَیَّ وَعِنْدِی وَأَبُوءُ بِذُنُوبِی فَاغْفِرْهَا لِی یَا مَنْ لَاتَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَنِیُّ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فَلَکَ الْحَمْدُ إِلَهِی وَسَیِّدِی إِلَهِی أَمَرْتَنِی فَعَصَیْتُکَ وَنَهَیْتَنِی فَارْتَکَبْتُ نَهْیَکَ فَأَصْبَحْتُ لَاذَا بَرَاءَةٍ لِی فَأَعْتَذِرَ وَلَا ذَا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ فَبِأَیِّ شَیْ ءٍ أَسْتَقْبِلُکَ یَا مَوْلاَیَ أَ

ص:425

بِسَمْعِی أَمْ بِبَصَرِی أَمْ بِلِسَانِی أَمْ بِیَدِی أَمْ بِرِجْلِی أَ لَیْسَ کُلُّهَا نِعَمَکَ عِنْدِی وَبِکُلِّهَا عَصَیْتُکَ یَا مَوْلاَیَ فَلَکَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِیلُ عَلَیَّ یَا مَنْ سَتَرَنِی مِنَ الآْبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ یَزْجُرُونِی وَمِنَ الْعَشَائِرِ وَالإِخْوَانِ أَنْ یُعَیِّرُونِی وَمِنَ السَّلَاطِینِ أَنْ یُعَاقِبُونِی وَلَوْ اطَّلَعُوا یَا مَوْلاَیَ عَلَی مَا اطَّلَعْتَ عَلَیْهِ مِنِّی إِذاً مَا أَنْظَرُونِی وَلَرَفَضُونِی وَقَطَعُونِی فَهَا أَنَا ذَا یَا إِلَهِی بَیْنَ یَدَیْکَ یَا سَیِّدِی خَاضِعٌ ذَلِیلٌ حَصِیرٌ حَقِیرٌ لَاذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ وَلَا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ وَلَا حُجَّةٍ فَأَحْتَجَّ بِهَا وَلَا قَائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً وَمَا عَسَی الْجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ یَا مَوْلاَیَ یَنْفَعُنِی کَیْفَ وَأَنَّی ذَلِکَ وَجَوَارِحِی کُلُّهَا شَاهِدَةٌ عَلَیَّ بِمَا قَدْ عَمِلْتُ وَعَلِمْتُ یَقِیناً غَیْرَ ذِی شَکٍّ أَنَّکَ سَائِلِی مِنْ عَظَائِمِ الأُمُورِ وَأَنَّکَ الْحَکَمُ الْعَدْلُ الَّذِی لَاتَجُورُ وَعَدْلُکَ مُهْلِکِی وَمِنْ کُلِّ عَدْلِکَ مَهْرَبِی فَإِنْ تُعَذِّبْنِی یَا إِلَهِی فَبِذُنُوبِی بَعْدَ حُجَّتِکَ عَلَیَّ وَإِنْ تَعْفُ عَنِّی فَبِحِلْمِکَ وَجُودِکَ وَکَرَمِکَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْخَائِفِینَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْوَجِلِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الرَّاجِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ السَّائِلِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الْمُکَبِّرِینَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَکَ رَبِّی وَرَبُّ آبَائِیَ

ص:426

الأَوَّلِینَ اللَّهُمَّ هَذَا ثَنَائِی عَلَیْکَ مُمَجِّداً وَإِخْلاَصِی لِذِکْرِکَ مُوَحِّداً وَإِقْرَارِی بِآلَائِکَ مُعَدِّداً وَإِنْ کُنْتُ مُقِرّاً أَنِّی لَمْ أُحْصِهَا لِکَثْرَتِهَا وَسُبُوغِهَا وَتَظَاهُرِهَا وَتَقَادُمِهَا إِلَی حَادِثٍ مَا لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِی بِهِ مَعَهَا مُنْذُ خَلَقْتَنِی وَبَرَأْتَنِی مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ مِنَ الإِغْنَاءِ مِنَ الْفَقْرِ وَکَشْفِ الضُّرِّ وَتَسْبِیبِ الْیُسْرِ وَدَفْعِ الْعُسْرِ وَتَفْرِیجِ الْکَرْبِ وَالْعَافِیَةِ فِی الْبَدَنِ وَالسَّلَامَةِ فِی الدِّینِ وَلَوْ رَفَدَنِی عَلَی قَدْرِ ذِکْرِ نِعْمَتِکَ جَمِیعُ الْعَالَمِینَ مِنَ الأَوَّلِینَ وَالآْخِرِینَ مَا قَدَرْتُ وَلَا هُمْ عَلَی ذَلِکَ تَقَدَّسْتَ وَتَعَالَیْتَ مِنْ رَبٍّ کَرِیمٍ عَظِیمٍ رَحِیمٍ لَاتُحْصَی آلاَؤُکَ وَلَا یُبْلَغُ ثَنَاؤُکَ وَلَا تُکَافَی نَعْمَاؤُکَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَتْمِمْ عَلَیْنَا نِعَمَکَ وَأَسْعِدْنَا بِطَاعَتِکَ سُبْحَانَکَ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ اللَّهُمَّ إِنَّکَ تُجِیبُ الْمُضْطَرَّ وَتَکْشِفُ السُّوءَ وَتُغِیثُ الْمَکْرُوبَ وَتَشْفِی السَّقِیمَ وَتُغْنِی الْفَقِیرَ وَتَجْبُرُ الْکَسِیرَ وَتَرْحَمُ الصَّغِیرَ وَتُعِینُ الْکَبِیرَ وَلَیْسَ دُونَکَ ظَهِیرٌ وَلَا فَوْقَکَ قَدِیرٌ وَأَنْتَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ یَا مُطْلِقَ الْمُکَبَّلِ الأَسِیرِ یَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِیرِ یَا عِصْمَةَ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِیرِ یَا مَنْ لَاشَرِیکَ لَهُ وَلَا وَزِیرَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعْطِنِی فِی هَذِهِ الْعَشِیَّةِ أَفْضَلَ مَا أَعْطَیْتَ وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِکَ مِنْ نِعْمَةٍ تُولِیهَا وَآلَاءٍ تُجَدِّدُهَا وَبَلِیَّةٍ تَصْرِفُهَا وَکُرْبَةٍ تَکْشِفُهَا وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُهَا وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُهَا وَسَیِّئَةٍ تَتَغَمَّدُهَا إِنَّکَ لَطِیفٌ بِمَا تَشَاءُ خَبِیرٌ وَعَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِیَ وَأَسْرَعُ مَنْ أَجَابَ وَأَکْرَمُ مَنْ عَفَا وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَی وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ یَا رَحْمَانَ الدُّنْیَا وَالآْخِرَةِ وَرَحِیمَهُمَا لَیْسَ کَمِثْلِکَ مَسْئُولٌ وَلَا سِوَاکَ مَأْمُولٌ دَعَوْتُکَ فَأَجَبْتَنِی وَسَأَلْتُکَ

