اسرار زیارة الاربعین

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، 1340-

عنوان و نام پدیدآور : اسرار زیارة الاربعین/محمد سند.

مشخصات نشر : قم: سعیدبن جبیر، 1394، = 2015م، = 1436ق.

مشخصات ظاهری : 92ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : اربعینات -- قرن ق 12

موضوع : احادیث شیعه -- قرن ق 12

موضوع : حسین بن علی (ع)، امام سوم، 4 - 61ق -- اربعین

موضوع : Hosayn ibn Ali, Imam III, 625 - 680 -- Arba'in

رده بندی کنگره : PIR3834/پ9ف4 16.ج 1397

رده بندی دیویی : 8فا2/0512

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

الإهداء

إلی الحسین وأولاد الحسین وأصحاب الحسین ....

إلی زوار وعشاق أبی عبد الله الحسین ...

إلی المشاة المنجذبة قلوبهم وروحهم إلی روح سید الشهداء الحسین ...

إلی خدمة زوار سید شباب أهل الجنة الحسین ...

إلی کل من تعلق قلبه بسبط الرسول الحسین ...

إلی الذین یحرسون ویسهرون لحمایة زوار أبی الأحرار الحسین ...

إلی الدماء التی سالت من أجل الوصول إلی کربلاء الحسین ...

إلی کل هولاء الأحباب اهدی لهم هذا الجهد المتواضع

إبراهیم

ص:5

ص:6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی اشرف الأنبیاء والمرسلین محمد وآله الطیبین الطاهرین واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین .

وبعد...

إن هذا الکتاب هو عبارة عن بحث مستل من کتاب الشعائر الحسینیة (ج3) وقد ألقی هذا البحث - أسرار زیارة الأربعین - سماحة الأستاذ آیة

الله الشیخ محمد السند بمناسبة زیارة الأربعین لسید الشهداء (علیه السلام) من هذا العام ، وتعمیماً للفائدة جعلنا هذا البحث فی کتاب مستقل وهو الذی بین یدیک ، حیث بین فیه شیخنا الأستاذ فلسفة زیارة الأربعین ومدی انعکاسها علی الروح والنفس البشریة وماتلهمه هذه الشعیرة المقدسة من الإنجذاب الروحی لسید الشهداء (علیه السلام) خصوصاً ولشهداء الطف عموماً

ص:7

حتی یعیش الفرد المؤمن من خلالها حالة الصفاء الروحی مع المحیط الذی یعیشه ویتعامل معه بکل حب ووداد الهی ، حتی إنعکست هذه المناسبة العظیمة بصورة إیجابیة علی الساحة الدولیة للمذهب الحق - مذهب ومدرسة أهل البیت (علیهم السلام) - حتی أخذت بعض الدول الکبری تراقب هذه الملحمة الحسینیة وهذا الحدث عبر الأقمار الاصطناعیة لأهمیتها وخطورتها علی الوضع العام فی منطقة الشرق الأوسط والمناطق الأخری وبأعتراف من بعض الساسة الدولیین کما سوف یتضح ، کل هذا سوف تجده - عزیزی القارئ - بین طیات هذا الکتاب .

وأخیراً نسأل من الله القبول بمحمد وآله الطیبین الطاهرین إنه نعم المولی ونعم النصیر .

والحمد لله رب العالمین

8/ربیع الاول /1433

ذکری استشهاد الإمام الحسن العسکری(علیه السلام)

إبراهیم حسین البغدادی

النجف الأشرف

ص:8

دعاء الامام الصادق (علیه السلام) لزوار قبر جده (علیه السلام)

روی مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَی أَبِی عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام فَقِیلَ لِی ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِی مُصَلَّاهُ فَجَلَسْتُ حَتَّی قَضَی صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ یُنَاجِی رَبَّهُ وَ هُوَ یَقُولُ:

یا مَنْ خَصَّنا بالْکَرامَةِ؛ وَوَعَدَنا بالشَّفاعَةِ؛ وحمّلنا الرسالة ، وجعلنا ورثة الأنبیاء ، وختم بنا الاُمم السالفة، وَخَصَّنا بالوَصیَّةِ؛ وأعْطانا عِلمَ ما مَضی وعِلْمَ ما بَقیَ، وَجَعَلَ أفْئدَةً مِنَ النّاسً تَهْوِی إلَیْنا ، اغْفِرْ لی ولإخْوانی وَزُوَّارِ قَبر أبی الحسین صبلوات الله علیهم .

الَّذین أنْفَقُوا أمْوالَهُمْ وَأشخَصُوا أبْدانَهم رَغْبَةً فی بِرِّنا ، وَرَجاءً لِما عِنْدَکَ فی صِلَتِنا ، وسُروراً أَدْخَلُوهُ عَلی نَبِیِّکَ محمد (صلی الله علیه و آله) ، وَإجابَةً مِنهُمْ لأمْرِنا ، وَغَیظاً أدْخَلُوهُ عَلی عَدُوِّنا .

أرادُوا بذلِکَ رِضوانَکَ ، فَکافِئْهُمْ عَنّا بالرِّضْوانِ ، واکْلأُهُم باللَّیلِ وَالنَّهارِ، واخْلُفْ عَلیُ أهالِیهم وأولادِهِمُ الَّذین خُلّفوا

ص:9

بأحْسَنِ الخَلَفِ وأصحبهم ، وَأکْفِهمْ شَرَّ کلِ ّ جَبّارٍ عَنیدٍ؛ وَکُلّ ضَعیفٍ مِنْ خَلْقِکَ وَشَدیدٍ ، وَشَرَّ شَیاطِینِ الإنْس وَالجِنِ ّ ، وَأعْطِهِم أفْضَلَ ما أمَّلُوا مِنْکَ فی غُرْبَتِهم عَنْ أوْطانِهِم ، وَما آثَرُونا بِهِ عَلی أبْنائهم وأهالیهم وقَراباتِهم .

اللّهُمَ ّ إنَ ّ أعْداءَنا عابُوا عَلَیهم بخُروجهم ، فَلم یَنْهِهم ذلِکَ عَنِ الشُّخوصِ إلینا خِلافاً علیهم ، فارْحَم تِلْکَ الْوُجُوهَ الَّتی غَیْرتها الشَّمْسُ ، وَارْحَم تِلکَ الخدُودَ الَّتی تَتَقَلّبُ علیُ حُفْرَةِ أبی عَبدِاللهِ الحسینِ (علیه السلام)، وَارْحَم تِلکَ الأعْیُنَ الَّتی جَرَتْ دُمُوعُها رَحمةً لَنا ، وارْحَم تِلْکَ الْقُلُوبَ الَّتی جَزَعَتْ واحْتَرقَتْ لَنا ، وارْحَم تِلکَ الصَّرْخَةً الَّتی کانَتْ لَنا .

اللّهمَ ّ إنی اسْتَودِعُکَ تلْکَ الأبْدانَ وَتِلکَ الأنفُس حتّی تَرْویهمْ عَلی الحَوضِ یَومَ العَطَشِ .

فما زال یدعو علیه السلام وهو ساجدٌ بهذا الدُّعاء، فلمّا انصرف قلت : جُعِلتُ فِداک لو أنَ ّ هذا الَّذی سَمعتُ منک کان لِمن لا یَعرفُ اللهَ عزَّوجَلَ ّ لَظننتُ أنَ ّ النّار لا تطعم منه شَیئاً أبداً!! والله لقد تمنَّیتُ أنّی کنتُ زُرْتُه ولم أحُجّ.

قَالَ لِی:

ما أقربک منه فما الذی یمنعک من زیارته ثم قال یا معاویة لم تدع ذلک .

فانبری معاویة وقد ذهل ممّا سمعه من الامام (علیه السلام) فی فضل

ص:10

زیارة الحسین (علیه السلام)

قائلاً:

جعلت فداک لم أر أنّ الأمر یبلغ هذا کلّه ؟

یَا مُعَاوِیَةُ مَنْ یَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِی السَّمَاءِ أَکْثَرُ مِمَّنْ یَدْعُو لَهُمْ فِی الْأَرْضِ ولَا تَدَعْهُ لِخوفٍ من أحدٍ، فَمَنْ تَرَکَهُ رَأَی مِنَ الْحَسْرَةِ مَا یَتَمَنَّی أَنَّ قَبْرَهُ کَانَ بِیْدَهِ.

أَمَا تُحِبُّ أَنْ یَرَی اللَّهُ شَخْصَکَ وَ سَوَادَکَ فِیمَنْ یَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه واله ؟

أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فیمَّنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِکَةُ ؟

أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فِیمَنْ یَأتی وَ لَیْسَ لَهُ ذَنْبٌ فَیُتْبَعَ بِهِ ؟

أما تحب أن تکون غدا فیمن یصافح رسول ؟ (1)

ص:11


1- (1) کامل الزیارات :228، ثواب الاعمال :120، الحدیث 44 ، الکافی ج4:582، الحدیث 11.

أسرار زیارة الأربعین

إن زیارة الأربعین هی عبارة عن مهرجان إلهی تعبوی یتم فیه نوع من دخول البشر فی النور، وبالتالی یدربون علی التضحیة فی سبیل القیم والمبادیء ومن ثم علی رفعة معدن الذات والطینة الإنسانیة، فبدل أن تکون خسیسة، دنیئة، دنیة، أسیرة للشهوات أو للغرائز أو للدنیا أو لحب البقاء، وبدل أن تکون ذلیلة ورهینة السفاسف سوف تتصاعد وتحلق إلی المعالی، وتبنی شخصیة الإنسان فی هذا المعسکر، وتتشبع فیها القیم والمعالی والفضائل والعزة.

ولذلک نری کل المراقبین الدولیین المترصدین ومن مصادر عدیدة یقرون بأن هذه الزیارة الملایینی هی أکبر معهد ومعسکر تدریب للنفس البشریة بشکل عظیم، حیث یدربها علی التضحیة والفداء والعطاء. بحیث أی دولة کبری لو أرادت أن تعبئ شعبها ولو لشرائح قلیلة منه استعداداً لحرب مثلاً أو حرب طوارئ التی تطرأ علی البلد فلا تستطیع أن تجند إلا القلة القلیلة

ص:12

وبالترغیب والترهیب، بینما فی زیارة الحسین (علیه السلام) نجد الملایین من البشر، بل زحف بشری ملایینی وطوعی من نفس البلد ومن خارجه، فما هذه القدرة فی التعبئة؟!

ص:13

زیارة الأربعین والمراقبة الدولیة

إن کل المراقبین الدولیین علی وجل وخوف من هذا المهرجان العبادی الروحی العملاق، لأن هذه الوقود والقدرة فی التعبئة الملیونیة والسنویة لا یمتلکها أکبر نظام علی وجه الأرض، ولا أی دولة عظمی ولا الوسطی ولا الدول الأخری، بل حتی الدول الإسلامیة بل وبصراحة حتی النظم الشیعیة لا تمتلک هذه القدرة وبشکل لا ملل ولا کلل، وإنما الذی یمتلک هذه القدرة والومیض والمحرک هو الإمام الحسین (علیه السلام) وبشکل طوعی لیس فیه أی ترغیب أو ترهیب، بل فیه المخاطر والتضحیة بالنفس والمال للزائرین المشاة بسبب الإرهاب الحاقد الأعمی البغیض.

فقد ذکر عدة من الأخوة من ذوی الرصد والمتابعة أن بعض الدوائر الغربیة تجری دراسة خاصة سنویة عبر إذاعاتها ومواقعها وعبر الانترنت حول ما یفعله الخطباء والروادید من تأثیر فی نفوس الشباب.

ص:14

زیارة الأربعین والنظام البائد

وقد کان النظام البائد کما جاءت الأنباء والمصادر بذلک یستعرض فیلما وثائقیا عن هذه الظاهرة الحسینیة علی أعضاء القیادة القطریة قبل سقوط النظام العفلقی بأشهر، وأخذ یستنطقهم ویستدرجهم لأخذ آرائهم فی کیفیة قمع هذا البرکان الحسینی، فتخوف کل أعضاء قیادته ولم یجیبوا بشیء لا نفیاً ولا إثباتاً خوفاً من غطرسة طاغیتهم، وبعد ذلک أجابهم أن هذا الزلزال الحسینی لم یهدأ أبداً ولکنی فی السنة القادمة سوف أفعل ما أفعل، وأخذ یتهدد ویتوعد بقطع الأیدی والأرجل والأذان- ولکن (یُرِیدُونَ لِیُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ) (1).

فالذی کان یقرف العفالقة وطاغیتهم العفن خوفا ووجلاُ ومن وراء نظامهم دوائر دولیة کثیرة هی المخططة لهذه الأمور هو أن هذه القدرة التعبویة الحسینیة رغم إرهابهم لم یستطیعوا أن یوقفوا التدریب علی الشجاعة والجرأة الموجودة فی معسکر

ص:15


1- (1) الصف: 8.

الحسین (علیه السلام) فالعراق هو قلب الشرق الأوسط وهو مفرق جغرافی إلی قارة آسیا وأفریقیا فبالتالی هو مفرق الحضارات والأدیان ومفصل لکل شیء، وهو قلب نابض والحسین رابط فی هذا القلب وکل هذه القدرات التعبویة موجودة عنده(علیه السلام).