ص:427

فَأَعْطَیْتَنِی وَرَغِبْتُ إِلَیْکَ فَرَحِمْتَنِی وَوَثِقْتُ بِکَ فَنَجَّیْتَنِی وَفَزِعْتُ إِلَیْکَ فَکَفَیْتَنِی اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ عَبْدِکَ وَرَسُولِکَ وَنَبِیِّکَ وَعَلَی آلِهِ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ أَجْمَعِینَ وَتَمِّمْ لَنَا نَعْمَاءَکَ وَهَنِّئْنَا عَطَاءَکَ وَاکْتُبْنَا لَکَ شَاکِرِینَ وَلآِلاَئِکَ ذَاکِرِینَ آمِینَ آمِینَ رَبَّ الْعَالَمِینَ اللَّهُمَّ یَا مَنْ مَلَکَ فَقَدَرَ وَقَدَرَ فَقَهَرَ وَعُصِیَ فَسَتَرَ وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ یَا غَایَةَ الطَّالِبِینَ الرَّاغِبِینَ وَمُنْتَهَی أَمَلِ الرَّاجِینَ یَا مَنْ أَحَاطَ بِکُلِّ شَیْ ءٍ عِلْماً وَوَسِعَ الْمُسْتَقِیلِینَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَیْکَ فِی هَذِهِ الْعَشِیَّةِ الَّتِی شَرَّفْتَهَا وَعَظَّمْتَهَا بِمُحَمَّدٍ نَبِیِّکَ وَرَسُولِکَ وَخِیَرَتِکَ مِنْ خَلْقِکَ وَأَمِینِکَ عَلَی وَحْیِکَ الْبَشِیرِ النَّذِیرِ السِّرَاجِ الْمُنِیرِ الَّذِی أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَی الْمُسْلِمِینَ وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ کَمَا مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذَلِکَ مِنْکَ یَا عَظِیمُ فَصَلِّ عَلَیْهِ وَعَلَی آلِهِ الْمُنْتَجَبِینَ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ أَجْمَعِینَ وَتَغَمَّدْنَا بِعَفْوِکَ عَنَّا فَإِلَیْکَ عَجَّتِ الأَصْوَاتُ بِصُنُوفِ اللُّغَاتِ فَاجْعَلْ لَنَا اللَّهُمَّ فِی هَذِهِ الْعَشِیَّةِ نَصِیباً مِنْ کُلِّ خَیْرٍ تَقْسِمُهُ بَیْنَ عِبَادِکَ وَنُورٍ تَهْدِی بِهِ وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا وَبَرَکَةٍ تُنْزِلُهَا وَعَافِیَةٍ تُجَلِّلُهَا وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ اللَّهُمَّ أَقْلِبْنَا فِی هَذَا الْوَقْتِ مُنْجِحِینَ مُفْلِحِینَ مَبْرُورِینَ غَانِمِینَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِینَ وَلَا تُخْلِنَا مِنْ رَحْمَتِکَ وَلَا تَحْرِمْنَا مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِکَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ رَحْمَتِکَ مَحْرُومِینَ وَلَا لِفَضْلِ مَا نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطَائِکَ قَانِطِینَ وَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِینَ وَلَا مِنْ بَابِکَ مَطْرُودِینَ یَا أَجْوَدَ الأَجْوَدِینَ وَأَکْرَمَ الأَکْرَمِینَ إِلَیْکَ أَقْبَلْنَا مُوقِنِینَ وَلِبَیْتِکَ الْحَرَامِ آمِّینَ قَاصِدِینَ فَأَعِنَّا عَلَی مَنَاسِکِنَا وَأَکْمِلْ لَنَا

ص:428

حَجَّنَا وَاعْفُ عَنَّا وَعَافِنَا فَقَدْ مَدَدْنَا إِلَیْکَ أَیْدِیَنَا فَهِیَ بِذِلَّةِ الاِعْتِرَافِ مَوْسُومَةٌ اللَّهُمَّ فَأَعْطِنَا فِی هَذِهِ الْعَشِیَّةِ مَا سَأَلْنَاکَ وَاکْفِنَا مَا اسْتَکْفَیْنَاکَ فَلَا کَافِیَ لَنَا سِوَاکَ وَلَا رَبَّ لَنَا غَیْرُکَ نَافِذٌ فِینَا حُکْمُکَ مُحِیطٌ بِنَا عِلْمُکَ عَدْلٌ فِینَا قَضَاؤُکَ اقْضِ لَنَا الْخَیْرَ وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْخَیْرِ اللَّهُمَّ أَوْجِبْ لَنَا بِجُودِکَ عَظِیمَ الأَجْرِ وَکَرِیمَ الذُّخْرِ وَدَوَامَ الْیُسْرِ وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا أَجْمَعِینَ وَلَا تُهْلِکْنَا مَعَ الْهَالِکِینَ وَلَا تَصْرِفْ عَنَّا رَأْفَتَکَ وَرَحْمَتَکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِی هَذَا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَکَ فَأَعْطَیْتَهُ وَشَکَرَکَ فَزِدْتَهُ وَثَابَ إِلَیْکَ فَقَبِلْتَهُ وَتَنَصَّلَ إِلَیْکَ مِنْ ذُنُوبِهِ کُلِّهَا فَغَفَرْتَهَا لَهُ یَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِکْرَامِ اللَّهُمَّ وَنَقِّنَا وَسَدِّدْنَا وَاعْصِمْنَا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنَا یَا خَیْرَ مَنْ سُئِلَ وَیَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ یَا مَنْ لَایَخْفَی عَلَیْهِ إِغْمَاضُ الْجُفُونِ وَلَا لَحْظُ الْعُیُونِ وَلَا مَا اسْتَقَرَّ فِی الْمَکْنُونِ وَلَا مَا انْطَوَتْ عَلَیْهِ مُضْمَرَاتُ الْقُلُوبِ أَلَا کُلُّ ذَلِکَ قَدْ أَحْصَاهُ عِلْمُکَ وَوَسِعَهُ حِلْمُکَ سُبْحَانَکَ وَتَعَالَیْتَ عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً کَبِیراً تُسَبِّحُ لَکَ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ وَمَنْ فِیهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَیْ ءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ فَلَکَ الْحَمْدُ وَالْمَجْدُ وَعُلُوُّ الْجَدِّ یَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِکْرَامِ وَالْفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَالأَیَادِی الْجِسَامِ وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْکَرِیمُ الرَّءُوفُ الرَّحِیمُ اللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَیَّ مِنْ رِزْقِکَ الْحَلَالِ وَعَافِنِی فِی بَدَنِی وَدِینِی وَآمِنْ خَوْفِی وَأَعْتِقْ رَقَبَتِی مِنَ النَّارِ اللَّهُمَّ لَاتَمْکُرْ بِی وَلَا تَسْتَدْرِجْنِی وَلَا تَخْدَعْنِی وَادْرَأْ عَنِّی شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ » .

ثم رفع رأسه وبصره إلی السماء وعیناه تفیضان بالدمع کأنهما

ص:429

مزادتان وقال :

« یَا أَسْمَعَ السَّامِعِینَ یَا أَبْصَرَ النَّاظِرِینَ وَیَا أَسْرَعَ الْحَاسِبِینَ وَیَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ الْمَیَامِینِ وَأَسْأَلُکَ اللَّهُمَّ حَاجَتِیَ الَّتِی إِنْ أَعْطَیْتَنِیهَا لَمْ یَضُرَّنِی مَا مَنَعْتَنِی وَإِنْ مَنَعْتَنِیهَا لَمْ یَنْفَعْنِی مَا أَعْطَیْتَنِی أَسْأَلُکَ فَکَاکَ رَقَبَتِی مِنَ النَّارِ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَکَ لَاشَرِیکَ لَکَ لَکَ الْمُلْکُ وَلَکَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ یَا رَبِّ یَا رَبِّ » .

وکان یکرّر قوله یا ربّ فشغل من حوله عن الدعاء لأنفسهم وأقبلوا علی الاستماع له والتأمین علی دعائه ثم علت أصواتهم بالبکاء معه حتی غربت الشمس وأفاض الناس معه . إلی هنا انتهی دعاء الحسین علیه السلام یوم عرفة کما أورده الکفعمی وکذا المجلسی فی کتاب زاد المعاد ، إلّاان السید ابن طاووس أضاف بعد یا ربّ یا ربّ یا ربّ هذه الزیادة . . . . .

« إِلَهِی أَنَا الْفَقِیرُ فِی غِنَایَ فَکَیْفَ لَاأَکُونُ فَقِیراً فِی فَقْرِی إِلَهِی أَنَا الْجَاهِلُ فِی عِلْمِی فَکَیْفَ لَاأَکُونُ جَهُولاً فِی جَهْلِی إِلَهِی إِنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِیرِکَ وَسُرْعَةَ طَوَاءِ مَقَادِیرِکَ مَنَعَا عِبَادَکَ الْعَارِفِینَ بِکَ عَنِ السُّکُونِ إِلَی عَطَاءٍ وَالْیَأْسِ مِنْکَ فِی بَلاَءٍ إِلَهِی مِنِّی مَا یَلِیقُ بِلُؤْمِی وَمِنْکَ مَا یَلِیقُ بِکَرَمِکَ إِلَهِی وَصَفْتَ نَفْسَکَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِی قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِی أَ فَتَمْنَعُنِی مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِی إِلَهِی إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحَاسِنُ مِنِّی فَبِفَضْلِکَ وَلَکَ الْمِنَّةُ عَلَیَّ وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَسَاوِی مِنِّی فَبِعَدْلِکَ وَلَکَ الْحُجَّةُ عَلَیَّ إِلَهِی کَیْفَ تَکِلُنِی وَقَدْ تَکَفَّلْتَ لِی وَکَیْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِی أَمْ کَیْفَ