ص:16

المشروع المهدوی قائم بالمشروع الحسینی

ومن خلال ما سبق فإن الحسین (علیه السلام) هو الناصر لولده المهدی (عج) وهو الذی یعد العدة له (عج) لأن هذا التدریب الروحی وهذه التربیة الروحیة وهذا البناء الروحی الإنسانی لأجیال المؤمنین یتم بید الحسین (علیه السلام) فهو الذی یوطیء للظهور ولنصرة ولده المهدی (عج) ومن هنا نستطیع أن نقول أن المهدی ینصر بالحسین (علیه السلام)، وهذه نقطة مهمة.

والنقطة الأخری أن المشروع المهدوی لا تقوم له قائمة بدون الحسین (علیه السلام).

وبعبارة أخری أن ولاء المؤمنین للإمام المهدی (علیه السلام) متشعب عن ولائهم واستماتتهم ومودتهم بجده الحسین (علیه السلام) ولیس العکس، وهذه النقطة تبین موقع الإعتقاد بالإمام الحسین (علیه السلام) وکیف هو متقدم علی موقع الاعتقاد بالإمام المهدی (علیه السلام) ویشیر الی مراتبهم (علیه السلام) مافی الزیارة (لعن الله أمة دفعتکم عن مقامکم وأزالتکم عن مراتبکم التی رتبکم الله فیها)، فإعتقاد المؤمن أولاً

ص:17

بالله وبالنبی (صلی الله علیه و آله) هو الذی یدعوهم لنصرة الإمام المهدی (عج)، فکذلک اعتقاد المؤمن بأمیر المؤمنین أولاً هو الذی یدعوهم لنصرة الإمام المهدی (علیه السلام) ثانیاً. وهنا کذلک فاعتقاد المؤمن بالإمام الحسین هو الذی یکسبهم الولاء للإمام المهدی (علیه السلام) فواضح أن المشرووع المهدوی قائم بالمشروع الحسینی، وبعبارة أخری أیها المهدویون یا عشاق المهدی (عج) ویا عشاق الظهور والفرج بابکم الأوسع لنصرة الإمام المهدی (عج) ولإقامة المشروع المهدوی هو مشروع الحسین (علیه السلام) والشعائر الدینیة وهذا أمر عظیم جداً یجب الالتفات إلیه.

ومن ثم فزیارة الأربعین هی بنفسها وبحجمها الملایینی هی تربیة علی الإعداد للظهور وللمشروع المهدوی.

ص:18

المراقبة الدولیة لزیارة الأربعین

هناک مصادر موثقة وموجودة ولکن بما أن البحث بحث معرفی فسوف نعرض عن ذکر التسمیات حتی لا یأخذ البحث مسارات أخری.

هناک مراقبون دولیون یراقبون الظاهرة المسیریة الملایینیة التی یخرج لها شعب بأکمله ومن جمیع المحافظات، بحیث تفرغ أغلب هذه المحافظات عن بکرة أبیها، فلو نلاحظ أی تجمع بشری الآن وفی أی مدینة حتی من البلدان المتحضرة صناعیا وتقنیاً کالغرب وغیره أنهم کم یحتاجون لأجل تجمع بشری ما من ناحیة البعد الأمنی إلی مؤونة لحراسة هذا التجمع، وکیف یتم تدبیر الرعایة الصحیة، الرعایة المروریة، رعایة التموین الغذائی، الرعایة الأمنیة من داخل التجمع ومن خارجه، الرعایة فی جدولة البرامج، الرعایة الإداریة فی تنسیق هذه البرامج بین بعضها البعض، الرعایة البلدیة وغیر ذلک، وبعبارة أخری مرافق الدولة بوزاراتها الخدمیة وغیر الخدمیة وحتی السیادیة لا تستیطع أن تنظم

ص:19

مثل هذه الظاهرة الملایینیة إذا کانت فی بقعة ومنطقة واحدة فکیف إذا کانت منتشرة علی جمیع الطرق من المدن المختلفة التی تؤدی نهایتها إلی کربلاء الحسین (علیه السلام) ولعدة أیام أو أسابیع.

فنظم هذه الأمور فی علم الإدارة، العلوم الإستراتیجیة، العلوم البلدیة، علوم إدارة المدن لو تمت هذه العلوم فی نظم هذا المجموع ورعایته فلا تستطیع السیطرة علیه بل هو خارج عن قدرة الدولة تماماً، فمثلاً الحج قد یصل عدد الحجیج فیه إلی ثلاثة ملایین ولأیام معدودة وفی داخل بقعة جغرافیة محدودة وهی مکة المکرمة والمشاعر، وفی کل هذا التطور الحاصل فیها من الأبنیة والمرافق والمرور تقع فیها الضحایا والشکاوی وغیر ذلک، فکیف بالانتشار البشری الذی یمر عبر طرق بین المدن والصحراء وبمسافات تقدر بمئات الکیلومترات، فکیف یمکن لدولة أن تنظمه، والحال أنه لیست الدولة هی التی تنظمه وإنما هو ینظم تلقائیاً من المؤمنین.

أحد الرموز ذکر أن مسؤول القوات المسلحة للشرق الأوسط للإدارة الأمریکیة راقب هذه الظاهرة والمظاهرة الحسینیة عبر الأقمار الاصطناعیة لمدة أسبوعین أو أکثر وبث مباشر فأنبهر وقال: أنا اعترف أنتم الشیعة أکثر تحضراً بالمقایسة مع الأحداث التی تقع فی نیویورک أو باریس.

ص:20

وهذا واقع ولیس فیه أی تعجب، لأنه راقب الحدث مباشر فلم یر أی فتنة أو قتال أو عراک أو اصطدام أو إرباک، حسب ما یقول، فی حین سمعنا وربما البعض منا شاهد ذلک أن الکهرباء أنطفأت لدقائق قلیلة فی الدول المتحضرة فی الآلیات التقنیة المعدنیة والصناعیة کالغرب فأختل الوضع الأمنی حیث حصل سطو وسرقات، بینما هنا فی زیارة الأربعین لم یحدث أی شیء من هذا القبیل، وهذا لیس بصدفة بل هو إعجاز ولکن لا الإعجاز بمعنی أن نری ید من الملکوت وإنما نفس برامج قیم وتعالیم أهل البیت (علیهم السلام) لحقایق القرآن هی إعجاز، فإن نور تربیة أهل البیت (علیهم السلام) إعجاز، معارف وآداب أهل البیت (علیهم السلام) إعجاز .

ص:21

زیارة الأربعین والمدینة الفاضلة

إن معسکر الأربعین هو عبارة عن تجسید المجتمع والمدینة الفاضلة أمام مرأی البشر، وهذا التجسید یتجدد فی کل عام من قبل المؤمنین، وأحد تفسیرات المدینة الفاضلة التی فسرت من قبل الحکماء وأصحاب العلوم الأجتماعیة هی التی لا تحتاج إلی رئیس وموجه، فکأنما البشر فیها قد وصلوا إلی مرحلة البلوغ العقلی والروحی والإداری والعلمی، فإن نسیجهم الطبیعی هو الذی یدبر نفسه بنفسه، وهذا فی الحقیقة هو غلبة العقل والنور علی الغرائز، لأن الغرائز الهابطة الأرضیة کما یصفها القرآن الکریم(وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلی حِینٍ)1 منشأها هو الحرص والطمع وهذا ما بینه الکتاب الکریم (قالُوا أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)2.

ص:22

فإذا کان العقل والنور والقلب یطغی فسوف تکون هناک جنة وأمان، ولهذا السبب نری أکثر الحکام الجبابرة والأنظمة الحاقدة علی مذهب أهل البیت یتخوفون من هذه الظاهرة الحسینیة وهذا ما أشارت إلیه التقاریر الدولیة التی تراقب هذا الحدث بخفیة وغیر خفیة.

فلا یمکن أن ننظر إلی زیارة الأربعین کطقوس عبادیة محضة بقدر ما هو عبادة بناء مجتمع وبناء رؤیة ثاقبة، ومرآة ناصعة للبشریة.

فلو نلاحظ مفهوم التکامل ومفهوم التضامن وکل المفاهیم الأخلاقیة

ولیس علی الصعید الفردی والأسری بل علی الصعید المجتمعی تتجسد فی زیارة الأربعین، کحل الأزمة الاقتصادیة، وحل الأزمة الأمنیة، وحل الأزمة العنصریة والتمییز العنصری وغیر ذلک من الأمراض الکثیرة التی تعانی وتقض من مضجع البشریة کل هذه الأزمات حلولها فی مدرسة ومنهاج الحسین (علیه السلام) فتعالوا واشهدوا هذا المجتمع الفاضل والمجتمع النوری، والذین یعیشون أیام مسیرة الأربعین یعیشون فی الواقع حالة الصفاء الروحی والنوری ویتمنی کل فرد منهم أن یعیش هذه الحالة طول عمره.

ولهذا نری المؤمن إذا دخل فی معسکر هذه الأجواء للشعائر

ص:23

الحسینیة یعیش حیاة هذا المجتمع النوری الفاضل ولکن إذا رجع إلی مدینته أو بیته وتناسی الحسین (علیه السلام) فبقدر ما نبتعد عن الحسین (علیه السلام) نبتعد عن هذا النور وعن هذه الجنة والجنان والمثالیة، وبقدر ما نعیش ونقبل علی الحسین (علیه السلام) نعیش هذه الجنان الحسینیة کما روی عنهم (علیه السلام) : من أقبل علینا أقبلنا علیه ومن أدبر عنا أدبرنا عنه .

فبقدر ما یقبل المؤمنون علی مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) یعیشون الصفاء والنور والثمار، وفی نفس الوقت یجسدون حاضرة متمدنة لم تشهدها إلی الآن البشریة ، فهناک تحدی بین قیادة سید الشهداء وتأثیر سید الشهداء وتربیة سید الشهداء للبشریة وبین کل الحضارات والأنظمة والمدارس البشریة وکل المصلحین البشریین بما فیهم المسلمین والمؤمنین.

فلا یوجد أی مصلح غیر الحسین (علیه السلام) یمکنه أن یربی ویصهر النفوس علی مسار ذهبی ولو کان عالماً مؤمناً.

ص:24

الحسین (علیه السلام) أسوة قدماً

ففی حدیث عظیم لأمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو یصف ولده الحسین (علیه السلام): یا أبا عبد الله أسوة أنت قدماً.

یعنی أنت منذ القدم أسوة وقدوة حتی للأنبیاء والرسل، وهذه منقبة ومعجزة لسید الشهداء (علیه السلام) کما أنه برهان عصری نشهده الآن، فباب الحسین (علیه السلام) وسفینته أوسع وأکبر، وما نشاهده الآن فی المجتمعات البشریة المضرم فیها التکالب والتطاحن والحروب والعداوات والتی تأن من الظلم الاقتصادی بسبب الأزمة المالیة الراهنة الآن، ومن الظلم

والتمییز الهمجی، وکل الأنظمة التی حکمت وجاءت بالاشتراکیة والرأسمالیة والشیوعیة والدیمقراطیة إلی الآن لم تقدم أی حلول لهذه الأزمات، وفی ظل هذا نری هناک بیعة وانقیاد بشری طوعی سلمی سلس وسنوی لسید الشهداء (علیه السلام) والقریب والبعید والعالم وغیر العالم تأثر فی هذه المدرسة وفی هذه الدولة التی رقعتها النفوس والبشر ولیس الجغرافیة، هذه الدولة قائمة ومبنیة علی ید سید الشهداء (علیه السلام) فکم هی قدرة قیادة الإمام الحسین (علیه السلام) للمجتمعات.

ص:25

وقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) یا أبا عبد الله أسوة أنت قدماً یعنی أن الحسین (علیه السلام) تأثیره لیس فیما بعد واقعة عاشوراء بل قبل، حیث علم به الأنبیاء والأوصیاء، فماذا صنع بهم الحسین لکی یکون لهم أسوة؟!

حیث أن الله عز وجل کان یوحی ویقص علی الأنبیاء ما یجری علی سید الشهداء (علیه السلام) فی واقعة عاشوراء لکی یعضهم ویربیهم علی الصبر(1) وعندما یستعرض لهم واقعة عاشوراء کان یأخذهم البکاء، وهذا نوع من الآلیة والبرنامج التربوی من الله عز وجل لأنبیائه کی یکامل بهم إلی المعالی، ومن هنا کانت مواقف سید الشهداء فی الطف التی هی بالقیاس للأنبیاء مستقبل.

ص:26


1- (1) راجع بحار الأنوار ج222 :44، الباب (30) إخبار الله تعالی أنبیائه ونبینا (صلی الله علیه و آله) بشهادته.

الحسین یربی الأنبیاء

وبذلک أصبح سید الشهداء (علیه السلام) بهذا التقدیر من الله عز وجل منذ القدم إماماً للأنبیاء والرسل لما سیقوم به ، ولیس یقتصر ذلک علی جانب الصبر والتحمل فی الدین وجانب الإخلاص والخلوص وغیر ذلک من الکمالات العظیمة، ولکن أیضا أحد الجوانب الأخری وهو أن بکاء الأنبیاء علی سید الشهداء (علیه السلام) نفسه هو برنامج تربوی روحی، فکما یبکون خوفاً من الله فبکائهم حزناً علی الحسین یکامل ذلک البکاء، لأن البکاء یوجب رقة الروح، ویوجب تواضع الإنسان، ویوجب کبح هیجان الغرائز بل له فوائد للعقل لأن العقل یعمی بالشهوة، هذا بالنسبة إلی الأنبیاء.