ص:430

أَخِیبُ وَأَنْتَ الْحَفِیُّ بِی هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَیْکَ بِفَقْرِی إِلَیْکَ وَکَیْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَیْکَ بِمَا هُوَ مَحَالٌ أَنْ یَصِلَ إِلَیْکَ أَمْ کَیْفَ أَشْکُو إِلَیْکَ حَالِی وَهُوَ لَایَخْفَی عَلَیْکَ أَمْ کَیْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقَالِی وَهُوَ مِنْکَ بَرَزٌ إِلَیْکَ أَمْ کَیْفَ تُخَیِّبُ آمَالِی وَهِیَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَیْکَ أَمْ کَیْفَ لَاتُحْسِنُ أَحْوَالِی وَبِکَ قَامَتْ إِلَهِی مَا أَلْطَفَکَ بِی مَعَ عَظِیمِ جَهْلِی وَمَا أَرْحَمَکَ بِی مَعَ قَبِیحِ فِعْلِی إِلَهِی مَا أَقْرَبَکَ مِنِّی وَأَبْعَدَنِی عَنْکَ وَمَا أَرْأَفَکَ بِی فَمَا الَّذِی یَحْجُبُنِی عَنْکَ إِلَهِی عَلِمْتُ بِاخْتِلاَفِ الآْثَارِ وَتَنَقُّلَاتِ الأَطْوَارِ أَنَّ مُرَادَکَ مِنِّی أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَیَّ فِی کُلِّ شَیْ ءٍ حَتَّی لَاأَجْهَلَکَ فِی شَیْ ءٍ إِلَهِی کُلَّمَا أَخْرَسَنِی لُؤْمِی أَنْطَقَنِی کَرَمُکَ وَکُلَّمَا آیَسَتْنِی أَوْصَافِی أَطْمَعَتْنِی مِنَنُکَ إِلَهِی مَنْ کَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِیَ فَکَیْفَ لَاتَکُونُ مَسَاوِیهِ مَسَاوِیَ وَمَنْ کَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوِیَ فَکَیْفَ لَا تَکُونُ دَعَاوِیهِ دَعَاوِیَ إِلَهِی حُکْمُکَ النَّافِذُ وَمَشِیَّتُکَ الْقَاهِرَةُ لَمْ یَتْرُکَا لِذِی مَقَالٍ مَقَالاً وَلَا لِذِی حَالٍ حَالاً إِلَهِی کَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَیْتُهَا وَحَالَةٍ شَیَّدْتُهَا هَدَمَ اعْتِمَادِی عَلَیْهَا عَدْلُکَ بَلْ أَقَالَنِی مِنْهَا فَضْلُکَ إِلَهِی إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنِّی وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّی فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً إِلَهِی کَیْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقَاهِرُ وَکَیْفَ لَاأَعْزِمُ وَأَنْتَ الآْمِرُ إِلَهِی تَرَدُّدِی فِی الآْثَارِ یُوجِبُ بُعْدَ الْمَزَارِ فَاجْمَعْنِی عَلَیْکَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِی إِلَیْکَ کَیْفَ یُسْتَدَلُّ عَلَیْکَ بِمَا هُوَ فِی وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَیْکَ أَ یَکُونُ لِغَیْرِکَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَیْسَ لَکَ حَتَّی یَکُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَکَ مَتَی غِبْتَ حَتَّی تَحْتَاجَ إِلَی دَلِیلٍ یَدُلُّ عَلَیْکَ وَمَتَی بَعُدْتَ حَتَّی تَکُونَ الآْثَارُ هِیَ الَّتِی تُوصِلُ إِلَیْکَ عَمِیَتْ عَیْنٌ لَاتَرَاکَ عَلَیْهَا رَقِیباً

ص:431

وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّکَ نَصِیباً إِلَهِی أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَی الآْثَارِ فَأَرْجِعْنِی إِلَیْکَ بِکِسْوَةِ الأَنْوَارِ وَهِدَایَةِ الاِسْتِبْصَارِ حَتَّی أَرْجِعَ إِلَیْکَ مِنْهَا کَمَا دَخَلْتُ إِلَیْکَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَیْهَا وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمَادِ عَلَیْهَا إِنَّکَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ إِلَهِی هَذَا ذُلِّی ظَاهِرٌ بَیْنَ یَدَیْکَ وَهَذَا حَالِی لَایَخْفَی عَلَیْکَ مِنْکَ أَطْلُبُ الْوُصُولَ إِلَیْکَ وَبِکَ أَسْتَدِلُّ عَلَیْکَ فَاهْدِنِی بِنُورِکَ إِلَیْکَ وَأَقِمْنِی بِصِدْقِ الْعُبُودِیَّةِ بَیْنَ یَدَیْکَ إِلَهِی عَلِّمْنِی مِنْ عِلْمِکَ الْمَخْزُونِ وَصُنِّی بِسِتْرِکَ الْمَصُونِ إِلَهِی حَقِّقْنِی بِحَقَائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ وَاسْلُکْ بِی مَسْلَکَ أَهْلِ الْجَذْبِ إِلَهِی أَغْنِنِی بِتَدْبِیرِکَ لِی عَنْ تَدْبِیرِی وَبِاخْتِیَارِکَ عَنِ اخْتِیَارِی وَأَوْقِفْنِی عَلَی مَرَاکِزِ اضْطِرَارِی إِلَهِی أَخْرِجْنِی مِنْ ذُلِّ نَفْسِی وَطَهِّرْنِی مِنْ شَکِّی وَشِرْکِی قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِی بِکَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِی وَعَلَیْکَ أَتَوَکَّلُ فَلَا تَکِلْنِی وَإِیَّاکَ أَسْأَلُ فَلَا تُخَیِّبْنِی وَفِی فَضْلِکَ أَرْغَبُ فَلَا تَحْرِمْنِی وَبِجَنَابِکَ أَنْتَسِبُ فَلَا تُبْعِدْنِی وَبِبَابِکَ أَقِفُ فَلَا تَطْرُدْنِی إِلَهِی تَقَدَّسَ رِضَاکَ أَنْ یَکُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْکَ فَکَیْفَ یَکُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّی إِلَهِی أَنْتَ الْغَنِیُّ بِذَاتِکَ أَنْ یَصِلَ إِلَیْکَ النَّفْعُ مِنْکَ فَکَیْفَ لَاتَکُونُ غَنِیّاً عَنِّی إِلَهِی إِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ یُمَنِّینِی وَإِنَّ الْهَوَی بِوَثَائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِی فَکُنْ أَنْتَ النَّصِیرَ لِی حَتَّی تَنْصُرَنِی وَتُبَصِّرَنِی وَأَغْنِنِی بِفَضْلِکَ حَتَّی أَسْتَغْنِیَ بِکَ عَنْ طَلَبِی أَنْتَ الَّذِی أَشْرَقْتَ الأَنْوَارَ فِی قُلُوبِ أَوْلِیَائِکَ حَتَّی عَرَفُوکَ وَوَحَّدُوکَ وَأَنْتَ الَّذِی أَزَلْتَ الأَغْیَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِکَ حَتَّی لَمْ یُحِبُّوا سِوَاکَ وَلَمْ یَلْجَئُوا إِلَی غَیْرِکَ أَنْتَ الْمُونِسُ لَهُمْ حَیْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوَالِمُ

ص:432

وَأَنْتَ الَّذِی هَدَیْتَهُمْ حَیْثُ اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الْمَعَالِمُ مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَکَ وَمَا الَّذِی فَقَدَ مَنْ وَجَدَکَ لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِیَ دُونَکَ بَدَلاً وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَی عَنْکَ مُتَحَوِّلاً کَیْفَ یُرْجَی سِوَاکَ وَأَنْتَ مَا قَطَعْتَ الإِحْسَانَ وَکَیْفَ یُطْلَبُ مِنْ غَیْرِکَ وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الاِمْتِنَانِ یَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلَاوَةَ الْمُؤَانَسَةِ فَقَامُوا بَیْنَ یَدَیْهِ مُتَمَلِّقِینَ وَیَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِیَاءَهُ مَلَابِسَ هَیْبَتِهِ فَقَامُوا بَیْنَ یَدَیْهِ مُسْتَغْفِرِینَ أَنْتَ الذَّاکِرُ قَبْلَ الذَّاکِرِینَ وَأَنْتَ الْبَادِی بِالإِحْسَانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعَابِدِینَ وَأَنْتَ الْجَوَادُ بِالْعَطَاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِینَ وَأَنْتَ الْوَهَّابُ ثُمَّ لِمَا وَهَبْتَ لَنَا مِنَ الْمُسْتَقْرِضِینَ إِلَهِی اطْلُبْنِی بِرَحْمَتِکَ حَتَّی أَصِلَ إِلَیْکَ وَاجْذِبْنِی بِمَنِّکَ حَتَّی أُقْبِلَ عَلَیْکَ إِلَهِی إِنَّ رَجَائِی لاَ یَنْقَطِعُ عَنْکَ وَإِنْ عَصَیْتُکَ کَمَا أَنَّ خَوْفِی لَایُزَایِلُنِی وَإِنْ أَطَعْتُکَ فَقَدْ دَفَعَتْنِی الْعَوَالِمُ إِلَیْکَ وَقَدْ أَوْقَعَنِی عِلْمِی بِکَرَمِکَ عَلَیْکَ إِلَهِی کَیْفَ أَخِیبُ وَأَنْتَ أَمَلِی أَمْ کَیْفَ أُهَانُ وَعَلَیْکَ مُتَّکَلِی إِلَهِی کَیْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِی الذِّلَّةِ أَرْکَزْتَنِی أَمْ کَیْفَ لَا أَسْتَعِزُّ وَإِلَیْکَ نَسَبْتَنِی إِلَهِی کَیْفَ لَاأَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِی فِی الْفُقَرَاءِ أَقَمْتَنِی أَمْ کَیْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِی بِجُودِکَ أَغْنَیْتَنِی وَأَنْتَ الَّذِی لَاإِلَهَ غَیْرُکَ تَعَرَّفْتَ لِکُلِّ شَیْ ءٍ فَمَا جَهِلَکَ شَیْ ءٌ وَأَنْتَ الَّذِی تَعَرَّفْتَ إِلَیَّ فِی کُلِّ شَیْ ءٍ فَرَأَیْتُکَ ظَاهِراً فِی کُلِّ شَیْ ءٍ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِکُلِّ شَیْ ءٍ یَا مَنِ اسْتَوَی بِرَحْمَانِیَّتِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَیْباً فِی ذَاتِهِ مَحَقْتَ الآْثَارَ بِالآْثَارِ وَمَحَوْتَ الأَغْیَارَ بِمُحِیطَاتِ أَفْلاَکِ الأَنْوَارِ یَا مَنِ احْتَجَبَ فِی سُرَادِقَاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِکَهُ الأَبْصَارُ یَا مَنْ تَجَلَّی بِکَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ الاِسْتِوَاءَ کَیْفَ تَخْفَی

ص:433

وَأَنْتَ الظَّاهِرُ أَمْ کَیْفَ تَغِیبُ وَأَنْتَ الرَّقِیبُ الْحَاضِرُ إِنَّکَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ » .

دعاء الإمام علی بن الحسین علیه السلام یوم عرفة

« الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ بَدِیعَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِکْرَامِ رَبَّ الأَرْبَابِ وَإِلَهَ کُلِّ مَأْلُوهٍ وَخَالِقَ کُلِّ مَخْلُوقٍ وَوَارِثَ کُلِّ شَیْ ءٍ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ ءٌ وَلَا یَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَیْ ءٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیْ ءٍ مُحِیطٌ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ رَقِیبٌ أَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الْمُتَوَحِّدُ الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْکَرِیمُ الْمُتَکَرِّمُ الْعَظِیمُ الْمُتَعَظِّمُ الْکَبِیرُ الْمُتَکَبِّرُ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْعَلِیُّ الْمُتَعَالِ الشَّدِیدُ الْمِحَالِ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِیمُ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ الْقَدِیمُ الْخَبِیرُ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْکَرِیمُ الأَکْرَمُ الدَّائِمُ الأَدْوَمُ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَوَّلُ قَبْلَ کُلِّ أَحَدٍ وَالآْخِرُ بَعْدَ کُلِّ عَدَدٍ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الدَّانِی فِی عُلُوِّهِ وَالْعَالِی فِی دُنُوِّهِ وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ وَالْکِبْرِیَاءِ وَالْحَمْدِ وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِی أَنْشَأْتَ الأَشْیَاءَ مِنْ غَیْرِ سِنْخٍ وَصَوَّرْتَ مَا صَوَّرْتَ مِنْ غَیْرِ مِثَالٍ وَابْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعَاتِ بِلَا احْتِذَاءٍ أَنْتَ الَّذِی قَدَّرْتَ کُلَّ شَیْ ءٍ تَقْدِیراً وَیَسَّرْتَ کُلَّ شَیْ ءٍ تَیْسِیراً وَدَبَّرْتَ مَا دُونَکَ تَدْبِیراً أَنْتَ الَّذِی لَمْ یُعِنْکَ عَلَی خَلْقِکَ شَرِیکٌ وَلَمْ یُوَازِرْکَ فِی أَمْرِکَ وَزِیرٌ وَلَمْ یَکُنْ لَکَ

ص:434

مُشَاهِدٌ وَلَا نَظِیرٌ أَنْتَ الَّذِی أَرَدْتَ فَکَانَ حَتْماً مَا أَرَدْتَ وَقَضَیْتَ فَکَانَ عَدْلاً مَا قَضَیْتَ وَحَکَمْتَ فَکَانَ نِصْفاً مَا حَکَمْتَ أَنْتَ الَّذِی لَایَحْوِیکَ مَکَانٌ وَلَمْ یَقُمْ لِسُلْطَانِکَ سُلْطَانٌ وَلَمْ یُعْیِکَ بُرْهَانٌ وَلَا بَیَانٌ أَنْتَ الَّذِی أَحْصَیْتَ کُلَّ شَیْ ءٍ عَدَداً وَجَعَلْتَ لِکُلِّ شَیْ ءٍ أَمَداً وَقَدَّرْتَ کُلَّ شَیْ ءٍ تَقْدِیراً أَنْتَ الَّذِی قَصُرَتِ الأَوْهَامُ عَنْ ذَاتِیَّتِکَ وَعَجَزَتِ الأَفْهَامُ عَنْ کَیْفِیَّتِکَ وَلَمْ تُدْرِکِ الأَبْصَارُ مَوْضِعَ أَیْنِیَّتِکَ أَنْتَ الَّذِی لَاتُحَدُّ فَتَکُونَ مُحْدُوداً وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَکُونَ مَوْجُوداً وَلَمْ تَلِدْ فَتَکُونَ مَوْلُوداً أَنْتَ الَّذِی لَا ضِدَّ مَعَکَ فَیُعَانِدَکَ وَلَا عِدْلَ لَکَ فَیُکَاثِرَکَ وَلَا نِدَّ لَکَ فَیُعَارِضَکَ أَنْتَ الَّذِی ابْتَدَأَ وَاخْتَرَعَ وَاسْتَحْدَثَ وَابْتَدَعَ وَأَحْسَنَ صُنْعَ مَا صَنَعَ سُبْحَانَکَ مَا أَجَلَّ شَأْنَکَ وَأَسْنَی فِی الأَمَاکِنِ مَکَانَکَ وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرْقَانَکَ سُبْحَانَکَ مِنْ لَطِیفٍ مَا أَلْطَفَکَ وَرَءُوفٍ مَا أَرْأَفَکَ وَحَکِیمٍ مَا أَعْرَفَکَ سُبْحَانَکَ مِنْ مَلِیکٍ مَا أَمْنَعَکَ وَجَوَادٍ مَا أَوْسَعَکَ وَرَفِیعٍ مَا أَرْفَعَکَ ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ وَالْکِبْرِیَاءِ وَالْحَمْدِ سُبْحَانَکَ بَسَطْتَ بِالْخَیْرَاتِ یَدَکَ وَعُرِفَتِ الْهِدَایَةُ مِنْ عِنْدِکَ فَمَنِ الْتَمَسَکَ لِدِینٍ أَوْ دُنْیَا وَجَدَکَ سُبْحَانَکَ خَضَعَ لَکَ مَنْ جَرَی فِی عِلْمِکَ وَخَشَعَ لِعَظَمَتِکَ مَا دُونَ عَرْشِکَ وَانْقَادَ لِلتَّسْلِیمِ لَکَ کُلُّ خَلْقِکَ سُبْحَانَکَ لَاتُحَسُّ وَلَا تُجَسُّ وَلَا تُمَسُّ وَلَا تُکَادُ وَلَا تُمَاطُ وَلَا تُنَازَعُ وَلَا تُجَارَی وَلَا تُمَارَی وَلَا تُخَادَعُ وَلَا تُمَاکَرُ سُبْحَانَکَ سَبِیلُکَ جَدَدٌ وَأَمْرُکَ رَشَدٌ وَأَنْتَ حَیٌّ صَمَدٌ سُبْحَانَکَ قَولُکَ حُکْمٌ وَقَضَاؤُکَ حَتْمٌ وَإِرَادَتُکَ عَزْمٌ سُبْحَانَکَ لَارَادَّ لِمَشِیَّتِکَ وَلَا مُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِکَ سُبْحَانَکَ بَاهِرَ الآْیَاتِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ بَارِئَ النَّسَمَاتِ لَکَ الْحَمْدُ حَمْداً یَدُومُ بِدَوَامِکَ وَلَکَ الْحَمْدُ