وأما بالنسبة إلی الأئمة (علیهم السلام) فقد تطالعنا الروایات المستفیضة أن سید العابدین (علیه السلام) قضی أربعین سنة من عمره فی البکاء علی أبیه الحسین (علیه السلام) حتی عد أحد البکائین الخمسة 0

فعن أبی عبد الله علیه السلام قال: البکاؤون خمسة (آدم، ویعقوب،

ص:27

ویوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلی بن الحسین) وأما علی بن الحسین (علیه السلام) فبکی علی الحسین عشرین سنة أو أربعین سنة وما وضع بین یدیه طعام إلا بکی، حتی قال له مولی له: جعلت فداک یا ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله): إنی أخاف علیک أن تکون من الهالکین، قال: إنما أشکو بثی وحزنی إلی الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إنی لم أذکر مصرع بنی فاطمة إلا خنقتنی لذلک عبرة(1).

فقد صنع الإمام الحسین (علیه السلام) لأبنه السجاد (علیه السلام) جواً تربویاً وقلب حیاته إلی ریاضة ذکر الله تعالی عبر توجهه بالبکاء علی أبیه إلی الله تعالی وهی أسلوب للشکایة من الظلم بتوجیه الشکایة إلیه تعالی .

بل لنترفع أکثر، هناک روایات ومن مصادر الفریقین قد أحصاها الشیخ الأمینی(2) فی خمسة عشر مجلس أقامه النبی (صلی الله علیه و آله) بکاءاً علی سید الشهداء (علیه السلام) وکذلک السید شرف الدین(3)، فقد أقام النبی (صلی الله علیه و آله) یوم ولادته وقبلها ویوم السابع من مولده وبعده فی بیت فاطمة وفی حجرته وعلی منبره وفی بعض أسفاره وتارة یبکیه وحده، ومرة هو والملائکة، وأحیاناً هو وعلی وفاطمة، وکان

ص:28


1- (1) البحار ج108 :46.
2- (2) سیرتنا وسنتنا للعلامة الأمینی صاحب کتاب الغدیر.
3- (3) المجالس الفاخرة فی مآتم العترة الطاهرة.

النبی (صلی الله علیه و آله) یجهش فی البکاء، فبکائه (صلی الله علیه و آله) تعالی روحی، وان کان سید الأنبیاء أعظم شأناً من سید الشهداء ولکن نور الحسین یؤثر علی نفس النبی (صلی الله علیه و آله) کما أن نور النبی (صلی الله علیه و آله) أعظم من نور الحسین ولکن نور الحسین (علیه السلام) یؤثر علی بدن النبی (صلی الله علیه و آله) ویؤثر علی النفس النازلة للنبی (صلی الله علیه و آله) یعنی (حسین منی وأنا من حسین) ولا یخفی أن بدن النبی (صلی الله علیه و آله) وروحه ونفسه أعظم من بدن وروح الحسین (علیه السلام) لکن نور الحسین (علیه السلام) إذا قیس إلی النفس النازلة للنبی (صلی الله علیه و آله) حسب بیانات أهل البیت (علیه السلام) هو قبل مقام النفس النازلة للنبی(صلی الله علیه و آله) صدوراَ فی عالم الخلقة لأنه أول ما خلق الله نور النبی ثم نور علی ثم نور فاطمة ثم نور الحسن ثم نور الحسین ثم الأئمة التسعة المعصومین (علیه السلام)(1).

وهذا شبیه ما ذکرناه فی مقامات فاطمة الزهراء (علیها السلام) بالنسبة لتسمیة النبی (صلی الله علیه و آله) لفاطمة (علیها السلام) بأم أبیها، فکیف تکون السیدة الزهراء (علیها السلام) أماً لأبیها المصطفی وهو أبوها وسیدها، فإن نورها شیء والنفس النازلة للنبی (صلی الله علیه و آله) شیء آخر.

وهکذا الأمر فی القرآن والعترة، ففی بعض الروایات أن القرآن هو الثقل الأکبر، وفی بعضها أن العترة هم الثقل الأکبر، وهذا لیس تناقضاً فی الروایات وإنما کل طبقة صفتها هکذا،

ص:29


1- (1) بحار الأنوار ج142 :53.

فهناک طبقات فی العترة إذا قیست مع الطبقات النازلة من القرآن فإن العترة هی الثقل الأکبر، والطبقات العلیا فی القرآن إذا قیست مع الطبقات النازلة فی العترة فالقرآن هو الثقل الأکبر، وإن کان من حیث المجموع سید الأنبیاء هو سید الأنبیاء، ولذلک ورد فی الروایات (یا أحمد لولاک لما خلقت الأفلاک ولولا علی لما خلقتک ولولا فاطمة لما خلقتکما)(1).

وهذا لیس معناه تفضیل فاطمة علی النبی وعلی أو تفضیل علی علی النبی (صلی الله علیه و آله) والعیاذ بالله وإنما المقصود هو ما بیناه سابقاً، وهذا نظیر (علی منی وأنا من علی)(2) و (حسین منی وأنا من حسین)(3)وورد (حسن منی وانا من حسن).

إذن تداعیات نهضة الحسین (علیه السلام) أورثت للنبی (صلی الله علیه و آله) حالات روحیة خاصة، وإلی الآن یقیم النبی (صلی الله علیه و آله) وعلی وفاطمة وذریتهما الرثاء لسید الشهداء (علیه السلام) بل یزورونه هم وجمیع الأنبیاء، فإن أرواح النبیین (علیهم السلام) تستأذن الله فی زیارته فیأذن لهم کما ورد ذلک فی الروایات(4).

وهکذا صنع سید الشهداء (علیه السلام) مع باقی الأئمة (علیه السلام) حتی

ص:30


1- (1) مجمع النورین للمرندی: 14.
2- (2) روضة الواعظین: 11.
3- (3) کامل الزیارات: 116 ح127.
4- (4) التهذیب ج49 :6، الوسائل ج 365 :10، نور العین: 100.

قال الإمام المهدی (عج): فلأندبنک صباحاً ومساءا ولابکین علیک بدل الدموع دما) فلم یزل سید الشهداء أسوة قُدُماً من الزمن الأول وإلی الآن کما ورد فی قول(1) أمیرالمؤمنین له ، وإذا کان هذا صنع الحسین (علیه السلام) بالمعصومین الأربعة عشر فکیف صنعه بالأنبیاء السابقین، فحقاً کان سلوة وأسوة لهم فی الصبر والتحمل والزهد فی الدنیا وهو قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) یا أبا عبد الله لم تزل أسوة أنت قدماً(2).

ص:31


1- (1) کامل الزیارات : 149، الباب 23 ح:3.
2- (2) کامل الزیارات : 149، الباب 23 ح:3.

الحسین هو الذی یحکم العراق والبلدان: الحسین حاکم القلوب

فالحسین (علیه السلام) الذی قد أستشهد قبل أربعة عشر قرناً لا زال مسیطراً علی النظم البشریة وعلی المجتمع البشری أقوی من سیطرة أی نظام فی العالم، وهذا ما نشاهده الآن فی زیارة الأربعین، حیث یخرج زمام الأمر من ید الدولة ویکون بید الحسین (علیه السلام) وهذا ما قاله بعض المسؤولین من أن الحسین (علیه السلام) هو الذی یحکم العراق خلال زیارة الأربعین.

ولو أطلق الفضاء للشعوب الأخری حتی الغربیة إذا أطلق سراحهم عن سیطرة أنظمتهم لرأیناهم ینجذبون وینقادون للحسین وما تملیه مبادیء الحسین وقیم الحسین والجو التربوی لسید الشهداء ولعاشت البشریة فی الجنان لأنه (علیه السلام) یحکم القلوب إلی الصفاء، ولیست البشریة وحدها تنقاد له (علیه السلام) بل حتی الملائکة فعن أبی عبد الله علیه السلام قال:

لیس من ملک فی السماوات والأرض إلا وهم یسألون

ص:32

الله عز وجل أن یأذن لهم فی زیارة قبر الحسین (علیه السلام) ففوج ینزل وفوج یعرج(1).

ص:33


1- (1) کامل الزیارات: 223.

المشی إلی العبادة عبادة

وهذه قاعدة فقهیة وهی أن المشی إلی العبادة عبادة(1)، فهناک نصوص خاصة تدل علی أن السیر إلی سید الشهداء کالسیر إلی زیارة أمیر المؤمنین (علیه السلام) وبقیة الأئمة وله فی کل خطوة حجة وعمرة وهذه بعض النصوص:

عن بشیر الدهان عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث له قال: فقال: یا بشیر إن الرجل منکم لیغتسل علی شاطیء الفرات ثم یأتی قبر الحسین (علیه السلام) عارفاً بحقه فیعطیه الله بکل قدم یرفعها أو یضعها مائة حجة مقبولة، ومعها مائة عمرة مبرورة، ومائة غزوة مع نبی مرسل إلی أعداء الله وأعداء الرسول(2).

وأیضاً عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:ما عبد الله بشیء أشد من المشی ولا أفضل منه (3)

ص:34


1- (1) قد أشار إلیها الشیخ الأستاذ فی بحث الحج علی العروة الوثقی ولکن قرر الآن بعض الأخوة الأعزاء هذه القاعدة بشکل أوسع من السابق.
2- (2) الکافی ج581 :4،کامل الزیارات.
3- (3) وسائل الشیعة ج78 :11

حرمة مناسبة وموسم الأربعین

وهناک قاعدة شرعیة أخری وهی أن حریم أی مناسبة شرعیة لا یقتصر تبجلیها وتعظیمها بیوم تلک المناسبة بل ما قبلها وما بعدها أیضاً لهما نفس حرمة ذلک الیوم، وهذا شبیه بحرمة الموقع الجغرافی المقدس مثل الکعبة جعل لها المسجد الحرام حرمة لها ومکة حرمة للمسجد والحرم المکی حرمة لمکة والمواقیت حرمة للحرم المکی .

وهکذا حرم المدینة المنورة جعل لها النبی (صلی الله علیه و آله) حرم فهی تحیط بالمسجد النبوی.

وهکذا مرقد أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث ذکر الشیخ الطوسی(1) أن الصلاة عند أمیر المؤمنین (علیه السلام) من ناحیة القصر والتمام کالمساجد الأربعة التی یتخیر فیها المسافر بین القصر والتمام، وعلل ذلک إن تمام الصلاة فی مسجد الکوفة لأنها حرم أمیر المؤمنین (علیه السلام) والقبر هو موضع الحرم ومرکزه.

ص:35


1- (1) المبسوط ج141 :1.

فعن أبی عبد الله (علیه السلام) أنه قال: من مخزون علم الله الإتمام فی أربع مواطن: حرم الله وحرم رسوله وحرم أمیر المؤمنین وحرم الحسین ابن علی (علیهم السلام)(1).

وأصل حرم أمیرالمؤمنین(علیه السلام) مرقده وفی شعاعه مسجد الکوفة .

وبذلک أفتی الشیخ الطوسی بل السید المرتضی وابن الجنید والشیخ حسین العصفوری بالتخییر فی النجف الاشرف وکل المشاهد المشرفة للمعصومین (علیهم السلام).

والحاصل أن المکان الجغرافی المقدس یؤخذ ماحوالیه حریما له ویتسع هذا الحریم، فکل میقات جغرافی أو میقات زمانی له حریم والأمثلة فی ذلک کثیرة لا یسع المجال لعرضها الآن.

ومن خلال کل هذا یتضح أن ما قبل یوم الأربعین وما بعده هو من حریم یوم الأربعین ویعتبر الأربعین موسما کما هو الحال فی موسم الحج، وهذا أمر له دلائل کثیرة لشرعیتها.

ص:36


1- (1) التهذیب ج475 :1494/5.

العلمانیة الجدیدة وزیارة الحسین(علیه السلام)

إن البعض من مدعی العلمانیة الجدیدة یستنکر قضیة السیر الی الامام الحسین(علیه السلام) لأنه یسبب تعطیل وتجمید حیاة الکثیر من الناس والمواطنین حسب أدعائه ، وهذا البعض یری أن الحضارة والتمدن هو القائم علی طلبات البدن والمادة، وأما ما یتصل بالروح فلا نصیب له فی التحضر والتطور، فتراه یستکثر أن تحصل عطلة مدتها اسبوعان لمهرجان روحی، تتبدل فیه الأنماط الخلقیة الروحیة من الأنانیة الذاتیة إلی روح التکافل الاجتماعی وإیثار الإخاء والتعاون المثالی وذلک فی زیارة أربعین الإمام الحسین (علیه السلام)، بینما تعطل الدول الغربیة قاطبة للأعیاد المسیحیة ورأس السنة المیلادیة لنفس هذه المدة وأکثر فلا یستکثرها وهو قابع فی أحضانهم، مع أن تلک الأعیاد عندهم قائمة علی التوغل فی الفحشاء وانهدام الأسرة، فها هو الغرب یعانی من خطر یهدد حضارته المادیة وهو الشیخوخة وقلة النسل، المنذرة بانقراض تلک الشعوب وزحف المد البشری الإسلامی ووراثته لبلدان الغرب، وهذا موشر استراتیجی لأن الحضارة لا یمکن أن تقوم

ص:37

علی البدن والمادة وحدها، بل لابد من استیفاء نصیب الروح فیها کذلک، فإن الخلقة الإلهیة قائمة علی الترکیب بین الطرفین.

ألا یری هذا المنبهر بالمادة والقائل بأن النجاة هی بالطواف المرکزی حول المادة، ألا یری أن الباری تعالی شرع موسم الحج لبیته الحرام ثلاثة أشهر من السنة، وأن مراسم الحج لا تستغرق أکثر من أسبوعین لغالب من یحج من المسلمین، بل جعل تعالی العمرة مندوبة فی کل شهر من أشهر السنة، وجعل بیته الحرام الکعبة مثابة للناس علی طول السنة، وذلک حفظاً للتوازن بین المادة الروح، وبین الدنیا والآخرة، بل إن عمارة المادة والدنیا لا قوام لها إلا بعمارة الآخرة، کما أن طریق الآخرة یمر عبر الدنیا، فهلاک الروح هلاک للمادة الذی یحرص علیها کل الحرص هذا البعض.

إن النشاط والعمل والجدیة لا تنحصر ببرامج الدنیا والمادة، فإن للروح برامج وعملاً ونشاطاً، فهل توزیع الوقت علی کلا الطرفین یعتبر کسلاً وعطلاً وفشلاً؟ ألا یعلم هذا البعض أن أسباب الأزمة المالیة التی یعانی منها الغرب والعالم عدة سنین حالیاً ترجع أسبابها الخلفیة إلی انعدام فلسفة الفضیلة فی الاقتصاد الرأسمالی القائم علی الشره والحرص والطمع اللا محدود، والاستهلاک المادی المفرط بلا قناعة، وانفجار الغرائز الحیوانیة

ص:38

بشراسة، الأمر الذی یبدو کأنه یروق لهذا البعض، فیعتبر ذلک نجاة للأمة، وأما نمو وازدهار الفضیلة الروحیة عبر اسبوعین من مراسم ذکر الصالحین من البشریة فیراه هلاک للأمة، نعم إنه هلاک ولکنه لعنف الشره الغریزی الحیوانی إنه هلاک لشراسة الأخلاق المادیة، لکنه نجاة للفضیلة الروحیة والتربیة السامیة، ألا یری کم تصرف الدول علی التربیة من الأوقات والأموال، أفی ذلک هلاک؟! نعم فی ذلک هلاک للرذائل المزیلة لأمن المجتمع واستقراره ورقیه.

ألا یری هذا کم تصرف الدول فی جانب الثقافة، من الأوقات والأموال، أفی ذلک هلاک؟! وکم ینعجن ثقافیاً من یتردد علی مجالس الوعظ والخطابة، ألا یری کم تصرف الدول فی جانب التربیة التعبویة العسکریة والأمنیة لمجتمعاتها، کی تزید من تنصیب القوة الروحیة الدفاعیة لها، وکم یتعبأ روحیاً وحماسة الذی یشترک فی مجالس العزاء علی قادة الفضیلة والصلاح من أئمة أهل البیت علیهم السلام فتزید من صموده وثباته وشجاعته وإعداده الروحی للمقاومة، ألم تنتصر المقاومة من أتباع أهل البیت علیهم السلام الإسلامیة فی جنوب لبنان علی الأسطورة الإسرائیلیة التی هزمت جیوش کل أنظمة العرب طیلة خمسین عاماً؟ وذلک بفضل کل من الإعداد الروحی المقام

ص:39

والإعداد العسکری الآلی، والإعداد الروحی ألم یکن ذلک بشعار (یا حسین) (یا أبا الفضل العباس) فلماذا یتعامی هذا البعض عن کل هذه البرکات لشعائر ومراسم العزاء؟

ألم تبق هذه الشعائر فی مقاومة ومواجهة البعث وصدام حتی أطاحت به؟ ألم یر هذا البعض أن قوة روح شعب العراق فی مواجهة الإرهاب والتکفیریین إنما هی ببرکات المشارکات فی هذه الشعائر، فلماذا یرید أن یخسر الشعب کل هذه القوة والعظمة والمجد؟ ولماذا یغیضه قوة الأمة الإیمانیة وها هی تنتشر فی أرجاء الأرض ناشرة بذلک ما یسعد البشر من روح السلم والتآخی والمودة والألفة.

ثم ألا یری إلی القرآن الکریم کم یمتدح البکاء والحزن ویذم الفرح والبطر، فإن الحالة الأولی کفیلة بردع غرائز الإنسان عن الطغیان والعتو فیأمن المجتمع من الفراعنة والطواغیت، بینما الحالة الثانیة تولد فی المجتمع الأنانیة والذاتیة والطغیان، فإن الإنسان یحتاج إلی دوام التذکیر والوعظ کی لا یفشو التکالب والتقاتل علی الأموال، وعلی القدرة، بل أن البکاء والحزن یبث روح المسؤولیة والخدمة للآخرین فیا أبیها البعض لا تغتض من هلاک الرذیلة وهلاک الضعف الروحی فی

الأمة.

ولا تغتض من نجاة الفضیلة وأسباب القوة وازدهار الحضارة.

ص:40

والغریب من هذا البعض الذی یتخوف علی المتدینین والمقیمی العزاء لأهل البیت علیهم السلام یخاف علیهم ردة الفعل والتحلل من ثوابت الدین مع أن هذا البعض وجملة من رفقائه فی فکره قد تبنوا العلمانیة الجدیدة (الحداثویات) طولاً وعرضاً حتی تملص کثیر منهم من الثوابت القرآنیة.

ص:41

سر الترکیز علی زیارة الحسین (علیه السلام)

اشارة

هناک إثارة یثیرها البعض وهو أنه لماذا هذا التخزین الکثیر والتعبئة النفسیة، وشحذ الأنفس بنحو الدوام والتکرار لمصاب سید الشهداء (علیه السلام) سنویاً ویومیاً (السلام علیک یا صاحب المصیبة الراتبة)(1) بل فی کل ساعة وآن، وقد أشار إلی ذلک الإمام الصادق (علیه السلام) عندما سئل عن زیارة الحسین (علیه السلام) فقیل له: هل فی ذلک وقت أفضل من وقت؟

فقال: زوروه صلی الله علیه فی کل وقت وفی کل حین، فإن زیارته علیه السلام خیر موضوع فمن أکثر منها استکثر من الخیر، ومن قلل قلل له(2).

فما هو السر فی هذا الترکیز والتکرار هل هی تعبئة أحقاد أم هی تعبئة إنفعال وإنفجار؟!

هناک أسرار کثیرة للإجابة علی هذه الإثارة ومن الطبیعی ان

ص:42


1- (1) البحار ج287 :97.
2- (2) الوسائل ج473 :14.

هذه الأسرار لا نستطیع الإحاطة بها بقدر ما استطعنا أن نفهمها من بیانات القرآن وبیانات مدرسة أهل البیت (علیهم السلام).

السر الأول

إن مشروع أهل البیت (علیهم السلام) من أضخم المشاریع الإلهیة، وهذا المشروع یحتاج إلی وقود وطاقة ضخمة، ومر بنا أن هذه الطاقة الضخمة هو الإمام الحسین (علیه السلام).

إذن: هذا الترکیز لیس عبطاً بل له غایة کونه مشروعا یهیمن علی کافة أرجاء الأرض ویستمر إلی یوم القیامة فلابد أن یؤمن الجهد والطاقة لهذا المشروع اللامتناهی.

السر الثانی

وهو أن الإنسان یحتاج إلی دوام الذکر، ومر بنا سابقاً أن البکاء یکبح الشهوات ویکبح الغرائز ویکبح القوی النازلة للإنسان وفی نفس الوقت ینیر القلب ویقوی العقل، فالإنسان دائماً یحتاج إلی توازن وترویض ومسک زمام للغرائز النازلة، ومن هنا فالبکاء علی سید الشهداء (علیه السلام) من أقوی الأبواب للوصول إلی هذه الغایة وهو الدوام والسیطرة علی الغرائز بشکل متوازن کما ذکرنا، والخلاص من میول النفس الدائم جذبها للإنسان، فلابد من دوام المثیر لها إلی الصعود عن التلوث فی نقع الرجاسة وهذا المثیر هو سید الشهداء (علیه السلام).

ص:43

فهو (علیه السلام) ثورة علی النفس فی إنحطاطها فی براثن الشهوات والغرائز وطیران إلی سماء العلو فی الفضائل والسمو إلی النور والصفاء والطهارة القدسیة عند الساحة الربوبیة وتصویر أوضاع عصره (علیه السلام) وکیف تبرثن وتسربل کثیر من نجوم ووجوه عصره ذوی الأسماء اللامعة من الصحابة وأولادهم فی الدنیا وحب البقاء فی الملاذ والوداعة ولو علی حساب الدین، فثار من حظیظ السقوط لدی معاصریه وأهل عصره إلی أوج العهد النبوی وإحیاء ذکر الآخرة وسرعة الإندفاع فی طلاق الدنیا والدنیة وکالشهاب الثاقب فی الصعود إلی المعالی الروحیة والتحرر من أسر الأطماع النفسیة والحرص الغریزی وحبس الشهوات والهوی إلی رحاب الخلاص فی الخلوص من حب النفس واللذات.

ص:44

الفرق بین المعسکرین

اشارة

إن المشهد النفسی والروحی فی واقعة کربلاء المتمثلة فی شخصیات المعسکرین، عندما تتمثل للإنسان کشریط مسجل مرئی (فیلم) نشاهده فی الخاطرة، وشدة الامتحان النفسی فی الجانبین لا سیما مع المراهنة بین الهوی والمیول النفسیة مع أصل الدین الذی یمثله الحسین (علیه السلام) من وجود النبی (صلی الله علیه و آله) الذی هو أصل الدین الذی أرتد الناس عنه بقتل الحسین (علیه السلام) شحن مجمع الرذائل النفسیة فی المتمثل فی معسکر بنی أمیة وشحن مجمع الفضائل فی معسکر أهل البیت (علیهم السلام).

وبعبارة أخری حضیض النفس فی المعسکر الآخر، وأوج النفس فی معسکر سید الشهداء، فدوام ذکر هذا المشهد بتفاصیله وبأمثلته الکبیرة التی تتعرض إلی جهات عدیدة فی النفس البشریة تعطی للإنسان عبرة عن الوقوع فی المستنقعات الکثیرة لدی النفس.

ص:45

السر الثالث: طاعة أولی الأمر أو المعصیة

وهو أن الله عز وجل قرن طاعة رسوله (صلی الله علیه و آله) بطاعته فی عشرات الآیات (أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ 1) کما أنه فی آیة من الآیات قرن الله تعالی بطاعته وبطاعة النبی طاعة أولی الأمر (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ 2) وکما بینا فی بحوث سابقة أن (الأمر) هو الذی یتنزل فی لیلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ فِیها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْرٍ3.)

وکما فی قوله تعالی: ( یُنَزِّلُ الْمَلائِکَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ 4.)

وقوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةٍ مُبارَکَةٍ إِنّا کُنّا مُنْذِرِینَ فِیها یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا کُنّا مُرْسِلِینَ 5.)

وهذا الأمر نفسه هو الروح الأمری الذی ذکره تعالی فی سورة الشوری (وَ کَذلِکَ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا6.)

ص:46

فعالم الأمر یعنی عالم الإبداع وعالم الملکوت فأولی الامر لیس معناه دائرة صغیرة والتی هی الشؤون العامة السیاسیة، بل العالم الملکوتی یشمل الأرض وما علیها وبقیة عوالم الخلقة، ولیس محبوساً ومقتصراً علی الشأن السیاسی بل یشمل ساحات ومیادین وبیئات أخری کثیرة.

ومن خلال هذا یتضح أن الله تعالی أمر بطاعتهم المطلقة والمقترنة بطاعة الرسول (صلی الله علیه و آله)، وطاعة الرسول (صلی الله علیه و آله) مقترنة بطاعته سبحانه وتعالی، وهذا یعنی أن هناک ردیف تبعی لطاعة الله بطاعة الرسول (صلی الله علیه و آله)، وردیف تبعی لطاعة الرسول بطاعة أولی الأمر، وهذه طاعة عظیمة الشأن وهی تستدعی إنقیاد تام من الإنسان لأصحاب ولایة الطاعة، بل جعل الله تعالی مودة وقربة النبی (صلی الله علیه و آله) أجر رسالته (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی) (1).

فهذه معادلات وحلقات واضحة فی أن الروح الأمری ینزل علی من هم أصحاب القرآن فی الکتاب المکنون أو فی اللوح المحفوظ وهم المطهرون (إِنَّما یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً) (2) وهم أصحاب الکتاب الذی هو الأمر الذی یتنزل لیلة القدر والذی (لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) (3).

ص:47


1- (1) الشوری: 23.
2- (2) الأحزاب: 33.
3- (3) الواقعة: 79.

فهؤلاء المطهرون الذین قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله (صلی الله علیه و آله) سوف ینقاد الإنسان إلی طاعتهم وولایتهم عندما یتعرف علی المزید من فضائلهم ومصائبهم بشکل رتیب راتب، وکلما قلت معرفة الإنسان بفضائل أهل البیت (علیهم السلام) وبمدی مقاماتهم فی المحن والابتلاءات کلما صار انقیاده إلیهم أقل وبالتالی سوف یعصی الله فی عدم الطاعة بالانقیاد المطلق.

ص:48

طاعة أولی الأمر طاعة الدین

اشارة

(أَطِیعُوا اللّهَ) أی أطیعوا الله فی کل الدین، وکذلک إطاعة الرسول (صلی الله علیه و آله) فی کل الدین أعم من القضاء والتشریع وأعم من السلطة التنفیذیة، بل فی کل الدین بما للدین من سعة التی تعم الدنیا والآخرة.