ص:435

حَمْداً خَالِداً بِنِعْمَتِکَ وَلَکَ الْحَمْدُ حَمْداً یُوَازِی صُنْعَکَ وَلَکَ الْحَمْدُ حَمْداً یَزِیدُ عَلَی رِضَاکَ وَلَکَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ کُلِّ حَامِدٍ وَشُکْراً یَقْصُرُ عَنْهُ شُکْرُ کُلِّ شَاکِرٍ حَمْداً لَایَنْبَغِی إِلَّا لَکَ وَلاَ یُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَّا إِلَیْکَ حَمْداً یُسْتَدَامُ بِهِ الأَوَّلُ وَیُسْتَدْعَی بِهِ دَوَامُ الآْخِرِ حَمْداً یَتَضَاعَفُ عَلَی کُرُورِ الأَزْمِنَةِ وَیَتَزَایَدُ أَضْعَافاً مُتَرَادِفَةً حَمْداً یَعْجِزُ عَنْ إِحْصَائِهِ الْحَفَظَةُ وَیَزِیدُ عَلَی مَا أَحْصَتْهُ فِی کِتَابِکَ الْکَتَبَةُ حَمْداً یُوازِنُ عَرْشَکَ الْمَجِیدَ وَیُعَادِلُ کُرْسِیَّکَ الرَّفِیعَ حَمْداً یَکْمُلُ لَدَیْکَ ثَوَابُهُ وَیَسْتَغْرِقُ کُلَّ جَزَاءٍ جَزَاؤُهُ حَمْداً ظَاهِرُهُ وَفْقٌ لِبَاطِنِهِ وَبَاطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ النِّیَّةِ حَمْداً لَمْ یَحْمَدْکَ خَلْقٌ مِثْلَهُ وَلَا یَعْرِفُ أَحَدٌ سِوَاکَ فَضْلَهُ حَمْداً یُعَانُ مَنِ اجْتَهَدَ فِی تَعْدِیدِهِ وَیُؤَیَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعاً فِی تَوْفِیَتِهِ حَمْداً یَجْمَعُ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ وَیَنْتَظِمُ مَا أَنْتَ خَالِقُهُ مِنْ بَعْدُ حَمْداً لَاحَمْدَ أَقْرَبُ إِلَی قَوْلِکَ مِنْهُ وَلَا أَحْمَدَ مِمَّنْ یَحْمَدُکَ بِهِ حَمْداً یُوجِبُ بِکَرَمِکَ الْمَزِیدَ بِوُفُورِهِ وَتَصِلُهُ بِمَزِیدٍ بَعْدَ مَزِیدٍ طَوْلاً مِنْکَ حَمْداً یَجِبُ لِکَرَمِ وَجْهِکَ وَیُقَابِلُ عِزَّ جَلاَلِکَ رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ الْمُصْطَفَی الْمُکَرَّمِ الْمُقَرَّبِ أَفْضَلَ صَلَوَاتِکَ وَبَارِکْ عَلَیْهِ أَتَمَّ بَرَکَاتِکَ وَتَرَحَّمْ عَلَیْهِ أَمْتَعَ رَحَمَاتِکَ رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً زَاکِیَةً لَاتَکُونُ صَلاَةٌ أَزْکَی مِنْهَا وَصَلِّ عَلَیْهِ صَلاَةً نَامِیَةً لَاتَکُونُ صَلاَةٌ أَنْمَی مِنْهَا وَصَلِّ عَلَیْهِ صَلاَةً رَاضِیَةً لَاتَکُونُ صَلاَةٌ فَوْقَهَا رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُرْضِیهِ وَتَزِیدُ عَلَی رِضَاهُ وَصَلِّ عَلَیْهِ صَلاَةً تُرْضِیکَ وَتَزِیدُ عَلَی رِضَاکَ لَهُ وَصَلِّ عَلَیْهِ صَلاَةً لَا تَرْضَی لَهُ إِلَّا بِهَا وَلَا تَرَی غَیْرَهُ لَهَا أَهْلاً رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً

ص:436

تُجَاوِزُ رِضْوَانَکَ وَیَتَّصِلُ اتِّصَالُهَا بِبَقَائِکَ وَلَا یَنْفَدُ کَمَا لَاتَنْفَدُ کَلِمَاتُکَ رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تَنْتَظِمُ صَلَوَاتِ مَلاَئِکَتِکَ وَأَنْبِیَائِکَ وَرُسُلِکَ وَأَهْلِ طَاعَتِکَ وَتَشْتَمِلُ عَلَی صَلَوَاتِ عِبَادِکَ مِنْ جِنِّکَ وَإِنْسِکَ وَأَهْلِ إِجَابَتِکَ وَتَجْتَمِعُ عَلَی صَلاَةِ کُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِکَ رَبِّ صَلِّ عَلَیْهِ وَآلِهِ صَلاَةً تُحِیطُ بِکُلِّ صَلاَةٍ سَالِفَةٍ وَمُسْتَأْنَفَةٍ وَصَلِّ عَلَیْهِ وَعَلَی آلِهِ صَلاَةً مَرْضِیَّةً لَکَ وَلِمَنْ دُونَکَ وَتُنْشِیُ مَعَ ذَلِکَ صَلَوَاتٍ تُضَاعِفُ مَعَهَا تِلْکَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهَا وَتَزِیدُهَا عَلَی کُرُورِ الأَیَّامِ زِیَادَةً فِی تَضَاعِیفَ لَایَعُدُّهَا غَیْرُکَ رَبِّ صَلِّ عَلَی أَطَایِبِ أَهْلِ بَیْتِهِ الَّذِینَ اخْتَرْتَهُمْ ِلأَمْرِکَ وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِکَ وَحَفَظَةَ دِینِکَ وَخُلَفَاءَکَ فِی أَرْضِکَ وَحُجَجَکَ عَلَی عِبَادِکَ وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِیراً بِإِرَادَتِکَ وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِیلَةَ إِلَیْکَ وَالْمَسْلَکَ إِلَی جَنَّتِکَ رَبِّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاَةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ نِحَلِکَ وَکَرَامَتِکَ وَتُکْمِلُ لَهُمُ الأَشْیَاءَ مِنْ عَطَایَاکَ وَنَوَافِلِکَ وَتُوَفِّرُ عَلَیْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوَائِدِکَ وَفَوَائِدِکَ رَبِّ صَلِّ عَلَیْهِ وَعَلَیْهِمْ صَلاَةً لَاأَمَدَ فِی أَوَّلِهَا وَلَا غَایَةَ ِلأَمَدِهَا وَلَا نِهَایَةَ لآِخِرِهَا رَبِّ صَلِّ عَلَیْهِمْ زِنَةَ عَرْشِکَ وَمَا دُونَهُ وَمِلْ ءَ سَمَاوَاتِکَ وَمَا فَوْقَهُنَّ وَعَدَدَ أَرَضِیکَ وَمَا تَحْتَهُنَّ وَمَا بَیْنَهُنَّ صَلَاةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْکَ زُلْفَی وَتَکُونُ لَکَ وَلَهُمْ رِضًی وَمُتَّصِلَةً بِنَظَائِرِهِنَّ أَبَداً اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَیَّدْتَ دِینَکَ فِی کُلِّ أَوَانٍ بِإِمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِکَ وَمَنَاراً فِی بِلَادِکَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِکَ وَجَعَلْتَهُ الذَّرِیعَةَ إِلَی رِضْوَانِکَ وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ وَحَذَّرْتَ مَعْصِیَتَهُ وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَالاِنْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْیِهِ وَأَلَّا یَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ وَلَا یَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ فَهُوَ