وبما أن طاعة أولی الأمر مقرونة بطاعة رسول الله (صلی الله علیه و آله) فأیضاً کذلک أولی الأمر طاعتهم هی طاعة الدین بما للدین من سعة، ومن هنا فلا ینقاد الإنسان إلی مثل هذه الطاعة الشدیدة والمهمة إلا إذا عرف المزید من فضائلهم، ولا ینجذب إلیهم إلا بالمزید من معرفة محنهم ومصائبهم، فکثرة ذکر سید الشهداء (علیه السلام) ومصائبه ومحنه وفضائله ومقاماته توجب جذب الإنسان إلیه وبالتالی سوف یطیع الله تعالی ورسوله (صلی الله علیه و آله) وأمیر المؤمنین (علیه السلام) والأئمة من ذریته (علیه السلام) والذی هو الإنقیاد للدین کله.

وبقدر ما تنقص معرفة الإنسان بالحسین (علیه السلام) وبأهل بیته بقدر ما ینقص إنقیاده اتجاههم (علیه السلام).

ص:49

عن عبد العزیز القراطیسی قال: دخلت علی أبی عبد الله (علیه السلام) فذکرت له شیئاً من أمر الشیعة ومن أقاویلهم، فقال: یا عبد العزیز الإیمان عشر درجات بمنزلة السلم له عشر مراقی وترتقی منه مرقات بعد مرقات، فلا یقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانیة لست علی شیء، ولا یقولن صاحب الثانیة لصاحب الثالثة لست علی شیء حتی أنتهی إلی العاشرة قال: وکان سلمان فی العاشرة، وأبو ذر فی التاسعة، والمقداد فی الثامنة، یا عبد العزیز لا تسقط من هو دونک فیسقطک من هو فوقک، إذا رأیت الذی هو دونک فقدرت أن ترفعه إلی درجتک رفعاً رفیقاً فافعل، ولا تحملن علیه ما لا یطیقه فتکسره فإنه من کسر مؤمناً فعلیه جبره، لأنک إذا ذهبت تحمل الفصیل حمل البازل فسخته(1) .

فإن سلمان رضوان الله علیه إنقیاده لأمیر المؤمنین (علیه السلام) أشد من أبی ذر رضوان الله علیه.

إذن هذا المقام الکبیر إنما یصل الإنسان إلیه بسبب کثرة وشدة ذکره لهم صلوات الله علیهم، وهذا لا یحصل إلا ب (السلام علیک یا صاحب المصیبة الراتبة) یعنی الرتیبة کل ساعة وکل آن وکل یوم ولیس کل موسم مثلما نقول الراتبة یعنی الراتبة والدئیبة والدؤب.

ص:50


1- (1) الخصال للصدوق: 448.

السر الرابع: زائر الحسین یعیش همّ المستضعفین

إن الإنسان تکون خواطره دائماً وقلبه یحوم حول إهتمامات المعیشة أو حول إهتمامات ذاته من أن هذا آذانی أو یبغضنی أو هذا یحبنی، والمهم أنها تدور حول الأنا التی نسمیها بالأنانیة أو فرعونیة الذات أو النفس، وإذا ترک الإنسان هکذا فسوف یعیش هموم نفسه لیلاً ونهاراً، ولکن إذا تعلق الإنسان وإنجذب فی سید الشهداء (علیه السلام) أکثر وعاش هم الحسین لا همّ نفسه وکان هذا الإنجذاب بحب وبشفافیة فسوف یعیش همّ الحسین (علیه السلام) ولیس همّ نفسه من أنه کیف ظلم، ومتی ینتقم الله تعالی له، ومتی ینجز الله وعده علی ید الحسین (علیه السلام) أو ولده المهدی (عج) ویقیما دولة العدل وهکذا.

إذن هناک فرق بین هذین الهمّین اللذان هما همّ نفسه وهمّ الحسین (علیه السلام) فإذا عاش هم الحسین (علیه السلام) فبالتالی سوف یعیش همّ الدین، وهمّ علو کلمة الإسلام، علو کلمة الإیمان، علو کلمة الحق والعدل، علو نور أهل

بیت النبوة، فأین هذا الهمّ بالقیاس إلی همّ الإنسان المتقوقع والمتقزم فی دائرة نفسه.

فإن کثرة ذکر سید الشهداء (علیه السلام) یرقی الإنسان من حضیض أنانیة النفس إلی أوج أهداف الدین النورانیة، ومن أقصر الطرق لطیران الإنسان فی همّه من حضیض نفسه إلی أوج نور الإیمان

ص:51

والولایة هو إنجذابه للحسین (علیه السلام) وبالتالی سوف یورث الخلوص والإخلاص العظیم الموجود فی الإنسان ویحرره من هذه التعلقات النفسانیة التی فی ذاته، وهذا السر نراه فی مشایة زیارة الأربعین، فإنهم لا أقل فی زیارة الأربعین یخرجون من کونهم بشراً إلی ملائکة خلقاً وأدباً وإیثاراً وتسامحاً. لأنهم یعیشون همّ الحسین (علیه السلام) بدل أن یعیشوا همّهم وهذا مما یقلب ویصهر جوهر ذاتهم إلی الفضاء الرحم النوری والأخروی الإلهی بتوسط الحسین (علیه السلام) فلا تحدث أی حادثة فی طریق الحسین (علیه السلام) لأن الحادثة إنما تقع متی ما کانت النفوس ضیقة وحریصة وذات أطماع، أما إذا کانت تلک النفوس عالیة الهمّة فلا یحدث بینهما أی اصطکاک أو عراک.

ومن هنا سوف یکون الحسین (علیه السلام) قبلة وکعبة القلوب ولیس قبلة الأبدان، فإن طافت القلوب بهذه المصیبة الراتبة وطافت حول کعبة روح الحسین فهی قد وصلت إلی الله عز وجل کما روی عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) (من زار قبر أبی عبد الله (علیه السلام) بشط الفرات کان کمن زار الله فوق عرشه)(1).

لأن الحسین (علیه السلام) هو متفانی فی الله عز وجل وذائب فیه، فمن یذوب فی من ذاب فی الله عز وجل فسوف یذوب فی الله عز وجل،

ص:52


1- (1) کامل الزیارات: 278.

ومن یفد علی الحسین (علیه السلام) فهو یفد علی الله عز وجل لأن سید الشهداء سوف یوصله إلی الساحة الإلهیة، وبالتالی سوف یعیش همّ الدین وهمّ المظلومین وهم المستضعفین وهم المحرومین.

السر الخامس کتاب أسمه الحسین

إن الله عز وجل قدر أن یکون الحسین (علیه السلام) مصدراً وملجاً ومرکزا لیس لأصلاح المؤمنین فقط بل لعموم البشر ومن ثم قدر أن عَلَمه یبقی علی مدی الأیام یرفرف علی کل المظلومین والمستضعفین کما صرحت بطلة کربلاء (علیهم السلام) بذلک وهی تخاطب سیدا لساجدین (علیه السلام)... وینصبون بهذا الطف علماً لقبر أبیک سید الشهداء لا یدرس أثره ولا یمحی رسمه علی کرور اللیالی والأیام، ولیجهدن أئمة الکفر وأشیاع الضلال فی محوه وطمسه فلا یزداد اثره إلا علواً..)(1).

وهذا معناه أن الباری لکی یستصلح البشریة فی مرحلة الإصلاح والاستصلاح فی طریق الکمال لابد أن تمر فی مدرسة الحسین، ولابد أن تتعرف کل البشریة علی سید الشهداء (علیه السلام) لتعلم أن هناک حل بین جذبات وغرائز النفس الخسیسة النازلة وبین إمکانیة التغلب علی کل هذه التعلقات فی أی ظروف وفی

ص:53


1- (1) کامل الزیارات: 22.

أی بیئات إلی الطیران نحو نور الکمال ونور الصلاح والإصلاح والفضائل، وهذا مثل إلهی عظیم أراد الله أن تبقی شجرة زیتونة مبارکة کنور لجمیع البشریة، ولذلک لابد أن یبقی ذکر الحسین (علیه السلام) یعبأ ویشحذ بصورة أکثر وأکثر حتی یصل شعاعه إلی کل البشریة، فلا یخمد ولا یطفأ ولا یحجب.

فهذه التعبئة وهذا الشحذ الکبیر حتی من المؤمنین التی نظرتهم ضیقة وأفقهم ضیق وإن کانوا ینجذبون فی واقعهم إلی الحسین (علیه السلام) ولکن فی بعض الأحیان تخالجهم هذه الأمور الضیقة، وهو لا یدری أن هذا العَلم قد قدر الله له أن یرفرف علی کل البشریة کما فی رایة الحسین (علیه السلام)، ورایة ظهور المهدی (عج) لأنها رایة نبراس تستضیء به نفوس البشر ودول البشر کلها لاستصلاحهم، فلیس فی التقدیر الإلهی أن الحسین یستصلح مقتصرا علی فئات قلیلة فی بلدان الشرق الأوسط بل قدر الله تعالی أن یکون الحسین (علیه السلام) مصلح لکل البشر حتی قبل ولده الموعود المنتظر (علیه السلام) فإنه من الطبیعی أن الله لا یخمد هذا العلم بل کل یوم یزداد إتساعاً وتعبئة لیصل صداه وتصل هذه النعمة العظیمة لکل العالم کمأدبة نوریة تستضیء بها البشریة بأجمعها، إذ أنه إلی الآن لم تصل إلی کل البشریة، فنحن إلی الآن لم نقم بحق ما تستحقه هذه الشجرة النوریة بکل أغصانها من إعلام ومن إحیاء ومن فضائل مجلجلة ومن روح نوریة جذابة، فالمفروض أن

ص:54

یشارکنا کل البشر فی التنعم بها، وإلا فنکون نحن سبب من أسباب حرمانهم.

ولهذا فإن البشریة إذا أرادت أن تتکامل وتسعد فلابد لها أن تقرأ کتاب أسمه الحسین (علیه السلام)، ولابد أن تتعلم فی صف أسمه الحسین (علیه السلام) ولابد أن تمر بمرحلة من مراحل فکرها وعقلها وروحها بمرحلة أسمها الحسین (علیه السلام) حتی تصل إلی الحسن ثم فاطمة ثم علی ثم رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذین هم رأس الخیمة لمشروع الإمام المهدی (علیه السلام).

ص:55

أرواحکم فی الأرواح

فإن کل روح لها علاجات، وکل بدن له علاجات وقد قدر الله عز وجل أن تکون حقیقة الحسین (علیه السلام) بما فیها من جمال وکمال وفضائل هی من العلاجات التی (أرواحکم فی الأرواح وأنفسکم فی النفوس وأجسادکم فی الأجساد)(1).

وهذا یعنی أن کل نفس لابد أن تتغذی بهذا المنبع الروحی، وإلا فلن یکون للنفس توازن، وبصیرة ونور وتکامل، وهذا شبیه ماهو موجود فی علم الریاضیات حیث أنه لا یمکن أن یتخطی أی مرحلة من المراحل التی قبل ذلک لأن کل مرحلة قوام فی علم الریاضیات، والنفس فی علم الفطرة هکذا، فلابد لهذه الأنوار الخمسة التی أکد علیها القرآن فی سورة النور أن تضیء لکل فطرة روحیة، ولابد أن تتلقاه وإلا فلا یمکن أن تتوازن ولن تسعد ولن تتکامل ولن تصل إلی الفضائل فإن مصباح الهدی وسفینة النجاة لیس لمجتمع خاص بل لکل البشریة ولکل

ص:56


1- (1) بحار الأنوار ج107 :99 دعاء الندبة والزیارة الجامعة.

الأجیال، وهذا ما صرح به النبی (صلی الله علیه و آله)

(إن الحسین مصباح الهدی وسفینة النجاة)(1)، ومعنی هذا أن الله أعظم الحسین (علیه السلام) أن یقتصر ویکون لقرن أو قرنین من الزمن، أو لمنطقة الشرق الأوسط بل قدر سبحانه وتعالی أن یکون هذا عطاء منه لکل البشر (فلا یزداد أثره إلا علواً).

ص:57


1- (1) مدینة المعاجز ج51 :4.

الحسین هو القرآن المتجسد فی واقعة کربلاء

إن إستعراض واقعة عاشوراء عبارة عن إستعراض مشهد مرئی أمام الإنسان، حیث یری فیها إمتحانات وتجارب وأمثلة کبیرة، وکیف أن النفوس سقطت بأسباب مختلفة وبسبب فتن وقوی نفسانیة مختلفة، وفی المقابل کیف نجحت نفوس أخری وصعدت وإعتلت.

إن هذا المشهد النفسی والروحی الذی فیه العشرات بل مئات النماذج هی مدرسة تربویة للإنسان بشکل عمیق جداً، ولذلک فإن الإنسان یحتاج دائماً إلی هذا القرآن المتجسد فی واقعة کربلاء، حتی یتلوه ویحفظه ویذکر به نفسه لأنه فیه آیات کثیرة، فکل واقعة آیة، وکل حدث فی کربلاء آیة، وهذا لیس صدفة إذ قد جعل الله عز وجل الإمام قرآنا ناطقا بل هو قرآن عینی، وبالتالی فکل ما یدور حوله هو آیات وسور وإذا أردنا أن نلمس بشکل مرئی محسوس للآیات القرآنیة وللسور، والبنود التی فیها هی فی واقعة

ص:58

الطف، التی بدأ مشوارها من المدینة إلی مکة ثم إلی کربلاء ثم إلی الشام ثم إلی کربلاء ثم المدینة.

وهذه المسیرة هی عبارة عن صفحات عدیدة من القرآن أو من الآیات والسور، وإذا تدبرنا فیها ملیاً ومرة بعد أخری فسوف نجد فیها کنوزاً وخزائناً لا تنفذ، والکثیر منا لاحظ هذا الأمر أن کل إنسان إذا تدبر فی واقعة عاشوراء کل سنة فسوف یکتشف ویقف فیها علی عبر وأسرار لم یلتفت ویتفطن إلیها من قبل کما هو الحال فی القرآن الکریم.