ص:437

عِصْمَةُ اللَّائِذِینَ وَکَهْفُ الْمُؤْمِنِینَ وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّکِینَ وَبَهَاءُ الْعَالَمِینَ اللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِیِّکَ شُکْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَیْهِ وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِیهِ وَآتِهِ مِنْ لَدُنْکَ سُلْطَاناً نَصِیراً وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً یَسِیراً وَأَعِنْهُ بِرُکْنِکَ الأَعَزِّ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ وَقَوِّ عَضُدَهُ وَرَاعِهِ بِعَیْنِکَ وَاحْمِهِ بِحِفْظِکَ وَانْصُرْهُ بِمَلَائِکَتِکَ وَامْدُدْهُ بِجُنْدِکَ الأَغْلَبِ وَأَقِمْ بِهِ کِتَابَکَ وَحُدُودَکَ وَشَرَائِعَکَ وَسُنَنَ رَسُولِکَ - صَلَوَاتُکَ اللَّهُمَّ عَلَیْهِ وَآلِهِ -وَأَحْیِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِینِکَ وَاجْلُ بِهِ صَدَاءَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِیقَتِکَ وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ مِنْ سَبِیلِکَ وَأَزِلْ بِهِ النَّاکِبِینَ عَنْ صِرَاطِکَ وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِکَ عِوَجاً وَأَلِنْ جَانِبَهُ ِلأَوْلِیَائِکَ وَابْسُطْ یَدَهُ عَلَی أَعْدَائِکَ وَهَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِینَ مُطِیعِینَ وَفِی رِضَاهُ سَاعِینَ وَإِلَی نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُکْنِفِینَ وَإِلَیْکَ وَإِلَی رَسُولِکَ -صَلَوَاتُکَ اللَّهُمَّ عَلَیْهِ وَآلِهِ -بِذَلِکَ مُتَقَرِّبِینَ اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَی أَوْلِیَائِهِمُ الْمُعْتَرِفِینَ بِمَقَامِهِمُ الْمُتَّبِعِینَ مَنْهَجَهُمُ الْمُقْتَفِینَ آثَارَهُمُ الْمُسْتَمْسِکِینَ بِعُرْوَتِهِمُ الْمُتَمَسِّکِینَ بِوِلاَیَتِهِمُ الْمُؤْتَمِّینَ بِإِمَامَتِهِمُ الْمُسَلِّمِینَ ِلأَمْرِهِمُ الْمُجْتَهِدِینَ فِی طَاعَتِهِمُ الْمُنْتَظِرِینَ أَیَّامَهُمُ الْمَادِّینَ إِلَیْهِمْ أَعْیُنَهُمْ الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَکَاتِ الزَّاکِیَاتِ النَّامِیَاتِ الْغَادِیَاتِ الرَّائِحَاتِ وَسَلِّمْ عَلَیْهِمْ وَعَلَی أَرْوَاحِهِمْ وَاجْمَعْ عَلَی التَّقْوَی أَمْرَهُمْ وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُئُونَهُمْ وَتُبْ عَلَیْهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ وَخَیْرُ الْغَافِرِینَ وَاجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِی دَارِ السَّلاَمِ بِرَحْمَتِکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ اللَّهُمَّ هَذَا یَوْمُ عَرَفَةَ یَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَکَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ نَشَرْتَ فِیهِ رَحْمَتَکَ وَمَنَنْتَ فِیهِ بِعَفْوِکَ وَأَجْزَلْتَ فِیهِ عَطِیَّتَکَ وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَی عِبَادِکَ اللَّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُکَ الَّذِی أَنْعَمْتَ عَلَیْهِ

ص:438

قَبْلَ خَلْقِکَ لَهُ وَبَعْدَ خَلْقِکَ إِیَّاهُ فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَیْتَهُ لِدِینِکَ وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّکَ وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِکَ وَأَدْخَلْتَهُ فِی حِزْبِکَ وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوَالاَةِ أَوْلِیَائِکَ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِکَ ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ یَأْتَمِرْ وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ یَنْزَجِرْ وَنَهَیْتَهُ عَنْ مَعْصِیَتِکَ فَخَالَفَ أَمْرَکَ إِلَی نَهْیِکَ لَامُعَانَدَةً لَکَ وَلَا اسْتِکْبَاراً عَلَیْکَ بَلْ دَعَاهُ هَوَاهُ إِلَی مَا زَیَّلْتَهُ وَإِلَی مَا حَذَّرْتَهُ وَأَعَانَهُ عَلَی ذَلِکَ عَدُوُّکَ وَعَدُوُّهُ فَأَقْدَمَ عَلَیْهِ عَارِفاً بِوَعِیدِکَ رَاجِیاً لِعَفْوِکَ وَاثِقاً بِتَجَاوُزِکَ وَکَانَ أَحَقَّ عِبَادِکَ مَعَ مَا مَنَنْتَ عَلَیْهِ أَلَّا یَفْعَلَ وَهَا أَنَا ذَا بَیْنَ یَدَیْکَ صَاغِراً ذَلِیلاً خَاضِعاً خَاشِعاً خَائِفاً مُعْتَرِفاً بِعَظِیمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ وَجَلِیلٍ مِنَ الْخَطَایَا اجْتَرَمْتُهُ مُسْتَجِیراً بِصَفْحِکَ لَائِذاً بِرَحْمَتِکَ مُوقِناً أَنَّهُ لَایُجِیرُنِی مِنْکَ مُجِیرٌ وَلَا یَمْنَعُنِی مِنْکَ مَانِعٌ فَعُدْ عَلَیَّ بِمَا تَعُودُ بِهِ عَلَی مَنِ اقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِکَ وَجُدْ عَلَیَّ بِمَا تَجُودُ بِهِ عَلَی مَنْ أَلْقَی بِیَدِهِ إِلَیْکَ مِنْ عَفْوِکَ وَامْنُنْ عَلَیَّ بِمَا لَایَتَعَاظَمُکَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلَی مَنْ أَمَّلَکَ مِنْ غُفْرَانِکَ وَاجْعَلْ لِی فِی هَذَا الْیَوْمِ نَصِیباً أَنَالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوَانِکَ وَلَا تَرُدَّنِی صِفْراً مِمَّا یَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ لَکَ مِنْ عِبَادِکَ وَإِنِّی وَإِنْ لَمْ أُقَدِّمْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِیدَکَ وَنَفْیَ الأَضْدَادِ وَالأَنْدَادِ وَالأَشْبَاهِ عَنْکَ وَأَتَیْتُکَ مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِی أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتَی مِنْهَا وَتَقَرَّبْتُ إِلَیْکَ بِمَا لَایَقْرُبُ أَحَدٌ مِنْکَ إِلَّا بالتَّقَرُّبِ بِهِ ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذَلِکَ بِالإِنَابَةِ إِلَیْکَ وَالتَّذَلُّلِ وَالاِسْتِکَانَةِ لَکَ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِکَ وَالثِّقَةِ بِمَا عِنْدَکَ وَشَفَعْتُهُ بِرَجَائِکَ الَّذِی قَلَّ مَا یَخِیبُ عَلَیْهِ رَاجِیکَ وَسَأَلْتُکَ مَسْأَلَةَ الْحَقِیرِ الذَّلِیلِ الْبَائِسِ الْفَقِیرِ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِیرِ وَمَعَ ذَلِکَ خِیفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً وَتَلَوُّذاً لَامُسْتَطِیلاً بِتَکَبُّرِ الْمُتَکَبِّرِینَ وَلَا مُتَعَالِیاً بِدَالَّةِ الْمُطِیعِینَ وَلَا

ص:439

مُسْتَطِیلاً بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِینَ وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الأَقَلِّینَ وَأَذَلُّ الأَذَلِّینَ وَمِثْلُ الذَّرَّةِ أَوْ دُونَهَا فَیَا مَنْ لَمْ یُعَاجِلِ الْمُسِیئِینَ وَلَا یَنْدَهُ الْمُتْرَفِینَ وَیَا مَنْ یَمُنُّ بِإِقَالَةِ الْعَاثِرِینَ وَیَتَفَضَّلُ بِإِنْظَارِ الْخَاطِئِینَ أَنَا الْمُسِیءُ الْمُعْتَرِفُ الْخَاطِیُ الْعَاثِرُ أَنَا الَّذِی أَقْدَمَ عَلَیْکَ مُجْتَرِئاً أَنَا الَّذِی عَصَاکَ مُتَعَمِّداً أَنَا الَّذِی اسْتَخْفَی مِنْ عِبَادِکَ وَبَارَزَکَ أَنَا الَّذِی هَابَ عِبَادَکَ وَأَمِنَکَ أَنَا الَّذِی لَمْ یَرْهَبْ سَطْوَتَکَ وَلَمْ یَخَفْ بَأْسَکَ أَنَا الْجَانِی عَلَی نَفْسِهِ أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِیَّتِهِ أَنَا القَلِیلُ الْحَیَاءِ أَنَا الطَّوِیلُ الْعَنَاءِ بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِکَ وَبِمَنِ اصْطَفَیْتَهُ لِنَفْسِکَ بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِیَّتِکَ وَمَنِ اجْتَبَیْتَ لِشَأْنِکَ بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِکَ وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِیَتَهُ کَمَعْصِیَتِکَ بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوَالاَتَهُ بِمُوَالاَتِکَ وَمَنْ نُطْتَ مُعَادَاتَهُ بِمُعَادَاتِکَ تَغَمَّدْنِی فِی یَوْمِی هَذَا بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَأَرَ إِلَیْکَ مُتَنَصِّلاً وَعَاذَ بِاسْتِغْفَارِکَ تَائِباً وَتَوَلَّنِی بِمَا تَتَوَلَّی بِهِ أَهْلَ طَاعَتِکَ وَالزُّلْفَی لَدَیْکَ وَالْمَکَانَةِ مِنْکَ وَتَوَحَّدْنِی بِمَا تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفَی بِعَهْدِکَ وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِی ذَاتِکَ وَأَجْهَدَهَا فِی مَرْضَاتِکَ وَلَا تُؤَاخِذْنِی بِتَفْرِیطِی فِی جَنْبِکَ وَتَعَدِّی طَوْرِی فِی حُدُودِکَ وَمُجَاوَزَةِ أَحْکَامِکَ وَلَا تَسْتَدْرِجْنِی بِإِمْلاَئِکَ لِی اسْتِدْرَاجَ مَنْ مَنَعَنِی خَیْرَ مَا عِنْدَهُ وَلَمْ یَشْرَکْکَ فِی حُلُولِ نِعْمَتِهِ بِی وَنَبِّهْنِی مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِینَ وَسِنَةِ الْمُسْرِفِینَ وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِینَ وَخُذْ بِقَلْبِی إِلَی مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ الْقَانِتِینَ وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِینَ وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهَاوِنِینَ وَأَعِذْنِی مِمَّا یُبَاعِدُنِی عَنْکَ وَیَحُولُ بَیْنِی وَبَیْنَ حَظِّی مِنْکَ وَیَصُدُّنِی عَمَّا أُحَاوِلُ لَدَیْکَ وَسَهِّلْ لِی مَسْلَکَ الْخَیْرَاتِ إِلَیْکَ وَالْمُسَابَقَةَ إِلَیْهَا مِنْ حَیْثُ أَمَرْتَ وَالْمُشَاحَّةَ فِیهَا عَلَی مَا