فإن القنوات الفضائیة فی العالم کلها إحتشدت فی أول أربعین بعد سقوط النظام البعثی، حیث کان فی إنطباعهم أن هذه المسیرة وهذا التجمع الملایینی هو حدث سیاسی مرتبط بخصوص تشکیل النظام الجدید ولیس له أی مساس عقائدی، کما یفعلون فی المهرجانات البشریة السیاسیة العادیة، وما نقلوه وسجلوه فی خلال ثلاثة أیام من مشهد الأربعین أصبحوا فی ذهول وإعجاز وإعظام وإکبار لقضیة عاشوراء وشخصیة الحسین (علیه السلام)، حتی أن بعض الأخوة رصد الکثیر من الفضائیات الدولیة وخصص بعض المراسلین للحکایة عن واقعة عاشوراء أو الأربعین الشیء المذهل ولقطات مثیرة فی نشر حقائق واقعة الحسین، وهذا کله یفرح قلوبنا بصدق الوعد الإلهی (یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ

ص:59

وَ یَأْبَی اللّهُ إِلاّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ) (1).

ص:60


1- (1) التوبة: 32-33.

الشعب یرید الحسین

ولو أردنا أن نسرد جملة من الوقائع التی نقلها بعض الأخوان وبوسائط قلیلة عن أحداث أو نخب فی البشر متأثرة بسید الشهداء لضاق بنا المجال، ولکن الحسین (علیه السلام) نور وبرکان یسری تحت السطح، وسوف یأتی ذلک الیوم الذی تصل فیه البشریة إلی مستوی الوعی وبدل أن یقول الشعب یرید إسقاط النظام الجائر والظالم سوف یهتف ویقول الشعب یرید الحسین والشعب یرید المهدی.

لأن کل البشریة سوف تعلم أن أساس العدل متجسد کله فی الحسین، والسعادة متمثلة بالحسین (علیه السلام) فإنهم أیقنوا أن الشیوعیة والرأسمالیة والاشتراکیة والدیمقراطیة والحریة الجنسیة وشعار العدالة حسب النظم والتقنیات البشریة والمساواة کلها آلت إلی السقوط وفشلت کل أنظمتها، فإذا وصل الوعی البشری إلی أن الحریة والعدالة المأمولة المطموح لها هی برنامج خزنه الله فی حاسوب إلهی وهو الحسین (علیه السلام).

ص:61

فإن العدالة الحسینیة لا توجد فی کتاب ولا فی رسالة أو أطروحة الجامعات ولا توجد فی مراکز الدراسات ولا المختبرات ولا فی أطروحة عقول البشر، بل نظام العدالة موجود فقط فی علوم الحسین (علیه السلام).

ص:62

الإمام الحسین والرجعة

وهناک نقطة مهمة قد غفل عنها الکثیر، وهی کما نحن نطالب ومأمورون بالفرج لظهور الإمام المهدی کذلک نحن مطالبون فی أن نطلب وندعو من الله بظهور الإمام الحسین (علیه السلام) نفسه لیرجع بعد أبنه المهدی (عج) لیقیم الله العدل فی الأرض علی یدیه علیه السلام، وهذا فی الحقیقة نوع ومرحلة من الرجعة.

فالرجعة عبارة عن أن الشعوب والطبیعة البشریة إذا وصلت إلی ذلک الوعی فسوف تطلب وترید وتطمح إلی ذلک العدل الذی برمجه الله تعالی فی الحسین (علیه السلام) وهذا البرنامج غیر موجود وغیر محتفظ فی عقل آخر، ولا فی روح أخری، ولا فی أی قائد آخر، فإن العدل الذی یظهر علی ید سید الشهداء (علیه السلام) أعظم من العدل الذی یظهر علی ید الإمام المهدی (عج) حسب ما صرحت بذلک روایات أهل البیت (علیه السلام).

فعن رفاعة بن موسی قال: إن أول من یکر إلی الدنیا الحسین بن علی علیه السلام وأصحابه ویزید بن معاویة وأصحابه فیقتلهم حذو

ص:63

القذة بالقذة ثم قال أبو عبد الله علیه السلام:

(ثم رددنا لکم الکرة علیهم وأمددناکم بأمول وبنین وجعلناکم أکثر نقیرا)(1).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: إن أول من یرجع لجارکم الحسین علیه السلام فیملک حتی تقع حاجباه علی عینیه من الکبر(2).

وأیضاً عن أبی عبد الله علیه السلام سأل عن الرجعة أحق هی؟ قال: نعم فقیل له: من أول من یخرج؟ قال: الحسین علیه السلام یخرج علی أثر القائم علیه السلام، فقلت: معه الناس کلهم؟ قال: لا بل کما ذکره الله تعالی فی کتابه: (یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً)3 قوم بعد قوم(3).

فإن عقیدة الرجعة هی فهم أعمق لمعرفة الحسین (علیه السلام) ف- (من زاره عارفاً بحقه)(4) أحد درجات معرفة الحسین (علیه السلام) هو الحسین المستقبل ولیس الحسین الماضی فقط.

ص:64


1- (1) تفسیر العیاشی ج282 :2.
2- (2) مختصر بصائر الدرجات: 28.
3- (4) المصدر السابق: 48، الإیقاظ من الهجعة بالبرهان علی الرجعة: 338.
4- (5) کامل الزیارات: 262-278.

برنامج المعصوم أمل البشریة

إن البشریة الآن بدون إنقیادها للمعصوم عاجزة أن تبدی أی برنامج أقتصادی عادل تنظیراً فضلا عن التطبیق والتنفیذ والاجراء العملی، وعاجزة عن أن تبدی نظام بنک مرکزی عادل، أو نظام زراعی عادل بحیث لا یظلم فیه بیئة عن بیئة لأنهم إذا أرادوا أن ینموا بیئة ففی مقابل ذلک یدمرون بیئة أخری.

فنظام البیئات المحیط بالإنسان الطبیعیة کثیرة فضلا عن نظام النقد العادل، نظام حقوقی عادل، نظام سیاسی عادل، بتمام معنی العدالة، نظام أمنی عادل، نظام کمرکی عادل، نظام إعلامی عادل، کل هذه الأنظمة ولو تنظیراً قد عجزت البشریة عنه تماماً إلی حد هذا الیوم وهذا القرن.

ومن باب المثال الأزمة المالیة فی أوروبا الآن ما یقارب ثمان سنوات عاجزة البشریة عن حلها ولو تنظیراً فضلاً عن التطبیق، وهذا دلیل واضح معجز علی التحدی فی الآیة الکریمة من أن العدالة لم ولن ولاتتحقق إلا علی ید قربی النبی (صلی الله علیه و آله) من

ص:65

أهل بیته (علیهم السلام) المطهرین: (ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساکِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ کَیْ لا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیاءِ مِنْکُمْ وَ ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ) (1).

واللام هنا - أی فی الآیة الکریمة هی لام ملکیة الإدارة والولایة فی التصرف ولیست الملکیة الشخصیة بل ملکیة الإدارة لتصرف علی الطبقات المحرومة (کی لا یکون دولة بین الأغنیاء).

فالعدالة لا تتم فی کل أرجاء الأرض إلا بالنبی (صلی الله علیه و آله) وأهل بیته (علیهم السلام) ولذلک هذا البرنامج برنامج العدالة مودع فی الإمام المهدی (عج) ومودع بشکل أعظم فی الإمام لحسین (علیه السلام) فإذا وعت البشریة کما یقول البروفسور الألمانی (یوخن روبکا)(2) إلی ما تطمح وترغب وتتطلع إلیه هو هذا الرجل المهدی وآبائه (علیهم السلام).

ص:66


1- (1) الحشر: 7.
2- (2) رئیس جامعة قسم الاقتصاد فی جامعة مالبورن الاسترالیة.

الإمامة فی ذریة الحسین (علیه السلام)

عن محمد ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر، وجعفر بن محمد (علیهما السلام) یقولان:

إن الله تعالی عوض الحسین (علیه السلام) من قتله أن جعل الإمامة فی ذریته، والشفاء فی تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أیام زائریه جائیاً وراجعاً من عمره(1).

إن شدة المحنة التی ابتلی بها الإمام الحسین (علیه السلام) فی الطف جعل الله عز وجل الأئمة من ذریته، فنور تسعة من المعصومین لا سیما المهدی (عج) جعلهم الله من نسل الحسین (علیه السلام) جزاءاً لما ابتلی به (علیه السلام) فی واقعة الطف کما فی روایة عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی حدیث حیث قال: (.. وخلق من نور الحسین تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه من قبل أن یخلق الله تعالی سماء مبنیة وأرضاً مدحیة..)(2)، وهذا یبین أن حمل نور تسعة من الأطهار

ص:67


1- (1) الأمالی للطوسی: 317، بحار الأنوار ج224 :44.
2- (2) مصباح الشریعة: 64.

یتطلب وصوله (علیه السلام) إلی مقام خاص، وهذا المقام الخاص ضریبته هو الشهادة التی فیها محن عظیمة ولیست أی شهادة، وهذا مقام خاص لسید الشهداء حتی أصبح أبو الأئمة لعظم وشأن خطورة مقام الإمامة.

إذن مقام الإمامة یتطلب براءة من کل الطغاة والجبابرة وطریق الإنحراف، لأن حمل الإمامة لها أرضیة وهو نوع القطیعة من الظالمین والمنافقین والرجوع إلی الفطرة الإلهیة العظیمة.

ص:68

قبة السماء الحسینیة والتربة الروحیة

ولم یجعل الله عز وجل الذریة الطاهرة من صلبه (علیه السلام) فحسب بل جعل استجابة الدعاء تحت قبته، ولیس المراد من هذه القبة القبة الطینیة بل قبة السماء من عند قبره حتی شعاع منتهی البصر فی الأفق وتلاقی السماء والأرض، بل بمعنی أنه عند الإقتراب من سید الشهداء لا یکون هناک حاجب من الجبت والطاغوت أو من جبابرة الخلق بل هناک شفافیة خاصة عنده بالاتصال بالساحة الربوبیة، فطریق الحسین هو طریق حصد الطغاة والجبابرة. فإن الجبت کما فی اللغة هو نوع من الجدران الکثیفة، وهذه الجدران أو السدودات التی تکون عقبة وحاجب عن الوفود علی الله تعالی کلها تحصد فی طریق الحسین (علیه السلام) من خلال استجابة الدعاء تحت قبته (علیه السلام) ومن ثم فإن تلک البرکات السماویة سوف تنزل بعد کسر هذه الموانع الفرعونیة وموانع الشرک بالله.

وهذا لیس فقط فی استجابة الدعاء بل حتی الشفاء فی تربته، ولا نقصد بهذه التربة الجغرافیة فحسب بل حتی التربیة المعنویة

ص:69

والروحیة والتی هی بمعنی الإقتراب من سید الشهداء (علیه السلام) فاستجابة الدعاء تحت قبته (علیه السلام) یعنی قبول مطلق العبادات، والشفاء فی تربته (علیه السلام) یعنی نزول البرکات وکل ذلک جاء عن طریق سید الشهداء:

ومن کل ما تقدم یتضح أن العقائد وقبول الأعمال مشروطة بإمامته وولایته حیث أن من أصول العقیدة هی الإمامة والذریة من صلبه وکذلک قبول الأعمال، وأما الدعاء الذی تحت قبته فهذا ینبیء عن أن أعمالنا مشروطة بولایته (علیه السلام).

ص:70

لماذا لم یخرج الحسین بمفرده

هناک إثارة تطرح بین الحین والآخر، وهی أنه لماذا خرج الإمام الحسین (علیه السلام) بمعیة عیاله من الأطفال والنساء ولم یخرج بمفرده وهو یعلم بأن الشهادة لا محال منها.

إن فلسفة وسر ذلک أکثر من وجه کما ذکر أکثر من واحد، وقد أجاب عن ذلک الإمام الحسین (علیه السلام) نفسه عندما سأله محمد بن الحنفیة فأجاب علیه السلام: (إن الله قد شاء أن یراهن سبایا)(1).

ولکن أحد الأسباب المهمة هو أن سید الشهداء (علیه السلام) یجسد للبشریة عبرة وقدوة وأسوة، فإن کل إنسان له تعلقات عدیدة فی حیاته الدنیویة من قبیل التعلق بالزوجیة والتعلق بالأولاد والتعلق بالأخوان والتعلق بالأصحاب وبالأحبة وبالعشیرة، کما فی قوله تعالی (قُلْ إِنْ کانَ آباؤُکُمْ وَ أَبْناؤُکُمْ وَ إِخْوانُکُمْ وَ أَزْواجُکُمْ وَ عَشِیرَتُکُمْ وَ أَمْوالٌ

ص:71


1- (1) اللهوف: 64، البحار: ج364 :44.

اِقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَ مَساکِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِی سَبِیلِهِ) (1).

فکل هذه التعلقات کانت موجودة فی واقعة الطف ومع هذا یقدم الحسین علی الشهادة ولا تعیقه أبداً بل جندها وعبدها ووظفها وفداها لطریق الدین.

فأخذ عیالاته وکل حرمه (علیه السلام) فی عرصة کربلاء وعرصة المواجهة، واضح أن کل هذه الأمور لا تقف جبل أو عقبة أمام استبسال سید الشهداء (علیه السلام) بل وظفها فی سبیل الله، وهذا غیر أنه یستشهد بنفسه فقط، فهناک فرق کبیر بین أن تستشهد بنفسک وبین أن تأتی بکل شؤون نفسک الأخری وما لدیک وتفدیه وتخاطر به إلی آخر لحظة من حیاتک.

ولیس ما لدیک من مال وبنین بل بما لدیک من مریدین ومحبین وأولیاء، وهذا یعنی أنک تفدی وجودک المعنوی الذین یحملون أسمک فی المجتمع تفدیهم فی سبیل الله وهذا هو الموقع السیاسی والموقع الاجتماعی کل هذا وذاک لم یکن عائقاً لفداء سید الشهداء إلی الله تعالی.

وبسبب کل ذلک أصبح الحسین (علیه السلام) مدرسة وجامعة وکتاب

ص:72


1- (1) التوبة: 24.

جامع فی صفحات الشباب وصفحات الأولیاء والمریدین والتابعین، یعنی صفحات تتصفح فی کل صفحة ففیها دروس وعبر لشریحة من شرائح المجتمع، ولذا نری جمیع شرائح المجتمع ینجذب لسید الشهداء (علیه السلام) شاء أم أبی.

ص:73

الحور العین من نور الحسین (علیه السلام)

فعن رسول الله (صلی الله علیه و آله):

(... وفتق نور الحسین (علیه السلام) وخلق منه الجنان والحور العین، والحسین والله أفضل من الجنان والحور العین...)(1).

فهناک تناسب فی عالم الخلقة والتکوین، فحور العین مما تزین بالجمال وهذا یعنی أن رشحة من رشحات جمال نور الحسین خلقت منه الحور العین بل کل جمال عالم خلقة الآخرة، وهذا الجمال خزنه الله فی الحسین وکما فی بعض الروایات أن الحسن والحسین قرطی العرش.

وفی بیان لسید الأنبیاء یضیف أن الحسن والحسین أکرم الناس نسباً حیث روی الأعمشی أن النبی (صلی الله علیه و آله) أتی باب المسجد فقال: یا بلال هلم علیّ بالناس فنادی منادی رسول الله (صلی الله علیه و آله) فی المدینة فاجتمع الناس عند رسول الله (صلی الله علیه و آله) فی المسجد فقام علی قدمیه فقال: یا معشر الناس ألا أدلکم علی خیر الناس جداً وجدة،

ص:74


1- (1) الروضة فی فضائل أمیر المؤمنین(علیه السلام)الشاذان بن جبرئیل القمی: 113.

قالوا بلی یا رسول الله، قال: الحسن والحسین فإن جدهما محمد وجدتهما خدیجة بنت خویلد، یا معشر الناس ألا أدلکم علی خیر الناس أباً وأماً، فقالوا بلی یا رسول الله، قال: الحسن والحسین فإن أباهما علی یحب الله ورسوله ویحبه الله ورسوله وأمهما فاطمة بنت رسول الله.

یا معاشر الناس ألا أدلکم علی خیر الناس عماً وعمة، قالوا بلی یارسول الله، قال: الحسن والحسین فإن عمهما جعفر بن أبی طالب الطیار فی الجنة مع الملائکة، وعمتهما أم هانی بنت أبی طالب، یا معشر الناس ألا أدلکم علی خیر الناس خالاً وخالة، قالوا بلی یا رسول الله، قال: الحسن والحسین فإن خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زینب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ثم أشار بیده هکذا یحشرنا الله، ثم قال: اللهم إنک تعلم أن الحسن فی الجنة والحسین فی الجنة وجدهما فی الجنة وجدتهما فی الجنة وأباهما فی الجنة وأمهما فی الجنة وعمهما فی الجنة وعمتهما فی الجنة وخالهما فی الجنة وخالتهما فی الجنة، اللهم إنک تعلم أن من یحبهما فی الجنة ومن یبغضهما فی النار(1).

فإن کل الذی یحیط بالحسین جمال ونور، وهذا مثل نواة

ص:75


1- (1) آمالی الصدوق: 356 (المجلس السابع والستون).

الزهرة، وهذا الجمال والنور أودعه الله فی الحسن والحسین (علیه السلام).

وهذا الجمال فی الحسین(علیه السلام) هو الذی یبین لنا السبب فی إنجذاب أهل بیته وأصحابه إلیه فوق المیل العقلی المعتاد أی درجة الربیون وهکذا کل جیل بشری سبق زمانه واقعة الطف أم تأخر من الأجیال اللاحقة وهو الذی یفسر هذه القدرة المعنویة علی جذب الملایین من البشر فی الأربعین وغیرها من المواسم علی بذل الغالی والنفیس لأجل الحسین (علیه السلام) فی سبیل الله, والذی یفسر جذب الشهداء للاستشهاد فی سبیل الله عندما یهتف بهم لبیک یاحسین .

فالحسین یجعل الموت والقتل - الذی له مرارة وخوف - له حلاوة ولذة .

ص:76

أصحاب الحسین سادة الشهداء

ولیس الأمر یقتصر علیه (علیه السلام) وإنما أصحابه لهم منزلة وأنجذاب فضلاً عنه (علیه السلام) فقد ورد نعتهم بسادة الشهداء کما فی الزیارة الواردة عن المعصوم (أنتم سادة الشهداء فی الدنیا والآخرة)(1) فما هو سر ذلک؟!

إن محنة الإستضعاف فی ملحمة الطف کانت محنة شدیدة، لأن احتمال الظفر والنصر کان ضئیل جداً، ولم تکن المحنة فی أنفسهم فقط بل محنوا فی أولادهم ونسائهم وممتلکاتهم، فکان الجمیع یعلم أن نسائهم سوف تسبی وتسجن کبقیة حریم الحسین (علیه السلام) وکذلک أولادهم وشملهم سوف یشتت، ودورهم سوف تصادر وتحرق وهذا کل ما یملکونه سوف ینسف تماماً. فهم عاشوا أیام عدیدة لهذا الإمتحان وأما الباقین فهم منکفؤون علی أنفسهم، فمن لم یکونوا أعداء وشارکوا فی معسکر بنی أمیة وعمر ابن سعد وعبید الله بن زیاد فهم لا أقل متخاذلین ومنکبین علی أنفسهم،

ص:77


1- (1) کامل الزیارات: 36، الباب: 79، الکافی ج574 :4.

وکان بعض هؤلاء من الصحابة والتابعین ومن الأسماء اللامعة. بینما أصحاب الحسین (علیه السلام) عاشوا همّ طلاق الدنیا ولیس فی لحظة من اللحظات وإنما لعدة أیام، فتارة الإنسان یستشهد فجأة فهو یری الحدث لحظات ثم یقتل، أما هنا فالأمر مختلف تماماً فهم عاشوا الشهادة لأیام وأسابیع لأن قائدهم بشرهم ونبأهم بکل ما یجری علیهم وعلی عیالاتهم وتراهم یجیبون إمامهم بقولهم: (والله لا نخلیک، حتی یعلم الله إنا قد حفظنا غیبة رسول الله (صلی الله علیه و آله) فیک، والله لو علمت أنی أقتل، ثم أحیی، ثم أحرق حیاً ثم أذر ویفعل ذلک بی سبعین مرة ما فارقتک)(1).

والآخر یقول: (والله لا نفارقک، ولکن أنفسنا لک الفداء، نقیک بنحورنا وجباهنا وأیدینا، فإذا قتلنا کنا قد وفینا وقضینا ما علینا)(2). بل کان لدیهم إندفاع ونشاط وحیویة، ولم یصبهم أی زلزال أو إضطراب أو تملل نفسی وهذا هو العلو فی همة النفس ونجابتها.

بل حتی نسائهم کانت لهن هذه الإمتحانات التی بدأت قبل محرم إلی ما بعد عاشوراء التضحیة والفداء، فإن دعم هذه النسوة یزید فی الهمة والقوة للرجال.

ص:78


1- (1) ابن کثیر ج177 :8، وابن طاووس فی اللهوف: 36.
2- (2) المصدر السابق.

إذن سؤدد شهداء الطف سببه هذا الإمتحان الطویل وفی کل میادین النفس ولم تکن لهم شهادة بأبدانهم ودمائهم فقط بل شهادات علو نفسانی وفی میادین کثیرة من فضائل النفس، فلیس جهادهم کباقی الجهاد کما فی شهداء بدر فقد وعدهم الله بالنصر الدنیوی ولکن فی شهداء الطف عاشوا شدة الإستضعاف أی الذی یعبر عنه بالقتل التدریجی ونراهم یتمنون القتل ألف مرة لیس فداءاً لسیدهم الحسین (علیه السلام) فحسب بل لما دونه لأهل بیته کما یقول زهیر بن القین (والله لو وددت أنی قتلت ثم نشرت، ثم قتلت، حتی أقتل کذا ألف قتلة، وأن الله یدفع بذلک القتل عن نفسک، وعن أنفس هؤلاء الفتیة من أهل بیتک)(1).

ص:79


1- (1) الإرشاد للمفید: 231، تاریخ الطبری.

زوار الحسین (علیه السلام) ینشغلون بجماله عن الحور العین

إن أساس العلاقة التی بین أولاد الحسین مع الحسین، وأخوة الحسین مع الحسین، وأصحاب الحسین مع الحسین هی الحب، وهذا لیس قصة تکلیف، ولا قصة إستجابة عقلیة، فإن کل أحداث عاشوراء لا نستطیع تفسیرها بأنها دعوة عقلیة لطاعة سید الشهداء (علیه السلام) لأن هذه الطاقة لا تتولد من العقل ولا من القلب ولا من التکلیف (ما عبدتک خوفاً من نارک ولا طمعاً فی جنتک) لأن بعض الأفعال التی تصدر ممن یحیط بالحسین (علیه السلام) لا تفسر خوفاً من النار ولا طمعاً فی الجنة التی هی دعوة

العقل، بل لا تفسر إلا (وجدتک أهلاً للعبادة فعبدتک)(1).

وهذا هو الحب، فإن الحب له هذه الطاقة وهذه الحرکة، أما حرکة قوة التکلیف فأقل من ذلک بکثیر، ولذلک یقولون الطف حرکة حب ولیست حرکة عقلیة بل فوق قوة حرکة التکلیف

ص:80


1- (1) بحار الأنوار، ج186.67 :64

والعقل، ولذلک نری أن زوار الحسین (علیه السلام) یوم القیامة ینشغلون بالنظر إلی جمال وجه سید الشهداء ویترکون أزواجهم من الحور العین حتی تجزع تلک الحور من الأنتظار.

فعن زرارة ,عن أحدهما (علیه السلام) أنه قال : یازرارة مافی الأرض مؤمنة إلا وقد وجب علیها أن تسعد فاطمة (علیها السلام) فی زیارة الحسین (علیه السلام) , ثم قال: یازرارة انه إذا کان یوم القیامة جلس الحسین(علیه السلام) فی ظل العرش , وجمع الله زواره وشیعته لیبصروا من الکرامة والنضرة والبهجة والسرور إلی أمر لایعلم صفته إلا الله , فیأتیهم رسل أزواجهم من الحور العین من الجنة فیقولون : إنا رسل أزواجکم إلیکم ؛ یقلن: إنا قد أشتقناکم وأبطأتم عنا , فیحملهم ماهم فیه من السرور والکرامة علی أن یقولوا لرسلهم: سوف نجیئکم إن شاء الله(1) .

وهذا یعنی أن التعلق بالحسین (علیه السلام) فوق قدرة التکلیف العادی وفوق قوة قدرة العقل ولذلک من أعظم صفات سید الأنبیاء أنه (حبیب الله) وهذا لم یناله أحد من أولی العزم وغیرهم.

وبعبارة أخری فی بعض الخطوات جهنم لیست لها أی قدرة داعویة ، وکذلک الجنة بأکملها لیست لها قدرة داعویة باعثیة

ص:81


1- (1) نوادر علی بن أسباط:123 المطبوع ضمن الاصول السة عشر ،بحار الانوار 75: 101 ، مستدرک الوسائل 228: 10 - 229 .

محرکیة للإنسان أن یخطوها، ولکن الذی خطی کل هذا هو من یحیط بسید الشهداء (علیه السلام) لأن عالم النور أعظم تأثیرا فی النفوس جذبا وتحریکا من عالم الجنان وعالم النیران. ولذلک یترک زوار الحسین (علیه السلام) الحور العین لأنهم یرون نور الحسین (علیه السلام) أبهی من الجنة فکیف یترکوه (ما عبدتک طمعا فی جنتک بل وجدتک) وکررّ وجدتک وجدتک ،( فما الذی فقد من وجدک وما الذی وجد من فقدک) الوارد فی دعاء الحسین (علیه السلام) فی عرفة، ففی قوله علیه السلام (فإنی لا أعلم أصحاباً أوفی ولا خیراً من أصحابی، ولا أهل بیت أبر وأوصل من أهل بیتی...) فما الذی جذبهم إلی الحسین (علیه السلام) وهم تیقنوا أنهم سیقتلون ویقطعون؟!

إن الذی جذبهم هو نور الحسین (علیه السلام) والتی هی أکثر قدرة جاذبیة من الجنة، وأکثر قدرة محرکیة من فوق النیران. ولذلک فإن کل طبقة من طبقات المجتمع وکل شریحة من شرائحه وکل سن وعمر من أعمار الإنسان یجد نسخة کمال له متناسبة ومتناغمة فی کتاب کربلاء، وکتاب الحسین، وکتاب الطف، وهذا إنجذاب عام لسید الشهداء (علیه السلام).