ص:440

أَرَدْتَ وَلَا تَمْحَقْنِی فِیمَن تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّینَ بِمَا أَوْعَدْتَ وَلَا تُهْلِکْنِی مَعَ مَنْ تُهْلِکُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِینَ لِمَقْتِکَ وَلَا تُتَبِّرْنِی فِیمَنْ تُتَبِّرُ مِنَ الْمُنْحَرِفِینَ عَنْ سُبُلِکَ وَنَجِّنِی مِنْ غَمَرَاتِ الْفِتْنَةِ وَخَلِّصْنِی مِنْ لَهَوَاتِ الْبَلْوَی وَأَجِرْنِی مِنْ أَخْذِ الإِمْلاَءِ وَحُلْ بَیْنِی وَبَیْنَ عَدُوٍّ یُضِلُّنِی وَهَوًی یُوبِقُنِی وَمَنْقَصَةٍ تَرْهَقُنِی وَلَا تُعْرِضْ عَنِّی إِعْرَاضَ مَنْ لَاتَرْضَی عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِکَ وَلَا تُؤْیِسْنِی مِنَ الأَمَلِ فِیکَ فَیَغْلِبَ عَلَیَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِکَ وَلَا تَمْنِحْنِی بِمَا لَاطَاقَةَ لِی بِهِ فَتَبْهَظَنِی مِمَّا تُحَمِّلُنِیهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِکَ وَلَا تُرْسِلْنِی مِنْ یَدِکَ إِرْسَالَ مَنْ لَاخَیْرَ فِیهِ وَلَا حَاجَةَ بِکَ إِلَیْهِ وَلَا إِنَابَةَ لَهُ وَلَا تَرْمِ بِی رَمْیَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَیْنِ رِعَایَتِکَ وَمَنِ اشْتَمَلَ عَلَیْهِ الْخِزْیُ مِنْ عِنْدِکَ بَلْ خُذْ بِیَدِی مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِّینَ وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِینَ وَزَلَّةِ الْمَغْرُورِینَ وَوَرْطَةِ الْهَالِکِینَ وَعَافِنِی مِمَّا ابْتَلَیْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِیدِکَ وَإِمَائِکَ وَبَلِّغْنِی مَبَالِغَ مَنْ عُنِیتَ بِهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَیْهِ وَرَضِیتَ عَنْهُ فَأَعَشْتَهُ حَمِیداً وَتَوَفَّیْتَهُ سَعِیداً وَطَوِّقْنِی طَوْقَ الإِقْلاَعِ عَمَّا یُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ وَیَذْهَبُ بِالْبَرَکَاتِ وَأَشْعِرْ قَلْبِیَ الاِزْدِجَارَ عَنْ قَبَائِحِ السَّیِّئَاتِ وَفَوَاضِحِ الْحَوْبَاتِ وَلَا تَشْغَلْنِی بِمَا لَا أُدْرِکُهُ إِلَّا بِکَ عَمَّا لَایُرْضِیکَ عَنِّی غَیْرُهُ وَانْزِعْ مِنْ قَلْبِی حُبَّ دُنْیَا دَنِیَّةٍ تَنْهَی عَمَّا عِنْدَکَ وَتَصُدُّ عَنِ ابْتِغَاءِ الْوَسِیلَةِ إِلَیْکَ وَتُذْهِلُ عَنِ التَّقَرُّبِ مِنْکَ وَزَیِّنْ لِیَ التَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِکَ بِاللَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَهَبْ لِی عِصْمَةً تُدْنِینِی مِنْ خَشْیَتِکَ وَتَقْطَعُنِی عَنْ رُکُوبِ مَحَارِمِکَ وَتَفُکَّنِی مِنْ أَسْرِ الْعَظَائِمِ وَهَبْ لِیَ التَّطْهِیرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْیَانِ وَأَذْهِبْ عَنِّی دَرَنَ الْخَطَایَا وَسَرْبِلْنِی بِسِرْبَالِ عَافِیَتِکَ وَرَدِّنِی رِدَاءَ مُعَافَاتِکَ وَجَلِّلْنِی سَوَابِغَ نَعْمَائِکَ وَظَاهِرْ لَدَیَّ

ص:441

فَضْلَکَ وَطَوْلَکَ وَأَیِّدْنِی بِتَوْفِیقِکَ وَتَسْدِیدِکَ وَأَعِنِّی عَلَی صَالِحِ النِّیَّةِ وَمَرْضِیِّ الْقَوْلِ وَمُسْتَحْسَنِ الْعَمَلِ وَلَا تَکِلْنِی إِلَی حَوْلِی وَقُوَّتِی دُونَ حَوْلِکَ وَقُوَّتِکَ وَلَا تُخْزِنِی یَوْمَ تَبْعَثُنِی لِلِقَائِکَ وَلَا تَفْضَحْنِی بَیْنَ یَدَیْ أَوْلِیَائِکَ وَلَا تُنْسِنِی ذِکْرَکَ وَلَا تُذْهِبْ عَنِّی شُکْرَکَ بَلْ أَلْزِمْنِیهِ فِی أَحْوَالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلَاتِ الْجَاهِلِینَ لآِلَائِکَ وَأَوْزِعْنِی أَنْ أُثْنِیَ بِمَا أَوْلَیْتَنِیهِ وَأَعْتَرِفَ بِمَا أَسْدَیْتَهُ إِلَیَّ وَاجْعَلْ رَغْبَتِی إِلَیْکَ فَوْقَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِینَ وَحَمْدِی إِیَّاکَ فَوْقَ حَمْدِ الْحَامِدِینَ وَلَا تَخْذُلْنِی عِنْدَ فَاقَتِی إِلَیْکَ وَلَا تُهْلِکْنِی بِمَا أَسْدَیْتُهُ إِلَیْکَ وَلَا تَجْبَهْنِی بِمَا جَبَهْتَ بِهِ الْمُعَانِدِینَ لَکَ فَإِنِّی لَکَ مُسَلِّمٌ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَکَ وَأَنَّکَ أَوْلَی بِالْفَضْلِ وَأَعْوَدُ بِالإِحْسَانِ وَأَهْلُ التَّقْوَی وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ وَأَنَّکَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلَی مِنْکَ بِأَنْ تُعَاقِبَ وَأَنَّکَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْکَ إِلَی أَنْ تَشْهَرَ فَأَحْیِنِی حَیَاةً طَیِّبَةً تَنْتَظِمُ بِمَا أُرِیدُ وَتَبْلُغُ مَا أُحِبُّ مِنْ حَیْثُ لَاآتِی مَا تَکْرَهُ وَلَا أَرْتَکِبُ مَا نَهَیْتَ عَنْهُ وَأَمِتْنِی مِیتَةَ مَنْ یَسْعَی نُورُهُ بَیْنَ یَدَیْهِ وَعَنْ یَمِینِهِ وَذَلِّلْنِی بَیْنَ یَدَیْکَ وَأَعِزَّنِی عِنْدَ خَلْقِکَ وَضَعْنِی إِذَا خَلَوتُ بِکَ وَارْفَعْنِی بَیْنَ عِبَادِکَ وَأَغْنِنِی عَمَّنْ هُوَ غَنِیٌّ عَنِّی وَزِدْنِی إِلَیْکَ فَاقَةً وَفَقْراً وَأَعِذْنِی مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ وَمِنْ حُلُولِ الْبَلَاءِ وَمِنَ الذُّلِّ وَالْعَنَاءِ تَغَمَّدْنِی فِیمَا اطَّلَعْتَ عَلَیْهِ مِنِّی بِمَا یَتَغَمَّدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَی الْبَطْشِ لَوْلَا حِلْمُهُ وَالآْخِذُ عَلَی الْجَرِیرَةِ لَوْلَا أَنَاتُهُ وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً أَوْ سُوءاً فَنَجِّنِی مِنْهَا لِوَاذاً بِکَ وَإِذْ لَمْ تُقِمْنِی مَقَامَ فَضِیحَةٍ فِی دُنْیَاکَ فَلَا تُقِمْنِی مِثْلَهُ فِی آخِرَتِکَ وَاشْفَعْ لِی أَوَائِلَ مِنَنِکَ بِأَوَاخِرِهَا وَقَدِیمَ فَوَائِدِکَ بِحَوَادِثِهَا وَلَا تَمْدُدْ لِی مَدّاً یَقْسُو مَعَهُ قَلْبِی وَلَا تَقْرَعْنِی قَارِعَةً یَذْهَبُ لَهَا بَهَائِی وَلَا

ص:442

تَسُمْنِی خَسِیسَةً یَصْغُرُ لَهَا قَدْرِی وَلَا نَقِیصَةً یُجْهَلُ مِنْ أَجْلِهَا مَکَانِی وَلَا تَرُعْنِی رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا وَلَا خِیفَةً أُوجِسُ دُونَهَا اجْعَلْ هَیْبَتِی فِی وَعِیدِکَ وَحَذَرِی مِنْ إِعْذَارِکَ وَإِنْذَارِکَ وَرَهْبَتِی عِنْد تِلَاوَةِ آیَاتِکَ وَاعْمُرْ لَیْلِی بِإِیقَاظِی فِیهِ لِعِبَادَتِکَ وَتَفَرُّدِی بِالتَّهَجُّدِ لَکَ وَتَجَرُّدِی بِسُکُونِی إِلَیْکَ وَإِنْزَالِ حَوَائِجِی بِکَ وَمُنَازَلَتِی إِیَّاکَ فِی فَکَاکِ رَقَبَتِی مِنْ نَارِکَ وَإِجَارَتِی مِمَّا فِیهِ أَهْلُهَا مِنْ عَذَابِکَ وَلَا تَذَرْنِی فِی طُغْیَانِی عَامِهاً وَلَا فِی غَمْرَتِی سَاهِیاً حَتَّی حِینٍ وَلَا تَجْعَلْنِی عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ وَلَا نَکَالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ وَلَا فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ وَلَا تَمْکُرْ بِی فِیمَنْ تَمْکُرُ بِهِ وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِی غَیْرِی وَلَا تُغَیِّرْ لِی اسْماً وَلَا تُبَدِّلْ لِی جِسْماً وَلَا تَتَّخِذْنِی هُزُواً لِخَلْقِکَ وَلَا سُخْرِیّاً لَکَ وَلَا تَبَعاً إِلَّا لِمَرْضَاتِکَ وَلَا مُمْتَهَناً إِلَّا بِالاِنْتِقَامِ لَکَ وَأَوْجِدْنِی بَرْدَ عَفْوِکَ وَحَلَاوَةَ رَحْمَتِکَ وَرَوْحِکَ وَرَیْحَانِکَ وَجَنَّةِ نَعِیمِکَ وَأَذِقْنِی طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَةٍ مِنْ سَعَتِکَ وَالاِجْتِهَادِ فِیمَا یُزْلِفُ لَدَیْکَ وَعِنْدَکَ وَأَتْحِفْنِی بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفَاتِکَ وَاجْعَلْ تِجَارَتِی رَابِحَةً وَکَرَّتِی غَیْرَ خَاسِرَةٍ وَأَخِفْنِی مَقَامَکَ وَشَوِّقْنِی لِقَاءَکَ وَتُبْ عَلَیَّ تَوْبَةً نَصُوحاً لَاتُبْقِ مَعَهَا ذُنُوباً صَغِیرَةً وَلَا کَبِیرَةً وَلَا تَذَرْ مَعَهَا عَلَانِیَةً وَلَا سَرِیرَةً وَانْزِعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِی لِلْمُؤْمِنِینَ وَاعْطِفْ بِقَلْبِی عَلَی الْخَاشِعِینَ وَکُنْ لِی کَمَا تَکُونُ لِلصَّالِحِینَ وَحَلِّنِی حِلْیَةَ الْمُتَّقِینَ وَاجْعَلْ لِی لِسَانَ صِدْقٍ فِی الْغَابِرِینَ وَذِکْراً نَامِیاً فِی الآْخِرِینَ وَوَافِ بِی عَرْصَةَ الأَوَّلِینَ وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِکَ عَلَیَّ وَظَاهِرْ کَرَامَاتِهَا لَدَیَّ امْلَأْ مِنْ فَوَائِدِکَ یَدَیَّ وَسُقْ کَرَائِمَ مَوَاهِبِکَ إِلَیَّ وَجَاوِرْ بِیَ الأَطْیَبِینَ مِنْ أَوْلِیَائِکَ فِی الْجِنَانِ الَّتِی زَیَّنْتَهَا ِلأَصْفِیَائِکَ وَجَلِّلْنِی شَرَائِفَ

ص:443

نِحَلِکَ فِی الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ ِلأَحِبَّائِکَ وَاجْعَلْ لِی عِنْدَکَ مَقِیلاً آوِی إِلَیْهِ مُطْمَئِنّاً وَمَثَابَةً أَتَبَوَّؤُهَا وَأَقَرُّ عَیْناً وَلَا تُقَایِسْنِی بِعَظِیمَاتِ الْجَرَائِرِ وَلَا تُهْلِکْنِی یَوْمَ تُبْلَی السَّرَائِرُ وَأَزِلْ عَنِّی کُلَّ شَکٍّ وَشُبْهَةٍ وَاجْعَلْ لِی فِی الْحَقِّ طَرِیقاً مِنْ کُلِّ رَحْمَةٍ وَأَجْزِلْ لِی قِسَمَ الْمَوَاهِبِ مِنْ نَوَالِکَ وَوَفِّرْ عَلَیَّ حُظُوظَ الإِحْسَانِ مِنْ إِفْضَالِکَ وَاجْعَلْ قَلْبِی وَاثِقاً بِمَا عِنْدَکَ وَهَمِّی مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَکَ وَاسْتَعْمِلْنِی بِمَا تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَکَ وَأَشْرِبْ قَلْبِی عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقُولِ طَاعَتَکَ وَاجْمَعْ لِیَ الْغِنَی وَالْعَفَافَ وَالدَّعَةَ وَالْمُعَافَاةَ وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِینَةَ وَالْعَافِیَةَ وَلَا تُحْبِطْ حَسَنَاتِی بِمَا یَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِیَتِکَ وَلَا خَلَوَاتِی بِمَا یَعْرِضُ لِی مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِکَ وَصُنْ وَجْهِی عَنِ الطَّلَبِ إِلَی أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِینَ وَذُبِّنِی عَنِ الْتِمَاسِ مَا عِنْدَ الْفَاسِقِینَ وَلَا تَجْعَلْنِی لِلظَّالِمِینَ ظَهِیراً وَلَا لَهُمْ عَلَی مَحْوِ کِتَابِکَ یَداً وَنَصِیراً وَحُطْنِی مِنْ حَیْثُ لَاأَعْلَمُ حِیَاطَةً تَقِینِی بِهَا وَافْتَحْ لِی أَبْوَابَ تَوْبَتِکَ وَرَحْمَتِکَ وَرَأْفَتِکَ وَرِزْقِکَ الْوَاسِعِ إِنِّی إِلَیْکَ مِنَ الرَّاغِبِینَ وَأَتْمِمْ لِی إِنْعَامَکَ إِنَّکَ خَیْرُ الْمُنْعِمِینَ وَاجْعَلْ بَاقِیَ عُمُرِی فِی الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِکَ یَا رَبَّ الْعَالَمِینَ وَصَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ وَالسَّلاَمُ عَلَیْهِ وَعَلَیْهِمْ أَبَدَ الآْبِدِینَ » .

* * *

ص:444

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.