ص:82

نعم لتسییس الشعائر، لا لتسییس الشعائر

هناک إثارتان متقابلتان:

الأولی: لماذا تسیس الشعائر الحسینیة وتأخذ صبغة السیاسة وبالتالی سوف تفقد روحیتها وصفائها ونورها وخلوصها.

الثانیة: لماذا تجعلون الشعائر الحسینیة جوفاء ولیس لها أی مؤدی ینعکس علی واقعنا السیاسی.

الجواب الأول:

فی البحوث السابقة کنا نذکر جواب وسطی لهاتین الإثارتین وهو: أن المعصوم عدل القرآن فهو القرآن الناطق، ومن هنا فإن المعصوم حاله حال القرآن وحال الوحی وحال الشریعة إن عزلت الشعائر عن الواقع التطبیقی فهو کعزل القرآن عن الواقع البیئی الحیاتی، فإذا لم یکن للشعائر الحسینیة أی أداء لواقعنا المعاشی وعزلت تماماً کما فی القول الأول فسوف تکون الحیاة معزولة عن الدین وکأنما الدین شیء والدنیا شیء آخر.

ونفس هذا الجواب أیضاً نقوله علی الاعتراض الثانی وهو أن

ص:83

إخلاء الشعائر الحسینیة عن مضمونها الأصلی وتصبح بحث عن الشجون، وهذا أیضاً عزل للوحی عن الواقع المعاشی ولکن بصورة شعار وهو أن نعالج الشؤون المعاصرة ونغفل حینئذٍ عن رؤی وأنوار الوحی التی نستمدها من القرآن الناطق والقرآن المجسم الذی هو سید الشهداء (علیه السلام).

إذن الطریقة الوسط هی الطریقة المألوفة والمعهودة منذ القدیم أنه یستمد من الوحی بشکل مفاد عام، قالب عمیق، کبروی، وأیضاً ینقح الموضوع کصغری وکواقع تطبیقی لیستمد الحلول مع رعایة ودراسة الواقع الموضوعی من الوحی.

إذن هو نوع من المواکبة ولکن لمنهل ونمیر العین الوحیانیة لسیرة المعصوم ومن ثم تطبق علی واقع علاجنا.

الجواب الثانی:

وهناک جواب آخر أعمق وأوسع من الجواب السابق، فنقول نعم لتسییس الشعائر وفی نفس الوقت لا لتسییس الشعائر، بمعنی أن نجعل الشعائر أو القرآن أو الوحی المجندة والمسیسة إلی سیاسیات لأشخاص أو فئات فتکون قالب بید إتجاهات، فإنه مهما تکون الفئات البشریة المعاصرة لیست هی بأفق المعصوم أو بأفق الوحی فسوف تکون لها خصائصها الشخصانیة المحدودة التی تتناولها أو تتجاذبها النزعات الذاتیة والنفسانیة، والتی لیست لها

ص:84

سعة بسعة الخلوص عن الذاتیات وعن الأنانیات والعرقیات والقومیات والفئویات إلی رحاب خلوص وخلاص إلی رحاب النظرة التوحیدیة الخلوصیة الإخلاصیة الواسعة الأفق بحسب آفاق الخلقة الإلهیة جمعاء. فإن لون الحسین (علیه السلام) لونه التوحید، والشعائر لونها لون الدین کله ولجمیع البشر والفئات.

أما إذا أرید أن تجیر الشعائر الحسینیة إلی سیاسات ضیقة وقزمة بقامة الفئات والجماعات والأشخاص ومن ثم توظیفها لآفاقهم ومآربهم المحدودة بحدودهم وأغراضهم المؤقتة بنزعاتهم الذاتیة فسوف تلوث الشعائر الحسینیة بتلوث الأنانیة الفئویة، لأن هذا نوع من البرثنة لها الشعائر فی حضیض ذاتیات وانانیات وفئویات ضیقة، فإن الشعائر الحسینیة وسیعة بوسع الدین، ووسیعة بوسع البشریة وبوسع کل الفئات والجماعات، فإذا کانت هذه الشعائر المقدسة تتخذ لأجل جعلها سلاح یتخذه بعض الفئات لتمریر أهداف ونظرات محدودة لهم فلا لتسییس الشعائر الحسینیة بسیاسات جزئیة وضیقة.

نعم الدین یعالج الکلی والجزئی، الوسیع والضیق ولکن حصره فی الأفق الضیق فهذا غیر صحیح إطلاقاً، فإذا کان التسییس بهذا المعنی فنقول لا لتسییس هذه الشعائر المقدسة.

ص:85

التسییس الإلهی

ولکن من جهة أخری نقول نعم لتسییس الشعائر إذا کانت بسیاسات إلهیة واسعة الأفق بسعة المبادیء، وبشفافیة خالصة من کدورة العصبیات وتمصلح الفئات، بسیاسة یکون مرکزها المعصوم وبرنامج

مدرسة أهل البیت (علیهم السلام) وبرنامج الثقلین، فإن المشروع الکبیر الذی لدی الثقلین أضخم من مشروع الفئات أو مشروع القومیة الخاصة والفئة الخاصة، فإن مشروع أهل البیت (علیهم السلام) یمتلک برمجة للفئات وبرمجة للقومیات بل لکل الجماعات ولکن فی ضمن المشروع الکبیر والضخم لسعادة کل المؤمنین وکل المسلمین وکل البشریة بل لکل الموجودات التی تنفتح علی مشروع الإمام المهدی (عج) وینفتح علی مشروع وأنوار أهل البیت (علیهم السلام) فی أصقاع الأرض. فبهذا المعنی نقول نعم لهذا التسییس الذی یسعی لإرساء العدالة والعقل والتعقل والرقی العقلی والروحی والمعنوی فی سائر الأرجاء ضمن شعار أهل البیت (علیهم السلام) کشعار المشروع

ص:86

المهدوی الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً أی توحیداً ونبوة وولایة وعدلاً. أما فی ظل سیاسات ضیقة ومحدودة فلا لهذا التسییس.

ص:87

الانجذاب الروحی لسید الشهداء (علیه السلام)

هناک مشاهدة محسوسة عیانیة للجمیع وهی بمثابة برهان معنوی وفکری وروحی بحسب منطق العلوم البشریة الإنسانیة، وبحسب منطق العقل، وبحسب منطق الدین والوحی، وهی أنه یلاحظ فی فضاء الجو الروحی لشعائر سید الشهداء (علیه السلام) والتعلق به هناک جاذبیة روحیة خاصة إلی الحسین وأهل بیته وأصحابه المستشهدین معه.

وهذه الجاذبیة الروحیة لیسی لدی المؤمنین فقط بل لعامة البشر فضلاً عن المسلمین. لأنهم منبع روحی کلما تجدد فی الخاطر البشری ولکل شرائح المجتمع فسوف یستمد منه حرارة ووهج وتوجیه وإثارة وجاذبیة روحیة لا تنفذ.

وبعبارة أخری لو قایسنا قدویة جاذبیة سید الشهداء (علیه السلام) للوهج الروحی والمعنوی عند المؤمنین بل حتی المسلمین الذین یلتزمون - علی أقل تقدیر عدم البغض والنصب والعداء لأهل البیت (علیهم السلام) وینظرون إلی الحسین (علیه السلام) بموضوعیة وحیادیة فإن

ص:88

إنجذابهم لا یقاس بأنجذاب المسیحیین للنبی (صلی الله علیه و آله)، فإن ما یقومون به من البکاء علی النبی عیسی ابن مریم (علیه السلام) یوم قتله حتی یسیلون الدماء علیه (علیه السلام) لا نجد عندهم هذا الارتباط والانشداد الروحی بین محبی الحسین (علیه السلام) ومن کل فئات البشر بالحسین (علیه السلام)(1).

إن هذا الانشداد الشدید لو قایسناه مع أنجذاب أی ملة بقدوتهم فلم نجد ولانجد هذا العنفوان الروحی وهذا الجیشان الروحی الشفاف القوی المؤثر حتی فی خلق المنجذب لسید الشهداء (علیه السلام) بحیث یبدله ویغیره ویصهره من حیث یشعر أو لا یشعر.

واللطیف أن کل طبقات المجتمع وشرائحه یجدون لون خاص لهم فی مدرسة سید الشهداء (علیه السلام) تجعلهم ینجذبون إلیه (علیه السلام) وهذا لیس صدفة عقلاً، فما هذه الدرجة الجمالیة أو الکم الفضائلی أو الکم والمخزون الروحی الهائل الموجود فی روح ونور سید الشهداء بحیث لا ینضب هذا المعین.

ص:89


1- (1) فهناک تقاریر ل (BBC) تصرح أن هناک تنامی فی الشعائر الحسینیة بعد سقوط النظام لیس فی العراق فحسب بل فی کل بلدان العالم بما فی ذلک الدول الأوروبیة وغیرها وأعتبروا هذا التنامی بالظاهرة الخطیرة، لأنها ضد الظلم والباطل حیث یقول المراسل أروا دایمون (Arwa damon) مراسم عاشوراء، رمز الوقوف ضد الظلم والباطل.

فلو کان شیء معدود فمجموعة ینضب ، ولکن هو عین ومنهل النمیر غیر المحدود فی سعة مادته فلا ینزف، وهذا شبیه القرآن الکریم الذی یبین أحد مظاهر الملکوت فی الجنة الأبدیة من أنه عین لا تنزف، وهذا غیر معقول من جهة العلوم الروحیة والعلوم العقلیة أن البشریة بأفکارها وخواطرها وقلوبها کالفراش تحوم حول شمعة الحسین (علیه السلام) وهذه الشمعة لا تنطفیء فی القلوب والروح وفی إنجذاب الروح لها.

وهذا یدل علی عصمة سید الشهداء (علیه السلام)، بل أعظم من قضیة العصمة فإنها تدل علی مرتبته (علیه السلام) فی الإصطفاء الإلهی ففی الجذب الروحی یغایر مرتبة النبی عیسی (علیه السلام) وغیر مرتبة باقی الأنبیاء مع أتباعهم، فلم نجد هکذا إنجذاب لأتباع موسی أو عیسی أو إبراهیم أو یحیی أو داود (علیهم السلام) لهؤلاء الأنبیاء وغیرهم، بحیث یذوبون ویتماوتون لأنبیائهم کما نجد ذلک فی أتباع الحسین (علیه السلام) ومن عامة المسلمین والبشر عدا النواصب فی إنجذابهم إلی الحسین (علیه السلام) بلا کلل أو ملل، فإن الکلل والملل لا یرفعه الشعر أو الخیال بل تغذیه الحقائق وتغذیه الحقیقة الروحیة الحارة فی عالم الروح وفی عالم الکمالات.

ص:90

إن لقتل الحسین حرارة

فلا نجد أی عزوف عن الحسین (علیه السلام) بل تجدد لا یبلی، وهذا کما مر شبیه القرآن الکریم فإن الحسین (علیه السلام) عدل القرآن، فکما أن القرآن لا یبلی لأنه یانع أکثر فأکثر فهکذا قضیة الحسین (علیه السلام) فإنها تزداد اشتعالاً ونوراً فی الأجیال القادمة، وهذا ما صرح به النبی (صلی الله علیه و آله): إن لقتل الحسین حرارة فی قلوب المؤمنین لا تبرد أبداً(1).

إن هذه الحرارة لا توجد عند قلوب المؤمنین الصالحین فحسب بل حتی عند غیر الصالحین، وهذا برهان واضح علی علو روحی ومخزون لدیه (علیه السلام) ترتوی منه هذه القلوب، وهذا لیس تعبیراً عاطفیاً أو تعبیرا نثریا أو شعریا بل بمعنی فلسفی، عقلی، منطقی، بحسب العلوم الروحیة، بأعتبار أن هناک نوع من ارتباط الأرواح تطلع وترائی بین الروح والروح، ونوع من الاتصال،

ص:91


1- (1) مستدرک الوسائل: ج318 :11.

وهذه المصطلحات باتت واضحة لدی البشر فی العلوم الروحیة فی شرق الأرض وغربها، ولیس قولنا هذا من قبیل اصطلاحات وسفسطات وهلوسات باطنیة بل هذه الأمور أصبحت من الأمور العلمیة الواضحة لدی البشر.

وهذا الأرتواء الذی فی النفوس لا ینقطع وبلا فتور جیلاً بعد جیل، ولا نجد من یضخ هذا العطاء الروحی حتی المسیح ابن مریم أو بقیة الأنبیاء (علیهم السلام) فی البشر عدا سید الأنبیاء وسید الأوصیاء وسیدة النساء وذریتهم الطاهرة، نعم سید الشهداء له مکانته الخاصة (لا یوم کیومک یا أبا عبد الله) کما یقول الإمام الحسن (علیه السلام) بل کل الأئمة (علیهم السلام) فلا یوم بمعنی أن عالم الحسین (علیه السلام) عالم خاص، فلا یمکن أن یکون هذا الإنشداد والإنجذاب من فراغ روحی وإلا فکیف یصیر عطاء من هذا النموذج الروحی الذی یتمثل مثاله حذاء الأرواح، لأنه کعبة القلوب وکعبة الأرواح التی تطوف حولها تلک الأرواح دائماً، وأصبح مرکزیة للأرواح والأفکار والقلوب فهو (علیه السلام) ممد الأرواح وممد النفوس بهذه الفضائل الجمالیة حیث ینتشلها من براثن واقعها إلی سمو ما هو یتحلی به من جمال ومن فضائل ومن نور وصفاء، فلا یطفأ روحیاً ولا معنویاً، وهذا مما یدل علی موقعیة سید الشهداء (علیه السلام) وفضیلته ومقامه بالقیاس مع بقیة البشر.

ص:92

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.